قراءة سورة العصر قبل الافتراق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم يختمون المجلس " بكفارة المجلس" المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً سورة العصر؟ لأني بحثت فلم أجد حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم يختم المجلس بسورة العصر. وهل هذا من البدع المستحدثة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما رواه أبو داود (4859) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) وَقَالَ: (كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعلم الصحابة رضي الله عنهم وفضلهم وشدة اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أن من علم منهم بهذا الحديث كان يعمل به، ولا نحتاج إلى ثبوت هذا عن كل واحد منهم، بل الأصل فيهم العمل بالحديث واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
ورد في قراءة سورة العصر قبل التفرق أثر يدل على أن ذلك كان من هدي الصحابة رضوان الله عليهم.
فعَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ: " وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ "، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ) رواه أبو داود في "الزهد" (رقم/417) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (5/215) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/501) من طريق: حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي مدينة الدارمي به. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2648) ، وعلَّق عليه قائلاً:
"وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم جميعاً:
أحدهما: التسليم عند الافتراق....
والأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً، ولِمَ لا؟ وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم أحسن الثناء، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/726)
هل هناك أعمال صالحة خاصة بالمرأة الحامل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنني حامل، وأدعو الله أن يرزقني بولد صالح. أود أن أعرف ما إذا كان هناك أي أعمال صالحة يمكنني أن أعملها وأنا حامل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل أهم عمل صالح يمكن للمرأة الحامل عمله والعناية به هو تعلم أساليب التربية النافعة، والقراءة في كتب التربية الموثوقة، والاستماع إلى المتخصصين من أهل العلم الأمناء، وذلك لأن التربية الصالحة هي أهم وظيفة يقوم بها الآباء تجاه أبنائهم، لا يعادلها جمع مال، ولا شراء حاجيات، ولا غير ذلك، حتى قال بعض الحكماء:
" أفضل ما يورِّث الآباء الأبناء: الثناء الحسن، والأدب النافع، والإخوان الصالحون "
ذكره ابن عبد البر في "بهجة المجالس" (ص/18) ويروى نحوه في حديث مرسل، انظر "السلسلة الضعيفة" (رقم/1121)
ولا يظنن ظان أن التأدب أمر يسير، بل هو مجموعة من الأخلاق والأذواق التي لا يتحصل عليها المرء إلا بالتجربة والرعاية وتأديب المؤدبين، فإذا اتكل الوالدان على تأديب الطبع السليم فقد أسلما أولادهم إلى تفريط وضيعة.
يقول الماوردي رحمه الله:
" اعلم أن النفس مجبولة على شيم مهملة، وأخلاق مرسلة، لا يستغني محمودها عن التأديب، ولا يكتفي بالمرضي منها عن التهذيب؛ لأن لمحمودها أضدادا مقابلة، يساعدها هوى مطاع وشهوة غالبة، فإن أغفل تأديبها تفويضا إلى العقل، أو توكلا على أن تنقاد إلى الأحسن بالطبع، أعدمه التفويض درك المجتهدين، وأعقبه التوكل ندم الخائبين، فصار من الأدب عاطلا، وفي صورة الجهل داخلا؛ لأن الأدب مكتسب بالتجربة، أو مستحسن بالعادة، ولكل قوم مواضعة، وذلك لا ينال بتوقيف العقل، ولا بالانقياد للطبع حتى يكتسب بالتجربة والمعاناة، ويستفاد بالدربة والمعاطاة، ثم يكون العقل عليه قيما، وزكي الطبع إليه مسلما، ولو كان العقل مغنيا عن الأدب، لكان أنبياء الله تعالى عن أدبه مستغنين، وبعقولهم مكتفين، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) " انتهى.
"أدب الدنيا والدين" (ص/286) .
وذلك – ولا شك – من مقتضى قوله سبحانه وتعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/6
فإذا أصبح الوالدان على وعي كاف بهذا الأمر، واستشعرا حقيقة وخطورة شأن التربية والتأديب، تغير حال أمتنا جمعاء إلى الأقوم والأصلح بإذن الله.
كما ننصح المرأة الحامل بالحفاظ على الفرائض والصلوات، والإكثار من الدعاء وسؤال الله تعالى الولد الصالح البار والعافية في الدنيا والآخرة، فما أعطي أحد عطاء أفضل من العافية.
ولا نعلم عبادة مخصوصة جاء الشرع بندب الحامل إلى القيام بها دون غيرها من الناس.
ويمكن الاستفادة من كتاب: مسؤولية الأب المسلم نحو الولد في مرحلة الطفولة، تأليف: عدنان صالح باحارث.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/727)
هل يجوز قص شعر العنفقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشعر الواقع تحت الشفاه السفلى في المنتصف يدخل ضمن اللحية.. فأنا أخفف تلك المنطقة باستمرار لأنها تضايقني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشعر الذي يقع تحت الشفة السفلى وفوق الذقن يسمى " العنفقة ".
جاء في "الموسوعة الفقهية" (25/317) :
" عنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن " انتهى.
وقد اختلف أهل العلم في حكم أخذ شعر العنفقة على قولين:
القول الأول: المنع، شدد فيه المالكية فقالوا بالتحريم – كما في "حاشية العدوي" (2/446) .
ونص الحنفية والشافعية على الكراهة، بل قال الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/144) :
" ونتف الفَنِيكَين بدعة، وهما جانبا العنفقة " انتهى.
وروى الجصاص في "أحكام القرآن" (1/692) بسنده عن ابن جريج: أن رجلا كان من أهل مكة، شهد عند عمر بن عبد العزيز، وكان ينتف عنفقته، ويحفي لحيته وحول شاربيه، فقال: ما اسمك؟ قال: فلان. قال: بل اسمك ناتف. ورد شهادته " انتهى.
وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله حيث قال: " العنفقة لا يجوز حلقها فهي من اللحية " انتهى.
شرح صفة الوضوء من "الروض المربع" (الشريط/4، الدقيقة/20) .
وكذلك هي فتوى الشيخ ابن جبرين في موقعه.
http://www.ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=9811&parent=144
القول الثاني: الجواز.
ذهب إليه كثير من أهل العلم، وهو الأصح إن شاء الله:
لأن شعر العنفقة ليس من شعر اللحية، فكتب اللغة تعرف اللحية بأنها شعر الخدين والذقن، كما في "القاموس" (1714) و "لسان العرب" (5/241) وغيرها، فالعنفقة ليست منها بمقتضى كلام أهل اللغة.
والرخصة أوسع إذا كان هذا الشعر يسبب ضيقا أو أذًى لصاحبه.
جاء في "لقاءات الباب المفتوح" للشيخ ابن عثيمين (لقاء رقم/9، سؤال/6) :
بالنسبة للشعيرات التي تحت الشفة السفلى تقصر أم تبقى كما هي؟
الجواب:
"تسمى العنفقة، وليست من اللحية، تبقى كما هي، إلا إذا تأذى منها الإنسان " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/728)
قصص العجائب المنتشرة في المنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في القصص التي تطرح في المنتديات للعبرة، كمثل: القصة التي تروى بأن فتاة ماتت، وبعد موتها سمع صوت بكاء في الغرفة، وعندما أتوا بشيخ عالم بكى، وقال لهم هذه الملائكة تبكي. وبعض القصص التي دائما تروِي رؤية الملائكة عليهم السلام، أو حمايتهم لشخص ما. وكذلك القصص عن قبر يشتعل نارا، أو جنازة ترفض أن تدخل المسجد ليصلَّى عليها. أعتذر عن عدم التحديد، ولكن - كما تعلمون فضيلتكم - بأن المنتديات تضج بمثل هذه القصص، ونحن لا نعلم صدقها من عدمه. أرجو نشر الفتوى في الموقع، وذلك للفائدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
آيات الله في الكون كثيرة، وهو سبحانه المدبر والمصرف للأمور، له الخلق والأمر، وله الحكمة البالغة في تقلب الأيام وتصرف الأحوال.
ومن حِكَمه الظاهرة النذارة والبشارة، النذارة لمن حادَّ الله ورسوله من غضبه ومقته، والبشارة للمؤمنين برحمته وفضله، وما بعث الرسل إلا سبيلا لتحقيق هذا المقصد العظيم، ثم بعد ختمهم بخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم بقي ما يرسله الله سبحانه وتعالى من آيات يذكر بها من غفل، ويهدي بها من ضل عن سواء السبيل.
يقول الله تعالى:
(سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت/53.
ولما حكى الله عز وجل قصة أهل الكهف، بدأها بالتذكير بهذا الأمر فقال:
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا) الكهف/9.
فقد جعل الله حياتهم بعد النوم الطويل آية لمن حولهم من الناس، وكرامة لهم يُذكرون بها بين الخلق، ولم يزل علماء أهل السنة يقررون جواز استمرار الكرامات على أيدي أولياء الله من عباده، واستمرار وقوع الآيات في خلق الله لحكم يعلمها سبحانه، ولا يستبعدون في مقتضى الشرع شيئا من ذلك.
ثانيا:
غير أن الواجب على المسلم النظر بأصول الشرع، ومقتضى العقل، فيما يبلغه من قصص الآيات التي تُحكى وتنقل بين الناس، إذ الأصل أن العقل المسلم قد اعتاد الاستدلال البرهاني، والاستنتاج العقلي، لِما يقرؤه في القرآن الكريم مِن دعوةٍ إلى تحكيم العقل وطلب البرهان، فلا يجوز تجاوز هذا السبيل الذي أراده الله للعقل المسلم، ولا ينبغي تغليب النظرة الأولى – حول آيات الله وكرامات الأولياء – على هذه النظرة الفاحصة المتأملة.
يقول ابن خلدون في "المقدمة" (ص/9-10) :
" وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًّا أو سمينًا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط " انتهى باختصار.
فيجب التنبه إلى أمرين في كل قصة تحكى وتنقل:
الأمر الأول: مصدر القصة والحكاية، وهل هو مصدر موثوق أو مشكوك فيه.
الأمر الثاني: المحتوى الذي تضمه وتحكيه، فقد يكون مخالفا لمقتضى الشرع أو العقل، فلا يجوز التصديق به حينئذ، بل يجب نقده وبيان خطئه وضرورة مراجعته.
فإذا استعمل المسلم هذه الموازين، استطاع أن يميز بين القصص الثابت والقصص المخترع الكاذب، وخلال ذلك لا يجوز أن يذيع في الناس تلك الحكايات مقررا لها، ويحذر أن يكون سببا لنشر الشائعات والأباطيل، فيحفظ على نفسه وعلى المسلمين عقولهم من الاستخفاف والتيه والضلال.
ويكفي المسلم، ليحذر من تعريض نفسه، وتعريض غيره لهذه المهواة من الغرر بالدين والعقل، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم برقم (5) .
قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث: " وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث وَالْآثَار الَّتِي فِي الْبَاب فَفِيهَا الزَّجْر عَنْ التَّحْدِيث بِكُلِّ مَا سَمِعَ الْإِنْسَان فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب , فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لِإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ " انتهى. "شرح مسلم للنووي".
وقال ابن الجوزي رحمه الله في "تلبيس إبليس" (1/151) : " كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء وقد حضر مجلس عبيد بن عمير عبد الله بن عمر رضي الله عنه وكان عمر بن عبد العزيز يحضر مجلس القاص ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال فبعد عن الحضور وعندهم المميزون من الناس وتعلق بهم العوام والنساء فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا على القصص وما يعجب الجهلة وتنوعت البدع في هذا الفن " انتهى.
ثالثا:
أما عن الحكايات الواردة في السؤال، فنحن لا نعلم تفاصيلها، ولم نبحث في أعيانها، إذ لم يسم السائل شيئا معينا منها، ولكننا نقرر قضيتين مهمتين في نقد مثل هذه القصص:
1- الأصل في عذاب القبر أنه مِن عالم الغيب الذي لا يطلع عليه البشر إلا الأنبياء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (َلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ) رواه مسلم (2867) ، ولو سمعه الناس لفقد معنى الغيب الذي هو محل الإيمان واليقين، ولأصبح من عالم الشهادة الذي تقوم به الحجة على الجميع، فلا تصدق الحكايات التي تذكر سماع أصوات الموتى في قبورهم حقيقة، وغالبا ما تكون أصواتا متوهمة، أو صارخا يصرخ بها، وإن نقلت بعض القصص المسندة في ذلك فلا يكون المراد بها أصوات أهل القبور الحقيقية، فقد روى مسلم في صحيحه (2867) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، قَالَ: (بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ: مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ، فَقَالَ: رَجُلٌ أَنَا. قَالَ: فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ. قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ) .
2- رؤية البشر للملائكة في الدنيا على صورتهم الحقيقية غير ممكنة، لأنها مخلوقة من نور، والعين البشرية لا تقوى عليها، ولو رآهم الناس لما عاد ثمة فرق بين مؤمن وكافر، لأن الملائكة من عالم الغيب الذي يفصل الإيمان به بين الكفر والإيمان، وقد قرر العلماء ذلك كما سبق بيانه في موقعنا في جواب السؤال رقم: (70364) ، (96661) .
والخلاصة أن الواجب على المسلمين جميعا أن يحصلوا المزيد من الوعي، والمزيد من الفهم والعلم، وألا يعودوا بأمتهم ومجتمعاتهم إلى عصور الخرافة والضلالة، بل يتقدموا بها إلى عصور العلم والمعرفة والحقيقة.
وانظر جواب السؤال رقم: (102056) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/729)
الاستعاذة عند التثاؤب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب أن أقول عند التثاؤب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ لأن التثاؤب من الشيطان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لم يرد أن الإنسان إذا تثاءب يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإنما الوارد أن يكتم الإنسان التثاؤب ما استطاع، وإذا لم يستطع فليضع يده على فيه، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد إلى هذا عند التثاؤب، ولم يقل: وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
فإن قال قائل: أليس الله يقول: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن التثاؤب من الشيطان.
فالجواب: كل ذلك صحيح، قال الله هذا، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الشيطان، لكن المراد بالنزغ في الآية الكريمة هو هم الإنسان بالسيئة، إما بترك واجب، وإما بفعل محرم، فإذا أحس الإنسان بأنه هَمَّ بذلك، فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأما التثاؤب فقد عَلَّم الرسول عليه الصلاة والسلام ما يسن أن يقوم به الإنسان عند وجود التثاؤب" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8666.shtml
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا نعلم ما يدل على شرعية الاستعاذة عند التثاؤب لا في الصلاة ولا في خارجها" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز. . عبد الرزاق عفيفي. . عبد الله بن غديان. . عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/383) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/730)
حكم كتابة البسملة في بداية الأشعار والقصص والمقالات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة بسم الله الرحم الرحيم في بداية المقالات والروايات والقصص والأشعار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الروايات والمقالات والقصص والأشعار إن كان موضوعها حسناً، كالدعوة إلى التمسك بالدين وحسن الخلق ونحو ذلك، أو كان موضوعها مباحاً خالياً من المحرمات والمنكرات، فلا حرج من بدايتها بالبسملة، بل ينبغي ذلك، تبركاً بذكر اسم الله تعالى، واقتداء بالقرآن الكريم، فإن الله تعالى ابتدأه بالبسملة.
وأما إن كان موضوع هذه المقالات والقصص والأشعار محرماً فلا يجوز كتابتها، ولا نشرها ولا يجوز قراءتها إلا لمن ينكر ما فيها من الباطل، ولا يجوز كتابة بسم الله الرحمن الرحيم في بدايتها، لأن ذكر اسم الله تعالى على شيء من معاصيه يتنافى مع توقير الله تعالى وتعظيمه الواجب، بل قد يصل الأمر إلى نوع من الامتهان والاستهزاء باسم الله تعالى.
قال الشيخ بكر أبو زيد:
(كل محرم أو مكروه، من قول أو عمل، لا يجوز افتتاحه بشيء من ذكر الله تعالى؛ لما فيه من الامتهان، وافتتاح المعصية بالطاعة.
وذلك مثل: كتابة البسملة، أمام الشعر غير الحسن، واستفتاح اللعب المحرم، والرهان المحرم، والبرامج المضلة بالقرآن، أو الحمد، والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.
وقد وصل الناس في هذا إلى حد العبث، وعدم المبالاة، والتغطية على عقول السذج بمشروعية تلك المحرمات؛ بل وصل الحال إلى: "سجود المعصية" عندما يفوز فريق رهان على آخر، يسجد الفائز لتفوقه المحرم، وهذا السجود من أسباب سخط الله وعقابه، فالله المستعان.
وعن مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر: أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله؟ وقد قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) البقرة/152؟ قال: إن ذكر اللهَ هذا ذكره اللهُ بلعنته حتى يسكت.
وعلَّق على هذا الأثر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في "عمدة التفسير" (1/273) قائلاً: " وهذا الذي قال ابن عمر حق، ينطبق تماماً على ما يصنع أهل الفسق والمجون في عصرنا، من ذكر الله سبحانه وتعالى في مواطن فسقهم وفجورهم، وفي الأغاني الداعرة، والتمثيل الفاجر الذي يزعمونه تربية وتعليماً، وفي قصصهم المفترى، الذي يجعلونه أنه هو الأدب وحده أو يكادون، وفي تلاعبهم بالدين، بما يسمونه "القصائد الدينية" و "الابتهالات" التي يتلاعب بها الجاهلون من القراء، ويتغنون بها في مواطن الخشوع وأوقات التخلي للعبادة، حتى لَبَّسوا على عامة الناس شعائر الإسلام، فكل أولئك يذكرون الله فيذكرهم الله بلعنته حتى يسكتوا") انتهى من "تصحيح الدعاء" ص-49.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/731)
بداية الاحتفالات والندوات بقراءة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بداية الاحتفالات والندوات والاجتماعات بقراءة شيء من القرآن الكريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس ذلك من السنة، فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ فيما نعلم ـ، فالمداومة على ذلك يدخل في الابتداع في الدين. وخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
عن إدارة مدرسة تريد أن تبدأ الإذاعة المدرسية يومياً بقراءة شيء من القرآن الكريم.
فأجاب:
"الذي ينبغي أن لا يتخذ ذلك سنة دائمة - أعني: البداءة بالقرآن الكريم عند فتح الإذاعة -، لأن البداءة بالقرآن الكريم عبادة، والعبادة تحتاج إلى توقيف من الشرع، ولا أعلم أن الشرع سن للأمة أن تبتدأ خطاباتها ومحاضراتها وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم، لكن إّذا ابتدأ أحد بقراءة ما يناسب المحاضرة مثلا تقدمةً لها، ولعل المحاضر يتكلم على معاني الآيات التي قرأها فإن هذا طيب لا بأس به، مثل أن تكون المحاضرة عن الصيام فيقوم أحد الناس يقرأ آيات الصيام قبل بدأ المحاضرة، أو تكون المحاضرة في الحج فيقوم أحد ويقرأ آيات الحج، فإن هذا لا بأس به، لأنه مناسب، فهو كالتقدمة لهذه المحاضرة التي تتناسب مع هذه الآيات، أما اتخاذ هذا سنة راتبة كلما أراد المحاضرة، أو كلما أردنا كلاما قرأنا القرآن، فهذا ليس بسنة" انتهى.
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8296.shtml
وقال الشيخ بكر أبو زيد:
"ومن المحدثات التي لم تكن في هدي من مضى من صالح سلف هذه الأمة: التزام افتتاح المؤتمرات، والاجتماعات، والمجالس والمحاضرات، والندوات بآيات من القرآن الكريم، ولا أعلم حدوث هذا في تاريخ المسلمين إلا بعد عام 1342 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أما قبل ذلك فلا، فهذا قدوة الأمة رسول رب العالمين لم يعهد من هديه فعل ذلك ولا مرة واحدة، لا سيما في حال جمعه لوجوه الصحابة رضي الله عنهم للمشورة في مهمات الأمور، وهكذا الخلفاء الراشدون من بعده رضي الله عنهم من اجتماع السقيفة إلى الآخر، وهكذا في حياة من تبعهم بإحسان.
هذا إذا كان الأمر المفتتح مشروعاً، أما إذا كان محظوراً أو محرماً أو مكروهاً؛ فيحرم شرعاً افتتاحه بالقرآن لعدم شرعية السبب، ولما فيه من تعريض كلام الله تعالى للامتهان في مجلس محظور مثل دورات الرهان المحرم على لعب محرم في ميادين الكرة، والمصارعة، والملاكمة، ونطاح الحيوانات، وسباق السيارات، والدراجات، إلى غير ذلك من أمور مبنية على الرهان المحرم، وما تفضي إليه من محرمات أخرى" انتهى.
"تصحيح الدعاء" (ص 298) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/732)
الاستعاذة في أول الخطبة أو المحاضرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا أراد أن يتكلم في خطبة أو موعظة أو ندوة يبدأ الكلام بـ (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشرع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في بداية كلام إلا القرآن الكريم فقط، قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98.
فلا يستحب للخطيب أو المحاضر أن يبدأ كلامه بالاستعاذة، إلا إذا كان هناك سبب يقتضي ذلك، كما لو وسوس له الشيطان، وألقى في نفسه شيئاً من الكبر أو العجب ونحو ذلك، فلا بأس بالاستعاذة حينئذ لهذا السبب، ولا تكون الاستعاذة من أجل بداية الكلام، قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت/36.
وقال الشيخ بكر أبو زيد:
"لا تشرع الاستعاذة بين يدي كلام محبوب غير قراءة القرآن العظيم؛ لهذا فبدء بعض المتسننة عند بدء حديث أو كلام وعظ، ونحوه، بالاستعاذة، لا أصل له، هذا مقتضى ما نَبَّه عليه ابن القيم رحمه الله تعالى في سياق فوائد الاستعاذة؛ إذ قال: (ومنها: أن الاستعاذة قبل القراءة إعلام بأن المأتي به بعدها القرآن؛ ولهذا لم تشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره، بل الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع أن الذي يأتي بعدها هو التلاوة، فإذا سمع السامع الاستعاذة استعد لسماع كلام الله تعالى، ثم شُرع ذلك للقارئ، وإن كان وَحْدَه؛ لما ذكرنا من هذه الحكم وغيرها) " انتهى.
"تصحيح الدعاء" (ص273) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/733)
زيارة الأقارب إذا ترتب عليها الوقوع في محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أزور خالتي أو عمتي تجلس بناتها معنا، وأضطر إلى مصافحتهنَّ، وإذا لم أصافحهن عاتبتني عمتي أو خالتي وغضبت علي، فهل يجوز ترك زيارة العمة أو الخالة حتى تكون وحدها أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"صله الرحم واجبة شرعاً، والعمة والخالة، ممن يتأكد صلتهما، ما لم يترتب على ذلك مفسدة من حضور بنات العمة أو الخالة، ممن لست محرماً لهن ـ كما في السؤال ـ ولا تتمكن من الإنكار عليهن فيما يخالفن فيه الشرع المطهر، وعليك أن تختار وقتاً مناسباً لزيارة عمتك وخالتك ونحوهما، تأمن فيه من الاختلاط بمن ليس من محارمك. وينبغي لك أن تبين لعمتك أو خالتك ونحوهما الحكم الشرعي، وأنه لا يحل للرجل أن يصافح من ليس من محارمه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. . الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/342) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/734)
هل تلبس الساعة في اليد اليمنى أو اليسرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لبس ساعة اليد في اليد اليمنى أو في اليد اليسرى للرجال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأمر في ذلك واسع، فيجوز لبسها في اليمنى أو اليسرى للرجال والنساء كالخاتم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/80) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/735)
هل هذه العبارة صحيحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في هذه العبارة محظور: " لو يعرف الشخص منا وش مع الغيب بيجي له كان جنبنا المشاكل قبل ما يوقع ضررها "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه العبارة معناها: أن الإنسان لو يعلم ما يكون له في الغيب، لكان تجنب ما يقابله من المشاكل والشرور؛ وهي متفقة مع عقيدة المسلم، وليس فيها أي خطأ أو محذور؛ لأن الغيب مما استأثر الله به، ولو فُرض أن الناس يطلعون على الغيب ويعلمون بالحوادث قبل وقوعها لاستكثروا من كل خير، واجتنبوا كل شر، فنظروا أسباب الصحة والغنى والسعادة فسلكوها، ورأوا أسباب الفقر والمرض والهلاك فاجتنبوها، وهو فرض عقلي لأمر مستحيل، الغاية منه بيان عجز الإنسان وضعفه واستسلامه للقدر الذي قضاه الله عز وجل.
وفي القرآن الكريم ما يدل على صحة معنى هذه العبارة.
يقول الله تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف/188
جاء في تفسير ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" (3/524) قوله:
" والأحسن في هذا ما رواه الضحاك، عن ابن عباس: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) أي: من المال. وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه، فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه، وما مسني السوء، قال: ولا يصيبني الفقر.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك: لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولعرفت الغَلاء من الرخص، فاستعددت له من الرخص.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته " انتهى.
ويقول الشيخ السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص/311) :
" (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه، لعلمي بالأشياء قبل كونها، وعلمي بما تفضي إليه.
ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء، وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها، فهذا أدل دليل على أني لا علم لي بالغيب " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (49004)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/736)
أعطت غيرها حيوانا فآذاه فهل تأثم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا لو كانت نيتي سليمة في فعل شيء إلا أن نتائجه كانت حرامًا؟ هل يكون إثم ذلك الفعل عليّ؟ مثلاً: إذا أعطيت أحد الأشخاص حيوانًا كنت تملكه وأوصيته بأن يرعاه، ثم اكتشفت بعد ذلك أنه أساء معاملة الحيوان، فهل آثم على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أعطيتِ غيرك حيوانا وأوصيته برعايته، لكنه أساء معاملته، فلا يلحقك إثم بذلك، إلا إذا كنت تعلمين أنه يسيء للحيوانات ويغلب على ظنك أنه لن ينفذ وصيتك، فهنا يلحقك الإثم، لأن هذا التصرف فيه إعانة وتمكين له من الحرام. وإذا أمكن استرجاع الحيوان وإنقاذه من الأذى، لزمك ذلك.
فمن كانت نيته صالحة، وتصرف بأمر مباح، فالأصل أنه لا يأثم ولو ترتب على ذلك أمر محرم، إلا إذا كان يعلم أو يغلب على ظنه حصول الأمر المحرم من جهة الغير، فليس له أن يعينه على ذلك. ومثّل الفقهاء لذلك ببيع العنب لمن يعلم أنه يصنعه خمرا، أو بيع السلاح لمن يعلم أنه يستعمله في الحرام، فالبيع في أصله مباح، لكن إذا عُلم أو غلب على الظن أن مشتريه سيستعمله في الحرام، لم يجز البيع له.
وقالوا مثل ذلك في العارية، فلا يجوز أن تعطى العارية لمن يستعملها في الحرام، كإعارة آنية لمن يشرب فيها الخمر، أو إعارة سكين لمن يذبح بها خنزيرا، أو إعارة شقة لمن يرتكب فيها الحرام.
وغلبة الظن هنا كالعلم، فإذا غلب على الظن أن العمل سيترتب عليه شيء من الحرام، لم يجز.
وينظر: "المغني" (5/131) ، "حاشية الدسوقي" (3/435) ، "مطالب أولي النهى" (3/726) .
وبالجملة؛ فلا يجوز فعل الحرام، ولا فعل ما يغلب على الظن أنه يترتب عليه الحرام، ولو كان من الغير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/737)
النهي عن أذى الحيوانات والتحريش بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما حكم إطلاق كلاب الصيد على الغزال وهو في القيد (ممسوك) ؟ 2- ما حكم إطلاق كلاب الصيد على الغزال وهو في القيد للتدريب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إطلاق كلب الصيد على الغزال المقيد، نوع من العبث والأذى والتعذيب للحيوان، وهو محرم. وقد روى البخاري (5513) ومسلم (1956) عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ أَنَسٌ: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَالَ الْعُلَمَاء: صَبْر الْبَهَائِم: أَنْ تُحْبَس وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه , وَهُوَ مَعْنَى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوح غَرَضًا) , أَيْ: لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا [هدفاً] تَرْمُونَ إِلَيْهِ , وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ , وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر: (لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا) وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ , وَتَضْيِيع لِمَالِيَّتِهِ , وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى , وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى " انتهى.
كما ورد النهي عن التحريش بين البهائم، لكن بإسناد ضعيف.
والتحريش بين البهائم هو تهييج بعضها على بعض.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/195) : " أما تحريش الحيوان بمعنى الإغراء والتسليط والإرسال بقصد الصيد، فمباح كإرسال الكلب المعلم , وما في معناه من الحيوانات. ولا خلاف بين الفقهاء في حرمة التحريش بين البهائم , بتحريض بعضها على بعض وتهييجه عليه , لأنه سفه ويؤدي إلى حصول الأذى للحيوان , وربما أدى إلى إتلافه بدون غرض مشروع. وجاء في الأثر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم) " انتهى.
قال الخادمي في "بريقة محمودية" (4/79) : " ومثله (أي: مثل التحريش بين البهائم) : إغراء الأمراء الأسد مع النمر، أو مع البقر أو الجمل. انتهى.
أما إذا كان إطلاق كلب الصيد على الغزال بغرض تدريبه وتعليمه، فلا حرج في ذلك؛ لأنه وسيلة إلى أمر مباح مأذون فيه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/738)
حكم دخول غرف المحادثة على شبكة (الإنترنت) للتسلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدني بحكم دخولي لـ (الشات) وصفحات (الدردشة) ، حيث إن دخولي لها هو فقط للتسلية والنظر في بعض الموضوعات المطروحة ومناقشتها، ولا يخفاكم شيخنا ما يتخلل هذه الأماكن من كلام فاحش وبذيء ... أفدني حفظك الله بهذا الخصوص، ولك مني جلّ محبتي ودعائي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مما ينبغي على العبد المسلم: الحرص على تقويم النفس وتهذيبها، والارتقاء بها إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وذلك يعني منه طول المجاهدة وحسن السياسة، وأهم ما يمكن أن يعينه على ذلك: تجنب أماكن الفساد، وموارد الهلاك، فقد اتفق علماء السلوك على أن النفس مجبولة على الضعف والميل في أصل تكوينها، وأن العقل هو الذي يضبطها ويوجه طاقتها، فإذا أسلم العقلُ النفسَ إلى مراتع الفساد والهوى: فقد لا يملك بعد ذلك أن يعيدها إلى حياض النجاة والخلاص.
وهكذا هي مجالس اللهو والعبث – أخي السائل - فقد كانت – وما زالت بصورتها المعاصرة على الإنترنت – مصارف لاستنفاد الطاقات وتضييع المواهب وإهدار الإنجازات، يجتمع عليها أهل البطالة ممن لا يحملون رسالة العمل والنجاح في حياتهم، فيهدرون فيها أوقاتهم وأعمارهم التي هي أغلى ما يملكون، ويقضون أيامهم في القيل والقال، فلا هم أقاموا دنيا ولا التزموا بدين.
والمسلم حين يستشعر نعمة الفراغ التي أكرمه الله بها لا يملك إلا أن يبحث عن أفضل عمل يملأ به أيامه وساعاته، وليس فقط عن عمل حسن يسد عنه ذلك، ولذلك تجد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن أفضل الأعمال التي ينالون بها أرقى المراتب عند الله تعالى، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يسألون.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) .
رواه البخاري (6412) .
مغبون: أي: ذو خسران فيهما كثير من الناس.
قال ابن القيم - رحمه الله - وهو يتحدث عن الغيرة على الوقت -:
غيْرة على وقت فات! وهي غيرة قاتلة، فإن الوقت وَحِيُّ التقضي – أي: سريع الانقضاء – أبيُّ الجانب، بطيء الرجوع ...
والوقت عند العابد: هو وقت العبادة والأوراد، وعند المريد هو وقت الإقبال على الله، والجمعية عليه، والعكوف عليه بالقلب كله.
والوقت أعز شيء عليه، يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك، فإذا فاته الوقت: لا يمكنه استدراكه البتة؛ لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص، فإذا فاته وقت: فلا سبيل له إلى تداركه.
" مدارج السالكين " (3 / 49) .
وإن أهم ما يساعد على اغتنام الأوقات الهروب من المجالس الخاوية، وترك فضول الكلام، والنأي عن أهل الكسل والبطالة، ومصاحبة المجدين النبهاء الأذكياء المتيقظين للوقت والدقائق، والانغماس في متعة المطالعة والاستزادة من المعرفة.
فالعاقل الموفق من يملأ حاضر عمره ووقته بفائدة وعمل صالح نافع، فيترقى في مدارج السمو والرفعة، يطلب علما أو يكتب درسا أو يتعلم صنعة أو يزور رحما أو يعود مريضا أو ينصح ضالا أو يتكسب رزقا يقوم به على عياله يكفهم عما في أيدي الناس.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا – أي: فارغا – لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة.
ذكره أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في " الأمثال " (48) .
وليس في حياة المسلم تسلية في سماع المعاصي ورؤية المنكرات، وأنت تعلم أن هذه المحادثات فيها ما يخالف الشرع من الفحش في القول، والسوء في الخلق، فهل الدخول في هذه المستنقعات الآسنة هو مما ينفع المسلم، ومن الذي يحرص عليه في حياته.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) . رواه مسلم (2664) .
ولو سألك الله تعالى يوم القيامة عن هذه الأوقات التي أضعتها في القيل والقال، والكتابة والمحادثة فيما لا ينفعه، بل هو يضرك: فماذا سيكون جوابك؟ .
عن أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفيمَ أَنْفَقَهُ، وعن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ) . رواه الترمذي (2417) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (126) .
واعلم – أخي – أخيراً:
أن هذه غرف المحادثة قد أفسدت أخلاق كثيرين، وقد فرَّقت بين أحبة، وطلَّق رجال زوجاتهم بسببها، وخسرت نساء شرفهن بسببها، واغتر ضعاف الإيمان وقليلو العلم بما فيها من شبهات وانحرافات فزلت أقدامهم، والواجب على المسلم إذا سمع عن بيئة فتنة أو معصية أن ينكر على أهلها ويصلح حالهم – إن كان على ذلك من القادرين -، أو ينأى بنفسه عن تلك البيئات ولا يغتر بقوة إيمانه، أو أنه عارف بأحوالهم، وإنما هو يتسلى!
فحذار أخي السائل الكريم من الانغماس في مجالس المحادثة على شبكة (الإنترنت) ، وانأ بنفسك عما فيها من الفحش والبذاءة، فهي مجالس قليلة النفع كثيرة الضرر، لا تنفع في دنيا ولا تنجي في الآخرة.
وإذا وجدت في نفسك انجراراً نحو الفتنة والمعصية، من محادثة النساء من غير حاجة، وتوسع في الحديث مع هذه وتلك: فاعلم أنك على خطر عظيم، نرجو أن تنجو بنفسك منه
وتعتقها من قيود الشيطان الرجيم.
وقد سبق في موقعنا التنبيه على خطر مجالس المحادثة هذه في أجوبة كثيرة، منها:
(34841) و (78375) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/739)
خلافات أدت إلى قطيعة الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك خلافات عائلية بين أبي وعمتي مما جعل صلة الرحم تنقطع بيننا، هل في ذلك إثم؟ علما أن العمة تقوم بزيارتنا من جهتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، والنصوص الكثيرة في الكتاب والسنة التي جاءت في الأمر بصلة الرحم تدل على عظم شأن هذا الموضوع في شريعتنا السمحة، فإن من أعظم مقاصد الشريعة التأليف بين الناس، وحفظ روابط الأخوة والصلة بينهم.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) الرعد/21
ومما جاء في السنة النبوية من التشديد في قطيعة الرحم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) رواه البخاري (5987) ومسلم (2554)
ولو تأمل الناس فيما يسبب قطيعة الرحم بينهم لوجدوه شيئا من حطام الدنيا الزائل، مما لا يغني عند الله شيئا يوم القيامة، أو يكون بسبب ما ينزغ الشيطان بينهم، فيوقع بينهم العداوة والبغضاء بأسباب تافهة لا تستحق الالتفات إليها أصلا.
وذلك مع أن الشريعة تأمر بالصلة ولو كان ثمة سبب معتبر للقطيعة، وتحث المؤمنين على تجاوز الأخطاء والتعامل بالعفو والصفح والمسامحة، وليس بتصيد الأخطاء واكتناز الحقد والبغض والحسد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
(أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟
فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) رواه مسلم (2558)
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/115) :
" المَل: الرماد الحار. ويجهلون أي يسيئون. ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه. وقيل: معناه أنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم والله أعلم " انتهى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)
رواه البخاي (5991)
هذه هي الأخلاق التي يدعو لها الإسلام أخي الكريم، ولا ينبغي لأحد أن يتردد في الإنكار على من يقطع أخته أو أمه من صلته، ولا يجوز لك أخي السائل أن توافق والدك في قطيعته لأخته، بل يجب عليك صلتها والإحسان إليها، ومحاولة الإصلاح بينها وبين والدك، وبذل كل الجهود في ذلك.
ويمكنك مراجعة موقعنا في جواب السؤال رقم (4631) ، (7571) ، (75411)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/740)
فسخ الخطبة بسبب رؤيا منام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز فسخ الخطوبة بعد سنتين لأن الخطيب رؤي في حلم سيء بعد الاستخارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم ينطلق في أحكامه وفهمه لواقعه ومعايشته لتجارب زمانه من منطلقات العقل والحكمة، والأسباب التي أمر الله سبحانه وتعالى بمراعاتها والأخذ بها، وبذلك جاءت الشريعة الإسلامية، تأمر بالنظر والتفكر واستعمال موازين العقل والتجربة، ثم الحكم بعد ذلك على الأشخاص أو الأعمال.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة/242
وليس في شريعتنا أبدا الركون إلى الرؤى والأحلام والمنامات، لا في معايش الدنيا ولا في أحكام الدين، فإن المعرفة المتحصلة عن طريق الرؤى والمنامات غير منضبطة ولا متيقنة، بل يداخلها الشك والريبة، ولا يمكن أن تُرجع الشريعة الناس في معارفهم إلى مصادر موهومة لا تحقق أدنى مستويات العلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ) رواه مسلم (2263)
فالشيطان له نصيب مما يراه الإنسان في منامه، كما للنفس نصيب أيضا، وتمييز ذلك قد لا يكون واضحا في جميع الأحيان، فكيف يطمئن المسلم إلى منام رآه ثم يبني عليه اختياره وهو يعلم أن الشيطان قد يكون له منه أوفر حظ ونصيب؟!
ومن ذلك أمر الزواج أيضا، فقد حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصفات التي ينبغي أن ينبني عليها الحكم بالقبول أو الرفض فيمن يتقدم للخطبة فقال:
(إذا جاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
رواه الترمذي (1085) وقال حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فجعل الخلق والدين هو المقياس الذي ينبغي أن يتحاكم إليه الناس في رفضهم أو قبولهم، وينبغي للسائلة الكريمة ألا تلتفت إلا إليه، ولا تستجيب لما تراه في منامها من أمور قد يكون للشيطان فيها نصيب، يريد بها التفريق بين الزوجين وإحداث الشقاق والنزاع.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 5/سؤال رقم 17) ما يلي:
خطب رجل امرأة، فرأته في المنام حالق اللحية، فهل توافق عليه أم لا؟ وفي اليقظة ظاهره طيب، لم يحلق اللحية، وهو شخص ملتزم ولا نزكي على الله أحدا ً.
فأجاب رحمه الله:
" المرأة التي رأت الرجل الذي خطبها في المنام حالق اللحية وهو في الواقع ليس بحالق لها لا يضرها ما رأت في المنام، ولا ينبغي أن يمنعها من التزوج به ما دام مستقيماً في دينه وخلقه " انتهى.
ثم يجب التنبه إلى أن الاستخارة لا علاقة لها برؤيا المنام – كما يظن كثير من الناس -، فإن المقصود من الاستخارة هو سؤال الله تعالى تيسير خير الأمرين، والالتجاء إليه سبحانه في الإرشاد إلى أحسن الأمور، والاستخارة دعاء إذا استجاب الله له يسر الأمر الذي اختاره المستخير – بعد التفكير والتأمل – ولا يرتبط الدعاء من قريب أو بعيد برؤيا المنام.
فالنصيحة للأخت السائلة الكريمة أن تراجع أمرها، ولا تسعى في خراب رابطتها الزوجية بمجرد رؤيا منامية، بل ينبغي أن تحكم الدين والعقل في أمر خطيبها، ثم تتخذ بعد ذلك الموقف المناسب.
وانظري جواب السؤال رقم (25793) ، (34726)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/741)
الدعاء لمن أحسن إليك بـ (جزاك الله خيرا)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شكر من تأخذ منه المال بمثل: " جزاك الله خيرا " فيه محذور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخلق الكريم يقتضي مكافأة من يؤدي إليك المعروف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، فقال: (مَن صَنَعَ إِليكُم مَعرُوفًا فَكَافِئُوه، فَإِن لَم تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ فَادعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوا أَنَّكُم قَد كَافَأتُمُوهُ) رواه أبو داود (1672) وصححه الألباني.
وإحسان المكافأة يعني اختيار ما يدخل الفرح والسرور على صاحب المعروف، فكما أنه أدخل على قلبك المسرة، فينبغي أن تسعى لشكره بالمثل، قال تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن/60.
فإن قصرت الحيلة عن مكافأته بهدية، أو مساعدة في عمل، أو تقديم خدمة له، ونحو ذلك، فلا أقل من الدعاء له، وقد يكون هذا الدعاء من أسباب سعادته في الدنيا والآخرة.
ومن أفضل صيغ الدعاء لمن أدى إليك معروفا ما جاءت به السنة:
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) .
رواه الترمذي (1958) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/53) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد ورد هذا الدعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم في سياق حديث طويل وفيه قوله: (وَأَنتُم مَعشَرَ الأَنصَارِ! فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيرًا، فَإِنَّكُم أَعِفَّةٌ صُبُرٌ) رواه ابن حبان (7277) والحاكم (4/79) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3096) : وهو كما قالا.
كما كانت هذه الجملة من الدعاء معتادة على ألسنة الصحابة رضوان الله عليهم:
جاء في مصنف ابن أبي شيبة (5/322) : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو يعلم أحدكم ما له في قوله لأخيه: جزاك الله خيرا، لأَكثَرَ منها بعضكم لبعض) .
وهذا أسيد بن الحضير رضي الله عنه يقول لعائشة رضي الله عنها: (جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة) رواه البخاري (336) ومسلم (367) .
وفي صحيح مسلم (1823) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرا. فقال: راغب وراهب) . أي راغب فيما عند الله من الثواب والرحمة، وراهب مما عنده من العقوبة.
ومعنى " جزاك الله خيرا" أي أطلب من الله أن يثيبك خيرا كثيراً.
"فيض القدير" (1/410) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (4/22) :
" والمكافأة تكون بحسب الحال، من الناس من تكون مكافأته أن تعطيه مثل ما أعطاك أو أكثر، ومن الناس من تكون مكافأته أن تدعو له، ولا يرضى أن تكافئه بمال، فإن الإنسان الكبير الذي عنده أموال كثيرة، وله جاه وشرف في قومه إذا أهدى إليك شيئا فأعطيته مثل ما أهدى إليك رأى في ذلك قصورا في حقه، لكن مثل هذا ادع الله له، (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ، ومن ذلك أن تقول له: (جزاك الله خيرا) ، وذلك لأن الله تعالى إذا جزاه خيرا كان ذلك سعادة له في الدنيا والآخرة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/742)
السبب في تفضيل اليد اليمنى على اليد اليسرى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا فضلت اليد اليمنى على اليد اليسرى في السلام وفي الأكل وخلافه؟ وما العيب في استخدام اليسرى لهذه الأغراض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من تمام نعمة الله علينا، وكمال هذا الدين العظيم أنه نظم كل شيء في حياتنا، فما من خير إلا دلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه، ومن ذلك: بعد العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، تصرفاتنا الخاصة والتي وجهنا فيها إلى مستوى يليق بشرف الإنسان وتكريم الله تعالى له، ومن ذلك: كيفية تناول الإنسان المسلم لطعامه وشرابه ونحو ذلك.
و"هَذِهِ قَاعِدَة مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع: أنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالتَّشْرِيف كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول الْمَسْجِد وَالسِّوَاك وَالِاكْتِحَال , وَتَقْلِيم الْأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَتَرْجِيل الشَّعْر (وهو تسريحه) , وَنَتْف الْإِبِط , وَحَلْق الرَّأْس , وَالسَّلَام مِنْ الصَّلَاة , وَغَسْل أَعْضَاء الطَّهَارَة , وَالْخُرُوج مِنْ الْخَلَاء , وَالْأَكْل وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلَام الْحَجَر الْأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبّ التَّيَامُن فِيهِ. وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلَاء وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد وَالِامْتِخَاط وَالِاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر فِيهِ , وَذَلِكَ كُلّه لِكَرَامَةِ الْيَمِين وَشَرَفهَا " قاله النووي في شرح صحيح مسلم.
وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة، منها:
في الصحيحين عن عمر بن سلمة رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) رواه البخاري (5376) ومسلم (2022)
وفي صحيح مسلم (2021) : (أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: (كُلْ بِيَمِينِكَ) قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ) .
دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتحقق ما ادعاه من عدم الاستطاعة التي اعتذر بها، لأنه تكبر على الحق ولم يلتزم الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكذب في اعتذاره، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على أحد.
وفي سنن أبي داود (33) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى مسلم (262) من حديث سلمان رضي الله عنه قال: (نَهَانَا ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ) .
وروى مسلم (2020) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ) .
وقد حذر الله تعالى من مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63.
وهذا عند القدرة على الأكل باليمين، أما عند العجز فلا حرج في ذلك، قال النووي في "شرح مسلم " (13/191) : " وكراهتهما - أي الأكل والشرب بالشمال ـ وهذا إذا لم يكن عذر، فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة " اهـ.
قال الغزالي في "الإحياء" (4/93) : " ثم أحوجك من أعطاك اليدين إلى أعمال بعضها شريف، كأخذ المصحف، وبعضها خسيس كإزالة النجاسة، فإذا أخذت المصحف باليسار، وأزلت النجاسة باليمين، فقد خصصت الشريف بما هو خسيس، فغضضت من حقه، وظلمته، وعدلت عن العدل " انتهى.
وحاصل ما ذكره العلماء من الحكمة من التيامن في الأشياء التي هي من باب الإكرام:
1- أن في هذا مخالفة للشيطان، كما في الأكل والشرب.
2- أن فيه إكراماً لليد اليمنى على اليسرى.
3- أن فيه استعمال الأدب مع الناس، حيث لا يصافحهم ولا يأخذ منهم، ولا يعطيهم بيده التي يزيل بها النجاسة.
4- أن في هذا تفاؤلاً أن يجعلنا الله من أهل اليمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/743)
ما هي السنة في السواك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى السواك؟ وما حكم استعماله؟
وما هي الأوقات التي يستعمل بها؟
ما هي صفات السواك وكيفية طريقة استعماله؟
هناك بعض الأنواع منه تكون بنكهة الليمون وغير ذلك فهل حكمها كحكم السواك العادي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السواك والاستياك بمعنى تنظيف الفم والأسنان بالسواك، ويطلق السواك على الآلة وهي العود الذي يستاك به.
والسواك سبب لتطهير الفم وموجب لمرضاة الرب سبحانه وتعالى، كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب " علقه البخاري في صحيحه (2/274) ووصله أحمد (6/47) والنسائي (1/50) وإسناده صحيح (الإرواء 1/105) .
وقد ورد في حقه الندب المؤكد كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " رواه البخاري (2/299) ومسلم (1/151) . وفي رواية للبخاري: " عند كل وضوء ".
وقد حكى الإمام النووي رحمه الله إجماع من يعتد برأيهم على استحباب السواك وسنيته، ومما يدل على عظم شأنه أن بعض السلف قال بوجوبه ومنهم الإمام إسحاق بن راهويه.
الأوقات التي يستحب فيها السواك:
السواك مستحب في كل جميع الأوقات من ليل أو نهار لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة المتقدم: " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ".
وقد ذكر العلماء مواضع يتأكد فيها استحباب السواك فمن ذلك:
1- عند الوضوء والصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " وفي رواية مع كل وضوء وقد تقدم.
2- عند دخول البيت للالتقاء بالأهل والاجتماع بهم كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: بأي شيء يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته، قالت: " كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم (1/220) .
3- عند الإنتباه من النوم لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك " رواه البخاري (1/98) ومسلم (1/220) ومعنى: يشوص فاه، أي: يغسله ويدلكه.
4- عند تغير رائحة الفم سواء كان التغير بأكل ماله رائحة كريهة أو بسبب طول الجوع أو العطش أو غير ذلك: لأنه إذا كان السواك مطهرة للفم فإن مقتضى ذلك أن يتأكد السواك متى احتاج الفم إلى التطهير.
5- عند دخول المسجد لأنه من تمام الزينة التي أمر الله بها عند كل مسجد، قال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، ولما فيه من حضور الملائكة واجتماع المصلين.
6- عند قراءة القرآن وفي مجالس الذكر لحضور الملائكة.
الاستياك للصائم:
اتفق أهل العلم رحمهم الله على أنه لا بأس في الاستياك للصائم أول النهار، واختلفوا في الاستياك للصائم بعد الزوال فمنهم من كرهه والصحيح أنه سنة في حق الصائم كغيره لعموم الأدلة التي تدل على سنية السواك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن وقتاً دون وقت والعام يجب بقاؤه على عمومه إلا أن يرد مخصص وأما ما استدلوا به من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي " رواه الدارقطني وهو حديث ضعيف قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/62) : إسناد ضعيف. فالحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " رواه البخاري (2/29) ومسلم (2/806) فإن هذا الخلوف لا يذهبه السواك لأن سببه خلو المعدة، ثم إنه قد يحصل في أول النهار إذا لم يستحر الصائم والجميع متفق على جواز السواك في أول النهار، فتبين بهذا أن السواك مستحب حتى للصائم من غير تفريق بين أول النهار وآخره.
ما يستاك به:
اتفق العلماء على أن أفضل ما يستاك به هو عود الأراك لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج وينقي ما بين الأسنان من بقايا الطعام وغير ذلك، ولحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكاً من الأراك.. الحديث " وراه أحمد (3991) وسنده حسن (الإرواء 1/104) .
ومن ثم استحب الفقهاء إذا لم يوجد عود الأراك التسوك بجريد النخل، ويليه التسوك بعود شجرة الزيتون وقد رويت في ذلك أحاديث لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب أن كل عود مُنقٍّ غير مضر يقوم مقام السواك عند عدمه في التنظيف وإزالة ما يعلق بالأسنان من أذى. وكذلك فرشاة الأسنان المعروفة نافعة واستخدامها مفيد.
ما لا يتسوك به:
ذكر أهل العلم أنه يحرم التسوك بالأعواد السامة أو ما ليس بطاهر، وكذلك يكره الاستياك بكل عود يُدْمي أو يحدث ضرراً أو مرضاً.
صفات المسواك:
ذكر الفقهاء استحباب السواك بعود متوسط الغلظ والطول، وحدوه بغلظ الخنصر، وأن يكون خالياً من العُقَد، وأن لا يكون رطباً يلتوي لأنه إذا كان كذلك فلا يزيل الأذى، وأن لا يكون يابساً يجرح الفم أو يتفتت فيه، ولا شك أن تطلب ذلك من باب الكمال وإلا فإن الأدلة الواردة في السواك لم تقيد سواكاً دون آخر بل يجوز الاستياك بكل عود يحقق مقصود الشارع في الأمر بالسواك والحث عليه.
كيفية الاستياك:
اختلف الفقهاء في الاستياك هل يكون باليد اليمنى أو باليد اليسرى:
فذهبت طائفة وهم الجمهور إلى أن الأفضل الاستياك باليد اليمنى لعموم حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله " متفق عليه. ولأن السواك طاعة وقربة لله تعالى فلا يكون باليسرى.
وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى استحباب الاستياك باليد اليسرى لأنه من باب إزالة الأذى وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وفصّل بعض أهل العلم بأن المتسوك إن كان يقصد تحصيل السنة فيستاك باليد اليمنى وإن كان يستاك لإزالة الأذى فباليسرى، والراجح أن الأمر في هذا واسع لعدم ثبوت النص الخاص في المسألة ولكل قول وجهه.
واستحب الفقهاء أن يبدأ المرء في استياكه من الجانب الأيمن عرضاً لأن الاستياك طولاً قد يجرح اللثة، وذكروا من جملة آدب السواك:
- أن لا يستاك بحضرة جماعة أو في المحافل العامة لأنه ينافي المروءة.
- أن يغسل السواك بعد الاستياك لتخليصه مما علق به وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك، فيعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه " رواه أبو داود (1/45) .
- أن يحفظ السواك بعيداً عما يستقذر.
الاستياك بالإصبع:
وفي إجزاء التسوك بالإصبع عند عدم وجود غيره خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه لا تحصل به السنية لأن الشرع لم يرد به ولا يحصل الإنقاء للفم به مثل حصوله بالعود ونحوه.
ومما يلحق بالعود ونحوه استعمال أدوات تنظيف الأسنان الحديثة مثل الفرشاة ونحوها مما يحصل به إزالة الأذى وطيب رائحة الفم … إلخ
ولا بأس باستعمال السواك بنكهة النعناع والليمون وما شابه ذلك ما لم تكن ضارّة ولكن على الصّائم أن يجتنب استعمال ما فيه نكهة ويقتصر أثناء صيامه على السّواك الطبيعي.
والله تعالى أعلم.
يراجع لسان العرب (مادة سوك) ، المجموع للنووي (1/269) نهاية المحتاج للرملي (1/162) حاشية ابن عابدين (1/78) نيل الأوطار للشوكاني (1/24) المغني لابن قدامة (1/78) الفتوحات الربانية على أذكار النووي لابن علان (3/256) الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/137) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/744)
عيادة المريض وبعض آدابها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عيادة المريض وما هي آداب الزيارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عيادة المريض
هي زيارته , وسميت عيادة لأن الناس يعودون إليه مرة بعد أخرى.
حكم عيادة المريض:
ذهب بعض العلماء إلى أنها سنة مؤكدة , واختار شيخ الإسلام أنها فرض كفاية، كما في "الاختيارت" (ص 85) , وهو الصحيح. فقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: (خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم: وذكر منها: عيادة المريض) وفي لفظ: (حق المسلم على المسلم ... ) وقال البخاري: " باب وجوب عيادة المريض وروى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أطعموا الجائع , وعودوا المريض , وفكوا العاني) " انتهى.
وهذا الحديث يدل على الوجوب , وقد يؤخذ منها أنها فرض كفاية كإطعام الجائع وفك الأسير. ونقل النووي الإجماع على أنها لا تجب. قال الحافظ في الفتح (10/117) : يعني على الأعيان.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/173) :
" الصحيح أنها واجب كفائي، فيجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم " انتهى بتصرف.
فضل عيادة المريض:
وورد في فضلها أحاديث كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ) رواه مسلم (2568) .
خرفة الجنة أي جناها.
شبه ما يحوزه العائد من ثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر.
وللترمذي (2008) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا) حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ , فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2504) .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ (969) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
والخريف هو البستان.
وليست عيادة المريض خاصة بمن يعرفه فقط، بل هي مشروعة لمن يعرفه ومن لا يعرفه. قاله النووي في "شرح مسلم".
حد المريض الذي تجب عيادته:
هو المريض الذي يحبسه مرضه عن شهود الناس , أما إذا كان مريضاً ولكنه يخرج ويشهد الناس فلا تجب عيادته.
"الشرح الممتع" (5/171) .
عيادة المرأة الأجنبية
ولا حرج في عيادة الرجل المرأة الأجنبية، أو المرأة الرجل الأجنبي عنها، إذا توفرت الشروط الآتية: التستر، وأمن الفتنة، وعدم الخلوة.
قال الإمام البخاري: " باب عيادة النساء الرجال , وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار ". ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها عادت أبا بكر وبلالاً رضي الله عنهما لما مرضا في أول مقدمهم المدينة.
وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنهم بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (انْطَلِقْ بِنَا إلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا , وَذَهَبَا إلَيْهَا) .
قال ابن الجوزي: " وَالأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لا يُخَافُ مِنْهَا فِتْنَةٌ كَالْعَجُوزِ " انتهى.
عيادة الكافر:
ولا حرج في عيادة المشرك إذا ترتب على ذلك مصلحة , فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً ودعاه إلى الإسلام فأسلم. رواه البخاري (1356) . وحضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب فدعاه إلى الإسلام فأبى. متفق عليه.
والمصلحة في ذلك قد تكون دعوته إلى الإسلام , أو كف شره أو تأليف أهله ونحو ذلك..
انظر "فتح الباري" (10/125) .
هل يكرر العيادة؟
اختار بعض العلماء أنه لا يعوده كل يوم حتى لا يثقل عليه , والصواب أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال , فبعض الناس يستأنس بهم المريض ويشق عليه عدم رؤيتهم كل يوم , فهؤلاء يسن لهم المواصلة ما لم يعلموا من حال المريض أنه يكره ذلك.
حاشية ابن قاسم (3/12) .
لا يطيل الجلوس عند المريض
ينبغي أن لا يطيل الجلوس عند المريض , بل تكون الزيارة خفيفة حتى لا يشق عليه , أو يشق على أهله، فإن المريض قد تمر به حالات أو أوقات يتألم فيها من المرض، أو يفعل ما لا يحب أن يطلع عليه أحد , فإطالة الجلوس عنده يوقعه في الحرج.
إلا أنه يعمل في ذلك بقرائن الأحوال , فقد يحب المريض من بعض الناس طول الجلوس عنده.
حاشية ابن قاسم (3/12) ، الشرح الممتع (5/174) .
وقت الزيارة:
وأما وقت الزيارة , فلم يرد في السنة ما يدل على تخصيصها بوقت معين , قال ابن القيم: لم يخص صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام , ولا وقتاً من الأوقات بعيادة , بل شرع لأمته ذلك ليلاً ونهاراً , وفي سائر الأوقات اهـ.
"زاد المعاد" (1/497) .
وكان بعض السلف يعود المريض في أول النهار أو أول المساء حتى تصلي عليه الملائكة وقتاً أطول , عملاً بالحديث المتقدم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ) .
لكن يجب مراعاة حال المريض والأرفق به، فلا ينبغي للزائر أن يختار الوقت الأنسب له، ولو كان في ذلك مشقة على المريض أو على أهله، ويمكن تنسيق ذلك بالاتفاق مع المريض نفسه أو أهله.
وقد تتسبب كثرة زيارات الناس للمرضى وعدم مراعاتهم تخفيفها واختيار الوقت المناسب لها في زيادة المرض على المريض.
الدعاء للمريض:
وينبغي أن يدعو للمريض بما ثبت في السنة: (لا بأس، طهور إن شاء الله) رواه البخاري.
ويدعو له بالشفاء ثلاثاً , فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وقال: (اللهم اشف سعداً، ثلاثاً) رواه البخاري (5659) ومسلم (1628) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول: (أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ , وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي , لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه مسلم (2191) .
ولأحمد وأبي داود (3106) أن النَّبِيًّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ) صححه الألباني في صحيح أبو داود.
وينبغي أن يسأله عن حاله: كيف حالك؟ كيف تجدك؟ ونحو ذلك. فقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي (983) وحسنه الألباني.
وثبت ذلك عن عائشة في صحيح البخاري لما عادت أبا بكر وبلالاً رضي الله عنهما.
وينفس له في الأجل
ورد في ذلك حديث عند الترمذي (2087) وهو حديث ضعيف: (إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ) ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي.
ولكن يشهد له من حيث المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس، طهور إن شاء الله) فينبغي أن يهون عليه ما يجد، ويبشره بحصول الشفاء والعافية إن شاء الله تعالى , فإن ذلك يطيب نفس المريض.
انظر "الشرح الممتع" (5/171-176) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/745)
الحقوق الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهم الحقوق التي يحترمها الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحقوق الإسلامية كثيرة ومن أهم هذه الحقوق:
حق الله
نِعم الله على العباد لا تعد ولا تحصى وكل نعمة تستوجب شكراً وحقوق الله على العباد كثيرة ومن أهمها:
1. التوحيد ومعناه أن يوحدوا الله في ذاته , وأسمائه, وصفاته وأفعاله فيعتقدوا أن الله وحده هو الرب المالك المتصرف الخالق الرازق الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) الملك/1.
2. العبادة وهي أن يعبدوا الله وحده لأنه ربهم , وخالقهم ورازقهم وذلك بصرف جميع أنواع العبادة لله وحده كالدعاء , والذكر والاستعانة , والاستغاثة والتذلل , والخضوع والرجاء , والخوف والنذر والذبح ونحو ذلك قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36.
3. الشكر فالله هو المنعم المتفضل على جميع الخلق فعليهم شكر هذه النعم بألسنتهم , وقلوبهم , وجوارحهم وذلك بحمد الله والثناء عليه واستعمال هذه النعم في طاعة الله وفيما أحل الله: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) البقرة/152.
حق الرسول
بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم نعمة كبرى للبشرية كافة فقد أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويبين لهم ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
ومن حق الرسول علينا أن نحبه , ونطيعه , ونصلي عليه , ومحبته عليه السلام تكون بطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر , وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
حق الوالدين
يهتم الإسلام بالأسرة ويؤكد على المحبة والاحترام داخلها والوالدان قاعدتها وأساسها لذا كان بر الوالدين من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى.
بر الوالدين يكون بطاعتهما واحترامهما والتواضع لهما والإحسان إليهما والإنفاق عليهما والدعاء لهما وصلة أرحامهما وإكرام صديقهما: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) الإسراء/23.
والأم في هذه الحقوق حقها أعظم , لأنها هي التي حملته , وولدته وأرضعته: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك , قال: ثم من؟ قال: أمك , قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) متفق عليه واللفظ للبخاري/الأدب/78.
حق المسلم على المسلم
المؤمنون أخوة وهم أمة متماسكة , كالبنيان يشد بعضه بعضاً يتراحمون فيما بينهم ويتعاطفون ويتحابون ولحفظ هذا البنيان , وتلك الأخوة شرع الله حقوقاً للمسلم على أخيه المسلم ومنها محبته ونصيحته وتفريج كربته وستر زلته ونصرته في الحق واحترام جواره وإكرام ضيفه.
ومنها رد السلام وعيادة المريض وإجابة الدعوة وتشميته إذا عطس واتباع جنازته قال عليه الصلاة والسلام: (حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وتشميت العاطس وإجابة الدعوة , وعيادة المريض , واتباع الجنائز) رواه مسلم/2625.
حق الجار
الإسلام يهتم بشأن الجار مسلماً كان أو غيره , لما في ذلك من المصالح التي تجعل الأمة كالجسد الواحد قال عليه الصلاة والسلام: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه.
ومن الحقوق التي قررها الإسلام للجار على جاره أن يبدأه السلام ويعوده إذا مرض ويعزيه في المصيبة ويهنئه في الفرح ويصفح عن زلاته ويستر عوراته ويصبر على أذاه ويهدي له ويقرضه إذا احتاج ويغض بصره عن محارمه ويرشده إلى ما ينفعه في دينه ودنياه قال عليه الصلاة والسلام: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه , وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) رواه البخاري في الأدب المفرد/115.
وفي حق الجار يقول تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب) النساء/36.
وقد حذر الإسلام من إيذاء الجار , والإساءة إليه , وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك سبب للحرمان من الجنة بقوله: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه.
وأوجب الإسلام تحقيقاً للمصلحة حقوقاً للوالي على الرعية وحقوقاً للرعية على الوالي وحقوقاً للزوج على زوجته وحقوقاً للزوجة على زوجها , وغير ذلك من الحقوق العادلة التي أوجبها الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(7/746)
شُوِّهت سمعته، فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل الشخص الذي اتُهم بالفتنة وتم تشويه سمعته إذا كان ما قيل عنه غير صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم (2999) ، فهذا الحديث يدل على أن كل أمور المؤمن خير، فهو يتقلب بين شكر وصبر، وفي كليهما أجر.
ثم اعلم أن خير الناس، وأفضل البشر، وهم رسل الله قد طعن فيهم أعداؤهم، قال الله تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذريات/52، حتى نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سبَّه أعداؤه واتهموه بالسحر والجنون. بل وصل الأمر إلى أن طعن في عرضه المنافقون، لكنه مع ذلك صبر، واحتسب، ووكل أمر لله تعالى، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ) الطلاق/2-3 فعليك أن تصبر وتحتسب، واعلم أن ذلك مما يكفر الله به عنك خطاياك.
ولك أن تدافع عن نفسك وتثبت براءتك مما اتهمت به، وتكذب من اتهمك بذلك، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة، قال الله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ) النساء/148 وإذا استطعت أن تواجه من اتهمك بهذا وتنصحه وتعظه وتخوفه بالله، فذلك خير، وقد يرتدع عما يفعله ويكون ذلك سبب توبته واستقامته، أو ترسل شخصاً عاقلاً يقوم بذلك.
وعليك بتجنب المواضع التي تكون مثار شبهة وشك، فقد يتخذها ذلك الشخص ذريعة لتصديق اتهاماته.
وعليك بالصبر والإلحاح على الله في الدعاء، والله تعالى يفرج عنك ما أصابك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/747)
هل قطع شجرة السدر حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قطع شجرة السدر حرام. علما بأنني أنا الذي زرعتها، ولكن الآن لا أريدها في ذاك المكان، فهل يجوز لي أن أقطعها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد النهي عن قطع شجر السدر في أحاديث فيها كلام من حيث إسنادها، وصححها بعض أهل العلم، والصحيح في النهي – بعد ثبوته - أنه خاص بأمرين: قطع الشجر الذي يتخذ للظل، أو قطع شجر السدر في حدود الحرم، وأما ما عداهما مما يزرعه الإنسان في بيته أو بستانه فلا حرج عليه من قطعه.
قال ابن القيم – تحت فصل " كليات في الموضوعات " -:
ومن هذا: أحاديث مدح العزوبة، كلها باطلة، ومن ذلك: أحاديث النهي عن قطع السدر، قال العقيلي: لا يصح في قطع السدر شيء، وقال أحمد: ليس فيه حديث صحيح.
" المنار المنيف " (ص 117، 118) .
لكن الشيخ الألباني حسَّن بعض أحاديث النهي، ومنها:
أ. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رءوسهم صبّاً ".
رواه البيهقي (6 / 140) .
وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (1696) .
ب. عن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار ". رواه البيهقي (6 / 141) .
وحسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (615) .
وقال – تحت الحديث السابق -:
تأوله أبو داود بقوله " هذا الحديث مختصر، يعني: " من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها: صوب الله رأسه في النار ".
وذهب الطحاوي إلى أنه منسوخ، واحتج بأن عروة بن الزبير – وهو أحد رواة الحديث – قد ورد عنه أنه قطع السدر ...
قلت: وأولى من ذلك كله عندي أن الحديث محمول على قطع سدر الحرم، كما أفادته زيادة الطبراني في حديث عبد الله بن حبشي – والزيادة هي " يعني: من سدر الحرم " -، وبذلك يزول الإشكال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ثم رأيت السيوطي قد سبقني إلى هذا الحمل في رسالته " رفع الحذر عن قطع السدر " (ص 212 ج 2 " الحاوي للفتاوي ") ، فليراجعها من شاء؛ فإنه سيجد فيها للحديث طرقاً أخرى، وإن كان لم يحرر القول فيها كما هي عادته غالباً. انتهى
والخلاصة: أن أحاديث النهي عن قطع السدر إما أحاديث ضعيفة لا تصحُّ، وإما أنها حسنة، وتحمل على أحد معنيين:
الأول: قطع السدر الذي يستظل به الناس عبثاً من غير حاجة ولا مصلحة.
الثاني: قطع شجر السدر الذي يكون في الحرم، وعلى هذا لا حرج عليك في قطع هذه الشجرة التي زرعتها ما لم تكن زرعتها في طريق ليستظل بها الناس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/748)
الكلام بعد صلاة العشاء مكروه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بأنه لا يجوز للمسلمين الحديث بعد صلاة العشاء إلا للضرورة، في المكان الذي أعيش فيه تُقام صلاة العشاء في أبكر وقت ممكن بدلاً من أن تُقام في آخر وقت ممكن، فكيف نتصرف؟ وهل يجوز الكلام بعد العشاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكره الحديث بعد صلاة العشاء إلا إذا كان لمصلحة، أو حديثا في خير، وذلك لما في الصحيحين عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها " رواه البخاري (568) ، ومسلم (647) .
قال النووي رحمه في شرحه:
(قال العلماء: وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم أو لفوات وقتها المختار والأفضل، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة.
وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا. قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي في معناه ... ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير كما ذكرناه) انتهى.
وقال في كتابه الأذكار (ص533) :
(وأما الأحاديث بالترخيص في الكلام للأمور التي قدمتها فكثيرة، فمن ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في آخر حياته فلما سلم قال: " أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد ".
ومنها حديث أبي موسى الأشعري في صحيحيهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالصلاة حتى ابهارّ الليل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال لمن حضره: على رسلكم أعلمكم، وابشروا أن من نعمة الله عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلي هذه الساعة غيركم " أو قال " ما صلى أحد هذه الساعة غيركم ".
ومعنى: (أعتم بالصلاة حتى ابهار الليل) أي: أخر صلاة العشاء حتى كان قريباً من نصف الليل.
ومنها حديث أنس في صحيح البخاري أنهم انتظروا النبي صلى الله عليه وسلم فجاءهم قريبا من شطر الليل فصلى بهم يعني العشاء، قال: ثم خطبنا فقال " ألا إن الناس صلوا ثم رقدوا، وإنكم لا تزالون في صلاة ما انتظرتم الصلاة ".
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته في بيت خالته ميمونة قوله " إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء ثم دخل فحدث أهله ".
ومنها حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما في قصة أضيافه واحتباسه عنهم حتى صلى العشاء، ثم جاء وكلمهم وكلم امرأته وابنه وتكرر كلامهم، وهذان الحديثان في الصحيحين، ونظائر هذا كثيرة لا تحصر، وفيما ذكرناه أبلغ كفاية والحمد لله) انتهى.
وخلاصة ما سبق:
أن الحديث بعد صلاة العشاء جائز من غير كراهة إذا كان فيه مصلحة، فإن لك يكن فيه مصلحة فهو مكروه وليس محرماً، إلا أن يكون نفس الكلام محرماً كالغيبة والنميمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/749)
هل يستمع الرجل لاقتراحات زوجته ويشاورها في أموره
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تتم معاملة الزوجة؟ هل نستمع لنصيحتها واقتراحاتها؟ أسأل هذا السؤال لأنني أرى أن النساء ينصحون ويقترحون من قلوبهن، وليس من عقولهن؟ فإلى أي حد يستمع الرجل لنصائح زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى آمراً بالإحسان إلى الزوجة: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (َاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ... فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (5186) ومسلم (1468)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3314)
ولا شك أن مشاورة الزوجة والاستماع لنصيحتها وقبولها منها، هو من تمام المعروف في العشرة، واستصلاح قلبها، وإشعارها بدورها في بيتها، ومسؤوليتها عن أسرتها، لاسيما إذا جرب الرجل من امرأته الحكمة والعقل، والروية في النظر إلى الأمور، وعدم التسرع والانسياق وراء العاطفة.
ثم إن تفاضل المصلحة في استشارة المرأة وقبول رأيها، أو عدم ذلك تختلف باختلاف الموضوع الذي تبذل المرأة فيها مشورتها، وتدلي بنصيحتها، وهل لطبيعتها العاطفية أثر في رأيها في هذه القضية أو لا.
ويختلف أيضاً باختلاف حال كل من الزوجين ومدى تقديرهما وحسن ضبطهما.
وإذا ما بدا للزوج وجه المصلحة في رد قولها، أو بدا له خطأ في مشورتها، فعليه أن يتلطف في عدم القبول، وألا يسفِّه رأيها، أو يزدري نصحها، ويبين له وجه الصواب، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وتأمل قصة الحديبية، وما جرى فيها، لتعلم قيمة مشاورة المرأة العاقلة الحكيمة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صالح قريشاً على الرجوع، وعدم دخول مكة عامهم هذا، قال لأصحابه: " قوموا فانحروا. قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم أحد منهم، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟!
أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فلما فعل ذلك قاموا فنحروا.. "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فيه فضل المشورة.. وجواز مشاورة المرأة الفاضلة " اهـ.
وتأمل أيضاً قصة موسى، وكيف رباه الله في بيت فرعون، وكم كانت لمشورة آسيا امرأة فرعون رضي الله عنها من بركة: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) القصص/9
وفي نفس السورة قصة المرأتين على ماء مدين، وكيف أن إحداهما قالت لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) القصص/26، فانظر إلى وفور عقلها، وعلمها بمن هو أهل للإجارة، وحفظ الأمانة في الأعمال، وكيف كانت بركة هذه المشورة على أهل البيت.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/750)
يأخذ بعض الأشياء التي ترميها الشركة إلى المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة وتصرف لنا وجبات يومية وأنا لا آكل بعضا منها وأجمعها وأخذها معي المنزل، وترمى بعض الملفات وأجمعها وآخذها، فما حكم ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر من تصرف الشركات بالنسبة لهذه الوجبات أنها تعطيها للموظفين والعاملين على سبيل التمليك، والقاعدة أن الشخص إذا تملك شيئاً فإنه يتصرف فيه بما يشاء وعلى هذا فلا بأس أن تأخذ معك في المنزل ما تبقى من وجبتك الخاصة التي تصرف لك في الشركة إلا إذا صرحت الشركة باشتراط عدم أخذ أي شيء من ذلك خارج مقرها، فحينئذ لا يجوز أخذه ولا حرج من أخذ الملفات التي ترمى والانتفاع بها؛ لأن الشيء الذي يتركه صاحبه رغبة عنه يملكه آخذه.
وقد سُئلت اللجنة الدائمة عن الأغراض المتدنية التي وُجدت في القمامة وتصلح للاستعمال: هل يجوز أخذها إلى المنزل واستعمالها؟
فأفتت بما يلي: " إذا كان الواقع كما ذكرت، وكانت تلك الأغراض مما لا يحرص على مثله فلا حرج عليك في أخذها والانتفاع بها " فتاوى اللجنة الدائمة 15/455.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/751)
حكم من قُتل في سبيل مكافحة المخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في بلاد المسلمين المخدرات فهل يعتبر شهيدا من قتل من رجال مكافحة المخدرات المسلمين عند مداهمة أوكار متعاطي المخدرات ومروجيها؟ ثم ما حكم من يدلي بمعلومات تساعد رجال المكافحة للوصول إلى تلك الأوكار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ريب أن مكافحة المسكرات والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن أهم الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع في مكافحة ذلك، لأن مكافحتها في مصلحة الجميع؛ ولأن فشوها ورواجها مضرة على الجميع ومن قتل في سبيل مكافحة هذا الشر وهو حسن النية فهو من الشهداء، ومن أعان على فضح هذه الأوكار وبيانها للمسئولين فهو مأجور وبذلك يعتبر مجاهدا في سبيل الحق وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضر بهم، فنسأل الله أن يهدي أولئك المروجين لهذا البلاء وأن يردهم إلى رشدهم وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومكائد عدوهم الشيطان، وأن يوفق المكافحين لهم لإصابة الحق وأن يعينهم على أداء واجبهم ويسدد خطاهم وينصرهم على حزب الشيطان إنه خير مسئول.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/410(7/752)
آداب الأكل بالأدلة التفصيلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي آداب الأكل في الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للأكل آداب في الشريعة الإسلامية وهي على أقسام:
" أولاً - آدَابُ مَا قَبْلَ الأَكْلِ:
1- غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ: ينبغي غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ، لِيَأْكُلَ بِهَا وَهُمَا نَظِيفَتَانِ، لِئَلا يَضُرَّ نَفْسَهُ بِمَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْوَسَخِ.
2- مِنْ آدَابِ الأَكْلِ السُّؤَالُ عَنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَ ضَيْفًا عَلَى أَحَدٍ وَلا يَعْرِفُهُ (أي لا يعرف نوع الطعام) ، وَلا يَطْمَئِنُّ إلَى مَا قَدْ يُقَدِّمُهُ إلَيْهِ. فَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَتَّى يُحَدَّثَ أَوْ يُسَمَّى لَهُ فَيَعْرِفَ مَا هُوَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيْمُونَةَ، وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حَفِيدَةُ بنت الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، وَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إلَى الضَّبِّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لا. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إلَيَّ، رواه البخاري (5391) ومسلم (1946) .
قَالَ ابْنُ التِّينِ: إنَّمَا كَانَ يَسْأَلُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لا تَعَافُ شَيْئًا مِنْ الْمَآكِلِ لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ، وَكَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم قَدْ يَعَافُ بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْأَلُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِبَاحَةِ بَعْضِهَا، وَكَانُوا لَا يُحَرِّمُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَرُبَّمَا أَتَوْا بِهِ مَشْوِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا فَلا يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ إلا بِالسُّؤَالِ عَنْهُ.
" فتح الباري " (9 / 534) .
3- الْمُبَادَرَةُ إلَى الْأَكْلِ إذَا قُدِّمَ إلَيْهِ الطَّعَامُ مِنْ مُضِيفِهِ: فَإِنَّ مِنْ كَرَامَةِ الضَّيْفِ تَعْجِيلَ التَّقْدِيمِ لَهُ، وَمِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَبُولِ طَعَامِهِ وَالْأَكْلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إذَا رَأَوْا الضَّيْفَ لَا يَأْكُلُ ظَنُّوا بِهِ شَرًّا، فَعَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُهَدِّئَ خَاطِرَ مُضِيفِهِ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى طَعَامِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ اطْمِئْنَانًا لِقَلْبِهِ.
4- التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ: (تجب) التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ قَوْلُ " بِاسْمِ اللَّهِ " فِي ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ، عن أُمُّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ " رواه الترمذي (1858) وأبو داود (3767) وابن ماجه (3264) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (3202) .
ولِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كُنْت غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِك، وَكُلُّ مِمَّا يَلِيك " رواه البخاري (3576) ومسلم (2022) .
ثانياً: آدَابُ الأَكْلِ أَثْنَاءَ الطَّعَامِ:
1- (الْأَكْلُ بِالْيَمِينِ) : (يجب) على الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لا يَأْكُلَن أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا " رواه مسلم (2020) .
وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْأَكْلَ أَوْ الشُّرْبَ بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا (بأس من الأكل) بالشِّمَالِ.
وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تُشْبِهُ أَفْعَالَ الشَّيْطَانِ.
2 – (الْأَكْلُ مِمَّا يَلِيهِ) : يُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِمَّا يَلِيهِ فِي الطَّعَامِ مُبَاشَرَةً، وَلَا تَمْتَدُّ يَدُهُ إلَى مَا يَلِي الْآخَرِينَ، وَلَا إلَى وَسَطِ الطَّعَامِ، لقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن أبي سلمة: " يَا غُلامُ: سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِك، وَكُلُّ مِمَّا يَلِيك "، رواه البخاري (3576) ومسلم (2022) .
ولِأَنَّ أَكْلَ الْمَرْءِ مِنْ مَوْضِعِ صَاحِبِهِ سُوءُ عِشْرَةٍ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ، وَقَدْ يَتَقَذَّرُهُ صَاحِبُهُ لا سِيَّمَا فِي الْأَمْرَاقِ وَمَا شَابَهَهَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ، فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ " رواه الترمذي (1805) وابن ماجه (3277) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (829) ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ تَمْرًا أَوْ أَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إبَاحَةَ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ.
3 - غَسْلُ الْيَدِ بَعْدَ الطَّعَامِ: تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَالْأَوْلَى غَسْلُ الْيَدِ بِالْأُشْنَانِ أَوْ الصَّابُونِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا.
انظر " تحفة الأحوذي " (5 / 485) .
هَذَا وَالْغَسْلُ مُسْتَحَبٌّ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ عَلَى وُضُوءٍ.
4 - (الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الطَّعَامِ) : الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّعَامِ مُسْتَحَبَّةٌ، لِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ - فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَجِدْهُ إلا سَوِيقًا فَلَاكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، رواه البخاري (5390) .
5 - (الدُّعَاءُ لِلْمُضِيفِ) : فَقَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلائِكَةُ "، رواه أبو داود (3854) وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (3263) .
6- وَالْأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ: السُّنَّةُ الْأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ الشَّرَهِ وَسُوءِ الْأَدَبِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِذَلِكَ لِجَمْعِهِ اللُّقْمَةَ وَإِمْسَاكِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْأَكْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، لِخِفَّةِ الطَّعَامِ وَعَدَمِ تَلْفِيقِهِ بِالثَّلَاثِ يَدْعَمُهُ بِالرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ.
انظر " فتح الباري " (9 / 578) .
هَذَا إنْ أَكَلَ بِيَدِهِ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْمِلْعَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي.
7 - أَكْلُ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ: إذَا وَقَعَتْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ الْآكِلُ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَوْضِعَ الْبَرَكَةِ فِي طَعَامِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي هَذِهِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ، فَتَرْكُهَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَرْءِ بَرَكَةَ الطَّعَامِ لحديث أَنَس ابن مالك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ قَالَ وَقَالَ إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ قَالَ: " فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ " رواه مسلم (2034) .
8 - عَدَمُ الِاتِّكَاءِ أَثْنَاءَ الْأَكْلِ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " َلا آكُلُ وأنا مُتَّكِئ " رواه البخاري (5399) ، وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الِاتِّكَاءِ قال ابن حجر: وَاخْتُلِفَ فِي صِفَة الِاتِّكَاء فَقِيلَ: أَنْ يَتَمَكَّن فِي الْجُلُوس لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَة كَانَ، وَقِيلَ أَنْ يَمِيل عَلَى أَحَد شِقَّيْهِ، وَقِيلَ أَنْ يَعْتَمِد عَلَى يَده الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْض ... ، وَأَخْرَجَ اِبْن عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيف: زَجَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِد الرَّجُل عَلَى يَده الْيُسْرَى عِنْد الْأَكْل، قَالَ مَالِك هُوَ نَوْع مِنْ الِاتِّكَاء. قُلْت: وَفِي هَذَا إِشَارَة مِنْ مَالِك إِلَى كَرَاهَة كُلّ مَا يُعَدّ الْآكِل فِيهِ مُتَّكِئًا، وَلا يَخْتَصّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا " أ.هـ من فتح الباري (9 / 541) .
9- عَدَمُ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ حَالَ الْأَكْلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
10- ومن الآداب: الْأَكْلُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ عَلَى الطَّعَامِ، وَمُؤَاكَلَةُ صِغَارِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَأَلَّا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِطَعَامٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَدَوَاءٍ، بَلْ يُؤْثِرُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَاخِرَ الطَّعَامِ، كَقِطْعَةِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ لَيِّنٍ أَوْ طَيِّبٍ. وَإِذَا فَرَغَ ضَيْفُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَرَفَعَ يَدَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّعَامِ: كُلْ، وَيُكَرِّرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى مِنْهُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَأَنْ يَتَخَلَّلَ، وَلا يَبْتَلِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَسْنَانِهِ بِالْخِلَالِ بَلْ يَرْمِيهِ.
ثالثاً: آدَابُ الْأَكْلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ: يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الْآكِلُ مَا وَرَدَ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَكْلِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا " رواه البخاري (5458) وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إذَا أَكَلَ طَعَامًا غَيْرَ اللَّبَنِ قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ " وَإِذَا شَرِبَ لَبَنًا قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ " رواه الترمذي (3377) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (381) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ " رواه الترمذي (3455) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2749) .
رابعاً: آدَابٌ عَامَّةٌ فِي الْأَكْلِ:
1 - عَدَمُ ذَمِّ الطَّعَامِ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ " رواه البخاري (3370) ومسلم (2046) .
وَالْمُرَادُ: الطَّعَامُ الْمُبَاحُ، أَمَّا الْحَرَامُ فَكَانَ يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَلَّا يُعَابَ كَقَوْلِهِ: مَالِحٌ، حَامِضٌ، قَلِيلُ الْمِلْحِ، غَلِيظٌ، رَقِيقٌ، غَيْرُ نَاضِجٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا مِنْ حَسَنِ الْآدَابِ، لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَشْتَهِي الشَّيْءَ وَيَشْتَهِيهِ غَيْرُهُ، وَكُلُّ مَأْذُونٍ فِي أَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ ".
" شرح مسلم " (14 / 26) .
2- مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ الِاعْتِدَالُ فِي الطَّعَامِ وَعَدَمُ مِلْءِ الْبَطْنِ، وَأَكْثَرُ مَا يَسُوغُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُسْلِمُ بَطْنَهُ أَثْلَاثًا: ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ لِحَدِيثِ: " مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " رواه الترمذي (2380) وابن ماجه (3349) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1939) ؛ وَلاعْتِدَالِ الْجَسَدِ وَخِفَّتِهِ؛ لأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الشِّبَعِ ثِقَلُ الْبَدَنِ، وَهُوَ يُورِثُ الْكَسَلَ عَنْ الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ، وَيُعْرَفُ الثُّلُثُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ثُلُثِ مَا كَانَ يَشْبَعُ بِهِ ".
" الموسوعة " (25 / 332) .
3- اجتناب الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة لأنه محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ولنا في الآخرة " رواه البخاري (5426) ومسلم (2067) .
والله أعلم.
4- حمد الله بعد الفراغ من الأكل، وهذا فيه فضل عظيم فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم (2734) .
هذا وللحمد صيغٌ متعددة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1- ما أخرجه البخاري عن أبي أُمامة قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا " رواه البخاري (5458) ، قال ابن حجر: " قوله (غير مكفي) قيل: أي غير محتاج إلى أحدٍ من عباده لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم. قَوْله (وَلا مُوَدَّع) أَيْ غَيْر مَتْرُوك.
2- عن معاذ بن أنس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفرله ما تقدم من ذنبه " رواه الترمذي (3458) وابن ماجه (3285) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " (3348) .
3- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً " رواه أبو داود (3851) وصححه الألباني.
4- عن عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه رجلٌ خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قٌرب إليه الطعام يقول: " بسم الله، فإذا فرغ قال: اللهم أطعمت وأسقيت وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت " رواه أحمد (16159) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1 / 111) .
فائدة: يستحب الإتيان بألفاظ الحمد الواردة بعد الفراغ من الطعام جميعها، فيقول هذا مرة، وهذا مرة حتى يحصل له حفظ السنة من جميع وجوهها، وتناله بركة هذه الأدعية، مع ما يشعر به المرء في قرارة نفسه من استحضار هذه المعاني عندما يقول هذا اللفظ تارة وهذا اللفظ تارة أخرى؛ لأن النفس إذا اعتادت على ذكرٍ معين فإنه مع كثرة التكرار يقل معها استحضار المعاني لكثرة الترداد.
انتهى من كتاب " الآداب " للشلهوب (ص 155) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/753)
حكم استخدام الجرائد سفرة للأكل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام الجرائد كسفرة للأكل عليها؟ وإذا كان لا يجوز فما العمل فيها بعد قراءتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز استعمال الجرائد سفرة للأكل عليها، ولا جعلها ملفا للحوائج، ولا امتهانها بسائر أنواع الامتهان إذا كان فيها شيء من الآيات القرآنية أو من ذكر الله عز وجل، والواجب إذا كان الحال ما ذكرنا حفظها في محل مناسب أو إحراقها أو دفنها في أرض طيبة.
انتهى مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 347
أما إذا كانت الجرائد بغير اللغة العربية وليس فيها ذكر الله فلا بأس باستخدامها حينئذ.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/754)
حكم قتل الفأرة وتعليق على شخصية ميكي ماوس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قتل الفأرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا حرج في قتل الفأرة لما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. رواه البخاري 1828
وعن الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرْبَعٌ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. رواه مسلم 1198
ولأنّ الفأرة من المخلوقات الضارة، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ رواه أبو داود 5427
(فأخذت) : أي شرعت (فجاءت) : الفأرة (بها) : أي بالفتيلة (فألقتها) : أي الفتيلة (على الخمرة) : وهي السجادة التي يسجد عليها المصلي تُصنع من حصير أو خوص ونحوه
.. وفأرة البيت هي الفويسقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم وأصل الفسق الخروج عن الاستقامة والجور , وبه سمي العاصي فاسقا , وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن , وقيل لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرم أي لا حرمة لهنّ بحال. وروى الطحاوي في أحكام القرآن بإسناده عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة الفويسقة , فقال استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة السراج لتحرق على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقام إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم ذكره العلامة الدميري.
وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري قال " احترق بيت على أهله بالمدينة فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال إن هذه النار إنما هي عدوة لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ". وأخرج البخاري من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمّروا الآنية , وفيه فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت " وأخرجه مسلم بمعناه وفيه " فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم " قال الطبري في هذه الأحاديث الإبانة على أن الحق على من أراد المبيت في بيت ليس فيه غيره وفيه نار أو مصباح أن لا يبيت حتى يطفئه.. والحديث أخرجه الحاكم وقال إسناده صحيح.
انتهى من عون المعبود شرح أبي داود
فإذا علمنا أنّ الشّارع سمّى الفأرة فويسقة وأباح قتلها حتى في مكّة وأنها كانت وسيلة الشيطان لإحراق بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهي سبب رئيس لإفساد الأطعمة ونقل مرض الطّاعون.. نستغرب بعد ذلك (سخافة الغربيين) في هذا التحبيب للأطفال في الفأرة عن طريق الترويج لشخصية ميكي ماوس في الألعاب والمجلات ومدن الملاهي فتأمّل!!.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/755)
نصائح لرواد ساحات الحوار
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت مواقع ساحات الحوار وكَثُر المشاركون فيها فما هي النصيحة لرواد قنوات الحوار سواء القراء أو المشاركين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم لقد كثرت مواقع الحوار على الشبكة وكثر روادها وفيما يلي بعض النصائح للقراء والكتّاب فيها:
- الإخلاص لله: وكل امرئ سيفنى ويُبقي الدهر ما كتبت يداه، فاحرص أن لا تكتب غير شيء يسرك في القيامة أن تراه، ولا خير في عمل لا يراد به وجه الله تعالى.
- العامي وغير المتخصص لا بد أن يختار المواقع السليمة والمفيدة ويتحاشى مواقع أهل البدع والمواقع السيئة.
- مقاطعة مواقع أهل البدعة أو المواقع التي غلبت عليها البدعة لأن المشاركة والنقاش هو مادة الحياة لهذه المواقع، ولا يجوز إشهار أهل البدع ويجب إخمال ذكرهم، والعمل على ألا يشتهروا، وقد يحصل من طريقة ردود بعض أهل السنة خلاف ذلك، ولا يجوز للعامي المسلم أن يقرأ في مواقع أهل البدع بدافع حب الاستطلاع أو يناقش بدون علم بل يكل الأمر لأهله ولا بأس بأن يأخذ كلام المبتدع إلى أهل العلم ثم ينقل رده عليه.
- تذكير أصحاب المواقع المختلطة بالله عز وجل وأنه لا يجوز لهم أن يسمحوا لأحد من أهل البدع أو المقالات الباطلة بنشر ذلك في مواقعهم.
- يجب على طلبة العلم مؤازرة أخيهم الذي يردّ على أهل البدع والذين يعتمدون على الكثرة حيث يكتب أحدهم ويصفق له عشرة ويمدحون صاحبهم ويشتمون الذي يرد عليه.
- أهمية مشاركة الشيوخ وأصحاب الأقلام والأصوات المشهورة في هذه المنتديات.
- لا يشترط دخول العالم بصفة مباشرة فقد يُشغله ذلك ويكفي أن ينقل الثقات من طلابه عنه.
- الحذر من إضاعة الأوقات فإن عدداً من طلبة العلم قد استنزفت ساحات الحوار منهم وقتاً طويلاً ولا يلزم الرد على كل ناعق وعلى الأطروحات التافهة ويمكن الاكتفاء بإيراد النبي صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
- إدراك أن أهمية إنفاق الأوقات لتعليم المسلمين ودعوتهم مقدمة في الرد على هذا وذاك ولنترك الردود إلى الحالات التي لا بد منها مثل شخص من أهل البدع أثار شبهة أو حكى باطلاً ولم يرد عليه أحد فيتعين الرد حينئذٍ.
- لا بد أن يدرك الداخل إلى ساحات الحوار أنه يتعامل مع شخصيات كثيرة مجهولة وأن هامش الثقة بمن يكتبون بغير أسمائهم الحقيقية هو هامش ضيق.
- ينصح الشباب المتحمسون أن لا يورطوا أنفسهم فيما لا يحسنونه علمياً، ويكفينا في الفتوى بغير علم قول الله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)
- التزام الأدب الشّرعي وعفّة اللسان (والقلم أحد اللسانين) ، قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/756)
هل يجوز ذكر لفظ الفاسق في بعض المنتديات على من اشتهر بالفسق والمجون
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشرف على بعض المنتديات.. وتمر علي أحياناً بعض المواضيع أو المشاركات التي يكون فيها إساءة لبعض الأشخاص علناً، ممن اشتهروا بالفسق والمعاصي حيث يطلق عليهم لقب الفاسق أو المجرم أو الخبيث أو نحو ذلك.. فما رأيكم حول هذه الكلمات هل ندعها بحجة أنهم هم من أهل الفسق وأنهم هم من جاهروا بمعاصيهم وجعلوا أنفسهم عرضة للتحدث عنهم أم أحذف هذه الكلمات وليس علي إثم في حذفها؟؟ أفتونا بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان هذا الشخص المشار إليه، أو غيره، متعالنا بفسقه وفجوره، كأهل الرقص والمجون، ودعاة السوء: فهذا لا حرمة له في ذلك، ويجوز ذكر ذلك عنه، إذا كان في ذكره مصلحة شرعية، من تحذير للناس من فعله، ونهيهم عن سبيله، ونحو ذلك من المصالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا غيبة لفاسق: فليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مأثور عن الحسن البصري أنه قال: أترغبون عن ذكر الفاجر؛ اذكروه بما فيه يحذره الناس ...
وهذا النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء:
أحدهما: أن يكون الرجل مظهر للفجور، مثل الظلم والفواحش والبدع المخالفة للسنة؛ فإذا أظهر المنكر وجب الإنكار عليه بحسب القدرة، ويهجر ويذكر ما فعله، ويذم على ذلك، ولا يرد عليه السلام إذا أمكن من غير مفسدة راجحة. وينبغي لأهل الخير أن يهجروه حيا إذا كان في ذلك كف لأمثاله، ولا يشيعوا جنازته. وكل من عَلم ذلك منه ولم ينكر عليه فهو عاص لله ورسوله. فهذا معنى قولهم: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له.
بخلاف من كان مستترا بذنبه مستخفيا: فإن هذا يستر عليه، لكن ينصح سرا.
النوع الثاني: أن يستشار الرجل في مناكحته ومعاملته أو استشهاده [يعني: جعله شاهدا على عقد ونحوه] ، ويعلم أنه لا يصلح لذلك: فينصح مستثيره ببيان حاله؛ فهو كما قال الحسن: اذكروه بما فيه يحذره الناس؛ فإن النصح في الدين من أعظم النصح في الدنيا " انتهى. "مختصر الفتاوى المصرية" (503) .
ثانيا:
إذا جازت غيبة الفاسق المتعالن بفسقه، أو ترجحت لمصلحة شرعية، فإن الواجب ألا يتجاوز ذلك حدود ما تهتك فيه من المعاصي؛ فلا يجوز أن يحمل عليه ـ ظلما وبهتانا ـ ما لم يتحقق القائل أنه فعله من المعاصي، ولا يجوز أن يذكر عنه ما استتر به بينه وبين ربه.
قال المناوي رحمه الله:
" (اذكروا الفاجر) الفاسق (بما فيه) : من الفجور، وهتك ستر الديانة؛ فذكره بذلك من النصيحة الواجبة لئلا يغتر به مسلم فيقتدي به في فعلته، أو يضله في بدعته، أو يسترسل له فيؤذيه بخدعته.
وبيَّن قولُه: (بما فيه) : أنه لا يجوز ذكره بغير ما فيه، ولا بما لا يعلن به.
قال ابن عون: دخلت على ابن سيرين فذكرت الحجاج؛ أي: بما لم يتظاهر به. فقال: إن الله ينتقم للحجاج، كما ينتقم منه؛ وإنك إذا لقيت الله غدا كان أصغر ذنب أصبتَه أشدَّ عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج!!
وأشار بقوله: (يحذره) : أي لكي يحذره الناس، إلى أن مشروعية ذكره بذلك مشروطة بقصد الاحتساب، وإرادة النصيحة؛ دفعا للاغترار ونحوه مما ذكر؛ فمن ذكر واحدا من هذا الصنف تشفيا لغيظه أو انتقاما لنفسه أو احتقارا أو ازدراء ونحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم، كما ذكره الغزالي ثم السبكي فيما نقله عنه ولده " انتهى.
"فيض القدير" (1/151) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" هل يجوز غيبة تارك الصلاة؟ ".
فأجاب:
" الحمد لله
إذا قيل عنه إنه تاركُ للصلاة، وكان تاركَها: فهذا جائز. ويَنبغي أن يُشاعَ ذلك عنه ويُهْجَر حتى يُصلي، وأمَّا مع القدرة فيجِبُ أن يُستَتابَ، فإن تابَ وإلا قُتِل ".
"جامع المسائل" (4/122) .
على أنه متى تردد القائل أو الناشر في حصول المصلحة الشرعية الراجحة من وراء ذلك: فالواجب عليه إيثار السلامة، وتغليب حرمة المسلم على ذكر قول لا يتيقن من نفعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/757)
التعليق على مقولة " أعذرُ ربي يوم أن فعل بي كذا وكذا "!!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قول الرجل: (بعذر الله بي يوم أنه سوى بي كذا وكذا) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الإسلام عظَّم شأن الكلمة التي يتكلم بها المرء , ولذلك جاء التحذير من إلقاء الكلام على عواهنه، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
قال النووي رحمه الله:
إذا أراد أن يتكلم: فإن كان ما يتكلم به خيراً محقّقاً يثاب عليه، واجباً، أو مندوباً: فليتكلم , وإن لم يظهر له أنه خيرٌ يثاب عليه: فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام، أو مكروه، أو مباح مستوي الطرفين، فعلى هذا: يكون الكلام المباح مأموراً بتركه، مندوباً إلى الإمساك عنه، مخافة من انجراره إلى المحرم، أو المكروه , وهذا يقع في العادة كثيراً، أو غالباً، وقد قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
"شرح مسلم" (2/19) .
وهذه الجملة الوارد ذِكرها في السؤال: قبيحة اللفظ، سيئة المعنى، وهي تحتمل في طياتها معنى لا يليق بالله سبحانه , وكأن العبد له أن يعذر الله، أو لا يعذره! أو ربما لا يعذره في بعض الأمور؛ لأن الله – في ظنه – يظلمه - والعياذ بالله- , والله تعالى يقول: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23، وذلك لكمال حكمته وعلمه وعدله ومشيئته، ويقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/44.
قال ابن كثير رحمه الله في بيان حكمة الله فيما يشرع:
فهو الحاكم، المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون؛ لعلمه، وحكمته، وعدله، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/ 44، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ربه عز وجل: (يَا عِبَادي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمُ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا) – رواه مسلم -
"تفسير ابن كثير" (4/271) .
ومن اعتقد في ربه تعالى أن له كمال العلم، وكمال العدل، وكمال الحكمة: لم تصدر منه هذه الكلمة، ولا مثيلاتها، وليعلم كل عبدٍ أن الله تعالى لا يؤاخذه على كل ما يعمل، وأنه لو آخذ تعالى الناس بكل ما عملوا ما ترك على ظهر الأرض أحداً، ولذا فإنه تعالى يعفو عن كثير، وما يؤاخذ به فهو القليل من أفعال العباد، قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل/61، وقال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) فاطر/ 45.
والصحيح في هذه الآيات ومثيلاتها أنها عامة في الكفار والمسلمين، كما حققه العلاَّمة الشنقيطي في "أضواء البيان" (2/390 – 393) .
وبه يعلم المسلم أن ما أصابه من مصائب وعقوبات إنما هو بسبب ذنوبه، وما اكتسبته يداه، ولم يظلمه ربه تعالى، بل قد عفا عن كثيرٍ من زلاته، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30.
قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب: فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم، (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) فاطر/ 45.
"تفسير ابن كثير" (4/433) .
فالله تعالى لا يحتاج أن يعذره عباده، فهم الظالمون لأنفسهم، والمقصرون في شكر نعمه، والقيام بحقه.
فعلى المسلم ألا يتلفظ بهذه الكلمة، ومن تلفظ بها فعليه أن يتوب منها ويستغفر، ويندم على قولها، ويعزم على عدم العود لها.
وهذا الذي قلناه إنما هو بحسب ما ظهر لنا من معنى الكلمة، فإن كان المتكلم بها يريد معنىً آخر، فالله أعلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/758)
التحذير من أنشودة " نون نون "
[السُّؤَالُ]
ـ[تردد في الآونة الأخيرة أناشيد للأطفال، بغض النظر عما تحويها من محاذير، ولكن لفت انتباهي كلِمات تِلك الأنشودة التي تقول (نون نون قلمٌ مِن وحيّ القُرآن, نون نون يكتُب لي شِعراً موزون، شِعرا ينبِضُ بالإيمان....الخ) فما حُكم تِلك الكلمات؟ هل الشعرُ هُنا عائِد على القُرءان؟ أم عائِد على القلم؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سلَّى الله عز وجل نبيه عما يصيبه من أذى قومه، وكفرهم به، وتكذيبهم له، فأقسم جل جلاله أنه على الحق، وأن ما جاء به من الدين دين عظيم جليل، لا مدخل فيه للسحر ولا للكهانة ولا للجنون، على ما يقوله أعداؤه المجرمون.
قال الله تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم/1-4.
وأشهر ما قيل في تفسير (ن) أنها حرف من حروف الهجاء، كالمعهود في نظائرها في بقية السور، مثل (ق) ، (ص) ونحو ذلك.
وقيل: هي الدواة التي يستمد منها القلم حبره.
وقيل: إنها الحوت الذي تحت الأرض السابعة. وقيل غير ذلك.
وأما القلم، فهو القلم، لكن اختلف أهل العلم هل المقصود به عامة الأقلام التي يعهدها الناس، ويكتبون بها، أو المقصود به قلم معين، وهو الذي خلقه الله تعالى أول الخلق، وأمره بكتابة ما هو كائن في اللوح المحفوظ.
ينظر: "تفسير الطبري" (23/523-527) ، تفسير ابن جزي (2438) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" يقسم تعالى بالقلم، وهو اسم جنس شامل للأقلام التي تكتب بها أنواع العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم، وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام: من آيات الله العظيمة، التي تستحق أن يقسم الله بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه الجنون بنعمة ربه عليه وإحسانه، حيث من عليه بالعقل الكامل، والرأي الجزل، والكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، وسطره الأنام، وهذا هو السعادة في الدنيا. ثم ذكر سعادته في الآخرة فقال: {وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا} أي: عظيمًا، كما يفيده التنكير {غير ممنون} أي: غير مقطوع، بل هو دائم مستمر، وذلك لما أسلفه النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة والأخلاق الكاملة ". انتهى.
"تفسير السعدي" (879) .
ثانيا:
ما جاء في الأنشودة المشار إليها من قولهم (نون قلم من وحي) غير صحيح، فلم يقل أحد إن (نون) هي القلم، بل الآية عطفتهما عطف مغايرة (ن والقلم) فنون غير القلم.
وقولهم (.. من وحي القرآن) باطل، بل كذب وعدوان؛ فإن هذا القلم الذي يتغنون به ليس من وحي القرآن، بل الذي من وحي القرآن هو سورة القلم، على ما أنزلها الله جل جلاله، وأما أن يقول القائل كلاما من عنده، ثم يزعم أن ذلك من وحي القرآن، فهذا من أعظم الباطل والعدوان، والكذب على كتاب الله جل جلاله، وإن كان يغلب على الظن جهل المؤلف لذلك، والقائل له، وإنما جرهم إلى ذلك سجع الكهان الذي تكلفوه، كما كان يتكلفه مسيلمة الكذاب، ونحوه من الكهان والدجاجلة.
ثم إن القلم الذي هو من وحي القرآن لا يكتب شعرا موزونا، بل وحي القرآن شيء، والشعر شيء آخر. قال الله تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ؛ فنزه الله تعالى نبيه عن قول الشعر، ونزه كتابه وكلامه عن أن يكون شعرا، وإنما هو قرآن مبين.
وأيا ما كان مراد القائل من قوله (شعرا) هل يعود على القرآن، وهو مستبعد جدا، لا يقوله مسلم، أو يعود على القلم، فقد أوقعه في الحرج زعمه أن هذا القلم هو من وحي القرآن، وهو قول باطل، معنى وواقعا.
والواب على كل قائل، من شاعر وغيره، أن يتخير لنفسه من الكلام الحسن ما فيه متسع لقوله، دون أن يوقع نفسه في حرج شرعي، أو يتكلف سجع الكهان، أو يقع في محاكاة القرآن، ونحو ذلك من الأخطاء.
والواجب الحذر من هذه الأنشودة ونحوها، ومناصحة من يتغنى بها، أو يستمع إليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/759)
حكم الشتم في السر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أشتم أحدا، ولكن أشتم في قلبي وفي السر، لا أحد يعلم أني شتمت فلانا، مثلا أن أقول في نفسي يا فلان يا ... لماذا فعلت بي كذا. وهل أنا آثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السب والشتم إما أن يكون بوجه حق، أو بغير وجه حق:
أولا:
إن كان بحق: كأن يقع على المسلم ظُلمٌ ظاهر، وأذى بالغ لا يمتري فيه أحد: فليس على مَن دفع عن نفسه الظلم والعدوان بالسب والشتم مِن حرج، سرا كان الشتم أو جهرا، من غير اعتداء ولا تجاوز، وإن كان الأولى والأفضل ألا يفعل ذلك.
يقول الله تعالى:
(لَاْ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا) النساء/148
يقول السعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك، ويمقته، ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن: كالشتم، والقذف، والسب ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله.
ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول: كالذكر، والكلام الطيب الليِّن.
وقوله: (إِلا مَن ظُلِمَ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه، ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/212) .
وقال تعالى:
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيْلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىْ الّذِيْنَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِيْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ، أُوْلئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/ 41-42
وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(الْمُسْْتَبّانِ: مَا قَالَاْ فَعَلَىْ البَادِئِ مِنْهُمَا، مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ) رواه مسلم (2587)
وخير ما دعا به المظلوم على الظالم، هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جابرٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي)
رواه البخاري في الأدب المفرد (1/226) ، وصححه الألباني، وانظر الدعاء للطبراني (1/421، 426)
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله:
" إذا سب إنسانٌ إنسانا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه، لقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ، ولا يجوز أن يسب أباه ولا أمه، وروي أن زينب لما سبت عائشة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم – كما في سنن ابن ماجة وصححه الألباني -: (دونك فانتصري) فأقبلت عليها حتى يبس ريقها في فيها، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما يجوز السب بما ليس كذبا ولا قذفا، كقوله: يا ظالم، يا أحمق، لأن أحدا لا يكاد ينفك عن ذلك، وإذا انتصر بسبه فقد استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم لحق الله تعالى " انتهى.
" مغني المحتاج " (4/157)
والأولى والأكمل والأفضل هو العفو والصفح والتجاوز، لعل الله أن يتجاوز عنا يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل.
يقول الله عز وجل:
(وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى/40
وقال صلى الله عليه وسلم:
(يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ)
رواه أحمد (4/158) وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة/891)
وعنْ عائشة رضي الله عنْها قالت:
(سُرِقَتْ مِلْحفةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَن سَرَقَهَا، فَجَعَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: لَاْ تُسَبِّخِي عَنْهُ) قال أبو داود: لا تسبخي: أي: لا تخففي عنه.
رواه أبو داود برقم (1497) وصححه الألباني في (صحيح الترغيب/2468)
كما جاء من الآثار عن التابعين ما يدلّ على فضيلة العفو والصفح في الدنيا:
قال الهيثم بن معاوية:
" من ظُلِمَ فلمْ ينتصرْ بيدٍ ولا لسانٍ، ولم يحقدْ بقلبٍ، فذاك يضيء نوره في الناس " انتهى.
رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/264)
ثانيا:
أما إن وقع السب والشتم بغير وجه حق، وإنما كرها شخصيا أو بغضا يدفع إليه الحسد، أو استقباح الهيئة أو النسب أو التصرف أو غير ذلك مما يقع بسببه الناسُ في السب والشتم: فذلك من المحرمات الظاهرة، ومن سقطات اللسان التي تأكل الحسنات، وتأتي بالسيئات، سواء كان في السر أو في العلن.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) رواه البخاري (رقم/48) ، ومسلم (64)
وعنه أيضا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ)
رواه الترمذي (1977) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني في صحيح الترمذي
يقول المباركفوري رحمه الله:
" قوله: (ليس المؤمن) أي: الكامل.
(بالطعان) أي: عيَّاباً الناس.
(ولا اللعان) ولعل اختيار صيغة المبالغة فيها لأن الكامل قل أن يخلو عن المنقصة بالكلية.
(ولا الفاحش) أي: فاعل الفحش أو قائله. وفي " النهاية ": أي: من له الفحش في كلامه وفعاله، قيل: أي: الشاتم، والظاهر أن المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره.
(ولا البذيء) قال القاري: هو الذي لا حياء له." انتهى باختصار.
" تحفة الأحوذي " (6/111)
ثالثا:
فإذا وقع السب في القلب كحديث نفس، ولم يقصده صاحبه، ولم ينطق به، إنما هي بعض الوساوس التي تراوده في شتم فلان وعلان، ولكنه لا يمتثل لها ولا يعقد العزم عليها، فتلك أحاديث نفس وخواطر معفو عنها بإذن الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) .
رواه البخاري (4968) ومسلم (127) .
على أنه يُخْشى من إضمار ذلك: أن يتحرك القلب بما استقر فيه، رغبة فيه، وحرصا عليه، ومحبة له، وهذا من أعمال القلب التي يؤاخذ العبد بمثلها.
قال القاسمي رحمه الله:
" وأما أثره ـ أي: الغضب ـ في القلب: فالحقد والحسد، وإضمار السوء، والشماتة بالمساءات، والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر، وهتك الستر، والاستهزاء، وغير ذلك من القبائح؛ فهذه ثمرة الغضب المفرط " انتهى من "تهذيب موعظة المؤمنين" (312) .
وقال الغزالي رحمه الله:
" اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول؛ فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساويء الغير، فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك. ولست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه ... ، والظن عبارة عما تركن إليه النفس، ويميل إليه القلب ". انتهى.
"إحياء علوم الدين" (3/150) ، وانظر: الأذكار للنووي (344) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/760)
معنى قول عائشة رضي الله عنها: أتوب إلى الله وإلى رسوله.
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في فتوى رقم 105347 أن قول تبت لله والرسول لا يجوز، وأشكل علي هذا الحديث في صحيح مسلم (عن عائشة أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت أو فعرفت في وجهه الكراهية فقالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت ... ) أرجو توضيح هذا الإشكال وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرت من الفتوى صحيح، ولا يخالف ما ورد في الحديث المشار إليه - وهو حديث صحيح متفق عليه – وذلك لاختلاف مخرجيهما:
فالتوبة عبادة من أجل العبادات وأعظمها شأنا، ولا يجوز أن تبذل لغير الله - شأنها في ذلك شأن كل عبادة - سواء كان هذا الغير نبيا مرسلا، أو ملكا مقربا، أو عبدا صالحا، وهي التوبة الشرعية التي في قوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور/31] .
وأما ما ورد في الحديث من قول عائشة رضي الله عنها: (أتوب إلى الله وإلى رسوله)
فالتوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمولة على معناها اللغوي لا الشرعي الاصطلاحي، ومعناها الرجوع عن الخطأ، فهي رضي الله عنها أرادت أنها راجعة عن خطئها في حق الله وفي حق رسوله، إن كانت أخطأت، مستغفرة من ذنبها، إن كانت أذنبت.
قال الطيبي رحمه الله:
" فيه أدب حسن من عائشة رضي الله عنها، حيث قدمت التوبة على اطلاعها على الذنب ".
"شرح مشكاة المصابيح" للطيبي (8/274) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أن التوبة لا شك عبادة، ولكن هذا من التوبة اللغوية، والتوبة اللغوية تكون عبادة وغير عبادة، ولهذا فصلتها رضي الله عنها وقالت: (وإلى رسوله) فأعادت حرف الجر لتكون توبة متميزة عن التوبة الأولى. www.alathar.net/esound/index.php?page=tadevi&id=3058&coid=36456
ويؤيد هذه المسلك أن التوبة في اللغة تعنى الرجوع، قال ابن فارس رحمه الله:
" التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الرُّجوع. يقال تابَ مِنْ ذنبه، أي رَجَعَ عنه "
انتهى. "مقاييس اللغة" (1/326) .
قال القاري:
" وفي إعادة "إلى" دلالة على استقلال الرجوع إلى كل منهما " انتهى.
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (13/ 234) .
وليعلم أن هذه التوبة إنما تصح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، أما بعد مماته فلا يصح أن يقال: أتوب إلى رسول الله.
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله:
" الرسول يتاب إليه في حياته، مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها، لما دخل عليها في الصحيح، ولما أراد أن يدخل وعلى الباب ستر فيه صورة فامتنع من الدخول فقالت عائشة: ماذا أذنبت، أتوب إلى الله وإلى رسوله.
أتوب إلى الله - يعني- من معصية الله، وأتوب إلى رسوله مما أخطأت في حقه، هذا في حياته، لكن بعد وفاته ما يقال: أتوب إلى رسول الله بل يقال: أتوب إلى الله " انتهى.
http://www.taimiah.com/Display.asp?t=book82&f=mso00069.htm&pid=2
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/761)
الحكم على مقولة: (الله بالعين ما شفناه وبالعقل عرفناه)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول: (الله ما شفناه بالعقل عرفناه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الكلمة تحتوي على مسألتين: الأولى حق، لا ريب فيها، والثانية: فيها جزء من الحقيقة، وليست الحقيقة كاملة.
وبيان ذلك:
1. أما المسألة الأولى: فهي قولهم "الله ما شفناه" – أي: ما رأيناه -: فهذا حق؛: لأنه من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لا يراه أحد في الدنيا؛ وإنما تكون رؤيته في الآخرة، بعد الموت، ففي صحيح مسلم (7540) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولهذا اتفق سلف الأمة، وأئمتها، على أن الله يُرى في الآخرة، وأنه لا يَراه أحدٌ في الدنيا بعينه.
"مجموع الفتاوى" (2/230) .
2. وأما المسألة الثانية: وهي قولهم " بالعقل عرفناه ": فهي تمثِّل جزء من الحقيقة؛ لأن دلائل معرفة الله متنوعة، منها الفطرية، والعقلية، والشرعية، والحسية.
فوجود الله تعالى معروف بالعقل.
ومن الأدلة العقلية التي يستند عليها العلماء في إثبات وجود الله تعالى: أن كل سبب لا بد له من مسبِّب , وكل محدَث - بالفتح - لا بد له من محدِث - بالكسر -، وهذا دليل عقلي.
وقد أمر الله تعالى بالتفكر في خلق السماء، والأرض , وهذا التفكر إنما يتم بالعقل، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8.
ومن ذلك قول الأعرابي: البعرة تدل على البعير، وآثار السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج: ألا تدل على اللطيف الخبير؟! .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
أما إثبات الصانع: فطرُقه لا تحصى بل الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري، ضروري، مغروز في الجِبِلَّة، ولهذا كانت دعوة عامَّة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكان عامَّة الأمَّة مقرين بالصانع، مع إشراكهم به بعبادة ما دونه، والذين أظهروا إنكار الصانع - كفرعون - خاطبتهم الرسل خطاب مَن يعرف أنه حق، كقول موسى لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) الإسراء/102، ولما قال فرعون: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) الشعراء/23، قال له موسى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) الشعراء/24 – 28.
"منهاج السنة" (2/270) .
وكون الله تعالى موصوفاً بكل كمال، ومنزهاً عن كل نقص معروف أيضاً بالعقل.
ولكن هذه المعرفة معرفة إجمالية , وأما المعرفة التفصيلية: فلا تتم إلا بالشرع، فبه تُعرف أسماؤه تعالى الحسنى، وصفاته العلى.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله:
ما مدى جواز قول القائل: " عرفْنا ربَّنا بالعقل تفصيلاً "؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب:
" الحمد لله، وبعد:
لقد فطر الله عباده على معرفته، فإن الإنسان بفطرته يَعلم أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وأن المُحدَث لا بد له من مُحدِث، وقد ذكر الله الأدلة الكونية من آيات السماوات والأرض على وجوده، وقدرته، وعلمه، وحكمته، ولهذا يذكِّر الله عباده بهذه الآيات، وينكر على المشركين إعراضهم عنها، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) يوسف/ 105.
وهذه المعرفة الحاصلة بالآيات الكونية هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر، والتفكُّر؛ ولهذا يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8.
والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك: فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، على وجه التفصيل إلا بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بتعريف العباد بربهم، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء، والصفات، وما يجب له، ويجوز عليه، على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء، والصفات تفصيلاً هو: ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علماً مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه/110، وقال صلى الله
عليه وسلم: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) أخرجه مسلم (486) .
وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين: العقل، والسمع - وهو النقل - وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب، والسنَّة، وأن مِن أسمائه وصفاته ما يُعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع.
وبهذه المناسبة: يحسُن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع - وهو الوحي - وجعل العقل تابعاً مهتدياً بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارَض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلاَّل، من الفلاسفة، والمتكلمين.
ووَفَّق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء آثار السلف الصالح، فحكّموا كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الأمور في مواضعها، وعرفوا فضيلة العقل، فلم يعطلوا دلالته، ولم يقدموه على نصوص الكتاب والسنَّة، كما فعل الغالطون، والمبطلون، فهدى الله أهل السنة صراطه المستقيم، فنسأل الله أن يسلك بنا سبيل المؤمنين، وأن يعصمنا من طريق المغضوب عليهم، والضالين. والله أعلم.
من موقع الشيخ حفظه الله
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=1164&Itemid=25
أكرمنا الله، وإياك برؤية الله سبحانه في دار القرار.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/762)
حكم إطلاق "سيدنا" على النبي صلى الله عليه وسلم والتسمي بأسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إطلاق كلمة "سيدنا" على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأولياء الصالحين؟ وحكم تسمية البشر بأسماء الله الحسنى مثل البصير والعزيز وغيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إطلاق لفظ سيدنا على النبي صلى الله عليه وسلم حق، لأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهو سيد العباد والمرسلين، فإذا قال الرجل: سيدنا محمد، اللهم صلِّ على سيدنا محمد. فلا بأس بهذا، هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وسيد الخلق.
وإنما كره ذلك على الناس في حياته؛ لأنه خاف عليهم الغلو. لما قالوا: أنت سيدنا قال: (السيد الله تبارك وتعالى) سداً للذريعة؛ خاف عليهم أن يغلوا فيه عليه الصلاة والسلام، ولكن بعد أن توفي عليه الصلاة والسلام، وأخبرنا أنه سيد ولد آدم فلا بأس أن تقول: سيدنا، عليه الصلاة والسلام، فهو خيرنا وسيدنا وإمامنا، وهو خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام.
أما بقية الناس فالأولى ألا يقال سيدنا ولا يخاطب بهذا، لكن لو قيل: فلان سيدهم، يعني رئيسهم. سيدهم فلان يعني أميرهم، وشيخ قبيلتهم فلا بأس. مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنه الحسن: (إن ابني هذا سيد) وقال: (مَنْ سيد بني فلان؟) وقال للصحابة يوم جاء سعد بن معاذ ليحكم في بني قريظة: (قوموا إلى سيدكم) فهذا لا بأس به.
لكن لا يقول: يا سيدنا. بل تركه أولى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (السيد الله تبارك وتعالى) ، ولأن هذا يفضي إلى التكبر والغلو فيه إذا قيل له هكذا.
فالأولى أن يقول الناس: يا أخانا، يا أبا فلان فهذا يكفي، وأما إذا قيل على سبيل الإضافة: من سيد بني فلان، هذا فلان سيد؛ لأنه من بيت النبوة، أو لأنه فقيه، أو عالم أو شريف في نفسه في أخلاقه وأعماله أو جواد كريم ـ فلا بأس، لكن إذا خيف من إطلاق صفة سيد عليه أن يتكبر أو يتعاظم في نفسه يُترك ذلك.
ولا يقال هذا للكافر ولا المنافق ولا العاصي؛ إنما يقال هذا للشيخ الكبير، للفقيه العالم الرئيس المعروف بالإصلاح والخير والحلم والفضل والجود.
فإذا قيل لهؤلاء: سيد، فلا بأس، أما أن يخاطب: يا سيدنا فتركه أولى، أما إذا كان الفاجر أو المنافق سيد قومه فلا بأس أن يُقال له: يا سيد بني فلان.
أما الشق الثاني من السؤال: فأسماء الرب تعالى قسمان:
قسم يجوز التسمية به، وقسم لا يجوز، لا يقال: خلاق ولا رزَّاق، ولا رب العالمين، ولكن مثل عزيز وبصير لا بأس؛ فالله سمى بعض مخلوقاته كذلك: (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) الإنسان/2، (قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) يوسف/51، مثل هذه الأشياء تطلق على المخلوق، عزيز قومه، كذا بصير بالأمور، أو بصير بمعنى المبصر، كذلك حكيم يعني المحكم فلا بأس بهذه الأشياء؛ لأنها مشتركة وللمخلوق نصيبه منها.
والله له الأكمل منها سبحانه وتعالى، لكن الأسماء المختصة بالله لا تطلق على غير الله، لا يقال الله لابن آدم، ولا الرحمن ولا الخلاق، ولا الرزاق ولا خالق الخلق أو ما أشبهه مما يختص بالله سبحانه وتعالى" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
والله أعلم
"فتاوى نور على الدرب" (1/472) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/763)
يحتج بالقدر عند المعصية ويقول: " الله غالب "
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدنا كثيرا ما نقول كلمة "الله غالب"، وقد يكون ذلك في سياق الاحتجاج على عدم فعل أمر ما، فمثلا تقول لشخص لماذا لم تفعل كذا وكذا؟ فيجيب الله غالب، تقول لماذا لم توف بعهدك؟ فيجيب الله غالب، فما حكم هذه الكلمة؟ خاصة في ذلك السياق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الله عز وجل: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف / 21
قال ابن كثير:
" أي إذا أراد شيئا فلا يُرَد ولا يمانع ولا يخالف، بل هو الغالب لما سواه.
قال سعيد بن جبير: أي: فعال لما يشاء " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (4 / 378) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي: أمره تعالى نافذ، لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فلذلك يجري منهم، ويصدر ما يصدر، في مغالبة أحكام الله القدرية، وهم أعجز وأضعف من ذلك " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 395) .
وهذا كقوله تعالى: (وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ) الأنعام/ 18، ونحو ذلك.
فقول القائل: " الله غالب " متى قصد به وصف الله بالغلبة والقدرة، والعزة والقهر، فقد وصف الله بما هو أهله.
أما إن قصد به الاحتجاج لنفسه عند التقصير أو العصيان فهو من الاحتجاج بالقدر، والقدر إنما يحتج به على المصائب لا المعائب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" الْقَدَرَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1 /155) .
وقال أيضا:
" وَلَمَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلًا فِي فِطَرِ الْخَلْقِ وَعُقُولِهِمْ: لَمْ تَذْهَبْ إلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ، وَلَا هُوَ مَذْهَبُ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَطْرُدُونَ قَوْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ أَحَدٍ لَا فِي دُنْيَاهُ وَلَا آخِرَتِهِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1 / 167) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
" كل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه.
وأما شرعا، فإن الله تعالى أبطل الاحتجاج به، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله " انتهى.
"تفسير السعدي" (1 / 763) .
وقد روى مسلم (2664) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" فأمره إذا أصابته المصائب أن ينظر إلى القدر ولا يتحسر على الماضي، بل يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالنظر إلى القدر عند المصائب والاستغفار عند المعائب " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (8/ 77) .
وقال أيضا:
" فإن الإنسان ليس مأمورا أن ينظر إلى القدر عند ما يؤمر به من الأفعال، ولكن عند ما يجرى عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها، فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم اصبر عليه، وارض وسلم " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (8/ 178) .
ويقال لهذا القائل: كما أن الله " غالب على أمره "، فالله تعالى حكم قسط، له الخلق والأمر، وقد أمرنا بالطاعة، ونهانا عن المعصية؛ فالنظر إلى قدره، والاحتجاج به لإبطال شرعه، إنما هو من فعل المشركين، كما حكى الله تعالى عنهم ذلك، فقال الله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الأعراف/28-29.
