معنى الذل والافتقار وكيف يحققهما العبد المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم: يحكى عن بعض العارفين: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل، والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه، وأوسعه، ولا مزاحم فيه، ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته: فإذا هو سبحانه قد أخد بيدي، وأدخلني. " مدارج السالكين ". فما هو الذل، والافتقار، المقصود هنا الذي يوصل لهذا المقام العظيم؟ يعني: هل يوجد في عبادة بعينها أكثر من أي عبادة؟ فوالله محتاجون، ضعفاء إيماناً. والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحكمة من خلق الإنسان هي: عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/ 56.
وأركان العبادة هي: كمال الذل والخضوع، مع كمال المحبة، لله تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
وعبادة الرحمن غاية حبه ** مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ** ما دار حتى قامت القطبان
" النونية " (ص 35) .
وقال ابن القيم رحمه الله أيضاً -:
والعبادة تجمع أصلين: غاية الحب، بغاية الذل والخضوع , والعرب تقول: " طريق معبَّد " أي: مذلَّل، والتعبد: التذلل والخضوع، فمن أحببتَه ولم تكن خاضعاً له: لم تكن عابداً له , ومن خضعت له بلا محبة: لم تكن عابداً له، حتى تكون محبّاً خاضعاً.
" مدارج السالكين " (1 / 74) .
وانظر جواب السؤال رقم: (48973) .
فتحقيق الذل إذاً يكون بتحقيق العبودية لله تعالى وحده، والعبد ذليل لربه تعالى في ربوبيته، وفي إحسانه إليه.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فإن تمام العبودية هو: بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية: أكملهم ذلاًّ لله، وانقياداً، وطاعة، والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل، فهو ذليل لعزِّه، وذليل لقهره، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانه إليه، وإنعامه عليه؛ فإن مَن أحسن إليك: فقد استعبدك، وصار قلبُك معبَّداً له، وذليلاً، تعبَّدَ له لحاجته إليه على مدى الأنفاس، في جلب كل ما ينفعه، ودفع كل ما يضره.
" مفتاح دار السعادة " (1 / 289) .
قد يظهر الذل في عبادة أعظم منه في عبادة أخرى , وأعظم العبادات التي فيها عظيم الذل والخضوع لله هي: الصلاة المفروضة , والصلاة ذاتها تختلف هيئاتها وأركانها في مقدار الذل والخضوع فيها، وأعظم ما يظهر فيه ذل العبد وخضوعه لربه تعالى فيها: السجود.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لفظ " السجود "، فإنه إنما يستعمل في غاية الذل والخضوع، وهذه حال الساجد.
" جامع الرسائل، رسالة في قنوت الأشياء " (1 / 34) .
ثانياً:
أما الافتقار إلى الله فهو مقام عالٍ يصل إليه العبد من طرق كثيرة، لعل أبرزها: العبودية، والدعاء، والاستعانة والتوكل.
1. فإذا تحصَّل العبدُ على مقام الذل لربه تعالى: ظهر مقام الافتقار، وعلم أنه لا غنى له عن ربه تعالى، بل صار مستغنٍ بربه عن غيره، فكمال الذل، وكمال الافتقار: يَظهران في تحقيق كمال العبودية للرب تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
سئل محمد بن عبد الله الفرغاني عن الافتقار إلى الله سبحانه، والاستغناء به، فقال: " إذا صح الافتقار إلى الله تعالى: صحَّ الاستغناء به، وإذا صح الاستغناء به: صحَّ الافتقار إليه، فلا يقال أيهما أكمل: لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر ".
قلت: الاستغناء بالله هو عين الفقر إليه، وهما عبارتان عن معنى واحد؛ لأن كمال الغنى به هو كمال عبوديته، وحقيقة العبودية: كمال الافتقار إليه من كل وجه، وهذا الافتقار هو عين الغنى به.
" طريق الهجرتين " (ص 84) .
2. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى: الدعاء، وخاصة بوصف حال الداعي، كما قال موسى عليه السلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) النمل/ 24، وكما قال تعالى عن أيوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/ 83 , وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ، عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِى شَأْنِى كُلَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ) رواه أبو داود (5090) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والمقصود هنا: الكلام أولاً في أن سعادة العبد في كمال افتقاره إلى ربه، واحتياجه إليه، أي: في أن يشهد ذلك، ويعرفه، ويتصف معه بموجب ذلك، من الذل، والخضوع، والخشوع، وإلا فالخلق كلهم محتاجون، لكن يظن أحدهم نوع استغناء، فيطغى، كما قال تعالى (كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَِآهُ اسْتَغْنَى) .
" مجموع الفتاوى " (1 / 50) .
3. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى: حين يستعين العبد بربه ويتوكل عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إذا تبين هذا: فكلما ازداد القلب حبّاً لله: ازداد له عبودية، وكلما ازداد له عبودية: ازداد له حبّاً، وفضَّله عما سواه، والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين: من جهة العبادة الغائية، ومن جهة الاستعانة والتوكل، فالقلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا ينعم، ولا يسر، ولا يلتذ، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن، إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات: لم يطمئن، ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده، ومحبوبه، ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرَح، والسرور، واللذة، والنعمة، والسكون، والطمأنينة.
وهذا لا يحصل له إلا باعانة الله له؛ فإنه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله، فهو دائماً مفتقر إلى حقيقة: (إياك نعبد وإياك نستعين) .
" العبودية " (ص 97) .
والعبد مفتقر إلى الله تعالى في كل شيء، في خلقه ووجوده وفي استمراره وحياته، وفي علومه ومعارفه، وفي هدايته وأعماله، وفي جلب أي نفع له، أو دفع أي ضرر له، وهذا هو معنى: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
نسأل الله تعالى أن يغنينا بالافتقار إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/411)
حكم الدعاء بقولنا: (عاجلا غير آجل)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء وقول كلمة: (عاجلا غير آجل) أو قول: (يا رب الآن) أليس هذا من قلة الأدب مع الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت السنة النبوية بالدعاء بقولنا: (عاجلا غير آجل) ، وذلك في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا في الاستسقاء، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا، مَرِيعًا، نَافِعًا، غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا، غَيْرَ آجِلٍ. قَالَ: فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ) رواه أبو داود (1169) قال النووي: "إسناده صحيح على شرط مسلم" انتهى. "الأذكار" (ص/230) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
الغيث: المطر. المغيث: المنقذ من الشدة. المريء: المحمود العاقبة. المريع: الذي يأتي بالريع وهو الزيادة.
ففي قوله صلى الله عليه وسلم: (عاجلا غير آجل) دليل على جواز سؤال الله عز وجل بهذه الصيغة.
وبناء عليه يمكننا تقسيم الاستعجال في الدعاء إلى نوعين:
1- استعجال بمعنى طلب تعجيل المطلوب، وسؤال قرب وقوعه على أكمل وجه: فهذا استعجال جائز بل محمود، لأنه من باب الطمع في كرم الله عز وجل وجوده وإحسانه، وهو سبحانه يرضى من عباده أن يقدروه حق قدره.
2- أما الاستعجال المذموم فهو استبطاء الإجابة، والتسخط على الله عز وجل، والتشكك في جوده وكرمه، والتذمر من عدم تحقق المراد، والله عز وجل لا يرضى أن يضيق قلب عبده المؤمن به. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735) .
وانظر جواب السؤال رقم: (41017) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/412)
هل يجوز الدعاء للمريض بطول العمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجي مريض وزوجي يطلب مني أن أدعو لأبيه بطول العمر وأن يأخذ من عمره ويعطيه لأبيه. فقلت له: إن هذا لا يجوز أن يدعو الله الإطالة في عمر شخص فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الدعاء بطول العمر، لكن الأولى أن يُقَيَّد ذلك بما ينفع المدعو له في دينه، فكم من طويل العمر لا يزداد بطوله إلا بعدا عن ربه.
وقد روى الترمذي (2329) وحسنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأنس بن مالك رضي الله عنه بطول العمر.
فروى البخاري في "الأدب المفرد" (653) باب من دعا بطول العمر، عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم سليم: خويدمك ألا تدعو له؟ قال: (اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له) .
فدعا لي بثلاث، فدفنت مائة وثلاثة [يعني: من أولاده وأحفاده] ، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة) صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" وأصله في الصحيحين.
وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (5/146) قول عمر لعلي رضي الله عنهما: "صدقتَ، أطال الله بقاءك"، وقال: "وبهذا احتجَّ من احتج على جواز الدعاء للرجل بطول البقاء" انتهى.
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (1112) عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك ورحمة الله وبركاته. فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: "إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك، وولدك" حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب" (851) ، وقال: "في هذا الأثر إشارة من هذا الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم أولى" انتهى.
وقال ابن الهيتمي رحمه الله:
"يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِطُولِ الْعُمُرِ كَمَا دَعَا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَسٍ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَنْ فِي بَقَائِهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُنْدَبُ لَهُ الدُّعَاءُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ نَفْعُهُ قَاصِرًا فَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ " انتهى.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (8/49) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
هل يجوز الدعاء بطول العمر؟ أم أن العمر مقدر ولا فائدة من الدعاء بطوله؟ .
فأجاب: "لا حرج في ذلك، والأفضل: أن يقيده بما ينفع المدعو له، مثل أن يقول: أطال الله عمرك في طاعة الله، أو في الخير، أو فيما يرضي الله " انتهى من مجموع فتاوى ابن باز (ج 8 / ص 425) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"تكرر من الإخوان الذين يقدمون الأسئلة الدعاء بطول العمر لمقدمي البرنامج، وأحب أن يقيد طول العمر على طاعة الله فيقال: أطال الله بقاءك على طاعته. أو أطال الله عمرك على طاعته؛ لأن مجرد طول العُمر قد يكون خيراً وقد يكون شرّاً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (3/453) .
أما طلب الزوج منك أن تسألي الله أن يأخذ من عمره ويعطيه لأبيه، فنرى أنه لا حاجة إلى ذلك، والله تعالى يفعل ما يشاء، وهو على كل شيء قدير، فهو سبحانه وتعالى قادر على أن يطيل عمر أبيه من غير أن يأخذ من عمره هو شيئاً.
وحيث إن والد زوجك مريض – نسأل الله له العافية – فالمستحب الدعاء له بما يشرع الدعاء به للمريض، مما ثبت في السنة، ومن ذلك:
- ما رواه أبو داود (3107) عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله نهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا أَوْ يَمْشِي لَكَ إِلَى جَنَازَةٍ) وفي لفظ: (إِلَى صَلَاةٍ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ: (أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً، لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) متفق عليه.
- وروى الترمذي (2083) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ. إِلَّا عُوفِيَ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/413)
حكم الإشارة بالسبابة عند الدعاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رفع السبابة للدعاء أو التأمين بدلا من رفع اليدين، وخاصة إن عجز عن رفع يديه، كالدعاء أثناء قيادة السيارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بأصبعه السبابة عند الدعاء على المنبر يوم الجمعة، فعَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: (قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا: وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) رواه مسلم (874) .
وروى أبو داود (1499) والنسائي (1273) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: (مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعَيَّ، فَقَالَ: أَحِّدْ، أَحِّدْ. وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
أي: أشِْر بأصبع واحدة، لأن الذي تدعوه واحد. قاله المباركفوري في "تحفة الأحوذي"، والسندي في "حاشيته على ابن ماجه".
وهذا الحديث، يحتمل أنه كان في الصلاة، ويحتمل أنه كان خارجها، ولم نقف في شيء من طرق الحديث ـ بعد البحث ـ يدل على أنه كان في الصلاة، ولعل هذا هو ما جعل بعض العلماء يضعونه على الإشارة بالسبابة عند الدعاء في الصلاة وغيرها.
قال المناوي في "فيض القدير" (1/238) :
"وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد، ولا دليل عليه" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على حديث سعد السابق:
"قالوا: ومعناه: أشِّر بواحدة، فإن الذي تدعوه واحد، وهذا نص بيِّنٌ في أن الإشارة إلى الله، حيث قال له: أحِّد أحِّد، أي: أحِّد الإشارة، فاجعلها بأصبع واحدة، فلو كانت الإشارة إلى غير الله لم يختلف الأمر بين أن يكون بواحدة أو أكثر، فعلم أن الإشارة لما كانت إلى الله، وهو إله واحد، أمره أن لا يشير إلا بإصبع واحدة، لا باثنين، وكذلك استفاضت السنن بأنه يشار بالأصبع الواحدة في الدعاء في الصلاة، وعلى المنابر يوم الجمعة، وفي غير ذلك" انتهى.
"بيان تلبيس الجهمية" (2/443) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
"ويشير أيضا بسبابة اليمنى عند دعائه في صلاة وغيرها" انتهى.
"كشاف القناع" (1/356-357) .
فالحاصل: أن الإشارة بالسبابة عند الدعاء من السنن الواردة التي قررها أهل العلم، وإن كان الأكثر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو رفع اليدين، ولكن لا حرج من العمل بأي من السنتين بحسب ما يتيسر، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: (المسألة: أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار: أن تشير بإصبع واحدة، والابتهال: أن تمد يديك جميعاً) رواه أبو داود (1489) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
"وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة رفع يديه في الداء أنواع متعددة، فمنها: أنه كان يشير بأصبعه السبابة فقط. وروي أنه كان يفعل ذلك على المنبر، وفعله لما ركب راحلته ...
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه وجعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها وجعل بطونهما مما يلي وجهه" اتهى باختصار من "جامع العلوم والحكم" ص 126، 127.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/414)
مواضع الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مواضع الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مواضع الدعاء على قسمين:
1- قسم ثبت في الكتاب أو في السنة الصحيحة استحباب الدعاء فيها، سواء تعلق ذلك بزمان معين، أو مكان معين، أو حال معين: وقد سبق بيان كثير من هذه المواضع في جواب السؤال رقم: (22438) .
ومن أراد التوسع فيها فليرجع إلى كتاب "الأذكار" للنووي رحمه الله، بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرنؤوط، فهو من أوسع المراجع في هذا الباب.
2- القسم الثاني يسمى " الدعاء المطلق "، وهذا الدعاء غير مقيد بزمان ولا مكان ولا حال، بل يسأل المسلمُ اللهَ تعالى كل ما يحتاج إليه في أمر دينه أو دنياه في أي وقت، وعلى أي حال.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
"القاعدة الثالثة: قاعدة الفرق بين الأدعية والأذكار المقيدة بحال أو زمان أو مكان، وبين الأدعية والأذكار المطلقة، والفرق بينهما كالآتي:
كل ذكر أو دعاء مقيد بحال أو زمان أو مكان فإنه يؤتى به على الوجه الذي ورد في زمانه أو حاله أو مكانه، وفي لفظه، وفي هيئة الداعي به، من غير زيادة أو نقصان، أو تبديل كلمة بأخرى.
وكل ذكر أو دعاء مطلق إن كان واردا فإنه يؤتى به على الوجه الذي ورد في لفظه، وإن كان غير وارد، بل أتى به الداعي من عند نفسه، أو من المنقول عن السلف، فإنه يجوز للعبد الذكر والدعاء بغير الوارد في باب الذكر والدعاء المطلق، بخمسة شروط:
1- أن يتخير من الألفاظ أحسنها، وأنبلها، وأجملها للمعاني، وأبينها؛ لأنه مقام مناجاة العبد لربه ومعبوده سبحانه.
2- أن تكون الألفاظ على وفق المعنى العربي، ومقتضى العلم الإعرابي.
3- أن يكون خاليا من أي محذور شرعا، لفظا أو معنى.
4- أن يكون في باب الذكر والدعاء المطلق، لا المقيد بزمان أو حال أو مكان.
5- أن لا يتخذه سنة راتبة يواظب عليها.
هذا من جهة اللفظ، أما من جهة هيئة الداعي به، فإن وردت هيئة في النص للذكر والدعاء المطلق فيؤتى بها وفق ما ورد، وإن لم ترد به هيئة، فيأتي به الداعي على أي حال في حدود المشروع، ومنها: إن شاء رفع يديه، وإن شاء لم يرفع " انتهى.
"تصحيح الدعاء" (43-44) .
وانظر جواب السؤال رقم: (102600) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/415)
هل يجوز الدعاء المطلق في الصلوات المكتوبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء المطلق في الفرائض - الصلوات المكتوبة -؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب للمصلي – سواء كانت صلاة فريضة أم نافلة – أن يجتهد في الدعاء في الصلاة في موضعين اثنين: في السجود، وقبيل التسليم، وفي صلاة الوتر عند القنوت أيضا، فقد جاءت الأدلة الصحيحة تدل على ذلك، وذلك فيما رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (479) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ – أي: جدير وحقيق - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) .
وقد بين كثير من الفقهاء كالمالكية والشافعية أن الدعاء في هذين الموضعين – في السجود، وقبيل التسليم – هو من الدعاء المطلق، فلا يشترط أن يكون واردا بنصه في الكتاب والسنة، بل للمصلي أن يدعو بحاجاته الدنيوية والدينية بأي صيغة كانت، وله أن يسأل الله تعالى ما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وإن لم يكن هذا الدعاء مأثورا في كتب السنة.
والدليل عليه إطلاق الحديث السابق: (فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ) ، حيث أطلق الاجتهاد في اختيار الدعاء، ولم يشترط وروده في الكتاب والسنة.
وقد سبق تقرير هذه المسألة وذكر أدلة أخرى لها في جواب السؤال رقم: (75058) ، (104907) ، (105282) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/416)
دعا على مسلم أن يدخل النار، فهل له من توبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو دعا مسلم على آخر أن يدخل النار فهل له من توبة؟ وهل يمكن أن يدخل –هذا الذي دعا- الجنة فباعتبار أن الدعاء يرد عليه فهل يذهب إلى النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح أنه لا يجوز الدعاء على المسلم إذا لم يكن مستحقا لذلك الدعاء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من قال لمسلم: يا عدو الله، أو دعا عليه وليس كذلك إلا حار عليه) أي: رجع عليه. فلا يجوز الدعاء على المسلم إذا لم يكن عاصيا أو خارجا عن الطاعة، أو مستحقا لتلك الدعوة، وإذا فعل فإن توبته أن يستغفر الله، وأن يستبيح من ذلك المسلم الذي دعا عليه ويطلب منه العفو والله يقبل توبته، ولا يلزم أن يدخل النار دخولا مخلدا فيها إنما هو من أحاديث الوعيد التي وردت للنهي عن الدعاء على مسلم لا يستحق النار أن يُدعى عليه بالنار أو نحوها.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(7/417)
هل هناك دعاء للتوفيق بين الزوجين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في بعض المنتديات بعض الأدعية يذكر كاتبها أنها للزوجة لتحبب الزوج بها وتكون سببا في هدايته، وأقتبس منها بعض هذه الأدعية: "اللهم وفِّق بيني وبين زوجي، واجمع بيننا على خير.. اللهم اجعلني قرة عين لزوجي واجعله قرة عين لي، وأسعدنا مع بعضنا، واجمع بيننا على خير.. اللهم اجعلني لزوجي كما يحب، واجعله لي كما أحب، واجعلنا لك كما تحب، وارزقنا الذرية الصالحة كما نحب وكما تحب، اللهم وأطل فيَّ عمره على طاعتك" انتهى. وغير هذه الأدعية الكثيرة. سؤالي هو: هل صح من هذه الأدعية شيء، وإن لم يصح فما حكم الالتزام بهذه الأدعية وذكرها على الدوام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء الوارد في السؤال ليس من الدعاء المأثور، وإنما نسقه بعض الناس اليوم ونشروه على الإنترنت، ولا نرى حرجاً من الدعاء به لسببين اثنين:
1- صحة عباراته وكلماته وعدم وجود ما ينكر فيها.
2- كونه من الدعاء المطلق وليس من الدعاء المقيد، ومعلوم أن الدعاء المطلق لا يشترط فيه الالتزام بالصيغ الواردة، بل يجوز سؤال الله بكل كلام يدل على المعنى المقصود، ما لم يكون فيه إثم أو قطيعة رحم. وقد سبق بيان الفرق بين الدعاء المطلق والدعاء المقيد في جواب السؤال رقم: (85609) .
ولكن يشترط العلماء لجواز الدعاء المطلق أمرين:
1- ألا يعتقد الداعي به فضلاً معيناً له، كأن يظن فيه أجراً أعظم، أو يعتقد أنه أقرب للقبول.
2- عدم التزامه واعتياده على الوجه الذي يوحي أنه وارد وثابت في السنة النبوية.
وعلى هذا؛ فمن دعا بالدعاء الوارد في السؤال أحيانا، ولم يعتقد فيه مزيد فضل، فلا حرج عليه حينئذٍ.
ونرى أنه لا ينبغي نشره بين الناس، لأن كثيراً من الناس سيظن أن هذا الدعاء من السنة، وحينئذٍ ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
فما نراه في كثير من المنتديات ومواقع الإنترنت من نصيحة المقبلين على الزواج بهذا الدعاء تصرف غير صحيح، بل الذي ينبغي أن يُنشر ويتعلمه الناس، هو ما ورد في السنة النبوية، لا ما اخترعه بعض الناس، حتى ولو لم يكن فيه منكر ظاهر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/418)
هل تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا مَرَّ ذكره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كلما مر ذكره أم أن ذلك سُنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب الصلاة عليه إذا مر ذكره، عليه الصلاة والسلام؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) وهذا يدل على أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره صلى الله عليه وسلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب" (1/79، 80) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/419)
حكم جعل دعاء بدلا من نغمة الجوال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعيين دعاء مسجل كنغمة جوال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للإنسان أن يجعل الدعاء نغمة للجوال؛ لأن الدعاء عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، وما كان كذلك فالواجب تعظيمه وعدم امتهانه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج /32.
والأولى جعل نغمة الجوال نغمة عادية، لا تحتوي على ذكر الله، صيانةً للذكر عن الامتهان والتعرض لما لا يليق، ولا تحتوي على شيء محرم كالموسيقى.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
في وقتنا الحاضر كثر من معهم جوالات بهذه النغمات بحيث لو اتصل الشخص يظهر صوت قرآن أو يظهر صوت أذان أو يظهر صوت تكبير في تلك النغمات حتى ولو في البيت أو في دورة المياه - أعزكم الله - أو في السوق ما رأيكم في ذلك؟
فأجاب:
" لا يجوز استعمال الأذكار ولا سيما القرآن الكريم في الجوالات بدلاً عن المنبِّه الذي يتحرّك عند المكالمة، فيضع منبّهًا ليس فيه نغمة موسيقى، وإنما هو منبِّه عادي، كمنبِّه الساعة مثلاً، أو الجرس الخفيف، وأما وضع الأذكار والقرآن والأذان محلّ ذلك، فهذا مِن التنطّع، ومِن الاستهانة بالقرآن وبهذه الأذكار " انتهى.
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/sounds/00057-03.ra
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم: (47407) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/420)
حم لا ينصرون ليست دعاء على الأعداء
[السُّؤَالُ]
ـ[استقبلت رسالة مكتوب فيها: " ليكن شعارنا (حم لا ينصرون) رددها وانشرها " عندما سألت صاحب الرسالة، قال: هذا دعاء كان يدعو به الرسول صلى الله عليه وسلم على الأعداء. هل هذا الحديث صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" حم لا ينصرون " كانت شعار المسلمين في إحدى المعارك، وذكر بعض العلماء أن ذلك في الخندق، كما في " جوامع السيرة " لابن حزم (ص/189) ، ومعنى كونها شعارا أي أن الصحابة رضوان الله عليهم يتعرفون إلى بعضهم – في حال القتال بالليل – بواسطة هذه الكلمة، فإذا سمع أحدهم من الآخر قوله: " حم لا ينصرون " عرف أنه من أصحابه وليس من أعدائه، وهكذا هي الحروب المعاصرة أيضا، يتفق فيها الجنود على كلمات سرية وحروف رمزية يعرفون بعضهم بها.
عَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِنْ بُيِّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لَا يُنْصَرُونَ)
رواه أبو داود (رقم/2599) وبوَّب عليه بقوله: باب في الرجل ينادي بالشعار. وقال ابن كثير: إسناده صحيح. " تفسير القرآن العظيم " (7/117) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/3097) .
وليس في هذا الحديث دلالة على استحباب الدعاء بهاتين الكلمتين: " حم لا ينصرون " عند طلب النصر، يؤكد ذلك ما يلي:
1- أن معنى الشعار هو العلامة المتعارفة في الحرب، يقول الشوكاني رحمه الله: "الغرض بالشعار - وهو العلامة في الحرب - يقال: نادوا بشعارهم. أو جعلوا لأنفسهم شعارا، والمراد أنهم جعلوا العلامة بينهم لمعرفة بعضهم بعضا في ظلمة الليل، هو التكلم عند أن يهجم عليه العدو بهذا اللفظ " انتهى. " نيل الأوطار " (8/50) ، ولذلك بوب البيهقي في " السنن الكبرى " (6/361) على هذه الأحاديث بقوله: " باب ما جاء في شعار القبائل ونداء كل قبيلة بشعارها " انتهى. وقال البهوتي رحمه الله: " (ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به عند الحرب) لما روى سلمة بن الأكوع قال: (غزونا مع أبي بكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان شعارنا: أمت أمت) رواه أبو داود، وقد ورد أيضا: (حم لا ينصرون) ; ولأن الإنسان ربما احتاج إلى نصرة صاحبه، وربما تهتدي بها إذا ضل، قال في الشرح: ولئلا يقع بعضهم على بعض " انتهى. " كشاف القناع " (3/64-65) فتحصل من هذا أن الشعار لا يعني الدعاء، ولا يقصد به استنزال النصر من الله، وإنما هو علامة فارقة بين الطائفتين المتقاتلتين.
2- وقد ورد اتخاذ المسلمين شعارات أخرى في معارك أخرى، ومن ذلك: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: (كَانَ شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدُ اللَّهِ وَشِعَارُ الأَنْصَارِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) رواه أبو داود (2597) ، وعن سلمة قَالَ: (غَزَوْنَا مَعَ أَبِى بَكْرٍ رضي الله عنه زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ شِعَارُنَا: أَمِتْ أَمِتْ) رواه أبو داود (رقم/2598) ، وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " (7/716) آثارا أخرى فيها جمل كثيرة من الشعارات التي كان الصحابة يتخذونها في معاركهم.
3- وأما ما يرد في بعض كتب " الأوراد " من أدعية خاصة للنصر، وتذكر فيها هذه الجملة (حم، حَمِيَ الأمرُ، وجاء النصر، فعلينا لا ينصرون) فلم يصح في ذلك حديث ولا أثر، وما جاء عن الصحابي الجليل أبي دجانة رضي الله عنه في هذا الشأن فلم يثبت. يقول البيهقي رحمه الله: " وقد روي في حرز أبي دجانة حديث طويل، وهو موضوع لا تحل روايته، والله تعالى أعلم بالصواب " انتهى. " دلائل النبوة " (8/188)
قال الإمام النووي رحمه الله:
فيتحصل مما سبق أنه لا يشرع الدعاء بهاتين الكلمتين (حم لا ينصرون) لغرض استنزال النصر من الله عز وجل.
ولكن يبقى السؤال، ما معنى هاتين الكلمتين، ولماذا اختارها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون شعارا للمسلمين يوم الخندق؟
فالجواب: أن كلمات الشعار عادة ما تجمع بين الاختصار والمعاني التي تدفع المجاهدين إلى النصر، فكان شعار المسلمين في بعض المعارك: (أَمِت، أَمِت) أمر من الموت، كلمتان قصيرتان وفيهما تشجيع على إماتة الأعداء.
وهكذا (حم لا ينصرون) : كلمات قليلة، وفيها تفاؤل بهزيمة الأعداء وتمكين المسلمين منهم، ولا شك أن التفاؤل وعلو الروح الجهادية من أسباب تنزل النصر على الأعداء.
يقول الشوكاني رحمه الله:
" هذا اللفظ فيه التفاؤل بعدم انتصار الخصم، مع حصول الغرض بالشعار، وهو العلامة في الحرب ... قوله: (أمت، أمت) أمر بالموت، وفيه التفاؤل بموت الخصم " انتهى.
" نيل الأوطار " (8/50)
قال النووي رحمه الله:
" وفي الحديث شعاركم حم لا ينصرون قال الأزهري سئل أبو العباس عن قوله حم لا ينصرون فقال معناه والله لا ينصرون الكلام خبر ليس بدعاء رأيته في فصل م ح وقال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن في كتاب الجهاد عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال معناه الخبر ولو كان معنا الدعاء لكان مجزوما أي لا ينصروا وإنما هو إخبار كأنه قال والله لا ينصرون وقد روي عن ابن عباس رحمهما الله أنه قال حم اسم من أسماء الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه فإن عامة الوسواس منه ذكره في المهذب هو بضم الميم وفتح الحاء أخرجه أبو داود "
تهذيب الأسماء واللغات النووي مد/3 دار الفكر - (3 / 68) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/421)
فضل الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ ما يقرب من عام وأنا أدعو الله عز وجل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقط، أي جعلت دعائي كله صلاة وسلاما على رسول الله صلى الله عليه وسلم باستثناء الأذكار والأدعية الموظفة كالتي في أذكار الصباح والمساء وقنوت الوتر وغيرها فأذكر فيها ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد سماعي لشرح حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء ربع الليل قام فقال: أيها الناس اذكروا الله، أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه. فقال أبي بن كعب: فقلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فما أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قلت: الربع؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير. قلت: النصف؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير. قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: إذا يكفي همك ويغفر ذنبك الراوي: أبي بن كعب - خلاصة الدرجة: حسن - المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: موافقة الخبر الخبر - الصفحة أو الرقم: 2/340 وحديث 71475 - أن رجلا قال يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي عليك قال نعم إن شئت. قال: الثلثين؟ قال: نعم. قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله: إذا يكفيك الله ما همك من أمر دنياك وآخرتك. الراوي: حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري - خلاصة الدرجة: حسن لغيره - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1671 وكان من الشرح ومعنى أجعل لك صلاتي كلها أي لا تدعو لنفسك بشيء أبدا ولكن جعلت دعاءك كله صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأي فضيلتكم وجزاكم الله عنا خيرا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي (2457) وأحمد (20736) وابن أبي شيبة في "المصنف" (8706) وعبد بن حميد في "المسند" (170) والبيهقي في "الشعب" (1579)
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ.
قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وحسنه المنذري في (الترغيب والترهيب) ، وكذا حسنه الحافظ في "الفتح" (11/168) ، وأشار البيهقي في "الشعب" (2/215) إلى تقويته، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1670) وغيره.
قال الملا علي القاري:
" (أجعل لك صلاتي كلها) أي أصرف بصلاتي عليك جميع الزمن الذي كنت أدعو فيه لنفسي. (تكفي همك) قال الأبهري: أي إذا صرفت جميع زمان دعائك في الصلاة عليّ كفيت ما يهمك.
وقال التوربشتي: معنى الحديث كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي.
فقال: (إذن تكفى همك) أي ما أهمك من أمر دينك ودنياك؛ وذلك لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم الرسول، والاشتغال بأداء حقه عن أداء مقاصد نفسه "
انتهى باختصار.
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/16- 17)
وقال ابن علان البكري رحمه الله:
" ووجه كفاية المهمات بصرف ذلك الزمن إلى الصلاة عليه: أنها مشتملة على امتثال أمر الله تعالى، وعلى ذكره وتعظيمه، وتعظيم رسوله، ففي الحقيقة لم يفت بذلك الصرف شيء على المصلي، بل حصل له بتعرضه بذلك الثناء الأعظم أفضل مما كان يدعو به لنفسه، وحصل له مع ذلك صلاة الله وملائكته عليه عشراً، مع ما انضم لذلك من الثواب الذي لا يوازيه ثواب، فأيّ فوائد أعظم من هذه الفوائد؟ ومتى يظفر المتعبد بمثلها، فضلا عن أنفَسَ منها؟ وأنى يوازي دعاؤه لنفسه واحدة من تلك الفضائل التي ليس لها مماثل؟ "
انتهى بتصرف.
"ليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (5/6-7)
وقال الشوكاني رحمه الله:
" قوله: (إذن تكفى همك ويغفر ذنبك) في هاتين الخصلتين جماع خير الدنيا والآخرة؛ فإن من كفاه الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها؛ لأن كل محنة لا بد لها من تأثير الهم وإن كانت يسيرة. ومن غفر الله ذنبه سلم من محن الآخرة؛ لأنه لا يوبق العبد فيها إلا ذنوبه " انتهى.
"تحفة الذاكرين" (ص 45)
وسئل علماء اللجنة:
قول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم: أفأجعل لك صلاتي كلها؟
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا تكفى همك ... ) إلى آخر الحديث. ما معنى: أفأجعل صلاتي لك كلها؟
فأجابوا: " المراد بالصلاة هنا: الدعاء، ومعنى الحديث: الحث على الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من الأجر العظيم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/156 - 157)
وينبغي أن تعلم أن الحديث لا يعني منع الإنسان من الدعاء لنفسه مطلقا، والاقتصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مخالف لهديه العملي، وإرشاده إلى الأدعية المتنوعة، في الأحوال المختلفة، كأدعية الصلاة، والصباح والمساء، والاستخارة، ونحو ذلك.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" هذا الحديث لا ينافي أن يدعو الإنسان ربه ويسأله أموره كلها بالأدعية المشروعة، وأن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بين الأمرين " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/159) .
ولعل المراد بالحديث: أن كان لأبي بن كعب دعاء معين، يدعو به، فسأل عن استبداله بالصلاة، وإلى ذلك يشير قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" هذا كان له دعاء يدعو به، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته؛ فإنه كلما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا، وهو لو دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة: آمين ولك بمثله. فدعاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/193)
وقال شيخ الإسلام أيضا:
" مقصود السائل: يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به، وأستجلب به الخير، وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء؟ قال: ما شئت. فلما انتهى إلى قوله: (أجعل لك صلاتي كلها) قال: إذا تكفي همك ويغفر ذنبك.
وفي الرواية الأخرى: إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك.
وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/349-350) .
وهذا كله بتقدير صحة الحديث، وقد أشرنا إلى من صححه من أهل العلم؛ وإلا فإن راوي الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل: أكثر كلام أئمة الحديث على تضعيفه، وعدم الاحتجاج بحديثه، حتى قال عنه الإمام أحمد ـ في رواية حنبل ـ: " منكر الحديث "، وقال يعقوب الجوزجاني: " عامة ما يرويه غريب ".
ينطر: "تهذيب الكمال" (16/80) وما بعدها.
وإذا قدر أن حديثه في مرتبة الحسن، كما ذهب إليه بعض أهل العلم، فلا يظهر لنا أن حاله يحتمل التفرد بمثل هذا المتن؛ مع ما فيه من قوله: " أجعل لك صلاتي كلها"؛ فهو بظاهره مخالف لما رغبت فيه الشريعة، في عامة مواردها، من الإكثار من الدعاء، بشتى أنواعه، في الصلاة وخارجها، مطلقا كان هذا الدعاء، أو مقيدا بوقت أو حال. ثم هو ـ بهذا الظاهر أيضا ـ مخالف للهدي العلمي للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ومن بعدهم من السلف؛ فلا نعلم أن أحدا ترك الدعاء، في الصلاة أو خارج، بما يحتاجه من خير الدنيا والآخرة، اكتفاء بالإكثار من الصلاة على النبي صلى اله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/422)
إذا قال: اللهم أدخلني الجنة الليلة فهل هو من الاعتداء في الدعاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قول المصلي اللهم أدخلني الجنة الليلة هل يعتبر من الاعتداء في الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاعتداء في الدعاء له صور، وضابطه: كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء.
ولا يخفى أن الجنة إنما يدخلها العبد بعد الموت والبعث، لا الآن.
قال ابن القيم رحمه الله: "فالاعتداء بالدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يطلعه على غيبه أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" انتهى من "بدائع الفوائد" (3/524) .
ولهذا فقول الداعي: اللهم أدخلني الجنة الليلة، إن أراد به دخول الجنة بروحه وجسده، فهو اعتداء، لمخالفته ما أخبر به سبحانه، وإن أراد أن يدخلها مناما، كأن يحفزه الشوق إلى الجنة إلى هذا السؤال طمعا أن يرى الجنة ونعيمها في منامه، فليس هذا من الاعتداء؛ لأنه أمر ممكن، ووقع لبعض الناس، وليس في الشريعة ما يمنع من سؤاله.
ومما جاء في رؤية الصالحين للجنة مناما: ما روى البخاري (7016) ومسلم (2478) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ وَلَيْسَ مَكَانٌ أُرِيدُ مِنْ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَقَصَصْتُهُ عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهُ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا) .
وإن أراد بهذا الدعاء: أن يموت الليلة، ويكون من أهل الجنة، فتدخل روحه الجنة، فالذي يظهر أنه جائز أيضا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أرواح المؤمنين أنها تنعم في الجنة إلى يوم القيامة. روى أحمد (15350) والنسائي (2073) وابن ماجه (4271) عن كَعْب بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ [أي: روحه] إِذَا مَاتَ طَائِرٌ يَعْلُقُ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صححه الألباني في صحيح النسائي.
والأفضل أن لا يقيد ذلك بكونه الليلة، بل يقول: اللهم إني أسألك الجنة، أو أدخلني الجنة برحمتك، ونحو هذه الأدعية، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أما تقييد ذلك بـ "الليلة" فيخشى أن يكون فيه سوء أدب مع الله، فالأولى تركه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/423)
تعليق الدعاء على الإخلاص في عمل معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يدعو الإنسان: اللهم إن كنت مخلصا في عملي هذا فنجحني، مثلا، أو فأتممه لي؟ أي ربط استجابة الدعاء بالإخلاص في العمل، أي إن استجاب الله وتم العمل المعين فهذا دليل على أن الله قد قبله، وأنه مخلص به، وإن لم يستجب الله فهو دليل على عدم إخلاص الداعي؛ لأنه ربط الإخلاص في دعائه بحدوث أو تمام العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن يدعو الإنسان فيقول في دعائه: اللهم إن كنت مخلصاً في عملي هذا فنجحني فيه، أو: فأتمه لي.
وقد ورد مثل ذلك في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة، فكان كل منهم يقول في دعائه: (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه) ، فاستجاب الله تعالى دعاءهم. وننقل هنا نص الحديث:
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ – الغَبُوق: شرب اللبن آخر النهار - قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا، فَنَأَى – أي: بَعُدَ - بي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا.
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ.
فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا.
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ.
فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي. فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بي. فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا.
اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِك فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ.
فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ) رواه البخاري (2272) ، ومسلم (2743) .
ولكن لا يلزم من ذلك أن الله إذا وفقه في عمله أو أتمه له أن هذا الداعي كان مخلصاً في عمله ذلك، وأنه إذا لم يوفق لم يكن مخلصاً.
لأنه قد يكون مخلصاً في عمله ولكن الله تعالى منعه الإجابة لسبب آخر، كعقوبة له على معصبة فعلها، أو أكله الحرام ... ونحو ذلك.
وقد يكون غير مخلص في عمله ولكن الله يتمه له لسبب آخر غير الدعاء، إما استدراج له، أو أن هذا الدعاء وافق القدر المكتوب سابقاً، فحصل ما قدره الله تعالى، ولكن لا بسبب الدعاء.
وقد يكون ذلك قرينة على إخلاصه في العمل وأن الله تعالى قبل دعاؤه، ولكننا لا يمكننا الجزم بذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/424)
هل يجوز للداعي أن يقول: " يا رحمن يا الله " أو " يا تواب يا الله "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء الدعاء بأسماء الله الحسنى هل تصح هذه الصيغة " اللهم يا رحمن يا الله، يا رحيم يا الله، يا غفور يا الله، يا تواب يا الله " تكرار لفظ الجلالة مع كل اسم من أسماء الله الحسنى؟ هل يعتبر ذلك من الاعتداء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى، بين يدي الدعاء، من صيغ التوسل المشروعة، ولا يظهر مانع من أن يتوسل بذكر أحد الأسماء الحسنى، ثم يعقبه بلفظ الجلالة " الله "؛ فاسم الله تعالى " الله " يدل على جميع أسمائه تعالى، فمن دعا الله أو توسل بأسمائه الحسنى، فذكر اسماً من أسمائه دون غيره، أو ذكر أكثر من واحد، أو ذكرَ واحداً ثم أعقبه باسم الله تعالى الجامع لكل الأسماء وهو " الله "، أو اكتفى باسم الله تعالى " الله ": فكل ذلك جائز، ولا يظهر ما يمنع منه، ولا حرج في فعله، وإن كان الأفضل أن يأتي بلفظ الجلالة (الله) أولا، ثم يردفه بما يناسب المقام من الأسماء الحسنى، فيُحسن اختيار الاسم المناسب لحاجته، فالرحمن، والغفور، والتواب: يُدعى بها في حال طلب المغفرة، والعفو عن الزلات، والقوي، والقهار، العزيز: يُدعى بها في حال طلب النصرة، وهكذا.
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -:
وهكذا استعمال " يا لطيف "، أو " يا الله "، أو نحو ذلك بعدد معلوم يَعتقد أنه سنَّة: لا أصل لذلك، بل هو بدعة، ولكن يُشرع الإكثار من الدعاء بلا عدد معين، كقوله: " يا لطيف الطف بنا، أو اغفر لنا، أو ارحمنا، أو اهدنا "، ونحو ذلك. وهكذا يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا غفور، يا حكيم، يا عزيز، اعف عنا، وانصرنا، وأصلح قلوبنا وأعمالنا، وما أشبه ذلك؛ لقول الله سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/ 60، وقوله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة/ 186؛ ولكن بدون تحديد عدد لا يزيد عليه ولا ينقص. إلا ما ورد فيه تحديد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (26 / 176، 177) .
وللمزيد حول أسماء الله الحسنى: انظر أجوبة الأسئلة: (1392) و (72870)
و (99624) و (104488) .
على أن ما يفعله بعض الأئمة من المبالغة في ذلك الباب، وتعمد الإتيان بالأسماء الحسنى جميعا، أو بما يقدر عليه منها، ويردد المأمون خلفه ما يقول، فأقل أحوال أنه خلاف السنة، ونخشى أن يكون ذلك من الاعتداء في الدعاء، وفقدان التضرع فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/425)
هل يجزم الداعي بإجابة الله له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطرق التي يستطيع الشخص من خلالها أن يقوي ثقته بالله، وأن يدعو وهو متيقن بالإجابة، فعلى سبيل المثال: عندما أدعو الله بأن يعطيني ثروة ومالاً، في الوقت ذاته أشك في أن الله قد لا يعطيني، إما أنه يؤخر لي هذه الدعوة إلى يوم القيامة، أو أنه يصرف عني بها سوءًا، كما جاء الحديث موضحا لذلك. فهل شعوري هذا يخدش التوكل، وهل ينافي تيقني بالإجابة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على المسلم أن يعرف فقه الدعاء من جهتين:
1- من جهة نفسه وما كُلِّف أن يستحضر في قلبه: فيكون دائم الطمع في كرم الله، مستحضرا سعة خزائنه وعظيم فضله، مستبشرا بما وعد عباده الصالحين من إجابة سؤلهم ومنحهم رغائبهم، فيستعين بذلك قلبه على الثقة بالله، والإيمان بما أخبر عن نفسه من إجابة دعوة الداعي، فينطلق قلبه بالدعاء الصادق المخلص، ولا يثنيه تأخر الإجابة ولا يستبطئها، وبهذا يمتثل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ) رواه الترمذي (3479) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
2- أما الجهة الثانية فهي دخول الدعاء في منظومة أقدار الله وحِكَمه في هذا الكون العظيم، فلله في خلقه وأمره من الحكمة البالغة ما تقتضي أن يقدر من الأحداث ما يكرهه البشر، كالفقر والمرض والحروب والكوارث وغير ذلك، وقد لا يُقَدِّر الرب عز وجل أن يكون الدعاء المعيَّن سببا مباشرا لدفع هذه الشرور، ولكنه – لوعده المؤمنين بإجابة الدعاء – يدخر ذلك عنده أجرا ومثوبة في الآخرة، أو يصرف به شرا آخر عن الداعي، فلن يكون الدعاء دائما سببا في تغيير القدر، وإلا لفسدت الأرض، ولَما تحققت حكمة الله تعالى في مفردات أقداره في هذا الكون العظيم، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر) رواه أحمد (3/18) ، والترمذي (3573) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد وجدنا للعلامة ابن الجوزي رحمه الله خواطر دقيقة محكمة، يشرح فيها هذا المعنى الذي نريد تقريره، كي لا يخطئ أحد في فهم حقيقة إجابة الدعاء، فيتسخط إن لم يلق من الله الإجابة المباشرة لسؤاله، أو يظن أن الكون رهن إشارة دعائه، وأن الله عز وجل سيرفعه أعلى من منزلة الأنبياء الذين ابتلوا وعذبوا وتأخرت عنهم الإجابة.
يقول رحمه الله:
"رأيت من البلاء العجاب، أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة، ولا يرى أثراً للإجابة، فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي احتاج إلى الصبر. وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب. ولقد عرض لي من هذا الجنس، فإنه نزلت بي نازلة، فدعوت وبالغت، فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده، فتارة يقول: الكرم واسع والبخل معدوم، فما فائدة تأخير الجواب؟ فقلت: اخسأ يا لعين، فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلاً. ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك ومساكنة وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدِّر في محاربة العدو لكفى في الحكمة. قالت: فسلني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة؟
فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه للاعتراض عليه.
والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيت الشيء مصلحة والحق أن الحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب، من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.
والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) .
والرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه. فابحثي عن بعض هذه الأسباب لعلك توقنين بالمقصود.
والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب، فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح. وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أسرت، وإن أسرت تنصرت.
والسادس: أنه ربما كان فَقْدُ ما تفقدينه سبباً للوقوف على الباب واللجأ، وحصوله سبباً للاشتغال به عن المسؤول. وهذا الظاهر، بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ. فالحق عز وجل علم من الخلق اشتغالهم بالبر عنه، فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه، يستغيثون به، فهذا من النعم في طي البلاء. وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه، ففيه جمالك ...
وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل، أو اعتذار من زلل، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب " انتهى.
"صيد الخاطر" (ص/20-21) .
وقال أيضا:
"يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء، فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثراً للإجابة، ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس، لعلمه أن الحق أعلم بالمصالح، أو لأن المراد منه الصبر أو الإيمان، فإنه لم يحكم عليه بذلك إلا وهو يريد من القلب التسليم لينظر كيف صبره، أو يريد كثرة اللجأ والدعاء، فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل فذاك ضعيف الإيمان، يرى أن له حقاً في الإجابة، وكأنه يتقاضى أجرة عمله، أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام، بقي ثمانين سنة في البلاء ورجاؤه لا يتغير، فلما ضم إلى فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله، وقال: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتيني بهمْ جَميعاً) ، وقد كشف هذا المعنى قوله تعالى: (أَمْ حِسِتْتُمْ أَنْ تَدْخُلوا الْجَنّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِيْنَ خَلَوْ مِنْ قَبْلَكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللُّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب) ، ومعلوم أن هذا لا يصدر من الرسول والمؤمنين إلا بعد طول البلاء وقرب اليأس من الفرج، ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، قيل له: وما يستعجل؟ قال: يقول: دعوت فلم يستجب لي) ، فإياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء، مُتَعَبَّد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله، وإن طال البلاء" انتهى.
"صيد الخاطر" (ص/168) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (126946) نقل آخر عن ابن الجوزي فراجعه فهو مفيد.