وينظر: إجابة السؤال رقم: (20806) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/764)
لا يقال للكافر أو الفاسق: يا سيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقال للكافر: يا سيد. مثل أن يكتب بالفاتورة أو غيرها: السيد فلان وهو يعلم أنه كافر، أو أثناء الحديث معه بالإنجليزية مثلاً مستر فلان؟ وإذا كان لا يجوز أن يقال للكافر يا سيد؛ فما الدليل؟ أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نعم، لا يقال للكافر: سيد، ولا للفاسق: سيد، لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقولوا للمنافق سيدنا) فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا الشيء، فلا نبغي للمؤمن أن يقول للكافر ولا للفاسق سيداً، لأن هذا وصف عظيم لا يليق بالكافر والفاسق، والسيد هو الرئيس والكبير والفقيه ـ فلا ينبغي أن يقال للكافر بالله أو المعروف بالمعاصي الظاهرة لا يقال له سيد، بل يدعى باسمه المعروف: فلان، أو: أبي فلان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن أبي: (ما فعل أبو الحباب) .
فإن دعي بلقبه أو باسمه أو قيل فلان المدعو كذا وكذا فلا بأس ويكفي هذا، أما أن يقال السيد فلان، أو يأتي بما هو أعظم من ذلك، فلا يجوز لكونه فاسقاً معروفاً بالفسق، ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/300) .
وانظر جواب السؤال رقم (12625) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/765)
لا يعد هذا من سب الدهر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأناشيد الإسلامية، يذكر بها بعض الكلمات، لا أدري إن كانت مباحة أم لا؟ فمثلا هنالك نشيد يقال به (والله لو يمحو الزمان شمائلا سأظل وحدي طول عمري ثابتاً) ، وقد سمعت: أن الله نهى عن سب الدهر، فهل هذا الكلام مباح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث الذي أشار إليه السائل، رواه البخاري (4826) ، ومسلم (2246) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ".
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/419) : " قَالَ الْعُلَمَاء: وَهُوَ مَجَاز، وَسَبَبه أَنَّ الْعَرَب كَانَ شَأْنهَا أَنْ تَسُبّ الدَّهْر عِنْد النَّوَازِل وَالْحَوَادِث وَالْمَصَائِب النَّازِلَة بِهَا مِنْ مَوْت أَوْ هَرَم أَوْ تَلَف مَال أَوْ غَيْر ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: يَا خَيْبَة الدَّهْر، وَنَحْو هَذَا مِنْ أَلْفَاظ سَبّ الدَّهْر، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر " أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِل النَّوَازِل، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلهَا وَقَعَ السَّبّ عَلَى اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلهَا وَمُنْزِلهَا. وَأَمَّا الدَّهْر الَّذِي هُوَ الزَّمَان فَلَا فِعْل لَهُ، بَلْ هُوَ مَخْلُوق مِنْ جُمْلَة خَلْق اللَّه تَعَالَى " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد على كتاب التوحيد" (2/240) : " وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم ; فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك ; لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام: " هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " هود/77.
الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبه الدهر، أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا ; لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا ; فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، فإنه كافر.
الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده ; فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين ; لأن حقيقة سبه تعود إلى الله - سبحانه - ; لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر، ويُكَوِّن فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلا، وليس هذا السب يُكَفِّر ; لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة " انتهى.
ثانياً:
ما جاء في هذا النشيد لا يعتبر سباً للدهر؛ لأنه من باب الإخبار، فهو إخبار بعزمه على الثبات على أخلاقه ومبادئه، حتى وإن تغير حال غيره، مع مرور الأيام والأزمان.
وهذا المعنى صحيح، لا إشكال فيه.
وذكر ما يحدث في الدهر، وما تنزل فيه من مصائب، وكوارث، وتقلب أحوال الناس فيه بين الخير والشر لا يعد سباً للدهر، كما سبق.
وفي صحيح البخاري (7068) عن الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: (اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ولا يزال هذا الأمر – أعني فساد أحوال الزمان – يتتابع شيئا فشيئا، وينقص العلم، ويظهر الشح ويتغير الناس حتى لا يبقى في آخر الزمان إلا شرار الخلق، يتهارجون تهارج الحُمُر، وعليهم تقوم الساعة.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ " رواه البخاري (6073) ، ومسلم (157) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/766)
قولهم: يسار ما تشناك (يعني: تسوؤك) ويسارك يمينك
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا إن قدم لك أحدٌ شيئاَ بيده الشمال لسبب ما قال: (يسار ما تشناك) يعني: تسوؤك، فيرد عليه بـ (يسارك يمينك) ولا نقصد بذلك مشابهة الله عز وجل في أن كلتا يديه يمين، ولكن من باب أنه لا يضير أن تأخذ ممن قال لك هذه المقولة بشماله أو يمينه، فهل هذا اللفظ صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء النهي عن الأخذ والإعطاء بالشمال، فيما رواه ابن ماجه (3266) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى مسلم (2020) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا) . وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا: (وَلَا يَأْخُذُ بِهَا، وَلَا يُعْطِي بِهَا) .
قال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (8/183) : " قوله: (لا يأكل أحدكم بشماله) فيه: النهي عن الأكل والشرب بشماله , والنهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول , ولا يكون مجرد الكراهة فقط إلا مجازا مع قيام صارف. قال النووي: وهذا إذا لم يكن عذر , فإن كان عذر يمنع الأكل أو الشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال " انتهى.
وعليه؛ فإن قدم أحد شيئا بشماله لعذر فلا شيء عليه، وقوله حينئذ: يسار ما تشناك، أي ما تشنؤك، من الشناءة وهي البغض، لعل صوابه أن يقول: يمين ما تشناك، أي أن اليمين معذورة في عدم التقديم بها، وليس بها من شناءة لك. أو يكون المراد: أن الشمال أيضاً تحبك ولها نصيب من خدمتك.
وقول الآخذ: يسارك يمينك، يقصد أنه لا يضرك بأيهما أعطيت، إن كان مع وجود العذر فلا شيء فيه، وإن كان مع انتفاء العذر كان قولا خاطئا مصادما للشرع؛ لأن الشمال ليست كاليمين، بل يُنهى عن الإعطاء بها كما تقدم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم قول الرجل لأخيه: يسارك يمين. إذا هو لم يستطع أن يعطيه شيئاً بيده اليمنى فيعطيه بيده اليسرى ويقول له: يسارك ما تشناك. ونحن نعلم أنه لا يوجد أحد يساره يمين إلا الله عز وجل؟
فأجاب: "على كل حال هذا حسب نية القائل، إذا قال: يسارك يمين. بمعنى أنها تكون عوضاً عن اليمين عند العجز فلا بأس، ولا أظن أحداً يريد أن يشبه المخلوق بالخالق في هذه المسألة. وأما يسارك ما تشناك، فأنا لا أعرف ما معناها.
السائل: يا شيخ! معروف هذا، ومثال ذلك: شخص أعطى آخر شيئاً باليسار فلئلا يأخذ الآخر في نفسه يقول: شمال ما تشنأك. أي: ما تشنؤك، من الشنآن وهو البغض، فيجيب الآخذ: يسارك يمين!
الشيخ: أولاً هذه ما سمعناها، ما هي موجودة في مجتمعنا هنا، لكن لا أظن أن الرجل يقصد التشبيه بالله عز وجل" انتهى من "الفتاوى الثلاثية".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/767)
حكم قول الإنسان: شوفتك ترد الروح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول: ردت الروح لي ... بحيث تقال في حال شرب ماء.. أو رؤية صديق,, لم يره منذ زمن ... ويقول له: شوفتك ترد الروح ... ما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه العبارات الدارجة على ألسنة الناس لا يراد بها حقيقتها من أن الروح فارقت البدن ثم عادت إليه، أو أن رؤية فلان من الناس تعيد الروح للميت، وإنما مرادهم حصول الراحة والسرور بعد الألم والضيق، حتى يكون الإنسان بعدها بمنزلة من عادت إليه الحياة.
والروح لا تفارق البدن إلا في حال الموت ويبقى لها به نوع من التعلق، وتفارقه مفارقة جزئية حال النوم.
قال ابن القيم رحمه الله: " الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة، وقد ذكرنا من الأحاديث والآثار ما يدل على ردّها إليه وقت سلام المسلِّم، وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه إذ (هو) تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا.
… وإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي وحياته غير حياة المستيقظ فإن النوم شقيق الموت، فهكذا الميت إذا أعيدت روحه إلى جسده كانت له حال متوسطة بين الحي وبين الميت الذي لم ترد روحه إلى بدنه، كحال النائم المتوسطة بين الحي والميت، فتأمل هذا يزيح عنك إشكالات كثيرة " انتهى من "كتاب الروح" ص 44.
والحاصل: أنه لا حرج في قول الإنسان: ردت الروح لي، وما شابه ذلك على إرادة معنى صحيح كحصول الفرج والفرح والسرور، بعد الشدة والألم والضيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/768)
حكم المقولات المنتشرة " باسم الحب " و " أقسم باسم العشق " ونحوهما
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة لفت انتباهي في بعض المنتديات البعض تدفعه عواطفه نحو المقرَّب إلى نفسه، يهديه كلمات، وأنا متأكدة أنها دون قصد؛ لأننا لا نعلم الحكم في هذا اللفظ، وأرجو منكم مساعدتي؛ لأني فعلاً في حيرة من أمري، مثلاً: " باسم الحب أهديك قلبي "، " أقسم باسم الصداقة سأبقى وفيّاً "، " أحلف باسم العشق "، " باسم الهوى أحبك "، " باسم الحب ". سؤالي: باسم الحب وغيره ألا يعتبر هذا حلفاً بغير الله سبحانه وتعالى؟ من الأساس هل جائز القسم باسم الحب، وغيره، وعند كتابتي " باسم الحب " هل هذا حلف أم لا؟ هل جائز المناداة أو المخاطبة باسم الحب، أو العشق، وغيره؟ . أتمنى أن لا أكون أثقلت عليكم بالأسئلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما الحلف والقسَم: فلا يجوز إلا بالله تعالى، وبأسمائه، وصفاته، ولا يحل لأحدٍ أن يحلف بغير الله تعالى، فإن فعل: وقع فيما حرَّم الله عليه، وهو شرك أصغر بمجرده، فإن كان المحلوف به عند الحالف في منزلة الله تعالى أو أعظم: كان حلفه كفراً مخرجاً عن الملة، وهو بتنزيله للمحلوف به منزلة الله يكون كافراً أصلاً حتى لو لم يحلف به، لكن حلفه به مع ذلك الاعتقاد السيء علامة على كفره أصلاً.
وعليه: فيكون قول القائل: " أقسم باسم الصداقة سأبقى وفيّاً "، " أحلف باسم العشق "، وما يشبهه: من الحلف بغير الله، وهو محرَّم، يجب صون اللسان عنه.
وانظر أجوبة الأسئلة: (34501) و (115474) و (1074) .
ثانياً:
أما قول القائل " باسم الحب "، أو " باسم الوطن "، أو " باسم الحرية "، وما يشبهه: ففيه تفصيل:
1- أن يكون في ابتداء الكلام، قاصداً قائله التبرك، والاستعانة به، وهو ما يكون مقابل قول الموحدين " بسم الله الرحمن الرحيم ": فهذا شرك، وقد يكون شركاً أكبر، وذلك بحسب منزلة هذا المتبرك والمستعان به، كما سبق في الحلف والقسم.
2- أن يكون في ابتداء الكلام، أو أثنائه، قاصداً قائله أن يكون وكيلاً حقيقيّاً، أو مجازيّاً عن المتكلم باسمه، كأن يتكلم باسم " الطلاب "، أو باسم " المسلمين "، أو باسم " المتهم "، أو ما يشبهه: فهذا جائز، ولا حرج فيه.
3- أن يتكلم بكلام فيه عشق وغرام، ويدعي أنه يتكلم باسم " الحب "! أو يتكلم عن الوفاء، ويدعي أنه يتكلم باسم الوفاء، وهكذا في أمور معنوية، يريد تسويق كلامه على أن كلامه جزء من اللفظ المزعوم – كالحب، والوفاء -: فكل هذا ليس شركاً في حدِّ ذاته، لكنه يأثم بحسب كلامه، وما يحويه من فحش، وبحسب من يخاطبه به، فإن كان كلاماً عن الغرام، والعشق، والعلاقات المحرَّمة، وكان مع أجنبية عنه: حرم عليه قوله، وحرم على المخاطبة الأجنبية استماعه منه أو قراءته؛ لما في ذلك من نشر الفاحشة، والتهييج على فعل المعاصي، والآثام.
وإن كان كلاماً من زوج مع زوجته: كان جائزاً، غير أنه ينبغي أن يكون بينهما، لا يطلع عليه أحد سواهما.
4- أن يكون كلاماً في معان سامية – كالأُخوَّة، والوفاء، والصلة -: كان جائزاً أيضاً، بشرط أن يكون مطابقاً للحكم الشرعي المنزل في الكتاب والسنَّة، فلا يتكلم عن وفاء العشيق لمعشوقته، ولا عن صلة الحبيبة بحبيبها، بل الجائز منه ما كان كلاماً شرعيّاً، مطابقاً للشرع.
وهذه فتاوى أهل العلم فيما سبق ذِكره:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
بعض من يقوم بالتقديم لمحاضر، أو شيخ، يقول في البداية: " باسمي، وباسمكم أرحِّب بفضيلة الشيخ " مثلا، فهل يجوز ذلك؟ ، وكذلك من يقول: " باسم الشعب، أو الحكومة "، وغيره.
فأجابوا:
إذا كان المقصود أنه يرحب بالقادم، أو الحاضر، أصالة عن نفسه، ونيابة عمَّن أقاموه في هذا الأمر: فلا حرج في ذلك.
وإذا كان يقصد الاستفتاح بها بدلاً من اسم الله: فهو ممنوع.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (26 / 139، 140) .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
عن هذه العبارات: " باسم الوطن "، " باسم الشعب "، " باسم العروبة "؟
فأجاب:
هذه العبارات: إذا كان الإنسان يقصد بذلك أنه يعبِّر عن العرب، أو يعبِّر عن أهل البلد: فهذا لا بأس به.
وإن قصد التبرك، والاستعانة: فهو نوعٌ من الشرك، وقد يكون شركاً أكبر، بحسب ما يقوم في قلب صاحبه من التعظيم بما استعان به.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 88، 89) ، وانظر: معجم المناهي اللفظية، للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (171) .
ثالثاً:
ننبه هنا إلى حرمة هذه العلاقات بين الرجال والنساء الأجانب، في المنتديات، والجامعات، والمدارس، والعمل، وغيرها من نواحي الحياة، سواء كانت العلاقات شخصية ذاتية، أو بالمكالمات الهاتفية، أو بالمراسلات الكتابية، وكل ذلك من وسائل إغواء الشيطان للمسلمين للإيقاع بهم في جرائم شنيعة، وكبائر قبيحة.
وقد بيَّنا حكم المراسلة والمحادثة بين الجنسين في فتاوى متعددة، فانظروا أجوبة الأسئلة:
(78375) و (34841) و (23349) و (20949) ، (26890) ، (82702) .
وانظروا جواب السؤال رقم: (82196) ففيه بيان حكم مشاركة المرأة في المنتديات، ومناقشة الرجال.
وانظروا جواب السؤال رقم: (104398) ففيه بيان مسئولية أصحاب المواقع، والمشرفين عليها عن وجود المنكرات، والصور المحرمة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/769)
لا حرج في إطلاق كلمة " زنوبة " على نوع من الحذاء المنزلي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مدى صحة المقولة التالية: اعتاد الناس استخدام (نعال زنوبة) كبار وصغار، فنحن ندلع الفتاة الصغيرة التى اسمها زينب: زنوبة، ولكن الأمويين هم أول من أطلقوا اسم زنوبة على نعلتهم، استهزاء بالسيدة زينب عليها السلام، وكأنهم لا يعرفون أنها بنت أشرف الخلائق وأحسنهم نسبا، فهي زينب حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بنت علي وفاطمة الزهراء، وهي أخت الحسن والحسين. فيا مسلمون، احذروا استخدام كلمة زنوبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" زنوبة " تصغير عامي لاسم زينب، والتصغير الفصيح هو: زوينب.
يقول الزبيدي رحمه الله:
" زينب بنت أم سلمة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوها زُناب بالضم، هكذا ضبطه الأمير، ويصغرها العوام فيقولون: زنوبة " انتهى.
" تاج العروس " (3/27)
وهي من الكلمات العامية التي تطلق أيضا في بعض البلدان العربية على نوع من الحذاء المنزلي، مصنوع من البلاستيك، رقيق المداس، وله في مقدمته مشبك واحد يدخل بين أصابع الأقدام كي يثبت فيها.
فهذان الاستعمالان من الاستعمالات العامية التي ليس لها علاقة باللغة العربية الفصحى، فمن أين جاء صاحب المقولة الواردة في السؤال بتاريخ هذه الكلمة، ويزعم أن منشأها أيام الدولة الأموية، ولو بحثت في معاجم اللغة العربية المتقدمة لما وجدت لكلمة " زنوبة " أثرا، مما يدلك على حدوث هذه الكلمة، ولذلك نص الزبيدي أن نفس الصيغة من تصغير العوام، وأن ما ينتشر في بعض المنتديات من التحذير منها هو من تلفيق بعض جهلة الشيعة المعاصرين، وإلا فلم نجد شيئا في التحذير منها في كتب الشيعة المتقدمين رغم كثرة الخرافات والأساطير فيها.
فالذي نراه أنه لا حرج من استعمالها كما يستعملها العامة، وإن كنا نختار ونحب اعتياد اللغة الفصحى في كلماتنا وخطاباتنا، فهي لغة القرآن الكريم، ولغة النبي صلى الله عليه وسلم، ولغة العلم والعلماء.
وقد وجدنا من علمائنا المعاصرين من يستعمل كلمة " زنوبة " على هذا النوع من الحذاء المنزلي، فقد جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/215) قولهم: " إذا كانت النعال زنوبة أو غيرها فيها شيء من الأوساخ والرطوبة التي تؤذي المصلين وتوسخ الفرش فينبغي لصاحبها أن يحملها في يديه حتى يضعها في مكان مناسب لا يحصل به أذى لأحد " انتهى.
وأخيرا لا بد من تنبيه إخواننا المسلمين على الحرص على التثبت من المعلومات التي يسمعونها ويقرؤونها، والبحث عن مصادر هذه المعلومات والتأكد من صدقها، وعدم نشرها أو العمل بها قبل التأكد منها، وبذلك تصفو لنا ثقافتنا وشريعتنا من كل الشبهات والخرافات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/770)
إذا أصيب أحد بمصيبة قالوا: والله ما يستاهل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول هذه الكلمات: أ- توفي شخص فقال بعضهم: والله ما يستاهل. ب – إذا حصل أذى للإنسان قالوا: مسكين. يعني: لماذا يحصل له هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: قول: (والله ما يستاهل) لا يجوز استعماله؛ لأنه اعتراض على الله جل وعلا في حكمه وقضائه، إذ معناها: أن ما أصاب فلاناً من مرض أو محنة أو موت ونحو ذلك لا يستحقه، وهذا طعن في حكمة الله سبحانه.
ثانياً: قول: (مسكين) لمن حصل له أذى، يعني لماذا يحصل له هذا: يقال في هذا اللفظ ما قيل في اللفظ الأول.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/360) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/771)
التفصيل في حكم إطلاق الألقاب على الناس، وكلمة حول إطلاق لقب " حمار " على صحابي!
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالألقاب، فإن زملائي في المدرسة يلقبون بعضهم البعض بألقاب مختلفة، ولا ينزعج بعضهم من بعض، فهل هذا جائز؟ وهل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم داعب امرأة طاعنة في السن وقال لها (لا يدخل الجنة عجوز) ؟ وهل صحيح أنه كان هناك رجل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يُلقب بـ " حمار "؟ فكيف نجمع بين هذه الأحاديث وقول الله تعالى في سورة الحجرات (ولا تنابزوا بالألقاب) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل في أدب الشرع أن ينادى الإنسان بأحب الأسماء إليه، ولا بأس بمخاطبته بكنيته التي يحبها، وأما اللقب فإن غالب استعماله في الذم، ومثل هذا لا يجوز استعماله، إلا أن يُعرف أن صاحبه لا يكرهه، أو أنه لا يُعرف إلا به، وأما تلقيب الشخص بقلب يكرهه: فلا يحل فعله، وهو من التنابز المنهي عنه في الشرع، والتلقيب بألقاب فاحشة ومنكرة منتشر بين الطلاب بعضهم مع بعض، ويطلقونه على مدرسيهم، كما أنه منتشر بين أهل المهن اليدوية، وأكثر تلك الألقاب منهي عنها، وكثير منها لا يخلو من طعن، وقذف في العرض، واتهام بالسوء والفحش، وتعييب خلقة الله تعالى.
قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقب
قال ابن القيم - رحمه الله -:
الفرق بين الاسم والكنية واللقب:
هذه الثلاثة وإن اشتركت في تعريف المدعو بها: فإنها تفترق في أمرٍ آخر، وهو: أن الاسم إما أن يُفهم مدحاً، أو ذمّاً، أو لا يفهم واحداً منهما، فإن أفهم ذلك فهو: اللقب، وغالب استعماله في الذم، ولهذا قال الله تعالى: (ولا تنابزوا بالألقاب) الحجرات/ 11، ولا خلاف في تحريم تلقيب الإنسان بما يكرهه، سواء كان فيه، أو لم يكن، وأما إذا عُرف بذلك واشتهر به، كالأعمش، والأشتر، والأصم، والأعرج: فقد اضطرد استعماله على ألسنة أهل العلم، قديماً، وحديثاً، وسهَّل فيه الإمام أحمد.
قال أبو داود في " مسائله ": سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل يكون له اللقب لا يُعرف إلا به، ولا يكرهه، قال: أليس يقال سليمان الأعمش، وحميد الطويل؟ كأنه لا يرى به بأساً.
قال أبو داود: سألت أحمد عنه مرة أخرى فرخص فيه، قلت: كان أحمد يكره أن يقول " الأعمش "، قال الفضيل: يزعمون كان يقول " سليمان ".
وإما أن لا يُفهم مدحاً، ولا ذمّاً، فإن صُدِّر بـ " أب "، و " أم ": فهو الكنية، كأبي فلان، وأم فلان.
وإن لم يُصدر بذلك: فهو الاسم، كزيد، وعمرو، وهذا هو الذي كانت تعرفه العرب، وعليه مدار مخاطباتهم، وأما فلان الدين، وعز الدين، وعز الدولة، وبهاء الدولة: فإنهم لم يكونوا يعرفون ذلك، وإنما أتى هذا من قبَل العجم.
" تحفة المودود بأحكام المولود " (ص 135، 136) .
وعليه: فما يحصل بين الطلاب من إطلاق ألقاب بعضهم على بعض: فإنه يُنظر في أمرين حتى يكون مباحاً:
الأول: خلو اللقب من فحش، وسوء، وقذف، ولو رضي به الملقَّب؛ لأنه قد يكون سفيهاً، ولا يهتم لطعن الناس، وقذفهم، أو قد يكون اللقب فيه طعن في أهله الذين يكرههم، فيمنع من إطلاق اللقب الفاحش لكونه منكراً بذاته، ولو رضي به الملقَّب.
الثاني: رضى الملقَّب بما أطلق عليه من ألقاب، وعدم كراهيته له، فهو صاحب الحق، وله أن يمنع الناسَ من تلقيبه، كما له الحق في الموافقة عليه.
فإذا خلا اللقب من فحش وسوء في ذاته، ورضي به الطالب – وغيره -: فلا مانع من إطلاق ذلك اللقب عليه.
وأحياناً يكون اللقب ملتصقاً بالطالب – وغيره – لا ينفك عنه، ولا يُعرف إلا به، فيجوز إطلاقه عليه من باب التعريف، لا من باب المناداة به، وبينهما فرق.
قال الحافظ العلائي – رحمه الله -:
والحاصل أن الألقاب على ثلاثة أقسام:
قسم منها لا يُشْعِرُ بذمٍّ، ولا نقص، ولا يَكره صاحبُه تسميته به: فلا ريب في جوازه كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم (أصَدَقَ ذو اليدين؟) فقد تقدم أن هذا الصحابي رضي الله عنه كانت يداه طويلتين، وأنه يحتمل أن يكون ذلك كناية عن طولهما بالبذل، والعمل، وأيّاً ما كان: فليس ذلك مما يقتضي ذمّاً، ولا نقصاً.
وثانيهما: يُشعر بتنقص المسمَّى به، وذمِّه، وليس ذلك بوصف خَلْقي: فلا ريب في تحريم ذلك؛ لدلالة الآية الكريمة، ولا يزول التحريم برضى المسمَّى به بذلك، كما لا يرتفع تحريم القذف، والكذب برضى المقول فيه بذلك، واستدعائه من قائله.
وثالثها: ما يشعر بوصف خَلقي، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأشل، والأثرم، وأشباه ذلك، فما غلب منه على صاحبه حتى صار كالعلَم له، بحيث أنه ينفك عنه قصد التنقص عند الإطلاق غالباً: فليس بمحرم، ولعل إجماع أهل الحديث قديماً وحديثاً على استعمال مثل ذلك، ولا يضر كون المقول فيه يكرهه؛ لأن القائل لذلك لم يقصد تنقصه، وإنما قصد تعريفه، فجاز هذا للحاجة كما جاز جرح الرواة وذكر مثالبهم للحاجة إليه، وما كان غير غالب على صاحبه، ولا يُقصد به العلمية، والتعريف له: فلا يسمى لقباً، ولكنه إذا عُلم رضى المقول فيه بذلك، ولم يقصد تنقصه بهذا الوصف: لم يحرم، ومتى وُجد أحد هذين: كان حراماً، والله أعلم.
" نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد " (ص 420 – 421) .
وينظر جواب السؤال سؤال رقم (7660) .
ثانياً:
أما بخصوص السؤل عن حديث (لا يدخل الجنة عجوز) : فقد رواه الإمام الترمذي في " الشمائل المحمدية " (ص 199) عن الحسن البصري قال:
أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، قال: فولَّت تبكي، فقال: أَخْبِرُوهَا أَنَّها لاَ تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ الله تعالى يَقُول (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً) الواقعة/ 35 – 37.
انتهى
والحديث كما هو ظاهر: مرسل، ولذا ضعفه طائفة من علماء الحديث، وهو حريٌّ بالتضعيف، وفي متنه نكارة، وهو ترويع النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة، وقد نهانا عن الترويع جادين، وهازلين، وليس هذا من خلُقه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله للحديث شواهد، وحسَّنه بها، فانظر " السلسلة الصحيحة " (2987) ، فالله أعلم.
ثالثاً:
أما بخصوص الصحابي الذي كان يلقب " حماراً ": فقد ثبت هذا في البخاري وغيره.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
رواه البخاري (6398) .
والسؤال هو: كيف أُطلق عليه هذا اللقب، وظاهر الأمر أنه لقب سوء؟ .
والجواب: أن مثل هذا اللقب كان مألوفا عند العرب، بل كانوا يجعلونه من الأسماء التي يسمي أحدهم بها بنيه! وليس فقط لقباً، ومنه اسم الصحابي " عياض بن حمار "، و " عبد الله بن جحش "، وغيرهما، وإنما كان يُنظر في ذلك لمعانٍ غير التي يتوهمها أهل زماننا.
ومن ذلك ما لقِّب به الخليفة الأموي مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، فقد لقِّب " مروان الحمار "! لصبره، وجلَده.
قال الحافظ بدر الدين العيني – رحمه الله -:
قوله " وكان يلقب حماراً ": لعله كان لا يكره ذلك اللقب وكان قد اشتهر به.
" عمدة القاري " (23 / 270) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/772)
حكم عبارة "حرية الفكر"
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع ونقرأ كلمة "حرية الفكر"، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان، فإنه كافر؛ لأن كل من اعتقد أن أحداً يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كافر بالله عز وجل يستتاب، فإن تاب وإلا وجب قتله.
والأديان ليست أفكاراً، ولكنها وحي من الله عز وجل ينزله على رسله، ليسير عباده عليه، وهذه الكلمة ـ أعني كلمة فكر ـ التي يقصد بها الدين: يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية، لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد، وهو أن يقال عن الإسلام: فكر، والنصرانية فكر، واليهودية فكر ـ وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية ـ فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس، والواقع أن الأديان السماوية أديان سماوية من عند الله عز وجل، يعتقدها الإنسان على أنها وحي من الله، تَعَبَّد بها عبادَه، ولا يجوز أن يطلق عليها "فكر".
وخلاصة الجواب: أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء، وأنه حر فيما يتدين به، فإنه كافر بالله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) آل عمران/85، ويقول: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19.
فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن ديناً سوى الإسلام جائز، يجوز للإنسان أن يتعبد به، بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين" (3/99، 100) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (104342) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/773)
أسلوب عامي يقرن لفظ الجلالة في كل تعبير للدلالة على المبالغة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول حلوة ل الله، أو بعيدة ل الله، للدلالة على الكثرة والزيادة: فمثلاً إذا أريد التدليل على أن الشيء بعيد جداً فيقال: بعيدة ل الله، فيقرن اسم الله تعالى بقوله، بعيدة ل الله؛ لأن الله تعالى يدل على العظمة. فإن عظم عليه شيء أو صعب عليه فيقول صعب ل الله. وهذا قول منتشر بين بعض الناس، ويقرن كثيراً بكل شيء، يراد به التدليل على الكثرة، مثل: قصير ل الله، طويل ل الله، حقير ل الله، قوي ل الله، غير لذيذ ل الله. وقول آخر للدلالة على الانزعاج فيقول: أنا واصلة معي لعند الله. فإن كانت الأقوال السابقة مخالفة لشرع الله تعالى، ومحرمة، فما سبب ذلك، وما الدليل على التحريم؟ ، وهل يختلف القول على حسب اقترانه بشيء حسن أو شيء قبيح في الحكم، فمثلا: جميل ل الله، تختلف عن قبيح ل الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قصد قائل هذه العبارات الاستخفاف بِقَدْرِ الله، أو الاستهانة بجلاله عز وجل: كَفَرَ باتفاق علماء المسلمين.
أما إِن لم يقصد ذلك: فلا يجوز للمسلم – على جميع الأحوال - أن يعتاد مثل هذه الألفاظ في كلامه وخطابه، وذلك:
1- لأن في اعتيادها جرأة على لفظ الجلالة، وإشعارا بالتعدي على عظمته وجلالته، والاستخفاف بحقه، والواجب على المسلم تعظيم أسماء الله تعالى، وصيانتها، وحفظ جلالتها عن كل سبيل قد يؤدي إلى الاستخفاف بها، أو الوقوع في الخطأ فيها.
2- ثم إن الذي يظهر لنا – من قرائن أحوال قائلي هذه الكلمات – أنها تصدر في أحيان كثيرة عن حَنَقٍ وغضب يَشْعُرُ قائلُها نفسُه أنه قد تجاوز الأدب والحدود مع الله سبحانه وتعالى، نخص من ذلك قوله: " أنا واصلة معي لعند الله "، فسوء أدب هذه العبارة ظاهر، يخشى على قائلها من عقوبتها يوم القيامة، وكذلك إرداف لفظ الجلالة لبعض الأوصاف السيئة، كما جاء في السؤال من قول بعض العامة: " حقير ل الله "، فهذا فيما نرى لفظ كفري يخشى على قائله من الردة والعياذ بالله.
3- والله سبحانه وتعالى يقول: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30، ويقول عز وجل: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32. يقول الشيخ محمد الخادمي الحنفي رحمه الله: " من آفات اللسان (ما فيه خوف الكفر) ، وهو الذي لم يجزم الفقهاء بإيجابه كفرا، بل قالوا فيه خوف الكفر، أو خيف فيه الكفر، أو خطأ عظيم، (وحُكمُهُ أن يؤمر بالتوبة وتجديد النكاح احتياطا) لاحتمال كونه كفرا " انتهى. "بريقة محمودية" (3/168) .
4- وقد فسر بعض أهل العلم قوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ) البقرة/224 بأن المقصود النهي عن الإكثار من حلف الأيمان ولو كانت بوجه حق، فكيف إذن بالإكثار من ذكر لفظ الجلالة في كل عبارة تليق أو لا تليق. يقول العلامة الطاهر ابن عاشور: " أي لا تجعلوا اسم الله كالشيء المعرَّض للقاصدين " انتهى. "التحرير والتنوير" (2/310) وانظر: "تفسير القرطبي" (3/97) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/774)
حكم نشرة بعنوان " بيت للتمليك، لا يفوتك، يطل على ثلاث واجهات "!
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما حكم هذه الرسالة: (بيت للتمليك.. لا يفوتك! يطلّ على ثلاث واجهات: 1. عرش الرحمن 2. قصر الرسول 3. نهر الكوثر، المكان: جنة عرضها السماوات والأرض، والثمن زهيد جدّاً: فقط 12 ركعة سنَّة في اليوم والليلة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الرسالة تحتوي على الافتراء على الله، وادعاء علم لا يعلمه إلا الله، فما أدراه أن البيت الذي يبنى في الجنة لصاحبه سيكون مطلاًّ على عرش الرحمن، وقصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهر الكوثر؟! .
وعرش الرحمن هو سقف جميع المخلوقات، وفوق جميع المخلوقات، فكيف سيكون هذا البيت مطلاً عليه؟!
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أفعال وَعَد أصحابها ببيوت في الجنة، ولم يفصِّل لهم موقعها، وإطلالتها.
ثم إن في هذا النوع من الرسائل نوعاً من السذاجة والسفاهة، وقد نبَّه عليها أهل العلم، وحذروا من الاغترار بنشرها، كمثل تلك الرسالة التي تجعل أعداد ركعات الصلوات أرقاما للاتصال بالله تعالى – والعياذ بالله -، أو كتلك التي يشبهون فيها الدار الآخرة برحلة على خطوط جوية، وفيها تذاكر، ومقاعد، وأشياء أخرى تافهة، ومثلها – أيضاً – نشرة فيها معلومات عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سموها " جواز النبي "! و " هوية أحوال للنبي "! وكل ذلك فيه تضييع للأوقات والأموال، مع ما قد يشوبه من السخرية والاستهزاء.
وقد يكون مقصد من يفعل ذلك خبيثاً، وقد يكون حسناً، لا ندري عن حقيقة الأمر، ولكنه بكل حال لا يحل نشر مثل الرسائل، بل الواجب الحذر والتحذير منها.
والركعات الواردة في السؤال هي السنن الرواتب، وانظر تفصيلها في جواب السؤال رقم: (1048) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/775)
يقول في أثناء كلامه: بالأمانة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً يقول الرجل أثناء كلامه: بالأمانة كذا، ولا يقصد الحلف بالأمانة، وإنما يقصد أنه يتكلم بأمانة ولا يكذب، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام أنه لم يقصد الحلف بالأمانة، فلا حرج عليه إن شاء الله، والأفضل له أن يعدل عن هذا الأسلوب، حتى لا يفهم المتكلم معه أنه يحلف بغير الله.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل أراد أن يشتري من تاجر سلعة فأعطاه ثلاثة أنواع منها، فقال له الرجل: تخبرني عن الأفضل من هذه السلع، وقال التاجر: بالأمانة هذا هو الأفضل، وكلا الرجلين لم يقصد يمينا، وإنما قصدهما ائتمان أحدهما الآخر في الإخبار بالحقيقة، ويسأل هل هذا يعتبر كفرا وإلحادا؟
فأجابوا: " إذا لم يكن أحدهما قصد بقوله: بالأمانة الحلف بغير الله، وإنما أراد بذلك ائتمان أخيه في أن يخبره بالحقيقة، فلا شيء في ذلك مطلقا، لكن ينبغي ألا يعبر بهذا اللفظ الذي ظاهره الحلف بالأمانة.
أما إذا كان القصد بذلك الحلف بالأمانة فهو حلف بغير الله، والحلف بغير الله شرك أصغر، ومن أكبر الكبائر؛ لما روى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/274) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (13019) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/776)
الاقتباس من القرآن، أنواعه، وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز - يا شيخ - أن نقتبس من القرآن الكريم بعض جمل وفقرات واستخدامها في الحياة العامة؟ مثلاً: يقول لي صديقي: " تعال نأكل في هذا المطعم "، أقول له: " أكل المطاعم لا يسمن ولا يغني من جوع "، ومثال آخر: يطلب مني صديق أن أخبره بشيء، فأقول له: " انتظر حتى أحدث لك منه ذِكراً ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاقتباس في اللغة: هو طلب القَبَس، وهو الشعلة من النار، ويستعار لطلب العلم، قال الجوهري في " الصحاح ": اقتبست منه علما: أي استفدته.
وفي الاصطلاح: تضمين المتكلم كلامه - شعراً كان أو نثراً - شيئاً من القرآن، أو الحديث، على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث.
"الموسوعة الفقهية" (6/16، 17) .
ثانياً:
أنواع الاقتباس:
في " الموسوعة الفقهية " (6 / 16، 17) :
الاقتباس على نوعين:
أحدهما: ما لم ينقل فيه المقتبَس (بفتح الباء) عن معناه الأصلي، ومنه قول الشاعر:
قد كان ما خفت أن يكونا ... إنا إلى الله راجعونا
وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير؛ لأن الآية (وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة/156.
والثاني: ما نقل فيه المقتبَس عن معناه الأصلي كقول ابن الرومي:
لئن أخطأتُ في مدحِـ ك ما أخطأتَ في منعي
لقد أنزلتُ حاجاتي " بوادٍ غير ذي زرع "
فقوله " بواد غير ذي زرع ": اقتباس من القرآن الكريم، فهي وردت في القرآن الكريم بمعنى " مكة المكرمة "، إذ لا ماء فيها ولا نبات، فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي، هو: " لا نفع فيه ولا خير ".
ثالثاً:
حكم الاقتباس:
جاء في "الموسوعة الفقهية" (6 / 17، 18) : " يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية، تحسيناً للكلام، أما إن كان كلاماً فاسداً: فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن، وذلك ككلام المبتدعة، وأهل المجون، والفحش.
قال السيوطي: لم يتعرض له المتقدمون، ولا أكثر المتأخرين من الشافعية، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم، واستعمال الشعراء له قديماً، وحديثاً، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين، فسئل عنه الشيخ العز بن عبد السلام فأجازه، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها: (وجهت وجهي ... إلخ) ، وقوله: (اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر) .
وفي سياق الكلام لأبي بكر ... " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".
وفي حديث لابن عمر ... " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".
وقد اشتهر عند المالكية تحريمه، وتشديد النكير على فاعله، لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه، وبين النثر فأجازه، وممن استعمله في النثر من المالكية: القاضي عياض، وابن دقيق العيد، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية.
ونقل السيوطي عن " شرح بديعية " ابن حجة أن الاقتباس ثلاثة أقسام:
الأول: مقبول، وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود.
والثاني: مباح، وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص.
والثالث: مردود، وهو على ضربين.
أحدهما: اقتباس ما نَسبه الله إلى نفسه، بأن ينسبه المقتبِس إلى نفسه، كما قيل عمن وقع على شكوى بقوله: " إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم "!! .
والآخر: تضمين آية في معنى هزل، أو مجون.
قال السيوطي: وهذا التقسيم حسن جدّاً، وبه أقول " انتهى.
وبهذا التقسيم الأخير يقول العلماء المحققون، وليس ثمة فرق بين الشِّعر والنثر عندهم.
1. سئل علماء اللجنة الدائمة عن: استعمال بعض آيات القرآن في المزاح ما بين الأصدقاء، مثال: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) الحاقة/30، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ) عبس/40، (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) الفتح/29، هل يجوز استعمال هذه الآيات في المزاح ما بين الأصدقاء؟ .
فأجابوا: " لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح على أنها آيات من القرآن، أما إذا كانت هناك كلمات دارجة على اللسان لا يقصد بها حكاية آية من القرآن أو جملة منه: فيجوز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 82، 83) .
2. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً –: ما حكم تأول القرآن عندما يعرض لأحد منَّا شيءٌ من أمور الدنيا، كقول أحدنا عندما يحصل عليه شدة، أو ضيق: (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) مريم/83.
عندما يلاقي صاحبه: (جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) طه/40.
عندما يحضر طعام: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) الحاقة/24.
إلى آخر ما هنالك مما يستعمله بعض الناس اليوم؟ .
أجابوا: " الخير في ترك استعمال هذه الكلمات وأمثالها فيما ذكر؛ تنزيهاً للقرآن، وصيانة له عما لا يليق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 81، 82) .
3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: كثيراً ما يتناقل بعض الناس أثناء الحديث على ألسنتهم آيات من القرآن الكريم، أو من السنَّة على سبيل المزاح، مثاله: كأن يقول بعضهم: فلان (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) الشمس/13، أو قول بعضهم للبعض: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون/ 6، واليوم رأينا نون وما يعلمون، وهكذا، ومن السنَّة: كأن يقول أحدهم إذا ذُكّر ونُصح بترك المعصية: يا أخي (التقوى هاهنا) ، أو قوله: (إن الدين يسر) وهكذا.
فما قولكم في أمثال هؤلاء؟ وما نصيحتكم لهم؟ .
فأجاب: " أما من قال هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية: فإنه على خطر عظيم، وقد يقال إنه خرج من الإسلام؛ لأن القرآن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يُتخذ هزواً، وكذلك الأحكام الشرعية، كما قال الله تبارك وتعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/64 – 66.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من قال كلمة الكفر ولو مازحاً: فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات الله عز وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزواً أو مزحاً.
أما من استشهد بآية على واقعة جرت وحدثت: فهذا لا بأس به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد بالآيات على الوقائع، فاستشهد بقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) التغابن/15، حينما جاء الحسن والحسين يتعثران في أثوابهما، فنزل من المنبر صلى الله عليه وسلم، وقال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة) التغابن/15، فالاستشهاد بالآيات على الوقائع: لا بأس به، وأما أن تنزّل الآيات على ما لم يُرد الله بها - ولاسيما إن قارن ذلك سخرية واستهزاء -: فالأمر خطير جدّاً " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (60/السؤال الأول) .
4. وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله –: نسمع كثيراً من الإخوان يستخدمون الآيات القرآنية لضرب أمثلة، كقوله تعالى: (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ)
الغاشية/7، وقوله: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ) طه/55.
فهل هذا جائز أم لا؟ وإذا كان جائزاً: ففي أي الحالات يمكن ذكرها وترديدها؟ .
فأجاب: " لا بأس بالتمثل بالقرآن الكريم إذا كان لغرض صحيح، كأن يقول: هذا الشيء لا يُسمن، ولا يُغني من جوع، أو يقول: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ) طه/55، إذا أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض، وأنه خلق منها، ويعود إليها بعد الموت ثم يبعثه الله منها، فالتمثل بالقرآن الكريم إذا لم يكن على وجه السخرية والاستهزاء: لا بأس به، أما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء: فهذا يعتبر ردة عن الإسلام؛ لأن من استهزأ بالقرآن الكريم أو بشيء من ذكر الله عز وجل، وهزل بشيء من ذلك: فإنه يرتد عن دين الإسلام، كما قال تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66، فيجب تعظيم القرآن واحترامه " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (2 /79) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (103923) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/777)
حكم تسمية العمارات بـ قصر الكوثر، والفردوس.. ونحو ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد بعض العمائر التي أعدها أصحابها للإيجار، كغرف مفروشة أو شقق، وقد أطلقوا عليها بعض الأسماء، مثل: (قصر عباد الرحمن، قصر تبارك، قصر الكوثر، قصر الفردوس ... ) وما شابه ذلك. هل يجوز إطلاق مثل هذه العبارات على العمارات المعدة للإيجار أو خلافه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز إطلاق العبارات المذكورة على الغرف والشقق المعدة للإيجار؛ لأنها تشتمل على الكذب، فالتسمية بـ (قصر عباد الرحمن) مشعرة بالمدح، وقد يسكنه من ليس أهلاً لذلك.
وتسمية قصر تبارك لا يجوز، لأن كلمة (تبارك) لا تطلق إلا على الله عز وجل، كما قال سبحانه: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الملك/1، والقصر المذكور قد يكون غير مبارك ولا خير فيه. و (قصر الكوثر) الذي هو (الخير الكثير) ، وقد يكون القصر شراً محضاً، ويطلق على نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، كما في قول الله عز وجل: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) الكوثر/1.
ولأن (الفردوس) اسم لأعلى الجنة وأوسطها، فلا يليق أن يسمى به قصر من قصور الدنيا.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/377) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/778)
وقفة تأمل مع جملة " الإسلام دين الوسطية "
[السُّؤَالُ]
ـ[أهل الصلاح يتحدثون عن " الوسطية في الدين "، والعلمانيون يتحدثون عن " الوسطية في الدين "، بل حتى الكافر يتحدث عن " الوسطية في الدين "، فما الوسطية في الدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شاع في زماننا هذا جملة " الإسلام دين الوسطية "، وهي كلمة حق، لها أدلتها من الكتاب والسنَّة وأقوال أهل العلم، لكننا وجدنا في الوقت نفسه من أساء استعمالها، وأراد تمرير " التمييع " للأحكام الشرعية من خلالها، وذهب إلى الثوابت الشرعية ليهز قواعدها، انطلاقاً من تلك الجملة، ومن فهمه المغلوط لها.
فصار لتلك الجملة الآن استعمالان، أحدهما حق، والآخر باطل.
أ. أما الاستعمال الحق لها: فله ما يؤيده من القرآن والسنَّة وأقوال أهل العلم من أهل السنَّة، وقد جاء في القرآن بأن هذه الأمة " أمة الوسط "، والمقصود بها الخيار والعدول، وهم الذين يكونون بين طرفي النقيض.
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) البقرة/ 143.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
" وأرى أن الله تعالى ذِكْره إنما وصفهم بأنهم " وسَط ": لتوسطهم في الدين، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هُم أهلُ تقصير فيه، تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله، وقتلوا أنبياءَهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط، واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحبَّ الأمور إلى الله أوْسطُها " انتهى. " تفسير الطبري " (3 / 142) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – مؤكداً هذا المعنى -: " فدين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه، وخير الناس: النمط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلوِّ المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار، العدل؛ لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو: الوسط بين طرفي الجور، والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها.
قال الشاعر:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفا " انتهى.
" إغاثة اللهفان " (1 / 182) .
ومما يؤكد هذا المعنى من الأمثلة في الشرع الحكيم المطهَّر:
1. دعاء المسلمين في سورة الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) الفاتحة/6، 7.
وهذا الدعاء يكرره المسلم دائما في الصلاة وغيرها، وفيه سؤال الله تعالى أن يهديه طريق المنعَم عليهم من النبيين والصدِّيقين، وأن يجنبه طريق المغضوب عليهم من اليهود الذين ضلوا على علم، ومن طريق النصارى الذي ضلوا بسبب جهلهم.
2. لا يؤخذ في الزكاة كريم المال ولا رديئه.
وقد أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه لمَّا بعثه إلى اليمن بقوله:
(أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) رواه البخاري (1425) ومسلم (130) .
قال النووي – رحمه الله – معدِّداً فوائد الحديث -: " وفيه: أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال، في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط، ويحرم على رب المال إخراج شر المال " انتهى.
"شرح صحيح مسلم للنووي" (1 / 197) .
3. وفي الإنفاق.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) الفرقان/ 67.
قال ابن كثير – رحمه الله -: " أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهْليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عَدْلا خياراً، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا.
(وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) ، كَمَا قَالَ: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/ 29 " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (6 /123، 124) .
ب. وأما الاستعمال الباطل لجملة " الإسلام دين الوسطية " فهو ما يدعو إليه بعض الكتاب والدعاة من الوقوف في الوسط بين كل متناقضين، وعدم اتخاذ الموقف الشرعي الذي يوجبه عليه دينه، فهو يقف – مثلاً – بين السنَّة والبدعة، فلا يرفض البدعة بإطلاق، ولا يقبل السنَّة بإطلاق! ، وفي حكم الردة يحاول التوسط! فلا يقبل الاستتابة والقتل فيها، ولا يسمح بها بإطلاق! ، وهو لا يرفض التصوف بإطلاق، بل يوهم نفسه بأنه من أهل العدل حين لا يحكم عليها بأنها من فرق الضلال والهلاك، وقل مثل هذا في الفرق الضالة، بل تعدى ذلك إلى الكفر والإسلام! ، ولهذا تجد هؤلاء هم عمدة الحوارات التي تعقد للتقريب بين التوحيد والشرك – كما هو الحال في التقريب بين السنة والشيعة -، والإسلام والكفر – كما هو الحال في التقريب بين الإسلام والنصرانية واليهودية -، فلا الإسلام والسنَّة نصروا، ولا البدعة والكفر كسروا، وعاشوا على تمييع دينهم، والتنازل عن ثوابته، من أجل أن تلمَّع صورتهم في الإعلام أنهم من " دعاة الوسطية " فيحصلوا مكاسب دنيوية، لا تنفعهم عند ربهم، بل تضرهم، وقد خذل الله بعض رموزهم، فمنع من دخول بعض دول الكفر، مع أنه من أبرز من أطلق عليهم " إخوة "! بل ووصف نصارى بلده بأنهم " شهداء "! ولطالما ميَّع دينه بفتاوى يزعم أنها " تيسيرية " و " وسطية "، فما نفعه هذا في دنياه؛ وصدق الله العظيم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) البقرة/ من الآية 120.
وينبغي أن يعلم هؤلاء وغيرهم: أن الوسط، والتوسط ليس هو أن يقف المسلم وسط الطريق بين كل متناقضين، بل هو أن يلتزم شرع الله تعالى في موقفه، وأن يحكم على الشيء بما يستحقه مما جاء في الكتاب والسنَّة، والوسطية هي التوسط بين أمرين كلاهما خطأ وضلال في الأصل، وأما من يستعملها على غير وجهها فهو يقف في وسط الطريق مطلقاً، ولو كان أحد الجانبين فيه التوحيد، والسنَّة؛ فهذا باطل.
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله: " والقول بين القولين إنما يُسْتحب اختياره، وسلوك طريق بين الغالي والمقصر، إنما يكون أولى إذا أمكن تمشيته؛ فأما إذا لم يمكن تمشيته، فلا " انتهى.
"قواطع الأدلة في أصول الفقه" (5/256) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ما المراد بالتوسط في الدين، أو الوسطية؟ .
فأجاب: " التوسط في الدين، أو الوسطية: أن يكون الإنسان بين الغالي والجافي، وهذا يدخل في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية التعبدية.
فمثلاً: في الأمور العقدية، انقسم الناس فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: طرفان، ووسط، طرفٌ غلا في التنزيه، فنفى عن الله ما سمَّى ووصف به نفسه، وقسمٌ غلا في الإثبات، فأثبت لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، لكن باعتقاد المماثلة، وقسمٌ وسط أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، لكن بدون اعتقاد المماثلة، بل باعتقاد المخالفة، وأن الله تعالى لا يماثله شيء من مخلوقاته ... .
هذا في العقيدة، كذلك أيضاً في الأعمال البدنية: مِن الناس مَن يغلو، فيزيد، ويشدد على نفسه، ومن الناس من يتهاون، ويفرط، فيضيع شيئاً كثيراً، وخير الأمور الوسط.
والوسط الضابط فيه: ما جاءت به الشريعة، فهو وسط، وما خالف الشريعة: فليس بوسط، بل هو مائل، إما للإفراط، وإما إلى التفريط.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في " العقيدة الواسطية " خمسة أصول، بيَّن فيها رحمه الله أن أهل السنة فيها وسطٌ بين طوائف المبتدعة، فيا حبذا لو أن السائل رجع إليها؛ لما فيها من الفائدة " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 226، وجه ب) .
ويمكن مراجعة رسالة الوسطية، لفضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر، حفظه الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/779)
هل يجوز قول عبارة " إلا رسول الله "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول العبارة: " إلا رسول الله "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تتابع كثير من الناس على استعمال هذه العبارة للدفاع عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلوها شعاراً لمقاطعتهم الدول التي وقفت مع من أساء إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا شك في حسن قصد من استعملها وأطلقها، ولكن هذه العبارة من حيث معناها فيها إشكال، وهو أنه ذكر فيها المستثنى ولم يذكر المستثنى منه.
وعلى أي تقدير للمستثنى منه، يكون معنى العبارة غير مستقيم، فإن ظاهرها أننا نقبل أو نسكت عن الإساءة إلى أي شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهذا المعنى باطل، فإننا لا نقبل ولا نسكت على الإساءة إلى الله تعالى، ولا إلى القرآن، أو الإسلام، أو أحد من الأنبياء والمرسلين، أو الملائكة، أو الصحابة رضي الله عنهم، أو أمهات المؤمنين، أو إخواننا المؤمنين، فظهر بذلك أن معنى العبارة غير صحيح، وهو ما جعل بعض علمائنا يفتون بأنها غير جائزة.
فقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: انتشر في هذه الأيام كتابة عبارة " إلا رسول الله "، فهل ترون جواز استعمال هذه العبارة؟ .
فأجاب:
"لا أرى جوازها؛ لأنها لا تُفيد شيئاً، هي عندي تشبه ذِكر الصوفية " الله، الله "! .
لكن نعلم أن مقصود الذين يكتبونها هو: " كل شيء إلا الرسول، لا تقربون حماه، ومقامه، وحرمته، هذا مُراد من كتبها، لكن إذا نظرنا لتحديد لفظة " إلا رسول الله ": (صار المعنى) : سبُّوا كلَّ أحدٍ إلا رسول الله! هل هذا صحيح؟ وهل يستقيم الكلام؟ .
سبُّوا كلَّ أحدٍ إلا رسول الله. فهي غلط" انتهى.
" شرح مقدمة أصول التفسير " الدرس الرابع، السؤال الأول.
وهذا رابط المادة الصوتية:
http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=48708
وسئل الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله: عن تعليق هذه العبارة.
فأجاب: "أما " إلا رسول الله ": فهذا كلام غير صحيح؛ لا بد أن يؤتى بالمستثنى منه , ولا شك أن الإساءة لله تعالى أعظم من الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عبارة غير مستقيمة، ولا تصح" انتهى.
" شرح سنن ابن ماجه ".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/780)
إطلاق لفظ الرب مقيدا على السيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قول: (أطعم ربك) ، وقول المولى جل وعلا في سورة يوسف عليه السلام: (أما الآخر فيسقي ربه خمرا) ، فكيف الجمع بين النصين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
وردت في هذه المسألة بعض النصوص التي ظاهرها التعارض:
فقد جاء في السنة النبوية نهي عن استعمال لفظ العبودية أو الربوبية مضافا لغير الله تعالى:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ. وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلاَي. وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي. وَلْيَقُلْ فَتَاي وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي) رواه البخاري (2552) ومسلم (2249) ، وزاد فيه: (ولا يقل أحدكم ربي) .
ولكن جاء في القرآن الكريم، وفي السنة الصحيحة أيضا، ما يدل على استعمال هذه الألفاظ مضافة لغير الله تعالى.
يقول الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، وقال سبحانه: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف/23، وقال عز وجل: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) يوسف/42.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام حين سأله عن أمارات الساعة: (أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) رواه مسلم برقم (8) ، وأصله في البخاري برقم (50) .
وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل: (فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) رواه البخاري (91) ومسلم (1722) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ) رواه البخاري (1412) ومسلم (157) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمولاه: (وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ) رواه البخاري (3059) .
ثانيا:
تعددت أجوبة العلماء على هذا التعارض:
1. فذهب بعضهم إلى أن الجواز كان في شرع من قبلنا، ولذلك استعملها النبي يوسف عليه السلام، أما في شرعنا فلا يجوز.
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (9/250) : " فإن احتج محتج بقول يوسف عليه الصلاة والسلام: (إنه ربى أحسن مثواي) ، وقوله: (اذكرني عند ربك) ، فتلك شريعة وهذه أخرى، وتلك لغة وهذه أخرى، وقد كان هذا مباحا عندنا وفي شريعتنا حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (15/118) : " فإن قيل: لا ريب أن يوسف سمى السيد ربا في قوله: (اذكرني عند ربك) ، وقوله: (ارجع إلى ربك) ونحو ذلك، وهذا كان جائزا في شرعه، كما جاز في شرعه أن يسجد له أبواه وإخوته، وكما جاز في شرعه أن يؤخذ السارق عبدا، وإن كان هذا منسوخا في شرع محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى.
2. وذهب بعض أهل العلم إلى تخصيص النهي بالذي يضيف اللفظ إلى نفسه، فيقول: عبدي، وأما إذا قال: هذا عبدك: فلا بأس.
قال ابن حزم رحمه الله: " لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه: هذا عبدي، ولا لمملوكته: هذه أَمَتي، لكن يقول: غلامي وفتاي ومملوكي ومملوكتي وخادمي وفتاتي.
ولا يجوز للعبد أن يقول: هذا ربي، أو مولاي، أو ربتي، ولا يقل أحد لمملوك: هذا ربك، ولا ربتك، لكن يقول: سيدي.
وجائز أن يقول المرء لآخر: هذا عبدك، وهذا عبد فلان، وأمة فلان، ومولى فلان؛ لأن النهى لم يرد إلا فيما ذكرنا فقط، وجائز أن يقول: هؤلاء عبيدك، وعبادك، وإماؤك " انتهى.
"المحلى" (9/249) .
3. النهي للكراهة وليس للتحريم.
وهو توجيه أكثر الشراح والفقهاء.
4. النهي هو عن اتخاذ ذلك عادة، وليس عن استعماله أحيانا.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (15/6) : " الجواب من وجهين:
أحدهما: أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب وكراهة التنزيه لا للتحريم.
والثاني: أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة، ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال، واختار القاضي هذا الجواب " انتهى.
وقال رحمه الله أيضاً: " قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي؛ لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية.
وأما حديث: (حتى يلقاها ربها) فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: رب الدار، ورب المال.
وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم: (اذكرني عند ربك) فعنه جوابان:
أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى الله عليه وسلم للسامري: (وانظر إلى إلهك) طه /97، أي: الذي اتخذته إلها.
والجواب الثاني: أن هذا شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا لا يكون شرعا لن إذا ورد شرعنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه " انتهى.
"الأذكار" (ص/363) .
وقال القرطبي رحمه الله:
" قال العلماء: قوله عليه السلام: (لا يقل أحدكم) ، (وليقل) : من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأولى، لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم، ولأنه قد جاء عنه عليه السلام: (أن تلد الأمة ربها) أي: مالكها وسيدها، وهذا موافق للقرآن في إطلاق ذلك اللفظ، فكان محل النهي في هذا الباب ألا نتخذ هذه الأسماء عادة فنترك الأولى والأحسن.
وقد قيل: إن قول الرجل عبدي وأمتي يجمع معنيين:
أحدهما: أن العبودية بالحقيقة إنما هي لله تعالى، ففي قول الواحد من الناس لمملوكه عبدي وأمتي تعظيم عليه، وإضافة له إلى نفسه بما أضافه الله تعالى به إلى نفسه، وذلك غير جائز.
والثاني: أن المملوك يدخله من ذلك شيء في استصغاره بتلك التسمية، فيحمله ذلك على سوء الطاعة.
وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون ذلك جائزا في شرع يوسف عليه السلام " انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (9/195) .
وانظر جواب السؤال رقم (114749) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/781)
حكم كتابة إن شاء الله هكذا: إنشاء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة إن شاء الله كالآتي "إنشاء الله" حاشاه ربي، علما أني قرأت في المنتديات: كثيراً ما لاحظت ولاحظ غيري من يكتب إن شاء الله بهذا الشكل (إنشاء الله) لذلك أحببت أن أطلعكم على هذا الموضوع الذي يبين الفرق بينهما ... معنى الفعل "إنشاء" أي: إيجاد، ومنه قوله تعالى: (إنا أنشأنهن إنشاءً..) أي: أوجدناهن إيجاداً ... فمن هذا لو كتبنا (إنشاء الله) يعني: أننا نقل والعياذ بالله إننا أوجدنا الله.. تعالى شأنه عز وجل عن هذا علواً كبيراً ... وهذا غير صحيح كما عرفنا ... أما الصحيح هو أن نكتب (إن شاء الله) ... فإننا بهذا اللفظ نحقق هنا إرادة الله عز وجل ... فقد جاء في معجم لسان العرب معنى الفعل شاء، أي أراد. فالمشيئة هي الإرادة فعندما نكتب إن شاء الله ... كأننا نقول بإرادة الله نفعل كذا.. ومنه قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في ظننا أن الحامل للكثير على كتابة: (إن شاء الله) بهذا الشكل: (إنشاء الله) هو الخطأ في الكتابة، وليس هذا القصد الذي ذكرتيه.
والقول بأن "إنشاء الله" بمعنى أننا أوجدنا الله، تعالى الله عن ذلك، فهو احتمال لغوي، إذا اعتبرنا هذا من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، وليس هذا هو الاحتمال الوحيد، بل هناك احتمال آخر وهو أن يكون من باب إضافة المصدر إلى فاعله، ومعنى ذلك: أن الإنشاء مضاف إلى الخالق، على وجه أنه فاعله، والمصدر يضاف إلى فاعله مثل قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) البقرة/251.
على أننا نرى أن الكاتب لم يقصد إضافة المصدر إلى فاعله، ولا إلى مفعوله، وإنما قصد: (إن شاء الله) ولكنه أخطأ في الكتابة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/782)
هل يصح تسمية النصارى بـ "المسيحيين"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يسمى أتباع الديانة النصرانية "نصارى" أو "مسيحيين"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الأفضل أن يسمون "نصارى" وبهذا الاسم جاء القرآن الكريم، ولم يطلق عليهم ولو في موضع واحد أنهم "مسيحيون" ولفظ "مسيحي" نسبةً إلى المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.
وهذه النسبة غير صحيحة في الواقع، لأنهم لو كانوا أتباع المسيح حقاً لآمنوا أنه عبد الله ورسوله، ولآمنوا بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، كما بشرهم بذلك المسيح نفسه، وأمرهم بالإيمان به، قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) الصف/6.
فتبين بذلك أنهم ليسوا اتباعاً للمسيح عليه السلام حقيقةً.
ولكن.. نظراً لأنه غلب إطلاق "مسيحي" على أتباع الديانة النصرانية، ولا يقصد كثير ممن يطلق هذا الاسم أنهم اتباعه حقيقةً، وإنما يريد فقط التعريف بهم، وأنهم ينسبون أنفسهم إليه، فلا حرج من استعماله، وممن استعمل هذا الاسم "مسيحي" من علمائنا: فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وفضيلة الشيخ صالح بن عبد الله الفوزان حفظه الله، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء، كما يعلم ذلك من البحث في فتاواهم بكلمة "مسيحي".
وإن كان الأولى والأفضل استعمال اسم " النصارى".
فقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
شاع منذ زمن استخدام كلمة "مسيحي"، فهل الصحيح أن يقال: "مسيحي"، أو "نصراني"؟.
فأجاب:
"معنى " مسيحي " نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه، وهو بريء منهم، وقد كذبوا؛ فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله. فالأولى أن يقال لهم: " نصارى "، كما سماهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) البقرة/ 113" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 387) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
يَرِدُ على ألسنة بعض المسلمين كلمة " مسيحية " حتى إنهم لا يميزون بين كلمتَي " نصراني "، و " مسيحي "، حتى في الإعلام الآن يقولون عن النصارى: مسيحيين، فبدل أن يقولوا: هذا " نصراني "، يقولون: هذا " مسيحي "، فنرجو التوضيح لكلمة " المسيحية " هذه، وهل صحيحٌ أنها تطلق على ما ينتهجه النصارى اليوم؟ .
فأجاب:
"الذي نرى أن نسمي " النصارى " بـ " النصارى "، كما سماهم الله عز وجل، وكما هو معروف في كتب العلماء السابقين، كانوا يسمونهم: " اليهود والنصارى "؛ لكن لما قويت الأمة النصرانية بتخاذل المسلمين: سَمَّوا أنفسهم بالمسيحيين؛ ليُضْفوا على ديانتهم الصبغة الشرعية، ولو باللفظ، وإلا فأنا على يقين أن المسيح عيسى بن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء منهم، وسيقول يوم القيامة إذا سأله الله: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) المائدة/ 116، سيقول: (سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ... ) المائدة/ 116، 117، إلى آخر الآية. سيقول هذا في جانب التوحيد، وإذا سئل عن الرسالة فسيقول: يا رب! إني قلت لهم: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) الصف/ 6، فهو مقرر للرسالات قَبْلَه، وللرسالة بَعْدَه عليه الصلاة والسلام، فأمر أمته بمضمون شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ ولكن أمته كفََرَت ببشارته، وكفَرَت بما أتى به من التوحيد، فقالوا: (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) المائدة/ 73، وقالوا: (الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) التوبة/ 30، وقالوا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة/ 17، نسأل الله العافية.
الحاصل: أني أقول: إن المسيح عيسى بن مريم بريءٌ منهم، ومما هم عليه من الدين اليوم، وعيسى بن مريم يُلْزِمهم بمقتضى رسالته من الله أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكونوا عباداً لله، قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مسْلِمُونَ) آل عمران/ 64" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (43 / السؤال رقم 8) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/783)
قول بعض الخطباء: في السماء ملكك وفي الأرض سلطانك وفي البحر عظمتك
[السُّؤَالُ]
ـ[يرد على ألسنة بعض الأئمة والخطباء في مستهل خطبهم وبعد حمد الله والثناء عليه قولهم هذه العبارة، وهي: (في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك) فهل ورد نص شرعي من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من صحابته الكرام بهذا الدعاء؟ وإن كان لم يرد ألا تدل هذه العبارة على تخصيص ملك الله عز وجل في السماء فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حمد الله والثناء عليه بما هو أهله في خطبة الجمعة إنما يكون بما ثبت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما لا محذور فيه شرعاً من مطلق المحامد والثناء على الله تعالى.
أما العبارة المذكورة في السؤال فتركها أولى؛ لأن فيها إيهاماً، فقد يظن البعض تخصيص الملك بالسماء فقط، أو السلطان بالأرض فقط، وهكذا.
وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عام في جميع خلقه، فمن تأمل جميع ما خلقه الله أدرك عظمة الله، وملكه لذلك، وسعة سلطانه، وقهره لجميع خلقه، قال الله تعالى:) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) غافر/57، وقال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات/20، 21، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، وقال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة/255، وقال سبحانه: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة/120.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/369) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/784)
حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقال: اللهم صل على فلان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فأجاب:
"قد تنازع العلماء: هل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم مفردا؟ على قولين:
أحدهما: المنع وهو المنقول عن مالك والشافعي واختيار جدي أبي البركات.
والثاني: أنه يجوز وهو المنصوص عن أحمد واختيار أكثر أصحابه: كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر. واحتجوا بما روي عن علي أنه قال لعمر: صلى الله عليك. واحتج الأولون بقول ابن عباس: لا أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الذي قاله ابن عباس قاله لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره فهذا مكروه منهي عنه كما قال ابن عباس. وأما ما نقل عن علي: فإذا لم يكن على وجه الغلو وجعل ذلك شعارا لغير الرسول فهذا نوع من الدعاء وليس في الكتاب والسنة ما يمنع منه وقد قال تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث) وفي حديث قبض الروح: (صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه) . ولا نزاع بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على غيره كقوله: (اللهم صل على آل أبي أوفى) وأنه يصلي على غيره تبعا له كقوله: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) والله أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (22/472-474) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/785)
حكم قول: (يا من أمره بين الكاف والنون)
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو معرفة حكم قول: (يا من أمره بين الكاف والنون) ؟ وخاصة أنها كَثُرت على ألسنة الدعاة، فما حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا القول قد انتشر على ألسنة بعض الخطباء، وهم يريدون بذلك أن ما أمر الله به يقع فوراً، ولا يتأخر وقوعه، وهو معنى صحيح بلا شك، قال الله تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) القمر/50.
ولكن هذا اللفظ عند التأمل نجده غير صحيح، ومخالفاً لما دل عليه القرآن.
ولعل هذه العبارة مقتبسة من أبيات لأبي محمد التيمي، وهي قوله:
لا تخضعنّ لمخلوق علي طمعٍ فإن ذلك مُضرّ منك في الدينِ
واسترزقِ الله مما في خزائنه فإنما الأمر بين الكاف والنون
إن الذي أنت ترجوه وتأمله من البرية مسكينُ ابن مسكين
"رسائل الثعالبي" (ص29) ، "الأغاني" (20/70) .
قال الله عز وجل: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) البقرة/117.
وقال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/59.
وقال سبحانه: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) النحل/40
وهذا يعني أن الأمر لا يتم إلا بعد قوله تعالى: (كن) ، أما قبل النون فلم يتم الأمر من الله للشيء، فلا يكون حتى يأمره الله.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى:
" اشتهر بين العوام أنهم يقولون: (يا من أمره بين الكاف والنون) وهذا خطأ، ليس أمر الله بين الكاف والنون، بل بعد الكاف والنون؛ لأن الله قال: (كُنْ فَيَكُونُ) البقرة/117.
متى؟ بعد "كن". فقولهم: "بين الكاف والنون" خطأ، يعني: ما تم الأمر بين الكاف والنون، لا يتم الأمر إلا بالكاف والنون، لكنه بعد الكاف والنون فوراً كلمحٍ بالبصر ". انتهى."الباب المفتوح" (186/10) .
وقال أيضاً في "شرح الأربعين النووية" (ص 65) :
" أود أن أنبه على كلمة دارجة بين العوام: (يا من أمره بين الكاف والنون) ، وهذا غلط عظيم، الصواب: (يا من أمره - مأموره - بعد الكاف والنون) ، لأن ما بين الكاف والنون ليس أمراً، الأمر لا يتم إلا إذا جاءت الكاف والنون، لأن الكاف المضمومة ليس أمراً، والنون كذلك، لكن باجتماعهما تكون أمراً.
فالصواب أن تقول: (يا من أمره - مأموره - بعد الكاف والنون) " انتهى.
فالذي ينبغي للخطباء والدعاة ألا يتعجلوا في قول شيء حتى يتأكدوا من صوابه، إما بالبحث بأنفسهم، وإما بسؤال أهل العلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/786)
تقسيم المسلمين إلى ملتزمين وغير ملتزمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ي بخصوص عبارة: " مسلم ملتزم "، و " مسلم غير ملتزم ". هنا في السويد يجري استخدام هاتين العبارتين باستمرار " مسلم ملتزم "، و " مسلم غير ملتزم "، وبالتالي حين يطرح سؤال " هل أنت مسلم؟ " يتم استخدام " مسلم ملتزم " أو " مسلم غير ملتزم "، ويعني الناس بعبارة " مسلم ملتزم " من يؤمن بدين الإسلام، وهو الإيمان بالله والرسل والملائكة والكتاب واليوم الآخر، ويعنون أيضا بعبارة " مسلم ملتزم " أن صاحبها يؤمن بالشريعة الإسلامية، وأنه غالبا يتبعها ويفعل كذا وكذا، على سبيل المثال يؤدي الصلوات الخمس يوميًا، ويصوم رمضان، ويؤدي الزكاة، إلى آخره. أما قولهم: " مسلم غير ملتزم " فيعنون به من يؤمن بدين الإسلام، وهو الإيمان بالله والملائكة والكتاب واليوم الآخر، ويعنون أيضا بقولهم " مسلم غير ملتزم " من يؤمن غالبا بالشريعة الإسلامية، لكنه لا يتبعها، على سبيل المثال: لا يصلي الصلوات الخمس يوميا، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي الزكاة، والمرأة لا ترتدي الحجاب، إلى آخره. وسؤالي: هل يكون الواحد " مسلما ملتزما " أم " مسلما غير ملتزم "؟ هل هذه التسميات شرعية، وصحيحة؟ ومن هو المسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم هو الذي آمن بأركان الإيمان الستة: آمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. ونطق بشهادة التوحيد، ليعلن استسلامه لله وحده لا شريك له، وانقياده للشريعة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فكل من أتى بذلك فهو من المسلمين، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، إلا أن يهدم إسلامه بعمل أو قول أو اعتقاد كفري ينقض أركان الإيمان التي قامت في قلبه.
غير أن الناس يتفاوتون في درجة الإيمان، كما يتفاوتون في درجة الانقياد بالعمل بأحكام الدين وامتثال أوامره.
فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان شعبا كثيرة، ومراتب متفاوتة، وذلك يعني أن المؤمنين يتفاوتون في درجاتهم بحسب امتثالهم لهذه الشعب والمراتب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)
رواه البخاري (9) ، ومسلم (35) واللفظ له.
وفي القرآن الكريم تقسيم الناس إلى مراتب ثلاثة: الظالم لنفسه بمعصيته، والمقتصد بطاعته في الواجبات واجتنابه المحرمات، والسابق بالخير المحافظ على النوافل والمجتهد في معالي الأمور. يقول الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر/32
فانقسام الناس بحسب طاعتهم وتمسكهم بشرع الله انقسام حاصل ولا بد، غير أن تسميات الناس لهذه الأقسام هي التي قد تختلف، لكنها في مجملها تقسيمات شرعية صحيحة.
ونحن - وإن كنا لا نرى حرجا في هذه التسميات ابتداء، ومنها " ملتزم " و " غير ملتزم " - غير أنا ننبه على بعض الأخطاء التي تتعلق بهذه الأسماء المنتشرة اليوم:
1- لا يجوز أن يختزل مفهوم " الملتزم " بالمظاهر، لتطلق هذه الكلمة على صاحب اللحية والثوب فقط، بل الواجب اعتبار التمسك الحقيقي بالدين الحنيف والعقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة المعيارَ الأساسيَّ لهذا التقسيم، والثوب واللحية وحجاب المرأة أجزاء لا كليات، وهي تدل على الالتزام في الظاهر، الذي ينبغي أن يصاحبه التزام في الباطن، لكن ذلك التوازن المطلوب بين الظاهر والباطن، يتخلف في أحيان ليست بالقليلة، مع الأسف!! ولذلك لا يجوز أن تتخذ هذه الأوصاف سلاحا لجزم الحكم في الناس بغير وجه حق، فمن أبغض شخصا وسمه بعدم الالتزام، ومن أحب آخر وصفه بالملتزم، يريد بذلك الحكم على الشخص بين الناس بالفسق أو العدالة، وهو غير أهل لذلك، بل قد يكون ساقط العدالة أصلا، وقد رأينا صورا كثيرة من هذا المسلك في كثير من المجتمعات، استغلت فيها الألقاب الشرعية لتحقيق مآرب شخصية، وهي ظاهرة خطيرة يجب على الجميع التنبه لها.
2- أما اتخاذ هذه الألقاب سبيلا لتفريق صف الناس، وإحداث النزاع بينهم، وإظهار الانقسام في وحدتهم، فهو غرض قبيح، ليس له وجه شرعي، إلا إذا كان الموصوف بعدم الالتزام قد غرق في سبل الشر والمنكرات الظاهرة المتفق عليها بين علماء المسلمين، فمثله يمكن وسمه بالمعصية وعدم الالتزام، لكننا نشاهد – لدى كثير من الناس – تعريف " الالتزام " بأشياء يراها هو من الدين، وقد تكون من مسائل الاجتهاد، ثم يطلق في الناس ألقاب الالتزام أو عدم الالتزام بناء على ما يختاره هو من أقوال الفقهاء، دون مراعاة الخلاف الواقع في هذا العمل بين أهل العلم، وهذا أيضا خلل كبير.
ولذلك، فالذي نراه أقرب إلى الإنصاف والاعتدال، وأبعد عن الخلاف، وأسلم عند الله تعالى، أن يوصف الناس ـ عند الحاجة الشرعية إلى إطلاق الأوصاف الإضافية الزائدة على مجرد التسمي باسم الإسلام ـ بألفاظ محددة، وليس بالألفاظ المجملة، فيقال مثلا: هو محافظ على الصلوات، أو هو كريم النفس، أو هو قارئ للقرآن، فهذه صفات واضحة معينة تعبر عن الحقيقة التي يتصف بها، دون تدخل الرأي الشخصي، فلا تتحمل مسؤولية الألقاب المجملة التي تخفي وراءها أطماعا أو أحقادا، وأما إطلاق " ملتزم " فهو لفظ مجمل محتمل يقتضي متابعة حثيثة لحال الرجل الموصوف، ثم أمانة في الحكم عليه، وقلما تجد هذا اليوم، ومعلوم أن غالب مشكلات الناس إنما ترد من الألفاظ المجملة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/787)
حكم قول: جزاك الله ألف خير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول: جزاك الله ألف خير؟ هل هو من المناهي اللفظية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكافأة من أحسن إلينا، فإن لم نجد فإننا ندعو الله له: جزاك الله خيرا.
روى أبو داود (1672) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (1617) .
وروى الترمذي (2035) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
(فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) أَيْ: بَالَغَ فِي أَدَاءِ شُكْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اِعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ، وعجزه عَنْ جَزَائِهِ، فَفَوَّضَ جَزَاءَهُ إِلَى اللَّهِ، لِيَجْزِيَهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى.
فهذا هو اللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (جزاك الله خيرا) ، وهو أكمل من غيره بلا شك، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي العدول عن هذا اللفظ إلى غيره.
وإن كان المسلم إذا قال: جزاك الله ألف خير، أحياناً، لا حرج فيه، مع التسليم بأن اللفظ النبوي أكمل وأفضل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/788)
دعاء اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المرات ندعو بهذا الدعاء: اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه، فهل هذا الدعاء جائز أم فيه مخالفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا نرى الدعاء هذا، بل نرى أنه محرم، وأنه أعظم من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت) ؛ وذلك لأن الدعاء مما يرد الله به القضاء، كما جاء في الحديث: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) والله عز وجل يقضي الشيء ثم يجعل له موانع، فيكون قاضيا بالشيء، وقاضيا بأن هذا الرجل يدعو فيرد القضاء، والذي يرد القضاء هو الله عز وجل.
فمثلا: الإنسان المريض، هل يقول: اللهم إني لا أسألك الشفاء، ولكني أسألك أن تهون المرض؟
لا، بل يقول: اللهم إنا نسألك الشفاء، فيجزم بطلب المحبوب إليه، دون أن يقول: يا رب أبق ما أكره لكن الطف بي، هل الله عز وجل إلا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين؟ وهو القادر على أن يرد عنك ما كان أراده أولا بسبب دعائك، فلهذا نحن نرى أن هذه العبارة محرمة، وأن الواجب أن يقول: اللهم إني أسألك أن تعافيني، أن تشفيني، أن ترد علي غائبي، وما أشبه ذلك " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
http://www.ibnothaimeen.com/all/sound/article_17381.shtml
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا الدعاء، فأجابوا:
" هذا الدعاء لا نعلم أنه وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتركه أحسن، وهناك أدعية تغني عنه، مثل: (وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشداً) رواه أحمد وابن ماجه وصاحب المستدرك، وقال: صحيح الإسناد، ومثل ما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء) قال سفيان -وهو أحد رواة الحديث -: (الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي) رواه البخاري.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/291) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/789)
هل يجوز قول تبت لله والرسول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قول: (تبت لله والرسول) ، و (أستودعك الله ورسوله) في الوداع، و (حسبنا الله والنبي) ، في الأذكار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" التوبة والإنابة قربة أمر الله بها في قوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، وقوله: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/54، فلا يكون ذلك لأحد من خلقه، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وكذا الحسب والكفاية لا يكونان إلا من الله تعالى، ولذلك أثنى الله على أهل التوحيد، حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران/173، ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، قال ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) الأنفال/64، أي: الله كافيك، وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد. وذكر أن هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم خَطَّأ من قال: المعنى: حسبك الله وحسبك المؤمنون، وعلل ذلك بأن الحسب والكفاية لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة، قال الله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) الأنفال/62، ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب لله وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى على أهل التوحيد من عباده، حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران/173، ولم يقولوا حسبنا الله والرسول، ونظير هذا قوله، (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) التوبة/59، فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول، وجعل الحسب له وحده فلم يقل: (وقالوا حسبنا الله ورسوله) بل جعله خالص حقه، كما قال: (إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) التوبة/59، فجعل الرغبة إليه وحده، كما قال: (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) الشرح/8، فجعل الرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلف لا يكون إلا له سبحانه وتعالى. اهـ.
وبهذا يعلم أن ما يقوله بعض الناس عند التوبة: (تبت إلى الله والرسول) أمر لا يجوز، وكذا قولهم: (حسبنا الله والنبي) لا يجوز، بل ذلك شرك، وكذا قول بعضهم في وداع المسافر: (أستودعك الله ورسوله) ؛ لما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفراً: ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا، فيقول: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/298) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/790)
قول الإنسان لأخيه: الله لا يضرك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول: الله لا يضرك؟ هل هو من المناهي اللفظية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الإنسان: الله لا يضرك، لا حرج فيه؛ لأن الله تعالى هو النافع الضار سبحانه، كما قال تعالى: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) الزمر/38، وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام/17، وقال تعالى: (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ) يس/23.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه العبارة: "أعطني الله لا يهينك".
فأجاب: "هذه العبارة صحيحة، والله سبحانه وتعالى قد يهين العبد ويذله، وقد قال الله تعالى في عذاب الكفار: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُون) الأحقاف/20، فأذاقهم الله الهوان والذل بكبريائهم واستكبارهم في الأرض بغير الحق. وقال تعالى: (وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) الحج/18، والإنسان إذا أمرك فقد تشعر بأن هذا إذلال وهوان لك فيقول: "الله لا يهينك" انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/77) .
ولو دعا بقوله: الله يسلمك أو يحفظك أو يعافيك، لكان أولى وأحسن، لما فيه من كمال التأدب مع الله تعالى، وعدم نسبة الشر إليه، كما قال إبراهيم عليه السلام: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء/78-80، فنسب المرض إلى نفسه ولم ينسبه إلى الله كما فعل في الخلق والإطعام، وإن كان لا يقع شيء إلا بمشيئته وإرادته سبحانه.
وقال صلى الله عليه وسلم تأدبا مع ربه: (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) رواه مسلم (771) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى الْأَدَب فِي الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَمَدْحه بِأَنْ يُضَاف إِلَيْهِ مَحَاسِن الْأُمُور دُون مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَة الْأَدَب " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/791)
اقتباس الألفاظ النبوية وتضمينها في الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[قال احد الشعراء فأنا قتيل العشق ملء إرادتي رفع الكتاب وجفت الاقلام ولما نوقش في الشطر الثاني من البيت قال: انه للضرورة الشعرية وأنه من قبيل رواية الحديث بالمعنى وأن الكتاب الذي سجل أقدرانا رفع وحفظ وأن الأقلام قد جفت فما توجيهكم حول هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أما بعد: فإن المعنى الذي أراده القائل هنا لا يزال صحيحا موافقا للمعنى الوارد في الحديث النبوي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي (2440) من حديث ابن عباس، وقال حسن صحيح،
فإن وصف القلم بالجفوف قد ورد في الأحاديث الصحيحة أيضا ففي صحيح البخاري (4686) قال صلى الله عليه وسلم: " يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق " قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/119) : (أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافا لا مداد فيه لفراغ ما كتب به) .
وأما قوله: " رفعت الصحف "، فهو من تمام هذا المعنى: أن هذا أمر قد جرى به سابق القدر، ولم تعد الصحف منشورة يكتب فيها، بل رفعت وطويت من قديم، حتى لقد جف مدادها، كناية عن قدم رفعها.
وقد ورد حديث ابن عباس بلفظ: (قضي القضاء وجفت الأقلام وطويت الصحف) رواه البيهقي في الشعب (192ـ ط الرشد) ، والطبراني في الكبير (12/238) ، وقال محقق الشعب: إسناده حسن، والحديث صحيح لطرقه. اهـ.
وجاء الأثر بلفظ: رفع الكتاب، كما ذكره الناظم، عن الحسن بن علي رضي الله عنه، موقوفا عليه، قال: (رفع الكتاب وجف القلم، وأمور تقضى في كتاب قد خلا)
رواه عبد الله بن أحمد في السنة (783) والفريابي في القدر (84) والطبراني في الكبير (2684) وتمام في فوائده (1375) .
والمعنى في الجميع واحد، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " هو كنايةٌ عن تقدُّم كتابة المقادير كلِّها، والفراغ منها من أمدٍ بعيد، فإنَّ الكتابَ إذا فُرِغَ من كتابته، ورفعت الأقلامُ عنه، وطال عهده، فقد رُفعت عنه الأقلام، وجفتِ الأقلام التي كتب بها مِنْ مدادها، وجفت الصَّحيفة التي كتب فيها بالمداد المكتوب به فيها، وهذا من أحسن الكنايات وأبلغِها.
وقد دلَّ الكتابُ والسننُ الصحيحة الكثيرة على مثل هذا المعنى، قال الله تعالى:
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) وفي " صحيح مسلم [2653] " عن عبد الله بن عمرو، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: (إنَّ الله كتبَ مقاديرَ الخلائق قبل أنْ يخلُقَ السَّماوات والأرض بخمسين ألفَ سنة) .. " انتهى من جامع العلوم والحكم (1/508) .
ولكن هنا مسألة أخرى وهي ما حكم اقتباس كلمات من القرآن أو الحديث ووضعها في الشعر أو النثر من كلام الناس؟
والجواب: أن ذلك جائز عند جمهور أهل العلم إذا كان لمقاصد حسنه تضاهى وتشابه المقاصد الشرعية، أما الكلام الفاسد ككلام أهل البدع أو كلام أهل المجون والفحش، ونحو ذلك، فإنه لا يجوز اقتباس الألفاظ الشريفة ووضعها فيه.
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (6/17) .
قال السيوطي رحمه الله في الإتقان (1/297) (وفي شرح بديعية ابن حجة الاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول ومباح ومردود.
فالأول: ما كان في الخطب والمواعظ والعهود.
والثاني: ما كان في الغزل والرسائل والقصص.
والثالث: على ضربين: أحدهما: ما نسبه الله إلى نفسه، ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه: كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله:"إن إلينا إيابهم* ثم إن علينا حسابهم".
والآخر تضمين آية في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقوله:
أوحى إلى عشاقه طرفه ... هيهات هيهات لما توعدون
وردفه ينطق من خلفه ... لمثل ذا فليعمل العاملون
قلت: وهذا التقسيم حسن جدا وبه أقول) انتهى.
وقال ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية (2/ 289) : " سئل ابن عقيل عن وضع كلمات وآيات من القرآن في آخر فصول خطبة وعظية؟ فقال: تضمين القرآن لمقاصد تضاهي مقصود القرآن لا بأس به تحسينا للكلام، كما يضمن في الرسائل إلى المشركين آيات تقتضي الدعاية إلى الإسلام، فأما تضمين كلام فاسد فلا يجوز.. " انتهى.
ومما سبق يتبين أن ما فعله هذا الناظم غير جائز، لما فيه من امتهان النصوص الشرعية الكريمة، ووضعها في غير موضعها اللائق بها.
ثم إن المعنى الذي ذكره هذا الناظم مختل غير متناسب؛ فحق الذي يقول: إنه قتيل العشق ملء إرادته، أن يقر على نفسه بالجناية، وأنه الذي أورد نفسه الموارد حتى أتلفها، لا أن يذيل ذلك برفع الكتاب وجفاف القلم، وما فيه من تقرير سبق المقادير؛ اللهم إلا أن يكون الرجل لا يعلم مغزى الكلام، ولا يدري معنى الحديث، وإنما هو شيء اجتلبته القافية، وضرورة الشعر، فهذا شأنه أن يعلم مقاصد الكلام، ويدرب على أن يضع الشيء موضعه؛ وقد قالوا في البلاغة: إنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/792)
هل يجوز إطلاق لفظ " الجاهلية " على المجتمعات بعد البعثة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إطلاق لفظ الجاهلية على مجتمعات بعد البعثة سواء منها الكافرة أو المسلمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يُطلق لفظ " الجاهلية " ويُراد به فترة ما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي نسبة لأمرين اثنين يجتمعان في هذه الحقبة، وهما: الجهل، والجهالة – أي: السفاهة -.
ولفظ الجاهلية لفظ مذموم، ويكفي الجهل والجهالة سوءً أن يتبرأ منهما الإنسان ولو كان من أهلهما، ويكفي العلم والرشد فخراً أن ينتسب إليهما أهلهما، ولو كان من غير أهلهما.
وفي " المعجم الوسيط " (1 / 300) :
" الجاهلية ": ما كان عليه العرب قبل الإسلام من الجهالة، والضلالة.
انتهى
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
والجاهلية: ما كان قبل الإسلام.
" فتح الباري " (10 / 468) .
وقال المنَّاوي – رحمه الله -:
والجاهلية: ما قبل البعثة، سُمُّوا به لفرط جهلهم.
" فيض القدير " (1 / 462) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
المراد بالجاهلية ما قبل البعثة؛ لأن الناس كانوا فيها على جهل عظيم، فجهلهم شامل للجهل في حقوق الله، وحقوق عباده.
" القول المفيد على كتاب التوحيد " (2 / 146) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (10 / ص 601) .
وقال:
والنياحة من أمر الجاهلية، ولابد أن تكون في هذه الأمة، وإنما كانت من أمر الجاهلية:
إما من الجهل الذي هو ضد العلم.
أو من الجهالة التي هي السفه، وهي ضد الحكمة.
" القول المفيد على كتاب التوحيد " (2 / 149) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (10 / ص 603) .
ثانياً:
وقد أرسل الله تعالى نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فأنار الله تعالى به الكون، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فبدَّد الله به ظلمات الجهل والكفر، وانتهى ببعثته صلى الله عليه وسلم عهد الجاهلية، ولكن هل رُفعت الجاهلية عن الأمكنة كلها، وفي جميع الأزمنة؟! بالطبع لا، ولذا فإنه لا يجوز وصف جميع المجتمعات بالجاهلية بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، ولا نزعها عن جميع المجتمعات ـ أيضا ـ، فما تزال بعض المجتمعات تعيش في مستنقعات الجاهلية، فلا يرفع عنها هذا الوصف، وأما من استنار بنور الإسلام من المجتمعات فلا يجوز وصفها بهذا اللفظ، ولو حصل تقصير في بعض جوانب الإسلام منها فهذا لا يبيح وصفها بالجاهلية، وعلى هذا التفصيل اتفقت كلمة العلماء المحققين.
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فالناس قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في حال جاهلية منسوبة إلى الجهل، فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل، وإنما يفعله جاهل.
وكذلك كل ما يخالف ما جاءت به المرسلون من يهودية، ونصرانية: فهي جاهلية، وتلك كانت الجاهلية العامة، فأما بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكون في مصر دون مصر - كما هي في دار الكفار -، وقد تكون في شخص دون شخص، كالرجل قبل أن يسلم فإنه في جاهلية وإن كان في دار الإسلام.
فأما في زمان مطلق: فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.
والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين، وفي كثير من الأشخاص المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) وقال لأبي ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ، ونحو ذلك.
فقوله في هذا الحديث: (ومبتغ في الإسلام سنَّة جاهلية) : يندرج فيه كل جاهلية مطلقة، أو مقيدة، يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، أو صابئة، أو وثنية، أو مركبة من ذلك، أو بعضه، أو منتزعة من بعض هذه الملل الجاهلية فإنها جميعها مبتدعها ومنسوخها صارت جاهلية بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان لفظ الجاهلية لا يقال غالباً إلا على حال العرب التي كانوا عليها فإن المعنى واحد.
اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 78، 79) .
2. وفي بيان خطأ مصطلح " جاهلية القرن العشرين " قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله -: بيَّن العلامة الألباني ما في هذا التعبير منْ تسمُّحٍ، وغضٍّ من ظهور الإسلام على الدِّين كله، فجاء في كتاب: " حياة الألباني " ما نصه:
مصطلح " جاهلية القرن العشرين " في نظر الألباني:
السؤال: تناول الداعية " سيد قطب " - رحمه الله - مصطلحاً متداولاً بكثرة في إحدى المدارس الإسلامية التي يمثلها، ألا وهو مصطلح " جاهلية القرن العشرين " فما مدى الدقة والصواب في هذه العبارة؟ وما مدى التقائها مع الجاهلية القديمة وفقاً لتصوركم؟ .
فأجاب العلامة الألباني:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد: الذي أراه أن هذه الكلمة " جاهلية القرن العشرين " لا تخلو من مبالغة في وصف القرن الحالي - القرن العشرين - فوجود الدِّين الإسلامي في هذا القرن وإن كان قد دخل فيه ما ليس منه: يمنعنا من القول بأن هذا القرن يمثل جاهليةً كالجاهلية الأُولى، فنحن نعلم أن الجاهلية الأولى إن كان المعني بها العرب فقط: فهم كانوا وثنيين، وكانوا في ضلال مبين، وإن كان المعني بها ما كان حول العرب من أديان كاليهودية والنصرانية: فهي أديان محرفة، فلم يبق في ذلك الزمان دين خالص منزه عن التغيير والتبديل، فلا شك في أن وصف الجاهلية على ذلك العهد وصف صحيح، وليس الأمر كذلك في قرننا هذا، ما دام أن الله تبارك وتعالى قد منَّ على العرب أولاً، ثم على سائر الناس ثانياً، بأن أرسل إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأنزل عليه دين الإسلام، وهو خاتم الأديان، وتعهد الله عز وجل بحفظ شريعته هذه بقوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ونبيه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الأُمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأُمم من قبلهم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سَنَن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: من هم يا رسول الله؟ اليهود والنصارى؟ فقال عليه الصلاة والسلام فمنِ الناس؟!) أقول: وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف، لكن عليه الصلاة والسلام في الوقت نفسه قد بشَّر أتباعه بأنهم سيبقون على خطه الذي رسمه لهم، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث التفرقة: (وستفترق أُمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) ، قال عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار إلا واحدة) ، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: (هي الجماعة) وفي رواية قال: (هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي) .
وأكد ذلك عليه الصلاة والسلام في قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين: (لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) .
فإذن لا تزال في هذه الأُمة جماعة مباركة طيبة قائمة على هدي الكتاب والسنة، فهي أبعد ما تكون عن الجاهلية القديمة أو الحديثة؛ ولذلك فإن الذي أراه: أن إطلاق " الجاهلية " على القرن العشرين فيه تسامح، قد يُوهم الناس بأن الإسلام كله قد انحرف عن التوحيد وعن الإخلاص في عبادة الله عز وجل انحرافاً كليّاً، فصار هذا القرن - القرن العشرون - كقرن الجاهلية الذي بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخراجه من الظلمات إلى النور، حينئذ: هذا الاستعمال، أو هذا الإطلاق يحسن تقييده في الكفَّار أولاً، الذين كما قال تعالى في شأنهم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
وصْف القرن العشرين بـ " الجاهلية " إنما ينطبق على غير المسلمين الذين لم يتبعوا الكتاب والسنَّة، ففي هذا الإطلاق إيهام بأنه لم يبق في المسلمين خير، وهذا خلاف ما سبق بيانه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المبشرة ببقاء طائفة من الأُمة على الحق، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبي للغرباء ... ) قالوا: من هم يا رسول الله؟ جاء الحديث على روايات عدة في بعضها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم - واصفاً الغرباء -: (هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنَّتي من بعدي) ، وفي رواية أُخرى قال عليه الصلاة والسلام: (هم أُناس قليلون صالحون بين أُناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) فلذلك لا يجوز هذا الإطلاق في العصر الحاضر على القرن كله؛ لأنَّ فيه - والحمد لله - بقية طيبة لا تزال على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى سنته، وستظل كذلك حتى تقوم الساعة، ثم إن في كلام سيد قطب - رحمه الله - وفي بعض تصانيفه ما يشعر الباحث أنه كان قد أصابه شيء من التحمس الزائد للإسلام في سبيل توضيحه للناس، ولعل عذره في ذلك أنه كان يكتب بلغة أدبية؛ ففي بعض المسائل الفقهية كحديثه عن حق العمال في كتابه: " العدالة الاجتماعية " أخذ يكتب بالتوحيد، وبعبارات كلها قوية تحيي في نفوس المؤمنين الثقة بدينهم وإيمانهم، فهو من هذه الخلفية في الواقع قد جدّد دعوة الإسلام في قلوب الشباب، وإن كنَّا نلمس أحياناً أن له بعض الكلمات تدل على أنه لم يساعده وقته على أن يحرر فكره من بعض المسائل التي كان يكتب حولها أو يتحدث فيها، فخلاصة القول أن إطلاق هذه الكلمة في العصر الحاضر لا يخلو من شيء من المبالغة التي تدعو إلى هضم حق الطائفة المنصورة، وهذا ما عنَّ في البال فذكرته.انتهى.
" معجم المناهي اللفظية " (ص 212 – 215) .
3. وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
هل يجوز إطلاق لفظ " الجاهلية " على المجتمعات الإسلامية المعاصرة؟ .
فأجاب:
الجاهلية العامة قد زالت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز إطلاقها على المجتمعات الإسلامية بصفة العموم، وأما إطلاق شيء من أمورها على بعض الأفراد، أو بعض الفِرق، أو بعض المجتمعات: فهذا ممكن، وجائز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: (إنك امرؤٌ فيك جاهلية) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) .
" الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة " (86، رقم السؤال: 31) .
ثالثاً:
لا يجوز للمسلم أن ينظر للمجتمعات الإسلامية بعين الكبر في نفسه، والاحتقار لهم، ومن ذلك: تعميم الحكم بالجهل والانحراف والهلاك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) رواه مسلم (2623) .
قال الأمام ابن عبد البر – رحمه الله -:
معناه عند أهل العلم: أن يقولها الرجل احتقاراً للناس، وإزراء عليهم، وإعجاباً بنفسه، وأما إذا قال ذلك تأسفاً، وتحزناً، وخوفاً عليهم لقبح ما يرى من أعمالهم: فليس ممن عني بهذا الحديث، والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضياً عن نفسه، معجباً بها، حاسداً لمن فوقه، محتقراً لمن دونه، ويكون في الوجه الثاني ماقتاً لنفسه، موبخاً لها، غير راضٍ عنها.
" التمهيد " (21 / 242) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/793)
حكم لفظ "لا قدر الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في مثل هذه الألفاظ: لا قَدََّر الله، أو لا سمح الله، أو لا يَُقدِّر كذا أو كذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا أعلم حرجاً في ذلك، والله الموفق" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/374) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/794)
التأدب في وصف النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقال للنبي صلى الله عليه وسلم إنه " بدوي "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق، وسيد البشر، وأحب خلق الله إلى الله، له المقام المحمود، والحوض المورود، اصطفاه الله من بين ولد آدم كلهم، واختاره من خير العرب أعراقا وأنسابا وأحسابا، مولدُه في أعظم حاضرةٍ من حواضر العرب يومها، في مكة المكرمة، خير بقاع الأرض، وأحب أرض الله إلى الله، سماها القرآن الكريم " أم القرى " لعظيم مكانتها في جزيرة العرب، بل في الأرض كلها، "
قال الله عز وجل: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الأنعام/92
وقد أورثت هذه المكانة الجليلة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه من الإكبار والإجلال والتقدير ما يبلغ الغاية والكمال، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرجع عن موقف الإمامة في الصلاة ليتقدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ويقول: (مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) البخاري (684) ومسلم (421) .
ويرفض أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن يعلو سقيفة تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (2053) .
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: (وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ) رواه مسلم (121) .
ولمَّا قام البراء بن عازب يَعُدُّ كما عد النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز في الأضاحي قال: (وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود (2802) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/121) والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود".
إلى غير ذلك من صُورِ الأدب العظيمة التي ضربها الصحابة رضوان الله عليهم للبشرية كلها في تكريمِ وإجلالِ أفضلِ الرسل وسيد البشر صلوات الله وسلامه عليه.
أما وَصفُهُ صلى الله عليه وسلم بما لا يليق به، أو لَمْزُهُ بسيء الألفاظ والمعاني، أو حكايةُ ما فيه تنقيصٌ لقدره فهو من الكذب الفج القبيح، والكفر الصريح، لِما فيه من تزويرٍ للحقائق وتَعَدٍّ على خير الخلائق، ولا يقع في ذلك إلا مَن لا يَعرف الأدبَ ولا الخلقَ ولا الإيمان.
قال الله عز وجل: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) التوبة/65-66.
قال القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" (2/214) :
" اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبَّهَه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له، فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم الساب، يُقتل ... وكذلك مَن نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عَبَثَ في جهته العزيزة بسخفٍ من الكلام، وهُجر ومنكر من القول وزور، أو عَيَّره بشيءٍ مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غَمَصَهُ ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه.
وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هَلُمَّ جرًّا " انتهى.
ولا شك أن إطلاق لفظ " البداوة " أو وصفه صلى الله عليه وسلم بـ " البدوي " هو من التنقص الصريح والعيب الواضح، فإن البداوة وصفُ ذمٍّ وتنقيص، يُقصَد به الوسمُ بالجهل والرعونة والجفاء، وهو صلى الله عليه وسلم مُعَلَّمٌ من رب الأرض والسماء، جاء وصفه في التوراة بأنه (ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق) ، كما وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4، فكيف يجرؤ كذاب أن يصفه صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك؟! لا جرم أن في هذا مِن الجرأة والوقاحة ما يستحق عليها متعمدها العذاب والنكال في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) التوبة/61.
قال النووي في "شرح مسلم" (1/169) :
" أهل البادية هم الأعراب، ويغلب فيهم الجهل والجفاء، ولهذا جاء فى الحديث: (من بدا جفا) والبادية والبدو بمعنًى: وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة اليها بدوي " انتهى.
وقد أفتى العلماء بكفر كلِّ وَصفٍ فيه إشعارٌ بتنقُّصِ قدرِ الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن صريحا في ذلك، حتى روى ابن وهب عن الإمام مالك رحمه الله:
" مَن قال: إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وَسِخ - وأراد به عَيْبه - قُتل.
وقال أحمد بن أبى سليمان (من علماء المالكية، توفي عام 291هـ) : من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسود، يُقتل.
وأفتى فقهاء الأندلس بقتل " ابن حاتم " المُتَفَقِّه الطُّلَيطلي وصلبه، بما شُهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وتسميته إياه أثناء مناظرته بـ " اليتيم " و " ختن حيدرة "، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أَكَلَهَا. إلى أشباهٍ لهذا " انتهى.
نقل جميع ما سبق القاضي عياض في "الشفا" (2/217-219) ، ثم قال:
" وكذلك أقول حكم من غَمَصَه، أو عَيَّره برعاية الغنم، أو السهو، أو النسيان، أو السحر، أو ما أصابه من جُرحٍ أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدة من زمنه، أو بالميل إلى نسائه، فحُكمُ هذا كلِّه - لِمن قصد به نقصَه - القتل " انتهى.
ونسبته صلى الله عليه وسلم إلى " البداوة " من الكذب الصريح، لأنه عاش في مكة، ثم هاجر منها إلى المدينة، وهما أفضل مدينتين في الأرض كلها، فكيف يكون بدوياً؟!
ولم يعرف صلى الله عليه وسلم البادية إلا في صغره حين استرضع في بادية بني سعد عند مرضعته حليمة السعدية. انظر "السيرة النبوية الصحيحة" د. أكرم العمري (1/103) .
يقول الدكتور جواد علي في "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (4/271) :
" المجتمع العربي: بدو وحضر. أهل وبر وأهل مدر، فأما أهل المدر، فهم الحواضر وسكان القرى، وكانوا يعيشون من الزرع والنخل والماشية والضرب في الأرض للتجارة. وأما أهل الوبر، فهم قطان الصحارى، يعيشون من ألبان الإبل ولحومها، منتجعين منابت الكلأ، مرتادين لمواقع القطَر، فيخيمون هنالك ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي، ثم يتوجهون لطلب العشب وابتغاء المياه، فلا يزالون في حلّ وترحال.
ويعرف الحضر، وهم العرب المستقرون بـ " أهل المدر "، عرفوا بذلك لأن أبنية الحضر إنما هي بالمدر. والمدر: قطع الطين اليابس.
وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم " أهل الوبر "، لأن لهم أخبية الوبر. تمييزاً لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبان من المدر.
وتطلق لفظة " عرب " على أهل المدر خاصة، أي على الحضر و " الحاضر " و " الحاضرة " من العرب، أما أهل البادية فعرفوا بـ " أعراب ". " انتهى.
وسئل الشيخ محمد الحسن الددو حفظه الله:
لماذا ذكر الله أنه ما أرسل رسولاً إلا من أهل القرى؟
فأجاب:
" أما كون الأنبياء جميعاً من سكان القرى كما أخبر الله بذلك في كتابه، فإن ذلك مقتض منهم لحصول الرفعة، وأهل البوادي دائماً أشد عنجهية وأسوأ أخلاقاً، وأقل نظافةً ممن سواهم؛ ولذلك قال الله تعالى في كتابه: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) التوبة/97، وليس التحضر نسباً، حتى يقال: فلان بدوي، معناه: أن أباه كان كذلك، بل المقصود هو في نفسه، فلو سكن شخص من أهل البادية في الحاضرة، فإنه ليس من الأعراب، ولا يدخل في ذلك؛ بل المقصود به من يتصف بهذه الصفة بنفسه لا بنسبه.
الرسل عليهم الصلاة والسلام يراد بهم أن يسوسوا البشرية وأن يقودوها، فلا بد أن يعرفوا طرق تدبير المعاش، وهذه لا يعرفها أهل البوادي، ولا يعتنون بها، فأهل البوادي إنما يعيشون من الصيد – مثلاً - أو اتباع البهائم، ويعيشون مع الأحلام والأوهام كثيراً، وقد أخرج أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب الصيد غفل، ومن بدا جفا) ومعناه: من سكن البادية غلظ طبعه، (ومن طلب الصيد غفل) أي: نقص عقله بقدر ذلك؛ فلهذا اختير الرسل من أهل القرى " انتهى. "سلسلة دروس منشورة" (الدرس الثالث/ص/9) .
وقال العلامة عبد الله بن جبرين حفظه الله:
" وكذلك أيضا من سخر بشيء من آيات الله تعالى، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم، ذُكر عن بعض الكتاب أنه كتب مرة يطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه بدوي، إنه كان يرعى الغنم، وإنه عاش في عهد ليس فيه تقدم، وليس فيه كذا وكذا، ولا شك أن هذا طعن في الدين؛ لأن هذا الدين جاءنا من قبل هذا النبي الكريم؛ فمن طعن فيه بأنه جاهل، أو بأنه بدوي لا يعرف شيئا، أو بأن هذا الذي جاء به من محادثة فكره، أو أنه مما خيل إليه، أو أنه يريد بذلك أن يكون له شهرة وأتباع ونحو ذلك؛ يعتبر قد كذب على الله، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بهذا الدين الشرعي، وكذَّب القرآن، وكذَّب الشرع كله، لا شك أن هذا أيضا قادح في الدين، قادح في العقيدة، وهو ما ذكر في هذه الآية: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) يعني بالاستهزاء بالله تعالى الاستهزاء بأسمائه وصفاته، وكذلك الاستهزاء بكلامه والتنقص له؛ داخل أيضا في القوادح في الدين.
وكذلك أيضا الاستهزاء بالقرآن، كما ذكر الله تعالى عن الكفار الذين قالوا: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) الفرقان/4 وهؤلاء بلا شك أتوا بما يقدح في عقيدتهم وفي دينهم؛ فلأجل ذلك جعل الله مقالتهم مقالة كفرية، وكذلك أيضا هؤلاء الذين قدحوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنه جاهل، أو إنه بدوي، أو ما أشبه ذلك " انتهى. نقلا عن موقع الشيخ تحت هذا الرابط:
http://www.ibn-jebreen.com/print.php?page=6377
وقال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في "معجم المناهي اللفظية" (496) :
" ووصْفُ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بدوي مُناقضةٌ للقرآن الكريم، فهو صلى الله عليه وسلم من حاضرة العرب لا من باديتها، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) يوسف/109
وما يزال انعدام التوفيق يغْشى مَن في قلوبهم دخن، ففي العقد التاسع بعد الثلاثمائة والألف نشر أحد الكاتبين من البادية الدارسين مقالاً، صرَّح فيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم من البادية. وقد ردَّ عليه الشيخ حمود بن عبد الله التويجري النجدي برسالة سمَّاها: " منشور الصواب في الرد من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم من الأعراب " والله أعلم " انتهى.
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله في "سلسلة دروس شرح زاد المستقنع" (درس رقم 395، ص/7) :
" إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم سباً مباشراً باللعن - والعياذ بالله -، أو انتقصه كأن يصف النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً ينتقصه به، كأن يقول: إنه بدوي يرعى الغنم، وقصد به التحقير له صلوات الله وسلامه عليه، ونحو ذلك من العبارات؛ فإنه يحكم بكفره " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/795)
هل عبارة " لنضع يدنا بيد الزمن " جائزة؟ وحكم سب الزمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ (لنضع يدنا بيد الزمن) هل هذه الكلمة تعتبر محرمة باعتبار أن الله هو الدهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي تصحيح فهم جملة " أن الله هو الدهر "؛ لأن الخلل في فهمها أدى إلى استشكال العبارة الواردة في السؤال، فنقول:
ثبت في السنَّة الصحيحة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) متفق عليه.
وقد فُهم هذا الأمر خطأً من بعض الناس فظنوا أن " الدهر " من أسماء الله، وليس الأمر كذلك، بل " الدهر " هو الزمن، وقد كان الجاهليون – ولا يزال لهم أتباع في هذا – يسبون الدهر، ولم يكن أحد منهم يقصد سبَّ الله، وكيف يقصدون سب الله وهو يقولون " قبَّح الله الدهر "؟! وإنما نهي عن سبِّ الدهر، ونُسب الدهر إلى الله: لأنه تعالى هو خالقه ومدبره ومصرِّفه.
وتفصيل ذلك في:
1. جواب السؤال رقم (26977) وفيه بيان أن الدهر ليس من أسماء الله.
2. جواب السؤال رقم (9571) وفيه بيان معنى الحديث الصحيح (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر) .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر) ، فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية، بيِّنوا لنا ذلك؟ .
فأجاب:
الحمد لله، قوله (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) : مروي بألفاظ أخر كقوله: " يقول الله: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) ، وفي لفظ: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر، يقلب الليل والنهار) ، وفي لفظ: (يقول ابن آدم يا خيبة الدهر وأنا الدهر) .
فقوله في الحديث (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) يبيِّن أنه ليس المراد به أنا الزمان فإنه قد أخبر أنه يقلِّب الليل والنهار، والزمان هو الليل والنهار. فدلَّ نفس الحديث على أنه هو يقلِّب الزمان ويصرِّفه، كما دلَّ عليه قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) وإزجاء السحاب: سوقه، والودق: المطر.
فقد بيَّن سبحانه خلقه للمطر وإنزاله على الأرض فإنه سبب الحياة في الأرض فإنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي، ثم قال: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) إذ تقليبه الليل والنهار: تحويل أحوال العالم بإنزال المطر، الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن، وذلك سبب تحويل الناس من حال إلى حال، المتضمن رفع قوم، وخفض آخرين.
وقد أخبر سبحانه بخلقه الزمان في غير موضع كقوله: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) ، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ، وقوله: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) ، وقوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ، وغير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان ... .
فليس في الحديث شبهة لهم، لو لم يكن قد بيَّن فيه أنه سبحانه مقلب الليل والنهار، فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار ... .
فقد أجمع المسلمون - وهو مما علم بالعقل الصريح - أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان، أو ما يجري مجرى الزمان ... .
" مجموع الفتاوى " (2 / 491 – 494) وقد اختصرنا كلامه رحمه الله.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي – رحمه الله -:
قوله: إن الله هو الدهر وهذا لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين، وقد رأيت بعض من يتهم بالزندقة والدهرية يحتج بهذا الحديث ويقول: ألا تراه يقول: فإن الله هو الدهر؟! فقلت: وهل كان أحد يسب الله في آباد الدهر؟ وإنما تأويله عندي - والله أعلم -: أن العرب كان شأنها أن تذمَّ الدهر، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم من موت، أو هرم، أو تلف مال، أو غير ذلك، فيقولون: " أصابتهم قوارع الدهر "، و " أبادهم الدهر "، و " أتى عليهم الدهر "، فيجعلونه الذي يفعل ذلك، فيذمونه عليه، وقد ذكروه في أشعارهم ... .
" غريب الحديث " (2 / 145) .
ثانياً:
وإذا تبين لك أخي السائل أن " الدهر " ليس من أسماء الله: علمتَ أنه لا إشكال في العبارة الواردة في السؤال، وهي " لنضع يدنا بيد الزمن "؛ إذ ليس المراد بذلك شيء يناقض الشرع، وإنما هو أسلوب بلاغي.
وقد يكون عليه مؤاخذة من وجه آخر، فقد رأينا بعض من يستعمل هذه الكلمة يجعل " الزمن " متصرِّفاً بنفسه، - وللأسف فكثير من عباراتهم فيها سب للزمن كقول بعضهم " بيد الزمن الظالم "! - وبعضهم يطلق هذه اللفظة على الله تعالى، وبعضهم يطلقها ويريد بها " القدَر "، وهكذا تتنوع استعمالات الناس لها،ولم نرَ هذه العبارة في كتب العلماء والأئمة، والحكم عليها يكون بحسب موقعها من الجملة، وبحسب ما يعتقده القائل فيها.
وقد يكون المقصود من العبارة الواردة في السؤال أن يكون الإنسان سائراً في حياته مع متغيرات الواقع والزمن، ولا يكون مخالفاً لها، وهذا معنى يحوي حقّاً وباطلاً، ولا يمكن الحكم على العبارة إلا بمعرفة سياقها ومراد قائلها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/796)
مقولة: عمرك أطول من عمره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة إذا أراد شخص أن يعمل عملا أو يحدث بكلام وعندما أراد ذلك سبقه غيره فيقال له: عمره أطول من عمرك أي عمر الذي سبق بالكلام أطول من عمر الذي أراد التكلم به فهل هذه المقولة من السنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام لا أصل له من السنة فيما نعلم. وكون المقالة أو الخاطرة ترد على ذهن اثنين أو أكثر، أمر لا غرابة فيه، ومن تكلم بها أولاً لم يكن هذا دليلا على طول عمره أو قصره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/797)
إذا قال لزوجته: يا ماما أو يا أختي أو أنت أمي أو أختي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في أن يقول الزوج لزوجته: يا ماما؟ هل هذا حرام أو هل يجعل الزوجة محرمة عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قول الرجل لزوجته أنت أمي أو أختي أو يا ماما يحتمل أن يكون ظهارا، وألا يكون، بحسب نيته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق عليه.
والغالب أن الزوج يقول مثل هذه الكلمات على سبيل التلطف والتوقير، فلا يكون ظهارا، ولا تحرم الزوجة بذلك على زوجها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/6) : " وإن قال: أنت علي كأمي. أو: مثل أمي. ونوى به الظهار , فهو ظهار , في قول عامة العلماء، وإن نوى به الكرامة والتوقير فليس بظهار. . .
وهكذا لو قال: أنت أمي , أو: امرأتي أمي " انتهى باختصار.
وسئلت "اللجنة الدائمة": يقول بعض الناس لزوجته: أنا أخوك وأنت أختي، فما الحكم؟
فأجابت: " إذا قال الزوج لزوجته: أنا أخوك أو أنت أختي، أو أنت أمي أو كأمي، أو أنت مني كأمي أو كأختي، فإن أراد بذلك أنها مثل ما ذكر في الكرامة أو الصلة والبر أو الاحترام أو لم يكن له نية ولم يكن هناك قرائن تدل على إرادة الظهار، فليس ما حصل منه ظهارا، ولا يلزمه شيء.
وإن أراد بهذه الكلمات ونحوها الظهار أو قامت قرينة تدل على الظهار مثل صدور هذه الكلمات عن غضب عليها أو تهديد لها، فهي ظهار، وهو محرم، وتلزمه التوبة وتجب عليه الكفارة قبل أن يمسها، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/274) .
ثانياً:
كره بعض العلماء أن يقول الرجل لامرأته: يا أمي أو يا أختي، لما روى أبو داود (2210) أَنَّ رَجُلا قَالَ لامْرَأَتِهِ: يَا أُخَيَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُخْتُكَ هِيَ! فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ) .
والصواب: أنه لا كراهة في ذلك، وهذا الحديث لا يصح، فقد ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للرجل أن يقول لزوجته يا أختي بقصد المحبة فقط , أو يا أمي بقصد المحبة فقط.
فأجاب:
" نعم , يجوز له أن يقول لها يا أختي , أو يا أمي , وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب المودة والمحبة , وإن كان بعض أهل العلم كره أن يخاطب الرجل زوجته بمثل هذه العبارات , ولكن لا وجه للكراهة , وذلك لأن الأعمال بالنيات , وهذا الرجل لم ينو بهذه الكلمات أنها أخته بالتحريم والمحرمية , وإنما أراد أن يتودد إليها ويتحبب إليها , وكل شيء يكون سبباً للمودة بين الزوجين , سواء كان من الزوج أو الزوجة فإنه أمر مطلوب " انتهى.
"فتاوى برنامج نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/798)
لا يجوز أن يقال: الحكم للشعب أو المال مال الشعب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقول: الحكم للشعب والمال للشعب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه كلمات مخترعة، ومخترعوها كاذبون في زعمهم، لا يطبقون ذلك في أنفسهم، فيتنازلوا للشعب ولا عن رأي واحد من آرائهم، بل هي نغمة تغرير لإلهاء الشعوب التي تحب التنفس من حكمها الأول لتنخدع بالحكم الثاني، الذي هو أشقى وأضل سبيلاً.
والحق؛ أن الشعوب البشرية يجب أن تكون مصونة الكرامة، نائلة للعدل والحرمة الصحيحة، لا تساق كالأنعام، ولكن لا يجوز إطلاق هذه الكلمات على عواهنها، فالحكم لله الذي يجب أن يكون توجيه الشعب على نور وحيه وحكمه على وفق شريعته، قال الله تعالى: (إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) الأنعام/57. وقال: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50. لا أن يقول: (الحكم للشعب) مَنْ يوجه الشعوب نحو رغباته هو من أصحاب المذاهب المادية والمبادئ الوثنية المخالفة لما أنزل الله، ويفرض سلطته عليها قهراً تحت شعارات دجلية ماكرة.
كذلك (مال الله) يجب صرفه في المصالح العامة، وحفظ ثغور المسلمين، والدفاع عن جميع قضاياهم في مشارق الأرض ومغاربها فوق كل شيء، والقيام بالدعوة إلى الله، والاستعداد بكل قوة لقمع المفتري عليه أو المعتدي على بعض المسلمين، وسد حاجة ذوي الحاجات المذكورين في سورة الحشر في قوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/8-10.
ويقدم في صرفه ما تدعو الحاجة الضرورية إليه من ذلك، هكذا يعمل بمال الله، لا يجوز أن ينتهبه ذو الأنانية، ولا أن يصرف في البذخ والميوعة والتبذير، فضلاً عن الفسق والفجور والمسارح والبلاجات الخليعة.
ولا يجوز قطعاً أن يقال (مال الشعب) لأنه إذا سُلِّم هذا كان لهم أن يفعلوا ذلك، وأن يبددوا قسماً كبيراً منه على حفظ سلطانهم والتجسس وشراء الضمائر هذا من جهة – ومن جهة أخرى – فإن الشعب يختلف في القوة والضعف والغنى والفقر والجهل والصلاح والحزم والخمول، فكيف يكون المال ملكاً للمستغني عنه بثروته أو بقوته أو بعلمه وفنه أو من يجب حرمانه منه لفساده وخبثه، وما إلى ذلك؟!
وصدق الله العظيم إذ يقول: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ) يونس/32. ولكن راجت هذه الأكاذيب لتعطيل الحكم بالشريعة.
انظر: "الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة" ص (55-56) بتصرف يسير.
لفضيلة الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله.
فلا يجوز أن يقال المال مال الشعب، لأن ذلك معناه أن للشعب أن يتصرف في المال حسب ما يشتهي.
والحق؛ أن المال مال الله، وعلى جميع الناس أن ينفقوه كما أمر الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/281) عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" بَلْ الْمَالُ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ كُلُّهُ هُوَ مَالُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْمَالَ فِي طَاعَتِهِ، فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِي قِسْمِهِ كَمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي سَائِرِ مَا يَأْمُرُ بِهِ ; فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ" اهـ.
وقال عن الأموال التي يأخذها الجنود من بيت المال (25/26) :
" وَأَيْضًا فَهَؤُلاءِ الْجُنْدُ إِنَّمَا هُمْ جُنْدُ اللَّهِ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِبَادَهُ، وَيَأْخُذُونَ هَذِهِ الأَرْزَاقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْجِهَادِ، وَمَا يَأْخُذُونَهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلسُّلْطَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ اللَّهِ يُقَسِّمُهُ وَلِيُّ الأَمْرِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ" اهـ.
وقال أيضاً (28/268) :
" وَلَيْسَ لِوُلاةِ الأُمُورِ أَنْ يَقْسِمُوهَا (يعني أموال بيت المال) بِحَسَبِ أَهْوَائِهِمْ، كَمَا يَقْسِمُ الْمَالِكُ مِلْكَهُ ; فَإِنَّمَا هُمْ أُمَنَاءُ وَنُوَّابٌ وَوُكَلاءُ لَيْسُوا مُلاكًا ; كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إنِّي - وَاَللَّهِ - لا أُعْطِي أَحَدًا وَلا أَمْنَعُ أَحَدًا ; وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْت) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَهَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَنْعُ وَالْعَطَاءُ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَالِكُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ، وَكَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ يُعْطُونَ مَنْ أَحَبُّوا وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَبْغَضُوا، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْسِمُ الْمَالَ بِأَمْرِهِ فَيَضَعُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/799)
مقالة باطلة: الدين أفيون الشعوب
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما نسمع هذه المقالة: الدين أفيون الشعوب، فما معناها؟ وهل هي مقالة صحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه مقالة نطق بها كارل ماركس اليهودي، اخترع هذه المقالة يزعم بها أن الدين مُخَدِّرٌ ومُبَلِّدٌ للشعوب.
وكلامه مردود بالحق الحقيق بالقبول، وهو أن الدين الصحيح الحنيف ملة إبراهيم الذي أمر الله خلقه بإقامته؛ دين يلهب القلوب والمشاعر، مُحرك لجميع الأحاسيس والقوى، دافع بها إلى الأمام، لا يقبل من أهله الذل والاستكانة والخضوع للظلم، ومجاملة الأعداء، والسكوت عن الباطل والفساد، أو الجمود على طقوس وأوضاع ما أنزل الله بها من سلطان، بل يوجب عليهم النهوض والاستعداد بكل قوة، وتسخير كل دابة ومادة على وجه الأرض، أو في جوفها أو أجوائها كيلا يغلبهم عدوهم في ذلك، وأن يجعلوا جميع مواهبهم وطاقتهم في سبيل الله، لإعلاء كلمته، وقمع المفتري عليه، والبراءة ممن جانب دينَه وتَنَكَّر حكمَ شريعته.
فهذا الدين الصحيح على العكس مما قاله هذا اليهودي وأتباعه وتلاميذه الذين ربوهم وأبرزوهم لمحاربة هذا الدين الصحيح، الذي لا يُوقَف في وجوه أهله لو حملوه كما أنزل.
أما الأديان الأخرى المزعومة من لاهوتية وثنية فيصح أن يقال عنها بكلمة اليهودي، لتقيد أهلها بالخرافات، وتقييدهم العلم الفني والاختراع عن الانطلاق.
[الْمَصْدَرُ]
"الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة" ص 80 لفضيلة الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله.(7/800)
عبارة " استجرت برسول الله "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يقول " آمنت بالله، وتوكلت على الله، واعتصمت بالله، واستجرت برسول الله صلى الله عليه وسلم "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " أما قول القائل (أمنت بالله، وتوكلت على الله، واعتصمت بالله) فهذا ليس فيه بأس وهذه حال كل مؤمن أن يكون متوكلا على الله، مؤمنا به، معتصما به.
وأما قوله (واستجرت برسول الله صلى الله عليه وسلم) فإنها كلمة منكرة والاستجارة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لا تجوز.
أما الاستجارة به في حياته في أمر يقدر عليه فهي جائزة قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} فالاستجارة بالرسول صلى الله عليه وسلم، بعد موته شرك أكبر وعلى من سمع أحدا يقول مثل هذا الكلام أن ينصحه، لأنه قد يكون سمعه من بعض الناس وهو لا يدري ما معناها، فإذا أخبرته وبينت له أن هذا شرك فلعل الله أن ينفعه على يدك والله الموفق."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله 3/70.(7/801)
عبارة " فلان المرحوم " " انتقل إلى رحمة الله " " تغمده الله برحمته "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في قول بعض الناس (فلان المرحوم) . و (تغمده الله برحمته) و (انتقل إلى رحمة الله) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" قول (فلان المرحوم) أو (تغمده الله برحمته) لا بأس بها، لأن قولهم (المرحوم) من باب التفاؤل والرجاء، وليس من باب الخبر، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء فلا بأس به.