فحاصل ما نريد الوصول إليه: هو أن المؤمن مطالب ببذل الأسباب، ومنها: الدعاء الصادق، كما هو مطالب أيضا بالتسليم للأقدار، والإيمان بأن حكمة الله عز وجل قد تقتضي تأخير إجابة دعائه في الدنيا أو عدم ذلك، فلن يكون أحدنا أفضل من أنبياء الله ورسله الذين تأخر عنهم تحقيق سؤلهم ودعائهم، ولكنهم عرفوا أن الدعاء عبادة، وأنهم بسؤالهم الرب عز وجل يرتقون عنده في درجات العابدين، مع القطع بأن الله تعالى سيجيبهم، ولكن هذه الإجابة لا يلزم أن تكون بإعطائهم ما سألوا في الدنيا، بل قد تكون الإجابة بصرف شيء من السوء عنهم، أو بادخار ذلك لهم في الآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/426)
الإلحاح في الدعاء ليس من الاعتراض على القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة طويلة تكون لدي حلم، وهو صعب المنال، لكن إيماني بقدرة الله هو ما شجعني على السعي إليه بشتى الطرق.. وحتى هذه اللحظة لم يتحقق حلمي رغم دعائي المتكرر، وفي كل الأوقات، لأكثر من خمس سنين متواصلة لتحقيقه.. وقد حلمت منذ فترة حلما، وقرأت تفسيره في كتاب: أنني ربما أتطلع لأمر ولن أناله ... الآن لم يزل تعلقي بتحقيق حلمي موجودا، ولم ولن أيأس من رحمة الله بي، وأعلم أن التأخير فيه مصلحة لي.. لكنني أتساءل هل أنا ـ بذلك ـ أعترض على الله؟ هل علي أن أستمر بالدعاء لتحقيق هذا الأمر لي؟ أم أنني من المفترض أن أسلم بتفسير الرؤيا وأتوقف عن الدعاء، لأن هذا الأمر لن يتحقق؟ أنا حائرة ولا أعلم إن كان تكراري للدعاء فيه تعدي وعدم إيمان بالقضاء، وهل وجود أمل في قلبي أن رحمة الله واسعة، وأن هذا الأمر سيتحقق، وإن كان متأخرا، فيه سوء أدب مع الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك في البداية همتك العالية، وطموحك نحو تحقيق ما تحلمين به، ونذكرك مع ذلك بأمور عدة:
الأمر الأول: ضرورة الأخذ بالأسباب، فقد خلق الله الدنيا بنظام السبب والمسبب، وأوجب على الناس العمل في هذه الدنيا ضمن هذا النظام، فمن ألغى الأسباب فقد تعدى على شرع الله وقدره.
الأمر الثاني: الإلحاح في الدعاء مما يحبه الله ويرضاه، وليس فيه اعتراض على القدر، بل هو إصرار على بلوغ المراد ضمن الأسباب المشروعة، والدعاء أحد هذه الأسباب، فهو من قضاء الله وقدره، وهو علامة العبودية، وأمارة الإيمان.
قال ابن القيم: " ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء " انتهى.
" الجواب الكافي " (ص/25) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ: يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" في هذا الحديث أدب من آداب الدعاء , وهو أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار , حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة. وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه: (من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة) ، الحديث أخرجه الترمذي بسند لين، وصححه الحاكم فوهم.
قال الداودي: يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة، وما قام مقامها من الادخار والتكفير انتهى ... وإلى ذلك أشار ابن الجوزي بقوله: اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد، غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه، فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض " انتهى.
" فتح الباري " (11/141) .
الأمر الثالث، وهو الأهم فيما نريد تنبيهك إليه:
إذا كان ما تدعين به من أمور الدنيا الفانية، ومما قد يبتلى به الإنسان في حياته بفقد، أو مرض أو فقر ونحو ذلك، فلا نرى لك الحلم به كثيرا، ولا التعلق القلبي العظيم بتحقيقه، فقد خلق الله الدنيا ناقصة اللذات، لا تصفو لأحد، فلا تظني في قلبك أنها تصفو لك، ولو بكثرة الدعاء، وهذه لفتة دقيقة أشار إليها العلامة ابن الجوزي رحمه الله، كي يستريح من يدعو ولا يستجاب له، وكي لا يقع المسلم في التسخط في آخر المطاف، بل يرضى بالقضاء، ويحتسب أجره عند الله، ويعلم أن ما عند الله خير وأبقى.
يقول ابن الجوزي رحمه الله:
" من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف، فإنه موضوع على عكس الأغراض، فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض، فإن دعا وسأل بلوغ غرض، تعبد الله بالدعاء: فإن أعطي مراده، شكر، وإن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة/216، ومن أعظم الجهل أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما اعترض في الباطن، أو ربما قال: حول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب، وهذا كله دليل على جهله وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة، ومن الذي حصل له غرض ثم لم يكدر؟! هذا آدم، طاب عيشه في الجنة، وأخرج منها، ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده، والخليل ابتلي بالنار، وإسحاق بالذبح، ويعقوب بفقد الولد، ويوسف بمجاهدة الهوى، وأيوب بالبلاء، وداود وسليمان بالفتنة، وجميع الأنبياء على هذا، وأما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجوع والأذى وكدر العيش فمعلوم، فالدنيا وضعت للبلاء، فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر، وأن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف، وما لم يحصل فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا، كما قيل:
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوًا من الأقذاء والأكدَارِ " انتهى.
" صيد الخاطر " (ص/399) .
الأمر الرابع:
لا تعولي كثيرا على الرؤى والأحلام، فهي ظنية الدلالة، لا يعتمد في تأويلها على ما في الكتب، ولا يقبل تأويلها من عابر غير عالم ولا بصير، فكيف تبنين عليها قرارا وتتوقفين بسببها عن سعي ونجاح، بل ننصحك بالتوكل على الله، والإلحاح في الدعاء إذا كان في الأمر خير.
والخلاصة: أن هذا الأمر الذي تحلمين به: إن كان مما يقربك من رضوان ربك وجنته، ويباعدك من سخطه وناره: فلا تتركي الإلحاح في الدعاء به، مع الأخذ بما تطيقينه من الأسباب لبلوغه، وإن كان عرضا من الدنيا، من رزق، أو مال، أو إنسان معين، تريدين الزواج منه: فلا نرى لك أن تتعلقي به كل هذا التعلق، سنين طوالا؛ بل فوضي أمرك إلى الله، وانشغلي بما ينفعك، واسأليه أن يقدر لك الخير في أمرك كله.
وانظري جواب الأسئلة التالية: (93399) ، (115945) ، (117665) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/427)
لا حرج في طلب الدعاء من قراء المنتدى لمن يمر بضائقة من المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[نقوم أحياناً في منتدانا - وهو منتدى إسلامي نسائي - بالإعلان أن إحدى الأخوات تمر ببعض الظروف العسيرة، أو أنها مريضة وبحاجة للدعاء، فتدخل الأخوات ويدعين لها , فهل هذا العمل بدعة؟ وهل يعد من الدعاء الجماعي؟ حيث إننا قد خصصنا ساحة لهذا الغرض، وللتواصل، والاطمئنان على بعضنا البعض فيها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذِّكر الجماعي الذي جاء التحذير منه في كلام أهل العلم المحققين له صورتان مشهورتان:
الأولى: أن يذكر جميع الحاضرين وِرداً، أو ذِكراً، بصوت واحد.
والثانية: أن يذكر قائد الحلقة شيئاً، ويكرر وراءه الحضور مثل ما قاله.
وليس من ذلك طلب الدعاء الوارد صورته في السؤال؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود (3221) وصححه الألباني في صحيح أبو داود.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) رواه البخاري (1263) ومسلم (951) .
وعلى هذا؛ فلا يظهر مانع مما تفعله الأخوات في هذا المنتدى، بل هو من الأمور المشروعة لأن فيه الدلالة على الخير، ومساعدة المحتاج.
وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء للمسلم بظهر الغيب، فقال: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ) رواه مسلم (2732) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/428)
هل دعاء المجنون مستجاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دعاء المجنون مستجاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد في السنة المطهرة ما يدل على أن دعاء المجنون مستجاب، فلا يجوز ادعاء ذلك حتى يثبت به الدليل، وليس في الأدلة ما يشهد لذلك، ولعل أصل هذه الدعوى وارد من الفكرة الصوفية الغالية في المجانين والمجاذيب، أو من غلو بعض العوام في الطرف المقابل في معاملة هؤلاء المجانين، فكثير من الناس من يظلمهم ويؤذيهم بغير حق، وآخرون يظنون أنهم أفضل من العقلاء، أو أن لهم سرا في العبودية، أو مقاما خاصا عند الله.
بل نزيد فنقول إن دعاء المجنون صادر عن غير فهم وعلم، فهو لا يتضمن على معنى الدعاء الذي هو العبادة، والذي يقتضي من الداعي استحضار معاني الألوهية والربوبية والعظمة لله عز وجل، واستحضار فقر الداعي وذله وانكساره بين يدي الله، فالمجنون إذا دعا إنما يهذي بكلمات لا يدري ما تعني ولا يقصد ما تتضمن، فهل يسمى مثل ذلك من الدعاء، فضلا عن دعوى قبوله واستجابته عند الله عز وجل؟!
لكن بعض هؤلاء المجانين، غير المكلفين، يكون له إدارك في بعض الأمور، فيميز بين من يحسن إليه ويكرمه، وبين من يؤذيه ويهينه، وربما دعا بكلمات طيبة لمن يكرمه ويحسن إليه، وربما دعا ـ أيضا ـ على من يؤذيه ويهينه، وليس ببعيد أن تستجاب دعوته حينئذ؛ خاصة إذا كان مظلوما، يستنصر على ظالمه.
وأما إطلاق القول بأن دعوة المجنون مستجابة: فلا دليل عليه، بل هو من القول على الله بلا علم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/429)
هل يجوز أن يسأل الله أن تكون الفتاة التي توفيت وكان يريد خطبتها عروسا له في الجنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت ابنة خالي في حادث، والتي كنت أنوي خطبتها، فهل يجوز أن أدعو الله أن يجعلها عروسا لي في الجنة، أم أن هذا من التعدي في الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
بداية نسأل الله تعالى أن يتغمد تلك الفتاة برحمته، وأن يدخلها جنته، وأن يرزق أهلها وجميع ذويها الصبر والسلوان.
ونوصيك أخانا السائل بالإحسان إلى والديها، ومساعدتهم على تجاوز محنتهم، ونوصيك في نفسك بالرضا بقضاء الله وقدره، والإيمان بأن لله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد، وهو عز وجل مقدر كل شيء في هذا العالم، له الحكمة البالغة، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وأما سؤالك عن الدعاء بأن تكون هذه الفتاة زوجك في الجنة: فليس هناك ما يمنع منه، إن شاء الله، ولك أن تدعو به.
وإن كان الذي نختاره لك أن تدعو الله عز وجل بالرحمة والمغفرة، ورفعة درجتها في الجنة؛ فهذا هو الذي ينفعها منك، وتؤجر ـ أنت ـ عليه، إن شاء الله.
ونخشى عليك من المبالغة في هذا الأمر، أو اللهج بمثل هذا الدعاء، أن يزداد تعلقك بها، فينغص عليك عيشك، أو يشغلك عن طلب ما يعفك في الدنيا من الزواج الحلال. وننبهك ـ حتى لا تسترسل في تعلقك ـ إلى أنها ماتت وهي أجنبية عنك، فاحذر من الاستغراق في مشهد الحزن، والأسف على ما فاتك منها؛ وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
ونذكرك بأدب الله لنا في مثل ذلك: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة /155-157.
قال الشيخ السعدي، رحمه الله:
" أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. هذه فائدة المحن، لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الأعداء {وَالْجُوعِ} أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك.
{وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ} وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية، وغرق، وضياع، وأخذ الظلمة للأموال: من الملوك الظلمة، وقطاع الطريق وغير ذلك.
{وَالأنْفُسِ} أي: ذهاب الأحباب من الأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من يحبه، {وَالثَّمَرَاتِ} أي: الحبوب، وثمار النخيل، والأشجار كلها، والخضر ببرد، أو برد، أو حرق، أو آفة سماوية، من جراد ونحوه.
فهذه الأمور، لا بد أن تقع، لأن العليم الخبير، أخبر بها، فوقعت كما أخبر. فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع، حصلت له المصيبتان، فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان.
وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط، قولا وفعلا واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه، لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها، فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
{قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك، الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجعا إليه، من أقوى أسباب الصبر.
{أُولَئِكَ} الموصوفون بالصبر المذكور {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: ثناء وتنويه بحالهم {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
ودلت هذه الآية، على أن من لم يصبر، فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة، والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين.
فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها، لتخف وتسهل، إذا وقعت، وبيان ما تقابل به، إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويُعْلَم حالُ غير الصابر، بضد حال الصابر. وأن هذا الابتلاء والامتحان، سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان أنواع المصائب. ". انتهى.
" تفسير السعدي" (ص/75) .
وتأمل معنا ـ أخانا الكريم ـ هذا الأدب النبوي، والهدي السلفي:
عَنْ أم المؤمنين: أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا؛ إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا) .
قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!
ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا؛ فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ.
فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ؟
فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ.
رواه مسلم في صحيحه (918) .
فادع الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يخلف لك خيرا منها، وادع الله ـ أيضا ـ لهذه الفتاة، ولكل موتى المسلمين، بالرحمة والمغفرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/430)
يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء المشترك دون المأمومين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دعاء الإمام لنفسه في صلاة الجماعة يعتبر خيانة للمأمومين، وهل ذلك جائز، أم إنه يجب أن يدعو للمأمومين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء الذي يشترك فيه الإمام والمأمومون في صلاة الجماعة؛ يعني: أن الإمام يدعو، ويؤمن المأمومون، هو الذي يكره فيه للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين، وذلك لما جاء عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ. وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ. وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ) .
رواه أبو داود (رقم/90) والترمذي (357) وقال حديث ثوبان حديث حسن.
وقد ضعف هذا الحديث ابن خزيمة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم.
انظر: ضعيف أبي داود، للشيخ الألباني (12، 13) .
وعلى تقدير ثبوت الحديث، فالمراد به ما ذكرناه أولا: أن يخص نفسه في دعاء يشاركه المأمومون فيه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل يؤمُّ قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم) هل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله عز وجل أن يشرك المأمومين؟ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم؟ فكيف الجمع بين هذين؟
فأجاب:
" ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
(أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)
فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إماما، وكذلك حديث علي في الاستفتاح الذي أوله: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض - فيه - فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت)
وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله: (لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت)
وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد مِن فعله ومِن أمره لم يُنقَل فيها إلا لفظ الإفراد، كقوله: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) .
وكذا دعاؤه بين السجدتين وهو في السنن من حديث حذيفة، ومن حديث ابن عباس، وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما، أحدهما بحذيفة، والآخر بابن عباس.
وحديث حذيفة: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) ، وحديث ابن عباس فيه: (اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني) ونحو هذا.
فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد. وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك، حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية.
وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور - إن صح -: فالمراد به الدعاء الذي يؤمِّنُ عليه المأموم: كدعاء القنوت، فإن المأموم إذا أمَّنَ كان داعيا، قال الله تعالى لموسى وهارون: (قد أجيبت دعوتكما) ، وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمِّنُ.
وإذا كان المأموم مؤمِّنًا على دعاء الإمام، فيدعو صيغة الجمع كما في دعاء الفاتحة في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) ، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعا، فإن لم يفعل فقد خانَ الإمامُ المأمومَ.
فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه، كالاستفتاح، وما بعد التشهد، ونحو ذلك، فكما أن المأموم يدعو لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه " انتهى باختصار.
" مجموع الفتاوى " (23/116-118)
ويقول العراقي رحمه الله:
" من أدب الدعاء أنَّ مَن دعا بمجلس جماعةٍ لا يخص نفسه بالدعاء مِن بينهم، أو لا يخص نفسه وبعضَهم دون جميعهم، ويتأكد استيعاب الحاضرين على إمام الجماعة، فلا يخص نفسه دون المأمومين، لما روى أبو داود، والترمذي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم) قال الترمذي: حديث حسن.
والظاهر أن هذا محمول على ما لا يشاركه فيه المأمومون، كدعاء القنوت ونحوه، فأما ما يدعو كل أحد به كقوله بين السجدتين: (اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني) فإن كلا من المأمومين يدعو بذلك، فلا حرج حينئذ في الإفراد، إلا أنه يحتمل أن بعض المأمومين يترك ذلك نسيانا أو لعدم العلم باستحبابه، فينبغي حينئذ أن يجمع الضمير لذلك " انتهى باختصار.
" طرح التثريب " (2/136-137)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/431)
يقنت عند النازلة بدعاء مناسب للنازلة، ولا يقنت بدعاء القنوت
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأئمة يدعو في قنوت النوازل بالمغفرة والرحمة أو بدعاء القنوت: (اللهم اهدنا فيمن هديت..) . فما هو المشروع في مثل هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع في قنوت النوازل أن يكون الدعاء مناسباً للنازلة، فلا يُدعى فيه بدعاء القنوت: (اللهم اهدنا فيمن هديت..إلخ) .
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في النازلة عدة مرات، وكان دعاؤه مناسباً للنازلة التي يقنت لها، فلما دعا لنجاة المستضعفين في مكة قال: (اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ولما دعا على بعض قبائل العرب لشدة عداوتهم لله ورسوله، قال: (اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) رواه مسلم (675) .
ولما قنت صلى الله عليه وسلم على أحياء من العرب غدروا بسبعين من الصحابة وقتلوهم، دعا عليهم باللعنة، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ) أخرجه وأبو داود (1443) ، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (1/280) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي لفظ لمسلم (679) : (اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ، وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
وفي لفظ للبخاري (4070) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"يشرع أن يقنت عند النوازل، يدعو للمؤمنين، ويدعو على الكفار، في الفجر وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه: (اللهم العن كفرة أهل الكتاب ... إلى آخره) . وكذلك علي رضي الله عنه لما حارب قوما قنت يدعو عليهم، وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسنا" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/271) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/49) :
"ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في النوازل، يدعو على المعتدين من الكفار، ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكافرين وأسرهم" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/45) : "يقنتُ بدُعاءٍ مناسبٍ للنَّازلة التي نزلت، ولهذا كان الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم يدعو في هذا القُنُوتِ بما يناسب النَّازلة، ولا يدعو فيقول: (اللَّهُمَّ اهْدِني فيمن هَديت) كما يفعله بعضُ العامَّة، ولم يَرِدْ عن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أبداً لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه كان يقول: (اللهم اهْدِني فِيمَنْ هَدَيت) في الفرائض، إنما يدعو بالدُّعاء المناسب لتلك النَّازلة، فمرَّةً دعا صلّى الله عليه وسلّم لقوم مِن المستضعفين أنْ ينجِّيهم اللهُ عزّ وجل حتى قدموا" انتهى.
فعلى هذا؛ يختار المصلي الدعاء المناسب للنازلة ويدعو به.
ومن دعا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يناسب نازلة المسلمين كأن يقول في مثل مصابنا هذه الأيام: (اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في غزة، اللهم انصرهم، اللهم اشدد وطأتك على اليهود والنصارى، ومن شايعهم وأعانهم، اللهم العنهم، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فقد أحسن؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأجمع ما يدعى به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/432)
على المسلمين أن يدعو لإخوانهم في غزة في الصلوات وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب القنوت في الصلوات لإخواننا في غزة، حتى يرفع الله عنهم اعتداء اليهود؟ وفي أي صلاة يكون القنوت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ينبغي للمسلمين أن يدعو لإخوانهم في غزة، بأن يحفظهم الله وينجيهم، وينصرهم على عدوهم، وأن يهلك اليهود، ومن عاونهم.
فيدعو الإمام جهراً ويؤمن من خلفه، ولو صلى الإنسان الفريضة منفرداً فينبغي أن يقنت أيضاً.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل في عدة وقائع:
1- فقد غدرت بعض قبائل العرب بسبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقتلوهم، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ) . أخرجه البخاري (3064) .
2- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهماُ قَالَ: (كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ) أخرجه البخاري (798) .
3- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ) أخرجه وأبو داود (1443) ، وقال ابن القيم: " حديث صحيح " (زاد المعاد 1/280) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ويستفاد من هذه الأحاديث أمور، منها:
أولاً: مشروعية القنوت في النوازل. قال ابن تيمية رحمه الله: " القنوت مسنون عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (23/108) .
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها، وقنت في الفجر والمغرب، وقنت في الفجر خاصة.
قال ابن تيمية رحمه الله: " وأكثر قنوته ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ كان في الفجر " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/269) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " وكان هديه صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل خاصة، وترْكَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل " انتهى.
"زاد المعاد" (1/273) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"والحاصل أن القنوت في الفرائض غير مشروع لا في الفجر ولا في غيرها إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستحق القنوت لها، فيشرع القنوت لكل مصل في المغرب وفي الفجر، وإن قنت في جميع الصلوات فإن هذا لا بأس به كما رآه بعض أهل العلم فإذا انجلت هذه النازلة توقف عن القنوت" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/175) .
ونسأل الله تعالى أن يعجل لإخواننا في غزة بكشف البلاء عنهم، وأن يجعل لهم من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، وأن يلعن اليهود وأعوانهم ويهلكهم، وأن ينزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/433)
إلى متى يستمر القنوت في الصلوات عند النازلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأئمة يقنت عند النوازل يوماً أو يومين ثم يتركه، فما هو الوقت الذي ينبغي الاستمرار على الدعاء فيه عند النوازل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القنوت في الصلوات المفروضة مشروع عند وجود سببه - وهو النازلة تنزل بالمسلمين – فما دامت النازلة موجودة فإنه يُقنت لها، فإذا زال السبب تُرك القنوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استمر شهراً يقنت على المشركين، ودعا للمسلمين المستضعفين في مكة، ثم ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم، كما يدل على ذلك حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: (اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) ثم ذكر أبو هريرة رضي الله عنه أنهم نجوا من أيدي الكفار، وقدموا المدينة، فترك الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء لهم. رواه مسلم (675) .
قال ابن القيم: " إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال، ترك القنوت " انتهى.
"زاد المعاد" (1/272) .
وإذا استمرت النازلة ولم تَزُل، كاحتلال العراق مثلا، أو احتلال فلسطين، فقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يمكن أن يقال هنا: إنه يدعو شهرا ثم يتركه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/434)
يشرع سؤال الله الوقاية من شر ما خلق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دعاء الله عز وجل بأن يحميني من شر ما خلق في هذا الكون , وفي القبر وفي اليوم الآخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الالتجاء إلى الله تعالى للحماية والوقاية من كل سوء وشر وأذى من أعظم العبادات، وأفضل الطاعات، فالله عز وجل يحب المستغيثين به، الملتجئين إليه، المستعيذين بعظمته وقدرته.
قال الله عز وجل:
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ. وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) سورة الفلق/1-5.
وقوله تعالى: (من شر ما خلق) جاء بصفة العموم، فشمل الاستعاذة من كل شر في الحياة الدنيا كالشيطان ووساوسه، وفي البرزخ كعذاب القبر، وفي الحياة الآخرة كجهنم.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) أي: من شر جميع المخلوقات، وقال ثابت البناني والحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (8/535)
وقال العلامة السعدي رحمه الله:
" أي: (قل) متعوذًا (أَعُوذُ) أي: ألجأ وألوذ وأعتصم (بِرَبِّ الْفَلَقِ) أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) وهذا يشمل جميع ما خلق الله من إنس وجن وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها، ثم خص بعدما عم، فقال: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) أي: من شر ما يكون في الليل حين يغشى الناس وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة والحيوانات المؤذية. (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) أي: ومن شر السواحر اللاتي يَسْتعِنّ على سحرِهن بالنفث في العقد التي يعقدنها على السحر. (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور عمومًا وخصوصًا. ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه ومن أهله " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/937)
وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بالله من شر ما خلق في بعض الأذكار الشرعية:
عن خولة بنت حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رواه مسلم (2708)
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: (إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) .
رواه البخاري (3371) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/435)
تقييم كتاب " مفاتيح الفرج "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتاب " مفاتيح الفرج " وقراءة الأدعية الموجودة فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكتاب اسمه " مِن مفاتيح الفرج لترويح القلوب وتفريج الكروب "، وهو مِن الكتب المعاصرة التي اشتهرت بين كثير من الناس، ولها سوق رائجة في بعض البلدان.
وقد اطلعنا عليه فوجدنا في أصل الكتاب وركنه الكثير من المخالفات الشرعية:
أولا:
مؤلفه غير معروف ولا مشهور، يُسمَّى في بعض الطبعات بـ " محمد عطية خميس، وعبد الوهاب ميت كيس "، وهذه أسماء غير معروفة بالعلم الشرعي والتحقيق، ولا يكاد يعرف عنها خبر ولا أثر، بل لا يظهر اسم المؤلف في كثير من الطبعات، وهذا كاف في الشك في موضوع الكتاب وما فيه من أخبار.
ثانيا:
ركن الكتاب الأول هو التقول على الله بغير علم، فقد ملأه بدعاوى أنَّ مَن قال كذا حصل له كذا وكذا، ومن قرأ الآيات الفلانية وقاه الله من جميع المصائب، وهذا كله من التقول على الله بغير علم، إذ لا يجوز أن ينسب إلى كتاب الله إلا ما نسبه إليه الشرع.
ثالثا:
ركن الكتاب الثاني هو الأحاديث الموضوعة والمكذوبة، بل التي لا أصل لها ولم يروها أهل العلم في كتب السنة المعتمدة، من ذلك مثلا:
(من قرأ في ليلة ثلاثا وثلاثين آية لم يضره في تلك الليلة سبع ضار ولا لص فاجر، وعوفي في نفسه وماله وأهله حتى يصبح) أورده (ص/8)
(من قرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله) أورده (ص/11)
(من قرأ في مصبح أو ممسى قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن إلى آخر السورة لم يمت في ذلك اليوم ولا تلك الليلة) أورده (ص/11)
رابعا:
ركن الكتاب الثالث هي الرؤى والمنامات، وهذه لا يجوز أن تعتمد في الأحكام الشرعية على أنها مصادر تشريع، بل الانسياق وراءها، وشغل الناس بها، وتقديرهم للحق والباطل، والصواب والخطأ، من أعظم أودية الباطل والضلال، دع أن يأخذوا من ذلك حكما شرعيا، في عبادة أو عقيدة، فهذا أولى بالضلال والعياذ بالله.
خامسا:
ركن الكتاب الخامس هو الابتداع في تحديد أعداد المرات التي تقرأ فيها الأذكار والآيات، فقال مثلا: تقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " (786) مرة وذلك لقضاء الحوائج.
وفي (ص/20) قال: " من كانت له حاجة فليقرأ فاتحة الكتاب أربعين مرة بعد صلاة المغرب حتى يتم القراءة، وقبل أن يقوم من مقامه فإن حاجته تقضى لا محالة "
وأيضا قال: " من قرأ (قل هو الله أحد) (3626) مرة، وهو على وضوء مستقبلا القبلة، لم يكلم فيها أحدا قضى الله حاجته بالغة ما بلغت " انتهى.
سادسا:
فيه من العبارات التي تشتبه بعبارات الباطنية التي لا يُعرَف معناها، ولا يشهد لها شيء من الشريعة، كقوله: أسألك بملوك بسم الله الرحمن الرحيم. أسألك بابتداء بسم الله الرحمن الرحيم. أسألك بأسرار بسم الله الرحمن الرحيم. (ص/12)
وفي (ص/19) : " اللهم إني أسألك باسمك المخزون المكنون ".
سابعا:
يرجع إلى بعض كتب الخرافات، أو السحر والكفر والشعوذة، فينقل في (ص/14، 23) عن البوني في: " شمس المعارف ". وينقل في (ص/70) عن أحمد البدوي، وعن أحمد زيني دحلان، وغيرهم.
وابتداعات أخرى كثيرة لا تكاد تحصى في مثل هذا الجواب المختصر:
يقول الشيخ مشهور حسن سلمان:
" هذا الكتاب جمعه مؤلفه من مجموعة من كتب الأوراد الصوفية التي تحتوي على أباطيل وأكاذيب وخرافات.
ففيه صلوات مبتدعة مثل: صلاة الحاجة لألف حاجة، وصلاة دواء الشدة، وصلاة الضائع والآبق، وصلاة جلال، وصلاة الفاتح، وصلاة الحبيب المحبوب، والصلاة التفريجية، والصلاة المنجية ... إلخ.
وفيه توسلات مبتدعة، مثل: توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالأنبياء، وبأهل البيت، وبالسيدة زينب.
وفيه أوراد مخترعة، وتخصيص سور معينة بعدد معين بالشفاء، وأنها منجيات بدون دليل شرعي.
وفيه الشيء الكثير من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا تصح نسبتها إليه، مثل حديث: (لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي) موضوع كما قال الذهبي وغيره.
وفيه ادعاءات مزعومة بأن جامع كذا وقبر كذا يستجاب عنده الدعاء، مثل زعمه بأن جامع عمرو بن العاص بالقاهرة من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء، وكذا قبر الإمام أحمد الدردير بالقاهرة، وقبر السيدة زينب " انتهى.
" كتب حذر منها العلماء " (2/211)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/436)
حكم الدعاء بغير العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز له الدعاء باللغة الإنجليزية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز للشخص أن يدعو الله جل وعلا باللغة التي يعرفها، من لغة عربية أو انجليزية أو أوردية أو غيرها من اللغات؛ لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/437)
هل هناك دعاء مشروع عند حدوث الزلزال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الواجب قوله عند وقوع الزلزال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزلازل من آيات الله العظام في هذا الكون، يبتلي بها عباده تذكيرا أو تخويفا أو عقوبة، وعلى الإنسان أن يتذكر حين وقوع هذه الآيات ضعفه وعجزه وذله وافتقاره بين يدي الله تعالى، فيلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع والاستكانة لعل الله يكشف هذا البلاء العظيم عن عموم الناس.
يقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) الأنعام/42-44.
ولذلك استحب الفقهاء رحمهم الله الإكثار من الاستغفار والدعاء والتضرع والتصدق عند وقوع الزلازل، كما هو المستحب عند حصول الكسوف والخسوف:
قال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله:
" ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء ونحوه عند الزلازل ونحوها من الصواعق والريح الشديدة، وأن يصلي في بيته منفردا لئلا يكون غافلا ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) رواه مسلم " انتهى.
"أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/288) ، وانظر: "تحفة المحتاج" (3/65) .
وانظر جواب السؤال رقم: (2593) .
ولكن ليس في السنة النبوية ـ فيما نعلم ـ دليل على استحباب ذكر أو دعاء معين عند حدوث الزلازل، وإنما يدعو بما يفتح الله عليه مما فيه طلب الرحمة والغوث من الله عز وجل، كي يصرف عن الناس هذا البلاء.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والرياح الشديدة والفياضانات البدار بالتوبة إلى الله سبحانه , والضراعة إليه وسؤاله العافية , والإكثار من ذكره واستغفاره، كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره) متفق عليه، ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ارحموا ترحموا) رواه أحمد، (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم) رواه البخاري، وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة أن يتصدقوا.
ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء , مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء , وإلزامهم بالحق، وتحكيم شرع الله فيهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71، وقال عز وجل: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج/40-41، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/2-3. والآيات في هذا المعنى كثيرة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (9/150-152) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/438)
هل يدعو الله قائلاً: يا معين، أو: يا ميسر، أو: يا مسهل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قول الإنسان عند الاستعانة بالله عز وجل: يا معين، يا رب، أو عند طلب التيسير: يا مسهل، أو يا ميسر يا رب، وما الضابط في ذلك؟ وما حكم من يقول: ذلك ناسيا أو جاهلا أو متعمدا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجوز لك أن تقول ما ذكرت؛ لأن المقصود من المعين والمسهل والميسر في ندائك هو الله سبحانه وتعالى؛ لتصريحك بقولك: يا رب، آخر النداء، سواء قلت ذلك ناسيا أو جاهلا أو متعمدا.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/160) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/439)
ادع لنفسك ولا تطلب ذلك من غيرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أطلب من رجل أظن فيه الصلاح والتقوى أن يدعو لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طلب الدعاء من الغير ـ وإن كان جائزاً ـ، إلا أن الأفضل أن يدعو الإنسان لنفسه، ولا يطلب من أحد أن يدعو له، كما أن طلب الرقية جائز، وليس حراماً، إلا أن الأفضل للمؤمن أن لا يطلب من أحد أن يرقيه، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أنهم لا يسترقون. رواه البخاري (6472) ، ومسلم (218) .
وإذا طلب المسلم من أخيه أن يدعو له وكان قصده نفع المطلوب منه ذلك، لأنه سيقوم بهذه العبادة وهي (الدعاء) ويحسن إلى أخيه، وقد يدعو له بظهر الغيب، فيكون له مثل ما دعا به، فإن ذلك لا بأس به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فالدعاء للغير ينتفع به الداعي والمدعو له ...
فمن قال لغيره: ادع لي، وقصد انتفاعهما جميعاً بذلك كان هو وأخوه متعاونين على البر والتقوى، فهو نبه المسؤول وأشار عليه بما ينفعهما , والمسئول فعل ما ينفعهما، بمنزلة من يأمر غيره ببر وتقوى ; فيثاب المأمور على فعله، والآمر أيضاً يثاب مثل ثوابه ; لكونه دعا إليه ...
وإن كان قصده مصلحة المأمور، أو مصلحته ومصلحة المأمور، فهذا يثاب على ذلك، وإن كان قصده حصول مطلوبه من غير قصد منه لانتفاع المأمور، فهذا من نفسه أُتي، ومثل هذا السؤال لا يأمر الله به قط، بل قد نهى عنه، إذ هذا سؤال محض للمخلوق من غير قصده لنفعه ولا لمصلحته، والله يأمرنا أن نعبده ونرغب إليه، ويأمرنا أن نحسن إلى عباده، وهذا لم يقصد لا هذا، ولا هذا، فلم يقصد الرغبة إلى الله ودعائه، ولا قصد الإحسان إلى المخلوق، وإن كان العبد قد لا يأثم بمثل هذا السؤال، لكن فرق بين ما يؤمر به العبد، وما يؤذن له فيه، ألا ترى أنه قال في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (إنهم لا يسترقون) . وإن كان الاسترقاء جائزاً " انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (1/133، 134) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما الحكم إذا رأينا شخصاً نتوخى فيه الصلاح وطلبنا منه أن يدعو لنا؟
فأجاب:
" طلب الدعاء من شخص ترجى إجابة دعائه: إن كان لعموم المسلمين - فلا بأس به؛ مثل أن يقول شخص لآخر: ادع الله أن يعز المسلمين، وأن يصلح ذات بينهم، وادع الله أن يصلح ولاتهم وما أشبه ذلك. أما إذا كان خاصًا بالشخص السائل الطالب من أخيه أن يدعو له - فهذا قد يكون من المسألة المذمومة؛ إلا إذا قصد الإنسان بذلك نفع أخيه الداعي له؛ وذلك لأن أخاه إذا دعا له بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله.
وكذلك إذا دعا له أخوه فإنه قد أتى إحسانًا إليه؛ والإحسان يثاب عليه، فينبغي عليه أن يلاحظ َمْن طلب مِنْ أخيه أن يدعو له فائدة الأخ الداعي.
على أن طلب الدعاء من الغير قد يترتب عليه مفسدة: وهي أن هذا الغير يعجب بنفسه ويرى أنه أهل لإجابة الدعاء، وفيه أيضًا: أن هذا الطالب من الغير أن يدعو له قد يعتمد على دعاء المطلوب فلا يلح هو على ربه بالدعاء؛ بل يعتمد على دعاء غيره، وكلا المفسدتين شر.
والذي أنصح به إخواني: أن يكونوا هم الذين يدعون الله عز وجل؛ لأن الدعاء عبادة والدعاء مصلح للقلب؛ لما فيه من الالتجاء إلى الله والافتقار إليه وشعور المرء بأن الله تعالى قادر على أن يمده بفضله " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (1060) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/440)
هل الأفضل الدعاء برفع الضر أم الأفضل الصبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء برفع الضر من الله عز وجل، أم الأفضل الصبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من الدعاء برفع الضرر، بل ذلك أفضل، فقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على سؤال العافية، فقَالَ: (لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ) رواه البخاري (7237) ، ومسلم (1742) .
وكَانَ من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَادَ مَرِيضًا قَالَ: (اللَّهُمَّ أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ، فَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه الترمذي (3565) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وجاء عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ يشكو ألما يجده في بدنه فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ) رواه مسلم (2202) .
وقد ذكر الله تعالى عن صفوة خلقه، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أنهم دعوه لرفع الضر، قال الله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) الأنبياء/38، 84.
وقال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) الأنبياء/87، 88.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ربَّه تبارك وتعالى أن يعافيه من هذا البلاء.
روى مسلم (2189) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ. قَالَتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ.....إلخ الحديث) .
قال النووي رحمه الله:
"قَوْله: (حَتَّى إِذَا كَانَ ذَات يَوْم أَوْ ذَات لَيْلَة دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا , ثُمَّ دَعَا) هَذَا دَلِيل لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاء عِنْد حُصُول الْأُمُور الْمَكْرُوهَات , وَتَكْرِيره , وَحُسْن الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى" انتهى.
وبهذا يظهر أنه لا تعارض بين الدعاء برفع البلاء والصبر، فإن الله تعالى أمرنا بدعائه والتضرع إليه، ودعاؤنا له عبادة، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60.
وهو الذي أمرنا بالصبر، ووعدنا عليه بالثواب الجزيل فقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10.
ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه، وهو صلى الله عليه وسلم أكمل الناس صبراً، وأشدهم رضاً بقضاء الله، مما يدل على أن الدعاء لا ينافي الصبر، لأن الصبر هو حبس النفس عن التسخط والاعتراض على القضاء والقدر.
فليس هناك مانع أن يجمع العبد بين عبادتي الصبر والدعاء، بل ذلك هو الأفضل والأكمل، وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الفقه في الدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/441)
هل هناك دعاء تقوله المرأة الحامل لنفسها أو لجنينها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا علمت المرأة أنها حامل، فماذا تفعل كي يكون الجنين في حالة جيدة، أي: هل هناك أذكار تقال في فترة التسعة أشهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم في السنَّة الصحيحة شيئاً من الأدعية خاصاً بالمرأة الحامل أو الجنين، وما ورد في ذلك فلا يعدو عن كونه موضوعاً، أو اجتهاداً من بعض العلماء في ذِكر آيات، وأدعية تناسب الحال، دون أن يُنسب من ذلك شيء للشريعة المطهرة.
1. ومن أمثلة الموضوع الوارد:
ما يُذكر أن فاطمة رضي الله عنها لما دنا ولادها: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة، وزينب بنت جحش أن تأتيا، فتقرآ عندها آية الكرسي، و (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) إلى آخر الآية، الأعراف/54 ويونس/3، ويعوذاها بالمعوذتين.
وهو حديث موضوع، انظر "الكلم الطيب" (ص 161) لابن تيمية، تحقيق الألباني.
2. ومن أمثلة الاجتهاد في الأمر:
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة؟
فأجاب:
" لا أعلم في ذلك شيئاً من السنَّة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذَها الطلق ما يدل على التيسير، مثل: (يُرِيدُ الله بِكُم اليُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُم العُسْرَ) ، ويتحدث عن الحمل، والوضع، كقوله تعالى: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه) ، ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَت الأرْضُ زِلْزَالَها. وَأَخْرَجت الأرْضُ أَثْقَالَها) : فإن هذا نافع، ومجرب، بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارئ والمقروء عليه مؤمِناً بأثره، وتأثيره: فإنه لا بد أن يكون له أثر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَنُنزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً) ، وهذه الآية عامة، شفاء، ورحمة، يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 257، وجه: أ) .
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_1210.shtml
ودعاء الوالدة لولدها مستجاب، ويرجى أن ما تدعوه المرأة لجنينها يتقبله الله تعالى منها، إن هي حققت شروط الدعاء، وانتفت موانع الاستجابة.
فينبغي أن تكثر من الدعاء له بالسلامة والاستقامة والهداية والتوفيق للخير وأن يكون باراً بوالديه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/442)
حكم رفع البصر إلى السماء في الدعاء عقب الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النظر في السماء بالدعاء بعد الصلاة المفروضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدعاء بعد الفريضة إن كان مع التزام رفع اليدين، أو كان جماعيا بصوت واحد، أو يدعو الإمام ويؤمن المأمومون، فهذا لا أصل له، وهو من البدع المنتشرة اليوم، وإن خلا من هذه الأشياء فلا حرج فيه؛ لثبوت الدعاء عنه صلى الله عليه وسلم قبل السلام من الصلاة وبعده.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الدعاء بعد صلاة الفرض سنة؟ وهل الدعاء مقرون برفع اليدين؟ وهل ترفع مع الإمام أفضل أم لا؟
فأجابوا: " ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان ذلك برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده، أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به لورود بعض الأحاديث في ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/103) .
وقالوا أيضا: " الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم " انتهى نقلا من "فتاوى إسلامية" (1/319) .
وينظر جواب السؤال رقم (26279) .
ثانيا:
جاء في النهي عن رفع المصلي بصره إلى السماء: ما روى البخاري (750) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ) .
والعلة في ذلك أن رفع البصر أثناء الصلاة ينافي الخشوع، ويعرض المصلي للانشغال بما يراه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فلما كان رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع حرمه النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد عليه" انتهى من "القواعد النورانية" (ص 46) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (ورفع بصره إلى السماء) ، أي: يكره رفع بصره إلى السماء وهو يصلي، سواء في حال القراءة أو في حال الركوع، أو في حال الرفع من الركوع، أو في أي حال من الأحوال؛ بدليل وتعليل: أما الدليل، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم) أي: إما أن ينتهوا، وإما أن يعاقبوا بهذه العقوبة وهي: أن تخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم، واشتد قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ... وأما التعليل: فلأن فيه سوء أدب مع الله تعالى؛ لأن المصلي بين يدي الله، فينبغي أن يتأدب معه، وأن لا يرفع رأسه، بل يكون خاضعا، ولهذا قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إنه كان قبل أن يسلم يكره النبي صلى الله عليه وسلم كراهة شديدة، حتى كان يحب أن يتمكن منه فيقتله، فلما أسلم قال: ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت.
ولهذا كان القول الراجح في رفع البصر إلى السماء في الصلاة أنه حرام، وليس بمكروه فقط " انتهى.
"الشرح الممتع" (3/226) .
وأما رفع البصر إلى السماء خارج الصلاة، فلا حرج فيه؛ لعدم ما يدل على المنع منه، بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرفع هو الأولى.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (8/99) : " نص الشافعية على أن الأولى في الدعاء خارج الصلاة رفع البصر إلى السماء، وقال الغزالي منهم: لا يرفع الداعي بصره إليها " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَة رَفْع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الدُّعَاء فِي غَيْر الصَّلَاة فَكَرِهَهُ شُرَيْح وَآخَرُونَ , وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ولا يكره رفع بصره إلى السماء في الدعاء؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، وهو قول مالك والشافعي، ولا يستحب " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5/338) .
وبَوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه: باب رفع البصر إلى السماء، وذكر قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت) الغاشية/17، 18، وقول عائشة رضي الله عنها: (رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء) ، أي: عند وفاته صلى الله عليه وسلم.
ومراد البخاري رحمه الله بيان جواز رفع البصر إلى السماء، وأن النهي خاص بحال الصلاة.
ودل على جواز رفع البصر إلى السماء في الدعاء خارج الصلاة: ما رواه مسلم (2055) في قصة شرب المقداد رضي الله عنه لشراب النبي صلى الله عليه وسلم دون علمه وفيه: (ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: الْآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فَأَهْلِكُ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي) .
وروى أبو داود (3488) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ قَالَ: فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ، فَقَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) ، والحديث صححه النووي في المجموع، والألباني في صحيح أبي داود.
والحاصل: أن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء خارج الصلاة، جائز لا حرج فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/443)
الدعاء بتيسير الحرام هل يكون كفرا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلب المرء المعصية من الله سبحانه وتعالى (مثلاً يدعو أن ييسر له الزنا) هل هذا الكلام وهذا الطلب كفر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن يطلب من الله تعالى تيسير الحرام من الزنا وغيره، لأن الحرام يجب بغضه وكراهته وإنكاره بالقلب في أضعف الأحوال، وطلبه من الله تيسيره له ينافي ذلك، ولهذا كان هذا الدعاء محرماً، ومن الاعتداء في الدعاء.
قال القرافي رحمه الله في "الفروق" (4/296) : " القسم الثاني عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر: وهو ما استفاد التحريم من متعلقه وهو المدعو به؛ لكونه طلبا لوقوع المحرمات في الوجود. أمّا الداعي فكقوله: اللهم أمته كافرا أو اسقه خمرا أو أعنه على المَكس الفلاني [جباية المال ظلماً] أو وطء الأجنبية الفلانية أو يسر له الولاية الفلانية وهي مشتملة على معصية، أو يطلب ذلك لغيره إما لعدوه، كقوله: اللهم لا تمت فلانا على الإسلام، اللهم سلط عليه من يقتله أو يأخذ ماله , وإما لصديقه فيقول: اللهم يسر له الولاية الفلانية أو السفر الفلاني أو صحبة الوزير فلان أو الملك فلان , ويكون جميع ذلك مشتملا على معصية من معاصي الله تعالى، فجميع ذلك محرم تحريم الوسائل، ومنزلته من التحريم منزلة متعلقه , فالدعاء بتحصيل أعظم المحرمات أقبح الدعاء، ويروى: (من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى) ، ومحبة معصيته تعالى محرمة فدل ذلك على أن الدعاء بالمحرم محرم " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: " فالاعتداء بالدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء، لا يحبه الله، ولا يحب سائله " انتهى من "بدائع الفوائد" (3/524) .
ولكن ... يجب أن يُعلم أن العاصي ـ وإن ارتكب المعصية ـ فإنه يجب عليه أن يكون كارهاً لها بقلبه، خائفاً من عقاب الله تعالى، فإن انسلخ من قلبه كراهة المعصية، والخوف من الله، فهذا لا يكون مؤمناً، ويُخشى على من يدعو بتسهيل المحرم له أن ينتهي أمره إلى هذا والعياذ بالله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله بغير علم، إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذاً فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها، ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أومنافق " انتهى من "قاعدة في المحبة" ص 104.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(7/444)
ضوابط طلب الدعاء من الغير وفضل الدعاء بظهر الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما هي ضوابط أن نطلب من أي أحد أن يدعو لنا؟ ، فمن المعتاد عندنا أننا إذا مررنا بضائقة من امتحانات أو نحوها نطلب ممن حولنا أن يدعوا لنا , فهل في ذلك شيء؟ ، وهل إذا دعونا لأحد – طلب منا الدعاء له - أمامه أو عبر رسائل الجوال مثلاً هل في ذلك شيء أو ينافي الدعاء بظهر الغيب الذي جاء فضله في السنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإنسان طلب الدعاء من غيره مع مراعاة ما يلي:
1- ألا يعتاد الإنسان ذلك ويتوانى في الدعاء لنفسه.
2- أن لا يخشى اغترار المطلوب منه، وإعجابه بنفسه.
3- أن يقصد بذلك نفع نفسه ونفع المطلوب منه، لأن الملائكة تؤمن على دعائه حين يدعو لأخيه بظهر الغيب.
ولا حرج في الدعاء أمام الشخص، أو كتابة ذلك في رسالة، وفي ذلك تطييب لخاطره، وإدخال السرور على نفسه، لكن الدعاء له بظهر الغيب يختص بالفضل الوارد في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ) رواه مسلم (2732) .