وأما (انتقل إلى رحمة الله) فهو كذلك فيما يظهر لي أنه من باب التفاؤل، وليس من باب الخبر، لأن مثل هذا من أمور الغيب ولا يمكن الجزم به.
.... ولا يقال " انتقل إلى الرفيق الأعلى "."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله 3/85.(7/802)
لا حرج في استعمال كلمة "صدفة"
[السُّؤَالُ]
ـ[كلمة صدفة، هل يجوز لي أن أقول عندما ذهبت إلى السوق قابلت فلاناً صدفة؟
وهل هذه الكلمة (صدفة) حرام أو شرك بالله عز وجل، وماذا أقول بدلاً من هذه الكلمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس باستعمال كلمة قابلة فلاناً صدفة، لأن مراد المتكلم بذلك أنه قابله بدون اتفاق سابق، وبدون قصد منه، وليس المراد أنه قابله بدون تقدير من الله عز وجل.
وقد ورد استعمال هذه الكلمة في بعض الأحاديث. منها: ما رواه مسلم (2144) عَنْ أَنَسٍ قَالَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ (يعني بعبد الله بن أبي طلحة) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ. . . الحديث. والميسم أداة تستخدم في الكي.
وروى أبو داود (142) عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قَالَ كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. . . الحديث. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/393) :
"ليس قول الإنسان قابلت فلاناً صدفة محرّماً أو شركاً، لأن المراد منها قابلته دون سابق وعد أو اتفاق على اللقاء مثلاً وليس في هذا المعنى حرج" اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة "صدفة"؟
فأجاب رحمه الله:
"رأينا في هذا القول أنه لا بأس به، وهذا أمر متعارف، ووردت أحاديث بهذا التعبير: صادفْنا رسول الله صادفَنا رسول الله.
والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له، ولكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم وكل شيء عنده بمقدار وهو سبحانه وتعالى لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبداً، لكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له: صدفة، ولا حرج فيه، وأما بالنسبة لفعل الله فهذا أمر ممتنع ولا يجوز" اهـ بتصرف.
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3/117) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/803)
عبارة طال عمرك وأطال الله بقاءك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول (أطال الله بقاءك) (طال عمرك) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" لا ينبغي أن يطلق القول بطول البقاء، لأن طول البقاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، وعلى هذا فلو قال أطال الله بقاءك على طاعته ونحوه فلا بأس بذلك." انتهى
مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله 3/71.
ومثله طال عمرك على الطاعة فهو جائز.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/804)
عبارات: " جلالة " " صاحب الجلالة " " صاحب السمو " " أرجو آمل "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن يقال لبعض الوجهاء هذه الألفاظ: " جلاله "، " صاحب الجلالة "، " صاحب السمو "، " أرجو "، " آمل "؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" لا بأس بها إذا كان من قيلت فيه أهلا لذلك، ولم يخش منه الترفع والإعجاب بالنفس، وكذلك أرجو وآمل."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/69.(7/805)
قول بعض العصاة " أنا حر في تصرفاتي "
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض العصاة إذا أنكرنا عليه معصيته قال (أنا حر في تصرفاتي) ؟ فهل هذه الكلمة صحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" هذا خطأ، نقول: لست حراً في معصية الله، بل إنك إذا عصيت ربك فقد خرجت من الرق الذي تدَّعيه في عبودية الله إلى رق الشيطان والهوى. "
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/81.(7/806)
حكم لعن المعين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لعن (وليس سب فقط) اليهود والنصارى أفرادا أو جماعات أحياءً كانوا أم أمواتا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال صاحب لسان العرب: اللعن: الإبعاد والطرد من الخير، وقيل الطرد والإبعاد من الله، ومن الخَلْق السب والدعاء.
واللعن يقع على وجهين:
الأول: أن يلعن الكفار وأصحاب المعاصي على سبيل العموم، كما لو قال: لعن الله اليهود والنصارى. أو: لعنة الله على الكافرين والفاسقين والظالمين. أو: لعن الله شارب الخمر والسارق. فهذا اللعن جائز ولا بأس به. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/203) : ويجوز لعن الكفار عامة اهـ.
الثاني: أن يكون اللعن على سبيل تعيين الشخص الملعون سواء كان كافراً أو فاسقاً، كما لو قال: لعنة الله على فلان ويذكره بعينه، فهذا على حالين:
1- أن يكون النص قد ورد بلعنه مثل إبليس، أو يكون النص قد ورد بموته على الكفر كفرعون وأبي لهب، وأبي جهل، فلعن هذا جائز.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/214) : ويجوز لعن من ورد النص بلعنه، ولا إثم عليه في تركه اهـ.
2- لعن الكافر أو الفاسق على سبيل التعيين ممن لم يرد النص بلعنه بعينه مثل: بائع الخمر – من ذبح لغير الله – من لعن والديه – من آوى محدثا - من غير منار الأرض – وغير ذلك.
" فهذا قد اختلف العلماء في جواز لعنه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يجوز بحال.
الثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق.
الثالث: يجوز مطلقا " اهـ
الآداب الشرعية لابن مفلح (1/303) .
واستدل من قال بعدم جواز لعنه بعدة أدلة، منها:
1- ما رواه البخاري (4070) عن عبد الله بن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) .
2- ما رواه البخاري (6780) عن عمر أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، قال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه، فو الله ما علمت، إلا أنه يحب الله ورسوله) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/511) :
" واللعنة تجوز مطلقا لمن لعنه الله ورسوله، وأما لعنة المعين فإن علم أنه مات كافرا جازت لعنته، وأما الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يلعن عبد الله بن حمار الذي كان يشرب الخمر، مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما، مع أن في لعنة المعين إذا كان فاسقا أو داعيا إلى بدعة نزاعاً " اهـ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد" (1/226) :
" الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم؛ فالأول (لعن المعين) ممنوع، والثاني (لعن أهل المعاصي على سبيل العموم) جائز، فإذا رأيت محدثا، فلا تقل لعنك الله، بل قل: لعنة الله على من آوى محدثا، على سبيل العموم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صار يلعن أناسا من المشركين من أهل الجاهلية بقوله: (اللهم! العن فلانا وفلانا وفلانا) نهي عن ذلك بقوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) رواه البخاري" اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/807)
عبارات " أرجوك " " تحياتي " " أنعم صباحا " " أنعم مساءً "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم بهذه الألفاظ (أرجوك) ، (تحياتي) ، و (أنعم صباحا) ، و (أنعم مساءً) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" لا بأس أن تقول لفلان (أرجوك) في شئ يستطيع أن يحقق رجاءك به، وكذلك (تحياتي لك) ، و (لك منى التحية) وما أشبه ذلك؛ لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} ، وكذلك (أنعم صباحا) و (أنعم مساء) لا بأس به، ولكن بشرط ألا تتخذ بديلا عن السلام الشرعي ".
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله 3/70.(7/808)
هل يصح أن يقول المتكلم " أحبائي في رسول الله "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع بعض الناس يستخدمون عبارة: " أحبائي في رسول الله " فهل هذا الاستخدام صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" هذا القول وإن كان صاحبه فيما يظهر يريد معنى صحيحا، يعني: أجتمع أنا وإياكم في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا التعبير خلاف ما جاءت به السنة، فإن الحديث (من أحب في الله، وأبغض في الله) ، فالذي ينبغي أن يقول: أحبائي في الله - عز وجل - ولأن هذا القول الذي يقوله فيه عدول عما كان يقول السلف، ولأنه ربما يوجب الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغفلة عن الله، والمعروف – في السنة و - عن علمائنا وعن أهل الخير هو أن يقول: أحبك في الله ".
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/68.(7/809)
عبارة " أدام الله أيامك "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تقول لشخص (أدام الله أيامك) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " قول (أدام الله أيامك) من الاعتداء في الدعاء لأن دوام الأيام محال منافٍ لقوله تعالي: {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وقوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفئِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} "
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله (3/69) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/810)
لا يقال عن أحد إنه خليفة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في بعض الكتب عبارة: (وأنتم أيها المسلمون خلفاء الله في أرضه) فما حكم هذه العبارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا التعبير غير صحيح من جهة معناه؛ لأن الله تعالى هو الخالق لكل شيء , المالك له , ولم يغب عن خلقه وملكه , حتى يتخذ خليفة عنه في أرضه , وإنما يجعل الله بعض الناس خلفاء لبعض في الأرض , فكلما هلك فرد أو جماعة أو أمة جعل غيرها خليفة منها يخلفها في عمارة الأرض , كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) . وقال تعالى: (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) . وقال: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) . أي: نوعا من الخلق يخلف من كان قبلهم من مخلوقاته" اهـ
من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/33) .
وقال النووي رحمه الله في كتابه "الأذكار":
بابٌ في ألفاظٍ يُكرهُ استعمالُها.
ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر المسلمين خليفة الله، بل يُقال الخليفة، وخليفةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأميرُ المؤمنين. . .
وعن ابن أبي مُليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: يا خليفة الله! فقال: أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا راضٍ بذلك.
وقال رجلٌ لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه: يا خليفة الله! فقال: ويلَك لقد تناولتَ تناولاً بعيداً، إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أمورَكم فسمَّيتُوني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك.
وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه "الأحكام السلطانية" أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً؛ لأنه خلفَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أُمته، قال: فيجوز أن يُقال الخليفة على الإِطلاق، ويجوز خليفة رسول الله.
قال: واختلفوا في جواز قولنا خليفة الله، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ) فاطر / 39. وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك ونسبُوا قائلَه إلى الفجور، هذا كلام الماوردي. انتهى كلام النووي رحمه الله.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/811)
هل يصح أن يقال " والدي العزيز "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كتب الإنسان رسالة وقال فيها (إلى والدي العزيز) أو (إلى أخي الكريم) فهل في هذا شئ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" هذا لا شيء فيه بل هو جائز قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .
وقال تعالى: {ولها عرش عظيم}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف " رواه البخاري (3390) .
فهذا دليل على أن مثل هذه الأوصاف تصح لله - تعالى - ولغيره ولكن اتصاف الله بها لا يماثله شيء من اتصاف المخلوق بها، فإن صفات الخالق تليق به وصفات المخلوق تليق به. وقول القائل لأبيه أو أمه أو صديقه (العزيز) يعني أنك غالٍ عندي وما أشبه ذلك، ولا يُقصد بها أبداً الصفة التي تكون لله وهي العزة التي لا يقهره بها أحد، وإنما يريد أنك عزيز عليَّ وغالٍ عندي وما أشبه ذلك "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/68.(7/812)
الدعاء أثناء قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقرأ القرآن والحمد لله، وعندما أصل إلى صفات المؤمنين أدعو الله أن يجعلني منهم، وعندما أصل إلى صفات الكفار والمنافقين ومصيرهم أستعيذ بالله أن يجعلني منهم. فهل بعد الدعاء تلزمني البسملة من جديد، أم اتباع القراءة دون ذلك؟ وهل قطع القراءة للدعاء جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا يجوز، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في تهجده بالليل عليه الصلاة والسلام إذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل ربه الرحمة، فلا بأس بهذا، بل هذا مستحب في التهجد بالليل، أو في صلاة النهار، أو في القراءة خارج الصلاة، كل هذا مستحب وليس عليك أن تعيد البسملة ولا التعوذ، بل تأتي بهذا الدعاء ثم تشرع في القراءة من دون حاجة إلى إعادة التعوذ ولا إعادة البسملة، وهذا كله إذا كنت تصلي وحدك في النافلة.
أما إذا كنت في الفريضة فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل هذا في الفريضة، وهكذا إذا كنت مع الإمام فإنك تنصت لإمامك ولا تدعُ بهذه الأدعية والإمام يقرأ بل تنصت وتستمع في الجهرية، أما في السرية فتقرأ الفاتحة وما تيسر معها من دون الأدعية التي يدعى بها في النافلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا في الفريضة، ولعل السبب في ذلك والله أعلم التخفيف على الناس وعدم التطويل عليهم؛ لأنه لو دعا عند كل آية فيها رحمة وتعوذ عند كل آية فيها وعيد ربما طالت الصلاة، وربما شق على الناس، فكان من رحمة الله ومن إحسانه إلى عباده ومن لطفه بهم أنه لم يشرع ذلك في الفريضة حتى تكون القراءة متوالية، وحتى لا تطول القراءة على الناس، أما في النافلة أو في التهجد أو في الليل أو في صلاة الضحى أو في غير ذلك من النوافل فلا بأس فالأمر فيها واسع" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/334)(7/813)
حكم التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم حرجاً في ذلك، فلا نعلم حرجاً في أن يتكلم المسلم وهو يقرأ القرآن، لكن كونه يستمر في قراءته ولا ينشغل بالكلام أولى، حتى يحضر بقلبه للتدبر والتعقل، فهذا أفضل إذا لم تدع الحاجة إلى الكلام.
أما إذا دعت الحاجة إلى الكلام فلا حرج إن شاء الله أن يتكلم ثم يرجع إلى قراءته، مثل أن يرد السلام على من سلم عليه، مثل أن يجيب المؤذن إذا سمع الأذان وينصت له؛ لأن هذه سنن ينبغي للمؤمن أن يأخذ بها ولا يتساهل فيها، فإذا سمع الأذان أنصت للأذان وأجاب المؤذن ثم عاد إلى قراءته، وهذا هو الأفضل.
كذا إذا سلم عليه إنسان فيرد عليه السلام، أو سمع عاطساً حمد الله يشمته، أو جاءه إنسان يسأله حاجة فيعطيه، فكل هذا لا بأس به.
أما إذا كان كلاماً ليس له حاجة فالأولى له تركه حتى يشتغل بالقراءة وحتى يتدبر ويتعقل؛ لأن هذا هو المطلوب، فالله سبحانه وتعالى يقول: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، ومعلوم أن الكلام الذي ليس له حاجة يكون فيه شغل للقلب، وفيه أيضاً إضعاف للتدبر، فالأولى تركه" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/335)(7/814)
حكم تلاوة القرآن بصورة جماعية بصوت واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الدين في تلاوة القرآن بصورة جماعية بعد صلاة الصبح والمغرب، حيث إن بعض الإخوة قالوا لنا: إنها بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تلاوة القرآن الكريم من العبادات التي شرعها الله لعباده، وبيَّنها رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وأصحابه يستمعون، ليستفيدوا مما يقول لهم، ويفسره لهم عليه الصلاة والسلام، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ القرآن وهو يستمع عليه الصلاة والسلام، ولم يكن من سنته ولا سنة أصحابه وطريقتهم أن يتلوا القرآن جميعاً بصوت واحد، ليس هذا من سنتهم، وليس هذا من فعله عليه الصلاة والسلام، فالذين قالوا إنه بدعة هم مصيبون؛ لأن هذا لا أصل له، لكن ذكر العلماء أن هذا يعفى عنه مع الصبيان الصغار المتعلمين عن طريق التعليم حتى يستقيم لسانهم جميعاً.
وكذلك المتعلمون في المدارس إذا رأى الأستاذ أن يتكلموا جميعاً حتى يعتدل الصوت وحتى تستقيم التلاوة من الصبيان الصغار في باب التعلم فهذا نرجو ألا يكون فيه حرج؛ لما فيه من العناية بالتعليم والحرص على استقامة الأصوات وحسن الأداء.
أما فيما بين الناس؛ في التلاوة في المساجد، أو في غير المساجد، في الصباح أو في المساء أو أي مكان يتلون القرآن جميعاً فهذا لا نعلم له أصلاً.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) فنصيحتي ألا يفعل مثل ذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/347) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/815)
هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(7/816)
هل قراءة القرآن بأحكام التجويد واجبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض علماء التجويد قالوا: إن قراءة القرآن بالتجويد واجبة، فما صحة قولهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله "الصحيح أن قراءة القرآن بالتجويد ليست واجبة، وأن التجويد ليس إلا لتحسين القراءة فقط، فإذا قرأ الإنسان قراءة أوضح فيها الحرف وجعله محركاً بما هو محركٌ به فإن هذا كافٍ، فأما قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) المزمل/4، فليس معناها جوّده، بل المعنى: اقرأه على مهل" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/177) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/817)
هل تغيير الراديو من القرآن إلى الأخبار يعتبر إعراضاً عن سماع القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء السير بالسيارة أو الجلوس بالمنزل كثيراً ما نسمع آيات القرآن الكريم تتلى، ولكن يكون الإنسان في حاجة إلى استماع شيء آخر مثل الأخبار أو قراءة الجريدة، فهل إقفال الراديو أو غيره لغرض استماع الأخبار أو قراءة الصحف يعتبر إعراضاً عن ذكر الله، وما هو الحل في مثل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج من سماع الأخبار وقراءة الصحف بدلاً من فتح الإذاعة على القرآن؛ لأن كل شيء له وقته، ولا يتضمن ذلك الإعراض عن القرآن ولا هجره إذا كان للمؤمن أوقات أخرى يقرأ فيها القرآن أو يستمع فيها إذاعة القرآن.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4/103) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/818)
يتدارسون القرآن في البيت ويأتون الجمعة قبل صعود الخطيب بربع ساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاجتماع لمدارسة القرآن في بيت أحدنا يوم الجمعة لا تجوز على الرغم من كوننا نصل للجامع قبل صعود الخطيب بربع ساعة مع الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاجتماع لمدارسة القرآن يوم الجمعة، إن كان المقصود به أن يقرأ أحدكم ويستمع الباقون، أو يقرأ كل منكم على التناوب، فلا حرج في ذلك، بل هذا من الاجتماع النافع، بشرط ألا يكون تخصيص ذلك بالجمعة لاعتقاد فضل معين، فإن ذلك لم يرد في الشرع، لكن إن كان ذلك لأنه وقت فراغكم وأجازتكم فلا بأس.
وأما قراءة القرآن جماعة بصوت واحد، فغير مشروعة وأقل أحوالها الكراهة، وينظر جواب السؤال رقم (4039) .
ثانيا:
ينبغي التبكير للجمعة؛ لما في ذلك من الثواب العظيم والأجر الكبير، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ راح في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً) رواه البخاري (881) ومسلم (850) .
وهذه الساعات تبدأ من طلوع الشمس، كما هو مذهب الشافعي وأحمد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما بالنسبة لساعة الجمعة فاقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام شتاءً أو صيفاً، القسم الأول الساعة الأولى، الثاني الساعة الثانية وهكذا، ولهذا تختلف الساعات طولاً وقصراً بحسب طول النهار وقصره " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم /235) .
وينظر جواب السؤال رقم (60318) .
وروى النسائي (1381) وأبو داود (345) والترمذي (496) وابن ماجه (1087) عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ وَغَدَا وَابْتَكَرَ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
ووصولكم إلى الجامع قبل صعود الخطيب بربع ساعة لا يعد تبكيرا، بل هو في الساعة الخامسة، ولهذا ينبغي أن تبكروا إلى المسجد، فإن أمكن تغيير هذا الموعد إلى ما بعد صلاة الجمعة مثلاً، فهذا هو الأفضل والأولى، حتى تكونوا حافظتم على الخيرين: التبكير إلى صلاة الجمعة، ومدارسة القرآن الكريم.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/819)
قراءة القرآن أثناء الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للمرأة أن تقرأ القرآن أثناء فترة الحيض أو الدورة الشهرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله:
فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء ولم يقصد به التلاوة كقول: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن وهو من عموم الذكر.
واستدلوا على المنع بأمور منها:
1- أنها في حكم الجنب بجامع أن كلاً منها عليه الغسل، وقد ثبت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة " رواه أبو داود (1/281) والترمذي (146) والنسائي (1/144) وابن ماجه (1/207) وأحمد (1/84) ابن خزيمة (1/104) قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحافظ ابن حجر: والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة.
2- ما روي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن " رواه الترمذي (131) وابن ماجه (595) والدارقطني (1/117) والبيهقي (1/89) وهو حديث ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (21/460) : وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث أ. هـ. وينظر: نصب الراية 1/195 والتلخيص الحبير 1/183.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني واستدلوا على ذلك بأمور منها:
1- أن الأصل الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة، وقال: ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء.
2- أن الله تعالى أمر بتلاوة القرآن، وأثنى على تاليه ووعده بجزيل الثواب وعظيم الجزاء فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في حقه الدليل وليس هناك ما يمنع الحائض من القراءة كما تقدم.
3- أن قياس الحائض على الجنب في المنع من قراءة القرآن قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل بخلاف الحائض، وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالباً، بخلاف الجنب فإنه مأمور بالإغتسال عند حضور وقت الصلاة.
4- أن في منع الحائض من القراءة تفويتاً للأجر عليها وربما تعرضت لنسيان شيء من القرآن أو احتاجت إلى القراءة حال التعليم أو التعلم.
فتبين مما سبق قوة أدلة قول من ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن، وإن احتاطت المرأة واقتصرت على القراءة عند خوف نسيانه فقد أخذت بالأحوط.
ومما يجدر التنبيه عليه أن ما تقدم في هذه المسألة يختص بقراءة الحائض للقرآن عن ظهر قلب، أما القراءة من المصحف فلها حكم آخر حيث أن الراجح من قولي أهل العلم تحريم مس المصحف للمُحدث لعموم قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: " ألا يمس القرآن إلا طاهر " رواه مالك 1/199 والنسائي 8/57 وابن حبان 793 والبيهقي 1/87 قال الحافظ ابن حجر: وقد صحح الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة، وقال الشافعي: ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.أ. هـ وقال الشيخ الألباني عنه: صحيح.التلخيص الحبير 4/17 وانظر: نصب الراية 1/196 إرواء الغليل 1/158.
حاشية ابن عابدين 1/159 المجموع 1/356 كشاف القناع 1/147 المغني 3/461 نيل الأوطار 1/226 مجموع الفتاوى 21/460 الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين 1/291.
ولذلك فإذا أرادت الحائض أن تقرأ في المصحف فإنها تمسكه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة أو تلبس قفازا، أو تقلب أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك، وجلدة المصحف المخيطة أو الملتصقة به لها حكم المصحف في المسّ، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/820)
هل تقرأ البسملة في وسط السورة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[البسملة في وسط السورة بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إنها مستحبة؛ لأنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع أو أبتر) فهل هي مستحبة، أو غير مشروعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصحيح أن البسملة إذا قرأ الإنسان من أثناء السورة لا تستحب؛ لأن الله قال في كتابه: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98، ولم يأمر بسوى ذلك، فما دامت المسألة فيها نص خاص بأن المطلوب ممن أراد قراءة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن هذا يخصص العام وهو قوله: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/177) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/821)
استماع القرآن مع الانشغال بالعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستماع إلى القرآن الكريم أثناء مزاولة العمل أو الانشغال في شيء آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استماع القرآن الكريم عبر المذياع أو المسجل، عمل صالح يؤجر عليه الإنسان، ولا حرج عليه لو كان يزاول عملا، أو شغلا، ما دام يستمع إليه قدر الإمكان، وأما أن يكون على عمل لا يتمكن معه من الإصغاء إلى القرآن، فهذا لا ينبغي لمنافاته الأدب والاحترام.
قال النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" ص (92) : " ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين.
فمن ذلك: اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قول الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) ... " انتهى.
وذكر البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/433) عن ابن عقيل رحمه الله أنه قال بتحريم القراءة في الأسواق يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع، ونقل عنه أنه قال: " قال حنبل: كثير من أقوال وأفعال يخرج مخرج الطاعات عند العامة , وهي مآثم عند العلماء , مثل القراءة في الأسواق , يصيح فيها أهل الأسواق بالنداء والبيع، ولا أهل السوق يمكنهم الاستماع، وذلك امتهان " انتهى.
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أقضي بعض الأوقات الساعات الطوال في المطبخ، وذلك لإعداد الطعام لزوجي، وحرصًا مني على الاستفادة من وقتي؛ فإنني أستمع إلى القرآن الكريم، سواء كان من الإذاعة، أو من المسجل؛ فهل عملي هذا صحيح أم أنه لا ينبغي لي فعل ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ؟
فأجاب: "لا بأس باستماع القرآن الكريم من المذياع أو من المسجل والإنسان يشتغل، ولا يتعارض هذا مع قوله: (فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) ؛ لأن الإنصات مطلوب حسب الإمكان، والذي يشتغل ينصت للقرآن حسب استطاعته " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (ج3 سؤال رقم 437) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يسمع القرآن قبل النوم، أو مثلاً وقت مذاكرة أو انشغال بالأشغال فهل هذا من الآداب وما حكمه؟
فأجاب: "هذا ليس من الآداب، ليس من الآداب أن يتلى كتاب الله ولو بواسطة الشريط وأنت متغافل عنه، لقول الله تبارك وتعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) الأعراف/20، فلذلك نقول: إن كنت متفرغاً لاستماعه فاستمع، وإن كنت مشغولاً فلا تفتحه ... بعض الناس يقول لي: لا ينام إلا على سماع القرآن، إذا كان كذلك فلا بأس، إذا كان مضطجعاً ينتظر النوم ما عنده شغل، فيستمع هذا لا بأس به، ومن استعان بسماع كلام الله، على ما يريد من الأمور المباحة، لا بأس ليس هناك مانع " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (146/14) .
وينظر: جواب السؤال رقم (88728) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/822)
هل يلزمها الوضوء من الإفرازات لتقرأ القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتوضا قبل قراءة القرآن فهل إذا خرجت إفرازات مني أثناء قراءتي للقرآن يجب على إعادة وضوئي لمتابعة القراءة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمحدث حدثا أصغر أن يقرأ القرآن من غير مس للمصحف، كما يجوز له أن يمس كتب التفسير وأن يقرأ القرآن منها، وليس له أن يمس المصحف إلا بوضوء. وانظري جواب السؤال رقم (10672) .
ثانيا:
الإفرازات الخارجة من الفرج (محل الولادة) طاهرة، ولكن في نقضها للوضوء خلاف، فذهب جماهير أهل العلم إلى أنها ناقضة للوضوء، ولكن إذا كانت مستمرة، فإنها تأخذ حكم السلس، فتتوضأ المرأة لوقت كل صلاة، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرض والنوافل، وتمس به المصحف، ولا يضرها نزول هذه الإفرازات.
وأما إذا كانت الإفرازات غير مستمرة فيمكنك القراءة من المصحف بأن تجعلي على يدك حائلا بينك وبين المصحف كالقفاز ونحوه.
وانظري جواب السؤال رقم (2564) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/823)
قراءة القرآن في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز تلاوة القرآن في الحمام؟ (دون أخذ المصحف للداخل) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن القرآن العظيم، أفضل كتاب على الإطلاق عرفته البشرية، إذ هو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب الرسول الكريم، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد، فهو الكتاب الخالد والمعجزة الدائمة المستمرة والمتجددة على مر الأزمنة والعصور، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ولهذا الكتاب الكريم آداب كثيرة ينبغي أن تراعى عند تلاوته ومن بين هذه الآداب نظافة المكان، ولقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في كتابه القيم " التبيان " جملة الآداب التي تنبغي للمسلم أن يراعها عند قراءته كتاب الله العزيز، وذكر مسألة قراءة القرآن في الحمام والحش [الحمام هو مكان الاستحمام , والحش هو مكان قضاء الحاجة] , ونقل أقوال أهل العلم فيها؛ قال رحمه الله: (ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار.
ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة , وشرف البقعة ... وأما القراءة في الحمام فقد اختلف السلف في كراهيتها , فقال أصحابنا _ أي الشافعية _: لا يكره , ونقله أبو بكر بن المنذر في "الإشراف" عن إبراهيم النخعي ومالك , وهو قول عطاء.
وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – رواه عنه ابن أبي داود.
وحكى ابن المنذر عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب , وعن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين , قال الشعبي: تكره القراءة في ثلاثة مواضع: في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور. وعن أبي ميسرة قال: لا يُذكر الله إلا في مكان طيب) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز ذكر الله تعالى في الحمام؟.
فأجاب:
لا ينبغي للإنسان أن يذكر ربه عز وجل في داخل الحمام، لأن المكان غير لائق لذلك، وإن ذكره بقلبه فلا حرج عليه، بدون أن يتلفظ بلسانه، وإلا فالأولى أن لا ينطق به بلسانه في هذا الموضع وينتظر أن يخرج منه.
أما إذا كان مكان الوضوء خارج محل قضاء الحاجة فلا حرج أن يذكر الله فيه.
مجموع فتاوى ابن عثيمين 11/109.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/824)
هل يستمع القرآن الكريم وهو في الحمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعضهم وخلال الاغتسال في الحمام أو بهدف آخر كقضاء الحاجة يدير جهاز المسجل على صوت القرآن الكريم بهدف الاستماع. هل يجوز الاستماع للقرآن والإنسان في الحمام وهو بائن العورة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي نص أهل العلم على كراهته، هو قراءة القرآن أو ذكر الله تعالى في الخلاء، لأن هذا المكان نجس، وهو مأوى الشياطين، فيعظم المؤمن ربه تعالى فلا يذكره في هذا المكان.
أما استماع القرآن الكريم عند الاغتسال أو قضاء الحاجة فلا حرج فيه، لأنه لم يذكر الله تعالى داخل الخلاء، وجهاز التسجيل يكون خارج الحمام.
وقد ذكرت طرائف عن السلف رحمهم الله في حرصهم على الوقت، يمكن استفادة هذا الحكم منها.
* الإمامان أبو حاتم الرازي وابنه عبد الرحمن
وقد سئل عبد الرحمن عن كثرة سماعه الحديث من أبيه، وكثرة أسئلته له عن الأحاديث وعن رواتها، فقال:
" كان أبي يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه!! " انتهى.
"سير أعلام النبلاء" (13/251) .
* المجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية
كان يأمر ابنه إذا دخل الخلاء أن يقرأ ويرفع صوته، حتى يستفيد بهذا الوقت ولا يضيع من غير فائدة.
ذكره ابن القيم في "روضة المحبين" (ص 65) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/825)
قراءة القرآن جماعة وإهداء الأعمال للأموات والمولد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[نلتقي كل يوم أحد من كل آخر شهر مع مجموعة من الأخوات تصل إلى 30 أخت أو أكثر، وتبدأ كل واحدة على حدة تقرأ حزبين أو ثلاثة إلى أن نختم القرآن الكريم في ساعة ونصف أو ساعتين ويقال لنا: إنها تحسب - إن شاء الله - ختمة لكل واحدة , هل هذا صحيح؟ بعد ذلك نقوم بالدعاء وندعو الله بإيصال ثواب ما قرأناه إلى سائر المؤمنين الأحياء منهم والأموات فهل الثواب يصل إلى الأموات ? ويستدلون بقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ ْ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)
كذلك يقومون في عيد المولد النبوي بإقامة رباط يبدأ من العاشرة صباحاً إلى الثالثة زوالاً يبدؤون بالاستغفار والحمد والتسبيح والتكبير والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سرّاً ثم يقرؤون القرآن، وبعض الأخوات يصمن هذا اليوم، فهل تخصيص هذا اليوم بكل هذه العبادات يعتبر بدعة؟ كذلك عندنا دعاء طويل جدّاً طلب منَّا أن ندعو به وقت السحر , لمن استطاع، اسمه: " دعاء الرابطة " , ويبدأ بالصلاة والسلام على سيدنا محمد وحزبه وسائر الأنبياء وأمهات المؤمنين والصحابيات والخلفاء الراشدين والتابعين وأولياء الله الصالحين، مع ذكر كل أحد باسمه، وهل صحيح أن ذكر كل هذه الأسماء سوف تجعل أصحابها يتعرفون علينا وينادوننا في الجنة؟ فهل هذا الدعاء بدعة؟ أنا أشعر أنه كذلك، وأكثر الأخوات يعارضونني، فهل أعاقب من الله إن كنت مخطئة؟ وكيف أقنعهم إن كنت على صواب؟ هذا الموضوع أصابني بأرق شديد وكلما تذكرت حديث رسول الله أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار " ازداد همي وحزني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ورد في السنة النبوية الصحيحة فضائل كثيرة للاجتماع على قراءة كتاب الله تعالى، وحتى يحصِّل المسلم تلك الأجور فإنه ينبغي له أن يكون اجتماعه على القرآن شرعيّاً، ومن الاجتماع الشرعي في قراءة القرآن أن يقرأه المجتمعون للمدارسة والتفسير وتعليم التلاوة، ومن الاجتماع الشرعي أيضاً: أن يقرأ واحد منهم ويستمع الباقون من أجل التفكر والتدبر في الآيات، وكلا الأمرين ورد في السنة النبوية.
وللمزيد: يراجع السؤال رقم (22722) ففيه بيان حكم الاجتماع لقراءة القرآن.
وأما أن يعدَّ ما تقرؤه المجموعة ختمة لكل واحد منهم: فهذا غير صحيح؛ لأنه لم يختم كل واحد من المجتمعين القرآن كاملاً، بل ولا استمع، بل كلٌّ منهم قرأ شيئاً، فليس له ثواب إلا على ما قرأه من القرآن.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" توزيع أجزاء من القرآن على من حضروا الاجتماع ليقرأ كل منهم لنفسه حزباً من القرآن لا يعتبر ذلك ختماً للقرآن من كل واحد منهم بالضرورة " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 480) .
ثانياً:
ولا يشرع الدعاء بعد قراءة القرآن جماعيّاً، ولا يجوز الدعاء بإيصال أجر القراءة لأحدٍ من الأموات، ولا الأحياء، ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم يفعله، ولا أحدٌ من أصحابه رضي الله عنهم.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز أن أختم القرآن الكريم لوالدي، علماً بأنهما أميان لا يقرآن ولا يكتبان؟ وهل يجوز أن أختم القرآن لشخص يعرف القراءة والكتابة ولكن أريد إهداءه هذه الختمة؟ وهل يجوز لي أن أختم القرآن لأكثر من شخص؟
فأجاب:
لم يرد في الكتاب العزيز، ولا في السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام رضي الله عنهم ما يدل على شرعية إهداء تلاوة القرآن الكريم للوالدين ولا لغيرهما، وإنما شرع الله قراءة القرآن للانتفاع به، والاستفادة منه، وتدبر معانيه والعمل بذلك، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ص/29، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/90، وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) فصلت/44، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما)
ومعنى غيايتان: أي سحابتين.
والمقصود أنه أنزل للعمل به وتدبره والتعبد بتلاوته والإكثار من قراءته لا لإهدائه للأموات أو غيرهم، ولا أعلم في إهدائه للوالدين أو غيرهما أصلا يعتمد عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك وقالوا: لا مانع من إهداء ثواب القرآن وغيره من الأعمال الصالحات، وقاسوا ذلك على الصدقة والدعاء للأموات وغيرهم، ولكن الصواب هو القول الأول؛ للحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولو كان إهداء التلاوة مشروعا لفعله السف الصالح، والعبادة لا يجوز فيها القياس؛ لأنها توقيفية لا تثبت إلا بنص من كلام الله عز وجل، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، للحديث السابق وما جاء في معناه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 360، 361) .
وأما استدلالهم بحديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... ) فهو استدلال غير صحيح، بل الحديث عند التأمل يدل على عدم مشروعية إهداء ثواب قراءة القرآن للأموات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدعو له) ولم يقل: (يقرأ القرآن) .
ثالثاً:
لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة.
وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر.
رابعاً:
الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، وتخصيص عبادات معينة فيه كالتسبيح والتحميد والاعتكاف وقراءة القرآن والصيام بدعة لا يؤجر أصحابها على شيء منها؛ لأنها مردودة.
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) رواه البخاري (2550) ومسلم (1718) .
وفي رواية لمسلم (1718) : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
قال الفاكهاني رحمه الله:
لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطالون، وشهوةُ نفسٍ اغتنى بها الأكالون.
" المورد في عمل المولد " بواسطة كتاب " رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي " (1 / 8، 9) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ولو كان الاحتفال بيوم المولد النبوي مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأنه أنصح الناس، وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أبان للناس ما يجب له من الحق كمحبته واتباع شريعته، والصلاة والسلام عليه وغير ذلك من حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة، ولم يذكر لأمته أن الاحتفال بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك ولم يفعله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم، لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم، ثم التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم.
أفتظن أن هؤلاء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق؟! لا والله! ولن يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان. وإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الاحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه الكرام ولا في عهد أتباعهم في الصدر الأول، ولا كان معروفا عندهم - علمت أنه بدعة محدثة في الدين، لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا الدعوة إليها، بل يجب إنكارها والتحذير منها ... .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 318، 319)
خامساً:
لا يجوز لأحدٍ اختراع دعاء أو ذِكْر ونشره بين الناس، والدعاء المسمى " دعاء الرابطة " دعاء بدعي، واستحضار صور المدعو لهم، واعتقاد أنهم سيعرفون الداعي به وينادونه في الجنة: كل ذلك أوهام وخيالات وخرافات صوفية لا أصل لها في دين الله تعالى، وضوابط الشرع التي يستطيع المسلم تمييز السنَّة من البدعة، والصواب من الخطأ: واضحة وبيِّنة، وهي أن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل فلا يتقرب إلى الله تعالى بعبادةٍ إلا إذا دلّ الدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة على أنها مشروعة، وأن الأصل في المسلم الاتباع لا الابتداع، وأن البدعة مردودة على صاحبها، وأن الله تعالى أكمل لنا الشريعة وأتم علينا النعمة، فأي حاجة لمثل هذه البدع أن تكون في حياتنا مع بالغ تقصيرنا في الثابت الصحيح من الشرع؟ !
وانظر – لمزيد بيان - جواب السؤالين: (27237) و (6745) .
ونرجو أن يكون ما ذُكِر كافياً لأولئك الأخوات للكف عن بدعهم تلك، ونوصيهن بتقوى الله تعالى، وحسن الاتباع، وليعلمن أن الله تعالى لا يقبل العبادة المبتدعة ولو بلغ صاحبها ما بلغ من بذل الجهد والمال فيها، و" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " كما قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ونسأل الله تعالى أن يهدي أولئك الأخوات لما فيه رضاه، ونوصيك بحسن التبليغ، وعدم المشاركة معهن، والصبر على ما قد يصيبك جراء هذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/826)
كيف يقرأ سورة البقرة في البيت؟ وهل تجزئ القراءة من المسجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قراءة سورة البقرة في البيت وطردها للشياطين: هل يلزم قراءتها بصوت مرتفع؟ وهل استخدام المسجل يؤدي الغرض؟ وهل يجزئ قراءتها منفصلة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضل العظيم لسورة البقرة كاملة، ولبعض آياتها العظيمة مثل " آية الكرسي " وآخر آيتين منها، ومما ذكره صلى الله عليه وسلم في فضلها أن الشياطين تفر من البيت الذي تُقرأ فيه هذه السورة، وأنها نافعة في الوقاية من السحر وفي علاجه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم (780) .
قال النووي – رحمه الله -:
هكذا ضبطه الجمهور " ينفِر " ورواه بعض رواة مسلم " يفرُّ " وكلاهما صحيح.
" شرح مسلم " (6 / 69) .
عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة) رواه مسلم (804) .
البَطَلة: السحرة.
ولا يشترط قراءتها بصوت مرتفع، بل يكفي أن تُقرأ وتتلى في البيت، ولو مع خفض الصوت، كما لا يشترط أن تُقرأ دفعة واحدة، بل يمكن أن تُقرأ على مراحل، ولا يشترط أن يكون القارئ واحداً من أهل البيت، بل لو وزعت بينهم لجاز، وإن كان الأفضل في كل ذلك أن تُقرأ دفعة واحدة ومن شخص واحد.
ولا يجوز أن يُعتد بقراءة الصوت الخارج من إذاعة أو شريط، بل لا بدَّ من مباشرة القراءة من أهل البيت أنفسهم.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة " البقرة " لا يدخل الشيطان في بيته، لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر؟
فأجاب:
لا، لا، صوت الشريط ليس بشيء، لا يفيد؛ لأنه لا يقال " قرأ القرآن "، يقال: " استمع إلى صوت قارئ سابق "، ولهذا لو سجَّلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في " الميكرفون " وتركناه يؤذن هل يُجزئ؟ لا يجزئ، ولو سجلنا خطبة مثيرة، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام " الميكرفون " فقال المسجل " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ثم أذَّن المؤذن، ثم قام فخطب، هل تُجزئ؟ لا تُجزئ، لماذا؟ لأن هذا تسجيل صوتٍ ماضٍ، كما لو أنك كتبته في ورقة أو وضعتَ مصحفاً في البيت، هل يُجزئ عن القراءة؟ لا يُجزئ.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 986) .
لكن إن لم يكن في أهل البيت من يستطيع أن يقرأ سورة البقرة، ولم يكن هناك من يقرؤها لهم في البيت، واستخدموا المسجل في قراءتها، فالأظهر، إن شاء الله، أنه يحصل لهم هذه الفضيلة في البيت: فرار الشيطان منه؛ لاسيما إن كان من أهل البيت من يستمع القراءة من المسجل.
والله أعلم
هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟
السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟
الجواب:
الحمد لله
الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) .
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/827)
إهداء ثواب الطاعات للنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقرأ القرآن مثلاً , ثم يقول: وهبت ثواب هذه القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصواب المقطوع به أن إهداء ثواب الطاعات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعة , والدليل على هذا:
1- أن هذا الإهداء لا حاجة إليه , ولا داعي له , فإن النبي صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أمته من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً , كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) .
وقال: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم (1017) .
وهو صلى الله عليه وسلم قد سن سنن الهدى جميعها لأمته، فصار إهداء العامل الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه فائدة , بل فيه إخراج العامل للثواب عن نفسه من غير فائدة تحصل لغيره , فهذا العامل فاته ثواب العمل , والنبي صلى الله عليه وسلم له مثل هذا الثواب من غير إهداء.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن هذا لأمته , وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ لمسلم.
3- أن السلف - من الخلفاء الراشدين , وسائر الصحابة والتابعين - لم يكونوا يفعلون ذلك , وهم أعلم بالخير , وأرغب فيه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
انظر رسالة: "إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد سئل ابن العطاء تلميذ النووي رحمهما الله: هل تجوز قراءة القرآن وإهداء الثواب إليه صلى الله عليه وسلم وهل فيه أثر؟
فأجاب:
" أما قراءة القرآن العزيز فمن أفضل القربات، وأما إهداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل فيه أثر ممن يعتد به، بل ينبغي أن يمنع منه، لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه، مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم، وجميع أعمال أمته في ميزانه " انتهى.
ونقل السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب:
" هذا مخترع من متأخري القراء، لا أعلم لهم سلفاً فيه " انتهى نقلاً من: "مواهب الجليل" (2/454,544)
هذا مع أن قراءة القرآن وإهداء الثوب للأموات فيه خلاف بين العلماء، انظر السؤال (70317، 46698) لكن حتى لو قيل بجوازه، فلا يجوز الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يحصل به إلا حرمان العامل من الثواب من غير فائدة لغيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/828)
تشغيل القرآن الكريم في وقت انتظار المكالمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا نضطر لقطع المكالمة الهاتفية ونطلب من المتصل الانتظار قليلاً من أجل الانشغال بمكالمة أخرى أهم قد تطول مدتها، وقد نحول الشخص المتصل على من يريد فينتظر بعض الوقت حتى يرد عليه. وخلال فترة الانتظار المذكورة يمكن للمتكلم أن يسمتع إلى مادة مسجلة مناسبة، ولقد رغبنا أن نملأ فترة الانتظار هذه بمادة دينية سواء مقاطع من القرآن الكريم أو من الأحاديث الشريفة. فما حكم هذا العمل؟ مع العلم أن المكالمات قد يدخل فيها الجد والهزل حسب الأشخاص المتحدثين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل غير مشروع، وقد يكون سببا في إهانة القرآن وعدم احترامه، وكذلك أحاديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة مثل هذا السؤال فأجابت:
" القرآن كلام الله تعالى فيجب احترامه وصيانته عما لا يليق به من خلطه بهزل أو مزاح يسبق تلاوته أو يتبعها مع اتخاذه تسلية أو ملء فراغ مثل ما ذكرت، بل ينبغي القصد إلى تلاوته قصداً أوليا عبادة لله وتقرباً إليه مع تدبر معانيه والاعتبار بمواعظه لا لمجرد التسلية والتفكه وملء الفراغ، وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز خلطها بالهزل والدعابات، بل تجب العناية بها وصيانتها عما لا يليق والقصد إليها لفهم أحكام الشرع منها والعمل بمقتضاها " اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (4/57-58)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/829)
كان يستمع إلى القرآن عندما دق جرس الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان يستمع إلى شريط القرآن ودق جرس الهاتف فهل يكلّم المتصل والمسجل يشتغل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الإنسان يستمع إلى القرآن على شريط في أحد المسجلات أو ما شابه ثم أراد الحديث أو الانصراف عن الاستماع فلا حرج عليه في أن يغلقها ويدع الاستماع للقرآن حتى لا يكون لا غيباً فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.(7/830)
ختم القرآن في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبرائيل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يستفاد منها المدارسة، وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دارس جبرائيل للاستفادة؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعلا، وهو السفير بين الله والرسل، فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من جهة الله عز وجل، من جهة إقامة حروف القرآن، ومن جهة معانيه التي أرادها الله، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن، ومن يعينه على إقامة ألفاظه، فهذا مطلوب كما دارس النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من جهة القرآن، ومن جهة ألفاظه، ومن جهة معانيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام، بل هو أفضل البشر وأفضل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله، وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل.
وفيه فائدة أخرى وهي: أن المدارسة في الليل أفضل من النهار؛ لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهاراً.
وفيه أيضاً من الفوائد: شرعية المدارسة، وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان؛ لأن فيه فائدة لكل منهما، ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس أن يستفيد كل منهم من أخيه، ويشجعه على القراءة، وينشطه فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده، لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له، مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم، كل ذلك فيه خير كثير.
ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة؛ لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن، وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجباً لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة، بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة.
[الْمَصْدَرُ]
ا. هـ من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (15 / 324)(7/831)
معنى التغنِّي بالقراءة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن هناك أحاديث تدل على مشروعية التَّغنِّي بالقرآن، فكيف يمكن أن نفهم هذه الأحاديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التغنّي بالقراءة يعني:
1- تحسين الصوت بالقراءة مع الجهر بها بخشوع وترقيق وتحزّن من غير تكلّف ولا مبالغة.
فالتغنّي معناه الجهر بالقراءة، كما في صحيح مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أذن الله لشيء كأذَنه لنبي يتغنّى بالقرآن يجهر به) ، وأذنه من الإذن، وفي رواية (كإذنه) وفيه أمر وحث على تحسين الصوت بالتلاوة.
والحديث نصّ في معنى التغنّي، فلفظ (يجهر به) بيان له. ومعنى الجهر: رفع الصوت بالقراءة وتحسينه بها فطرة لا صنعة، يترنّم به ويطرب، وقد كانت العرب قبل نزول القرآن تتغنى بالحداء، إذا ركبت الإبل لتقطع الطريق إذا جلست في أفنيتها وغير ذلك.
فلما نزل القرآن الكريم أحبّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتغلوا بالقرآن، ويرفعوا به أصواتهم ويحسّنوها، وأن يجعلوا ذلك محل الغناء، مع التزام صحّة التلاوة، فعوّضوا عن طرب الغناء بطرب القرآن، كما عوِّضوا عن كل محرّم بما هو خير لهم منه، كجعل الاستخارة عوضاً عن الاستقسام بالأزلام، والنكاح عوضاً عن السفاح، وهكذا.
2- قد يراد بالتغنّي: ما يشبه الطرب وإعجاب الآخرين دون تدبّر ولا انتفاع، ولا خشوع، كما في حديث أشراط الساعة.
3- ويبعد أن يكون معنى التغنّي: الاستغناء بالقرآن عن الناس لاختلاف المعنى وعدم قبوله لغة.
وهذا التغنّي بالقراءة ينبغي أن يكون سليقة وفطرة لا تعليماً وتدريباً على قوانين النغم.
ذكر ابن القيم، أن التطريب والتغنّي إن كان فطرة من غير تكلّف ولا تعليم ولا تمرين، فهو جائز، ولو أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم (لو علمت لحبّرته لك تحبيراً) ، فلا بأس بذلك، أما إن كان التغنّي صناعة وتمريناً وأوزاناً، فقد كرهه السلف، وعابوه وذموه، ومعلوم أن السلف كانوا يقرؤون القرآن بالتحزين والتطريب، ويحسّنون أصواتهم بشجى تارة، وبشوق تارة، وبطرب تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع.
توجيه معنى التغنّي بالقراءة:
أ - أقول: إن حديث أشراط الساعة بطرقه، وفتوى الإمام مالك فيهما والإشارة إلى منع القراءة بالألحان وقوانين النغم بما يخرج عن حدود التلاوة وصحة الأداء ويتعارض مع وقار القرآن، وهذا لا خلاف في تحريمه.
ب - أما حديث أنس وأبي ذر رضي الله عنهما وغيرهما، فهي أحاديث تصف قراءة الخوارج، وقد كانوا يتلون القرآن آناء الليل والنهار، ولم يتجاوز حناجرهم ولا تراقيهم، لأنهم كانوا على غير علم بالسنة المبينة، فكانوا قد حرموا فهمه، والأجر على تلاوته، وفي الأحاديث أنهم كانوا يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والأمر بقتلهم وأنهم شرار الخلق، وأنك تحتقر صلاتك إلى صلاتهم وقراءتك إلى قراءتهم، وهذا وصف للخوارج ومن كان على شاكلتهم.
قال ابن تيمية: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، خرّجها مسلم في صحيحه، وخرّج البخاري طائفة منها، والخوارج كانوا يكفّرون المسلمين بالذنوب، وهم أهل بدعة، وتأويل، وخروج عن الجماعة نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا.
وهذا وصف خاص بالخوارج ومن على شاكلتهم، قراء اليوم ليسوا منهم فيما نعلم.
ج - وإن فتوى الإمام أحمد تتعلّق بتوليد الحروف والحركات الزائدة الناتجة عن تحوير الحروف وتمطيطها، والخروج بها عن صحة التلاوة، وهذه الفتوى مبالغة في الكراهية، كما قال القاضي أبو يعلى، فهي تتناول من أخلّ بالأداء، فزاد حرفاً، كزيادة الواو والألف في لفظ ((محمد)) فينطقها ((موحامد)) وهذا محرّم باتفاق. وقد كان الناس في عصر الإمام أحمد يتغنّون بالشعر، ويمدون الحروف كيف شاءوا، فكان " إسحاق الموصلي يعيب على إبراهيم بن المهدي " في ذلك، لأنه يخرج الألفاظ عن أوضاعها العربية.
فاستنكار هذا في التغنّي بالقرآن أوجب، ولا يوجد مثل ذلك في عصرنا بحمد الله.
د - قال ابن تيمية: الألحان التي كره العلماء قراءة القرآن بها هي التي تقتضي قصر الحرف الممدود، ومد الحرف المقصور، وتحريك الساكن، وتسكين المتحرّك يفعلون ذلك لموافقة نغمات الأغاني المطرّبة، فإن حصل مع ذلك تغيير نظام القرآن وجعل الحركات حروفاً فهو حرام.
الجمع بين أدلة المنع والجواز
وليس بين أدلة المنع وأدلة الجواز تعارض إذ التحريم يكون فيما يخرج عن مقتضى التلاوة الصحيحة، زيادة أو نقصاً، أو إخلالاً بحكم لازم أو واجب، أو مخالفة التواتر في الأداء.
ويحرم أيضاً ما يقرأ بقواد الموسيقى، ولو بدون آلة لترقيص الصوت أو ترعيده، أو تكسيره، أو الترنّم والتصنّع لمراعاة المقامات الخاصة في ذهن القارئ أثناء التلاوة.
والجواز يكون فيما يوافق صحة التلاوة مع تحسين الصوت بها.
فإن أريد بالتلحين الزيادة أو النقص أو مخالفة التواتر في القراءة فهو لحن محرّم، وإن أريد به التغنّي بالقراءة، لتطريب السامع وتحزينه، وترقيقه واستمالته مع التأمل والخشوع، فهو المستحب، ما لم يخل بمعنى ولا منبى الكلمة، ولا يتبع قواعد النغم.
قال السيوطي: قراءة القرآن بالألحان والأصوات الحسنة والترجيع إن لم تخرجه عن هيئته المعتبرة فهو سنّة حسنة وإن أخرجته فحرام فاحش.
وقال في شرح الرسالة: ويتحصّل من كلام الأئمة أن تحسين الصوت بمراعاة قوانين النغم مع المحافظة على الأداء هو محلّ النزاع.
فمن العلماء من رأى أنه خلاف ما عليه السلف ولأن القارئ ربما يغفل عن وجه الأداء، فقال بعدم الجواز سداً للذريعة.
وأما تحسين الصوت بالقرآن من غير مراعاة قوانين النغم فهو مطلوب بلا نزاع.
قال ابن قدامة: واتفق العلماء على أنه يستحب قراءة القرآن بالتحزين والترتيل والتحسين.
قلت: وهذا أخذ من حديث بريدة (اقرءوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن) وحديث ابن عباس (إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ يتحزّن) هما ضعيفان والأول ضعيف جداً.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد/1798 ص/44(7/832)
طريقة حفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم. هل يمكن أن تعطيني نصيحة لحفظ القرآن الكريم مثل طريقة الحفظ.]ـ
[الْجَوَابُ]
قواعد مهمة لحفظ القرآن الكريم:
1 - الإخلاص: وجوب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل القرآن والعناية به من أجل الله تعالى والفوز بجنته، والحصول على مرضاته، قال تعالى: (فاعبد الله مخلصا له الدين. ألا لله الدين الخالص) وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) . فلا أجر ولا ثواب لمن قرأ وحفظ القرآن رياء أو سمعة.
2 - تصحيح النطق والقراءة: ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن. والقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي. فقد أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل شفاها. وأخذه الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم شفاها وسمعه منه وأخذه كذلك أجيال من الأمة.
3 - تحديد نسبة الحفظ في كل مرة: فيجب على مريد القرآن أن يحدد المراد حفظه في كل مرة، وبعد تحديد المطلوب وتصحيح النطق تقوم بالتكرار والترداد، ويجب أن يكون التكرار والترداد مع التغني بالقرآن وذلك لدفع السآمة والملل أولا، وليثبت الحفظ ثانيا؛ ذلك أن التغني أمر محبب إلى السمع فيساعد على الحفظ ويعوّد اللسان على نغمة معينة فيتعرف بذلك على الخطأ مباشرة عندما يختل وزن القراءة، هذا فضلا عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) رواه البخاري.
4 - لا تجاوز مقررك اليومي حتى تجيد حفظه تماما: فلا يصح للحافظ أبدا أن ينتقل إلى مقرر جديد في الحفظ إلا إذا أتم تماما حفظ المقرر القديم وذلك ليثبت ما حفظه تماما في الذهن. ومما يعين على حفظ المقرر أن يجعله الدارس شغله طيلة الليل والنهار وذلك بقراءته في الصلاة السرية، وإن كان إماما ففي الجهرية، وكذلك في النوافل، وفي أوقات انتظار الصلوات، وبهذه الطريقة يسهل عليه الحفظ ويستطيع كل أحد أن يمارسه ولو كان مشغولا بأشياء أخرى.
5 - حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك: مما يعين تماما على الحفظ أن يجعل الحافظ لنفسه مصحفا خاصا (أي أن يعتمد طبعة معينة) لا يغيره مطلقا وذلك لأن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع، حيث تنطبع صور الآيات ومواضعها في المصحف في الذهن مع القراءة والنظر في المصحف، فإذا غير الحافظ مصحفه الذي يحفظ فيه، أو حفظ من مصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات فإن حفظه يتشتت ويصعب عليه الحفظ.
6 - الفهم طريق الحفظ: من أعظم ما يعين على الحفظ فهم الآيات المحفوظة ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض، ولذلك يجب على الحافظ أن يقرأ تفسير بعض الآيات والسور التي يحفظها، وعليه أن يكون حاضر الذهن عند القراءة وذلك ليسهل عليه استذكار الآيات. ولكن لا يعتمد في الحفظ على الفهم بل عليه بالترديد والتكرار ليسهل عليه الحفظ.
7 - لا تجاوز سورة حتى تضبطها: بعد إتمام سورة من القرآن، لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها، وربط أولها بآخرها، وأن يجري لسانه بها بسهولة ويسر دون إعنات فكر وكد خاطر في تذكر الآيات، بل يجب أن يكون الحفظ متيسرا، ولا يجاوزها إلى غيرها حتى يتقن حفظها.
8 - التسميع الدائم: يجب على الحافظ ألا يعتمد على تسميع حفظه لنفسه، بل عليه أن يعرض حفظه على حافظ آخر، أو متابع آخر في المصحف ويكون هذا الحافظ أو المتابع متقن للقراءة السليمة، حتى ينبه الحافظ لما قد يقع فيه من أخطاء في النطق أو التشكيل أو النسيان، فكثيرا ما يحفظ الفرد منا السورة خطأ ولا ينتبه لذلك حتى مع النظر إلى المصحف لأن القراءة كثيرا ما تسبق النظر فينظر مريد الحفظ في المصحف لا يرى بنفسه موضع الخطأ من قراءته. ولذا فتسميع القرآن لشخص وسيلة جيدة لاستدراك الخطأ.
9 - المتابعة الدائمة: يختلف القرآن في الحفظ عن أي محفوظ آخر من شعر أو نثر، لأن القرآن سريع الهروب من الذهن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) متفق عليه، فلا يكاد القارئ يتركه قليلا حتى يهرب منه وينساه سريعا، ولذلك فلا بد من المتابعة الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت) متفق عليه. وهذا يعني أنه يجب على حافظ القرآن أن يكون له ورد دائم أقله جزء من الثلاثين جزءا من القرآن كل يوم، وأكثره قراءة عشرة أجزاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه) متفق عليه، وبهذه المتابعة المستمرة يستمر الحفظ ويبقى.
10 - العناية بالمتشابهات: القرآن الكريم متشابه في معانيه وألفاظه، قال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) . لذا يجب على قارئ القرآن الجيد أن يعتني عناية خاصة بالمتشابهات، ونعني التشابه اللفظي وعلى قدر الاهتمام به يكون الحفظ جيدا.
11 - اغتنام سني الحفظ الذهبية: فالموفق من وفقه الله تعالى إلى اغتنام سنوات الحفظ الذهبية، وهي من سن الخامسة إلى الثالثة والعشرين تقريبا، فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جدا، فقبل الخامسة يكون دون ذلك وبعد الثالثة والعشرين يبدأ الخط البياني للحفظ بالهبوط ويبدأ خط الفهم بالصعود، لذا على الشباب ممن هم في هذه السن اغتنام ذلك بحفظ كتاب الله تعالى حيث تكون مقدرتهم على الحفظ سريعة وكبيرة والنسيان يكون بطيئا جدا بعكس ما بعد تلك السني الذهبية، وقد صدق من قال: (الحفظ في الصغر كالنقش على الحجر، والحفظ في الكبر كالنقش على الماء) .
وبعد، فإن من حق كتاب الله علينا أن نحفظه ونتقن حفظه، مع الاهتداء بهديه واتباعه وجعله دستور حياتنا ونور قلوبنا وربيع صدورنا وعسى أن تكون تلك القواعد أساسا طيبا لمن يريد حفظ كتاب الله تعالى بإتقان وإخلاص. والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/833)
وضع مشرف على كل حلقة لتصحيح الأخطاء
[السُّؤَالُ]
ـ[يكون في بعض الرحلات برنامج لقراءة القرآن، ويكون في حلقات منفصلة يشرف على كل منها شخص يجيد قراءة القرآن، ويقوم بتقويم الأخطاء، فهل في ذلك حرج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا حرج في ذلك، حيث أن قراءة القرآن يلزم الحرص على إقامتها، فإذا كان هناك قراء يجتمعون لقراءة القرآن، وكان بهم أو عليهم شيء من الخلل أو الأخطاء أو النقص، ووكلوا أحدهم في تقويم تلك الأخطاء وتصحيحها وإصلاحها، فالتزم بذلك وكان أهلاً، فإن ذلك من فعل الخير، حيث أنه يرشد إلى إقامة القرآن وعدم الخطأ فيه، وذلك من العمل الصالح الذي يفيدهم جميعاً.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 34.(7/834)
حكم قراءة القرآن على طريقة المغنين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقول سماحتكم في قارئ القرآن بواسطة مقامات هي أشبه بالمقامات الغنائية بل هي مأخوذة منها أفيدونا بذلك جزاكم الله خيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمؤمن أن يقرأ القرآن بألحان الغناء وطريقة المغنين بل يجب أن يقرأه كما قرأه سلفنا الصالح من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، فيقرأه مرتلاً متحزناً متخشعاً حتى يؤثر في القلوب التي تسمعه وحتى يتأثر هو بذلك.
أما أن يقرأه على صفة المغنين وعلى طريقتهم فهذا لا يجوز.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/290.(7/835)
حول كلمة (صدق الله العظيم)
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني كثيراً ما أسمع أن قول صدق الله العظيم عند الانتهاء من قراءة القرآن بدعة، وقال لي بعض الناس: إنها جائزة واستدلوا بقوله تعالى: (قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً) آل عمران/95 وكذلك قال لي بعض المثقفين: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يوقف القارئ قال حسبك ولا يقول: صدق الله العظيم؟ وسؤالي هو: هل قول صدق الله العظيم جائز عند الانتهاء من قراءة القرآن الكريم؟ أرجو أن تتفضلوا بالتفصيل في هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعتياد الناس أن يأتوا بقولهم: (صدق الله العظيم) عند الانتهاء من قراءة القرآن الكريم لا نعلم له أصلاً ولا ينبغي اعتياده، بل هو على القاعدة الشرعية من قبيل البدع إذا اعتقد أحد أنه سنة فينبغي ترك ذلك وأن لا يعتاد ذلك.
وأما الآية (قل صدق الله) آل عمران/95، فليست في هذا الشأن، وإنما أمره الله أن يبين لهم صدق الله فيما بينه في كتبه العظيمة من التوراة وغيرها، وأنه صادق فيما بين لعباده في التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة.
كما أنه صادق سبحانه فيما بينه لعباده في كتابه العظيم القرآن، ولكن ليس هذا دليلاً على أنه مستحب أن يقول ذلك بعد قراءة القرآن أو بعد قراءة آيات، أو قراءة سورة، وليس هذا ثابتاً ولا معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضوان الله عليهم. ولما قرأ ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم أول سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) النساء/41 قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حسبك) قال ابن مسعود: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان) عليه الصلاة والسلام، أي يبكي لما تذكر هذا المقام العظيم يوم القيامة وهو المذكور في الآية العظيمة وهي قوله سبحانه: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك) أي يا محمد (على هؤلاء شهيداً) أي على أمته عليه الصلاة والسلام.
المقصود أن زيادة كلمة: (صدق الله العظيم) عند نهاية القراءة ليس لها أصل في الشرع. فالمشروع تركها تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، أما إذا فعلها الإنسان بعض الأحيان من غير قصد فلا يضر، فإن الله صادق في كل شيء سبحانه وتعالى. لكن اعتياد ذلك بعد كل قراءة كما يفعله كثير من الناس اليوم ليس له أصل كما تقدم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص 342.(7/836)
حكم الاجتماع في دعاء ختم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاجتماع في دعاء ختم القرآن العظيم وذلك بأن يختم الإنسان القرآن الكريم ثم يدعو بقية أهله أو غيرهم إلى الدعاء جماعياً لختم القرآن العظيم حتى ينالهم ثواب ختم القرآن الكريم الوارد عن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ـ رحمه الله ـ أو غيره من الأدعية المكتوبة في نهاية المصاحف المسماة بدعاء ختم القرآن العظيم فهل يجوز الاجتماع على دعاء ختم القرآن العظيم سواء كان ذلك في نهاية شهر رمضان المبارك أو غيره من المناسبات وهل يعد هذا الاجتماع بدعة أم لا، وهل ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دعاء مخصص لختم القرآن العظيم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد دليل على تعيين دعاء معين ـ فيما نعلم ـ ولذلك يجوز للإنسان أن يدعو بما شاء ويتخير من الأدعية النافعة كطلب مغفرة الذنوب والفوز بالجنة والنجاة من النار والاستعاذة من الفتن وطلب التوفيق لفهم القرآن الكريم على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى والعمل به وحفظه ونحو ذلك لأنه ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو، أما النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عنه شيء في ذلك فيما أعلم.
أما الدعاء المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فلا أعلم صحة هذه النسبة إليه ... ولم أقف على ذلك في شيء من كتبه والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
. من فتاوى الشيخ ابن باز - رحمه الله -(7/837)
حكم تقبيل يد الرجل الصالح والانحناء له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقبيل يد الرجل الصالح والانحناء له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما تقبيل اليد فذهب جمهور من أهل العلم إلى كراهته ولا سيما إذا كان عادة، أما إذا فعل بعض الأحيان عند بعض اللقاءات فلا حرج من ذلك مع الرجل الصالح؛ مع الأمير الصالح، مع الوالد أو شبه ذلك فلا حرج في ذلك، لكن اعتياده يكره.
وبعض أهل العلم حرم ذلك إذا كان معتاداً دائماً عند اللقاء، أما فعله في بعض الأحيان فلا حرج في ذلك.
أما السجود على اليد كونه يسجد على اليد ويضع جبهته على اليد هذا السجود محرم، ويسميه أهل العلم السجدة الصغرى، هذا لا يجوز كونه يضع جبهته على يد الإنسان سجوداً عليها لا يجوز، لكن تقبيلها بفمه إذا كان غير معتاد إنما في النادر أو القليل هذا لا بأس لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الصحابة قبَّل يده وقدمه، فالأمر في هذا سهل إذا كان قليلاً، أما اعتياده دائماً فيكره أو يحرم.
وأما الانحناء فهو لا يجوز، كونه ينحني كالراكع هذا لا يجوز؛ لأن الركوع عبادة لا يجوز أن ينحني، أما إذا كان انحناؤه ليس لأجل التعظيم بل انحناؤه لأنه قصير والمسلِّم طويل فينحني له حتى يصافحه، لا لأجل التعظيم بل لأجل أن يسلم عليه إذا كان قصيراً أو مقعداً أو جالساً فلا بأس بهذا، أما متى ينحني لتعظيمه هذا لا يجوز ويخشى أن يكون من الشرك إذا قصد تعظيمه بذلك.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل: (يا رسول الله، ألقى الرجل فهل أنحني له؟ قال: لا. قال: فهل ألتزمه وأقبله؟ قال: لا قال: آخذ بيده وأصافحه؟ قال: نعم) . وإن كان هذا الحديث في سنده ضعيف، وهو ضعيف الإسناد، لكن ينبغي العمل به؛ لأن الشواهد كثيرة تشهد له في المعنى، والأدلة كثيرة كذلك تدل على أن الانحناء والركوع للناس لا يجوز.
فالحاصل أنه لا يجوز الانحناء أبداً لأي شخص لا الملك ولا غير الملوك، ولكن إذا كان ليس لأجل التعظيم بل لأجل أن يسلم عليه إذا كان قصيراً أو مقعداً أو جالساً فانحنى له ليسلم عليه فلا بأس بذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/491، 492) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/838)
حكم تقبيل قدمي الوالدين ومن في منزلتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني مشوَّش حيال لمس قدم أشخاص آخرين، أو تقبيلها، فقد قرأت في مدونة بأن " طاهر القدري " قد أظهر أدلة من الأحاديث بأنه من الجائز لمس قدم الآخرين، أو تقبيلها، وأن البخاري كانت له رؤى حيال هذا الأمر، وقد كتب كتباً في صحة هذا الأمر، وأن طاهر القدري قد دعم رؤيته بأحاديث موضوعة، أو ضعيفة، فماذا يجب أن يكون موقفنا حيال طاهر القدري؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أشهر ما يُستدل به على تقبيل الرِِّجْلين: حديثان، وحادثة، أما الحديث الأول: ففيه تقبيل يهودييْن لرجلَي النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: فيه تقبيل وفد عبد القيس لرجل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الحادثة: ففيها تقبيل الإمام مسلم لرجليْ الإمام البخاري، رحمهما الله، ونحن نذكر تفصيل ذلك، وكلام العلماء حولها.
الحديث الأول:
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ، إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَقَالَ لَهُمْ: (لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ) قَالَ: فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ قَالُوا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ) .
رواه الترمذي (2733) ، والنسائي (4078) ، وابن ماجه (3705) ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي"، وصححه كثيرون، كالحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (5/240) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (9/48) ، والنووي في "المجموع" (4/640) ، و"رياض الصالحين" (حديث 889) .
قال ابن كثير رحمه الله:
وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلِمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون.
"تفسير ابن كثير" (5/125) .
وقال الزيلعي رحمه الله:
والحديث فيه إشكالان:
أحدهما: أنهم سألوا عن تسعة، وأجاب في الحديث بعشرة، وهذا لا يرِد على رواية أبي نعيم والطبراني؛ لأنهما لم يذكرا فيه "السحر"، ولا على رواية أحمد أيضاً؛ لأنه لم يذكر "القذف" مرة، وشك في أخرى، فيبقى المعنى في رواية غيرهم: أي: "خذوا ما سألتموني عنه وأزيدكم ما يختص بكم لتعلموا وقوفي على ما يشتمل عليه كتابكم".
الإشكال الثاني: أن هذه وصايا في التوراة، ليس فيها حجج على فرعون وقومه، فأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟! وما جاء هذا إلا من عبد الله بن سلمة؛ فإن في حفظه شيئًا، وتكلموا فيه، وأن له مناكير، ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات، فاشتبه عليه بالتسع الآيات، فوهِم في ذلك، والله أعلم.
"تخريج الكشاف" (2/293) .
والحديث: بوَّب عليه الترمذي بقوله: " باب ما جاء في قبلة اليد والرِّجل ".
قال ابن بطَّال رحمه الله:
قال الأبهرى: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر، والتعظيم لمن فُعِلَ ذلك به، وأما إذا قبَّل إنسانٌ يدَ إنسانٍ، أو وجهه، أو شيئًا من بدنه – ما لم يكن عورة - على وجه القربة إلى الله، لدينه، أو لعلمه، أو لشرفه: فإن ذلك جائز.
"شرح صحيح البخارى" (9/46) .
وقال المباركفوري رحمه الله:
والحديث يدل على جواز تقبيل اليد والرِّجْل.
"تحفة الأحوذي" (7/437) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
الحاصل: أن هذين الرجلين قبَّلا يدَ النبي صلى الله عليه وسلم، ورِجْله، فأقرهما على ذلك، وفي هذا: جواز تقبيل اليد، والرِّجْل، للإنسان الكبير الشرَف والعلم، كذلك تقبيل اليد، والرِّجْل، من الأب، والأم، وما أشبه ذلك؛ لأن لهما حقّاً، وهذا من التواضع.
"شرح رياض الصالحين" (4/451) .
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:
أبي - أحياناً - يأمرني بتقبيل رِجله مازحاً؟ .
فأجاب:
لا مانع مِن أن تقبلها.
"شرح سنن أبي داود" (29/342) .
الحديث الثاني:
عن أُمّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ - وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ - قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرِجْلَهُ.
رواه أبو داود (5227) ، وجوَّد الحافظ ابن حجر إسناده في "فتح الباري" (11/57) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود" وقال: "حسنٌ، دون ذِكر الرِّجْلين".
والحديث بوَّب عليه أبو داود بقوله: "بَاب فِي قُبْلَةِ الرِّجْلِ".
أما الحادثة:
فهي حوار حصل بين الإمامين البخاري ومسلم، وقد اشتهر أن الإمام مسلماً قبَّل رجليْ البخاري، وأثنى عليه بعلمه، والصحيح: أنه ليس في القصة إلا تقبيل ما بين عيني الإمام البخاري، وأن مسلماً طلب من البخاري أن يقبِّل رجليه، وليس في القصة أنه فعل ذلك.
ففي "تاريخ بغداد" (13/102) عن أحمد بن حمدون القصار قال: سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبَّل بين عينيه، وقال: دعني حتى أقبِّل رجليك، يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله.
وفي "تاريخ دمشق" (52/68) :
فقبَّل بين عينيه، فقال: دعني حتى أقبِّل رجليك، يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث. انتهى.
وللفائدة: فقد ضعَّف الحافظ العراقي رحمه الله هذه القصَّة، وردَّ عليه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنها ثابتة وصحيحة.
قال الحافظ العراقي رحمه الله:
والغالب على الظن: عدم صحتها، وأنا أتهم بها " أحمد بن حمدون القصار " راويها عن مسلم؛ فقد تُكلم فيه.
"التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح" (ص 118) .
ورد الحافظ ابن حجر على العراقي فقال:
الحكاية صحيحة، قد رواها غير الحاكم على الصحة، من غير نكارة، وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب، كما سنوضحه؛ لأن المنكَر منها إنما هو قوله: "إن البخاري قال: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول"، والواقع: أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري ".
والحق أن البخاري لم يعبِّر بهذه العبارة، وقد رأيت أن أسوق لفظ الحكاية من الطريق التي ذكرها الحاكم وضعفها الشيخ، ثم أسوقها من الطريق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها، ولا نكارة، ثم أبيِّن حال الحديث، ومن أعلَّه، أو صححه لتتم الفائدة ... .
"النكت على كتاب ابن الصلاح" (2/715، 716) .
ثانياً:
حيث نقول بجواز تقبيل الرجلين: فإنه لا بدَّ من ضوابط لهذا الجواز، ومنها:
1. أن يكون هذا التقبيل للوالدين، وأهل العلم.
وقد سبق النقل على الشيخين العثيمين والعبَّاد ما يؤيد ذلك.
2. أن يكون التقبيل قربة إلى الله، لا لدنيا يصيبها، ولا مع ذل يلحقه.
قال النووي رحمه الله:
وأما تقبيل يده لِغِناه، ودنياه، وشوكته، ووجاهته عند أهل الدنيا بالدنيا ونحو ذلك: فمكروه شديد الكراهة، وقال المتولي: لا يجوز، فأشار إلى تحريمه.
"المجموع شرح المهذب" (4/636) .
وقال:
وتقبيل رأسه ورِجله: كيَده.
"المجموع شرح المهذب" (4/636، 637) .
3. أن لا يُفعل هذا التقبيل مع من يحرص عليه، ومن حرص على أن يقبِّل الناس يده: لم يستحق تقبيلها، فكيف بتقبيل رجليه؟! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما ابتداء مدِّ اليدِ للناس ليقبِّلوها، وقصده لذلك: فيُنهى عن ذلك، بلا نزاع، كائناً من كان، بخلاف ما إذا كان المقبِّل المبتدئ بذلك.
"المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/29) .
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله:
الذي يُنتقد من بعض الناس: أنه إذا سلَّم عليه أحد: مَدّ يده إليه، وكأنه يقول: قَبِّل يدي! فهذا هو الذي يُستنكر، ويقال للإنسان عندئذ: لا تفعل.
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
4. أن لا يكون هذا التقبيل إلا نادراً، وحيث يقتضيه الفعل، لا في كل مرة يلقاه فيها.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله:
أما مَن يقبِّل يدك تكريماً، وتعظيماً، أو رأسك، أو جبهتك: فهذا لا بأس به، إلا أن هذا لا يكون في كل مرة يلقاك؛ لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك إذا لاقى الرجل أخاه أينحني له؟ قال: (لا) قال: أيقبله ويعانقه؟ قال: (لا) ، قال: أيصافحه؟ قال: (نعم) .
لكن إذا كان لسبب: فلا بأس للغائب ... .
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20243) .
ثالثاً:
أما بخصوص " طاهر القدري ": فليس عندنا معلومات وافية عنه، وبكل حال: فمن استدل بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة فإنها لا تقبل منه، وقد أغنانا الله تعالى بما ثبت في صحيح السنَّة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/839)
المشاركة في مراسيم الجنازة والدفن والعزاء على الطريقة البوذية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي أسلمت منذ عدة سنوات والحمد لله وكانت قبل ذلك بوذية ملحدة. بالنسبة لأسرتها ما زالوا على وثنيتهم. منذ عدة أيام مات أحد والديها فذهبنا للمشاركة في مراسيم الدفن والعزاء فحدثت أشياء غريبة أظن أنه ما كان يجوز لنا كمسلمين أن نشارك فيها. فقد وضع الميت في غرفة فيأتي المعزي فيدخل هذه الغرفة فيستقبله أحد الأشخاص القائمين على الجنازة ويعطيه بعض البخور في وعاء فيقبض عليه بيديه ثم ينحني أمام جثة الميت ثلاث مرات ثم يذهب ويقعد في الصف ويسلم على أهالي الميت (وطبعاً نحن من أهله) وتتم المصافحة رجالاً ونساء وقد كان لدي قفازات لأتحاشى ملامسة النساء ولكن لا أدري هل نحن آثمون بفعلنا هذا مع الأخذ في الاعتبار أننا لا نؤمن بهذه الأشياء وإنما حرصاً على العلاقة مع الأسرة أن لا تتفكك وإلا ما كنا لنذهب. وهل إذا مات أحد أقاربها أو والدها الآخر في المستقبل هل أسمح لها بالذهاب إلى هناك أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للمسلم تعزية الكافر، وخاصة إذا كان المتوفى من ذوي القربى، إذا كان في ذلك مصلحة راجحة، كدعوته وذويه إلى الإسلام، وتأليف قلوبهم عليه.
فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز للمسلم أن يعزي الكافر إذا كان أباه أو أمه، أو من أقاربه، إذا كان يخاف إذا مات ولم يذهب إليهم أن يؤذوه، أو يكون سببا لإبعادهم عن الإسلام أم لا؟
فأجابت:
" إذا كان قصده من التعزية أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في ذلك دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تغتفر فيها المضار الجزئية " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/132) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تعزية الكافر إذا مات له من يُعَزَّى به من قريب أو صديق. وفي هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من قال: إن تعزيتهم حرام، ومنهم من قال: إنها جائزة. ومنهم من فَصَّل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً.
والراجح: أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فينظر في المصلحة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/236) .
وما سبق إنما هو في تعزية الكافر، أما حضور المسلم جنازة الكافر فلا يجوز ذلك، لأنها من تعظيم الكافر وموالاته، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قوم مسلمين مجاوري النصارى فهل يجوز للمسلم إذا مرض النصراني أن يعوده وإذا مات أن يتبع جنازته وهل على من فعل ذلك من المسلمين وزر أم لا؟
فأجاب:
"الحمد لله رب العالمين، لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها، فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام، فإذا مات كافرا فقد وجبت له النار، ولهذا لا يصلى عليه. والله أعلم" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (24/265) .
وانظر جواب السؤال رقم (7869) .
ثانياً:
أما لبسك القفاز لتلاشي ملامسة النساء عند المصافحة للتعزية، فهو أيضاً لا يجوز.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام) .
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة، ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (6/280) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لا يجوز للرجل أن يصافح من ليست محرماً له، لا مباشرةً ولا من وراء حائل" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (9/31) .
فالواجب عليك أن تتوب مما فعلت، وتعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى، وألا تحضر جنازة كافر، ولو كان من أقاربك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/840)
خالها الشاب كلما رآها قبلها وعانقها فمنعها زوجها من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لها خال شاب 25 عاماً اعتاد أن يقبلها ويحتضنها كلما قابلها، فطلبت منها ألا تقبله أو تحتضنه أو تدخله بيتي في غيابي، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقبيل المحارم، كتقبيل الرجل أمه أو أخته أو بنته، لا حرج فيه، وكذلك تقبيل عمته وخالته إن أمنت الفتنة، وكان التقبيل تقبيل رحمة ومودة لا تقبيل مزاح ولعب فضلا عن التقبيل بشهوة.
وتقبيل الرجل لابنة أخيه أو ابنة أخته الصغيرة لا حرج فيه أيضا، وأما الشابة والمتزوجة، فلا ينبغي ذلك، إلا أن تكون كبيرة لا يخشى من تقبيلها؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويخشى من التقبيل أن تثور الشهوة، أو يوسوس له الشيطان ما لا يجوز.
وإذا كان الرجل شابا، وابنة أخته شابة أيضا، فتقبيلها واحتضانها عمل قبيح، وهو مظنة إثارة الشهوة وحصول الشر والفساد، ولهذا فقد أحسنت في منعها من ذلك، ويلزمها طاعتك، وعدم استقباله في البيت حال غيابك، والتساهل في هذا الأمر دليل ضعف الغيرة، وكم جر من مفاسد وآلام وأحزان، لا سيما في هذا الزمان، مع ضعف التدين، وقلة الاحتياط، وليس هذا اتهاما للمَحرم، بل إعانة له على الخير، وحماية له من المفسدة والشر، وقد جاءت الشريعة بدرء المفاسد، وجلب المصالح، وسد الطرق المفضية إلى الفتنة.
ومما ينبغي إنكاره ما شاع في بعض المجتمعات من تقبيل الشباب بعضهم بعضا إذا التقوا، وزاد بعضهم فجعل يقبل محارمه كلما رآهم، وأسوأ من ذلك كله تقبيل ابنة العم والعمة، وابنة الخال والخالة، وهذا أثر من العادات الدخيلة التي وفدت على المسلمين، وإلا فالمسلمون لا يعرفون التقبيل على هذا النحو، وتقبيل بنت العم والعمة والخال والخالة محرم ظاهر؛ لأنهن أجنبيات لا تحل مصافحتهن فضلا عن تقبيلهن.
وقد روى الترمذي (2728) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) ، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك ظاهرة تقبيل الشباب بعضهم البعض على الخدود في كل ملتقى، وفي كل يوم، وانتشرت هذه الظاهرة مع الشيوخ وفي المسجد وفي الصف، هل هذا مخالف للسنة أم لا حرج فيه أم بدعة أم معصية أم جائزة؟
فأجابت: " المشروع عند اللقاء: السلام والمصافحة بالأيدي، وإن كان اللقاء بعد سفر فيشرع كذلك المعانقة؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) ، وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/128) .
وينظر جواب السؤال رقم (60351) ورقم (114193) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/841)
تقبيل المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقبيل الشاب البالغ لعمته أو خالته وتقبيل البنت البالغة لعمها أو خالها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقبيل المحارم - كالأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، ونحوهن - لا بأس فيه، وذلك بشروط أربعة:
1- أن يكون التقبيل على جهة المودة والرحمة والشفقة، وليس على جهة المزاح ولا الملاعبة، فضلا عن التقبيل بشهوة.
2- أن يكون التقبيل على الوجه ويفضل على الجبهة، والأولى من ذلك كله على الرأس، ولا يجوز أن يكون التقبيل على الفم.
3- أن تُؤمَنَ الفتنة، فإذا خشي الشاب أن تؤثر قبلته لإحدى محارمه في نفسه أو في نفسها، أو كانت الفتاة لا تأمن ذلك المَحْرم لسوء خلقه أو قلة دينه، فلا يجوز التقبيل حينئذ.
4- أن تكون المحرمية بينهما محرمية نسب: كالأم والبنت والأخت ونحوهن، أما محرمية الرضاع، أو المصاهرة كزوجة الابن، وأم الزوجة، وبنت الزوجة، فالأولى عدم تقبيلها، لضعف الوازع عن وقوع الشهوة في مثل هذه العلاقات.
فإذا توفرت هذه الشروط فلا حرج حينئذ في تقبيل المحارم؛ وقد روت عائشة رضي الله عنها في بيان مكانة فاطمة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا) رواه الترمذي (3872) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى البخاري (3918) عن الْبَرَاء بن عازب رضي الله عنه قال: (دَخَلْتُ مَعَ أَبِى بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ، قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا، وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ؟) .
وهذه بعض نصوص بعض العلماء في ذلك:
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" ولا بأس بتقبيل وجه طفل رحمة ومودة.. ومحرم كذلك ; لأن أبا بكر قبل خد عائشة لِحُمَّى أصابتها " انتهى.
"تحفة المحتاج" (9/229) .
وقال ابن مفلح رحمه الله:
"قال ابن منصور لأبي عبد الله [يعني: الإمام أحمد] : يقبل الرجل ذات محرم منه؟ قال: إذا قدم من سفر ولم يَخَفْ على نفسه , ولكن لا يفعله على الفم أبدا , الجبهة أو الرأس.
وقال بكر بن محمد عن أبيه عن أبي عبد الله وسئل عن الرجل يقبل أخته؟ قال: قد قبل خالد بن الوليد أخته" انتهى.
"الآداب الشرعية" (2/266)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"تقبيل المحارم فإن كانت الأم، أو الأخت الكبيرة أو الجدة، أو البنت، فهذا لا بأس به، وقد قبل أبو بكر ابنته عائشة رضي الله عنها على خدها.
وأما غيرهن من المحارم غير الأصول والفروع، فالأولى ألا يقبلها إلا إذا كانت أختاً كبيرة، فهنا يقبلها على جبهتها، أو على رأسها، أما يقبل أخته الشابة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فليتجنب هذا، لا يقبلها، وأبلغ من ذلك في التحذير منه: أن يقبل محارمه من الرضاع؛ لأن المحارم من الرضاع أقل هيبة عند الإنسان من المحارم من النسب، ولهذا يجب الحذر من أختك من الرضاع أن تقبلها، لاسيما إن كانت شابة جميلة، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
الخلاصة: تقبيل الزوجة مطلوب، وتقبيل غيرها من المحارم إن كان من الأصول أو الفروع فلا بأس به، وإن كان من غيرهن فالحذر من ذلك أولى " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (رقم/146، سؤال رقم 6) .
وانظر جواب السؤال رقم: (10142) ، (23347) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/842)
هل من السنة المصافحة باليدين جميعا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة المصافحةُ باليد اليمني فقط؟ وماذا عن وضع يد المسلَّم عليه بين يدي المسلِّم (احتواء يد واحدة بين يدين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المصافحة عند اللقاء والسلام من آداب الإسلام وأخلاقه الكريمة، فهي تعبير عن المحبة والمودة بين المتصافحين، كما أنها تذهب الغل أو الحقد والكراهية بين المسلمين، وقد جاء في فضلها حديث عظيم جليل يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا) رواه أبو داود (5212) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد كانت المصافحة من العادات المشهورة بين الصحابة رضوان الله عليهم.
فعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: هَلْ كَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. رواه البخاري (6263) .
قال ابن بطال: المصافحة حسنة عند عامة العلماء. وقال النووي: المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي. كما في "فتح الباري" (11/55)
ثانيا:
تقع المصافحة حين يضع الرجل صفح كفه في صفح كف صاحبه، هذا ما تقتضيه اللغة العربية، كما في "معجم مقاييس اللغة" (3/229) وغيره، وعليه تفهم ظواهر الأحاديث السابقة التي جاءت في المصافحة.
ولذا فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المصافحة باليد الواحدة هي السنة المجزئة، وهي العادة المطردة التي كانت بين المسلمين وبين الصحابة رضوان الله عليهم.
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/22) في ذكره لفوائد بعض الأحاديث:
" الأخذ باليد الواحدة في المصافحة، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة، وعلى ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة.
قلت: وفي بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا، كحديث حذيفة مرفوعا:
(إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر) قال المنذري (3/270) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته لا أعلم فيهم مجروحا " قلت: وله شواهد يرقى بها إلى الصحة.
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة في المصافحة: الأخذ باليد الواحدة " انتهى.
أما ما ذهب إليه بعض الفقهاء من الحنفية والمالكية من استحباب المصافحة بكلتا اليدين، فيضع بطن كفه اليسرى على ظهر كف أخيه، فهذا لم يثبت فيه سنة معتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وإنما غاية ما فيه أنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يد الصحابي بكلتا كفيه لمزيد عناية من تعليم وإرشاد وغيره، كما في صحيح البخاري (6265) ومسلم (402) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ) .
ولكن لم يكن ذلك هو العادة المطردة، بدليل التقرير السابق في كون الأصل هو المصافحة باليد الواحدة، وما جاء في بعض الروايات من التصريح بذلك، بل وفي هذا الحديث دليل عليه أيضا، إذ لو كانت العادة هي المصافحة باليدين جميعا لما ذكر ابن مسعود تلك الحالة، فذِكرُهُ لها دليل على أنها لم تكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.
ومع هذا، فلا توصف المصافحة باليدين جميعا بأنها بدعة، بل هي أمر جائز، غير أن السنة والأفضل الاقتصار على المصافحة بيد واحدة.
فقد جاء عن حماد بن زيد أنه صافح عبد الله بن المبارك بكلتا يديه. كما في صحيح البخاري معلقا (ص/1206) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/125) :
" أما المصافحة باليدين جميعا فلا نعلم فيه شيئا، ولكنه لا ينبغي، فالأَوْلى أن يكون بواحدة " انتهى.
وانظر "الموسوعة الفقهية" لفظ (مصافحة) ، "تحفة الأحوذي" (7/431-433)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/843)
مجالسة أقارب الزوج ومصافحتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[تسخر مني عائلة زوجي دائما بسبب لبسي لغطاء الرأس حتى عندما أكون معهم في المنزل أثناء التجمعات العائلية أو احتفالات الأعياد، وهم يقولون إنني غير مضطرة إلى التغطية في وجود أفراد العائلة، أعرف عن قواعد عورة المرأة أمام غير المحارم في الإسلام وأود أن أحافظ عليها، كيف أواجه تعليقاتهم دون جرح شعورهم، وفي نفس الوقت أعرفهم بمزايا الإتباع الصحيح للإسلام كذلك، هل أبناء أخ أو أخت الزوج من المحارم للزوجة؟ لقد راجعت بعض الأساتذة في هذا وقالوا إنهم ليسوا من المحارم، ولكن لأسباب عائلية ولإصرار الزوج (وحتى لا نجرح شعورهم) فإنني أسلم عليهم باليد، لا أزال، حيث أن هذه الممارسة عادية في العائلة، أشعر بعدم الارتياح في هذا الأمر، وأرجو من الله أن يرشدني إلى طريق الخير وأن يعفو عني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يعينك على الخير، وأن ييسر لك أمراً يكشف به همَّك، فإن ما تسمعه المرأة المسلمة وتراه ممن بعُد عن دين الله تعالى أو رقَّ ورعه كثير، وعليها أن تصبر على ذلك وأن تحتسب ما يصيبها عنده سبحانه وتعالى، فترجو ربها وتسأله العون والتثبيت.
ولا يجوز لها أن ترضخ لطلباتهم ولا أن تستجيب لنزواتهم وشهواتهم من الاختلاط والنظر والمصافحة وترك الحجاب؛ فإنها إن أرضتهم بذلك فإنها تُسخط ربَّها عز وجل.
ثانياً:
أبناء أخ وأخت الزوج ليسوا من المحارم بل هم ممن يجب الاحتياط منهم أكثر؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم بمثابة الموت.
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخولَ على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت ".
رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
قال النووي:
اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل، والأصهار يقع على النوعين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من أجنبي لما ذكرناه، فهذا الذى ذكرته هو صواب معنى الحديث.
" شرح مسلم " (14 / 154) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
يجوز للمرأة أن تجلس مع اخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجَّبة الحجاب الشرعي، وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها؛ لأنها عورة وفتنة إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة، أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر: فلا يجوز، وهذا كالجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك، ولا يجوز لها الخلوة بواحدٍ منهم أو غيرهم ممن ليس مَحْرَماً لها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرم " متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما " أخرجه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيحٍ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والله ولي التوفيق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 422، 423) .
ثالثاً:
أما المصافحة بين المرأة والأجنبي فحرام، ولا يجوز لكِ التساهل فيه بناءً على رغبة أقربائكِ أو أقرباء زوجكِ.
عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت: " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته، قال: اذهبي فقد بايعتك ".
رواه مسلم (1866) .
فهذا المعصوم خير البشرية جمعاء سيد ولد آدم يوم القيامة لا يمس النساء، هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد، فكيف غيره من الرجال؟ .
عن أميمة ابنة رقيقة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لا أصافح النساء ".
رواه النسائي (4181) وابن ماجه (2874) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (2513) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -:
مصافحة النساء من وراء حائل – فيه نظر – والأظهر المنع من ذلك مطلقا عملا بعموم الحديث الشريف، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إني لا أصافح النساء "، وسدّاً للذريعة، والله أعلم.
" حاشية مجموعة رسائل في الحجاب والسفور " (69) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/844)
حكم تقبيل الأب لابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يقبل ابنته إذا كبرت وتجاوزت سن البلوغ سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة وسواء كان التقبيل في خدها أو فمها أو نحوه، وإذا قبلته فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تقبيل الرجل لابنته الكبيرة والصغيرة بدون شهوة على أن يكون ذلك في خدها إذا كانت كبيرة لما ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قبّل ابنته عائشة رضي الله عنها في خدها.
ولأن التقبيل على الفم قد يفضي إلى تحريك الشهوة الجنسية فتركه أولى وأحوط وهكذا البنت لها أن تقبّل أباها على أنفه أو رأسه من دون شهوة، أما مع الشهوة فيحرم ذلك على الجميع حسماً لمادة الفتنة وسداً لذرائع الفاحشة ... والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز في فتاوى المرأة المسلمة/2 ص 547.(7/845)
كيف نحيّي أهل العلم والفضل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن تقبيل يد قادة العالم الإسلامي؟ أو أن نركع احتراماً لهم؟ وما هي الطريقة الصحيحة لتحيَّتِهم، نحن نعتقد أن الطريقة هي العناق والمصافحة للرجال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الطريقة الصحيحة لتحية أهل العلم هي السلام والمصافحة، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة، ويمكن تقبيل رأسه ويده أحياناً، ولكن لا يتخذ ذلك عادة وخاصة إذا كان بدلاً عن المصافحة.
وأما المعانقة فتجوز عند القدوم من السفر أو طول الغياب أو للتعبير عن شدة الحب في الله ونحو ذلك.
روى مسلم (54) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) .
وعن قتادة قال: قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه البخاري (5908) .
وعن أنس قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا. رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 37) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2647) .
وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: لما قدم جعفر من هجرة الحبشة تلقَّاه النبي صلى الله عليه وسلم فعانقه وقبَّل ما بين عينيه. رواه الطبراني في " الكبير " (2 / 108) ، وله شواهد كثيرة ذكرها الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (4 / 96) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2657) .
وعن أسامة بن شريك قال: قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّلنا يده. رواه أبو بكر بن المقري في جزء " تقبيل اليد " (ص 58) . قال الحافظ ابن حجر: سنده قوي. " فتح الباري " (11 / 56) .
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:
قلت: وفي ذلك من الفقه تفريق الصحابة بين الحضر والسفر في أدب التلاقي، ففي الحالة الأولى: المصافحة، وفي الحالة الأخرى: المعانقة، ولهذا كنت أتحرج من المعانقة في الحضر، وبخاصة أنني كنت خرجت في المجلد الأول من هذه " السلسلة " (رقم 160) حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الانحناء والالتزام والتقبيل، ثم لما جهزت المجلد لإعادة طبعه، وأعدت النظر في الحديث، تبين لي أن جملة " الالتزام " ليس لها ذكر في المتابعات أو الشواهد التي بها كنت قوَّيت الحديث، فحذفتُها منه كما سيرى في الطبعة الجديدة من المجلد إن شاء الله، وقد صدر حديثاً والحمد لله.
فلما تبين لي ضعفها زال الحرج والحمد لله، وبخاصة حين رأيت التزام ابن التيِّهان الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث خروجه صلى الله عليه وسلم إلى منزله رضي الله عنه الثابت في " الشمائل المحمدية " (رقم 113 ص 79 - مختصر الشمائل) ، ولكن هذا إنما يدل على الجواز أحياناً، وليس على الالتزام والمداومة كما لو كان سنَّة، كما هو الحال في المصافحة، فتنبه.
وقد رأيت للإمام البغوي رحمه الله كلاماً جيِّداً في التفريق المذكور وغيره، فرأيت من تمام الفائدة أن أذكره هنا، قال رحمه الله في " شرح السنَّة " (12 / 293) - بعد أن ذكر حديث جعفر وغيره مما ظاهره الاختلاف -:
" فأما المكروه من المعانقة والتقبيل: فما كان على وجه المَلَقِ (الزيادة في التَّوُّدد) ، والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه فعند التوديع وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب وشدَّة الحب في الله، ومن قبل فلا يقبل الفم، ولكن اليد والرأس والجبهة.
وإنما كره ذلك في الحضر فيما يرى؛ لأنه يكثر ولا يستوجبه كلّ أحد، فإن فعله الرجل ببعض الناس دون بعض: وجد عليه الذين تركهم، وظنّوا أنه قصّر بحقوقهم، وآثر عليهم، وتمام التحيّة المصافحة. انتهى
واعلم أنه قد ذهب بعض الأئمة كأبي حنيفة وصاحبه محمد إلى كراهية المعانقة، حكاه عنهما الطحاوي خلافاً لأبي يوسف.
ومنهم الإمام مالك، ففي " الآداب الشرعية " (2 / 278) :
" وكره مالك معانقة القادم من سفر، وقال: بدعة، واعتذر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بجعفر حين قدم، بأنه خاص له فقال له سفيان: ما تخصّه بغير دليل، فسكت مالك، قال القاضي: وسكوته دليل لتسليم قول سفيان وموافقته، وهو الصواب حتى يقوم دليل التخصيص".
هذا وقد تقدّم في كلام الإمام البغوي قوله بأنه لا يقبّل الفم، وبيَّن وجه ذلك الشيخ ابن مفلح في " الآداب الشرعية "، فقال (2 / 275) :
" ويكره تقبيل الفم، لأنّه قلّ أن يقع كرامة ".
ويبدو لي وجه آخر، وهو أنه لم يروَ عن السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وما أحسن ما قيل:
وكلّ خيرٍ في اتَّباع من سلف * وكّل شرٍّ في ابتداع من خلف. " السلسلة الصحيحة " المجلد السادس القسم الأول (305 – 307) .
وقال الشيخ – أيضاً -:
… وأما تقبيل اليد: ففي الباب أحاديث وآثار كثيرة، يدل مجموعها على ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف، فنرى جواز تقبيل يد العالِم إذا توفرت الشروط الآتية:
1. أن لا يُتخذ عادة بحيث يتطبع العالِم على مدِّ يده إلى تلامذته، ويتطبع هؤلاء على التبرك بذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن قُبِّلت يدُه فإنما كان ذلك على الندرة، وما كان كذلك فلا يجوز أن يُجعل سنَّة مستمرة، كما هو معلوم من القواعد الفقهية.
2. أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالِم على غيره ورؤيته لنفسه، كما هو الواقع مع المشايخ اليوم.
3. أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنَّة معلومة، كسنَّة المصافحة، فإنها مشروعة بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وهي سبب شرعي لتساقط ذنوب المتصافحين، كما روي في غير ما حديث واحد، فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمرٍ أحسن أحواله أنه جائز. " السلسلة الصحيحة " (1 / 302) .
ثانياً:
وأما الركوع والانحناء فلا يحل عند ملاقاة أحد لا عند عالِم ولا غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما الانحناء عند التحية: فينهى عنه كما في الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه ينحنى له؟ قال: لا "؛ ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعله إلا لله عز وجل وإن كان هذا على وجه التحية في غير شريعتنا كما في قصة يوسف (وخروا له سجَّداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل) وفي شريعتنا لا يصلح السجود إلا لله، بل قد تقدم نهيه عن القيام كما يفعله الأعاجم بعضها لبعض فكيف بالركوع والسجود؟ وكذلك ما هو ركوع ناقص يدخل في النهي عنه. [والمراد بالركوع الناقص الانحناء الذي لا يبلغ حد الركوع] " مجموع الفتاوى " (1 / 377) .
وقال:
وأما وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم أو تقبيل الأرض ونحو ذلك: فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهى عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه، ففي المسند وغيره أن معاذ بن جبل رضى الله عنه لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ما هذا يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال: كذبوا يا معاذ لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، يا معاذ أرأيتَ إن مررت بقبري أكنتَ ساجداً؟ قال: لا، قال: لا تفعل هذا " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم …
وبالجملة: فالقيام والقعود والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السموات والأرض وما كان حقّاً خالِصاً لله لم يكن لغيره فيه نصيب مثل الحلف بغير الله عز وجل. " مجموع الفتاوى " (27 / 92، 93) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
لا يجوز الانحناء عند السلام ولا خلع النعلين له.
وقالوا:
لا يجوز الانحناء تحيةً للمسلم ولا للكافر، لا بالجزء الأعلى من البدن ولا بالرأس؛ لأن الانحناء تحية عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله وحده.
بن قعود " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 233، 234) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/846)
ظاهرة التقبيل على الفم بين النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مسألة مهمة أرجو الإجابة عنها، واعذرونا بهذا السؤال لكنا محتاجون لتبيينكم حتى نتجنب المحظور.
انتشر كثيرا بين الفتيات المدعيات للأخوة الإسلامية تقبيلهن لبعضهن بطريقة مبالغ فيها كالتقبيل من الفم أو من أماكن أخرى ويتحججن بأن هذا من كمال الود وحين بينا لهم حرمة هذا قالوا إنه لا يوجد أي دليل شرعي يحرمه وأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعض لسان زيد بن حارثة وهم مستعدون لإيقاف هذا الفعل إذا تبين لهم دليل شرعي يحرم هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط لثبوت الحكم الشرعي أن يأتي النص عليه بعينه في آية قرآنية أو حديث نبوي، فإن المسائل والمستجدات لا نهاية لها، ولذلك جاء الشرع بقواعد عامة يدخل تحتها آلاف المسائل، ويُعرف حكمها، ومن هذه القواعد العظيمة قاعدة " سد الذرائع "، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين " تسعاً وتسعين دليلاً من الكتاب والسنة على ثبوتها وصحتها، ومعنى " سد الذرائع " أن كل ما كان وسيلة للوقوع من شيء محرم فإنه يمنع، ولو كان مباحاً من الأصل.
ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية قد أوصدت الأبواب التي تؤدي إلى الوقوع في الفاحشة – سواء كانت الزنا أو ما شذ منها كاللواط والسحاق – ومن هذه الأبواب:
تحريم نظر الرجال للنساء وعكسه، وتحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، ومصافحتها، وتحريم سفر المرأة وحدها، ومثل ذلك أيضاً: ما جاءت به الشريعة في إيصاد أبواب الفواحش الشاذة بين الذكران بعضهم مع بعض، وبين النساء بعضهن مع بعض، فحرَّمت نظر المرأة لعورة المرأة، والرجل لعورة الرجل، وحرمت النوم في فراش واحد وتحت لحاف واحد، وحرَّمت النظر والمس والتقبيل إذا كان بشهوة، حتى لو كان بين امرأة وأخرى، أو رجل وآخر.
فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) . رواه مسلم (338) .
كما جاءت أقوال العلماء واضحة بينة في هذا الباب حتى بين المحارم، فمنعوا من تقبيل الأب لابنته على فمها، ومن باب أولى منع تقبيل الأخ لأخته على فمها، فضلاً عن سائر الأقارب.
سئل الإمام أحمد يقبل الرجل ذات محرم منه؟ قال: إذا قدم من سفر ولم يخَف على نفسه.
قال ابن مفلح: ولكن لا يفعله على الفم أبدا , الجبهة أو الرأس.
" الآداب الشرعية " (2 / 256) .
فانظر تقييدات الإمام أحمد في تقبيل المحارم:
الأول: أن تكون هناك مناسبة، كسفر.
الثاني: أمن الفتنة.
وقد وضع ابن مفلح رحمه الله قيداً مهماً وهو أن لا يكون التقبيل على الفم، بل على الجبهة أو الرأس؛ لأن الفم مكان تقبيل الشهوة، وليس تقبيل العطف والأبوة والأخوة، وهو واضح لمن تأمله.
وفي " الإقناع " (3 / 156) :
" ولا بأس للقادم من سفر بتقبيل ذوات المحارم إذا لم يخف على نفسه، لكن لا يفعله على الفم، بل الجبهة والرأس " انتهى.
وفي " الموسوعة الفقهية " (13 / 130) :
" لا يجوز للرّجل تقبيل فم الرّجل أو يده أو شيء منه، وكذا تقبيل المرأة للمرأة، والمعانقة ومماسّة الأبدان، ونحوها، وذلك كلّه إذا كان على وجه الشّهوة، وهذا بلا خلاف بين الفقهاء ... .
أمّا إذا كان ذلك على غير الفم، وعلى وجه البرّ والكرامة، أو لأجل الشّفقة عند اللّقاء والوداع، فلا بأس به كما يأتي " انتهى.
فإذا كانت هذه أقوال علمائنا وأئمتنا في تقبيل ذوات المحارم كالابنة: فكيف سيجيزون تقبيل الأجنبية للأجنبية من فمها يوميّاً من غير سفر ولا طول غياب؟!
وفي جواب السؤال رقم (60351) تفصيل مهم حول حكم " التقبيل اليومي بين طالبات المدارس "، وما قيل هناك في المنع أولى أن يقال في التقبيل على الفم.
وننبه إلى أننا لم نجد الحديث المذكور في السؤال أنه كان النبي صلى الله يعض لسان زيد بن حارثة، ولا ندري مصدره.
وفي الترمذي (2732) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ.
لكنه حديث ضعيف، ضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/847)
حكم تقبيل أم الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم السلام وتقبيل أم الزوجة من خديها وعنقها في الشرع مع ذكر الأدلة على ذلك من القرأن والسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أما كشف وجهها له فجائز بلا خلاف. وأما تقبيلها فلا يجوز أن يقبلها مع فمها لما فيه من محذور ثوران الشهوة، وإن قبّل رأسها أو جبهتها احتراماً لها عند مناسبة قدوم من سفر ونحوه مع أمن ثوران الشهوة فلا بأس. والله أعلم.
فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى المرأة المسلمة ج/2 ص/721(7/848)
حكم تقبيل البنت والولد على الفم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الأب لا يقبل ابنته في فمها ولا الأم ابنها في فمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
هذا صحيح، فلا ينبغي للرجل أن يقبل أمه على فمها ولا ابنته وكذلك الأخ لا يقبل أخته ولا عمته ولا خالته ولا أحد من محارمه، فتقبيل الفم خاص بالزوج، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 241(7/849)
ما حكم تقبيل يد الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقبيل يد غيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب تقبيل أيدي الصالحين وفضلاء العلماء ويكره تقبيل يد غيرهم، ولا يقبل يد أمرد حسنٍ بحال. انتهى من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 71
وفي حاشية الكتاب: فإذا أراد تقبيل يد غيره إذا كان ذلك لزهده، وصلاحه، أو علمه وشرفه، وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يكره، بل يستحب لأن أبا عبيدة قبّل يد عمر رضي الله عنهما.
وإن كان لغناه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فهو مكروه شديد الكراهة.
وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز. فأشار إلى أنه حرام.
رُوينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله تعالى عنه وكان في وفد عبد قيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجلَه.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي تعليق الحجار ص 71(7/850)
هل يردُّ السلام على طائر الببغاء؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[في بيت جدِّي " ببغاء " حقيقي، إذا مررتُ بجانبه يلقي عليك السلام، فيقول: " السلام عليكم "، ففي هذه الحالة هل يجب عليَّ رد السلام على هذا الطائر؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قال الفيومي رحمه الله:
البَبْغَاءُ:
طائر معروف، والتأنيث للفظ لا للمسمَّى، كالهاء في حمامة، ونعامة، ويقع على الذكر والأنثى، فيقال: " بَبْغَاءُ " ذكر، و" ببْغَاءُ " أنثى، والجمع: " بَبْغَاوَاتٌ "، مثل صحراء وصحراوات.
" المصباح المنير في غريب الشرح الكبير " (1 / 35) .
ثانياً:
الذي يظهر: أنه لا يشرع رد السلام على " الببْغاء " - وقد تُشَدَّدُ الباءُ الثانيةُ - التي تعلَّم إلقاء السلام؛ لأن السلام عبادة، ودعاء، يحتاج لقصد من قائله، ولا قصد لذلك الحيوان المعلَّم، فيمتنع الرد عليه، وحكمه حكم الشريط الذي يسجَّل عليه سلام قائله، فيُسمع، فهو حكاية صوت، وليس له حكم السلام إن كان من صاحبه على الهواء مباشرة؛ فإنه يردُّ عليه وجوباً كفائيّاً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أحياناً يكون – أي: السلام - مسجَّلاً، ويضعونه على الشريط، ويسحبون عليه، إن كان مسجَّلاً: فلا يجب أن ترد؛ لأن هذا حكاية صوت ... .
" لقاء الباب المفتوح " (229 / 28) .
وانظر تتمة الفتوى، وتفصيل المسألة في جواب السؤال رقم: (128737) .
وعليه: فطائر " الببغاء " لا يقصد السلام؛ لأنه لا عقل له، وما يقوله من ألفاظ فهي ترداد مجرد لما يتعلمه، غير مراد منه، وفيه يقول الشاعر:
ملأ الأرض هتافًا بحياة قاتليه ... يا له من ببغاء عقله في أذنيه
وقد صرح بعض أهل العلم بعدم مشروعية السجود، في حال سُمعت الآية من " ببغاء "، أو سمعت من شريط تسجيل.
وفي نتائج كتاب " بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي " للأستاذ علي بن ذريان بن فارس الحسن العنزي – طبعة دار المنار في الكويت -:
" لا يسجد السامع بسماع سجدة التلاوة من غير الآدمي، كالطيور المعلَّمة، مثل " الببغاء "، وكسماعها مِن الصدى ". انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/851)
التسليم بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنة هو الأفضل والأكمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الجائز أن ألقي السلام بصيغ متعددة؟ أي: أن صيغة السلام ليست مقتصرة على " السلام عليكم ورحمة الله ". مثلاً: هل يجوز: "سلام عليكم من ربّ غفور رحيم" أو: "بسم الرب الأعظم أبدأ الكلام.. وعلى نبيه الكريم أرسل السلام"؟ والسبب: أني وجدتهما في منتدى واحترت فيهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت صيغ متنوعة لإلقاء السلام في الكتاب والسنة، فلا حرج على المسلم أن يختار منها ما يشاء، غير أن الأفضل له أن يختار أكملها وأفضلها حتى يكون ذلك أكثر لثوابه.
وانظري بعض هذه الصيغ في جواب السؤال رقم (132956) و (128338) .
وإلقاء السلام ورده ـ بلا شك ـ من العبادات التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بها، والحكم في العبادات: أنه لا يجوز تغيير ألفاظها ولا كيفياتها عما وردت به النصوص.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"الأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/87) .
ولماذا يعدل المسلم عن الألفاظ النبوية والهدي النبوي إلى غيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم (867) .
والسلام شرعه الله تعالى لآدم عليه السلام وذريته إلى قيام الساعة، بل تستمر تحية المؤمنين: "السلام"، حتى بعد دخول الجنة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى لما خلق آدم قَالَ له: (اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ - وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ - فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. قَالَ: فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) ، فالسلام تحية آدم وذريته.
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (989) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض، فأفشوا السلام بينكم) وحسنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (764) .
وأما في الآخرة:
فقد قال الله تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) إبراهيم/23.
وقال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الزمر/73، وقال سبحانه: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/23، 24.
فإذا كان الأمر كذلك فالذي ينبغي عدم تغيير ألفاظ هذه العبادة، ولا الزيادة عليها، فهي سنة الأنبياء والمرسلين، وهي شعار المؤمنين من جميع الأمم.
أما الصيغتان الواردتان في السؤال، فالأولى:
" سلام عليكم من ربّ غفور رحيم ":
فإذا قال هذا مرة أو مرتين فلا بأس به، مع اعتقاد أن اللفظ النبوي أفضل، أما أن يتخذ ذلك شعاراً، ويداوم عليه، فأقل ما يقال فيه: إنه مكروه، لما فيه من المداومة على مخالفة السنة، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وينبغي أن يكون قصد المُسَلِّم بهذا: الدعاء لمن سلَّم عليهم بأن الله تعالى الرب الغفور الرحيم يسلمهم، ويكتب لهم السلامة.
أما إذا كان قصده الاقتداء بقوله تعالى: (أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يس/55 ـ 58، فهذا خطأ في فهم الآية، لأن معنى الآية: أن هذا السلام الحاصل لأهل الجنة، هو من الله تعالى الرب الرحيم، فالله تعالى هو الذي يسلم على أهل الجنة.
وانظر: "تفسير ابن كثير" (3/754) ، و "تفسير السعدي" (ص 821) .
الصيغة الثانية التي وردت في السؤال: قول القائل: "بسم الرب الأعظم أبدأ الكلام، وعلى نبيه الكريم أرسل السلام".
فهذه ليست من صيغ السلام المشروع إفشاؤه بين الناس، وليس فيها: التسليم على الناس، إنما فيها إرسال السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك، فقوله: "وعلى نبيه الكريم أرسل السلام"، محل نظر.
فإنه لا يقال: أُرسل السلام إلى رسول الله، وأبعث بالسلام إلى رسول الله، ونحو ذلك.
وإنما يقال: السلام على رسول الله، أو: اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، كما يقال في التشهد في الصلاة: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .
ثم الاقتصار على السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط فيه نظر آخر، فإن الله تعالى أمرنا بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب/56.
ولهذا قال النووي رحمه الله:
"إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل: "صلى الله عليه فقط" ولا: "عليه السلام" فقط" انتهى.
"الأذكار" (ص 107) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/852)
حكم إلقاء السلام على الحضور في مجلس العلم ومقاطعة المتحدث
[السُّؤَالُ]
ـ[أذكر قديما عندما كنت طالبا في الثانوية أن طالبا دخل على معلم اللغة العربية وكان الطالب متأخرا عن الحصة ودخل بعد بدء المعلم بشرح الدرس، فدخل الطالب وألقى السلام بصوت عالي عند دخوله، فغضب المعلم وقال بأن هذا التصرف (وهو إلقاء السلام حين الشروع في الشرح) ليس من آداب طلب العلم وإذا دخلت مرة أخرى والمعلم يشرح اجلس مكانك ولا تقاطعنا بإلقاء السلام.. فما حكم هذا القول وهل يصح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرع الله تعالى لعباده المسلمين السلام تحية بينهم، وهو تحية أهل الجنة، بثا للمودة والمحبة في قلوبهم، وروى مسلم (54) في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) .
قال النووي رحمه الله:
" فِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاء السَّلَام وَبَذْله لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ; مَنْ عَرَفْت , وَمَنْ لَمْ تَعْرِف , كَمَا فِي الْحَدِيث الْآخَر. وَالسَّلَامُ أَوَّل أَسْبَاب التَّأَلُّف , وَمِفْتَاح اِسْتِجْلَاب الْمَوَدَّة. وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكَّنُ أُلْفَة الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ , وَإِظْهَار شِعَارهمْ الْمُمَيِّز لَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَة النَّفْس , وَلُزُوم التَّوَاضُع , وَإِعْظَام حُرُمَات الْمُسْلِمِينَ " انتهى.
ولمزيد الفائدة عن فضل السلام وإفشائه، راجع إجابة السؤال رقم: (4596) .
والأمر بإفشاء السلام يقتضي بعمومه: استحبابه في كل موطن، إلا ما دل الدليل على خلافه.
وقد اختلف العلماء في استحباب إلقاء السلام لمن دخل إلى مجلس علم، فذكر ابن جماعة في كتابه "تذكرة السامع" (ص 146) عن بعض العلماء أن مجالس العلم من المواضع التي لا يُسلم فيها، ولكن اختار ابن جماعة أنه يسلم فيها، وأن هذا جرى عليه العرف والعمل.
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله:
" إذا دخل الطالب على الراوي فوجد عنده جماعة فيجب أن يعمهم بالسلام " انتهى.
"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/171) .
وروى الخطيب عن الحسن رحمه الله قال: " تجب للعالم ثلاث خصال: تخصه بالتحية، وتعمه بالسلام مع الجماعة، ولا تقل يا فلان، تقول يا أبو فلان، وإذا قرأ فملّ لا تضجره ".
"الجامع" (2 / 72) .
وذهب جماعة من أهل العلم إلى كراهة إلقاء السلام على مجالس العلم والتحديث؛ لما قد يحصل بسبب ذلك من تشويش، وخاصة للمستملي والكاتب، فقد يحصل بسبب التشويش تصحيف أو غلط في الكتابة أو السماع ونحو ذلك.
قال العلامة السفاريني رحمه الله:
" يُكْرَهُ السَّلامُ عَلَى جَمَاعَةٍ , مِنْهُمْ: ... وَعَلَى تَالٍ , وَذَاكِرٍ , وَمُلَبٍّ , وَمُحَدِّثٍ , وَخَطِيبٍ , وَوَاعِظٍ , وَعَلَى مُسْتَمِعٍ لَهُمْ، وَمُكَرِّرِ فِقْهٍ , وَمُدَرِّسٍ , وَبَاحِثٍ فِي عِلْمٍ , وَمُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ , وَمَنْ عَلَى حَاجَتِهِ , وَمُتَمَتِّعٍ بِأَهْلِهِ , أَوْ مُشْتَغِلٍ بِالْقَضَاءِ , وَنَحْوِهِمْ" انتهى.
"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" (1 / 217)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا دخل إنسان مجلس علم أو عطس في مجلس العلم نفسه هل يلقي السلام بصوت مرتفع أو يحمد الله بصوت مرتفع أم بصوت منخفض؟
فأجاب:
" إذا كان يشوش على الحاضرين فلا يرفع صوته، يجلس وإذا انتهى المجلس يسلم، وإن كان لا يشوش بمعنى: أن الناس اعتادوا هذا، وأنه إذا سلم رد عليه أحدهم فلا بأس.
وكذلك العطاس لا أرى أن يحرج القوم فيحمد الله برفع صوته؛ لأنه سيحرجهم، إن قلنا: بأن تشميت العاطس فرض عين معناه: كل الناس ـ ألف نفر مثلاً يستمعون ـ كلهم يقولون: - إذا قلنا إنه فرض عين - يرحمك الله، ألف صوت، وهذا محرج ومسبب لتشويش المجلس، يحمد الله خفية، ويثيبه الله عز وجل على حمده " انتهى.
والخلاصة:
لا بأس بإلقاء السلام على أهل مجالس العلم عند القدوم عليهم، إذا لم يؤد ذك إلى التشويش عليهم؛ فإن دخول أكثر من شخص، ورفع صوتهم بالسلام مما قد يشغل المدرس والطالب، وخاصة أن الطلبة يتوافدون إلى مجالس العلم تباعا.
وإذا كان المدرس أو الشيخ يرى عدم مشروعية إلقاء السلام في مجلسه لهذه العلة ونحوها فينبغي للطالب ألا يخالف أستاذه في هذا،؛ لأن المجلس مجلسه، وهو أعلم بحال نفسه وحال طلبته وتلاميذه، فقد يشغله كثرة السلام عليه وعلى الحضور، فيقل تركيزه، ويعرضه للخطأ، وخاصةً: أن له في ذلك سلفاً من العلماء المتقدمين القائلين بالمنع من إلقاء السلام في هذه الحالة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/853)
حكم زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند إلقاء السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت من يقولون السلام: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) بصيغة جديدة تحتوي الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مبنى العبادات على التوقيف أي: أننا نقف على وردت به النصوص، ولا نزيد على ما ورد به الشرع، ولا نغيره، وقد علَّم الرسول صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب دعاء يقوله عند النوم، فقال له: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ)
قَالَ البراء: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ قُلْتُ: (وَرَسُولِكَ) قَالَ: (لَا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) البخاري (247) ومسلم (2710) .
فأنكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم تغيير لفظ (نبيك) بلفظ (رسولك) .
قال النووي رحمه الله:
"وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْره أَنَّ سَبَب الْإِنْكَار: أَنَّ هَذَا ذِكْر وَدُعَاء , فَيَنْبَغِي فِيهِ الِاقْتِصَار عَلَى اللَّفْظ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ , وَقَدْ يَتَعَلَّق الْجَزَاء بِتِلْكَ الْحُرُوف , وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَات , فَيَتَعَيَّن أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا , وَهَذَا الْقَوْل حَسَن" انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" الأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 87) .
فالذي ينبغي هو التقيد بألفاظ السلام الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الزيادة عليها، حتى لا يقع المسلم في الابتداع في الدين.
وزيادة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عند السلام تشبه زيادتها بعد العطس وحمد الله، وقد أنكرها ابن عمر رضي الله عنهما.
روى الترمذي (2738) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ولا زال المسلمون في كل عصر يسلم بعضهم على بعض السلام المعهود المعروف، من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا.
فروى البخاري (3326) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ - وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ - فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. قَالَ: فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله ألفاظ السلام، ولم يذكروا معها الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلمهم أن ذلك زيادة على ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون بدعة مذمومة.
وانظر كتاب "الأذكار" للنووي رحمه الله ص 216 – 231.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن كل جمعة وهو على المنبر أن (خَيُْ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم (867) .
فليس هناك أفضل مما شرعه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذي ينبغي هو تعليم هؤلاء السنة وحثهم على التمسك بها وعدم الزيادة عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/854)
كيف تتم مخاطبة الشركات الأجنبية حين مراسلاتها، حيث لا يمكن بدؤها بالسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الإجابة على السؤال 131191 أنه يحرم مناداة الكافر بالألقاب الواردة في السؤال، ولله الحمد نحن على قناعة تامة بتحريم التودد ومخاطبة الكافر بما ورد، ولكننا نتعامل في مخاطباتنا في الرسائل المرسلة للشركات الأجنبية بالعبارات المتعارف عليها في الخطابات الإنجليزية مثل (Dear Sir) أو (Dear phil) وما إلى ذلك مما أصبح متعارفا عليه فإذا كانت هذه الصيغة محرمة، فما هي الصيغة غير المحرمة لمخاطبة غير المسلم، وإذا كان المخاطب مجهول الديانة مثل لو أننا نخاطب شركة للمرة الأولى فكيف تكون الصيغة كتابة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (2167) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ) .
وروى أبو داود (4977) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيه رضي الله عنهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدٌ؛ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي حكم المنافق: الكفار واليهود والنصارى ومن لا يتدين بدين وأشباههم.
ولما راسل النبي صلى الله عليه وسلم هرقل وهو يدعوه إلى الإسلام قال: (سلام على من اتبع الهدى) متفق عليه.
قال الحافظ: " فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يُبْدَأ الْكَافِر بِالسَّلَامِ؟ فَالْجَوَاب: أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: لَيْسَ الْمُرَاد مِنْ هَذَا التَّحِيَّة , إِنَّمَا مَعْنَاهُ سَلِمَ مِنْ عَذَاب اللَّه مَنْ أَسْلَمَ. وَلِهَذَا جَاءَ بَعْده أَنَّ الْعَذَاب عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى. وَكَذَا جَاءَ فِي بَقِيَّة هَذَا الْكِتَاب " فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إِثْم الْأَرِيسِيِّينَ ". فَمُحَصَّل الْجَوَاب: أَنَّهُ لَمْ يَبْدَأ الْكَافِر بِالسَّلَامِ قَصْدًا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظ يُشْعِر بِهِ , لَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الْمُرَاد لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ اِتَّبَعَ الْهُدَى فَلَمْ يُسَلِّم عَلَيْهِ " انتهى.
وعلى هذا؛ لا تجوز مخاطبة غير المسلم بمثل: (Dear Sir) لما تقدم في حديث أبي داود.
ويمكن مخاطبة هذه الشركات بمثل: المهندس مدير شركة كذا، أو رئيس هيئة كذا، أو المحاسب الفلاني، أو الدكتور الفلاني، ونحو ذلك.
وإذا كان المخاطب مجهول الملة والديانة فإنه يُتعامل معه حال مخاطبته بغالب الظن: فإن غلب على الظن إسلامه شرع بدؤه بالسلام، وإن غلب على الظن عدم إسلامه لم يبدأ بالسلام ولا بغيره مما فيه تعظيمه.
ويمكن الاعتماد في هذا على غالب أهل البلد الموجود فيه الشركة، هل هم مسلمون أم لا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/855)
أفضل صيغ إلقاء السلام ورده
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن طريقة السلام، ورد السلام، كما ورد عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهل ورد هذا الرد: " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته "؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
للمسلم أن يقتصر في إلقاء السلام على قول: (السلام عليكم) وإن زاد: (ورحمة الله) فهو أفضل، وإن زاد على ذلك: (وبركاته) فهو أفضل وأكثر خيراً.
وللمُسَلَّم عليه أن يقتصر في رد السلام بالمثل، وإذا زاد فهو أفضل، لقول الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النساء/86.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ [غرفة مرتفعة] فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَيَدْخُلُ عُمَرُ؟ رواه أبو داود (5203) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وروى الترمذي (2721) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليكم، فردَّ عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَشْرٌ) [يعني عشر حسنات] ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردَّ عليه فجلس، فقال: (عِشْرُونَ) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: (ثَلاَثُونَ) . رواه أبو داود (5195) والترمذي (2689) ، وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَذَا جِبْريلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمُ) قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. رواه البخاري (3045) .
قال النووي - في باب كيفية السلام -:
يستحب أن يقول المبتدئ بالسلام: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، فيأتي بضمير الجمع، وإن كان المسلَّم عليه واحداً.
ويقول المجيب: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، فيأتي بواو العطف في قوله: "وعليكم".
"رياض الصالحين" (ص 446) .
وأما زيادة "ومغفرته": فقد جاءت في بعض الأحاديث، في إلقاء السلام، وفي رده، غير أنها لا تصح، ومن هذه الأحاديث الواردة في ذلك:
1- عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ... بمعنى حديث عمران المتقدم وفيه زيادة: أن رجلاً رابعاً دخل فقال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَرْبَعُون. ثم قال: هكذا تكون الفضائل) رواه أبو داود (5196) وقد ضَعَّفَ هذا الحديث بزيادة "ومغفرته": ابن العربي المالكي، والنووي، وابن القيم، وابن حجر، والألباني، رحمهم الله.
قال ابن القيم رحمه الله:
"ولا يثبت هذا الحديثُ؛ فإن له ثلاث علل:
إحداها: أنه من رواية أبى مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، ولا يُحتج به.
الثانية: أن فيه أيضاً سهلَ بن معاذ، وهو أيضا كذلك.
الثالثة: أن سعيد بن أبى مريم أحدَ رواته لم يجزم بالرواية، بل قال: أظنُّ أنى سمعتُ نافع بن يزيد" انتهى.
"زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/417، 418) .
وانظر "السلسلة الضعيفة" (5433) .
2- وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يمُر بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رسول الله، فيقولُ له النبيُّ صَلى الله عَليه وسلم: (وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه وَمَغْفِرَتُه وَرضْوَانُه) فقيل له: يا رسول الله، تُسَلِّم على هذا سلاماً ما تُسلِّمه على أحدٍ من أصحابك؟ فقال: (ومَا يَمْنَعُني مِنْ ذلِكَ وَهُوَ يَنْصَرِفُ بِأَجْرِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً) ، وكَانَ يَرْعَى عَلَى أصْحَابِهِ. رواه ابن السنِّي في "عمل اليوم والليلة" (235) . وهو حديث ضعيف جدّاً، ضَعَّفَه ابن القيم في "زاد المعاد" (2/418) ، وضعفه الحافظ ابن حجر بقوله:
وأخرج ابن السني في كتابه بسند واهٍ من حديث أنس قال: كان رجل يمرُّ ... .
"فتح الباري" (11/6) .
3- وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كنَّا إذا سلّم النبي صلى الله عليه وسلم علينا قُلنا: (وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته) رواه البيهقي في " شُعَب الإيمان " (6 / 456) ، وضعفه بقوله: وهذا إن صحَّ قلنا به، غير أن في إسناده إلى شعبة من لا يحتج به.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وأخرج البيهقي في " الشعب " بسند ضعيف أيضاً من حديث زيد بن أرقم ... فذكره" انتهى.
"فتح الباري" (11/6) .
وعلى هذا، فأكمل صيغة ثبتت في إلقاء السلام: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، وأفضل صيغة في الرد: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/856)
حكم السلام على المسلم بـ "السلام على من اتبع الهدى"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السلام على المسلم بهذه الصيغة "السلام على من اتبع الهدى"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز أن يسلم الإنسان على المسلم بقوله: "السلام على من اتبع الهدى"، لأن هذه الصيغة إنما قالها الرسول صلى الله عليه وسلم حين كتب إلى غير المسلمين، وأخوك المسلم قل له: "السلام عليكم". أما أن تقول: "السلام على من اتبع الهدى" فمقتضى هذا أن أخاك هذا ليس ممن اتبع الهدى، وإذا كانوا مسلمين ونصارى فإنه يسلم عليهم بالسلام المعتاد يقول: السلام عليكم، يقصد بذلك المسلمين" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى العقيدة" (صـ 237) .
وانظر جواب السؤال رقم (105399) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/857)
حكم إلقاء السلام ورده لمن دخل الحمامات العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الخطأ رد السلام في الحمامات العامة بالرغم من أن الشخص قد لا يكون في هذه الحالة يقضي حاجته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق الفقهاء على كراهة إلقاء السلام على من هو في حال قضاء الحاجة، كما تكره إجابته أيضا.
فعن أبي الجهم الأنصاري رضي الله عنه قال: (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه البخاري (رقم/337) ، ومسلم (رقم/369) .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. رواه مسلم (رقم/370) .
وعَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ) رواه أبو داود (17) وصححه ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/205) ، والألباني في "صحيح أبي داود".
وقال ابن الهمام الحنفي رحمه الله:
" أجمعوا أن المتغوط لا يلزمه الرد في الحال ولا بعده؛ لأن السلام عليه حرام , بخلاف من في الحمام إذا كان بمئزر" انتهى.
" فتح القدير " (1/248) .
وقال النووي رحمه الله:
"قال أصحابنا: يكره السلام عليه [يعني: الذي يقضي حاجته] ، فإن سلم لم يستحق جواباً، لحديث ابن عمر والمهاجر" انتهى.
"الأذكار" (ص/27) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/11) :
"ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلام على المتغوط , وكره ذلك الحنفية أيضا , قال ابن عابدين: ويراد به ما يعم البول , قال: وظاهره التحريم " انتهى باختصار.
وبناء عليه: فمن دخل الحمامات العامة فلم يجد أحدا يتوضأ عند المغاسل فيكره له إلقاء السلام على من بداخل الغرف المعدة لقضاء الحاجة، أما إن وجد بعضهم قد أنهى حاجته، وشرع في الوضوء أو غسل اليدين في الأماكن المعدة لذلك: فلا حرج أن يسلم على هؤلاء، ويجب عليهم أن يردوا السلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/858)
هل يلزم الرد على المذيع إذا سلم في التليفزيون أو الإذاعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سلم مقدم البرامج في التلفزيون والإذاعة هل نأثم بعدم ردنا السلام في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان البث على الهواء مباشرة شرع رد السلام؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب رد السلام على المسلم، لكنه وجوب كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
أما إذا كان مسجلاً، فلا يجب الرد في هذه الحالة.
قال النووي في "الأذكار" (ص 247) :
" قال الإمام أبو سعد المتولي وغيره: إذا نادى إنسان إنسانا من خلف ستر أو حائط فقال: السلام عليك يا فلان، أو كتب كتابا فيه: السلام عليك يا فلان، أو السلام على فلان، أو أرسل رسولاً وقال: سلم على فلان، فبلغه الكتاب أو الرسول، وجب عليه أن يرد السلام. وكذا ذكر الواحدي وغيره أيضا أنه يجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه السلام "
انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
إذا قال الكاتب في مقاله في الصحيفة أو المجلة , أو المؤلف في كتابه , أو المذيع في الإذاعة أو التلفاز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , فهل يلزم السامع له الرد عليه من باب أن رد السلام واجب؟
فأجاب:
" رد السلام في مثل هذا من فروض الكفاية ; لأنه يسلم على جم غفير فيكفي أن يرد بعضهم , والأفضل أن يرد كل مسلم سمعه لعموم الأدلة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (9/396) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان:
إذا سلَّم المذيع في التليفزيون أو الإذاعة أو سلَّم الكاتب في المجلة، فهل يجب رد السلام والحالة هذه؟
فأجاب:
" يجب رد السلام إذا سمعه الإنسان مباشرة، أو بواسطة كتاب موجه إليه، أو بواسطة وسائل الإعلام الموجهة إلى المستمعين؛ لعموم الأدلة في وجوب رد السلام " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (63/8) .
وقد توقف الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في القول بوجوب رد السلام، نظراً لأن المسلِّم لا يسمع الرد، غير أنه قال: إنه يرد احتياطا.
فقد سئل رحمه الله:
ما حكم لو سمع المسلم إلقاء المذيع أو الشيخ السلام هل يجب عليه رد السلام؟
فقال الشيخ: هل هو صوت مباشر؟
السائل: نعم، هو يسمع من الإذاعة الشيخ أو المذيع.
الشيخ: أحياناً يكون مسجلاً ويضعونه على الشريط ويسحبون عليه، إن كان مسجلاً فلا يجب أن ترد؛ لأن هذا حكاية صوت، أما إذا كان غير مسجل وهو مباشر فهذا قد أقول بالوجوب وقد لا أقول، أما إذا قلت بالوجوب فالأصل أن هذا سلم إلى كل من يصل إليه خطابه فيجب أن يرد عليه، وأما إذا قلت بعدم الوجوب فلأن المسلِّم لا يسمع الإجابة، ولا يتوقعها أيضاً، حتى المسلِّم في الإذاعة لا يتوقع أن الناس يردون عليه، ولكن الاحتياط أن نرد السلام فيقول: وعليك السلام.
السائل: هذا الأحوط يا شيخ؟
الشيخ: هذا الأحوط، وليس بواجب " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (229/28) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/859)
أقل صيغة لإلقاء السلام ورده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أقل قدر في إفشاء السلام، فأنا أعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم المتعلق بذلك أن من قال السلام عليكم فله عشر حسنات وهكذا.. وعليه فأقل سلام هو أن يقول الشخص السلام عليكم، سؤالي: هل يجوز أن نقول " سلام" فقط؟ وهل يؤجر الشخص على ذلك؟ وهل يرد السلام بقوله وعليكم السلام أو وعليكم السلام ورحمة الله أم أنه يكفيه أن يقول " وعليكم"؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إفشاء السلام بين المسلمين من شعائر الإسلام الظاهرة، وهو من مكارم الأخلاق ومعاليها، ومن أعظم أسباب التحاب والتآخي بين المسلمين.
روى مسلم (54) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) .
قال النووي رحمه الله:
" َفِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاء السَّلَام وَبَذْله لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ; مَنْ عَرَفْت , وَمَنْ لَمْ تَعْرِف. وَالسَّلَامُ أَوَّل أَسْبَاب التَّأَلُّف , وَمِفْتَاح اِسْتِجْلَاب الْمَوَدَّة. وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكَّنُ أُلْفَة الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ , وَإِظْهَار شِعَارهمْ الْمُمَيِّز لَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَة النَّفْس , وَلُزُوم التَّوَاضُع , وَإِعْظَام حُرُمَات الْمُسْلِمِينَ " انتهى.
فالمقصود من إفشاء السلام نشر المحبة بين الناس، فعلى من يلقي السلام على أخيه المسلم أن يسلم سلاماً حسناً، بوجه طلق، وعلى من يرد السلام أيضاً أن يرد رداً حسناً، حتى يحصل المقصود وهو المحبة والتآلف بين المسلمين.
وأقل صيغة يحصل بها السلام هي أن يقول المُسَلِّم: "سلام"، وللمجيب في هذه الحالة أن يجيب بقوله: "سلام".
قال الله تعالى عن ضيف إبراهيم المكرمين من الملائكة: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ) الذاريات/25.
قال النووي رحمه الله في "الأذكار" (ص245) :
"قال الإمام أبو الحسن الواحدي من أصحابنا: "أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار، قلت: ولكن الألف واللام أولى " انتهى.
فالأفضل الإتيان بالسلام مبتدئا أو رادا بالألف واللام، فيقول: السلام عليكم عند الابتداء، ويقول: وعليكم السلام عند الرد.
ثانياً:
أما رد السلام فيكون بمثل السلام أو أحسن منه، قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النساء/86.
وأما الاقتصار في رد السلام على: " وعليكم ": ففيه قولان لأهل العلم:
قال النووي في "الأذكار" (ص/244-245) :
" قال أصحابنا: فإن قال المبتدئ: السلام عليكم، حصل السلام، وإن قال: السلام عليك، أو سلام عليك، حصل أيضا.
وأما الجواب فأقله: وعليك السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم السلام أجزأه ذلك وكان جواباً، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه إمامنا الشافعي رحمه الله في " الأم "، وقاله جمهور أصحابنا ...
واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب: عليكم، لم يكن جواباً، فلو قال: وعليكم بالواو، فهل يكون جواباً؟ فيه وجهان لأصحابنا " انتهى.
وذكر ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/340، 341) أن علماء الحنابلة اختلفوا أيضاً في إجزاء الرد بلفظ: "وعليك"، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية اختار أنه يجزئ، لأن تقدير الكلام: وعليكم السلام، وبهذا تتم الجملة.
وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على إجزاء الرد بـ: "وعليكم".
روى البخاري في "الأدب المفرد" (1023) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة بين مكة والمدينة - إذ جاء أعرابي من أجلف الناس وأشده، فقال: السلام عليكم. فقالوا: وعليكم. صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (791) .
والأفضل أن لا يقتصر المجيب على قوله: (وعليكم) لأن هذا الرد إنما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عند الرد على أهل الكتاب، فقال: (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ) رواه البخاري (6258) ومسلم (2163) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/860)
استشكل فتوى جواز قول تحياتي مع كلام للشيخ بكر أبو زيد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الفتوى رقم: (47951) و (34684) وقد أشكل عليَّ مع ما قال الشيخ بكر حفظه الله. وقد قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله في كتابه " معجم المناهي اللفظية ": تحياتي لفلان: لأبي طالب محمد بن علي الخيمي المنعوت بالمهذب، المتوفى سنة 642 هـ رسالة باسم: " شرح لفظة التحيات " في (ص 50) جاء فيها ما نصه: (فأما لفظ " التحيات " مجموعاً: فلم أسمع في كتاب من كتب العربية أنه جُمع إلا في جلوس الصلوات، إذاً لا يجوز إطلاق ذلك لغير مَن له الخلق والأمر، وهو الله تعالى؛ لأن الملك كله بيد الله، وقد نطق بذلك الكتاب العزيز: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) الآية إلى آخرها. والذي سطره أهل اللغة إنما يعبرون عن التحية الواحدة، ولم ينتهوا لجمعه دون إفراده؛ إذ كان ذلك من ذخائر الإلهام لقوم آخرين فهموا عن الله تعالى كتابه فنقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شريعته......) ا. هـ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يُعلم أن تحية الإسلام هي " السلام عليكم "، ولا يجوز العدول عنها إلى غيرها مما يحيي الناس بعضهم به.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ) .رواه البخاري (5873) ومسلم (2841) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ) .
رواه مسلم (2162) .
ثانياً:
لا مانع من استعمال لفظ " تحياتي " بعد الانتهاء من الكلام، أو في آخر الرسائل، أو بعد إلقاء السلام، فالتحية في اللغة ـ في أشهر معانيها ـ هي السلام.
قال في القاموس (1649) : " والتحية: السلام، وحياه تحية، والبقاء، والملك ".
وقال نحوه صاحب لسان العرب (2/1078) .
فإن كان لفظ التحية مفردا، نحو: اقبل تحيتي، أو: لك تحيتي، ونحو ذلك؛ فهذا لا إشكال فيه، ولا يمنع منه الشيخ بكر، حفظه الله، كما هو واضح من كلامه، ولا نعلم غيره من أهل العلم كرهه أو منع منه.
وأما إن كان لفظ التحية بصيغة الجمع، نحو: لك تحياتي، أو نحو ذلك، فهذا هو الذي يظهر أن الشيخ بكر ـ حفظه الله ـ يمنع منه.
وأما من رخص في استعمال لفظ التحيات، حتى بصورة الجمع، كما ذهبنا إليه في الأجوبة السابقة، فإنما مراده الترخيص في هذا الجمع، مضافا إلى قائله: تحياتي، أو: تحياتنا، أو نحو ذلك. ومعنى ذلك: أنه ليس لهذا من التحية إلا ما أهديه إليه، أو ما أملكه أنا وأستطيعه، وأما التحية العامة المطلقة، من أهل السماء وأهل الأرض، فإنما هي لله وحده، كما يدل عليه لفظ التحيات المجموع من غير إضافة: التحيات لله. فإضافة التحيات للقائل هي من علامات تخصصها وقصورها، وأما العموم فهو لله وحده.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
التحيات: جمع تحيَّة، والتحيَّة هي: التَّعظيم، فكلُّ لَفْظٍ يدلُّ على التَّعظيم: فهو تحيَّة، و" الـ " مفيدة للعموم، وجُمعت لاختلاف أنواعها، أما أفرادها: فلا حدَّ لها، يعني: كُلَّ نوع من أنواع التَّحيَّات: فهو لله، واللام هنا: للاستحقاق، والاختصاص؛ فلا يستحقُّ التَّحيَّات على الإطلاق إلا الله، ولا أحد يُحَيَّا على الإطلاق إلا الله، وأمَّا إذا حَيَّا إنسانٌ إنساناً على سبيل الخصوص: فلا بأس به.
لو قلت مثلاً: لك تحيَّاتي، أو لك تحيَّاتُنَا، أو مع التحيَّة: فلا بأس بذلك، قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النساء/ 86، لكن التَّحيَّات على سبيل العموم والكمال: لا تكون إلا لله.
فإذا قال قائل: هل اللَّهُ بحاجة إلى أن تحييه؟ .
فالجواب: كلَّا؛ لكنه أهْلٌ للتعظيم، فأعظِّمه لحاجتي لذلك لا لحاجته لذلك، والمصلحة للعبد، قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) الزمر/ 7.
" الشرح الممتع " (3 / 146، 147) .
على أننا ننبه أخانا السائل الكريم إلى أننا إذا تبنينا قولا، أو فتوى في مسألة، أو ذكرنا قولا لعالم، فليس معنى ذلك أن كل العلماء يقول بذلك، أو أن أحدا من أهل العلم لا يخالف في هذه المسألة، بل ما زال أهل العلم يختلفون فيما هو أظهر من ذلك، وفيما هو أكبر من ذلك، وإنما الذي يشكل على قول العالم، أو فتوى المفتي، هو أن يخالف نصا شرعيا، أو دليلا ثابتا في المسألة التي يتكلم فيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/861)
متى تأخذ الفتاة الصغيرة حكم البالغة بالنسبة للرجال الأجانب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للفتيات الصغار، متى لا نسلم عليهن، ونغض أبصارنا عنهن، عند أي سن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم على حرمة النظر إلى الفتاة الصغيرة ومصافحتها إن صاحب ذلك شهوة ولذة.
أما مع عدم الشهوة فقد ضبط بعض الفقهاء الأمر ببلوغ الفتاة حدًّا تُشتهى به في العادة، فإن بلغت هذا الحد حرم النظر إليها ومصافحتها، وإن لم تبلغ حداً تشتهى فيه فلا حرج من مصافحتها والنظر إليها، وهذا مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية.
وضبط الحنفية والحنابلة - في المعتمد عندهم - الأمرَ إلى سن العاشرة، فقالوا إذا بلغت الصغيرة سنَّ العاشرة أصبحت عورتها كعورة الحرة البالغة، ولا يجوز النظر إليها ولا لمسها ومصافحتها.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (31/52) :
" يرى الحنفية أنه إلى عشر سنين يعتبر في عورته – الصغير والصغيرة - ما غلظ من الكبير، وتكون عورته بعد العشر كعورة البالغين.
ويرى المالكية (أن) المشتهاة عورتها كعورة المرأة بالنسبة للنظر والتغسيل.
والأصح عند الشافعية حل النظر إلى صغيرة لا تشتهى؛ لأنها ليست مظنة الشهوة، إلا الفرج فلا يحل النظر إليه.
والحنابلة قالوا – إن كان الصغير أنثى في العاشرة من عمرها – فعورتها بالنسبة للأجانب من الرجال جميع بدنها " انتهى بتصرف.
وانظر: "حاشية ابن عابدين" (1/407، 408) ، "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي (1/285) ، "مغني المحتاج" (3/130) ، "حاشية العدوي" (1/185، 336) ، "كشاف القناع" (1/266) ، "المغني" (7/462) .
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بأنها تأخذ حكم الكبيرة إذا بلغت حداً تشتهى، وإن لم تبلغ عشر سنين.
فقال رحمه الله: "الطفلة الصغيرة ليس لعورتها حكم، ولا يجب عليها ستر وجهها ورقبتها، ويديها ورجليها، ولا ينبغي إلزام الطفلة بذلك، لكن إذا بلغت البنت حدا تتعلق بها نفوس الرجال وشهواتهم فإنها تحتجب دفعا للفتنة والشر، ويختلف هذا باختلاف النساء، فإن منهن من تكون سريعة النمو جيدة الشباب، ومنهن من تكون بالعكس" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (20475) ، (43485)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/862)
كيف يرد السلام على الكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا أرد على الكافر إذا سلم علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ترد عليه بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: وعليكم، إلا إذا كان هذا الذي سلم قال: السلام عليكم، باللام الظاهرة، فإنه لا حرج أن تقول: وعليكم السلام.
وخلاصة الكلام في الرد أن تقول إذا سلم: وعليكم، وإذا علمت أنه قال: السلام عليكم بلفظ صريح فقل: وعليكم السلام، بلفظ صريح" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/17، 18) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/863)
حكم قول صباح الخير ومساء الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم قول: (صباح الخير) و (مساء الخير) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم بذلك بأساً، ويكون ذلك بعد البدء بالسلام، وبعد الرد الشرعي إذا كان القائل بذلك مسلَّماً عليه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/115) .
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً:
عندنا في مصر عادة في الصباح أن نحيي نقول: (صباح الخير يا فلان) ما حكم هذه التحية في الإسلام؟
الجواب:
الحمد لله
"تحية الإسلام: (السلام عليكم) فإن زاد: (ورحمة الله وبركاته) فهو أفضل، وإن دعا بعد ذلك من لقيه: (صباح الخير) مثلاً فلا حرج عليه، أما أن يقتصر بالتحية عند اللقاء على: (صباح الخير) دون أن يقول: (السلام عليكم) فقد أساء.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/119) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/864)
هل يسلم على أصحابه: السلام على من اتبع الهدى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إذا أقبل على زملائه أن يقول لهم: (السلام على من اتبع الهدى) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يخفى أنه يجب على المسلم مراعاة حقوق إخوانه المسلمين، ورعاية مشاعرهم، وأنه يلزمه أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، كما جاء ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما لا يخفى أن من حكم السلام إشعار المسلم أخاه المسلم عليه بطيبة نفسه نحوه، ومحبته إياه كأخ من إخوانه المسلمين، وذلك بدعائه له بالسلامة المطلقة، ورحمة الله وبركاته عليه، ولا شك أن السلام على المسلم بعبارة: (السلام على من اتبع الهدى) فيه من التعريض واللمز ما لا يتفق مع الأصول العامة في وجوب ترابط المسلمين وتعاطفهم وتوادهم وتراحمهم، وأنهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وأنهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأن الأصل فيهم الخير، وعليه فلا ينبغي للمسلم أن يحيي إخوانه المسلمين بهذه العبارة: (السلام على من اتبع الهدى) وإنما هذه التحية يبعثها الداعية ومن في حكمه إلى غير المسلمين، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/113) .
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/865)
مصافحة أخت الزوجة هل ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أجلس مع أخت زوجتي وهل ينتقض وضوئي بلمسها؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُحرم عليك أن تجلس مع أخت زوجتك أو غيرها من النساء الأجنبيات خالياً بها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) رواه البخاري 9/290، ومسلم برقم (1341) ، وأحمد في المسند (1/222و346) .
فيحرم على الرجل أن يختلي بامرأة أجنبية منه، فإن أخت زوجتك أجنبية منك لأنه إذا طلقت زوجتك جاز لك أن تتزوجها، فهي ليست من محارمك، أما بالنسبة لنقض الوضوء: فإن الوضوء لا ينقض إلا بلمس المرأة بشهوة، فإذا مس الرجل امرأة بشهوة نقض وضوؤه سواء كانت المرأة أجنبية أو غيرها والمس الذي ينقض الوضوء هو مس البدن بدون حائل وهذا ما قرره أهل العلم، والله أعلم
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 48.
وقد تقدم بيان تحريم مصافحة المرأة الأجنبية في السؤال رقم 2459.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/866)
مسح الوجه بعد الدعاء ووضع اليد على الصدر بعد السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن بعض الأصدقاء - خصوصا في ماليزيا - إنهم بعد السلام في الصلاة يضعون أيديهم على وجوههم، فهل هذه بدعة؟ وأيضا وضع اليد على الصدر بعد السلام على الأخ المسلم؟ وإذا كان هذا الأمر محرماً أو بدعة كيف يكون الإنكار عليهم؟ .
الرجاء تزويدي بالأدلة من الكتاب والسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يشرع وضع اليدين على الوجه لا بعد الانتهاء من الصلاة، ولا بعد الانتهاء من الدعاء، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان إذا سلَّم استغفر ثلاثاً، ولم يمسح وجهه بيديه لا بعد السلام ولا بعد الدعاء.
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رواه مسلم (591) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (39174) بيان أنه لا يشرع مسح اليدين بعد الدعاء، فلينظر.
ثانياً:
المصافحة باليد من الأمور التي جاء الشرع بالترغيب فيها، وهي من أسباب مغفرة الذنوب.
فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا) رواه الترمذي (2727) وحسَّنه، وابن ماجه (3703) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2718) .
وبعض الناس إذا سلَّم على أخيه وضع يده على صدره بعد أن يصافحه، وهذا مخالف لمعنى المصافحة في اللغة والاصطلاح، وليس هناك دليل من السنَّة على هذا، ولا يوجد نقل – فيما نعلم - على أن أحداً كان يفعله من سلف هذه الأمة.
فالمصافحة هي إلصاق صفحة اليد بصفحة اليد الأخرى.
قال الراغب الأصفهاني:
والمصافحة: الإفضاء بصفحة اليد.
" غريب القرآن " (1 / 282) .
وقال ابن حجر العسقلاني:
المُصَافَحَةُ هي: مفاعلة من الصفحة، والمراد بها: الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد.
" فتح الباري " (11 / 54) .
فالمصافحة باليد كافية في التحية والإتيان بالسنة، ومع ذلك، فإذا تعارف الناس على أن وضع اليد على الصدر بعد المصافحة أو السلام نوع من الإكرام والتحية فنرجو ألا يكون فيه حرج، لكن على أن لا ينسب ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل يفعله الإنسان على أنه عادة، وليس سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وللوقوف على تفاصيل أوفى في " آداب المصافحة والمعانقة والتقبيل " يرجى النظر في محتوى هذا الرابط:
1. صوتيّاً:
http://www.islamav.com/index.php?pg=mat&subjref=352&v=343
2. وقراءةً:
http://www.islamav.com/doc_html/adaab_mosafaha.htm
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/867)
هل إلقاء السلام من الشخص الموجود على القادم بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لاحظت أن بعض المسلمين لا يلقون السلام عند وصولهم، لذلك خطر لي أن أبادرهم أنا بإلقاء السلام، وهو خلاف ما يجب أن يكون.
وسؤالي: هل أعد مبتدعا بذلك (إلقائي السلام على الشخص الذي يصل ولا يلقي السلام) ، وهل أعد عاصيا؟
ثانيا: هل ألقي السلام ثانية لشخص وصل للتو إن لم يلق هو السلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يسلم الماشي على القاعد، والراكب على الماشي، والصغير على الكبير، والداخل على أهل المكان، لقوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) النور/61، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي , وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ , وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) رواه البخاري (6234) ومسلم (2160) ، وفي رواية للبخاري: (والمار على القاعد) .
ومعلوم أن ابتداء السلام سنة مستحبة، وأما الرد فواجب.
وإذا لم يسلّم الداخل، فسلّم من في البيت، أو لم يسلّم الماشي، فسلم القاعد، فلا حرج في ذلك، بل يكون قد فعل الخير، وأتى بسنة السلام، ووجب الرد على الآخر.
قال النووي رحمه الله: " اعلم أن ابتداء السَّلامِ سنَّةٌ مستحبّة ليس بواجب، وهو سنّةٌ على الكفاية، فإن كان المسلِّم جماعة كفى عنهم تسليمُ واحد منهم، ولو سلَّموا كلُّهم كان أفضل ... وأما ردّ السلام: فإن كان المسلَّم عليه واحداً تعيَّنَ عليه الردّ، وإن كانوا جماعةً كان ردّ السلام فرضَ كفايةٍ عليهم، فإن ردّ واحد منهم سقطَ الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلُّهم أثموا كلُّهم، وإن ردّوا كلُّهم فهو النهاية في الكمال والفضيلة، كذا قاله أصحابنا، وهو ظاهر حسن " انتهى من "الأذكار" ص (356) .
ثم قال رحمه الله: " بابٌ في آدابٍ ومسائلَ من السَّلام، رُوينا في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ على المَاشِي , وَالمَاشِي على القاعِدِ , وَالقَلِيلُ على الكثير) وفي رواية للبخاري: (يُسَلِّمُ الصَّغيرُ على الكَبيرِ , وَالمَاشِي على القاعِدِ , وَالقَلِيلُ على الكَثِير) .
قال أصحابُنا وغيرُهم من العلماء: هذا المذكور هو السنّة، فلو خالفوا فسلَّم الماشي على الراكب، أو الجالس عليهما لم يُكره، صرّح به الإِمام أبو سعد المتولي وغيره. وعلى مقتضى هذا: لا يُكره ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل، والكبير على الصغير " انتهى من "الأذكار" ص (369) .
ونقل الحافظ ابن حجر عن الْمَازِرِيّ قوله: " لَوْ اِبْتَدَأَ الْمَاشِي فَسَلَّمَ عَلَى الرَّاكِب لَمْ يَمْتَنِع لأَنَّهُ مُمْتَثِل لِلأَمْرِ بِإِظْهَارِ السَّلام وَإِفْشَائِهِ، غَيْر أَنَّ مُرَاعَاة مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيث أَوْلَى، وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى الأَمْر عَلَى سَبِيل الاسْتِحْبَاب، وَلا يَلْزَم مِنْ تَرْك الْمُسْتَحَبّ الْكَرَاهَة، بَلْ يَكُون خِلاف الأَوْلَى، فَلَوْ تَرَكَ الْمَأْمُور بِالابْتِدَاءِ فَبَدَأَهُ الآخَر كَانَ الْمَأْمُور تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ وَالآخَر فَاعِلا لِلسُّنَّةِ، إِلا إِنْ بَادَرَ فَيَكُون تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ أَيْضًا " انتهى من "فتح الباري" (11/17) .
وقوله: " إلا إن بادر فيكون تاركا للمستحب " أي لا ينبغي لمن في البيت مثلا أن يبادر بالسلام على الداخل، بل يمهله حتى يسلّم هو، فإن ترك السلام سَلَّمَ مَنْ في البيت.
والحاصل: أن إلقاءك السلام على من يدخل عليك ولا يسلّم، ليس بدعة ولا معصية، بل فيه إحياء للسنة، وإشاعة للألفة والمحبة، بشرط ألا تتسرع في ذلك، بل تمهل الداخل حتى يسلم، فإن لم يفعل، ألقيت السلام حينئذ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/868)
حكم مصافحة المرأة العجوز والطفلة الصغيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه لا يجوز المصافحة باليد مع المرأة الأجنبية، ولكن إذا كانت طفلة 5 سنوات أو امرأة عجوزاً فهل يجوز مصافحتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
ولا فرق بين أن تكون المرأة شابة أو عجوزا؛ لعموم هذا الحديث.
"الموسوعة الفقهية" (29/296) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للمرأة المسنّة العجوز مصافحة الرجل الأجنبي عنها؟
فأجابت: " لا يجوز للمرأة المسنة – العجوز – ولا غيرها من النساء مصافحة الرجل الأجنبي عنها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء) رواه مالك وابن ماجه وأحمد والنسائي، وهذا يعم الكبيرة والصغيرة؛ لخوف الفتنة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17/47) .
وأما الصغيرة التي لا تُشتهى، ممن دون سبع سنين فلا حرج في النظر إليها ومصافحتها.
قال في "الإنصاف" (8/23) : " لا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع , ولا لمسها. نص عليه (الإمام أحمد) . ونقل الأثرم في الرجل يضع الصغيرة في حجره ويقبلها إن لم يجد شهوة. فلا بأس " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/869)
هل يصح إلقاء السلام بلفظ سلام عليكم
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من المسلمين يلقي السلام على إخوانه بلفظ " سلام عليكم " فهل يجوز أن نقول ذلك؟
وإذا كان غير صحيح فهل يثاب فاعله ويأخذ ثواب إلقاء السلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في قول المبتدئ بالسلام: سلام عليكم، أو سلام عليك، وقد بين الله تعالى أن تحية الملائكة لأهل الجنة: سلام عليكم، فقال: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/23، 24.
وقال: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) الزمر/73.
وجاء السلام بهذه الصيغة، في قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل/32.
وقوله: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص/55.
وقوله: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/54.
وروى ابن حبان في صحيحه (493) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا مَرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال: سلامٌ عليكم. فقال: (عشر حسنات) ثم مَرَّ آخر فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله. فقال: (عشرون حسنة) ثم مَرَّ آخر فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال (ثلاثون حسنة) فقام رجل من المجلس ولم يسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) صححه الألباني في صحيح الترغيب والرهيب (2712) .
فهذه الأدلة وغيرها تبين أنه لا حرج في أن يسلم الإنسان بلفظ: (سلام عليكم) وأنه يثاب على ذلك، ويستحق الجواب.
وقد اختلف العلماء أيهما أفضل: (السلام عليكم) أو (سلامٌ عليكم) ؟ أو هما سواء؟
قال المرداوي في "الإنصاف" (2/563) : " إذا سلم على الحيّ , فالصحيح من المذهب: أنه يخيّر بين التعريف والتنكير. قدّمه في الفروع. وقال: ذكره غير واحد ".
ثم ذكر رواية عن الإمام أحمد أن التعريف أفضل من التنكير، وذكر عن ابن عقيل تفضيل التنكير على التعريف.
وقال النووي في "الأذكار" (ص 356-358) :
" اعلم أن الأفضل أن يقول المُسَلِّم: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحداً، ويقولُ المجيب: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُه. . .
قال أصحابنا: فإن قال المبتدىء: السلام عليكم، حصل السَّلامُ، وإن قال: السلام عليكَ، أو سلام عليكَ، حصل أيضاً.
وأما الجواب فأقلّه: وعليكَ السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم السَّلام أجزأه ذلك وكان جواباً. . .
ولو قال المبتدىء: سلام عليكم، أو قال: السلام عليكم، فللمُجيب أن يقول في الصورتين: سلام عليكم، وله أن يقول: السلام عليكم، قال الله تعالى: (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) .
قال الإِمام أبو الحسن الواحديّ من أصحابنا: أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار.
قلت (النووي) : ولكن الألف واللام أولى " انتهى باختصار.
ثانيا:
المكروه هو أن يقول المبتدئ: عليك السلام أو عليكم السلام، لأنها تحية الموتى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى أبو داود (5209) والترمذي (2722) عَنْ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والمقصود من قوله صلى الله عليه وسلم (فإن عليك السلام تحية الموتى) : الإشارة إلى ما كان عليه كثير من الشعراء وغيرهم من السلام بهذه الصيغة على الأموات، وإلا فسنته صلى الله عليه وسلم في السلام على الموتى كسنته في السلام على الأحياء يقول: السلام عليكم.
قال ابن القيم رحمه الله موضحا ذلك: " وكان هديه في ابتداء السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، وكان يكره أن يقول المبتدىء: عليك السلام. قال أبو جريّ الهُجيميُّ: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: (لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى) حديث صحيح.
وقد أشكل هذا الحديث على طائفة، وظنوه معارضا لم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على الأموات بلفظ (السلام عليكم) بتقديم السلام، فظنوا أن قوله: (فإن عليك السلام تحية الموتى) إخبار عن المشروع، وغلطوا في ذلك غلطا أوجب لهم ظن التعارض، وإنما معنى قوله: (فإن عليك السلام تحية الموتى) إخبار عن الواقع، لا المشروع، أي: إن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة كقول قائلهم:
عليكَ سلامُ الله قيسَ بن عاصمٍ ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيسٌ هُلْكُه هُلكَ واحدٍ ولكنّه بنيان قومٍ تهدّما
فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيى بتحية الأموات " انتهى من "زاد المعاد" (2/383) .
ثالثا:
وأكمل السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ لما سبق من حديث ابن حبان؛ ولما روى أبو داود (5195) والترمذي (2689)
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَشْرٌ) ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: (عِشْرُونَ) ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ فَقَالَ: (ثَلاثُونَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأما زيادة (ومغفرته) أو (ورضوانه) فلا تصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، كما بين ابن القيم في "زاد المعاد" (2/381) والألباني في ضعيف أبي داود (5196) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/870)
ظاهرة التقبيل اليومي بين طالبات المدارس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التقبيل في الخد لغير الزوجين، فقد انتشرت هذه الظاهرة بين طالبات المدارس، وبشكل ملفت، حتى أصبحت الصديقتان تتبادلان القبل كل صباح. أرجو معرفة الحكم عموماً بالأدلة، وحكم هذه الظاهرة الغريبة خصوصاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع عند اللقاء هو السلام والمصافحة بالأيدي، وإن قدم الإنسان من سفر فتشرع معانقته، وأما التقبيل عند كل لقاء فليس من سنة السلام، بل ورد النهي عنه، فقد روى الترمذي (2728) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
نعم، يشرع التقبيل أحيانا، للقادم من سفر ونحوه، وانظر السؤال رقم (34497) .
وأما تبادل القبل كل صباح، فلا شك في عدم مشروعيته، وأنه ظاهرة غريبة دخيلة على مجتمعات المسلمين، ويخشى أن تكون ذريعة لمن في قلبها مرض، تتوصل بذلك إلى استمتاع محرم، في إطار ظاهرة أخرى مذمومة تسمى ظاهرة الإعجاب، وهي العشق المحرم من غير شك.
قال النووي رحمه الله:
" وأما المعانقة وتقبيل وجه غير القادم من سفر ونحوه - غير الطفل - فمكروهان، صرح بكراهتهما البغوي وغيره ... فأما الأمرد الحسن فيحرم بكل حال تقبيله سواء قدم من سفر أم لا، والظاهر أن معانقته قريبة من تقبيله، وسواء كان المقبِّل والمقبَّل صالحين أو غيرهما " انتهى من "المجموع" (4/477) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك ظاهرة تقبيل الشباب بعضهم البعض على الخدود في كل ملتقى، وفي كل يوم، وانتشرت هذه الظاهرة مع الشيوخ وفي المسجد وفي الصف، هل هذا مخالف للسنة أم لا حرج فيه أم بدعة أم معصية أم جائزة ... ؟
فأجابوا: " المشروع عند اللقاء: السلام والمصافحة بالأيدي، وإن كان اللقاء بعد سفر فيشرع كذلك المعانقة؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) . وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/128) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/74) تحت حديث رقم (160) ، وهو حديث الترمذي الذي ذكرناه في أول الجواب:
" فالحقُّ أنّ الحديث نصٌّ صريح على عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء، ولا يدخل في ذلك تقبيل الأولاد والزوجات؛ كما هو ظاهر.
وأمّا الأحاديث التي فيها أنّ النبيّ صلي الله عليه وسلم قبّل بعض الصحابة في وقائع مختلفة؛ مثل تقبيله واعتناقه لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة، واعتناقه لأبي الهيثم بن التيهان، وغيرهما؛ فالجوّاب عنها من وجوه:
الأول: أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة. . .
الثاني: أنه لو صحّ شيء منها؛ لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح؛ لأنها فعل من النبيّ صلي الله عليه وسلم يحتمل الخصوصيّة أو غيرها من الاحتمالات التي توهن الاحتجاج بها، على خلاف هذا الحديث؛ لأنه حديث قوليّ وخطاب عام موجّه إلى الأمة؛ فهو حجة عليها؛ لما تقرر في علم الأُصول أنّ القول مقدّم على الفعل عند التعارض، والحاظر مقدمٌ على المبيح، وهذا الحديث قولٌ وحاظرٌ، فهو المقدّم على الأحاديث المذكورة لو صحّت.
وكذلك نقول بالنسبة للالتزام والمعانقة، أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها، لكن قال أنس رضي الله عنه: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، فإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا) . رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، كما قال المنذري (3/270) ، والهيثمي (8/36) .
وروى البيهقي (7/100) بسند صحيح عن الشعبي: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا؛ صافحوا، فإذا قدموا من سفر؛ عانق بعضهم بعضاً) .
وروى البخاري في الأدب المفرد (970) ، وأحمد (3/495) عن جابر بن عبد الله قال: (بلغني حديث عن رجلٍ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيراً، ثمّ شددتُ عليه رحلي، فسرتُ إليه شهراً حتى قدمتُ عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ قلتُ: نعم. فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته. .) الحديث. وإسناده حسن كما قال الحافظ (1/ 195) ، وعلّقه البخاري.
فيمكن أن يقال: إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/871)
ابتداء الشيعة بالسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ابتداء الشيعة بالسلام؟ خاصة إذا كنت أخالطهم كثيرا مع أنهم لا يظهرون معتقدهم أو أي سب وما إلى ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام في التعامل مع الشيعة يختلف باختلاف الحال، فالشيعة بدعتهم العقدية مختلفة، فإن كانت مفسقةً كبدعة التشيّع لآل البيت فيجوز بدؤهم بالسلام لأنهم مسلمون قد اقترفوا أشياء من البدع والمعاصي لا تخرجهم من دائرة الإسلام، وتجب نصيحتهم وتوجيههم إلى السنة والحق وتحذيرهم من البدع والمعاصي، فإن استقاموا وقبلوا النصيحة فالحمد لله وهذا هو المطلوب.
أما إن أصروا على البدع فإنه ينبغي هجرهم حتى يتوبوا إلى الله ويتركوا البدع والمنكرات، لأن هذا نوع من العقوبة لهم، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف، أو اندفاع منكر فهو مشروع، وإن كان يحصل بهذا الهجر من الفساد ما يزيد على فساد بدعتهم فليس مشروعاً.
فلو رأيت أن عدم الهجر أصلح وأن الاختلاط بهم ونصيحتهم أكثر فائدة في الدين وأقرب إلى قبولهم الحق فلا مانع من ترك الهجر، لأن المقصود من الهجر هو توجيههم إلى الخير وإشعارهم بعدم الرضا بما هم عليه من المنكر ليرجعوا عن ذلك.
فإذا كان الهجر يضر المصلحة الإسلامية ويزيدهم تمسّكاً بباطلهم ونفرة من أهل الحق كان تركه أصلح كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم هجر عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لما كان ترك هجره أصلح للمسلمين.
وأما إذا كانت بدعتهم مكفّرة كسبّ الصحابة والغلو في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ودعاؤهم والاستغاثة بهم وطلبهم المدد ونحو ذلك، أو اعتقاد أنهم يعلمون الغيب وغيره مما يوجب خروجهم من الإسلام، فهنا لا يجوز بدؤهم بالسلام ولا مودتهم ولا أكل ذبائحهم، بل يجب بغضهم والبراءة منهم حتى يؤمنوا بالله وحده. لأنهم حينئذ كفار مرتدون.
وانظر: (مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28 / 216 – 217) و (مجموع فتاوى ابن باز 4 / 262 – 263) .
وينبغي التنبيه هنا على أمر وهو أنه لا يجوز بدء الكافر بالتحية مطلقاً كقول (أهلاً وسهلاً) وما أشبهه، لأن في ذلك إكراماً لهم وتعظيماً، والمسلم أعلى مكانة عند الله ومرتبة، فلا ينبغي بدؤهم بالسلام والتحية، ولكن إذا قالوا لنا ذلك فإننا نقول لهم مثل ما قالوا، لأن الإسلام دين عدل جاء لإعطاء كل ذي حق حقه.
"المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين" (1 / 48) .
وانظر السؤال (10843) .
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/872)
بدء إلقاء التحيّة على الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يحي غير المسلم أولاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم السلام على غير المسلمين، فأجاب بقوله:
البدء بالسلام على غير المسلمين محرّم ولا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ، ولكنهم إذا سلموا وجب علينا أن نردّ عليهم، لعموم قوله تعالى: (وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها) ، وكان اليهود يسلّمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: السام عليك يا محمد، والسام بمعنى الموت. يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود يقولون: السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم "
فإذا سلّم غير المسلم على المسلم وقال: " السام عليكم " فإننا نقول: وعليكم ". وفي قوله صلى الله عليه وسلم " وعليكم " دليل على أنهم إذا كانوا قد قالوا: السلام عليكم فإن عليهم السلام فكما قالوا نقول لهم، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن اليهودي أو النصراني أو غيرهم من غير المسلمين إذا قالوا بلفظ صريح: " السلام عليكم " جاز أن نقول: عليكم السلام.
ولا يجوز كذلك أن يبدؤوا بالتحية كأهلاً وسهلاً وما أشبهها لأن في ذلك إكراماً لهم وتعظيماً لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون، لأن السلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدؤوهم بالسلام.
إذا فنقول في خلاصة الجواب: لا يجوز أن يبدأ غير المسلمين بالسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالاً للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله ـ عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلّ نفسه في هذا. أما إذا سلّموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلّموا.
وكذلك أيضاً لا يجوز أن نبدأهم بالتحيّة مثل أهلاً وسهلاً ومرحباً وما أشبه ذلك لما في ذلك من تعظيهم فهو كابتداء السلام عليهم "
(مجموع الفتاوى 3/33)
وإذا كانت هناك حاجة داعية إلى بدء الكافر بالتحية فلا حرج فيها حينئذٍِ، ولتكن بغير السلام، كما لو قال له: أهلاً وسهلاً أو كيف حالك ونحو ذلك. لأن التحية حينئذ لأجل الحاجة لا لتعظيمه.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (25/168) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" (2/424) في ابتداء الكفار بالتحية:
(وقالت طائفة - أي من العلماء -: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك) اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/873)
هل يجوز أن يقول القائل عبارة " لكم تحياتي "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في نهاية الخطابات الرسمية بين الدوار الحكومية وبالأخص الخاتمة يذكر (ولكم تحياتي) أو (ولكم تحياتنا) وكما هو معروف بأن التحيات لله وحده لا شريك له، فما رأيك بهذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج أن يقول الشخص لآخر: لك تحياتي أو مع تحياتنا ونحو ذلك من العبارات.
وأما التحيات التي هي لله وحده، فهي التحيات الكاملة العامة، كما في التشهد في الصلاة: (التحيات لله والصلوات والطيبات) .
وأما التحية الخاصة من رجل لآخر فلا بأس بها.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - عن هذه الألفاظ " أرجوك "، " تحياتي "، و " أنعم صباحاً "، و " أنعم مساءً "؟
فأجاب بقوله:
لا بأس أن تقول لفلان " أرجوك " في شيء يستطيع أن يحقق رجاءك به.
وكذلك" تحياتي لك "، و " لك منى التحية "، وما أشبه ذلك لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء/86، وكذلك " أنعم صباحاً " و " أنعم مساءً " لا بأس به، ولكن بشرط ألا تتخذ بديلاً عن السلام الشرعي.
" المناهي اللفظية " (السؤال الثامن) .
وفي السؤال التاسع والعشرين سئل الشيخ أيضاً رحمه الله: عن عبارة " لكم تحياتنا " وعبارة " أهدي لكم تحياتي "؟
فأجاب قائلاً:
عبارة " لكم تحياتنا "، و " أهدي لكم تحياتي " ونحوهما من العبارات: لا بأس بها، قال الله تعالى: (إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء/86.
والتحية من شخصٍ لآخر جائزة، وأما التحيَّات المطلقة العامة فهي لله، كما أن الحمد لله، والشكر لله، ومع هذا فيصح أن نقول " حمدتُ فلاناً على كذا " و " شكرتُه على كذا "، قال الله تعالى (أن اشكُر لي ولوالديك) لقمان/14.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/874)
مصافحة المرأة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أجابه مفصلة عن حكم مصافحة الرجل للمرأة وأقوال الأئمة الأربعة في ذلك وقول جمهور العلماء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل لرجل يؤمن بالله ورسوله أن يضع يده في يد امرأة لا تحل له أو ليست من محارمه، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه.
عن معقل بن يسار يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ".
رواه الطبراني في " الكبير " (486) .
والحديث: قال الألباني عنه في " صحيح الجامع " (5045) : صحيح.
فهذا الحديث وحده يكفي للردع والتزام الطاعة التي يريدها الله تعالى منا لما يفضي إليه مس النساء من الفتن والفاحشة.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: " كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمتحنَّ بقول الله عز وجل: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين) الممتحنة / 12، قالت عائشة: فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقن فقد بايعتكن، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأةٍ قط غير أنه يبايعهن بالكلام، قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاما ".
رواه مسلم (1866) .
عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت: " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته، قال: اذهبي فقد بايعتك ".
رواه مسلم (1866) .
فهذا المعصوم خير البشرية جمعاء سيد ولد آدم يوم القيامة لا يمس النساء، هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد، فكيف غيره من الرجال؟ .
عن أميمة ابنة رقيقة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لا أصافح النساء ".
رواه النسائي (4181) وابن ماجه (2874) . وصححه الألباني " صحيح الجامع " (2513) .
ثانياً:
لا تجوز المصافحة ولو بحائل من تحت ثوب وما أشبهه والذي ورد بذلك من الحديث ضعيف:
عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان يصافح النساء من تحت الثوب ".
رواه الطبراني في الأوسط (2855) .
قال الهيثمي: رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عتاب بن حرب، وهو ضعيف.
" مجمع الزوائد " (6 / 39) .
قال ولي الدين العراقي:
قولها رضي الله عنها " كان يبايع النساء بالكلام " أي: فقط من غير أخذ كف ولا مصافحة، وهو دال على أن بيعة الرجال بأخذ الكف والمصافحة مع الكلام وهو كذلك، وما ذكرته عائشة رضي الله عنها من ذلك هو المعروف.
وذكر بعض المفسرين أنه عليه الصلاة والسلام دعا بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس فيه أيديهن! وقال بعضهم: ما صافحهن بحائل وكان على يده ثوب قطري! وقيل: كان عمر رضي الله عنه يصافحهن عنه!
ولا يصح شيءٌ من ذلك، لا سيما الأخير، وكيف يفعل عمر رضي الله عنه أمرا لا يفعله صاحب العصمة الواجبة؟ .
" طرح التثريب " (7 / 45) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -:
الأظهر المنع من ذلك (أي مصافحة النساء من وراء حائل) مطلقا عملا بعموم الحديث الشريف، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إني لا أصافح النساء "، وسدّاً للذريعة.
(حاشية مجموعة رسائل في الحجاب والسفور صفحة " 69 " بتصرف) .
ثالثاً:
ومثله مصافحة العجائز، فهي حرام لعموم النصوص في ذلك، وما ورد في ذلك من الإباحة فهو ضعيف:
قال الزيلعي:
قوله: " وروي أن أبا بكر كان يصافح العجائز "، قلت: غريب أيضاً.
" نصب الراية " (4 / 240) .
وقال ابن حجر:
لم أجده.
" الدراية في تخريج أحاديث الهداية " (2 / 225) .
رابعاً:
وأما مذاهب العلماء الأربعة فكما يلي:
1- مذهب الحنفية:
قال ابن نجيم:
ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفها وإن أمن الشهوة لوجود المحرم ولانعدام الضرورة.
" البحر الرائق " (8 / 219) .
2- مذهب المالكية:
قال محمد بن أحمد (عليش) :
ولا يجوز للأجنبي لمس وجه الأجنبية ولا كفيها، فلا يجوز لهما وضع كفه على كفها بلا حائل، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها " ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بصفحة اليد قط إنما كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء بالكلام "، وفي رواية " ما مست يده يد امرأة وإنما كان يبايعهن بالكلام ".
" منح الجليل شرح مختصر خليل " (1 / 223) .
3- مذهب الشافعية:
قال النووي:
ولا يجوز مسها في شيء من ذلك.
" المجموع " (4 / 515) .
وقال ولي الدين العراقي:
وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه، لا في مبايعة، ولا في غيرها، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه: فغيره أولى بذلك، والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه، وقد قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: إنه يحرم مس الأجنبية ولو في غير عورتها كالوجه، وإن اختلفوا في جواز النظر حيث لا شهوة ولا خوف فتنة، فتحريم المس آكد من تحريم النظر، ومحل التحريم ما إذا لم تدع لذلك ضرورة فإن كان ضرورة كتطبيب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا يوجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة.
" طرح التثريب " (7 / 45، 46) .
4- مذهب الحنابلة:
وقال ابن مفلح:
وسئل أبو عبد الله – أي الإمام أحمد – عن الرجل يصافح المرأة قال: لا وشدد فيه جداً، قلت: فيصافحها بثوبه؟ قال: لا ...
والتحريم اختيار الشيخ تقي الدين، وعلل بأن الملامسة أبلغ من النظر)
الآداب الشرعية 2/257
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/875)
هل يستحب لمن قام من مجلس أن يسلم على الجالسين فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب لمن قام من مجلس أن يسلم على الجالسين فيه أم لا؟ وهل فيه حديث أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هو سنة، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الثانية) رواه الترمذي وقال: هو حديث حسن.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 67(7/876)
حكم مصافحة المرأة العجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزا وكذلك يسأل عن الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزا من ثوب ونحوه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام) .
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 280(7/877)
لا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية حتى ولو من وراء حائل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز السلام على النساء إذا توقت بشيلتها أو حجابها عن يد الرجل الذي يسلم عليها من يده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يضع رجل يده في السلام في يد امرأة ليس لها بمحرم ولو توقت بثوبها، لما روى البخاري في صحيحه رحمه الله عن عروة عن عائشة رضي الله عنها في روايتها لقصة مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء قالت: لا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط، ما بايعهن إلا بقوله: (قد بايعتكن على ذلك) ، وما رواه أحمد بإسناد صحيح عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبيعه، فأخذ علينا ما في القرآن ... إلى أن قالت: قلنا يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال: (إني لا أصافح النساء، إنما قولي لأمرأة واحدة قولي لمائة امرأة) ، ولنا فيه عليه الصلاة والسلام خير أسوة، كما قال من أرسله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب / 21
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/30.(7/878)
رد السلام على الكافر على ثلاثة أقسام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سلم الكافر على المسلم فهل يرد عليه؟ وإذا مد يده للمصافحة فما الحكم؟ وكذلك خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" إذا سلم الكافر على المسلم سلاماً بيناً واضحاً فقال: السلام عليكم، فإنك تقول: عليك السلام، لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء / 86، أما إذا لم يكن بيناً واضحاً فإنك تقول: وعليك.
وكذلك لو كان سلامه واضحاً يقول فيه: السام عليكم يعني الموت فإنه يقال: وعليك.
فالأقسام ثلاثة:
الأول: أن يقول بلفظ صريح: " السام عليكم ". فيجاب: " وعليكم ".
الثاني: أن نشك هل قال: " السام " أو قال: "السلام"، فيجاب: "وعليكم".
الثالث: أن يقول بلفظ صريح: "السلام عليكم". فيجاب: "عليكم السلام"؛ لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ:
" فلو تحقق السامع أن الذي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام أو يقتصر على قوله: وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) . فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه صلى الله عليه وسلم، إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: وعليكم على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، ثم قال ابن القيم: والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه. قال الله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) المجادلة / 8.
فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية أن يرد عليه نظير سلامه. أ. هـ أحكام أهل الذمة 200 /1.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم، فقولوا: وعليك ". والسام هو الموت.
وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه.
وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه، لكن ضع الكأس على الطاولة ولا حرج.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/36.(7/879)
إذا لم يكن في البيت أحد فهل يسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من ناس كثيرين بأننا يجب أن نقول السلام عليكم عندما ندخل للبيت حتى وإن لم يكن هناك أحد بالبيت (قلها لنفسك) ، فهل هذا صحيح؟ ما هو الدليل على هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السلام عند دخول البيت مستحب لا واجب، سواء كان في البيت أحد أم لا.
روى أبو داود (5096) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (225) .
وروى الترمذي (2698) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ. قال الألباني في تخريج المشكاة (4652) : حديث حسن بطرقه.
ففي هذين الحديثين استحباب تسليم الرجل على أهل بيته إذا دخل البيت.
وأما استحباب تسليم الرجل على نفسه إذا دخل بيتاً ليس فيه أحد، فاستدل العلماء على ذلك بأدلة:
1- عموم قوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) النور / 61.
قال النووي رحمه الله في كتابه "الأذكار" (ص 49) :
يستحب أن يقول: بسم الله، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، وأن يسلم سواء كان في البيت آدمي أم لا؛ لقول الله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَة) النور / 61.
وقال الحافظ:
وَيَدْخُل فِي عُمُوم إِفْشَاء السَّلام , السَّلام عَلَى النَّفْس لِمَنْ دَخَلَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ أَحَد , لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ) الآيَة اهـ.
واختار بعض المفسرين -كابن جرير- أن معنى الآية: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: ليسلم بعضكم على بعض كقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) النساء / 29.
وقال القرطبي: والأوجه أن يقال: إن هذا عام في دخول كل بيت، فإن كان فيه ساكن مسلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن لم يكن فيه ساكن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإن كان في البيت من ليس بمسلم قال: السلام على من اتبع الهدى، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اهـ
2- ثبوت ذلك عن بعض الصحابة.
روى البخاري في "الأدب المفرد" (1055) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إذا دخل البيت غير المسكون فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قال الحافظ: سنده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (806) .
وقال مجاهد: إذا دخلت المسجد فقل: السلام على رسول الله، وإذا دخلت على أهلك فسلم عليهم، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. تفسير ابن كثير (3/306) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/880)
حكم إلقاء ورد السلام على النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أسلم أو أرد السلام على امراة أجنبية عني. يعني من غير المحارم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله تعالى بإفشاء السلام، وأوجب الرد على من سلَّم، وجعل السلام من الأمور التي تشيع المحبة بين المؤمنين.
قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) النساء /86.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) . رواه مسلم (54) .
وفي جواب السؤال رقم (4596) نبذة مطولة عن أهمية السّلام وردّه، فلينظر.
ثانياً:
الأمر بإفشاء السلام عامٌّ يشمل جميع المؤمنين، فيشمل الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة، والرجل مع محارمه من النساء. فكل واحد من هؤلاء مأمور بابتداء السلام، ويجب على الآخر الرد.
إلا أن الرجل مع المرأة الأجنبية عنه لهما حكم خاص في ابتداء السلام ورده نظراً لما قد يترتب على ذلك من الفتنة في بعض الأحيان.
ثالثاً:
لا بأس أن يسلم الرجل من غير مصافحة على المرأة الأجنبية عنه إذا كانت عجوزاً، أما السلام على المرأة الشابة الأجنبية فلا ينبغي إذا لم يؤمن من الفتنة، وهذا هو الذي تدل عليه أقوال العلماء رحمهم الله.
سُئِلَ الإمام مَالِك هَلْ: يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ (وهي العجوز) فَلا أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلا أُحِبُّ ذَلِكَ.
وعلَّل الزرقاني في شرحه على الموطأ (4/358) عدم محبة مالك لذلك: بخوف الفتنة بسماع ردها للسلام.
وفي الآداب الشرعية (1/ 375) ذكر ابن مفلح أن ابن منصور قال للإمام أحمد: التسليم على النساء؟ قال: إذا كانت عجوزاً فلا بأس به.
وقال صالح (ابن الإمام أحمد) : سألت أبي يُسَلَّمُ على المرأة؟ قال: أما الكبيرة فلا بأس، وأما الشابة فلا تستنطق. يعني لا يطلب منها أن تتكلم برد السلام.
وقال النووي في كتابه "الأذكار" (ص 407) :
"قال أصحابنا: والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل، وأما المرأة مع الرجل، فإن كانت المرأة زوجته، أو جاريته، أو محرماً من محارمه فهي معه كالرجل، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر رد السلام عليه. وإن كانت أجنبية، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلم الرجل عليها، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب، ولم تسلم هي عليه ابتداء، فإن سلمت لم تستحق جواباً فإن أجابها كره له.
وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل، وعلى الرجل رد السلام عليها.
وإذا كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل. أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يُخَفْ عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة.
روى أبو داود (5204) عن أَسْمَاء ابْنَة يَزِيدَ قالت: مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى البخاري (6248) عن سَهْلٍ بن سعد قَالَ: كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ (نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ) فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ (أي تطحن) فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا". انتهى كلام النووي.
وقال الحافظ في "الفتح":
عن جواز سلام الرجال على النساء، والنساء على الرجال، قال: الْمُرَاد بِجَوَازِهِ أَنْ يَكُون عِنْد أَمْن الْفِتْنَة.
ونَقَل عن الْحَلِيمِيّ أنه قال: كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِصْمَةِ مَأْمُونًا مِنْ الْفِتْنَة , فَمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسه بِالسَّلامَةِ فَلْيُسَلِّمْ وَإِلا فَالصَّمْت أَسْلَم.
ونَقَل عَنْ الْمُهَلَّب أنه قال: سَلَام الرِّجَال عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء عَلَى الرِّجَال جَائِز إِذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَة اهـ بتصرف.
والله تعالى أعلم.
انظر كتاب " أحكام العورة والنظر" إعداد / مساعد بن قاسم الفالح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/881)
مصافحة النساء في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ملامسة النساء في الكف فقط في رمضان وخروج المني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حكم ملامسة النساء الأجنبيات حرام في رمضان وفي غير رمضان، وسواء في ذلك كانت الملامسة بالكف فقط أو بما هو أشد من ذلك، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني في "الكبير" (486) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
راجع سؤال (2459) ، (21183) .
والمعاصي عموماً – ومنها ملامسة النساء- في رمضان أشد تحريما، وأعظم إثماً، وتنقص ثواب الصيام، حتى قد يخرج الصائم من صيامه ولم يستفد منه إلا الجوع والعطش، لذلك كان الواجب على الصائم الاحتراز من المعاصي أشد الاحتراز.
ولينتهز المؤمن شهر رمضان لإصلاح أحواله، والتوبة من المعاصي، والإقبال على الله، ولا يكون يوم صومه ويوم فطره سواء.
قال جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء. رواه ابن المبارك في الزهد (1308) .
راجع سؤال (37658) .
وإذا صافح الرجل امرأة في نهار رمضان، فأنزل المني، فسد صومه بلا خلاف بين العلماء، وعليه التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية، وعليه الإمساك بقية يومه، وقضاء يوم مكانه.
انظر: "المغني" لابن قدامة (4/361) .
وأما خروج المني في الصيام فإن كان ذلك بدون شهوة كما لو خرج بسبب مرض، فإنه لا يؤثر على الصيام.
سئلت اللجنة الدائمة:
أشكو نزول السائل المنوي في أيام رمضان أثناء الصيام بدون أي احتلام أو ممارسة للعادة السرية فهل في هذا تأثير على الصوم؟
فأجابت:
إذا كان الأمر كما ذُكِرَ فإن نزول المني منك بدون لذة في نهار رمضان لا يؤثر على صيامك، وليس عليك القضاء اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (10/278) .
أما إذا كان نزول المني بشهوة فله حالان:
الأولى: أن يكون ذلك بفعل من الرجل يثير به شهوته، كتقبيل زوجته أو مصافحة امرأة بشهوة ونحو ذلك، فهذا مفسد للصيام وعليه قضاء هذا اليوم.
الثانية: أن يخرج المني بدون فعل من الرجل، كمجرد التفكير في الشهوة، أو الاحتلام، فهذا لا يفطر، وصومه صحيح.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
أما خروج المني عن شهوة فإنه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة أو قبلة أو تكرار نظر أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه، أما الاحتلام والتفكير فلا يبطل بهما الصوم ولو خرج مني بسببهما اهـ
فتاوى إسلامية (2/135) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/882)
إضافة كلمة تعالى على السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[تعودت أن أسلم على الناس بقولي (السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته) أحيانا عندما اصعد على المنبر في خطبة الجمع أسلم بنفس الصيغة. قال لي أحدهم هل عندك دليل على إضافة كلمة تعالى. ولم أجد دليلا إلا أني أظن أنى قد سمعتها من بعض العلماء الفضلاء.
فهل تجوز هذه الإضافة على السلام أم لا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلمة تعالى ليست واردة في الحديث، وإذا كان كذلك فعلى المسلم تركها، وأن يقتصر على ما ورد في السنة، وهو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، وكلمة تعالى ليست واردة، وكون الإنسان يداوم عليها هذا يجعلها سنة، وهي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن لو أنه فعلها أحياناً فلا بأس
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: خالد المشيقح(7/883)
حكم مصافحة خالة الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز السلام على خالة والدتي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خالة والدتك خالة لك، وأنت محرم لها، فلا حرج عليك في مصافحتها.
قال تعالى في بيان المحرمات: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ ... ) النساء/23.
والخالة في الآية تشمل خالة الأب والأم والأجداد والجدات، وكذلك العمة أيضاً.
قال السعدي (ص244) :
" والعمة كل أختك لأبيك أو لجدك وإن علا، والخالة كل أخت لأمك أو جدتك وإن علت " اهـ. وانظر تفسير القاسمي (5/86)
وقال في زاد المستقنع وهو يذكر المحرمات من النساء: " وكل عمة وخالة وإن علتا ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " " وإن علتا " أي خالة أبيه أو عمته، أو خالة أمه أو عمتها، أو خالة جده أو جدته، أو عمة جده أو جدته، إلى ما لا نهاية له ". انتهى من "الشرح الممتع" (5/184) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/884)
البدء بالسلام عند التحدث بالهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إلقاء السلام على الشخص المتحدث بالهاتف إذا كان لا يعرف هل هو مسلم أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حكمه حكم اللقاء إذا عرفت أنه كافر فلا تبدأه بالسلام، أما إذا كنت لا تعرف فليس في ذلك محظور.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 286(7/885)
الفرق بين السلام على النبي صلى الله عليه وسلم والمباركة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك فرق بين السلام على النبي وأن نبارك عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشرع للمسلم أن يدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة وأن يسلم عليه كما يشرع له أن يدعو له بالبركة فمن الأدلة على مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب / 56، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلامَ) صحيح سنن النسائي 1215 السلسلة الصحيحة 2853.
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقُولُوا السَّلامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو) رواه البخاري 835.
وعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ: (بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ) وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ) صحيح سنن ابن ماجه 625.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ) صحيح سنن أبي داود 1795.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ يُرَى فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: (إِنَّهُ جَاءَنِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَا يُرْضِيكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ لا يُصَلِّيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَلا يُسَلِّمَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا) صحيح سنن النسائي 1228.
فالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته والمسلم مأمور بها إما مطلقا أو على وجه التقييد بما ورد كالسلام عليه في التشهد وعند الدخول إلى المسجد والخروج منه، والأمر بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم مع غيابه من خصائصه التي اختصه الله بها فلا يشاركه فيها أحد فليس من المشروع السلام على معين مع غيابه إلا هو صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه أنه يُبلّغ سلام الأمة عليه فيتحصل الإنسان على فضل السلام وبلوغه النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقطع مسافة للقائه في حياته ولو لم يأت لقبره بعد وفاته.
أما الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم أن يبارك عليه فمشروع ومن أدلة مشروعيته ما صح عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ) رواه مسلم 405.
والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون من العبد كأن يقول مثلا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقد يكون دعاء له صلى الله عليه وسلم أن يسلمه الله كقولك صلى الله عليه –أي النبي- وسلم فسلام العبد على النبي يكون بذكر اسم الرب السلام على جهة التبرك وذكر الاسم المناسب لمقام الدعاء له بالسلامة فكأن العبد يقول اللهم يا من اسمه السلام سلم نبيك صلى الله عليه وسلم ولذا فإن السلام يَرِدُ مُعرفاً بالألف واللام إشارة إلى اسمه تعالى السلام بخلاف سلام الرب سبحانه على عباده فإنه يأتي منكرا (لأن سلاما منه سبحانه كاف من كل سلام ومغن عن كل تحية ومقرب من كل أمنية فأدنى سلام منه ولا أدنى هناك يستغرق الوصف ويُتم النعمة ويدفع البؤس ويُطيِّبُ الحياة ويقطع مواد العطب والهلاك فلم يكن لذكر الألف واللام هناك معنى) انظر بدائع الفوائد 2/143، ومعنى السلام البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب فالمسلم على النبي داع له صلى الله عليه وسلم بهذه المعاني سائل للنبي صلى الله عليه والسلام السلامة من الشرور والعيوب والنقائص أما البركة فحقيقتها الثبوت واللزوم والاستقرار، والبركة النماء والزيادة والتبريك الدعاء بذلك فيقال: باركه الله وبارك فيه وبارك عليه وبارك له.
ومعنى الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالبركة والمباركة عليه سؤال الله له الخير وإدامته وثبوته له ومضاعفته له وزيادته وتنميته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/886)
حكم بدء اليهود والنصارى بالسلام وكيفية اضطرارهم لأضيق الطرق
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) مسلم في السلام (2167) أليس في العمل بهذا تنفير من الدخول في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن تعلم أن أحسن الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علمنا ذلك فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يكون مجانباً للحكمة يجب علينا أن نتهم هذا الفهم، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، لكن ليس معنى ذلك أن نقيس أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بما ندركه من عقولنا، وأفهامنا، لأن عقولنا وأفهامنا قاصرة لكن هناك قواعد عامة في الشريعة يرجع إليها في المسائل الخاصة الفردية.
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) والمعنى: لا تتوسعوا لهم إذا قابلوكم حتى يكون لهم السعة ويكون الضيق عليكم، بل استمروا في اتجاهكم وسيركم، واجعلوا الضيق إن كان هناك ضيق على هؤلاء، ومن المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ليس إذا رأى الكافر ذهب يزحمه إلى الجدار حتى يرصه على الجدار، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا باليهود في المدينة ولا أصحابه يفعلونه بعد فتوح الأمصار.
فالمعنى أنكم كما لا تبدؤونهم بالسلام لا تفسحوا لهم، فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا، بل استمروا على ما أنتم عليه، واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق، وليس الحديث تنفير عن الإسلام، بل فيه إظهار لعزة المسلم، وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين ج/3 ص:38(7/887)
حكم مصافحة الطالب لزميلته في المدرسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة وماذا يفعل لو مّدت يدها للسلام عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة أو في كرسي واحد، بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن وليسس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حيت بيعته للنساء: (إني لا أصافح النساء) وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام) وقد قال عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/21، ولأن مصافحة النساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركهما.
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به لقول الله عز وجل: (يا نساء النبي لستن كأحد من نساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قبله مرض وقلن قولاً معروفاً) الأحزاب/32، ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلِّمن عليه ويستفتينه فيم يشكل عليهن وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن.
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للإفتاء في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص988(7/888)
حكم السلام بالإشارة باليد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السلام بالإشارة باليد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز السلام بالإشارة، وإنما السنة السلام بالكلام بدءا وردا. أما السلام بالإشارة فلا يجوز؛ لأنه تشبه ببعض الكفرة في ذلك؛ ولأنه خلاف ما شرعه الله، لكن لو أشار بيده إلى المسلم عليه ليفهمه السلام لبعده مع تكلمه بالسلام فلا حرج في ذلك؛ لأنه قد ورد ما يدل عليه، وهكذا لو كان المسلم عليه مشغولا بالصلاة فإنه يرد بالإشارة، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 352(7/889)
تحرم مصافحة زوجة العم ولو كانت كبيرة في السن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مصافحة زوجة العم إذا كانت كبيرة في السن وإذا كان ترك المصافحة يبعث بالكراهة والبغض وقد أعتيد على ذلك بين الأقارب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الرجل مصافحة المرأة الأجنبية ولو كانت عجوزاً، وذلك لعموم الأدلة المانعة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً سواء كنَّ شابَّات أو عجائز، وسواء كان المصافِح شابّاً أو شيخاً كبيراً، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إني لا أصافح النساء "، وقالت عائشة – رضي الله عنها -: " ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام "، ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة، والله ولي التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (3 / 76) .
وما يعتقده بعض الناس من أن زوجة العم أو زوجة الخال ليستا بأجنبيتين فغير صحيح ولا أصل له، بل هما أجنبيتان، وقد سبق سؤال عن حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية في سؤال رقم (2459) وسؤال (21183) .
وقول السائل أن ترك مصافحتها يؤدي إلى البغض وأنهم اعتادوا على ذلك فإنه يمتنع من مصافحتها، ويبين لها أنه لم يصافحها احتقاراً لها ولا تقليلاً من شأنها وإنما طاعة لله ورسوله، والواجب على المسلم هو امتثال ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، ولو خالف ما اعتاده الناس، ولكنه يبين للناس أنه فعل ذلك طاعة لله وعليه بالرفق واللين حتى يحملهم ذلك على اتباع الشرع وألا يظنوا به ظناً سيئاً، والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/890)
هل نحيي الكفار بتحية أخرى غير السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق السؤال بإلقاء التحية على الكفار،
أعلم أنه لا يجوز لنا أن نسلم على الكفار ابتداء، لكن إذا كنا في بلاد كفر، فهل يجوز لنا أن نبدأ الكفار بالتحية لكن دون أن نستخدم كلمة "السلام"، كأن نقول "صباح الخير" في أماكن العمل مثلا؟
وأيضا، فإن بعض الجيران يعرفونني منذ أن كنت طفلا، وأنا أتحاشى البدء بإلقاء التحية عليهم، لكن في بعض الأحيان، وخصوصا مع كبار السن، فأنا أقول لهم صباح الخير، لأني أعرفهم منذ أن ولدت. أنا أريد أن يكون الأمر واضحا جدا لأنه على الفرد منا أحيانا أن يبدأ بالتحية، في الاجتماعات مثلا، حيث لا يكون هو أول الموجودين، فإذا دخل، ألقى إليهم التحية، وكذلك عند الوصول إلى العمل … الخ.
فهل يمكن أن توضح إن كان حكم تحيتهم بصباح الخير مثلا هو نفس حكم إلقاء السلام عليهم؟ مع الأخذ في الاعتبار أننا نعيش في بلادهم، لذلك فإننا في موضع ضعف.
أشكرك على توضيح المسألة (فالأمر بإلقاء السلام واضح) وكذلك الحديث ينطبق على السلام، لكن هل الحكم يشمل تحية الكفار على أية صورة كانت.]ـ
[الْجَوَابُ]
نشكر لك حرصك - أيها الأخ السائل - ونسأل الله عز وجل أن يزيدنا وإياك علما وعملا صالحا متقبلا، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه.
ردا على سؤالك فقد قمنا بسؤال الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: بجواز ابتداء الكفار بتحية غير تحية الإسلام.
ردا على سؤالك فقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى السؤال التالي: في هذه الأيام ونتيجة للاحتكاك مع الغرب والشرق وغالبهم من الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم يرددون تحية الإسلام علينا حينما نقابلهم في أي مكان فماذا يجب علينا تجاههم؟ فأجاب رحمه الله: (ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتوهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم) متفق عليه. وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وحكم بقية الكفار حكم اليهود والنصارى في هذا الأمر؛ لعدم الدليل على الفرق فيما نعلم.
فلا يبدأ الكافر بالسلام مطلقا، ومتى بدأ هو - أي الكافر - بالسلام وجب الرد عليه بقولنا: وعليكم امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا مانع من أن يقال له بعد ذلك: كيف حالك؟ وكيف أولادك؟ كما أجاز ذلك بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا سيما إذا اقتضت المصلحة الإسلامية ذلك كترغيبه في الإسلام وإيناسه بذلك ليقبل الدعوة ويصغي لها لقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقوله سبحانه: (ولا تجادلو أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) . مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى العقيدة القسم الثالث ص1042.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في ابتداء الكفار بالتحية: (وقالت طائفة - أي من العلماء -: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه، أو خوف من أذاه، او لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك) زاد المعاد الجزء الثاني ص424.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/891)
حكم السلام على المدرس غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إلقاء التحية على مدرس غير مسلم في الفصل أو خارجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام) رواه مسلم , كتاب السلام، وكان اليهود يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون السام عليكم والسام معناه الموت , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول وعليكم. أخرجه البخاري , كتاب الآداب , مسلم , كتاب السلام.
فأنت لا تبدأه بالسلام , فإذا سلم وبدأ فرُدَّ عليه وعليكم , إلا إن ابن القيم - رحمه الله - ذكر في أحكام أهل الذمة أن الكافر إذا علمنا أنه قال السلام عليكم فلنا أن نقول وعليكم السلام.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين , كتاب العلم , الصفحة (154 , 155) .(7/892)
هل يجوز تأخير رد السلام لعداوة شخصية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بيني وبين شخص عداوة شخصية فهل يجوز لي إذا سّلم أن أرد عليه بعد أن ينصرف أو لابد من رد السلام فوراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يجب رد السلام على الفور.
قال ابن عابدين: إذا أخر رد السلام لغير عذر كره تحريماً ولا يُرفع الإثم بالردِّ بل بالتوبة.
[الْمَصْدَرُ]
الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 247.(7/893)
عند ظنه بعدم رد السلام هل يسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا غلب على ظنه أنه إذا سلم لا يرد عليه السلام فهل يسلم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يسلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 67(7/894)
كيفية ردّ السلام على الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نرد إذا قال لنا كافر السلام عليكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا يحل - أولاً - أن نبدأ الكافر بالسلام.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام.. ". رواه مسلم (2167) .
2. وإذا قال أحدهم " السام عليكم " - أي: الموت عليكم -، أو لم يظهر لفظ السلام واضحا من كلامه: فإننا نجيبه بقولنا " وعليكم ".
لِما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السام عليكم فقل: عليك ". رواه البخاري (5902) ومسلم (2461) .
3. فإذا تحققنا من سلام الكفار علينا باللفظ الشرعي، فقد اختلف العلماء في وجوب الرد عليهم، والوجوب هو قول الجمهور، وهو الصواب.
قال ابن القيم رحمه الله: واختلفوا في وجوب الرد عليهم فالجمهور على وجوبه وهو الصواب وقالت طائفة لا يجب الرد عليهم كما لا يجب على أهل البدع وأَوْلى، والصواب الأول والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيرا لهم وتحذيرا منهم بخلاف أهل الذمة. أ. هـ " زاد المعاد " (2 / 425، 426) .
4. ويقول الرادّ من المسلمين الرد الشرعي باللفظ الشرعي، مثل تحيته أو أحسن لعموم قوله تعالى: (وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردّوها)
قال ابن القيم رحمه الله: فلو تحقق السامع أن الذمي قال له "سلام عليكم" لا شك فيه، فهل له أن يقول وعليك السلام أو يقتصر على قوله وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية، وقواعد الشريعة: أن يقال له: "وعليك السلام"؛ فإن هذا من باب العدل، والله يأمر بالعدل والإحسان …. ولا ينافي هذا شيئاً مِن أحاديث الباب بوجه ما؛ فإنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالاقتصار على قول الرادّ "وعليكم" بناء على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم وأشار إليه في حديث عائشة رضي الله عنها، فقال: "ألا ترَيْنني قلت وعليكم لمّا قالوا السام عليكم"، ثم قال: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم"..
قال تعالى {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول} ، فإذا زال هذا السبب وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله: فالعدل في التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه. أ. هـ " أحكام أهل الذمة " (1 / 425، 426) .
وحديث عائشة رواه البخاري (5901) ومسلم (2165) .
ويُنظر أيضا " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2 / 97) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/895)
حكم التحيّة بالإشارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في التحية بالإيماء باليد؟ فذلك يحدث إذا كان الشخص بعيدا. هل يجوز ذلك، وهل له أصل في الشريعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي في السنن 5/56 عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف. قال الألباني: حسن
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا) أي من أهل طريقتنا ومراعي متابعتنا (من تشبه بغيرنا) أي من غير أهل ملتنا.. والمعنى لا تشبهوا بهم جميعا في جميع أفعالهم خصوصا في هاتين الخصلتين ولعلهم كانوا يكتفون في السلام أو رده أو فيهما بالإشارتين من غير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء. (و) أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه: لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤس والأكفّ الإشارة.
فائدة: قال النووي لا يرد على هذا (يعني حديث جابر هذا) حديث أسماء بنت يزيد: مر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة، وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ: فسلم علينا انتهى. والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حسا وشرعا وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا السلام على الأصمّ انتهى.
فالتحية بالإشارة دون التلفّظ بالسلام هي تشبّه باليهود أو النّصارى ومن ذلك كثير من التحيات العسكريّة، وقد نص أهل العلم على بدعية التحية بالإشارة الخالية من لفظ السلام أي (السلام عليكم) انظر اللُّمَع للتركماني 1/285،282، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/896)
بماذا نردّ إذا سلم علينا أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة الصحيحة لتحية غير المسلمين عندما يحيونك بتحية السلام الصحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
1. إذا تحقق لدى المسلم أن الكافر قال له " السام عليكم " - أي: الموت - فإن يرد عليه بمثل قوله فيقول: وعليكم.
2. أما إذا تحقق لديه أنه ألقى عليه تحية الإسلام من غير لبس، فقد قال ابن القيم رحمه الله:
فلو تحقق السامع أن الذمي قال له سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام، أو يقتصر على قوله " وعليك "؟
فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة: أن يقال له وعليك السلام؛ فإن هذا من باب العدل والله يأمر بالعدل والإحسان. " أحكام أهل الذمة " (1 / 425، 426) .
3. قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين حفظه الله:
إن هؤلاء الذين يأتوننا من الشرق ومن الغرب ممن ليسوا مسلمين؛ لا يحل لنا أن نبدأهم بالسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام " رواه مسلم في صحيحه.
وإذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم بمثل ما سلموا علينا به، لقوله تعالى {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء / 86] .
وسلامهم علينا بالتحية الإسلامية " السلام عليكم " لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يفصحوا بـ " اللام " فيقولوا " السلام عليكم "، فلنا أن نقول: " عليكم السلام " أو " وعليكم ".
الحال الثانية: إذا لم يفصحوا بـ " اللام " مثل أن يقولوا " السام عليكم ": فإننا نقول: " وعليكم " فقط؛ وذلك لأن اليهود كانوا يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلمون عليه بقولهم " السام عليكم " غير مفصحين بـ " اللام "، والسام هو: الموت، يريدون الدعاء على النبي صلى الله عليه وسلم بالموت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول لهم " وعليكم ".
فإذا كانوا قالوا " السام عليكم " فإننا نقول: " وعليكم "، يعني: أنتم أيضاً عليكم السام.
هذا ما دلت عليه السنة.
وأما أن نبدأهم نحن بالسلام فإن هذا قد نهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2 / 97، 98) .
والله أعلم
وللمزيد يراجع السؤال رقم 6583.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/897)
لو لم يعرف هل هو مسلم أم كافر هل يسلم عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قابلني شخص ولا أعلم أهو كافر أم مسلم فهل أسلم عليه، أو أرد عليه السلام لو سلم أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
ورد في الحديث: الأمر بالسلام " على من عرفت ومن لم تعرف " رواه البخاري 12 (فتح 1/55) ، ولكن ذلك خاص بالمسلمين، أو من ظاهره الإسلام، كما ورد النهي عن السلام على اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه " رواه مسلم (2167) وكذا قال " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " رواه البخاري (6258) .
ولكن في ذلك الزمان كانوا يتميزون عن المسلمين في اللباس وفي المظاهر ويمنعون من التشبه بالمسلمين، وأما في هذه الأزمنة وللأسف فإن كثيرا من المسلمين تشبهوا بهم، فصرنا لا نميز بين مسلم ونصراني، حيث أن الكل إلا ما شاء الله سواء في اللباس، وفي حلق اللحى، وفي كشف الرأس، أو لبس القبعة أو الكبوس، فيبقى الأمر مشتبها، فإذا سلم عليك من هو متشبه بالمشركين فقل وعليكم، ولا تبدأه بالسلام للشك في أمره، وإذا عاتبك فاعتذر إليه، فإنك معذور، حيث لا تدري هل هو مسلم أم نصراني، لزهده في لباس المسلمين، وتفضيله للباس النصارى ونحوهم، وأخبره " أن من تشبه بقوم فهو منهم " صحيح رواه الإمام أحمد (2/50 - 92) ، وانصحه حتى يتميز عن الكفار، ويتحلى بما يتحلى به المسلمون كآبائه وأجداده، وعلماء المسلمين، فإن أصر على ما هو عليه فقد وقع في قلبه تعليم النصارى فقلدهم، واحتقر المسلمين فخالفهم، مع أنه لا يكتسب مصلحة من ذلك سوى التقليد الأعمى، الذي يدل على أنه معجب بأولئك الكفار، ومعتقد أن ما نالوه من العلم الدنيوي، ومن الابتكار ونحوه، بسبب دينهم الباطل، وقد أبعد النجعة، فالمسلمون أكمل عقولا، وأقدر على العمل والاختراع، فلا يغتر بالمشركين.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين في فتاوى الشيخ ابن جبرين ص49.(7/898)
أهمية السلام ورده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تخبرني عن أهمية قول السلام عليكم وقول وعليكم السلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان من عادة الناس الجارية بينهم أن يحيي بعضهم بعضاً بتحيات فيما بينهم وكان لكل طائفة منهم تحية تخصهم عن غيرهم من الناس.
فقد كانت العرب تقول في تحيتهم أنعم صباحاً أو أنعموا صباحا فيأتون بلفظ النعمة وهي طيب العيش بعد الصباح ويصلونها به لأن الصباح هو أول ما يبدأ به الإنسان نهاره فإذا حصلت فيه النعمة والخير استصحب ذلك طول نهاره.
ولما جاء الإسلام الحنيف شرع الله عز وجل فيه تحية للمسلمين فيما بينهم وشعارا لهم وهي السلام عليكم وجعلها خاصة لهم عن غيرهم من الأمم ومعنى السلام هو البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، والسلام أيضا اسم عظيم من أسماء الله عز وجل وعلى هذا فإنّ قول السلام عليكم أي هو يراقبكم ويطّلع عليكم فيكون فيها موعظة ويدخل في المعنى كذلك: نزلت عليكم بركة اسمه تعالى وحصلت عليكم.
قال ابن القيم بدائع الفوائد (144) : فشرع الله الملك القدوس السلام لأهل الإسلام تحية بينهم سلام عليكم وكانت أولى من جميع تحيات الأمم التي فيها ما هو محال وكذب نحو قولهم تعيش ألف سنة وما هو قاصر المعنى مثل أنعم صباحاً ومنها ما لا ينبغي مثل السجود فكانت التحية بالسلام أولى من ذلك كله لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها فهي الأصل المقدم على كل مقصود ومقصود العبد من الحياة يحصل بشيئين: بسلامته من الشر وحصول الخير عليه والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير وهي الصلة) انتهى
هذا وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إفشاء السلام من الإيمان فروى البخاري (12) . (28) و (6236) ومسلم (39) وأحمد (2/169) وأبو داود (5494) والنسائي (8/107) وابن حبان (505) عن عبد الله بن عمر قال: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) قال ابن حجر في الفتح (1/56) أي لا تخص أحداً تكبراً أو تصنعا، بل تعظيماً لشعار الإسلام ومراعاة لاخوة المسلم.
قال ابن رجب في الفتح (1/43) : وجمع في الحديث بين إطعام الطعام وإفشاء السلام لأنه به يجتمع الإحسان بالقول والفعل وهو أكمل الإحسان، وإنما كان هذا خير الإسلام بعد الإتيان بفرائض الإسلام وواجباته.
قال السنوسي في إكمال المعلم (1/244) : (المراد بالسلام التحية بين الناس وهو مما يزرع الود والمحبة في القلوب كما يفعل الطعام وقد يكون في قلب المحبين ضعف فيزول بالتحية وقد يكون عدواً فينقلب بها صديقاً) .أهـ
قال القاضي في إكمال المعلم (1:276) : وهذا حض منه صلى الله عليه وسلم على تأليف قلوب المؤمنين وإن أفضل خلقهم الإسلامية ألفة بعضهم بعضاً وتحيتهم وتوادهم واستجلاب ذلك بينهم بالقول والفعل وقد حض صلى الله عليه وسلم على التحابب والتودد وعلى أسبابهما من التهادي وإطعام الطعام وإفشاء السلام ونهي عن أضدادها من التقاطع والتدابر والتجسس والتحسس والنميمة وذوي الوجهين.
والألفة أحد فرائض الدين وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام وفي بذل السلام على من عرف ومن لم يعرف إخلاص العمل به لله تعالى لا مصانعة ولا مَلَقاً لمن تعرف دون من لا تعرف وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة من لفظ السلام) انتهى.
ولذلك بين صلى الله عليه وسلم أن بالسلام يحصل الود المحبة والإخاء فيما رواه مسلم (54) أحمد (2/391) والترمذي (2513) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشو السلام بينكم) .
هذا وقد بين صلى الله عليه وسلم جزاء وثواب من قال السلام عليكم كما روى النسائي في عمل اليوم والليلة (368) والبخاري في الأدب المفرد (586) وابن حبان (493) عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رجلاً مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال سلام عليكم فقال عشر حسنات ثم مر رجل آخر قال سلام عليكم ورحمة الله فقال عشرون حسنة فمر رجلا آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال ثلاثون حسنة) .
وقد أمر صلى الله عليه وسلم بردّ السلام وجعله حقاً فروى أحمد (2/540) والبخاري (1240) ومسلم (2792) والنسائي في اليوم والليلة (221) وأبو داود (5031) عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه (حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز، وإجابة الداعي وتشميت العاطس) .
وظاهر الأمر الوجوب فيجب رد السلام ذلك أن المسلم قد أعطاك الأمان فواجب عليك إعطاؤه الأمن والسلامة مقابل ذلك وكأنه يقول لك: أعطيك الأمان والسلامة والأمن فكان لا بد من إعطائه نفس الأمان والسلامة حتى لا يظن ولا يدخل في نفسه أن من سلّم عليه قد يغدر به أو أنه هاجر له ولذلك فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الهجرة بين المتهاجرين يقطعها السلام فروى البخاري (6233) عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ". هذه نبذة عن أهمية السّلام وردّه والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/899)
حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تحرم مصافحة الرجل لمرأة أجنبية عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية حرام لا يجوز ومن الأدلة على ذلك ما جاء في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له. " رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع 5045
ولا شكّ أنّ مسّ الرجل للمرأة الأجنبية من أسباب الفتنة وثوران الشهوات والوقوع في الحرام، ولا يقولنّ قائل: النيّة سليمة والقلب نظيف فإنّ صاحب أطهر قلب وأعفّ نفس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسّ امرأة أجنبية قطّ حتى في بيعة النساء لم يبايعهن كفّا بكفّ كالرّجال وإنّما بايعهن كلاما كما روت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ.. قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلامًا وَلا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ. رواه البخاري 4512 وفي رواية: أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ.. وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ. صحيح مسلم 3470
وفي رواية عنها رضي الله عنها قالت: مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا رواه البخاري 6674
وبعض المسلمين يشعر بالحرج الشّديد إذا مدّت إليه امرأة أجنبية يدها لمصافحته ويدّعي بعضهم بالإضافة إلى اختلاطه بالنساء الاضطرار إلى مصافحة المدرّسة أو الطّالبة التي معه في المدرسة أو الجامعة أو الموظّفة معه في العمل أو في الاجتماعات واللقاءات التجارية وغيرها وهذا عذر غير مقبول والواجب على المسلم أن يتغلّب على نفسه وشيطانه ويكون قويا في دينه والله لا يستحيي من الحقّ، ويمكن للمسلم أن يعتذر بلباقة وأن يبيّن السّبب في عدم المصافحة وأنّه لا يقصد الإهانة وإنّما تنفيذا لأحكام دينه وهذا سيُكسبه - في الغالب - احترام الآخرين ولا بأس من استغرابهم في البداية وربما كانت فرصة للدعوة إلى الدّين عمليا والله الموفّق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/900)
إجابة الكافر إذا سلّم على المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يقول غير المسلم (السلام عليكم) يحييك فكيف نجيب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم في الصحيح (144/14) عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم وفي رواية أن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم قال قولوا وعليكم وفي رواية (146/14) إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السام عليكم فقل عليك وفي رواية (164/14) فقل وعليك وفي رواية (146/14) أن رهطاً من اليهود استأذنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة بل عليكم السام واللعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله قالت ألم تسمع ما قالوا قال قد قلت: وعليكم وفي رواية قد قلت عليكم بحذف الواو وفي الحديث الآخر (148/14) لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه. كل هذه الروايات في صحيح الإمام مسلم.
قال النووي رحمه الله في الشرح: (145-144/14)
اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا , لكن لا يقال لهم: وعليكم السلام , بل يقال: عليكم فقط , أو وعليكم. وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها الإمام مسلم (عليكم) (وعليكم) بإثبات الواو وحذفها , وأكثر الروايات بإثباتها , وعلى هذا في معناه وجهان: أحدهما أنه على ظاهره , فقالوا: عليكم الموت , فقال: وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء , وكلنا نموت. والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك , وتقديره: وعليكم ما تستحقونه من الذمّ. وأما حذف الواو فتقديره بل عليكم السام. قال القاضي: اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا يقتضي التشريك , وقال غيره: بإثباتها كما هو في أكثر الروايات. قال: وقال بعضهم: يقول: عليكم السِلام بكسر السين أي الحجارة , وهذا ضعيف. وقال الخطابي: عامة المحدثين يروون هذا الحرف (وعليكم) بالواو , وكان ابن عيينة يرويه بغير واو. قال الخطابي: وهذا هو الصواب , لأنه إذا حذف (الواو) صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة , وإذا ثبت (الواو) اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه. هذا كلام الخطابي. والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات , وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات , ولا مفسدة فيه , لأن السام الموت , وهو علينا وعليهم , ولا ضرر في قوله بالواو. واختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به , فمذهبنا تحريم ابتدائهم به , ووجوب ردّه عليهم بأن يقول: وعليكم , أو عليكم فقط , ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام) وفي الرد قوله صلى الله عليه وسلم (فقولوا: وعليكم) وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف..
ويجوز الابتداء بالسلام على جمع فيهم مسلمون وكفار , أو مسلم وكفار , ويقصد المسلمين للحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم سلَّم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/901)
هل يصحّ ختم الرسالة بعبارة " والسلام "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح ختم الرسالة بعبارة " والسلام ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في ختم الرسالة بكلمة " والسلام " ولا يّشترط إكمال العبارة لأنّ الاختصار وإن حصل في الكتابة فإن مقصود الكاتب بقوله: والسلام، أي: والسلام عليك، ولكن لو قال المرسل في خاتمة رسالته والسلام عليك أو والسلام عليكم فهو أحسن وقد ختم عمر رضي الله عنه رسالته إلى شريح القاضي بقوله: والسلام عليك سنن النسائي 5304، وختم بها عمر بن عبد العزيز رسالة إلى أحد عمّاله أيضا، موطأ مالك: كتاب الجهاد.
ونقل ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن عساكر أن زياد بن أبي سفيان بعث إلى سعيد بن العاص هدايا وأموالا وكتابا ذكر فيه أنه يخطب إليه ابنته..، فلما وصلت الهدايا والأموال والكتاب قرأه، ثم فرّق الهدايا في جلسائه، ثم كتب إليه كتاباً لطيفاً فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم! قال اللَّه تعالى: (كَلاَّ إنْ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) والسلام.
علما أنّ المفترض في المرسِل أنّه قد سلّم على المرسل إليه بعبارة مفيدة كاملة في صدر رسالته كما جرى عليه عمل المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/902)
ما صحة حديث (إن الله يبغض الحبر السمين) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح (إن الله يبغض الحبر السمين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بعد البحث عن هذا الحديث تبين لنا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تصح نسبته إليه، ولم يثبت عمن يُروَى عنهم أيضا من الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد روي هذا الحديث عن الصحابي أبي أمامة رضي الله عنه.
عزاه إليه أبو الليث السمرقندي في " بستان العارفين " – كما قال السخاوي في " المقاصد الحسنة (207) -، ولكن لم نقف على أصل هذه الرواية، والسمرقندي تروج عليه الأحاديث الموضوعة كما قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (16/323) ، فلا تقبل منه نسبة هذا الحديث إلى أبي أمامة رضي الله عنه، ولذلك تعقبه السخاوي بقوله: " ولكن ما علمته في المرفوع " انتهى.
وقد روي بسند ضعيف عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
فعن سعيد بن جبير قال: (جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ قال: وكان حبرا سمينا، فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا على موسى؟ قال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فأنزل الله عز وجل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) الأنعام/91.
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (4/1342) ، وابن جرير الطبري في "جامع البيان" (11/521) كلاهما من طريق يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة القمي، عن سعيد بن جبير به.
وهذا إسناد ضعيف بسبب يعقوب بن عبد الله القمي، قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي. انظر: "ميزان الاعتدال" (4/452) ، وقال ابن مندة في جعفر بن أبي المغيرة: ليس هو بالقوى في سعيد بن جبير. انظر: "ميزان الاعتدال" (1/417) .
ثانياً:
روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما ولا يصح عنهما.
أما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد رواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (81) ، وفي "إصلاح المال" (333) قال: حدثنا خالد بن مرداس، قال: حدثنا المعلى الجعفي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال عمر.
وهذا إسناد ضعيف جدا، فيه المعلى بن هلال بن سويد الحضرمي، ويقال الجعفي، أبو عبد الله الطحان الكوفي العابد: كذاب وضاع باتفاق النقاد. انظر: "ميزان الاعتدال" (4/152) .
وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه، فقد عزاه إليه الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/81) ، ولم نقف عليه بعد البحث، وكتب الغزالي مليئة بما لا أصل له.
فالحاصل: أنه لم يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه الكرام.
والثابت في شريعتنا ذم السمن لمن تكلفه بالإسراف في الملذات من الطعام والشراب والاشتغال به عن العمل النافع الصالح الذي يستغرق على المسلم عمره ووقته.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَقَالَ اقْرَءُوا: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) رواه البخاري (4729) ومسلم (2785) .
قال النووي رحمه الله:
"فيه ذم السِّمَن" انتهى.
"شرح مسلم" (17/129) .
وقال القرطبي رحمه الله:
"في هذا الحديث من الفقه: ذم السِّمَن لمن تكلفه، لما في ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم، بل يدل على تحريم الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن.
ومن حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم - قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن من بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) وهذا ذم، وسبب ذلك: أن السمن المكتسب إنما هو من كثرة الأكل والشره، والدعة والراحة والأمن والاسترسال مع النفس على شهواتها، فهو عبد نفسه، لا عبد ربه، ومن كان هذا حاله وقع لا محالة في الحرام، وكل لحم تولد عن سحت فالنار أولى به، وقد ذم الله تعالى الكفار بكثرة الأكل فقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) محمد/12، فإذا كان المؤمن يتشبه بهم، ويتنعم بتنعمهم في كل أحواله وأزمانه، فأين حقيقة الإيمان، والقيام بوظائف الإسلام؟! ومن كثر أكله وشربه كثر نهمه وحرصه، وزاد بالليل كسله ونومه، فكان نهاره هائما، وليله نائما " انتهى باختصار.
"الجامع لأحكام القرآن" (11/67) .
وقد روى أبو نعيم رحمه الله في "حلية الأولياء" (9/146) بسنده إلى الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: (ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن. قيل له: ولم؟ قال: لأن العاقل لا يخلو من إحدى خلتين: إما أن يغتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه، والشحم مع الغم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم، فيعقد الشحم) .
والمقصود من ذلك كله ذم السِّمَن الناتج عن الإسراف والفراغ والاستغراق في ملذات الدنيا عن العمل للآخرة، أما من أصابه السمن لعلة أو لطبيعة جسمه عن غير إسراف ولا إفراط فهذا لا عتب عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/903)
كم مرة يُسمِّي على الأكل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة يقوم الفرد بالتسمية عندما يأكل؟ مثلاً: سميت قبل أكل وجبة الغداء، ثم جلست مع أصدقائي قليلاً، ثم شربنا الشاي، هل أسمي مرة أخرى أم أكتفي بالتسمية الأولى في الغداء؟ إذا كان الجواب نعم، فما هو الوقت الفاصل بين الوجبتين لإعادة التسمية؟ وهل علي أن أذكّر الموجودين بالتسمية في كل مرة؟ حيث أصبح الناس يتضايقون عندما أقول لهم: "هل سميتم أم لا". جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يسمّي الله تعالى عند الأكل؛ لأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك في قوله: (إذَا أكَلَ أحَدُكُم فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعَالَى، فإنْ نَسِىَ أنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ في أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ في أوَّلِه وَآخِرِهِ) . أخرجه أبو داود (3767) ، والتّرمذيّ (1858) ، وصححه الألباني في "سنن أبو داود".
قال ابن القيّم في زاد المعاد (2 / 362) : "وَالصّحِيحُ: وُجُوبُ التّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِهَا صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا، وَلَا إجْمَاعَ يُسَوّغُ مُخَالَفَتَهَا وَيُخْرِجُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا، وَتَارِكُهَا شَرِيكُهُ الشّيْطَانُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ" انتهى.
وهو الذي رجّحه الشّيخ ابن باز في "الدرر البازية على زاد المعاد" - (1 / 28) ، والشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/439و12/357) .
وينظر: جواب السؤال رقم (6503) .
وأما كم مرّة يقوم الفرد بالتّسمية عندما يأكل؟
فالجواب:
أنّ قول الرسول عليه الصّلاة والسّلام في الحديث السّابق: (إذَا أكَلَ أحَدُكُم فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعَالَى) يدلّ على أنّ التّسمية تكون مرّة واحدة عند الأكل، فلو وُضعت على المائدة أصناف من الطّعام، فإنّ التّسمية الواحدة تكفي؛ لأنّ المطلوب يحصل بالمرّة الواحدة.
أمّا إذا رُفعت، وأُتي بأنواع أخرى فعليك إعادة التّسمية، وهكذا لو جيء بالشّاي بعد الأكل فعليك أن تسمّي الله كذلك؛ لأنّك تريد الشرب والتناول منه.
وكذلك إذا انصرفت وقمت عن المائدة، ثمّ بدا لك العودة إلى الطّعام مرّة أخرى فعليك التّسمية؛ لأنّك تعتبر آكلاً جديداً في هذه المرّة.
وعلى هذا؛ فليس هناك فاصل زمني مؤقّت لإعادة التسمية، وإنّما تعود التّسمية إلى إرادة أكل طعام آخر غير الموضوع على المائدة سابقاً.
وهل لك أن تذكّر الموجودين بالتّسمية؟
فالجواب: نعم، لك ذلك، بل هو السّنّة، ولك الأجر في ذلك؛ لما ثبت عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنهما قال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ) أخرجه البخاريّ برقم (5376) ، ومسلم برقم (2022) .
فذكّره صلّى الله عليه وسلّم بالتّسمية، وفيه دليل على أنّ لك تذكير غيرك بها، وإذا رأيت منهم تضايقاً، فاستعمل الحكمة واللّطف في ذلك، ويمكنك أن تجهر أنت بالتسمية من غير أن تأمرهم بها، حتى يسمعوا.
ولك أن تذكرهم بأنّ التّسمية واجبة على جميع الآكلين، ولا يكفي أن يسمي بعضهم.
قال الشّيخ ابن باز رحمه الله في "الدرر البازية على زاد المعاد" - (1 / 29) : "وهذا هو الصواب، أنّ تسمية غيره لا تكفي عنه، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال لعمرو بن سلمة: (سمّ الله) ، والرسول صلّى الله عليه وسلّم قد سمّى هو وأصحابه، فلم تكف تسميتهم عنه؛ ولهذا جاء في حديث حذيفة: إنَّا حضرنا مع رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم طعاماً، فجاءت جارية كأنما تُدْفَع، فذهبتْ لتضع يدها في الطعام، فأخذَ رسولُ اللَّه صلّى الله عليه وسلّم بيدها، ثمَّ جاء أعرابيّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ، فأخذ بيده، فقالَ رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وإنَّهُ جَاءَ بِهذِهِ الجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهذَا الأعْرَابيّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ يَدَهُ لَفِي يَدي مَعَ يَدَيْهِمَا) ، ثم ذكرَ اسمَ اللَّه وأكل، ولو كانت تسمية الواحد تكفي، لما وضع الشيطان يده في ذلك الطّعام" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/904)
حديث لا أصل له في أن الأكل والشرب عورتان
[السُّؤَالُ]
ـ[" الأكل والشرب عورتان، فاستروهما "، هل هو حديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعد البحث عن هذا الحديث في كتب السنة لم نجد له أصلاً، وهذا الحديث لم يذكره حتى العلماء الذين ألفوا في جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فلعله من الأحاديث المكذوبة التي وضعت في الأزمنة المتأخرة.
والمعنى الذي تضمنه الحديث لا أصل له في السنة النبوية، فليس الأكل والشرب من العورات التي يلزم سترها.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل مع أصحابه، فكيف يكون الأكل والشرب عورة؟!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/905)
هل يكره الشرب في آخر الطعام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب أنه يصح الشرب في بداية الطعام ووسطه، ويكره في نهايته؛ لأنه يسبب الأمراض، فهل لذلك مستند من الكتاب أو السنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في الكتاب والسنة ما يدل على كراهة شرب الماء أثناء الطعام أو عقبه، وإنما هو أمر يتناقله الفقهاء من جهة الطب القديم، فقد كان متقرراً لدى الأطباء أن الشرب أثناء الطعام أو بعد الفراغ منه مباشرة يفسد الهضم على المعدة، ويسبب بعض الأدواء، وهذه بعض النقول عنهم:
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:
" لا يكثر الشرب في أثناء الطعام إلا إذا غص بلقمة، أو صدق عطشه، فقد قيل: إن ذلك مستحب في الطب، وإنه دباغ المعدة " انتهى.
" إحياء علوم الدين " (2/5) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" ولا يشرب الماء في أثناء الطعام، فإنه أجود في الطب، وينبغي أن يقال إلا أن يكون ثَمَّ عادة" انتهى. يعني: إلا أن يكون من عادته الشرب أثناء الطعام فلا بأس.
نقلا عن " الآداب الشرعية " لابن مفلح (3/178) .
وقال ابن مفلح رحمه الله:
"وتفسد الفاكهة بشرب الماء عليها، قال بعض الأطباء: مصابرة العطش بعد جميع الفواكه نعم الدواء لها , ورأيت بعض الناس يشرب الماء بعد التوت الحلو غير الشامي وبعد التين ويقول: إنه نافع يهضمه ويحكيه عن بعض الأطباء , والمعروف عن الأطباء أنهم نهوا عن شرب الماء بعد الفواكه مطلقا ويقولون: إنه مضر , وذكر الأطباء أنه يشرب بعد التوت والتين السكنجبين وأنه يدفع ضرره " انتهى.
" الآداب الشرعية " (3/214) .
وقال المرداوي رحمه الله:
"ولا يشرب في أثناء الطعام. فإنه مضر , ما لم يكن عادة" انتهى.
" الإنصاف " (8/332) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" يكره الشرب في أثناء الطعام بلا عادة، فإن كان الإنسان اعتاد هذا فلا بأس، قال بعضهم: ويكره أيضاً بعد الطعام مباشرة بلا عادة، وقوله: (بلا عادة) يفهم منه أن المسألة ترجع إلى ناحية طبية، قالوا: لأن الشرب أثناء الطعام يفسده، وتزول به منفعته، وكذلك إذا شرب مباشرة، فإذا كان قد اعتاد هذا فإنه لا يضره. وقال بعضهم أيضاً: إنه إذا شرب أثناء الطعام فإنه يشعر أن معدته كالسقاء ترجرج، أما إذا كان هناك عادة، فالعادات لها طبائع ثابتة، فكثير من الناس لا يهمه أن يشرب أثناء الطعام أو بعده مباشرة فلا يضره؛ لأنه معتاد.
ثم إن الطعام إذا كان حاراً والماء بارداً صار هناك مضرة من جهة أخرى، وهي ورود البارد على الحار، ومعلوم أن الحار يوجب تمدد العروق والجلد، فإذا جاء البارد تقلص بسرعة، فيكون في ذلك خطر " انتهى.
" الشرح الممتع " (12/366-367)
فهذه أقوال بعض العلماء الذين ذكروا هذه المسألة، وواضح أنهم إنما ذكروا ذلك من جهة الطب، ولذلك لم يستدل أحدهم على هذا بدليل من الكتاب أو السنة.
أما أبحاث الطب الحديث في هذا الشأن ففيها بعض الاختلاف، فنترك مجال البحث فيها لأهل الاختصاص، ولا نجزم نحن فيها بشيء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجوب(7/906)
حكم استعمال القطران في آنية الشرب
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدي يستعمل الناس مادة " القطران " في آنية الشرب، هل هو مكروه لأنه يضر بالملائكة؟ وما علاقته بالجن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القطِران: طلاء يُستخرج من حرق الحطب، وكانت العرب تستعمله لطلاء ماشيتها؛ حمايةً لها من البَرد، والحشرات، ودواءً لها من الجرَب، كما يُستعمل في طلاء الآنية، ويسمَّى " القار " و " الزفت "، وقد جاء النهي عن الانتباذ في الآنية التي تُطلى به؛ لما يكون معه تغير الطعم بسببه، وقد يصل لحد الإسكار،. ومعنى الانتباذ: أن يوضع الزبيب، أو التمر – مثلاً - في الماء، في ذلك الإناء، ويشرب نقيعه، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة باسم " المُقيَّر " و " المُزفَّت ".
عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لِي نَبِيذٌ، فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا فِي جَرٍّ إِنْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ، فَجَالَسْتُ الْقَوْمَ، فَأَطَلْتُ الْجُلُوسَ خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لهم: (وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: مَا انْتُبِذَ فِى الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ – وفي رواية (والمُقيَّر) -) .
رواه البخاري (53) ومسلم (17) .
الحنتم: الجرار الخضر المدهونة أو المصنوعة من الخزف.
الدباء: القرع – اليقطين – إذا يبس اتخذ وعاء.
المزفت: الإناء المطلى بالزفت
النقير: أصل النخلة ينقر وسطه ويجوف فيتخذ منه وعاء.
قال النووي – رحمه الله -:
وأما المُقَيَّر: فهو المزفَّت، وهو المطلي بالقار، وهو الزفت، وقيل: الزفت نوع من القار، والصحيح: الأول؛ فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: المزفَّت هو المقيَّر.
" شرح مسلم " (1 / 185) .
وقال – رحمه الله -:
وأما معنى النهى عن هذه الأربع: فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها، وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر، أو زبيب، أو نحوهما؛ ليحلو، ويُشرب، وإنما خُصت هذه بالنهى لأنَّه يسرع إليه الإسكار فيها، فيصير حراماً نجساً، وتبطل ماليته، فنهى عنه؛ لما فيه من إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه.
" شرح مسلم " (1 / 185) .
ثم صحَّ نسخ هذا النهي إلى الإباحة، على قول جمهور أهل العلم، على أن ينتبه المنتبذ أن لا يصل النبيذ إلى درجة الإسكار بطول المكث.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) . رواه مسلم (977) .
وفي لفظ: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ مُسْكِرٍ) .
رواه النسائي (5654) وابن ماجه (3405) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
قال النووي – رحمه الله -:
ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر، ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) رواه مسلم في الصحيح.
هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخاً: هو مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء، قال الخطابي: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل، قال: وقال قوم: التحريم باقٍ، وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية، ذهب إليه مالك، وأحمد، وإسحاق، وهو مروي عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.
" شرح مسلم " (1 / 185، 186) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وسر المسألة: أن النَّهي عن الأوعية المذكورة من باب سدِّ الذرائع، إذِ الشرابُ يُسرع إليه الإسكارُ فيها. وقيل: بل النهي عنها لصلابتها، وأن الشراب يُسكر فيها، ولا يُعلم به، بخلاف الظروف غير المزفَّتة، فإن الشرابَ متى غلا فيها وأسكر: انشقت، فيُعلم بأنه مسكر، فعلى هذه العِلَّة يكون الانتباذ في الحجارة، والصُّفر: أولى بالتحريم، وعلى الأول: لا يحرم، إذ لا يُسرِعُ الإسكار إليه فيها كإسراعه في الأربعة المذكورة، وعلى كلا العِلَّتين: فهو من باب سدِّ الذريعة، كالنهى أولاً عن زيارة القبور سدّاً لذريعة الشِّركِ، فلما استقر التوحيدُ في نفوسهم، وقويَ عندهم: أذِن في زيارتِها، غير أن لا يقولوا هُجراً، وهكذا قد يقال في الانتباذ في هذه الأوعية: أنه فطمهم عن المسكر، وأوعيته، وسدَّ الذريعة إليه؛ إذ كانوا حديثي عهدٍ بشربه، فلمَّا استقر تحريمُه عندهم، واطمأنت إليه نفوسُهم: أباح لهم الأوعية كُلَّها، غير أن لا يشربوا مسكراً، فهذا فِقه المسألة، وسِرُّها.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 607) .
وبما سبق يُعرف الجواب عن مسألتك الأولى، وأنه لا حرج عليكم من الشرب من آنية طليت بالقطران، على أن تنتبهوا حين يكون الشراب نبيذاً يطول مكثه، أو ما يشبهه من العصائر التي يمكن تخمرها.
ولا علاقة للقطران بالجن، ولا بالملائكة، ولم نقف على شيء من المنع من استعمال تلك الآنية لغير ما سبق ذِكره، ثم جاء النص بالإباحة، والذي نعتقده أن ما ذكرته إنما هو من اعتقادات العامة المبنية على الجهل والخرافة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/907)
حديث (إذا قرعت الكؤوس حرم ما فيها) لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة: (إذا قرعت الكؤوس حرم ما فيها) فهل هذا حديث أم لا؟ ، وإذا كان حديثاً فهل هو صحيح؟ وما حكم قرع الكؤوس ببعضها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أما ما يروى من حديث فيه النهي عن قرع الكؤوس، فمما لا أصل له في السنة النبوية، بل لم يرد له ذكر في كتب الموضوعات حتى، فيبدو أنه متأخر الوضع والانتشار بين الناس.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث: (ما تقارع كأسان إلا حرم ما فيهما)
فأجاب: " ليس له أصل " انتهى.
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
هل هذا القول حديث: (إذا قرع الكأس بالكأس حرم ما فيه) ، وما درجة صحته إن كان حديثا؟
فأجاب بقوله: " لا يصح، لا يصح " انتهى.
http://alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/84/Default.aspx?View=Page&NodeID=19879&PageID=9582
ثانيا:
أما حكم قرع الكؤوس عند الشرب فهو المنع والتحريم؛ لما فيه من تشبه ظاهر بعادات شراب الخمور الذين يتخذون بعض المظاهر عادات لهم في وقوعهم في المعصية.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله:
" لو اجتمع جماعة، وزينوا مجلسا، وأحضروا آلات الشرب وأقداحه، وصبوا فيها السكنجبين، ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم، حَرُمَ ذلك عليهم وإن كان المشروب مباحا في نفسه؛ لأن في هذا تشبها بأهل الفساد " انتهى.
"إحياء علوم الدين" (2/272) .
السكنجبين: شراب مركب من حامض وحلو، كذا في "المعجم الوسيط" (1/440) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/908)
هل يجهر بالتسمية قبل الأكل أو يقولها سراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم رفع الصوت عند قول بسم الله قبل تناول الطعام أم يجوز الإسرار بالبسملة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزم الجهر بالتسمية قبل الأكل، فلو قالها سراً، فقد امتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالتسمية قبل الأكل، ولكن أقل ذلك أن يحرك بها لسانه، وإن لم يجهر بالصوت.
والأفضل له أن يجهر بها حتى يُذَكِّر الناس، ويُعَلِّم الجاهل.
فقد سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن سبب قول بعض العلماء باستحباب الجهر بالتسمية للآكل، والإسرار بالتحميد إذا انتهى، فقال: "إنما سُن له الجهر بالتسمية لينبه الآكلين عليها، وعلى الأخذ في الأكل [يعني إذا كان هو كبير القوم فلا يأكلون حتى يبدأ هو] ، بخلاف الحمد، فإنه قد يكون فيهم من لم يكتف بعد، ومن ثَمَّ لو علم فراغهم وكفايتهم ينبغي أن يُسن له الجهر لينبههم عليه، ولما لم يوجد ذلك المعنى في الشرب [أي أنه سيشرب بمفرده، فليس هناك أحد ينبهه على التسمية] ، كان مخيراً بين الجهر والإسرار، ما لم يكن عالماً يُقتدى به، فيسن له الجهر، كما هو ظاهر، ليعلم من عنده السنة" انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (4/51) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/909)
حديث (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هدا الحديث صحيح: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نعثر على هذا الحديث – بعد البحث والتفتيش – في كتب السنة النبوية، ولم يذكره ـ فيما وقفنا عليه ـ سوى برهان الدين الحلبي في "السيرة الحلبية" (3/295) من غير إسناد ولا عزو لكتب الأثر، ولذلك فلا تصح نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قد يكون في معناه بعض التردد.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" هذا القول الذي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له " انتهى.
"السلسلة الصحيحة" (رقم/3942)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية (3/224) :
" هذا اللفظ المذكور ليس حديثا فيما نعلم " انتهى.
على أن الأدب الذي تضمنه هذا الكلام، مازال أهل العلم، وأهل العقل والحكمة يقولون به: أنه لا ينبغي للإنسان أن يُدخل طعاما على طعام آخر في بطنه، بل ينتظر حتى تطلب نفسه الطعام وتشتهيه، فإذا اشتهته وأعطاها حاجتها منه، فليقتصد في تناوله، ولا يملأ بطنه منه، بحيث يتجاوز حد الاعتدال والتوسط في ذلك.
عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ؛ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه أحمد (16735) والترمذي (2380) ، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الألباني.
قال صاحب " الفواكه الداواني" (2/317) :
(ومن آداب الأكل) المقارنة له (أن تجعل بطنك) ثلاثة أقسام (ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس) لاعتدال الجسد وخفته ; لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن وهو يورث الكسل عن العبادة , ولأنه إذا أكثر من الأكل لما بقي للنفس موضع إلا على وجه يضر به , ولما ورد: {المعدة بيت الداء , والحمية رأس الدواء , وأصل كل داء البردة. والحمية خلو البطن من الطعام , والبردة إدخال الطعام على الطعام , ولفظ المعدة} إلخ من كلام بعض الحكماء أدخله بعض الوضاع في المسند المرفوع ترويجا له ...
ومن كلامهم أيضا ما قاله مالك: ومن طب الأطباء أن ترفع يدك من الطعام وأنت تشتهيه ... وقال سحنون: كل شيء يعمل على الشبع إلا ابن آدم إذا شبع رقد.. "
وقال السفاريني في غذاء الألباب (2/110) :
" ينبغي للآكل أن يجعل ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للهواء..، امتثالا لما قال الرسول الشفيق الناصح لجميع الخلق المرشد للمنافع الدينية والدنيوية , والمنقذ من الهلاك , والمفاسد صلى الله عليه وسلم فهو الحكيم الناصح , والعليم الذي أتى بالعلم النافع , والحق الواضح. ولهذا قال الحافظ ابن رجب عن هذا الحديث: إنه أصل عظيم جامع لأصول الطب كلها. وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات يعني من قوله صلى الله عليه وسلم {: حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه} إلى آخره لسلموا من الأمراض , والأسقام ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلة. قال الحافظ ابن رجب: وإنما قال هذا ; لأن أصل كل داء التخم قال بعضهم: أصل كل داء البَرْدَة وروي مرفوعا ولا يصح رفعه. , وقال القرطبي في شرح الأسماء: لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وفي الإحياء ذكر هذا الحديث يعني تقسيم البطن أثلاثا لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا , ولا شك أن أثر الحكمة فيه واضح , وإنما خص الثلاثة بالذكر ; لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها.. وقال (الحارث بن كلدة) طبيب العرب: " الحمية رأس الدواء , والبطنة رأس الداء) ورفعه بعضهم ولا يصح أيضا قاله الحافظ , وقال الحارث أيضا: الذي قتل البرية , وأهلك السباع في البرية , إدخال الطعام على الطعام , قبل الانهضام " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/910)
حكم شمِّ الطعام والشراب
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصغر كان آباؤنا ينهوننا عن شمِّ النعمة (الأطعمة والمشروبات) ، وكانوا يقولون: إنَّ شَمَّ النعمة حرام ... ومن فترة نهيت أحد الأخوة عن شم النعمة، فقال لي: لا تُفتي عليَّ، إذا عندك دليل ائتني به، فما ردكم على سؤالي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء النهي في الشريعة عن التنفس في الإناء، وكذا عن النفخ في الشراب.
عن أبي قتادة رضي الله عنه أَنَّ النّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (نَهَى أَن يُتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ) رواه البخاري (5630) ومسلم (267)
والمقصود هو النهي عن النفخ بما في الإناء من طعام أو شراب.
يقول الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/221) : " الإناء يشمل إناء الطعام والشراب " انتهى.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "فتح الباري" (10/92) :
" وجاء في النهي عن النفخ في الإناء عدة أحاديث، وكذا النهي عن التنفس في الإناء؛ لأنه ربما حصل له تَغَيُّرٌ من النَّفَسِ، إما لكون المتنفِّسِ كان متغيِّرَ الفم بمأكولٍ مثلا، أو لبُعدِ عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النَّفَس يصعد ببخار المعدة، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشد من التنفُّس " انتهى.
يقول الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (2/454) :
" والحكمة من ذلك أن النَّفَسَ في الإناء مستقذر على من يشرب من بعده، وربما تخرج مع النَّفَسِ أمراض في المعدة أو في المريء أو في الفم، فتلتصق بالإناء، وربما يشرق إذا تنفَّسَ في الإناء، فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتنفَّسَ الإنسان في الإناء، بل يتنفَّس ثلاثة أنفاس، كل نَفَسٍ يبعد فيه الإناء عن فمه " انتهى.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَنِ النَّفخِ فِي الشَّرَابِ) رواه الترمذي (1887) وقال: حديث حسن صحيح. وصححه ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/317)
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (2/457) :
" وذلك لأن الإنسان إذا نفخ ربما يحصل من الهواء الذي يخرج منه أشياء مؤذية أو ضارة، كمرض ونحوه، إلا أن بعض العلماء استثنى من ذلك ما دعت الحاجة إليه، كما لو كان الشراب حارا ويحتاج إلى السرعة، فرخص في هذا بعض العلماء، ولكن الأَوْلَى ألا ينفخَ، حتى لو كان حارًّا، إذا كان حارًّا وعنده إناء آخر، فإنه يَصبُّه في الإناء، ثم يعيده مرة ثانية حتى يبرد " انتهى.
فلما عُرِفَتِ العلة للنهي عن النفخ أو التنفس في الإناء، قاس العلماء عليها كل ما يؤدِّي إلى تلويث الطعام والشراب.
فقال الشوكاني في"نيل الأوطار" (8/221) :
" وكما لا يتنفس في الإناء لا يَتَجَشَّأُ فيه " انتهى. والتَّجَشُّأُ: تنفُّسُ المعدة عند الامتلاء "لسان العرب" (1/48) .
وأما عن حكم شمِّ الطعام أو الشراب، فإن كان شمُّ الطعام أو الشراب بطريقةٍ يصيب فيها الطعامَ شيءٌ من النَّفَسِ الخارج من الأنف، فيُنهَى عنه حينئذ، أما إن لم يأته شيء من النَّفَسِ، وإنما أراد معرفة رائحة هذا الطعام وتمييزها، فلا بأس بذلك، على أن اقتراب الفم من الطعام أو الشراب كثيرا، غالبا ما يصاحبه شيء من النَّفَسِ الخارج من الأنف، لذلك كره بعض الفقهاء شَمَّ الطعام.
جاء في رد المحتار – من كتب الأحناف - (6/340) :
" ولا يأكل الطعام حارا، ولا يَشُمَّه " انتهى.
ونحوه في "مغني المحتاج" (4/412) من كتب الشافعية.
أما من أراد أن يَشُمَّ دخان الطعام الخارج منه عن بُعدٍ لِحاجة، أو حَرص على ألا يصيبَ شيءٌ من نَفَسِه الطعام أو الشراب، فقد انتفى في حقه المحذور إن شاء الله تعالى.