قال النووي رحمه الله: " أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بِظَهْرِ الْغَيْب) فَمَعْنَاهُ: فِي غَيْبَة الْمَدْعُوّ لَهُ , وَفِي سِرّه ; لِأَنَّهُ أَبْلَغ فِي الْإِخْلَاص ... وَفِي هَذَا فَضْل الدُّعَاء لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِظَهْرِ الْغَيْب. وَلَوْ دَعَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَة , وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِر حُصُولهَا أَيْضًا , وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة ; لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب , وَيَحْصُل لَهُ مِثْلهَا " انتهى من "شرح مسلم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن المشروع في الدعاء: دعاء غائب لغائب، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه، وطلبنا الوسيلة له، وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك، فقال في الحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة) ...
لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرا، وأن من سأل له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط" انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/69) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (1945) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/445)
أدعية لحفظ الإنسان بإذن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء يحفظني من الناس السيئين في المدرسة أو يحفظني عموماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هناك أدعية كثيرة إذا قالها المسلم كانت سبباً لحفظه من الشر وأهله منها:
أ. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق " أعوذ بكلمات الله التامَّة مِن كل شيطان وهامَّة ومِن كل عين لامَّة.
رواه البخاري (3191) .
الهامَّة: الحيوانات والحشرات السامَّة.
عين لامَّة: عين حاسدة.
ب. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذا بالله من النار.
رواه مسلم (2718) .
" أسحر ": أي: قام في السحر , أو انتهى في سيره إلى السحر , وهو آخر الليل.
" سَمِع سامع ": قال الخطابي: معناه: شهد شاهد على حمدنا لله تعالى على نعمه وحسن بلائه.
قال النووي:
وقوله: " ربَّنا صاحِبْنا وأَفْضِل علينا " أي: احفظنا وحطنا واكلأنا , وأفضل علينا بجزيل نعمك , واصرف عنا كل مكروه.
وقوله: " عائذاً بالله من النار " منصوب على الحال، أي: أقول هذا في حال استعاذتي واستجارتي بالله من النار.
" شرح مسلم " (17 / 39، 40) .
ت. عن خولة بنت حكيم السلمية قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامَّات من شر ما خلق: لم يضرَّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك.
رواه مسلم (2708) .
ث. عن موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ".
رواه أبو داود (1537) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (4706) .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي:
يقال: جعلت فلاناً في نحر العدو أي: قبالته وحذاءه ليقاتل منك ويحول بينك وبينه , وخص النحر بالذكر؛ لأن العدو به يستقبل عن المناهضة للقتال.
والمعنى: نسألك أن تصدَّ صدورهم وتدفع شرورهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم.
" عون المعبود " (4 / 277) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/446)
سؤال الله كرامة من كرامات الأولياء
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن أولياء الله هم أولئك المؤمنون التقاة الذين يخشون الله ... ومن المعروف أيضا أن هناك بعضا من الأولياء لا يملكون كرامة محسوسة، والبعض الآخر يعطيهم الله إياها.... ولكن أردت أن استفسر إن كان هناك خطأ في أن أطلب الكرامة مباشرة من الله تعالى، مع علمي أن طلب الاستقامة أفضل وأحب إلى الله ... ولكن الغاية المرتجاة منها زيادة الإيمان وفعل الخير بتلك الكرامة، وبنية نشر الدعوة، وما في ذلك من الأعمال الصالحة طبعا، مع مراعاة التستر على هذه الكرامة، وأعود وأؤكد أنني أعلم أن الاستقامة أفضل. وهل يعتبر هذا الدعاء من الأدعية الممنوعة والمستحيلة، وهل يغضب الله من هذا، أقصد هل يعتبر تعديا في الدعاء؟ وما حكم من يتقصى أوقات الدعاء المستجاب، ويبذل جهده ليستجيب الله دعاءه هذا؟ باختصار هل يجوز الدعاء بهذا الدعاء؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى حرجا في أن يسأل المسلم ربه أن يكرمه بما يكرم به أولياءه من أمور خارقة للعادة، وذلك لأسباب عدة:
1- لم يرد نهي عن ذلك.
2- وليست الكرامة مستحيلة الوقوع للمؤمن، بل هي كثيرة يكرم الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بها، ويصيب بها من يشاء منهم، فإذا سأل العبد ربه ذلك لم يسأل ممنوعا، ولم يطلب مستحيلا، فليس على الله ببعيد.
3- وحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فدعا كل منهم بعمله الصالح أن يفرج الله عنهم الصخرة، ففرجت عنهم، هو من سؤال الله الكرامة الحقيقية، فإن إزاحة الصخرة العظيمة من غير بذل جهد من عصبة من الناس لا يقع إلا على وجه الكرامة. الحديث رواه البخاري (2272) ، ومسلم (2743)
4- ونحوه حديث الرجل الذي جعل المال في الخشبة، ثم ألقى بها في البحر، وسأل الله تعالى أن يوصلها إلى صاحب الحق الذي استدانه منه. الحديث رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم (2291)
5- وقد ذكر اللالكائي في "كرامات الأولياء" مجموعة من الكرامات التي تحققت للصالحين بعد سؤالهم الله عز وجل، ودعائهم بها، مثل دعاء العلاء بن الحضرمي: يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا. (ص/150) ودعائه بمثله حتى مشى جيشه على النهر. وغيرها كثير.
فهذه كلها أدلة تدل على جواز سؤال الله خوارق العادات على وجه الكرامة – من حيث الأصل -.
ولكنا ننبه الداعي بذلك على أمور مهمة، لا ينبغي أن يغفل عنها:
الأول: أن يدعو الداعي بالكرامة ينوي أول ما ينوي أن يجعله الله من أوليائه، وأن يقربه إليه سبحانه، فلا يمنعه سؤله، ويكرمه ما طلبه.
الثاني: أن تكون نيته خالصة لوجه الله تعالى، لا يريد بها مفاخرة ولا مكاثرة ولا منافسة، وإنما يريد أقرب المنازل إلى الله، وأحب المراتب إليه، فيسأل الله تعالى ما يجوز له منها، وهي الكرامة، أما المعجزة فلا تجوز إلا للأنبياء.
الثالث: أن تقوم الحاجة الداعية لهذا السؤال، كمن يسأل الله الولد على كبر سنه، أو يسأله المطر والقطر على قحط السماء وجفاف الأرض، وأما سؤال الخوارق تفكها أو سؤال الخوارق التي لا تفيد المرء في دينه ولا دنياه فهذه لا يجوز الدعاء بها.
يقول الإمام القرافي رحمه الله:
" من المحرم الذي لا يكون كفرا أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية، إلا أن يكون نبيا، فإن عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خرق العادة، فيجوز لهم ذلك، كما سألوا نزول المائدة من السماء، وخروج الناقة من الصخرة الصماء.
أو يكون وليا له مع الله تعالى عادة بذلك، فهو جار على عادته، فلا يعد ذلك من الفريقين قلة أدب.
أو لا يكون وليا، ويسأل خرق العادة، ويكون معنى سؤاله أن يجعله وليا من أهل الولاية حتى يستحق خرق العادة.
فهذه الأقسام الثلاثة ليست حراما.
وأما المحرم فله أمثلة: - منها - أن يسأل الله تعالى الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق على نفسه، وقد دلت العادة على استحالة ذلك. – ومنها - أن يسأل الله تعالى الولد من غير جماع أو الثمار من غير أشجار وغراس، وقد دلت العادة على استحالة ذلك فطالب ذلك مسيء الأدب على الله تعالى " انتهى باختصار.
وفي كلامه رحمه الله تطويل وتفصيل كثير عليه بعض المؤاخذات والمناقشات، ولكنا نقلنا ما نحتاج إليه في هذه المسألة. "أنوار البروق في أنواع الفروق" (4/268)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/447)
لا يشرع السجود المفرد من أجل الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا أراد أن يدعو الله تعالى بعد الصلاة، سجد ودعا وهو ساجد، فهل هذا السجود سنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بالسجود إلا إذا كان السجود في الصلاة، أو لسبب خاص كسجود السهو أو سجود التلاوة، أو سجود الشكر.
أما السجود من أجل الدعاء فلم يرد في الشرع ما يدل على جوازه أو استحبابه، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتواترة الكثيرة أنه كان يرفع يديه عند الدعاء، وحث على ذلك ورَغَّب فيه، فقال: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) رواه أبو داود (1488) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فيكون السجود من أجل الدعاء بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولأنه يضيع السنة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي رفع اليدين عند الدعاء.
وقد أنكر العلماء هذا السجود المفرد ونهوا عنه، فقد ذكره أبو شامة رحمه الله في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص62، 63) وقال: "قال إمام الحرمين أبو المعالي ذكر صاحب التقريب عن بعض الأصحاب أن الرجل لو خضع لله تعالى فسجد من غير سبب فله ذلك. قال: وهذا لم أره إلا له، وكان شيخي يكره ذلك، واشتد نكيره على من يفعل ذلك. قال: وهو الظاهر عندي.
قال أبو حامد الغزالي: كان الشيخ أبو محمد رحمه الله تعالى يشدد النكير على فاعل ذلك، وهو الصحيح، وقال في كتاب النذر: ولم يذهب أحد إلى أن السجدة وحدها تلزم بالنذر فإنها ليست عبادة مقرونة بسبب، كالتلاوة.
قال إمام الحرمين: وكان شيخي يقطع بأن السجدة مفردة لا تلزم بالنذر، وإن كان التالي يسجد، فإن السجدة مفردة من غير سبب ليست قربة على الرأي الظاهر.
وقال صاحب التتمة: جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعو فيه، قال: وتلك سجدة لا يعرف لها أصل، ولا نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، والأولى أن يدعو بالصلاة لما روي من الأخبار فيه. والله أعلم.
قلت (أبو شامة) : ولا يلزم من كون السجود قربة في الصلاة أن يكون قربة خارج الصلاة، كالركوع. قال الفقيه أبو محمد: لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب له" انتهى.
وينظر السؤال رقم (98156)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/448)
تخصيص آيات من بعض السور لقراءتها في أوقات الشدة وضيق الحال
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أسألكم سؤالا عن بعض آيات من القرآن، والتي نُصح بقراءتها في أوقات الشدة، والنكبات المالية. إنها تسمى " المنازل " في الأردو. من فضلكم أريد أن أعرف هل يجوز العمل بها، السبب وراء قراءتها هو كأنك تدعو الله. " آية من فاتحة القرآن، والبقرة 1 – 5، والبقرة 163، والبقرة 255- 257، والبقرة 284-286، وآل عمران 18، وآل عمران 26-27، والأعراف 54-56، بني إسرائيل 110-111، والمؤمنون 115- 118، والصافات 1-11، والرحمن 33-40، والحشر 21-24، والجن 1-4، سور الكافرون والفلق والناس والإخلاص".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى جواز تخصيص قراءة آيات معينة من القرآن الكريم لغرض معين، إلا بدليل شرعي خاص، كأن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في فضائل سورة معينة، فيقرأها المسلم بغرض تحصيل هذه الفضيلة والفائدة.
أما أن يأتي أحدهم إلى آيات من القرآن الكريم متفرقة، ينتقيها بنفسه، وينسب إليها تفريج الكربات والإعانة في الأزمات، بل ويوردها في كتاب على أنها من وظائف المسلم وأوراده المستحبة، فذلك أقرب إلى الابتداع منه إلى الاتباع، وأولى للمسلم اجتناب ذلك وعدم امتثاله والعمل به.
والقرآن كله بركه وأجر وخير، ولكن دعوى أثر معين لآية معينة، خاصة فيما زعمه هذا القائل من تفريج الشدائد والضوائق المالية، فهذا لا بد له من دليل، ولا دليل لمؤلف هذا الكتاب على ما أورده، فيجب التنبه لذلك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
في أوغندة إذا أراد شخص أن يدعو ربه – دعاء - خاصا لسعة الرزق، يدعو أشخاصا من المتعلمين، ويحضرون إليه، ويحمل كل واحد مصحفه، ويبدؤون في القراءة، واحد يقرأ سورة يس لأنها قلب القرآن، وثاني سورة الكهف، وثالث سورة الواقعة أو الرحمن، أو الدخان، المعارج، نون، تبارك، يعني الملك، محمد، الفتح، ونحو ذلك من السور القرآنية، وبكرا كذا وبكرا كذا لا يقرءون من البقرة أو النساء، وبعد ذلك الدعاء، فهل هذا الطريق مشروع في الإسلام، وإن كان عكس، فأين الطريق المشروع، مع الدليل عنه؟
فأجابوا: " قراءة القرآن مع تدبر معانيه من أفضل القربات، ودعاء الله واللجأ إليه في التوفيق للخير وفي سعة الرزق ونحو ذلك من أنواع الخير عبادة مشروعة.
لكن القراءة بالصفة التي ذكرت في السؤال - من توزيع سور خاصة من القرآن على عدة أشخاص، كل منهم يقرأ سورة ليدعو بعد ذلك بسعة الرزق ونحوها – بدعة؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا ولا فعلا، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن أئمة السلف رحمهم الله، والخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، ودعاء الله مشروع في كل وقت ومكان، وعلى أي حال، من شدة ورخاء، ومما رغب فيه الشرع، وحث على الدعاء فيه السجود في الصلاة، ووقت السحر، وفي آخر الصلاة قبل السلام، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) رواه البخاري ومسلم.
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود.
وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم وأبو داود والنسائي. وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه التشهد قال له: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) وبالله التوفيق " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/486) .
وفي موقعنا، في جواب السؤال رقم: (71183) ذكرنا بعض الأدعية المشروعة الثابتة في طلب الإعانة على قضاء الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيرجى مراجعتها هناك والاستفادة منها.
وانظر أيضا: (3219) ، (22457) ، (87915) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/449)
دعاء الإمام والمأمومين جماعة عقب صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نصلي ركعتي فرض الجمعة، بعدها يستدير الإمام وندعو جميعاً. فهل ما نقوم به صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ينبغي للمؤمن أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، في فعله وتركه، فيفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويترك ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الأحزاب/21.
ودعاء الإمام بعد صلاة الفريضة ـ الجمعة أو غيرها ـ وتأمين المأمومين، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا فعله أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
وعلى هذا؛ فيدخل هذا الفعل في البدعة المذمومة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ له.
وقد ذكر الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه "الاعتصام" (1/349-355) الدعاء الجماعي بعد الصلوات المكتوبة، وبَيَّن أن ذلك بدعة، لأنه لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولا الأئمة بعدهم.
فالواجب ترك هذه البدعة، والحرص على الأذكار والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الصلاة، ومن أراد الدعاء فليدع سراً.
وانظر جواب السؤال رقم (10491) و (21976) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/450)
الدعاء بصفات الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء بصفات الأنبياء مثل: اللهم ارزقني صبر أيوب، وحكمة يوسف ... إلى آخره]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤال العبد أن يحقق الله له شيئا من صفات الأنبياء على قسمين:
القسم الأول:
الدعاء بما اختصهم الله به من معجزات أو كرامات أو فضائل: كأن يسأل العبد ربه أن يهبه ملك سليمان، وقد قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ص/35، أو أن يسأل الله تعالى معجزة لا تتحقق إلا لنبي، كمعجزة عيسى عليه السلام حيث ولد من غير أب، أو يسأل الله عز وجل منزلة الوسيلة في الجنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) رواه مسلم (384) .
فحكم هذا النوع من الدعاء المنع وعدم الجواز، وذلك لما فيه من اعتداء ظاهر، حيث يسأل فيه العبد ما لا يجوز له أن يسأله.
عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ) .
رواه أبو داود (96) وصححه ابن حجر في "التلخيص" (1/144) والألباني في "صحيح أبي داود".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ومن الاعتداء في الدعاء أنْ يسأل العبدُ ما لم يكن الربُّ ليفعله، مثل: أنْ يسأله منازلَ الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك، أو يسأله ما فيه معصية لله، كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/130) .
وانظر جواب السؤال رقم: (41017) .
القسم الثاني:
سؤال الله تعالى أخلاق الأنبياء، وهديهم، والاقتداء بهم، والسير على نهجهم، والتحلي بمكارمهم: كالصبر والحكمة والرحمة ونحو ذلك مما هو مطلوب من العباد أصلا:
فلا يظهر لنا في الدعاء بهذا بأس ولا حرج؛ فإنَّ أَوْلى ما يَقتدي به المسلم تلك المراتب العالية التي حازها الرسل والأنبياء في عباداتهم وأخلاقهم وتقواهم وتعلقهم بالله سبحانه وتعالى، والقرآن مليءٌ بالحث على السير بسيرتهم في جميع أمورهم وأحوالهم، والاقتداء بهم، والتخلق بأخلاقهم، والتشبه بأعمالهم، فقال سبحانه وتعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) الأنعام/90، وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الأحقاف /35.
فإذا دعا العبد ربه بما أمر به وطلب منه، وسأل الله تعالى أن يؤتيه ما آتى الأنبياء من محاسن الأخلاق والأعمال الأقوال، ويعينه على ما أعانه عليهم من الصبر على الطاعة أو عن المعصية، والحكمة في الدعوة، والرفق في الأمر، والثبات والطمأنينة، إذا دعا العبد بذلك كله كان له فيه الأجر والثواب إن شاء الله تعالى على دعائه، ويرجى أن يحقق الله له مطلوبه.
لكننا نخشى من التحكم بالمثلية في مثل هذا الدعاء: كصبر يوسف، وفهم سليمان، وحكمة ... ، نخشى أن يكون هذا التحكم من الاعتداء في الدعاء، لا سيما إذا راح يتتبع ما تفرق في الأنبياء من الفضائل، فهم سليمان، صبر أيوب، بكاء داود ... ، وصار يدعو بها جميعا؛ فإن اجتماع ما تفرق في الأنبياء من الفضائل ومدحهم الله عز وجل به، لآحاد الناس غيرهم من الممتنع عادة.
والذي ننصح به أن نتواصى بالأدعية المأثورة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو المروية عن أصحابه الكرام، أو عرف مخرجه من أئمة العلم والدين، فإن لم يكن، فليدع المرء لنفسه بما أحب من خير الدنيا والآخرة، مع حرصه على التأدب بآداب الدعاء، وتحري أوقات الإجابة.
وأما الأدعية المخترعة التي يتداولها الناس في رسائل الجوال، وما أشبهها، فكم يتسارع الناس فيها، ثم يظهر فيها ما لا ينبغي من الاعتداء أو مخالفة السنة والأدب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/451)
هل يصح شيء في استجابة دعاء المرأة الحامل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنني حامل، وأدعو الله أن يرزقني بولد صالح. هل صحيح أن دعاء المرأة الحامل مستجاب؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف – بعد البحث – على ما يدل على استجابة دعاء المرأة الحامل، لا في الأحاديث المرفوعة ولا في الآثار الموقوفة.
ولكن إذا جمع المسلم بين حسن الظن بالله تعالى واليقين بكرمه وعطائه، وبين حسن التذلل والانكسار بين يديه، فنرجو أن يجيب الله دعاءه ورجاءه.
يبقى أن نذكر أن دعاء الوالدة لولدها من الأدعية المستجابة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِه)
رواه الترمذي (1905) وانظر صحيح الأدب المفرد (372) .
يقول المناوي رحمه الله:
" (ودعوة الوالد لولده) لأنه صحيح الشفقة عليه، كثير الإيثار له على نفسه، فلما صحت شفقته: استجيبت دعوته، ولم يذكر الوالدة مع أن آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد؛ لأنه معلوم بالأولى " انتهى.
"فيض القدير" (3/301)
فإذا دعت المرأة الحامل لجنينها بالصلاح والنجابة والأخلاق الحسنة، رجونا أن يستجيب الله لها.
ويمكن الاستعانة بجواب السؤال رقم: (13506) في بيان شروط الدعاء المستجاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/452)
هل تختلف ساعة الإجابة يوم الجمعة باختلاف مواقيت الجمعة في البلدان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع أن أضمن ساعة الإجابة من آخر ساعة ليوم الجمعة، فأنا أعيش في الكويت، ولكن – مثلاً - في الإمارات يؤذَّن قبلنا بنصف ساعة، والسعودية تقريباً بعدنا بنصف الساعة، فكيف تتفق ساعة الإجابة بذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق الكلام عن ساعة الاستجابة يوم الجمعة في جواب السؤال رقم: (112165) ، وهذه الساعة وقت يسير لا يخرج عن كونها من أذان الجمعة إلى انقضاء الصلاة، ومن بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، على ما رجحه ابن القيم رحمه الله، من جملة الأقوال التي قيلت في تحديدها.
ثانياً:
لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم اختلاف الصلوات في البلدان، وهو يعني بكون تلك الساعة مستجابة الدعاء إنما هو باعتبار كل بلدة وحدها، بل كل مسجد، فقد تكون البلدة واحدة، وفيها اختلاف بين في توقيت صلاة الجمعة.
قال شهاب الدين الرملي رحمه الله: " واعلم أن وقت الخطبة يختلف باختلاف أوقات البلدان، بل في البلدة الواحدة، فالظاهر: أنها ساعة الإجابة في حق كل أهل محل من جلوس خطيبه إلى آخر الصلاة " انتهى. " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (2 / 342) .
وهذا الظاهر الذي ذكره رحمه الله، وقال به جمع من العلماء هو الذي لا يتوجه غيره، وما ذكره بعده من احتمال إبهام تلك الساعة فقد يصادفها أهل محل دون غيرهم: احتمال بعيد عن الصواب؛ لأنه يعني أنها تكون ساعةَ إجابة لقوم دون غيرهم، وهو ما استبعده ابن حجر الهيتمي الشافعي وغلَّطه.
سئل – رحمه الله -:
صحَّ أن ساعة الإجابة ما بين أن يجلس الخطيب إلى أن تنقضي الصلاة، فهل هذا في كل خطيب، أو لا، فإن أوقات الخطب تختلف فيلزم عليه تعدد ساعة الإجابة؟ .
فأجاب رحمه الله: " لم يزل في نفسي منذ سنين، حتى رأيت الناشري نقل عن بعضهم أنه قال: يلزم على ذلك أن تكون ساعة الإجابة في جماعة غيرها في حق آخرين.
وهو غلط ظاهر، وسكت عليه.
وفيه نظر.
ومن ثم قال بعض المتأخرين: ساعة الإجابة في حق كل خطيب وسامعيه: ما بين أن يجلس إلى أن تنقضي الصلاة، كما صح في الحديث، فلا دخل للعقل في ذلك، بعد صحة النقل فيه " انتهى. " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 248) .
والشاهد من النقل أنه بين اختلاف هذه الساعة، بحسب اختلاف المصلين، وأما تحديد الساعة بعينها، فقد سبق البحث فيه من قبل.
ويشبه هذا الحكمَ أحكامٌ كثيرة، منها: وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، وما فيه من الفضائل، ومنها: فضل الجلوس بعد صلاة الفجر، وصلاة ركعتين بعد شروق الشمس، فإن هذا يختلف باختلاف المساجد، والبلدان، ومنها: أفضلية وقت صلاة الضحى، فقد يشتد الحر في بلد، فيكون أفضل أوقات صلاة الضحى، ولا يكون كذلك في غيره من البلدان، بل قد يكون الوقت ثمة ليلاً! ، وهكذا في أحكام مشابهة كثيرة.
بل هكذا شأن مواقيت الصلوات عامة، ومواقيت الإمساك والإفطار للصائم: تختلف بحسب كل مكان وبلد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/453)
لماذا يمنع بعض أهل العلم من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحرم السلفية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن العلماء كلهم متفقون على جوازه، حتى ظهر ابن تيمية الذي كان أول من حرمه؟ مع أن كل العلماء من جميع المذاهب يجيزون التوسل، فلماذا يُصِرُّون على تحريمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم معناه: أن يدعو الداعي ربه سبحانه وتعالى، لكنه في أثناء دعائه يذكر ذات النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لإجابة دعائه، أو تعجيل حاجته، فيقول: أسألك بحق النبي، أو: بجاه النبي، أو نحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/337-338) ـ:
" والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسما عليه، وإما أن يكون طالبا بذلك السبب، كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم، وكما يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين.
فإن كان إقساما على الله بغيره: فهذا لا يجوز.
وإن كان سؤالا بسبب يقتضى المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله، مثل السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك: فهذا جائز.
وإن كان سؤالا بمجرد ذات الأنبياء والصالحين: فهذا غير مشروع، وقد نهى عنه غير واحد من العلماء، وقالوا: إنه لا يجوز. ورخص فيه بعضهم، والأول أرجح كما تقدم؛ وهو سؤال بسبب لا يقتضى حصول المطلوب.
بخلاف من كان طالبا بالسبب المقتضى لحصول المطلوب، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين وبالأعمال الصالحة: فهذا جائز، لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دَعَوا به.
وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا: كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة/35، والوسيلة هي الأعمال الصالحة. وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الإسراء /57.
وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم يكن نفس ذواتهم سببا يقتضى إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا صحيحا، ولا مشهورا عن السلف." انتهى.
ثانيا:
ليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه عند الله عز وجل، ولا منزلة لديه سبحانه، كما يقوله من يفتري على السلفيين، شيخ الإسلام ومن وافقه على ذلك، وأنهم يتجرؤون على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم من ذلك، وهو صاحب المقام المحمود، والمنزلة الرفيعة، وسيد ولد آدم، صلى الله عليه وسلم، لكن مقامه الكريم على الله ليس معناه أن نسأل أو نتوسل به.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق؛ لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سببا لإجابة السؤال: حسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه.
وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان، فأولئك، إن كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله، ما يكون سببا لمطلوب هذا السائل؛ فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك؛ فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضى إجابة هذا.
وإن قال: السبب هو شفاعته ودعاؤه، فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب ". انتهى.
وقال أيضا ـ مجموع الفتاوى (1/278) ـ:
" ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه، مع أن النبي لم يدع له: كان هذا كلاما باطلا ". انتهى.
ثالثا:
مدار فهم هذه المسألة أن نعلم أن الدعاء عبادة، بل هو من أجل العبادات لله تعالى، كما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) رواه أبو داود (1479) وغيره، وصححه الألباني.
والعبادات مبناها على التوقيف، يعني: على ورود الشرع بها، كما قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: (الرَّدّ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود , وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات.
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبََ إِلَيْهَا , فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول: أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات , سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل , أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد. وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول هَذَا خَبَر وَاحِد , وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة الْمُهِمَّة , وَهَذَا جَوَاب فَاسِد. وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " انتهى.
فإذا علمنا هذا الأصل، علمنا أنه لا يجوز لنا أن نفعل شيئا على وجه العبادة لله تعالى، إلا شيئا جاء به الشرع من المعصوم صلى الله عليه وسلم، وسواء كان الذي فعلناه اختراعا من عند أنفسنا، أو اتباعا لغيرنا فيه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/265) ـ:
" ولا يجوز أن يكون الشيء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا " انتهى.
وقال أيضا ـ الفتاوى (1/278) ـ:
" والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأمر به، والذي أمر به: ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه: لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول، ولهذا نظائر كثيرة ".
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول في دعائه: اللهم أعطني كذا وكذا من خيري الدنيا والآخرة، بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ببركة الرسول، أو بحرمة المصطفى، أو بجاه الشيخ التيجاني، أو ببركة الشيخ عبد القادر، أو بحرمة الشيخ السنوسي فما الحكم؟
فأجابوا:
" من توسل إلى الله في دعائه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو حرمته أو بركته أو بجاه غيره من الصالحين أو حرمته أو بركته، فقال: (اللهم بجاه نبيك أو حرمته أو بركته أعطني مالا وولدا أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار) مثلا، فليس بمشرك شركا يخرج عن الإسلام، لكنه ممنوع سدا لذريعة الشرك، وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك.
ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام، على ما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعه على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /108
فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، مع أنها باطلة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإلهَ الحقَ سبحانه، انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد؛ خشية أن تعبد، ومنها: تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب ... ولأن التوسل بالجاه والحرمة ونحوهما في الدعاء عبادة، والعبادة توقيفية، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل، فعلم أنه بدعة ... " انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/501-502) .
رابعا:
قول السائل في سؤاله إن ابن تيمية أول من حرمه: غير صحيح؛ وإنما هو تلقى ذلك عن أعداء شيخ الإسلام رحمه الله، وقد تعرض شيخ الإسلام رحمه الله، في رده على الأخنائي، وهو أحد خصومه الذين رموه بهذه الفرية، فقال في حق شيخ الإسلام: " كم لصاحب هذه المقالة من مسألة خرق فيها الإجماع "، فرد عليه شيخ الإسلام من وجوه عديدة، فقال في ضمن ذلك:
" الوجه السادس: أنه إنما يقبل قول من يدعي أن غيره يخالف الإجماع إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم، يظهر به ذلك، لا يكون مثل هذا المعترض الذي لا يعرف نفس المذهب الذي انتسب إليه، ولا ما قال أصحابه..، فكيف يعرف مثل هذا إجماع علماء المسلمين، مع قصوره وتقصيره في النقل والاستدلال؟!
الوجه السابع: أن لفظ (كم) يقتضي التكثير، وهذا يوجب كثرة المسائل التي خرق المجيب فيها الإجماع. والذين هم أعلم من هذا المعترض وأكثر اطلاعا: اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا، ومن الاستدلال فقها وحديثا: ما لم يطلع عليه.
الوجه الثامن: أن المجيب [يعني: شيخ الإسلام نفسه]ـ ولله الحمد ـ لم يقل قط في مسألة إلا بقل قد سبقه إليه العلماء؛ فإن كان قد يخطر له ويتوجه له، فلا يقوله ولا ينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام؛ فمن كان يسلك هذا المسلك، كيف يقول قولا يخرق فيه إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟! " انتهى. من الرد على الأخنائي (457-458) .
خامسا:
هذه المسألة المذكورة، والتي زعم السائل فيها، تبعا لغيره، أن شيخ الإسلام خالف فيها الإجماع، قد ثبت فيها النصوص عن غير واحد من العلماء، وخاصة الأحناف بالمنع منها، والنهي عنها.
قال العلامة الحصكفي في الدر المختار (5/715) :
" وفي التاترخانية معزيا للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ".
ونفس النص في المحيط البرهاني (5/141) .
قال العلامة الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (5/126) :
" وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ فُلَانٍ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ ".
ونفس النص في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (6/31) ونسب القول بذلك إلى الثلاثة، يعني: أبا حنيفة، وصاحبيه: أبا يوسف، ومحمد بن الحسن، والعناية شرح الهداية للبابرتي (10/64) ، وفتح القدير لابن الهمام (10/64) ، وفي درر الحكام (1/321) ، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2554) .
قال السيد نعمان خير الدين الآلوسي الحنفي، رحمه الله في جلاء العينين (516-517) :
" وفي جميع متونهم: أن قول الداعي المتوسل: بحق الأنبياء والأولياء، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام: مكروه كراهة تحريم، وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد، وعللوا ذلك بقولهم: لأنه لا حق للمخلوق على الخالق " انتهى.
وانظر ما نقله السيد نعمان عن العلامة السويدي الشافعي: جلاء العينين (505) وما بعدها.
ولعله تبين مما سبق من النقول المستفيضة: لماذا يمنع السلفيون من ذلك النوع من التوسل، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية ليس أول من منع من ذلك، ولا هو آخرهم أيضا.
وانظر جواب السؤال رقم (979) ، ورقم (60041) ، ورقم (23265) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/454)
هل تحتجب المرأة من الولد الذي عمره خمس سنين
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني متزوجة بشخص عنده زوجات، وعندي ولد من غير هذا الزوج " عمره خمس سنوات " فهل على الزوجات أن يحتجبن إذا حضر ولدي عندهن؟.
جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الولد المذكور سنّه صغيرة ولا يجب تغطية الوجه لحضوره، وقد قال الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابعين غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وهذا الولد طفل لم يظهر على عورات النساء فيجوز إبداء الزينة أمامه، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: وقوله تعالى " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء " يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهم الرحيم وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن فإذا كان الطفل صغيرا لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء فأما إن كان مراهقا أو قريبا منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرّق بين الشوهاء والحسناء فلا يمكن من الدخول على النساء. انتهى، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/455)
الحج فرض على المرأة كما هو فرض على الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[في خطبة مؤخراً , قال الخطيب أنه ليس بفرض على المرأة تأدية الحج وإنها تجب على الرجال فقط. هل يمكن ذكر أي حديث أو آية كدليل على هذه المقولة , وإذا كان هذا غير صحيح فهل يمكن ذكر حديث أو آية تدل على ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الْحَجُّ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً , وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ , ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ.
أ - أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلا , وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} آل عمران / 97. فَهَذِهِ الآيَةُ نَصٌّ فِي إثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ , حَيْثُ عَبَّرَ الْقُرْآنُ بِصِيغَةِ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} وَهِيَ صِيغَةُ إلْزَامٍ وَإِيجَابٍ , وَذَلِكَ دَلِيلُ الْفَرْضِيَّةِ , بَلْ إنَّنَا نَجِدُ الْقُرْآنَ يُؤَكِّدُ تِلْكَ الْفَرْضِيَّةَ تَأْكِيدًا قَوِيًّا فِي قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} فَإِنَّهُ جَعَلَ مُقَابِلَ الْفَرْضِ الْكُفْرَ , فَأَشْعَرَ بِهَذَا السِّيَاقِ أَنَّ تَرْكَ الْحَجِّ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِ , وَإِنَّمَا هُوَ شَأْنُ غَيْرِ الْمُسْلِمِ.
ب - وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَإِقَامِ الصَّلاةِ , وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ , وَصِيَامِ رَمَضَانَ , وَالْحَجِّ} . وَقَدْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: {بُنِيَ الإِسْلامُ. . .} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ {: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ. . .} . وَقَدْ وَرَدَتْ الأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةً جِدًّا حَتَّى بَلَغَتْ مُبْلِعَ التَّوَاتُرِ الَّذِي يُفِيدُ الْيَقِينَ وَالْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ الْيَقِينِيَّ الْجَازِمَ بِثُبُوتِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ.
ج - وَأَمَّا الإِجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً عَلَى الْمُسْتَطِيعِ , وَهُوَ مِنْ الأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ. الموسوعة الفقهية ج/17 ص/23
وقال النووي: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَجّ يَجِب عَلَى الْمَرْأَة إِذَا اِسْتَطَاعَتْهُ. شرح صحيح مسلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/456)
حكم لبس الكعب العالي للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس الكعب العالي للنساء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لبس الكعب العالي لا يجوز لأنه يُعرض المرأة للسقوط، والإنسان مأمور شرعاً بتجنب المخاطر بمثل عموم قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) النساء/29، وقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة/195 كما أنه يُظهر قامة المرأة وعجيزتها بأكثر مما هي عليه، وفي هذا تدليس وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها المرأة المؤمنة بقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو نسائهن) النور/31 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (مجلة البحوث 9/46)
وكذلك فهو يجعلها مائلة إلى الأمام فيخشى انطباق وعيد المائلات المميلات عليها، وهو يؤذي الظهر وهذا ثبت طبياً. وكذلك يصدر الكعب صوتاً يلفت أسماع الرجال ويفتنهم، نسأل الله السلامة والعافية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/457)
الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تستعمل كلمة "الدعاء" للدلالة على معنيين اثنين:
1- دعاء المسألة، وهو طلب ما ينفع، أو طلب دفع ما يضر، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة.
كالدعاء بالمغفرة والرحمة، والهداية والتوفيق، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا، وحسنة في الآخرة ... إلخ.
2- دعاء العبادة، والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادات، القلبية أو البدنية أو المالية، كالخوف من الله ومحبة رجائه والتوكل عليه، والصلاة والصيام والحج، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر، والزكاة والصدقة والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..... إلخ.
فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى.
انظر: "القول المفيد" (1/264) ، "تصحيح الدعاء" (ص 15- 21) .
والغالب أن كلمة (الدعاء) الواردة في آيات القرآن الكريم يراد بها المعنيان معاً؛ لأنهما متلازمان، فكل سائل يسأل الله بلسانه فهو عابد له، فإن الدعاء عبادة، وكل عابد يصلي لله أو يصوم أو يحج فهو يفعل ذلك يرد من الله تعالى الثواب والفوز بالجنة والنجاة من العقاب.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة" انتهى.
"القواعد الحسان" (رقم/51) .
وقد يكون أحد نوعي الدعاء أظهر قصدا من النوع الآخر في بعض الآيات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - في قول الله عزّ وجلّ: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/55-56-:
" هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعَيِ الدُّعاء: دعاء العبادة، ودعاء المسألة:
فإنّ الدُّعاء في القرآن يراد به هذا تارةً وهذا تارةً، ويراد به مجموعهما؛ وهما متلازمان؛ فإنّ دعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضره ودفعِه، ... فهو يدعو للنفع والضرِّ دعاءَ المسألة، ويدعو خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فعُلم أنَّ النَّوعين متلازمان؛ فكل دعاءِ عبادةٍ مستلزمٌ لدعاءِ المسألة، وكل دعاءِ مسألةٍ متضمنٌ لدعاءِ العبادة.
وعلى هذا فقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ) يتناول نوعي الدُّعاء ... وبكل منهما فُسِّرت الآية. قيل: أُعطيه إذا سألني، وقيل: أُثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان.
وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعاً.
فتأمَّله؛ فإنّه موضوعٌ عظيمُ النّفع، وقلَّ ما يُفطن له، وأكثر آيات القرآن دالَّةٌ على معنيين فصاعداً، فهي من هذا القبيل.
ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) الفرقان/77 أي: دعاؤكم إياه، وقيل: دعاؤه إياكم إلى عبادته، فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول، ومحل الأول مضافاً إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين.
وعلى هذا؛ فالمراد به نوعا الدُّعاء؛ وهو في دعاء العبادة أَظهر؛ أَي: ما يعبأُ بكم لولا أَنّكم تَرْجُونَه، وعبادته تستلزم مسأَلَته؛ فالنّوعان داخلان فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60، فالدُّعاء يتضمن النّوعين، وهو في دعاء العبادة أظهر؛ ولهذا أعقبه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) الآية، ويفسَّر الدُّعاء في الآية بهذا وهذا.
وروى الترمذي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول على المنبر: إنَّ الدُّعاء هو العبادة، ثمّ قرأ قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية، قال الترمذي: حديث حسنٌ صحيحٌ.
وأمَّا قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية، الحج/73، وقوله: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا) الآية، النّساء/117، وقوله: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) الآية، فصلت/48، وكل موضعٍ ذكر فيه دعاءُ المشركين لأوثانهم، فالمراد به دعاءُ العبادة المتضمن دعاءَ المسألة، فهو في دعاء العبادة أظهر ...
وقوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) غافر/65، هو دعاء العبادة، والمعنى: اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته لا تعبدوا معه غيره.
وأمَّا قول إبراهيم عليه السّلام: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاء) إبراهيم/39، فالمراد بالسّمع ههنا ااء الطّلب، وسَمْعُ الربِّ تعال له إثابته على الثناء، وإجابته للطلب؛ فهو سميعُ هذا وهذا.
وأمَّا قولُ زكريا عليه السّلام: (ولم أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) مريم/4، فقد قيل: إنَّه دعاءُ لسّمع الخاص، وهو سمعُ الإجابة والقبول، لا السّمع العام؛ لأنَّه سميعٌ لكل مسموعٍ، وإذا كان كذلك؛ فالدُّعاء: دعاء العبادة ودعالمسألة، والمعنى: أنَّك عودتَّني إجابتَك، ولم تشقني بالرد والحرمان، فهو توسلٌ إليه سبحانه وتعالى بما سلف من إجابته وإحسانه، وهذا ظاهرٌ ههنا.
وأمَّا قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) الآية، الإسراء/110؛ فهذا الدُّعاء: المشهور أنَّه دعاءُ المسألة، وهو سببُ النّزول، قالوا: كان النّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو ربه فيقول مرَّةً: يا الله. ومرَّةً: يا رحمن. فظنَّ المشركون أنَّه يدعو إلهين، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ.
وأمَّا قوله: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) الطّور/28، فهذا دعاءُ العبادة المتضمن للسؤال رغبةً ورهبةً، والمعنى: إنَّا كنَّا نخلص له العبادة؛ وبهذا استحقُّوا أنْ وقاهم الله عذابَ السّموم، لا بمجرد السّؤال المشترك بين النّاجي وغيره: فإنّه سبحانه يسأله من في السّموات والأرض، (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) الكهف/14، أي: لن نعبد غيره، وكذا قوله: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) الآية، الصّافات/125.
وأمَّا قوله: (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ) القصص/64، فهذا دعاءُ المسألة، يبكتهم الله ويخزيهم يوم القيامة بآرائهم؛ أنَّ شركاءَهم لا يستجيبون لهم دعوتَهم، وليس المراد: اعبدوهم، وهو نظير قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَقولُ نَادُوا شُرَكائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فلمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) الكهف/52 " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (15/10-14) باختصار. وانظر أمثلة أخرى في "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/513-527) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/458)
حديث ضعيف في فضل الدعاء بـ يا أرحم الراحمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة صحة الحديث التالي: روى الحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملكا موكلا بمن يقول: يا أرحم الراحمين. فمن قالها ثلاثا قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/728) قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله العماني، ثنا مسعود بن زكريا التستري، ثنا كامل بن طلحة، ثنا فضال بن جبير، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملكا موكلا بمَن يقول: يا أرحم الراحمين. فمن قالها ثلاثا قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فاسأل) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ضعيف. قال الذهبي: " فضال: ليس بشيء.
قال ابن عدي في "الكامل" (1/325) : " ولفضال بن جبير عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة "....
ثم روى الحاكم من طريق الفضل بن عيسى، عن عمه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلي الله عليه وسلم برجل وهو يقول: يا أرحم الراحمين! فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: " سل؛ فقد نظر الله إليك ". وقال الحاكم: " الفضل بن عيسى هو الرقاشي، وأخشى أن يكون عم يزيد بن أبان، إلا أني قد وجدت له شاهداً من حديث أبي أمامة " انتهى. ثم ساق حديث الترجمة.
قلت – (الألباني) -: ويزيد بن أبان - وهو الرقاشي – متروك. والفضل بن عيسى ضعفوه كما في "المغني"، وقال فيه الحافظ: " منكر الحديث " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (3200) .
فالحديث ضعيف لا يصح، غير أن سؤال الله سبحانه بوصف الرحمة مشروع؛ لأنها من أخص صفاته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) الإسراء/110.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/459)
إطالة السجدة الأخيرة في الصلاة من أجل الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إطالة السجدة الأخيرة في الصلاة من أجل الدعاء، سنة؟ حيث إن كثيراً من الأئمة يفعلون ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إطالة السجدة الأخيرة في الصلاة من أجل الدعاء ليس من السنة، بل هو مخالف للسنة.
روى البخاري (792) ومسلم (471) عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَسُجُودُهُ وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ) .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإطالة في السجدة الأخيرة عن باقي أركان الصلاة للدعاء فيها والاستغفار، هل في الصلاة خلل في حالة الإطالة في السجدة الأخيرة؟ .
فأجاب:
"الإطالة في السجدة الأخيرة ليست من السنَّة؛ لأن السنَّة أن تكون أفعال الصلاة متقاربة: الركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، كما قال ذلك البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (رمقتُ الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامَه، فركوعَه، فسجودَه، فجلستَه ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء) ، هذا هو الأفضل، ولكن هناك محلٌ للدعاء غير السجود، وهو التشهد، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمَّا علَّم عبد الله بن مسعود التشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ، فليجعل الدعاء قلَّ، أو كثُر بعد التشهد الأخير قبل أن يسلِّم" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم 376، وجه: ب) .
وقال الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله:
"لا أرى دليلاً، ولا أحفظه، على إطالة السجدة الأخيرة من الصلاة، ولكن لعل بعض الأئمة يفعلون ذلك لينبهوا على أن آخر الصلاة، أو آخر عمل من أعمال الصلاة، فيطولونها، حتى ينتبه المأموم للجلوس الذي هو الجلوس الأخير للتشهد، وإن كان هذا لا يكفي في تبرير هذه الإطالة" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن جبرين " أحكام قطع الصلاة، فتوى رقم (2046) من موقعه.
وفي " فتاوى إسلامية " (1/258) قال حفظه الله:
"لا أذكر دليلاً يفيد إطالة السجدة الأخيرة، وإنما في الأحاديث التسوية بين أركان الصلاة أو كونها قريبة من السواء" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/460)
ماذا يقال في الجلسة بين خطبتي الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء معين نقوله إذا جلس الخطيب بين الخطبتين يوم الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة خطبتين، يفصل بينهما بجلسة يسيرة على المنبر.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا) رواه البخاري (928) .
ولم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام – فيما نعلم -: الدعاء أو الذكر بكلام مُعَيَّنٍ بين خطبتي الجمعة، وإنما ذكر بعض أهل العلم استحباب الدعاء بين الخطبتين، تحريًّا لساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، ومن أقوى الأقوال في تعيينها: أنها من أول خروج الإمام للخطبة إلى انتهاء الصلاة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112165) .
ولكن لما لم يكن هذا الدعاء واردا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة الكرام، فلا ينبغي تأكيده وجعله سنة لازمة، كما لا يجوز رفع الصوت به والتشويش على الحضور، وقد نبه على ذلك بعض أهل العلم.
فقد نقل ابن حجر الهيتمي عن القاضي أنه قال: والدعاء في هذه الجلسة [بين الخطبتين] مستجاب. ثم قال ابن حجر:
"ويؤخذ مما ذكر عن القاضي: أن السنة للحاضرين الاشتغال وقت هذه الجلسة بالدعاء، لما تقرر أنه مستجاب حينئذ، وإذا اشتغلوا بالدعاء فالأولى أن يكون سرا، لما في الجهر من التشويش على بعضهم، ولأن الإسرار هو الأفضل في الدعاء إلا لعارض " انتهى.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" للحافظ ابن حجر الهيتمي (1/251-252) .
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله:
" الدعاء حال جلوسه بين الخطبتين – ما - علمت فيه شيئا، ولا ينكر على فاعله الذي يتحرى الساعة المذكورة في يوم الجمعة " انتهى.
"رسائل وفتاوى الشيخ عبد الله أبا بطين" (ص/163) .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
" أما رفع اليدين والأصوات بالدعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين فلا نعرف له سنة تؤيده، ولا بأس به لولا التشويش، وأنهم جعلوه سنة متبعة بغير دليل.
والمأثور: طلب السكوت إذا صعد الإمام المِنبر، وإنما السكوت للسماع؛ لذلك نقول: لا بأس بالدعاء في غير وقت السماع، ولكن يدعو خُفية، لا يؤذي غيره بدعائه، ولا يرفع كل الناس أيديهم، فيكون ذلك شعارًا من شعائر الجمعة بغير هداية من السنة فيه؛ بل إنهم يخالفون صريح السنة؛ إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة الثانية وهم مستمرون على دعائهم، فأَولى لهم سماع وتدبر وقت الخطبة، وفكر وتأثر وقت الاستراحة، وأهون فعلهم هذا أن يكون بدعة مكروهة. والله أعلم " انتهى.
"مجلة المنار" (6/792) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل هناك دعاء معين وارد، أو ذكر معين يقوله المصلي بين خطبتي الجمعة؟ وهل ورد أن خطيب الجمعة يدعو بين الخطبتين أم لا؟
فأجاب:
"ليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص، لكن يدعو الإنسان بما أحب، وذلك لأن هذا الوقت وقت إجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه) .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى: (أنها ما بين خروج الإمام - يعني دخوله المسجد - إلى أن تقضى الصلاة) .
فهذا الوقت وقت إجابة، فينبغي للإنسان أن يستغل الفرصة بالدعاء بين الخطبتين بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة.
وكذلك يقال بالنسبة للإمام: إنه يدعو بين الخطبتين، لكن دعاءً سريا بما يريده من أمر الدنيا والآخرة.
وكذلك أيضا في صلاة الجمعة في السجود بعد أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء.
وكذلك أيضا في التشهد يدعو قبل السلام بما شاء بعد أن يدعو بما ورد الأمر بالدعاء به" انتهى.
وقال أيضا رحمه الله:
"أما الدعاء في هذا الوقت فإنه خيرٌ ومستحب؛ لأن هذا الوقت وقتٌ تُرجَى فيه الإجابة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلى يدعو الله تعالى إلا استجاب له.
وساعة الصلاة هي أقرب الساعات لأن تكون هي ساعة الإجابة، لِما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي ما بين أن يخرج الإمام إلى أن تُقضَى الصلاة) .
فعلى هذا؛ فينبغي أن ينتهز الفرصة فيدعو بين الخطبتين.
وأما رفع اليدين بذلك فلا أعلم به بأساً؛ لأن الأصل في الدعاء أن مِن آدابه رفع اليدين، فإذا رفع الإنسان يده فلا حرج، وإذا دعا بدون رفع يد فلا حرج، وهذا في الدعاء الذي بين الخطبتين" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة) .
ثالثا:
ذكر بعض الفقهاء استحباب قراءة القرآن في الجلسة بين الخطبتين، وبعضهم يخص سورة الإخلاص، يعتمدون في ذلك على حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ، يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ انَّاسَ) رواه مسلم (862) ورواه ابن حبان في صحيحه (7/42) بلفظ قريب، وبوب عليه بقوله: " ذكر ما كان يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في جلوسه بين الخطبتين " انتهى
قال الخطيب الشربيني رحمه الله:
"ويكون جلوسه بين الخطبتين نحو سورة الإخلاص..
وهل يقرأ فيها، أو يذكر، أو يسكت؟
لم يتعرضوا له، لكن في صحيح ابن حبان: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها) " انتهى بتصرف.
"مغني المحتاج" (1/557) .
والصواب أن قول جابر بن سمرة في الحديث: (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ) لا يعود إلى الجلسة بين الخطبتين، وإنما هي جملة حالية من الجملة الأولى: (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان) يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على المنبر خطبتين، تتضمنان قراءة القرآن ووعظ الناس وتذكيرهم.
ولهذا ذكر الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (16/102) ، في ترجمة ابن حبان، مبحثا مهما في أوهام وقعت لابن حبان في صحيحه، فكان مما خَطَّأه فيه الذهبي تبويبه على هذا الحديث، فقال: " وقال – يعني ابن حبان -: ذكر ما كان يقرأ عليه السلام في جلوسه بين الخطبتين. فما ذكر شيئا " انتهى. يريد أن الحديث لا يدل على ما بوَّب به.
فالراجح - والله أعلم – أنه ليس هناك سنة لازمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع، وأنَّ مَن أراد أن يشغل تلك السكتة اللطيفة بدعاء أو ذكر أو قرءان فله ذلك، على ألا يشوش به على الحاضرين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/461)
حديث ضعيف في فضل الدعاء بـ يا رب يا رب
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة صحة الأحاديث الآتية: روى ابن أبي الدنيا عن عائشة وأنس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال العبد: يا رب! يا رب! يا رب! قال الله تعالى: لبيك عبدي، سل تعط) . روى البزار عن عائشة رضي الله عنها: (إذا قال العبد: يا رب! أربعا، قال الله تعالى: لبيك عبدي، سل تعط) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أسباب إجابة الدعاء سؤال الله تعالى بذكر ربوبيته، فهو سبحانه يحب من عباده الاعتراف بالفقر والذل إليه، فدعاء العبد بقوله: " يا رب "، هو مما يحبه الله ويرضاه.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كلام له عن أسباب إجابة الدعاء، وذكر منها:
" الإلحاح على الله عز وجل بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء ... ثم روي عن أبي الدرداء وابن عباس رضي الله عنهما كانا يقولان: اسم الله الأكبر (رب، رب) ، وعن عطاء قال: ما قال عبد: يا رب! يا رب! ثلاث مرات إلا نظر الله إليه، فذكر ذلك للحسن فقال: أما تقرؤون القرآن، ثم تلا قوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ. رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ. رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) آل عمران/191-194.
ومن تأمل الأدعية المذكورة في القرآن وجدها غالبا تفتتح باسم الرب، كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201. (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) البقرة/286. وقوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران/8، ومثل هذا في القرآن كثير، وسئل مالك وسفيان عمن يقول في الدعاء: يا سيدي؟ فقال: ألا يقول: يا رب. زاد مالك: كما قالت الأنبياء في دعائهم " انتهى.
"جامع العلوم والحكم" (ص106-107) .
وقال المناوي رحمه الله:
"من أسباب الإجابة، بل من أعظمها: الإلحاح عليه تعالى، والترامي على فضله وكرمه وعظيم ربوبيته ونواله. وإنما يقول الداعي في جؤره: " يا رب يا رب " بأداة البعد، مع كونه أقرب إليه من حبل الوريد، احتقارا لنفسه، واستبعادا لها من مظان الزلفى ومنازل المقربين، هضما لنفسه، وإقرارا عليها بالتفريط في جنب الله، مع فرط التهالك على استجابة دعوته. ذكره الزمخشري. وقد احتج بهذا الحديث مَن ذهب إلى أن الاسم الأعظم هو "الرب"." انتهى.
"فيض القدير" (1/526) .
غير أن الحديث المذكور في السؤال لا يصح، وهو ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال العبد: يا رب. أربعا. قال الله تبارك وتعالى: لبيك عبدي، سل تعط) .
فقد رواه ابن أبي الدنيا في "الدعاء"، وأبو الشيخ في "الثواب" – كما عزاه إليهما السيوطي في "الجامع الكبير" - والبزار في مسنده – كما في "كشف الأستار" (4/41) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (51/165) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (1122) جميعهم من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن الحكم بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها به.
وقال البزار: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه. انتهى.
وهذا السند ضعيف، فيه علتان:
إحداهما: يعقوب بن محمد الزهري، فقد قال فيه أبو زرعة: واهي الحديث. وقال أبو حاتم: أدركته فلم أكتب عنه. ومما أُخذ عليه تحديثه عن الضعفاء. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (11/397) .
الثانية: الحكم بن سعيد الأموي، قال فيه البخاري: منكر الحديث. انظر "ميزان الاعتدال" (1/570) .
ولذلك قال الهيثمي عن هذا الحديث: " فيه الحكم بن سعيد الأموي وهو ضعيف " انتهى.
"مجمع الزوائد" (10/159) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "ضعيف جدا" انتهى. "السلسلة الضعيفة" (2693) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/462)
تفصيل القول في ساعة الإجابة يوم الجمعة وحكم إطالة السجدة الأخيرة من أجل الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كل يوم جمعة الساعة التي قبل غروب الشمس التي يتوقع أنها ساعة الإجابة أتعمد دخول المسجد، وصلاة ركعتين لله سبحانه وتعالى، تحية للمسجد؛ ثم في آخر سجدة من الركعتين أبقى ساجداً حتى الغروب، أدعو في سجودي، حتى يؤذن للمغرب؛ لأنه وقت فرصة آخر ساعة من الجمعة أحرى بالإجابة، وأزيد فرصة التحري للإجابة وأنا ساجد، وأحياناً إذا لم يكن هناك سبب للصلاة، وفي وقت النهي عن الصلاة أتعمد قراءة سورة فيها سجدة، فأسجد ساعة حتى يؤذن للمغرب يوم الجمعة، وحالي: الدعاء، وطول السجود، حتى أتاني في يوم من الأيام شخص بعد أن قمت بهذا الفعل شككني فيه، ولمح لي أنه ابتداع. هل فعلي ذلك ابتداع؟ رغم أن نيتي تحري فرص الإجابة آخر ساعة من يوم الجمعة، وأدعو وأنا ساجد، الفرصتان أحرى بالإجابة، هذا هو أصل نيتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة على أقول كثيرة، وأقوى هذه الأقوال من حيث الأدلة: أنها الساعة التي بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، وكذا الساعة التي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، ولكل واحدة من الساعتين أدلة من السنَّة، وقائل بها من أهل العلم.
أ. أما دليل الساعة الأولى: فهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - يعني في ساعة الجمعة -: (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ) رواه مسلم (853) .
وأما القائلون بها: فكثير قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وقد اختلف السلف في أيهما أرجح، فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري أن مسلماً قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي، وابن العربي، وجماعة، وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره، وقال النووي: هو الصحيح بل الصواب، وجزم في " الروضة " بأنه الصواب، ورجحه أيضاً بكونه مرفوعاً صريحاً، وفي أحد الصحيحين" انتهى.
" فتح الباري " (2 / 421) .
ب. وأما دليل الساعة الثانية: فهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَوْمُ الجُمُعة ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، لاَ يُوجَد فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلاَّ آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ العَصْر) رواه أبو داود (1048) والنسائي (1389) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، والنووي في "المجموع" (4 / 471) .
وأما القائلون بها: فكثير أيضاً، وعلى رأسهم الصحابيان أبو هريرة، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام، فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن ناساً من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة، ثم افترقوا، فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجَّحه كثير من الأئمة أيضا، كأحمد، وإسحاق، ومن المالكية: الطرطوشي، وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني - شيخ الشافعية في وقته - كان يختاره، ويحكيه عن نص الشافعي" انتهى.
"فتح الباري" (2/421) .
وكل واحدة من هاتين الساعتين يُرجى فيها إجابة الدعاء.
قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرجى فيها إجابة الدعوة: أنها بعد صلاة العصر، وتُرجى بعد زوال الشمس. ونقله عنه الترمذي.
" سنن الترمذي " (2 / 360) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"وعندي: أن ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة أيضاً، فكلاهما ساعة إجابة، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر، فهي ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر، وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت؛ لأن لاجتماع المسلمين، وصلاتهم، وتضرعهم، وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة، فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها الإجابة.
وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حض أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين" انتهى.
"زاد المعاد" (1/394) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"جاء في بعض الروايات عند مسلم أنها (حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة) ، هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى مرفوعاً، وعلله بعضهم بأنه من كلام أبي بردة بن أبي موسى وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب ثبوت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضا من حديث جابر بن عبد الله وعبد الله بن سلام أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وجاء في بعض الأحاديث أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، وكلها صحيحة لا تنافي بينها، فأحراها وأرجاها: ما بين الجلوس على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذه الأوقات هي الأرجى لساعة الإجابة، وبقية الأوقات ف يوم الجمعة كلها ترجى فيها إجابة الدعاء، لكن أرجاها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس كما تقدم، وبقية ساعات الجمعة ترجى فيها هذه الإجابة لعموم بعض الأحاديث الواردة في ذلك، فينبغي الإكثار في يوم الجمعة من الدعاء؛ رجاء أن يصادف هذه الساعة المباركة، ولكن ينبغي أن تحظى الأوقات الثلاثة المذكورة آنفا بمزيد من العناية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص على أنها ساعة الإجابة" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 401، 402) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فأرجى ساعات الجمعة بالإجابة هي وقت الصلاة، وذلك لأمور:
أولاً: لأن ذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وثانياً: أن هذا اجتماع من المسلمين على عبادة واحدة بقيادة واحدة، يعني: إمام واحد، وهذا الاجتماع يكون أقرب إلى الإجابة، ولهذا في يوم عرفة حين اجتمع المسلمون على صعيد عرفة ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يباهي بهم الملائكة ويجيب دعاءهم، لذلك احرص يا أخي على الدعاء في هذا الوقت، وهو وقت صلاة الجمعة، لكن متى تدخل هذه الساعة ومتى تخرج؟ تدخل من حين أن يدخل الإمام إلى أن تقضى الصلاة، فلننظر الآن متى ندعو، دخل الإمام وسلم، وبعد ذلك الأذان، الأذان ليس فيه دعاء فيه إجابة للمؤذن، بعد الأذان هناك دعاء، بين الأذان والخطبة هناك دعاء، تقول بعد الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة والقائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد) ، ثم تدعو بما شئت، ما دام الخطيب لم يشرع في الخطبة فأنت في حل فادع الله بما شئت، كذلك أيضاً بين الخطبتين تدعو الله بما شئت من خيري الدنيا والآخرة، كذلك أيضاً في أثناء الصلاة في السجود: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرب ما تكون من الرب وأنت ساجد ... .
ولكن هل هناك محل دعاء ثانٍ في الصلاة؟ بعد التشهد كما في حديث ابن مسعود حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال بعده: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ، وكلمة: (ما شاء) عند علماء الأصول تفيد العموم.
فصار عندنا الآن في ساعة الإجابة وقت صلاة الجمعة عدة مواطن للدعاء، فانتهز الفرصة يا أخي، انتهز الفرصة في الدعاء في صلاة الجمعة لعلك تصادف ساعة الإجابة.
هناك أيضاً ساعة أخرى ترجى فيها الإجابة من نفس اليوم، وهي: ما بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، لكن هذا القول أشكل على بعض العلماء، وقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (وهو قائمٌ يصلي) وبعد العصر لا توجد صلاة، أجاب عنهم العلماء، فقالوا: إن منتظر الصلاة في حكم المصلي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة) " انتهى.
" دروس وفتاوى الحرم المدني عام 1416هـ ".
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) وبعد صلاة العصر ليس وقتا للصلاة، فهناك احتمالان في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) :
أ. أن يكون معناه الجلوس وانتظار الصلاة، ويسمى ذلك شرعاً " صلاة ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: فَقُلْتُ لَهُ – أي: لعبد الله بن سلام - فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي) ، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ) ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هُوَ ذَاكَ.
رواه الترمذي (491) وأبو داود (1046) والنسائي (1430) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
ب. ويحتمل أن يكون معناه الدعاء، والصلاة في اللغة هي "الدعاء".
قال بدر الدين العيني رحمه الله:
فهذا دل على أن المراد من الصلاة: الدعاء، ومن القيام: الملازمة، والمواظبة، لا حقيقة القيام.
"عمدة القاري شرح البخاري" (6/242) .
فيكون معنى (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) أي: وهو ملازم للدعاء.
فمن أراد أن يتحرى وقت الإجابة بعد العصر يوم الجمعة: فلذلك صور متعددة، منها:
1. أن يبقى بعد صلاة العصر لا يخرج من المسجد يدعو، ويتأكد ذلك منه في آخر ساعة من العصر، وهذه أعلى المنازل.
وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحداً حتى تغرب الشمس.
2. أن يذهب إلى المسجد قبل المغرب بزمن، فيصلي تحية المسجد، ويدعو إلى آخر ساعة من العصر، وهذه أوسط المنازل.
3. أن يجلس في مجلس – في بيته أو غيره – يدعو ربه تعالى في آخر ساعة من العصر، وهذه أدنى المنازل.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
من أراد إدراك الساعة الأخيرة من يوم الجمعة للدعاء وسؤال الله هل يلزم أن يكون في المكان الذي صلى فيه العصر، أم قد يكون في المنزل، أو في مسجد آخر؟ .
فأجاب:
"ظاهر الأحاديث الإطلاق، وأن من دعا في وقت الاستجابة: يُرجى له أن يجاب في آخر ساعة من يوم الجمعة، يُرجى له أن يجاب، وكن إذا كان ينتظر الصلاة في المسجد الذي يريد فيه صلاة المغرب: فهذا أحرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصّلِّي) - رواه البخاري -، والمنتظر في حكم المصلي، فيكون في محل الصلاة أرجى لإجابته، فالذي ينتظر الصلاة في حكم المصلين، وإذا كان مريضاً وفعل في بيته ذلك: فلا بأس، أو المرأة في بيتها كذلك تجلس تنتظر صلاة المغرب في مصلاها، أو المريض في مصلاه ويدعو في عصر الجمعة يرجى له الإجابة، هذا هو المشروع، إذا أراد الدعاء يقصد المسجد الذي يريد فيه صلاة المغرب مبكراً فيجلس ينتظر الصلاة، ويدعو" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (30 / 270 , 271) .
وعلى هذا فما تفعله – أخي السائل - خطأ من وجهين:
أ. ظنك أن الصلاة في الحديث هي الصلاة ذات الركوع والسجود، وإنما معناها: انتظار الصلاة، أو ملازمة الدعاء كما سبق.
ب. إطالة السجدة الثانية في ركعتي تحية المسجد مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، حيث كان هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة أن أفعالها قريبة من السواء، وقد سبق في جواب السؤال رقم (111889) أن إطالة السجدة الأخيرة في الصلاة من أجل الدعاء مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/463)
مسح الوجه باليدين بعد الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دعا الإنسان فهل يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"دعاء العبد ربه وسؤاله إياه مشروع ومرغب فيه، ورفع اليدين فيه ضراعةً وابتهالاً إلى الله ثابت مشروع أيضاً، وأما مسح الوجه بالكفين عقب الدعاء فقد ورد فيه حديث ضعيف، رواه ابن ماجه من طريق صالح بن حسان النضري، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك) لضعف صالح بن حسان؛ فقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم والدراقطني، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو نعيم الأصبهاني: منكر الحديث متروك، وقال ابن حبان: كان صاحب قينات وسماع، وكان يروي الموضوعات عن الأثبات، وقال ابن الجوزي في هذا الحديث: لا يصح؛ فيه صالح بن حسان.
وورد فيه حديث آخر رواه الترمذي في سننه قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى وإبراهيم بن يعقوب وغير واحد، قالوا: حدثنا حماد بن عيسى الجهني، عن حنظلة بن أبي سفيان الجحمي عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) قال محمد بن المثنى في حديثة: (لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه) قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وقد انفرد به وهو قليل الحديث، وحنظلة بن أبي سفيان ثقة، وثقة يحيى بن سعيد القطان. اهـ. ولكن فيه حماد بن عيسى وهو ضعيف، وقد تفرد به على ما ذكره الترمذي.
ولما كان الدعاء عبادة مشروعة، ولم يثبت في مسح الوجه بالكفين سنة قولية أو عملية، بل روي ذلك من طرق ضعيفة – فالأولى تركه؛ عملاً بالأحاديث الصحيحة التي لم يذكر فيها المسح" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/215) .
وينظر: جواب السؤال رقم (39174) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/464)
قول بعض الخطباء: في السماء ملكك وفي الأرض سلطانك وفي البحر عظمتك
[السُّؤَالُ]
ـ[يرد على ألسنة بعض الأئمة والخطباء في مستهل خطبهم وبعد حمد الله والثناء عليه قولهم هذه العبارة، وهي: (في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك) فهل ورد نص شرعي من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من صحابته الكرام بهذا الدعاء؟ وإن كان لم يرد ألا تدل هذه العبارة على تخصيص ملك الله عز وجل في السماء فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حمد الله والثناء عليه بما هو أهله في خطبة الجمعة إنما يكون بما ثبت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما لا محذور فيه شرعاً من مطلق المحامد والثناء على الله تعالى.
أما العبارة المذكورة في السؤال فتركها أولى؛ لأن فيها إيهاماً، فقد يظن البعض تخصيص الملك بالسماء فقط، أو السلطان بالأرض فقط، وهكذا.
وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عام في جميع خلقه، فمن تأمل جميع ما خلقه الله أدرك عظمة الله، وملكه لذلك، وسعة سلطانه، وقهره لجميع خلقه، قال الله تعالى:) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) غافر/57، وقال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات/20، 21، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، وقال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة/255، وقال سبحانه: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة/120.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/369) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/465)
يسأل عن آيات أو أدعية تسهل عليه حفظ القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أرغب في حفظ القرآن ولم أستطع، وسمعت أن هناك آيات إذا قرأتها وبعض الأدعية والصلوات يكون ذلك سبباً في تيسيره، هل لي من إفادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس هناك آيات أو صلوات مخصوصة لحفظ القرآن، وإنما المسلم يجتهد ويحرص على حفظ القرآن الكريم، وقد قال الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) القمر/17، فمن اجتهد في حفظ القرآن أعانه الله ويسره عليه، وأما تخصيص آيات أو صلوات من أجل ذلك فلا دليل على ذلك، ولكن عليه أن يدعو الله كثيراً أن يعينه على حفظ القرآن، والله قريب مجيب.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/245) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/466)
الصلاة والسلام على الأنبياء والدعاء لغيرهم بالرضوان والرحمة والسلامة
[السُّؤَالُ]
ـ[المعروف هو أن قولنا: (صلى الله عليه وسلم) مختص بنبينا محمد، فهل يجوز الدعاء بهذا الدعاء بهذا اللفظ لغيره من الأنبياء؟ ومن هم المختصون بكل واحد من هذه الألفاظ: رضي الله عنه، رحمه الله، سلمه الله؟ وهل يجوز الدعاء للعالم الجليل الذي اجتهد طول حياته في دعوة الناس إلى الله ورسوله، مثل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ولأمثاله في عصرنا هذا إذا ماتوا بلفظ: (رضي الله عنه) أو (عليه السلام) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الدعاء بـ (صلى الله عليه وسلم) ليس خاصاً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثانياً: الدعاء بـ: (رضي الله عنه) اصطلح أهل العلم على جعل هذا الدعاء شعاراً للصحابة رضي الله عنهم، ولو دعا به الإنسان أحياناًُ لأحد من المسلمين فلا حرج.
ثالثاً: الدعاء بـ: (رحمه الله) و (سلمه الله) دعاء مشروع يدعى به للمسلم الحي والميت.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/160) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/467)
ما الفائدة من صلاة الاستخارة بما أن الأمور مقدرة من قبل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لصلاة الاستخارة: يجول في خاطر الإنسان أحياناً: ما الفائدة من السؤال والدعاء والسعي، ما دام أن قضاء الله هو الذي سيحدث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الله تعالى الدعاء سبباً لحصول المطلوب، ونيل المرغوب، وقد أمر به الرب جل وعلا، فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60.
إذا فهم هذا لم يبق هناك إشكال؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر الأمور بأسبابها، فحصول الولد - مثلا – حين يكتب لابن آدم لا بد أن يسبقه الزواج والجماع كي يأتي بعده الولد، فلا يمكن أن تقع النتائج دون أسبابها، والكون كله مفطور على هذا النسق من ارتباط الأسباب والمسببات.
وهكذا الدعاء أو (الاستخارة) أيضا:
فقد كتب الله تعالى كثيرا من الأقدار معلقة بدعائه وسؤاله عز وجل، فلا يقع المراد من غير سببه، وهو الدعاء، إلى جانب الأسباب الحسية، وقد دلت الأحاديث النبوية على هذا التقرير بكل وضوح.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ) . رواه الترمذي (3548) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3409)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (8/69) -:
" ومن قال: أنا لا أدعو ولا أسأل اتكالاً على القدر، كان مخطئًا أيضًا؛ لأن الله جعل الدعاء
والسؤال من الأسباب التي ينال بها مغفرته ورحمته وهداه ونصره ورزقه، وإذا قدر للعبد خيرًا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره الله بأسباب، يسوق المقادير إلى المواقيت، فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات.
فمحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل " انتهى.
وقال أيضا (8/287) : " قول بعضهم: إن الدعاء ليس هو إلا عبادة محضة؛ لأن المقدور كائن، دعا أو لم يدع.
فيقال له: إذا كان الله قد جعل الدعاء سببًا لنيل المطلوب المقدر، فكيف يقع بدون الدعاء! " انتهى.
وقال ابن القيم في "الجواب الكافي" (ص/4) :
" الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا.
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين – كما في "المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين" (1/157) -:
" الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو، وهو في الواقع يرد القضاء، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، يعني له جهتان، فمثلاً: هذا المريض قد يدعو الله تعالى بالشفاء فيشفى، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضاً، لكن بالدعاء شُفي، إلا أنا نقول: إن الله سبحانه وتعالى قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء، فهذا هو المكتوب. يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء؛ لأن الأصل أن الدعاء مكتوب، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء، هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل، وهكذا كل شيء مقرون بسبب، فإن هذا السبب جعله تعالى سبباً يحصل به الشيء، وقد كتب ذلك في الأزل قبل أن يحدث " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الدعاء يرد القضاء؟
فأجابوا: "شرع الله سبحانه الدعاء وأمر به، فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ، فإذا فعل العبد السبب المشروع ودعا فإن ذلك من القضاء، فهو رد القضاء بقضاء إذا أراد الله ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/195) .
وسئلوا أيضا (24/243) :
هل يخفف الدعاء من المصائب، وهل يلطف الله بنا نتيجة الدعاء؟ كيف يكون ذلك والله سبحانه وتعالى ينزل المصائب على الناس على الرغم من أنهم يدعونه؟
فأجابوا:
"الدعاء عبادة لله عز وجل، وقد أمر الله بدعائه، فقال تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
والدعاء يخفف المصائب أو يدفعها أو يدفع ما هو أعظم منها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ل يرد القدر إلا الدعاء) ، والمصائب إذا وقعت تكفر الذنوب، وترفع الدرجات، وعلى المسلم إذا وقع في مصيبة أن يصبر عليها ويحتسب الأجر من الله عز وجل، ولا يتضجر من القضاء والقدر " انتهى.
فيتحصل من هذه النقول فهم المسألة إن شاء الله تعالى، فالمسلم حين يأخذ أمر الاستخارة والدعاء على أنه سبب من أسباب حصول المطلوب، فلن يفرط فيه، ولن يحاول بلوغ مراده من غير طريقه، فيكون الدعاء مصدر قوة وباب خير للعبد المسلم كما أراده الله تعالى.
وانظر لمزيد فائدة جواب السؤال رقم (11749) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/468)
دعاء الله بإعادة اليد المبتورة
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلم إذا قدر الله عليه وبترت يده، أو أي شيء كان مستحيلاً - وليس على الله مستحيل -، والله تبارك وتعالى قدر هذا الأمر، واقتضت حكمته أن لا يعود في هذه الدنيا، مثل موت الإنسان إلا للبعث والنشور، فهل للمسلم أن يدعو الله أن يعيد يده المبتورة، أو قريبه الذي مات، أو أن هذا يعد اعتراضا على الله بمخالفة الإيمان بالقضاء والقدر؟ أو تعدي في الدعاء وحكمه التحريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤال الله ما لا يقع، مما يخالف السنة الكونية اللازمة، كسؤال إحياء الميت، وسؤال إرجاع سن الشباب، ونحوها من الأمور، هو من الاعتداء في الدعاء المنهي عنه؛ قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (الأعراف/55) .
قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/226) :
" الاعتداء في الدعاء على وجوه:
منها: الجهر الكثير والصياح.
ومنها: أن يدعو الإنسان أن تكون له منزلة نبي، أو يدعو في مُحَالٍ، ونحو هذا من الشطط ... وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (15/22) -:
" الاعتداء في الدعاء: تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات. وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل: أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله " انتهى.
وقال ابن عابدين في "رد المحتار" (1/561) :
" ويحرم سؤال العافية مدى الدهر، أو خير الدارين، ودفع شرهما، أو المستحيلات العادية، كنزول المائدة " انتهى.
ومنه يتبين لك عدم جواز سؤال الله إحياء القريب الميت، أو إعادة اليد المبتورة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بأن ذلك لا يكون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/469)
رفع اليدين عند بعض أذكار الصباح والمساء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أذكار طرفي النهار تأتي بصيغة الدعاء , مثل: (اللهم بك أصبحنا ... ) , (اللهم إني أسألك العافية ... ) , (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ... ) وغيرها. فهل يشرع رفع اليدين عند قراءتها في الصباح والمساء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رفع اليدين في الدعاء عموما هو مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وردت فيه أحاديث كثيرة، حتى قال السيوطي في "تدريب الراوي" (2/180) :
" ورد عنه صلى الله عليه وسلم نحوُ مائة حديث فيه رفعُ يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء، لكنها في قضايا مختلفة، فكلُّ قضية منها لَم تتواتر، والقدر المشترَك فيه - هو الرفعُ عند الدعاء - تواتَر باعتبار المجموع " انتهى.
ويمكن تقسيم أنواع الأدعية بحسب ثبوت رفع اليدين فيها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أدعية ثبت في السنة الصحيحة رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فيها، كالاستسقاء، وعند الكسوف، وعند الوقوف بعرفة، ونحوها.
فيستحب رفع اليدين في هذه المواضع باتفاق أهل العلم.
القسم الثاني: أدعية ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه بها: كدعاء الخطيب يوم الجمعة، فهذه لا يرفع فيها الإمام يديه، ولا المأموم.
القسم الثالث: أدعية لم يرد فيها خصوص إثبات ولا نفي: فهذه ينظر فيها:
- فإن كانت من المواضع التي ثبتت مِن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ثم لم يرد في شيء منها ذكر رفع اليدين، فذلك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه فيها: وذلك مثل الدعاء داخل الصلاة، في السجود وبعد التشهد الأخير.
- أما إن لم تكن مِن المواضع التي وردت في وصفها مِن فعلِ النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثُ كثيرة، فهذه لا نستطيع الجزم بخصوص هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها، إلا أننا نقول باستحباب رفع اليدين بها، عملا بعموم الأحاديث التي تستحب رفع اليدين، وقياسا على مئات الأحاديث الواردة في رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في مواضع كثيرة، ومن أمثلة ذلك: رفع اليدين عند أدعية الصباح والمساء، ونحوها.
فإن ثبتت هذه الأذكار عند المرء، من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عنده ـ أيضا ـ أو غلب على ظنه أنه لم يكن يرفع يديه في هذا الموطن، فلم يرفع يديه، فلا حرج عليه في ذلك، إن شاء الله، لكن ثبوت كل من المقدمتين فيه نوع من الصعوبة.
فالحاصل أنه لا حرج في رفع اليدين عند أدعية الصباح والمساء؛ والأمر فيها واسع، إن شاء الله.
وانظر جواب السؤال رقم: (11543) ، (21341)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/470)
الدعاء بالاستخارة من غير صلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاستخارة: قراءة دعاء الاستخارة بدون صلاة الركعتين قبله، لأننا نكون فى الشارع على سبيل المثال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستخارة هي دعاء الله تعالى، ليختار لك خير الأمرين، ويصرف عنك شرهما. وصلاة الركعتين إنما شرعت بين يدي الدعاء، ليكون أقرب إلى الإجابة، وأحضر للقلب، وأدعى للقبول.
قال ابن أبي جمرة – كما في "فتح الباري" (11/186) -:
" الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه مآلا وحالا " انتهى.
والاستخارة التي علمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بصلاة ركعتين ثم الدعاء بعدها.
وإذا تعذر على المسلم الصلاة، لسبب من الأسباب فلا حرج عليه من دعاء الله تعالى أن ييسر له خير الأمرين من غير صلاة.
قال النووي رحمه الله في "الأذكار" (ص/120) :
" ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء " انتهى.
وقد نقل كلام النووي هذا جماعة من علماء المذاهب، مقرين ومستشهدين به.
انظر: "حاشية رد المحتار" (2/27) ، "الفواكه الدواني" (1/35) ، "شرح مختصر خليل للخرشي" (1/37) ، "أسنى المطالب" (1/205) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/471)
تدعو عليه بزيادة الضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك إنسان آذاني كثيرا في حياتي، وأخذ أموالي ... بفضل من الله ابتعدت عنه، لكني دائما أدعو عليه، وأحتسب ذلك عند الله. سؤالي هو أني لا أرجو له التوبة، وأدعو الله أن يزيده ضلالا ... فهل هذا حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
للمظلوم عند الله تعالى شأن عظيم؛ لأن الله عز وجل يكره من الإنسان الكبرياء والتجبر والطغيان، ويحب منه التذلل إليه وإلى عباده، فهو سبحانه مع المستضعفين ومع المقهورين، وسينتصر للمظلومين من الظالمين.
ولذلك فقد رخص سبحانه للمظلوم أن يدعو على ظالمه، لينتصف منه في الدنيا قبل الآخرة، فيُشفِي شيئا من غيظه، ويستعجل بعضًا من حقه.
قال الله تعالى: (لَاْ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا) النساء/148.
قال ابن كثير في "التفسير" (1/572) :
" قال ابن عباسٍ في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إِلّا مَنْ ظُلِمَ) ، وإن صبر فهو خيرٌ له " انتهى.
وفي موقعنا مجموعة من الأدلة على هذه المسألة، يمكن مراجعتها في جواب السؤال رقم: (71152)
ثانيا:
وفي السنة بيان للصيغة التي يفضل أن يدعو بها على الظالم:
فعن جابرٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي) .
رواه البخاري في الأدب المفرد (1/226) ، وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/87) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: (الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ. . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا. .)
رواه الترمذي (3502) وقال: حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ثالثا:
أما الدعاء على الظالم بالضلال وعدم الهداية، فهذا لا يجوز، ولا ينبغي أن يصدر هذا الدعاء من المسلم مهما كان الظلم الذي تعرض له، وذلك لأوجه عدة:
1- في الدعاء بزيادة الضلال والغواية طلب لاستمرار الكفر أو الظلم أو المعصية، والواجب على المسلم كره المعصية والسعي في تطهير الأرض منها، وليس في زيادتها واستمرارها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) إلى آخر الحديث. رواه مسلم (2735)
2- وهو من الاعتداء في الدعاء الذي جاء ذمه في الكتاب والسنة الصحيحة.
يقول الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/55
قال بعضُ السلف في معنى " المعتدين ":
" هم الذي يدعون على المؤمنين فيما لا يحلُّ، فيقولون: اللَّهمَّ اخزِهم، اللَّهمَّ الْعَنْهم " انتهى. "تفسير البغوي" (3/237)
وقال سعيد بن جبير: " لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشَّرِّ: اللَّهمَّ اخْزِه والْعَنه ونحو ذلك، فإنَّ ذلك عدوان " انتهى. "الدر المنثور" (3/475) .
وقال الحسن البصري:
(قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، من غير أن يعتدي عليه) انتهى. "تفسير ابن كثير" (1/572) .
يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (15/22) :
" وعلى هذا فالاعتداء في الدعاء: تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة ... ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله " انتهى.
وانظري جواب السؤال رقم (41017)
3- وفي هذا الدعاء تحجير لرحمة الله، وتضييق لسعة عفوه ومغفرته، فهو سبحانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء، وقد زجر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي الذي دعا بما يشبهه، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا. - يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ -) رواه البخاري (6010)
4- وقد نهى الله تعالى نبيه عن نحو هذه الأدعية التي تتعلق بغواية الكفار وزيادة ضلالهم وعذابهم:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ لْفَجْرِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ) إِلَى قَوْلِهِ (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) رواه البخاري (4069)
فالحاصل من هذه الأدلة أن الدعاء على الظالم بما فيه زيادته في الغي والضلال والمعصية لا يجوز، والأصل هو الدعاء بالهداية لجميع الناس، أو ترك أمرهم وشأنهم إلى الله عز وجل.
قال النووي في "الأذكار" (ص/359) :
" لو دعا مسلمٌ على مسلمٍ فقال: اللهم اسلبه الإيمان؛ عصى بذلك. وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا، حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتوى، أصحهما: لا يكفر. وقد يحتج لهذا بقول الله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا) الآية. وفي هذا الاستدلال نظر وإن قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا ” انتهى.
ويقول الإمام القرافي:
" الدعاء على الظالم له أحوال:
إما بعزله لزوال ظلمه فقط، وهذا حسن.
وثانيها: بذهاب أولاده وهلاك أهله ونحوهم ممن له تعلق به، ولم يحصل منه جناية عليه، وهذا ينهى عنه لأذيته من لم يمُنَّ عليه.
وثالثها: الدعاء بالوقوع في معصيةٍ: كابتلائه بالشرب أو الغيبة أو القذف، فينهى عنه أيضًا؛ لأن إرادة المعصية للغير معصية.
ورابعها: الدعاء عليه بحصول مؤلماتٍ في جسمه أعظم مما يستحقه في عقوبته، فهذا لا يتجه أيضًا، لقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) البقرة/194 " انتهى نقلا عن "الفواكه الدواني" (1/470) .
ثالثا:
قد يشتبه على بعض الناس دليلان، في ظاهرهما الدلالة على جواز الدعاء على الظالم بالإثم والمعصية.
أحدهما: من القرآن الكريم، وذلك في حكاية الله عز وجل عن موسى عليه السلام دعاءه على فرعون وقومه وفيه: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) يونس/88
فالجواب عن هذا بأن يقال إن دعاء موسى جاء بعد علمه بوحي من الله تعالى أن قوم فرعون لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية ومعجزة، وليس فيه الدعاء مطلقا على كل كافر أو ظالم بطمس القلب واليأس من الإيمان والتوبة.
يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/290) :
" (وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ) قال ابن عباس: أي اطبع عليها، (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ) وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضبًا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنه لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء، كما دعا نوح عليه السلام فقال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا) " انتهى.
ويقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (8/375) :
" وقد استشكل بعض الناس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم، وحُكْم الرسل استدعاء إيمان قومهم؟
فالجواب: أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن، دليله قوله لنوح عليه السلام: (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) وعند ذلك قال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) " انتهى.
ويقول الشيخ أحمد النفراوي في "الفواكه الدواني" (1/470) :
" اختلف في جواز الدعاء على المسلم العاصي بسوء الخاتمة.
قال ابن ناجي: أفتى بعض شيوخنا بالجواز، محتجا بدعاء موسى على فرعون بقوله تعالى حكايةً عنه: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ) يونس/88
والصواب عندي أنه لا يجوز، وليس في الآية ما يدل على الجواز؛ لأنه فرق بين الكافر المأيوس من إيمانه كفرعون، وبين المؤمن العاصي المقطوع له بالجنة إما ابتداءً أو بعد عذابٍ " انتهى.
الثاني: حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، في قصة شكاية أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر، وقيام ذلك الرجل في المسجد واتهامه لسعد بتهم عدة قال:
(قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ.
وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ)
رواه البخاري (755)
فظن بعض الناس أن سعدا دعا عليه بالمعصية والإثم، ولكن الصواب أنه دعا عليه بتعرضه للفتن والبلايا والمحن في الدين والدنيا – كما قال: " وعرضه بالفتن " - والفتنة لا تعني المعصية، ولكنها تعني الشدة التي قد توقع في المعصية إن لم يصبر عليها، وهذا ما حصل.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/241) :
" وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه، وليس هو من طلب وقوع المعصية، ولكن من حيث إنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته " انتهى.
ثالثاً:
خيرٌ من ذلك كله: العفو، وترك أمر الظالم له سبحانه وتعالى يوم القيامة، وذلك أنّ من عفا عن حقّه في الدنيا، أخذه وافرًا في الآخرة، وأراح قلبه من شوائب الحقد والغيظ.
قال صلى الله عليه وسلم: (يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ) رواه أحمد (4/158) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (891) .
وفي الختام: نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقك الزوج الصالح، ويسعدك بالأسرة الطيبة، ويفتح عليك من بركاته، ويرزقك خيري الدنيا والآخرة.
وانظري جواب السؤال رقم (71152)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/472)
حكم الاجتماع للدعاء في يوم عرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاجتماع في الدعاء في يوم عرفة سواء كان ذلك في عرفات أو في غيرها؟ وذلك بأن يدعو إنسان من الحجاج الدعاء الوارد في بعض كتب الأدعية المسمى بدعاء يوم عرفة أو غيره، ثم يردد الحجاج ما يقول هذا الإنسان دون أن يقولوا آمين. هذا الدعاء بدعة أم لا؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل للحاج في هذا اليوم العظيم أن يجتهد في الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى ويرفع يديه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء والذكر في هذا اليوم حتى غربت الشمس، وذلك بعد ما صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وادي عرنة , ثم توجه إلى الموقف فوقف هناك عند الصخرات وجبل الدعاء. ويسمى جبل إلال , واجتهد في الدعاء والذكر رافعاً يديه مستقبلاً القبلة وهو على ناقته، وقد شرع الله سبحانه لعباده الدعاء بتضرع وخفية وخشوع لله عز وجل ورغبة ورهبة، وهذا الموطن من أفضل مواطن الدعاء، قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وقال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) ، وفي الصحيحين: قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: رفع الناس أصواتهم بالدعاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) . وقد أثنى الله جل وعلا على زكريا عليه السلام في ذلك. قال تعالى: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) وقال عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) والآيات والأحاديث في الحث على الذكر والدعاء كثيرة، ويشرع في هذا الموطن بوجه خاص الإكثار من الذكر والدعاء بإخلاص وحضور قلب ورغبة ورهبة، ويشرع رفع الصوت به وبالتلبية، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا اليوم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) .
أما الدعاء الجماعي فلا أعلم له أصلاً، والأحوط تركه؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما علمت، لكن لو دعا إنسان في جماعة وأمنوا على دعائه فلا بأس في ذلك، كما في دعاء القنوت ودعاء ختم القرآن الكريم ودعاء الاستسقاء ونحو ذلك.
أما التجمع في يوم عرفة في عرفة أو في غير عرفة فلا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/272) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/473)
حديث اتخاذ العهد عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الحديث قبل أن أنشره؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا؟ قيل: يا رسول الله! وما ذاك؟ قال: يقول عند كل صباح ومساء: " اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك في هذه الحياة بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تباعدني من الخير، وتقربني من الشر، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد " فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعاً، ووضعها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين لهم عند الله عهد؟ فيقوم فيدخل الجنة) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدعاء بما ورد في هذا الحديث لا بأس به ولا حرج، اقتداء بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد صح عنه أنه كان يدعو به، وكلماته جليلة عظيمة لها شواهد من الكتاب والسنة الصحيحة.
غير أن لا يجوز اعتقاد الفضل المذكور في الحديث: أن ملكا يكتبه عنده ويختمه ويحفظه إلى يوم القيامة، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الفضل، بل ولا حتى الدعاء، إنما ورد عن ابن مسعود أنه كان يدعو بكلماته، ولم يرد عنه ذكر ذلك الفضل له، فيجب أن يتنبه إلى الفرق بين الأمرين.
ثانيا:
أما بيان تخريج الحديث ودرجته، فهو كالآتي:
هذا الدعاء جاء عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم:
الأول: عن ابن مسعود رضي الله عنه.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
إِلَّا قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّ عَبْدِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَوْفُوهُ إِيَّاهُ. فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ)
قَالَ سُهَيْلٌ فَأَخْبَرْتُ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَوْنًا أَخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا فِي أَهْلِنَا جَارِيَةٌ إِلَّا وَهِيَ تَقُولُ هَذَا فِي خِدْرِهَا.
هذا الحديث جاء من طريق مرفوعة، وأخرى موقوفة، وهي الأصح.
أما المرفوعة:
فمن طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود به.
رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/412) قال ابن كثير في تفسيره (7/103) : انفرد به الإمام أحمد. قال الهيثمى في "مجمع الزوائد" (10/174) :
" رجاله رجال الصحيح، إلا أن عون بن عبد الله لم يسمع من ابن مسعود " انتهى.
ولذلك ضعفه أيضا محققو المسند (7/32) ، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6/9) .
أما الموقوفة:
فمن طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود به.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/68) وابن أبي حاتم في "التفسير" – كما عزاه إليه ابن كثير في "التفسير" (5/265) ، والسيوطي في "الدر المنثور" (5/542) – ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/186) ، والحاكم في "المستدرك" (2/409) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/271)
إلا أن الحاكم لم يذكر في سنده أبا فاختة وهو سعيد بن علاقة والد ثوير بن أبي فاختة – ويبدو أنه سقط من المطبوع.
قلت: وهذا سند صحيح، ليس في رجاله مطعن، اللهم إلا في المسعودي، فقد أخذ عليه العلماء أنه اختلط في آخر عمره، ولكن نص ابن معين على أن حديثه عن عون بن عبد الله صحيح قبل الاختلاط. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (6/211)
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح.
وأخرجه محمد بن فضيل الضبي في "الدعاء" (رقم/51) موقوفا أيضا من طريق أخرى:
حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ومالك بن مغول، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان يقول: فذكره وفيه (فما قالهن عبد قط إلا كتبن في رق، ثم ختمن بخاتم، حتى يوافيها يوم القيامة، أين أصحاب العهود؟)
قلت: ورواية القاسم بن عبد الرحمن عن جده عبد الله بن مسعود مرسلة، كما في "تهذيب التهذيب" (8/322) ، و"جامع التحصيل" (ص/252)
الثاني: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه:
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ دُعَاءً وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: ُلْ كُلَّ يَوْمٍ حِينَ تُصْبِحُ:
(لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَا شِئْتَ كَانَ وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَلَذَّةَ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِكَ، وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ، مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ، أَوْ أَكْتَسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً أَوْ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ.
اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا، أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنْتَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/191) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/119) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/421) ، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم/47) بلفظ مختصر.
كلهم من طريق أبي بكر ابن أبي مريم، عن ضَمْرَة بْن حَبِيبِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ به.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/697) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (3/489) من الطريق نفسها إلا أنه لم يذكر فيها أبا الدرداء، بل رواه عن زيد بن ثابت مباشرة.
قلت: وهذا السند له علتان:
الأولى: اتفقت كلمة المحدثين على ضعف أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، انظر "تهذيب التهذيب" (12/29) .
الثانية: الانقطاع بين ضمرة بن حبيب - ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/459) وفيها أنه توفي سنة (130 هـ) - وبين أبي الدرداء توفي سنة (32هـ)
ولذلك علق الذهبي على قول الحاكم " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " انتهى.
قال الذهبي في تعليقه: أبو بكر ضعيف فأين الصحة؟
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (5/157) متابعة لأبي بكر ابن أبي مريم، من طريق بكر بن سهل الدمياطي ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت ولم يذكر أبا الدرداء.
إلا أن بكر بن سهل الدمياطي (287هـ) قال فيه النسائي: ضعيف. كما في "سير أعلام النبلاء" (13/426) ، وضمرة بن حبيب (130هـ) عن زيد بن ثابت (45،48هـ) منقطع أيضا.
لذلك ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (397)
الثالث: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من قال في دبر الصلاة بعد ما يسلم هؤلاء الكلمات، كَتَبَهُ مَلَك في رق، فختم بخاتم، ثم رفعها إلى يوم القيامة، فإذا بعث الله العبد من قبره جاءه الملك ومعه الكتاب ينادي: أين أهل العهود؟ حتى يدفع إليه. والكلمات أن تقول:.. فذكر نحو حديث ابن مسعود)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول في أحاديث الرسول" (2/272) من المطبوع، وهو بسنده في المخطوط (ورقة/207) - حيث إن المطبوع خال من الأسانيد -:
قال الترمذي الحكيم: حدثنا عمر بن أبي عمر، قال ثنا عبد الله بن أبي أمية الفزاري، عن أبي علي الرمَاح، عن عمر بن ميمون، عن مقاتل بن حيان، عن الأسود بن هلال، عن أبي بكر الصديق به.
وفي هذا السند عمر بن أبي عمر شيخ الحكيم الترمذي، فقد جاء في "لسان الميزان" (1/31) نقل الحافظ عن الجوزقاني قوله فيه: مجهول، ثم عقب بقول: " عمر معروف، لكنه ضعيف " انتهى.
والواقف على حديثه يرى فيه من المناكير ما يجزم بضعفه ووهنه، ولعله ممن يركب الأسانيد أو يسرقها. كما أن عبد الله بن أبي أمية شيخه لم نجد من يوثقه من أهل العلم.
فالخلاصة أن هذا الدعاء لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من أراد أن يدعو بكلماته من غير اعتقاد فضل خاص لها فلا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الدعاء به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/474)
الدعاء في الصلاة بالزواج من رجل معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أدعو في الصلاة أن أتزوج برجل محدد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى جواز الدعاء في الصلاة بحاجات الدنيا المتنوعة، مما يُحِبُّ المُصلي أن يدعوَ به ويحتاج إليه، كأن يدعو بالزواج أو الرزق أو النجاح وغير ذلك.
واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره: (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ)
رواه البخاري (5876) ومسلم (402)
وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/331) عَنْ الْحَسَنِ والشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا:
" اُدْعُ فِي صَلَاتِك بِمَا بَدَا لَك " انتهى.
وجاء في "المدونة" (1/192) :
" قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ، حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ فِي حَوَائِجِي كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فِي الْمِلْحِ " انتهى.
وخالف في ذلك الحنفية وأكثر الحنابلة، فقالوا بعدم جواز الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة، بل قالوا ببطلان صلاة من دعا بأي شيء من ذلك.
جاء في "الإنصاف" (1/81-82) من كتب الحنابلة:
" الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ , وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ , وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
وَعَنْهُ – أي عن الإمام أحمد - يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ , وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَمَلَّاذِهَا. كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ , وَحُلَّةً خَضْرَاءَ , وَدَابَّةً هِمْلَاجَةً , وَنَحْوَ ذَلِكَ " انتهى.
وجاء في "الفتاوى الهندية (1/100) من كتب الحنفية:
" وَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَيْضًا مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ " انتهى.
وانظر "فتح القدير" (1/319) ، "نصب الراية" (1/558)
وقد أخذوا ذلك عن جماعة من السلف، روى عنهم ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/332) أنهم كانوا يستحبون الدعاء في الفريضة بما في القرآن فقط، بل روى عن عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/265-266) :
" قال الحنفيّة والحنابلة: يسنّ الدّعاء في التّشهّد الأخير بعد الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن، أو بما يشبه ألفاظ السّنّة، ولا يجوز له الدّعاء بما يشبه كلام النّاس، كأن يقول: اللهمّ زوّجني فلانة، أو أعطني كذا من الذّهب والفضّة والمناصب.
وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فذهبوا إلى أنّه: يسنّ الدّعاء بعد التّشهّد وقبل السّلام بخيري الدّين والدّنيا، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرّم أو مستحيل أو معلّق، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته، والأفضل أن يدعو بالمأثور " انتهى.
والصحيح هو قول المالكية والشافعية، وذلك لقوة ما استدلوا به، ولضعف حجة ما استدل به أصحاب القول الآخر.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/454) :
" مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا، وله – أن يقول -: اللهم ارزقني كسبا طيبا، وولدا، ودارا، وجارية حسناء يصفها، و: اللهم خلص فلانا من السجن، وأهلك فلانا، وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا.
وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق.
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن.
واحتج لهم بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم.
وبالقياس على رد السلام وتشميت العاطس.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء)
فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً.
ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية مختلفة، فدل على أنه لا حجر فيه.
وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه) و (أحب إليه) و (ما شاء)
وفى روايه أبى هريرة " ثم يدعو لنفسه ما بدا له " قال النسائي وإسناده صحيح.
وعن أبى هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري ومسلم.
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) وهؤلاء قبائل من العرب.
والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة.
والجواب عن حديثهم: أن الدعاء لا يدخل في كلام الناس.
وعن التشميت ورد السلام أنهما من كلام الناس؛ لأنهما خطاب لآدمي بخلاف الدعاء.
والله تعالى أعلم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) :
" وظاهر كلام المؤلِّف – يعني الإمام موسى الحجاوي من الحنابلة -: أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول: اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه.
لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ.
والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد) ويقول: (أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: (ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا ...
فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى.
والحاصل أنه لا حرج عليك من الدعاء بتيسير الزواج من رجل معين – إذا كان من أهل الصلاح والخير – وإن كان الأولى دائما استعمال جوامع الدعاء وما أُثِرَ عنه صلى الله عليه وسلم، وانظري جواب السؤال رقم (5236) ، (6585) ، (75058)
ثانيا:
ثم نحن - وإن كنا أفتينا لك بجواز دعائك في صلاتك بالزواج من رجل معين - إلا أننا ننصحك – من الناحية النفسية والتربوية – ألا تبالغي في تفكيرك وحرصك على ذلك الموضوع، فالزواج قسمةٌ من الله سبحانه وتعالى، ومن رحمته سبحانه بالخلق أن وسَّع عليهم وأغناهم، فلم يقصُرِ المقسومَ برجل معين، وإنما علقه بمقوِّمات الخلق والدين، فحيث حلَّت هذه المقومات، لزم على المسلم الرضا والقبول.
والمسلم المؤمن بقضاء الله وقدره يؤمن بحكمة الله في أمره وتصريفه، وأنه سبحانه قد يدفع عن العبد السوء الذي سعى إليه وأحبه وكان يدعو به، لعلمه سبحانه أن الخيرَ في غيره، يقول الله تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة/216
وشعار المسلم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة: (وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي) رواه البخاري (1162)
فنرجو ألا يأخذ هذا الموضوع – من عقلك وقلبك - مساحة أكبر مما ينبغي، فكثيرون هم – بحمد الله – أصحاب الخلق والدين، ونسأل الله تعالى يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الرضا بما قسم لك وقدر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/475)
دعاء اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المرات ندعو بهذا الدعاء: اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه، فهل هذا الدعاء جائز أم فيه مخالفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا نرى الدعاء هذا، بل نرى أنه محرم، وأنه أعظم من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت) ؛ وذلك لأن الدعاء مما يرد الله به القضاء، كما جاء في الحديث: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) والله عز وجل يقضي الشيء ثم يجعل له موانع، فيكون قاضيا بالشيء، وقاضيا بأن هذا الرجل يدعو فيرد القضاء، والذي يرد القضاء هو الله عز وجل.
فمثلا: الإنسان المريض، هل يقول: اللهم إني لا أسألك الشفاء، ولكني أسألك أن تهون المرض؟
لا، بل يقول: اللهم إنا نسألك الشفاء، فيجزم بطلب المحبوب إليه، دون أن يقول: يا رب أبق ما أكره لكن الطف بي، هل الله عز وجل إلا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين؟ وهو القادر على أن يرد عنك ما كان أراده أولا بسبب دعائك، فلهذا نحن نرى أن هذه العبارة محرمة، وأن الواجب أن يقول: اللهم إني أسألك أن تعافيني، أن تشفيني، أن ترد علي غائبي، وما أشبه ذلك " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
http://www.ibnothaimeen.com/all/sound/article_17381.shtml
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا الدعاء، فأجابوا:
" هذا الدعاء لا نعلم أنه وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتركه أحسن، وهناك أدعية تغني عنه، مثل: (وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشداً) رواه أحمد وابن ماجه وصاحب المستدرك، وقال: صحيح الإسناد، ومثل ما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء) قال سفيان -وهو أحد رواة الحديث -: (الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي) رواه البخاري.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/291) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/476)
الدعاء للكافر بالهداية وإلا أخذه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء على بعض الظلمة أو الفجرة أو الكفرة بأن الله يهديهم، فإن لم يهدهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ هل هذا الدعاء جائز؟ أو هو من باب التخيير لله عز وجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس هذا تخييراً، وإنما هو طلب الهداية لهم من الله، مع تفويض أمر هدايتهم إلى مشيئته وحكمته، فإن تحقق لهم ذلك فالحمد لله، وإلا كفانا الله شرهم بأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ جزاءً وفاقاً بما ظلموا؛ تطهيراً للأرض من رجسهم، فهو دعاء جائز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/207) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/477)
الدعاء بفناء الكفار من الوجود
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الناس يدعون بهذا الدعاء: اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود، اللهم لا تبق أحداً منهم في الوجود، اللهم أفنهم فناءك عاداً وثمود. فما حكم الدعاء بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" والدعاء بفناء الكفار اعتداء في الدعاء؛ لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/276) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/478)
التأمين خلف دعاء من شريط مسجل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا سمعت شريطاً صدر قبل سنة أو سنتين فيه شيخ يدعو، هل أؤمن على دعائه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الدعاء والتأمين عليه عبادة، والمشروع هو التأمين على دعاء الداعي الحاضر، أما الدعاء المسجل على الأشرطة فلا يشرع التأمين عليه؛ لأنه ليس هناك شخص يدعو له على الحقيقة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/256) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/479)
الدعاء في الصلاة بتيسير الصداقة مع رجل معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الدعاء في الصلاة المفروضة بأمر من أمور الدنيا، مع تحديد هذا الأمر بالاسم، كأن أقول: " اللهم اجعل فلان بن فلان صديقا لي "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة على الصحيح من قولي أهل العلم، وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية وبعض الحنابلة، كأن يسأل الله التوفيق في الدراسة أو الزواج أو يسأله تيسير عمل معين أو شفاء صديق أو قريب أو تيسير صحبة صالحة ونحو ذلك.
والدليل على ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره: (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) رواه البخاري (5876) ومسلم (402) .
جاء في "المدونة" (1/192) :
" قال مالك: ولا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه في المكتوبة، حوائج دنياه وآخرته، في القيام والجلوس والسجود " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (3/454) :
" مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها (يعني: الصلاة) بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا، وله – أن يقول -: اللهم ارزقني كسبا طيبا، وولدا، ودارا، وجارية حسناء يصفها، و: اللهم خلص فلانا من السجن، وأهلك فلانا، وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا.
وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق.
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء)
فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً.
وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه) و (ما أحب) و (ما شاء)
وفى رواية أبى هريرة رضي الله عنه: (ثم يدعو لنفسه ما بدا له) قال النسائي: إسناده صحيح.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري ومسلم.
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) وهؤلاء قبائل من العرب.
والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة " انتهى بتصرف واختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) :
" وظاهر كلام المؤلِّف – يعني: موسى الحجاوي رحمه الله - أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول: اللَّهُمَّ ارزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهمَّ ارزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني سيارة مريحة، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه.
لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ.
والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد) ويقول: (أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: (ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا.
وقد جاء في الحديث عن الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجته كلها حتى شِسْعَ نَعْلِه) وشِسْع النَّعل: يتعلَّق بأمور الدُّنيا.
فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى.
فيجوز أن تدعو في صلاتك المفروضة أو النافلة بتيسير صحبة الإخوان الصالحين، والأصدقاء الخيرين، ولو كان الدعاء بتعيين الأسماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/480)
قصة دعاء يستغيث منه الشيطان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن دعاء يتناقل الآن في المنتديات بعنوان: " دعاء يستغيث منه الشيطان "، وهو ورد في الأثر عن الإمام محمد بن واسع: " أنه كان يدعو الله كل يوم بدعاء خاص، فجاءه شيطان وقال له: يا إمام! أعاهدك أني لن أوسوس لك أبدا، ولن آتيك ولن آمرك بمعصية، ولكن بشرط أن لا تدعو الله بهذا الدعاء، ولا تعلمه لأحد. فقال له الإمام: كلا! سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت. هل تريد معرفه هذا الدعاء؟ كان يدعو فيقول: " اللهم إنك سلطت علينا عدوا عليما بعيوبنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم آيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقَنِّطه منا كما قَنَّطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك وجنتك " فهل يصح هذا الأثر؟ وجزاك الله الجنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في هذه الحكاية جانبان اثنان لا بد من التنبيه عليهما:
أولا:
شرعية كلمات الدعاء المذكورة عن محمد بن واسع رحمه الله، فهي جمل صحيحة المعاني، مستقيمة المقاصد، ليس فيها ما يستنكر ولا ما يستغرب، فالدعاء بتقنيط الشيطان من إغوائك وإضلالك له ما يشهد له، وليس اعتداء في الدعاء، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يصيبه اليأس من العباد في بعض الأزمان والأحيان، فقال:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)
رواه مسلم (2821)
وليس بمستنكر أن يسأل العباد ربهم أن يحقق لهم ذلك ويعصمهم من الشيطان، وهو من جنس الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم، فلا حرج على مَن دَعا به وسأل الله تعالى بما جاء فيه، من غير اعتقاد فضل خاص أو أثر معين لكلماته، بل يعتقد أنها كغيرها من كلمات الدعاء، الصدق والإخلاص فيها هو سبب قبولها، وليس شيئا غير ذلك.
ثانيا:
أما عن وقوع الحادثة المذكورة ومجيء الشيطان إلى محمد بن واسع ومخاطبته بذلك الكلام، فهذا لا نستطيع أن نؤكده، ولا ننفيه أيضا، والسبب أننا لم نجد سند هذه القصة في كتب الأثر والرواية، كما أننا لا نرى في مقصودها شيئا مستنكرا يستحق التكذيب:
فكلمات الدعاء مقبولة شرعا وهي كالاستعاذة، والشيطان يتصاغر عند الاستعاذة بالله، وأشد ما يجده إذا حالت رحمة الله بينه وبين العباد، فقد استكبر هو عنها فلا يريد أن تنال أحدا من الخلق.
أما تفاصيل القصة فلعل الأقرب أنها رؤيا منام، وليست حقيقة واقعة، وإن كان الشيطان يعرض للبشر بصورة رجل، كما عرض لأبي هريرة رضي الله عنه حين وكَّله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ مال الصدقة. رواه البخاري معلقا (3275)
وفي كتب السير كثيرٌ من القصص المشابهة، ولم نر أحدا من أهل العلم يعقب عليها بالتكذيب والنفي. انظر كتاب "سلاح اليقظان لطرد الشيطان" للشيخ عبد العزيز السلمان (ص/15)
ومحمد بن واسع من أئمة العلم والدين، توفي سنة (123هـ) وكان من عباد أهل البصرة وأفضلهم، حتى قال فيه سليمان التيمي: " ما أحد أُحِبُّ أن ألقى الله بمثل صحيفته مثل محمد بن واسع " انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (6/119) ، فلا يستبعد أن الشيطان يئس من إغوائه وإضلاله فجاء يطلب منه الكف عن الدعاء عليه.
ورغم ذلك فالجزم بثبوتها خطأ أيضا، إذ لم نر من ذكرها إلا أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/38) ومِن المعلوم أن كتاب "الإحياء" يحوي الكثير من الأحاديث والآثار والقصص الضعيفة والموضوعة، فلا يُركن إلى نقله.
جاء في "فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (26/129-130) :
" السؤال:
قال محمد بن واسع رحمه الله: كنت أقول صباحا ومساء: " اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا، مطلعا على عوراتنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم , اللهم فآيسه منا كما آيسته من رحمتك , وقنطه منا كما قنطته من عفوك , وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك.
قال محمد بن واسع: فرأيت إبليس في المنام فقال: لا تعلم هذا الدعاء لأحد فقلت: والله لا أمنعه من مسلم!
فما رأي سماحتكم بهذا الدعاء؟ وهل يجوز الدعاء به؟
فأجاب عنه سماحته بتاريخ 18/ 12/ 1414هـ.
محمد بن واسع الأزدي البصري من صغار التابعين، ومن الثقات العباد رحمه الله.. وهذا الدعاء لا بأس به، ولم أقف عليه في ترجمة محمد المذكور في "البداية" لابن كثير.
ويكفي عن ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما قال سبحانه: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأعراف/200، وقال سبحانه: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الشيطان في صلاته وغيرها بقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وربما قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه.. وقد فسر أهل العلم الهمز بالصرع، والنفخ بالكبر، والنفث بالشعر، يعنون بذلك المذموم، والله ولي التوفيق " انتهى.
والخلاصة: أنه لا ينبغي الجزم بثبوت مثل هذه القصة؛ ذا لم ترد مسندة في كتاب، ولم ترد أيضا في كتاب يتحرى الدقة، وإن كان الدعاء لا بأس به، ولا نكارة في معانيه ولا ألفاظه، من غير اعتقاد أن يترتب عليه فضيلة معينة، لا ما جاء في القصة، ولا غيرها من الفضائل، ومن غير أن يتخذ ـ أيضا ـ وردا ثابتا، كالأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/481)
أنواع التوسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع التوسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوسل والوسيلة يراد به أحد أمور أربعة:
أحدها: لايتم الإيمان إلا به، وهو التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله، وهذا هو المراد بقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه وسيلة) سورة المائدة 35 [ويدخل في هذا؛ التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والتوسّل إليه بطاعات عملها المتوسّل يسأل الله بها ونحو ذلك]
والثاني: التوسل إلى الله بطلب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب المؤمنين بعضهم بعضاً أن يدعو لهم؛ فهذا تابع للأول ومرغب فيه.
الثالث:التوسل بجاه المخلوق وذواتهم، مثل قوله: اللهم! إني أتوجه إليك بجاه نبيك أو نحوه؛ فهذا قد أجازه بعض العلماء، ولكنه ضعيف، والصواب الجزم بتحريمه؛ لأنه لا يتوسل إلى الله في الدعاء إلا بأسمائه وصفاته.
الرابع: التوسل في عرف كثير من المتأخرين، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به (والاستغاثة بالأموات والأولياء) ؛ فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة، فتوجيهها لغير الله شرك أكبر. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/482)
صحة حديث: " اللهم فارج الهم وكاشف الغم "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (اللهم فارج الهم، وكاشف الغم، ومجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة مَن سواك) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جاء نص هذا الدعاء في حديثين اثنين:
1- في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(دخل علي أبو بكر، فقال: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء علمنيه؟ قلت: ما هو؟ قال: كان عيسى بن مريم يعلمه أصحابَه قال: لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه: " اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك "
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وكانت علي بقية من الدين، وكنت للدين كارها، فكنت أدعو بذلك، فأتاني الله بفائدة فقضاه الله عني.
قالت عائشة: كان لأسماء بنت عميس علي دينار وثلاثة دراهم، فكانت تدخل علي فأستحيي أن أنظر في وجهها؛ لأني لا أجد ما أقضيها، فكنت أدعو بذلك، فما لبثت إلا يسيرا حتى رزقني الله رزقا، ما هو بصدقة تصدق بها علي، ولا ميراث ورثته، فقضاه الله عني، وقسمت في أهلي قسما حسنا، وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواق ورق، وفضل لنا فضل حسن)
رواه البزار – عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) – وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر الصديق" (رقم/40) والطبراني في "الدعاء" (1/317) ، وابن عدي في "الكامل" (2/203) ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (47/472) ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/696) والبيهقي في "دلائل النبوة" (رقم/2420) وفي "الدعوات الكبير" (رقم/167) وفي مسند الفردوس للديلمي (رقم/1988)
من عدة طريق عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الحكم بن عبد الله الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به.
وقال الحاكم: " وهذا حديث صحيح غير أنهما لم يحتجا بالحكم بن عبد الله الأيلي " انتهى.
والصواب أن الحكم بن عبد الله الأيلي ضعيف الحديث جدا، وكذبه غير واحد من الأئمة، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (2/332) : " كان ابن المبارك شديد الحمل عليه. وقال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب. وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك الحديث.
وقال البخاري: تركوه كان ابن المبارك يوهنه البتة وفي رواية يضعفه. وقال مسلم في "الكنى": منكر الحديث " انتهى باختصار فإن تشنيع العلماء على حديثه كثير.
وبهذا يتبين أن الحديث منكر أو موضوع، خلافا لما ذهب إليه الإمام الحاكم رحمه الله؛ ولهذا وضعفه الإمام المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/57) وذكر له علة أخرى هي عدم سماع القاسم من عائشة، وحكم عليه بالضعف أيضا الإمام السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) ، وحكم عليه الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1143) بالوضع.
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يا علي! ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك: توضأ، وصل ركعتين، واحمد الله، وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك)
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5287) :
" منكر: أخرجه الأصبهاني (2/ 534/ 1278 - ط) عن إسحاق بن الفيض: أخبرنا المضاء: حدثني عبد العزيز عن أنس مرفوعاً.
قلت – الشيخ الألباني -: وهذا إسناد ضعيف مظلم ... " ثم فصل القول في علله رحمه الله، فانظر الموضع المشار إليه من الضعيفة.
والخلاصة أن نص هذا الدعاء لم يرد من طريق صحيح، بل طرقه شديدة الضعف، لذلك حكم عليه العلماء بالوضع وأوردوه في كتب الموضوعات، كما في "تذكرة الموضوعات" للفتني (ص 53) ، "تنزيه الشريعة" (2/333) ، "الفوائد المجموعة" (ص 59، 52) .
ثانيا:
لا حرج في أن يجعل المرء ذلك من دعاء نفسه، أو أن يسأل الله الحاجات بألفاظه، فهي عبارات صحيحة لها شواهد كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، فيها تذلل وتقرب وإظهار خضوع لله رب العالمين، كما فيها توسل بصفات الله تعالى ورحمته التي وسعت كل شيء، فمن دعا به – من غير اعتقاد مزيد فضل له ولا خصوص أجر – يرجى له القبول والاستجابة.
عن عبد الرحمن بن سابط قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعظمهن: اللهم فارج الهم، وكاشف الكرب، ومجيب المضطرين، ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ارحمني اليوم رحمة واسعة تغنيني بها عن رحمة من سواك)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/109) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن سابط، لكن عبد الرحمن هذا ن التابعين، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، كما في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (6/181) ، فيكون حديثه مرسلا، والحديث المرسل يستأنس به في الأذكار والدعاء.
بل إن الدعاء، متى استقام معناه، وصح لفظه، جاز الدعاء به، ولو لم يكن مأثورا أصلا، فباب الدعاء مفتوح لمن يجتهد فيه، وإن كان الدعاء المأثور الثابت أعظم بركة، وأسد معنى، وأبعد عن التكلف والعدوان في الدعاء.
وانظر في موقعنا جواب السؤال رقم (70295) ، (84030)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/483)
لا تجزع من عدم إجابة الدعاء!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل فضيلتكم سؤالاً، وأرجو أن يتسع صدركم لي، أنا مسلم عادي، لا أنا بعظيم الإيمان، ولا بضعيف الإيمان , فأنا أؤدي الفرائض مع بعض التقصير- أرجو الله أن يسامحني عليه - وأدرك اليسير من السنن، وأؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره , منذ حوالي سبع سنين أصابني همٌّ عظيم بسبب مصيبة ما - لا أشغل فضيلتكم بها - وأصدقكم القول أني في البداية جزعت، وأصابني اليأس والإحباط، ولكن بعد عام تقريباً هداني الله , وأعلمني أهل الخير أن ذلك فيه الخير بأمر الله، وأخبروني إما أن تكون المصيبة بذنب ارتكبته، أو ابتلاء من الله , ونصحوني بالدعاء والاستغفار , وأن أسأل الله من فضله , وأن أتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأن أكثر من عمل الخير , وبإذن الله لن يردَّ سؤالي، فإن الله يستحيي من ذلك , وها أنا ذا قمت بكل هذا، لا أقول على وجه الكمال، ولكن على قدر استطاعتي، فأكثرتُ من الدعاء، وأعمال الخير، وتبت إلى الله توبة نصوحاً من جميع الذنوب، وسألت الله أن يفرج كربي، ويزيل همي , وقد استخرت الله في القيام ببعض الأمور في حياتي لكي أعيد تصحيح الأوضاع , ولكن بعد القيام بكل هذه الأمور ما ازددت إلا همّاً وغمّاً، فزادت المصائب، وكثرت الأحزان، وفشلت كل خطواتي التي استخرت الله فيها، بل وألحقت بي الأذى , وغلقت كل الأبواب في وجهي , حاشا لله أن أكون أشكو الله لفضيلتكم إنما أشكو بثي وحزني إلى الله , ولكنى أريد أن أعرف لماذا لا يستجيب الله لي؟ ولماذا لا أوفق في أي أمر من أمور الدنيا - رغم أني آخذ بالأسباب، وأتوكل على الله، ولا أقوم بشيء إلا وقبله الاستخارة , فالله يوفق الكافر في دنياه الذي يأخذ بالأسباب , ولا آكل الحرام، ولا أضمر الشرَّ لأحدٍ وأدعو للجميع بالتوفيق -؟ وقد سمعت من أحد المشايخ وهو يحكي قصه فرعون أن الله قال لموسى: " وعزتي وجلالي لو استنجد بي لنجدته "، وبدأت بعض الأسئلة تدور في نفسي، هل أنا أهون عند الله من فرعون رغم أني لم أرتكب ذنوبه؟ وإذا لم أكن كذلك لماذا يبتليني الله بهذا الابتلاء رغم أني لست بعظيم الإيمان؟ وإذا كان السبب هو الذنوب فإني تبت من جميع الذنوب، وأكثرت الدعاء، وإن كان الله يريد أن يرفع به درجاتي في الجنة فكيف ذلك والله يعلم أني ليس لي طاقة بهذا البلاء؟ . أسئلة كثيرة تدور في رأسي , أتعبتني وأرهقتني ولم أجد لها إجابة , والحقيقة لقد بدأت عزيمتي تفتر، وقوة إيماني تضعف، وضاقت نفسي بالدنيا، ولم أعد أقوى على تحمل هذه الكوارث , فقد طالت المدة، وأصابني اليأس الشديد، وتسرب الشك إلى قلبي , ولولا أن الله حرم قتل النفس لكنت فعلت وأرحت نفسي، معذرة أني أطلت على فضيلتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يقبل توبتك، ويغفر حوبتك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
ثانياً:
لا شك – أخي الفاضل – أن ثمة خللاً في تصورك لمسائل الدعاء والإجابة والابتلاء، وما تعاني منه طبيعي إن كنتَ على غير بصيرة في تلك المسائل وغيرها مما يتعلق بها، ونحن شعرنا معك برسالتك، وأحسسنا بآلامك، فنرجو منك التنبه لما سنبينه لك، والعمل به، فنحن رأينا في رسالتك من الاستعداد للقبول ما شجعنا على أن نرد عليك، ونوجهك لما فيه الخير لك دنيا وأخرى.
ثالثاً:
يتصور كثير من الناس أنه بمجرد أن يعلن توبته وإنابته لربه تعالى، أنه سينتقل مباشرة إلى النعيم، فيرتفع عنه البلاء، وتأتيه الأموال، ويعيش في رغد من العيش! وكل ذلك غير لازم البتة، بل إنه ثمة اختبار وابتلاء لتوبة هذا العبد، هل هي صادقة أم لا، وهل هي لله أم ليست له، وكل ذلك سيجعله في ابتلاء جديد؛ بل إن مختصر هذه الحياة وحكمتها: أنها تجربة ابتلاء واختبار. قال الله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2) ؛ فإذا فهم هذه الحقيقة، فهو حري أن يسلم له قلبه، وإن لم تسلم له جوارحه، وظاهر عيشه، أما بدون وعي ذلك والتنبه إليه، فهو حري ألا يسلم له قلبه، حتى وإن سلمت جوارحه؛ ومن هنا جاء عن بعض السلف قولهم " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف " وأي نعيم يقصد أولئك العظام؟ إنه نعيم القلب، يقينه بربه تعالى، وفرحه بطاعته، وسعادته بالتقرب إليه، ولو عاش في ضيق من الدنيا، وهذا هو مقياس الحياة الطيبة، كما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم حين قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
فمَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقاً حلالاً طيِّباً من حيث لا يحتسب، (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) في الآخرة (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) من أصناف اللذات مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيؤتيه الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة. " تفسير السعدي " (ص 448) .
وأما الآخرون من الكفار والعصاة: فاسمع لقول الله تعالى في حقيقة حالهم حين قال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/ 124.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى: فهو في قلق وحيرة، وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة.
" تفسير ابن كثير " (5 / 322، 323) .
فهل من الحكمة في شيء، أو من العقل الصريح أن تترك ما فتح الله تعالى لك من أبواب العبودية، وشرفك به من الإيمان به، لأجل اغترارك بحال أهل الكفر من السعة في الدنيا والرزق: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ)
ثم أنت تترك البينات الواضحات في كتاب الله وسنة رسوله في شأن الدعاء، وعظم قدره، وأسباب إجابته، وتعلق حالك بمثل هذا الخبر: " وعزتي وجلالي لو استنجد بي لنجدته " ـ الذي يشبه كلام القصاص وأخبار بني إسرائيل.
وهب أنه صحيح ثابث، هل مجرد حصول مطلوب العبد من الدنيا، وسعة عيشه، ووفور رزقه، علامة على قبوله عند ربه.
قال الله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) الآيات، سورة الفجر.
وهب ـ أيضا ـ أن هذا الرزق إنما أتاه بعد دعاء دعاه؛ أفيدل هذا ـ يا عبد الله ـ على أن هذا العبد مقبول مرضي الحال عند مولاه؟!!
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس: 22-23)
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" عرفوا أنه الهلاك، فانقطع حينئذ تعلقهم بالمخلوقين، وعرفوا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا الله وحده، فدَعَوُه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ووعدوا من أنفسهم على وجه الإلزام، فقالوا: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء، وما ألزموه أنفسهم، فأشركوا بالله، من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد، ولا يدفع عنهم المضايق، فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء، كما أخلصوها في الشدة؟!!
ولكن هذا البغي يعود وباله عليهم، ولهذا قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: غاية ما تؤملون ببغيكم، وشرودكم عن الإخلاص لله، أن تنالوا شيئًا من حطام الدنيا وجاهها النزر اليسير الذي سينقضي سريعًا، ويمضي جميعًا، ثم تنتقلون عنه بالرغم؛ {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ} في يوم القيامة {فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم " انتهى، تفسير السعدي (361) .
وتأمل معي قول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) الإسراء: 18-21
لتعلم ـ يا عبد الله ـ أن القضية ليست بالحساب الذي تظنه: من نال حظه، أو أجيب دعاؤه فهو أفضل، ومن لم ينل فهو أقل وأرذل!! كلا، ليست المسألة هكذا.
رابعاً:
ويخطئ كثير من الناس في مسألة الدعاء من وجوه كثيرة، ويهمنا في سؤالك أخي الفاضل أن ننبهك على خطئين اثنين:
الأول: ظنك أن الدعاء يستجاب بمجرد أن تدعو، وهو خطأ؛ إذ للدعاء شروط لاستجابته، وموانع تمنع من استجابته.
وانظر تفصيل ذلك بتمامه وكماله في جواب السؤال رقم (5113) .
وفي ذلك التفصيل بيان مانع من موانع الاستجابة عندك، وهو تعجل الإجابة، وااستحسار بعده.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) رواه مسلم (2735) .
والثاني: ظنك أن الاستجابة نوع واحد وهي تحقيق المطلوب في الدعاء من مال أو ولد أو وظيفة، أو غير ذلك، وهو خطأ؛ إذ الاستجابة ثلاثة أنواع، فهي إما أن تكون بتحقيق المطلوب في الدعاء، أو أن يصرف عنه من السوء والشر بقدر دعائه، أو يدَّخر ذلك له أجراً وثواباً يوم القيامة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) .
رواه أحمد (10749) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب (1633) .
خامساً:
تقصير المسلم في طاعته وعبادته ينبغي أن يُشعره بأنه ليس أهلاً لإجابة دعائه، ولعل ذلك أن يدفعه لأن يعمل بطاعة الله أكثر، ويزداد تقرباً إليه عز وجل، فإذا اعتقد الداعي أنه جاء بما يحب الله ويرضى عنه، وأنه أهلٌ للإجابة ولَّد ذلك عنده سوء ظنٍّ بربه تعالى! وولَّد عنده شعور بالإحباط، واليأس، حتى إنه ليود التخلص من الحياة بالانتحار! وكل ذلك – وللأسف – رأيناه – أخي الفاضل – في كلامك.
وهذا بخلاف من علم تقصيره في جانب ربه تعالى، فإن مثل هذا يتولد عنده سوء ظنٍّ بنفسه لا بربه عز وجل، ويدفعه ذلك للابتعاد عن المنهيات، والإتيان بالواجبات، ويأخذ بالورع، ويترك التوسع بالمباحات التي قد تلهيه عن طاعة ربه تعالى.
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى -:
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " بالورع عما حرَّم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح "، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: " يكفي مع البِرِّ من الدعاء، مثل ما يكفي الطعام من الملح "، وقال محمد بن واسع: " يكفي من الدعاء مع الورع اليسير " …
وقال بعض السلف: " لا تستبطئ الإجابة وقد سددتَ طرقها بالمعاصي "، وأخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال:
نحن ندعو الإله في كل كرب ... ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء ... قد سددنا طريقها بالذنوب
" جامع العلوم والحكم " (1 / 107، 108) .
وقال القرطبي – رحمه الله -:
وقيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟
قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.
" تفسير القرطبي " (2 / 312) .
وتأمل ـ أخي الكريم ـ هذا الفصل البديع من كلام ابن الجوزي في هذه المسألة، قال رحمه الله:
" رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة ولا يرى أثرا للإجابة؛ فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر!!
وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب؛ ولقد عرض لي من هذا الجنس؛ فإنه نزلت بي نازلة فدعوت فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده، فتارة يقول: الكرم واسع، والبخل معدوم، فما فائدة التأخير؟!!
فقلت له: اخسأ يا لعين، فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلا!!
ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياكِ ومساكنةَ وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو، لكفي في الحكمة.
قالت: فسلِّني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة!!
فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء؛ فلا وجه للاعتراض عليه.
والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيتِ الشيء مصلحةً، والحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر، يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.
والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) .
الرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيكِ؛ فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك، في منع حاجتك، لذنبٍ ما صدقتِ في التوبة منه.
فابحثي [يا نفس] عن بعض هذه الأسباب لعلك تقعين بالمقصود ...
والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب؛ فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخيرٌ عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح!!
وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أُسرت، وإن أُسرت تنصرت!!
والسادس: أنه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجْء [أي: اللجوء إلى الله] ، وحصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول، وهذا الظاهر؛ بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجء ... وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك!!
وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك؛ من رفع خلل، أو اعتذار من زلل، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب!! " انتهى.
صيد الخاطر (59-60) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/484)
الدعاء المطلق لا يشترط فيه الورود في السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد الجهلة يدعو ومما قال في دعائه: " رب لا تكلني إلى أحد، وتحوجني إلى أحد، واغنني عن كل أحد، يا من له المستند، وعليه المعتمد، هو الواحد الفرد الصمد، لا شريك له ولا ولد. اللهم ردني من الضلال إلى الرشد، وجنبني من كل خطيئة ونكد " فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن تفرق – أخي السائل – بين نوعين من الدعاء:
النوع الأول: الدعاء المُقَيَّد: نعني به المرتبط بزمان أو مكان أو عبادة، أو جاء الشرع بتقييده بعدد أو فضيلة ونحو ذلك من القيود، كالأدعية الواردة في استفتاح الصلاة، وأذكار الصباح والمساء، وأدعية النوم، والطعام، ونحوها.
فهذا النوع يجب التقيُّدُ فيه بما جاء في الشرع الحكيم، من غير زيادة ولا نقصان، ولا يجوز ابتداع شيء من الأدعية لتحل محل ما ورد في السنة.
وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب رضي الله عنه حين قال له:
(إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.
فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ.
قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ. قَالَ: " لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ")
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
يقول العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه "العبادة" (ص/524) :
" وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟! " انتهى.
أما النوع الثاني: فهو الدعاء المطلق: وهو سؤال الله الحاجات العامة والخاصة، والتوجه إليه سبحانه بما يحتاجه المرء وما يريده، كالدعاء في السجود، وفي ثلث الليل الآخر، وفي يوم عرفة ونحوه.
فمثل هذه الأدعية لا يُشترط فيها الثبوت ولا الورود، بل يكفي أن تكون كلماتُ الدعاء كلماتٍ شرعيةً صحيحةً، ليس فيها تعدٍّ ولا تجاوز، وليس فيها دعاء بإثم أو قطيعة رحم.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/203-204) :
" باب الأدعية واسع، فليدع العبد ربه بما يحتاجه مما لا إثم فيه.
أما الأدعية والأذكار المأثورة: فالأصل فيها التوقيف من جهة الصيغة والعدد، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك، ويحافظ عليه، فلا يزيد في العدد المحدد، ولا في الصيغة، ولا ينقص من ذلك ولا يحرف فيه " انتهى.
وفيها أيضا (24/275) :
" الأدعية الواردة في الكتاب والسنة هي التي يشرع التزامها والعناية بها وحفظها ونشرها، أما غيرها من الأدعية التي ينشئها سائر الناس فليست كذلك؛ لأن أحسن أحوالها كونها مباحة، وقد تحتوي على عبارات موهمة، أو غير صحيحة " انتهى باختصار.
والذي يظهر أن الدعاء الوارد في السؤال هو من الدعاء المطلق، وبالنظر في كلماته وجمله يظهر أيضا أنه دعاء جائز لا حرج فيه، ولا يظهر لنا فيه مخالفة شرعية، بل كلماته سليمة صحيحة، فلا ينبغي لك إنكاره ولا وسم الداعي به بالجهل.
وانظر جواب السؤال رقم (21561) ، (75058)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/485)
الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً.
ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين:
الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء.
فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان.
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى.
ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ ابن الصلاح:
" لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) .
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) :
" وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى.
وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له"
"الفتوحات الربانية" (2/27-29)
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) :
" بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى.
وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) :
" هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى.
ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال.
لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) .
وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال.
وانظر جواب السؤال رقم (45730) .
وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء.
ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك.
فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265)
فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/486)
دعاء اللهم إني أسألك الثبات على الرشد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن استفسر عن صحة مقولة للشيخ بن عثيمين في الدعاء (اللهم إني أسألك الأنس بقربك) قال فيها بن عثيمين يتحقق فيها للمؤمن أربع: عز من غير عشيرة، وعلم من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنس من غير جماعة. ـ هل هذا القول صحيح؟ خاصة وأنها انتشرت بين الناس. وبالنسبة لدعاء (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلباً سليماً ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم) هل هذا الدعاء من الأدعية النبوية؟ وهل صحيح أن بن اباز رحمه الله قال فيه إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هذا الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم نقف على ما ذكرت من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ولم نقف على هذا الدعاء: (اللهم إني أسألك الأنس بقربك) في شيء من كتب السنة. ولا وجدناه منقولاً عن أحد من السلف، ولهذا يبعد صدور هذا الكلام عن الشيخ رحمه الله.
وقد علم من حاله اقتفاء أثر السلف وتعظيم الأدعية الثابتة، وعدم الجزم بمثل هذه الفضائل إلا بدليل، لا سيما وقد يروج لهذا الدعاء من يزهّد الناس في طلب العلم، ويزعم أنه تلقى العلم من الله مباشرة، كما يقول أحدهم: حدثني قلبي عن ربي!
وقد جاءت النصوص بالحث على طلب العلم والترغيب فيه بل الإخبار بأنه فريضة على كل مسلم.
وقد سألنا الشيخ الدكتور سامي الصقير حفظه الله – وهو من كبار طلاب الشيخ رحمه الله الملازمين له- فقال: إن هذا كذب على الشيخ.
ثانيا:
دعاء: (اللهم إني أسالك الثبات في الأمر ... ) من الأدعية النبوية الثابتة، فقد روى أحمد (17155) والترمذي (3407) والنسائي (1304) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَقَلْبًا سَلِيمًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) والحديث صححه الألباني في السلسة الصحيحة رقم 3228 وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وهو عند أحمد بلفظ: (إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ: الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ... )
فهذه الجملة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله.
وقَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ) أَيْ الدَّوَامَ عَلَى الدِّينِ وَلُزُومَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ.
(وَأَسْأَلُك عَزِيمَةَ الرُّشْدِ) هِيَ الْجِدُّ فِي الْأَمْرِ بِحَيْثُ يُنْجَزُ كُلُّ مَا هُوَ رُشْدٌ مِنْ أُمُورِهِ , وَالرُّشْدُ هُوَ الصَّلَاحُ وَالْفَلَاحُ وَالصَّوَابُ , وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ. أَيْ: عَقْدَ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ الْأَمْرِ
(وَأَسْأَلُك شُكْرَ نِعْمَتِك) أَيْ التَّوفيقَ لِشُكْرِ إِنْعَامِك.
(وَحُسْنَ عِبَادَتِك) أَيْ إِيقَاعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ الْمَرَضِيِّ
(وَأَسْأَلُك لِسَانًا صَادِقًا) أَيْ مَحْفُوظًا مِنْ الْكَذِبِ (وَقَلْبًا سَلِيمًا) أَيْ عَنْ عَقَائِدَ فَاسِدَةٍ وَعَنْ الشَّهَوَاتِ.
(أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ) أَيْ مَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَلَا أَعْلَمُهُ أَنَا.
وهذا سؤال جامع للاستعاذة من كل شر، وطلب كل خير، وختم هذا الدعاء الذي هو من جوامع الكلم بالاستغفار الذي عليه المعول والمدار، فقال: وَأَسْتَغْفِرُك مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/487)
سؤال الله جمال الصورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أتمنى من الله القادر على كل شيء سبحانه أن يرزقني جمال الوجه إذا كنت بأمس الحاجة إليه، وهل يتحقق هذا الشيء في الدنيا، فقد يقول بعض الناس إننا لسنا في زمن المعجزات، لكنني أقول إن الله على كل شيء قدير في كل زمان ومكان. فهل يجوز - إن شاء الله - هذا الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجمال نعمة من الله تعالى، تبدأ بباطن نقي السريرة مع الله عز وجل، فيظهر نقاؤه وصفاؤه على صفحة النفس البشرية فتكسبها بهاءً وتكسوها جلالا عميقا وسرًّا بديعا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم (2564)
يقول ابن القيم في "روضة المحبين" (221-223) :
" اعلم أن الجمال ينقسم قسمين: ظاهر، وباطن:
فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده، وموضع محبته، وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال، فتكسو صاحبَها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحُه من تلك الصفات، فإن المؤمن يُعطَى مهابةً وحلاوةً بحسب إيمانه، فمن رآه هابه، ومن خالطه أحبه، وهذا أمر مشهود بالعيان، فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة، وإن كان أسود أو غير جميل، ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل، فإنها تُنَوِّرُ الوجه وتحسنه.
ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسنُ من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه، وأما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض، وهي من زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) فاطر/1 قالوا: هو الصوت الحسن والصورة الحسنة.
وكما أن الجمال الباطن من أعظم نعم الله تعالى على عبده، فالجمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده، يوجب شكرا، فَإِنْ شَكَرَهُ بتقواه وصيانتِه ازداد جمالا على جماله، وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه قَلَبَه له شيئا ظاهرا في الدنيا قبل الآخرة، فتعود تلك المحاسن وَحشةً وقُبحا وشَيْنا، وينفر عنه من رآه، فكل من لم يتق الله عز وجل في حسنه وجماله انقلب قبحا وشَيْنا يشينُه به بين الناس، فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره، وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وهذا الحسن والجمال الذي يكون عن الأعمال الصالحة في القلب يسري إلى الوجه، والقبح والشين الذي يكون عن الأعمال الفاسدة في القلب يسري إلى الوجه..، ثم إن ذلك يقوى بقوة الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة؛ فكلما كثر البر والتقوى قوى الحسن والجمال، وكلما قوى الإثم والعدوان قوى القبح والشين، حتى ينسخ ذلك ما كان للصورة من حسن وقبح؛ فكم ممن لم تكن صورته حسنة، ولكن [له] من الأعمال الصالحة ما عظم به جماله وبهاؤه حتى ظهر ذلك على صورته.
ولهذا يظهر ذلك ظهورا بينا عند الإصرار على القبائح في آخر العمر عند قرب الموت، فنرى وجوه أهل السنة والطاعة كلما كبروا ازداد حسنها وبهاؤها، حتى يكون أحدهم في كبره أحسن وأجمل منه في صغره، ونجد وجوه أهل البدعة والمعصية كلما كبروا عظم قبحها وشينها؛ حتى لا يستطيع النظر إليها من كان منبهرا بها في حال الصغر لجمال صورتها، وهذا ظاهر لكل أحد فيمن يعظم بدعته وفجوره، مثل الرافضة وأهل المظالم والفواحش من الترك ونحوهم، فإن الرافضي كلما كبر قبح وجهه وعظم شينه حتى يقوى شبهه بالخنزير، وربما مسخ خنزيرا وقردا، كما قد تواتر ذلك عنهم. ونجد المردان من الترك ونحوهم قد يكون أحدهم في صغره من أحسن الناس صورة، ثم إن الذين يكثرون الفاحشة تجدهم في الكبر أقبح الناس وجوها.. " انتهى. الاستقامة (1/364-366) .
ثانيا:
إذا كنت ممن تشغله الصورة الظاهرة ـ يا عبد الله ـ فاعلم أن الله تعالى كرّم بني آدم، وصورهم في أحسن صورة، من بين ما حولهم من المخلوقات.
قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) غافر: 64
وقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم، كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه، فانظر إليه، عضوًا عضوًا، هل تجد عضوًا من أعضائه، يليق به، ويصلح أن يكون في غير محله؟ وانظر أيضًا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض، هل تجد ذلك في غير الآدمين؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان، والمحبة والمعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور. " انتهى، تفسير السعدي (741) .
ثالثا:
إن كنت ترى أنك لم تُرزق حظا من الجمال والوسامة، وتأذيت لدمامة منظرك، وسوء حالك؛ فاعلم ـ يا عبد الله ـ أن كل خلق الله حسن، وكل تقديره لعبده المؤمن خير؛ وهاتان نقطتان مهمتان، نرجو ألا تهملهما وألا تنساهما طرفة عين.
وهذان حديثان يرشدانك إلى ما قلنا في هاتين القاعدتين المهمتين من قواعد الإيمان بقضاء الله وقدره، ومعاملته سبحانه، والسلوك إليه.
أما الأول: فعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
وأما الثاني: عن عَمْرو بْن الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ حَتَّى هَرْوَلَ فِي أَثَرِهِ، حَتَّى أَخَذَ ثَوْبَهُ، فَقَالَ: (ارْفَعْ إِزَارَكَ) .
قَالَ: فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْنَفُ وَتَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ!!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ) .
قَالَ: وَلَمْ يُرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَّا وَإِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ حَتَّى مَاتَ!!
رواه أحمد (18978) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1441) .
قال الأصمعي رحمه الله: " الحَنَف: إقبال القدم بأصابعها على الأخرى، هذه على هذه، وهذه على هذه ". اهـ غريب الحديث للحربي (1/436) .
فتأمل يا عبد الله، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قوم لهذا الصحابي ما وقع في نفسه من الحياء، أو التأذي من منظر قدميه، بما حمله على إطالة إزاره، ليغطي ما به من العلة والعيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه: " كل خلق الله حسن "؛ فمهما أصابك من شيء، أو ألم بك من داء أو عيب، فاعلم أن خلق الله كله حسن، رغم كل ذلك.
فإن استعصت عليك نفسك، وتأبت إلا النظر إلى ما أصابها من داء وعلة، وأبت إلا أن تنظر إلى من هو أحسن صورة منها، وأجمل منظرا مما قسم لك، فذكرها ـ دائما، يا عبد الله ـ بما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ)
رواه البخاري (6490) ومسلم (2963) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قَوْله (فِي الْمَال وَالْخَلْقِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ الصُّورَةِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَوْلَادُ وَالْأَتْبَاعُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..
قَالَ اِبْن بَطَّال: هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِمَعَانِي الْخَيْرِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُون بِحَالٍ تَتَعَلَّق بِالدِّينِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ مُجْتَهِدًا فِيهَا إِلَّا وَجَدَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ , فَمَتَى طَلَبَتْ نَفْسُهُ اللَّحَاقَ بِهِ اِسْتَقْصَرَ حَالَهُ فَيَكُون أَبَدًا فِي زِيَادَةٍ تُقَرِّبُهُ مِنْ رَبّه , وَلَا يَكُون عَلَى حَال خَسِيسَةٍ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَجَدَ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ أَخَسُّ حَالًا مِنْهُ. فَإِذَا تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَصَلَتْ إِلَيْهِ دُونَ كَثِيرٍ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ , فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الشُّكْرَ , فَيَعْظُمُ اِغْتِبَاطُهُ بِذَلِكَ فِي مَعَادِهِ " انتهى.