وليتأمل المسلم كم حرصت الشريعة على تعليم المسلم آداب المعيشة كلها، حتى في أمور طعامه وشرابه، وليتأمل كم في كتب فقهائنا رحمهم الله من تعليم الأدب والنظافة، ثم لينظر: هل على الأرض دين أو فكر جاء بالسمو الذي جاء به ديننا، فالحمد لله رب العالمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/911)
لا حرج من الأكل على الطاولة وبالملعقة والشوكة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الأكل على الطاولة (غرف السفرة) تشبهٌ بالكفار، وهل استعمال الملعقة أو الشوكة أثناء الأكل من الكِبْر، أو من التشبه بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج في الأكل على ما ذكر من الطاولة ونحوها، ولا في الأكل بالشوكة والملعقة ونحوهما، وليس في ذلك تشبه بالكفار؛ لأنه ليس مما يختص بهم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرازق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/309) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/912)
حكم الشرب من فم الزجاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النهى عن الشرب من فم السقاء ينطبق على الشرب من فم الزجاجات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ) رواه البخاري (5628) و (5629) من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.
و"السقاء" هو: الإناء الذي يوضع فيه الماء ويكون له فم يشرب منه، كالقربة.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله عدة علل لهذا النهي:
1- أن القربة لا يظهر ما بداخلها، فقد يكون بداخلها حشرة أو حية فتؤذيه، كما روي أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية.
وهذه العلة غير موجودة في الشرب من الزجاجات اليوم؛ لأن الغالب أن ما بداخلها ظاهر.
2- أن الذي يشرب من في السقاء قد يغلبه الماء، فينصب أكثر مما يحتاج إليه، فيشرق به أو تبتل ثيابه.
وهذه العلة موجودة فيمن يشرب من الزجاجات، كما تراه في كثير من الناس.
3- أن النهي عن ذلك حتى لا يصيب ريقه فم السقاء أو يختلط بالماء الموجود بداخله، أو يصيب نَفَسُه فم السقاء، فيتقذره غيره، وقد يكون ذلك سبباً لانتقال الأمراض.
وهذه العلة ـ أيضاً ـ موجودة فيمن يشرب من الزجاجة، ولكنها فيمن يمس الزجاجة بفمه، أما إذا كان يَصُبُّ منها ولا يمسها بفمه فلا بأس.
وكذلك أيضاً: هي خاصة بما إذا كان سيشرب من هذه الزجاجة غيره، أما إذا كانت الزجاجة خاصة به، فلا بأس حينئذ من الشرب من فمها.
ولا يبعد أن يكون النهي عن الشرب من في السقاء من أجل هذه العلل كلها، كما قال ذلك ابن العربي وابن أبي جمرة رحمهما الله تعالى.
وانظر: "فتح الباري" شرح الحديث رقم (5628) .
وبعض هذه العلل كما سبق، موجودة فيمن يشرب من الزجاجة، ولذلك فينبغي أن لا يشرب من فمها، لاسيما إذا كان سيشرب من الزجاجة غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/913)
حكم الشرب بكلتا اليدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرب باليدين معا؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
جاء الأمر صريحاً بالشرب باليد اليمنى، والنهي عن الشرب باليد اليسرى.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ) . رواه مسلم (2020) .
وعَنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ) . رواه مسلم (2019) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
وفي حديث جابر النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها، ومعلوم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها، فمن أكل بشماله أو شرب بشماله، وهو عالم بالنهي، ولا عذر له، ولا علة تمنعه: فقد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله: فقد غوى.
" الاستذكار " (8 / 341، 342) .
ثانياً:
الشرب بكلتا اليدين لا هو شرب باليمين وحدها فيكون موافقاً للشرع، ولا هو شرب بالشمال وحدها فيكون مخالفاً للشرع، وهل هو جائز؟ وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله؟ .
الذي يظهر لنا أنه جائز إن احتاج المسلم إلى أن يشرب بكلتا يديه، وقد ثبتت أحاديث في السنَّة النبوية ليس فيها التصريح بالشرب بكلتا اليدين، لكن يظهر لنا أنه لم يكن الأمر إلا كذلك، وذلك من مثل ما ثبت أنه شرب من " إناء "، ومن " قِربة "، ومن " دلو "؛ إذ الغالب في هذه أنه تُستعمل كلتا اليدين في حملها من أجل الشرب.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه إناء لبن وأمره أن يسقي أهل الصفة، قال أبو هريرة: (فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُنَاوِلُهُ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّهُ فَأُنَاوِلُهُ الْآخَرَ حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَى الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: أَبَا هُرَيْرَةَ، اشْرَبْ، فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ: اشْرَبْ، فَلَمْ أَزَلْ أَشْرَبُ وَيَقُولُ: اشْرَبْ حَتَّى قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى ثُمَّ شَرِبَ) . رواه الترمذي (2477) وصححه، وصححه الألباني.
فقوله (فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْهِ) : يدل على أن الإناء كان كبيراً فاحتاج لكلتا اليدين لأن يوضع فيهما، ويُفهم منه: جواز استعمالهما للشرب منه.
2. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ. رواه البخاري (1556) ومسلم (2027) .
ويقال فيه ما قيل في الإناء، وإذا كان في الآنية ما هو صغير ويحمل بيد واحدة: فإنه لا يقال ذلك – غالباً – في " الدلو "، فالذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم حمل الدلو بكلتا يديه، وشرب منه.
3. عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عُمَر عَنْ جَدَّته كَبْشَة قَالَتْ: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْت قِرْبَة مُعَلَّقَة فَشَرِبَ قَائِمًا فَقُمْت إِلَى فِيهَا فَقَطَعْته) . رواه الترمذي (1892) وصححه، وابن ماجه (3423) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
4- وقد جاء في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم همَّ أن يشرب بيديه، وهو تفسير " الكِراع " الذي جاء في الحديث عند بعض العلماء.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ، وَإِلَّا كَرَعْنَا، قَالَ: وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ فَانْطَلِقْ إِلَى الْعَرِيشِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمَا، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ، قَالَ: فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ. رواه البخاري (5290) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"قوله (وإلا كرعنا) فيه حذف تقديره: فاسقِنا وإن لم يكن عندك كرعنا، ووقع في رواية ابن ماجه التصريح بطلب السقي، والكرع: تناول الماء الفم من غير إناء، ولا كف، وقال ابن التين: حكى أبو عبد الملك أنه الشرب باليدين معا، قال: وأهل اللغة على خلافه، قلت: ويرده ما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر قال: مررنا على بركة فجعلنا نكرع فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكرعوا، ولكن اغسلوا أيديكم ثم اشربوا بها) الحديث، ولكن في سنده ضعف، فإن كان محفوظاً: فالنهي فيه للتنزيه، والفعل لبيان الجواز، أو قصة جابر قبل النهي، أو النهي في غير حال الضرورة.
" فتح الباري " (10 / 77) .
وقال الشيخ ابن باز - في شرحه لحديث جابر -:
شوب اللبن بالماء لا بأس به، وفيه إعطاء من على يمينك وإن كان مفضولاً، إلا أن يسمح من على يمينك فتناوله يسارك، وفيه جواز الكرع إذا دعت الحاجة إليه، وهو الشرب بالفم، وإن تيسر بالإناء، أو بالكفين فهو أولى حتى لا يشابه البهائم.
" الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري " (4 / 143) .
ثالثاً:
قد جاء في كلام العلماء ما يدل على جواز الشرب بكلتا اليدين، ومن ذلك:
1. قال النووي رحمه الله:
قال أصحابنا: لو شرب بكفيه وفي أصبعه خاتم فضة: لم يكره.
" المجموع " (1 / 316) .
2. وفي سياق تفسير قوله تعالى: (إِلاَّ مَن اغْتَرَفَ غُرْفةً بِيَدِه) قال القرطبي رحمه الله:
وقال بعض المفسرين: الغَرْفة بالكفِّ الواحد والغُرْفة بالكفَّيْن.
وقال بعضهم: كلاهما لغتان بمعنى واحد.
وقال عليّ رضي الله عنه: الأكُفّ أنْظَفُ الآنية.
ومن أراد الحلال الصرف في هذه الأزمان، دون شبهة ولا امتراء ولا ارتياب: فليشرب بكفيه الماء من العيون والأنهار المسخرة بالجريان آناء الليل وآناء النهار.
" تفسير القرطبي " (3 / 253، 254) .
والخلاصة:
جواز الشرب بكلتا اليدين، ولا يدخل هذا الفعل في النهي عن الشرب بالشمال، والشيطان إنما يشرب بشماله لا بكلتا يديه، وقد يتعين الشرب باليدين ولا بد في حالات: كأن يكون الإناء كبيراً، أو يكون الشرب من فخارة، أو من دلو، أو مع ضعف اليد اليمنى، وما يشبه ذلك من حالات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/914)
أحاديث نبوية في ذم الإسراف في الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذين الحديثين لو سمحتم: روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع؛ فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، وضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم) رواه البخاري. ولقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نأكل كل ما تشتهيه الأنفس؛ فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من الإسراف أن تأكل ما اشتهيت) رواه ابن ماجه. وهل هناك في الشرع شيء ينهى أن يسرف المسلم في أكله، أو أن لا يستطيع التحكم في أكله ويأكل في كل وقت وحين؟ حديث أو آية أو كتاب ممكن أن تنصحون به ينهى المسلم عن هذه الأمور، أو يكلمنا عن هدي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، عن أكله ومطعمه. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شهوة البطن من أعظم المهلكات، وسببُ كثيرٍ من الآفات والأمراض القلبية والبدنية، إذ تتبعها شهوة الفرج، ثم الرغبة في الجاه والمال لتحقيق هاتين الشهوتين، ويتولد من ذلك من أمراض القلوب الرياء والحسد والتفاخر والكبر بسبب الانشغال بالدنيا، وغالبا ما يدفعه ذلك إلى المنكر والفحشاء، كله بسبب هذه الشهوة، وقد قالت العرب قديما: المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء.
يقول الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31
وفي السنة النبوية من الحث على الاعتدال في الطعام، وذم الإسراف الشيء الكثير:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2265)
وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ: يَا نَافِعُ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) رواه البخاري (5393) ومسلم (2060)
يقول النووي في شرح هذا الحديث (14/25) :
" قال العلماء: ومقصود الحديث التقليل من الدنيا، والحث على الزهد فيها والقناعة، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل، وكثرة الأكل بضده، وأما قول ابن عمر فى المسكين الذى أكل عنده كثيرا: " لا يدخلن هذا علي "، فإنما قال هذا لأنه أشبه الكفار، ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة أو ضرورة؛ ولأن القدر الذى يأكله هذا يمكن أن يسد به خلة جماعة " انتهى.
وقد سبق في موقعنا ذكر أحاديث أخرى في هذا الباب، فانظر سؤال رقم (71173)
ثانيا:
يلخص لنا ابن القيم رحمه الله تعالى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطعام والشراب، ويستخلصه من الأحاديث الصحيحة، فيقول – كما في "زاد المعاد" (1/147) -:
" وكذلك كان هديُه صلى الله عليه وسلم وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ، ولم يحرمه على الأمة، وأكل الحلوى والعسل، وكان يُحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حِمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرُّطبَ والتمرَ ... ولم يكن يردُّ طَيِّباً، ولا يتكلفه، بل كان هديه أكلَ ما تيسر، فإن أعوزه صَبَرَ حتى إنه ليربِطُ على بطنه الحجر من الجوع، ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ ولا يُوقد في بيته نارٌ " انتهى باختصار.
ثالثا:
ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف، ومنها:
1- صفاءُ القلبِ وإيقادُ القريحة وإنفاذ البصيرة، فإنّ الشبعَ يورثُ البلادةَ ويُعمي القلب، ولهذا جاءَ في الحكمة (مَن أجاعَ بطنَه عظُمت فكرتُه وفَطُن قلبُه) .
2- الانكسارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفرحِ والأشرِ، الذي هو مبدأُ الطغيانِ والغفلةِ عن الله تعالى.
3- أن لا ينسى بلاءَ الله وعذابه، ولا ينسى أهلَ البلاء، فإن الشبعانَ ينسى الجائعَ وينسى الجوع، والعبدُ الفطنُ لا يجدُ بلاءَ غيرِه إلا ويتذكرُ بلاءَ الآخرة.
4- من أكبر الفوائد: كسرُ شهواتِ المعاصي كلّها، والاستيلاءُ على النفسِ الأمّارةِ بالسوء، فإنَّ منشأَ المعاصي كلِّها الشهواتُ والقوى، ومادةُ القوى والشهواتِ لا محالة الأطعمة. قال ذو النون: ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ أو هممتُ بمعصية.
5- دفعُ النومِ ودوامُ السَّهر، فإنَّ مَن شَبِع كثيرًا شرب كثيرًا، ومن كثر شربُه كثرَ نومه، وفي كثرةِ النومِ ضياعُ العمر وفوتُ التهجدِ وبلادةُ الطبعِ وقسوةُ القب، والعمرُ أنفسُ الجواهرِ، وهو رأسُ مالِ العبدِ، فيه يتجر، والنومُ موت، فتكثيره يُنقِصُ العمر.
6- صحةُ البدن ودفعُ الأمراض، فإن سببَها كثرةُ الأكل وحصولُ الأخلاط في المعدة، وقد قالَ الأطباء: البِطْنةُ أصلُ الداء، والحِميةُ أصلُ الدواء.
" ملخصة من إحياء علوم الدين (3/104-109) "
رابعا:
أما الأحاديث المذكورة في السؤال فلم يصح منها شيء:
الحديث الأول:
قالت عائشة رضي الله عنها: (إن أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد قضاء نبيها صلى الله عليه وسلم: الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فتصعبت قلوبهم، وجمحت شهواتهم) رواه البخاري في "الضعفاء" – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/335) - ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (رقم/22)
من طريق غسان بن عبيد الأزدي الموصلي، قال: حدثنا حمزة البصري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به.
قلت: وهذا السند ضعيف جدا بسبب غسان بن عبيد، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (4/418) : " قال أحمد بن حنبل: كتبنا عنه، قدم علينا ههنا ثم حرقت حديثه. قال ابن عدي: الضعف على حديثه بين. – وفي رواية عن يحيى بن معين - ضعيف ... - ثم عد حديث عائشة الذي معنا من مناكيره – " انتهى بتصرف.
ولذلك قال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1239) : " منكر موقوف " انتهى.
تنبيه: جاء في السؤال نسبة هذا الحديث إلى البخاري، وهذا خطأ كبير؛ لأن إطلاق القول بـ: " رواه البخاري "، ينصرف عادة إلى الصحيح، والبخاري له كتب أخرى كثيرة، يروي فيها الأحاديث بأسانيده، ولا يشترط فيها الصحة، منها كتاب "الضعفاء الصغير" وهو مطبوع، وله كتاب "الضعفاء الكبير": ذكره ابن النديم وبروكلمان في "تاريخ الأدب" (ص/65) وأنه ما زال مخطوطا في مكتبة "بتنة" في الهند؛ فإذا قدر أن البخاري روى حديثا في شيء من كتبه، سوى الصحيح الذي هو أعظم دواوين الإسلام، فينبغي أن يبين عند نسبة الحديث: رواه البخاري في التاريخ، أو: في الضفعاء، أو في الأدب المفرد..، مثلا، ثم يبحث في سند الحديث: هل هو صحيح أو لا، كما هو الحال في الكتب الأخرى.
وحديث عائشة هذا لعله في "الضعفاء الكبير"، فقد بحثنا عنه في "الصغير" فلم أجده، كما أن الضعفاء الصغير نادرا ما يذكر فيه الأحاديث والأسانيد. والله أعلم.
الحديث الثاني:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ) رواه ابن ماجه (3352) وأبو يعلى في "المسند" (5/154) وأبو نعيم في "الحلية" (10/213) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/46) وغيرهم من طرق عن بقية بن الوليد حدثنا يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس مرفوعا.
وهذا السند ضعيف جدا، فيه عدة علل، منها:
1- يوسف بن أبي كثير: قال عنه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (11/421) : " أحد شيوخ بقية الذين لا يعرفون " انتهى.
2- نوح بن ذكوان: منكر الحديث: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/484) :
" قال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، يجب التنكب عن حديثه ... وقال أبو نعيم: روى عن الحسن المعضلات، وله صحيفة عن الحسن عن أنس: لا شىء " انتهى باختصار.
ولذلك ضعف الحديث غير واحد من أهل العلم: ابن حبان في "المجروحين" (3/47) ، وابن عدي في "الكامل" (8/299) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/182) ، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/188) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (515) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/241) : موضوع.
وفيما سبق من الأحاديث الصحيحة غنى عن هذين الحديثين الضعيفين، ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليرجع إلى كتاب: " الجوع " لابن أبي الدنيا، و "مختصر منهاج القاصدين " لابن قدامة، "زاد المعاد" لابن القيم، و "شرح رياض الصالحين" للشيخ ابن عثيمين.
وانظر جواب السؤال رقم (6503)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/915)
النهي عن التنفس في الإناء هل يشمل من كان له كأس يخصه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث يمنع من التنفس في الإناء؛ هل يمكن أن تشرح لي المقصود من هذا الحديث؟ هل يقصد الحديث المرء الذي يشرب من كوبه الخاص أم الحديث أعمّ من ذلك بمعنى أنه لا يجوز للمرء النفخ في أي إناء سواء خاصا به هو أو بغيره ممن قد يشربون منه غيره أو يأكلون فيه؟ أفهم إذن أيضًا أنه لا يجوز النفخ في الشاي لتبريده، أليس كذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء) رواه البخاري (149) ومسلم (3780) ، وفي هذا الحديث نهي للشارب أن يتنفس في الإناء الذي يشرب منه، سواء انفرد بالشرب من هذا الإناء، أو شاركه فيه غيره، وهذا من مكارم الأخلاق التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، لتترقى في مدارج الكمال الإنساني.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة، إذ قد يخرج مع النَّفَس بصاق أو مخاط أو بخار ردئ فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره من شربه" انتهى.
إذاً لا يختص بهذا الأدب من كان يشاركه في الإناء غيره، بل المنفرد بالإناء كذلك، فإنه لوقع في الشراب أو الطعام شيء مما يُستقذر فإنه سيستقذره، وإن كان من نفسه.
وأما النفخ في الإناء فقد وردت فيه أحاديث بالنهي عنه، منها: ما رواه الترمذي (1810) وأبو داود (3240) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه) وصححه الألباني في "صحيح الجامع " (6820) .
قال الشوكاني في" نيل الأوطار " (8/221) عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: (أو ينفخ فيه) قال: "أي في الإناء الذي يشرب منه، والإناء يشمل إناء الطعام والشراب، فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء من قذارة ونحوها، فإنه لا يخلو النفخ غالباً من بزاق يستقذر منه، وكذا لا ينفخ في الإناء لتبريد الطعام الحار، بل يصبر إلى أن يبرد، ولا يأكله حاراً، فإن البركة تذهب منه، وهو شراب أهل النار" انتهى.
وقال العلامة المناوي رحمه الله في "فيض القدير " (6/346) :"والنفخ في الطعام الحار يدل على العجلة الدالة على الشَّرَه وعدم الصبر وقلة المروءة" انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: " والنفخ أشد من التنفس".
وهذا النهي عن الأمرين للكراهة، فمن فعلهما أو أحدهما لا يأثم إلا أنه قد فاته أجر امتثال هذه التوجيهات النبوية، كما فاته أيضاً التأدب بهذا الأدب الرفيع الذي تحبه وترضاه النفوس الكاملة، قال العلامة ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في " الآداب الشرعية " (3/167) : " يكره نفخ الطعام والشراب، وحكمة ذلك تقتضي التسوية، ولذلك سوى الشارع بين النفخ والتنفس فيه" انتهى.
وإذا كانت هناك حاجة تدعو إلى النفخ في الطعام أو الشراب لتبريده، وكان يحتاج إلى أن يأكل أو يشرب ويشق عليه أن ينتظره ليبرد، فإن الكراهة تزول حينئذ كما صرح بذلك بعض أهل العلم، قال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (8/328) : " قال الآمدي: لا يكره النفخ في الطعام إذا كان حاراً. قلت (المرداوي) وهو الصواب، إن كان ثَمَّ حاجة إلى الأكل حينئذ" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين": " إلا أن بعض العلماء استثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة، كما لو كان الشراب حاراً ويحتاج إلى السرعة، فرخص في هذا بعض العلماء، ولكن الأولى أن لا ينفخ حتى لو كان حاراً؛ إذا كان حاراً وعنده إناء آخر فإنه يصبه في الإناء ثم يعيده ثانية حتى يبرد" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/916)
هل يجوز للمرأة أن تؤدي أعمال البيت وهي جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تؤدي وظائفها المعتادة كالطبخ، ورعاية الأطفال، وشؤون البيت قبل الاغتسال من الجماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الجنب الصلاة والطواف والمكث في المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف، وما سوى ذلك فهو جائز.
فلا حرج على المرأة إن كانت على جنابة أن تطبخ أو تقوم على رعاية بيتها وأبنائها وقضاء حوائجها، وقد دل على ذلك عدة أدلة منها:
أ. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنُب، قال فانخنستُ منه، فذهبت فاغتسلت، ثم جئت فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قلت: كنت جنُباً فكرهتُ أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله، إن المسلم لا ينجس.
رواه البخاري (279) ومسلم (371) .
قال الحافظ ابن حجر:
وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، ... وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه.
" فتح الباري " (1 / 391) .
والأفضل للجنب أن يسارع إلى الاغتسال خشية نسيانه لجنابته، ولو توضأ قبل مباشرته للطعام والشراب وقبل نومه فهو أفضل من فعل هذه الأشياء، وهو على جنابة، وليس هذا الوضوء بواجب بل هو لتخفيف الحدث، وهو مستحب، وفي ذلك بعض أحاديث، منها:
أ. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة.
رواه مسلم (305) .
ب. عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب.
رواه البخاري (283) ومسلم (306) .
قال النووي:
وفيها: أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها، ولاسيما إذا أراد جماع من لم يجامعها؛ فإنه يتأكد استحباب غسل ذكَره، وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء، وهذه الأحاديث تدل عليه، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وبهذا قال مالك والجمهور.
" شرح مسلم " (3 / 217) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
الجنُب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء، لكن يُكره له النوم إذا لم يتوضأ؛ فإنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم " سئل هل يرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال: نعم، إذا توضأ للصلاة " ...
" مجموع الفتاوى " (21 / 343) .
راجع السؤال رقم (6533)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/917)
الإسراف في الولائم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة ذهبت إلى بيت امرأة رزقها الله بمولود وهناك ولائم وإسراف وتبذير جرت عليه العادة فهنأتها بسلامتها ومولودها ولا تريد أن تأكل من هذه الولائم خشية الإثم وتتكرر الولائم لأسبوع أو أكثر. فما الحكم في هذه الولائم. وبم تنصحون هذه المرأة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على هذه الزائرة في الأكل من هذه الولائم، ولو كان فيها إسراف كما ذكرت، وعليها أن تنصح لأهل البيت، وتبين لهم أهمية المحافظة على النعمة، وشكرها، وعدم التبذير أو الإسراف فيها، وأن ترشدهم إلى الاستفادة من هذه الولائم، بتوزيع الزائد منها على الفقراء والمحتاجين، وبهذا يتحقق لهم الأجر والثواب، مع الفرح والسرور.
وأما ما يفعله بعض الناس من التبذير في الطعام، وإلقائه مع المهملات، فهذا منكر، وتعدٍّ على نعم الله وخيراته، وإعانة للشيطان وإفادة له. فقد روى مسلم (2033) عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ) .
وسئلت اللجنة الدائمة ما نصه: " ما قولكم رضي الله عنكم في بقايا الطعام، والطعام الزائد عن الحاجة، ففي الكلية تقدم أصناف متعددة، والطالب يأكل القليل ويحذف الباقي؟
فأجابت: الإسراف ممنوع، وإضاعة المال ممنوعة، فيجب حفظ الطعام الباقي للمرة الثانية، أو إطعامه المحتاجين، فإن لم يوجدوا فالحيوانات، ولو بعد تجفيفه لمن يتيسر له ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/291) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/918)
حديث موضوع في فضل التقاط الطعام الملقى على الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "من التقط لقمة وقعت منه على الأرض أثناء الطعام فسوف يهبه الله أطفالاً رائعين جدًا ". فهل هذا الحديث صحيح ومن الكتب المحققة؟ وإن كان صحيحًا فما التفسير العلمي لهذا الحديث (أقصد ما العلاقة بين التقاط الطعام والأطفال الرائعين؟) ]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
جاءت الشريعة المطهرة باحترام النعم، وشكر المنن، وتقدير الخير الذي يسخره سبحانه وتعالى للناس.
والطعام من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان، جعل فيه حياته وقوته، كما جعل فيه لذته، ولذلك أمر بالحمد بعد تناوله، والشكر على إحسانه به.
يقول الله عز وجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/172
وقال سبحانه:
(فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/114
وقال سبحانه:
(لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) يس/35
ولا شك أن من شكر نعمة الطعام احترامها وعدم إلقائها، ورفعها عن مواضع الإهانة والقذارة، وحفظها عن ما يفسدها.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/191) :
" حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها، وتعظيمها من شكرها، والرمي بها من الاستخفاف بها، وذلك من الكفران، والكَفور ممقوت مسلوب، ولهذا قالوا: الشكر قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وقالوا: كفران النعم بوار، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم هاربها بكرم الجوار.
فارتباط النعم بشكرها، وزوالها في كفرها، فمن عظَّمَها فقد شكرها، ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال، ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت.
قال ابن الحاج: كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق.
قال: فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة، مما يؤكل، أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه، لكن لا يُقَبِّلُهُ ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة؛ فإنه بدعة.
قال: وهذا الباب مجرَّب، فمن عظَّم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه، وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا ومخرجا " انتهى.
وقد جاءت النصوص تأمر برفع الطعام الساقط على الأرض:
فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2033)
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2034)
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/206) :
" معناه والله أعلم: أن الطعام الذى يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يُدرى أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو في ما بقي في أسفل القصعة، أو فى اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم: ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويُقَوِّي على طاعة الله تعالى وغير ذلك " انتهى.
وقد نص الفقهاء في كتبهم على هذا الأدب العظيم، حتى قال ابن حزم في "المحلى" (6/117) بوجوبه، وانظر: المبسوط (30/268) ، حاشية تحفة المحتاج (7/438) ، الإنصاف (8/327) ، الموسوعة الفقهية (6/121) .
كما ذكروا لهذا الأدب حكما عديدة، وفوائد كثيرة، منها:
1- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
2- التواضع وعدم التكبر.
3- احترام نعم الله تعالى وتعظيمها وشكرها وعدم الاستخفاف بها.
4- تحصيل البركة التي قد تكون في اللقمة الساقطة.
5- حرمان الشيطان من ذلك الطعام، حتى قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/204) :
" فان وقعت على موضع نجس فلا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولايتركها للشيطان " انتهى.
6- الاقتصاد وعدم الإسراف.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/459) :
" من آداب الأكل أن الإنسان إذا سقطت لقمة على الأرض فإنه لا يدعها؛ لن الشيطان يحضر الإنسان في جميع شئونه ...
والإنسان إذا فعل هذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتواضعا لله عز وجل، وحرمانا للشيطان من أكلها، حصل على هذه الفوائد الثلاثة: الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتواضع، وحرمان الشيطان من أكلها " انتهى.
ويغفل كثير من الناس عن هذا الأدب أثناء تناول الطعام على السفر، فيظنون أنه أدب خاص بما إذا سقط الطعام على الأرض، ولكنه أدب ينبغي الامتثال به حتى على السفر، فإذا سقطت اللقمة من الصحن على السفرة فعليه أن يرفعها.
سئل الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (31/سؤال رقم 25) :
" الطعام الذي يسقط على السفرة هل يدخل في حديث إماطة الأذى؟
فأجاب:
نعم. الطعام الذي يسقط على السفرة داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سقطت لقمة أحدكم، فليأخذها وليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان) " انتهى.
ثانيا:
ما يتناقله بعض الناس من مبالغات في هذا الموضوع هو من الأخبار الكاذبة، فقد روى بعض الوضاعين فضائل لمن يرفع اللقمة الساقطة على الأرض، ونسبوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بريء منه.
يقول الإمام السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (627) :
" حديث (من أكل ما يسقط من الخِوان والقَصعةِ أمِن من الفقر والبرص والجذام، وصُرِفَ عن ولده الحُمقُ) أبو الشيخ في الثواب عن جابر به مرفوعا.
وعن الحجَّاجِ بن علاط مرفوعا أيضا بلفظ:
(أُعطِيَ سعةً من الرزق، ووُقِيَ الحمقَ في ولده، وَوَلَدِ ولده)
والديلمي من طريق الرشيد عن آبائه عن ابن عباس رفعه:
(من أكل ما يسقط من المائدة خرج ولده صباح الوجوه، ونفى عنه الفقر)
وأخرجه الخطيب في ترجمة عبد الصمد الهاشمي ثم ضعفه.
وأورده الغزالي في الإحياء بلفظ: (عاش في سعة، وعوفي في ولده)
وفي الباب عن أنس أورده الخطيب في ترجمة يونس من المؤتلف، وفيه قصة لهدبة بن خالد مع المأمون، وعن أبي هريرة.
وكلها مناكير " انتهى.
ومن الأحاديث المكذوبة في هذا الموضوع:
(أكرموا الخبز، فإنه من بركات السماء والأرض، من أكل ما يسقط من السفرة غُفر له)
وانظر "الموضوعات" (2/289- 292) ، "تنزيه الشريعة" (322) ، "كشف الخفاء" (2/230)
فالواجب تحذير الناس من هذه الأحاديث، وبيان بطلانها وكذبها، ونفيُ الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال والقربات.
ثالثا:
مما ينبغي التنبيه عليه ما يفعله بعض الناس حين يرفع الطعام الساقط على الأرض فتجده يقبله ويضعه على جبهته، فما حكم ذلك؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/133-134) :
" صرّح الشّافعيّة بجواز تقبيل الخبز، وقالوا: إنّه بدعة مباحة أو حسنة، لأنّه لا دليل على التّحريم ولا الكراهة، لأنّ المكروه ما ورد عنه نهي، أو كان فيه خلاف قويّ، ولم يرد في ذلك نهي، فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرّد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه.
وقال صاحب الدّرّ من الحنفيّة مؤيّداً قول الشّافعيّة في جواز تقبيل الخبز: وقواعدنا لا تأباه.
أمّا الحنابلة فقالوا: لا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشّرع " انتهى.
قال ابن مفلح: (وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين؛ فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات، إلا ما استثناه الشرع) الآداب الشرعية (3/231) .
وإلى المنع ذهب المالكية أيضا. قالوا: (وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ وَكَذَا الْخُبْزُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ امْتِهَانَهُ ـ أي الخبز ـ مَكْرُوهٌ [الخرشي على خليل (2/326) الفواكه الدواني (1/356) ]
وقد سبق نص ابن الحاج على أن تقبيل الخبز بدعة.
والأظهر ـ والله أعلم ـ ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من المنع، لقول عمر رضي الله عنه، لمّا قبل الحجر: (لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ) رواه البخاري (1610) ومسلم (1270) .
قال الحافظ ابن حجر: " قال شيخنا [يعني: العراقي] في شرح الترمذي: فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/919)
ماذا يقول من تذكر التسمية بعد الفراغ من الأكل
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن أنهيت أكل وجبتي وهممت أن أحمد الله بعد الانتهاء من الأكل، تذكرت أني لم أقل بسم الله، فهل أقول بسم الله أوله وآخره، الحمد لله؟ أم أقول الحمد لله وحدها؟ أم ماذا؟ أفيدونا مشكورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع لمن نسي التسمية في أول الطعام أن يقول حين يذكرها (بسم الله أَوَّلَه وآخرَه) أو يقول (بسم الله في أوَّلِه وآخرِه)
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُم فَليَذكُرِ اسمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ، فَإِن نَسِيَ أَن يَذكُرَ اسمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَليَقُل: بِسمِ اللَّهِ فِي أَوَّلَهُ وَآخِرَه) رواه الترمذي (1857) وقال: حسن صحيح.
وقوله: (فإن نسي أن يذكر الله في أوله، فليقل..) شامل لمن تذكر التسمية أثناء الطعام، أو آخره، أو بعد الفراغ منه بالزمن اليسير، لعموم مفهوم الحديث.
قال في كشاف القناع (5/173) : " وظاهره ولو بعد فراغه من الأكل ".
وجاء في مغني المحتاج (4/411) :
" فإن تركها (أي التسمية) في أوله أتى بها في أثنائه، فإن تركها في أثنائه أتى بها في آخره " انتهى.
وقال في نهاية المحتاج (1/184) :
" لا يأتي بها (أي التسمية) بعد فراغ وضوئه، بخلاف الأكل فإنه يأتي بها بعده " انتهى.
قال في الحاشية على نهاية المحتاج:
" محله إذا قَصُرَ الفصل، بحيث يُنسَبُ إليه عُرفًا " انتهى.
وقد دل الحديث أيضا على أن قول (بسم الله في أوله وآخره) يقوم مقام التسمية في البداية، ويكتب للمسلم أجر الاستعانة بالله في أول الطعام، تكرما وتفضلا منه سبحانه وتعالى.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/296) :
" لا يقال كيف تَصدُقُ الاستعانة ببسم الله في الأول، وقد خلا الأول عنها؟!
لأنَّا نقول: الشرع جعله إنشاء استعانةٍ في أوله، وليس هذا إخبارا حتى يُكَذَّبَ، وبه يصير المتكلم مستعينا في أوله، ويترتَّبُ عليه ما يترتب على الاستعانة في أوله " انتهى.
كما أن السنة لمن فرغ من طعامه أن يحمد الله تعالى عليه بأنواع من الحمد، منها:
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال:
(الحَمْدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُستَغْنًى عَنْهُ رَبَُّنَا)
رواه البخاري (5458)
فمن نسي التسمية في أول الطعام، ثم ذكرها حين فرغ منه، فيستحب له أن يقول (بسم الله في أوله وآخره) ثم يحمد الله تعالى، ويكون بذلك قد عمل بالحديثين، وامتثل ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تعارض في الجمع بين الذكرين بعد الفراغ من الطعام، كما يظهر أنه لو قدم الحمد على قوله (بسم الله في أوله وآخره) فلا حرج عليه إن شاء الله؛ لأن المقصود هو تحقيق الذِّكرَين: التسمية والحمد، فلا يضره بأيهما بدأ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/920)
ولدٌ يجادلُ والدتَه في أمورِ طعامِهِ وصلاتِهِ
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي سمين جدًا، ويأكل كثيرًا، وكلما نَصَحَتْه والدتي في التقليل من الأكل، وتهدده بأنها سوف لن ترضى عنه إذا لم يسمع كلامها، فيقول: إن الأكل ليس محرمًا، وليس للوالدة أن تمنعه من أمر حلال؟
وأيضًا، هو لا يصلي في المسجد، وكلما قالت له الوالدة: لماذا لا تذهب؟ يقول: إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة كما قال الإمام أبو حنيفة.
وأيضًا يؤخر الصلاة بعد الأذان بفترة طويلة، وكلما قلنا له: لماذا لا تصلي في الوقت؟
فيقول: أنا لم أتجاوز الوقت المحدد، فالصلاة لها أوقاتٌ معروفةٌ ليست مقترنةً بالأذان والإقامة. فكيف نجيب عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إنّ مِن أعظمِ ما امتنّ الله سبحانه وتعالى به على عبادِهِ أنْ سخَّر لهم ما في الأرضِ جميعا منه، وأنزل عليهم النعم، وأباح لهم الطيباتِ من المأكلِ والمشربِ والملبس وغيرها.
ولكنه سبحانه وتعالى أيضًا ذم كلَّ من يسرفُ في استعمالِ هذه المباحات، أو يترخصُ فيها ترخصًا يؤذيه، أو يشغله عن ما هو أنفعُ له في دينِه ودنياه.
قال سبحانه وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
ثانياً:
من أخطرِ المهلكاتِ لابنِ آدمَ شهوةُ البطن، والبطنُ ينبوع الشهواتِ ومَنِبتُ الأدواء والآفات.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
أي: يكفي ابن آدم من الطعام ما يقيم صلبه فقط , ولا يزيد على ذلك , فإن أبى وأصَرَّ على الزيادة , فيأكل ما يملأ ثلث بطنه , ويكون ثلث آخر للشراب , ويبقى الثلث للتنفس , ولا يزيد على هذا القدر.
انظر: "تحفة الأحوذي".
وقد كان العقلاءُ في الجاهليةِ والإسلامِ يتمدحونَ بقلةِ الأكل.
قال حاتمُ الطائيُّ:
فإنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعَا
"فتح الباري" (9/669) .
وإذا أكثر الإنسان من الطعام حتى ضره ذلك، كان هذا حراما.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل كثرةُ الأكلِ حرام؟
فأجابوا:
" نعم، يَحرُمُ على المسلمِ أن يُكثرَ من الأكلِ على وجهٍ يضرُّه؛ لأنّ ذلك من الإسراف، والإسرافُ حرام، لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين) الأعراف/31 " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/329) .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الترهيب من الإكثار من الشبع , وأن ذلك سبب للتألم بالجوع يوم القيامة، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (2015) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والْجُشَاء هُوَ صَوْتٌ مَعَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الإنسان عِنْدَ الشِّبَعِ.
وَرَوَاهُ اِبْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ , عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَزَادُوا: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا , كَانَ إِذَا تَغَدَّى لا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لا يَتَغَدَّى , وَفِي رِوَايَةٍ لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: فَمَا مَلأَتْ بَطْنِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً.
انظر: "تحفة الأحوذي".
وسبيلُ ترك الأكلِ الكثير إنما هو بالتدريج، فمن اعتادَ الأكلَ الكثيرَ وانتقلَ دفعةً واحدةً إلى القليل ضعفَ وعظُمت مشقته، فينبغي أن يتدرجَ إليه قليلًا قليلًا، وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من طعامِه المعتاد، حتى يصلَ إلى الحدّ المعتدلِ من الطعام.
ثالثاً:
إن كانت صلاةُ الجماعة سنةً مؤكدة، أو كانت الصلاة في أول الوقت فضيلة، فذلك يعني أن نَعَضَّ عليها بالنواجذ ونحرصَ عليها، لا أن نُهمِلَها ونتهاونَ بأدائِها، ولْنحمدِ اللهَ تعالى أن شرعَ لنا سُننَ الهدى ومناسكَ العبادةِ والخير، ولْنأخذِ العبرةَ من حالِ سلفنا من الجيل الأول.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من سرّه أن يلقَى اللهَ غدًا مسلمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيثُ ينادَى بهن، فإنّ اللهَ شرعَ لنبيكم سننَ الهُدى، وإنّهنَّ مِن سننِ الهُدى، ولو أنّكم صلّيتُم في بيوتِكم كما يُصَلّي هذا المتخلِّفُ في بيتِهِ لتركتُم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنةَ نبيِّكم لضلَلَتم، وما مِن رجلٍ يتطهرُ فيُحسِنُ الطهور، ثم يَعمِد إلى مسجدٍ مِن هذه المساجد، إلا كتبَ اللهُ له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعُه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) .
وهذا على فرضِ كونِ صلاةِ الجماعة سنةً مؤكدةً , وقد سبق بيان وجوبها بالأدلة الدالة على ذلك , في أجوبة كثير من الأسئلة , وانظر السؤال رقم: (120) (8918) (10292) (21498) (40113) .
نسألُ اللهَ تعالى أن يوفقَنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/921)
حكم الشرب قائماً
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أحاديث في النهي عن الشرب قائماً، فهل معنى ذلك أن الشرب قائماً حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت أحاديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنهي عن الشرب قائماً، منها ما رواه مسلم (2024) (2025) عَنْ أَنَسٍ وأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ (في لفظ: نَهَى) عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا.
ووردت أحاديث أخرى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب قائماً، منها:
ما رواه البخاري (1637) مسلم (2027) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ.
وروى البخاري (5615) عن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه شَرِبَ قَائِمًا ثم قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ.
وروى أحمد (797) أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرِبَ قَائِمًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ فَقَالَ: مَا تَنْظُرُونَ! إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَاعِدًا. قال أحمد شاكر في تحقيق المسند: إسناده صحيح اهـ.
وروى الترمذي (1881) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث بأن النهي ليس للتحريم، وإنما هو محمول على الإرشاد، وأن الأفضل أن يشرب جالساً، وأحاديث شرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً تدل على جواز ذلك.
قال النووي رحمه الله:
"لَيْسَ فِي هَذِهِ الأَحَادِيث بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى إِشْكَال , وَلا فِيهَا ضَعْف , بَلْ كُلّهَا صَحِيحَة , وَالصَّوَاب فِيهَا أَنَّ النَّهْي فِيهَا مَحْمُول عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه. وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَبَيَان لِلْجَوَازِ , فَلا إِشْكَال وَلا تَعَارُض , وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَكُون الشُّرْب قَائِمًا مَكْرُوهًا وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَالْجَوَاب: أَنَّ فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لا يَكُون مَكْرُوهًا , بَلْ الْبَيَان وَاجِب عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَيْف يَكُون مَكْرُوهًا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّة مَرَّة وَطَافَ عَلَى بَعِير مَعَ أَنَّ الإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْوُضُوء ثَلاثًا وَالطَّوَاف مَاشِيًا أَكْمَل , وَنَظَائِر هَذَا غَيْر مُنْحَصِرَة , فَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَبِّه عَلَى جَوَاز الشَّيْء مَرَّة أَوْ مَرَّات , وَيُوَاظِب عَلَى الأَفْضَل مِنْهُ, وَهَكَذَا كَانَ أَكْثَر وُضُوئِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاث ثَلاثًا , وَأَكْثَر طَوَافه مَاشِيًا , وَأَكْثَر شُرْبه جَالِسًا، وَهَذَا وَاضِح لا يَتَشَكَّك فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى نِسْبَة إِلَى عِلْم. وَاللَّهُ أَعْلَم" اهـ.
وهذا الجمع بين الأحاديث قد قال به الْخَطَّابِيّ وَابْن بَطَّال والطَّبَرِيُّ. . . وغيرهم.
قال الحافظ في "فتح الباري":
وَهَذَا أَحْسَن الْمَسَالِك وَأَسْلَمهَا وَأَبْعَدهَا مِنْ الاعْتِرَاض اهـ.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (22/133) :
"الأصل أن يشرب الإنسان قاعداً، وهو الأفضل، وله أن يشرب قائماً، وقد فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمرين للدلالة على أن الأمر في ذلك واسع" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/922)
ما صحة حديث الحمد لله الذي أطعمني ورزقني
[السُّؤَالُ]
ـ[الدعاء الذي نقوله بعد الأكل " الحمد لله الذي أطعمني ورزقني وجعلني من المسلمين " هو حديث ضعيف ولكن ليس لدي الدليل وسألني أحدهم عن الدليل، أرجو الشرح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لفظ الحديث: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ.
رواه أبو داود (3850) ، والترمذي (3457) .
قال العلامة الألباني في تخريجه لـ " الكلم الطيب " (189) لشيخ الإسلام ابن تيمية:
ضعيف الإسناد، لأنه اضطرب فيه الرواة كما بينه الحافظ في " التهذيب "، ومن قبله الحافظ المزي في " تحفة الأشراف " (3/353-354) ، ومن قبلهما الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (1/1/353-354) ، والنسائي في " اليوم والليلة " (288-290) ، والترمذي مع تساهله المعروف لم يحسنه.ا. هـ.
والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مشابهة في هذا الباب ومنها:
- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا، وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مَكْفُورٍ، وَقَالَ مَرَّةً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا. رواه البخاري (5459) .
- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا.
رواه أبو داود (3851) ، وصححه الألباني في الصحيحة (2061) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/923)
هديه صلى الله عليه وسلم في الطّعام والحمية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كانت عادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأكل والحمية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أما هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل فأكمل هدي، وقد بيَّنه الإمام ابن القيم، فقال:
أ. كان إذا وضع يده في الطعام قال: "بسم الله"، ويأمر الآكل بالتسمية، ويقول: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره" حديث صحيح. - رواه الترمذي (1859) وأبو داود (3767) -.
والصحيح: وجوب التسمية عند الأكل،.. وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ولا معارض لها.
ب. وكان إذا رفع الطعام من بين يديه يقول: "الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفيٍّ ولا مودَّع ولا مستغنى عنه ربَّنا عز وجل ذكره البخاري. - البخاري (5142) -.
ج. وما عاب طعاماً قط، بل كان إذا اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه، وسكت. - رواه البخاري (3370) ومسلم (2064) -.
وربما قال: "أجدني أعافه إني لا أشتهيه". - رواه البخاري (5076) ومسلم (1946) -.
د. وكان يمدح الطعام أحياناً، كقوله لما سأل أهلَه الإدام، فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به فجعل يأكل منه، ويقول: "نِعْم الأُدْم الخل". - رواه مسلم (2052) -.
هـ. وكان يتحدث على طعامه كما تقدم في حديث الخل.
وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله: "سمِّ الله وكُلْ مما يليك". - رواه البخاري (5061) ومسلم (2022) -.
و. وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مراراً، كما يفعله أهل الكرم، كما في حديث أبي هريرة عند البخاري في قصة شرب اللبن وقوله له مراراً: "اشرب"، فما زال يقول: "اشرب" حتى قال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً. - رواه البخاري (6087) -.
ز. وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم، فدعا في منزل عبد الله بن بسر، فقال: "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم" ذكره مسلم. - رواه مسلم (2042) -.
ح. وكان يأمر بالأكل باليمين وينهى عن الأكل بالشمال، ويقول: "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" - رواه مسلم (2020) - ومقتضى هذا تحريم الأكل بها، وهو الصحيح؛ فإن الآكل بها إما شيطان، وإما مشبه به.
وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده فأكل بشماله: "كل بيمينك"، فقال لا أستطيع فقال: "لا استطعت"، فما رفع يده إلى فيه بعدها. - رواه مسلم (2021) - فلو كان ذلك جائزاً لما دعا عليه بفعله، وإن كان كِبره حمله على ترك امتثال الأمر: فذلك أبلغ في العصيان، واستحقاق الدعاء عليه.
ط. وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون "أن يجتمعوا على طعامهم، ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه يبارك لهم فيه". - رواه أبو داود (3764) وابن ماجه (3286) -.
انظر لما سبق: " زاد المعاد " (2/ 397 - 406) .
ك. وصح عنه أنه قال: "لا آكل متكئاً". - رواه البخاري (5083) .
ل. وكان يأكل بأصابعه الثلاث وهذا أنفع ما يكون من الأكلات.
انظر: " زاد المعاد " (220 - 222) ، والله أعلم.
2. وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية:
أ. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يأكل.
ب. ويأكل ما ينفع.
ج. ويجعل من قوته قياماً لصلبه لا تكثيراً لشحمه، لذلك روى لنا ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء". رواه البخاري (5081) ومسلم (2060) .
د. وعلَّم أمته أمراً يحتمون به مِن أمراض الطعام والشراب فقال: "ما ملأ آدمي وعاء شرّاً من بطنٍ بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه". رواه الترمذي (1381) وابن ماجه (3349) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2265) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/924)
وجد كافراً على الطريق فهل يوصله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وجد الإنسان شخصاً غير مسلم في الطريق وطلب إيصاله فما الحكم؟ وهل يجوز الأكل مما مسته أيدي الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" إذا وجدت شخصاً غير مسلم في الطريق فلا حرج عليك أن توصله معك في سيارتك لأن الله يقول: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة / 8.
أما الأكل مما مسته أيدي الكفار فجائز، لأن نجاسة الكافر نجاسة معنوية لا حسية."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/44.(7/925)
آداب الأكل بالأدلة التفصيلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي آداب الأكل في الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للأكل آداب في الشريعة الإسلامية وهي على أقسام:
" أولاً - آدَابُ مَا قَبْلَ الأَكْلِ:
1- غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ: ينبغي غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ، لِيَأْكُلَ بِهَا وَهُمَا نَظِيفَتَانِ، لِئَلا يَضُرَّ نَفْسَهُ بِمَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْوَسَخِ.
2- مِنْ آدَابِ الأَكْلِ السُّؤَالُ عَنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَ ضَيْفًا عَلَى أَحَدٍ وَلا يَعْرِفُهُ (أي لا يعرف نوع الطعام) ، وَلا يَطْمَئِنُّ إلَى مَا قَدْ يُقَدِّمُهُ إلَيْهِ. فَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَتَّى يُحَدَّثَ أَوْ يُسَمَّى لَهُ فَيَعْرِفَ مَا هُوَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيْمُونَةَ، وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حَفِيدَةُ بنت الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، وَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إلَى الضَّبِّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لا. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إلَيَّ، رواه البخاري (5391) ومسلم (1946) .
قَالَ ابْنُ التِّينِ: إنَّمَا كَانَ يَسْأَلُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لا تَعَافُ شَيْئًا مِنْ الْمَآكِلِ لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ، وَكَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم قَدْ يَعَافُ بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْأَلُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِبَاحَةِ بَعْضِهَا، وَكَانُوا لَا يُحَرِّمُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَرُبَّمَا أَتَوْا بِهِ مَشْوِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا فَلا يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ إلا بِالسُّؤَالِ عَنْهُ.
" فتح الباري " (9 / 534) .
3- الْمُبَادَرَةُ إلَى الْأَكْلِ إذَا قُدِّمَ إلَيْهِ الطَّعَامُ مِنْ مُضِيفِهِ: فَإِنَّ مِنْ كَرَامَةِ الضَّيْفِ تَعْجِيلَ التَّقْدِيمِ لَهُ، وَمِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَبُولِ طَعَامِهِ وَالْأَكْلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إذَا رَأَوْا الضَّيْفَ لَا يَأْكُلُ ظَنُّوا بِهِ شَرًّا، فَعَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُهَدِّئَ خَاطِرَ مُضِيفِهِ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى طَعَامِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ اطْمِئْنَانًا لِقَلْبِهِ.
4- التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ: (تجب) التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ قَوْلُ " بِاسْمِ اللَّهِ " فِي ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ، عن أُمُّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ " رواه الترمذي (1858) وأبو داود (3767) وابن ماجه (3264) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (3202) .
ولِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كُنْت غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِك، وَكُلُّ مِمَّا يَلِيك " رواه البخاري (3576) ومسلم (2022) .
ثانياً: آدَابُ الأَكْلِ أَثْنَاءَ الطَّعَامِ:
1- (الْأَكْلُ بِالْيَمِينِ) : (يجب) على الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لا يَأْكُلَن أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا " رواه مسلم (2020) .
وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْأَكْلَ أَوْ الشُّرْبَ بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا (بأس من الأكل) بالشِّمَالِ.
وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تُشْبِهُ أَفْعَالَ الشَّيْطَانِ.
2 – (الْأَكْلُ مِمَّا يَلِيهِ) : يُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِمَّا يَلِيهِ فِي الطَّعَامِ مُبَاشَرَةً، وَلَا تَمْتَدُّ يَدُهُ إلَى مَا يَلِي الْآخَرِينَ، وَلَا إلَى وَسَطِ الطَّعَامِ، لقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن أبي سلمة: " يَا غُلامُ: سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِك، وَكُلُّ مِمَّا يَلِيك "، رواه البخاري (3576) ومسلم (2022) .
ولِأَنَّ أَكْلَ الْمَرْءِ مِنْ مَوْضِعِ صَاحِبِهِ سُوءُ عِشْرَةٍ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ، وَقَدْ يَتَقَذَّرُهُ صَاحِبُهُ لا سِيَّمَا فِي الْأَمْرَاقِ وَمَا شَابَهَهَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ، فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ " رواه الترمذي (1805) وابن ماجه (3277) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (829) ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ تَمْرًا أَوْ أَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إبَاحَةَ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ.
3 - غَسْلُ الْيَدِ بَعْدَ الطَّعَامِ: تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَالْأَوْلَى غَسْلُ الْيَدِ بِالْأُشْنَانِ أَوْ الصَّابُونِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا.
انظر " تحفة الأحوذي " (5 / 485) .
هَذَا وَالْغَسْلُ مُسْتَحَبٌّ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ عَلَى وُضُوءٍ.
4 - (الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الطَّعَامِ) : الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّعَامِ مُسْتَحَبَّةٌ، لِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ - فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَجِدْهُ إلا سَوِيقًا فَلَاكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، رواه البخاري (5390) .
5 - (الدُّعَاءُ لِلْمُضِيفِ) : فَقَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلائِكَةُ "، رواه أبو داود (3854) وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (3263) .
6- وَالْأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ: السُّنَّةُ الْأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ الشَّرَهِ وَسُوءِ الْأَدَبِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِذَلِكَ لِجَمْعِهِ اللُّقْمَةَ وَإِمْسَاكِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْأَكْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، لِخِفَّةِ الطَّعَامِ وَعَدَمِ تَلْفِيقِهِ بِالثَّلَاثِ يَدْعَمُهُ بِالرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ.
انظر " فتح الباري " (9 / 578) .
هَذَا إنْ أَكَلَ بِيَدِهِ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْمِلْعَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي.
7 - أَكْلُ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ: إذَا وَقَعَتْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ الْآكِلُ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَوْضِعَ الْبَرَكَةِ فِي طَعَامِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي هَذِهِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ، فَتَرْكُهَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَرْءِ بَرَكَةَ الطَّعَامِ لحديث أَنَس ابن مالك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ قَالَ وَقَالَ إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ قَالَ: " فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ " رواه مسلم (2034) .
8 - عَدَمُ الِاتِّكَاءِ أَثْنَاءَ الْأَكْلِ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " َلا آكُلُ وأنا مُتَّكِئ " رواه البخاري (5399) ، وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الِاتِّكَاءِ قال ابن حجر: وَاخْتُلِفَ فِي صِفَة الِاتِّكَاء فَقِيلَ: أَنْ يَتَمَكَّن فِي الْجُلُوس لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَة كَانَ، وَقِيلَ أَنْ يَمِيل عَلَى أَحَد شِقَّيْهِ، وَقِيلَ أَنْ يَعْتَمِد عَلَى يَده الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْض ... ، وَأَخْرَجَ اِبْن عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيف: زَجَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِد الرَّجُل عَلَى يَده الْيُسْرَى عِنْد الْأَكْل، قَالَ مَالِك هُوَ نَوْع مِنْ الِاتِّكَاء. قُلْت: وَفِي هَذَا إِشَارَة مِنْ مَالِك إِلَى كَرَاهَة كُلّ مَا يُعَدّ الْآكِل فِيهِ مُتَّكِئًا، وَلا يَخْتَصّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا " أ.هـ من فتح الباري (9 / 541) .
9- عَدَمُ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ حَالَ الْأَكْلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
10- ومن الآداب: الْأَكْلُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ عَلَى الطَّعَامِ، وَمُؤَاكَلَةُ صِغَارِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَأَلَّا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِطَعَامٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَدَوَاءٍ، بَلْ يُؤْثِرُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَاخِرَ الطَّعَامِ، كَقِطْعَةِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ لَيِّنٍ أَوْ طَيِّبٍ. وَإِذَا فَرَغَ ضَيْفُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَرَفَعَ يَدَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّعَامِ: كُلْ، وَيُكَرِّرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى مِنْهُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَأَنْ يَتَخَلَّلَ، وَلا يَبْتَلِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَسْنَانِهِ بِالْخِلَالِ بَلْ يَرْمِيهِ.
ثالثاً: آدَابُ الْأَكْلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ: يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الْآكِلُ مَا وَرَدَ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَكْلِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا " رواه البخاري (5458) وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إذَا أَكَلَ طَعَامًا غَيْرَ اللَّبَنِ قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ " وَإِذَا شَرِبَ لَبَنًا قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ " رواه الترمذي (3377) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (381) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ " رواه الترمذي (3455) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2749) .
رابعاً: آدَابٌ عَامَّةٌ فِي الْأَكْلِ:
1 - عَدَمُ ذَمِّ الطَّعَامِ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ " رواه البخاري (3370) ومسلم (2046) .
وَالْمُرَادُ: الطَّعَامُ الْمُبَاحُ، أَمَّا الْحَرَامُ فَكَانَ يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَلَّا يُعَابَ كَقَوْلِهِ: مَالِحٌ، حَامِضٌ، قَلِيلُ الْمِلْحِ، غَلِيظٌ، رَقِيقٌ، غَيْرُ نَاضِجٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا مِنْ حَسَنِ الْآدَابِ، لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَشْتَهِي الشَّيْءَ وَيَشْتَهِيهِ غَيْرُهُ، وَكُلُّ مَأْذُونٍ فِي أَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ ".
" شرح مسلم " (14 / 26) .
2- مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ الِاعْتِدَالُ فِي الطَّعَامِ وَعَدَمُ مِلْءِ الْبَطْنِ، وَأَكْثَرُ مَا يَسُوغُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُسْلِمُ بَطْنَهُ أَثْلَاثًا: ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ لِحَدِيثِ: " مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " رواه الترمذي (2380) وابن ماجه (3349) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1939) ؛ وَلاعْتِدَالِ الْجَسَدِ وَخِفَّتِهِ؛ لأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الشِّبَعِ ثِقَلُ الْبَدَنِ، وَهُوَ يُورِثُ الْكَسَلَ عَنْ الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ، وَيُعْرَفُ الثُّلُثُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ثُلُثِ مَا كَانَ يَشْبَعُ بِهِ ".
" الموسوعة " (25 / 332) .
3- اجتناب الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة لأنه محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ولنا في الآخرة " رواه البخاري (5426) ومسلم (2067) .
والله أعلم.
4- حمد الله بعد الفراغ من الأكل، وهذا فيه فضل عظيم فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم (2734) .
هذا وللحمد صيغٌ متعددة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1- ما أخرجه البخاري عن أبي أُمامة قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا " رواه البخاري (5458) ، قال ابن حجر: " قوله (غير مكفي) قيل: أي غير محتاج إلى أحدٍ من عباده لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم. قَوْله (وَلا مُوَدَّع) أَيْ غَيْر مَتْرُوك.
2- عن معاذ بن أنس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفرله ما تقدم من ذنبه " رواه الترمذي (3458) وابن ماجه (3285) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " (3348) .
3- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً " رواه أبو داود (3851) وصححه الألباني.
4- عن عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه رجلٌ خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قٌرب إليه الطعام يقول: " بسم الله، فإذا فرغ قال: اللهم أطعمت وأسقيت وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت " رواه أحمد (16159) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1 / 111) .
فائدة: يستحب الإتيان بألفاظ الحمد الواردة بعد الفراغ من الطعام جميعها، فيقول هذا مرة، وهذا مرة حتى يحصل له حفظ السنة من جميع وجوهها، وتناله بركة هذه الأدعية، مع ما يشعر به المرء في قرارة نفسه من استحضار هذه المعاني عندما يقول هذا اللفظ تارة وهذا اللفظ تارة أخرى؛ لأن النفس إذا اعتادت على ذكرٍ معين فإنه مع كثرة التكرار يقل معها استحضار المعاني لكثرة الترداد.
انتهى من كتاب " الآداب " للشلهوب (ص 155) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/926)
المطاعم العائلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في أخذ زوجتي إلى مطعم، وإن كان يوجد كبينات؟ للعلم نحن ملتزمون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
انتشرت في هذه الأيام بين عدد من الأسر المسلمة والنساء المسلمات ظاهرة غريبة عن المجتمع الإسلامي المحافظ على صيانة المرأة وسترها وحيائها. ألا وهي ظاهرة غشيان المطاعم العائلية أو ذات الأقسام العائلية.
والناظر بعين الشرع والبصيرة بالواقع يرى في ذلك عددا من الأخطار والمحذورات الشرعية.
فمن ذلك:
أولا: أن الحواجز الموجودة في كثير من تلك المطاعم لا تحجب المرأة حجبا شرعيا كاملا عن الرجال الأجانب وذلك إما لقصر الحاجز أو ارتفاعه من الأسفل بحيث تُرى القدم أو الساق أو شفافية هذا الحاجز بحيث يمكن تمييز شيء من بدن المرأة أو أن يكون في هذا الحاجز نقوش مفرّغة بحيث تمكن رؤية من وراءه من خلال هذه الفراغات.
وفي عدد من الأقسام العائلية في كثير من هذه المطاعم لا يوجد أصلا حواجز بين طاولات العوائل وإنما الحواجز فقط بين أماكن جلوس الرجال وبين أماكن العوائل. ولا شكّ أن هذه الطريقة تجعل من الممكن لكل فرد من أفراد العائلة الواحدة رؤية أيّ فرد من أفراد العائلة الأخرى.
ثانيا: من المعلوم أنّ كثيرا من النساء الجالسات في هذه الأقسام متهاونات بالحجاب الشرعي بحيث تبدو وجوههن أو شعورهن أو أقدامهن فما فوق عبر الثياب المشقوقة التي يرتدينها وحتى النساء المحجّبات يكشف معظمهن وجوههنّ عند تناول الطعام فإذا كانت الحواجز على الطريقة التي سبق وصفها فإنّ رؤية ما حرّم الله كشفه أمر حاصل وواقع.
ثالثا: إن أكثر هذه المطاعم يدخل خدم المطعم - وهم رجال - إلى أماكن جلوس النساء لكتابة الطلب أو إحضار أطباق الطعام وليس كلّ هؤلاء من الذين يستأذنون ولا كلّ النساء من اللاتي يحتجبن عند دخول الخدم بشكل متكرر بل إنّ عددا من النّساء لا يبالين بالحجاب أمام بعض الجنسيات التي منها خدم المطاعم في الغالب.
رابعا: أنّ هذه الأماكن صارت مرتادة من قِبَل عدد من أصحاب الفجور والشهوات الذين يتعرّف الواحد منهم على فتاة ثمّ يصطحبها إلى هذه المطاعم بحجّة أنها زوجته، فصارت هذه الأقسام متنفّسا لكلّ من يريد الحرام.
خامسا: أن عددا من بنات المترفين صِرْن يُقِمْن حفلات لزميلاتهن في المدرسة أو الكلية في المناسبات المختلفة في هذه المطاعم ومعلوم أن عددا كبيرا منهنّ غير متمسكات بالحجاب الشرعي وبعض أوليائهن يتساهلون في شأن هؤلاء البنات بحجة أنهن صغيرات مع أنّ حجم هؤلاء كاف جدا لحصول الفتنة فيأخذ كل سائق هذه البنت إلى موعد ومكان الحفلة في المطعم العائلي مع ما في ذلك من الشرّ العظيم.
سادسا: بالنظر إلى حجم الأموال التي تنفق في تلك الوجبات - خصوصا وأن أكثر تلك المطاعم أسعارها مرتفعة - فإننا نجد أن الإسراف متحقّق في الأكل في هذه المطاعم بالإضافة إلى أنّ باقي الطعام يُرمى - في الغالب - بخلاف ما لو أكل هؤلاء في بيوتهم. والاقتصاد كما قال صلى الله عليه وسلم: جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوّة (رواه الترمذي رقم 2010 وهو حديث صحيح) .
سابعا: إن ترددّ النساء على المطاعم العائلية يؤدي إلى زيادة خروجهن من بيوتهن بغير حاجة وهذا مخالف لقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى) ومعلوم أنّ الشريعة لا تريد مطلقا أن تُصبح المرأة خرّاجة ولاّجة لما في ذلك من المفاسد التي لا تُحمد عقباها والتي من أعظمها ذهاب الحياء بالتدريج.
ثامنا: إنّ نظافة طعام البيت وفائدته الصحيّة أفضل بكثير من المأكولات التي تُطبخ في المطاعم علما بأنّ كثيرا من الطبّاخين في المطاعم التي يسمّونها راقية هم من الكفرة الذين لا يُراعون طهارة ولا نجاسة، وكثيرا ما يُصاب عدد من روّاد المطاعم بحالات من الإسهال والتسمم المعوي. والأهمّ من ذلك كلّه أنّ الآكلين في هذه المطاعم لا يدرون عن نوعية اللحوم المُستخدمة في الأطعمة بخلاف المطبوخ في البيت مما يكون تحت نظر الإنسان ومعرفته.
لهذه المحاذير وغيرها ينبغي على المسلم أن يصون أهله عن مثل هذه الأماكن وأن يمتثل لقول الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون)
وقد يزعم البعض أنّ هذا الخروج للترفيه وتغيير جوّ البيت وأنّ زوج المرأة أو وليها سيكون معها وأنّها ستعطي ظهرها للباب وأنّ الخدم في المطعم سيستأذنون قبل الدخول وأنّها ستغطي وجهها عند دخولهم وتكون بالحجاب الكامل أو أنّ الخدم من النساء وأنّ المطعم خال من الموسيقى وأنّ مكان جلوس العائلة في غرفة محكمة الإغلاق والسّتر وأنّ هذا الخروج مرة في الشهر ولن يُصبح عادة وأنّ الأموال التي ستُنفق معتدلة.
ولستُ أُريد التضييق والتشديد من خلال الردّ على هذه المزاعم أو تفنيدها لأنّه قد يوجد في الواقع - وإن كان نادرا - توافر لعدد من هذه الاحترازات، ولكنني أقول: إذا أردنا الصّدق مع أنفسنا ونُشدنا الحقّ فما هي - يا تُرى - نتيجة المقارنة إذا عقدناها بين الواقع وبين هذه الضوابط المزعومة؟ وكم نسبة الذين يطّبقون ذلك فعلا؟ ولو فعل ذلك بعض الأخيار والقدوات في بعض المطاعم لشروط يرونها متحقّقة فماذا سيفهم العامة من ذلك؟
ولست أُنكر أنّ الحاجة – وليس كسل ربّة البيت – تدعو أحيانا إلى طعام من المطاعم مثلما يحدث في الأسفار وعند الخروج في بعض الرحلات أو ظرف يحدث لربّة المنزل ولكن هناك من الحلول ما يُغنينا عن الدخول بنسائنا إلى المطاعم مثل استعمال خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل أو جلب الطعام المعبّأ والمغلّف إلى البيت أو غرفة الفندق مع استشارة المرأة فيما تريده أن يُجلب إليها من القائمة أو " البوفيه "، وعلى وجه العموم فإن اللجوء إلى المطاعم عند الحاجة يكون مختلفا تماما في النتيجة عما إذا كان من باب الاختيار أو الترفيه.
أسأل الله تعالى أن يعيننا على صيانة أهلينا وأن يوفقنا لاتّباع الحقّ وأن يهدينا سواء السبيل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/927)
أكل المتبقي من طعام حفلة عيد الشكر لئلا يُرمى
[السُّؤَالُ]
ـ[في عيد الشكر، وبعد أن يذهب ضيوف والدتي، فإنها تقوم بدعوة عائلتي ليأكلوا ما بقي من طعام، لأنها لا تريد رميه، فهل يجوز لعائلتي أن تذهب إلى بيتها، أو أن تأكل من الطعام الذي بقي من تلك المناسبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز ذلك، فالطعام محترم وطاهر وأولى من رميه، ويجوز أكل طعام النصارى لقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم) فلا بأس بذلك، فخبزهم وأقواتهم، وما طبخوه من أطعمة وما عملوه من حلوى وما أشبهه فكله طيب طاهر وليس فيه محذور. وأما كونها صنعت الطعام من أجل الاحتفال فهنا لا يجوز الحضور وقت الاحتفال وأما بعد الاحتفال فيجوز أكل الطعام وهو أولى من أن يرمى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(7/928)
الأكل على الطاولة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتصرف المسلم الذي يريد تطبيق السنة، إذا زار أناسا لا يطبقون السنة، مثلا: أنهم يأكلون على الطاولة. فهل يحق له أن يجلس على الأرض، أم أن عليه أن يتبع عادة أهل البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بعد: فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خِوان قط. ففي صحيح البخاري (6450) عن أنس رضي الله عنه قال: " لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات ". والخوان بكسر الخاء وضمها.
قال في عون المعبود (فالخوان بضم الخاء يكون من خشب وتكون تحته قوائم من كل جانب والأكل عليه من دأب المترفين لئلا يفتقر إلى التطاطؤ والانحناء) .
ولا ريب في إباحة الأكل على الخوان أو الطاولة المرتفعة، أو في إباحة أكل الخبز المرقق، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك تواضعاً وزهدا في متاع الحياة الدنيا.
قال الحافظ ابن حجر (تركه عليه الصلاة والسلام الأكل على الخوان وأكل المرقق إنما هو لدفع طيبات الدنيا اختيارا لطيبات الحياة الدائمة) .
ولهذا لا يسوغ الإنكار على من تعاطى شيئا من ذلك، ومن زار قوما فوجدهم يأكلون على الطاولة فلا حرج عليه بأن يأكل معهم على الطاولة وسيكون مستغرباً لديهم كثيراً لو انفرد عنهم بالجلوس على الأرض، ولا يُلزمهم بذلك، بل يلبي دعوتهم، ويأكل معهم، وإن بيّن لهم فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرّهم بالزهد فهذا جيد حسن. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/929)
هل يجوز الشرب بنَفَسٍ واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أدخل البيت وأنا عطشان فأشرب الكأس من الماء دفعة واحدة، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفَسٍ واحدٍ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأبِن القدح عن فيك، ثم تنفَّس، قال: فإني أرى القذاة فيه؟ قال: فأهرقها.
رواه الترمذي (1887) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (385) .
قال الشيخ الألباني - في ذكر فوائد الحديث -:
جواز الشرب بنَفَسٍ واحدٍ؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على الرجل حين قال " إني لا أروى من نفَسٍ واحد "، فلو كان الشرب بنَفَسٍ واحدٍ لا يجوز لبيَّنه صلى الله عليه وسلم له، وقال له مثلاً " وهل يجوز الشرب من نفَسٍ واحد؟! "، وكان هذا أولى من القول له " فأبِن القدَح … " لو لم يكن ذلك جائزاً، فدلَّ قوله هذا على جواز الشرب بنَفَسٍ واحد، وأنَّه إذا أراد أن يتنفَّس تنفَّس خارج الإناء، وهذا ما صرَّح به حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فليُنحِّ، ثم ليعُد إن كان يريد ". [الصحيحة (386) ] ...
وقال الحافظ في " الفتح ":
" واستدل به مالك على جواز الشرب بنفَسٍ واحد، وأخرج بن أبي شيبة الجواز عن سعيد بن المسيب وطائفة، وقال عمر بن عبد العزيز: إنما نهى عن التنفس داخل الإناء، فأما مَن لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفَس واحد. انتهى.
ثم إن ما تقدَّم من جواز الشرب بنفَسٍ واحدٍ لا ينافي أن السنَّة أن يشرب بثلاثة أنفاس، فكلاهما جائز، لكن الثاني أفضل، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
" كان إذا شرب تنفَّس ثلاثاً، وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ ". أخرجه مسلم.
" السلسلة الصحيحة " (الحديث رقم 385، 386) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/930)
هل من السنة الجلوس على الأرض لتناول الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محتار بخصوص السنة. فعندنا في أمريكا رجلان من أهل العلم وقد خالف قول كل واحد منهما قول الآخر. لقد سمعت أن السنة هو فعلٌ إذا قام الفرد به, أثيب عليه, وإن لم يفعله, لم يأثم لتركه. وفيما يخص تتبع أفعال النبي (صلى الله عليه وسلم) بحذافيرها كالجلوس على الأرض لتناول الطعام, فقد طُرح السؤال على شخصين وهما من أهل العلم, فقال أحدهما بأنه إذا جلس الفرد على الأرض لتناول الطعام وهو ينوي بذلك متابعة فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) , فإنه يثاب على ذلك. بينما قال الآخر بأنه لا يثاب على ذلك العمل لأن ذلك الموضوع هو موضوع دنيوي. فما هو الرأي الصحيح؟ الأمر يهمني لأنه إن لم يكن هناك ثواب على الجلوس على الأرض لتناول الطعام، لأنه موضوع دنيوي بحت , فأنا أفضل الجلوس على الطاولة لتناول الطعام , وأن أرتدي الملابس التي ليست على السنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. المسلم مطلوب منه أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو القدوة والأسوة الصالحة لهذه الأمة.
2. اختلف العلماء في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على عدة أقسام:
أ. هواجس النفس والحركات البشرية كتصرف الأعضاء وحركات الجسد فهذا الأمر لا يتعلق به أمر اتباع ولا نهي.
ب. مالا يتعلق بالعبادات ووضع فيه أمر الجبلة كالقيام والقعود ونحوهما فليس فيه تأس ولا به اقتداء ولكنه يدل على الإباحة عند الجمهور.
ت. ما احتمل أن يخرج عن الجبلة إلى التشريع بمواظبته عليه على وجه معروف وهيئة مخصوصة كالأكل والشرب واللبس والنوم وخصوصا إذا وقع فيه الإرشاد إلى بعض هيئات الأكل أو الشرب أو اللباس أو النوم فهذا على الصحيح داخل في التشريع وهو مذهب الشافعي ورجحه الشوكاني في كتابه " إرشاد الفحول "، ويدخل في هذا القسم ما سأل عنه السائل.
ث. ما علم اختصاصه به صلى الله عليه وسلم كالوصال في الصيام والزيادة على أربع في الزواج فهو خاص به لا يشاركه به غيره. إلى غير ذلك من التقسيمات.
" إرشاد الفحول " للشوكاني (ص 160) .
3. ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل على الأرض.
وورد عنه أنه قال: " آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ". رواه أبو يعلى (8 / 318) . والحديث: صححه العلامة الألباني رحمه الله في " السلسلة الصحيحة " (544) .
وورد أيضا من حديث أنس بن مالك قال: " ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرّجة ولا خبز له مرقّق، قلت لقتادة: على ما يأكلون قال على السفر ". رواه البخاري (5099) .
والخِوان: ما يوضع عليه الطعام.
سكرجة: إناء يوضع فيه المشَّهِيات.
فمثل هذا الأمر لا يجب على المسلم أن يتأسى به وله أن يقتدي به صلى الله عليه وسلم، فإذا أكل المسلم على الطاولة لا يأثم.
وأما اللباس فإنا مأمورون أن نخالف أهل الكتاب وعموم الكفار في لباسهم، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتحذيره من ألبسة الكفار.
قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم ".
رواه أبو داود (4031) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (8 / 49) .
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: " هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ".
رواه مسلم (2077) .
ولأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عتبة بن فرقد بقوله له: " إياك وزي أهل الشرك ".
رواه ومسلم (2069) .
والخلاصة:
أنه يستحب للمسلم أن يتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم بما ذكره السائل من الأكل والشرب على الأرض ولا إثم على من أكل على طاولة وأما اللباس فإن المسلم مأمور أن يلبس زي المسلمين وأن يخالف زي المشركين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/931)
مشكلة التعوّد على الأكل باليد اليسرى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسبب عادة ولد أخي السيئة فهو يجد صعوبة كبيرة في الأكل بيده اليمنى، يأكل بيده اليسرى إذا لم هناك أحد يذكره وينبهه.
أنا قلق لهذا الشأن فما حكم الشخص الذي اعتاد على الأكل بيده اليسرى؟
جزاك الله خيراً والسلام]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخير عادة والشر عادة والمرء بين النقص والزيادة، فالإنسان إذا اعتاد شيئاً ألفه وأحبه وأنكر غيره ثم يظنّ أن غير المألوف غير مستطاع، ولكن هذا ظنّ خطأ يخالف الشرع والواقع، وعليه فإنه يجب أن يُعَرّف المستخدم لشماله في الأكل والشّرب بالحكم الشّرعي ويُذكّر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما أَكَلَ رجل عنده بِشِمَالِهِ فَقَالَ كُلْ بِيَمِينِكَ قَالَ لا أَسْتَطِيعُ قَالَ لا اسْتَطَعْتَ مَا مَنَعَهُ إِلا الْكِبْرُ قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيه ". رواه مسلم 3776 وفي رواية الدارمي: " فما وصلت يمينه إلى فيه " فحصل الشلل لذلك الرجل بدعاء النبي عليه قال النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث: جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر , وفيه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل , واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه، ويعلّم أيضاً أن الشيطان يأكل بشماله، لحديث: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله " رواه مسلم 3764، فالشيطان يأكل بالشّمال والآكل بشماله متشبّه بالشّيطان بل يشاركه الشيطان في طعامه، فقد جاء عند أحمد بسند حسن عن عائشة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " من أكل بشماله أكل معه الشيطان. " تحفة الأحوذي شرح حديث 1721، ثمّ إن الشّمال ينبغي أن تُترك لإزالة المستقذرات من مثل الاستنجاء والاستنثار بإخراج الماء من الأنف ونحو ذلك من عمليات التنظيف وإزالة الأوساخ والقاذورات فكيف يجعل الإنسان أداة إزالة القاذورات والنجاسات هي أداة طعامه الذي يدخل فمه.
وقد جاء عن حفصة رضي الله عنها زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ. " رواه أبو داود رقم 30
قال النووي رحمه الله: هذه قاعدة مستمرة في الشرع وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف، ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال،.. وترجيل الشعر،.. وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، وغسل أعضاء الطهارة، والخروج من الخلاء، والأكل والشرب والمصافحة، واستلام الحجر الأسود وغير ذلك، ومما هو في معناه يستحب التيامن فيه. وأما ما كان بضده، كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك، فيستحب التياسر فيه، وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها.
وقد يكون في بعض النّاس علّة حقيقية تمنع استعمال اليد اليمنى كإصابتها بالشلل ونحوه فعند ذلك يكون الشّخص معذورا ولا حرج عليه، قال النووي رحمه الله: فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة..
والغالب أنّ مشكلة الولد المسؤول عنه تتعلّق بالتعوّد فاجتهدوا في تعويده والاستمرار في نصحه وتنبيهه، ويمكنكم الاستعانة ببعض الأطبّاء النفسانيين فلبعضهم آراء جيدة ومفيدة، نسأل الله لنا ولكم التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/932)
آداب الشّرب
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني في الصف السادس وأدرس الإسلام وعندي بحث في تقاليد شرب القهوة العربية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
- شرب القهوة أمر من العادات والتقاليد وليس من شعائر الإسلام بل إنّ الإكثار من شرب القهوة إذا صار ضارا فإن الإسلام يمنعه.
- ليس في الإسلام احتفالات لشرب القهوة العربية وليس شرب القهوة العربية من خصائص المسلمين فقد يشربها المسلم وغير المسلم ولكن للشرب عموما آداب معينة في الشريعة الإسلامية ومنها:
1- الشرب باليد اليمنى.
2- أن يقول بسم الله إذا أراد أن يشرب.
3- الشرب في ثلاثة أنفاس فأكثر ولا يعبّ الشراب دفعة واحدة.
4- أن يحمد الله بعد الانتهاء من الشّرب.
5- الشرب قاعدا.
6- أن يكون ساقي القوم آخرهم شربا.
7- أن يبدأ بالأيمن فالأيمن في تقديم الشراب.
8- عدم الشّرب من فيّ السقاء بل يسكب في الإناء أو الكأس ثم يشرب.
9- عدم الشّرب في آنية الذّهب والفضّة.
وكتابتك يا أيها الفتى في معلومات السؤال أنّك بغير دين أمر غير صحيح لأنّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأنّك قد ولدت على الإسلام وأنّ هذا هو الأصل فيك وفي أمثالك حتى يطرأ عليك ما يُغيّر هذا من ديانة أخرى غير صحيحة كاليهودية أو البوذيّة أو النصرانية أو المجوسية. فعُدْ إلى أصلك واقرأ عن الإسلام وابدأ بالصلاة، وإنّني أرى أنّ عندك من الذّكاء والنباهة ما يكفي لمعرفة الحقّ والعمل به أسأل الله، أن يهديك ويشرح صدرك للإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/933)
هل يُذَكِّر من عطس ولم يحمد الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عطس شخص ولم يقل: (الحمد لله) فهل يحق لي تذكيره]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التشميت إنما يشرع لمن عطس فحمد الله، أما من لم يحمد الله فلا يشرع تشميته، ولا أن يُذَّكر بأن يحمد الله؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الرجل: يا رسول الله، شمت هذا ولم تشمتني! قال: (إن هذا حمد الله، وأنت لم تحمد) ، فلو كان تذكير العاطس مشروعاً لذَكَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أن يحمد الله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/934)
عطس وهو يصلي فهل يحمد الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عطست وأنا أصلي، هل أقول: الحمد لله أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من عطس وهو في الصلاة فإنه يشرع له أن يحمد الله سبحانه، سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً، وبذلك قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، وقال به الإمام مالك والشافعي وأحمد، على خلاف بينهم: هل يسر بذلك أو يجهر به، والصحيح من قولي العلماء ومذهب أحمد أنه يجهر بذلك، ولكن بقدر ما يسمع نفسه؛ لئلا يشوش على المصلين، ويدل لذلك عموم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله..) الحديث أخرجه البخاري، ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست، فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف قال: (من المتكلم في الصلاة؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية: (من المتكلم في الصلاة؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: (من المتكلم في الصلاة؟) فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال: (كيف قلت؟) قال: قلت: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها) أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن، والذي نقله الحافظ في التهذيب عن الترمذي أنه صححه، وأخرجه البخاري في صحيحه إلا أنه لم يذكر أنه قال ذلك بعد أن عطس، وإنما قاله بعد الرفع من الركوع، فيحمل على أن عطاسه وقع عند رفعه من الركوع، فقال ذلك لأجل عطاسه، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر عليه، فدل ذلك على مشروعيته في الصلاة، لكن من عطس في الصلاة ثم حمد الله، فإنه لا يجوز لمن سمعه أن يشمته؛ لأن التشميت من كلام الناس، فلا يجوز في الصلاة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر على من شمت العاطس في الصلاة، ثم قال له: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أخرجه الإمام مسلم وأبو داود والنسائي.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/935)
حكم الحمد بعد العطاس في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان في صلاة ثم عطس فهل يحمد الله، سواء كانت فريضة أو نافلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يشرع له أن يحمد الله، لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع من يحمد الله بعد عطاسه في الصلاة فلم ينكر عليه. بل قال: (لقد رأيت كذا وكذا من الملائكة كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها) ولأن حمد الله من جنس ذكر الصلاة، وليس بمنافٍ لها" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/348) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/936)
من آداب العطاس: الحمد والتشميت والرد على من شَمَّتَه
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من المسلمين بعد أن يعطس وتشمته فيقول: يرحمنا ويرحمكم الله، أو: هدانا وهداكم الله.
فما صحة تلك الصيغ هل وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الصيغ الصحيحة الواردة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد تحميد العاطس ورده على من شمته بألفاظ مختلفة.
روى البخاري (6224) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) .
قال الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (ص 249) : "هذا الحديث أثبت ما يُروى في هذا الباب" انتهى.
وروى أبو داود (5033) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أبو داود (5031) والترمذي (2740) عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ) . ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
وصححه في "صحيح الأدب المفرد" (715) موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وعن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس يقول إذا شُمِّت: عافانا الله وإياكم من النار، يرحمكم الله. صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (955) .
وروى مالك في الموطأ (1800) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ.
قال النووي في "شرح مسلم":
" قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة الْحَمْد وَالرَّدّ , وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الآثَار , فَقِيلَ: يَقُول: الْحَمْد لِلَّهِ. وَقِيلَ: الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. وَقِيلَ: الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال. وَقَالَ اِبْن جَرِير: هُوَ مُخَيَّر بَيْن هَذَا كُلّه , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُور بِالْحَمْدِ لِلَّهِ.
قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي رَدّ الْعَاطِس عَلَى الْمُشَمِّت , فَقِيلَ: يَقُول: يَهْدِيكُمْ اللَّه وَيُصْلِح بَالكُمْ , وَقِيلَ: يَقُول: يَغْفِر اللَّه لَنَا وَلَكُمْ , وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ: يُخَيَّر بَيْن هَذَيْنِ , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب , وَقَدْ صَحَّتْ الأَحَادِيث بِهِمَا " انتهى باختصار.
والحاصل: أن ألفاظ الحمد وردت على أوجه متنوعة:
الْحَمْدُ لِلَّهِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وألفاظ التشميت وردت –أيضاً- على أوجه متنوعة:
يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.
يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ.
عافانا الله وإياكم من النار، يرحمكم الله.
يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ.
وكل هذا صحيح ثابت يختار المسلم منه ما يشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/937)
إذا عطس أو سمع نهيق حمار في الصلاة فهل يقول الذكر الوارد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عطس المصلي في صلاته فهل يقول الحمد لله، وكذلك إذا سمع نهيق الحمار فهل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما العطاس فقد وردت السنة بأن المصلي يحمد لله إذا عطس.
وأما الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند سماع نهيق الحمار فلم ترد السنة بذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
"إذا عطس المصلي فإنه يقول: الحمد لله، كما صح ذلك في قصة معاوية بن الحكم رضي الله عنه أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله. فرمى الناسُ معاويةَ بأبصارهم منكرين عليه ما قال، فقال: واثكل أمياه، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: بأبي هو وأمي، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. رواه مسلم (537) وأبو داود (930) .
ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على العاطس الذي حمد الله؛ فدل ذلك على أن الإنسان إذا عطس في الصلاة حمد الله لوجود السبب القاضي بالحمد، ولكن لا يكون ذلك في كل ما يوجد سببه من الأذكار في الصلاة" اهـ.
"فتاوى ابن عثيمين" (13/342) .
وسئل رحمه الله:
هل يجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس، ويتعوذ بالله إذا سمع نهيق الحمار؟ وهل هناك فرق في ذلك بين الفرض والنفل؟
فأجاب:
"أما حمده إذا عطس، وتعوذه عند سماع نهيق الحمار فهو جائز على اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، ومكروه على المشهور من مذهب الإمام أحمد، والأصح اختيار شيخ الإسلام بالنسبة لحمده عند العطاس، أما بالنسبة لتعوذه عند سماع النهيق فالأولى أن لا يتعوذ، والفرق بينهما: أن الحمد عند العطاس جاءت به السنة، ولأنه مشروع بأمر يتعلق به نفسه، بخلاف نهيق الحمار فإنه لأمر خارج، ولا ينبغي أن يشغل نفسه بسماع ما هو خارج عن الصلاة.
ولا فرق فيما تقدم بين الصلاة المكتوبة والنافلة" اهـ.
"فتاوى ابن عثيمين" (13/342) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/938)
تشميت العاطس ودليله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عطس المسلم ولم يقل الحمد لله، هل يستحق التشميت وهل تشميته أفضل أم تركه؟ وهل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يستحق ذلك، ويكره تشميته والحالة هذه، وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم رضي الله عنها عن أنس رضي الله عنه قال: (عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال: هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله) وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم) .
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 67(7/939)
لماذا يقول المسلم " الحمد لله " بعد العطاس
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يقول المسلم الحمد لله بعد العطاس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله، كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان " رواه البخاري 10/505.
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم " رواه البخاري 10/502.
وجاء من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال: " هذا حمد الله، وأنت لم تحمد الله " رواه البخاري 10/504
ومن حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه " رواه مسلم 2992.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
ولما كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها …. فإن العطاس يحدث في الأعضاء حركة وانزعاجاً … وقيل: (أي: في اشتقاق التشميت) هو تشميت له بالشيطان لإغاظته بحمد الله على نعمة العطاس وما حصل له به من محاب الله، فإن الله يحبه، فإذا ذكر العبد الله وحمده ساء ذلك الشيطان من وجوه منها: نفس العطاس الذي يحبه الله، وحمد الله عليه، ودعاء المسلمين له بالرحمة، ودعاؤه لهم بالهداية وإصلاح البال، وذلك كله غائظ للشيطان محزن له، فتشميت المؤمن بغيظ عدوه وحزنه وكآبته، فسمي الدعاء له بالرحمة تشميتاً له لما في ضمنه من شماتته بعدوه، وهذا معنى لطيف إذا تنبه له العاطس والمشمت انتفعا به، وعظمت عندهما منفعة نعمة العطاس في البدن والقلب، وتبين السر في محبة الله له، فلله الحمد الذي هو أهله كما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله. أ. هـ
ونقل العلامة ابن مفلح الحنبلي رحمه الله عن الإمام ابن هبيرة أنه قال: قال الرازي من الأطباء: العطاس لا يكون أول مرض أبداً إلا أن تكون له زكمة، قال ابن هبيرة: فإذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفسه على صحة بدنه وجودة هضمه واستقامة قوته، فينبغي له أن يحمد الله، ولذلك أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله.
ومما ينبغي أن يعلم أن الأصل في المسلم التسليم للنصوص والعمل بها دون التكلف في البحث عن الحكم والعلل والأسباب التي من أجلها جاء النص بإثبات أمر أو نفيه، مع وجوب اعتقاد أن الله تعالى الحكيم الخبير الذي لم يشرع شيئاً لعباده إلا وفيه من المصالح العاجلة والآجلة من أمر الدين والدنيا ما لا يخطر له على بال، علم بعض ذلك من علم وجهله من جهل، فالأصل الذي يلزم المسلم هو الانقياد والإتباع، فإن أضيف إلى ذلك معرفة الحكمة من تشريع الحكم فالحمد لله.
والله تعالى أعلم
ينظر في معرفة تفاصيل أحكام العطاس:
الآداب الشرعية لابن مفلح: 2/334زاد المعاد لابن القيم 2/438 غذاء الألباب للسفاريني 1/441.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/940)
ما حكم تنويم الأم لأولادها بأذكار شرعيَّة، أو آيات قرآنية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تستخدم بعض الأمهات أسماء الله في تنويم أطفالهم، مثل: " الله أكبر "، و " لا إله إلا الله "، فما حكم ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لو كان السؤال عن حكم استعمال ما فيه ذكرٌ لله تعالى في تنويم الأطفال لكان أدق؛ لأن "الله أكبر"، و "لا إله إلا الله" ليستا من أسماء الله الحسنى.
والذي يظهر لنا أنه لا مانع للأم أن تقرأ القرآن، أو تسبح، أو تهلل، وهي تهز طفلها لينام؛ لأمور، منها:
1. أن الاشتغال بذِكر الله، ورفع الصوت به: خيرٌ للأم إن هي احتسبت ذِكرها أنه عبادة تتقرب به لربها تعالى، ونرجو أن يكون خيراً للطفل في قابل الأيام، فهو وقت من حياتها تستثمره في زيادة حسناتها، وفي الوقت نفسه تستثمر ما في الذِّكر من أثر طيب في تنويم ولدها.
2. أن ذِكر الله تعالى خير مما تفعله كثير من الأمهات، من الغناء! أو الحديث مع نفسها! أثناء تنويم أولادها.
3. أنه صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كانَ يَذْكُرُ الله عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) رواه ومسلم (373) .
4. أنَّ ذِكر الله تعالى، وقراءة القرآن، من الأمور المشروع فعلها قبل النوم للكبار، وقد بوَّب البخاري رحمه الله على طائفة من الأحاديث بقوله: " باب التعوذ والقراءة عند المنام ".
وقد ذكرنا هذه المسألة بأحاديثها، وأقوال العلماء، في جواب السؤال رقم: (50010) .
فأي حرجٍ يوجد من أن يُختم للطفل يقظته بإسماعه ما فيه ذِكر الله؟! .
5. أنه نوع من الرقية، فإن الرقية مشروعة بأسماء الله تعالى وصفاته، وآيات القرآن، والأدعية النبوية.
لذلك كله: لا نرى مانعاً من أن تذكر الأم ربَّها تعالى، وترفع صوتها قليلاً، لينام طفلها على هذا الذِّكر، ونذكر الأمهات بضرورة احتساب النية في تلك الأذكار؛ حتى تحصل أجورها كاملة إن شاء الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/941)
كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو إيضاح كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع الوارد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، هل المقصود به التفريق بين البنين والبنات، أم بين البنين بعضهم بعضا، وبين البنات بعضهن بعضا؟ وهل المقصود به التفريق بينهم في الفرش أم لا بد أن يكون كل منهم في غرفة مستقلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحديث عام، يعم البنين والبنات، والتفريق يكون بجعل كل واحد من البنين، وكل واحدة من البنات في فراش مستقل، ولو كانوا في غرفة واحدة؛ لأن وجود كل واحد مع الآخر في فراش واحد قد يكون وسيلة لوقوع الفاحشة. وفق الله الجميع لكل خير" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/357) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/942)
هل تخصيص الوالدين أحد أبنائهم لينام في غرفة وحده يخالف وجوب العدل بين الأولاد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي 3 إخوة: أحدهم عمره 12 سنة، والآخر 10 سنين، وأصغرهم عمره 6 سنين، وأنا حوالي 17 سنة، فأعطاني والدي غرفة كاملة لوحدي، وإخواني الثلاثة في غرفة واحدة مع بعضهم البعض، فهل في ذلك ظلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بينا في أجوبة كثيرة أنه من الواجب على الوالدين العدل بين أولادهم في العطية – انظر: جواب السؤال رقم (22169) -، وهذا الذي قلناه إنما هو في " العطية "، لا في " النفقة "؛ لأنها تختلف من صغير إلى كبير، ومن ذكَر إلى أنثى.
وما قلناه في " النفقة " نقوله في القضية الواردة في السؤال، فإنه من المعلوم لدى العقلاء أنه من الأولى أن لا تنام البنات في غرفة أشقائهن الذكور، وأن لا ينام الكبار في غرفة الصغار، وهذه الأمور لا تعلق لها بالعدل بين الأولاد، بل تقتضيها الطبيعة، والمصلحة، فإنه من المعلوم أن طبيعة الإناث تختلف عن طبيعة الذكور، وتحتاج الأنثى في غرفتها ما لا يمكن أن يشاركها فيه شقيقها الذكَر، والأمر نفسه يقال في حال اختلاف الأعمار بينهم.
وعليه: فلا مانع من أن يجعل الأب غرفةً مستقلة لابنته – مثلاً – ولو كانت وحدها، ويجمع الذكور – بعدد مناسب – في غرفة واحدة، كما لا مانع من فصل الكبير بغرفة وحده مستقلاً بها عن أشقائه الذين هم أصغر منه سنّاً.
وننبه هنا إلى أمور، منها:
1. وجوب مراعاة الفصل في الفراش بين الأولاد منذ سنٍّ مبكرة، ويتحتم هذا الفصل إذا بلغوا عشر سنين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أحمد (6717) ، وأبو داود (495) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (298) .
وانظر – للأهمية -: جواب السؤال رقم: (78833) .
2. لا نرى من المصلحة نوم الكبار مع الصغار في غرفة واحدة.
3. قد تكون المصلحة أحياناً ألا يستقل كل ولد – ذكر أو أنثى – في غرفة مستقلة وحده؛ لأن الشيطان أقرب إلى الواحد في الوسوسة، والحث على السوء والمعصية من الاثنين والثلاثة، فإذا اجتمع أكثر من واحد في غرفة فهو أفضل.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال أسَر المسلمين، وأن يوفق الوالدين لحسن رعاية أولادهم والعناية بهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/943)
هل يجوز أن تنام مع أختها في سرير واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن السرير والنوم للإخوة، وهذا إن كانت البنت 2 بالغات والصغرى لا فهل تتوسطهما في النوم إذا جمعا السريرين]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على وجوب التفريق بين الأولاد في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين، فقد روى أبو داود (418) ـ وصححه الألباني ـ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) .
وروى الدارقطني والحاكم عن سبرة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة) والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم 418
وهذا يشمل الذكور مع الذكور، والإناث مع الإناث، والذكور مع الإناث.
وقد فسر أهل العلم التفريق في المضاجع بأمرين:
الأول: التفريق بين فرشهم، وهذا هو ظاهر الحديث الثاني.
الثاني: ألا يناما متجردين على فراش واحد، فإن ناما بثيابهما من غير ملاصقة جاز ذلك عند أمن الفتنة.
قال زكريا الأنصاري رحمه الله: " التفريق في المضاجع يصدق بطريقين: أن يكون لكل منهما فراش، وأن يكونا في فراش واحد ولكن متفرقين غير متلاصقين، وينبغي الاكتفاء بالثاني ; لأنه لا دليل على حمل الحديث على الأول وحده. قال الزركشي: حمله عليه هو الظاهر بل هو الصواب للحديث السابق: (فرقوا بين فرشهم) مع تأييده بالمعنى وهو خوف المحذور " انتهى من "أسنى المطالب" (3/113) .
وقال في "كشاف القناع" (5/18) : " (وإذا بلغ الإخوة عشر سنين ذكورا كانوا أو إناثا , أو إناثا وذكورا فرق وليُّهم بينهم في المضاجع فيجعل لكل واحد منهم فراشا وحده) لقوله صلى الله عليه وسلم: (وفرقوا بينهم في المضاجع) أي حيث كانوا ينامون متجردين كما في المستوعب والرعاية " انتهى.
وبناء على ذلك فالأصل أن يكون لكل بنت فراش، وألا تشارك أختها البالغة أو الصغيرة فيه، لكن إذا لم يتيسر ذلك، واحتجن إلى النوم جميعا في سرير واحد، أو إلى نوم اثنتين في سرير، فلا بأس، على أن يكون لكل واحدة منهن غطاء أو لحاف يخصها.
قال الحافظ ابن حجر في نوم الجماعة في فراش واحد:" وثبت من طرق أخرى أنه يشترط أن لا يجتمعوا في لحاف واحد " انتهى من "فتح الباري" (7/204) .
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/944)
من السنة نفض الفراش قبل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[متى نقوم بنفض الفراش ثلاث مرات؟ هل قبل النوم أم بعده؟ وكيف الطريقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (6320) ومسلم (2714) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " (دَاخِلَة الْإِزَار) : طَرَفه , وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَنْفُض فِرَاشه قَبْل أَنْ يَدْخُل فِيهِ , لِئَلَّا يَكُون فِيهِ حَيَّة أَوْ عَقْرَب أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الْمُؤْذِيَات , وَلْيَنْفُضْ وَيَدُهُ مَسْتُورَة بِطَرَفِ إِزَاره , لِئَلَّا يَحْصُل فِي يَده مَكْرُوه إِنْ كَانَ هُنَاكَ " انتهى.
وبهذا تعلم أن نفض الفراش يكون عند إرادة النوم، ويكون بطرف ثوبك أو غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/945)
النوم بعد العصر وحديث (عجبت لمن عام ونام بعد العصر)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديت نبوي يقول: (عجبت لمن عام ونام بعد العصر) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يصح في أمر النوم بعد العصر، مدحا أو ذما، حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، والحديث الذي يذكره السائل الكريم غير مروي في الكتب المسندة، ولم يذكره أحد من أهل العلم، فهو حديث مكذوب لا أصل له، فلا يجوز اعتقاد صحته، ولا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب.
ثانيا:
ومن الأحاديث المكذوبة المشتهرة على ألسنة الناس في شأن ذم النوم بعد العصر، حديث:
(من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه)
قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/112/حديث رقم 39) :
" ضعيف. أخرجه ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (1 / 283) من طريق خالد بن القاسم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 69) وقال: لا يصح، خالد كذاب، والحديث لابن لهيعة فأخذه خالد ونسبه إلى الليث.
قال السيوطي في " اللآليء " (2 /150) : قال الحاكم وغيره: كان خالد يدخل على الليث من حديث ابن لهيعة، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. ومرة قال: عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا. وابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه. وقد رواه على وجه ثالث، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 211/1) والسهمي في "تاريخ جرجان" (53) عنه عن عقيل عن مكحول مرفوعا مرسلا. أخرجاه من طريق مروان، قال: قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث! مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة..؟ فذكره
قال الليث: لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل!
ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده.
والحديث رواه أبو يعلى وأبو نعيم في " الطب النبوى " (12/2 نسخة السفرجلاني) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.
وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره، وهو راوي حديث العدس وهو:
(عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ، وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا) وهو حديث موضوع " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
ثالثا:
أما حكم النوم بعد العصر فقد جاء فيه قولان عن أهل العلم:
الأول: الكراهة، وقد نص عليه كثير من الفقهاء في كتب الفقه، وبعضهم يستدل عليه بالحديث السابق، المشار إلى ضعفه، وبعضهم يستدل عليه ببعض الآثار السلفية، والتجربة الطبية.
جاء عن خَوَّات بن جبير من الصحابة أنه قال عن النوم بعد آخر النهار إنه حُمق.
وجاء عن مكحول من التابعين أنه كان يكره النوم بعد العصر، ويخاف على صاحبه من الوسواس. انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (5/339)
ونقل المروذي قال: سمعت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – يكره للرجل أن ينام بعد العصر، يخاف على عقله.
نقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/159) وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/22)
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/219) :
" ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب، ويكسل ويضعف الشهوة، إلا في الصيف وقت الهاجرة.
وأردؤه نوم أول النهار، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر.
ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له: قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟
... قال بعض السلف: من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " انتهى.
وانظر "مطالب أولي النهى" (1/62) ، "غذاء الألباب" (2/358) ، "كشاف القناع" (1/79) ، "الآداب الشرعية" ابن مفلح (3/159) ، "أدب الدنيا والدين" (355-356) ، "شرح معاني الآثار" (1/99)
الثاني: هو الجواز، لأن الأصل هو الإباحة، ولم يرد النهي عنه في حديث صحيح، والأحكام الشرعية تؤخذ من الأحاديث الصحيحة، لا من الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة، ولا من آراء الناس.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/39) بعد أن أورد عن الليث بن سعد الفقيه المصري المعروف، إنكاره النهي عن نومة العصر، وقوله لمن سأله: مالك تنام بعد العصر؟ لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل – علق على ذلك الشيخ رحمه الله قائلا:
" ولقد أعجبني جواب الليث هذا، فإنه يدل على فقه وعلم، ولا عجب، فهو من أئمة المسلمين، والفقهاء المعروفين، وإني لأعلم أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر، ولو كانوا بحاجة إليه، فإذا قيل له: الحديث فيه ضعيف، أجابك على الفور: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال!
فتأمل الفرق بين فقه السلف، وعلم الخلف! " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/148) :
" سمعت من أناس تحريم النوم بعد العصر، هل ذلك صحيح؟
فجاء الجواب:
" النوم بعد العصر من العادات التي يعتادها بعض الناس، ولا بأس بذلك، والأحاديث التي في النهي عن النوم بعد العصر ليست بصحيحة " انتهى.
وهذا القول هو الراجح، لعدم صحة النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما جاء عن السلف من الآثار التي تنهى عن نومة العصر، فهي محمولة على الكراهة من جهة الطب لا من جهة الشرع، يعني لما اشتهر عند العرب قديما وبين بعض الأطباء الأوائل أن النوم بعد العصر غير صحي، وقد يؤدي إلى إضرار في البدن، فكرهوا للإنسان النوم بعد العصر كي لا يضر نفسه، من غير نسبة ذلك إلى السنة والتشريع.
فيرجع في الأمر إلى الطب، فإن ثبت من جهته الضرر والأذى، كره للمرء أن يضر نفسه، وأما الشرع فلم يثبت فيه النهي عن ذلك ابتداء.
وانظر جواب السؤال رقم (2063)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/946)
كيفية نوم الطفل وقول الأطباء الأفضل أن ينام على بطنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم ـ رجاءً ـ تقديم النصح لى حول وضع وكيفية نوم الطفل؟ يقول الأطباء: إنه من الجيد أن يرقد الطفل على معدته، ولكنى علمت توا بنهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا الوضع؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في النهي عن الاضطجاع على البطن: ما روى أحمد وأبو داود (5040) عن طَخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ السَّحَرِ عَلَى بَطْنِي إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ!! قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورواه ابن ماجه (3724) عَنْ ابْنِ طِخْفَةَ الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُضْطَجِعٌ عَلَى بَطْنِي، فَرَكَضَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: يَا جُنَيْدِبُ، إِنَّمَا هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ.
وأحاديث النهي عن النوم على البطن مختلف في صحتها، فمن أهل العلم من يضعفها، كالبخاري والدارقطني وابن أبي حاتم وابن رجب، ومنهم من يصححها أو يحسنها، كأحمد شاكر في تحقيق المسند (14/248 - 249) ، والألباني في صحيح أبي داود.
ثانيا:
النوم على البطن مضر من الناحية الصحية، للصغار والكبار، فهناك تقارير طبية تبين ارتفاع نسبة الوفيات في الأطفال الذين يموتون اختناقا بسبب نومهم على بطونهم، كما أنه يورث الإصابة بالحساسية لقرب الأنف من الفراش، إذا كان الفراش من أسفنج أو صوف، فتجتمع الجراثيم والميكروبات.
نعم النوم على البطن يفيد في طرد الغازات، لكن الاعتياد عليه مضر كما سبق.
وينبغي تعويد الطفل على النوم على شقه الأيمن، فهو أكمل أحوال النوم، وهو الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه منافع جمة للبدن.
جاء في بعض الدراسات الطبية: " النوم على الشق الأيمن هو الوضع الصحيح لأن الرئة اليسرى أصغر من اليمنى فيكون القلب أخف حملاً وتكون الكبد مستقرة لا معلقة والمعدة جاثمة فوقها بكل راحتها وهذا كما رأينا أسهل لإفراغ ما بداخلها من طعام بعد هضمه… كما يعتبر النوم على الجانب الأيمن من أروع الإجراءات الطبية التي تسهل وظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها لإفرازاتها المخاطية.
أما النوم على الشق الأيسر فهو غير مقبول، لأن القلب حينئذ يقع تحت ضغط الرئة اليمنى، والتي هي أكبر من اليسرى مما يؤثر في وظيفته ويقلل نشاطه وخاصة عند المسنين. كما تضغط المعدة الممتلئة عليه فتزيد الضغط على القلب والكبد -الذي هو أثقل الأحشاء- لا يكون ثابتاً بل معلقاً بأربطة وهو موجود على الجانب الأيمن، فيضغط على القلب وعلى المعدة مما يؤخر إفراغها.
فقد أثبتت التجارب التي أجراها " غالتيه " و " بواسيه " أن مرور الطعام من المعدة إلى الأمعاء يتم في فترة تتراوح بين 2.5-4.5 ساعة إذا كان النائم على الجانب الأيمن ولا يتم ذلك إلا في 5-8 ساعات إذ اكان على جنبه الأيسر ".
ينظر: الطب النبوي في ضوء العلم الحديث، د غياث الأحمد، النوم على الجهة اليمنى، د إبراهيم الراوي.
فينبغي تعويد الأبناء على النوم على الجانب الأيمن، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحصيلا لمنفعة أبدانهم.
سئل علماء اللجنة الدائمة: هل صحيح أنه من السيء النوم على البطن، فقد قيل لي: إن النوم على البطن مكروه؟ لأن ذلك هو نوم الشيطان، إلا أني اعتدت النوم على هذه الوضعية منذ صغر سني، ولا أزال أفعل ذلك حتى الآن بحكم العادة، فما هو الحكم في ذلك؟
فأجابوا:: " يكره النوم على البطن، لما رواه أبو داود عن طخفة بن قيس الغفاري، قال: بينما أنا مضطجع في المسجد من السحر على بطني، إذا رجل يحركني برجله، فقال: إن هذه ضجعة يبغضها الله قال: فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود في باب (في الرجل ينبطح على بطنه) ، فينبغي تركه ولو كان من عادة الإنسان؛ لأنه يشرع للمسلم ترك العادة المخالفة للشرع " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26/146)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/947)
كم عدد الساعات التي يجوز للشخص أن ينامها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الساعات التي يجوز للشخص أن ينامها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النوم آية من آيات الله الكونية، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) الروم/23.
ونوم الليل هو الأصل، ونوم النهار فرع، وقد جعل الله تعالى النهار للعمل والانتشار في طلب الرزق، وجعل الليل للراحة، وفي الليل يكون النوم، وفي النهار العمل، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) الفرقان/47، وقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) النمل/86، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً. وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً. وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) النبأ/9-11.
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -:
أي: ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة، وذهاب الكلال والتعب، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار، وهذا ضد النوم.
" تفسير ابن كثير " (6 / 310) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
(وجعلنا نومكم سباتاً) أي: قاطعاً للتعب، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام: استراح وتجدد نشاطه، وهذا من النعمة، وهو أيضاً من آيات الله، كما قال الله تعالى: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) الروم/23 ...
(وجعلنا النهار معاشاً) أي: معاشاً يعيش الناس فيه في طلب الرزق على حسب درجاتهم، وعلى حسب أحوالهم، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد.
" تفسير جزء عمَّ " (ص 22، 23) .
ثانياً:
لم يأتِ في الشرع ما يُلزم المسلم بالنوم في ساعة معينة والاستيقاظ في أخرى، ولا يُلزمه الشرع بالنوم لقدر معيَّن من الساعات، بل يرجع ذلك لطبيعة عمُر الأشخاص، وحاجة أبدانهم للراحة، كما يرجع لطبيعة أعمالهم، فعامل الليل ينام في النهار أكثر مما ينامه في الليل عامل النهار، ونوم الشتاء يختلف عن نوم الصيف، وهكذا.
والمعدَّل الطبيعي لنوم الإنسان يكون من 5 إلى 8 ساعات يوميّاً، ومن نام أقل من ذلك لقدرة جسمه على التحمل، أو أكثر من ذلك لحاجة جسمه لذلك: فلا حرج عليهما، والمهم في الأمر في الإسلام أن يلتزم المسلم بأوقات الصلوات، فيكون فيها نشيطاً ليؤدي العبادة على وجهها الأكمل، وإذا طلب الجسد الراحة والنوم: فلا ينبغي دفع ذلك عنه.
قال الشيخ محمد بن أحمد السفاريني – رحمه الله -:
لا ينبغي مدافعة النوم كثيراً , وإدمان السهر , فإنَّ مدافعة النوم وهجره مورث لآفات أُخر من سوء المزاج، ويبسه، وانحراف النفس , وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل , وتورث أمراضا متلفة.
وما قام الوجود إلا بالعدل، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير، وفي " الآداب الكبرى " قال بعض الحكماء: النعاس يذهب العقل , والنوم يزيد فيه.
فالنوم من نِعَم الله جل شأنه على عباده , ولهذا امتنَّ عليهم في كتابه.
" غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب " (2 / 359) .
وينبغي أن يُعلم أن النوم الزائد عن حاجة البدن يسبِّب ثقلاً في الطاعة، وخبلاً في العقل، ومن هنا جاءت بعض العبارات عن السلف في ذم كثرة النوم.
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: خصلتان تقسيان القلب: كثرة النوم، وكثرة الأكل.
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
وأما مفسدات القلب الخمسة: فهي التي أشار إليها: من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.
" مدارج السالكين " (1 / 453) .
وشرح ما يتعلق بالنوم فقال – رحمه الله -:
المُفسد الخامس: كثرة النوم؛ فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل، ومنه المكروه جدّاً، ومنه الضار غير النافع للبدن.
وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه، ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه، وكلما قرب النوم من الطرفين: قل نفعه وكثر ضرره، ولا سيما نوم العصر، والنوم أول النهار إلا لسهران، ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؛ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس؛ فإنه أول النهار، ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
وبالجملة: فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثمان ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء، وكان رسول الله يكرهه، فهو مكروه شرعاً وطبعاً، وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام: من سوء المزاج، ويبسه، وانحراف النفس، وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل، ويورث أمراضاً متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها، وما قام الوجود إلا بالعدل، فمن اعتصم به: فقد أخذ بحظه من مجامع الخير، وبالله المستعان.
" مدارج السالكين " (1 / 459، 460) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/948)
هل يجوز للمرأة أن تؤدي أعمال البيت وهي جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تؤدي وظائفها المعتادة كالطبخ، ورعاية الأطفال، وشؤون البيت قبل الاغتسال من الجماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الجنب الصلاة والطواف والمكث في المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف، وما سوى ذلك فهو جائز.
فلا حرج على المرأة إن كانت على جنابة أن تطبخ أو تقوم على رعاية بيتها وأبنائها وقضاء حوائجها، وقد دل على ذلك عدة أدلة منها:
أ. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنُب، قال فانخنستُ منه، فذهبت فاغتسلت، ثم جئت فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قلت: كنت جنُباً فكرهتُ أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله، إن المسلم لا ينجس.
رواه البخاري (279) ومسلم (371) .
قال الحافظ ابن حجر:
وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، ... وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه.
" فتح الباري " (1 / 391) .
والأفضل للجنب أن يسارع إلى الاغتسال خشية نسيانه لجنابته، ولو توضأ قبل مباشرته للطعام والشراب وقبل نومه فهو أفضل من فعل هذه الأشياء، وهو على جنابة، وليس هذا الوضوء بواجب بل هو لتخفيف الحدث، وهو مستحب، وفي ذلك بعض أحاديث، منها:
أ. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة.
رواه مسلم (305) .
ب. عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب.
رواه البخاري (283) ومسلم (306) .
قال النووي:
وفيها: أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها، ولاسيما إذا أراد جماع من لم يجامعها؛ فإنه يتأكد استحباب غسل ذكَره، وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء، وهذه الأحاديث تدل عليه، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وبهذا قال مالك والجمهور.
" شرح مسلم " (3 / 217) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
الجنُب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء، لكن يُكره له النوم إذا لم يتوضأ؛ فإنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم " سئل هل يرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال: نعم، إذا توضأ للصلاة " ...
" مجموع الفتاوى " (21 / 343) .
راجع السؤال رقم (6533)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/949)
هل للرجل أن ينام مع أخته في غرفة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز النوم مع أختي في غرفة واحدة وكلا منا علي سرير منفرد ومتقابل أثناء الصوم بحيث قد نرى بعضنا بعض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على الرجل أن ينام مع أخته في غرفة واحدة، كل منهما على فراشه، إذا أُمن الاطلاع على شيء من عورتهما، ولا فرق في ذلك بين حال الصوم وغيره.
وعورة المرأة بالنسبة لأخيها وعامة محارمها: جميع بدنها إلا ما يظهر غالبا، كالرقبة والرأس والكفين والقدمين والساقين، قال في "كشاف القناع" (5/11) : " (و) لرجل أيضا نظر وجه ورقبة ويد وقدم ورأس وساق (ذات محارمه) قال القاضي على هذه الرواية: يباح ما يظهر غالبا كالرأس واليدين إلى المرفقين " انتهى.
وعورته بالنبسة لها: ما بين السرة إلى الركبة.
قال في "كشاف القناع" (5/15) : " (وللمرأة مع الرجل) نظر ما فوق السرة وتحت الركبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك) ، وقالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد) متفق عليه، ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة؛ ولأنهن لو منعن من النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرون إليهم " انتهى.
فيجب أن يحتاط كل منهما عند نومه، فيلبس ما يستر عورته، ويحفظه من الانكشاف.
ولما كان النوم مظنة انكشاف العورة، وثوران الشهوة جاءت الشريعة الكاملة المطهرة بالأمر بالتفريق بين الأولاد في المضاجع. كما روى أبو داود (418) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)
وروى الدارقطني والحاكم عن سبرة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة) والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم 418
وقد فسر أهل العلم التفريق في المضاجع بأمرين:
الأول: التفريق بين فرشهم، وهذا هو ظاهر الحديث الثاني.
الثاني: ألا يناما متجردين على فراش واحد، فإن ناما بثيابهما من غير ملاصقة جاز ذلك عند أمن الفتنة.
قال زكريا الأنصاري رحمه الله: " التفريق في المضاجع يصدق بطريقين: أن يكون لكل منهما فراش، وأن يكونا في فراش واحد ولكن متفرقين غير متلاصقين، وينبغي الاكتفاء بالثاني ; لأنه لا دليل على حمل الحديث على الأول وحده. قال الزركشي حمله عليه هو الظاهر بل هو الصواب للحديث السابق: (فرقوا بين فرشهم) مع تأييده بالمعنى وهو خوف المحذور " انتهى من "أسنى المطالب" (3/113) .
وقال في "كشاف القناع" (5/18) : " (وإذا بلغ الإخوة عشر سنين ذكورا كانوا أو إناثا , أو إناثا وذكورا فرق وليُّهم بينهم في المضاجع فيجعل لكل واحد منهم فراشا وحده) لقوله صلى الله عليه وسلم: (وفرقوا بينهم في المضاجع) أي حيث كانوا ينامون متجردين كما في المستوعب والرعاية " انتهى.
وقال ابن مفلح رحمه الله: " ومن بلغ من الصبيان عشرا منع من النوم مع أخته ومع محرم غيرها متجردين ذكره في المستوعب والرعاية، وهذا والله أعلم على رواية عن أحمد واختارها أبو بكر. والمنصوص واختاره أكثر أصحابنا وجوب التفريق في ابن سبع فأكثر، وأن له عورة يجب حفظها، والمسألة مشهورة مذكورة في كتاب الجنائز " انتهى من "الآداب الشرعية" (3/538) .
وإنما ذكرنا هذا للفائدة، ولئلا يُظن أن الحديث يقتضي عدم نوم الأخ مع أخته في غرفة واحدة، وإن كان هذا هو الأولى لمن تيسر له ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/950)
فضل قراءة بعض آيات القرآن الكريم قُبَيل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيما معناه ": (أن من قرأ عشر آيات من القرآن في ليلة قبل أن ينام لم يكتب من الغافلين)
هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان صحيحا، فهل يصح أن أقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين حفظاً، وبهذا أكون قد قرأت وَرْدِي، وقرأت أكثر من عشر آيات؟ أم إنه يجب أن تكون العشر آيات تلاوة من المصحف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نص الحديث الذي يقصده السائل الكريم هو:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيلَةٍ لَم يُكتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ) رواه الحاكم في المستدرك (1/742) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/81) .
وقد جاء أيضا من قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من قرأ في ليلة بعشر آيات لم يكتب من الغافلين. وورد نحوه أيضا عن تميم الداري رضي الله عنه. رواهما الدارمي في مسنده (2/554-555) .
ثانيا:
هل المقصود بالحديث أن يقرأ هذه الآيات في صلاته بالليل، أو تحصل هذه الفضيلة بمجرد قراءة هذه الآيات في الليل، سواء كانت في الصلاة أو في غير الصلاة؟
فيه احتمال؛ ويؤيد الأول رواية أبي داود (1398) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (1264) .
قال في عون المعبود: " والمراد هنا في قيام الليل ". ولذلك روى ابن حبان الحديث السابق في أبواب قيام الليل من صحيحه (4/120) وترجم عليه: (ذكر نفي الغفلة عمن قام الليل بعشر آيات ... ) .
ويشهد له أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن صلى في ليلة بمائتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين) رواه الحاكم (1/452) ، وصححه على شرط مسلم. لكن مال الألباني إلى ضعفه، كما في الصحيحة (2/243) ، وضعيف الترغيب (1/190) .
وفي رواية ابن خزيمة (2/180) : (من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين أو لم يكتب من القانتين..)
قال الألباني في الصحيحة (643) : إسناده صحيح على شرط الشيخين.
فاقتران القراءة بذكر الصلاة المكتوبة مما يشعر بأن المراد بها القراءة في الصلاة، يعني: صلاة الليل.
ولأجل ذلك روى ابن خزيمة حديث أبي هريرة في باب: (باب ذكر فضيلة قراءة مائة آية في صلاة الليل إذ قارئ مائة آية في ليلة لا يكتب من الغافلين) ، ورواه أيضا محمد بن نصر المروزي في كتابه قيام الليل (164ـ مختصره) في سياق الأبواب المتعلقة بالقراءة في صلاة الليل.
ويحتمل أن تحصل هذه الفضيلة لمن قرأ هذا القدر من الآيات في الليل مطلقا، سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة، قبل نومه، أو بعد استيقاظه، إذا استيقظ من الليل.
وبهذا الإطلاق أخذ كثير من أهل العلم في تخريج الحديث في مصنفاتهم؛ فقد بوب عليه الدارمي رحمه الله (2/554) بقوله: (باب فضل من قرأ عشر آيات)
وبوب الحاكم في المستدرك (1/738) بقوله: (أخبار في فضائل القرآن جملة)
كما بوب عليه المنذري في الترغيب والترهيب (2/76) بقوله: (الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وفضل تعلمه وتعليمه)
وذكره مرة أخرى تحت باب (2/116) : (الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)
ويقول النووي رحمه الله في كتاب "الأذكار" (1/255) :
" اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار، فينبغي المداومة عليها، فلا يُخلي عنها يوماً وليلة، ويحصل له أصلُ القراءة بقراءة الآيات القليلة.. (ثم ذكر أحاديث منها حديث أبي هريرة السابق) " انتهى.
فيرجى لمن قرأ عشر آيات في ليلته ألا يكتب من الغافلين، سواء قرأ ذلك في صلاته بالليل، أو خارج الصلاة، وفضل الله عز وجل واسع.
وفي صحيح مسلم (789) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (.. وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ) .
فظاهر الحديث أن المراد بالقيام هنا أعم من مجرد القيام به في الصلاة. قال المناوي رحمه الله: " أي تعهد تلاوته ليلاً ونهاراً فلم يغفل عنه ... وفيه ندب إدامة تلاوة القرآن ... بأن لم يخص بوقت أو محل ". انتهى مختصرا.
ثالثا:
قد جاء في السنة الندب إلى قراءة بعض الآيات إذا أوى المسلم إلى فراشه.
ومن خصوص السور والآيات التي جاء الندب إلى قراءتها ما يلي:
1- آية الكرسي.
جاء في صحيح البخاري معلقا (2311) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(وكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام. . وذكر الحديث وقال في آخره: (إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرأ آيةَ الكرسي، فإنه لن يزالَ معكَ من الله تعالى حافظ، ولا يقربَك شيطانٌ حتى تُصْبِحَ. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيطانٌ)
2- آخر آيتين من سورة البقرة.
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن قَرَأَ بِالآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ كَفَتَاهُ) رواه البخاري (5009) ومسلم (2714) قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (132) : كفتاه من شر ما يؤذيه.
عن عليّ رضي الله عنه قال:
(ما كنتُ أرى أحداً يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة)
عزاه النووي في الأذكار (220) لرواية أبي بكر بن أبي داود ثم قال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
4،3- سورتي الإسراء والزمر
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر)
رواه الترمذي (3402) وقال: حديث حسن. وحسّنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/65) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
5- سورة الكافرون:
عن نوفل الأشجعي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اقْرأ: قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها فإنَّها بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ "
رواه أبو داود (5055) والترمذي (3400) وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/61) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
8،7،6- الإخلاص والمعوذتين:
عن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيلَةٍ جَمَعَ كَفَّيهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ) و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، ثُمَّ يَمسَحُ بِهِمَا مَا استَطَاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجهِهِ وَمَا أَقبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفعَلُُ ذَلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) رواه البخاري (5017)
وعن إبراهيم النخعي قال:
(كانوا يستحبّون أن يقرؤوا هؤلاء السور في كلّ ليلة ثلاثَ مرات: (قل هو الله أحد) والمعوّذتين) قال النووي في الأذكار (221) : إسناده صحيح على شرط مسلم.
رابعا:
يقول النووي رحمه الله في "الأذكار" (221) :
" الأولى أن يأتيَ الإِنسانُ بجميع المذكور في هذا الباب، فإن لم يتمكن اقتصرَ على ما يقدرُ عليه من أهمّه " انتهى.
ولا يشترط أن تكون القراءة من المصحف، فيكفي أن يقرأ المسلم ما تيسر له مما سبق من حفظه، والله سبحانه وتعالى يكتب له ما وعده به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/951)
هل النوم بجانب الزوجة في الفراش يتعارض مع الطّهارة المشروعة قبل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[من سنن النوم الوضوء قبله، بالنسبة للزوجين ينامان على نفس السرير الواسع بجانب بعضهما. أظن أن هذا ليس من السنة وأود معرفة رأيك. جزاك الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بل هو من السنة فقد دل على أحاديث كثيرة منها الذي رواه البخاري (2945) ومسلم في (2727) أن رسول الله قال له ولفاطمة رضي الله عنهما إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبر ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمد ثلاثاً وثلاثين وفي رواية أخرى عند البخاري (3502) فجاء النبي إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري.
فقد دل هذا الحديث بمنطوقه الصريح على أن نوم الرجل مع زوجته في فراش واحد من السنة ولعل الإشكال الذي طرأ إلى ذهن السائل أنه عندما يتوضأ الرجل ثم بعد ذلك ينام هو وزوجته في فراش واحد فإنه لا بد أن يلامسها وهذا سوف ينقض الوضوء فإذن لا فائدة من الوضوء حينئذ لا بدّ من التعرّض لمسألة لمس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟
لقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال عدة وسبب الاختلاف راجع إلى اختلافهم في تفسير قوله تعالى {أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً} النساء: 38.
فذهبت طائفة من أهل العلم أن الملامسة هنا مختصة باليد، وذهبت طائفة أخرى أن الملامسة هاهنا الجماع كما في قوله {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وقوله {إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وذكروا أن إجماع العلماء لا يوجب كمال المهر عند الطلاق بمجرد اللمس إنما يكون ذلك بالدخول وبالجماع، وهذا القول مروي عن علي وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وطاووس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان وأبي حنيفة. أنظر " نيل المرام من تفسير آيات الأحكام "لصديق حسن خان (1/314.316) .