رابعا:
أما إذا كنت تسأل الله تعالى جمال الوجه، تريد بذلك أن يقلب الله صورتك فيتغير أصل خلقة وجهك إلى وجه آخر حسن جميل، فهذا دعاء فاسد، لا يجوز للعبد أن يدعو به ولا بأي دعاء نحوه، فهو من الاعتداء في الدعاء الذي جاء النهي عنه في قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (الأعراف/55 وفي حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ)
رواه أبو داود (96) وصححه ابن حجر في "التلخيص" (1/144) والألباني في "صحيح أبي داود"
يقول قتادة رحمه الله: " اعلموا أن في بعض الدعاء اعتداء " انتهى.
وقال الربيع رحمه الله: " إياك أن تسأل ربك أمرا قد نُهيت عنه، أو ما ينبغي لك " انتهى.
انظر تفسير الطبري (5/207)
ووجه كون هذا القصد من الدعاء اعتداءً أن الله تعالى خلق الدنيا وركَّب فيها من سننه ما لا يقبل التبديل ولا التغيير – إلا في معجزات الرسل -، فخلق الشمس وجعلها سراجا، وخلق الأرض وجعلها مهادا، وأنزل من السماء ماء، وقدر للقمر منازل ومراحل، وأعطى كل شيء خلقه ورِزقه وصورتَه التي صوره بها، وهذه كلها أمور لا تتغير ولا تتبدل، لأنها من السنن الكونية التي قال الله تعالى فيها: (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الروم/30
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (640) :
" أي: لا أحد يبدل خلق الله فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وُضِعَه " انتهى.
فكل من دعا بتغيير شيء من سنن الله الكونية اللازمة الواقعة فقد سأل ما لم يكن الرب ليفعله سبحانه، لا لعجزه، بل لأنه أراد ألا تتغير هذه السنن إذا وقعت، وأنت بسؤالك الله تحويل صورتك تحويلا تاما إنما تسأل نقيض ما أراد، وهذا من الاعتداء.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (1/130) :
" وقد قال تعالى:) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (الأعراف/55 - في الدعاء - ومن الاعتداء في الدعاء أنْ يسأل العبدُ ما لم يكن الربُّ ليفعله، مثل: أنْ يسأله منازلَ الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك، أو يسأله ما فيه معصية لله، كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان " انتهى.
وقال رحمه الله (15/22) :
" وعلى هذا فالاعتداء في الدعاء:
تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات.
وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل: أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (41017) .
وأما إذا كنت تريد بذلك نوعا من الحسن في وجهك أكثر مما عندك، كالذي يطلبه الناس في "عمليات التجميل ": فيُخشى من مثل ذلك الدعاء أن يكون ـ أيضا ـ من الاعتداء في الدعاء الذي ذكرنا حكمه، فما زال في الناس من يحتاج إلى ذلك، وقد كان غير واحد من الصحابة معروفين به، ولم يؤثر عن أحد من السلف الدعاء بمثل هذا، ولم تجر العادة بحصوله؛ اللهم إلا أن يكون ذلك من إلقاء البهاء عليه، والمحبة له، كالذي يحصل لأهل الصلاح، كما ذكره شيخ الإسلام فيما سبق، وأما أن يتغير شكل أنفه، أو لون عينيه..، أو ما إلى ذلك، فهو مما لم تجر العادة بحصوله، ولا الدعاء به، فأقل ما يقال فيه: إنه ينبغي تركه، والاشتغال بما هو أولى بالعبد من تحسين صورته الباطنة بالإيمان والعمل الصالح، ولعل الحاجة التي
دعتك إلى ذلك، وتظن أنها لا تحصل إلا بهذا التغيير، تحصل لك، هي أو ما هو أفضل منها أضعافا مضاعفة، تحصل لك بما هو أيسر من ذلك من الإقبال على الله، وتعلق القلب به.
قال الله جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) مريم/96.
قال قتادة رحمه الله:
" إي والله، في قلوب أهل الإيمان، ذُكر لنا أن هَرِم بن حَيَّان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم..
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: ما من عبد يعمل خيرًا أو شرًّا، إلا كساه الله عز وجل رداء عمله ". انتهى. "تفسير ابن كثير" (5/269) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ.
وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ) .
رواه البخاري (3209) ومسلم (2637) واللفظ له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/488)
حكم الدعاء على الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستجاب دعوة الوالد على ولده إذا كان الوالد على خطأ والولد على صواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تستجاب دعوتهما ما دام أن الولد على حق والوالد على خطأ، فإن الله لا يستجيب دعوته، فإن العقوق من الولد لوالديه إذا كان لم يقم بواجبهما أو قصر في حقوقهما، أما مجرد أن الأب يأمر ولده أو ينهاه فيما لا مصلحة فيه، هذا لا يلزم الولد قبوله، كما لو قال الأب لابنه: طلق زوجتك بدون سبب فلا يلزم الابن ذلك استجابة لطلب أبيه أو أمه، فامتناعه عن هذا لا يسمى عقوقاً، ولو دعوا عليه فإنه لا يأثم ولا حرج إن شاء الله والله أعلم.
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص 30
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/489)
حكم الدعاء بغير العربية في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن ندعو بغير العربية في الصلاة بعد التشهد والدعاء موجود في السنة؟ هل يمكن أن ندعو بدعاء يوجد في القرآن ولا يوجد في السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان المصلي يُحسن الدعاء باللغة العربية فلا يجوز له الدعاء بغيرها.
لكن إن كان المصلِّي عاجزاً عن الدعاء بالعربية: فلا مانع من الدعاء بلغته، على أن يتعلم اللغة العربية أثناء ذلك.
وأما الدعاء بغير العربية خارج الصلاة: فلا بأس به، ولا حرج فيه لاسيما إذا كان حضور قلب الداعي فيه أعظم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه، فإنَّه يعلم ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تنوع الحاجات ...
" مجموع الفتاوى " (22 / 488 – 489) .
وانظر الجواب على السؤالين: (3471) و (11588) .
ثانياً:
لا مانع من الدعاء بالأدعية الواردة في القرآن حتى لو لم ترد في السنَّة، وفي كلٍّ خير وهدى ورشاد، وأكثر دعاء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام عرفناه من القرآن، ولا شك أن أدعيتهم – عليهم الصلاة والسلام – أبلغ الأدعية وأعظمها معانٍ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وينبغي للخلق أنْ يدْعوا بالأدعية الشرعيَّة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحُسنه وأنَّه الصراط المستقيم، وقد ذكر علماءُ الإسلام وأئمَّة الدين الأدعيةَ الشرعيَّة، وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك.
" مجموع الفتاوى " (1 / 346 و 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/490)
الدعاء الذي أنقذ الصحابي من اللص، وفيه (يا ودود! يا ذا العرش المجيد!)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أتبين درجة هذه الأحاديث؛ لأنها تصلني على البريد الإلكتروني ولا أعلم صحتها: اقرأه 3 مرات والله يستجيب بإذن الله: (يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء المذكور ورد في حديث له قصة مشهورة منتشرة في المنتديات، لعل من المناسب ذكرها حتى يتبين أمرها:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى (أبا معلق) ، وكان تاجراً يتجر بماله ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي! شأنك بالمال، فقال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أمَّا إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات؟ قال: صلِّ ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلَّى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: (يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعَّال لما يريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شرَّ هذا اللص، يا مغيث أغثني! ثلاث مرار) قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، قال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟ قال: أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله.
قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب) .
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " (64) و" الهواتف " (24) ، ومن طريقهِ أخرجه اللالكائي في " شرح أصولِ الاعتقاد " (5 / 166) وبوَّب عليه: " سياق ما روي من كراماتِ أبي معلق "، وأخرجه " أبو موسى المديني " – كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (7 / 379) في ترجمة " أبي معلق الأنصاري " ونقل عنه أنه أورده بتمامه في كتاب " الوظائف "، وكذا رواه عنه تلميذه ابن الأثير في " أسد الغابة " (6 / 295) -: جميعهم من طريق الكلبي يصله إلى أنس رضي الله عنه.
وقد اضطرب فيه الكلبي واختلفت الرواية عنه:
فمرة يرويه عن الحسن عن أنس – كما هي رواية ابن أبي الدنيا -.
ومرة يرويه عن الحسن عن أبي بن كعب – كما ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة عن سند أبي موسى المديني -.
ومرة يرويه عن أبي صالح عن أنس – كما في رواية ابن الأثير عن أبي موسى المديني.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -:
وهذا إسناد مظلم ... الآفة إما من الكلبي المجهول، وإما ممن دونه، والحسن – وهو البصري – مدلس وقد عنعن، فالسند واهٍ.
فمن الغريب أن يُذكر (أبو معلق) هذا في الصحابة، ولم يذكروا ما يدل على صحبته سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسناد الواهي! ولذلك – والله أعلم – لم يورده ابن عبد البر في " الاستيعاب "، وقال الذهبي في " التجريد " (2 / 204) : له حديث عجيب، لكن في سنده الكلبي، وليس بثقة، وهو في كتاب " مجابو الدعوة "، ويلاحظ القراء أنه قال في الكلبي: " ليس بثقة "، وفي هذا إشارة منه إلى أنه لم يلتفت إلى قوله في الإسناد: " وليس بصاحب التفسير "؛ لأن الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بأنه ليس بثقة، وقد قال في " المغني ": " تركوه، كذَّبه سليمان التيمي، وزائدة، وابن معين، وتركه ابن القطان، وعبد الرحمن ".
ومن الغرائب أيضاً: أن يَذكر هذه القصة ابن القيم في أول كتابه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " من رواية ابن أبي الدنيا هذه، معلقا إياها على الحسن، ساكتاً عن إسنادها! .
" السلسلة الضعيفة " (5737)
قلت:
وللكلبي متابعة من قبل مالك بن دينار، فقد أخرج القشيري في " الرسالة القشيرية " (2 / 85، 86 باب الدعاء) القصة بسياق مشابه فقال:
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك قال: أخبرنا محمد بن عبد ربه الحضرمي قال: أخبرنا بشر بن عبد الملك قال: حدثنا موسى بن الحجاج قال: قال مالك بن دينار: حدثنا الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه ... فذكر الحديث.
لكنها متابعة غير صالحة، إذ في هذا السند علتان:
الأولى: محمد بن عبد ربه الحضرمي: لم أقف له على ترجمة.
الثانية: بشر بن عبد الملك الراوي عن موسى بن الحجاج: لم أعرفه أيضا، فكل مَن تُرجم لهم بهذا الاسم ثلاثة:
1. بشر بن عبد الملك الخزاعي مولاهم الموصلي، روى عن: غسان بن الربيع ومحمد بن سليمان لوين وجماعة، وروى عنه: الطبراني.
" تاريخ الإسلام " الذهبي (أحدا سنة 300 هـ) .
2. بشر بن عبد الملك، أبو يزيد الكوفى نزيل البصرة، روى عن: عون بن موسى، وعبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري، كتب عنه: أبو حاتم بالبصرة، وروى عنه: أبو زرعة، وسئل عنه فقال: شيخ.
" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (2 / 362) .
3. بشر بن عبد الملك العتبي، يروى عن: يحيى بن سعيد الانصاري، روى عنه: أبو سعيد الأشج.
" الثقات " لابن حبان (6 / 97) .
وهم كما ترى لا يبدو أن أحداً منهم هو المذكور في الحديث.
إلا أن الحافظ ابن ماكولا في " الإكمال " (5 / 101) ذكر راوياً عن موسى بن الحجاج باسم (بشران بن عبد الملك) فقال:
وأما بشران: فهو بشران بن عبد الملك، أظنه موصليّاً، حدَّث عن موسى بن الحجاج بن عمران السمرقندى ببيسان عن مالك بن دينار.
انتهى.
فلعله هو المقصود، وتصحف اسمه في كتاب " القشيري " إلى " بشر ".
أما ابن السماك فهو ثقة، ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (17 / 312) .
وكذا مالك بن دينار (127 هـ) ترجمته في " تهذيب التهذيب " (10 / 15) .
والخلاصة:
أن القصة والدعاء لا يصحان بوجه من الوجوه، إلا أن جمل هذا الدعاء وعباراته ليس في شيء منها نكارة، بل كلماته صحيحة عظيمة تشهد لها نصوص من الكتاب والسنة، ولكن لا يعني ذلك لزوم نجاة من دعا بها، أو اعتقاد نصرة الله تعالى لمن ذكرها، فذلك متوقف على صحة السند به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن السند لم يصح: فلا ينبغي اعتقاد ذلك، ومن أحب أن يحفظ هذه الكلمات ويدعو بها دون أن ينسبها إلى الشرع: فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/491)
هل يكتب أجر الصدقة بمجرد وضعها في الصندوق أم بوصولها للمستحق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صندوق صدقة في منزلي، وأتصدق فيه كل يوم تقريباً - ولله الحمد -، وعندما أضع فيه الصدقة أدعو ربي بما أريد، ثم أضعها؛ فهل تُحسب لي في الوقت الذي أتصدق فيه، أم عندما أُخرج الصندوق بأكمله للفقراء - علماً بأنني أستعين بالصدقة على تيسير أموري كلها -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يتقبل منك صدقاتك، وأن يجزيك أعظم الجزاء، وقد أحسنتَ صنعاً إذ فعلتَ هذا، ولعلك أن يكون لك مثل أجور من فعل مثل فعلك.
وبذل الصدقات من أعظم ما يتقرب به العبد لربه عز وجل، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (36783) طائفة من النصوص في بيان فضل التصدق، والصدقة لغة: مأخوذة من الصِّدق؛ إذ هي دليل على صِدق مخرجها في إيمانه.
انظر: " فتح القدير " (2 / 399) .
وننبه هنا إلى أمرين مهمين:
1. أن من الصدقات ما هو واجب، وليست كلها نفلاً.
2. أن الصدقة ليست بالمال وحده، بل " كل معروف صدقة " – كما رواه البخاري (5675) -، فالتسبيحة صدقة، والتهليلة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة.
ويجمع هذين الأمرين هذين الحديثين:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ: كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) .
رواه البخاري (2827) ومسلم (1009) .
ب. عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) .
رواه مسلم (720) .
(سُلامى) : عظام البدن ومفاصله.
ثانياً:
الصندوق الذي توضع فيه الصدقات في المنزل له حالان:
الحال الأولى: أن يكون في مكانٍ بارز، تضع فيه صدقاتك، ويضع فيه غيرك من ضيوفك، وأقربائك.
والحال الثانية: أن يكون الصندوق مختصاً بك، تضع فيه وحدك المال.
وفي الحال الأولى: يكون لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق، ويكون المال قد خرج من ملكك، ولا يحل لك الرجوع في صدقتك، والمال الذي يضعه الآخرون تكون مؤتمناً عليه، إلى حين صرفه في جهاته الشرعية.
وفي الحال الثانية: لا يظهر أنه يُكتب لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق، بل إذا قبضه من دُفع المال له من المستحقين: كُتب لك أجر الصدقة، وليس لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال فيه؛ لأنه لم يخرج عن ملكك، ولك أن تفتح الصندوق، وتأخذ ذلك المال إن احتجت إليه، وإن كان المستحب لك أن لا ترجع في ذلك المال.
قال ابن قدامة – رحمه الله - بعد أن نسب ذلك لأكثر الفقهاء -:
ولنا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما، ولم يُعرف لهما في الصحابة مخالف، فروى عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه نحَلها - أي: أهداها - جذاذ – أي: حصاد - عشرين وِسقا من ماله بـ " العالية "، فلما مرض قال: يا بنية! ما أحد أحب إليَّ غنىً بعدي منك، ولا أحد أعز عليَّ فقراً منك، وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال الوارث: أخواك وأختك، فاقتسموا على كتاب الله عز وجل.
وروى ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ: أن عمر بن الخطاب قال: ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال: مالي، وفي يدي! وإذا مات هو قال: كنت نحلته ولدي؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد، فإن مات ورثه، قال المروذي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة.
" المغني " (6 / 273) .
وقال النووي – رحمه الله -:
مَن دفع إلى وكليه، أو ولده، أو غلامه، أو غيرهم شيئاً يعطيه لسائل، أو غيره صدقةَ تطوع: لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك المعين: استُحب له أن لا يعود فيه، بل يتصدق به على غيره، فإن استرده وتصرف فيه: جاز؛ لأنه باق على ملكه.
" المجموع " (6 / 241) .
وروي عن الإمام أحمد رحمه الله أن المال في مثل هذه الحال يخرج من ملكه، ولا يسعه الرجوع فيه، والظاهر أن ذلك محمول على الاستحباب لا الوجوب.
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا الْمَالِكُ – يعني: الصدقة - مِنْ مَالِهِ، وَأَفْرَدَهَا: فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ صَدَقَةً، وََا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ قَبُولِهِ.
وَنُقِلَ عَنْهُ – يعني: عن الإمام أحمد - مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ جَعَلَهُ الرَّجُلُ لِلَّهِ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَمْضَاهُ.
" القواعد الفقهية " (ص 86) .
ثالثاً:
أما حكم الدعاء قبل التصدق فقد سبق بيان في جواب السؤال رقم (98579)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/492)
يسأل عن دعاء يبارك له تجارته
[السُّؤَالُ]
ـ[أود - فقط - معرفة ما إذا كان بوسعكم إخباري عن دعاء يمكنني أن أدعو به باللغة العربية حتى تنجح تجارتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في السنة النبوية شيء يدل على استحباب ذكر أو دعاء معين ينفع في التوفيق في التجارة والكسب والرزق، اللهم إلا ما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقول بعد صلاة الفجر: (الَّلهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ رِزقًا طَيِّبًا، وَعِلمًا نَافِعًا، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً)
رواه أحمد في "المسند" (6/294) وابن ماجه في "السنن" (66)
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/146) : " ورجاله ثقات " انتهى. وحسنه الحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات الربانية" (3/70) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وهو - كما ترى - دعاء عام، يشمل الرزق في التجارة أو في الزراعة أو الوظيفة أو الصناعة، وهكذا جاءت السنة النبوية في الدعاء بجوامع الكلم التي تشمل وتعم.
ولكن يستحب لك – أخي الكريم – أن تسأل الله تعالى حاجتك باسمها، بالكلمات والعبارات اليسيرة التي يفتح الله تعالى بها عليك: فتقول مثلا: اللهم وفقني في تجارتي، اللهم بارك لي فيها، اللهم أغنني بها عن الحرام، واكتب لي فيها الخير والغنى ... ونحو ذلك من الكلمات.
والأهم من صيغةِ الدعاء صدقُ الدعاء، وإخلاصُ القلب به، وإقبالُه على الله تعالى، فإنَّ الله سبحانه لا ينظر إلى فصاحة الكلمات، بل ينظر إلى ما في القلب من الإخبات والإنابة والذل والفاقة إلى رحمته تعالى، ومنه تعلم أن الدعاء باللغة غير العربية أيضا جائز، إذا كان دعاء مطلقا لم يرد في الكتاب أو السنة تعيينه.
كما ينبغي أن تعلم - أخي السائل - أن تقوى الله سببُ كلِّ نجاح، وأن التجارة التي يبتغي بها العبد رضوان الله، ويراقب فيها أمره ونهيه، هي تجارة مباركة موفقة بإذن الله، وأن الحرام يمحق كل بركة، كما قال تعالى: (يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ)
رواه أحمد (1/395) وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (4/369) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3542)
ويقول يحيى بن معاذ الرازي (258هـ) – وهو من خيار السلف -:
" الطاعة مخزونة في خزائن الله تعالى، ومفتاحها الدعاء، وأسنانه الحلال ".
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله في حديثه عما ينبغي مراعاته في التجارة "إحياء علوم الدين" (2/103) :
" حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة، فَلْيَنوِ بها الاستعفافَ عن السؤال، وكفَّ الطمع عن الناس، استغناءً بالحلال عنهم، واستعانةً بما يكسبه على الدين، وقيامًا بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به، ولْيَنوِ النصح للمسلمين، وأن يحبَّ لسائر الخلق ما يحب لنفسه، ولْيَنوِ اتباعَ طريق العدل والإحسان في معاملته، ولْيَنوِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في السوق، فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كان عاملا في طريق الآخرة، فإن استفاد مالا فهو مزيد، وإن خسر في الدنيا ربح في الآخرة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/493)
إذا دعا المسلم فهل يبدأ بالدعاء لنفسه أم لغيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الواجب على المرء في دعائه، هل يبدأ بالدعاء لنفسه أم للمؤمنين أولى، حيث يلاحظ في الأدعية المذكورة في كتاب الله العزيز البدء بالنفس ثم الغير، كما في الآية الكريمة: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) صدق الله مولانا العظيم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعتياد ختم قراءة الآية أو الآيات من القرآن بقوله " صدق الله العظيم " ليس له أصل في السنة، وقد بيَّنا حكم هذه المسألة في جوابي السؤالين: (2209) و (10119) .
ثانياً:
يستحب للمسلم أن يقدم نفسه على غيره في الدعاء، وفي ذلك أدلة، منها:
1. عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (َإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) . رواه البخاري (797) ومسلم (402) .
قالَ الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -:
قوله (السلام علينا) استُدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء، وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه) ، وأصله في مسلم، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام، كما في التنزيل." فتح الباري " (2 / 314) .
2. حديث ابن عباس الطويل في قصة موسى والخضر عليهما السلام – وهو الذي أشار إليه الحافظ أنه في الترمذي وأصله في " مسلم " -، وفيه:
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ قَالَ فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذَعْرَةً مُنْكَرَةً قَالَ: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ، قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَداً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي ".
ذمامة: أي: حياء وإشفاق من الذم واللوم؛ لتكرار مخالفته للخضر.
قال النووي – رحمه الله -:
قال أصحابنا: فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء، وشبهه من أمور الآخرة، وأما حظوظ الدنيا: فالأدب فيها الإيثار، وتقديم غيره على نفسه.
" شرح مسلم " (15 / 144) .
وقال السيوطي – رحمه الله -:
ومن ثم ندبوا للداعي أن يبدأ بالدعاء لنفسه قبل دعائه لغيره؛ فإنه أقرب إلى الإجابة، إذ هو أخلص في الاضطرار، وأدخل في العبودية، وأبلغ في الافتقار، وأبعد عن الزهو والإعجاب، وذلك سنة الأنبياء والرسل ... – وساق بعض أدعيتهم، وستأتي -.
" الشمائل الشريفة " (ص 139) .
3. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ) .
رواه الترمذي (1053) وَقَالَ: حَسَن غريب، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الإمام الصنعاني – رحمه الله – في فوائد هذا الحديث ورواية أخرى قريبة من لفظه -:
وفي الحديثين الأول وهذا: دليل أنَّ الإنسان إذا دعا لأحد أو استغفر له يبدأ بالدعاء لنفسه والاستغفار لها، وعليه وردت الأدعية القرآنية: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا) ، (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، وغير ذلك.
" سبل السلام " (2 / 243) .
4. وهذا الفعل هو من هدي الأنبياء عليهم السلام، ومنهم:
أ. نبي الله موسى عليه السلام:
(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأعراف/151.
ب. نبي الله نوح عليه السلام:
(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً) نوح/28.
ج. نبيَّا الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) البقرة/128، 129.
د. نبي الله إبراهيم عليه السلام:
1. (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/ 40، 41.
2. (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) إبراهيم/ 35.
5. وهو فعل المؤمنين:
(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/ 10.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/494)
يريد أن يسأل الله قصرا في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بـ: (اللهم ابن لي عندك قصرا في الجنة، وقصرا في هذه الحياه بالقريب العاجل، إنك أنت الرزاق) وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أمر الله سبحانه وتعالى بدعائه في أكثر من موضع في كتابه الكريم:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60
وهو أمر مطلق، يشمل دعاءه سبحانه لسؤال حاجات الدنيا وحاجات الآخرة، كما أنه إطلاق يناسب سَعَةَ فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه، وأنه لا يتعاظمه شيء يعطيه، ولو أعطى كل واحد مسألته ما نقص من ملكه شيء.
يقول عز وجل: (وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32
وقد جاء في حديث أبي ذر القدسي الطويل من قول الله تبارك وتعالى:
(يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ... يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ)
رواه مسلم (2577)
يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/225) :
" وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك، كما يسألونه الهداية والمغفرة، وفي الحديث: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع) ، وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته، وفي الإسرائيليات: أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب! إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك. قال: سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك.
فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله فقد أظهر حاجته فيه وافتقاره إلى الله، وذاك يحبه الله، وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئا من مصالح الدنيا، والاقتداءُ بالسنة أَولَى " انتهى.
وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) رواه ابن حبان (2403) والطبراني في "الأوسط" (2/301) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1325)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى الشِّسعَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِن لَمْ يُيَسِّرهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ) أخرجه أبو يعلى (8/44) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (349) ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/42) من طريق آخر.
قال في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح.
قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1363) :
" وهذا سند موقوف جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم " انتهى.
والشِّسْعُ: سَورُ النعل الذي تدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام.
يقول المناوي في "فيض القدير" (4/110) :
" لا طريق إلى حصول أي مطلوب من جلائل النعم ودقائقها إلا بالتطفل على موائد كَرَمِ مَن له الأمر، وفي الإنجيل: سلوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم، كل من سأل أعطي، ومن طلب وجد، ومن يقرع يفتح له. أوحى الله إلى موسى: قل للمؤمنين لا يستعجلوني إذا دعوني، ولا يبخلوني، أليس يعلمون أني أبغض البخيل، كيف أكون بخيلا، يا موسى! لا تخف مني بخلا أن تسألني عظيما، ولا تستحي أن تسألني صغيرا، اطلب إلي الدقة والعلف لشاتك، يا موسى! أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها، وأني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه، فمن سألني مسألة وهو يعلم أني قادر أعطي وأمنع أعطيته مسألته بالمغفرة.
قال عروة بن الزبير: إني أسأل الله في صلاتي، حتى أسأله الملح إلى أهلي " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/284) :
" لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ مثل أن يقول: اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله " انتهى بتصرف.
وانظر جواب السؤال رقم (22498)
فلا حرج عليك أخي السائل من دعاء الله بأن يرزقك قصرا في الدنيا والآخرة، وإن كان الأولى بالمؤمن ألا يحرص على متاع الدنيا الزائل، وأن يكون همه ما عند الله من نعيم الجنة، وإن سأل شيئا من غنى الدنيا ونعيمها فيجب أن يقيده بالنعيم الناع الذي لا يُطغي ولا يُنسي حقوق الآخرة، وانظر أخي الكريم حال من قص الله علينا شأنه في القرآن الكريم:
يقول تعالى:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التحريم/11
ومن المكروه أيضا الاعتداء في الدعاء بذكر بعض التفاصيل التي ليست في محلها، كأن تسأل قصرا عدد طوابقه كذا، وعدد غرفه كذا، ونحو ذلك من التنطع المكروه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (41017)
ولتعلم ـ يا عبد الله ـ أن الله تعالى لا يختار لعبده المؤمن إلا الخير؛ وهكذا ينبغي أن يكون مرادك من الدعاء بشيء من الدنيا: أن يقدر الله تعالى لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الرضا بما قضى لك وقدر؛ سواء أكان الخير في قضاء حاجتك وتعجيلها، أو في حبسها عنك، وادخارها لك عنده سبحانه.
وانظر: جواب سؤال رقم (3699)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/495)
المقيم على المعصية وارتكاب الكبائر هل له أن يسأل الله أمرا دنيويا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يسأل الله أمرا دنيويا وهو يعصي الله ويرتكب الكبائر؟ علما أنه يعزم على التوبة ولكن يخاف أن تكون توبته لأجل هذا الغرض الدنيوي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من يعصي الله تعالى ويرتكب الكبائر، أن يبادر بالتوبة، وأن يحذر التسويف والتأجيل، فلربما فاجأه الأجل، ونزلت به مصيبة الموت، وأُغلق في وجهه باب التوبة، فيبوء بالخسران، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء/18.
وما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ ولمَ الإصرار والتمادي والتردد والترقب؟ ورب العالمين يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفرح بتوبة عبده، ويقبلها منه، ويثيبه عليها.
فهل يليق بالعبد المذنب أن يعرض ويتمادى، وربه يبسط يده؟
وهل يليق بالعبد المذنب أن يقول يارب يارب، يسأل لعاعة من الدنيا، ولسانه حاله يقول: لكني مصر على معصيتك يا رب! فوالله لو استحينا من الله، وعرفنا عظمة الله، لما فعلنا ذلك.
وأما الخوف من أن تكون التوبة لأجل الأمر الدنيوي، فهذا قد يكون من وسواس الشيطان، ليستمر العبد في المعصية، ويؤخر التوبة.
فالواجب هو التوبة، وإخلاصها لله تعالى، رجاء عفوه ومغفرته، ثم يسأل العبد ربه ما أحب من خيري الدنيا والآخرة.
ومع ذلك نقول: لو استمر العبد في معصيته، فلا يحرم عليه أن يسأل ربه، ولو كان السؤال في أمر من أمور الدنيا، وقد يعطيه الله تعالى سؤله، فهو الكريم الجواد، ولطالما أحسن إلى عبده مع تقصيره وتفريطه، ولكن هذا السلوك لا يليق بالمؤمن المحب لله، المعظّم له، المدرك لخطر الذنوب والتمادي فيها. فإن المعاصي قد تكون سبباً للحرمان، وعدم إجابة الدعاء.
ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ثم قال: فَأَنَّى يُسْتَجَابُ له) رواه مسلم (1015) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/496)
هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن نفرق بين أمرين اثنين مشتبهين:
الأول: القصد إلى القبر وتحري استقباله أثناء دعاء الإنسان لنفسه، تبركا، واعتقادا بقرب ذلك الإجابة: فهذا لا شك من البدع المحدثة، ومن الغلو الذي نهت عنه الشريعة، قد يؤدي إلى الوقوع في الشرك إذا صار الداعي يسأل صاحب القبر أن يقضي له الحاجات.
يقول ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (27/165) :
" وأما زيارة القبور لأجل الدعاء عندها أو التوسل بها أو الاستشفاع بها فهذا لم تأت به الشريعة أصلا، ولهذا كانت السنة عند الصحابة وأئمة المسلمين إذا سلم العبد على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أن يدعو الله مستقبل القبلة، ولا يدعو مستقبل الحجرة، ولم أعلم الأئمة تنازعوا في أن السنة استقبال القبلة وقت الدعاء، لا استقبال القبر النبوي." انتهى
ويقول أيضا رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (364) :
" ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم؛ فلما نهى أن يتخذ القبر مسجدا أو قبلة، أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه كما لا يصلي إليه. قال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضى.
وهذا أصل مستمر، فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن المسلم لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها معظمه الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين وشرك واضح." انتهى.
والمسلم حين يعبد الله بالدعاء يستحب له أن يتوجه إلى القبلة التي أمرنا بتعظيمها، وليس إلى قبور البشر الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
جاء في "كشاف القناع" ـ من كتب الحنابلة ـ (1/367) :
" ويستقبل الداعي القبلة لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة " انتهى.
ومثله في حاشية "تحفة المحتاج" ـ من كتب الشافعية ـ (2/105) .
ويقول ابن تيمية رحمه الله في "نقض التأسيس" (2/452) :
" إن المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة " انتهى.
الثاني:
أما عند زيارة القبر للدعاء للميت والاستغفار له، كما يصنع الناس عند زيارة موتاهم في قبورهم، فلا حرج على من يستقبل القبر في دعائه حينئذ، فإنه لم يفعل ذلك تقصدا لبركة ذلك القبر أو تعظيما لجهته، إنما ليكون أقرب في مكانه من الميت، وأقرب في دعائه منه.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (13/338) ما يلي:
هل ينهى عن استقبال القبر حال الدعاء للميت؟
فأجاب رحمه الله:
" لا ينهى عنه؛ بل يدعى للميت سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القبر بعد الدفن، وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه البخاري.
ولم يقل استقبلوا القبلة، فكله جائز، سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر، والصحابة رضي الله عنهم دعوا للميت وهم مجتمعون حول القبر." انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/497)
حكم الدعاء الجماعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدعاء مع الجماعة لا يجوز ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء مع الجماعة (بمعنى أن يدعو أحدهم ويؤمن الباقي) إما أن يكون ثبت ذلك في السنة، كما في الاستسقاء وفي دعاء القنوت. فهذا لا شك أنه مشروع.
وإما أن يكون في مواضع لم يثبت فيها ذلك في السنة النبوية، كأدبار الصلوات، أو عقب دفن الميت، أو في عرفة، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به إذا فُعل أحياناً، فإن كان ذلك عادة مستمرة كان بدعة.
وإليك طرفاً من كلام أهل العلم في ذلك:
1- سئل الإمام أحمد رحمه الله: هل يكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال: ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا. انتهى
قال ابن منصور: قال إسحاق بن راهويه كما قال، وإنما معنى: إلا أن يكثروا: إلا أن يتخذوها عادة حتى يكثروا.
وقال أبو العباس الفضل بن مهران: سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت: إن عندنا قوما يجتمعون فيدعون ويقرءون القرآن ويذكرون الله تعالى فما ترى فيهم؟
قال: فأما يحيى بن معين فقال: يقرأ في المصحف، ويدعو بعد صلاة، ويذكر الله في نفسه. قلت: فأخٌ لي يفعل هذا قال: انْهه. قلت: لا يقبل. قال: عظه. قلت: لا يقبل , أهجره؟ قال: نعم.
ثم أتيت أحمد حكيت له نحو هذا الكلام، فقال لي أحمد أيضا: يقرأ في المصحف، ويذكر الله تعالى في نفسه، ويطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: فأنهاه؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يقبل؟ قال: بلى إن شاء الله تعالى، [يعني: سيستجيب إن شاء الله] فإن هذا مُحْدَث , الاجتماع والذي تصف. قلت: فإن لم يفعل أهجره؟ فتبسم وسكت " انتهى من "الآداب الشرعية" (2/102) .
2- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة، ولا اقترن به بدعة منكرة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/523) .
3- وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن إمام يرفع يديه بعد الصلوات المكتوبة والمأمومون كذلك، يدعو الإمام والمأمومون يؤمنون على دعائه.
فأجابت:
" العبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز أن يقال: هذه العبادات مشروعة من جهة أصلها أو عددها أو هيئتها، أو مكانها إلا بدليل شرعي يدل على ذلك، ولا نعلم سنةً في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قوله، ولا من فعله، ولا من تقريره " انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية" (17/55) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء أيضا عن شخص كانت عادته أن يطعم الطعام لطائفة من الناس في كل يوم جمعة، وبعد قضاء الطعام لا يتركون أماكنهم ومجالسهم، بل ينتظرون الدعاء لأحد منهم، الذي عينه صاحب الطعام، أن يدعو الله أن يصل ثواب ذلك الطعام إلى أهاليهم الموتى وأقربائهم، وفي أثناء ذلك الدعاء يرفع السائل يده مع الحاضرين وهم يقولون: (آمين) ، فهل هذا الدعاء الذي ترفع فيه الأيدي جماعة بعد الطعام جائز أم لا؟
فأجابت: "الدعاء الجماعي بعد الطعام بالكيفية المذكورة لا أصل له في الشرع المطهر، فالواجب تركه؛ لأنه بدعة، والاكتفاء بما جاءت به السنة من الدعاء لصاحب الطعام بالبركة ونحو ذلك، كل شخص يقوله بمفرده، ومما جاء في السنة قول: (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) وقول: (أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة) " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/190) .
4- وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يجتمعون على حديث ذكر, وفي النهاية يقومون بدعاء جماعي، واحد يدعو والبقية يقولون: آمين , هل هذا صحيح؟
فأجاب: "هذا صحيح إذا لم يتخذ عادة , فإن اتخذ عادة صار سنة , وهو ليس بسنة , فإذا كان هذا عادة كلما جلسوا ختموا بالدعاء، فهذا بدعة، لا نعلمها عن النبي عليه الصلاة والسلام , وأما إذا كان أحياناً كأن يمر بهم وعيد أو ترغيب ثم يدعون الله عز وجل فلا بأس , لأنه فرق بين الشيء الراتب والعارض , العارض قد يفعله الإنسان أحياناً ولا يلام عليه , كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي معه بعض الصحابة في صلاة الليل جماعة , ومع ذلك ليس بسنة أن يصلي الإنسان جماعة في صلاة الليل إلا أحياناً " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح (117/21) .
وانظر جواب السؤال: (106523) و (106518) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/498)
التأمين على دعاء الشيخ في التلفاز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التأمين عند دعاء أحد الشيوخ أثناء برنامج تلفزيوني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين على الدعاء مشروع، سواء كان الداعي قريبا أو بعيدا يُسمع في تلفاز أو مذياع، فمن سمع الدعاء وأحب أن يكون من أهله الداخلين فيه، فليقل: آمين، وهي اسم فعل بمعنى: استجب، فهو يسأل ربه أن يستجيب هذا الدعاء، ويحقق له ما فيه، وهو سبحانه خير مسئول، جل وعلا.
لكن إذا كان البرنامج مسجلاً، فلا يشرع التأمين خلف الداعي.
فقد سئل علماء اللجنة الدائنة للإفتاء: هل إذا سمعت شريطاً صدر قبل سنة أو سنتين فيه شيخ يدعو، هل أؤمن على دعائه؟
فأجابوا:
"الدعاء والتأمين عليه عبادة، والمشروع هو التأمين على دعاء الداعي الحاضر، أما الدعاء المسجل على الأشرطة فلا يشرع التأمين عليه؛ لأنه ليس هناك شخص يدعو له على الحقيقة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/256) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/499)
معنى حرف الجر (مِن) في قوله تعالى: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) يصلح لأن يقال كما هو؟ لورود كلمة " ومن ذريتي " وليست: رب اجعلني مقيم الصلاة وذريتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
سياق الآيات في هذا المقطع من سورة إبراهيم عليه السلام، يصور فيه مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام الضارع الخاشع الذاكر الشاكر، وهو يدعو ربه الكريم، ويتذلل بين يديه سبحانه، ليرد الجاحدين إلى الاعتراف، ويرد الكافرين إلى الشكر، ويرد الغافلين إلى الذكر، ويرد الشاردين من أبنائه إلى سيرة أبيهم لعلهم يقتدون بها ويهتدون.
يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء * الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/35-41
وقد كان إبراهيم عليه السلام رحيما شفيقا بأمته وذريته، فلم يكن يفوت فرصة إلا ويسأل الله سبحانه الخير لهم.
ويبقى السؤال عن سبب مجيء حرف الجر (مِن) في قوله: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) ، ولم يقل (وذريتي) .
اختلف في ذلك المفسرون إلى قولين:
القول الأول: وهو قول جماهير المفسرين ممن تكلم في هذه المسألة، أن (مِن) هنا للتبعيض، قالوا وهو تأدب من إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه الله سبحانه وتعالى، حيث كان يعلم أن حكمة الله اقتضت وجود المؤمن والكافر، والظالم والمحسن، فكان دعاؤه مراعيا لما يعلمه من حكمة الله وسنته في خلقه، كما قال سبحانه: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ) الصافات/113
يقول الزمخشري في "الكشاف" (1/634) :
" (ومن ذريتي) وبعض ذريتي، عطفا على المنصوب في (اجعلني) ، وإنما بعَّضَ لأنه عَلِمَ بإعلام اللَّهِ أنه يكون في ذريته كفار، وذلك قوله: (لا ينال عهدي الظالمين) " انتهى.
وانظر: "تفسير البيضاوي" (3/202) ، "تفسير أبي السعود" (5/54) ، "الجلالين" (335) ، "روح المعاني" (13/243)
وفي القرآن الكريم مواقف عديدة من دعاء إبراهيم عليه السلام وتخصيصه ذريته بشيء من الدعاء، وفي كل منها يأتي حرف الجر (مِن)
فانظر قوله سبحانه في سورة البقرة:
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة/124
وكذلك قوله سبحانه وتعالى:
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/128
القول الثاني: عدم التسليم بكونها للتبعيض، فقد كان الأنبياء يدعون لأقوامهم بصيغة التعميم وهم يعلمون سنة الله في خلقه حين كتب في الناس المؤمن والكافر وكتب من المؤمنين أيضا من يعذب بسبب ذنوبه في النار ثم يخرج منها، ولم يكن ذلك اعتداء في الدعاء.
فهذا نوح عليه السلام يقول: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً) نوح/28
وإبراهيم عليه السلام أيضا يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (الّّلهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي) رواه مسلم (202)
قالوا والأنبياء يسألون الله أكمل ما يحبون لأنفسهم وذرياتهم وأقوامهم، وإبراهيم عليه السلام يطمع أن تكون ذريته كلها مُوَحِّدَةً، تعبد الله وتجتنب الأصنام، وإن كان الشرك لا بد وأن يكون على الأرض، ففي غير ذريته.
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في تفسيره المتميز "التحرير والتنوير" (7/445) :
" و (مِن) ابتدائية، وليست للتبعيض؛ لأن إبراهيم عليه السلام لا يسأل الله إلا أكمل ما يحبه لنفسه ولذريته.
ويجوز أن تكون (مِن) للتبعيض، بناء على أن الله أعلمه بأن يكون من ذريته فريق يقيمون الصلاة وفريق لا يقيمونها، أي: لا يؤمنون.
وهذا وجه ضعيف؛ لأنه يقتضي أن يكون الدعاء تحصيلا لحاصل، وهو بعيد، وكيف وقد قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) ولم يقل: ومن بني " انتهى.
أو يقال إنها لبيان الجنس، فإن تقدير الآية: (واجعل من ذريتي مقيمي الصلاة) ، والمعنى: واجعل جنس ذريتي مقيمي الصلاة، كقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الفتح/29. انظر "مغني اللبيب" (420-421)
وهذا الوجه أقرب.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير البقرة 2" (33) في قوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة/124:
قوله تعالى: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) أي واجعل من ذريتي إماماً؛ وهنا (مِن) يحتمل أنها لبيان الجنس؛ وبناءً على ذلك تصلح (ذريتي) لجميع الذرية؛ يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة؛ ويحتمل أنها للتبعيض " انتهى.
ثانيا:
إذا فهم ما سبق تبين أنه لا بأس للمسلم أن يدعو بالصيغة نفسها التي جاءت في القرآن الكريم، فقد تبين أنها ليست للتبعيض، وأن الدعاء بها ينال جميع الذرية.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (30/14) :
" الدعاء بقوله: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا بأس به " انتهى بتصرف.
ثالثا:
تنبيه على بدعة منتشرة تتعلق بقراءة هذه الآية بعد إقامة الصلاة.
جاء في أسئلة اللقاء الشهري (23/10) مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال التالي:
" بعض الإخوة من المصلين يقول بعد انتهاء المؤذن من الإقامة إما: (أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض) وإما أن يقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء في هذا المقام خاصة، أقصد قراءة الآية، هل ينكر على الإنسان مع أنه يدعو بها، وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء بعد الإقامة، أرجو التوضيح أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" الإقامة ليس بعدها دعاء، وإنما يشرع الإمام بالصلاة بعد انتهاء الإقامة وبعد أن يسوي الصفوف بنفسه أو بنائبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يكبر للصلاة حتى تستوي الصفوف، حتى إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجوب الصف من أوله إلى آخره يمسح بالمناكب والصدور، يقول: استووا، ولما كثر الناس في زمن عمر وعثمان، صار الخليفة يوكل رجالاً يجوبون الصفوف يتفقدونها بعد الإقامة، فإذا جاءوا وقالوا: إن الصفوف على ما ينبغي كبروا للصلاة، وليس بعد الإقامة دعاء.
وأما قوله: أقامها الله وأدامها مادامت السماوات والأرض. فإن قوله: (ما دامت السماوات والأرض) لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما قول: (أقامها الله وأدامها) فهذه تقال عند قول: (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) لأن فيها حديثاً ضعيفاً، وهذا الحديث الضعيف لا يعمل به عند جماعة من العلماء، ولهذا فلا يقال: أقامها الله وأدامها لا بعد قوله: قد قامت الصلاة، ولا بعد انتهائه من الإقامة.
وأما الدعوة بدعوة إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فهذه أيضاً لا أصل لها إطلاقاً، ولم يرد الدعاء بها عن السلف، فتركها أولى وأحسن " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/500)
دعاء الوالدين على الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دعاء الوالدين على الأبناء بالشر بكثرة وفي بعض الأوقات دون سبب، هل يستجاب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأبناء من زينة الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الكهف/46.
وهم قرة عين الوالدين، وفلذة كبدهما، فكيف يدعوان عليهم!!
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس، خشية أن يوافق ساعة إجابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ) رواه مسلم (3014) .
ودعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ) رواه ابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (596) . ولفظ الإمام أحمد (7197) : (وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) .
فمن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الأباء والأمهات أنهم يدعون على أولادهم إذا حصل منهم ما يغضبهم، والذي ينبغي هو الدعاء لهم بالهداية وأن يصلحهم الله ويلهمهم رشدهم.
ومن رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر، وذلك لقوله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يونس/11.
قال ابن كثير رحمه الله في " تفسيره " (2/554) :
" يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم؛ في حال ضجرهم، وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفاً ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم , أو لأموالهم , أو لأولادهم , بالخير والبركة والنماء " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/501)
لديها ثلاث بنات فهل يجوز أن تسأل الله الابن الصالح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ثلاث بنات وأحمد الله على نعمته، وأتمنى أن يرزقني الله ولدا ذكرا، هل يمكن أن أدعو الله أن يرزقني بهذا الولد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز أن تسألي الله تعالى أن يرزقك الولد الذكر الصالح، وقد تمنى ذلك نبي الله سليمان عليه السلام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري (3424) ومسلم (1654) . ولكنه عليه السلام تمنى هؤلاء الغلمان ليجاهدوا في سبيل الله وينصروا دين الله، وليس لمجرد التمتع بهم.
وقد دعا زكريا عليه السلام ربه فقال: (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) مريم/89.
وذكر الله من دعاء عباد الرحمن قولهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان/74.
وإنما قلنا: (الصالح) لأن الولد قد يكون نعمة على أهله وقد يكون نقمة. فنسأل الله تعالى أن يرزقك الابن الصالح الذي تقر به عينك.
وينبغي أن يُعلم أن الله سبحانه يعطي الذكر والأنثى، لمن يشاء، بحكمته وعلمه، وما على المؤمن إلا الرضا والتسليم بقدر الله تعالى، والفرح بنعمته. قال سبحانه وتعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً) الشورى/49-50.
وفي وجود البنات نعمة تخفى على كثير من الناس، من سهولة تربيتهن، وسرعة استجابتهن، وعظم الأجر المترتب على الإحسان إليهن، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) رواه مسلم (2631) .
وعند الترمذي (1914) : (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/502)
هل يشرع رفع الأيدي في أذكار الصباح والمساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقول أذكار الصباح والمساء مباشرة بعد صلاة الصبح والمغرب, فهل يجوز لي رفع اليدين بالدعاء عند هذه الأذكار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع رفع الأيدي عند الإتيان بأذكار الصباح والمساء، ولا في أدبار الصلوات المكتوبة، لعدم ورود ما يدل على استحباب ذلك.
والأصل هو استحباب رفع اليدين مع كل دعاء، إلا في المواطن التي دعا فيها النبي صلى الله عليه ولم يرفع يديه، كالدعاء في خطبة الجمعة لغير الاستسقاء، والدعاء في الطواف والسعي، والدعاء دبر الصلاة، سواء قيل المراد بدبر الصلاة ما قبل السلام، أو ما بعده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه في هذه المواطن.
لكن لو رفع الإنسان يديه في بعض المواضع أحياناً، فلا حرج إن شاء الله.