والراجح من حيث الدليل القول الأخير فقد صح عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبّل ثم يصلي ولا يتوضأ "
انظر "نصب الراية" (1/72) و "نيل المرام" لصديق حسن خان (318-322 ـ الهامش) .
وروى البخاري في الصحيح (1/588) رقم (513) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح فهذان نصان في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الملامس، ولم يجدّد وضوءه، وأنه لامس في أثناء صلاته فدلت السنة التي هي البيان لكتاب الله أن مجرّد لمس المرأة لا ينقض الوضوء، ولكن لو خرج منه مذي أو منيّ انتقض وضوءه، فإذا عرف السائل الراجح في هذه المسألة فحينئذ ينحل الإشكال ويخرج من حيز الإقفال والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/952)
يجوز النوم على الجانب الأيسر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أنام على جانبي الأيسر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام على جنبه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خدِّه الأيمن، وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ ... الحديث) رواه البخاري (الوضوء 2239) ومسلم (4884) ، ومن السنة وضع الكف الأيمن تحت الخد، فعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) رواه البخاري (الدعوات / 6314) .
قال ابن حجر: وَخَصَّ الأَيْمَن لِفَوَائِد: مِنْهَا أَنَّهُ أَسْرَع إِلَى الانْتِبَاه , وَمِنْهَا أَنَّ الْقَلْب مُتَعَلِّق إِلَى جِهَة الْيَمِين فَلا يَثْقُل بِالنَّوْمِ , وَمِنْهَا قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: هَذِهِ الْهَيْئَة نَصَّ الأَطِبَّاء عَلَى أَنَّهَا أَصْلَح لِلْبَدَنِ , قَالُوا يَبْدَأ بِالاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِب الأَيْمَن سَاعَة ثُمَّ يَنْقَلِب إِلَى الأَيْسَر لأنَّ الأَوَّل سَبَب لانْحِدَارِ الطَّعَام , وَالنَّوْم عَلَى الْيَسَار يَهْضِم لاشْتِمَالِ الْكَبِد عَلَى الْمَعِدَة.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: " فِي الْحَدِيث ثَلاث سُنَن إِحْدَاهَا الْوُضُوء عِنْد النَّوْم , وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا كَفَاهُ لأَنَّ الْمَقْصُود النَّوْم عَلَى طَهَارَة. ثَانِيهَا النَّوْم عَلَى الْيَمِين..... ".
فهذا يدل على أن النوم على الجنب الأيمن من السنة، إذا فعل الإنسان ذلك مقتدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يؤجر على ذلك، والنوم على الجانب الأيسر جائز ولكنه يفوت به أجر اتباع السنة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/953)
تعلق التميمة، وعلاج الكوابيس
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق عندما كان صغيراً لم يكن يستطيع النوم ويرى كوابيس، كان أبوه يأخذه لرجل من الأولياء، وقد صنع له هذا الرجل قلادة من أشياء كالصناديق الصغيرة تحتوي على كتابات مقدسة.
هل هذا جائز في الإسلام؟ عمره الآن 24 سنة فماذا تنصحه أن يفعل لكي يتخلص من هذه الكوابيس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الذهاب إلى الكهنة والعرافين، والمشعوذين، ومن ذهب إليهم وسألهم عن شيء لم تُقْبِل منه صلاة أربعين يوماً، ومن صدَّقهم بأنهم يعلمون الغيب أو يكشفون الضر ويجلبون النفع فهو كافر كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز تعليق الخرز والتمائم، وقد جاء الوعيد الأكيد في السنة الصحيحة لمن فعل ذلك.
عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا، قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: من علق تميمة فقد أشرك. رواه أحمد (16969) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (492) .
وفي جواب السؤال رقم (10543) تجد تفصيل الأحاديث الواردة في التمائم، وفيه بيان حكم العلماء في التميمة المعلقة من القرآن وحكم التمائم من غيرها.
وفيه – عن الشيخ سليمان بن عبد الوهاب -:
هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها بل والتعلق عليهم والاستعاذة بهم والذبح لهم وسؤالهم كشف الضر وجلب الخير مما هو شرك محض وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله. اهـ.
وعن الشيخ حافظ حكمي:
وإن تكن - أي: التمائم - مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود وعبَّاد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره فإنها شرك - أي: تعليقها شرك - بدون ميْن - أي: شك -. اهـ
ثانياً:
وفي جواب السؤال رقم (9577) تجد سُبل الوقاية من الكوابيس والمنامات المزعجة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/954)
ما حكم سماع القران قبل النوم من مسجل أو غيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سماع القرآن أثناء النوم من مسجل أو غيره لتكون خاتمة المسلم على ذكر الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من أن يستمع المسلم قبل نومه للقرآن، أو لمحاضرة، أو لشيء مباح، بل قد جاء في السنَّة الصحيحة أن من أذكار ما قبل النوم أدعية وقراءة آيات وسورٍ من القرآن.
قال البخاري:
باب التعوذ والقراءة عند المنام
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده. رواه البخاري (5960) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث - فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان ". رواه البخاري (3101) .
وسماع القرآن قبل النوم وبعده - في رمضان وفي غيره – يورث طمأنينة للقلوب، وانشراحاً للصدور، قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: بعض الناس يقول لي: لا ينام إلا على سماع القرآن، إذا كان كذلك فلا بأس إذا كان مضطجعاً ينتظر النوم ما عنده شغل، فيستمع هذا لا بأس به، ومن استعان بسماع كلام الله على ما يريد الإنسان من الأمور المباحة، لا بأس ليس هناك مانع. " لقاءات الباب المفتوح " (146 / سؤال رقم 9) .
وقال الشيخ عبد الله بن منيع – حفظه الله -: لا يظهر لي بأس في ذلك، وكونك أخذك النوم وأنت تستمع القرآن: لا تثريب عليك، فالأمر باستماع القرآن حين يُتلى موجه إلى السامع العاقل، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204.
" مجموع فتاوى وبحوث الشيخ عبد الله المنيع " (1 / 266) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/955)
تجديد الوضوء عند النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يتعلق بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الخاص بوضوء المسلم وضوءه للصلاة قبل أن ينام، فإذا كنت لا أزال محافظا على وضوئي منذ صلاة العشاء، فهل يمكنني أن أنام على ذلك الوضوء، أم أعيده مرة أخرى قبل أن أنام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوضوء قبل النوم من الأمور المستحبة التي ينبغي أن يفعلها الإنسان قبل أن ينام.
وقد ورد الحديث بذلك وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة) رواه البخاري (247) ومسلم (2710) .
قال ابن حجر: ظاهره استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم، ولو كان على طهارة، ويُحتمل أن يكون مخصوصاً بمن كان محدثاً.
وقال النووي: فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء، لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعّب الشيطان به في منامه وترويعه إياه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/956)
هل يجوز النوم واتجاه القدمين للقبلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز النوم واتجاه القدمين للقبلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " ليس على الإنسان حرج إذا نام ورجلاه اتجاه الكعبة بل إن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إن المريض الذي لا يستطيع القيام ولا القعود يصلي على جنبه ووجهه إلى القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة "
فتاوى ابن عثيمين (2 / 976) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/957)
النوم عارياً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد نهي من النوم بدون ملابس، ولو كان من الزوجة؟
ملاحظة: لا أقصد أثناء الجماع، إنما النوم اليومي، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العورة يجب سترها في كل الأحوال إلا عند الحاجة كحالة الاغتسال أو الجماع أو قضاء الحاجة ونحوها، أما بدون حاجة فيجب ستر العورة؛ لما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "، قال: فالرجل يكون مع الرجل؟ قال: " إن استطعت ألا يراها أحد فافعل "، قال: فإن كان أحدنا خالياً، قال: فالله أحق أن يستحيا منه " رواه الترمذي (2769) وغيره.
بناءً على ما سبق لا يجوز لك أن تنام بدون ملابس تستر عورتك، سواء كان هذا النوم مع زوجتك أو بدونها، إنما يجوز كشف العورة عند الحاجة فقط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
أجاب عليه: د. أحمد الخليل(7/958)
يحب الدعوة ورأى حلماً مزعجاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن يكون بإمكانكم مساعدتي في حيرتي، صليت الاستخارة قبل خمسة أيام، سألت الله إن كان باستطاعتي أن أحول رجلاً غير مسلم إلى مسلم وأن أريه طريق الصواب لحبي للإسلام ولله، أنا مهووس بهذه الفكرة لأنها أمنيتي في الحياة ولو لمرة واحدة في حياتي لأني أحب الله كثيرا من كل قلبي. لقد سألت الله في صلاة الاستخارة إن كان حلمي سيتحقق وأيضا سألته الهداية لذلك.
لكن حلمت اليوم صباحا بحلم مزعج. فما رأيكم ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يثيبك على ما تقوم به من واجب الدعوة إلى الله، والحرص على نشر الخير، وحبك للخير ونشره يدل على خيريتك إن شاء الله، ونسأل الله أن تكون داخلاً في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} .
وأما ما ذكرت من محبتك لله سبحانه وتعالى فهذه صفة أحباب الله الذين قال الله عنهم: {يحبهم ويحبونه} ، فمن أحب الله بصدق أحبه الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " رواه البخاري (6507) ومسلم (2683) .
وقد أخرج البخاري (7375) ومسلم (813) عن عائشة رضي الله عنها: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ " فهذا الرجل أحب صفة الله فأحبه الله.
وإذا أردت أن تعرف صدق محبتك لله فاعرض نفسك على هذه الآية التي يقول الله تعالى فيها: {قل إن كنتم تُحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} أي اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا أحبك الله فأبشر بالخير العظيم فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رواه البخاري (6502)
فهذه ست فوائد من فوائد محبة الله للعبد وهي على سبيل التفصيل:
1- أن يكون الله سمعه، أي أنه لا يسمع إلا ما يرضي الله.
2- أن يكون بصره، أي لا ينظر إلا إلى ما يُرضي الله.
3- أن يكون رجله التي يمشي عليها، أي لا يمشي إلا إلى ما يحبه الله.
4- أن يكون يده التي يبطش بها، أي أنه لا ينتقم لنفسه وإنما لله فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله.
5- أن يستجيب الله دعائه.
6- أن يعيذه الله من كل ما يكره.
فهنيئاً لأحباب الله، هنيئاً لأولياء الله، هنيئاً لحزب الله: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)
أما الاستخارة فإنها تشرع عندما يهمُّ الإنسان بالقيام بعمل ثم يتردد فيه، وأما عملك الذي تقوم به وهو دعوة الخلق إلى الله، فلا يحتاج منك إلى استخارة بل أقدم وادع إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأما بالنسبة للحلم الذي رأيته في منامك فهو من الشيطان، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما نرى ما يسرنا أن نخبر به من نُحب، وأما إذا رأينا ما نكره أن نستعيذ بالله من الشيطان وأن ننفث عن اليسار ثم نتحول إلى الجهة الأخرى، ولا نلتفت إلى هذا الحلم أنظر السؤال (9577) .
وإذا أردت أن تتعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فراجع السؤال رقم (21216)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/959)
نوم الجنب قبل أن يغتسل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أنام وأنا جنب (من الجماع) واستيقظ وقت صلاة الفجر للطهور ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز للجنب أن ينام قبل أن يغتسل، ثم يستيقظ للاغتسال قبل صلاة الفجر. والدليل على ذلك ما رواه الترمذي (110) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلا يَمَسُّ مَاءً. صححه الألباني في صحيح الترمذي (103) .
غير أن الأفضل له أن يتوضأ قبل النوم، وإن اغتسل فهو أكمل. فعن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَابَةِ أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ. رواه مسلم (465) .
وسأل عمر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ. رواه البخاري (280) ومسلم (462) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/960)
حكم وضع الرجلين باتجاه القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض الناس أن وضع القدمين باتجاه القبلة عند الجلوس في المسجد أمر غير مسموح وهو من الآداب السيئة. هل لهذا أي أساس، أو هل هو أمر ثقافي تقليدي، أم أنه إضافة مُحدثة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله عن وضع الرجلين تجاه القبلة فأجاب:
لا مانع منه، إلا أن بعض العلماء يكره أن يمد رجليه نحو الكعبة، إذا كان قريباً منها، فكره ذلك كراهة تنزيهية. أما مثل وجود مسجد في مكان آخر وفيه مسلم يوجه رجليه نحو القبلة، فهذا لا بأس به، ولا محظور فيه إن شاء الله، كما قرره أهل العلم. والله أعلم.
انظر فتاوى الشيخ ابن حميد ص/144
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن وضع الرجلين باتجاه القبلة عند النوم فقال:
ليس على الإنسان حرج إذا نام ورجلاه في اتجاه القبلة.
فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/ 976
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/961)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام؟ هل كان ينام على السرير أم على الأرض؟ وهل كان يقرأ دعاءً معيناً إذا أراد النوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام على الفراش تارة وعلى النطع تارة وعلى الحصير تارة وعلى الأرض تارة وعلى السرير تارة بين رماله وتارة على كساء أسود.
قال عباد بن تميم عن عمه: رأيت رسول الله مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى. رواه البخاري (475) ومسلم (2100) .
وكان فراشه أَدَماً حشوُه ليف، وكان له مِسْحٌ ينام عليه يُثنى بثَنيتين.
والمقصود أنه نام على الفراش وتغطى باللحاف، وقال لنسائه: " ما أتاني جبريل وأنا في لحاف امرأة منكن غير عائشة ". رواه البخاري (3775) .
وكانت وسادته أَدَماً حشوها ليف.
وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال: " اللهم باسمك أحيا وأموت " رواه البخاري (7394) .
وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيهما، وكان يقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
وكان ينام على شقة الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول: " اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي " ذكره مسلم وذكر أيضا أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: " اللهم رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر " رواه مسلم (2713) .
وكان إذا انتبه من نومه قال: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " رواه البخاري (6312) ثم يتسوك وربما قرأ العشر الآيات من آخر آل عمران من قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض..} إلى آخرها (آل عمران 190 - 200)
وقال: " اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت " رواه البخاري (1120) .
وكان ينام أول الليل ويقوم آخره، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ.
وكان إذا عرس بليل (أي إذا توقف للاستراحة في السفر) اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرس قُبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه هكذا قال الترمذي.
وكان نومه أعدل النوم وهو أنفع ما يكون من النوم والأطباء يقولون هو ثلث الليل والنهار ثمان ساعات.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع زاد المعاد (1/155) .(7/962)
هل يُكره النوم بعد العصر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يُكره النوم بعد العصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " من نام بعد العصر فاختُلس عقله فلا يلومنَّ إلا نفسه ".
والحديث: ضعَّفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (39) .
قال الشيخ الألباني:
قال مروان [بن محمد الأسدي] : قلت للَّيث بن سعد - ورأيتُه نام بعد العصر في شهر رمضان -: يا أبا الحارث! مالكَ تنام بعد العصر وقد حدَّثنا ابن لهيعة ... - فذكره -؟ قال الليث: لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل! .
قلت: ولقد أعجبني جواب الليث هذا، فإنه يدلُّ على فقهٍ وعلم، ولا عجب، فهو مِن أئمَّة المسلمين والفقهاء المعروفين، وإني لأَعلمُ أنَّ كثيراً مِن المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر، ولو كانوا بحاجة إليه، فإذا قيل له: الحديث فيه: ضعيف، أجابك على الفور: " يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال "!
فتأمَّل الفرق بين فقه السلف وعِلم الخلف! .
" السلسلة الضعيفة " (الحديث رقم 39) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/963)
هل يرفع صوته بآية الكرسي قبل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرأ آية الكرسي قبل النوم، قيل لي بأنني إذا قرأتها فلن يؤذيني الشيطان.
هل يجب أن أقرأها بصوت مرتفع أم أقرأها في نفسي ولا زلت محمياً من الشيطان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَّ الْحَدِيثَ فَقَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ) رقم الحديث 4624 فقراءتها سنة مشروعة، وأقرئيها بصوت تسمعين به نفسك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/964)
سُبل الوقاية من الكوابيس والمنامات المزعجة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتخلص من المنامات المزعجة (الكوابيس) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. ما يراه النائم في منامه مما يزعجه ويؤرقه إنما هو من الشيطان، وما يراه النائم عموما لا يعدو أن يكون رؤيا صالحة وهي من الله، وحديث نفْس وهو ما كان يخطر على قلبه ويفكر فيه بعقله، والثالث حُلُم وهو من الشيطان.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه … ". رواه مسلم (2263) .
2. وقد دلَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما نتخلص به من تأثير الشيطان أثناء النوم، ويكون ذلك بقراءة آيات من القرآن والأدعية المأثورة قبل النوم.
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذتُه فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم … فقال: إذا أويتَ إلى فراشكَ فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صدقك وهو كذوب ذاك شيطان ". رواه البخاري (3101) .
ب. عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآيتان مِن آخر سورة البقرة مَن قرأهما في ليلة كفتاه ". رواه البخاري (3786) ومسلم (807) .
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم: " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه " قيل: معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات.
ويحتمل: من الجميع.
" شرح مسلم " (6 / 91، 92) .
ج. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ {قل هو الله أحد} وبالمعوذتين جميعاً، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغتْ يداه مِن جسده، قالت عائشة: فلمَّا اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به. رواه البخاري (5416) ومسلم (2192) .
د. عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر. رواه مسلم (2713) .
هـ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو بكر: يا رسول الله مُرني بشيءٍ أقوله إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال: قل " اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شرِّ نفسي ومِن شرِّ الشيطان وشِركه " قال: قُله إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجعك.
رواه الترمذي (3392) وأبو داود (5067) .
3. كما دلَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما نفعله إذا رأى الإنسان في نومه ما يكرهه فقام على إثره، وهي: التفل عن اليسار، والتعوذ من الشيطان، وتغيير الجنب، والصلاة إن شاء.
أ. عن أبي قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا الصالحة من الله والحُلُم من الشيطان، فإذا حَلَمَ أحدكم حُلُماً يخافه فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره ". رواه البخاري (3118) ومسلم (2261) .
ب. وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
رواه مسلم (2262) .
ج. عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ".. فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس ".
رواه مسلم (2263) .
فيرجى إن التزم المسلم ما وصَّى به النبي صلى الله عليه قبل النوم أن لا يقربه شيطان.
وإذا التزم ما وصَّى به عند فزعه واستيقاظه أن يزول عنه الهم والغم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/965)
حكم النوم بعد الفجر وبعد العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حكم يتعلق بالنوم بعد الفجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للنوم بعد صلاة الإنسان للفجر، فلم يرد نص يمنع منه، فهو باق على الأصل (وهو الإباحة) .
ولكن كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم إذا صلوا الفجر جلسوا في مصلاهم حتى تطلع الشمس، كما ثبت في " صحيح مسلم 1/463 رقم 670 " من حديث سماك بن حرب قال: (قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح - أو الغداة - حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام؛ وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم.
وأيضا فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يبارك لأمته في بكورها، كما في حديث صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) قال: وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم في أول النهار، وكان صخراً رجلاً تاجراً، وكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وأصاب مالاً. خرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناد فيه جهالة، وجاء ما يشهد له من حديث علي وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وغيرهم - رضي الله عنهم جميعاً -
ومن هنا كره بعض السلف النوم بعد الفجر، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (5/222 رقم 25442) بإسناد صحيح عن عروة بن الزبير أنه قال: كان الزبير ينهى بنيه عن التصبح (وهو النّوم في الصّباح) ، قال عروة: إني لأسمع أن الرجل يتصبح فأزهد فيه.
والخلاصة أن الأولى بالإنسان أن يقضي هذا الوقت فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وإن نام فيه ليتقوى على عمله فلا بأس، لا سيما إذا كان لا يتيسر له النوم في غير هذا الوقت من النهار، وخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (5/223 رقم 25454) من حديث أبي يزيد المديني قال: غدا عمر على صهيب فوجده متصبّحاً، فقعد حتى استيقظ، فقال صهيب: أمير المؤمنين قاعد على مقعدته، وصهيب نائم متصبّح!! فقال له عمر: ما كنت أحب أن تدع نومة ترفق بك.
وأما النوم بعد العصر فهو جائز ومباح أيضاً، ولم يصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن النوم في هذا الوقت.
وأما ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " فهو حديث باطل لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انظر: " السلسة الضعيفة، رقم: 39 " والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/966)
السبب في منع النوم على البطن
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحرم النوم على البطن؟ هل هذا للرجال والنساء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السبب في ذلك: النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك خيرا إلا دلّنا عليه ولا شرّا إلا حذّرنا منه، وقد روى يَعِيشُ بْنُ طِهفَةَ الغفاري عن أبيه قَالَ: ضفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن تضيفه من المساكين (أي نزلت عليه ضيفا) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل يتعاهد ضيفه فرآني منبطحا على بطني فركضني برجله وقال لا تضطجع هذه الضجعة فإنها ضجعة يبغضها الله عز وجل. وفي رواية: فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ فَأَيْقَظَهُ فَقَالَ هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ رواه أحمد: الفتح الرباني 14/244-245. ورواه الترمذي رقم 2798 ط. شاكر ورواه أبوداود في كتاب الأدب من سننه رقم 5040 ط. الدعاس والحديث في صحيح الجامع 2270 - 2271
وهذا النهي عام يشمل الذّكر والأنثى لأنّ الأصل اشتراكهما في الأحكام إلا ما دلّ الدليل على التفريق بينهما، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/967)
حكم الزغاريد في الأفراح
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الزغاريد في الافراح والاعراس في حضرة النساء خاصة من غير سماع الرجال]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إعلان النكاح، واللهو والفرح فيه من الأمور المشروعة، على أن يكون في حدود ما أباحه الشرع ورخص فيه.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ) .
رواه البخاري (5163) .
والزغاريد نوع من اللهو الشائع في الأفراح والأعراس في بعض البلاد.
قال علماء اللجنة:
" إعلان النكاح مطلوب شرعا، والزغاريد في حكم الغناء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19 / 116) .
وبناء على ذلك: فإن كانت هذه الزغاريد بمحضر من الرجال، أو كانت بصوت مرتفع، بحيث يصل إلى مكان الرجال،: فلا تجوز، لما يحصل فيها من تمطيط الصوت، والخضوع به على وجه يحصل التلذذ بسماعه، والفتنة به، لا سيما إن عرف صاحبه،
قال الخرشي رحمه الله:
" قال النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: رَفْعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُخْشَى التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ لَا يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا فِي الْجِنَازَةِ وَلَا فِي الْأَعْرَاسِ، سَوَاءٌ كَانَ زَغَارِيتَ أَمْ لَا ". انتهى.
"شرح مختصر خليل" (1/275) .
ولأجل صعوبة التحكم في الصوت الخارج بها، بحيث لا يصل إلى مكان الرجال، وما يحصل فيه من تمطيط الصوت، والرنة به، صرح بعض أهل العلم بالمنع منها.
سئل ابن جبرين رحمه الله تعالى:
في الأفراح والمناسبات السعيدة اعتاد النساء على إطلاق الصيحات التي تسمى بـ (الزغاريد) فما حكم الشرع في هذا؟
فأجاب:
" لا تجوز هذه الصيحات، فالمرأة لا ترفع صوتها؛ فهو عورة عند الرجال؛ بدليل منعها من الأذان، ومن رفع الصوت بالتلبية؛ فعلى هذا يجوز لهن عند قدوم العروس التهنئة لها، والسلام عليها، والتبريك، والدعاء للزوجين بالخير والسرور، والسعادة الدائمة، بدون رفع صوت، وبدون زغاريد " انتهى من موقع الشيخ ابن جبرين رحمه الله.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
" لا يجوز للمرأة رفع صوتها بحضرة الرجال؛ لأن في صوتها فتنة؛ لا بالزغرطة، ولا غيرها، ثم إن الزغرطة ليست معروفة عند كثير من المسلمين لا قديمًا ولا حديثًا؛ فهي من العادات السيئة التي ينبغي تركها، ولما تدل عليه أيضًا من قلة الحياء " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (60 / 10) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/968)
ماذا يحدث إذا نسي أن يقول دعاء الجماع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت من قبل أنه إذا نسيت أن أقول دعاء الجماع قبل المعاشرة الزوجية ... فإن الشيطان يرى عوراتنا، أو ما شابه ذلك.. هل هذا الكلام صحيح؟؟ وهل يجب أن أقول دعاء الجماع لمجرد أنى أداعب زوجتى وأرى عورتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يسن لمن أراد جماع أهله أن يقول: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا"؛ لما روى البخاري (6388) ومسلم (1434) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) .
وفي رواية للبخاري (3283) (لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ) .
وروايات الحديث تدل على أن هذا الذكر يقال عند الجماع، لا عند مجرد المداعبة.
واختلف في المراد بقوله: (لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) فقيل: المراد أنه يكون من الصالحين الذين لا سلطان للشيطان عليهم، وقيل: أي لا يصرعه الشيطان، أو لا يضله بالكفر، أو لا يشارك أباه فيه عند جماع أمه.
قال القاضي عياض رحمه الله:
" قيل المراد بـ (أنه لا يضره) : أنه لا يصرعه شيطان. وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته، بخلاف غيره.
قال: ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والإغواء" انتهى.
نقله النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/5) .
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله:
" وقوله عليه السلام: " لم يضره الشيطان " يحتمل أن يؤخذ عاما، يدخل تحته الضرر الديني، ويحتمل أن يؤخذ خاصا بالنسبة إلى الضرر البدني؛ بمعنى أن الشيطان لا يتخبطه، ولا يداخله بما يضر عقله أو بدنه، وهذا أقرب، وإن كان التخصيص على خلاف الأصل؛ لأنا إذا حملناه على العموم اقتضى ذلك: أن يكون الولد معصوما عن المعاصي كلها، وقد لا يتفق ذلك، أو يعز وجوده، ولا بد من وقوع ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم. أما إذا حملناه على أمر الضرر في العقل أو البدن: فلا يمتنع ذلك، ولا يدل دليل على وجود خلافه. والله أعلم ". انتهى. "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/398) .
ثانيا:
في هذا الحديث وعد لمن قال ذلك ورزق ولدا: أن الشيطان لا يضره، وليس في الحديث أن من نسي هذا الذكر أن الشيطان يضر ولده ولابد، أو أن الشيطان يكون له نصيب في ذلك الجماع ولا بد؛ وإنما ورد ذلك عن بعض السلف. ينظر جواب السؤال رقم (21946) .
فلهذا ينبغي الحرص على هذا الدعاء والمواظبة عليه رجاء أن يحفظ الله الولد من الشيطان.
وللوقوف على آداب مهمة عند الجماع، يراجع جواب السؤال رقم (5560) .
ثالثا:
من الآداب المهمة للمسلم أن يحرص على التستر الكامل، وصون عورته ألا يراها أحد، وإذا كان الإنسان قد يحتاج إلى التكشف أحيانا، كما في حال قضاء الحاجة، أو الجماع، أو نحوها، فقد شرع له أن يستتر عن أعين الجن الذين يرونه، أو يحضرون المكان الذي هو فيه، بذكر الله، كما أرشد الحديث السابق إلى التحصن من أذى الشيطان بذكر الله.
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ)
رواه الترمذي (606) وصححه الألباني.
قال النووي رحمه الله في كتابه الأذكار (22) : " باب ما يقول إذا خلع ثوبه لغسل أو نوم أو نحوهما "، وذكر فيه الحديث.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/969)
شاب من أهل الاستقامة مقبل على الزواج ويرغب بنصائح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب، وموظف في نفس الوقت، وأبلغ من العمر 21 عاماً , ولله الحمد، محافظ على صلاتي، وملتزم بأخلاقي، وديني , ومقبل على الزواج، فماذا تنصحونني، بارك الله فيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي السائل
جزاك الله خيراً، وبارك فيك , وزادك توفيقاً، وعلماً، وأدباً , ونبشرك بهذا الفضل العظيم الوارد في هذا الحديث، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ - وذكر منهم: - وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ... ) رواه البخاري (629) ومسلم (1031) .
وأما ما نود قوله لك، ونصحك به: فأمور متعددة:
1. الزواج – أخي السائل - راحة، وطمأنينة، وسكينة، وهو خير متاع الدنيا، وفيه من ذلك ما جعله الله آية للناس، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وهو من أسباب سعادة المرء، كما جاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاَثَةٌ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) رواه أحمد (1/168) ، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب" (2/192) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (1467) .
2. الزواج مكمل لدين المرء، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه الله على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني) رواه الطبراني في "الأوسط" (1/294) والحاكم في "مستدركه" (2/175) .
وفي رواية: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدِّين فليتق الله فيما بقي) .
وانظر "السلسلة الصحيحة" (625) .
ومعنى الحديث: أن الزواج يعف المرء عن الزنا، وبذا يكون أغلق على نفسه باباً من بابي الذنوب، وهو باب الفرج، وقد بقي الباب الآخر، وهو اللسان، فالحديث يُذَكِّره بنعمة ربه تعالى عليه باستكمال الشطر الأول، ويأمره بتقوى الله في الشطر الآخر.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الفرج واللسان، في أحاديث كثيرة، ومنها فهم العلماء هذا الحديث، ومنها: حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ) رواه البخاري (6109) .
(ما بين لَحييه) لسانه، ولَحييه مثنى "لَحي"، وهو العظم في جانب الفم.
(ما بين رجليه) فرجه.
لذا؛ فاعلم عظيم نعمة الله تعالى عليك أن وفقك للزواج والعفة، واتق الله تعالى في لسانك، فاحفظه عن الغيبة، والنميمة، والشتم، واللعن، واستعمله فيما يقربك من الله تعالى، بقراءة كتابه، وبالتسبيح، والأدعية، والأذكار.
3. حتى تتم سعادتك بالزواج على أتم وجه: فلا بد من الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم قبل الزواج , وعند هـ وبعده.
أ. أما قبل الزواج: فأن تحرص على اختيار ذات الدِّين , كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
ولمعرفة صفات المرأة ذات الدِّين: انظر جواب السؤال رقم: (96584) .
ولا بأس أن تكون على قدر من الجمال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ؟ قال: (التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ) رواه أحمد (2/251) ، وحسَّنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838) .
وجاء في "شرح منتهى الإرادات" - من كتب الحنابلة - (2/621) : "ويسنُّ أيضاً: تَخَيُّرُ الجميلة؛ لأنه أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته؛ ولذلك شرع النظر قبل النكاح".
وانظر جواب السؤال رقم: (83777) .
وأن تكون ودوداً ولوداً كما جاء في الحديث عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ) رواه أبو داود (2050) والنسائي (3227) وصححه الألباني في "سنن أبو داود".
وانظر شرح هذا الحديث في جواب السؤال رقم: (32668) .
ب. وأما عند الزواج – ليلة العرس -: فعليك أن تحرص على أن تبتدئ حياتك الزوجية بغير معصية ربك تعالى، فتحذر من منكرات الأعراس التي انتشرت عند كثير من المتزوجين , كاستخدام المعازف، وآلات اللهو , واختلاط الرجال بالنساء , والمبالغة والإسراف في تكاليف العرس.
وأن تتحرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة، من ملاطفة الزوجة قبل الدخول , ووضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها، وغيرها من الآداب الجليلة.
وللوقوف على جملة من الآداب المتعلقة بالزواج: انظر كتاب الشيخ الألباني رحمه الله " آداب الزفاف ".
ج. وأما بعد الزواج: فأن تحرص على الإحسان إلى زوجتك والرفق بها , وأداء حقها , وعدم أذيتها , وتعليمها ما تحتاجه من أمر دينها.
فعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: (أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ) رواه الترمذي (1163) وصححه، وابن ماجه (1851) وحسنه الألباني في "سنن أبو داود".
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في "سنن الترمذي".
وانظر حقوق زوجتك عليك في جواب السؤال رقم: (10680) .
ونسأل الله سبحانه أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/970)
نصيحة للأخت المقبلة على الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[نصيحة أنا فتاه مقبلة على الارتباط أريد نصيحة كيف أبدأ حياتي الجديدة بما يرضي الله عز وجل وأن يبارك الله في هذا الارتباط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله لك السداد والتوفيق، وأن يتم لك أمر النكاح على ما يحب ويرضى.
ونصيحتنا لك مراعاة تقوى الله في السر والعلن، والعمل على مرضاته سبحانه، باتباع أوامره، واتقاء مساخطه، وحسن اللجوء إليه، وجميل التوكل عليه، وتمام الاستعانة به.
وأن تلتمسي رضاه سبحانه في رضا الزوج، فقد روى الإمام أحمد (18524) عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1509) .
ومعنى: (ما ألوه) أي: ما أقصر في خدمته وإرضائه.
فلتبدئي حياتك مع زوجك بالمسارعة في طاعته، وتلبية رغباته وحاجاته ما لم تكن معصية لله تعالى.
ولتكن المعاونة على الطاعة من مقاصدك في النكاح.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ) رواه أبو داود (1308) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
واعتني بلباسك وزينتك، ولتظهري أمامه دائما في أحسن صورة يحب أن يراك عليها، وينبغي أن لا تفارق البسمة وجهك حين يقبل عليك.
ولتولي النظافة عنايتك واهتمامك؛ فلا يرى في البيت إلا حسن الترتيب، وجمال التنسيق، ولا يشم إلا الرائحة العطرة.
وأيضا: اهتمامك بما يحب من أنواع الأطعمة مما ينبغي الالتفات إليه؛ فالرجل عادة يأتي من العمل مرهقا، ويحب أن يجد في بيته من البهجة والأنس والسرور ما يعوضه عن إرهاقه وتعبه، ولا يتم له ذلك إلا بحسن تدبير المرأة الصالحة، وحسن استقبالها له وحفاوتها به.
فإن غضب يوما، فلتسارعي في ترضيته، ولو كنت ترين أنك غير مخطئة، وبذلك تستحقين أن تكوني من نساء الجنة.
وانظري ما يحب فافعليه، وما يكره فاجتنبيه، ما وافق ذلك شرع الله ودينه.
ولا تكثري معه الجدال والنقاش، فإن ذلك مذموم، ولا يأتي بخير.
وإذا رأيتيه على معصية فليكن إنكارها بالمعروف وحسن الكلام والتذكير بالله.
وإذا أصابك منه ضر أو أذى فاصبري، ولا تسارعي بالشكوى لأحد من أهلك أو أقاربك،
فإن كشف ستر البيت، والتحدث بمشاكله مع الآخرين مما يضجر الزوج، ويصعِّد النزاع.
وليكن الاهتمام بوالديه وأخواته البنات محل عنايتك، وهو من المعروف والبر الذي يقرب المرأة من زوجها.
ونختم بالتذكير بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رواه الإمام أحمد (1664) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (660) .
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما ويجمع بينكما على خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/971)
هل من السنة صلاة ركعتين قبل الدخول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يقول إن للزواج صلاة يسمونها سنة الزواج وهي قبل الدخول ـ أي قبل المجامعة ـ ويقولون: تصلى ركعتين ومن بعدها الدخول. أفيدونا مشكورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يروى في ذلك بعض الآثار عن بعض الصحابة، صلاة الركعتين قبل الدخول، ولكن ليس فيها خبر يعتمد عليه من جهة الصحة، فإذا صلى ركعتين كما فعل بعض السلف فلا بأس، وإن لم يفعل فلا بأس، الأمر في هذا واسع، ولا أعلم في هذا سنة صحيحة يعتمد عليها" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1601) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(7/972)
هل يجوز تأجير قاعات الأعراس في الفنادق التي ينتشر فيها المنكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم تأجير قاعات الأعراس التي هي في الفنادق، وهذه الفنادق تبيع الخمور وفيها منكرات ولكن في القاعة لا يوجد فيها بيع للخمور وهذه المنكرات، وهل يجوز أن أذهب إلى تلك الأعراس التي هي في تلك القاعات إذا دعيت إليها وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حث الإسلام على مكارم الأخلاق ومعاليها، وحذر من سفسافها ومعايبها، وأمر بتجنب الفساد والشر بكل طريق، وأمر باتقاء الشبهات، وسد الطريق أمام كل منكر وفساد.
وارتياد هذه الأماكن التي تباع فيها الخمور، وتستباح فيها الحرمات، وتنتشر فيها المنكرات، مما يجب التحذير منه والنهي عنه؛ لما يؤدي إليه من الفساد والشر والفتنة.
ولا يجوز استئجارها لعرس أو غيره؛ لما فيها من إعانة أصحابها على الإثم والعدوان، بدفع تلك المبالغ الباهظة لهم لاستئجار المكان، والتي يستعينون بها على منكرهم وفسادهم.
عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) .
رواه البخاري (3381) ومسلم (2980) .
َسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ:
عَنْ رَجُلٍ مَقْبُولِ الْقَوْلِ عِنْدَ الْحُكَّامِ يَخْرُجُ لِلْفُرْجَةِ فِي الزَّهْرِ فِي مَوَاسِمِ الْفُرَج حَيْثُ يَكُونُ مَجْمَعُ النَّاسِ وَيَرَى الْمُنْكَرَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَتَخْرُجُ امْرَأَتُهُ أَيْضًا مَعَهُ. هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ؟
فَأَجَابَ:
لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَحْضُرَ الْأَمَاكِنَ الَّتِي يَشْهَدُ فِيهَا الْمُنْكَرَاتِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ؛ إلَّا لَمُوجِبٍ شَرْعِيٍّ: مِثْلَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُضُورِهِ أَوْ يَكُونُ مُكْرَهًا. فَأَمَّا حُضُورُهُ لِمُجَرَّدِ الْفُرْجَةِ وَإِحْضَارِ امْرَأَتِهِ تُشَاهِدُ ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ وَمُرُوءَتِهِ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ".
"مجموع الفتاوى" (28/239) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" نحن نذهب إلى بعض المطاعم الإسلامية في بلاد الكفر أثناء الرحلات الخارجية، ثم نجد أنهم يقومون بتقديم الخمور، فما حكم الأكل في هذه المطاعم؟
فأجاب الشيخ:
" لا تسكنوا في هذه الفنادق إلا للحاجة , مادام يعلن فيها شرب الخمر , ولا تأكلوا في هذه المطاعم إلا لحاجة " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 825)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/973)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في الزواج (المهر، حفل العرس، الوليمة ... الخ) أرجو التفصيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح الحض على تيسيره، والقيام على إعلانه وإظهاره، وإظهار الفرح والبشر به، وعمل الوليمة والدعوة إليها، وأمر المدعوين بالحضور، ولو كان أحدهم صائما فليحضر وليدْعُ لصاحب الوليمة، ولا عليه أن لا يطعم.
ثم المعاشرة بالمعروف، والأخذ بأسبابها.
هذا الإجمال، وإليك البيان والتفصيل:
أولاً: يسر الصداق.
روى البيهقي (14721) أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ) . وهو عند أبي داود (2117) بلفظ: (خير النكاح أيسره) . وصححه الألباني.
قال في عون المعبود:
"أَيْ: أَسْهَله عَلَى الرَّجُل بِتَخْفِيفِ الْمَهْر وَغَيْره. وَقَالَ الْعَلَّامَة الشَّيْخ الْعَزِيزِيّ: أَيْ: أَقَلّه مَهْرًا، أَوْ أَسْهَله إِجَابَة لِلْخِطْبَةِ" اِنْتَهَى.
وروى أحمد (23957) وابن حبان (4095) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا) حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2235) .
وروى الترمذي (1114) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (أَلَا لَا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ , فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والأوقية: أربعون درهماً، ووزن الدرهم بالجرامات: 2.975 جراماً.
ثانيا: إعلان النكاح
روى الترمذي (1089) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ) وحسنه الألباني في "الإرواء" (7/50) .
وروى النسائي (3369) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: الدُّفُّ، وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ) وحسنه الألباني.
والضرب بالدف في النكاح مخصوص بالنساء.
قال الحافظ في الفتح: " وَالْأَحَادِيث الْقَوِيَّة فِيهَا الْإِذْن فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فَلَا يَلْتَحِق بِهِنَّ الرِّجَال لِعُمُومِ النَّهْي عَنْ التَّشَبُّه بِهِنَّ " انتهى.
ثالثاً: الوليمة
وهي سنة مؤكدة في العرس، وهي من إعلان النكاح، ومن إظهار البشر والسرور به.
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ لما تزوج:
(أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) متفق عليه.
وقال بعض العلماء بوجوبها؛ لما رواه أحمد (22526) عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ) قال الألباني في آداب الزفاف (72) : "وإسناده - كما قال الحافظ في الفتح - لا بأس به" انتهى.
ويجب الحضور للوليمة إذا دعي إليها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا) متفق عليه.
وقال ابن عثيمين رحمه الله:
"يقول العلماء رحمهم الله: إنه تجب إجابة دعوة العرس في أول مرة، أي أول وليمة إذا عيَّنه سواء بنفسه، أو بوكيله، أو ببطاقة يرسلها إليه، بشرط ألا يكون في الوليمة منكر، فإن كان فيها منكر ففيه تفصيل: إن كان إذا حضر أمكنه منع المنكر وجب عليه الحضور، وإن كان لا يستطيع فإنه لا يجوز له أن يحضر" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (133/13) .
ويراجع جواب السؤال رقم: (22006) .
وتجوز الوليمة بغير لحم، فقد روى البخاري (4213) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ) .
رابعاً:
يستحب تهنئة الزوج بتهنئة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ (هنأه ودعا له) قَالَ: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ) رواه أبو داود (2130) وصححه الألباني.
خامساً:
يستحب للزوج عند الدخول بزوجته عدة أمور، منها:
- ملاطفة الزوجة عند البناء بها.
فروى أحمد (26925) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي نِسْوَةٌ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرًى إِلَّا قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ قَالَتْ: فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ فَاسْتَحْيَتْ الْجَارِيَةُ فَقُلْنَا: لَا تَرُدِّي يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْهُ. فَأَخَذَتْهُ عَلَى حَيَاءٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ. فَقُلْنَا: لَا نَشْتَهِهِ. فَقَالَ: لَا تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا.
حسنه الألباني في "آداب الزفاف" (19) .
- وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
لما روى أبو داود (2160) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فلِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا ولْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ) حسنه الألباني.
- واستحب بعض السلف أن يصليا ركعتين معاً:
فروى ابن أبي شيبة (17156) عن شقيق قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني تزوجت جارية شابة، وإني أخاف أن تفركني (تبغضني) قال فقال عبد الله: (إن الألف من الله، والفرك من الشيطان، يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فمرها أن تصلي وراءك ركعتين) . صححه الألباني في "آداب الزفاف" (24) .
- وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: (بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) .
لما رواه البخاري (3271) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ) .
وأخيرا.. تتأكد الوصية بالمعاشرة بالمعروف، وأن يتقي الله فيها، وأن تتقي الله فيه.
قال الله عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) صححه الألباني في "تخريج المشكاة" (3254) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/974)
طلب الصفات الدنيوية في الخاطب والمخطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما جاء أحد الأشخاص لخطبتي , ذكر الحديث التالي , قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لدينها، ومالها، وجمالها، ونسبها , فاظفر بذات الدين تربت يداك) سؤالي هو: هل يجوز للمرأة أن تتزوج شخصا ما لتلك الأسباب نفسها؟ إذا كان ذلك جائزا , فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث نفسه، أم كان الخطاب خاصاً بالرجال دون النساء؟ وفيما يتعلق باختيار المرأة لزوجها , فقد قرأت حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه , إلا تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد كبير) فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفة واحدة للرجل وهي الدين , ولم يذكر باقي الصفات التي ذكرها في حق المرأة من أنها تنكح لأربع؟ وهل يجوز تطبيق الحديث الأول عل كلٍ من الرجل والمرأة؟ ولماذا كان التخصيص فقط للرجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أولا أن نوضح أن الشريعة الإسلامية إنما حثت على طلب الزوجة الصالحة ذات الدين، وكذلك الزوج الصالح صاحب الدين المستقيم، فالدين هو المقصد الأول والرئيس، وغيره من الصفات كالجمال والمال والحسب والنسب إنما هي تابعة، ليست مذمومة في نفسها، ولا هي مقصودة بالأساس، ولكنها صفات تكميلية إذا وجدت فهي الغنيمة الكاملة، وإذا لم توجد فالدين معيار كل خير.
يدل على ذلك ما جاء في السنة من الثناء على بعض هذه الصفات في الزوجة، ومنه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ؟ قال: التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ)
رواه أحمد (2/251) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838)
وكذلك الشأن بالنسبة للزوج، فالأصل طلب الزواج من الصالح التقي الذي جاء وصفه في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (ترضون دينه وخلقه) ، فإن صاحَبَ ذلك جمال ومال وحسب فذلك مِن نعم الله تعالى، فقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إضاعة الرجل ماله وعدم قدرته على الإنفاق على زوجته سببا في العدول عن الزواج به، وذلك في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها قالت: (لَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ – تعني للنبي صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) رواه مسلم (1480)
يقول العلامة السعدي رحمه الله:
" فإن حصل مع الدين غيرُه فذاك، وإلا فالدين أعظم الصفات المقصودة " انتهى.
" بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/120)
إذا تبين ما سبق عرفنا الجواب عما ذُكِر، وعرفنا أن المال والحسب والجمال من الأمور المرغوبة في الزوجين عند عامة الناس، مؤمنهم وكافرهم، والرغبة بها مركوزة في طبائع البشر وعادات الناس، والشريعة لا تعارض ذلك، وإنما لم يأت التنبيه عليها لأن الناس ـ بطبيعتهم ـ منتبهون إلى ذلك ويطلبون، حتى إنهم ليبالغون فيه، ويهملون غيره من المهمات؛ فجاءت الشريعة بالتأكيد على ما يغفل الناس عنه، أو يهملونه، مع أن هذا هو المقصود الأعظم من الصفات في ميزان الشرع، وهذا ـ أيضا ـ هو الذي يميز مسلك المؤمن الصالح من مسلك غيره من الناس.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور:
(تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)
رواه البخاري (5090) ومسلم (1466)
قال الإمام النووي رحمه الله:
" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك " انتهى.
" شرح مسلم " (10/51-52)
وقال رحمه الله:
" ومعنى ذلك: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين واظفر بها، واحرص على صحبتها " انتهى.
" رياض الصالحين " (ص/454)
وقال القرطبي رحمه الله:
" هذه الأربع الخصال هي الْمُرغِّبة في نكاح المرأة، وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم " انتهى.
" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (4/215)
ويقول الشيخ سليمان بن منصور العجيلي الجمل – من فقهاء الشافعية -:
" وبعضهم استدل بهذا الحديث على استحباب كونها جميلة، واعترضه الزركشي بأن الاستدلال بذلك على كونها جميلة عجيب؛ لأن هذا بيان لما هو عادة الناس، ولا أمر فيه بنكاح الجميلة، وهو اعتراض واضح، كما لا أمر فيه بنكاح ذات المال والجمال والحسب " انتهى.
" فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل " (4/118)
وانظر جواب السؤال رقم: (34170)
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الصفات مرغب بها شرعا، وأنه يستحب للخاطب تطلبها في مخطوبته، لكن بشرط أن يكون الدين هو الأساس ـ أيضا ـ وألا تعارضه غيره من الصفات المذكورة؛ فإن حصل تعارض قدم الدين حتما.
قال ابن حجر رحمه الله:
" ويؤخذ منه – أي من هذا الحديث - أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة، إلا إن تعارض: نسيبة غير دينة، وغير نسيبة دينة، فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات.
قوله: (وجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة، إلا إن تعارض: الجميلة الغير دينة، والغير جميلة الديِّنَة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق.
قوله: (فاظفر بذات الدين) في حديث جابر: (فعليك بذات الدين) والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية، وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجة رفعه [وفيه ضعف] : (لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن - أي يهلكهن -، ولا تزوجوهن لأموالهن: فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل) " انتهى باختصار.
" فتح الباري " (9/135-136) .
وقد استدلت كثير من كتب الشافعية بهذا الحديث على استحباب التزوج من الجميلة.
وجاء في " شرح منتهى الإرادات " (2/623) - من كتب الحنابلة -: " ويسن أيضا تخير الجميلة للخبر – يعني الحديث السابق – " انتهى.
والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، ما دام المقصود الرئيس في الزوجين متفقا عليه وهو الدين، وما دامت الصفات الدنيوية الأخرى غير مذمومة بل ممدوحة.
أما عدم ذكر الصفات المقصودة من الرجال في الزواج كما ذكرت صفات النساء، فليس ذلك بسبب التفريق بينهما، بل لأن الرجل في العادة هو الذي يبحث عن الزوجة ويطلب فيها ما يختاره من الصفات، والمرأة إنما تفكر في صفات من يتقدم لها، فكان الأنسب أن يوجه الخطاب في حديث (تنكح المرأة لأربع) على ما يجري به الغالب من عوائد الناس، وليس على القليل النادر.
ثم إن الغالب في خطاب الشريعة أنه موجه للرجال، وقد قرر الأصوليون أن خطاب الرجال يشمل النساء إلا بقرينة صارفة، وإلا فليس من اللازم ورود نص في كل حكم شرعي للرجال، وآخر للنساء. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) .
رواه الترمذي (113) وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/975)
حكم وضع شاشة تنقل صورة العريس مع العروس للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع شاشة عرض مباشر ينقل ما يلبسه العريس للعروسة من طقم ذهب ويراه النساء في الصالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز وضع هذه الشاشة التي تنقل صورة الزوج وهو يلبس زوجته ذهبها؛ لما في ذلك من نظر النساء إلى الرجل في زينته وتجمله، مما يدعو إلى كثير من الشر والفساد والحسد وتعلق القلب، وقد أمرت النساء بغض البصر كما أمر بذلك الرجال، قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/31.
وإذا كان الزوج يرى هؤلاء النسوة، فهذا شر أعظم، وكلاهما يجب منعه.
ولا ندري كيف لا يغار الرجل على زوجته أو بنته أو أخته أن تنظر وتتأمل في الزوج يجلس إلى جانب زوجته ويلبسها ذهبها أو يداعبها، بل بعضهم يقبلها أمام هذا الجمع؟!
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/120) : " ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفلة الزواج، وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه، وكل متجمل أتم تجميل وفي أتم زينة - لا يجوز، بل هو منكر يجب إنكاره والقضاء عليه من ولي الأمر الخاص للزوجين، وأولياء أمور النساء اللاتي حضرن حفل الزواج، فكلٌّ يأخذ على يد من جعله الله تحت ولايته، ويجب إنكاره مِن ولي الأمر العام، مِن حكام وعلماء وهيئات الأمر بالمعروف، كل بحسب حاله من نفوذ أو إرشاد، وكذلك استعمال الطبول وسائر المحرمات التي ترتكب في مثل هذا الحفل. نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يلهم الجميع رشده " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم 102794.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/976)
زوجها يرغمها على الجماع وقت الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة ومتزوجة والحمد لله ولكن زوجي يأتيني في أوقات الحيض فهل يجوز له ذلك أم علي أن أمنعه مع العلم أن هذا يؤذيني ويؤلمني ويكدر علي يومي وأنا أسأل هذا السؤال لأني سمعت من صديقاتي أنه لا يجوز للرجل إتيان المرأة أثناء الحيض. وجزاكم الله خيراً على هذا البرنامج الذي أتاح لي فرصة طرح مسألة محرجة كهذه مع العلم أني أعاني من هذه المشكلة ولا ادري ماذا أفعل وجعلكم الله ذخراً للإسلام والمسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإنّ إتيان المرأة في المحيض حرام
قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (البقرة/222) فلا يحل له أن يأتيها حتى تغتسل بعد طهرها لقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله..) (البقرة/222) ويدل على شناعة هذه المعصية قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " [رواه الترمذي عن أبي هريرة 1/243 وهو في صحيح الجامع 5918]
فيجب عليك أن لا تمكّنيه من ذلك وتمتنعي منه فإن طاوعتِه فأنت شريكة له في الإثم وإذا أكرهك كان الإثم عليه. ولمزيد من المعلومات راجع السؤال رقم 2121 والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/977)
حكم تهييج الشهوة بين زوجين بالشتائم البذيئة وقبيح الكلام والضرب!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب، 31 عاماً، مقبل على الزواج خلال شهرين، كنت أتحدث مع خطيبتي عن أمور المعاشرة الزوجية، فاكتشفت أنها تريد مني أن أضربها على جميع أنحاء جسدها، وأن أوجه لها الشتائم البذيئة! وأن أصفها بصفات بنات الليل! وأن أذلها أثناء المعاشرة، مع العلم هي تعاني من مرض الاكتئاب من عشر سنوات، ولا يوجد تحسُّن في حالتها، فبالله عليكم ماذا أفعل؟ وهل لو عملت معها هكذا من باب حبي لها وإشباع رغبتها الزوجية حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم مقاصد النكاح هو أن يعف الرجل نفسه، وأن تعف المرأة نفسها، وهو ما يحصل بالجماع بين الزوجين، وبه تكتمل صورة العفاف في الزوجين، من غض البصر، وحفظ الفرج، بل وحفظ الأعضاء جميعها من الوقوع في الزنا، فكما أن العين تزني: فإن الأذن تزني، واليد تزني، والرجل تزني، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وفضلاء الأطباء يروْن أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة.
وقال:
ومن منافعه - أي: الجماع: غض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه، وينفع المرأة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه، ويقول: (حبِّب إليَّ مِن دنياكم: النساء والطيب) .
" زاد المعاد " (4 / 228) .
ولم تقيِّد الشريعة الزوجَ بطريقة معينة يأتي بها امرأته، بل قد نهي عن جماعها في زمن الحيض والنفاس، ونهي عن جماعها في الدبر.
ثانياً:
الكلام بين الزوجين عند الجماع بما يعينهما على قضاء الوطر، وكمال اللذة المشروعة: مباح، وربما طلب منه ـ في تلك الحال ـ ما يكون فيه من التعبير عن الحب، والعشق، والغرام بينهما، فهو أدعى للألفة والمودة بينهما، وهو يهيِّج الطرفين للجماع ليعف كل واحد منهما نفسه، ويعف زوجه.
ومقدمات الجماع من التقبيل والكلام الذي يكون بين الزوجين هو " الرفث " – على أحد الأقوال – وإنما ينهى عنه المحرم حال إحرامه، وفيه الإشارة إلى حلِّه في غير هذه الحال، وهو الثابت المعلوم من حال خير القرون ومن بعدهم، وهو المذكور في كتب الفقه أنه من آداب الجماع، ومما يزيد المحبة بين الزوجين.
قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/ من الآية 197.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
والأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين:
أحدهما: مباشرة النساء بالجماع، ومقدماته.
والثاني: الكلام بذلك، كأن يقول المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا.
ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) البقرة/ 187، فالمراد بالرفث في الآية: المباشرة بالجماع، ومقدماته.
" أضواء البيان " (5 / 13) .
ولا حرج أن يذكر الزوجان ما يهيج شهوتهما من الكلام، ولو كان بذكر ألفاظ العورة باسمها العرفي، وقد بينا جواز ذلك في جواب السؤال رقم: (45597) ، وليس في ذكر كلمات الغرام والعشق بين الزوجين حرج، وليس في ذكر العورة باسمها الصريح أو العرفي حرج إذا كان هذا يهيج الشهوة بينهما، ولله در الإمام ابن قتيبة حيث لفت النظر إلى أن ذكر الأعضاء باسمها ليس فيه إثم، إنما الإثم في قذف الأعراض، وجعل تلك الألفاظ ديدناً.
قال ابن قتيبة – رحمه الله -:
وإذا مرّ حديث فيه إفصاح بذِكر عورة، أو فرج، أو وصف فاحشة: فلا يحملنك الخشوع، أو التخاشع على أن تُصَعِّرَ خدك، وتُعرض بوجهك؛ فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم، وإنما المأثم في شتم الأعراض، وقول الزور، والكذب، وأكل لحوم الناس بالغيب.
" عيون الأخبار " (1 / المقدمة صفحة ل) .
وقال – رحمه الله -:
لم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث على أن تجعله هِِجّيراك [يعني: عادتك] على كل حال، وديدنك في كل مقال، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها، أو رواية ترويها تنقصها الكناية، ويذهب بحلاوتها التعريض.
" عيون الأخبار " (1 / المقدمة صفحة م) .
وهذه الإباحة بين الزوجين في الكلام عند الجماع لا ينبغي أن تتحول إلى سب وقذف بالمحرم والفحش، حتى ولو لم يكن يريد حقيقة السب، وإنما يريد التصريح بذلك الكلام، فليس من عادة المؤمن أن يعود لسانه السب والقذف.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَعَّانِ وَلَا الَلَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ) .
رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وفي هذه الأفعال مشابهة لأهل الفساد من الزواني والزانيات، ولا يليق بالمسلم أن يجعل فراش الزوجية الطاهر كحال ما يحدث في بيوت الدعارة بين الساقطين والساقطات، فهم أحق بتلك الألفاظ، وأهل لها، لا امرأته العفيفة الطاهرة.
ثم إنه يُخشى من اعتياد الزوجين على هذه الكلمات، فتصبح علاقتهما من غيرها باردة، وجافة، أو تصبح عادة لهما في حياتهما في غير وقت الجماع، خاصة إذا حدث شجار، أو تقلبت النفوس والقلوب؛ وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على متأمل.
على أن الذي أفزعنا في سؤالك حقا، يا عبد الله، هو حديثك مع خطيبتك في هذه الأمور، وبهذه الصراحة، وهي جرأة منكما لا تحمدان عليها، بل تذمان بها كل الذم؛ فكيف تسمح لنفسك بالكلام في ذلك مع خطيبتك، وهي امرأة أجنبية عنك، وكيف تسمح ـ هي أيضا ـ بالكلام في ذلك، وبكل هذه الصراحة معك، وأنت رجل أجنبي عنها، ثم كيف تتاح لكما فرصة الخلوة التي تتمكنان فيها من هذا الحديث الذي يستحيل أن يذكر، ولو بالتلميح أمام غيركما.
إن هذا السؤال يدل على أنكما تساهلتما كثيرا في طبيعة العلاقة بينكما، وتعديتما حدود الله تعالى فيما بينكما، فألقى الشيطان في قلوبكما من جمار الشهوة ما تظنان أنها لا يطفئها شيء مما اعتاد الناس، فرحتما تبحثان عن كل غريب، ولو شاذا!!
فالواجب عليكما أن تضعا حدا لهذه المخالفات، وتتوبا إلى الله عز وجل من ذلك التعدي الذي وقعتما فيه؛ ولتعلما أن ما بقي أمامكما شيء يسير، فاصبرا حتى يجمع الله بينكما على ما يحب ويرضى من الحلال الطيب، وساعتها سوف تعلمان أن أمر العفة لا وقضاء الوطر الحلال، لا يحتاج إلى كل ذلك: " وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ".
وانظر حول العلاقة بالمخطوبة جواب السؤال رقم (2572) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/978)
إذا حضر النساء حفل الزفاف بملابس شبه عارية فهل يلحق الإثم أصحاب الحفل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نقيم حفل زفاف إسلامي ولكن كما تعلمون، فإن معظم النساء الآن يحضرن وهن مرتديات ملابس شبه عارية إلا من رحم الله فهل علينا نحن أصحاب الحفلة إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
حفل الزفاف الإسلامي هو الحفل المنضبط بالشرع، فلا توجد به آلات للهو غير الدف، ولا يختلط فيه الرجال بالنساء، ولا يسمح فيه بالمنكرات المنتشرة كالتصوير والرقص الفاحش والأغاني الهابطة واللباس المستهتر الذي يكشف العورات ويخدش الحياء، بل يوجد فيه لهو منضبط، وفرح لا يطغي، وسرور لا ينافي الأخلاق والقيم.
روى البخاري (5163) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ) .
وروى ابن ماجه (1900) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي؟ قَالَتْ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ، فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ) . حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1995) .
وروى النسائي (3369) وابن ماجه (1896) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وينظر: جواب السؤال رقم (11446)
ثانيا:
إذا خشيت حضور بعض النساء بملابس غير لائقة، فاكتبي في الدعوة الموجهة إليهن: يرجى الحضور بملابس لائقة أو محتشمة أو مناسبة لا تخدش الحياء، أو نحو هذا من العبارات، فإن لم يمكن ذلك أو كان فيه حرج عليك فيمكنك الكلام مع العاقلات منهن أنك لا تحبين تلك الملابس العارية، وأن منظرها يؤذيك، وأنها تنافي الحياء ... ويتم بواسطتهن نشر ذلك بين المدعوات، حتى يعلمن قبل مجيئهن أنك لا ترضين بهذا، ثم إذا حضرت امرأة بلباس لا يليق، بُذلت لها النصيحة والتوجيه، وبهذا لا يلحقكم إثم؛ لأنكم قمتم بالواجب تحذيرا وإنكارا.
ونسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/979)
حكم جلوس العروسين على المنصة بين النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يزف الرجل مع عروسه في قاعة فيها نساء من غير المحارم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مِنصة العروس – وهو المكان الذي تُرفع عليه لتظهر أمام النساء – من العادات العربية القديمة، تجتمع فيه النساء حولها للغناء والفرح، لتزف العروس بعدها إلى زوجها، حيث السعادة والسكينة المقصودة من الزواج.
غير أن الحال قد تبدل في هذه الأزمان، فأحدث الناس في عاداتهم ما صيَّر الحلالَ حرامًا والمعروفَ منكرا، فاختلطت بهذه العادة أشياء من المنكرات والمحرمات: من رقصٍ ماجنٍ، وأصواتِ المعازف، واختلاط الرجال بالنساء وغيرها، ومن هذه المنكرات: جلوس الزوج مع عروسه على المنصة، لتغني لهما النساء وهن في زينتهن وحليهن.
ووجه النكارة فيه أنه يودي بالرجل إلى الوقوع في النظر المحرم إلى النساء الأجنبيات، وقد أخذن زينة الاحتفال، وتبرجن ليوم الفرح، وغالبا ما يتساهلن في إظهار ذلك للعروسين على المنصة، ويشرعن في الغناء، وأحيانا في الرقص بين أيديهما، والواجب على النساء ستر وجوههن عن الأجانب، وخفض أصواتهن في حضرتهم، فهل يمتثل ذلك من يتساهل في وجوده عند جلوس العروسين على المنصة؟!
وأنقل لك هنا - أختنا الفاضلة - مجموعةً من فتاوى أهل العلم في هذه المسألة:
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/120) :
" ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفلة الزواج، وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه، وكل متجمل أتم تجميل وفي أتم زينة - لا يجوز، بل هو منكر يجب إنكاره والقضاء عليه من ولي الأمر الخاص للزوجين، وأولياء أمور النساء اللاتي حضرن حفل الزواج، فكلٌّ يأخذ على يد من جعله الله تحت ولايته، ويجب إنكاره مِن ولي الأمر العام، مِن حكام وعلماء وهيئات الأمر بالمعروف، كل بحسب حاله من نفوذ أو إرشاد، وكذلك استعمال الطبول وسائر المحرمات الى ترتكب في مثل هذا الحفل. نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يلهم الجميع رشده " انتهى.
وفيها أيضا (19/103) :
" السؤال: تعلمون أن الأعراس هذه الأيام بها نوع من عدم الحكمة والمغالاة في الأكل، فهل يجوز أن أذهب إليها مع علم مسبق أنه سوف يكون هناك إسراف؟
وهل يجوز أن أسمح لزوجتي أن تذهب إلى العرس؟
علما أن العريس وبعض أهله الرجال وقت " الزفة " - على حد قولهم - يدخلون عند النساء. فما الحكم أثابكم الله وجزاكم خيرا؟
فأجابت:
إذا كانت أحوال العرس كما ذكرت من المغالاة في الوليمة، ومن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء عند ما يسمى بـ " الزفة "، فلا تذهب إلى هذا العرس، ولا تسمح لزوجتك بالذهاب إليه، إلا إذا كان لديك من القوة والوجاهة ما تستطيع أن تغير به المنكر، وترشد من حضر إلى الحق والصواب، فيجوز لك الحضور، بل يجب عليك، إقامةً للحق والقضاء على المنكر، وكذلك الحال بالنسبة لزوجتك، والله الهادي إلى سواء السبيل " انتهى.
وفي فتاوى الشيخ ابن باز (4/244) :
" ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء، يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه أو أقاربها من الرجال , ولا يخفى على ذوي الفطر السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات , وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة , فالواجب منع ذلك والقضاء عليه، حسما لأسباب الفتنة، وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر، وإني أنصح جميع إخواني المسلمين في هذه البلاد وغيرها بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء، وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم، وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها، التماسا لرضى الله سبحانه وتعالى، وتجنبا لأسباب سخطه وعقابه " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" (النكاح/س رقم/415) السؤال الآتي:
ما حكم ما يسمى بالتشريع للفتاة أثناء الحفل بين النساء، نرجو منكم إجابة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله:
" تشريع المرأة ليلة الزواج إذا كان على الوجه الذي لا يتضمن محظوراً فلا بأس به، مثل أن يؤتى بالمرأة المتزوجة وعليها ثيابٌ لا تخالف الشرع، وتجلس على منصة حتى يراها النساء، وليس في النساء خليطٌ من الرجال، وليس مع المرأة زوجها، فإن هذا لا بأس به؛ لأن الأصل في غير العبادات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، أما لو كانت المرأة هذه تأتي إلى النساء ومعها زوجها، أو يكون في محفل النساء رجال، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن هذا يتضمن محظوراً شرعياً، ثم إنه من المؤسف أنه في بعض الأحيان أو من عادات بعض الناس أن يحضر الزوج مع الزوجة في هذه المحفل، وربما يُقَبِّلها أمام النساء، وربما يلقمها الحلوى وما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا سخافةٌ عقلاً ومحظورٌ شرعاً: أما السخافة العقلية فلأنه كيف يليق بالإنسان عند أول ملاقاة زوجته أن يلاقيها أمام نساء يقبلها أو يلقمها الحلوى أو ما أشبه ذلك، وهل هذا إلا سببٌ مثيرٌ لشهوة النساء، لا شك في هذا.
وأما شرعاً فلأن الغالب أن النساء المحتفلات يكن كاشفات الوجوه، بارزات أمام هذا الرجل، وفي ليلة العرس ونشوة العرس يكن متجملات متطيبات، فيحصل بهن الفتنة، وربما يكون في ذلك ضرر على الزوجة نفسها، فإن الزوج ربما يرى في هؤلاء المحتفلات من هي أجمل من زوجته وأبهى من زوجته، فيتعلق قلبه بما رأى، و (يقل قدر) زوجته عنده، وحينئذٍ تكون نكبة عليه وعلى الزوجة وعلى أهلها.
فالحذر الحذر من هذه العادة السيئة، ويكفي إذا أرادوا أن تبرز المرأة وحدها أمام النساء كما جرت به العادة من قديم الزمان في بعض الجهات " انتهى.
ويقول أيضا في "اللقاء الشهري" (لقاء رقم/85،ص/8) :
" ومن المنكر: أن يأتي الزوج في محفل النساء ويكون قد أعد له ماسة، وإن شئت فقل: منصة، ويجلس هو والزوجة أمام النساء، حتى قيل: إن بعض السفهاء يقبل زوجته أمام النساء!! نعوذ بالله! ألا يثير الشهوة هذا؟! بلى والله، مهما كانت المرأة في التقوى وتشاهد شاباً وشابة يقبل أحدهما الآخر إلا وستثور شهوتها، وربما يأتي بتفاحة أو بحلوى ويلقمها الزوجة أمام النساء، كل هذا من الفتن، وهذا حرام بلا شك، وأقبح من ذلك أن بعض الناس يأتي بفيديو ويصور هذا المشهد، كل هذا حدثت أخيراً " انتهى.
وقد سبق في موقعنا نقل بعض الفتاوى في هذه المسألة، فانظري الأرقم الآتية: (46979) ، (98933)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/980)
يسأل عن طريقة حفل الزواج الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اقتراحاتكم لحفل زواج شرعي إسلامي؟ لا أريد ارتكاب إثم فيه: من المعازف والموسيقى، ولكن أكيد نريد أن تظهر به علامات البهجة والفرح وعدم ملل الحضور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرح بالزواج فرح مشروع، فهو نعمة عظيمة من الله تعالى، أن يَسَّر لهذين الزوجين بابا من أبواب السعادة، وطريقا من طرق الستر والعفاف، وما زال الناس يعبرون عن فرحتهم بهذه النعمة منذ قديم الزمان، وإلى يومنا هذا، واتخذ ذلك أشكالا مختلفة، وعادات منوعة بتنوع المجتمعات والبلدان.
وليس من قصد الشريعة الإسلامية الحكيمة التضييق على الناس في عوائدهم، ولا السعي لإلزامهم بعادة واحدة، بل إن استقراء فروع الشريعة يبين أن الأمر في العادات مبنيٌّ على السعة والإباحة، مع بعض القيود والضوابط.
والمسلم مندوب لموافقة عادات قومه، ومنهي عن مخالفتها، ما لم تكن مخالِفةً لأحكام الشريعة، أو كانت تسبب الحرج والضيق للناس، وقد قاس العلماء استحباب موافقة الناس في عاداتهم على استحباب موافقتهم في لباسهم، فقد جاء في ذلك حديث ينهى عن المخالفة في اللباس والاشتهار بين الناس به، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ)
رواه ابن ماجه (3606) ، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه.
" والشهرة من الثياب وهو المترفع الخارج عن العادة، والمتخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين: المترفع والمتخفض ".
كذا في "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (22/138)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/115) :
" وهذه مسألة لا بد أن نَتَفَطَّنَ لها، وهي: أن موافقة العادات في غير المُحرَّمِ هو السنة؛ لأن مخالفة العادات يجعل ذلك شهرةً، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لباس الشهرة، فيكون ما خالف العادةَ منهِيًّا عنه " انتهى.
ولذلك فنحن ندعوك – أخي السائل – لإقامة حفل الزواج الذي نسأل الله أن يكون مباركا وسعيدا - على هدي ما يقوم به الناس في بلدك من مراسم ومظاهر، وألا تحاول نبذ جميع ما يعتادونه، والواجب عليك فقط هو نبذ واجتناب المحرَّم من تلك العادات، كاستعمال المعازف - غير الدفوف - والاختلاط بين الرجال والنساء، ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (11446)
والمباح في الأعمال أكثر – بحمد الله – من المحرم منها، فالغناء الخالي من المعازف، وصنع الولائم، واجتماع الناس، وإظهار الزينة، كل ذلك مما أباحته الشريعة. فاستعمل من ذلك ما تراه مناسبا ومحببا إلى قلوب الناس، واسأل الله في كل ذلك السداد والتوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/981)
هل حرّم الإسلام كنز المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لم حرم الإسلام كنز الأموال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام لم يحرم كنز المال مطلقا، وإنما ورد التحريم والوعيد الشديد على صاحب الكنز إذا لم يؤد زكاته، وأما إن أدى الزكاة، فليس بصاحب كنز مذموم.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة/34.
وروى أبو داود (1564) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى البخاري (1404) عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ.
وروى مالك في الموطأ (595) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية التوبة: " وأما الكنز
فقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: هو المال الذي لا يؤدى زكاته. وروى الثوري وغيره عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهراً لا تؤدى زكاته فهو كنز، وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً، وقال عمر بن الخطاب نحوه: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً في الأرض، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض " انتهى
فتبين بهذا أن الكنز المذموم هو الذي لا تؤدى زكاته، وأما ما كان دون النصاب، أو بلغ النصاب وأديت زكاته فليس بكنز.
وبهذا يتبيّن أن الإسلام لم يحرم كنز المال وإنما حرّم عدم إيتاء الزكاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/982)
هل يجوز العزل أو استخدام الواقي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الليلة الأولى بعد الزفاف، هل يجوز للشخص أن يستخدم موانع الحمل (مثل الواقي) ، أم أن ذلك لا يجوز؟ أطرح سؤالي هذا لأنه من الممكن (بإرادة الله) أن تحمل الزوجة، لكننا قد نختار عدم الإنجاب في فترة مبكرة جداً من زواجنا. أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العزل إذا لم يرد الولد، ويجوز له كذلك استخدام الواقي، ولكن بشرط أن تأذن الزوجة بذلك، لأن لها الحق في الاستمتاع وفي الولد، ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا. رواه البخاري (250) ومسلم (160) .
ومع جواز ذلك فإنه مكروه كراهة شديدة فقد روى مسلم (1442) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عَنْ الْعَزْلِ، فَقَالَ: (ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ) . وهذا يدل على كراهته جداًّ.
قال النووي:
" الْعَزْل هُوَ أَنْ يُجَامِع فَإِذَا قَارَبَ الإِنْزَال نَزَعَ وَأَنْزَلَ خَارِج الْفَرْج، وَهُوَ مَكْرُوه عِنْدنَا فِي كُلّ حَال، وَكُلّ اِمْرَأَة، سَوَاء رَضِيَتْ أَمْ لا لأَنَّهُ طَرِيق إِلَى قَطْع النَّسْل , وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث تَسْمِيَته (الْوَأْد الْخَفِيّ) لأَنَّهُ قَطْع طَرِيق الْوِلادَة كَمَا يُقْتَل الْمَوْلُود بِالْوَأْدِ. وَأَمَّا التَّحْرِيم فَقَالَ أَصْحَابنَا: لا يَحْرُم. . .
ثُمَّ هَذِهِ الأَحَادِيث مَعَ غَيْرهَا يُجْمَع بَيْنهَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي النَّهْي مَحْمُول عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَمَا وَرَدَ فِي الإِذْن فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْي الْكَرَاهَة" اهـ باختصار.
فالأولى بالمسلم أن لا يفعل ذلك إلا إذا احتاج إليه كما لو كانت المرأة مريضة لا تتحمل الحمل أو يشق عليها أو يضرها تتابع الحمل، ولأن في العزل تفويتاً لبعض مقاصد النكاح وهو تكثير النسل والولد، وفيه تفويت لكمال لذة المرأة.
راجع إجابة السؤال (3767) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/983)
ليس في شريعتنا جواز إتيان الدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو مساعدتي في معرفة الصواب، في البخاري الحديث رقم (4170) و (4171) إن الإتيان في الدبر حلال، وموقعكم يقول إنه حرام، فما هو الصواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولاً:
الأحاديث الصحيحة التي جاءت في تحريم إتيان الزوجة في الدبر كثيرة، فمن ذلك:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود (3904) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1165) وصححه ابن دقيق العيد في "الإلمام" (2/660) ، والألباني في صحيح الترمذي.
3- وعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ) رواه ابن ماجه (1924) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (3/43) : "جاءت الآثار متواترة بذلك " انتهى.
ولذلك كانت كلمة العلماء على الأخذ بهذه الأحاديث.
قال الماوردي رحمه الله تعالى في "الحاوي" (9/319) :
" لأنه إجماع الصحابة: روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء " انتهى.
وجاء في "المغني" (7/32) :
" ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم: منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر "
وقد سبق في موقعنا بيان ذلك بشيء من التفصيل، فانظر إجابات الأسئلة: (1103) ، (52803) .
ثانياً:
يتوهم بعض الناس جواز إتيان المرأة في دبرها، ويفهمون من قول الله تعالى: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/223، أن الله سبحانه أباح في هذه الآية كل شيء، حتى الوطء في الدبر، وقد يتأكد هذا الوهم عندهم إذا قرؤوا الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه – ولعله الحديث الذي قصده السائل - والذي فيه: عن جابر رضي الله عنه قال: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِن وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَل فنزلت (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
وهذا فهم خاطئ للآية، فإن قوله تعالى: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني إباحة أحوال وأوضاع الجماع المختلفة، إذا كانت في موضع الحرث: وهو الفرج، وليس الدبر، فيجوز أن يأتي الرجل زوجته من الخلف أو الأمام أو على جنب إذا كان ذلك في موضع الحرث، وليس الدبر.
ودليل ذلك أن رواية مسلم برقم (1435) لحديث جابر السابق في سبب نزول الآية فيها: (إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ) .
(مُجَبِّيَةً) : أي: منكبة على وجهها، كهيئة السجود.
(في صمام واحد) : هو القبل.
وفي رواية أبي داود للحديث نفسه برقم (2163) : عن محمد بن المنكدر قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
وفي سنن الترمذي (2980) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكْتُ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟! قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَالَ: فَأُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ. حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فهذه الأحاديث والروايات توضح المقصود من الآية، فلا يجوز لمسلم أن يتجاوز ذلك إلى فهمه الذي لا يدل عليه الأثر ولا اللغة.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/261) :
" وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين: أحدهما أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد، لا في الحُش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: (من حيث أمركم الله)
الوجه الثاني: أنه قال: (أنى شئتم) أي: من أين شئتم: من أمام أو من خلف. ال ابن عباس: (فأتوا حرثكم) يعني: الفرج " انتهى بتصرف.
ثالثاً:
ولعل السائل يعني أيضا ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال: يأتيها في. . .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/189) :
" هكذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور " انتهى.
ثم ذكر ما جاء من بعض الروايات خارج صحيح البخاري أن ابن عمر قال: يأتيها في دبرها.
وقد أجاب عن ذلك أهل العلم بجوابين:
الأول:
أنه حصل خطأ من بعض الرواة عن ابن عمر، وأنهم فهموا منه جواز إتيان الدبر، وهو إنما كان يحكي جواز إتيان المرأة في قبلها من خلفها، بدليل ما جاء من طرق صحيحة عنه أنه كان يرى حرمة إتيان الزوجة في دبرها، فقد روى النسائي في "السنن الكبرى" (5/315) بسند صحيح أن ابن عمر سئل عنه فقال: أو يفعل ذلك مسلم؟!
قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (6/142) :
" فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر،وهو الذي رواه عنه نافع، وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج، فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء أو هو مأتى، واشتبه على من اشتبه عليه معنى (من) بمعنى (في) فوقع الوهم " انتهى.
الجواب الثاني:
أنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما في فهم الآية، وقد دلت السنة، وأقوال سائر الصحابة، أنه اجتهاد مجانب للصواب، وقد روى أبو داود برقم (2164) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
إِنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ -، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ،فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي. حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ.
وهذا قد يؤيد أن ابن عمر كان يقول بجواز الإتيان في الدبر، فلعله رجع إلى الصواب، بعد أن بَيَّن له ابن عباس أو غيره سبب نزول الآية ومعناها الصحيح، ولذلك ثبت عنه – كما تقدم – أنه كان يقول بتحريمه، ويقول: أو يفعل ذلك مسلم!!
والحاصل أن شريعتنا جاءت بتحريم هذا الفعل، وليس فيها شيء يدل على جوازه، ومن ظن في شيء من الكتاب أو السنة ما يدل عليه فقد أخطأ وأوهم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/984)
العمل في مجال إنتاج أفلام فيها حفلات أعراس وحكم تأجيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[يعمل أخي الأصغر في مجالات تتعلق بالكمبيوتر ويقوم بإدخال تعديلات غير خطية (Non-Linear editing) على الفيديو وهو يعمل لحساب شركة تتخصص في تصوير فيديو الشركات والأفراح، وهو يعد أقراص (DVD) لهذه التسجيلات، وسؤالي هو: بما أن عمل المذكور يتعلق بالفيديو فهل دخله حلال؟
ثانياً: يرغب أخي الأكبر في فتح محل لتأجير (أشرطة) الفيديو، فهل عمله مباح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التصوير بالفيديو منه ما هو مباح ومنه ما هو حرام، فإن كان تصويراً لأشياء طبيعية كالجبال والأشجار والأنهار: فهو مباح، وإن كان تصويراً للنساء أو الأعراس المختلطة أو الأغاني المصورة: فهو حرام، وإذا كان كذلك فهو حرام على من باشر التصوير وعلى من أنتج الفيلم وهيأه للنشر، وعلى من باعه وعلى من اشتراه.
والزوجة في العرس تكون في كامل زينتها، وهكذا النساء اللواتي يحضرن حفلها، والنظر إليهن من الرجال الأجانب محرَّم سواء نظروا إليهن مباشرة أو عن طريق الصورة أو الفيلم، والاختلاط الذي يكون في الأفراح – أيضاً – محرَّم وهو منكر يجب إنكاره، فكيف يجوز تصويره وتهيئته لأن ينظر إليه من فاتته الحفلة؟! وهكذا يقال في غيره من المحرمات التي تكون في الأعراس مثل الرقص والموسيقى.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ومِن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان: وضع منصة للعروس بين النساء ويجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه وأقاربها من الرجال، ولا يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة الفاتنات المتبرجات، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسما لأسباب الفتنة وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر.
" الرسائل والأجوبة النسائية " (ص 44) .
وقد سبق في جواب السؤال (10791) :
" من المنكرات التي تقع في الأفراح تصوير النساء، وهو محرم سواء كان هذا التصوير بواسطة الفيديو، أو كان بآلة التصوير، والتصوير بالفيديو أشد قبحاً وإثماً ".
وفي جواب السؤال رقم (32752) :
" الأشرطة المرئية والمسموعة إذا خلت من الحرام: أبيح سماعها، ورؤيتها، وبيعها، وشراؤها، والمقصود بالحرام: أن تكون مشتملة على خنا أو فجور أو موسيقى أو صور نساء سافرات، وكذا لو اشتملت على كفر أو بدعة إلا لمن كانت نيته الرد على ما فيها، وكان أهلا لذلك ".
فنأمل الرجوع إلى هذين الجوابين ففيهما الاستدلال وفتاوى أهل العلم.
وبهذا يتبيَّن الجواب عن السؤال، وهو حرمة الإعانة على إخراج مثل تلك الأقراص المشتملة على حرام كتلك التي تكون في الأعراس، وجواز ذلك إن كان الأمر يتعلق بعمل شركات ليس عندها منكرات، ولا يوجد في تصوير دعاياتهم منكر كوجود نساء متبرجات أو وجود موسيقى وغناء أو مواد تباع وتصنَّع وهي محرَّمة.
والأمر نفسه يقال في الحكم على إجارة أشرطة الفيديو، والتفصيل السابق وخاصة في جواب السؤال رقم (32752) ينطبق عليه.
ونسأل الله تعالى أن ييسر له عملاً حلالاً، يأكل منه الحلال ولا يُغضب به ربَّه، ونوصيه بتقوى الله تعالى والصبر، فعاقبة المتقين والصابرين إلى خير، وليترك هذا العمل، وليستعن بربه تعالى لييسر له ما هو حلال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/985)
ماذا يقول الرجل إذا دخل على زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ضابط السنة في الدخول على الأهل ليلة الفرح، لأنه أشكل على كثير من الناس أنه يقرأ سورة البقرة ويصلي، وهذه العادة الآن عند كثير من الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخل الرجل على زوجته أول ما يدخل فإنه يأخذ بناصيتها
- يعني مقدمة رأسها - ويقول:: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه أخرجه أبو داود رقم 2160، وابن ماجه رقم 1918، ولكن إذا كان يخشى أن المرأة تنزعج إذا أخذ بناصيتها وقال هذا الدعاء، فإن بإمكانه أن يأخذ بناصيتها كأنما يريد أن يقبلها، ويقول هذا الذكر بينه وبين نفسه من غير أن تسمع، يقول بلسانه وينطق به لكن من غير أن تسمع لئلا تنزعج، وإذا كانت امرأة طالبة علم تعرف أن هذا مشروع فلا حرج عليه أن يفعل ويسمعها إياه، وأما صلاة الركعتين عند دخوله الغرفة التي فيه الزوجة، فقد وردت عن بعض السلف أنه كان يفعل ذلك، فإن فعله الإنسان فحسن وإن لم يفعله فلا حرج عليه، وأما قراءة البقرة أو غيرها من السور، فلا أعلم له أصلاً.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 52/41(7/986)
ماذا يُقال عند الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي من الأسئلة التي اختلفت الإجابات عليها. هل يجب على المسلم أن يقول عبارة ما أثناء الجماع؟ وهل يجب على المسلم (الزوج والزوجة) أن يصليا قبل ممارسة الجماع للمرة الأولى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الآداب الشرعية أن يقول المسلم عند إتيانه زوجته " بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ". رواه البخاري فتح رقم 138 ومن فوائد ذلك أنّ إذا قُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ الشّيطان.
وأمّا ما يقوله الزّوج إذا دخل بزوجته بعد الزّفاف فقد تقدّمت الإجابة على ذلك فراجع سؤال رقم (854) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/987)
هل التسمية عند الجماع تعصم من الكبائر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التسمية عند الجماع تعصم المولود بإذن الله من الكبائر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد ثبتت التسمية عند الجماع بحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) رواه البخاري (5165) ومسلم (1434)
وأما فائدتها للمولود فقد اختلف العلماء في معنى قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لم يضره شيطان أبداً) على أقوال كثيرة:
1- الْمَعْنَى لَمْ يُسَلَّط عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ بَرَكَة التَّسْمِيَة , بَلْ يَكُون مِنْ جُمْلَة الْعِبَاد الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان)
2- وَقِيلَ لَمْ يَضُرّهُ فِي بَدَنه.
3- أنها تكون سبباً في عصمته من الشرك والكفر.
4- أنها تبعده عن الكبائر
5- وَقِيلَ: لَمْ يَضُرّهُ بِمُشَارَكَةِ أَبِيهِ فِي جِمَاع أُمّه كَمَا جَاءَ عَنْ مُجَاهِد " أَنَّ الَّذِي يُجَامِع وَلا يُسَمِّي يَلْتَفّ الشَّيْطَان عَلَى إِحْلِيله فَيُجَامِع مَعَهُ "
قال ابن حجر: " وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَب الأَجْوِبَة , وَيَتَأَيَّد الْحَمْل عَلَى الأَوَّل بِأَنَّ الْكَثِير مِمَّنْ يَعْرِف هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم يَذْهَل عَنْهُ عِنْد إِرَادَة الْمُوَاقَعَة وَالْقَلِيل الَّذِي قَدْ يَسْتَحْضِرهُ وَيَفْعَلهُ لا يَقَع مَعَهُ الْحَمْل , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ نَادِرًا لَمْ يَبْعُد " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/988)
شرح حديث: (تنكح المرأة لأربع. . . .)
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أفهم معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع مالها وجمالها وحسبها ودينها) فهل هذا يعني أن المرأة يجب أن تكون غنية وجميلة وذات حسب وأن تكون متدينة؟ موضوع التدين واضح بالنسبة لي ولكن ماذا عن بقية الأشياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
هذا الحديث رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) .
وليس في الحديث أمر أو ترغيب في نكاح المرأة لأجل جمالها أو حسبها أو مالها.
وإنما المعنى: أن هذه مقاصد الناس في الزواج، فمنهم من يبحث عن ذات الجمال، ومنهم من يطلب الحسب، ومنهم من يرغب في المال، ومنهم من يتزوج المرأة لدينها، وهو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك ... وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم " اهـ باختصار.
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي:
" قال القاضي رحمه الله: من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره، ويعظم خطره " اهـ.
وقد اختلف العلماء في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تربت يداك) اختلافاً كثيراً، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
" وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ: أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلُهَا اِفْتَقَرَتْ , وَلَكِنَّ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ , فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك , وَقَاتَلَهُ اللَّه , مَا أَشْجَعه , وَلَا أُمّ لَهُ , وَلَا أَب لَك , وَثَكِلَتْهُ أُمّه , وَوَيْل أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء , أَوْ الزَّجْر عَنْهُ , أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ , أَوْ اِسْتِعْظَامه , أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ , أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/989)
يريدون الزواج على الطريقة الهندوسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله أن يهدي المؤمنين الذين يقلدون الكفار، زواج أختي قريب وقررت أن تقيم حفلاً قبل الزواج يسمى هولوود، وهو احتفال قبل الزواج حيث تجلس الزوجة على كرسي وبقربها فواكه وطعام، ويحضر الرجال والنساء ليطعموها، ثم يضعون الهولوود وهي زينة توضع على الرأس، هذا من تقاليد الهندوس وقلدهم المسلمون في جنوب آسيا في هذه الأيام.
والداي وافقا على هذا وكذلك أختي، أرجو أن تدعو الله أن يهدي المسلمين حتى لا يصروا على فعل المعاصي ويدخلهم الله الجنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
واضح من السؤال أن فيه مخالفتين شرعيتين، الأولى منهما: التشبه بالهندوس الكفار، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه فيما هو من خصائصهم كبعض الألبسة والاحتفالات والأعياد وغيرها.
ومن الحِكَم في منع المشابهة للكفار: حتى لا يؤثر ذلك على باطن المتشبه، لأن الذي يتشبه بالقوم من الخارج فإن ذلك يؤثر فيه من الداخل حتى يكاد يرى نفسه ذات المشبّه به، ولكي يتميز المسلم من الكافر حتى لا يهان المسلم ولا يعظم الكافر.
وفي مثل هذا يقول الشيخ ابن عثيمين حفظه الله - مبيناً حال الذين يلبسون الزنار في الوسط (وهو حزام كان خاصاً بغير المسلمين فيما سبق) -:
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من تشبه بقوم فهو منهم "، قال شيخ الإسلام رحمه الله: أقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.
إذاً فلا يقتصر على الكراهة فقط لأننا نقول: إن العلة في ذلك أن يشابه زنار النصارى فإن هذا يقتضي أن نقول: إنه حرام لقول الرسول صلى عليه الله وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم "، وليس المعنى أنه كافر، لكن منهم في الزي والهيئة، ولهذا لا تكاد تفرق بين رجل متشبه بالنصارى في زيِّه ولباسه وبين النصراني، فيكون منهم في الظاهر.
قالوا: وشيء آخر وهو: أن التشبه بهم في الظاهر يجر إلى التشبه بهم في الباطن، وهو كذلك؛ فإن الإنسان إذا تشبه بهم في الظاهر: يشعر بأنه موافق لهم، وأنه غير كاره لهم ويجره ذلك إلى أن يتشبه بهم في الباطن، فيكون خاسراً لدينه ...
فالصواب: أن لبسه حرام.
" الشرح الممتع " (2 / 192-193) .
وفي جواب السؤال (21694) تجد تفصيلاً لحكم التشبه بالكفار وضوابطه.
ثانياً:
والمنكَر الثاني في الحفل المذكور في السؤال هو دخول الرجال على العروس، وهي في زينتها، واختلاط الرجال بالنساء فيه، وكلاهما محرَّم.
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت ".
رواه البخاري (4934) ومسلم (2173) .
قال النووي:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم وعادة الناس المساهلة فيه، ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من أجنبي لما ذكرناه فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث.
" شرح مسلم " (14 / 153) .
وتجد التوسع في الكلام عن الاختلاط في جواب السؤال (1200) فلينظر.
ونسأل الله تعالى أن يهدي أهلك والمسلمين إلى ترك المنكرات وبغضها وإلى ما فيه الخير والهدى والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/990)
كيف تكون حفلة الزفاف إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت مؤخرا، ووالداي على النصرانية. وهما يقبلان بالمشاركة في حفل زواج إسلامي. لكن ما هي الخطوات اللازمة لإتمام ذلك؟ الحفل سيقام في بيتهما، وقد وافقا على متطلبات الطعام والشراب اللازمة بالحفلة التي تتبع مراسيم الزواج. ونحن نريد أن نقيم الحفل بطريقة لا تتسبب في مضايقة أي أحد. لكن ليس عندي علم بما يجب أن يجرى قبل الحفل.. وفي أثنائه.. وبعده، وأريد أن أتأكد من أن كل شيء قد وضع في مكانه الصحيح، حتى لا أجد في المستقبل أن زواجي بطل لأننا لم نقم بإحدى الخطوات. كنت أظن بأننا قد تزوجنا، لكني وجدت أننا لم نقم بذلك وفقا للطريقة الصحيحة. أنا بحاجة لأن أعرف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة خطوات عقد النكاح الصحيح، يراجع سؤال رقم 2127.
أما إقامة حفل الزفاف على طريقة إسلامية، فينبغي فيه البعد عن المنهيات الشرعية التي يتساهل فيها كثير من الناس في الأفراح، ومن المنهيات:
ما يتعلق بالمرأة مثل:
الذهاب إلى مزيِّن شعر من الرجال الأجانب، وإصلاح الشعر عنده، أو امرأة تزيِّن بمحرَّم كترقيق الحاجب بنتفه وهو النمص والوشم أو وصل الشعر وغير ذلك من المحرمات لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة. تقليد الكفار في لباسهم، وغالباً ما يصير ثوب الزفاف فيه إظهار لكثير من مفاتن المرأة وجسمها بحيث يكون الثوب شبه عارٍ، والعياذ بالله بالإضافة لما في ذلك من إضاعة المال.
ومن المحرمات ما يتعلق بالرجال مثل:
حلق اللحية ليلة الزفاف، وفعل ذلك بحجَّة أنّ فيه تَجَمُّلاً، وهو أمر مُحَرّم شرعاً، والإسبال في الثياب.
وهذا تلخيص لبعض ما يجب اجتنابه من المحرمات للرجال والنساء في حفلة الزفاف:
1- اختلاط الرجال بالنساء وما يحدث فيه من السلام، والمصافحة، والرقص بين الرجال والنساء، لأن كل ذلك محرم، وخطره عظيم.
2- اجتناب التصوير سواء كان بين الرجال وبعضهم أو بين النساء.
3- شرب الخمور، وأكل لحم الخنزير.
4- دخول الزوج على النساء لأخذ الزوجة.
5- لبس النساء فيما بينهن العاري والضيق والقصير فهو محرم، فكيف بلبس ذلك أمام الرجال.
6- البعد عن التكلف والإسراف ومظاهر الترف والفسق في حفلة الزفاف، حيث أن ذلك يمحق البركة.
7- لبس كل من الزوج والزوجة ما يسمى بالدبلة، تشبهاً فيه بالكفار، اعتقاداً أن ذلك يزيد من حب الزوج لزوجته، وحب الزوجة لزوجها.
وأخيراً: ينبغي أن يعلم الزوجان أنه بقدر ما يحصل في حفلة الزفاف من اتباع تعاليم الإسلام فيه بقدر ما يحصل فيه من البركة والألفة وقلة المشكلات في الحياة الزوجية، فإذا كانت الحياة الزوجية قامت في أولها على المنكرات ومخالفة أمر الله عز وجل، فلا ينتظر التوفيق فيها بعد ذلك، وكثير هي حالات الزواج التي حصل فيها من مخالفة أمر الله عز وجل، ولم تستمر. فاتقوا الله في هذه الحفلة واجعلوها بعيدة عن المحظورات الشرعية يبارك الله لكم فيها. نسأل الله التوفيق لكِ مع زوجكِ، وصلى الله على نبينا محمد، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/991)
هل يكره الجماع تجاه القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكره الجماع مستقبل القبلة في الصحراء، أو في البنيان، وهل فيه خلاف لأحد من العلماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يكره ذلك؛ لا في الصحراء؛ ولا البنيان؛ هذا مذهب الشافعي والعلماء كافة، إلا بعض أصحاب مالك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي ص 190.(7/992)
حكم وطء المرأة في دبرها
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتذر يا شيخنا على طرح هذا السؤال المحرج.
سؤالي هو: ما حكم إتيان الزوجة في دبرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعتذارك مقبول يا أخي والسعي لمعرفة الحكم الشرعي في هذه القضية وأمثالها ليس حراما ولا عيبا بل هو أمر مطلوب.
أما بالنسبة لما سألت عنه فإنّ إتيان الزوجة في دبرها (في موضع خروج الغائط) كبيرة عظيمة من الكبائر سواء في وقت الحيض أو غيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فقال: " ملعون من أتى امرأة في دبرها " رواه الإمام أحمد 2/479 وهو في صحيح الجامع 5865 بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه الترمذي برقم 1/243 وهو في صحيح الجامع 5918. ورغم أن عددا من الزوجات من صاحبات الفطر السليمة يأبين ذلك إلا أن بعض الأزواج يهدد بالطلاق إن لم تطعه، وبعضهم قد يخدع زوجته التي تستحي من سؤال أهل العلم فيوهمها بأن هذا العمل حلال، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجوز للزوج أن يأتي زوجته كيف شاء من الأمام والخلف ما دام في موضع الولد ولا يخفى أن الدبر ومكان الغائط ليس موضعا للولد.
ومن أسباب هذه الجريمة - عند البعض - الدخول إلى الحياة الزوجية النظيفة بموروثات جاهلية قذرة من ممارسات شاذة محرمة أو ذاكرة مليئة بلقطات من أفلام الفاحشة دون توبة إلى الله. ومن المعلوم أن هذا الفعل محرم حتى لو وافق الطرفان فإن التراضي على الحرام لا يصيره حلالا.
وقد ذكر العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية شيئا من الحكم في حرمة إتيان المرأة في دبرها في كتابه زاد المعاد فقال رحمه الله تعالى: وأما الدبر: فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء..
وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحُشّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضاً: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوّت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يُحصّل مقصودها.
وأيضا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً.
وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عُقلاء الأطباء، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي.
وأيضاً: يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جداً لمخالفته للطبيعة.
وأيضاً: فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه، ويلابسه.
وأيضاً: فإنه يضر بالمرأة جداً، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع، منافر لها غاية المنافرة.
وأيضاً: فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكاد يُرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة.
وأيضاً: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شر يأمنه، وكيف تكون حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه.
وأيضاً: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب، استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده.
وأيضاً: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركّب الله عليه شيئاً من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نُكس الطبع انتكس القلب، والعمل، والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات..
وأيضاً: فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه.
فصلاة الله وسلامه على من سعادة الدنيا والآخرة في هديه واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه وما جاء به. انتهى مختصرا من كلامه رحمه الله روضة المحبين 4/257 - 264
وللمزيد يراجع سؤال رقم 6792
أسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعا الفقه في دينه والوقوف عند حدوده وتعظيم حرماته إنه سميع مجيب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/993)
آداب الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[علمنا الإسلام كل شيء، كيف نأكل وكيف نلبس، فهل هناك سنة تبين للمسلم آداب الجماع؟
هل هناك أي موضع من السنة؟ أم أنّ السنة لا يوجد بها حديث صحيح عن مثل هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم أحسنت في قولك علمنا الإسلام كل شيء، فالإسلام أتى للناس بكل خير في أمور معاشهم ودينهم ومحياهم ومماتهم لأنه دين الله عز وجل.
والجماع من الأمور الحياتية المهمة التي أتى ديننا بتبيينها وشرع لها من الآداب والأحكام ما يرقى بها عن مجرد أن تكون لذّة بهيمية وقضاء عابرا للوطر بل قرنها بأمور من النيّة الصالحة والأذكار والآداب الشرعية ما يرقى بها إلى مستوى العبادة التي يُثاب عليها المسلم. وجاء في السنّة النبوية تبيان لذلك، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد: (وأما الجماع أو الباه، فكان هديه فيه - صلى الله عليه وسلم - أكمل هدي، يحفظ به الصحة، وتتم به اللذة وسرور النفس، ويحصل به مقاصده التي وضع لأجلها، فإن الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية:
أحدها: حفظ النسل، ودوام النوع إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم.
الثاني: إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن.
الثالث: قضاء الوطر، ونيل اللذة، والتمتع بالنعمة، وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة، إذ لا تناسل هناك، ولا احتقان يستفرغه الإنزال.
وفضلاء الأطباء يرون أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة) . الطب النبوي ص249.
وقال رحمه الله تعالى: (ومن منافعه - أي الجماع -: غض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه، وينفع المرأة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه، ويقول: (حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب) رواه أحمد 3/128 والنسائي 7/61 وصححه الحاكم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري 9/92 ومسلم 1400) . الطب النبوي 251.
ومن الأمور المهمة التي ينبغي مراعاتها عند الجماع:
1 - إخلاص النية لله عز وجل في هذا الأمر، وأن ينوي بفعله حفظ نفسه وأهله عن الحرام وتكثير نسل الأمة الإسلامية ليرتفع شأنها فإنّ الكثرة عزّ، وليعلم أنه مأجور على عمله هذا وإن كان يجد فيه من اللذة والسرور العاجل ما يجد، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وفي بُضع أحدكم صدقة) - أي في جماعه لأهله - فقالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم لو وضعها في الحرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم 720.
وهذا من فضل الله العظيم على هذه الأمة المباركة، فالحمد لله الذي جعلنا منها.
2 - أن يقدِّم بين يدي الجماع بالملاطفة والمداعبة والملاعبة والتقبيل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب أهله ويقبلها.
3 - أن يقول حين يأتي أهله (بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن قضى الله بينهما ولدا، لم يضره الشيطان أبدا) رواه البخاري 9/187.
4 - يجوز له إتيان المرأة في قبلها من أي جهة شاء، من الخلف أو الأمام شريطة أن يكون ذلك في قُبُلها وهو موضع خروج الولد، لقول الله تبارك وتعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول! فنزلت: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج) رواه البخاري 8/154 ومسلم 4/156.
5 - لا يجوز له بحال من الأحوال أن يأتي امرأته في الدبر، قال الله عز وجل: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) ومعلوم أن مكان الحرث هو الفرج وهو ما يبتغى به الولد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ملعون من يأتي النساء في محاشِّهن: أي أدبارهن) رواه ابن عدي 211/1 وصححه الألباني في آداب الزفاف ص105. وذلك لما فيه من مخالفة للفطرة ومقارفة لما تأباه طبائع النفوس السوية، كما أن فيه تفويتا لحظ المرأة من اللذة، كما أن الدبر هو محل القذر، إلى غير ذلك مما يؤكد حرمة هذا الأمر. للمزيد يراجع سؤال رقم (1103)
6 - إذا جامع الرجل أهله ثم أراد أن يعود إليها فليتوضأ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا، فإنه أنشط في العَوْد) رواه مسلم 1/171. وهو على الاستحباب لا على الوجوب. وإن تمكن من الغسل بين الجماعين فهو أفضل، لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عله وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه، قال فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: (هذا أزكى وأطيب أطهر) رواه أبو داود والنسائي 79/1.
7 - يجب الغسل من الجنابة على الزوجين أو أحدهما في الحالات التالية:
- التقاء الختانين: لقوله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ (وفي رواية: مسّ الختان الختان) فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل. " رواه أحمد ومسلم رقم 526 وهذا الغسل واجب أنزل أو لم يُنزل. ومسّ الختان الختان هو إيلاج حشفة الذّكر في الفرج وليس مجرّد الملاصقة.
- خروج المني ولو لم يلتق الختانان: لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الماء من الماء " رواه مسلم رقم 1/269.
قال البغوي في شرح السنة (2/9) : (غسل الجنابة وجوبه بأحد الأمرين: أما بإدخال الحشفة في الفرج أو خروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة) . ولمعرفة صفة الغسل الشرعية انظر السؤال رقم (415) .
ويجوز للزوجين الاغتسال معا في مكان واحد ولو رأى منها ورأت منه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي قالت: وهما جنبان. رواه البخاري ومسلم.
8 - يجوز لمن وجب عليه الغسل أن ينام ويؤخر الغسل إلى قبل وقت الصلاة، لكن يستحب له أن يتوضأ قبل نومه استحبابا مؤكدا لحديث عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (نعم، ويتوضأ إن شاء) رواه ابن حبان 232.
9 - ويحرم إتيان الحائض حال حيضها لقول الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) ، وعلى من أتى زوجته وهي حائض أن يتصدق بدينار أو نصف دينار كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاب السائل الذي أتاه فسأله عن ذلك. أخرجه أصحاب السنن وصححه الألباني آداب الزفاف ص122. لكن يجوز له أن يتمتع من الحائض بما دون الفرج لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها) متفق عليه.
10 - يجوز للزوج العزل إذا لم يرد الولد ويجوز له كذلك استخدام الواقي، إذا أذنت الزوجة لأنّ لها حقّا في الاستمتاع وفي الولد، ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا. رواه البخاري 9/250 ومسلم 4/160.
ولكن الأولى ترك ذلك كله لأمور منها: أن فيه تفويتا للذة المرأة أو إنقاصا لها. ومنها أن فيه تفويت بعض مقاصد النكاح وهو تكثير النسل والولد كما ذكرنا سابقا.
11 - يحرم على كل من الزوجين أن ينشر الأسرار المتعلقة بما يجري بينهما من أمور المعاشرة الزوجية، بل هو من شر الأمور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم 4/157. وعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود، فقال: (لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟!) فأرّم القوم - أي سكتوا ولم يجيبوا -، فقلت: إي والله يا رسول الله! إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال: (فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون) رواه أبوداود برقم 1/339، وصححه الألباني في آداب الزفاف ص143.
هذا ما تيسر ذكره من جملة من آداب الجماع، فالحمد لله الذي هدانا لهذا الدين العظيم ذي الآداب العالية والحمد لله الذي دلّنا على خير الدنيا والآخرة. وصلى الله على نبينا محمد. .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/994)
ماذا يفعل المسلم إذا أراد الدخول بزوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيف يتم النكاح؟ أعني كيف يفترض أن يتم حفل الزفاف؟ كم عدد المدعوين؟ هل هناك عدد محدد؟
هل من الممكن استخدام الموسيقى في حفل الزفاف أو أثناء استقبال المدعوين أو عند الوليمة؟
أيضا أريد أن أعرف من هو المسئول عن إدارة حفل الزفاف والوليمة؟ هل هو العريس (الزوج) أو العروس (الزوجة) ؟
أريد معرفة الإجابة في أسرع وقت ممكن حتى أستطيع إبلاغ أسرتي، وسوف أنفذها إن شاء الله في حياتي، لعل الله أن يبارك في وفي زواجي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
- يستحب للمسلم إذا دخل على زوجته عدة أمور قد وردت في السنّة ومنها:
أولا: أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه لحديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدِ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: إِنِّي قَيَّنْتُ (أصلحت العروس) عَائِشَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جِئْتُهُ فَدَعَوْتُهُ لِجِلْوَتِهَا (فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهَا فَأُتِيَ بِعُسِّ (القدح الكبير) لَبَنٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا وَاسْتَحْيَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ لَهَا خُذِي مِنْ يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَأَخَذَتْ فَشَرِبَتْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِي تِرْبَكِ (أي صاحبك يعني نفسه) .. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني
ثانياً: وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها وأن يسمي الله تبارك وتعالى ويدعو بالبركة ويقول ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ.. قَالَ أَبُو دَاوُد زَادَ أَبُو سَعِيدٍ ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ. رواه أبو داود في سننه: كتاب النكاح: باب في جامع النّكاح وحسنه في صحيح الجامع رقم 341.
ثالثاً: ويستحب له أن يصلي بها ركعتين يؤمّها وهي خلفه لأنه منقول عن السلف، وفيه أثران: الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد وفيه أن نفراً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم علّموه فقالوا له: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوّذ به من شرّه، والثاني: عن شقيق قال: جاء رجل يقال له أبو حريز فقال (لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه) إني تزوجت جارية شابة بكرا، وإني أخاف أن تفركني (أي تكرهني) فقال عبد الله: إنّ الإلف من الله، والفرك من الشيطان يريد أن يُكرِّه إليكم ما أحلّ الله، فإذا أتتك فأْمُرْها أن تصلي وراءك ركعتين. (أخرج الأثرين السابقين ابن أبي شيبة وتخريجهما في آداب الزفاف للألباني)
رابعاً: أن يقول إذا أراد أن يأتيها ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ " رواه البخاري فتح رقم 3271
ولمزيد من التوسّع يُنظر كتاب آداب الزفاف للعلامة الألباني ص 91
- ليس هناك حدّ محدود لعدد المدعوين في وليمة النّكاح فادع من شئت من أقربائك وأقربائها وأصحابك وكلّ من في دعوته مصلحة وفائدة.
- لا يجوز لك شرعا القيام ولا السماح بأيّ منكر أو عمل محرّم كالموسيقى والاختلاط بين الرجال والنساء أو رقص النساء أمام الرّجال وغير ذلك مما يُغضب الله، وكيف تبدّل نعمة الله معصية وفسقا. ويُمكن للنساء أن يعملْن في العرس كلّ ما سمحت به الشريعة كالغناء المباح بالكلمات الطيبة، ويجوز لهنّ من أدوات اللهو الدفّ فقط ويكون ذلك بمعزل عن الرجال.
- وليمة النّكاح على الزوج ويسنّ له إذا كان مقتدرا أن يذبح شاة فأكثر لضيوف الوليمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. " رواه البخاري فتح رقم 2048.
نسأل الله أن يبارك لك ويبارك عليك ويجمع بينك وبين زوجتك على خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/995)
زواج الأخ الصغير قبل الكبير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب صغير عمري 21سنة أريد الزواج ولي أخوان كبيران لم يتزوجا بعد فهل يجوز أن أتزوج قبلهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
أقول للأخ السائل إنك لست صغيراً على الزواج؛ فعمرو بن العاص تزوج وله إحدى عشرة سنة، وجاءه ولد، ولهذا يقال ليس بينه وبين ابنه عبد الله إلا ثلاث عشرة سنة.
فأقول للأخ السائل توكل على الله وتزوج وأخواك الكبيران متى تيسر لهما الزواج يتزوجان.
وهذا من الخطأ الفادح عند بعض الناس أنه لا يزوج البنت الصغيرة مع وجود أكبر منها، وهذا حرام عليه.
فإذا خطبها كفءٌ في خلقه ودينه فليزوجها وربما تكون هي حائلاً بين البنت الكبيرة وبين الزواج، كثيراً ما تحول الصغيرة دون الكبيرة فإذا تزوجت الصغيرة فتح الله الباب للكبيرة، وهذا شيءٌ مجرب (أي تحول بنت دون بنت) كما تحول ذرية دون ذرية فقد ورد علينا أكثر من قصة رجلٌ يتزوج فيبقى خمسة عشر عاما لا يولد له فيتزوج الثانية فتحمل الثانية من أول ليلة ثم تحمل الأولى في نفس الأيام.
فنقول للسائل تزوج ولا يُعدُّ هذا عقوقاً للوالدين، ولا قطيعة رحم للأخوين.
[الْمَصْدَرُ]
اللقاء الشهري للشيخ محمد بن صالح العثيمين (اللقاء الشهري 15)(7/996)
حكم اجتماع طائفة على طعام، كلٌّ يُحضر معه منه شيئاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في الآونة الأخيرة عادة في أوساط المسلمين لا أدري من أين منشؤها، لكن على ما يبدو أنها جُلبت من الكفار، هذه العادة تسمَّى حفلة الطبق الواحد، خلاصة هذه الحفلة: أن رب البيت - أو المضيّف - يطلب من كل شخص من الضيوف أن يحضر طبقاً مطبوخاً معه إلى الحفلة، فيشترك الجميع في الأكل منه، والغرض من ذلك: أن رب المنزل - أو صاحب الحفلة - لا يبقى عليه إلا الأشياء اليسيرة، وأن لا يُشغَل بالطبخ وغيره، ما جعلني أستنكر هذا النوع من الحفلات: أن ذلك مخالف لسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يُطعم ضيفه من أحسن ما لديه، وكان يحث على إكرام الضيف، والإكرام لا يتأتى إلا عن طريق الطبخ لهم، وإعطائهم أفضل الأطعمة، لا أن يُطلب من الضيف أن يحضر طعامه معه، فما رأي الشرع في مثل هذه الحفلات؟ وهل ترون أنه من المناسب الذهاب والتواصي على الحضور والمشاركة في مثل هذه الحفلات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن إطعام الطعام من مكارم الأخلاق، ونبل النفوس، وقد حث عليه الشرع، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ رضي الله عنه قَالَ: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ) رواه الترمذي (2485) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أوجب الإسلام إكرام الضيف، والقيام بحقه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) رواه البخاري (6018) ومسلم (47) .
والمراد بالضيف الذي يجب إكرامه هو: هو ضيف السفَر، وهو القادم من بلد آخر، وليس الزائر له من جيرانه، أو أصدقائه من بلده؛ وإكرام هذا الثاني (الزائر) مطلوب، ويدخل في عمومات الشريعة التي تحث على فعل الخير، والإحسان إلى الناس، وتحسين الخلق معهم.
فالضيف المسافر هو الذي له حق في طعام المضيف، وهذا لا ينطبق على الزائر الذي يمكن أن تقول له: "ارجع"، كما قال تعالى: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور/28.
وانظر جواب السؤال رقم (128791) .
وعليه: فما يفعله أولئك المشار إليهم في السؤال لا حرج فيه.
ثم على فرض أنهم ضيوف يجب إكرامهم فقد رضوا هم بإسقاط حقهم، وأنهم يأتون بالطعام معهم، ولا حرج في ذلك.
ولهذا، لا نرى أن فعلهم هذا يخالف الشرع، أو يناقض المروءة، بل يدل على ترابطهم، وقوة صلتهم، بعضهم ببعض.
ونحن نشكر لك غيرتك على السنَّة، ونسأل الله أن يفقهنا وإياك في دينه، وأن يثبتنا على الحق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/997)
ما هي صفات الصديق الصالح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفات الصديق الصالح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصديق الصالح هو العبد الصالح، المطيع لربه، الملتزم بأوامر دينه، الحريص على مرضاة الله، المسارع بالإيمان إلى كل خير، المنصرف بالتقوى عن كل شر، المحب للسنة وأهلها، الموالي في الله، المعادي في الله، المبغض للعصيان وأهله، التقي النقي، البر الخفي، الذي لا غل في قلبه ولا حسد.
الصديق الصالح هو الذي يذكرك بربك متى غفلت عن ذكره، ويعينك ويشاركك: إذا كنت في ذكر لربك. قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. متفق عليه.
قال النووي رحمه الله:
" صَرِيح فِي تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلَا مَكْرُوه "
الصديق الصالح هو الذي لا يطلب عثرات إخوانه ولا يتتبعهم، وإنما يطلب ما يقيلهم.
قال ابن مازن: " المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم ".
وقال الفضيل بن عياض: " الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان "
"آداب العشرة" (ص 1-3)
الصديق الصالح من سلم المسلمون من لسانه ويده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف المسلم.
وقد قال أبو الفيض بن إبراهيم المصري: " عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهرك، وتعينك رؤيته على الخير، ويذكرك مولاك ".
"آداب العشرة" (ص 3)
ومنها أن يحمدهم بحسن الثناء عليهم، وإن لم يساعدهم باليد.
وقد روى أحمد (12709) وأبو داود (4812) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ بَذْلًا مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ، قَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ، فَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ.
فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَلَّا؛ مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَدَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
ومن صفاته بشاشة الوجه، ولطف اللسان، وسعة القلب، وبسط اليد، وكظم الغيظ، وترك الكبر، وملازمة الحرمة، وإظهار الفرح بما رزق من عشرتهم وأخوتهم.
ومنها: سلامة القلب وإسداء النصحية لإخوانه، وقبولها منهم.
ومنها: موافقة إخوانه وعدم مخالفتهم في المعروف، وحبس النفس على ملامتهم.
قال أبو زائدة: " كتب الأحنف إلى صديق له: أما بعد، فإذا قدم أخ لك موافق، فليكن منك بمنزلة السمع والبصر؛ فإن الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف. ألم تسمع قول الله عز وجل لنوح عليه السلام في ابنه: (إِنَهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَهُ عَمَلٌ غَيرَ صَالِحٍ) ".
"آداب العشرة" (ص 7) .
ومنها: حب التزاور والتلاقي والتباذل، والبشاشة عند اللقاء، والمصافحة بود وإخاء.
وقد روى مسلم (2567) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَاَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) .
وروى أحمد (21525) عن مُعَاذ بْن جَبَلٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) . صححه الألباني في "صحيح الترغيب".
وقد كان يقال: " لا تصحب إلا من إن صحبته زانك، وإن حملت مؤونة أعانك، وإن رأى منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن تعففت عنه ابتداك، وإن عاتبك لم يحرمك، وإن تباعدت عنه لم يرفضك ".
"تاريخ دمشق" (68/ 236) .
وقال أبو عبد الرحمن السلمي:
" الصحبة مع الإخوان بدوام البشر وبذل المعروف ونشر المحاسن وستر القبائح واستكثار قليل برهم واستصغار ما منك إليهم وتعهدهم بالنفس والمال ومجانبة الحقد والحسد والبغى والأذى وما يكرهون من جميع الوجوه، وترك ما يعتذر منه " انتهى.
"آداب الصحبة" (ص 120)
ومنها: أن لا يحسد إخوانه على ما يرى عليهم من آثار نعم الله، بل يفرح بذلك ويحمد الله على ما يرى من النعمة عليهم كما يحمده على نفسه. قال الله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النساء / 54]
ومنها: المعاشرة بالمعروف بصدق وإخلاص.
قال أبو صالح:" المؤمن يعاشرك بالمعروف ويدلك على صلاح دينك ودنياك، والمنافق يعاشرك بالممادحة، ويدلك على ما تشتهيه، والمعصوم من فرق بين الحالين ".
"آداب الصحبة" (ص 55)
ومنها: القيام بأعذار الإخوان والأصحاب والذب عنهم والانتصار لهم.
ومنها: أن يشارك إخوانه في المكروه كما يشاركهم في المحبوب، لا يتلون عليهم في الحالين جميعا.
ومنها: أن لا يمن بمعروفه على من يحسن إليه ويستصغره، ويعظم عنده معروف إخوانه ويستكثره.
ومنها: أن يجتهد في ستر عورة إخوانه وإظهار مناقبهم وكتمان قبائحهم.
ومنها: التودد إلى إخوانه باصطناع المعروف إليهم، والصفح عما بدر منهم، والتماس الأعذار لهم.
وعن محمد بن المنكدر قال: " لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان ".
"تاريخ دمشق" (56/ 53)
وبالجملة:
فالصديق الصالح هو الخليل المعين على كل خير، ذو الخلق الحسن، الآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر، المحافظ على حق الصحبة في الغيب والشهادة، مراعيها حق رعايتها بالقول والفعل، والذي لا يفعل ذلك إلا لله، يرجو به عقبى الله.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/998)
هل يجوز الاجتماع للفرح بدخول رجل أو امرأة الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاحتفاء بشهادة مسلمة ودخولها في الإسلام وذلك بالاجتماع في بيت إحدى الأخوات المسلمات والترحيب بها في الإسلام وإهداءها بعض الهدايا وما إلى ذلك؟ أم أن هذا يدخل ضمن البدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مؤازرة المسلم - أو المسلمة - حديث العهد بالإسلام، وتهنئته على الهداية، وإظهار الفرح والبشر والسرور بذلك، ووفود الناس عليه بالتهنئة والدعاء، وإهداءه الهدايا، كل ذلك من أمارات الأخوة الإسلامية، وعلامات المحبة في الله.
وهو مما يقوي قلبه، ويستشعر به حب الناس له، والتفافهم حوله، ويؤنسه في عهده الجديد ويذهب وحشته.
ولا بأس أن يجتمع إخوانه لذلك، وأن يهدوا له الهدايا، ويحسنوا الثناء عليه، ويكثروا من الدعاء له، فهي نعمة، وأي نعمة، تستحق الشكر لله، وتهنئة من وُفِّق إليها.
وفي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه لما كان من أمره ما كان في التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو، وحصل لهم من الغم والكرب العظيم ما حصل، ثم تاب الله عليه وعلى صاحبيه. قال:
" فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ!! قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ.
قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ.
قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ!! ".
متفق عليه.
فتأمل ما وقع في هذه القصة العظيمة، من فرح الصحابة رضوان الله عليهم بتوبة الله على كعب بن مالك وصاحبيه، وإسراع من أسرع منهم إلى إبلاغه بالبشرى، وتهنئته على ذلك، وكيف أنه جعل ذلك جميلا، وأحسانا عظيما، لا ينساه لمن سارع إليه، وكيف أن الناس تلقوه أفواجا، يهنئونه بذلك، ولا ريب أن التوبة من الكفر، والدخول في الإسلام هو من أجل النعم التي يهنئ الرجل أخاه عليها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث:
" ... وتهنئة من تجددت له نعمة ". "فتح الباري" (8/124) .
وقال ابن مفلح رحمه الله:
" فَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِنِعَمٍ دِينِيَّةٍ تَجَدَّدَتْ: فَتُسْتَحَبُّ، لِقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَ {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنِيئًا مَرِيئًا " انتهى. "الآداب الشرعية" (3/380) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/999)
هل يصح أن يقول عن صديقه: إني مشتاق إليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ولد وأشتاق إلى أحد أصدقائي. فهل يجوز أن أقول إني أشتاق له حتى لو كان ولداً أم أن هذا اللفظ لا يستخدم إلا مع النساء أو الأقارب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشوق درجة عالية من درجات المحبة.
وقد ورد في السنة، وفي كلام السلف، وفي لسان العرب إطلاقه على مختلف الأشياء التي تتطلع إليها النفوس، وتحنّ إليها القلوب.
فروى النسائي (1305) عن عَمَّار بْن يَاسِرٍ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا، فكان من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ) وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
فأطيب شيء في الدنيا هو الشوق إلى لقاء الله سبحانه، وأطيب شيء في الآخرة هو النَّظر إلى وجهه الكريم.
قال ابن القيم:
" محبة الله سبحانه والأنس به والشوق إلى لقائه والرضا به وعنه: أصل الدين وأصل أعماله وإراداته " انتهى.
"إغاثة اللهفان" (2/ 195) .
وروى أحمد (3450) بسند صحيح – وأصله في الصحيحين - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَعَطِشَ النَّاسُ وَجَعَلُوا يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ، ثُمَّ شَرِبَ فَشَرِبَ النَّاسُ.
تتوق: تشتاق.
"تاقَت نفْسي إلى الشيء أي: اشتاقت ... ونفْس توَّاقةٌ مُشْتاقةٌ "
"لسان العرب" (10/33) مادة: " توق ".
وروى ابن المبارك في "الزهد" (1302) بسند صحيح عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: " ما دخل وقت صلاة قط حتى أشتاق إليها ".
وأنشد أحمد بن علي المقرئ في الإمام أحمد، في أثناء قصيدة له:
فقلت في الحال ذاك ابنُ حنبلٍ إمامٌ تقيٌ زاهدٌ متورعُ
وإني لمشتاقٌ إليه فدلّني ففي النفس حاجاتٌ إليه تسرعُ
"ذيل طبقات الحنابلة" - (ص /18)
وجاء بعض رسل الخليفة المتوكل بعد انفراج محنة خلق القرآن يقول للإمام أحمد:
" أمير المؤمنين مشتاق إليك ... إلخ".
"سير أعلام النبلاء" (11/276)
وقال سامة بن لؤيٍ:
بلغَا عامراً وكعباً رسولاً أنَّ نفسي إليهما مشتاقة
"أمالي الزجاجي" (ص / 12)
فليس معنى الاشتياق مقصورا على الشوق إلى النساء.
فلا بأس أن تقول عن صاحبك: إنك مشتاق إليه، بمعنى أنك تحبه حباً شديداً وتتطلع إلى رؤياه، على أن لا يتضمن ذلك معنى فاسدا من المعاني المستهجنة التي قد توجد في النفوس المريضة، نفوس أصحاب الشهوات والغي والفساد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1000)
حكم التمادح برسائل الجوال المبالغ فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[الرسائل المبالغ فيها التي نرسلها لمجرد الإرسال وللرد على رسائلهن برسائل شعرية وتكون فيها مبالغة في الكلام هل يعد من النفاق؟ وهل إذا أكثرت من الرسائل وصرف رصيد جوالي لدرجة ينقضي شحن الجوال بسبب الرسائل يعد إسرافاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
دين الله عز وجل دين وسط، لا إفراط فيه ولا تفريط، والاعتدال في كل شيء خير.
وقد وصف الله تعالى عباده بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/67، وقال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29.
فتجاوز الحد في الرسائل هو من الإسراف المذموم المنهي عنه، ومن تأمل كثيراً من الرسائل المتداولة لوجدها لا فائدة منها، وكثير من المرسل إليهم لا يقرؤونها، بل يحذفونها بمجرد أن تقع أعينهم عليها.
ثانياً:
أما رسائل المدح المبالغ فيها، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مدح الشخص، وذم المداحين، فكيف بالمبالغة في مدحه!
وسبب هذا النهي: أنه قد يكون سبباً في إعجاب الممدوح بنفسه، أو تكبره، فيهلك بسبب ذلك.
روى مسلم (3002) عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ) .
وروى البخاري (6061) ومسلم (3000) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ - يَقُولُهُ مِرَارًا - إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ، وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا) .
قال الحافظ:
" قَالَ اِبْن بَطَّال: حَاصِل النَّهْي: أَنَّ مَنْ أَفْرَطَ فِي مَدْح آخَر بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَمْ يَأْمَن عَلَى الْمَمْدُوح الْعُجْب لِظَنِّهِ أَنَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة , فَرُبَّمَا ضَيَّعَ الْعَمَل وَالِازْدِيَاد مِنْ الْخَيْر اِتِّكَالًا عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ
وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي " الْإِحْيَاء ": آفَة الْمَدْح فِي الْمَادِح أَنَّهُ قَدْ يَكْذِب، وَقَدْ يُرَائِي الْمَمْدُوح بِمَدْحِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا " انتهى.
وروى الإمام أحمد (16395) وابن ماجه (3743) عن مُعَاوِيَة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (َإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.