وراجع جواب السؤال رقم (11543) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الدعاء بعد صلاة الفرض سنة؟ وهل الدعاء مقرون برفع اليدين؟ وهل ترفع مع الإمام أفضل أم لا؟
فأجابوا: "ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان ذلك برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به لورود بعض الأحاديث في ذلك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/103) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " رفع الأيدي في الدعاء من أسباب الإجابة في أي مكان، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم حيي سِتِّير يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له) رواه مسلم في صحيحه.
فجعل من أسباب الإجابة رفع اليدين. ومن أسباب المنع، وعدم الإجابة: أكل الحرام والتغذي بالحرام. فدل على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، سواء في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في المراكب الفضائية، أو في غير ذلك، إذا دعا ورفع يديه. فهذا من أسباب الإجابة إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نرفع فيها، مثل خطبة الجمعة، فلم يرفع فيها يديه، إلا إذا استسقى فهو يرفع يديه فيها. كذلك بين السجدتين وقبل السلام في آخر التشهد لم يكن يرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي لم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم؛ لأن فعله حجة، وتركه حجة، وهكذا بعد السلام من الصلوات الخمس، كأن يأتي بالأذكار الشرعية ولا يرفع يديه، فلا نرفع في ذلك أيدينا اقتداء به صلى الله عليه وسلم، أما المواضع التي رفع صلى الله عليه وسلم فيها يديه، فالسنة فيها رفع اليدين تأسيا به صلى الله عليه وسلم؛ ولأن ذلك من أسباب الإجابة، وهكذا المواضع التي يدعو فيها المسلم ربه ولم يرد فيها عن النبي رفع ولا ترك، فإنا نرفع فيها للأحاديث الدالة على أن الرفع من أسباب الإجابة كما تقدم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله" (6/158) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/503)
هل هناك ما يمنع من الدعاء بعد الفريضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء بعد الفريضة، وهل هناك دليل على المنع منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فيما نعلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء بعد صلاة الفريضة؛ وبذلك يعلم أنه بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد " خرجه مسلم في صحيحه (3243) وقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته.
وأما الدعاء بدون رفع اليدين وبدون استعماله جماعياً فلا حرج فيه لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه دعا قبل السلام وبعده، وهكذا الدعاء بعد النافلة لعدم ما يدل على منعه ولو مع رفع اليدين في الدعاء لأن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة لكن لا يكون ذلك بصفة دائمة بل في بعض الأحيان لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو رافعاً يديه بعد كل نافلة، والخير كله في التأسي به صلى الله عليه وسلم والسير على منهجه لقوله سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب/21 ا. هـ
من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (11/ 168)
ويراجع سؤال (11543) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/504)
معنى الصلاة على النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف معنى (اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم....) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)
(اللهم) معناها: يا الله.
(صل على محمد) صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى أي عند الملائكة المقربين.
(وعلى آل محمد) أي وصل على آل محمد، وآل محمد قيل إنهم أتباعه على دينه، وقيل آل النبي صلى الله عليه وسلم قرابته المؤمنون، والصحيح الأول وهو أن الآل هم الأتباع.
(كما صليت على آل إبراهيم) قال بعض العلماء أن الكاف هنا للتعليل وأن هذا من باب التوسل بفعل الله السابق لتحقيق الفعل اللاحق، يعني كما أنك سبحانك سبق منك الفضل على آل إبراهيم فألحق الفضل منك على محمد وآله.
(بارك على محمد وعلى آل محمد) أي أنزل البركة، والبركة هي كثرة الخيرات ودوامها واستمرارها.
(كما باركت على آل إبراهيم) أي يارب قد تفضلت على آل إبراهيم وباركت عليهم فبارك على آل محمد.
(إنك حميد مجيد) حميد: بمعنى حامد ومحمود، حامد لعباده وأوليائه الذين قاموا بأمره، ومحمود يحمد عز وجل على ما له من صفات الكمال وجزيل الإنعام.
مجيد: أي ذو المجد، والمجد هو العظمة وكمال السلطان.
الشرح الممتع 3/227.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/505)
هل يرفع الإمام والمصلون أيديهم عند الدعاء في خطبة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دعا الإمام وهو يخطب يوم الجمعة، هل يرفع يديه أم لا؟ وهل يرفع المصلون أيديهم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دعا الخطيب يوم الجمعة وهو على المنبر، فالسنة أن لا يرفع يديه في الدعاء، ولا يرفع المأمومون أيديهم، بل يكفي الإمام بالإشارة بالسبابة، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر بعض الصحابة على من رفع يديه عند الدعاء في الخطبة، لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى مسلم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف وَبَعْض الْمَالِكِيَّة إِبَاحَته لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَة الْجُمُعَة حِين اِسْتَسْقَى، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْع كَانَ لِعَارِضٍ " انتهى.
فإن استسقى الإمام في خطبة الجمعة، سنّ له رفع اليدين، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يرفع المأمومون أيديهم ويؤمنون على دعائه؛ لما روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ (أي: جدب وقحط) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟
فأجاب: "رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مجموع الشيخ ابن باز " (12/339) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/506)
لا يجوز للإنسان أن يدعو على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ولدت بعيب خلقي وهو عدم وجود الرحم وأختي الصغرى قد تأخرت عنها الدورة الشهرية فخفت أن تكون مثلي فطلبت من الله أن يصرف عني الزواج ويرزق أختي الدورة حتى لا تكون مختلفة عن صديقاتها ولا تمر بما مررت به. فهل يجوز الآن وبعد أن بَلغَتْ والحمد لله أن أدعو الله بالزوج الصالح أم آثم إذا دعوته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لك أن تدعي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، ولا إثم عليك في ذلك، وقد أخطأت في دعائك الأول، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء الإنسان على نفسه.
روى مسلم (3014) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ) .
وروى مسلم (920) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ) .
وروى مسلم (6288) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ، فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا تُطِيقُهُ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ، فَشَفَاهُ.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/507)
أخطاء تمنع من قبول الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أخطاء كثيرة تقع في الدعاء تمنع من قبول الدعاء فما هي هذه الأخطاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الأخطاء في الدعاء كثيرة جداً وأكثرها داخل تحت باب الاعتداء في الدعاء ومنها:-
1- اشتمال الدعاء على الشرك بالله كدعاء غير الله معه من بشر أو شجر أو قبر لأن الدعاء عبادة وصرفه لغير الله شرك والشرك أعظم ذنب عصي الله به وفي الحديث:" أي الذنب عند الله أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك ". رواه البخاري ومسلم.
2- أن يشتمل الدعاء على شيء من التوسلات المبتدعة، كالتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه. والدين مبنيٌّ على الاتباع لا على الابتداع.
3- تمني الموت من أجل بلاء نزل به، ففي الحديث عن خباب رضي الله عنه قال: " لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن تمني الموت لدعوت به ". رواه البخاري (6350) ومسلم (2681) .
وفي الحديث: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي ". رواه البخاري (6351) ومسلم (2680) .
4- الدعاء بتعجيل العقوبة، والأولى أن يسأل الله السلامة في الدارين، ولمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من المسلمين قد ضعف حتى صار مثل الفرخ قال له: " هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فافعله في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفلا قلت: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار "؟ فدعا الله له فشفاه " رواه مسلم (1688) .
5- الدعاء على الأهل والمال وفي الحديث: " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم " رواه مسلم (3009) .
6- الدعاء بقطيعة الرحم كأن يدعو على أحد بأن يفرق بينه وبين زوجه أو أقاربه.
7- الدعاء بتحجير الرحمة كأن يقول: اللهم انزل الغيث على بلادنا خاصة ونحو ذلك.
8- ترك الأدب في الدعاء مع الله بأن يدعو بما لا يليق. قال الخطابي: " ولا يحسن أن يقال: يا رب الكلاب ويا رب القردة والخنازير.. وإن كانت جميع المكونات إليه من جهة الخلق لها، والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها. شأن الدعاء (153) .
فاللائق بالعبد حال دعائه بربه أن يتأدب غاية ما يمكنه وأن يجتنب ما لا يليق فإن المقام مقام ذل وخضوع.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في ثنائه على ربه في دعائه حتى إنه أظهر العجز والانقطاع عن الوصول إلى غاية مدحه فقال: " وأعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك".
9- أن يعتمد على غيره في الدعاء:
فتجد من الناس من لا يدعو الله بنفسه بحجة أنه مذنب، فتجده دائماً يطلب من غيره الدعاء، وهذا وإن كان جائزاً في الجملة إلا أن فيه محاذير. ولهذا فعلى العبد أن يكثر من الدعاء ويحسن الظن وينظر إلى عظيم جوده وكرمه مهما كان متمادياً في المعصية فإن رحمة الله سبحانه تَسَعُه، فإذا كان الله سبحانه يجيب دعاء المشركين عند الاضطرار فإن إجابته للمؤمنين مع تقصيرهم من باب أولى.
وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي، فأنا مضطر. قال:" إذاً فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه" الجامع لأحكام القران (13/223) .
10- اليأس وقلة اليقين من إجابة الدعاء فبعض الناس إذا أصيب بمرض عضال يغلب على الظن أنه لا يبرأ يدع الدعاء ويترك اللجوء إلى الله وربما ألقى الشيطان في روعه أن الدعاء لا داعي له.
وهذا من أعظم الأخطاء وهو جهل بالله وقدرته وجميل إحسانه، فهو سبحانه على كل شيء قدير، يقول للشيء إذا أراده كن فيكون.
وقد دعا زكريا عليه السلام وهو شيخ كبير وامرأته عاقر طالباً الذرية: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) فأجاب الله دعاءه: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ... ) فلا تيأس من روح الله، ولا تحجر رحمة الله سبحانه.
11- المبالغة في رفع الصوت خاصة مع وجود مكبرات الصوت فربما سمعت أصوات الداعين من مكان بعيد وهو خطأ واعتداء وباب من أبواب الرياء والأولى رفع الصوت بقدر ما يسمعه المصلون إذا كانوا يؤمنون وراءه.
12- الدعاء بـ: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه، وهو خطأ لأنه سبحانه شرع لنا أن نسأله رد القضاء؛ لأن كل ما يصيب الإنسان من بلاء هو من القضاء.
وفي الدعاء المشهور: " وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك " وقال البخاري: " باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء " وقوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: " تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوق القضاء" رواه البخاري (7/215) .
13- إطالة الدعاء في القنوت، والدعاء بما لا يناسب المقصود، وخاصة في النوازل فإن القنوت عند النوازل إنما يشرع للدعاء لقوم أو الدعاء على آخرين، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى -: " وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة.." الفتاوى 22/271.
وقال: " فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب أولئك القوم المحاربين." الفتاوى 21/155.
فهذه بعض الأخطاء التي ترتكب في الدعاء، نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، ويوفقنا للصواب في القول والعمل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/508)
الدعاء لمن أحسن إليك بـ (جزاك الله خيرا)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شكر من تأخذ منه المال بمثل: " جزاك الله خيرا " فيه محذور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخلق الكريم يقتضي مكافأة من يؤدي إليك المعروف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، فقال: (مَن صَنَعَ إِليكُم مَعرُوفًا فَكَافِئُوه، فَإِن لَم تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ فَادعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوا أَنَّكُم قَد كَافَأتُمُوهُ) رواه أبو داود (1672) وصححه الألباني.
وإحسان المكافأة يعني اختيار ما يدخل الفرح والسرور على صاحب المعروف، فكما أنه أدخل على قلبك المسرة، فينبغي أن تسعى لشكره بالمثل، قال تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن/60.
فإن قصرت الحيلة عن مكافأته بهدية، أو مساعدة في عمل، أو تقديم خدمة له، ونحو ذلك، فلا أقل من الدعاء له، وقد يكون هذا الدعاء من أسباب سعادته في الدنيا والآخرة.
ومن أفضل صيغ الدعاء لمن أدى إليك معروفا ما جاءت به السنة:
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) .
رواه الترمذي (1958) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/53) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد ورد هذا الدعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم في سياق حديث طويل وفيه قوله: (وَأَنتُم مَعشَرَ الأَنصَارِ! فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيرًا، فَإِنَّكُم أَعِفَّةٌ صُبُرٌ) رواه ابن حبان (7277) والحاكم (4/79) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3096) : وهو كما قالا.
كما كانت هذه الجملة من الدعاء معتادة على ألسنة الصحابة رضوان الله عليهم:
جاء في مصنف ابن أبي شيبة (5/322) : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو يعلم أحدكم ما له في قوله لأخيه: جزاك الله خيرا، لأَكثَرَ منها بعضكم لبعض) .
وهذا أسيد بن الحضير رضي الله عنه يقول لعائشة رضي الله عنها: (جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة) رواه البخاري (336) ومسلم (367) .
وفي صحيح مسلم (1823) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرا. فقال: راغب وراهب) . أي راغب فيما عند الله من الثواب والرحمة، وراهب مما عنده من العقوبة.
ومعنى " جزاك الله خيرا" أي أطلب من الله أن يثيبك خيرا كثيراً.
"فيض القدير" (1/410) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (4/22) :
" والمكافأة تكون بحسب الحال، من الناس من تكون مكافأته أن تعطيه مثل ما أعطاك أو أكثر، ومن الناس من تكون مكافأته أن تدعو له، ولا يرضى أن تكافئه بمال، فإن الإنسان الكبير الذي عنده أموال كثيرة، وله جاه وشرف في قومه إذا أهدى إليك شيئا فأعطيته مثل ما أهدى إليك رأى في ذلك قصورا في حقه، لكن مثل هذا ادع الله له، (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ، ومن ذلك أن تقول له: (جزاك الله خيرا) ، وذلك لأن الله تعالى إذا جزاه خيرا كان ذلك سعادة له في الدنيا والآخرة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/509)
هل يجوز أن يسأل الله مبلغا معينا من المال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقول الإنسان في دعائه: اللهم ارزقني عدد كذا من الريالات (1000) ريال مثلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإنسان أن يسأل ربه حاجة من حوائج الدنيا، من مال أو زوجة ونحو ذلك، كما روى الترمذي (3973) ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح.
والأفضل أن يقرن هذا بطلب النفع والبركة والعون على الطاعة، كأن يقول: اللهم ارزقني مالا صالحا أو طيبا، وبارك لي فيه، واجعله عونا على طاعتك وبلاغا لمرضاتك، أو يقول: اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، أو ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، فإن المال قد يكون فتنة وبلاء ونقمة.
ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن ماجه (925) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى الترمذي (3500) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ فَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْهُ أَنَّكَ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي قَالَ فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا. والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 1265
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/510)
أدعية لقضاء الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[مستدين بديون تجارية متعلقة بالسوق ولكن كثرت الديون وتعددت لدرجة استحالة الوفاء بها في ظل الظروف السوقية الحالية ولا أجد سبيلا للسداد....ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرج همك وأن يقضي دينك، وأن يرزقك من فضله.
وهذه بعض النصائح نرجو أن يكون فيها عون لك:
أولا:
أن تتحلى بالصبر، وأن تسعى للتخلص مما أنت فيه بالبحث عن طرق مشروعة للكسب، تجني منها بعض الأرباح، وتعوض خسائرك، وتقضي دينك، فأبواب الرزق واسعة، وقد يبدأ الإنسان بعمل صغير ثم يبارك له فيه، وهذا واقع مشاهد.
ثانيا:
أن تقلل من النفقة الخاصة بك، وأن تعلم أن الدائنين أولى بكل ما زاد عن نفقتك الضرورية، فلا تتهاون في أمر الدَّيْن، ولا تسترسل في الإنفاق، ولا يحملنك اليأس من سداده على أن تنساه، أو تقصر في البحث عن مخرج منه.
ثالثا:
أن تستسمح أصحاب الدين، وأن تخبرهم بعجزك عن السداد، وأن تطلب منهم المهلة، فهذا خير لك من الهروب والمماطلة التي تزيدهم عليك حنقا وضيقا.
رابعا:
أن تصلح ما بينك وبين الله تعالى، ليصلح لك ما بينك وبين الناس، وقد وعد الله أهل طاعته بالمزيد من فضله، فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97. وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
وقال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) نوح/10- 12. فأكثر من الاستغفار والتوبة والعمل الصالح، فإن رحمة الله قريب من المحسنين.
خامسا:
إذا كنت قد أخذت هذه الديون وأنت عازم على أدائها فعليك أن تحسن الظن بالله تعالى وتثق به أنه سيقضيها عنك، روى البخاري (2387) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه) ، وروى ابن ماجة (2409) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
سادساً:
توجه إلى الله تعالى بالدعاء، وأيقن بالإجابة، فإن من أدمن طرق الباب، يوشك أن يفتح له، وتخير لدعائك أوقات الإجابة، كالثلث الأخير من الليل، وبعد عصر الجمعة، وما بين الأذان والإقامة، وفي السفر، وعند الفطر من الصوم.
وإليك بعض الأدعية المناسبة لحالك:
روى الترمذي (3563) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
والمكاتبة: تعهد العبد بدفع مال لسيده حتى يعتقه.
و (جبل صِير) اسم جبل.
وروى الطبراني في معجمه الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيناً لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) . وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1821) .
وروى أحمد (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. قَالَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ بَلَى، َنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1822) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/511)
تخيل الكعبة في الصلاة والدعاء هل هو الإحسان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حاولت أثناء الصلاة أو الدعاء أن أتخيل الكعبة فهل أكون قد حققت المراد من " اعبد الله كأنك تراه "؟ فإني عندما أتصور شيئاً آخر - وهذا يحدث كثيراً وليست وسوسة - أشعر أني لست في كامل خشوعي، فعندما أحاول مناجاة الله أريد أن أشعر بهذا , ولأن النظر إلى السماء مكروه في الصلاة، فأشيروا عليَّ حفظكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإحسان هو الإتقان، ومن معانيه العظيمة في الشرع: إتقان العبادات وأدائها على الوجه الذي أمر الله تعالى به.
وإن تذكُّر العابد أن الله تعالى مطلع عليه وناظر إليه: يوجب الإتقان في العبادة، ويبلغ بعبادته مبلغاً عالياً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) رواه البخاري (50) ومسلم (9) .
قال ابن رجب رحمه الله: " يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه كأنه يراه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم.. ويوجب أيضا النصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها " انتهى.
جامع العلوم والحكم (1/35) .
وقال أيضا: " وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته؛ فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له؛ كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا َإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) [رواه البخاري (25) ومسلم (1599) ] .
فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها، حتى الكلام.. "
ثم قال:
" وأصل الخشوع الحاصل في القلب إنما هو من معرفة الله، ومعرفة عظمته وجلاله وكماله؛ فمن كان بالله أعرف، فهو له أخشع.
وتتفاوت القلوب في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع؛ فمن خاشع لقوة مطالعته لقرب الرب من عبده، واطلاعه على سره وضميره، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات.
ومن خاشع لمطالعته لجلال الله وعظمته وكبريائه، المقتضي لهيبته وإجلاله.
ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي للاستغراق في محبته، والشوق إلى لقائه ورؤيته.
ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه وعقابه، المقتضي للخوف منه.
وهو سبحانه جابر القلوب المنكسرة لأجله، فهو سبحانه وتعالى يتقرب من القلوب الخاشعة له، كما يتقرب ممن هو قائم يناجيه في الصلاة، وممن يعفر له وجهه في التراب بالسجود، وكما يتقرب من وفده وزوار بيته الوافدين بين يديه، المتضرعين إليه في الوقوف بعرفة، ويدنو ويباهي بهم الملائكة، وكما يتقرب عباده الداعين له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، ويجيب دعاءهم، ويعطيهم سؤلهم، ولا جبر لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة " انتهى.
"الذل والانكسار للعزيز الجبار" (ضمن رسائل ابن رجب 1/290، 293) .
وأما ما أشار إليه السائل من تخيله للكعبة في صلاته، فلا نعلم لذلك أصلا، ولا يظهر أن في ذلك التخيل ما يعين على الخشوع الحقيقي في الصلاة، وكم ممن يكون في صحن الكعبة، ويشاهده أمامه رأي العين، ثم هو يصلي كأنه يصلي في سوقه، لا يعرف للخشوع طعما.
وحديث أبي هريرة السابق بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان وعرَّفه بأنه " أن تعبد الله كأنك تراه " ولم يقل " كأنك ترى الكعبة ".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/512)
طلبت منها صديقتها أن تدعو لها بمولودة أنثى
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد الأيام طلبت مني إحدى الأخوات وهي حامل أن أدعو لها أن ترزق ببنت، فهل يجوز أن أدعو بمثل هذا الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأولى أن يسأل الإنسان ربه الذرية الصالحة، لأنه لا يعلم هل تكون البنت خيرا، أم الذكر، ولهذا كان من دعاء عباد الرحمن: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان/74.
وإذا اشتاقت الأم للابن أو للبنت، وسألت ربها ذلك، فلتقرن الدعاء بسؤال الصلاح والتوفيق كأن تقول: اللهم إني أسألك بنتا مؤمنة صالحة تكون قرة عين لي، ونحو ذلك.
وأنت لا حرج عليك في الدعاء لها، وقولي: اللهم ارزقها بنتا صالحة تكون عونا لها على طاعتك ومرضاتك، أو نحو هذا الدعاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/513)
ما هو الدعاء الذى يحفظ من الحريق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الذي يحفظ من الحريق؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحريق من الآفات العظام التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها، ويسأل الله تعالى أن يقيه منه ومن غيره من المصائب.
عن أبي اليسر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي وَالهَدمِ وَالغَرَقِ وَالحَرِيقِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَن يَتَخَبَّطَنِي الشَّيطَانُ عِندَ المَوتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَن أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَن أَمُوتَ لَدِيغًا) رواه النسائي (5531) والحاكم في المستدرك (1/713) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون" (199) : ثابت، وصححه الألباني في صحيح النسائي.
ولا أعرف في السنة دعاء صحيحا خاصا يقوله المسلم فيحفظه الله تعالى من الحريق، إنما يدعو أن يحفظه الله تعالى من الأذى والمكروه، ويسأل الله تعالى العافية والستر، ويتعوذ مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه، كما في الحديث السابق، والله سبحانه وتعالى خيرٌ حافظا وهو أرحم الراحمين.
انظر جواب السؤال رقم (22816)
ثانيا:
روي في الحفظ من الحريق وغيره من الآفات حديث ضعيف، لعل السائل يقصده، وهو:
عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك. قال: ما احترق، قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالهن آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
أخرجه ابن السني في كتابه "عمل اليوم والليلة" (25/ح27) ، والطبراني في الدعاء (2 / 954)
قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2 / 836، 837) :
" هذا حديث لا يثبت، وآفته من الأغلب بن تميم، قال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث " انتهى.
وقد جاء الحديث من طريق أخرى بلفظ مقارب لما سبق، أخرجها الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (2/953) قال: " حدثنا يزيد بن هارون، ثنا معاذ أبو عبد الله قال: حدثني رجل عن الحسن به "
وهذا سند ضعيف لإبهام الرجل الذي يحدث عن الحسن.
وقد ضعف الحديث العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/316) ، والشيخ الألباني في "تحقيق الكلم الطيب" (74) .
ثالثا:
إذا قدر الله وقوع الحريق، فإن بعض أهل العلم يستحب التكبير عنده أثناء إطفائه، ويقولون إن التكبير عند الحريق ينفع في إطفائه ومنع ضرره وأذاه.
ويُروَى حديث في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِذَا رأيْتُمُ الحَرِيقَ فَكَبِّرُوا فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفئُهُ) أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (295) ، والطبراني في "الدعاء" (1/307) ، ولكنه حديث ضعيف، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (2603)
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "الفتاوى الكبرى" (5/188) :
" ولهذا كان شعار الصلوات والأذان والأعياد هو: التكبير، وكان مستحبا في الأمكنة العالية كالصفا والمروة وإذا علا الإنسان شرفا أو ركب دابة ونحو ذلك، وبه يطفأ الحريق وإن عظم، وعند الأذان يهرب الشيطان " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/194) :
" لما كان الحريق سببه النار، وهي مادة الشيطان التي خلق منها، وكان فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله، كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له، وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد، وهذان الأمران - وهما العلو في الأرض والفساد - هما هدي الشيطان، وإليهما يدعو، وبهما يُهلِك بني آدم، فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض والفساد، وكبرياء الرب عز وجل تقمع الشيطان وفعله، ولهذا كان تكبير الله عز وجل له أثر في إطفاء الحريق؛ فإن كبرياء الله عز وجل لا يقوم لها شئ، فإذا كبر المسلم ربه أثَّر تكبيره في خمود النار وخمود الشيطان التي هي مادته، فيطفئ الحريق، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك، والله أعلم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/514)
تحديد ساعة الاستجابة يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن الدعاء في خطبة الجمعة مجاب لأنه هناك ساعة إجابة معينه قد تصادف هذا الدعاء ... ولكن يجب علينا أيضا الإنصات للخطيب والتركيز في الخطبة؟ فكيف نفعل ذالك؟؟ الرجاء الإجابة؟ أسال الله أن يقويكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت السنة الصحيحة على أن في الجمعة ساعة إجابة، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه، كما في الحديث الذي رواه البخاري (5295) ومسلم (852) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ) .
وقد اختلف في تحديد وقت هذه الساعة، على أقوال كثيرة، أصحها قولان.
قال ابن القيم رحمه الله: " وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر:
الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه (853) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟
قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ؛ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ) .
وروى الترمذي (490) وابن ماجة (1138) من حديث كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ) !!
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟
قَالَ: (حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا) [قال الشيخ الألباني: ضعيف جدا]
والقول الثانى: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وخلقٌ.
وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده (7631) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ) [في تحقيق المسند: حديث صحيح بشواهده، وهذا إسناد ضعيف]
وروى أبو داود (1048) والنسائي (1389) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ) [صححه الألباني] .
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. [صحح الحافظ إسناده في الفتح 2/489] .
وفي سنن ابن ماجه (1139) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ: (إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ، أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ.
قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ. قُلْتُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ؟! قَالَ: بَلَى، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَا يَحْبِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ) صححه الألباني....
وفي سنن أبي داود (1046) والترمذي (491) والنسائي (1430) من حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاَا قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ قَالَ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ فَأَخْبِرْنِي بِهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ قَالَ فَقُلْتُ بَلَى قَالَ هُوَ ذَاكَ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي الصحيحين بعضه [صححه الألباني] " انتهى من "زاد المعاد" (1/376) .
ثانيا:
على القول بأنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، لا يعني ذلك أن المأموم ينشغل بالدعاء ويعرض عن سماع الخطبة، بل يستمع للخطبة، ويؤمن على دعاء إمامه فيها، ويدعو في صلاته، في سجوده، وقبل سلامه.
ويكون بذلك قد أتى بالدعاء في هذه الساعة العظيمة، وإن أضاف إلى ذلك الدعاء في آخر ساعة بعد العصر، فهو أولى وأحسن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/515)
وقت الدعاء عند الإفطار
[السُّؤَالُ]
ـ[للصائم دعوة مستجابة عند فطره فمتى تكون: قبل الإفطار أو في أثناءه أو بعده؟ وهل من دعوات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو دعاء تشيرون به في مثل هذا الوقت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
الدعاء يكون قبل الإفطار عند الغروب؛ لأنه يجتمع فيه انكسار النفس والذل وأنه صائم، وكل هذه أسباب للإجابة وأما بعد الفطر فإن النفس قد استراحت وفرحت وربما حصلت غفلة، لكن ورد دعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لو صح فإنه يكون بعد الإفطار وهو: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " {رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2066) } فهذا لا يكون إلا بعد الفطر، وكذلك ورد عن بعض الصحابة قوله: " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت "
فأنت ادع الله بما تراه مناسباً.
[الْمَصْدَرُ]
اللقاء الشهري رقم 8 للشيخ محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله(7/516)
هل يشترط في أدعية الصلاة أن تكون مما ثبت في السنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في قيام الليل عندما يطيل المصلي الركوع أو السجود هل يجب عليه أن يأتي بجميع الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء بما شاء من الأدعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المصلي أن يدعو في صلاته بما شاء , مما ورد في السنة – وهو أفضل الأدعية وأجمعها , ومما لم يَرِدْ مما يجوز الدعاء به.
ومن دعا بما ورد في الشرع فله ثوابٌ على اتباعه ما ورد في الشرع، وله أجرٌ على دعائه.
ومن النصوص المبيحة لعموم الدعاء بما يجوز قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يتخيّر من المسألة ما شاء) وفي لفظ: (ثم يتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) رواه البخاري (835) ومسلم (402) وقد ورد هذا في الدعاء قبل التسليم من الصلاة.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" يشرع للمؤمن أن يدعو في صلاته في محل الدعاء سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ومحل الدعاء في الصلاة هو السجود، وبين السجدتين، وفي آخر الصلاة بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل التسليم، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بين السجدتين بطلب المغفرة، وثبت أنه كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِن – أي: جدير وحقيق - أن يُستجاب لكم) أخرجه مسلم في صحيحه، وخرَّج مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمه التشهد قال: (ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء) ، وفي لفظ: (ثم ليتخيَّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية , بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم، والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 171، 172) .
وقال رحمه الله أيضاً:
" الدعاء في الصلاة لا بأس به سواء كان لنفسه أو لوالديه أو لغيرهما، بل هو مشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) . . . ثم ذكر الأحاديث المتقدمة ثم قال: فإذا دعا في سجوده أو في آخر الصلاة لنفسه أو لوالديه أو المسلمين: فلا بأس؛ لعموم هذه الأحاديث وغيرها " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 173، 174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/517)
حكم سؤال الله بجاه الصالحين ومكانتهم عنده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأموات الصالحون ربنا يكرم بهم العبد الحي إذا سألنا الله بصلاح الشيخ فلان وبفضله عندك وبعبادته لك أن تفرج يا الله كربتي ونحن نعلم أن الفائدة من الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الدعاء هو من أعظم العبادات الشرعية التي يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، ولا شك أيضاً أنه لا يجوز لأحد من العباد أن يعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لما روى البخاري (2499) ومسلم (3242) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " وفي لفظ لمسلم (3243) :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
وبهذا يعلم أن التوجه إلى الله تعالى والتوسل إليه بما لم يرد عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا قولاً ولا فعلاً، وبما لم يفعله أصحابه الكرام الذين كانوا أحرص الناس على الخير وأسبقهم إليه؛ بدعة منكرة ينبغي للعبد الذي يحب ربه، ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقدم عليها ولا يتعبد بها.
فإذا نظرنا إلى ما ذكرته ـ أيها السائل ـ من التوسل إلى الله بمكانة الصالحين، وعبادتهم وجاههم عند الله؛ وجدنا أنه أمر مُحْدَثٌ لم يَرِدْ عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ورد عن صحابته الكرام أنهم توسلوا يوماً ما بجاهه ومكانته عند ربه لا في حياته ولا بعد مماته بل كانوا في حياته يتوسلون إلى الله بدعائه لهم، فلما توفي عليه الصلاة والسلام توسلوا إلى الله بدعاء الصالحين من الأحياء وتركوا التوسل بجاهه؛ مما يدل بجلاء على أن التوسل بذاته وجاهه لو كان خيراً مشروعا لسبقونا إليه، ومن ذا يزعم أنه أحرص من عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخير، وهاهو يُعرِض عن التوسل إلى الله بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ليتوسل إليه بدعاء عم نبيه، والصحابة الكرام يشهدون ذلك منه دون نكير أو مخالفة؛ كما في صحيح البخاري (954) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ "
ومعنى توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالعباس هو: التوسل بدعائه بدلالة مَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الحديث ,َ عن أَنَس قَالَ " كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَسْقَوْا بِهِ , فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَة عُمَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح. وجاء عند عَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ عُمَر اِسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى , فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ , فَقَامَ الْعَبَّاس " فَذَكَرَ الْحَدِيث. نقله الحافظ في الفتح وسكت عليه.
فتبين بهذا أن التوسل الذي قصده عمر رضي الله عنه إنما هو التوسل بدعاء الرجل الصالح وهو توسل صحيح مشروع دلت عليه الأدلة الكثيرة وهو المعروف من حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم فإنهم كانوا إذا أقحطوا واحتبس عنهم المطر طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فيدعو فيسقون، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/153)
" الدعاء بجاه رسول الله أو بجاه فلان من الصحابة أو غيرهم أو بحياته لا يجوز، لأن العبادات توقيفية، ولم يشرع الله ذلك، وإنما شرع لعباده التوسل إليه سبحانه بأسمائه وصفاته وبتوحيده والإيمان به وبالأعمال الصالحات، وليس بجاه فلان وفلان وحياته من ذلك، فوجب على المكلفين الاقتصار على ما شرع الله سبحانه، وبذلك يُعلم أن التوسل بجاه فلان وحياته وحقه من البدع المحدثة في الدين " اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ليس لأحد أن يُدِلَّ على الله بصلاح سلفه، فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء كأهل الغار الثلاثة فإنهم لم يتوسلوا إلى الله بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم ا. هـ.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه وشرعه حتى نلقاه.. آمين.
والله أعلم.
انظر (التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ص55 وما بعدها، وفتاوى اللجنة الدائمة 1/ 153) ، والتوصل إلى حقيقة التوسل للشيخ محمد نسيب الرفاعي ص 180) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/518)
هل تدعو الزوجة الثانية على الزوجة الأولى لظلمها لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد طلقني زوجي، بعد زواجٍ دام 11 شهرًا فقط! ! وسؤالي هو: في قلبي نارٌ من تفضيله زوجته الأولى عليّ، رغم تعدّيها وظلمها لي. فهل من المحرّم الدعاء بالسوء. . لأني أشعر أنّي لا أملك سوى دفاع الله عنّي، وجبر خاطري، ولذلك أقول طوال الوقت: حسبي الله ونعم الوكيل، اللهمّ أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها. . وأقول: اللهم انصرني على من ظلمني، وأرني به ثأري، وبالفعل أعنيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد حذرنا الله ورسوله من الظلم , قال الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) إبراهيم/42 , وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم (2578) .
ومن أعظم الظلم وأقبحه: ظلم الزوج زوجته، وتركه العدل بين زوجاته.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشقّهُ مَائِلٌ) رواه أبو داود (2133) وصححه ابن حجر "بلوغ المرام" (315) .
قال الذهبيّ رحمه الله في "الكبائر" (ص109) :
" ومن الظلم: أن يظلم المرأة حقّها من صداقها ونفقتها وكسوتها " انتهى.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
(يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلانٍ، من كان له حقٌ فليأت إلى حقّه، فتفرح المرأة أن يكون لها الحقّ على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، ثم قرأ ابن مسعود: (فَلَاْ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَاْ يَتَسَاءَلُون) المؤمنون/101، فيغفر الله تبارك وتعالى من حقّه ما شاء، ولا يغفر من حقوق الناس شيئًا) رواه الطبري في تفسيره (5/90) .
ثانيًا:
وقد أرخص الله سبحانه وتعالى للمظلوم أن ينتصر ممن ظلمه في الدنيا، وذلك بما يقدر عليه، من غير تعدٍّ ولا تجاوزٍ ولا ظلم.
قال الله تعالى: (لَاْ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا) النساء/148.
قال ابن كثير في "التفسير" (1/572) :
" قال ابن عباسٍ في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إِلّا مَنْ ظُلِمَ) ، وإن صبر فهو خيرٌ له " انتهى.
وقال تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيْلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىْ الّذِيْنَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِيْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ، أُوْلئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/41-42.
وقال تعالى: (وَالَّذِيْنَ إِذَاْ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) الشورى/39.
وقد جاء عن بعض الصحابة دعاؤهم على من ظلمهم:
فلما اتهم رجلٌ من أهل الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه بما هو بريء منه , قال سعدٌ: (أما والله لأدْعونّ بثلاْثٍ: اللهمّ إنْ كان عبْدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعةً، فأطلْ عمره، وأَطِلْ فقْرَه، وعرّضه للْفتن. فكان الرجل يقول بعد ذلك: شيخٌ مفْتونٌ أصابتْني دعْوة سعْدٍ) رواه البخاري (755) ومسلم مختصرا (453) .
وعن محمد بن زيد عن سعيد بن زيْدٍ رضي الله عنه أنّ أروى (اسم امرأة) خاصمتْه في بعْض داره، فقال: دعوها وإيّاها، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ شبْرًا من الأرض بغيْر حقّه طوّقه في سبع أرضين يوْم القيامة) ، اللهمّ إن كانت كاذبةً فأعم بصرها , واجعلْ قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيدٍ، فبينما هي تمشي في الدّار، مرّت على بئرٍ في الدّار فوقعتْ فيها فكانت قبْرها. رواه مسلم (1610) .
قال النووي في "شرح مسلم" (11/50) :
" وفي حديث سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه جواز الدعاء على الظالم " انتهى.
وإذا دعا المظلوم على من ظلمه، فلا يتعدَّ في الدعاء، ولا يتجاوزْ ما شرعه الله له.
قال الحسن البصري:
(لا يدع عليه، وليقل: اللهم أعنّي عليه، واستخرج حقّي منه) .
وفي روايةٍ عنه قال: (قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، من غير أن يعتدي عليه) انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1/572) .
وخير ما يدعو به المظلوم، هو ما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فعن جابرٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي) . رواه البخاري في الأدب المفرد (1/226) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: (الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ. . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا. .) رواه الترمذي (3502) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ثالثاً:
وخيرٌ من ذلك كله: العفو، وترك أمر الظالم له سبحانه وتعالى يوم القيامة، وذلك أنّ من عفا عن حقّه في الدنيا، أخذه وافرًا في الآخرة، وأراح قلبه من شوائب الحقد والغيظ.
وقد بوّب البخاريّ في صحيحه (2/864) :
" باب عفو المظلوم لقوله تعالى: (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) النساء/149. (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى/40. (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى/43 " انتهى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ) رواه أحمد (4/158) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (891) .
وعنْ عائشة رضي الله عنْها قالت: (سُرِقَتْ مِلْحفةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَن سَرَقَهَا، فَجَعَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: لَاْ تُسَبِّخِي عَنْهُ) .
قال أبو داود: لا تسبخي: أي: لا تخففي عنه. رواه أبو داود برقم (1497) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2468) .
والخلاصة:
أنه لا يجوز للزوج أن يظلم زوجته سواء كانت واحدة أو معها أخرى، ويجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه، لكن لا يجوز له أن يعتدي في دعائه، وخير من الدعاء العفو: والمسامحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/519)
هل للدعاء يوم عرفة فضل لغير الحاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدعاء يوم عرفة مستجاب لغير الحاج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن عائشة رضي الله عنه قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) رواه مسلم (1348) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) رواه الترمذي (3585) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1536) .
وعن طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) رواه مالك في " الموطأ " (500) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (1102) .
وقد اختلف العلماء هل هذا الفضل للدعاء يوم عرفة خاص بمن كان في عرفة أم يشمل باقي البقاع، والأرجح أنه عام، وأن الفضل لليوم، ولا شك أن من كان على عرفة فقد جمع بين فضل المكان وفضل الزمان.
قال الباجي رحمه الله:
قوله: " أفضل الدعاء يوم عرفة " يعني: أكثر الذكر بركة وأعظمه ثوابا وأقربه إجابة، ويحتمل أن يريد به الحاج خاصة؛ لأن معنى دعاء يوم عرفة في حقه يصح، وبه يختص، وإن وصف اليوم في الجملة بيوم عرفة فإنه يوصف بفعل الحاج فيه، والله أعلم " انتهى.
" المنتقى شرح الموطأ " (1 / 358) .
وقد ثبت عن بعض السلف أنهم أجازوا " التعريف " وهو الاجتماع في المساجد للدعاء وذكر الله يوم عرفة، وممن فعله ابن عباس رضي الله عنهما، وأجازه الإمام أحمد وإن لم يكن يفعله هو.
قال ابن قدامة رحمه الله:
قال القاضي: ولا بأس بـ " التعريف " عشية عرفة بالأمصار (أي ِ: بغير عرفة) ، وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله – أي: الإمام أحمد - عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة، قال: " أرجو أن لا يكون به بأس قد فعله غير واحد "، وروى الأثرم عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس رحمه الله وقال أحمد: " أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حُرَيث ".
وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع: كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة، قال أحمد: لا بأس به؛ إنما هو دعاء وذكر لله. فقيل له: تفعله أنت؟ قال: أما أنا فلا، وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة " انتهى.
" المغني " (2 / 129) .
وهذا يدل على أنهم رأوا أن فضل يوم عرفة ليس خاصاً بالحجاج فقط، وإن كان الاجتماع للذكر والدعاء في المساجد يوم عرفة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان الإمام أحمد لا يفعله، وكان يرخص فيه ولا ينهى عنه لوروده عن بعض الصحابة، كابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/520)
هل هناك دعاء لهداية شخص نحبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك من دعاء لهداية شخص نحبه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هناك أدعية كثيرة، يدعى بها لهداية من نحب ومن لا نحب، ومن ذلك قولنا: اللهم اهده، اللهم اجعله هاديا مهديا، اللهم اشرح صدره للحق، اللهم وفقه، اللهم خذ بناصيته إلى البر والتقوى، اللهم رده إليك ردا جميلا، ونحو ذلك.
ومما ورد في الدعاء بالهداية:
1- ما رواه البخاري (4392) ومسلم (2524) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ، عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ) . ودَوْس: قبيلة معروفة.
2- ما رواه مسلم (2491) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ، قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا.
3- ما رواه البخاري (3036) ومسلم (2475) عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ إِنِّي لا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا) .
وينبغي أن يكون الدعاء مصحوبا باليقين، وأن يختار له الأوقات التي هي مظنة الإجابة، كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وأثناء السجود، وبعد عصر يوم الجمعة، مع تحري الحلال، وإطابة المطعم، إلى غير ذلك من آداب الدعاء، وانظر السؤال (36902) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/521)
هل في الشرع دعاء يقال عند السحور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ظننت أيام المدرسة أن هناك دعاءً مخصصاً فقط للإفطار وليس للسحور؛ لأن في السحور النية محلها القلب لكن زوجي أخبرني أن هناك دعاءً مخصصاً للسحور أيضاً.
رجاء التوضيح، هل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هناك أدعية خاصة وردت بها السنة يقوله الصائم عند فطره، فيقول: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله "، وله أن يدعو بما يشاء، لا لكون ذلك ورد في السنة تنصيصاً، بل لأنه محل نهاية عبادة، ويشرع للمسلم أن يدعو عند ذلك.
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
هل هناك دعاء مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وقت الإفطار؟ وما هو وقته؟ وهل يتابع الصائم المؤذن في الأذان أم يستمر في فطره؟
فأجاب:
" إن وقت الإفطار موطن إجابة للدعاء؛ لأنه في آخر العبادة؛ ولأن الإنسان أشد ما يكون - غالباً - من ضعف النفس عند إفطاره، وكلما كان الإنسان أضعف نفساً وأرق قلباً كان أقرب إلى الإنابة والإخبات إلى الله عز وجل، والدعاء المأثور: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) ، ومنه أيضاً: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) ، وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 341) .
وانظر في تخريج حديث " ذهب الظمأ ... " و " اللهم لك صمت " جواب السؤال رقم (26879) ، وفيه بيان ضعف الأول وحسن الثاني، وفيه فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع الدعاء.
وأما السحور فليس هناك دعاء خاص يقال عنده، فالمشروع هو أن يسمي الله في أوله، ويحمده إذا فرغ من الطعام، كما يفعل ذلك عند كل طعام.
لكن من أخَّر سحوره إلى الثلث الأخير من الليل فإنه يدرك بذلك وقت النزول الإلهي فيه، وهو وقت استجابة الدعاء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) . رواه البخاري (1094) ومسلم (758) . فيدعو في هذا الوقت لكونه وقت إجابة لا من أجل السحور.
وأما النية فمحلها القلب ولا يشرع التلفظ بها باللسان، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى ".
وانظر جواب السؤال (37643) و (22909) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/522)
بعض الأدعية القرآنية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأدعية التي وردت في القرآن على ألسنة الأنبياء والرسل والصالحين وهل الدعاء بها سبب للإجابة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فهذه جملة من الأدعية التي وردت في القرآن الكريم ويُرجى أن يكون الدعاء بها مستجاباً مع استكمال شروط الدعاء وآدابه، راجع السؤال رقم (5113) (41017)
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) البقرة/127
(وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/128
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة/250
(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة/ 286
(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) آل عمران/8
(رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) آل عمران/38
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) آل عمران/147
(قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23
(رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأعراف/47
(رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يونس/85
(وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) يونس/86
(رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) الكهف/10
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) إبراهيم/40
(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) طه/25-27
(رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) طه/114
(لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء/87
(وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) المؤمنون/29
(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) المؤمنون/97
(وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) المؤمنون/98
(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) الشعراء/83
(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) القصص/21
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان/74
(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) النمل/19
(رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) الفرقان/65
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا. إنه هو السميع العليم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/523)
ما هو شروط الدعاء لكي يكون الدعاء مستجاباً مقبولاً عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط الدعاء لكي يكون الدعاء مستجاباً مقبولاً عند الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شروط الدعاء كثيرة، منها:
1. " ألا يدعوَ إلا الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: " إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ". رواه الترمذي (2516) . وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وهذا هو معنى قوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) الجن/18، وهذا الشرط أعظم شروط الدعاء وبدونه لا يقبل دعاء ولا يرفع عمل، ومن الناس - من يدعو الأموات ويجعلونهم وسائط بينهم وبين الله، زاعمين أن هؤلاء الصالحين يقربونهم إلى الله ويتوسطون لهم عنده سبحانه وأنهم مذنبون لا جاه لهم عند الله فلذلك يجعلون تلك الوسائط فيدعونها من دون الله , والله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة/186
2. أن يتوسل إلى الله بأحد أنواع التوسل المشروع.
3. تجنب الاستعجال، فإنه من آفات الدعاء التي تمنع قبول الدعاء وفي الحديث: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي". رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)
وفي صحيح مسلم (2736) : " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يتعجل. قيل يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء "
4. أن لا يكون الدعاء فيه إثم ولا قطيعة كما في الحديث السابق: "يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم "
5. حسن الظن بالله قال صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي " رواه البخاري (7405) ومسلم (4675) وفي حديث أبي هريرة: " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة " رواه الترمذي , وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245) .
فمن ظن بربه خيراً أفاض الله عليه جزيل خيراته , وأسبل عليه جميل تفضلاته , ونثر عليه محاسن كراماته وسو ابغ أعطياته.
6. حضور القلب فيكون الداعي حاضر القلب مستشعراً عظمة من يدعوه، قال صلى الله عليه وسلم: " واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ " رواه الترمذي (3479) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245) .
7. إطابة المأكل، قال سبحانه وتعالى: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، وقد استبعد النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابة لمن أكل وشرب ولبس الحرام ففي الحديث: "ذكر صلى الله علبيه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذيَ بالحرام فأني يستجاب لذلك " رواه مسلم (1015)
قال ابن القيم: "وكذلك أكل الحرام يبطل قوته – يعني الدعاء – ويضعفها".
8. تجنب الاعتداء في الدعاء فإنه سبحانه وتعالى لا يحب الاعتداء في الدعاء قال سبحانه:" (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/55، راجع السؤال رقم (41017)
9. ألا ينشغل بالدعاء عن أمر واجب مثل فريضة حاضرة أو يترك القيام بحق والد بحجة الدعاء. ولعل في قصة جريج العابد ما يشير إلى ذلك لما ترك إجابة نداء أمه وأقبل على صلاته فدعت عليه فابتلاه الله.
قال النووي رحمه: " قال العلماء: هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب وإجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام ... " صحيح مسلم بشرح النووي (16/82) .