قال المناوي:
" لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح، وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه، وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى، وفي رواية: (فإنه من الذبح) وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور، أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح، فلذلك شبه به. قال الغزالي رحمه الله: فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه؛ لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم، وطلبه للشكر ظلم، وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير " انتهى.
"فيض القدير" (3/129) .
أما قولك: هل يعد ذلك من النفاق؟
فالجواب: إذا كان المدح فيه شيء من الكذب فهو من صفات المنافقين، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) متفق عليه.
وروى الترمذي (2027) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال المناوي:
" البيان: فصاحة اللسان، والمراد: ما فيه إثم منها كهجو أو مدح بغير حق.
(شعبتان من النفاق) أي: هما خصلتان منشؤهما النفاق أو مؤديان إليه. وأراد بالبيان هنا كثرة الكلام والتكلف للناس بكثرة التملُّق والثناء عليهم وإظهار التفصُّح، وذلك ليس من شأن أهل الإيمان. وقد يتملق الإنسان إلى حد يخرجه إلى صريح النفاق وحقيقته " انتهى.
"التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 1036) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1001)
من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟ هل إذا زارني أحد أصحابي أو جيراني يكون ضيفا؟ ويكون له حق الضيف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المضيف أن يكرم ضيفه، ويقوم بحقه، ويدل على ذلك:
ما جاء في الحديث عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزاعِي رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ) قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) رواه البخاري (5673) ومسلم (48) .
وفي لفظ لمسلم (48) : (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) .
قال الخطابي رحمه الله:
قوله: (جائزته يوم وليلة) سئل مالك بن أنس عنه فقال: يُكرمه، ويتحفه، ويخصه، ويحفظه، يوماً وليلة، وثلاثة أيام ضيافة.
قلت: يريد أنه يتكلف له في اليوم الأول بما اتسع له من بِر، وألطاف، ويقدِّم له في اليوم الثاني والثالث ما كان بحضرته، ولا يزيد على عادته، وما كان بعد الثلاث: فهو صدقة، ومعروف، إن شاء فعل، وإن شاء ترك.
"معالم السنن" (4/238) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
إن للضيف حقّاً على مَن نزل به، وهو ثلاث مراتب: حق واجب، وتمام مستحب، وصدقة من الصدقات، فالحق الواجب: يوم وليلة , وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي شريح الخزاعي – وساق الحديث السابق -.
"زاد المعاد" (3/658) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"والواجب يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام؛ لما روى أبو شريح الخزاعي - وساق الحديث -" انتهى.
"المغني" (11/91) .
والضيف الذي يجب إكرامه، وله حق على المضيف، هو الضيف المسافر، وهو القادم من بلد آخر.
فيجب على من ينزل عليه أن يطعمه ويكرمه، فإن لم يفعل فلهه حق في ماله، وهذا لا ينطبق على الزائر من البلد نفسه، وليس قادماً من السفر، فهذا يمكن أن تقول له: "ارجع"، كما قال تعالى: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور/28.
ومما يدل على ما قلناه: ما يوجد في بعض الأحاديث من التصريح بذلك، وأن الحق للضيف إنما هو للمسافر، وليس للمقيم، ومنه:
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَمُرُّ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا [أي لا يقدموا لنا حق الضيف] ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنْ أَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رواه البخاري (2329) ومسلم (1727) .
وقد اختلف العلماء في حكم الضيافة، وعلى من تجب، ففي "الموسوعة الفقهية" (28/316، 317) :
"وقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الضيافة سنَّة، ومدتها ثلاثة أيام، وهو رواية عن أحمد.
والرواية الأخرى عن أحمد - وهي المذهب - أنها واجبة، ومدتها يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام. وبهذا يقول الليث بن سعد.
ويرى المالكية وجوب الضيافة في حالة المجتاز الذي ليس عنده ما يبلغه ويخاف الهلاك.
والضيافة على أهل القرى والحضر، إلا ما جاء عن الإمام مالك، والمام أحمد - في رواية - أنه ليس على أهل الحضر ضيافة، وقال سحنون: الضيافة على أهل القرى، وأما أهل الحضر فإن المسافر إذا قدم الحضر وجد نزلاً - وهو الفندق - فيتأكد الندب إليها ولا يتعين على أهل الحضر تعينها. انتهى
والراجح – والله أعلم – أن ضيافة المسافر المجتاز – لا المقيم - واجبة، وأن وجوبها على أهل القرى، والأمصار، دون تفريق.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح قول الحجاوي رحمه الله: "وَتَجِبُ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى يَوْماً وَلَيْلَةً".
قال: قوله: " وتجب ضيافة المسلم ": " تجب " هذا بيان حكم الضيافة، والضيافة أن يَتلقَّى الإنسان مَن قدم إليه، فيكرمه، وينزله بيته، ويقدم له الأكل، وهي من محاسن الدين الإسلامي، وقد سبقنا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) الذاريات/ 24، أي: الذين أكرمهم إبراهيم، ولا يمتنع أن يقال: والذين أكرمهم الله عزّ وجل بكونهم ملائكة.
فحكم الضيافة واجب، وإكرام الضيف - أيضاً – واجب، وهو أمر زائد على مطلق الضيافة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، أي: من كان يؤمن إيماناً كاملاً: فليكرم ضيفه.
... .
قوله: " المجتاز به " يعني: الذي مرَّ بك وهو مسافر، وأما المقيم: فإنه ليس له حق ضيافة، ولو كان المقيم له حق الضيافة: لكان ما أكثر المقيمين الذين يقرعون الأبواب! فلا بد أن يكون مجتازاً، أي: مسافراً ومارّاً، حتى لو كان مسافراً مقيماً يومين، أو ثلاثة، أو أكثر: فلا حق له في ذلك، بل لا بد أن يكون مجتازاً.
قوله: " في القرى " دون الأمصار، والقرى: البلاد الصغيرة، والأمصار: البلاد الكبيرة، قالوا: لأن القرى هي مظنة الحاجة، والأمصار بلاد كبيرة فيها مطاعم، وفنادق، وأشياء يستغني بها الإنسان عن الضيافة، وهذا - أيضاً - خلاف القول الصحيح؛ لأن الحديث عامّ، وكم من إنسان يأتي إلى الأمصار وفيها الفنادق، وفيها المطاعم، وفيها كل شيء، لكن يكرهها ويربأ بنفسه أن يذهب إليها، فينزل ضيفاً على صديق، أو على إنسان معروف، فلو نزل بك ضيف - ولو في الأمصار -: فالصحيح: الوجوب.
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/48 – 51) باختصار.
وأما الزائر من البلد نفسه فلا شك أن إطعامه وإكرامه يدخل في عموم الأمر بإطعام الطعام والإحسان إلى الناس، ولكنه ليس هو الضيف الذي أوجب النبي صلى الله عليه وسلم إكرامه، وجعل له حقاً في مال المضيف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1002)
هل صح حديث في هجر الشخص المؤذي مائة مرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ عام سألت إحدى صديقاتي سؤالاً، ما كان يتوجب علي أن أسألها؛ لأنه على ما يبدو أنه جرحها، ومنذ ذلك الحين هجرتني ولم تعد تكلمني، وعندما هدأت الأمور بعض الشيء سألتها عن سبب هجرانها لي، فقالت: إن هناك حديثًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن الشخص إذا جرح مشاعرك فاهجره مائة مرة. فهل هذا صحيح، وهل هناك حديث يتعلق بمثل هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على حديث يتضمن هذا المعنى، ولا نرى ذلك صحيحا ولا مقبولا، فقد صحت الأحاديث الكثيرة في التحذير من هجر المسلم لأخيه المسلم، كما جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة في الحث على العفو عن الزلات، وتجاوز العثرات، ومسامحة الإخوان والأصدقاء عند صدور أي خطأ منهم، فكيف يصح حديث بالحث على هجر المسلم من غير سبب شرعي صحيح.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:
" لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة، أن يظن بها سوءا، وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا ". التمهيد، لابن عبد البر (18/20) .
وقال الأحنف بن قيس: حق الصديق أن تحتمل منه ثلاثا: ظلم الغضب، وظلم الدالة، (يعني: الدلال) وظلم الهفوة. وقال آخر: ما شتمت أحدا قط؛ لأنه إن شتمني كريم: فأنا أحق مَن غَفَرَها له، أو لئيم: فلا أجعل عرضي له غرضا. ثم تمثل وقال:
وأَغفِرُ عوراءَ الكريم ادِّخَاره ... وأُعرِضُ عن شتم اللئيم تكرما
وقد قيل:
خذ من خليلك ما صفا ... ودع الذي فيه الكدر
فالعمر أقصر مِنْ مُعا ... تَبةِ الخليلِ على الغِيَر
ينظر: " إحياء علوم الدين " (2/183-186) .
واعلمي ـ أيتها السائلة الكريمة ـ أن من أعظم مقاصد الشيطان الخبيث، وأشد حيله: أن يوقع البغضاء والعداوة بين المسلمين.
عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) .
ولهذا حرم الله تعالى كل ما من شأنه أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين. قال الله تعالى:
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة /91.
ويمكن الاطلاع على الأحاديث الواردة في ذم التهاجر في كتاب الإمام المنذري، واسمه: " الترغيب والترهيب " (3/304) ، فقد عقد فيه بابا بعنوان: " الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر "، جمع فيه أكثر ما ورد في السنة في هذا الموضوع.
وانظري في موقعنا أجوبة الأسئلة ذوات الأرقام التالية: (26333) ، (98636) ، (21878) ، (65500)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1003)
حديث امش ميلا عد مريضا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: (امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال زر أخا في الله) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث جاء من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بإسناد ضعيف، وجاء من كلام بعض التابعين بأسانيد صحيحة.
أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة زر أخا في الله) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (5/179) قال: حدثنا محمد بن بشر القزاز، قال حدثنا هشام بن عمار، قال ثنا عمرو بن واقد، عن علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم عن أبي أمامة به.
وهذا إسناد ضعيف جدا، بسبب عمرو بن واقد: قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: استحق الترك. وقال النسائي والدارقطني: متروك. انظر "تهذيب التهذيب" (8/116) .
وكذلك علي بن يزيد الألهاني اتفق أهل العلم على ضعفه. انظر "تهذيب التهذيب" (7/397) .
والحديث: ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (2936) .
أما ما صحَّ عن التابعين، فقد ورد عن ثلاثة منهم:
1- عن مكحول رحمه الله قال: (امش ميلا عُد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة زر في الله) رواه ابن وهب في "الجامع" (رقم/174) قال: وأخبرني مسلمة بن علي، عن زيد بن واقد، وهشام بن الغازي، عن مكحول.
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب مسلمة بن علي: متروك. انظر "تهذيب التهذيب" (10/147) ، وانظر "السلسلة الضعيفة" (رقم/2936) .
ورواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (ص/152) قال: حدثنا عمار بن نصر المروزي حدثنا شعيب أبو حرب عن أبي عتبة العنسي عن يحيى عن مكحول.
وهذا إسناد حسن إن كان شعيب هو ابن حرب، وإلا فلم أقف على ترجمة شعيب أبي حرب. والله أعلم.
2- عن عطاء الخراساني رحمه الله.
رواه ابن وهب في "الجامع" (رقم/174) قال: أخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني.
وهذا إسناد صحيح.
3- وجاء أيضا من كلام حسان بن عطية رحمه الله.
رواه هناد بن السري في "الزهد" (1/227) قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: فذكره.
وهذا إسناد صحيح.
يقول المناوي رحمه الله:
" (امش ميلا) هو ثلاثة فراسخ، (عُد) ندبا (مريضا) مسلما.
(امش) ندبا (ميلين أصلح بين اثنين) إنسانين أو فئتين، أي: حافظ على ذلك وإن كان عليك فيه مشقة، كأن تمشي إلى محل بعيد.
(امش) ندبا (ثلاثة أميال زر أخا في الله تعالى) وإن لم يكن أخاك من النسب.
ومقصوده أن الثالث أفضل وآكد وأهم من الثاني، والثاني من الأوّل " انتهى.
"التيسير شرح الجامع الصغير" (1/484) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1004)
حديث من كان في قلبه مودة لأخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: (من كان في قلبه مودة لأخيه ثم لم يُطلعه عليها فقد خانه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (ص/124) ، ومن طريقه ابن قدامة في "المتحابين في الله" (ص/66، رقم/78) عن زياد بن أيوب، حدثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو كعب الشامي، عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من كان في قلبه مودة لأخيه لم يُطلعه عليها فقد خانه) .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " هذا إسناد ضعيف لإرساله. وأبو كعب الشامي لم أعرفه. وعبد الحميد بن عبد الرحمن: هو الحماني؛ وفيه ضعف " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (رقم/4639) .
ويغني عن هذا الحديث الضعيف، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ) رواه أبو داود (رقم/5124) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/128) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (417) .
ويغني عنه أيضا ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَعْلِمْهُ. قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ) رواه أبو داود (رقم/5125) ، وصححه النووي في "رياض الصالحين" (183) ، والألباني في "صحيح أبي داود".
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: مَعْنَاهُ الْحَثّ عَلَى التَّوَدُّد وَالتَّأَلُّف، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُحِبّهُ اِسْتَمَالَ بِذَلِكَ قَلْبه وَاجْتَلَبَ بِهِ وُدّه، وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُحِبّ لَهُ وَوَادّ لَهُ قَبِلَ نَصِيحَته وَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ قَوْله فِي عَيْب إِنْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسه، أَوْ سَقْطَة إِنْ كَانَتْ مِنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يُؤْمَن أَنْ يَسُوء ظَنّه فِيهِ فَلَا يَقْبَل مِنْهُ قَوْله، وَيُحْمَل ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْعَدَاوَة وَالشَّنَآن " اِنْتَهَى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1005)
أحاديث الوعيد على من لم يقبل اعتذار أخيه المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره، فعليه مثل صاحب مكس) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في عظم إثم من يرد اعتذار أخيه المسلم خمسة أحاديث، ولكنها كلها ضعيفة لا تصح:
الحديث الأول: عَنْ جُودَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ) .
رواه أبو داود في "المراسيل" (رقم/521) ، وابن ماجه في "السنن" (رقم/3718) ، وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص/182) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/275) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وغيرهم. رووه جميعا من طريق وكيع، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن ميناء – وهو العباس بن عبد الرحمن بن ميناء - عن جودان به.
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1907) : " العباس بن عبد الرحمن بن مينا ليس بالمشهور، ولم يوثقه غير ابن حبان، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": " مقبول ".
وجودان: لم تثبت له صحبة، وقال أبو حاتم: " جودان مجهول، وليست له صحبة ".
وفي "التقريب": " مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين " انتهى.
الحديث الثاني: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحو الحديث السابق.
من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، وقد ورد عن أبي الزبير من طريقين اثنين:
1- من طريق الليث حدثني إبراهيم بن أعين، عن أبي عمرو العبدي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/283) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وقال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا أبو عمرو العبدي، ولا عن أبي عمرو إلا إبراهيم بن أعين، تفرد به الليث " انتهى.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/155) : " فيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف " انتهى.
وضعفه العراقي رحمه الله في "تخريج أحاديث الإحياء" (2/138) .
2- من طريق الحسن بن عمارة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه.
رواه الحارث في المسند – كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (1/269) – قال: حدثنا حفص بن حمزة، ثنا سيف بن محمد الثوري، عن الحسن بن عمارة.
ورواه ابن حبان في "الثقات" (8/388) ثنا أبو بدر، ثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح، ثنا أبي عن الحسن بن عمارة عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه.
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن عمارة، فقد اتفق العلماء على تركه وضعفه. انظر: "تهذيب التهذيب" (2/307) .
الحديث الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا تعف نساؤكم، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَيَّ الحوض) .
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/241) وقال: " لم يرو هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير إلا عبد الملك بن يحيى بن الزبير، تفرد به خالد بن يزيد العمري " انتهى.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/81) : " فيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب " انتهى.
الحديث الرابع:
حديث أنس بن مالك بنحو حديث عائشة السابق.
أخرجه ابن عساكر في سباعياته -كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/190) - من طريق أبي هدبة الفارسي، عن أنس بن مالك.
وأبو هدبة الفارسي هو إبراهيم بن هدبة: وهو كذاب، قال ابن حبان في المجروحين (1/114) : " إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة، شيخ يروي عن أنس بن مالك: دجال من الدجاجلة، وكان رقاصا بالبصرة، يُدعَى إلى الأعراس فيرقص فيها، فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (2/119) : " موضوع " انتهى.
وكذا في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) .
الحديث الخامس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه، محقا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يَرِدْ عليَّ الحوض) .
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/154) وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وتعقبه الذهبي بقوله: " بل سويد ضعيف " انتهى.
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/218) : " سويد عن قتادة، هو ابن عبد العزيز: واهٍ " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) : " ضعيف الإسناد " انتهى.
والحاصل: أن جميع الروايات الواردة في هذا الباب ضعيفة لا تصح.
ثانيا:
إن ضعف الأحاديث الواردة في الوعيد على من لم يقبل عذر أخيه، لا يعني أن ذلك غير مطلوب، بل قبول معذرة المعتذر من مكارم الأخلاق، وأسباب المحبة والمودة.
قال ابن حبان رحمه الله في " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (1/183) : " فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى، ولتقصير سبق، أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب؛ لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه.
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ...
إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر
فصنه عن جفائك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر " انتهى.
وقال الإمام الغزالي رحمه الله:
" أما زلته في حقه – يعني زلة الأخ في حق أخيه - بما يوجب إيحاشه: فلا خلاف في أن الأَوْلى العفو والاحتمال، بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن، ويتصور تمهيد عذر فيه، قريب أو بعيد، فهو واجب بحق الإخوة " انتهى.
"إحياء علوم الدين" (2/185-186) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1006)
الأخوَّة في الله بين الأمل المنشود والواقع الأليم
[السُّؤَالُ]
ـ[عرفت أهمية الحفاظ على الأخوَّة في الله سبحانه وتعالى، الآن تغيرت الأمور، والناس يتمايزون في علاقاتهم، وصداقاتهم لعدة أسباب، منها: الافتخار بالذات، والغرور، والحالة المادية واجهتها عدة مرات، عندما ترى الآخرين - وحتى في المسجد - يتجاهلونك، ولا يأبهون بك. سؤالي هو: كيف أتعامل مع هذه المشكلة؟ أفهم تماماً أن عليَّ أن أقوم بواجبي لله تعالى، وسأحافظ على سيرتي الحسنة مع الآخرين لله، إلا أنني أصاب بخيبة أمل عندما ألاحظ معاملة الناس لي هكذا، آمل أن تسلطوا الضوء على هذه القضايا الاجتماعية المهمَّة جدّاً في هذا الوقت. جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأخوَّة في الله، والحب في الله، من أعظم شعائر الدين، وأوثق عرى الإيمان، وقد جاء في كتاب الله تعالى، وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يبين ذلك ويوضحه بأجلى صورة، وأحلى عبارة، ويكفينا في ذلك بعض الآيات والأحاديث، ومنها:
قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/ من الآية 10.
وقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران/ 103.
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) .
رواه البخاري (16) ومسلم (43) .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
الخصلة الثانية: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، والحب في الله من أصول الإيمان، وأعلى درجاته، ... وإنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها؛ لأن مَن كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما: فقد صار حبُّه كله له، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله، وموالاته له، ومعاداته له، وأن لا تبقى له بقية من نفسه وهواه، وذلك يستلزم محبة ما يحبه الله من الأقوال، والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، وكذلك من الأشخاص.
" فتح الباري " لابن رجب (1 / 49 – 51) باختصار.
ثانياً:
لو كان حبُّ المسلم لأخيه حبا لله تعالى: لما اشتكى مشتكٍ من أفعال بعض من لم يذق حلاوة الإيمان، ومن جعل ميزان حبَِّه للآخرين: اللغة، أو اللون، أو البلد، أو الحزب والجماعة، أو المال، أو حسن الصورة: فقد خاب وخسر، واستعمل ميزانَ ظلم، وليس بمستنكر بعدها ما يصدر منه من تصرفات تجاه إخوانه، وأما إن كان ميزانه في الحب في الله: الاستقامة، والخلُق: فليبشر بثواب جزيل، وفضل عميم، من ربه الكريم.
عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) .
رواه أبو داود (3527) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الملا علي القاري في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ":
ولما كانت الأغراض الفاسدة في المحبة منحصرة في أنها إما أن تكون للقرابة - على ما هو مركوز في الطبائع -، أو للمال - من حيث إنه مطمح الأطماع -: اقتصر عليهما، والمقصود: تحسين النية، وتزيين الطوية.
انتهى
ثالثاً:
لتعلم أخي السائل حقيقة الأمر، وواقع الأخوَّة، وحتى لا تجد الأوهامُ مجالاً رحباً في نفسك: اعلم أن الظفر بأخ في الله يتصف بمشاعر النبل، والصدق، والأمانة، وغيرها من الصفات الحسنة: عملة نادرة، فلا تتعب نفسك بالبحث عن أخ يمتلك الصفات الجميلة كاملة، فارض بما هو موجود مما يشوبه كدر، ويعتريه نقص، ولستَ أنت الكامل لتبحث عن مثلك، فما منَّا إلا وفيه نقص، وعيوب، يستحيي أن تظهر لأحد، فضلاً أن يطلب كمالها في غيره.
إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
قال ابن حزم الأندلسي – رحمه الله -:
ومن الأسباب المتمناة في الحب: أن يهب الله عز وجلَّ للإنسان صديقاً مخلصاً، لطيف القول، بسيط الطَّوْل، حسَن المأخذ، دقيق المنفذ، متمكن البيان، مرهف اللسان، جليل الحِلم، واسع العلم، قليل المخالفة، عظيم المساعفة، شديد الاحتمال، صابراً على الإدلال، جم الموافقة، جميل المخالفة، محمود الخلائق، مكفوف البوائق، محتوم المساعدة، كارهاً للمباعدة، نبيل الشمائل، مصروف الغوائل، غامض المعاني، عارفاً بالأماني، طيب الأخلاق، سري الأعراق، مكتوم السر، كثير البر، صحيح الأمانة، مأمون الخيانة، كريم النفس، صحيح الحدس، مضمون العون، كامل الصون، مشهور الوفاء، ظاهر الغناء، ثابت القريحة، مبذول النصيحة، مستيقن الوداد، سهل الانقياد، حسن الاعتقاد، صادق اللهجة، خفيف المهجة، عفيف الطباع، رحب الذراع، واسع الصدر، متخلقاً بالصبر، يألف الإمحاض [أي: إخلاص الود] ، ولا يعرف الإعراض، يستريح إليه ببلابله، ويشاركه في خلوة فكره، ويفاوضه في مكتوماته، وإن فيه للمحب لأعظمَ الراحات.
وأين هذا؟!
فإن ظَفِرَتْ به يداك: فشدهما عليه شد الضنين، وأمسك بهما إمساك البخيل، وصنه بطارفك وتالدك، فمعه يكمل الأنس، وتنجلي الأحزان، ويقصر الزمان، وتطيب النفس، ولن يفقد الإنسان من صاحب هذه الصفة عوناً جميلا، ورأياً حسناً.
" طوق الحمامة " (ص 164) .
هذه هي الصفات المتمناة في الأخ المحبوب في الله، وقبل أن أطلبها في غيري أسأل نفسي: هل هي محقَّقَة فيَّ؟ وإذا كنَّا نفتقد أخاً مثل الصحابي سعد بن الربيع الذي يعرض على أخيه عبد الرحمن بن عوف شطر ماله وشطر نسائه: فإننا نفتقد أكثر لمثل عبد الرحمن بن عوف الذي تعفف عن مال أخيه وذهب ليعمل بكد يديه.
فلتعش واقعك أخي السائل، واقعا يقول لك: إن ثمة خللا في الأخوة في الله، وفي الحب في الله، وذاك له أساب كثيرة متشابكة، من ضعف الإيمان، وانتشار الحزبية، والعصبية، والجهل، وحب الذات، والتعلق بالدنيا، ونقص الثقة في الآخرين..، قال الله تعالى – واصفاً حال الإنسان -: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الأحزاب/ 72.
سألتُ الناسَ عن خلٍ وفيٍ فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسكْ إن ظفِرت بذيل حُر فإن الحرَّ في الدنيا قليل
ولا يعني هذا أن تيأس من أن تجد أخاً صادقاً صدوقاً، حبيباً محبّاً، لكننا نتكلم عن واقع مرير، وأخوَّة اعتراها نقص شديد، وليست الشكوى من قلة الإخوان فقط في هذا الزمان، بل هي كذلك في القرون الأولى، فعليك أن تعيش مع هذا، وأن تعلم أن الناس لا يخلون من عيوب، وكما قيل " من طلب أخاً بلا عيب: بقي بلا أخ "!
وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّهرَ صَاحِبُ
فاحرص أن تكون أنت الأنموذج الجميل للإخوَّة الصادقة، في دينك، وخلقك، واعلم أنك ستجد - إن شاء الله - من يكون أخاً لك على مثل ما أنت عليه.
واعلم أنه إذا كانت الأخوَّة في الله الحقيقية قليلة في هذا الزمان: فإن الباحث عنها أقل من القليل.
واستمع لشكوى من إمام في العلم مثل شكواك، وانظر كيف عالجها، في كلام يشبه ما ذكرناه آنفاً من واقع الحال، مع التنبيه أن هذا الإمام كان يعيش في القرن السادس! .
قال ابن الجوزي – رحمه الله -:
كان لنا أصدقاء، وإخوان، أعتد بهم، فرأيت منهم من الجفاء، وترك شروط الصداقة، والأخوَّة: عجائب، فأخذت أعتب.
ثم انتبهت لنفسي، فقلت: وما ينفع العتاب، فإنهم إن صلحوا: فللعتاب، لا للصفاء.
فهممت بمقاطعتهم، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف، وأصدقاء في الظاهر، وإخوة مباطنين، فقلت: لا تصلح مقاطعتهم.
إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة ".
فإن لم يصلحوا لها: نقلتَهم إلى " جملة المعارف "، وعاملتهم معاملة المعارف، ومن الغلط أن تعاتبهم.
فقد قال يحيى بن معاذ: بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك.
وجمهور الناس اليوم معارف، ويندر فيهم صديق في الظاهر، فأما الأخوَّة والمصافاة: فذاك شيء نُسخ، فلا يُطمع فيه.
وما رأى الإنسان تصفو له أخوَّة من النسب، ولا ولده، ولا زوجته.
فدع الطمع في الصفا، وخذ عن الكل جانباً، وعاملهم معاملة الغرباء.
وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود؛ فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره، وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك.
وقد قال الفضيل بن عياض: إذا أردت أن تصادق صديقاً: فأغضبه، فإن رأيته كما ينبغي: فصادقه.
وهذا اليوم مخاطرة؛ لأنك إذا أغضبت أحداً: صار عدواً في الحال.
والسبب في نسخ حكم الصفا: أن السلف كان همتهم الآخرة وحدها، فصفت نياتهم في الأخوة، والمخالطة، فكانت دِيناً لا دنيا.
والآن: فقد استولى حب الدنيا على القلوب، فإن رأيت متملقاً في باب الدين: فاخبُرهُ: تَقْلَهُ – أي: إن اختبرته: تبين لك منه ما يبعدك عنه -.
" صيد الخاطر " (ص 391، 392) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1007)
مصارحة الإخوان والأصحاب بالمحبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أحب أحد الإخوة المسلمين أخا مسلما آخر، فهل يجب أن يقول لهذا الأخ: " إني أحبك في الله "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المصارحة بمحبة الإخوان والأصحاب من آداب الصحبة الصالحة، ومن كريم الأخلاق ومحاسن الشيم.
والمصارحة بالمحبة مما يزيد أواصر المحبة، والترابط بين المسلمين.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَعْلِمْهُ. قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ) رواه أبو داود (رقم/5125) ، وصححه النووي في "رياض الصالحين" (183) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". وفي بعض روايات الحديث: (أعلمه فإنه أثبت للمودة بينكما) رواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (69) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وذلك لما في هذه الكلمة من إلقاء المحبة في قلبه؛ لأن الإنسان إذا علم أنك تحبه أحبك، مع أن القلوب لها تعارف وتآلف وإن لم تنطق الألسن، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) ، لكن إذا قال الإنسان بلسانه فإن هذا يزيده محبة في القلب، فتقول: إني أحبك في الله " انتهى.
"شرح رياض الصالحين".
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ) رواه الترمذي (2392) . وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (417) .
وعن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له، فإنه خير في الألفة، وأبقى في المودة) قال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1199) :
" رواه وكيع في " الزهد " (2 / 67 / 2) بسند صحيح عن علي بن الحسين مرفوعا.
قلت (الألباني) : وعلي بن الحسين هو ابن علي بن أبي طالب: ثقة جليل من رجال الشيخين، فهو مرسل صحيح الإسناد.
وله شاهد من حديث مجاهد مرسلا أيضا. رواه ابن أبي الدنيا في " كتاب الإخوان " كما في " الفتح الكبير " (1 / 67) . وله شاهد آخر عن يزيد بن نعامة الضبي خرجته في الكتاب الآخر (1726) ، فالحديث بمجموع الطرق حسن إن شاء الله تعالى " انتهى.
والمقصود من هذا: الاستحباب، وليس الإلزام والوجوب.
قال المناوي رحمه الله:
" (فليخبره أنه يحبه لله)
فليخبره بمحبته له ندبا، بأن يقول له إني أحبك لله. أي: لا لغيره من إحسان أو غيره، فإنه أبقى للألفة، وأثبت للمودة، وبه يتزايد الحب ويتضاعف، وتجتمع الكلمة، وينتظم الشمل بين المسلمين، وتزول المفاسد والضغائن. وهذا من محاسن الشريعة" انتهى.
"فيض القدير" (1/319) .
وانظر جواب السؤال رقم: (173) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1008)
شعور الحب نحو الناس يتفاوت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو السبب الذى يجعل المسلم يُكِنُّ مشاعر الحب لقليل من المسلمين دون غيرهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمسلم على المسلم حقوق كثيرة، منها:
حق الأخوة الذي ذكره الله عز وجل في كتابه، فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10
وله حق الولاية والنصرة المذكور في قوله سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة/71
كما للمسلم على المسلم حق حب الخير له، وإرادة السعادة والتوفيق من غير بغض ولا حسد ولا حقد.
عَنْ أَنَس بن مالك رضي الله عنه، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45)
وبقدر هذه الحقوق ينشأ في القلب قدر من المحبة لجميع المسلمين، عربيهم وعجميهم، قريبهم وبعيدهم، أبيضهم وأسودهم، يبعث عليه عقيدة التوحيد المشتركة بينهم، وهي محبة تابعة لحب الله تعالى المغروس في قلب كل مسلم، لأن من أحب شيئا أحب من أحبه أيضا.
ومع ذلك فتفاوت قدر محبة المسلم للمسلم ليس بمستغرب ولا مستنكر، ولا حرج فيه شرعا ولا طبعا، وذلك لسببين مهمين:
السبب الأول: تفاوت المسلمين في الصلاح والتقوى، وتفاضلهم في مراتب الخُلُق والأدبِ والمروءات، ولما كانت المحبة ناشئة أصلا بسبب التزام المسلم بأوامر الله، تفاوتت هذه المحبة بحسب تفاوت الاستقامة من مسلم لآخر.
وهذا أمر مقرر معلوم، ألا ترى أنه يجب على المسلم أن يحب جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب عليه مع ذلك أن يخص العشرة المبشرين بالجنة بمزيد محبة وإجلال وتقدير، وما ذلك إلا لتفاوت قدرهم عند الله تعالى.
السبب الثاني: قيام أسباب المحبة الأخرى في بعض المسلمين دون الآخرين، فالمحبة ليست مقصورة على سبب واحد، وهو الاستقامة على طاعة الله، بل لها أسباب أخرى كثيرة: منها المناسبة بين قلب المحبوبين، والمشاكلة الروحية بينهما، والإحسان والمعروف من أهم أسباب قيام المحبة أيضا، كما أن جمال الروح والصورة من أهم بواعث المحبة.
فإذا اجتمعت هذه الأسباب أو بعضها في أحد الناس عظمت محبته، وقويت مودته، وكان إلى القلوب أقرب من غيره.
ونحن ننقل هنا كلاما مفيدا للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله، يشرح فيه دواعي المحبة وأسبابها، وكيف تتفاوتت هذه الدواعي بين الناس، فيقول رحمه الله:
" التناسب الذي بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة، فكل امرىء يصبو إلى ما يناسبه، وهذه المناسبة نوعان: أصلية من أصل الخلقة. وعارضة بسبب المجاورة أو الاشتراك في أمر من الأمور.
فإن من ناسب قصدُك قصدَه حصل التوافق بين روحك وروحه، فإذا اختلف القصد زال التوافق.
فأما التناسب الأصلي فهو اتفاق أخلاق، وتشاكل أرواح، وشوق كل نفس إلى مشاكلها، فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع، فتكون الروحان متشاكلتين في أصل الخلقة، فتنجذب إليه بالطبع.
وهذا الذي حمل بعض الناس على أن قال: إن العشق لا يقف على الحسن والجمال، ولا يلزم من عدمه عدمه، وإنما هو تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع المخلوقة، كما قيل:
وما الحب من حسن ولا من ملاحة ... ولكنه شيء به الروح تكلف
فحقيقته أنه مرآة يبصر فيها المحب طباعه ورقته في صورة محبوبة، ففي الحقيقة لم يحب إلا نفسه وطباعه ومُشاكله.
ولهذا كانت النفوس الشريفة الزكية العلوية تعشق صفات الكمال بالذات، فأحب شيء إليها العلم والشجاعة والعفة والجود والإحسان والصبر والثبات لمناسبة هذه الأوصاف لجوهرها، بخلاف النفوس اللئيمة الدنية، فإنها بمعزل عن محبة هذه الصفات، وكثير من الناس يحمله على الجود والإحسان فرط عشقه ومحبته له، واللذة التي يجدها في بذله، كما قال المأمون: لقد حُبِّب إلي العفو حتى خشيت أن لا أؤجر عليه. وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: تعلمت هذا العلم لله؟ فقال: أما لله فعزيز، ولكن شيء حبب إلي ففعلته. وقال آخر: إني لأفرح بالعطاء وألتذ به أكثر وأعظم مما يفرح الآخذ بما يأخذه مني.
وأما عشاق العلم فأعظم شغفا به وعشقا له من كل عاشق بمعشوقه، وكثير منهم لا يشغله عنه أجمل صورة من البشر.
وحدثني شيخنا – يعني ابن تيمية - قال: ابتدأني مرض، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض. فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليست النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة فدفعت المرض؟ فقال: بلى. فقلت له: فإن نفسي تسر بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحة. فقال: هذا خارج عن علاجنا أو كما قال.
فإذا كانت المحبة بالمشاكلة والمناسبة ثبتت وتمكنت، ولم يُزِلها إلا مانع أقوى من السبب.
وإذا لم تكن بالمشاكلة فإنما هي محبة لغرض من الأغراض، تزول عند انقضائه وتضمحل. وقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها: أن امرأة كانت تدخل على قريش فتضحكهم، فقدمت المدينة، فنزلت على امرأة تضحك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على مَن نزلت فلانة؟ قالت: على فلانة المضحكة. فقال: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. وأصل الحديث في الصحيح.
وأنت إذا تأملت الوجود لا تكاد تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة أو اتفاق في فعل أو حال أو مقصد، فإذا تباينت المقاصد والأوصاف والأفعال والطرائق لم يكن هناك إلا النفرة والبعد بين القلوب، ويكفي في هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) " انتهى باختصار.
"روضة المحبين" (66-74)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1009)
أخت زوجها تسبب لهم المشاكل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مُتزوجة وأُمٌ لِثلاثة أولاد , وزوجي يخشى الله , ويبَرُّ والديه , إلاّ أنّ أُختَ زوجي تسبِِّبُ دائما المشاكل بيني وبين زوجي , حيث إنّها تكذِبُ عليه في كثير من الأمور، مِمّا يُؤدي بِنا دائما إلى المُشاجرة، وقد ينعكِس على حياتِنا الزوجية، لكن في الأخير عرَف زوجي الحقيقة بأنّها تَكذب، هذه المرة تعقدت الأمور جدا؛ حيث إنّها وصلت بِها الجرأة إلى السّب والشتم وانتِهاك عرضي وعرضَ زوجي , وحرَّضت والِديه عليه وعليَّ بالبُهتان، لِتُبرِّئ نَفسَها , مع العلم أنّها البنت الوحيدة لديهما , مما يزيد التعلُّق بقولِها , فصدّقاها وكذّبا زوجي، ممّا أدّى إلى تَوَتُر العلاقات بين زوجي ووالِديه، ومعي كذَلِك , ومع هذا كُلُّه فهو يصل والديه , ولإخوته الباقين , إلاّ هيَ.
فهل على زوجي إِثم في قَطعِ صِلة الرَّحم بها؟ وأنا هل تُعتَبر صِلة رَحم لي؟ مع العلم أنِّي حاولت بِعِدّة طُرُق مباشرة أو غير مباشرة التَقرُّب إليها , مَثَلا إهدائها الهدايا , إكرام ضِيافَتِها إلخ، أمّا الآن أُريد الابتعاد عنها لتَجنُب الفِتنة بيني وبين عائلة زوجي , وكي لا أكون عائقا بين زوجي ووالديه، أمّا بالنسبة إلى والديه فأُريد أن أَبقَى على علاقة من بعيد، حيث الاتصال بهما في المُناسبات، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله سبحانه أن يصلح الأحوال، وألا يجعل للشيطان عليكم سبيلا، وأن يهديكم لما فيه الخير والصلاح
وقد أحسنتِ غاية الإحسان في المبادرة بالصلح والتفاهم، وبهذا أديت الواجب عليك، ورفعت عنك الإثم والمؤاخذة، فسعيك مقبول إن شاء الله، وبعد بذل الأسباب في محاولة الإصلاح ودرء المشكلات: قد يكون البعد أفضل علاج، أعني بُعدك عن أخت زوجك والاحتكاك بها، خاصة إذا بلغت الأمور إلى الطعن في الأعراض، وكذا البعد عن والدي زوجك، إذا كانت الصلة تسبب المشاكل، فإن أهل الزوج ليسو من أرحامك الذين تجب عليك صلتهم، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75057) .
وإنما هم أرحام الزوج، فلا يجوز في حقه هو قطيعتهم، وإن كانوا يؤذونه، ويتطاولون عليه
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقطَعُونِي، وَأُحسِنُ إِلَيهِم وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحلُمُ عَنهُم وَيَجهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِن كُنْتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِم مَا دُمتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم (2558)
قال النووي – رحمه الله -:
معناه: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شئ على هذا المحسن، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه، وقيل معناه: إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل، وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم. " شرح مسلم " (16 / 115) .
وعليه أن يتحمل كل أذى يناله منهم، ويتحرى وصلهم بالحدود التي لا تزيد المشاكل، ولا تفاقم الأمور، وليستعمل الرفق والتهذيب في معاملة أخته؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديها إلى الخير والصلاح، فيحاول نصحها وبيان حقيقة الأمور، وليستعن عليها بمن هو أقرب إليه منها، ولا يعامل والديه إلا بالحسنى، وعليكِ أن تعينيه على ذلك، وتحثيه على صلتهم والإحسان إليهم، وذكريه بقول الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34،35
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن مشكلة مشابهة لما عرضت في السؤال فكان جوابهم:
نوصيك ببر والدتك، وطيب الكلام معها، وعدم إظهار التضجر منها، وعليك بمداومة نصيحة أختك بالأسلوب الحسن للكف عن إثارة المشكلات إن كانت غير محقة.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 254) .
ولتكن نيتكِ في بعدكِ عنهم النظر إلى وقت صفاء النفوس، ومراجعة المواقف، حتى يأذن الله تعالى بالمحبة والمودة بينكم، فتعود العلاقات الطيبة إلى أسرتكم، فإن ذلك من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة لتحقيقها بين الناس.
وقد جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (26 / 127) :
أمر الشرع المطهر بغرس المحبة بين المسلمين، وحثهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم حتى تستقيم أمورهم، وتصفو نفوسهم، ويكونوا يدا واحدة على من سواهم، وقد حذرهم من العداوة والبغضاء، كما نهاهم عن الهجران والقطيعة بينهم، وجعل الهجر ما فوق الثلاث محرما. ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلتَقيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ) ، وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِيَّاكُم وَسُوءَ ذَاتِ البَينِ، فَإِنَّها الحَالِقَةُ) أي: تحلق الدِّين.
والواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء أن يذهب إليه، ويسلم عليه، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما، فإن في ذلك أجرا عظيما، وسلامة من الإثم.
انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1010)
بين النفاق والمداراة
[السُّؤَالُ]
ـ[1. أود معرفة الخط الفاصل بين النفاق والمجاملة؛ ذلك أني ألمس في الكثير من الأحيان ازدواجية في سلوك الناس وتصرفاتهم تبعا للمصلحة والأهواء، ويقال: إن الأمر مجرد مجاملة فهل هذا صحيح؟
2. وهل يمكن أن يشوب الصداقة الحقة بعض النفاق؛ ذلك أن لي صديقة لم تحمل لي من الود ما كنت اعتقده، كانت لها مكانة في قلبي لا ينازعها عليها أحد، واكتشفت أخيرا أن مكانتي لديها لا تساوي شيئا مطلقا، وسلوكها معي لسنوات تحكمه الأقنعة الزائفة، كنت أعتقد، وكان الكل يجزم قطعا، أن الصداقة بيننا قوية، وإلى الآن لست أدري كيف لي أن أتبرأ من هذه الصداقة بعد أن علمت بحقيقتها.
3. فهل سلوك هذه الصديقة يعد نفاقا؟
4. وما جزاء نفاق الأصدقاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيراً ما يخلط بعض الناس بين مفاهيم النفاق والمداراة والمداهنة، وسبب ذلك غياب معاني الأخوة والصحبة الصادقة في الذهن والواقع، فلم تعد قلوبهم تفرق بين الحق والباطل، وبين الإحسان والإساءة.
أولاً:
إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر.
فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة.
يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ. هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آل عمران/118-119.
وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم، ويتمنى النيل منهم، ويطلبُ الشرَّ لهم.
ثانياً:
أما المُدَارِي (وهو المُجَامِلُ أيضا) فلا يُضمِرُ الشر لأحد، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس، ولكن دون أن يوافقه على باطله، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل.
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
وقيل لابن عقيل في فنونه: أسمع وصية الله عز وجل (ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق؟ .
فقال ابن عقيل: " النفاق هو: إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن ".
فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر: فليس بمنافق، لكنه يستصلح، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود، وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات، واكتساب الرجال. " الآداب الشرعية " (1 / 50، 51) .
ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير.
قال ابن بطال رحمه الله: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. "
فتح الباري " (10 / 528)
وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان: (باب المداراة مع الناس) وقال فيه:
" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء: إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم ".
ومعنى " لنكشر ": من الكشر، وهو ظهور الأسنان، وأكثر ما يكون عند الضحك، وهو المراد هنا.
وأسند في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها:
(أَنَّهُ استَأذَنَ عَلَى النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: ائذَنُوا لَهُ فَبِئسَ ابنُ العَشِيرَةِ أَو بِئسَ أَخُو العَشِيرَةِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الكَلَامَ. فَقُلتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلتَ مَا قُلتَ ثُمَّ أَلَنتَ لَهُ فِي القَولِ؟ فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أَو وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ)
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرَّم، ولا في كلام , وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها: يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ.
قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ: " فيه مداراة من يتقى فحشه، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه، ولا في قفاه، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام ".
وقد ذكر ابن عبد البر كلام أبي الدرداء في فضل حسن الخلق.
" الآداب الشرعية " (1 / 50) .
وقد كتب أهل العلم فصولا في " المداراة " حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان " مداراة الناس "، وكان مما أسنده فيه في (ص / 48 و 50) :
عن حميد بن هلال قال: أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم.
وعن الحسن قال: التودد إلى الناس نصف العقل ". انتهى.
وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله – أي: أحمد بن حنبل - يقول:
والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق، وأمر بمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه.
" الآداب الشرعية " (1 / 191) .
وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله -:
في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب؟
فأجاب:
هذا فيه تفصيل: فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل: لم تجز هذه المجاملة، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد، ولا إسقاط حق لأحد: فلا أعلم حرجاً في ذلك.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 280) .
ثالثاً:
ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة، وبين المداهنة المذمومة، فقد يخلط الناس بينهما في حمأة اختلاط المفاهيم والأخلاق في هذه الأزمان.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها، والمداهنةَ محرَّمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها: معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك.
" فتح الباري " (10 / 528) .
رابعاً:
كثير من الأصحاب والأصدقاء – ويكثر ذلك في معشر النساء - يخطؤون في فهم الوجه الصحيح لصحبتهم، فينحون نحو المغالاة الظاهرة التي تدفعهم إلى التعلق الشديد، في حين يكون الطرف المقابل لا يرى كل تلك المعاني المبالغة، بل يقصد صحبة طيبة متزنة اقتضاها الحال والمقام، وحينئذ يصدم من كان يُعَلِّقُ على تلك الصحبة آمالا لا تكاد تحملها الجبال، فنحن بحاجة إلى ترشيد المودة التي قد تأسر قلوبنا تجاه أناس نحبهم، كي لا نُفاجأ يوما، فنظن قصورا من المعاني هدمت، وهي لم تكن مبنيةً يوما.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا يكن حُبُّكَ كَلَفًا ولا بغضك تَلَفًا ".
وفي المقابل نحن بحاجة إلى تعميق معاني الأخوة، الأخوة التي تقتضي الوفاء والصدق والإخلاص، وترفع التكلف والمجاملة والمداراة. وقديما قالوا: " إِذَا صَحَّتِ المَوَدَّةُ سَقَطَ التَّكَلُّفُ "
جاء في " لسان العرب " (11 / 123) :
" وجامَل الرجلَ مُجامَلةً: لم يُصْفِهِ الإِخاءَ، وماسَحَه بالجَمِيل " انتهى.
ولا شك أن مثل هذه المجاملة مذمومة، إذ ليس لها محل في سياق الأخوة والصحبة الصالحة، وإن وقعت المجاملة أحيانا بين الأصحاب فإنما تكون بحسب المقام فقط، درءا لفتنة أو حفظا لمودة، أما أن تكون المجاملة شعار تلك الصداقة، فذلك تشويه لجميع معاني الأخوة الصادقة.
قال علي رضي الله عنه: شر الأصدقاء من تكلف لك، ومن أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار.
وقيل لبعضهم: من نصحب؟ قال: من يرفع عنك ثقل التكلف، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ.
وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول: أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه. " إحياء علوم الدين " (2 / 181) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1011)
هل تلزمها زيارة زوجة أحد أقاربها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانه أخاف الله - ولله الحمد - وأرجو منكم إفادتي في سؤالي هذا؛ لأني شديدة الحرص إذا كان يلزمني شيء أم لا، من باب خشيتي من خالقي.. هناك امراة من إحدى زوجات الأقارب، وساكنة في نفس المحافظة، وبما أنها زوجة أحد أقاربنا فهي تعتبر منا، ولكن في يوم من الأيام، حدثت مشكلة، ولم أكن أحمل في قلبي عليها شيئا، وأتمنى لها كل خير لها ولأولادها وزوجها، وفي كل مناسبة سواء كانت فرحا أو عيدا أو جمعة عند الأقارب أهنئها وأسلم عليها، ولكن هي لا تزورني في بيتي ولا أزورها ... هل يلحقني إثم؟ هل أعتبر قاطعة رحم؟ وماذا توصوني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله أن يجزيك على حرصك على البعد عن الآثام خير الجزاء، والله سبحانه وتعالى يحب العبد التقي، الذي يراقبه في السر والعلن، ويحاسب نفسه في جميع أموره، فلا يهنأ حتى يطمئن قلبه أنه لم يعص الله، ولم يقع في سخطه وغضبه.
أما ما ذكرتِ من شأن خلافِكِ مع زوجة أحد أقاربك، فقد قمتِ بالخطوة الأولى الصحيحة حين سلمت عليها وهنئتها بكل مناسبة تمر عليكم، وينبغي إتمام الخير والمعروف بزيارتها ولو مرة، حتى لا يبقى في النفس شيء من الضغينة والكراهية، وتقطعين بذلك سبيل الشيطان عليكما، واحرصي على البعد عن كل ما يثير الخلاف والشقاق بينكما، إذ لا يجوز للمسلم أن يخاصم أخاه في أمور الدنيا التافهة، حتى يُستحب لمن ظُلم أن يعفو ويغفر، فكيف بخلاف يبدو أنه في أمور شكلية عادية!!
وزوجة القريب ليست من الأرحام، ولكن صلة هذا القريب - إن كان من الأرحام - تقتضي زيارة زوجته، والسؤال عن حالها، والاهتمام بأمرها.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (26/127) :
" أمر الشرع المطهر بغرس المحبة بين المسلمين، وحثهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم حتى تستقيم أمورهم، وتصفو نفوسهم، ويكونوا يدا واحدة على من سواهم، وقد حذرهم من العداوة والبغضاء، كما نهاهم عن الهجران والقطيعة بينهم، وجعل الهجر ما فوق الثلاث محرما.
ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ) .
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إِيَّاكُم وَسُوءَ ذَاتِ البَينِ، فَإِنَّها الحَالِقَةُ) أي تحلق الدين.
والواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء أن يذهب إليه، ويسلم عليه، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما، فإن في ذلك أجرا عظيما، وسلامة من الإثم " انتهى.
والحاصل: أنك لا تعتبرين قاطعة رحم بهذا، وعليك السعي في إزالة ما بينكما من شحناء.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1012)
حكم المشاركة في الروابط القبلية التعاونية
[السُّؤَالُ]
ـ[أقاربي قاموا بعمل رابطة تعاونية، وقد شارك فيها كل أبناء العائلة، ويقوم مبدأ هذه الرابطة على التعاون فيما بينهم، بحيث لو حصلت أي مشكلة لأحد أبناء العائلة مع عائلة أخرى، فإنهم يقومون بحل هذه المشكلة، والإصلاح بين الطرفين، كما أن لهم اجتماعاً شهريّاً في بيت أحد الأعضاء (على الدور) يلتقون ويسلمون على بعض ويسمعون أخبار بعض وهكذا، ويتم أخذ مبلغ من المال من كل من يشارك في هذه الرابطة شهريّاً إذا كان المشارك يعمل، ويكون المال بحوزة أمين الصندوق، وتكون مصارف هذا المال على الأوجه التالية:
1. إقراض المحتاج من أبناء العائلة وتقسيط المبلغ عليه.
2. المساعدة في دفع الدية أو تعويض لأي إنسان من عائلة أخرى يتم دهسه من قبل أحد أبناء العائلة أو تعرضه لمكروه من قبل أحد أبناء العائلة.
3. إخراج الزكاة من هذا المال على المحتاجين من أبناء العائلة.
4. تقوم الرابطة بعمل غداء بعد دفن أي ميت من أبناء العائلة ودعوة من كان على المقبرة للأكل منه بحجة أن فيهم القادم من بعيد وغير ذلك.
وسؤالي هو: ما حكم المشاركة في مثل هذه الرابطة، وهل تعتبر من التعاون على البر والتقوى؟ وما حكم صنع الطعام لأهل الميت؟ وهل تنصحونا بالمشاركة فيها إذا تبين أن صنع الطعام لأهل الميت بهذه الطريقة حرام ولم يقبلوا نصيحتي بترك هذا الفعل - علماً بأن أقاربي أصبحوا ينظرون إلي نظرة خاصة لأني انسحبت منها حتى يتبين الحكم الشرعي -؟ ، وإذا كانت مثل هذه الرابطة لا تجوز فماذا تنصحون ليتكاتف أبناء العائلة ويتحدوا ولا يتفرقوا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الروابط التي تجمع أفراد القبيلة أو الأسرة أمرٌ مشروع في أصله، ويُرجى أن يكون فيه خير إذا خلا من المحاذير الشرعية.
وقد أمر الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، قال عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على " الأشعريين " - وهم قوم من اليمن - كانوا إذا قلَّ طعامهم سفراً أو حضراً اجتمعوا فجاء كل واحدٍ منهم بما يملك ثم تقاسموا ما يجمعونه بينهم.
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم) رواه البخاري (2384) ومسلم (2500) .
قال النووي:
" وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين , وفضيلة الإيثار والمواساة , وفضيلة خلط الأزواد في السفر , وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر , ثم يقسم " انتهى.
" شرح مسلم " (16 / 62) .
والصناديق التعاونية التي تقيمها القبائل والأسر ويتم جمع اشتراكات من أفرادها، ثم الصرف على المحتاجين حسب الشروط التي يحددونها أمر مشروع وهو يشبه فعل الأشعريين، لكنه استباق لأمر المصيبة قبل وقوعها؛ ليتم التعاون على حلها، فيخف مصاب صاحبها.
ويجب على المشتركين فيها أن يكون قصدهم التعاون فيما بينهم لا الاستفادة والربح , فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن إحدى هذه الجمعيات , فأجاب:
" اطلعت على بنود الجمعية فلم أر فيها ما يمنع إنشاءها إذا كان مقصود المشترك التعاون دون التعويض والاستفادة من الصندوق , لأنها بنية التعاون تكون من باب الإحسان , وبنية التعويض والاستفادة من الميسر المحرم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/183) .
ومن المحاذير التي يمكن أن يقع فيها أهل تلك الروابط ما يكون بينهم من العصبية الجاهلية لنسبهم أو لغتهم، وما يكون في اجتماعاتهم من محرمات كشرب الدخان وسماع الغناء – مثلاً – وما يكون من إعانة صاحب المعصية على معصيته، أو الوقوف بجانب الظالم لمجرد أنه منتسب إليهم، وكذا ما يكون من استثمار للأموال المجموعة في مشاريع محرمة أو في بنوك ربوية.
وأما الوقوف بجانب المظلوم أو صاحب الحاجة أو المتضرر من حادث أو مرض أو المساهمة في دفع دية الخطأ أو شبه العمد أو إعانة العزاب على الزواج وأمثال ذلك من أعمال البر والطاعة فهو أمر يشكرون عليه ويستحقون الدعم والمؤازرة.
ثانياً:
وأما صنع الطعام في الجنائز , فإن المشروع أن يصنع أقارب أهل الميت وجيرانهم الطعام لأهل الميت، لأنهم جاءهم ما يشغلهم عن إعداد الطعام لأنفسهم.
فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعاماً فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) رواه أبو داود (3132) والترمذي (998) وابن ماجه (1610) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال المباركفوري:
"والمعنى: جاءهم ما يمنعهم من الحزن عن تهيئة الطعام لأنفسهم فيحصل الهم والضرر وهم لا يشعرون، قال الطيبي: دلَّ على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت انتهى، قال ابن العربي في " العارضة ": والحديث أصل في المشاركات عند الحاجة " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (4 / 67) .
والمحذور هو صنع أهل الميت العام للمعزين، لقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (كُنَّا نَعُدُّ الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ) رواه أحمد (6866) صححه الألباني في "أحكام الجنائز".
لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما لو جاء للتعزية أناس من بعيد فلا حرج من صنع الطعام لهم، على أن يكون ذلك على قدر الحاجة، ولا يكون فيه إسراف ولا مباهاة، ويكون للمسافرين فقط، ولا يُدعى إليه كل من حضر الجنازة كما يفعل البعض.
قال ابن قدامة في "المغني" (3/496) :
" فأما صنع أهل الميت طعاما للناس , فمكروه ; لأن فيه زيادة على مصيبتهم , وشغلا لهم إلى شغلهم , وتشبها بصنع أهل الجاهلية. . .
وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز ; فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة , ويبيت عندهم , ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز:
" أما أهل الميت فليس لهم صنع الطعام للناس؛ أما إذا صنعوا ذلك لأنفسهم أو لضيوف نزلوا بهم فلا بأس " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/392) .
ثالثاً:
وقد ذكرت في سؤالك أن المال المجموع تخرج زكاته إلى المحتاجين من أبناء العائلة , وهذا المال لا زكاة فيه، فقد سئل الشيخ محمد بن العثيمين رحمه الله عن مثل هذه الجمعية وإخراج الزكاة من صندوقها فأجاب:
" أموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة , لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين , ولا زكاة فيما ليس له مالك معين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/184) .
وعلى أهل العلم والاستقامة أن يشاركوا في هذه الروابط لنصحهم وتوجيههم، وتحذيرهم من الوقوع في المعاصي والآثام، وإعانتهم على البر والتقوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1013)
حكم التخاصم وفضل الإصلاح بين المتخاصمين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في الفصل زميلتان متخاصمتان في رمضان، ومنذ فترة طويلة وهم على ذلك الحال، والعلاقة بيني وبينهم ليست قوية، أريد أن أصلح بينهما لأحصل على أجر الإصلاح بين الناس، وأريد رسالة أكتبها إليهما، ولكني أخشى المواجهة، أرجو أن تنال رسالتي اهتمامكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن ما تحرصين عليه أيتها الأخت لهو من مكارم الأخلاق.
قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الأنفال/1.
وقال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/114.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس أفضل من تطوع الصيام والصلاة والصدقة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) قَالَ الترمذي: وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: (هِيَ الْحَالِقَةُ. لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) . رواه أبو داود (4273) والترمذي (2433) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أجاز الشرع المطهر الكذب من أجل هذا الأمر العظيم، فيجوز لكِ أن تنقلي لكلا الطرفين المتخاصمين مدح الطرف الآخر وثناءه عليه، رغبةً في الإصلاح، وليس هذا من الكذب المحرم.
عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) . رواه البخاري (2495) .
ثانياً:
الهجر بين المسلمين من المحرمات، ويمكنك تذكير الطرفين بالنصوص الدالة على هذا، ومنها:
من القرآن الكريم:
أ. قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/46.
ب. وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران/103.
ومن السنة النبوية:
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) رواه البخاري (6065) ومسلم (2559) .
ب. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ) . رواه البخاري (5727) ومسلم (2560) .
ج. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) . رواه مسلم (2565) .
قال النووي:
" (أَنْظِرُوا هَذَيْنِ) أي: أَخِّرُوهُمَا حَتَّى يَرْجِعَا إِلَى الصُّلْح وَالْمَوَدَّة ". انتهى.
د. عن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ) . رواه أبو داود (4915) .
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2762) .
فهذه النصوص تدل على تحريم هجر المسلم لأخيه، بترك السلام عليه والإعراض عنه أكثر من ثلاثة أيام، ما لم يكن الهجر بسبب شرعي ويترتب عليه مصلحة فإنه يجوز أكثر من ثلاثة أيام.
انظر السؤال (21878) .
فعليك أن تذكري المتخاصمتين بهذه الآيات والأحاديث، وتحاولي التقريب بين وجهات النظر، والحث على نبذ الفرقة والخلاف، ويمكنك مخاطبة كل واحدة منهما مباشرة كما يمكنك كتابة هذه النصوص في ورقة ودفعها لهما لقراءتها.
ونسال الله أن يوفقك لما فيه الخير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1014)
المسلمون في بريطانيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يكون المجتمع المسلم قويّاً، ويعمل بشكل موحد ومتكاتف في بريطانيا كما هو الحال في شمال أفريقيا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حتى يكون المجتمع قويّاً فإن عليه أن يجتمع على الكتاب والسنة وفهم سلف هذه الأمة حتى يمكنهم الرجوع لشيء معصوم يفصل بينهم في الخلاف، وينبغي أن يتكاتف المسلمون بعضهم مع بعض فيعين الأخ أخاه وينصح المطيعُ المقصِّرَ، وينبغي أن يعرف المسلم أعداء الدين حتى يكون براءته منهم واضحة.
وعلى المسلمين تكوين مجلس شرعي يُرجع فيه إليه لفض الخلافات وللمطالبة بحقوقهم الشرعية، ولمتابعة المسلمين في تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم، وللوقوف على حل طعامهم وشرابهم وشرعية تغسيلهم ودفنهم ... وغير ذلك من الأشياء التي يحتاجون إليها.
وللمجتمع القوي مقومات وما ذكرناه هو أبرزها.
ونسأل الله أن يوفق المسلمين في كل مكان لأن يكونوا أمَّة واحدة على قلب رجل واحد.
ولا نعلم بالتحديد واقع في بريطانيا وما هي المشاكل التي يواجهونها، ويمكنكم مراسلة من تعرفون هناك من أهل العلم أو المؤسسات الإسلامية العاملة لمعرفة واقع المسلمين هناك ومعرفة الثغرات، ويمكننا المساهمة – بعدها – في حلها قدر المستطاع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1015)
هل يقول لصديقه: خليلي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال شخص ما لصديقه أنت خليلي، أو فلان خليلي، فما الحكم في ذلك.؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع أن يقول الإنسان لمن يحبه في الله " أنت خليلي "، وقد قال بعض الصحابة تلك الكلمة في حق النبي صلى الله عليه وسلم، والخُلَّة هي أعلى درجات المحبة.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس له خليل؛ لأن الله تعالى قد اتخذه خليلاً، وهذا لا ينافي ما ذكره الصحابة من اتخاذهم له خليلاً؛ إذ لا يشترط في الخلة أن تكون من الطرفين.
عن أبي ذر قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله تعالى قد اتَّخذني خليلاً كما اتَّخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنتُ متَّخذاً من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك.
رواه مسلم (532) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر.
رواه البخاري (1124) ومسلم (721) .
قال الحافظ ابن حجر:
الخليل: الصديق الخالص، الذي تخللت محبتُه القلبَ فصارت في خلاله أي: في باطنه , واختلف هل الخلة أرفع من المحبة أو العكس؟ وقول أبى هريرة هذا لا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم " لو كنتُ متخذاً خليلاً لاتخذتُ أبا بكر "؛ لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلاً لا العكس , ولا يقال إن المخاللة لا تتم حتى تكون من الجانبين لأنا نقول: إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك , أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبة.
" فتح الباري " (3 / 57) .
وقد تكررت العبارة من أبي هريرة – رضي الله عنه – أكثر من مرة.
وقالها الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري في حقه صلى الله عليه وسلم، كما رواه البخاري (1342) ومسلم (992) ، وفي حديث آخر عند مسلم (648) .
وتحسن الإشارة هنا إلى أنه ينبغي على الإنسان النظر قبل إطلاق هذه العبارة التي تدل على زيادة المحبة وخلوص الصداقة إلى مبنى هذه العلاقة ومقصودها وأن تكون بعيدة عن التعلقات المحرمة أو التي ليست فيما يرضى الله، حتى لا تكون حسرة وندامة يوم القيامة و (الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) الزخرف / 67
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1016)
هل للمسلم أن يكون صديقاً مخلصاً لكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي؟ هل يجوز للمسلم أن يكون صديقاً مخلصاً لشخص غير مسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يصادق المشرك أو أن يتخذه خليلاً، لأن الإسلام يدعو إلى هجر الكافرين والتبرؤ منهم لأنهم عبدوا غير الله تعالى، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) الممتحنة/13.
وأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك:
1- فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) " رواه الترمذي/2395، وأبو داوود/4832 قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن وحسنه الألباني في صحيح الترمذي/2519 "
قال أبو عيسى الخطابي: وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، لأن المطاعم توقع الألف والمودة في القلوب.
يقول: لا تؤالف من ليس من أهل التقوى والورع، ولا تتخذه جليساً تطاعمه وتنادمه. " معالم السنن / هامش مختصر سنن أبي داوود (7/185، 186) .
2- وعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا) رواه البيهقي (9/142) والحاكم (2/154) وقال صحيح على شرط البخاري، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/229) بشواهده.
ولكن تجوز معاملتهم بالحسنى من أجل يسلموا.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم – فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري/1290.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1017)
كيف نواسي إخواننا المحتاجين والمصابين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو واجبنا تجاه إخواننا المسلمين الذين أُصيبوا بالمصائب والنكبات في أنحاء العالم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) وقال يصفهم: (أشداء على الكفار رحماء بينهم)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ) رواه الإمام أحمد
وقد لخّص ابن القيم رحمه الله أنواع مواساة المؤمن لأخيه المؤمن تلخيصا جيدا فقال: المواساة للمؤمن أنواع: مواساة بالمال ومواساة بالجاه ومواساة بالبدن والخدمة ومواساة بالنصيحة والإرشاد ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم ومواساة بالتوجّع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة وكلما قوي قويت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له الفوائد 1/171
كان الخليل بن أحمد يمشي مع صاحب له فانقطعت نعل صاحبه فحملها ومشى حافيا فخلع الخليل نعليه فحملهما ومشى حافيا فسأله صاحبه عن فعله ذلك؟ فقال: أواسيك في الحفاء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1018)
يريد رفع دعوى على مسلم في محكمة كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد بدأت مشروعاً تجارياً صغيراً وأعطيت أخاً مسلماً بعضاً من البضائع ليبيعها وكان هذا من عام. وقال إنه باع هذه البضائع وطلبت منه الثمن لكنه لم يعطني بدعوى أنه مشغول جداً، ولكن عنده وقت ليتجول مع الكفار رغم كونه مشغولاً. ماذا أفعل كي أسترد أموالي؟ لقد فكرت أن أقيم ضده دعوى في المحكمة فهل هذا حلال وهل يمكن أن أدعو عليه؟ ما نصيحتكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بإمكانك أن تقيم عليه دعوى قضائية في المحكمة، فإن كانت هناك محكمة شرعية فالحمد لله وإلا فأقم الدعوى عليه في محكمة البلد الذي تعيشان فيه، لكن بعد أن تستنفد كافة الطرق التي يمكن أن تسترد من خلالها مالك، كتوسيط أناس في الموضوع.
وأما الدعاء عليه: فإن تبين لك بشكل واضح أنه يريد أخذ مالك ظلما فلك أن تدعو عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(7/1019)
المحبة في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخنا الحبيب ليس عندي أي سؤال ولكني أريد أن أقول لك إني أحبك في الله وأسأل الله أن يوفقك في الدنيا والآخرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاك الله خيرا يا أخي على تطبيق السنّة، فقد روى الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ رواه الترمذي وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: هَلْ أَعْلَمْتَهُ ذَلِكَ، قَالَ: لا فَقَالَ قُمْ فَأَعْلِمْهُ، قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا هَذَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ *رواه الإمام أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح.
وأنا أقول لك: أحبّك الله الذي أحببتني فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1020)
حكم تسمية المولود بـ (أيمان)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية اسم أيمان (جمع يمين) التي ذكرت في كثير من مواضع القرآن، كما أسأل عن معناها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيمان: جميع يمين، ويراد بها:
1- (اليد) كما في قوله تعالى: (مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) .
2- كما يراد بها الحلف والقَسَم، كما في قوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) .
وعليه فلا ينبغي تسمية المولود بأيمان؛ لأنه لا معنى لتسمية الولد بأنه مجموعة أيمان! سواء كانت اليمين هي اليد أو الحلف.
ويمكنك تسميته: بـ (أيمن) ، أو غير ذلك من الأسماء الحسنة، وينظر: سؤال رقم (7180) ورقم (101401)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1021)
هل يجوز أن يستعمل أسماء غريبة مستعارة لمتطلبات العمل في التسويق
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني حديث عهد بالإسلام، ومنذ توبتي هجرت جميع آثامي السابقة، وتركت أعمالي المالية المحرمة، ورفضت العمل في بيئة غير مناسبة، أو أن أنفق مالي فيما لا يرضي الله، وقد رفضت العمل في أي شيء يمس إسلامي، وهو ما جعلني أكافح، إنني مدين بنصف مليون دولار من قروض ربوية كانت قبل إسلامي، كما أنه ليس معي شهادات أو مؤهلات، وأنا العائل الوحيد لزوجتي وأولادي، كما أن نقص المال معي أدى في النهاية للطلاق. الحمد لله لدي مهارة التسويق عبر الإنترنت، ويتضمن هذا كتابة المعلومات والمنافع لمن يرغبون في التعامل، وآخذ مالا من خلال تقديمي المعلومات والمنتجات عبر الإنترنت. السؤال الأول: لدي اسم مسلم، كما أن الاسم المستعار يخدم العديد من المنافع للكتاب، فهو يساعد في التسويق والشفافية وغير ذلك، فهل يمكنني استخدام اسم غربي مستعار لمثل هذه الأغراض التي أتعامل فيها، كما يفعل العديد من الكتاب؟ على سبيل المثال فإن اسمي في السوق الصحي كان أندي سترونج، أما بالنسبة لسوق التنمية الخاص بي فهو توني هيل وهكذا؟ مع العلم أنني لا أغير اسمي الإسلامي، لا على المستوى الشخصي، أو حتى من خلال الوثائق في بلدي، أو في أي مكان آخر. السؤال الثاني: الفساد على الإنترنت قد سبَّبَ أزمة ثقة، فهل يمكنني أن أضع صورة لي على الموقع؛ لأنه لو لم يكن هناك صورة فليس هناك بيع؟ السؤال الثالث: كما أنَّ بعض الأعمال التي استخدمتها قد نشرت من خلال صورة وضعتها غير قابلة للمسح، فهل يجوز استخدامهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بداية نسأل الله لنا ولك الثبات على الحق، ودوام الهداية إلى السعادة في الدنيا والآخرة، ونوصيك ألا تنسى شكر الله تعالى على ما أولاك من النعم الكثيرة، وخاصة نعمة الهداية إلى الإيمان به عز وجل، وبجميع أنبيائه ورسله، من غير تفريق بينهم، والإيمان بما جاءت به الشرائع كلها، وآخرها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خاتمة الشرائع، من أخذ بها نجا واهتدى، ومن ضل عنها خاب وخسر.
ونوصيك أخانا السائل بالإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله في السجود ووقت السحر، كي يدفع الله عنك كل ما يضر إسلامك، ويحفظ عليك دينك، ويثبتك على الحق، ومن المستحب أن تستعين ببعض الأدعية الواردة في السنة، بعد أن تأخذ بالأسباب وتجتهد في سداد ما عليك من الدين:
1- عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ:
(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ: اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ)
وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم (2713)
2- وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي.
قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟! قَالَ: قُلْ:
(اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ)
رواه الترمذي (2563) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
الكتابة: المال الذي اشترط السيد على عبده أداءه إليه حتى يعتقه. جبل صِير: اسم جبل.
3- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ! مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟! قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ:
(قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ)
قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.
رواه أبو داود (1555) وفيه غسان بن عوف قال الذهبي: غير حجة، لذلك ضعف الشيخ الألباني الحديث في " ضعيف أبي داود "، ولكن الدعاء المذكور، وهو قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن..) ثابت في الصحيحين دون قصة أبي أمامة هذه، والله أعلم.
ثانيا:
لا حرج عليك في استعمال بعض الأسماء الأجنبية المستعارة لغرض التسويق والدعاية، بشرطين اثنين:
1- ألا تدعي أثناء عملك أن هذا هو اسمك الحقيقي، فإذا سئلت عن اسمك الحقيقي يجب أن تذكر ما اخترته من اسم تعرف وتنادى به، حتى لا تكون كذبة عليك، وحتى يمكن التحقق من شخصك إذا استدعى الأمر ذلك.
2- كما لا نحب أن تختار من الأسماء المستعارة ما يختص به النصارى من أسماء لا يسمي بها المسلمون غير العرب، كمثل اسم: " توني "، و " جريس "، و " بطرس ": فهذه أسماء غالبة لدى النصارى، ولا ينبغي للمسلم أن يتسمى بما يختص به غيره من أهل الديانات الأخرى.
فإذا راعيت هذين الأمرين فلا حرج عليك من اختيار أسماء غير عربية مستعارة لغرض العمل، خاصة وأن الاسم لا ينبني عليه شيء عملي لدى العملاء، سوى أنه قد يدرأ عنك بعض التعصب والحقد على المسلمين.
فإذا كان اسمك المستعار قد استعملته من قبل ذلك، وشق عليك تغييره، أو ترتب عليك ضرر من ذلك: فلا بأس بإبقائه، إن شاء الله، حتى ولو كان غالبا في النصارى، ما لم يدل على شرك، أو تعبيد لغير الله.
وقد سبق في الموقع في جواب السؤال رقم: (101401) تقرير جواز بقاء النصراني على اسمه السابق إذا أسلم، وأنه لا يلزمه تغييره ما لم يكن اسما مميزا في دين النصارى اليوم.
وسبق أيضا بيان جواز الدخول إلى المواقع والمنتديات بأسماء مستعارة، وأن ذلك ليس من الكذب المحرم، وبناء عليه يمكن تخريج جواب الأخ السائل ههنا: (71417)
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
ما حكم عمل حوار تعليمي مكتوب بأسماء مستعارة؟
فأجاب:
" الأمر في هذا سعة، يجعل حوار باسم فلان، وباسم فلان، قال فلان، وأجاب فلان، بأسماء مستعارة، ما فيه بأس " انتهى.
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2707
وأما استعمال صورتك الشخصية لغرض بث الثقة في نفوس العملاء فلا حرج فيه إن شاء الله، لوجود الحاجة المبيحة للتصوير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1022)
ما حكم تسمية المولود بـ " محمد الفاتح "؟ وهل هو من أسماء الأنبياء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تسمية الطفل محمد الفاتح. هل هو واحد من أسماء الأنبياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من السنة تسمية المولود باسم حسن، ومن ذلك تسميته بما جاءت الشريعة باستحسانه، وندبت إلى التسمية به، كعبد الله، وعبد الرحمن، والحارث، ومحمد.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ إلى الحسن. رواه الترمذي (2839) وصححه الألباني في "الصحيحة" (207) .
أما التسمية بـ" محمد الفاتح ".
فـ "محمد" أشهر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: كثير الخصال التي يحمد عليها.
و"الفاتح" أيضاً من أسمائه صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/96) معناه فقال:
"وأما الفاتح، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مُرْتَجاًَ، وفتح به الأعين العمي، والآذان الصم، والقلوب الغلف، وفتح الله به أمصار الكفار، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح، ففتح به الدنيا والآخرة، والقلوب والأسماع والأبصار والأمصار" انتهى.
والذي يظهر لنا أنه لا ينبغي أن يجمع بينهما، فيسمى الولد بـ "محمد الفاتح"، لأن الجمع بينهما سيكون تزكية عظيمة لهذا الولد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الأسماء التي فيها تزكية ومدح لصاحبها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الذي ينبغي أن لا يسمي الإنسان ابنه أو ابنته باسم فيه تزكية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم بَرَّة إلى زينب؛ لما في اسم برة من التزكية، ولدينا أسماء أفضل من ذلك وأحسن: وهي ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) فإذا اختار الإنسان لأبنائه اسماً من هذه الأسماء كان أحسن وأولى لما فيها من التعبيد لله عز وجل، ولاسيما التعبيد لله أو للرحمن، ومثل ذلك عبد الرحيم وعبد الوهاب وعبد السميع وعبد العزيز وعبد الحكيم وأمثال ذلك " انتهى مختصرا.
"فتاوى نور على الدرب" (228 / 23) .
وينبغي الإشارة هنا إلى السلطان العثماني السابع في سلسلة آل عثمان، وهو القائد المسلم الذي فتح القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، فَلُقِّبَ بالفاتح، فاسمه هو: محمد و"الفاتح" ليس اسماً له، وإنما هو لقب استحقه لما فتح تلك المدينة، وهو لقب صادق عليه بلا شك، رحمه الله.
والخلاصة:
أنه لا يشرع تسمية الولد باسم " محمد الفاتح " وإنما المشروع تسميته باسم " محمد " فقط، كما جرى عليه عمل المسلمين، أو بأي اسم آخر مما جاءت الشريعة بالحض على التسمية به كما تقدم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1023)
حكم تسمية البنت باسم (حنين) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تسمية البنت باسم حنين بفتح الحاء متوافقة مع الشريعة الإسلامية ومع قواعد تسمية الأولاد في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز تسمية البنت بحَنين، ولا حرج في ذلك؛ والأصل في الأسماء الإباحة والجواز ما لم يشتمل الاسم على محذور، وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (7180) ورقم (101401) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1024)
يدخل المنتديات ببريد اسمه محمد نبينا
[السُّؤَالُ]
ـ[برجاء إفتائي في اسم الإيميل الخاص بي والذي يحمل اسم محمد نبينا وجواز الاستمرار في اتخاذ ذلك الإيميل لي خاصة إذا علمتم أنى أحياناً أدخل محادثات جماعية وعند الخروج مثلا منها يكتب أن محمد نبينا خرج، كما أن هناك أشخاصا يثنون على توفيقي في اتخاذ ذلك الإيميل، وأشخاصاً أقل يبدون اعتراضهم، وأحيانا أكلم بنات عليه، مع العلم أني لما اتخذت اسم الإيميل كانت نيتي في أن من يراه يصلي على سيدنا محمد عليه الصلاة وأزكى السلام فيأخذ حسنة وآخذ أنا حسنة، برجاء سرعة الرد علي، مع العلم أيضاً أني اتخذ نفس الإيميل لكلا من الهوت ميل والياهو.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن مقام نبينا صلى الله عليه وسلم مقام عظيم شريف، وأنه يتعين على كل مسلم توقيره وتعظيمه وصيانته عن النقص مهما كانت صورته، وما ذكرته من دخولك المنتديات الجماعية بهذا البريد، وأنه يكتب إذا خرجت: خرج محمد نبينا، وكذلك إذا دخلت، وأنك أحيانا تكلم نساء بهذا البريد، فهذا لا يناسب توقيره وتعظيمه، لا سيما إذا كتبت شيئا لا يليق، ولا يكاد يسلم إنسان من زلة أو هفوة، فالذي نراه هو تغيير هذا الاسم صيانة واحتراما لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن الأصل منع المحادثة الخاصة للنساء عبر الماسنجر وما شابهه؛ لما قد يترتب عليها من مفاسد ومحاذير، وينظر جواب السؤال رقم (34841) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1025)
حكم تسمية البنت باسم " وله "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية البنت باسم (وله) ؟ وهل صحيح أنه اسم لشيطان الخلاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كره النبي صلى الله عليه وسلم التسمي بما يدل على المعاني السيئة، كما روى البخاري في صحيحه (6190) عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ؟ قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ. قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. والحزونة: الغلظة والقساوة.
والمعاني المذكورة في كتب اللغة لكلمة " وله " تمنع من الإقدام على التسمية بها:
فقد جاء في " لسان العرب " (13/561) ما يلي:
" (وله) الوله: الحزن. وقيل: هو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد أو الحزن أو الخوف. والوله: ذهاب العقل لفقدان الحبيب " انتهى باختصار. وانظر " القاموس " (1621)
فلأجل هذه المعاني المرغوب عنها، من الحزن، وذهاب العقل ونحوه: يمنع التسمي بهذا الاسم، وفي الأسماء الحسنة غنية عن الإغراب في الأسماء، بما قد ينعكس أثره سلبا على المسمى بذلك، فيما بعد.
ثانيا:
لم يرد أن " وله " من أسماء الشيطان، وإنما ورد اسم " ولهان " من أسماء الشيطان، ولكنه أيضا لم يثبت، بل ورد في حديث ضعيف.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن للوضوء شيطانا، يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء)
رواه الترمذي (رقم/57) وضعفه بقوله: حديث أبي بن كعب حديث غريب، وليس إسناده بالقوي والصحيح عند أهل الحديث، لأنا لا نعلم أحدا أسنده غير خارجة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه، عن الحسن قوله: ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعفه ابن المبارك.
وقال أبو زرعة الرازي:
" رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكر " انتهى.
" العلل " (1/186)
وقال النووي:
" ضعيف " انتهى.
" الخلاصة " (1/117)
وضعفه ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1/224) ، والألباني في " ضعيف الترمذي.
وانظر جواب السؤال رقم: (101401)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1026)
حكم التلقب في المنتديات بمثل " القرآن والسنَّة " أو " الله ربي " أو القرآن منهجي "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في امرأة، أو رجل يتسمَّى بـ " القرآن والسنَّة " في المنتديات، ويطلب دليلاً من القرآن والسنَّة على تحريم التسمِّي للبشر بالقرآن والسنَّة؟ . وهل يصح مناداته بـ " أخي "، ثم يتبعها بالقرآن والسنَّة؟ . وما حكم الشرع في التسمِّي بأسماء تبدأ بلفظ الجلالة مثل: " الله المستعان "، " الله أعلم "، " الله ربي "، " الله كريم "؟ . ومثل " القرآن طريقي "، " القرآن حياة القلوب "، " القرآن منهجي ". وهل يجوز مناداتهم بـ " أخي "، ثم يتبعونها بهذه الأسماء؟ . أفيدونا جزاكم الله تعالى كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن التسمية من المطالب الشرعية التي عمل الشرع على ضبطها، ووضع القواعد لها؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن التسمية بالأسماء القبيحة , وبالأسماء التي تقتضي تزكية، ومدحاً، كـ " برَّة "، و " تقية "، وغيرها , وحث على التسمية ببعض الأسماء كـ " عبد الله " و " عبد الرحمن "، وكره التسمية ببعض الأسماء، كـ " حرب "، و " مُرَّة ".
وسبب هذا الاهتمام من الشرع أن المسلم مطلوب منه التميز في كل الأمور، حتى في مثل هذه الأمور التي قد يستقلها بعض الناس.
وينظر أجوبة الأسئلة: (7180) و (1692) و (101401) ففيها ضوابط تسمية الذكور، والإناث، وإطلاق الألقاب، وفيها بيان الأسماء المحرَّمة، والمكروهة.
ثانياً:
الذي يظهر: أن التسمية بـ " القرآن والسنَّة "، أو " القرآن طريقي "، أو " القرآن حياة القلوب"، أو " القرآن منهجي ": لا يصح، وذلك لأسباب:
1. سبق في الأجوبة المحال عليها أنه من الأسماء المكروهة التي تشتهر في بعض بلاد المسلمين، الأسماء المضافة إلى لفظ " الدين "، أو " الإسلام "، مثل: نور الدين، أو عماد الدين، أو نور الإسلام، ونحو ذلك فقد كرهها أهل العلم للذكور والإناث، لما فيها من تزكية صاحبها تزكية عظيمة
قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -:
وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين - " الدين "، و " الإسلام " -، فالإضافة إليهما على وجه التسمية: فيها دعوى فجَّة تُطل على الكذب.
" تسمية المولود " (ص 22) .
فهذا الكاتب، وذاك: ليسا هما الكتاب، ولا السنَّة، لا حقيقة ولا حالا.
ومثله، بل أشد منه في المنع، التلقب بـ " سبحان الله "! ، أو " سبحان الله وبحمده "!
سئل علماء اللجنة الدائمة:
مقدَّم لسعادتكم السيد " سبحان الله ميانقل "، باكستاني الجنسية، والمقيم بالمملكة العربية السعودية، بمدينة جدة، وأعمل مؤذناً في وزارة الأوقاف، ولقد تم الاعتراض من قبل إدارة الحج والأوقاف بخصوص اسمي، وكل ما أرجوه من سعادتكم هو إفتاؤنا عن هذا الاسم من الناحية الإسلامية والشرعية، هل هو اسم جائز أم لا؟ وإن كان غير جائز: فالرجاء إفادتنا بمعروض من قبلكم حتى يتسنى لي تغيير الاسم من الجوازات، ولكم جزيل الشكر، والعرفان.
فأجابوا:
يجب عليك تغيير هذا الاسم؛ لأن شخصك ليس هو سبحان الله، وإنما " سبحان الله " ذِكر من الأذكار الشرعية.
ويجب أن يغيَّر إلى اسم جائزٍ شرعاً، كعبد الله، ومحمد، وأحمد، ونحوها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 477، 478) .
2. أن في تلك الأسماء تزكية للمتسمي، أو المتلقب بها، وقد نهى الله تبارك وتعالى عن تزكية النفس، وقد ذكرنا التفصيل في الأجوبة المحال عليها.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ما حكم هذه الألقاب " حجة الله "، " حجة الإسلام "، " آية الله "؟ .
فأجاب:
هذه الألقاب " حجة الله "، " حجة الإسلام ": ألقاب حادثة، لا تنبغي؛ لأنه لا حجة لله على عباده إلا الرسل ... .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 88) .
3. أن فيها منافاة لأسلوب لغة العرب؛ فإن هذه العبارات قد وضعت لمعان مقصودة شرعا، معروفة في لغة العرب، ولا يعرف في لغة العرب التسمي، أو التلقب بـ " الله المستعان "، أو " الله أعلم "، أو " الله ربي "، أو " الله كريم "، ومثيلاتها.
4. أنه ربما يترتب على أولئك الأعضاء الذين تسموا، وتلقبوا بتلك الأسماء، والألقاب: ردودٌ، وتعقبات، فيها إنقاص لقدر القرآن، والسنَّة، والرب تبارك وتعالى، كقولهم لهم: (أخطأت يا " الكتاب والسنة "!) ، و (لم تصب يا " القرآن طريقي "!) ، هذا عدا عما يمكن أن يكون من سب، وشتم، مما يؤدي إلى امتهان هذه المسمَّيات , والقدح بها.
5. أنه قد يُذكر وفاة من تسمى أو تلقب بتلك الألقاب! فماذا سيقال في ذلك المنتدى، وغيره؟! سيقال: وفاة " الله ربي!! "، وسيقال: توفي اليوم "القرآن والسنَّة!! "، ولا شك أن هذا قبيح أشد القبح، ومحرَّم أشد التحريم.
والخلاصة:
أنه يحرم التسمية والتلقب، بتلك الأسماء والألقاب الوارد ذِكرها في السؤال، والنصيحة لأولئك، بل الواجب الشرعي: أن يجتنبوا هذه التسميات والألقاب، وعليهم أن يقتصروا على ما هو صحيح ومباح من الأسماء والألقاب، ويخلو من المخالفة الشرعية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1027)
حكم التسمي بجبريل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية الطفل باسم جبريل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تسمية الطفل باسم جبريل، في قول جمهور الفقهاء.
وذهب بعضهم إلى الكراهة.
قال النووي رحمه الله: "مذهبنا ومذهب الجمهور جواز التسمية بأسماء الأنبياء والملائكة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم ينقل فيه خلاف إلا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نهى عن التسمية بأسماء الأنبياء. وعن الحارث بن مسكين أنه كره التسمية بأسماء الملائكة. وعن مالك كراهة التسمية بجبريل وياسين. دليلنا: تسمية النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم , وسمى خلائق من أصحابه بأسماء الأنبياء في حياته وبعده , مع الأحاديث التي ذكرناها , ولم يثبت نهي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكره" انتهى من "المجموع" (8/417) .
وقال في "كشاف القناع" (3/27) : "ولا يكره أن يسمى بجبريل ونحوه من أسماء الملائكة" انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: "ومنها: كأسماء الملائكة كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل فإنه يكره تسمية الآدميين بها. قال أشهب: سئل مالك عن التسمي بجبريل فكره ذلك ولم يعجبه ... وأباح ذلك غيره. قال عبد الرزاق في الجامع عن معمر قال: قلت لحماد بن أبي سليمان: كيف تقول في رجل تسمى بجبريل وميكائيل؟ فقال: لا بأس به.
قال البخاري في تاريخه: قال أحمد بن الحارث: حدثنا أبو قتادة الشامي ليس بالحراني مات سنة أربع وستين ومائة حدثنا عبد الله بن جراد قال: صحبني رجل من مزينة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه فقال: يا رسول الله، ولد لي مولود فما خير الأسماء؟ قال: إن خير الأسماء لكم الحارث وهمام، ونعم الاسم عبد الله وعبد الرحمن، وتسموا بأسماء الأنبياء، ولا تسموا بأسماء الملائكة. قال: وباسمك؟ قال: وباسمي، ولا تكنوا بكنيتي. وقال البيهقي: قال البخاري في غير هذه الرواية: في إسناده نظر" انتهى من "تحفة المودود بأحكام المولود" ص 119.
وهذا الحديث المذكور ضعيف، وهو مخالف لما ثبت في الصحيح من جواز التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم (محمد) فروى البخاري (110) ومسلم (2143) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي) .
وينظر: الموسوعة الفقهية (11/334) .
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله: " وكرِه جماعةٌ مِن العلماءِ التسمِّي بأسماءِ الملائكةِ عليهم السَّلامُ؛ مثل: جبرائيل، ميكائيل، إسرافيل.
أمَّا تسميةُ النِّساء بأسماءِ الملائكةِ؛ فظاهِرُ الحرمةِ؛ لأن فيها مضاهاةً للمشركين في جعْلِهِم الملائكة بناتِ اللهِ، تعالى اللهُ عن قولِهم.
وقريبٌ مِن هذا تسميةُ البنتِ: ملاكٌ، ملكة، وملكْ " انتهى من "معجم المناهي اللفظية".
والراجح ما ذهب إليه الجمهور من جواز تسمية الذكور بأسماء الملائكة؛ لعدم ورود ما يمنع من ذلك.
وإذا عَدَل الأب عن أسماء الملائكة إلى ما هو أفضل وأحسن كعبد الله وعبد الرحمن، ومحمد وأحمد ونحو ذلك من الأسماء فهو أولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1028)
حكم تسمية البنت بـ "هيفاء"
[السُّؤَالُ]
ـ[سمّيت ابنتي باسم (هيفاء) ولا أعلم إن كان هذا الاسم مناسباً أم لا؟ وهل سبق وأن تسمّت بهذا الاسم شخصية بارزة في التأريخ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الهَيَف: ضُمْر البطن ودقة الخصر.
وينظر: "القاموس المحيط".
والهَيَف ممدوح عند العرب.
قال كعب بن زهير في قصيدته أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بدأها بوصف محبوته سعاد:
هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً لا يشتكى قِصَرٌ منها ولا طولُ
فلا حرج في تسمية البنت بـ "هيفاء".. هذا من حيث الأصل، لكن.. إذا قصد بهذا الاسم التشبه براقصة ماجنة، أو مغنية خليعة، فأقل ما يقال في التسمية بهذه النية: إنها مكروهة، لما فيها من محبة أهل الفسق، وتعظيمهم، ومحبة التشبه بهم، وتقليدهم.
ولا نعلم شخصية بارزة في التاريخ سميت بهذا الاسم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1029)
هل تسمية الوليد بـ "عمير" لا بأس بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلقت على طفلي اسم عمير فهل ممكن أن تقولوا لي هل هذا اسم مناسب وما معناه؟ حيث قيل لي إنه من عمر، وعمر معناه العمر الطويل وعمير يعني حياة قصيرة، إذا كان هذا الاسم غير جيد، فهل يمكنكم أن تقترحوا لي بعض الأسماء فطفلي مازال صغيراً وأنا أريد اسما مناسبا يسير للصحة الطيبة والعمر المديد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اسم "عمير" من الأسماء العربية المعروفة، وهو جيد لا بأس به، وهو تصغير "عمر" أو "عمرو" على المشهور.
قال الدميري: "وعمير تصغير عمر أو عمرو" انتهى.
"حياة الحيوان الكبرى" (2/ 213) .
وراجع: "تاج العروس" (8717) "لسان العرب" (15/364) .
وقال أبو محمد البطليوسي في "الحلل" (ص 8) :
" وعمير اسم منقول: إن شئت جعلته تصغير عمرو، وهو القرط، ويكون الحياة، ويكون طرف الكم، ويكون ما بين الأسنان من اللحم.
وإن شئت جعلته تصغير قولهم: رجل عمرو وهو الكثير الاعتمار، وإن شئت كان مصغراً مرخماً من عامر، أو عمار، أو معمر كزهير من أزهر " انتهى.
وقال ابن دريد:
" وقد سمَّت العرب عُميراً وهو تصغير عمرو " انتهى.
"الاشتقاق" (ص 4) .
وقال الزبيدي:
" وفي المحكم: سُمِّىَ الرَّجُلُ عَمْراً تَفَاؤُلاً أَنْ يَبْقَى " انتهى.
"تاج العروس" (3235) .
فاشتقاق "عمير" – والذي هو تصغير "عمر" أو "عمرو" من كثرة الاعتمار، أو من "عامر" والتي تفيد المقام والبقاء.
وقد تنوع من هذا الأصل "عمر" أسماء كثيرة معروفة:
"مثل: عُمَيْرٌ، وعُمَيْرَةُ، وعُوَيْمِرٌ، وعَمّارٌ، ومَعْمَرٌ، وعِمْرَانُ، وعُمَارَةُ، وعِمَارَةُ، وعُمَيِّرٌ، ومُعَمَّرٌ، ويَعْمَرُ، وكلها أَسْمَاء رِجالٍ " انتهى باختصار من "تاج العروس" (3241)
وفي أسماء الصحابة: عمير بن سلمة الضمري، وعمير بن الأخنس، وعمير بن أوس الأنصاري، وعمير بن جابر الكندي، وغيرهم.
فهو اسم معروف في العرب، وتسمى به المسلمون، ولا محظور فيه.
أما إفادة هذا الاسم الحياة القصيرة لمجرد التصغير فليس الأمر كذلك، بل اشتقاقه يدل على التفاؤل بطول العمر، وكثرة أداء العمرة.
ومن الأسماء المقترحة: والتي هي أحب إلى الله تعالى، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من اسم "عمير": عبد الله، وعبد الرحمن.
فروى مسلم (2132) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) .
قال النووي:
" فِيهِ التَّسْمِيَة بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ وَتَفْضِيلهمَا عَلَى سَائِر مَا يُسَمَّى بِهِ " انتهى.
ويتبع هذين الاسمين في الاستحباب كل اسم فيه إظهار العبودية لله تعالى.
قال الحافظ:
" قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يَلْتَحِق بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مَا كَانَ مِثْلهمَا كَعَبْدِ الرَّحِيم وَعَبْد الْمَلِك وَعَبْد الصَّمَد , وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى اللَّه لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَا هُوَ وَصْف وَاجِب لِلَّهِ وَمَا هُوَ وَصْف لِلْإِنْسَانِ وَوَاجِب لَهُ وَهُوَ الْعُبُودِيَّة. ثُمَّ أُضِيفَ الْعَبْد إِلَى الرَّبّ إِضَافَة حَقِيقِيَّة فَصَدَقَتْ أَفْرَاد هَذِهِ الْأَسْمَاء وَشُرِّفَتْ بِهَذَا التَّرْكِيب فَحَصَلَتْ لَهَا هَذِهِ الْفَضِيلَة " انتهى.
ومن هذه الأسماء الحسنة أيضا: أسماء الأنبياء عليهم السلام، كإبراهيم وإسماعيل ويحيى وموسى وأيوب ويونس ويوسف، وأفضلها "محمد" عليهم الصلاة والسلام.
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (25910) عن سعيد بن المسيب قال: (أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء) . صححه الحافظ في "الفتح" (10/578) .
أما قول السائل: إنه يريد اسما مناسبا للصحة والعمر المديد، فلا تعلق للصحة والعمر بالأسماء، وليس مشروعا تصور وجود علاقة بين الاسم وما قدره الله من العمر والرزق، وإنما وردت النصوص الشرعية باختيار الاسم الحسن، ولا بأس من التفاؤل به، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعبه التفاؤل ويكره التشاؤم.
ولا ينبغي أن يبالغ المسلم في التفاؤل في تسمية الولد، فينظر أنه سيعمر عمرا طويلاً لمجرد الاسم.
والأهم من ذلك: أن يعتني المسلم بتربية أولاده تربية إسلامية صحيحة.
نسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1030)
حكم تسمية الولد باسم (مهد)
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلقت على ابني اسم "مهد" (Muhed) . ولكن، ووفقاً لرأي أحد العلماء (أو المثقفين) فإن هذا الاسم لا يناسب صغيري. فأرجو منك أن تساعدنا في حل المشكلة بأن تخبرنا ما إذا كان هذا الشيء صحيح في الإسلام أم لا، وما إذا كان هذا الاسم غير مناسب حقا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الاسم (مهد) كغيره من الأسماء العادية التي لا مانع من التسمية بها، فالله جعل الأرض كذلك كما في قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً) أي أنها فراش ومهاد، فلا مانع ولا محذور في هذا الاسم.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(7/1031)
حكم تسمية البنت ب (إرم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية المولود الأنثى باسم (إرم) ؟ وهي اسم مدينة ذكرت في القرآن بسورة الفجر (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) أرجو الإفادة، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إرم: اسم رجل، وهو إرم بن سام بن نوح عليه سلام، وقبيلة عاد الأولى يقال لها: عاد إرم، نسبة إلى عاد بن عاص بن إرم.
وقال البعض: إن إرم اسم مدينة كبيرة بناها قوم عاد في بلاد اليمن، والصحيح الأول.
قال ابن كثير رحمه الله: " (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد) وهم عاد الأولى، كما قال: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى) النجم/50، وهم من نسل إرم بن سام بن نوح. (ذَاتِ الْعِمَادِ) أي: الذين كانوا يسكنون العمد. ومن زعم أن "إرم" مدينة، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب، وليس لذلك أصل أصيل. ولهذا قال: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) الفجر/8، أي: لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال: التي لم يبن مثلها في البلاد" انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/154) .
وينظر: "تفسير الألوسي" (22/413) .
ومما يدل على أن (إرم) اسم للقبيلة المنتسبة لهذا الرجل، لا اسما لمدينة: ما روى ابن إسحاق في السيرة عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا - لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به، وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هذه الآية: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) البقرة/ 89 " انتهى من "صحيح السيرة النبوية" للألباني، ص 58.
وعلى فرض أن إرم اسم مدينة، فلا ينبغي التسمية به، لأنها مدينة للجبارين، وقد أهلكهم الله، وأباد مدينتهم.
والعجب ممن يختار لبنته مثل هذه الأسماء الغريبة التي لا تحمل معاني حسنة، ويعرض عن أسماء أمهات المؤمنين والصالحات والعابدات، بل هذا الاسم خاصة قد يكون مدعاة للسخرية بالفتاة عند قراءته ونطقه في المدرسة ونحوها، والذي ينبغي على الأب أن يختار لابنته اسما حسنا، وأن يجتنب الأسماء الغريبة، فضلا عن أسماء الذكور أو المدن.
وينظر للفائدة جوال السؤال رقم (7180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1032)
حكم التسمية بـ "الوليد"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية المولود "الوليد"؟ وهل ورد نهي عن ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على الأب أن يختار اسماً حسناً لولده، ولمعرفة بعض آداب اختيار الاسم، انظر جواب السؤال رقم (7180) .
وأما تسمية المولود بـ "الوليد" فلا حرج فيه.
والوليد في اللغة هو الصبي حين يولد، ويطلق أيضاً على الصبية، ويقال أيضاً للصبية: وليدة.
قال الله تعالى: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا) الشعراء/18، أي: صغيراً في مهدك.
انظر: "لسان العرب" (6/4914) .
وقد جاءت بعض الأحاديث بالنهي عن التسمي بـ "الوليد" ولكنها كلها فيها مقال، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
منها ما رواه أحمد (110) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَمَّيْتُمُوهُ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ، لَيَكُونَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: "الْوَلِيدُ" لَهُوَ شَرٌّ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ) .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "تحقيق المسند" (109) : إسناده ضعيف لانقطاعه، سعيد بن المسيب لم يدرك عمر إلا صغيراً، فروايته عنه مرسلة [يعني ضعيفة] ...
ثم إن ذِكْر عمر في الإسناد خطأ، لعله من إسماعيل بن عياش ...
وهذا الحديث مما ادعى فيه بعض الحفاظ أنه موضوع، منهم الحافظ العراقي، وقد أطال الحافظ ابن حجر الرد عليه لإثبات أن له أصلاً، في كتاب "القول المسدد" (ص5-6، 11-16) ، وفي كثير مما قال تكلف ومحاولة.
والظاهر عندي ما قلت: إنه ضعيف لانقطاعه" انتهى باختصار.
"تحقيق المسند" (1/202) .
وقال محققو المسند (1/265، 266) بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط:
"إسناده ضعيف، سعيد بن المسيب لم يسمعه من عمر، وذكر عمر فيه خطأ....
وأرد الخبر ابن حبان في المجروحين (1/125) وقال: هذا خبر باطل، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولا عمر رواه ...
وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/46) ...
فالخبر باطل" انتهى باختصار.
وذكر الحافظ ابن حجر شيئاً مما ورد في النهي عن التسمية بـ " الوليد" في "فتح الباري" (10/596) وبَيَّن ضعفها.
وقد أشار الإمام البخاري إلى ضعف ما ورد في النهي عن ذلك، واختار جواز التسمي بـ "لوليدد" فقال: باب تسمية "الوليد". ثم ذكر الحديث بإسناده (6200) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لَمَّا رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، قَالَ: (اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ) .
وذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/597) : أن البخاري أشار إلى ضعف ما ورد في النهي عن ذلك ثم قال: "وَأَوْرَدَ فِيهِ الْحَدِيث الدَّالّ عَلَى الْجَوَاز، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَغَيَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَادَتِهِ، فَإِنَّ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْوَلِيد بْن الْوَلِيد الْمَذْكُور قَدْ قَدِمَ بَعْد ذَلِكَ الْمَدِينَة مُهَاجِرًا، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اِسْمه" انتهى.
وعلى هذا؛ فالذي يظهر لنا جواز التسمية بـ "الوليد" إذ لم يثبت ما يدل على كراهة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
الجواب:
الحمد لله
على الأب أن يختار اسماً حسناً لولده، ولمعرفة بعض آداب اختيار الاسم، انظر جواب السؤال رقم (7180) .
وأما تسمية المولود بـ "الوليد" فلا حرج فيه.
والوليد في اللغة هو الصبي حين يولد، ويطلق أيضاً على الصبية، ويقال أيضاً للصبية: وليدة.
قال الله تعالى: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا) الشعراء/18، أي: صغيراً في مهدك.
انظر: "لسان العرب" (6/4914) .
وقد جاءت بعض الأحاديث بالنهي عن التسمي بـ "الوليد" ولكنها كلها فيها مقال، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
منها ما رواه أحمد (110) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَمَّيْتُمُوهُ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ، لَيَكُونَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: "الْوَلِيدُ" لَهُوَ شَرٌّ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ) .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "تحقيق المسند" (109) : إسناده ضعيف لانقطاعه، سعيد بن المسيب لم يدرك عمر إلا صغيراً، فروايته عنه مرسلة [يعني ضعيفة] ...
ثم إن ذِكْر عمر في الإسناد خطأ، لعله من إسماعيل بن عياش ...
وهذا الحديث مما ادعى فيه بعض الحفاظ أنه موضوع، منهم الحافظ العراقي، وقد أطال الحافظ ابن حجر الرد عليه لإثبات أن له أصلاً، في كتاب "القول المسدد" (ص5-6، 11-16) ، وفي كثير مما قال تكلف ومحاولة.
والظاهر عندي ما قلت: إنه ضعيف لانقطاعه" انتهى باختصار.
"تحقيق المسند" (1/202) .
وقال محققو المسند (1/265، 266) بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط:
"إسناده ضعيف، سعيد بن المسيب لم يسمعه من عمر، وذكر عمر فيه خطأ....
وأرد الخبر ابن حبان في المجروحين (1/125) وقال: هذا خبر باطل، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولا عمر رواه ...
وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (2/46) ...
فالخبر باطل" انتهى باختصار.
وذكر الحافظ ابن حجر شيئاً مما ورد في النهي عن التسمية بـ " الوليد" في "فتح الباري" (10/596) وبَيَّن ضعفها.
وقد أشار الإمام البخاري إلى ضعف ما ورد في النهي عن ذلك، واختار جواز التسمي بـ "الوليد" فقال: باب تسمية "الوليد". ثم ذكر الحديث بإسناده (6200) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لَمَّا رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، قَالَ: (اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ) .
وذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/597) : أن البخاري أشار إلى ضعف ما ورد في النهي عن ذلك ثم قال: "وَأَوْرَدَ فِيهِ الْحَدِيث الدَّالّ عَلَى الْجَوَاز، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَغَيَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَادَتِهِ، فَإِنَّ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الْمَذْكُور الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْوَلِيد بْن الْوَلِيد الْمَذْكُور قَدْ قَدِمَ بَعْد ذَلِكَ الْمَدِينَة مُهَاجِرًا، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اِسْمه" انتهى.
وعلى هذا؛ فالذي يظهر لنا جواز التسمية بـ "الوليد" إذ لم يثبت ما يدل على كراهة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1033)
حكم التسمي بـ أثينا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام اسم " أثينا " كاسم مستخدم للانترنت أو ما شابه؟ مع العلم أن " أثينا " هو اسم آلهة يونانية قديمة , فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اسم " أثينا " واحد من الأعلام المشهورة التي أطلقها الإغريق على آلهتهم المزعومة، وهي إلهة الحكمة والقوة، وإلهة الحرب وحامية المدينة، وذلك أمر معلوم في التاريخ اليوناني، يمكن الاطلاع عليه في هذا الرابط:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A2%D8%AB%D9%8A%D9%86%D8%A7
وبناء عليه: فلا يجوز للمسلمين التسمي بهذا الاسم، سواء كان على سبيل التسمية الحقيقية لشخص، أو مدينة من مدن المسلمين، أو نحو ذلك، أو كان على سبيل الأسماء المستعارة، أو الرمزية، لما يبدو في ذلك من نشر شعار الكفر، أو الإقرار لهذه المسميات، والتبعية المذمومة لها وهو أمر لا يليق بالسلم الموحد، الذي يرفع شعار الإيمان، والتوحيد لرب العالمين.
أما تسمية عاصمة دولة اليونان بهذا الاسم فذلك شأن أهل تلك البلاد، وليس بعد الكفر ذنب، غير أن ما نحب تنبيه المسلمين إليه هو أنه لا حرج في إطلاق هذا الاسم على عاصمتهم، ولكن على سبيل الحكاية، أن تحكي هذا الاسم العلم كما أراده أهله، تماما كما سمى القرآن الكريم آلهة مشركي العرب: اللات ومناة وغيرها، كل ذلك على سبيل الحكاية لا الإقرار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1034)
تسمية المواليد بأسماء غربية تجنبا للتفرقة العنصرية
[السُّؤَالُ]
ـ[سنرزق بإذن الله تعالى عما قريب مولوداً ذكراً، وكنت أنا وزوجي نتناقش ما الاسم الذي سنسميه، طبعاً زوجي رجل عربي ولكنه لا يريد أن يسميه اسماً عربياً بحجة أنه لن يحظى بفرص عمل عندما يكبر، وأنه سيعاني من التفرقة العنصرية. وعلى الرغم من أنني غير عربية إلا أنني أريد أن أسميه اسماً عربياً: لأنني أرى أنها أسماء جميلة، كما أنني أريد لولدي أن يظل مرتبطاً بأصله لأنني أعلم أن تسميته تسمية إنجليزية ستتسبب في انصهاره في المجتمع الغربي. حاولنا أن نجد اسماً يجمع بين العربية والانجليزية فوجدنا اسم "دين" فهي كلمة عربية لكنها عبارة عن اسم انجليزي. فهل هذا الاسم مناسب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد سرنا ما ذكرتِ من كون الأسماء العربية تعمل على ربط الإنسان بأصله، وتقلل من عملية انصهاره في المجتمع الغربي. ولهذا فينبغي التمسك بهذا الرأي، واختيار اسم حسن يدل على كون الطفل مسلماً، فإن هذا جزء من الهوية التي ينبغي التمسك بها والمحافظة عليها.
وأما النظر إلى ما ذكره الزوج من الوظيفة والنظرة العنصرية، فهذا وإن كان له ما يبرره عند الزوج إلا أنه لا يوازي مفسدة الانصهار في المجتمع وفقدان الهوية، والحرمان من فرصة الإعلان بالإسلام والدعوة إليه، وهذا ما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان ويرجوه لأبنائه أن يكونوا دعاة إلى دينهم، متمسكين به، معتزين بقيمهم وأصولهم.
ثم إن المستقبل لا يعلمه إلا الله، والوقائع اليوم تدل على سرعة انتشار الإسلام وتقدمه في هذه المجتمعات، ولله الحمد.
فنصيحتنا أن تختارا لابنكما اسماً حسناً من أسماء المسلمين المعروفة كمحمد وأحمد وعبد الرحمن، فإن لكل إنسان نصيباً من اسمه، وقد روى مسلم (2132) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) .
ثانياً:
تكره التسمية بـ "دين" لما في ذلك من المحذور اللفظي؛ لأنه يسأل عنه في البيت مثلاً فيقال: هل يوجد دين؟ أو: هل دين عندكم؟ فيقال: لا. فهذا من المنطق المكروه والمستهجن، لتضمنه أن البيت خالٍ من الدين.
وقد روى مسلم (2136) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: أَفْلَحَ وَرَبَاحٍ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ) .
ورواه الترمذي (2836) بلفظ: (لَا تُسَمِّ غُلَامَكَ رَبَاحٌ، وَلَا أَفْلَحُ، وَلَا يَسَارٌ، وَلَا نَجِيحٌ، يُقَالُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَيُقَالُ: لا) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
وينظر في آداب التسمية جواب السؤال رقم (1692) ،
ونسأل لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1035)
هل يستجيب لأهله في تسمية ابنه بما له علاقة بالتنجيم والكهانة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش أنا وزوجي مع عائلته , ونتوقع أن يرزقنا الله عز وجل بطفل في نهاية السنة الحالية إن شاء الله , ويريد والد زوجي أن يسمِّي الطفل باسم يبدأ بحرف " الفاء " , فكل الأبناء في هذه العائلة تم تسميتهم بناءً على أول حرف من اسم الشهر، أو التاريخ الذي ولدوا فيه، وأظن أن ذلك مرتبط بالتنجيم، أو دراسة الدلالات السحرية للأعداد، فما حكم هذا الفعل؟ وإذا كان هذا الفعل محرَّماً: هل يحل لي ولزوجي أن نطيع والده لأجل الحفاظ على التقاليد، ولتجنب المشادّات، أو المشاعر المتوترة داخل أفراد العائلة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تسمية الأولاد بحسب الحوادث أو الأوقات التي ترافق ولادتهم لا حرج فيه، فمن الناس من يسمي ابنته " مروة " أو " صفا " باعتبار بلوغ خبر حمل زوجته في الحرم المكي، أو وهو على الصفا أو المروة، ومنهم من يسمي ابنه " بدر " لموافقة ولادة ابنه لغزوة بدر، ومنهم من يسمي ابنه " رمضان " أو " شعبان " لمجيئه في أحد هذين الشهرين، وكل هذا لا حرج فيه، لأنه لا يخالف الشرع.
ولا بأس كذلك أن يجعل الأب أسماء أولاده كلها تبدأ بحرف الميم، أو حرف الألف ـ كما يفعل البعض ـ، فالأمر في هذا واسع.
والمهم في كل هذه الاختيارات أن لا يكون لذلك علاقة بالكهانة، أو اعتقاد آخر يخالف الشرع، فمن اعتقد أنه إن سمَّى ابنه أو ابنته بما ذكرناه آنفاً أنه سيجلب الحظ السعيد لولده، أو أنه سيكون صاحب جاه أو مال: فإنه يُمنع من هذه التسمية؛ لأن مثل هذا الاعتقاد ليس له أصل في الشرع، إنما هو من تخريفات المشعوذين والكهنة.
وعليه: فإن تبين لكم حقيقة الأمر، وأن أهل زوجك يعتقدون هذه الخرافات في التسمية: فلا توافقوهم على ما يريدون، ولو أدى ذلك لغضبهم منكم، لأن هذه العادات والتقاليد المخالفة للشرع لا بد من الوقوف في وجهها حتى يعدل الناس عنها.
وعليكم قبل ذلك أن تبينوا لهم برفق ولين خطأ ما يعتقدونه وما يريدون فعله، وأن ذلك لا علاقة له بسعادة الولد.
فإن استجابوا فالحمد لله. وإلا، فما أمامكم إلا مخالفتهم واختيار اسم حسن لولدكم.
وإذا كنتم أنتم العقلاء ستوافقونهم على ما يريدون: فمن سيقطع هذه السلسلة من الخرافات، ويقضي عليها؟
ونسأل الله تعالى لكم جميعاً الهداية إلى الصواب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1036)
حكم التسمي ب " يَزَن "
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقت بمولودي البكر وسميته (يزن) ولامني بعض الأحبة على الاسم, علما بأني لم أسجل الاسم إلى الآن، فما رأي فضيلتكم بالاسم؟ واقترحوا لي اسما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في التسمية ب " يَزَن "؛ لعدم ما يمنع من ذلك شرعا، ويزن: اسم وادٍ ببلاد اليمن.
قال في القاموس المحيط: " يَزَن: وادٍ، أصله يَزْأَن، وبطنٌ من حمير، وذو يزن: ملك لحمير؛ لأنه حمى ذلك الوادي " انتهى مختصرا.
فهو اسم وادٍ، واسمٌ لبطن من حمير.
والأفضل من ذلك أن تسمي المولود بعبد الله أو بعبد الرحمن أو أحمد أو محمد،، أو بأسماء الصحابة، أو ما اشتمل على المعاني الحميدة، فهذا خير من تسميته باسم وادٍ.
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (7180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1037)
حكم التسمي بعبد القديم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة مدى جواز التسمية بعبد القديم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القديم ليس من أسماء الله تعالى، لعدم وروده في الكتاب أو السنة، وأسماء الله تعالى توقيفية، فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه أو بما سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فهذا اللفظ لا يوجد لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل ولا جاء اسم القديم في أسماء الله تعالى، وإن كان من أسمائه الأول " انتهى من "منهاج السنة" (2/68) .
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: " وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى " القديم "، وليس هو من أسماء الله تعالى الحسنى، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن: هو المتقدّم على غيره، فيقال: هذا قديم، للعتيق، وهذا حديث، للجديد. ولم يستعمل هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم، كما قال تعالى: (حتى عاد كالعرجون القديم) . والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الحديث قيل للأول: قديم ... وأما إدخال " القديم " في أسماء الله - تعالى- فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام. وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف، منهم ابن حزم. ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدّم، فإن ما يقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره. لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى. وجاء الشرع باسمه " الأول ". وهو أحسن من " القديم "؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له، بخلاف القديم، والله تعالى له الأسماء الحسنى" انتهى من "شرح الطحاوية" ص 152
ومقصوده أن أسماءه سبحانه كلها حسنى كما قال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180
والحسنى: تأنيث الأحسن، أي أسماؤه بالغة في الحسن غايته، لاشتمالها على أكمل الأوصاف، فلا نقص فيها بوجه من الوجوه.
والقديم في اللغة: المتقدم على غيره، كما في قوله سبحانه: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يس/39، ولا يلزم من القديم المتقدم على غيره أن يكون الأول. والله سبحانه هو الأول الذي ليس قبله شيء، كما قال سبحانه: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/3
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ) رواه مسلم (2713) .
والحاصل أن القديم ليس من أسماء الله تعالى، لكن يصح إطلاقه على الله من باب الخبر لا من باب التسمية، لأن باب الأخبار أوسع من باب الأسماء والصفات.
قال ابن القيم رحمه الله: " ويجب أن تعلم هنا أموراً:
أحدها: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى، أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود والقائم بنفسه.
فإنه يخبر به عنه، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا ".
ثم قال: " السابع: أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع " انتهى من "بدائع الفوائد" (1/132) .
ثانيا:
اختلف في التعبيد بالأسماء التي لم تثبت لله تعالى، كالستار والناصر والمنعم والمغني مما شاع إطلاقه على الله تعالى، فمن نظر إلى عدم ثبوتها منع من التعبيد بها، ومن نظر إلى كونها عند الإطلاق تنصرف إلى الله تعالى، جوز ذلك، لا سيما إذا كان الإنسان قد سمي به، والأولى الاقتصار في التعبيد على الأسماء الثابتة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم التعبيد بأسماء لم يثبت كونها من أسماء الله الحسنى، مثل: (عبد الستار) ، (عبد المغني) ، (عبد الهادي) ، (عبد المنعم) ... ونحوها؟ وهل يلزم تغييرها؟
فأجاب: الصحيح أن ما دل من الأسماء بإطلاق على الله تعالى جاز التعبيد به، كالمذكورة، ولا يلزم تغييره، ومثلها: عبد الناصر " انتهى من "ثمرات التدوين" للدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي.
والقديم لا يدل بإطلاق على الله تعالى، بل يحتمل أن يراد به شيء آخر، فلا يظهر لنا جواز التعبيد به، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكره في الأسماء التي يسمى بها، أو ذكر أن التسمي بذلك مما له أصل في عمل المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1038)
هل يسمي ولده ميكائيل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أسمي ولدي ميكائيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن تختار لولدك اسماً حسناً لا يختلف أحد في حسنه، مثل: عبد الله، عبد الرحمن، عبد الرحيم، أحمد، محمد ... ونحو ذلك.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله:
" ينبغي للإنسان أن يحسن اسم ابنه أو بنته، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن. وكل ما أضيف إلى الله فهو أفضل من غيره، مثل: عبد الله، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبد العزيز، عبد الوهاب، عبد الكريم، عبد المنان، وما أشبه ذلك " انتهى بتصرف يسير.
"اللقاء الشهري" (2/171) .
أما التسمية بأسماء الملائكة، فقد ذهب أكثر العلماء إلى جوازها، وكرهها آخرون.
قال النووي رحمَه اللهُ في "المجموع" (8/417) :
" َمذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ... وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّسْمِيَةَ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ. وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ التَّسْمِيَةِ بِجِبْرِيلَ " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (11/334-335) :
" ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَا تُكْرَهُ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَةِ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ , قَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ التَّسَمِّي بِجِبْرِيلَ , فَكَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْجِبْهُ" انتهى.
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (11/40) : عن معمر قال: قلت لحماد بن أبي سليمان: كيف تقول في رجل تسمى بجبريل وميكائيل؟ فقال: لا بأس به.
وعلى كل حالٍ، ينبغي العدول عن التسمية بأسماء الملائكة، واختيار اسم حسن لم يختلف فيه العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" لو أراد الإنسان أن يسمي بأسماء الملائكة، قلنا: لا تُسَمِّ بها، مثل أن يسمي الإنسانُ: جبريل وميكائيل وإسرافيل " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (67/14) .
وقد يحمل نهي الشيخ على أن ذلك خلاف الأولى.
وأما حديث (تسموا بأسماء الأنبياء ولا تسموا بأسماء الملائكة) فضعيف جدا، كما في ضعيف الجامع (3283) .
وأما ما يذكرونه عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول: يا ذا القرنين فقال عمر:
" اللهم غفرا، أما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء حتى تسموا بأسماء الملائكة؟ "
فهذا لم يصح عنه رضي الله عنه، رواه ابن جرير الطبري (18/104) عن خالد بن معدان عن عمر، وخالدا لم يدرك عمر رضي الله عنه؛ فإن بين وفاتيهما ثمانين سنة.
راجع: "تهذيب التهذيب" (3/102) .
هذا بالنسبة لحكم تسمية الأولاد الذكور بأسماء الملائكة، أما تسمية الإناث بأسماء الملائكة فهو محرم؛ لأن في ذلك مضاهاة للمشركين الذين جعلوا الملائكة إناثاً، كما قال الله عز وجل: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ) الزخرف/19.
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله: " أما تسمية النساء بأسماء الملائكة؛ فظاهر الحرمة؛ لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم. وقريب من هذا تسمية البنت: ملاك، مَلَكة، ومَلَك " انتهى.
"معجم المناهي اللفظية" (ص 565) .
فالنصيحة للسائل أن يعدل عن هذا الاسم (ميكائيل) إلى غيره، مما هو أحسن منه.
وانظر إجابة السؤال رقم: (1692) ، (7175) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1039)
حكم تسمية مكتب استشاري معماري بـ "البيت المعمور"
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب توكلت على الله , وفتحت مكتبا للدراسات المعمارية , وقد اتخذت له كشعار "البيت المعمور" اقتداءاً بالبيت المعمور الموجود في السماء السابعة فوق الكعبة المشرفة مباشرة , وكذلك لإعطائه بعدا إسلاميا , تفاديا لطالبي الرشوة المستفحلة قي بلادنا، "البيت المعمور" آية مذكورة في سورة الطور، فهل يجوز أن اتخذ من اسم "البيت المعمور" شعارا لمكتبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البيت المعمور بيت عظيم كريم، في السماء السابعة، تتعبد فيه الملائكة، كما روى البخاري (3207) ومسلم (162) في قصة المعراج، قال صلى الله عليه وسلم: (فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ........ فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ) .
وقد أقسم الله تعالى به في قوله: (وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) الطور/1-4.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء بعد مجاوزته إلى السماء السابعة: (ثم رفع بي إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم) يعني: يتعبدون فيه ويطوفون، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم، كذلك ذاك البيت هو كعبة أهل السماء السابعة؛ ولهذا وجد إبراهيم الخليل عليه السلام، مسندا ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل، وهو بحيال الكعبة، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها، ويصلون إليه، والذي في السماء الدنيا يقال له: بيت العزة، والله أعلم " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (7/427) .
وإذا كان هذا البيت بهذه المثابة والمنزلة، فلا يجوز أن يسمى به أي بيت أو محل أو منشأة، كما لا يجوز أن تسمى هذه الأشياء بالكعبة أو بالبيت الحرام أو بغير ذلك من الأسماء المعظمة؛ لما في ذلك من الامتهان، وانتفاء المشابهة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن: وجود بعض أسماء، نشك في صلاحيتها على بعض المطاعم والملاحم، في بعض أنحاء مدينة الرياض مثل: (مطعم الحمد لله) ، و (ملحمة بسم الله) و (ملحمة التوكل على الله) ، وحيث نرغب الاستفسار عن جواز إطلاق مثل هذه الأسماء على هذه المحلات، نرجو إرشادنا، شكر الله مسعاكم.
فأجابت: " لا يجوز ذلك؛ لما فيه من الاستهانة بالأذكار، وبأسماء الله تعالى، واستعمال ذلك فيما لا يليق، واتخاذه وسيلة لأغراض تخالف ما قصده الشرع المطهر بها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/486) .
وما ذكرته من رغبتك في إعطائه بعدا إسلاميا , تفاديا لطالبي الرشوة، لا يبرر ذلك، ولا يؤثر في منع الرشوة حقيقة، فإن الراشي لا يهمه اسم الشركة، فكم من أسماء لا حقيقة لها، فبادر بإزالة هذا الاسم وتغييره لتسلم من الوقوع في الإثم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1040)
هل يجوز إطلاق اسم "العرَّاب" على منتدى إسلامي؟ والتنبيه على لفظ "إخواننا المسيحيين"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية منتدى إسلامي باسم " العرّاب "؟ ، مع العلم أن " العرّاب " هو الأب الروحي للأخوة المسيحيين، أو الأشبين الذي يحضر مراسيم الزفاف، كذلك للأخوة المسيحيين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هناك ملاحظتان على ما ورد في السؤال، يحسن التنبيه عليهما أولا، ثم نثني بالجواب على أصل السؤال:
1. قولك " مسيحيين " الأولى الالتزام بتسميتهم بما سماهم الله ورسوله به، فنقول عنهم: نصارى، وهو اللقب الذي لا يدل على تزكية أولئك الكفار، أو نسبتهم للمسيح الذي كفروا به في واقع أمرهم، وادعوا أنه إله، أو ابن إله؟!
وقد سماهم الله تعالى في كتابه الكريم " أهل الكتاب "، و " النصارى " نسبة لقرية " الناصرة " في فلسطين، أو لأنهم نصر بعضهم بعضاً.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -: " سمُّوا " نصارى " لنصرة بعضهم بعضاً، وتناصرهم بينهم، وقد قيل: إنهم سمُّوا " نصارى " مِن أجل أنَّهم نزلوا أرضاً يقال لها ناصرة " انتهى.
" تفسير الطبري " (2 / 144) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" وكان المسيح من ساعير أرض الخليل، بقرية تدعى " ناصرة "، وباسمها يسمَّى من اتبعه نصارى " انتهى.
"الجواب الصحيح" (5 /200) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: شاع منذ زمن استخدام كلمة " مسيحي "، فهل الصحيح أن يقال: " مسيحي "، أو " نصراني "؟ .
فأجاب: " معنى " مسيحي " نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه، وهو بريء منهم، وقد كذبوا؛ فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله، فالأولى أن يقال لهم: " نصارى "، كما سماهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) البقرة/ 113 " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (5/387) .
2. قولك عنهم " إخوة "، فهذا لا يجوز.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " الكافر ليس أخاً للمسلم، والله سبحانه يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) .
فليس الكافر - يهوديّاً، أو نصرانيّاً، أو وثنيّاً، أو مجوسيّاً، أو شيوعيّاً، أو غيرهم - أخاً للمسلم، ولا يجوز اتخاذه صاحباً، وصديقاً " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (6/392) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن وصف الكافر بأنه " أخ "؟
فأجاب: " لا يحل للمسلم أن يصف الكافر- أيا كان نوع كفره، سواء كان نصرانيّاً، أم يهوديّاً، أم مجوسيّاً، أم ملحداً -: لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبداً، فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير؛ فإنه لا أخوَّة بين المسلمين وبين الكفار أبداً، الأخوة هي الأخوة الإيمانية، كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/43) ..
ثانياً:
لا ننصحك أن تسمِّي منتداك الإسلامي باسم " العرَّاب "؛ فهو اسم قبيح، وأنتَ ذكرتَ سبباً كافياً للامتناع عن تلك التسمية، وهي تسمية دينية عندهم، وتعني " الأب الروحي " – أب في العِماد " godfather " - وثمة سبب ثانٍ وهو أن هذا الاسم هو لبرنامج فيه فسق ومجون في إحدى قنوات الفساد العربية، وهو – كذلك – يطلق على زعيم عصابات المخدرات في بعض الدول الغربية، وبه يسمَّى الفيلم الأجنبي المشهور الذي يتكلم عن أحوال تلك العصابات.
فلهذه الأسباب جميعاً ننصحك بترك هذا الاسم، واختيار الاسم اللائق بدينك، ولغة قرآنك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: نحن مجموعة من الشباب ملتزمون والحمد لله، ونعمل سويّاً في مكان واحد، ونسكن أيضاً في مكانٍ واحدٍ، ونقوم في وقت الدعابة بمناداة بعضنا البعض بأسماء غير أسمائنا، مثل (جرجس، بطرس، حنَّا، ميخائيل، بنيامين) علماً أنه لا تسبب هذه الأسماء لأحدٍ منَّا شيئا من الغضب أو الزعل، ولكن هذه الأسماء هي أسماء منتشرة بين المسيحيين، فهل هذا حرام؟ علماً بأننا لا ننادي بعضنا بها إلا على سبيل الدعابة.
فأجابت: " هذا العمل لا يجوز؛ لأنه من التشبه بالكفار في أسمائهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، فالواجب: تجنب المناداة بهذه الأسماء الأجنبية، ولو كان ذلك من قبيل المزاح.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26 /32) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1041)
هل يغير اسمه لما يسببه له من مشاكل واضطهاد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اسمي عمر من العراق، طالب جامعي في السنة الأخيرة. مشكلتي هي أنني أعاني كثيراً من المضايقات، والصعاب، والتأخير المتعمد، والتهميش، والظلم، ولا أستطيع أن أمارس حياتي، وأحافظ على ديني، وهذا كله لأن اسمي عمر. وهذا الاسم يكرهه الشيعة الذين هم الآن مسيطرون على الحكم، وكثير من دوائر الدولة وجامعاتها بيدهم، وكل مفاصل الحياة بيدهم، يكرهون هذا الاسم، ويفعلون بصاحبه كل ما يستطيعون من سوء، لا أستطيع أن أعبر عما يجري، ولكني أطلب منكم أن تعطوني حلاً لما أمر به لكي أستطيع أن أمارس حياتي في ظل الدين الإسلامي الصحيح، أريد أن أمارس حياتي وأحافظ على ديني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان بقاؤك بهذا الاسم يسبب لك أذى ومضايقات على النحو الذي ذكرت، فلا حرج عليك في تغييره إلى اسم آخر.
لكن لا يجوز تغيير اسم الأب، والانتساب لغيره؛ لحرمة انتساب الإنسان لغير أبيه.
ونسأل الله تعالى أن ينصر الحق وأهله، ويذل الباطل وأهله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1042)
حكم التسمي بـ (أواب)
[السُّؤَالُ]
ـ[ولد لي مولود ذكر، وقد اخترت له أسم (أواب) ما رأيكم في هذا الاسم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكره التسمي بما فيه معنى التزكية للنفس، كتقي وبار وأواب ونحو ذلك؛ لما روى البخاري (192) ومسلم (2141) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ.
وروى مسلم (2142) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ، فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا الِاسْمِ، وَسُمِّيْتُ بَرَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ) فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيهَا؟ قَالَ: (سَمُّوهَا زَيْنَبَ) .
فسبب الكراهة ما في الاسم من تزكية للنفس ومدحها.
قال النووي رحمه الله: " مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيث تَغْيِير الِاسْم الْقَبِيح أَوْ الْمَكْرُوه إِلَى حَسَن , وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيث بِتَغْيِيرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاء جَمَاعَة كَثِيرِينَ مِنْ الصَّحَابَة , وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّة فِي النَّوْعَيْنِ , وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا , وَهِيَ التَّزْكِيَة , أَوْ خَوْف التَّطَيُّر (التشاؤم) " انتهى من شرح مسلم.
وقال ابن القيم رحمه الله: " وثبت عنه أنه غَيَّر اسم عاصية، وقال: أنت جميلة. وكان اسم جويرية برة، فغيّره رسول الله صلى الله عليه وسلم، باسم جويرية. وقالت زينب بنت أم سلمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم. فقال: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم " انتهى من "زاد المعاد" (2/306) .
وقال في "تحفة المودود" ص 133: " وكما أن تغيير الاسم يكون لقبحه وكراهته، فقد يكون لمصلحة أخرى مع حسنه، كما غير اسم برة بزينب كراهة التزكية، وأن يقال: خرج من عند برة، أو يقال: كنت عند برة؟ فيقول: لا، كما ذكر في الحديث " انتهى.
وعلى هذا؛ فعليك تغيير هذا الاسم إلى اسم حسن، ليس فيه مخالفة للشرع.
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (7180) و (1692) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1043)
هل يؤثر اسم الطفلة على صحتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقنا بطفلة مؤخراً، وأسميناها " دانية فاطمة "، وهي تمرض باستمرار منذ مولدها، ويدعي البعض أن هذا الاسم لا يناسبها، وعلينا تغييره، فهل بوسعكم رجاءً إخباري بمدى صحة هذا القول من الناحية الشرعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى في الاسم المركب: " دانية فاطمة " أي مانع شرعي، فمعناه مقبول مذكور في القرآن الكريم، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: (فهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) الحاقة/21-23.
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: " أي قريبة، يتناولها أحدهم وهو نائم على سريره " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (8/214) .
فإذا سميت الفتاة بـ " دانية " تفاؤلا بقربها من الخير واللين والسهولة: فلا حرج في ذلك، فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ) رواه أحمد (1/415) وحسنه محققو المسند.
ولا نرى أي علاقة بين اسم ابنتكم وبين كثرة الأمراض التي تلحقها؛ فالمرض من قدر الله سبحانه وتعالى، وهو ابتلاء منه عز وجل، كتبه على البشر في هذه الدنيا، وجعله خيراً للمؤمنين، وعقاباً على الكافرين.
وليس لاسم الإنسان تأثير فيه، اللهم إلا من الناحية النفسية:
وقد سبق في موقعنا شرح هذه المسألة في جواب السؤال رقم: (14626) ، وبينا ما ذكره العلماء أن لكل امرئ من اسمه نصيبًا، وبعض الشواهد من السنة النبوية على ذلك.
ولكن ينبغي التنبيه إلى أن العلماء لا يقصدون تقرير أن الاسم مؤثر في الأقدار، وأنه سبب كوني مستقل كسائر الأسباب، وإنما يقصدون بذلك أن للنفس تأثراً بالغاً باسمها الذي تحمله لكثرة تكراره في مسامعها، ولكونه أصبح عَلَمًا تُعرف به، فإذا كان الاسم يحمل معنىً إيجابياً خَيِّرًا أثَّر تَكراره في النفس الحضَّ على امتثال هذا المعنى، والعكس كذلك صحيح، فالأمر يعود إلى انطباع النفس بما يحمله ذلك الاسم من معنى، حتى يصير ذلك عادة لها وسجية.
ولكننا ننبه هنا – من باب الاحتياط – إلى تخوفنا من أن تكون تسمية البنت بـ " دانية فاطمة " يقصد بها ـ في عرفكم ولغتكم ـ إضافة عبودية أو ملك أو رزق أو تدبير أمر هذه المولودة إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها، بنت النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنها قريبة منها، يعني: في جوارها.
فإذا كان هذا هو الواقع والمراد، وكان ذلك المعنى معروفاً في بلادكم ولغتكم، فهو اسم محرَّمٌ حينئذ، يجب تغييره، ولا يستبعد أن يكون مرض الطفلة له علاقة بهذا المقصد الشركي في مثل هذه الأسماء، فمن تعلَّق شيئاً وُكل إليه، ومن لم يعترف لله بالألوهية والربوبية المطلقة أسلمه الله إلى ضعف بشريته وهوان نفسه.
والحاصل أننا لا ننصحكم بتغيير هذا الاسم لعلاج ابنتكم، إلا إذا قصد به إضافة شركية للسيدة فاطمة رضي الله عنها أو غيرها من البشر، وإنما يكون العلاج ببذل الأسباب الحقيقية الطبية، وكثرة الدعاء لها، والصدقة عنها، واحتساب أمرها عند الله عز وجل.
نسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يمن عليها بالشفاء العاجل من عنده سبحانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1044)
حكم انتساب الزوجة إلى عائلة زوجها إذا أصر الزوج على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت على موقعكم الأسئلة والأجوبة المتعلقة بتغيير النساء لألقابهن بعد الزواج. سؤالي: هو هل يمكن للزوج أن يجبر زوجته على تغيير لقبها بدون رضاها؟ وماذا تعمل الزوجة إذا كان الزوج وعائلته يضغطون عليها لتغيير لقبها بحجة القضايا القانونية؟ أرجو التفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تنتسب إلى زوجها أو عائلته؛ لما في ذلك من الانتساب لغير الأب، والتشبه بالكافرين الذين أُخذت عنهم هذه العادة.
روى البخاري (3508) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
قوله: (ليس له فيهم) أي: ليس له فيهم نسب، كما بينته بعض الروايات.
فعلى هذا، ليس للزوج أن يجبر زوجته على ذلك، وإذا أجبرها لم تجب طاعته؛ لأنه طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فتصر على رفضها، وتبين لهم تحريم ذلك، ويُبحث عن الوسائل المشروعة التي تثبت بها الحقوق من الجهة القانونية.
وللفائدة راجعي جواب السؤال رقم (6241) ، (1942) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1045)
تسمية الابن باسم إسرائيل في هذا الزمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمي بـ (إسرائيل) في هذا الزمن بحجة أنه اسم نبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلمة " إسرائيل " ذات دلالات معنوية وتاريخية وعقائدية وعرقية متشابكة، والذي يهمنا منها ما نستطيع الجزم به، أن اسم نبي الله يعقوب عليه السلام هو أيضا " إسرائيل "، فقد جاء القرآن بذلك في موضعين اثنين:
في قوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) آل عمران/93.
وفي قوله عز وجل:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) مريم/58.
وقد ذكرت كتب التراجم والسير جماعة من المسلمين تسموا بهذا الاسم " إسرائيل " من أشهرهم إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أحد رواة الكتب الستة الحفاظ الثقات، انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (7/355) .
فلا حرج – من حيث الأصل – أن يتسمى المسلم بهذا الاسم، فهو اسم لواحد من أعظم الرسل والأنبياء سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام.
وأما في هذه الأزمان، فلا ينبغي تسمية مواليد المسلمين بهذا الاسم لسببين اثنين:
1- الأذى البالغ الذي قد يسببه هذا الاسم للطفل في حياته ومعاملاته، فقد اشتهر هذا الاسم اليوم على الدولة الصهيونية الغاصبة لديار المسلمين، المعادية لهم ولدينهم، وهي ما تسمى بـ " دولة إسرائيل "، ولم يعد الناس يلحظون فيه اسم نبي الله يعقوب عليه السلام، بل لا يلحظون فيه إلا الجرائم والفظائع التي ترتكبها تلك الدولة المسخ في حق إخواننا المستضعفين في الأرض المقدسة، وذلك – ولا شك – سيكون سبب أذية للطفل الذي يحمل هذا الاسم، والواجب على الوالد أن يختار لابنه اسما يحبه الناس ويستبشرون بسماعه، واختلاف الأحوال واللغات والأزمان مؤثر في اختياره، ولا ينبغي الاقتصار فقط على كونه اسم نبي أو صحابي أو واحد من العلماء، فما يصلح في زمان قد لا يصلح في زمان آخر، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (101401) .
2- تنوع المعاني الدلالية لهذا الاسم " إسرائيل "، واشتهارها في هذا الزمن، مما يُخفي المعنى الحقيقي له الذي أطلقه الله سبحانه على نبيه يعقوب عليه السلام.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: " كلمة " يسرائيل " تشير أيضاً إلى نسل يعقوب، ثم أصبحت تشير إلى المملكة الشمالية " يسرائيل " قبل التهجير الآشوري، ثم استُخدمت الكلمة للإشارة إلى سكان المملكة الجنوبية " يهودا " بعد سقوط مملكة يسرائيل، إلى أن حلت كلمة " يهودي " محلها، وللكلمة في دلالتها الاصطلاحية معنيان أساسيان: فهي تعني اليهود بوصفهم شعباً مقدَّساً، وتعني فلسطين بوصفها أرضاً مقدَّسة، وهي ترد مضافة إلى كلمات أخرى، مثل: " عام يسرائيل " أي: " شعب إسرائيل "، و " بنو يسرائيل " و " كنيست يسرائيل " أي: " مجمع إسرائيل " أو " جماعة يسرائيل ". وقد بُعثت كلمة " يسرائيلي " مرة أخرى في عصر الانعتاق، في القرن التاسع عشر الميلادي، كما بعثت أيضاً كلمة " عبراني " لأن كلمة " يهودي " كانت تحمل إيحاءات سلبية. وفي العصر الحديث، تُستخدَم عبارة " مدينة إسرائيل " العبرية للإشارة إلى الدولة الصهيونية، وكلمة " إسرائيليين " للإشارة إلى أعضاء التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ولكننا، إذا أردنا التفرقة، فمن المستحسن أن نطلق كلمة: " إسرائيليين " على سكان التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وحدهم، وأن نسمِّي اليهود القدامى - من حيث هم تَجمُّع بشري له خصائص إثنية مُتميِّزة - " عبرانيين " (ومفردها عبراني) ، وأن نسميهم " جماعة يسرائيل "، (وأحياناً اليسرائيليين) لنصفهم من حيث هم جماعة دينية، على أن تظل كلمة " يهودي " مصطلحاً يشير إلى كل من يعتنق اليهودية، وهي العقيدة التي اكتسبت ملامحها الرئيسية في القرن الأول قبل الميلاد " انتهى.
"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (2/206) .
هذا وقد أشار بعض أهل العلم إلى خطأ تسمية دولة اليهود اليوم بـ إسرئيل – كما في "معجم المناهي اللفظية" (ص/93) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1046)
هل تسمية الناس بأسماء الله يعد شركا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقولون إن مناداة الآخرين باسم الله هو شرك، وهذا من الصعب اعتقاده، كون كل واحد يقول الإمام " مالك "، ومثل أنس بن " مالك "، وحتى الله سمى خازن النار " مالك "، وأيضا الوهابيون اتبعوا " وهاب "، وهو اسم من أسماء الله. إذًا أليس هؤلاء الذين يقولون إن استخدام أسماء الله شرك هم أنفسهم مشركون؟ أخبروني من فضلكم ما ينبغي علي فعله؛ لأنه من الصعب أن أضيف " عبد ال " مع كل اسم عندما أنادي أي شخص.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسماء الله تعالى – من حيث اختصاصها به سبحانه – قسمان:
1- أسماء مختصة به عز وجل، لا تطلق إلا عليه، ولا تنصرف إلا إليه، كاسم " الله "، و "الرب"، و " الرحمن "، و " الأحد "، و " الصمد "، و " المتكبر "، ونحوها. فهذه لا يجوز أن يتسمى بها البشر باتفاق أهل العلم.
2- أسماء لا تختص به سبحانه، ويجوز إطلاقها على البشر، وكذلك يجوز التسمي بها، مثل: سميع، بصير، علي، حكيم، رشيد، وقد كان من مشاهير الصحابة من يتسمى بهذه الأسماء، مثل علي بن أبي طالب، وحكيم بن حزام رضي الله عنهم.
فالممنوع فقط هي الأسماء المختصة بالرب عز وجل، مثل: الله، الرحمن.
جاء في حاشية كتاب "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (4/243) من كتب الشافعية:
" جواز التسمية بأسماء الله تعالى التي لا تختص به، أما المختص به فيحرم، وبذلك صرح النووي في شرح مسلم " انتهى. وقرر بعض فقهاء الحنفية ذلك بقولهم: " التسمية باسم الله يوجد في كتاب الله تعالى: كالعلي والكبير والرشيد والبديع جائز؛ لأنه من الأسماء المشتركة، ويراد به في حق العباد غير ما يراد به في حق الله تعالى " انتهى.
وانظر: "بريقة محمودية" (3/234) نقلا عن التتارخانية.
وهو المفهوم من كلام ابن القيم رحمه الله حيث يقول:
" ومما يُمنع تسمية الإنسان به: أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب " انتهى.
"تحفة المودود" (ص/125)
وبناء عليه، فلا حرج من التسمي باسم " مالك " ونحوه، ولا يجب إضافة التعبيد إليه كما يظن الأخ السائل.
وكذلك لا حرج على من ينادي الشخص المسمى بـ " عبد الحكيم "، بـ " حكيم "، فهو من الأسماء التي يجوز أن يتسمى بها الناس، ولا تختص بالله سبحانه، وإن كان الأولى نداؤه بما يحب من اسمه الذي سماه به والده.
ولا نعلم أحدا من أهل العلم يتَّهِم من يتسمَّى بهذه الأسماء بالشرك والكفر، والنصيحة للأخ السائل ألا يتسرَّعَ في اتهام المسلمين من غير تثبت، وإلا وقع فيما يذمه وينتقده.
كما ننصح جميع إخواننا المسلمين ألا يعترضوا على الأحكام الشرعية قبل التَبَيُّن والتثبت.
وأما تسمية طائفة باسم " وهابيون " فلا نعلم أحدا يتسمى به، وإنما أطلق هذا الاسم: بعض أعداء دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبعض الجهات الرسمية في فترة من الفترات لتحقيق مصالحها التي تعارضت مع انتشار دعوة التوحيد على يديه، ثم تتابع كثير من الناس – عمدا أو خطأ – على هذه التسمية الخطأ. يرجى مراجعة الجواب رقم: (36616)
وانظر في آداب تسمية الأبناء (7180)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1047)
مسائل وفوائد وأحكام في " الكُنى "
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في الهند يكنون البنات الصغار بكنى مثل: (كأم هانئ وأم سلمة) ، فهل هذا يصح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الجيد أن يهتم المسلم بأحكام الشرع، حتى في أدق التفاصيل، والأهم من الاهتمام هو العمل بما يعلمه من تلك الأحكام، وفي باب " الكنى " مسائل يجدر التنبيه عليها، وفي آخرها يكون الجواب على عين السؤال، مع مزيد تفصيل فيه:
1. " الكنية " هي كل ما بدئ بـ " أب " أو " أم "، بخلاف الاسم، وبخلاف اللقب.
2. " الكنية " مما يُمدح به المرء ويُكرَم، بخلاف اللقب الذي يكون المدح والذم.
3. يكنَّى الفاسق، والكافر، والمبتدع، إذا لم يعرفوا إلا بكناهم، أو كان ذلك لمصلحة، أو كان في أسمائهم مخالفات شرعية.
قال تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) المسد/ 1.
قال النووي رحمه الله: " - باب جواز تكنية الكافر، والمبتدع، والفاسق، إذا كان لا يُعرف إلا بها، أو خيف من ذِكره باسمه فتنة - قال الله تعالى: (تبت يدا أبي لهب) واسمه: عبد العزى، قيل: ذُكر بكنيته لأنه يعرف بها، وقيل: كراهةً لاسمه حيث جعل عبداُ للصنم ... قلت [القائل: الإمام النووي رحمه الله] : تكرر في الحديث تكنية أبي طالب، واسمه عبد مناف، وفي الصحيح: (هذا قبر أبي رغال) ونظائر هذا كثيرة، هذا كله إذا وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة، فإن لم يوجد: لم يزد على الاسم " انتهى.
" الأذكار " (ص 296) .
4. لا يلزم من التكنية أن تكون بأسماء الأولاد، بل قد تكون نسبة لجماد، أو حيوان.
ومثال الجماد: كنية " أبو تراب "، ومثال الحيوان: كنية " أبو هرّ " أو " أبو هريرة ".
5. لا يلزم من التكنية بالأسماء أن تكون نسبة لأحد أولاد صاحب الكنية.
ومثاله: " أبو بكر الصدِّيق "، وليس له من أولاده من اسمه " بكر ".
6. لا يلزم من التكنية أن تكون نسبة لأكبر أولاد صاحب الكنية، وإن كان هو الأفضل.
عَنْ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِى الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ؟) ، فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟) قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: (فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟) قُلْتُ: شُرَيْحٌ قَالَ: (فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ) .
رواه أبو داود (4955) والنسائي (5387) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز أن يُنادى على أحد بالابن الأصغر؛ لأن الابن الأكبر توفي في صغر سنِّه؟ .
فأجابوا: " الأفضل: أن يكني الإنسان بابنه الأكبر، سواءً كان حيّاً، أو ميتاً، وينادى بتلك الكنية، ولكن لو كنَّاه أحد بابنه الأصغر، وناداه بها: فلا إثم عليه، وسواء كان ابنه الكبير حيّاً، أم ميتاً.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 487) .
7. لا مانع أن تكون الكنية نسبة للإناث من أولاد صاحب الكنية.
قال النووي رحمه الله: " - باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة - اعلم أن هذا كله لا حجر فيه، وقد تكنى جماعات من أفاضل سلف الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم بـ " أبي فلانة "، فمنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه له ثلاث كنى: أبو عمرو، وأبو عبد الله، وأبو ليلى، ومنهم أبو الدرداء، وزوجته أم الدرداء الكبرى ... " انتهى.
" الأذكار " (ص 296) .
8. تشترك المرأة والرجل فيما سبق من الأحكام.
9. قد يكون صاحب الكنية ممن لا يولد له، ولا يمنع هذا من تكنيته.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهَا كُنْيَةٌ غَيْرِي، قَالَ: (فَاكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) فَكَانَتْ تُدْعَى بِـ " أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ " حَتَّى مَاتَتْ.
رواه أحمد (43 / 291) وصححه محققو المسند، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (132) .
10. قد يكنى الرجل أو المرأة بعد الزواج، وقبل أن يولد له، ولا مانع من هذا.
أ. عَن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّاهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ ".
رواه الحاكم (3 / 353) والطبراني في " الكبير " (9 / 65) ، وصححه ابن حجر في " فتح الباري " (10 / 582) .
ب. وروى البخاري في " الأدب المفرد " تحت " باب الكنية قبل أن يولد له " عن إبراهيم النخعي: أن عبد الله بن مسعود كنَّى علقمة " أبا شبل "، ولم يولد له.
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الأدب المفرد " (848) .
11. لا مانع من تكنية الصغير، ولو قبل الفطام، أو أول ولادته، ذكراً كان، أو أنثى.
وقد ذكر أهل العلم فوائد متعددة من تكنية الصغير، ومنها: تقوية شخصيته، وإبعاده عن الألقاب السيئة، وأيضاً تفاؤلاً بأنه سيعيش حتى يولد له.
وقد ثبتت تكنية الصغير في السنَّة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: " أَبُو عُمَيْرٍ " – أَحْسِبُهُ فَطِيمًا – قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ قَالَ: (أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟) قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ.
رواه البخاري (5850) ومسلم (2150) .
والنُّغَيْرُ: طائر صغير يشبه العصفور، وقيل: هو البلبل.
والحديث بوَّب عليه البخاري رحمه الله بقوله: " باب الكنية للصبي، وقبل أن يولد للرجل ".
قال النووي رحمه الله: " وفى هذا الحديث فوائد كثيرة جدّاً، منها: جواز تكنية من لم يولد له، وتكنية الطفل، وأنه ليس كذباً " انتهى. " شرح مسلم " (14 / 129) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (35 / 170، 171) : " قال العلماء: كانوا يكنون الصبي تفاؤلاً بأنه سيعيش حتى يولد له؛ وللأمن من التلقيب.
قال ابن عابدين: ولو كنى ابنه الصغير بأبي بكر وغيره: كرهه بعضهم، وعامتهم لا يكره؛ لأن الناس يريدون به التفاؤل " انتهى.
وبه يتبين الجواب عن السؤال بعينه، وهو جواز تكنية الأطفال، ولو كانوا رضَّعاً بكنى لائقة، ذكوراً أو إناثاً، ولو كانت بكنى بعض الصحابة والصحابيات، وهو أمر حسن غير منكر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1048)
اسم " هبة " وتنوع ألفاظ الناس به
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عما إذا كان المعنى يختلف باختلاف هجاء الاسم: هبه، هبة، هبا، هباه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الهبة هي العطية الخالصة من الأغراض والأعواض، وتسمية المولودة بهذا الاسم اعترافا بمنة الله تعالى وشكرا له على نعمته أمرٌ محمود.
ولهذا الاسم أصل في كتاب الله، ومنه أُخذ اسم " وهْب "، و " موهوب ".
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ) الصافات/100:
" هب لي بعض الصالحين، يريد الولد؛ لأنّ لفظ الهبة غلب في الولد وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً) مريم/53، قال عزّ وجلّ: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) الأنعام/84، (وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى) الأنبياء/90، وقال علي بن أبي طالب لابن عباس رضي الله عنهم حين هنَّأه بولده عليّ أبي الأملاك: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب. ولذلك وقعت التسمية بهبة الله، وبموهوب، ووهب وموهب " انتهى.
"الكشاف" (4/54،55)
أما تنوع ألفاظ الناس بهذا الاسم: (هبة) – بالتاء -، أو (هبا) بالألف، ونحو ذلك، فليس هو من باب تنوع المعاني بتنوع الألفاظ، وإنما هي لهجات تجري بها الألسنة خطأ به، وإنما مردها جميعا إلى الفعل: (وهب) ، والاسم منه هو: (هبة) بالتاء المربوطة، ويوقف عليها بالهاء، فيقال: (هبه) ، أما مناداتها بـ (هبا) ، أو (هباه) أو غير ذلك فهي من الأخطاء التي لا نجد لها معاني خاصة في معاجم اللغة العربية، أو هي نوع من الترخيم والتدليل، يتأثر بحسب طريقة النطق، ولهجة الذين يستعملون ذلك.
جاء في "المعجم الوسيط" (2/1059) :
" (وهب) له الشيء (يهبه) وَهْبًا، وَوَهَبًا، وَهِبَةً: أعطاه إياه بلا عوض، فهو واهب، ووهوب، ووهَّاب، ووهَّابة.
والهبة: العطية الخالية من الأعواض والأغراض. و (شرعا) : تمليك العين بلا عوض " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (69950) ، كما يمكنكم الاستفادة في موقعنا من مجموعة من الأسئلة المتعلقة بتسمية الأبناء، منها مثلا: (101401)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1049)
حكم تسمية المحلات بـ "سيدي" و "سيدتي"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية محلات التصوير، وكذا محلات الملابس التي تبيع الملابس النسائية أو الرجالية بسيدي وسيدتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز إطلاق: (سيدي، سيدتي) على بعض المحلات التجارية؛ لأن هذا يشمل جميع الزبائن، ومنهم الكافر، وتلقيبه بذلك حرام قطعاً، وقد يكون منهم المنافق أو الفاسق، وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا للمنافق سيداً، فإنه إن يَكُ سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل) رواه أحمد وأبو داود.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/293) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1050)
تسمية المستشفيات ودور القرآن بأسماء أعلام المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية المبرات الخيرية والمستشفيات ودور القرآن وغيرها بأعلام المسلمين؛ كالصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المهديين، والقادة المجاهدين، أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج في تسمية المبرات الخيرية والمستشفيات ودور القرآن وغيرها بأعلام المسلمين؛ كالصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المهديين، والقادة المجاهدين، وليست هذه التسمية من البدع في شيء، بل هي من المباحات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (26/383) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1051)
حكم التسمية ب (راما)
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الزملاء سمى ابنته راما ولما بحثت عن معناه عرفت أنه آلهة الهندوس، كذلك قال لي إن معناه الشجاعة والفروسية في الإلياذة الهندية، ولما أخبرته أنه يجب تغيير هذا الاسم لمعناه القبيح، ولما فيه من تشبه بأعداء الله قال لي إنه اسم أحببته ولن أغيره، ما توجيهكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم التسمي بأسماء الأصنام والآلة المعبودة من دون الله تعالى، لما في ذلك من تعظيم الكفر، والتشبه بالكافرين.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/380) : " لا يجوز التسمي بأسماء الأصنام، مثل: مناف واللات والعزى ومناة ونحوها؛ لما فيه من إظهار هذه الأصنام وتعظيمها وإجلالها، وهذا محرم " انتهى.
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: " ومن الأسماء المحرَّم على المسلمين التَّسمَّي بها: التسمية بأسماء الأصنام المعبودة من دون الله تعالى. ومنها:
اللات. العزى. مناة. إساف. نائلة. هبل " انتهى من "معجم المناهي اللفظية".
و"راما" اسم لإله الهندوس، فلا يجوز التسمي به، ويجب تغييره.
وقد جاء في "الموسوعة العربية العالمية" بعد ذكر القصيدة الملحمية رامايانا، وما فيها من تعظيم لراما وزوجته سيتا:
" ويُصور راما عبر معظم أحداث الرامايانا ملِكا بشريا. ولكن حسبما جاء في الإضافات الأخيرة أصبح راما هو الإله فشنو في صورة إنسان. ونتيجة لذلك فإن الهندوس الآن يعبدونه وملكته سيتا بوصفها إلهة " انتهى.
فعلى صاحبك أن يتقي الله تعالى ويحذر انتقامه، وأن يعلم أن هذا الاسم فيه إساءة لابنته، وهو اسم لمذكر لا لمؤنث، وفي الأسماء الكثيرة المحمودة غنية والحمد لله، والمؤمن لا يجري خلف ما يحب ويهوى، وإنما يضبط أمره بالشرع، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36.
وقال سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1052)
التسمي بـ (عون الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اسم عون الله جائز شرعا؟ ً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في التسمي بـ (عون الله) إذ المراد أنه عون من الله، فهو من إضافة المصدر إلى فاعله.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
إنني رجل أدعى: عون الله بن رشيد العتيبي، وقد رأيت رؤيا تكررت مرتين بأن منبها يناديني: يا عبد المعين، يا عبد المعين، ولذا اعتقدت بأن اسمي الحالي من الأسماء المكروهة التي يجوز تغييرها، فهل اسم عون الله من الأسماء المكروهة التي تغير؟ وإذا كان كذلك فهل أغيره على الاسم الذي نوديت به (عبد المعين) ؟ ولو حذفت اسم الجلالة ليصبح عون بن رشيد فهل يجوز؟
فأجابوا: "التسمية بعون الله ليست بمحرمة، ولا مكروهة شرعا؛ لأن معنى هذا الاسم عون من الله، وهذا معنى لا تأباه الشريعة، بل يتفق مع مقاصدها، وعلى هذا فلا داعي لتغيير اسمك ولا الحذف منه، وينبغي ألا تعول على الرؤيا التي رأيت، فإن الرؤيا أحيانا تكون صادقة، وأحيانا تكون أضغاث أحلام لا صحة لها، فلا يبنى عليها حكم شرعي ولا تغيير أسماء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/475) .
ولمعرفة آداب تسمية المولود، ينظر جواب السؤال رقم (7180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1053)
هل يجب على من أسلم أن يغير اسمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم مَنْ يعتنق الإسلام أن يغير اسمه القديم إلى اسم إسلامي جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزم ذلك، إلا إذا كان الاسم مما لا يجوز إقراره شرعاً، كالاسم المعبد لغير الله، ونحو ذلك، فإنه يلزمه تغييره، وكذلك لو كان الاسم خاصاً بالكفار، لا يتسمى به غيرهم، فيجب تغييره أيضاً لئلا يكون متشبهاً بالكفار، ولئلا يحن إلى هذا الاسم الذي يختص بالكافرين، أو يُتهم بأنه لم يسلم بعد" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/4) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1054)
جواز التكني بـ أبي الطيب فهو ليس من أسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمية باسم (أبو الطيب) ، هل تجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف أهل العلم في عدِّ " الطيب " مِن أسماء الله تعالى، فذكره ابن منده، وابن العربي، والشيخ ابن عثيمين، في تعدادهم لأسماء الله عز وجل، ولم يذكره الأكثرون من العلماء: كسفيان بن عيينة، والخطابي، والحليمي، والبيهقي، وابن حزم، والقرطبي، وابن القيم، وابن حجر، والسعدي، وغيرهم ممن جمعوا أسماء الله الحسنى.
انظر "معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى" محمد بن خليفة التميمي (ص/157) .
والصواب مع هؤلاء الجمهور إن شاء الله تعالى، إذ لا دليل على اعتبار " الطَّيِّب " من الأسماء الحسنى، وأما الحديث الذي استدل به الفريق الأول، وهو ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) .
فالجواب أن هذا الحديث ليس فيه إثبات " الطَّيِّبِ " من أسماء الله تعالى، بل فيه إثباته من الصفات، وفرقٌ بين الأمرين يدل عليه السياق؛ فالحديث مسوق أصلا لمقصد آخر، وهو الحث على أكل الحلال واجتناب الحرام، فبدأ بإثبات وصف الطيب له سبحانه للتقديم بين يدي ما يحبه الله وما يرضاه ويحله، وسياقه لفظ " طيب " من غير أل التعريف قرينة على ذلك، فأسماء الله تعالى غالبا ما تساق معرفة للدلالة على الاستغراق، وأما قوله " إن الله طيب " فالمقصود وصف الله تعالى بالطيب، وليس تسميته به، فالتسمية قدر زائد على الوصف المجرد، وباب الصفات والأخبار أوسع من باب الأسماء.
ثانيا:
وعلى فرض كون " الطيب " من أسماء الله تعالى، فهو ليس من الأسماء المختصة التي لا تنصرف إلا إليه عز وجل، إذ الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز التسمي بأسماء الله التي لا تختص به، مثل: علي، حكيم، رشيد، فقد كان من مشاهير الصحابة من يتسمى بهذه الأسماء، والممنوع فقط هو الأسماء المختصة بالرب عز وجل، مثل: الله، الرحمن.
جاء في حاشية كتاب "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (4/243) من كتب الشافعية:
" جواز التسمية بأسماء الله تعالى التي لا تختص به، أما المختص به فيحرم، وبذلك صرح النووي في شرح مسلم " انتهى.
وقرر بعض فقهاء الحنفية ذلك بقولهم:
" التسمية باسم الله يوجد في كتاب الله تعالى: كالعلي والكبير والرشيد والبديع جائز؛ لأنه من الأسماء المشتركة، ويراد به في حق العباد غير ما يراد به في حق الله تعالى " انتهى.
انظر: "بريقة محمودية" (3/234) نقلا عن التتارخانية.
وهو المفهوم من كلام ابن القيم في "تحفة المودود" (ص/125) :
" ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب " انتهى.
وقد سبق تقريره في جواب السؤال رقم (114309) (1692) .
فالحاصل مما سبق هو جواز التسمي والتلقب بـ " الطيب "، وجواز التكني بـ " أبي الطيب "؛ إذ لا محذور في ذلك، وفي علماء المسلمين وفقهائهم وحفاظهم عشرات ممن تسموا أو تكنوا بهذه الكنية الطيبة، من غير نكير من أحد عليهم على حد بحثنا وعلمنا، منهم فقيه الشافعية بخراسان الإمام أبو الطيب الصعلوكي (404هـ) شيخ الحاكم والبيهقي، ومنهم شيخ الإسلام القاضي أبو الطيب الطبري (450هـ) شيخ الخطيب البغدادي، وغيرهم كثير.
فمن يدعي تحريم هذه الكنية فعليه الدليل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1055)
حلف أن يسمي ولده باسم صديقه ويريد الرجوع عن ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مع أحد الزملاء وحلفت له إذا أتاني مولود ذكر سوف أسميه على اسمك، واسمه خالد، وأنا أريد أن أسميه بتال، وللعلم هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حلفت أن تسمي المولد خالدا، ثم رأيت أن تسميه باسم آخر، فكفر كفارة يمين، لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/39.
وانظر تفصيل الكلام على هذه الكفارة في جواب السؤال رقم (45676) .
ولم يتضح لنا المقصود بقولك: هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه.
فلا علاقة لهذا بتسميته خالدا أو بتالا، بل سل الله تعالى أن يحفظه.
وعليك أن تختار له الاسم الحسن، فإن هذا من الأمور المندوب إليها شرعا، وانظر جواب السؤال رقم (7180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1056)
انتساب الزوجة إلى عائلة زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوجة أن تضيف اسم زوجها الأخير إلى اسمها الأخير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للزوجة أن تنتسب إلى عائلة زوجها، كما هو شائع عند غير المسلمين؛ لما روى
البخاري (3508) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ – أي نسب - فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ.. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رواه ابن ماجة (2599) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6104) .
وهذا وعيد شديد لمن غير اسم أبيه أو عائلته وانتسب إلى عائلة أو قوم لا ينتمي إليهم.
كما أن هذا العمل في تشبه بالكفار، لأن هذه العادة الذميمة لا تعرف إلا فيهم، وعنهم أخذها بعض الجهلة من المسلمين.
وفيها أيضا جحود ونكران من المرأة لعائلتها وأهلها، مما ينافي البر والإحسان ومكارم الأخلاق.
وينظر جواب السؤال (6241) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1057)
حكم تسمية البنت بلينة وياسمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تسمية البنت ب لينة وياسمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تسمية البنت بلينة أو ياسمين، واللينة هي النخلة الصغيرة أو النخلة بصفة عامة، والياسمين معروف.
قال الله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الحشر/5
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم (7180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1058)
حكم تسمية الفتاة بـ (تولين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية المولودة (فتاة) باسم (تولين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي تسمية الأولاد بالأسماء الحسنة، ذات المعاني الفاضلة، فالأسماء قوالب المعاني، ولكل إنسان نصيب من اسمه.
ومن الأسماء الحسنة: أسماء أمهات المؤمنين كخديجة وعائشة وزينب، وأسماء الصحابيات الفضليات كفاطمة وأسماء، وينظر جواب السؤال رقم (14622) و (101401) .
وأما التسمية بأسماء الكفار، فأقل أحوالها الكراهة، لما تدعو إليه من تعظيم الكافر، وربما جرت إلى التشبه به ومحاكاته، كمن يسمي بنته ديانا مثلا.
والاسم الذي ذكرت، لا نعرف معناه، ولا نرى أن تُسمى به الفتاة، بل يُختار لها اسم حسن يدل على كونها مسلمة، ولا يتحرج أبناؤها وبناتها فيما بعد من ذكره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1059)
الألقاب الدينية بين الإسلام والنصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين لقبي " شيخ " و " إمام "؟ وما هي المؤهلات التي يجب أن تكون لدى من يحصل على هذين اللقبين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدين الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى هو دين التوحيد، الإسلام، ولأجله بعث الرسلَ وأَنزَلَ الكتب، ومن فضله سبحانه على عباده أن حفظ هذا الدين، وكتب له البقاء والدوام بحفظ أصوله وثوابته من خلال العلماء الربانيين الصادقين، الذين يحملون أمانة الوحي ويؤدونها كما أمرهم ربهم عز وجل.
وقد وقع في تاريخ الأمم السابقة من التحريف والتشويه لمضمون رسالات الأنبياء الشيء الكثير، حيث ضيَّع أكثر علمائهم الأمانة، واشتروا بعهد الله ثمنا قليلا، فأطغاهم الهوى والشيطان، وأحدثوا في دينهم ما لم يأذن به الله، وكان من أخطر ما شوهوا به رسالات الأنبياء مبدأ " الواسطة " بين الحق والخلق، بين الرب العظيم وبين عباده، أرادوا بها حفظ عروش الطغيان التي تجبروا بها على الخلق، وتعليق مصائرهم بأيديهم، من خلال حكم الهيئة الناطقة باسم " السماء "، اخترعوا لهذه الهيئة ألقابا وأسماء، ووضعوها على مراتب ومدارج، يرتقي " رجل الدين " في طبقاتها المرسومة باسم " الرب "، حتى يبلغ مرحلة النيابة عن " الله " في مرتبة " الحبر الأعظم " أو ما يسمى " البابا "
يقول المؤرخ الانجليزي " ويلز " في كتابه "معالم تاريخ الإنسانية" (3/720) :
" بيد أن مسيحية القرن الرابع الكاملة التكوين، وإن احتفظت بتعاليم يسوع في الأناجيل كنواة لها، كانت في صلبها ديانة كهنوتية من طرازٍ مألوفٍ للناس من قبل منذ آلاف السنين، وكان " المذبح " مركز طقوسها المنمَّقة، والعملُ الجوهري في العبادة فيها هو القربان الذي يقربه قسيس متكرس للقداس، ولها هيئة تتطور بسرعة مكونة من الشمامسة والقساوسة والأساقفة " انتهى.
وقد أخذت هذه الهيئة سلطتها وطريقة ترتيبها من الهيكل السياسي للإمبراطورية الرومانية كما يقول فضيلة الشيخ سفر الحوالي في كتابه "العلمانية" (79) :
" وساعد وجودهم – يعني القساوسة والرهبان - ضمن الإمبراطورية الرومانية على تثبيت مراكزهم وتدعيمها، وذلك بأنهم اقتبسوا من الأنظمة والهياكل السياسية للدولة فكرة إنشاء أنظمة وهياكل كهنوتية، وكما كانت هيئة الدولة تمثل هرماً قمته الإمبراطور وقاعدته الجنود، كانت الهيئة الكنسية تمثل هرماً مقابلاً: قمته " البابا "، وقاعدته " الرهبان "، ونتيجة لمبدأ فصل الدين عن الدولة رعت الإمبراطورية الهرم الكنسي، ولم تر فيه ما يعارض وجودها، فَرَسَخَ واستقر " انتهى.
أما في شريعة الإسلام المحفوظة، فلا تجد طبقية تكرس التسلط والتجبر، ولا تجد إلا نصوص المساواة في العبودية بين جميع الخلق، أفضلهم أتقاهم، وأقربهم إلى الله أقومهم بشرعه.
يقول الله عز وجل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13
ويقول سبحانه: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) الأحقاف/19
بل إن جوهر شريعة الإسلام يقوم على إلغاء وساطات قطاع الطرق، الذين يحولون بين العباد وبين الله، باسم " الوساطة " أو " الشفاعة "، وتنسب ذلك للمشركين الذين حاربوا رسالة التوحيد. يقول الله عز وجل عنهم: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يونس/18
يقول العالم الفرنسي المهتدي "ناصر الدين دينيه":
" الوسيلة هي إحدى كبريات المسائل التي فاق بها الإسلام جميع الأديان، إذ ليس بين الله وعبده وسيط، وليس في الإسلام قساوسة ولا رهبان، إن هؤلاء الوسطاء هم شر البلايا على الأديان، وإنهم لكذلك مهما كانت عقيدتهم، ومهما كان إخلاصهم وحسن نياتهم، وقد أدرك المسيح نفسه ذلك، ألم يطرد بائعي " الهيكل "؟ غير أن أتباعه لم يفعلوا مثلما فعل، واليوم لو عاد عيسى فكم يطرد من أمثال بائعي الهيكل؟ " انتهى. نقلا عن "العلمانية" (ص/81)
أما منزلة فقهاء الشريعة وعلماء الدين، فهي مرتبة علمية صرفة، تعني قيام مؤهل العلم والمعرفة في حاملها، بناء على دراسته وتحصيله العلمي الذي يتلقاه من الجامعة أو حلقات العلم أو الكتب، ولا ترتسم بهيئات دينية مرتبة، ولا بطقوس كهنوتية تمنحهم سلطانا باسم الرب، إنما هي درجة من التخصص المعرفي – كأي حقل من حقول المعرفة التي يدرسها المتخصصون – وهم في دائرة الصواب والخطأ، وفي دائرة النقد المبني على الدليل، وليس لأحد منهم من الأمر شيء، فلا يحل ولا يحرم، ويأمر ولا ينهى، إلا رب العالمين، وما هم إلا مبلغين لشرعه، ومعلمين للناس ما أتاهم من عند رب العالمين، ثم هم ـ أيضا ـ كما أشرنا ليسوا معصومين في فهمهم لما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في حفظه وتبليغه، وإنما الحكم المعصوم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي يرجع إليه عند الاختلاف: هو وحي الله تعالى: كتابه الكريم، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما أجمعت عليه الأمة، فإن أمته صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة.
وما الألقاب والأسماء التي أطلقها العلماء على بعضهم، أو يطلقها الناس في كلامهم إلا تسمياتٌ لهذه المرتبة " مرتبة العلم بأحكام الشريعة "؛ وقد يكون فيها نوع من التمييز للعلم الذي تخصص به، مثل لقب: "الفقيه" أو "المفتي"، لمن كانت عنايته بالفقه والفتوى، أو: "المفسر"، لمن كانت عنايته بتفسير كتاب الله عز وجل، أو: "المحدث" و"الحافظ" لمن كانت عنايته بعلم الحديث.
وقد يُطلق عليه من أوصاف الثناء على سعة معرفته واطلاعه فيسمى بـ " شيخ الإسلام " أو " العلَّامة " أو " الإمام " ونحو ذلك من الإطلاقات التي يُقصَد بها وصفُ مستحق هذا الإطلاق بالعلم والمعرفة، ولا يقصد بها بوجه من الوجوه مرتبةً كهنوتية ينالها بتدرجٍ معيَّنٍ في مراحل التدين والرهبانية.
بل حتى إِنَّ وصفَ الدرجة العلمية بإطلاق هذه الألقاب لم يأخذ اصطلاحا محددًا مقسَّما، ليُسَمَّى من بلغ من العلم إلى حد معين باسم يختلف عن حد آخر..وهكذا، إنما هي أوصاف تقديرية نسبية، لا تأخذ تقسيما محددا، ولا تدل على قدر مرسومٍ من العلم، بل تدل على الثناء العام أو التخصص المعين.
فليس هناك فروق دقيقة بين ألقاب " الإمام " و " العالم " و " الشيخ "، ولا يجوز لأحد أن يفهم إطلاقها في كتب العلم أو على ألسنة العلماء بما وقع في الملل الأخرى من بدعة " رجال الدين " أو " الإكليروس ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1060)
تسأل عن أسماء حسنة للإناث مع معانيها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بحاجة لأسماء جيدة لأطفال بنات مع بيان معانيها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأولاد هبات من الله تعالى، أنعم بها على الوالدين، وأوجب تجاههم حقوقا كثيرة عظيمة، تبدأ باختيار الاسم الحسن الذي سيحمله فيما يستقبل من عمره.
قال الماوردي رحمه الله في كتابه "نصيحة الملوك" (ص167) :
" فإذا ولد المولود، فإن من أول كراماته له وبره به أن يُحَلِّيَه باسمٍ حسنٍ، فإن للاسم الحسن موقعاً في النفوس مع أول سماعه " انتهى باختصار.
ثانيا:
وهذه بعض الإرشادات التي يحسن الوقوف عليها قبل اختيار الاسم:
1- ليس من المستحب التمسك بأسماء جميع الصحابة أو الصحابيات، فقد كان من أسمائهم ما هو مقبول معروف في محيطهم، إلا أنه مستغرب في مجتمع آخر.
وقد ذكر الماوردي في كلامه السابق شيئا مما يستحب في الأسماء، ومنها:
" أن يكون حسناً في المعنى، ملائماً لحال المُسمَّى، جارياً في أسماء أهل طبقته وملته وأهل مرتبته " انتهى.
فعلى الوالدين أن يختاروا اسماً حسناً لولدهم، ولا يكون شاذاً أو غريباً عن المجتمع الذي يعيشان فيه، فإن غرابة الاسم قد تكون سبباً للاستهزاء به أو بصاحبه، وقد يخجل صاحبه من ذكر اسمه أمام الناس.
فمن أراد أن يتشبه بأسماء الصحابة والأنبياء والصالحين، فليختر منها ما يناسبه ويناسب مجتمعه وقومه.
2- لا يلزم غير العرب أن يتسموا بالأسماء العربية، والواجب هو الابتعاد عما يختص به أهل الديانات الأخرى من الأسماء، وما يغلب استعماله في أهل تلك الديانة،
" كجرجس وبطرس ويوحنا ومتى ونحوها، لا يجوز للمسلمين أن يتسموا بذلك؛ لما فيه من مشابهة النصارى فيما يختصون به " نقلا عن "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (3/251)
أما إذا كان اسما أعجميا - غير عربي - ذا معنى حسن طيب، فلا حرج من استعماله والتسمي به، فقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يتسمون ويسمون أبناءهم بأسماء حسنة طيبة، يأخذونها من عرفهم وعوائدهم، ولا يلتزمون فيها العربية، ومن ذلك: إسرائيل وإسحاق وموسى وهارون.
3- ينبغي اجتناب الأسماء القبيحة أو تلك التي تزكِّي أصحابها.
قال الطبري رحمه الله – كما نقله ابن حجر في "فتح الباري" (10/577) -:
" لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص، ولا يقصد بها حقيقة الصفة، لكنَّ وجهَ الكراهة أن يسمع سامع بالاسم، فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يُحوِّل الاسم إلى ما إذا دُعيَ به صاحبه كان صدقاً " انتهى.
ومن أسماء الإناث التي أنكرها النبي صلى الله عليه وسلم اسم " عاصية "، فغيره إلى " جميلة " كما رواه مسلم (2139) .
ومن الأسماء المكروهة التي تشتهر في بعض بلاد المسلمين، الأسماء المضافة إلى لفظ (الدين) أو (الإسلام) ، مثل: نور الدين، أو عماد الدين، أو نور الإسلام، ونحو ذلك فقد كرهها أهل العلم للذكور والإناث، لما فيها من تزكية صاحبها تزكية عظيمة
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:
" وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين (الدين) و (الإسلام) ، فالإضافة إليهما على وجه التسمية فيها دعوى فجة تُطل على الكذب، ولهذا نص بعض العلماء على التحريم، والأكثر على الكراهة؛ لأن منها ما يوهم معاني غير صحيحة مما لا يجوز إطلاقه، وكانت في أول حدوثها ألقاباً زائدة عن الاسم، ثم استعملت أسماء " انتهى. "تسمية المولود" (ص/22) .
4- وفي أسماء الإناث: ينبغي اجتناب الأسماء التي فيها معانٍ تلحظ الشهوة، مثل: فتنة أو فاتن، وكذا ناهد أو ناهدة (وهي التي ارتفع ثديها وبرز)
كما يجب تجنب تسمية الإناث بأسماء الملائكة، لأن في ذلك تشبهاً بالمشركين في ظنهم أن الملائكة بنات الله.
يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:
" أما تسمية النساء بأسماء الملائكة، فظاهر الحرمة؛ لأن فيها مضاهاةً للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وقريب من هذا – يعني في الحرمة - تسمية البنت: ملاك، ملكة " انتهى "تسمية المولود" (ص/24) .
ثالثا:
أما الأسماء المباحة المقترحة فهي كثيرة جدا، ولا يمكن حصرها، لكن نذكر شيئاً منها:
آمنة: هي المطمئنة التي لا تخاف.
شَيْماء: ذات الشيم والفضائل.
أروى: أنثى الوعل، وبمعنى أحسن وأبهى.
عائشة: ذات حياة.
أسماء: قيل مشتق من الوسامة وقيل من السمو وهو العلو.
ريم الغزال شديد البياض.
عالية: من الرفعة والعلو.
جويرية: تصغير جارية، وهو اسم إحدى زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رحمة: هي اللين والشفقة.
بسمة: انفراج الشفتين تعبيرا عن السرور.
رزان: الوقور من النساء.
عفاف: من العفة والطهارة والنزهة.
زينب: شجرة طيبة الرائحة.
سارة: تضفي السرور على النفس.
ميمونة: هي المرأة المباركة.
رانية: مطيلة النظر مع سكون الطرف.
سعاد: التوفيق واليمن والبركة، ونقيض الشقاء.
مريم: اسم عبري بمعنى مرتفعة أو سيدة البحر.
سلمى: امرأة ناعمة الأطراف، ومن السلامة أيضا.
نورة: قبس من الضوء.
سُمَيَّة: تصغير سماء، بمعنى سامية عالية رفيعة الشأن
هاجر: الجيد الحسن، والفائق على غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1061)
إطلاق لفظ الوالد على العالم والمربي وكبير السن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إطلاق كلمة والد على العلماء فيه تشبه بنصارى العرب الذين يسمون القساوسة بالآباء والأعاجم في كلمة " البابا" على مرجعيتهم الدينية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في مخاطبة العالم أو الشيخ الكبير بالوالد، أو بالأب، على معنى أنه بمنزلتهما في الاحترام والتوقير، لا أبوة النسب.
وقد روى أبو داود (8) والنسائي (40) وابن ماجه (313) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ،..) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد جاء في القرآن إطلاق الأب على غير أب الصلب، كما في قوله تعالى: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة/133.
وإسماعيل عليه السلام من أعمامه لا من آبائه.
وفي "فتاوى ابن الصلاح" رحمه الله (1/186) : " هل يجوز أن يطلق في الكتاب العزيز، والحديث الصحيح على الأب من غير صلب؟
فأجاب رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل) ، وإسماعيل من أعمامه لا من آبائه.
وقال سبحانه وتعالى: (ورفع أبويه على العرش) ، وأمه كان قد تقدم وفاتها، قالوا: والمراد خالته، ففي هذه استعمال الأبوين من غير ولادة حقيقية وهو مجاز صحيح في اللسان العربي.
وإجراء ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم والعالم والشيخ سائغ من حيث اللغة والمعنى، وأما من حيث الشرع، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) ، وفي الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم) .
فذهب لهذا بعض علمائنا إلى أنه لا يقال فيه صلى الله عليه وسلم أنه أب المؤمنين، وإن كان يقال في أزواجه أمهات المؤمنين، وحجته ما ذكرت، فعلى هذا يقال هو مثل الأب أو كالأب أو بمنزلة أبينا، ولا يقال هو أبونا أو والدنا، ومن علمائنا من جوز وأطلق هذا أيضا، وفي ذلك للمحقق مجال بحث يطول، والأحوط التورع والتحرز عن ذلك.....) انتهى بتصرف.
وقد نص الشافعي رحمه الله على أنه يجوز أن يقال: أبو المؤمنين، أي في الحرمة. انظر: "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" (4/91) .
وقال القرطبي رحمه الله: " والصحيح: أنه يجوز أن يقال إنه أب للمؤمنين، أي في الحرمة، وقوله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) أي في النسب " انتهى.
فلا حرج في إطلاق "الأب" عليه صلى الله عليه وسلم، ولا يضر كون النصارى يستعملون ذلك، فإن التشبه بهم إنما يمنع فيما كان من خصائصهم، أما هذا الإطلاق فمما يشترك فيه الناس من العرب وغيرهم، بل وقبل وجود النصارى، كما قال الله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/78.
فسماه الله تعالى أبا للمؤمنين.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (12/91) : " وإبراهيم هو أبو العرب قاطبة. وقيل: الخطاب لجميع المسلمين، وإن لم يكن الكل من ولده، لأن حرمة إبراهيم على المسلمين كحرمة الوالد على الولد " انتهى.
ولا يزال الناس يستعملون هذا في مخاطباتهم، فيقولون للعالم والمربي وكبير السن: الوالد، ويقول الواحد من هؤلاء لمن هو أصغر منه: يا بنيّ، ونحو ذلك.
وروى مسلم في صحيحه (2151) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا بُنَيَّ) .
وبوب عليه النووي رحمه الله: " باب جواز قوله لغير ابنه: يا بني، واستحبابه ".
والبنوة هنا كالأبوة ولا فرق، فلا يراد بها بنوة النسب، وإنما يراد من ذلك إظهار الشفقة والرحمة، وهو استعمال سائغ، ولو استعمله القساوسة مع أتباعهم، فإن هذا ليس من خصائصهم كما سبق.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: اشتهر في الوقت الحالي إطلاق لقب والد على علماء الدين الإسلامي كبار السن والعلم والمقام، فهل إطلاق هذا اللفظ يجوز؟ مع ملاحظة الآتي: أن النصارى يطلقون لفظ البابا على علمائهم الكبار في العلم والمقام.
لم يرد عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الصحابة أو التابعين أو السلف إطلاق لفظ الوالد أو الأب على العلماء.
لو كان لأحد أن يلقب بالوالد، لما كان أحد أحق بها من رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال ربنا فيه: (ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) .
فأجاب:
" الحمد لله، لا نعلم أن أحداً من العلماء قد صار لفظ الوالد لقباً له، لكن جرت العادة في بعض المجتمعات أن يعبروا عن كبير السن بالوالد، سواء كان عالماً أو غير عالم، فيذكر هذا اللفظ في مخاطبته يقال: يا والدي أو يا والد أو في الخبر عنه. فلم يصل الأمر إلى أن يكون فيه شبه من المصطلح النصراني، فالنصارى يجعلون ذلك لقباً لكبير أهل ملتهم، وأما قولك إن الرسول صلى الله عليه وسلم مع علو قدره وفضله وعظيم حقه على أمته ليس أباً استدلالاً بقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) الأحزاب/40، فالأبوة المنفية هي أبوة النسب، وأما الأبوة أبوة المنزلة والاحترام فهي ثابتة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاء في بعض القراءات (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم) الأحزاب/ 6، فهذه الأبوة والأمومة أبوة منزلة واحترام وإكرام، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد) وهو فوق ذلك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحقه على أمته أعظم من حق الوالدين وجميع الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) البخاري (14) ، ومسلم (44) والله أعلم " انتهى.
والحاصل أنه لا حرج في مخاطبة العالم والشيخ الكبير بالوالد، ولا يعد هذا تشبها بالنصارى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1062)
حكم التسمي ب " ركان "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية الولد " ركان " لأن هناك من يقول إنه اسم لأحد أبواب جهنم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختيار الاسم الحسن حق للمولود على والده، لأن الاسم له أهمية في حياة الإنسان، فهو عنوان المسمّى ودليل عليه، وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه، وهو للمسمّى زينة ووعاء وشعار، يُدعى به في الآخرة والأولى، وهو في طبائع الناس له اعتباراته ودلالاته، فهو عندهم كالثوب، إن قَصُر شان، وإن طال شان.
وقد سبق بيان أهم الآداب التي ينبغي مراعاتها في اختيار اسم المولود، في جواب السؤال رقم (7180) .
والتسمي بركان، لا حرج فيه، وقد كان من أسماء العرب: رُكان، ورُكانة، وركين، ولم لم نقف على كونه اسما لأحد أبواب جهنم، فإن ثبت ذلك كره التسمي به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1063)
حكم التسمي باسم لارا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم رجاء أن تحيطونى علما بماإذا كان اسم لارا اسما إسلاميا، وماذا يعنى هذا الاسم، فقد رأيت هذا الإسم فى أحد كتب الأسماء الإسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على هذا الاسم ولا على اشتقاقه في مصادر اللغة العربية، والظاهر أنه منقول من لغة أخرى.
وعلى هذا فلا ينبغي التسمي به حتى يعرف معناه، فإذا لم يشتمل على معنى مكروه ينافي الدين والخلق، كأسماء الآلهة، أو ما يتضمن الميوعة والدعوة إلى المنكر، أو يتضمن تزكية النفس، فلا حرج في التسمي به.
والأولى أن يسمي الإنسان أبناء وبناته بالأسماء الحسنة، التي يعرف معناها.
وينظر السؤال رقم (1692)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1064)
هل تتزوج مسلماً أهله كاثوليك؟ هل يُنسب أولادها لقومه الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إذا تزوج مسلم تحول حديثا للإسلام هل يهم إذا كانت عائلته كاثوليكية؟ أيضا بعد الزواج هل يأخذ الأطفال الاسم الأخير للأب حيث إنه غير مسلم؟ أرجوكم انصحوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرَّم الإسلام على المرأة التزوج بغير مسلم، وهو أمرٌ متفق عليه لا خلاف بين العلماء في هذا الحكم.
قال القرطبي – رحمه الله -:
وأجمعت الامة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه؛ لِما في ذلك من الغضاضة على الإسلام.
" تفسير القرطبي " (3 / 72) .
وينظر أجوبة الأسئلة: (69752) و (6402) و (22468) .
ويجوز للمسلمة أن تتزوج مسلماً هداه الله للإسلام بعد أن كان كافراً، ولا يهم أن تكون أسرته كاثوليكية أو غيرها من مذاهب وأديان الكفر، ولا يهم ـ كذلك ـ ما إذا كانت هدايته للإسلام قديمة، أو كان قد دخل في الإسلام لتوه؛ لكن المهم ـ كل الأهمية حقا ـ أن يكون إسلامه حقيقيّاً لا صوريّاً من أجل الزواج بمسلمة؛ حيث وُجد من يُظهر دخوله في الإسلام عن اقتناع ويكون الحال خلاف ذلك، فإن عُلم هذا الحال منه: فلا تجري على مثل هذا أحكام الإسلام.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا بد أن تفهم الكلمة وتعقلها، " لا إله إلا الله " أفضل الكلام , وهي أصل الدين، وأساس الملة، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوامهم، فأول شيء بدأ به الرسول قومه أن قال قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا , قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25، وكل رسول يقول لقومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) فهي أساس الدين والملة، ولا بد أن يعرف قائلها معناها , فهي تعني أنه لا معبود بحق إلا الله، ولها شروط وهي: العلم بمعناها، واليقين وعدم الشك بصحتها، والإخلاص لله في ذلك وحده، والصدق بقلبه ولسانه، والمحبة لما دلت عليه من الإخلاص لله، وقبول ذلك، والانقياد له، وتوحيده ونبذ الشرك به مع البراءة من عبادة غيره , واعتقاد بطلانها، وكل هذا من شرائط قول لا إله إلا الله وصحة معناها، يقولها المؤمن والمؤمنة مع البراءة من عبادة غير الله، ومع الانقياد للحق، وقبوله، والمحبة لله، وتوحيده، والإخلاص له، وعدم الشك في معناها؛ فإن بعض الناس يقولها وليس مؤمناً بها كالمنافقين الذين يقولونها وعندهم شك أو تكذيب.
فلا بد من علم، ويقين، وصدق، وإخلاص، ومحبة، وانقياد، وقبول، وبراءة.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 49، 50) .
وانظر تفصيل شروط شهادة (لا إله إلا الله) بأدلتها في جوابي السؤالين: (9104) و (12295) .
ثانياً:
وبعد زواج المسلمة بمسلم فإن أولادهما يُنسبون إلى أبيهم، ولا يجوز غير ذلك، حتى لو كان أهله كفاراً، فهذا نسبٌ تُبنى عليها أحكام كثيرة كصلة الرحم والمواريث وتحريم أو إباحة الزواج، وغير ذلك، ولذا فلا يجوز نسبة الابن المسلم لغير أبيه وأسرته، وقد جاءت النصوص النبوية بالتشديد في هذا الأمر، وجعل مخالفه واقعاً في كبيرة من كبائر الذنوب.
عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن ادَّعَى أَباً فِي الإِسْلامِ غَيْرَ أَبيهِ يَعْلَمُ أنَّه غَيْرُ أَبِيهِ فالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) .
رواه البخاري (4072) ومسلم (63) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيْسَ مِن رجل ادعى لِغَيْرِ أَبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ، وَمَن ادَّعَى قَوْماً لَيْسَ لَهُ فِيهِم نَسَبٌ فَلْيَتَبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) .
رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وفي الحديث: تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والادعاء إلى غيره.
" فتح الباري " (10 / 308) .
ولا يُعرف في الأنبياء والصحابة والتابعين وأهل العلم من غيَّر نسبه من أجل كون آبائه أو أجداده كفَّاراً! بل لا يفعل ذلك عاقل؛ لما يترتب على ذلك من أمورٍ منكرة.
ولو تأمل أحدٌ كتب التراجم فسيجد أسماء أعجمية لآباء وأجداد كثير من علماء المسلمين؛ حيث منَّ الله على الأبناء بالإسلام وظلَّ أهاليهم على الكفر، ولم يتغير نسب هؤلاء العلماء لأهاليهم وقبائلهم مع وجود الأعجمية في الأسماء، والكفر في الأديان.
ولمَّا حرَّم الشرع التبني حرَّم نسبة المتبنّى لغير أبيه وقبيلته، قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الأحزاب/5.
وفي حال عدم معرفة الأب لكونه لقيطاً – مثلاً – فإنه لا ينسب لأحدٍ بعينه، بل يُدعى بالأخوة والمولاة، كما قال تعالى في تتمة الآية السابقة: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) .
ومن الأشياء المنكرة التي تبع فيها بعض المسلمين أهلَ الكفر هو نسبة الزوجة لزوجها! وهذا أمرٌ محرَّم ومنكر، بل يجب أن تنسب لأبيها.
وقد بيَّنا حكم انتساب الزوجة لغير أبيها في أجوبة الأسئلة رقم: (2537) و (1942) و (4362) و (6241) .
والخلاصة:
يجوز للمسلمة التزوج بمسلم أسلم حديثاً إذا كان إسلامه عن صدق ويقين، ولا يهم كون أهله على أي مذهب كفري، ويجب أن يُنسب الأبناء لأبيهم المسلم وآبائه وأجداده ولو كانوا كفّاراً، ولا يجوز غير ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1065)
ما هي أهمية تغيير الاسم لمن أسلم حديثاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية تغيير الاسم لمن أسلم حديثاً؟ وما الفرق بين الاسم العربي والاسم الإسلامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأسماء قوالب للمعاني، ولكل إنسان نصيبٌ من اسمه - في الغالب -، فالإنسان مطلوب منه أن يتسمى – وأن يسمي بنيه - بأسماء صالحة، ذات معنى حسن، حتى يكون له نصيب من اسمه.
والإسلام جاء للعرب ولغير العرب، وليس شرطاً أن يحمل المسلم الجديد اسماً عربيّاً , بل المطلوب أن لا يكون اسماً قبيحاً أو يحمل معنى يخالف الشرع، وقد أسلم كثير من أهل فارس والروم وبقيت أسماؤهم كما هي ولم يغيروها، بل كثير من الأنبياء كانت أسماؤهم غير عربية لأنهم لك يكونوا عرباً.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
هل يلزم من أعلن إسلامه أن يغير اسمه السابق مثل جورج وجوزيف وغيرهما؟
فأجاب:
لا يلزمه تغيير اسمه إلا إن كان معبَّداً لغير الله، ولكن تحسينه مشروع، فكونه يحسِّن اسمه من أسماء أعجمية إلى أسماء إسلامية: هذا طيب، أما الواجب: فلا.
فإذا كان اسمه عبد المسيح وأشباهه: يُغيَّر، أما إذا كان لم يُعبَّد لغير الله مثل جورج وبولس وغيرهما: فلا يلزمه تغييره؛ لأن هذه أسماء مشتركة تكون للنصارى وتكون لغيرهم، وبالله التوفيق.
" فتاوى إسلاميَّة " (4 / 404) .
وانظر جواب السؤال (14622) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1066)
حكم تسمية الابن معاوية وذِكر من تسمى بهذا الاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي مسلمة سعودية، وأصلها من فارس، وبعض أهلها لهم حساسية من خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فاتفقت أنا وهي أن نسمي مولودنا القادم (معاوية) انتصارا ًله، وحتى يحبوه فيحبوا خال المؤمنين رضي الله عنه , وذلك أن بعض أقاربها من فارس لهم ميول للتشيع المذموم فيقدحون في معاوية، أما أبوها وأمها فلا رأي لهم فيه , فما حكم تسمية الابن بـ (معاوية) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك ولزوجتك حبَّكما للصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ونشكر لكما جهودكما في تبليغ حبه للآخرين الذين تأثروا بشائعات الروافض حوله.
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغيِّر الاسم القبيح لاسم حسن، وقد كان معاوية رضي الله عنه من كتبة الوحي، ولو كان اسمه قبيحاً لغيَّره النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه: فلا مانع من تسمية ابنكما " معاوية " وخاصة أنكما تقصدان تحبيب هذا الصحابي لبعض أهل زوجتك، فلعلها مناسبة لكما أن تلمَّا بحياة هذا الصحابي الجليل، وأن تقرآ ما كتبه أهل السنَّة في فضائله والدفاع عنه؛ لتستطيعا مواجهة الخصوم، ونشر فضائل هذا الصحابي الجليل.
والروافض – الشيعة – يكذبون ويفترون على الشرع والتاريخ وحتى اللغة، وهم يتندرون باسم الصحابي الجليل " معاوية " ويتخذونه هزواً، ويزعمون أن معنى اسمه " الكلبة "!
والرد عليهم:
1. أنه حتى لو كان معناه " الكلبة " فإن العرب تسمي بأسماء الحيوانات نظراً إلى ما عندها من صفات لا لكونها بهيمة، فيسمون " جحش " و " صقر " و " ذئب " وهكذا، ولاسم الكلب نصيب كبير من تسمية أبنائهم وقبائلهم وديارهم.
2. أنهم كذبوا في زعمهم أن اسم " معاوية " يعني " الكلبة "؛ لأن " المعاوية " بأل التعريف هي التي تعني " الكلبة "، وأما من دونها فمعناه " قوة اليد "، و " أبو معاوية " هو الفهْد، وهذا يفسد عليهم – كذلك – الطعن بوالده أبو سفيان رضي الله عنه.
قال ابن منظور – رحمه الله -:
وعوى الرجل: بلغ ثلاثين سنة فقَوِيت يدهُ، فعوى يد غيرهِ، أي: عطفها شديداً.
" لسان العرب " (15 / 107) .
وقال الفيروزآبادي:
و" المُعاوَيةُ " الكَلْبَةُ وجِرْوُ الثْعْلَبِ، وبِلا لام: ابنُ أبي سفيانَ الصَحابِيُّ، وأبو مُعاوِيَةَ: الفَهْد.
" القاموس المحيط " (ص 1697) .
ثانياً:
وأما إطلاق لقب " خال المؤمنين " – باعتبار أن أخته أم حبيبة أم المؤمنين – فقد ثبت هذا عن بعض أئمة أهل السنَّة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
عن أبي طالب أنه سأل أبا عبد الله – أحمد بن حنبل - أقول: " معاوية خال المؤمنين " و " ابن عمر خال المؤمنين "؟ قال: نعم، معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما، قلت: أقول معاوية خال المؤمنين؟ قال: نعم.
" السنَّة " للخلال (2 / 433) طبعة دار الراية.
وعن هارون بن عبد الله أنه قال لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل -: جاءني كتاب من " الرقة " أن قوماً قالوا: لا نقول معاوية خال المؤمنين، فغضب، وقال: ما اعتراضهم في هذا الموضع؟ يُجْفَوْن حتى يتوبوا.
" السنَّة " للخلال (2 / 434) .
وعن محمد بن أبي هارون ومحمد بن أبي جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال: وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله – أحمد بن حنبل - ما تقول رحمك الله فيمن قال لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً؟ قال أبو عبد الله: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ونبين أمرهم للناس.
" السنَّة " للخلال (2 / 434) .
وعن أبي بكر المروذي قال: قلت لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل - أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم " خير الناس قرني الذي بُعثت فيهم ".
" السنَّة " للخلال (2 / 434) .
وكل أسانيد هذه الآثار صحيحة كما تجده في تحقيق الكتاب للدكتور عطية الزهراني.
ثالثاً:
وهذه قائمة في ذِكر من اسمه " معاوية " من الصحابة – وفي بعضهم بحث - من كتاب " الإصابة في تمييز الصحابة " وهو يدل على شهرة التسمي بهذا الاسم:
معاوية بن أنس السلمي، معاوية بن ثور بن عبادة بن البكاء العامري البكائي، معاوية بن جاهمة بن العباس بن مرداس السلمي، معاوية بن الحارث بن المطلب بن عبد المطلب، معاوية بن حديج، معاوية بن حزن القشيري، معاوية بن الحكم السلمي، معاوية بن حيدة بن معاوية بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيري، معاوية بن أبي ربيعة الجرمي، معاوية بن سفيان بن عبد الأسد، معاوية بن سويد بن مقرن المزني، معاوية بن صعصعة التميمي، معاوية بن عبادة بن عقيل، معاوية بن عبد الله، معاوية بن عروة الدئلي، معاوية بن عفيف المزني، معاوية بن عمرو، معاوية بن قرمل، معاوية بن محصن بن علس، معاوية بن مرداس بن أبي عامر، معاوية بن معاوية المزني، معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية الأموي، معاوية بن مقرن المزني، معاوية بن نفيع، معاوية الثقفي، معاوية العذري، معاوية الليثي، معاوية الهذلي.
" الإصابة " للحافظ ابن حجر (6 / 145 - 164) طبعة دار الجيل.
وفي كتاب " سير أعلام النبلاء " جملة من التابعين والسلف ممن تسمى باسم معاوية، فلينظر فهرس " السير " (25 / 448) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1067)
كراهة تسمية البنت بيثرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا على وشك الحصول على مولود - إن شاء الله - وأريد أن أعرف إذا كان تسمية المولودة يثرب حلال أم حرام أم مكروه حيث إني سمعت أنها تسمية المنافقين والمشركين للمدينة المنورة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في كراهة تسمية المدينة النبوية بيثرب: ما رواه البخاري (1871) ومسلم (1382) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُونَ يَثْرِبُ! وَهِيَ الْمَدِينَةُ) .
قال الحافظ في الفتح: " قَوْله: (يَقُولُونَ يَثْرِب وَهِيَ الْمَدِينَة) أَيْ أَنَّ بَعْض الْمُنَافِقِينَ يُسَمِّيهَا يَثْرِب , وَاسْمهَا الَّذِي يَلِيق بِهَا الْمَدِينَة. وَفَهِمَ بَعْض الْعُلَمَاء مِنْ هَذَا كَرَاهَة تَسْمِيَة الْمَدِينَة يَثْرِب وَقَالُوا: مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَنْ قَوْل غَيْر الْمُؤْمِنِينَ. وَرَوَى أَحْمَد مِنْ حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ سَمَّى الْمَدِينَة يَثْرِب فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه , هِيَ طَابَة هِيَ طَابَة) .
وَرَوَى عُمَر بْن شَبَّة مِنْ حَدِيث أَبِي أَيُّوب (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُقَال لِلْمَدِينَةِ يَثْرِب) .
وَلِهَذَا قَالَ عِيسَى بْن دِينَار مِنْ الْمَالِكِيَّة: مَنْ سَمَّى الْمَدِينَة يَثْرِب كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَة. قَالَ: وَسَبَب هَذِهِ الْكَرَاهَة لِأَنْ يَثْرِب إِمَّا مِنْ التَّثْرِيب الَّذِي هُوَ التَّوْبِيخ وَالْمَلَامَة , أَوْ مِنْ الثَّرْب وَهُوَ الْفَسَاد , وَكِلَاهُمَا مُسْتَقْبَح , وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الِاسْم الْحَسَن، وَيَكْرَه الِاسْم الْقَبِيح. " انتهى.
وحديث: (من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5635)
ثانيا:
يُكره تسمية البنت بـ (يثرب) ، لسببين:
1- أن فيه نوع مشابهة للمنافقين في تسميتهم المدينة بذلك.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجبه ذلك الاسم، وغيّره إلى (طابة) أو (المدينة) ، وذلك لأن اسم (يثرب) يدل على معنى قبيح كما سبق، فهو من التوبيخ أو الفساد، ومن حقوق الولد على أبيه أن يختار له اسماً حسناً.
ولابن القيم رحمه الله كلام نفيس في هذا الباب، نسوق جملة منه، قال رحمه الله:
" وثبت عنه أنه غير اسم عاصية، وقال: أنت جميلة.
قال أبو داود: وغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزير وعتلة وشيطان، وسمى حربا سلما، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وسمى بني مغوية بني رشدة ".
قال ابن القيم: " بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفة والثقل، واللطافة والكثافة، كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
وكان صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن،....وندب جماعةً إلى حلب شاة، فقام رجل يحلبها، فقال: ما اسمك؟ قال: مرة، فقال: اجلس، فقام آخر فقال: ما اسمك؟ قال: أظنه حرب، فقال: اجلس، فقام آخر فقال: ما اسمك؟ فقال: يعيش، فقال: احلبها.
وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ويكره العبور فيها، كما مر في بعض غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضح ومخز، فعدل عنهما، ولم يعبر بينهما ...
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحسين أسمائهم، وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها،
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم، غيره بطيبة. " انتهى من "زاد المعاد" (2/306) باختصار.
والحاصل أن التسمية بيثرب مكروهة، وأنه ينبغي التسمي بالأسماء الحسنة الدالة على المعاني المحمودة،
وراجع للفائدة السؤال رقم (1692) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1068)
ليس هذا من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقنا ببنت وسميناها مهين (MAHIN) . البعض يقولون إن هذا اسم محمد صلى الله عليه وسلم، والآخرون يقولون إن له معنى آخر. ما معنى هذا الاسم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اجتهد العلماء في جمع أسماء النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الكتاب والسنة والآثار، واختلفت اجتهاداتهم، في ذلك.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
وردت أحاديث كثيرة في ذلك - (يعني: في أسمائه صلى الله عليه وسلم) - اعتنى بجمعها الحافظان الكبيران أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم ابن عساكر، وأفرد الناس في ذلك مؤلفات، حتى رام بعضهم أن يجمع له عليه الصلاة والسلام ألف اسم، وأما الفقيه الكبير أبو بكر بن العربي المالكي شارح الترمذي بكتابه الذي سماه "الأحوذي" فإنه ذكر من ذلك أربعة وستين اسماً.
" البداية والنهاية " (2 / 252) .
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان:
أحدهما: خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل، كمحمد وأحمد والعاقب والحاشر والمقفي ونبي الملحمة.
والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، ولكن له منه كمالُهُ، فهو مختص بكمالِهِ دون أصله، كرسول الله ونبيه وعبده والشاهد والمبشر والنذير ونبي الرحمة ونبي التوبة.
وأما إن جُعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين، كالصادق والمصدوق والرؤوف الرحيم إلى أمثال ذلك، وفي هذا قال من قال من الناس: إن لله ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم، قاله أبو الخطاب ابن دحية، ومقصوده الأوصاف.
" زاد المعاد " (1 / 86)
ثانياً:
وبعد البحث في هذه الأسماء التي جمعها أهل العلم، لم نجد فيها ما ذكره السائل من اسم: (مهين) ، بل لا يجوز أن يكون هذا الاسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم؛ لأن معناه لا يليق بمقام النبوة والرسالة.
قال ابن فارس – رحمه الله -:
(مَهِينٌ) أي: حقير، والمَهانة: الحَقَارَة.
" معجم مقاييس اللغة " (5 / 227) .
ثالثا:
لعل السائل تحرف عليه اسم (المُهَيمِن) إلى (المهين) ، فقد ذكر بعض العلماء الاسمَ الأَوَّلَ في أسمائه صلى الله عليه وسلم، وقد تصحف في بعض الكتب إلى (المهين) ، وهو تصحيف فاحش.
وقد استدل من ذكر اسم (المهيمن) في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) المائدة/48.
لكن جمهور المفسرين على أن (مهيمناً) في الآية الكريمة صفة للكتاب وهو القرآن، وليست صفة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر ابن كثير - رحمه الله - في تفسير (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أقوالا ثلاثة للسلف: الأمين، والشاهد، والحاكم، ثم قال:
" وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، فإن اسم (المهيمن) يتضمن هذا كله، فهو أمين، وشاهد، وحاكم على كل كتاب قبله ... .
فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد أنهم قالوا في قوله: (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) يعني: محمَّداً صلى الله عليه وسلم، أمين على القرآن: فإنه صحيح في المعنى، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضا نظر. وبالجملة فالصحيح: الأول.
وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد: وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأ، وذلك أن المهيمن عطف على المصدق، فلا يكون إلا صفة لما كان المصدق صفة له، قال: ولو كان الأمر كما قال مجاهد لقال: " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنا عليه " من غير عطف " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (3 / 128) .
رابعاً:
النصيحة لك أخي الكريم أن تترك كلا الاسمين:
(المهيمن) لأنه من أسماء الله تعالى، ولا يجوز التسمي بما يختص به سبحانه من الأسماء.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
" ومما يُمنع تسمية الإنسان به: أسماء الرب تبارك وتعالى " انتهى.
" تحفة المودود " (120) .
وكذا (المهين) ، لما يحمله من معاني الذل والضعة والهوان، والمسلم عزيز بإسلامه، شريف بإيمانه، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الاسم الحسن، تفاؤلا أن يحمل صاحبه ما فيه من معاني المروءة والشرف.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
" فقلَّ أن ترى اسماً قبيحاً إلا وهو على مسمًّى قبيح، والله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها.........
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أسلم: سالمها الله، وغِفار: غفر الله لها، وعصية: عصت الله ورسوله) متفق عليه. (فهذه قبائل من قبائل العرب، وافقت أسماؤها مسمياتها)
وبالجملة فالأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف، فهو كذلك في أسماء الأعلام، وما سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه، ولهذا كان لواء الحمد بيده، وأمته الحمادون، وهو أعظم الخلق حمدا لربه تعالى، ولهذا أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام بتحسين الأسماء، فقال: (حسِّنوا أسماءكم) – رواه أبو داود وإسناده ضعيف - فإن صاحب الاسم الحسن، قد يستحي من اسمه، وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه وترك ما يضاده، ولهذا ترى أكثر السفل أسماؤهم تناسبهم، وأكثر العلية أسماؤهم تناسبهم، وبالله التوفيق " انتهى.
" تحفة المودود " (135) .
وانظر جواب السؤالين رقم (7180) و (1692) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1069)
كراهية التسمي بـ ملَك
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقنا الله ببنت وسميناها "ملك" فهل هناك كراهية في التسمي بهذا الاسم فما حكم الشرع في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكره التسمية بملك أو ملاكٍ، فالذي ينبغي هو العدول عن هذا الاسم وتغييره إلى اسم حسن لا كراهة فيه شرعاً.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن التسمي بهذه الأسماء: أبرار – ملاك – إيمان – جبريل؟
فأجاب: " لا يتسمى بأسماء أبرار وملاك وإيمان وجبريل " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/67) .
وسئل الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله عن تسمية البنت بـ ملاك فقال: " الأولى تركه، وذلك لأمرين:
1 - أن المراد بملاك الملَك، وفي هذا مبالغة في تسمية المسمى بهذا الاسم.
2 - أنه اسم معروف عند النصارى، وهم الذين يعبرون عن الملَك بـ (ملاك) ، والأسماء الحسنة التي لا شبهة فيها كثيرة، فيستغنى بها عما فيه إشكال، وشبهة " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (11228)
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله: " أما تسمية النساء بأسماء الملائكة؛ فظاهر الحرمة؛ لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم. وقريب من هذا تسمية البنت: ملاك، مَلَكة، ومَلَك ". انتهى من "معجم المناهي اللفظية" ص 565
وبناء على ذلك فإنه ينبغي أن تسعى في تغيير هذا الاسم إن أمكن ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1070)
هل يجوز تغيير اسم الزوجة ونسبتها لزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بحكم أن مناهج التوحيد التي تدرَّس في المملكة العربية السعودية تتبع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بعد حصولي على الشهادة الثانوية توجهت لإتمام دراستي في مدينة غربية، وعندما دخلت في مناقشة دينية مع مسلمات عن تحريم نسبة الزوجة إلى زوجها وفوجئت بالرد الذي يقول: أنتم وهابيون (تتبعون الشيخ محمد بن عبد الوهاب) وهو منهج غير صحيح، ما حكم هذا الرد؟ وما هو الدليل في السنة الذي يخص ذكر الزوجة بالتحديد في مسألة نسب الزوجة إلى زوجها - إن وجد -؟ مع العلم أنني اطلعت على الأسئلة التي تخص النسب وجميع الأدلة المرافقة للأجوبة، لكنني آمل الحصول على حديث يخص الزوجة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مناهج التوحيد التي تدرَّس في مدارس المملكة العربية السعودية لا تتبع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل هي تتبع القرآن والسنة وإجماع سلف هذه الأمة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب تابع لهذا أيضاً، وهو من المجددين المصلحين الذين دعوا الأمة إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح رضي الله عنهم، ولم يأت رحمه الله بشيء جديد من عند نفسه، وإنما دعا إلى الكتاب والسنة، شأنه في ذلك شأن كل مجدد من مجدد هذه الأمة.
وأما الوصف بـ " وهابي " فهو وصف أطلقه أعداء دعوة الحق، ومنهج أهل السنة على كل
من دعا إلى التوحيد الصافي ونبذ البدع والخرافات يريدون بذلك تنفير الناس عن دعوته.
ولعلكم تجدون تفصيل أوفى في جواب السؤال رقم (36616) .
ثانياً:
لا يجوز للمسلم – فضلا عن المسلمة – الدراسة في بلاد الكفر؛ لما في ذلك من الوقوع في النهي عن الإقامة بين أظهر المشركين؛ ولما في ذلك من تعريض النفس للشبهات والشهوات، وبخاصة إن كانوا صغار السن، وليس عندهم علم شرعي، فهم عرضة لفتن القلوب والعقول.
وقد بيَّنا هذا في أكثر من جواب، فانظروا – مثلاً - جواب السؤال رقم (13342) و (70256) و (27211) .
ثالثاً:
لا يوجد في السنة النبوية ما يدل على أن الزوجة تُنسب لزوجها، بل هذا أمر حادث لا تقره الشريعة، وهؤلاء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الناس نسباً، ولم تُنسب إحداهنَّ لاسمه صلى الله عليه وسلم، بل كلُّ واحدة منهن نسبت لأبيها ولو كان كافراً، وهؤلاء زوجات الصحابة – رضي الله عنهن –ومن بعدهن لم يغيرن نسبهن
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (1942) حكم الانتساب إلى غير الأب.
وبيَّنا في جواب السؤال رقم (6241) السبب في أنّ الزوجة لا تُضاف إلى نسَب زوجها، وهو جواب مفصل يحسن الرجوع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1071)
حكم التسمية بـ (عبد المطلب)
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقت في الأيام الماضية بولد ... اخترت له اسم "عبد المطلب " ... لكن بعض الناس قالوا لي إن هذا الاسم غير جائز شرعاً ... أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد المسيح وعبد الكعبة ونحو ذلك، ولم يختلفوا إلا في عبد المطلب.
نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن ابن حزم قوله: " اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب "
قوله: " حاشا عبد المطلب " هذا مستثنى من الإجماع على تحريمه، فهو مختلف فيه، فقال بعض أهل العلم: بجواز التسمية بعبد المطلب، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) .
وهذا استعمال من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الاسم وإقرار له، فيدل على جوازه.
وذهب آخرون من العلماء إلى تحريم التسمي بـ "عبد المطلب" , لأنه تعبيد لغير الله تعالى، وأجابوا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب) بأن هذا ليس إقراراً من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الاسم، وإنما هو مجرد إخبار أن جد النبي صلى الله عليه وسلم يسمى عبد المطلب، بقطع النظر، هل هذا الاسم يجوز أم لا.
قال ابن القيم في "تحفة المولود" (ص79) : " أما قوله: (أنا ابن عبد المطلب) فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك، وإنما هو باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى دون غيره، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، ولا وجه لتخصيص أبي محمد بن حزم ذلك بعبد المطلب خاصة، فقد كان الصحابة يسمون بني عبد شمس وبني عبد الدار: بأسمائهم، ولا ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، فيجوز فيه ما لا يجوز في الإنشاء " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين: " الصواب: تحريم التعبيد للمطلب، فلا يجوز لأحد أن يسمي ابنه عبد المطلب، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب) ، فهو من باب الإخبار وليس من باب الإنشاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن له جداً اسمه عبد المطلب، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه سَمَّى عبد المطلب، أو أنه أذن لأحد صحابته بذلك، ولا أنه أقر أحداً على تسميته عبد المطلب، والكلام في الحكم لا في الإخبار، وفرق بين الإخبار وبين الإنشاء والإقرار، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبد مناف) ولا يجوز التسمي بعبد مناف.
وقد قال العلماء: إن حاكي الكفر ليس بكافر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم عن شيء قد وقع وانتهى ومضى، فالصواب أنه لا يجوز أن يعبد لغير الله مطلقاً، لا بعبد المطلب ولا غيره، وعليه فيكون التعبيد لغير الله من باب الشرك " انتهى "القول المفيد" (3/64) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد في " معجم المناهي اللفظية " (ص383) : " والصواب في عبد المطلب: المنع " انتهى.
وعلى هذا فيجب على السائل أن يغير هذا الاسم إلى اسم حسن كعبد الله وعبد الرحمن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1072)
يريد تغيير اسمه واسم أبيه ويسأل عما يترتب على هذا من أحكام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[غيرت اسمي واسم والدي في جواز السفر، نتيجة لبعض التعقيدات القانونية، وأن الجميع سيعرفني بشخصيتي الجديدة، أي أنني سأكون بشخصية مختلفة ما بقي من أيام عمري، وأنا خاطب لفتاة على دراية كاملة بكل شيء، وأتساءل هل يجوز أن أتزوج بها بشخصيتي الأخيرة؟ وهل عليَّ أن أتزوج بها (أجري النكاح) مرتين كل مرة بشخصية مغايرة؟ أم يمكنني أن أتزوجها بشخصيتي الجديدة التي تغيَّر فيها اسم والدي؟ . أريد أن أعرف قول الشريعة في هذا الخصوص، وأذكر أيضا أنه لا يمكنني استخدام هويتي القديمة بعد الآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تغيير الرجل اسمه إلى اسم آخر: لا حرج فيه، وبخاصة إذا كان التغيير بسبب قبح الاسم الأول، أو مخالفته للشرع.
وأما تغيير اسم الأب والانتساب لغيره: فهو من كبائر الذنوب، ولا يجوز هذا إلا لضرورة ملجئة، كمن يكون مهدداً بالقتل، أو أراد النجاة بنفسه ودينه وعرضه من ظلمة، على أن يكون ذلك على الأوراق وللضرورة فقط، فإذا انتهت الضرورة فعليه أن يُرجع الأمور إلى ما كانت عليه.
فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس من رجل ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم [نسب] فليتبوأ مقعده من النار) . رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
فإن كنت ولا بد مغيِّراً اسمك واسم أبيك، للتعقيدات القانونية – كما ذكرت - فلا بد من تنبيهك إلى أمر مهم حتى لا تقع في المحظور الذي حرمه الله عليك من حقوق غيرك، وهذا الأمر هو:
أن تغيير الاسم لا يؤدي إلى ضياع حقوق الناس عليك، كما لو كانت بينك وبين الناس عقود بالاسم الأول فهي باقية عليك كما هي.
ثانياً:
أما فيما يتعلق بزواجك: فلا يلزمك شرعاً أن تتزوج أو تعقد عقد الزواج مرتين بالاسم القديم ثم بالجديد، وإنما يلزمك أن تكتب عقد زواجك بالاسم الذي تثبت به الحقوق والواجبات وهو الاسم الثاني الذي ارتبط بك في الدوائر الرسمية والمحاكم الشرعية التي يُرجع إليها عند التنازع في إثبات الحقوق المترتبة عليك شرعاً.
وبالنسبة لأبنائك وبناتك مستقبلا. يجب عليك أن تكتب لهم شجرة العائلة قبل تغيير اسمك مما يعينهم على معرفة محارمهم حتى لا يقع أحدهم في محظور بسبب جهله بمحارمه من أقارب أبيه، وكذلك من أجل صلة الرحم التي لا يمكن القيام بها إلا بمعرفة النسب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تعلَّموا مِن أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) رواه الترمذي (1979) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ويجب التوكيد على أن تغيير اسمك جائز ولو كان من باب الكمال، أما تغيير اسم أبيك فهو حرام في الأصل، ولا يجوز إلا لضرورة ملجئة، فإن زالت الضرورة وجب عليك إرجاع الاسم إلى سابق عهده.
وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1073)
هل يجوز أن يسمِّي ابنته " تبارك "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمية بتبارك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر هو عدم جواز إطلاق اسم " تبارك " على أحدٍ من المخلوقين؛ لأنها صفة مختصة بالله تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وأما صفته " تبارك ": فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه " انتهى.
" بدائع الفوائد " (2 / 185) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – بعد نقل الأقوال في معاني " تبارك " -:
" الأظهر في معنى (تَبَارَكَ) بحسب اللغة التي نزل بها القرآن: أنه تفاعل من البركة، كما جزم به ابن جرير الطبري، وعليه: فمعنى (تَبَارَكَ) : تكاثرت البركات والخيرات من قِبَله، وذلك يستلزم عظمته وتقدّسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله؛ لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدرّ الأرزاق على الناس هو وحده المتفرّد بالعظمة، واستحقاق إخلاص العبادة له، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير، ولا رزق كالأصنام، وسائر المعبودات من دون اللَّه لا يصحّ أن يعبد، وعبادته كفر مخلّد في نار جهنّم، ...
اعلم أن قوله: (تَبَارَكَ) فعل جامد لا يتصرف، فلا يأتي منه مضارع، ولا مصدر، ولا اسم فاعل، ولا غير ذلك، وهو مما يختصّ به اللَّه تعالى?، فلا يقال لغيره " تبارك " خلافًا لما تقدّم عن الأصمعي ... وإطلاق العرب (تَبَارَكَ) مسنداً إلى اللَّه تعالى? معروف في كلامهم " انتهى.
" أضواء البيان " (6 / 262، 263) .
وقال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله:
" (البركة) : هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها " تبارك "، ولهذا لا يقال لغيره كذلك، ولا يصلح إلا له عَزَّ وجَلَّ؛ فهو سبحانه المبارِك، وعبده ورسوله المبارَك؛ كما قال المسيح: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً) ، فمن بارك الله فيه: فهو المبارَك، وأما صفته: فمختصة به؛ كما أطلق على نفسه بقوله تعالى: (تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) " انتهى.
" الكواشف الجلية شرح العقيدة الواسطية " (ص 283) .
وعليه: فلا يجوز إطلاق هذا الصفة على أحدٍ إلا الله تعالى، لأن مختصة به سبحانه وتعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1074)
هل يجوز تسمية ابنتي " هبة " وابني " رضا "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب أن أسمي أبنائي إن شاء الله " هبة " للبنت و " رضا " للولد فما معنى هذين الاسمين؟ وهل يجوز لي التسمية بهذين الاسمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يظهر مانع من التسمية بهذين الاسمين، ولهما معانٍ مقبولة، لا تخالف الشرع، وهذه معاني هذين الاسمين:
الهبة: هي إعطاء الشيء بلا مقابل، وهي بهذا المعنى تشبه الهدية. ومن أسماء الله تعالى الحسنى " الوهّاب " أي: كثير العطايا والهبات، سبحانه وتعالى.
رضا: لها معانٍ، منها:
1. ضد السَّخط.
2. المرْضي عنه.
3. القبول.
4. القناعة.
وانظر جواب السؤال رقم (7180) ففيه آداب تسمية الأبناء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1075)
حكم تشبيه النساء بالملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تشبيه النساء بالملائكة؟ مثل أن يقول قائل "تلك الفتاة ملاك" أو "تشبه الملاك" أو صفاتها ملائكية، أو غير ذلك من التشبيهات، وما الرد على قول البعض تبريرا لأشعاره: إن هذه التشبيهات إنما هي مجازية أو كناية أو غير ذلك من فنون الشعر، ويقصد أنه لا يؤمن بأن الفتاة هي ملاك ولكنه يستعير صفات الملائكة أو اسم "ملاك" لوصف الفتاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يقال عن الفتاة إنها ملاك أو تشبه الملاك، لما في ذلك من مضاهاة المشركين الذين وصفوا الملائكة بأنهم إناث.
قال الله تعالى عنهم: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) الزخرف/19.
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله: "أما تسمية النساء بأسماء الملائكة؛ فظاهر الحرمة؛ لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم. وقريب من هذا تسمية البنت: ملاك، مَلَكة، ومَلَك" انتهى. "معجم المناهي اللفظية " (ص 565) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن التسمي بملاك، فمنع من ذلك. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3/67) .
واستعمال هذا في الشعر، في وصف الفتاة أمر منكر، لا سيما إذا كان شعرا غزليا محرما، فالملائكة (عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ، ويجب تنزيههم عن مثل هذه التشبيهات والاستعارات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1076)
زنا ويؤنبه ضميره ويريد التخلص من الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أعزب، لكني أعيش في أمريكا. لقد وقعت في الزنا عدة مرات مع نفس المرأة. والآن، فإنها حامل. وأريد أن أعرف إن كان علي أن أتزوج بها كي أحل المشكلة (أعني أغطي الفضيحة) وحتى يجد المولود أبا يعطيه اسمه. الواقع أني أفضل أن تتخلص المرأة من الحمل، للأسف، وأتمنى أن أقنعها بذلك، لكني لا أعرف إن كان ذلك يعتبر قتلا للنفس. وإذا كان كذلك، فسأشعر بالذنب من جرائه. أنا أظن أن الجنين في أسبوعه السادس إلى الثامن تقريبا. أرجوك، فأنا أحتاج إلى مساعدتك في هذا الخصوص في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أخي المسلم، أحسن الله عزاءك في إيمانك الذي فقدته حال ارتكابك للزنا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري رقم (2475) .
ألم يمر بك قول ربك سبحانه وتعالى في كتابه: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
ألم تعلم بأن الله يراك حيث كنت.. ويسمعك إن تكلمت..
ألا تتذكر نعم الله العظيمة عليك فهو الذي يشفيك إن مرضت.. ويُطعمك إن جعت.. ويسقيك إن ظَمِئْت ووفقك لأعظم نعمة أنعم بها على الناس، نعمة الإسلام. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
أخي.. تأمل في نفسك.. تعيش في مُلْكِ مَنْ؟.. تأكل مِنْ رزق مَنْ؟ .. تعيش بأمر مَنْ؟
أليس مُلك الله؟ أليس رزق الله؟ أليس أمر الله؟ .. فكيف تعصي الله؟
لعلك غفلت عن الحديث العظيم والذي فيه: ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ قَالَ قَالا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ... قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) .
فعليك يا أخي أن تبادر بالتوبة النصوح قبل أن يَحِلَّ بك الموت، فإن باب التوبة مفتوح إلى طلوع الشمس من مغربها أو بلوغ الروح الحلقوم.وإن الله ليفرح بتوبة عبده، ويبدل سيئاته إلى حسنات قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) سورة الفرقان/68-71.
ثانياً: أما قولك " هل يجب علي أن أتزوجها "
فهذه مسألة: (زواج الزاني بالمزني بها) والجواب: أنه لا يجوز زواجه منها ولا زواجها منه حتى يرتفع وصف الزنا عن كل منهما ولا يرتفع إلا بالتوبة.
فلا يجوز لك نكاحها ولو كانت يهودية أو نصرانية لأنها زانية، وإن كانت مسلمة فلا يجوز لك نكاحها أيضاً لأنها زانية، ولا يجوز لها أن تقبلك زوجاً؛ لأنك زانٍ؛ وقد قال الله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) سورة النور/3.
فقوله تعالى (وَحُرِّمَ ذلك على المؤمنين) دليل على حرمة هذا النكاح.
" والواجب على كل منكما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة ويندم على ما حصل من فعل الفاحشة، ويعزم على ألا يعود إليها، ويكثر من الأعمال الصالحة، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَاَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) سورة الفرقان/68-71.
وإذا أردت أن تتزوجها وجب عليك أن تستبرئها بحيضة قبل أن تعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز لك العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها عملاً بحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الإنسان ماءه زرع غيره." ا. هـ. فتاوى اللجنة الدائمة في مجلة البحوث الإسلامية (ج/9، ص/72) .
ثالثاً: قولك "حتى يجد الولد أباً يعطيه اسمه " هذه مسألة نسب ولد الزنى بمن يُلحق؟
والجواب:
ذهب جمهور العلماء إلى أن ولد الزنا لا يلحق الزاني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) متفق عليه (البخاري 2053 - مسلم 1457) المغني لابن قدامة (ج/7، ص/129) .
رابعاً: قولك "أُفضل أن تتخلص المرأة من الحمل" هذه مسألة الإجهاض وحكمه كما قرر مجلس هيئة كبار العلماء رقم/140، وتاريخ 20/6/1407هـ ما يلي:
1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاءً بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز.
3- لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أُمه بأن يُخشى عليها الهلاك من استمراره جاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
بعد الطور الثالث وبعد إكمال الأربعة أشهر لا يحل لك إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإبقاء حياته، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلباً لعظمى المصلحتين." ا. هـ. نقلاً من الفتاوى الجامعة (ج/3، ص/1055) .
نسأل الله السلامة والعافية وأن يتوب علينا، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1077)
ذكر اسم الزوج أو الزوجة عند الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[يُنادى الشخص بأبي فلان، أو أم فلان في العديد من الثقافات. وفي العادة فإن النساء لا ينادين أزواجهن بأسمائهم، لكن الواحدة منهن تنادي زوجها بأبي "وتورد اسم طفلهما الأكبر". فهل ورد دليل على هذا العمل في الكتاب والسنة؟ وإذا كان الجواب بلا، فكيف بدأت هذه الممارسة؟
وهل من الخطأ إسلاميا أن تورد المرأة اسم زوجها إذا ذكرته، أو أن يورد الرجل اسم زوجته إذا ذكرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعم، ثبت عن بعض الصحابيات أنهن كن يذكرن أزواجهن بالكنية ومن أمثلته:
عن عون أبي جحيفة قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان. رواه البخاري (1832) .
ومنه:
عن فاطمة بنت قيس قالت: أرسل إليَّ زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير، فقلت: أما لي نفقة إلا هذا ولا أعتد في منزلكم؟ قال: لا، قالت: فشددت عليَّ ثيابي وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كم طلقك؟ قلت: ثلاثا،: قال صدق ليس لك نفقة … رواه مسلم (2721) .
ثانياً:
وأما ذكر المرأة زوجها باسمه فلا حرج فيه أيضاً، ومن أمثلته:
عن زينب امرأة عبد الله (أي: ابن مسعود) قالت: كنت في المسجد فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تصدقن ولو من حليكن، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، قال: فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال فقلنا: سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا لا تخبر بنا، فدخل فسأله فقال: من هما؟ قال: زينب قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله، قال: نعم، لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة. رواه البخاري (1373) ومسلم (1667) .
ومنه:
عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} … ... رواه أبو داود (1893) وصححه ابن حبان والحاكم.
انظر " خلاصة البدر المنير " (2 / 229) .
ثالثاً:
أما إيراد اسم الزوج أو الزوجة عند الناس فإن ذلك راجع إلى عرف الناس في هذا المجتمع، فبعض المجتمعات تستنكر فعل ذلك، بل إن بعضهم قد يعُدُّ ذلك من قلَّة الغيرة، وفي حديث ابن مسعود السابق ذَكر بلالٌ رضي الله عنه اسمَ امرأة ابن مسعود باسمها (زينب) ، فإذا كانت المرأة مشهورة باسمها فلا حرج على غير الزوج أن يذكرها به فكيف بالزوج؟
والأفضل أن تذكر الكنية بدلاً من الاسم في بعض المجتمعات، أو أمام بعض الناس، وحصل كثير من المشكلات من وراء مثل هذا التهاون في ذكر ذلك.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1078)
كلمة سيد فلان
[السُّؤَالُ]
ـ[تكثر عندنا المناداة بكلمة (سيد فلان) وذلك لكونه يرجع في النسب إلى أسرة معينة هل يصح هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا عرف بهذا فلا بأس لأن كلمة السيد تطلق على رئيس القوم وعلى الفقيه والعالم وعلى من كان من ذرية فاطمة من أولاد الحسن والحسين كل هذا اصطلاح بين الناس معروف. وكانت العرب تسمي رؤساء القبائل والكبراء (سادة) (سيد بني فلان، فلان) ومثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل بعض العرب: (من سيدكم يا بني فلان؟ من سيدكم يا بني فلان؟) أي من رئيسكم؟ وقال صلى الله عليه وسلم في الحسن: (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وإنما يكره أن يخاطب الإنسان بـ (يا سيدي) (يا سيدنا) ، لأنه لما قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: أنت سيدنا قال: (السيد الله تبارك وتعالى) ولأن هذا قد يكسبه غروراً وتعاظماً فينبغي ترك ذلك، فيقال: يا فلان، أو يا أبا فلان بالأسماء والكنى والألقاب التي تعرف.
وأما التعبير عند المخاطبة له: يا سيدي، يا سيدنا، فإن ترك هذا هو الأولى. انتهى.
وأما قول سيد للمنافق والكافر فلا يجوز لحديث (لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم) رواه أحمد وأبو داوود والنسائي.وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7405) ص (1234) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/290.(7/1079)
كيف يغيّر المسلم الجديد اسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ولادتي سماني أبي باسم يدل على معتقداته الكفرية، وبعد إسلامي قمت بتغير اسمي إلى اسم إسلامي، فهل هذا عمل صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من هداه الله تعالى ودخل في دين الإسلام فإنّه يكفيه أن يختار اسما إسلاميا لنفسه ويبقى على انتسابه إلى أبيه وأسرته لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة الذين أسلموا بتغيير أسماء آبائهم وأجدادهم وإنما غيّر أسماء أصحاب الأسماء المحرّمة والمكروهة، وبما أنّ اسمك ذو جذور وثنيّة فتغييرك له إلى اسم آخر مثل بلال أو غيره أمر صائب وصحيح، وأبق على بقيّة نسبك كما هو وفي هذا شيء من الإرضاء لوالديك نسأل الله لهما الهداية ولنا ولك التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1080)
اعترف له والداه أنه من الزنا فكيف ينتسب
[السُّؤَالُ]
ـ[والداي يعتقدان بأني من الزنى، فاسم من أحمل ومن هم أهلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توجهنا بهذا السؤال إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فكتب إلينا ما يلي:
الصحيح أن ولد الزنى ليس عليه إثم من جناية أبويه حيث أنه لم يحدث منه معصية في هذا الأمر وإنما الإثم على والديه وعلى هذا فله أن ينتسب إلى أبيه الذي اعترف بأنه منه حتى يحصل على الانتماء إلى دولته (بالوثائق الرسمية) وله أن ينتسب إلى أمه التي ولدته فإنها هي عَصَبته ثم ينتسب إلى قبيلتها ودولتها وعليه أن يصلح عمله ويستقيم في سلوكه وديانته الإسلامية ولا يضره ما حصل من أبويه فإن من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(7/1081)
هل يجب تغيير اسمها بعد إسلامها لأجل الحجّ
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت منذ فترة وأريد الذهاب لأداء مناسك الحج، وقد سمعت بأني لا أستطيع أداء المناسك إلا بعد أن أغير أسمي النصراني إلى اسم إسلامي فهل هذا صحيح وهل يجب علي أن أغيره من كل أوراقي الثبوتية كجواز السفر وغيره أيضاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للناحية الشرعية فلا علاقة لصحة الحج والعمرة باسم الشّخص، وإذا لم يوجد في اسمك القديم محذور شرعي فيجوز لك البقاء عليه وإن استعملت اسما عربيا صحيحا شرعا وحسن المعنى فهو خير وأطيب (يراجع السؤال رقم 1692) .
وأما بالنسبة للناحية الرسمية فإنه يكفيك عند الذهاب للسفارة للحصول على تأشيرة دخول للحج إصطحابك شهادة المركز الإسلامي التي تثبت اعتناقك للإسلام ولن تجدي بإذن الله عائقاً في سبيل المجيء لأداء الحج فعليك بالسعي لأداء الحج والعمرة في أقرب وقت ممكن مع محرم مسلم (يراجع السؤال رقم 22369) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1082)
الأسماء المحرمة والمكروهة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك أسماء ممنوعة شرعا لا يجوز التسمية بها؟ وما هي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم هناك أسماء ممنوعة شرعاً لا يجوز التسمية بها ومن أمثلة ذلك:
(1) تحرم التسمية بكل اسم خاص بالله سبحانه وتعالى، كالخالق والقدوس، أو بما لا يليق إلا به سبحانه وتعالى كملك الملوك وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
وأورد ابن القيم فيما هو خاص بالله تعالى: الله والرحمن والحكم والأحد، والصمد، والخالق، والرزاق، والجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب. تحفة المودود ص 98.
ومما يدل على حرمة التسمية بالأسماء الخاصة به سبحانه وتعالى كملك الملوك مثلاً: ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه – ولفظه في البخاري – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخنى الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الملوك ". حديث رقم (2606) ولفظه في صحيح مسلم: " أغيظ رجل على الله يوم القيامة، أخبثه واغيظه عليه: رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله ". حديث رقم (2143)
أما التسمية بالأسماء المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره فيجوز التسمي بها كعليّ ولطيف وبديع.
قال الحصكفي: ويراد في حقّنا غير ما يراد في حق الله تعالى.
(2) وتحرم التسمية بالأسماء التي لا تليق إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم كسيد ولد آدم، وسيد الناس، وسيد الكل، لأن هذه الأسماء كما ذكر الحنابلة لا تليق إلا به صلى الله عليه وسلم.
(3) وتحرم التسمية بكل اسم معبد مضاف إلى غير الله سبحانه وتعالى كعبد العزى، وعبد الكعبة، وعبد الدار، وعبد علي، وعبد الحسين، وعبد المسيح أو عبد فلان ... إلخ. حاشية ابن عابدين 5/268، ومغني المحتاج 4/295، وتحفة المحتاج 10/373، وكشاف القناع 3/27، وتحفة المودو ص 90.
هذا والدليل على تحريم التسمية بكل معبّد مضاف إلى غير الله سبحانه وتعالى ما رواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هانئ بن يزيد رضي الله عنه قال: " وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قوم، فسمعهم يسمون: عبد الحجر، فقال له: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت عبد الله " من الموسوعة الفقهية 11/335
(4) التسمي بأسماء الأصنام المعبودة من دون الله.
(5) ويحرم التسمية بأسماء الشياطين، كإبليس وخنزب، وقد وردت السنة بتغيير اسم من كان كذلك.
أما الأسماء المكروهة فيمكن تصنيفها على ما يلي:
(1) تكره التسمية بما تنفر منه القلوب، لمعانيها، أو ألفاظها، أو لأحدهما، لما تثيره من سخرية وإحراج لأصحابها وتأثير عليهم فضلاً عن مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء.
(2) ويكره التسمي بأسماء فيها معان رخوة شهوانية وهذا في تسمية البنات كثير، كفاتن ومغناج.
(3) ويكره تعمد التسمي بأسماء الفساق المجّان من الممثلين والمطربين وعُمار خشبات المسارح باللهو الباطل.
ومن ظواهر فراغ بعض النفوس من عزة الإيمان أنهم إذا رأو مسرحية فيها نسوة خليعات سارعوا متهافتين إلى تسمية مواليدهم عليها، ومن رأى سجلات المواليد التي تزامن العرض، شاهد مصداقية ذلك فإلى الله الشكوى.
(4) ويكره التسمية بأسماء فيها معان تدل على الإثم والمعصية.
(5) وتكره التسمية بأسماء الفراعنة والجبابرة.
(6) التسمية بالأسماء الأعجمية المولدة للكافرين الخاصة بهم.
والمسلم المطمئن بدينه يبتعد عنها وينفر منها ولا يحوم حولها، وقد عظمت الفتنة بها في زماننا، فيلتقط اسم الكافر من أوربا وأمريكا، وهذا من أشد مواطن الإثم وأسباب الخذلان. وهذا التقليد للكافرين في التسمي بأسمائهم، إن كان عن مجرد هوى وبلادة ذهن، فهو معصية كبيرة وإثم، وإن كان عن اعتقاد أفضليتها على أسماء المسلمين، فهذا على خطر عظيم يزلزل أصل الإيمان، وفي كلتا الحالتين تجب المبادرة إلى التوبة منها، وتغييرها شرط في التوبة منها.
وبعض المسلمين يسمي ابنته في هذه الأيام ليندا ونانسي وديانا وغيرها وإلى الله المشتكى.
(7) ويكره التسمي بأسماء الحيوانات المشهورة بالصفات المستهجنة مثل كلب وحمار وتيس ونحو ذلك.
(8) وتكره التسمية بكل اسم مضاف من اسم أو مصدر أو صفة مُشبّهة مضاف إلى لفظ (الدين) ولفظ (الإسلام) مما يحمل معنى التزكية للمسمى مثل: نور الدين، ضياء الدين، سيف الإسلام، نور الإسلام.. وقد يكون المسمى بخلاف ذلك إذا كبُر فيكون وبالا على أهل الإسلام ومن أعداء الدين واسمه ناصر الدين وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين (الدين) و (الإسلام) ، فالإضافة إليهما على وجه التسمية فيها دعوى فجة تطل على الكذب، ولهذا نص بعض العلماء على التحريم، والأكثر على الكراهة، لأن منها ما يوهم معاني غير صحيحة مما لا يجوز إطلاقه.
وقد يكون الاسم من هذه الأسماء منهياً عنه من جهتين؛ مثل: شهاب الدين؛ فإن الشهاب الشعلة من النار، ثم إضافة ذلك إلى الدين، وقد بلغ الحال في بعضهم التسمية بنحو: ذهب الدين، ماس الدين. بل أن بعضهم سمى: جهنم، ركعتين، ساجد، راكع، ذاكر.
وكان النووي رحمه الله تعالى يكره تلقيبه بمحيي الدين، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يكره تلقيبه بتقي الدين، ويقول: (ولكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر) .
(9) وكره جماعة من العلماء التسمي بأسماء الملائكة عليهم السلام. أما تسمية النساء بأسماء الملائكة، فظاهره الحرمة، لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم.
(11) وكره جماعة من العلماء التسمية بأسماء سور القرآن الكريم، مثل: طه، يس، حم..، (وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، فغير صحيح) .
(12) الأسماء التي تحمل تزكية مثل: بّرة وتقي وعابد ... ينظر تحفة المودود لابن القيم وتسمية المولود: بكر أبو زيد.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/1083)
يسأل عن حديث أحب الأسماء إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) ؟ وما هو نص الحديث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المشار إليه في السؤال صحيح، رواه الإمام مسلم في صحيحه (2132) من حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) .
وروى أبو داود (4950) عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وإنما كانت الأسماء المعبدة لله تعالى أحب إلى الله من غيرها؛ لأن فيها إقرارا لله تعالى بوصفه اللائق به سبحانه، والذي لا يليق بغيره، وليس لأحد من الخلق فيه حق ولا نصيب؛ وهو ألوهيته لخلقه سبحانه.
وفيها مع ذلك الإقرار إقرارٌ من العبد بوصفه اللائق به، والذي لا يليق به غيره، ولا يخرج عنه طرفة عين من حياته أو أقل، وهو وصف العبودية لربه. فَصَدَق الاسم على مسماه، وَشُرِّفَ المسمى بإضافته إلى عبودية ربه جل وعلا، فحصلت الْفَضِيلَة لهذه الأسماء.
فالتعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية الخالصة، والتعلق الذي بين الله وبين العبد إنما هو الرحمة التامة، فبرحمته كان وجوده، وكمال وجوده، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتعبد له وحده، محبة وخوفا ورجاء وإجلالا وتعظيما، فيكون عبدًا لله.
وهذا هو مدلول ذلك الاسم: تعبيد صاحبه لما في اسم الله من معنى الإلهية، التي يستحيل أن تكون لغيره.
ولما كانت رحمته تسبق غضبه، وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب، كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر ونحوها من الأسماء.
فإذا تضمن الاسم الإشارة إلى هذين المقامين، مقام الألوهية ومقام العبودية، أوجب تذكره الدائم مقام الذل للعبد بين يدي ربه، واستدعى رحمة الرب سبحانه لبعده الفقير الذليل.
وذكر بعض أهل العلم أن في هذين الاسمين من الخصوصية أيضا: أَنَّهُ لَمْ يَقَع فِي الْقُرْآن إِضَافَة عَبْد إِلَى اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى غَيْرهمَا , قَالَ اللَّه تَعَالَى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْد اللَّه يَدْعُوهُ) وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى (وَعِبَاد الرَّحْمَن) وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى (قُلْ ادْعُوا اللَّه أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَن) .
وإذا كان الطفل أول ما يعي ويعقل، يطرق ذلك الاسم سمعه، وقر في قلبه أنه عبد الله، وأن الله هو سيده ومولاه الرحمن الرحيم، وسهل تربيته على ذلك.
[يمكن مراجعة: تحفة المودود بأحكام المولود، لابن القيم، وفتح الباري لابن حجر، في شرحه لباب: أحب الأسماء إلى الله، وحاشية السندي على ابن ماجة] .
وفقنا الله وإياكم إلى عبوديته الخالصة، وأدخلنا بمنه وكرمه في رحمته، وهو أرحم الراحمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1084)
هل تغيير الاسم يغير القدر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تغيير الاسم يغير القدر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تغيير الأسماء لا يغير القدر، لكن قد يكون له تأثير في الشخص وحياته.
روى البخاري (6190) عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ. قَالَ: لا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ.
وقوله: (فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ)
قال الحافظ في الفتح:
قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُرِيد الصُّعُوبَة فِي أَخْلاقهمْ , إِلا أَنَّ سَعِيدًا أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْغَضَب فِي اللَّه. وَقَالَ غَيْره: يُشِير إِلَى الشِّدَّة الَّتِي بَقِيَتْ فِي أَخْلاقهمْ. فَقَدْ ذَكَرَ أَهْل النَّسَب أَنَّ فِي وَلَده سُوء خُلُق مَعْرُوف فِيهِمْ لا يَكَاد يُعْدَم مِنْهُمْ اهـ.
قال ابن القيم:
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها؛ فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
" زاد المعاد " (2 / 336) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1085)
هل يجب تغيير الاسم إذا كان معناه غير جيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب تغيير الاسم إذا كان معناه غير جيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأسماء قوالب للمعاني كما يقال، ولكل إنسان نصيبٌ من اسمه، فالإنسان مطلوب منه أن يتسمى بأسماء صالحة، ذات معنى حسن، حتى يكون له نصيب من اسمه.
قال ابن القيم:
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها؛ فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
" زاد المعاد " (2 / 336) .
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة.
فعن ابن عمر: أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة. رواه مسلم (2139) .
وهذا الحكم –أعني تغيير الاسم إلى اسم حسن- على سبيل الاستحباب والأفضلية، وليس على سبيل الوجوب والإلزام.
والدليل على ذلك: ما رواه البخاري (6190) عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ. قَالَ: لا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ.
والحزونة هي الصعوبة وشدة الخُلُق.
قال ابن بطال:
فيه أن الأمر بتحسين الأسماء وبتغيير الاسم إلى أحسن منه ليس على سبيل الوجوب اهـ من فتح الباري.
لأنه لو كان على سبيل الوجوب لما رفض الصحابي تغييره، ولألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بتغييره. والله أعلم.
لكن. . إذا كان الاسم مُعّبَّداً لغير الله، مثل: عبد النبي، أو عبد المسيح ونحو ذلك فهذا يجب تغييره، لأنه لا يجوز التعبيد لغير الله تعالى، لأن الخلق كلهم ملك لله تعالى وعبيد له.
قال ابن حزم رحمه الله:
اتفقوا على تحريم كل اسم مُعَبَّد لغير الله كعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك اهـ
فتح المجيد (ص 531) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1086)
حكم التسمي بـ (عبد الإله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسمية (عبد الإله) ؟ وهل هو من أسماء الله وصفاته؟ الرجاء الإجابة، مع التفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: من الآداب المستحبة في التسمية أن يُعَبَّد الاسم لله عز وجل، سواء كان التعبيد للفظ الجلالة: عبد الله، أو لغيره من أسماء الله الحسنى، وإن كان أحب ذلك إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن.
ثانيا: يحرم تعبيد الاسم لغير الله، تعالى؛ كأن يقال: عبد الرسول، أو عبد النبي، أو نحو ذلك. راجع إجابة السؤال رقم (7180)
ثالثا: الإله في اللغة هو المعبود، أو المستحق للألوهية والعبادة، وإنما سميت الأوثان آلهة لأن المشركين يعبدونها من دون الله، ويزعمون أنها تستحق ذلك [انظر: اشتقاق أسماء الله، لأبي القاسم الزجاجي ص 30، لسان العرب " أله "] ، وقد قال بعض أهل العلم إن لفظ الجلالة "الله" أصل اشتقاقه الإله فحذفت الهمزة تخفيفا. وهو اختيار ابن القيم، وغيره من أهل العلم.
رابعا: هل الإله من أسماء الله الحسنى؛ فيجوز التعبيد له، أم لا؟
ورد اسم الإله ضمن أسماء الله الحسنى، التي أحصتها بعض روايات حديث (إن لله تسعة وتسعين اسما) ، كما نجده عند البيهقي في الأسماء والصفات، والحاكم. لكن ذكر الأسماء في هذا الحديث ليس من كلام النبي، صلى الله عليه وسلم، عند أهل المعرفة بالحديث، كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر، وغيرهم من أهل العلم. [انظر: أسماء الله الحسنى، لعبد الله بن صالح الغصن، ص 170-173] .
ولأجل عدم الاعتماد على الراويات التي فيها إحصاء الأسماء الحسنى، اجتهد كثير من أهل العلم في تتبع هذه الأسماء من الكتاب والسنة؛ فممن ذكر الإله ضمن ما أحصاه من أسماء الله الحسنى: ابن منده، وابن حزم، وابن حجر، وابن الوزير، وابن عثيمين، رحمهم الله جميعا. انظر المرجع السبق [352] .
وبناء على ذلك فالتسمي بعبد الإله مشروع، لا بأس به، إن شاء الله. ومع ذلك، فالظاهر أن هذه التسمية لم تكن معروفة، أو لم تكن شائعة، قديما؛ فلم نجده في أسماء الصحابة، على ما يظهر من الإصابة لابن حجر، ولم نره أيضا في أسماء الأعلام المترجمين، بعد مراجعة فهارس السير للذهبي، وطبقات الشافعية لابن السبكي، ووفيات ابن خلكان، والتهذيب لابن حجر، وغيرها. وأول ما وقفنا عليه هو عبد الإله بن علي بن الحسين الهاشمي المولود سنة [1331-والمتوفى سنة 1377] ، على ما ذكره الزركلي في الأعلام، وهو متأخر جدا، كما لا يخفى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1087)
هل يجوز التسمي بقاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب ببساطة أن أعرف ما إذا كان يجوز تسمية الطفل "قاسم" أو "القاسم"؟ لقد قرأت الحديث الذي يحرم التسمي به. لكن في الوقت نفسه, رأيت في مكان ما الكنية "أبو القاسم" يستخدمها العلماء القدامى. أرجو توضيح المسألة فأنا أتوقع أن ألد طفلا بعد بضعة أشهر، إن شاء الله.
وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التسمية بالقاسم ومحمد، والتكنيٍ بأبي القاسم، أو بأبي عيسى وغيرها من الأسماء والكنى المباحة لا شيء فيه بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وما جاءَ من النهي عن الجمع بين اسمه وكنيته، هذا في حياته عليه الصلاة والسلام، وسببُ ورود النهي يدلُّ على قَََصْر ِذلك في حياته عليه الصلاة والسلام، ولذا تجد أهل العلم قديماً وحديثاً يتسمُّون بمحمد، ويتكنَّون بأبي القاسم من غير نكير. انتهى جواب الشيخ عبد الكريم الخضير
وقال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية:
عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا كرامة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " سم ابنك عبد الرحمن " رواه البخاري في صحيحه.
[الْمَصْدَرُ]
معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد ص 433.(7/1088)
هل يغير اسم زوجته " ساحرة "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت مؤخراً واسم زوجتي " ساحرة ":
ما معنى كلمة ساحرة؟ إذا كان معناها سيئ فهل يجب أن أغيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السحر: عبارة عن عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والأبدان فيُمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/102.
والسحر عمل شيطاني، وكثير منه لا يُتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الشياطين بما تحب.
والساحر: هو الذي يقوم بهذا العمل، والساحرة: هي التي تقوم بهذا العمل.
قال الله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد) وهن السواحر
والسحر من كبائر الذنوب. قال الله تعلى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه/69.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ [أي المهلكات] . . . وذكر منها: السِّحْر ... ) رواه البخاري (2767) ومسلم (89) .
وقد يطلق السحر على أمور من المباح مثل الفصاحة والبيان الذي يأخذ الألباب كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسحراً) .
وعلى أية حال فالأفضل أن يغير هذا الاسم إلى اسم آخر، وينبغي أن يُبتعد عن الأسماء التي توهم المعاني الباطلة أو تسبب إشكالاً أو اتهاماً لصاحبه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء القببحة إلى أسماء حسنة. .
يراجع سؤال رقم (14622) هل يجب تغيير الاسم إذا كان غير جيد؟
عن ابن عمر: أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة. رواه مسلم (2139) .
والأسماء قوالب للمعاني كما يقال، ولكل صاحب اسم نصيب من اسمه، فالإنسان مطلوب منه أن يتسمى بأسماء صالحة ذات معنى. وكما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1089)