للاستزادة ينظر كتاب الدعاء لمحمد بن إبراهيم الحمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/524)
أماكن وأوقات إجابة الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأوقات والأماكن والأحوال التي يستجاب فيها الدعاء؟ وما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: دبر الصلوات المكتوبات وهل دعاء الوالد لولده مستجاب أم أن الإجابة في دعائه عليه أرجو بيان كل ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوقات الدعاء المستجاب وأماكنه كثيرة جداً وهذه جملة منها:
1. ليلة القدر فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما قالت له: أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟
قال: قولي " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ".
2. الدعاء في جوف الليل وهو وقت السحر ووقت النزول الإلهي فإنه سبحانه يتفضل على عباده فينزل ليقضي حاجاتهم ويفرج كرباتهم فيقول: " من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" رواه البخاري (1145)
3. دبر الصلوات المكتوبات وفي حديث أبي أمامة " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد اختلف في دبر الصلوات - هل هو قبل السلام أو بعده؟.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أنه قبل السلام، قال ابن تيمية: " دبر كل شيء منه كدبر الحيوان " زاد المعاد (1/305) ، وقال الشيخ ابن عثمين: " ما ورد من الدعاء مقيداً بدبر الصلاة فهو قبل السلام وما ورد من الذكر مقيداً بدبر الصلاة، فهو بعد الصلاة؛ لقوله تعالى: " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم" انظر كتاب الدعاء للشيخ محمد الحمد ص (54) .
4. بين الأذان والإقامة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) رواه أبو داود (521) والترمذي (212) وانظر صحيح الجامع (2408) .
5. عند النداء للصلوات المكتوبة وعند التحام الصفوف في المعركة كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً: " ثنتان لا تردان، أو قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً " رواه أبو داود وهو صحيح انظر صحيح الجامع (3079)
6. عند نزول الغيث كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ثنتان ما تردان: (الدعاء عند النداء وتحت المطر) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع (3078) .
7. في ساعة من الليل كما قال عليه الصلاة والسلام:" إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة" رواه مسلم (757) .
8. ساعة يوم الجمعة.
فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه) وأشار بيده يقللها. رواه البخاري (935) ومسلم (852) .
انظر سؤال رقم (21748)
9. عند شرب زمزم فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما ماء زمزم لما شرب له " رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع " (5502)
10. في السجود قال صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " رواه مسلم (482) .
11. عند سماع صياح الديكة لحديث: " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً " رواه البخاري (2304) ومسلم (2729) .
12. عند الدعاء بـ" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: " دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له " رواه الترمذي وصححه في صحيح الجامع (3383) قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) .
قال رحمه الله: في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه وينجيه كما نجاه وهو قوله: (وكذلك ننجي المؤمنين) الجامع لأحكام القرآن (11/334) .
13. إذا وقعت عليه مصيبة فدعا بـ "إنا لله إنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها " فقد أخرج مسلم في صحيحه (918) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها " رواه مسلم (918) .
14. دعاء الناس بعد قبض روح الميت ففي الحديث أن النبي صلى الله دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: " إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " رواه مسلم (2732) .
15. الدعاء عند المريض: فقد أخرج مسلم (919) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: " إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون.. قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبا سلمة قد مات، فقال لي: قولي: اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت: فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه، محمداً صلى الله عليه وسلم ".
16. دعوة المظلوم وفي الحديث: " واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " رواه البخاري (469) ومسلم (19) وقال عليه الصلاة والسلام: " دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً؛ ففجوره على نفسه " رواه أحمد وانظر صحيح الجامع (3382) .
17. دعاء الوالد لولده – أي: لنفعه - ودعاء الصائم في يوم صيامه ودعوة المسافر فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم ودعوة المسافر " رواه البيهقي وهو في صحيح الجامع (2032) وفي الصحيحة (1797) .
18. دعوة الوالد على ولده – أي: لضرره - ففي الحديث الصحيح: " ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده " رواه الترمذي (1905) وانظر صحيح الأدب المفرد (372)
19. دعاء الولد الصالح لوالديه كما ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم (1631) : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به)
20. الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر فعن عبد الله بن السائب – رضي الله عنه أن رسول الله كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال: " إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح " رواه الترمذي وهو صحيح الإسناد انظر تخريج المشكاة (1/337) .
21. الدعاء عند الاستيقاظ من الليل وقول الدعاء الوارد في ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم: " من تعارّ (أي: استيقظ) من الليل فقال: " لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي – أو دعا – استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " رواه البخاري (1154) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/525)
حديث: (حسبي من سؤالي علمه بحالي)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام يروى عن إبراهيم عليه السلام لمَّا رمي به قومه بالمنجنيق إلى النار استقبله جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك. فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي.
وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً إلى ضعفه (5/327) .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (1/183) :
وَمَا يُرْوَى أَنَّ الْخَلِيلَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي الْمَنْجَنِيقِ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سَلْ قَالَ " حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي " لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". . .
وَأَمَّا سُؤَالُ الْخَلِيلِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَكَيْفَ يَقُولُ حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي؟! .
وقال أيضاً (8/538) :
وَأَمَّا قَوْلُهُ: حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي فَكَلامٌ بَاطِلٌ خِلافَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الأَنْبِيَاءِ مِنْ دُعَائِهِمْ لِلَّهِ وَمَسْأَلَتِهِمْ إيَّاهُ وَهُوَ خِلافُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِنْ سُؤَالِهِمْ لَهُ صَلاحَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ كَقَوْلِهِمْ: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201. وَدُعَاءُ اللَّهِ وَسُؤَالُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ مَشْرُوعَةٌ. . . اهـ.
وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (21) وقال: هو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع. اهـ.
وقد أخذ هذا المعنى بعض الصوفية فقال: "سؤالك منه اتهام له".
قال الألباني رحمه الله:
"وهذه ضلالة كبرى! فهل كان الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا. . .) إبراهيم /37-38. إلى آخر الآيات، وكلها أدعية وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى، والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة بغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤولة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) ثم تلا قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60.
وذلك لأن الدعاء يظهر عبودية العبد لربه وحاجته إليه ومسكنته بين يديه، من رغب عن دعائه، فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى، فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به والحض عليه حتى قال صلى الله عليه وسلم: " من لا يدع الله يغضب عليه "
أخرجه الحاكم (1/491) وصححه ووافقه الذهبي وهو حديث حسن، وقال صلى الله عليه وسلم " سلوا الله كل شيء حتى الشسع، فإن الله عز وجل إن لم ييسره لم يتيسر " أخرجه ابن السني (رقم 349) بسند حسن، وله شاهد من حديث أنس عن الترمذي (4/292) وغيره.
وبالجملة، فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه السلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يقوله من سمانا المسلمين؟! " اهـ
سلسة الأحاديث الضعيفة (1/29) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/526)
صحة حديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك أحاديث تُرَوَّج بين الناس، وتشتهر على الألسنة، وقد يحرص بعض الناس على نشرها جهلاً منهم بعدم صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والواجب على المسلم أن يتحرى ولا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يعلم أنه ثابت عنه.
وهذا الحديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد رواه الطبراني في الدعاء (2/795) والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/452) وابن عدي في الكامل (7/2621) .
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص ": " تفرد به يوسف بن السفر عن الأوزاعي وهو متروك".
وقال الألباني في الإرواء: (3/143) " موضوع".
وحكم عليه في السلسلة الضعيفة (2/96-637) بأنه باطل.
هذا من جهة ثبوت هذا اللفظ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما من جهة المعنى:
فإن المقصود من الإلحاح في الدعاء تكراره، وقد ثبت ذلك من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى مسلم (1794) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا.
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: اِسْتِحْبَاب تَكْرِير الدُّعَاء ثَلاثًا. وَقَوْله: (وَإِذَا سَأَلَ) هُوَ الدُّعَاء , لَكِنْ عَطَفَهُ لاخْتِلافِ اللَّفْظ تَوْكِيدًا اهـ.
وقال البخاري رحمه الله: بَاب تَكْرِير الدُّعَاء، ثم ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الله تعالى، وكَرَّرَ الدعاء لما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي، قالت عائشة: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا. . . الحديث. رواه البخاري (6391) ومسلم (2189) واللفظ له.
وقال ابن القيم رحمه الله في "الداء والدواء" ص 25: ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء اهـ.
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد (305) عن قتادة: قال مورق: ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجلاً في البحر على خشبة فهو يدعو: يارب ... يارب.. لعل الله أن ينجيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/527)
الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح " كل دعاء موقوف أو محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي (486) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . قال ابن كثير: إسناده جيد اهـ. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (2035) من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر شواهده، ثم قال: "وخلاصة القول، أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى على أقل الأحوال" اهـ.
ثم ما رواه الترمذي موقوفاً عن عمر رضي الله عنه له حكم المرفوع.
قال الحافظ العراقي:
"وهو وإن كان موقوفا عليه فمثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما هو أمر توقيفي فحكمه حكم المرفوع ...
وقال القاضي أبو بكر بن العربي عقب ذكره لقول عمر هذا: ومثل هذا إذا قاله عمر لا يكون إلا توقيفا لأنه لا يُدْرَكُ بنظر" اهـ.
والحديث يدل على استحباب الصلاة على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الدعاء.
والذي يظهر أن هذا ليس شرطاً في الدعاء، بدليل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يلتزم هذا في جميع الأدعية. وإنما يؤخذ هذا الأمر على الاستحباب.
وقد ذكر العلماء أن الصلاة على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الدعاء على ثلاث مراتب:
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في كتابه (تصحيح الدعاء ص: 23) :
"وأكمل المراتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في فاتحة الدعاء ووسطه وخاتمته. وإنها للدعاء كالجناح يصعد بخالصه إلى عنان السماء.
والمرتبة الثانية: في أوله وآخره.
والمرتبة الثالثة: في أوله اهـ.
وذكر هذه المراتب أيضاً ابن القيم رحم الله في كتابه " جلاء الأفهام" ص 531-535) .
وروى الترمذي (3477) عن فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل فليبدأ بالمدحة والثناء على الله بما هو أهله، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليسأل بعدُ، فإنه أجدر أن ينجح. ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (3204) .
وقال أبو سليمان الداراني: (من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي، وليسأل حاجته، وليختم بالصلاة على النبي، فإن الصلاة على النبي مقبولة، والله أكرم أن يرد ما بينهما) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/528)
زوجها عصبي بماذا تدعو له
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت أختي وبعد زواجها بفترة أصبح زوجها عصبياً جدا حتى وصل إلى درجة العنف فهل هناك دعاء أو سورة يمكن أن تقرأه حتى تنقذ زواجها وتعود حياتها كما كانت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك سورة مخصوصة تتلى أو دعاء مخصوص للحالة المذكورة، ولكن يمكن أن تدعو هذه الزوجة لزوجها بما يفتح الله عليها، كأن تقول: اللهم أذهب عنه الغضب، اللهم اجعله حليماً، اللهم أنزل عليه السكينة، وتناشد ربها بأسمائه الحسنى وتتضرّع إليه لتجتهد في تحري أوقات الإجابة كثلث الليل الأخير، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ويوم عرفة، وفي السجود في الصلاة ونحو ذلك، نسأل الله أن يُصلح حالهما، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/529)
أسباب الفتور وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحل الأمثل للفتور في الإيمان بعد أن كان الشخص يتقي الله ثم أصابه فتور بحيث لم يعد يستطيع أن يقرأ القرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للفتور أسباب لا بدَّ قبل العلاج من الوقوف عليها ومعرفتها. ومعرفتها من طرق وعلاج الفتور.
ومن هذه الأسباب: ضعف الصلة بالله تعالى، والتكاسل في الطاعة والعبادة، وصحبة ضعيفي الهمة، والانشغال بالدنيا وملذاتها، وعدم التفكر في نهاية الدنيا ويعقبه ضعف الاستعداد للقاء الله تعالى.
وأما كيفية علاج المسلم لما يصيبه من فتور في الطاعة والعبادة، فيكون بعدة أمور منها:
1. توثيق الصلة بربه تعالى، وذلك عن طريق قراءة القرآن قراءة تفكر وتدبر، واستشعار عظمة الله تعالى من عظمة كتابه، والتفكر في عظيم أسمائه وصفاته وأفعاله تعالى.
2. المداومة على النوافل والاستمرار عليها، وإن كانت قليلة فمن أكثر أسباب إصابة المسلم بالفتور هو الاندفاع بالطاعة والإكثار منها في أول الطريق، ولم يكن هذا هديه صلى الله عليه وسلم ولا وصيته لأمته، فقد وصفت عائشة رضي الله عنها عمله صلى الله عليه وسلم بأنه " ديمة " أي: دائم غير منقطع، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ "، فإذا أراد المسلم أن لا يصاب بالفتور فليحرص على العمل القليل الدائم فهو خير من كثير منقطع.
3. الحرص على الصحبة الصالحة النشيطة، فصاحب الهمة يزيدك نشاطا، والكسول لا يرضى بصحبة صاحب الهمة، فابحث عن صحبة لها همم تسعى للحفظ وطلب العلم والدعوة إلى الله، فمثل هؤلاء يحثونك على العبادة ويدلونك على الخير.
4. قراءة الكتب المتخصصة في سير أعلام أصحاب الهمة لتقف على نماذج صالحة في سيرك إلى الله، ومن هذه الكتب " علو الهمة " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وكتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " للشيخ سيد عفاني.
5. ونوصيك بالدعاء، وخاصة في جوف الليل الآخر، فما خاب من لجأ إلى ربه واستعان بمولاه ليثبته على الطاعة ويعينه على حسن أدائها.
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/530)
وقفات النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الوقفات التي وقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها للدعاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لنا أن الوقفات المقصودة في السؤال هي ما ورد في وقفاته صلى الله عليه وسلم للدعاء في الحج، وقد ذكر أهل العلم أنها ست وقفات.
قال ابن القيم:
فقد تضمنت حجته ست وقفات للدعاء:
الموقف الأول: على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية. " زاد المعاد " (2 / 287، 288) .
وتفصيل هذه الوقفات:
1. الدعاء على الصفا والمروة: يكون باستقبال البيت في الدعاء بعد التكبير ثلاثاً، ثم يقول الذكر الوارد في السنة ثلاثاً، ويدعو بين ذلك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
يقول الله أكبر وهو رافع يديه كرفعهما في الدعاء ثلاث مرات، ويقول ما ورد ومنه: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده " ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، وينزل متجهاً إلى المروة. " الشرح الممتع " (7 / 268) .
ويكون الدعاء في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، إذ ليس ثمة دعاء على المروة عند نهاية الأشواط.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
وبه نعرف أيضاً أن الدعاء على الصفا والمروة يكون في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، وأن آخر شوط على المروة ليس فيه دعاء؛ لأنه انتهى السعي، وإنما يكون الدعاء في مقدمة الشوط كما كان التكبير أيضاً في الطواف في مقدمة الشوط، وعليه فإذا انتهى من السعي عند المروة ينصرف، وإذا انتهى من الطواف عند الحجر ينصرف، ولا حاجة إلى التقبيل، أو الاستلام، أو الإشارة، والذي نعلل به دون أن يعترض معترض أن نقول هكذا فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم. " الشرح الممتع " (7 / 352) .
2. والدعاء يوم عرفة يستمر إلى غروب الشمس، وعلى الحاج أن يكثر من الدعاء في هذا اليوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ". رواه الترمذي (3585) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
3. ويسن للحاج أن يدعو في مزدلفة رافعاً يديه مستقبل القبلة من بعد صلاة الفجر إلى أن يسفر الصبح جدّاً، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) البقرة/198.
4. الدعاء بعد الجمرة الأولى (وهي الصغرى) ، والثانية (وهي الوسطى) ، ويكون ذلك في أيام التشريق، ولا يشرع الدعاء بعد رمي الجمرة الكبرى لا في يوم النحر ولا بعده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/531)
إذا دعا في السجود بدعاء وارد في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم جديد وعلمت أنه لا يجوز تلاوة القرآن أثناء السجود. وكما تعلمون أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد. وسؤالي عن الأدعية المقتبسة من القرآن، هل يجوز الدعاء بالأدعية القرآنية في السجود؟ أم يعد هذا من التلاوة للقرآن المنهي عنها في السجود؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع أو السجود.
روى مسلم (479) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ – أي جدير وحقيق - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) .
وروى مسلم (480) عن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا.
وقد اتفق العلماء على كراهة قراءة القرآن في الركوع أو السجود.
انظر: "المجموع" (3/411) ، "المغني" (2/181) .
والحكمة من ذلك:
قيل: لأَنَّ أَفْضَل أَرْكَان الصَّلاة الْقِيَام وَأَفْضَل الأَذْكَار الْقُرْآن , فَجَعَلَ الأَفْضَل لِلأَفْضَلِ وَنَهَى عَنْ جَعْله فِي غَيْره لِئَلا يُوهِم اِسْتِوَائِهِ مَعَ بَقِيَّة الأَذْكَار. "عون المعبود".
وقيل: لأن القرآن أشرف الكلام , إذ هو كلام الله , وحالة الركوع والسجود ذل وانخفاض من العبد , فمن الأدب أن لا يقرأ كلام الله في هاتين الحالتين. "مجموع الفتاوى" (5/338) .
ثانياً:
إذا دعا في السجود بدعاء وارد في القرآن الكريم كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201، فلا بأس به إذا قصد بذلك الدعاء لا قراءة القرآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
قال الزركشي: " محل الكراهة ما إذا قصد بها القراءة , فإن قصد بها الدعاء والثناء فينبغي أن يكون كما لو قنت بآية من القرآن " انتهى.
والقنوت بآية من القرآن جائز بلا كراهة.
"تحفة المحتاج" (2/61) .
قال النووي في "الأذكار" (ص 59) :
" ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة " انتهى.
وهذا إذا قصد بالآية الدعاء.
انظر: "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" لابن علان (2/308) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: علمنا بأنه لا يجوز قراءة القرآن في السجود، ولكن هناك بعض الآيات تشتمل على الدعاء مثل قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) ، فما حكم الإتيان بمثل هذه الأدعية الواردة في القرآن في حالة السجود؟
فأجابوا: " لا بأس بذلك إذا أتى بها على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة للقرآن " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/443) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/532)
هل هناك ما يُسمَّى " دعاء كنز العرش "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت دعاء في بعض الكتب يسمى (كنز العرش) وهو كالتالي:
لا إله إلا الله سبحان الملك القدوس، لا إله إلا الله سبحان العزيز الجبار، لا إله إلا الله سبحان الرءوف الرحيم، ... الخ
هل هذا دعاء معروف وما هو فضله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء غير معروف في كتب السنَّة، والذي يغلب على الظن أنه من اختراع بعض الصوفية فيما يسمونه " الأوراد " وهي مجموعة أدعية وكلمات تُجمع للمريدين ليرددوها في أوقات معينة وبطريقة محددة، وبعدد معروف، ومما لا ريب فيه أنه لا يحل متابعتهم فيما يخترعونه من أوراد، و " الدعاء هو العبادة " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في العبادات التوقيف على ما يرد في الشرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعوات مِن أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعيةُ والأذكارُ النبويَّةُ هي أفضل ما يتحرَّاه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمانٍ وسلامةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسانٌ، ولا يحيط بها إنسانٌ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ النَّاسِ، وهي جملةٌ يطول تفصيلها.
وليس لأحدٍ أنْ يَسُنَّ للنَّاسِ نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به ... وأما اتخاذ وردٍ غيِر شرعيٍّ، واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غايةُ المطالبِ الصحيحةِ ونهايةُ المقاصدِ العليَّة، ولا يَعدلُ عنها إلى غيرها من الأذكارِ المحدَثة المبتدعةِ إلاّ جاهلٌ أو مفرِّطٌ أو متعَدٍّ. أ. هـ
"مجموع الفتاوى" (22/510-511) .
وانظر جواب السؤال رقم (6745) ففيه زيادة بيان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/533)
الأوقات التي دعا فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحج والعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأوقات التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمرته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أخي السائل وفقك الله أن الحاج والمعتمر ضيوف الله ووفده القادمون عليه، فهو سبحانه ما دعاهم إلا ليعطيهم وما طلبهم إلا ليكرمهم.
وفي الحديث الصحيح: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه وانظره في السلسلة الصحيحة (1920) .
وأعظم أعطياته لهم - وكلها عظيمة - أنهم يرجعون كيوم ولدتهم أمهاتهم بعد أن جاءوا بالذنوب مثقلين، وبالأوزار والخطايا متلبسين، فما يغادرون موقعهم ومشاعرهم إلا وقد خرجوا من الذنوب متخففين، وبرحمة الله ورضوانه راجعين، بعد أن حطوا رحالهم عند باب الكريم الرحيم..
وفي الحديث الصحيح: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .
فسبحانه ما أعظمه وأجله! تطوى تلك الصحائف التي امتلأت بالذنوب! بخطوات يخطوها المسلم إلى بيت الله فيا لها من رحلة من فاتته فأي شيء حصَّل! ومن حصلها وسار إليها فأي شيء فَقَد! قال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
وأما الأوقات التي دعا فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجه وعمرته، فهي كالآتي:
1.الدعاء عند الصفا: لما جاء في الحديث الطويل حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (فبدأ بالصفا فرقي حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات) رواه مسلم (1218) .
2.الدعاء عند المروة: للحديث السابق وفيه: (ثم نزل إلي المروة، حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل الصفا) رواه مسلم (1218) .
3.الدعاء عند المشعر الحرام: كما جاء في الحديث السابق وفيه: (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزال واقفاً حتى أسفر جداً) رواه مسلم (1218) .
4.الدعاء يوم عرفه: قال عليه الصلاة والسلام: (خير دعاء يوم عرفة) رواه الترمذي (3585) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4274) .
5.الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى: فقد روى البخاري في صحيحه عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ثم يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم فَيُسْهِل، فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخذ ذات الشمال فَيُسْهِل، ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي جمرة ذات العقبة في بطن الوادي، ولا يقف عندها، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. رواه البخاري (1752)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/534)
أدعو بالزوج الصالح ولم يحصل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت كثيراً عن أوقات تحري إجابة الدعاء (الثلث الأخير من الليل، رمضان ... ) وأجد من الصعب الصبر على التوسل في دعائي، إنني أتوسل وأدعو منذ 7 سنوات أن يرزقني الله بزوج صالح ولكن ليس هناك أي بوادر أمل حيث إنني أعيش في مكان ليس به مسلمون. كيف أستعيد الصبر على شيء لا أرى له أي بوادر؟ شكراً جزيلاً لكم. أنا قلقة جداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فنوصيك بتقوى الله تعالى، والصبر على ما ابتلاك به، واليقين بأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.
وقد يكون من الأفضل لك أن تنتقلي إلى بلد يكثر فيه المسلمون، لتزداد فرصتك في الزواج من أهل التقوى والصلاح.
ولا ينبغي أن تقلقي لأمر مقدر مكتوب، فإنه لا يأتيك إلا ما قسم الله لك. وكم في بلاد المسلمين من النساء من تجاوزت الثلاثين والأربعين دون أن ترزق بزوج، ومنهن من بلغت هذا السن ثم تزوجت.
والدعاء سلاح عظيم لمن أحسن استخدامه، فادعي الله وأنت موقنة بإجابة الدعاء، وتحري أسباب القبول، من طيب المطعم والمشرب، واختيار الأوقات الفاضلة، واحذري من تعجل الإجابة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي" رواه البخاري (5865) ومسلم (2735) من حديث أبي هريرة.
واعلمي أن الدعاء مدخر للعبد، نافع له في جميع الأحوال، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة ... ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل. قالوا يا رسول الله وكيف يستعجل؟ قال يقول: دعوت ربي فما استجاب لي " الترمذي 3859 وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 852
واعلمي بأنك لو مُت على العفّة وأنت بكر فلك أجر عظيم عند الله، وما فاتك في الدنيا لا يفوتك بالجنة إن ثبتِ على الحق، ولا مانع من أن تعربي عن رغبتك لبعض أخواتك المسلمات عن طريق البريد المكتوب أو الإلكتروني حتى يسعين لك بزوج صالح عن طريقهن.
نسأل الله أن يعجّل بالفرج وأن يرزقك زوجاً صالحاً تقرّ به عينك. والله الموفق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/535)
بعض الناس يدعو كثيراً ولا يُستجاب له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة من تأخر إجابة الدعاء؟ فإن بعض الناس يدعو فلا يجاب ويبالغ ويطيل في الطلب فلا يرى لذلك أثراً فيجد الشيطان مع هذا الإنسان فيبدأ بالوسوسة وإساءة الظن بربه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي لمن وقع له ذلك أن يعتقد أن تأخر الإجابة يحمل في طياته حكماً باهرة وأسراراً بديعة، فالله سبحانه هو مالك الملك، لا راد لفضله ولا معقب لحكمه، ولا اعتراض على عطائه ومنعه، إن أعطى فبفضله، وإن منع فبعدله، فنحن عبيد له سبحانه يفعل فينا ما يشاؤه ويختاره سبحانه: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة) وكيف يقصر العبد المملوك في أداء حق سيده عليه ثم يطالب بحقه كاملاً؟ !
فإن حقه سبحانه وتعالى أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، فإذا نظرت إلى نفسك تجاه هذه الحق مقتّ نفسك وازدريتها وانفتح لك باب الانكسار له سبحانه وأنه لا نجاة إلا بعفوه ورحمته فانظر أيها العبد إلى نفسك على أنك مربوب مملوك، وأنه الله سبحانه هو الخالق المدبر.
ثانياً:
لله سبحانه الحكمة البالغة فلا يعطي ولا يمنع إلا لحكمة، وقد ترى الشيء تظنه خيراً ولكن حكمته سبحانه لا تقتضيه، فالطبيب قد يفعل أشياء ظاهرها أنها مؤذية، ولكنها هي عين المصلحة " ولله المثل الأعلى "
ثالثاً:
أن تحقق المطلوب قد يكون فيه بلاء للداعي: وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أُسِرْتَ وإنْ أُسِرْتَ تَنَصَّرْتَ. صيد الخاطر (1/109) .
قال ابن القيم: " فقضاؤه لعبده المؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية " مدار السالكين (4/215) .
(فالإنسان لا يعلم عاقبة أمره فربما يطلب ما لا تحمد عاقبته، وربما كان فيه ضرره، والمدبر له أعلم بمصالحه: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) ومن أسرار الآية ألا يقترح على ربه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل فيه مضرته وهو لا يعلم فلا يختار على ربه بل يسأله حسن العاقبة فيما يختار له فإنه لا شيء أنفع له من ذلك)
رابعاً:
اختيار الله لعبده خير من اختيار العبد لنفسه، فهو سبحانه أرحم بعباده من أنفسهم وأمهاتهم وإذا أنزل بهم ما يكرهون فإنه خيرٌ لهم من ألا ينزل بهم، إحساناً إليهم ولطفاً بهم، فإذا سلم العبد لله وأيقن أن الملك ملك الله، والأمر أمره، وأنه أرحم به من نفسه، طاب قلبه، قُضِيَتْ حاجتُه أم لم تُقْضَ " انظر مدارج السالكين (2/215) .
خامساً:
تأخر الإجابة سبب لتفقد العبد لنفسه فقد يكون امتناع الإجابة أو تأخرها لآفة في الداعي؛ فربما كان في مطعمه حرام، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة، أو كان متلبساً بذنوب عوقب عليها بعدم إجابة دعائه. فتأخر الدعاء قد يبعث الداعي إلى تَفَقُّد نفسه، والنظر في حاله مع ربه، فيحصل من جَرَّاء ذلك المحاسبة والتوبة. ولو عُجِّلَت له دعوته لربما غفل عن نفسه فظن أنه على خير فأهلكه العٌجب.
سادساً:
تأخر الإجابة أو امتناعها قد يكون لأن الله يريد أن يؤخر له الثواب والأجر يوم القيامة أو يريد الله سبحانه أن يصرف عنه من السوء مثل دعوته وهو لا يعلم.
وبكل حال فثمرة الدعاء مضمونة حتى ولو لم تر الإجابة بعينيك فأحسن الظن بربك وقل: لعله استجاب لي من حيث لا أعلم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) رواه أحمد (10749) قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (حسن صحيح)
وبالجملة فعدم إجابة الدعاء أو تأخيرها له أسباب، وحِكَم كثيرة، فعلى العبد أن يتأمَّل ذلك، ولا يترك الدعاء، فإنه لن يعدم من الدعاء خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/536)
حكم التجمع للدعاء وقراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[في المصلى الخاص بجامعتنا قام خلاف بشأن الاجتماع للجلوس والدعاء، حيث يتم توزع أجزاء القرآن على الأشخاص الحاضرين ويقرأ كل منهم جزء في نفس الوقت حتى تتم قراءة المصحف كاملاً ثم يقومون بالدعاء لغرض معين كالنجاح في الامتحانات مثلاً. هل طريقة هذا الدعاء واردة في الشريعة؟ أرجو أن يكون جوابك مدعماً بالقرآن والسنة وإجماع السلف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال يشتمل على مسألتين:
الأولى:
حكم الاجتماع لتلاوة القرآن , بأن يأخذ كل من الحاضرين جزءا من القرآن في نفس الوقت حتى يتم كل واحد الجزء الذي معه.
فالجواب عن هذا ما جاء في فتوى للجنة الدائمة (2/480) , ونصه:
(أولا: الاجتماع لتلاوة القرآن ودراسته بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون ويتدارسوا ما قرؤوه ويتفهموا معانيه مشروع وقربة يحبها الله , ويجزي عليها الجزاء الجزيل، فقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) .
والدعاء بعد ختم القرآن مشروع أيضاً إلا أنه لا يداوم عليه ولا يلتزم فيه صيغة معينة كأنه سنة متبعة، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فعله بعض الصحابة رضي الله عنهم.
وكذا دعوة من حضر القراءة إلى طعام لا بأس بها ما دامت لا تتخذ عادة بعد القراءة.
ثانياً: توزيع أجزاء من القرآن على من حضروا الاجتماع ليقرأ كل منهم لنفسه حزباً من القرآن لا يعتبر ذلك ختماً للقرآن من كل واحد منهم بالضرورة.
وقصدهم القراءة للتبرك فقط فيه قصور فإن القراءة يقصد بها القربة وتحفظ القرآن وتدبره وفهم أحكامه والاعتبار به ونيل الأجر والثواب وتدريب اللسان على تلاوته....إلى غير ذلك من الفوائد، وبالله التوفيق) ا. هـ
الثانية:
اعتقاد أن هذا الفعل (الاجتماع على تلاوة القرآن حسب الطريقة المذكورة) له أثر في إجابة الدعاء , وهذا لا يعلم عليه دليل , فهو غير مشروع , ولإجابة الدعاء أسباب كثيرة معلومة , كما أن لمنع الإجابة موانع معروفة , فالواجب على الداعي أن يأتي بأسباب الإجابة ويجتنب موانعها , ويحسن الظن بربه , والله عند ظن عبده به.
انظر السؤال 5113.
(تنبيه) الدليل إنما يطلب ممن أثبت أمرا من الأمور الشرعية , وإلا فالأصل في العبادات المنع حتى يثبت دليل المشروعية , كما قرر ذلك أهل العلم , وعليه فالدليل على عدم مشروعية ذلك الاعتقاد هو عدم الدليل الدال على جوازه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/537)
هل العاصي لا يُستجاب دعاؤه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يأكل الحرام أو يلبسه لا يستجاب له؟. فهل العاصي لا يستجاب لدعائه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استجابة دعاء الداعي في الأصل دليل على صلاح المرء وتقواه، ولكنها لا تدل على ذلك دائماً، فقد يستجاب للعاصي استدراجاً أو لحكمة، فقد استجاب الله دعاء الشيطان لما قال: (رب أنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين) .
فهذه الإجابة ليست إكراماً له وإنما إهانة ليزداد إثماً فتعظم عقوبته والعياذ بالله.
وقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (دعوة المظلوم مستجابة ولو كان فاجراً، ففجوره على نفسه) رواه أحمد. وانظر صحيح الجامع (3382)
كذلك عدم إجابة الدعاء لا تدل على فساد الداعي في كل الأحوال، فهناك سؤال منعه الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام: " سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنين الحديث.. رواه مسلم (2890) .
فعدم إجابة الله بعض دعاء نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم لحكمة عظيمة ليعلم البشر أنه ليس له من الأمر شيء، وأن الأمر كله لله
انظر شرح الأربعين للعلامة النووي وكتاب الدعاء للشيخ محمد الحمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/538)
الاعتداء في الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الإخوة يفصّل في الدعاء , فمثلا يقول: يا رب ارزقني تلفزيونا ملونا , وشقة مفروشة , و ... و..، فقلت أخشى أن يكون هذا من الاعتداء في الدعاء , فإذا كان الداعي في الحرم المكي وخصوصا خلال رمضان ألا يفضّل فيه أن يطلب من خيري الدنيا والآخرة بالأدعية المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ لجأت لموقعكم باحثة عن الاعتداء في الدعاء لكن لم احد إجابة مفصّلة عنه , فأرجوا أن تفصّلوا في ذلك مشكورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي أيتها الأخت السائلة وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى أن الدعاء سلاح مهجور عند كثير من الناس، فالدعاء هو العبادة.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر/60. قال الألباني: صحيح (انظر: صحيح سنن الترمذي برقم 2685) ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) حسنه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي برقم (2684) ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يسأل الله يغضب عليه) حسنه الألباني (انظر: صحيح سنن الترمذي برقم 2686) .
فإذا علمت ذلك فاحرصي عليه وأكثري منه.
ثانياً:
إن للدعاء آداباً وموانع، نجمل بعضها فيما يلي:
1- البدء بالنفس في الدعاء.
2- يستحب رفع اليدين في الدعاء.
3- أن يكون الداعي على طهارة كاملة.
4- أن يستقبل القبلة في دعائه.
5- إظهار التضرع بين يدي الله (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية) ، وقد ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد أن عدم التضرع في الدعاء هو من الاعتداء في الدعاء (بدائع الفوائد 3 / 12) .
6- أن يلح على الله في الدعاء.
7- ألا يستعجل الإجابة. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735) فإذا دعا المسلم ربه فإنه لا يخلو الحال من ثلاثة أمور جاء ذكرها في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر) رواه أحمد (10749) والترمذي (3573) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2199)
8- ومما ينبغي التنبيه عليه في الدعاء أن يحمد الله عز وجل ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فعن فضالة بن عبيد قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته، فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجل هذا) ثم دعاه، فقال له أو لغيره: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد ما شاء) قال الألباني: حديث صحيح (انظر: صحيح سنن الترمذي برقم 2765) .
ثالثاً: أما الاعتداء في الدعاء فيكون بأمور منها:
1- التفصيل في الدعاء، كما جاء في السؤال من أنه يقول: اللهم ارزقني شقة مفروشة وتلفزيوناً ملوناً و.. و.. الخ، وإنما المشروع الدعاء بجوامع الكلم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فيسأل الله عز وجل من خير الدنيا والآخرة وقد ثبت عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بنيّ سل الله الجنة وتعوذ بالله من النار، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) رواه أبو داود (096) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- أن يدعو الله بما حرم الله أو ما كان وسيلة إلى محرم (لأن الوسائل لها أحكام المقاصد) ، كما ذكر ذلك ابن القيم في بدائع الفوائد (3 / 12)
فما كان وسيلة إلى محرم فهو حرام.
وعامة من يستعمل التليفزيون يستمعله في رؤية وسماع المحرم، فإن كان الداعي من هؤلاء كان دعاؤه بهذا من الاعتداء في الدعاء لأنه سأل الله تعالى أن يرزقه ما يعصيه به.
فتبين بهذا أن هذا الدعاء اعتداء من جهتين:
أولاً: من جهة كونه مفصلاً.
ثانياً: من جهة كونه وسيلة إلى المحرم، الوسائل لها أحكام المقاصد.
وهذا إذا كان الداعي يستعمله في المحرم كما هو عمل عامة الناس وأكثرهم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/539)
حكم من يلازم الاستغفار لأجل أن يرزق بالولد
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة نوح ورد فضل الاستغفار، ما هي كيفية الاستغفار الصحيحة - حفظكم الله -؟ وهناك تجربة إن صح التعبير لزميل لي في العمل حيث إنه لم يرزق بالذرية بعد مضي عام ونصف تقريبا، وبعد ذلك داوم على الاستغفار ولازمه في جميع أوقاته وأحواله بعد ترك فضول الكلام وتحري الحلال في جميع حوائجه ولم يكمل الشهر وإذا به - بحمد الله - يبشَّر بأن زوجته أصبحت حبلى، حفظ الله هذا الزميل وحفظ ذريته وأهله. فسبحان الله هل ينطبق هذا المثال على من أراد الأموال والجنات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا بأس أن يكثر الإنسان من الاستغفار ليرزقه الله تعالى المال والولد.
قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح/10 - 12.
قال القرطبي:
قوله تعالى {فقلت استغفروا ربكم} أي: سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان. {إنه كان غفاراً} أي: لم يزل كذلك لمن أناب إليه. وهذا منه ترغيب في التوبة.
{يرسل السماء عليكم مدراراً} أي: يرسل ماء السماء، و {مدراراً} ذا غيث كثير.
(ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً)
قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأُمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر؛ ثم قرأ {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً} .
(بمجاديح) جمع مِجْدَح وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تمطر به. وأراد عمر رضي الله عنه تكذيب العرب في هذا الزعم الباطل، وبَيَّن أنه استسقى بالسبب الصحيح لنزول المطر وهو الاستغفار وليس النجوم.
وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً؛ فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح (استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) .
" تفسير القرطبي " (18 / 301 – 303) باختصار.
ثانياً:
أما صيغ الاستغفار: فأفضل ذلك ما ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله، أو ما أوصى به الأمة أن تقوله.
1. عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
قال: ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. رواه البخاري (5947) .
2. عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء " رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ". رواه البخاري (6035) ومسلم (2719) .
3. عن ابن عمر قال: إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " مائة مرة. رواه الترمذي (3434) وعنده " التواب الغفور " وأبو داود (1516) وابن ماجه (3814) .
4. عن أبي يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَن قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف ". رواه الترمذي (3577) وأبو داود (1517) .
5. عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ". رواه البخاري (799) ومسلم (2705) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/540)
دعاء العقيم بدعاء زكريا عليه السلام (رب لا تذرني فرداً)
[السُّؤَالُ]
ـ[من كان عقيماً ولا ينجب أطفالاً ودعا بالدعاء الذي دعا به زكريا عليه السلام مثل قوله تعالى: (رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين) الأنبياء/89، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أعلم بالدعاء المذكور بأساً، وإن دعا بغير هذا كأن يقول: (اللهم ارزقني ذرية طيبة، اللهم هب لي ذرية صالحة) ، وما أشبهه من الدعوات، فكل هذا طيب. ومثل قوله تعالى: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) آل عمران/38.
ويشرع له أن يعرض نفسه على الأطباء المختصين؛ لأنه قد لا يكون عقيماً ولكن به مانع يمكن علاجه، وهكذا يشرع له أن يتزوج امرأة قد ولدت لأن العلة المانعة قد تكون في الزوجة التي عنده لا فيه، لعل الله يرزقه الذرية الطيبة بسبب ذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) . والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص 423.(7/541)
لا يشرع مسح اليدين بعد الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، والجسم، وتقبيل العينين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع مسح الوجه بعد الدعاء، وقد تواتر في السنة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه، ولم يثبت أنه كان يمسح وجهه بعد دعائه.
وقد استدل من قال بالمسح بأحاديث، لكنها – عند التحقيق – ليست صحيحة، ولا يقوِّي بعضها بعضاً.
أما أقوال العلماء بالمنع من المسح، فمنها:
أ. قال أحمد بن حنبل: لا يعرف هذا، أنه كان يَمسح وجهه بعد الدعاء إلا عن الحسن.
"العلل المتناهية" (2/840، 841) .
ب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة، وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان، لا تقوم بهما حُجة.
"مجموع الفتاوى" (22/519) .
ج. قال العز بن عبد السلام: ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (ص 47) .
وإذا لم يجز مسح الوجه بعد الدعاء فأولى أن يُمنع الداعي من مسح باقي الجسم وأن يقبِّل عينيه.
بل ذكر العلماء أن تقبيل الإبهامين ووضعهما على العينين بدعة من بدع بعض الطرق الصوفية، ويحكون في ذلك حديثاً مكذوباً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى: عن حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟
فأجاب:
" مسح الوجه باليدين بعد الدعاء الأقرب أنه غير مشروع؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنها لا تقوم بها الحجة، وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا الشيء مشروع فإن الأولى تركه؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن غالباً.
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس بسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة بالاستسقاء ورفع يديه، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح وجهه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/ السؤال 781) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/542)
ليس هناك دعاء يدُعى به في أول الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الذي ندعو به عند بداية الصيام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي (3451) عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (2745) .
واليُمن: البركة.
وهذا الدعاء ليس خاصاً بهلال رمضان بل يقوله المسلم إذا رأى الهلال في أول كل شهر.
وأما الدعاء كل يوم فليس هناك دعاء يدعو به المسلم عند بداية الصيام كل يوم.
وإنما فقط ينوي بقلبه أنه صائم غداً.
ويشترط في النية أن تكون في الليل، وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) رواه الترمذي (730) ولفظ النسائي (2334) : (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ) . صححه ألألباني في صحيح الترمذي (573) .
والمعنى: من لم ينو الصيام ويعزم على فعله من الليل فلا صيام له.
والنية عمل قلبي، فيعزم المسلم بقلبه أنه صائم غداً، ولا يشرع له أن يتلفظ بها ويقول: نويت الصيام أو نحو ذلك من الألفاظ التي ابتدعها بعض الناس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/543)
يعاني من كثرة الضحك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبلغ من العمر 20 عاما ومشكلتى هى أننى أضحك طول الوقت..وهذا يعيقنى فى أثناء العمل فأرجوك أعطنى دعاء يساعدنى على عدم الضحك.. وأيضا لدى مرض " rumathic chorea" وهي رعشة تصيب الأعضاء ولقد ذهبت للعديد من الأطباء ولكن لا علاج ولا أريد الذهاب لأى طبيب آخر لأني لدى إيمان بالله لذا أرجوك أعطنى دعاء لهذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أخي الكريم أن كثرة الضحك تؤثر في قلب المسلم وتشغله عن التفكر والتدبر والخشوع لله تعالى، وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من كثرة الضحك، وأخبرنا بخطورته على القلب فقال: (لا تكثروا الضحك فإن الضحك تميت القلب) رواه الترمذي (2305) وابن ماجه (4193) .
إلا أنه لم يرد دعاء محدد يعالج هذا الأمر وإنما لك أن تدعو الله بما شئت وتطلب منه سبحانه وهو السميع المجيب أن يرفع عنك هذا البلاء وأن يبدلك به قلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وعينا دامعة من خشيته.
وعليك بالإكثار من قراءة القرآن والتدبر في معانيه، والإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه واللجوء إليه في كل أمورك.
أما المرض الذي ذكرته فنسأل الله لك العافية منه، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أن يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث. رواه البخاري (4728) ومسلم (5679) ، كما يسن للمريض أن يضع يده على الذي تألم من جسده ويقول: بسم الله، ثلاثا، ثم يقول سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم (5701)
وختاما أنبهك أخي السائل إلى أن الذهاب إلى الأطباء وأخذ الدواء لا يتنافى مع الإيمان بالله والتوكل عليه، بل إن من كمال التوكل الأخذ بالأسباب المادية مع الإيمان التام بأن الشفاء من عند الله سبحانه ولا شفاء إلا شفاؤه.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك وجميع مرضى المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/544)
هل من أحبه الله أخر عنه إجابة دعائه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن هناك حديثاً قدسياً يقول أن الله يخبر جبريل عليه السلام عندما يدعو عبد والله يحب هذا العبد يؤخر الإجابة حتى يسمع الدعاء أكثر وأكثر وإن كان لا يحبه يلبي له دعاءه حتى لا يسمع صوته؟ هل هذا في كل حال أم هناك استثناء (هل إجابة الدعاء من أول مرة دليل على عدم حب الله للعبد) والموقف هكذا: أذنبت ثم تبت إلى الله وأرسل رسائل عبر الإنترنت في العقيدة والفقه والتذكير بالإسلام والمواعظ وأحافظ على الأذكار دائماً بفضل الله وأدعو لنفسي وللآخرين ولاحظت أن الدعاء يستجاب لي فوراً ولكن أشعر بالخوف أن يكون الله غاضب علي وهو يستجيب لي لأنه لا يريد أن يسمع صوتي هذا الموضوع يقلقني جداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ورد الترغيب في الشرع في الإكثار من الدعاء، وعدم الاستعجال، وذلك لأن الدعاء عبادة عظيمة محبوبة لله تعالى، بل ورد الترهيب من ترك الدعاء؛ لأن تركه يدل على الاستكبار.
قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} غافر / 60.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي ".
رواه البخاري (5981) ومسلم (2735) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذاً نكثر؟ قال: الله أكثر ".
رواه الترمذي (3573) .
والحديث: صححه الترمذي وغيره.
ثانياً:
وأما الحديث الذي ذكره السائل فهو حديث ضعيف جدّاً وهو مرويٌّ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد يدعو الله وهو يحبه فيقول الله عز وجل: يا جبريل اقض لعبدي هذا حاجته وأخِّرها فإني أحب أن اسمع صوته، وإن العبد ليدعو الله وهو يبغضه فيقول الله عز وجل: يا جبريل اقض لعبدي هذا حاجته وعجلها فإني أكره أن اسمع صوته ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (8 / 216) ، وفيه إسحق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك كما في " مجمع الزوائد " (10 / 151) .
وإذا تبين أن الحديث ضعيف جدّاً فلا يصلح للاحتجاج به.
ثالثاً:
لا شك أن العبد إذا وجد من نفسه أن الله يستجيب له فهي نعمة عظيمة تستوجب الشكر والحمد وملازمة الأعمال الصالحة وتقوى الله؛ فهي من أعظم أسباب استجابة الله لعبده وهي نعمة إذا صحت يغبط عليها السائل، فكل مسلم يتمنى أن يكون دعاؤه مستجاباً، وهذا – إن شاء الله- دليل صلاح الرجل وصدقه وإخلاصه فعليه أن يداوم على تقوى الله والأعمال الصالحة واجتناب المحرمات فبهذا تحفظ النعم، قال الله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم / 7
رابعاً:
ما ذكره السائل من نشره للخير والدعوة إلى الله: فيه خير له إن شاء الله في الدنيا والآخرة وهي من أنواع البر التي تنفعه في الدنيا والآخرة فنسأل الله له التوفيق وأن يسدد خطاه وأن يعينه على ذلك وأن يجزيه خير الجزاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/545)
جملة من آداب الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما آداب الدعاء وكيفيته وما هي واجباته وسننه؟ وكيف يبدأ وكيف ينتهي؟ وهل يمكن تقديم مسألة الأمور الدنيوية على الآخرة؟
وما مدى صحة رفع اليدين في الدعاء - وكيفيته إن صح -.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الله تعالى يحب أن يُسأل، ويُرغبَ إليه في كل شيء، ويغضب على من لم يسأله، ويستدعي من عباده سؤاله، قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) غافر/60.
وللدعاء من الدين منزلة عالية رفيعة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (3372) وأبو داود (1479) وابن ماجه (3828) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2590) .
ثانياً:
آداب الدعاء:
1. أن يكون الداعي موحداً لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ممتلئاً قلبه بالتوحيد، فشرط إجابة الله للدعاء: استجابة العبد لربه بطاعته وترك معصيته، قال الله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.
2. الإخلاص لله تعالى في الدعاء، قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5، والدعاء هو العبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص شرط لقبوله.
3. أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى، قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الأعراف/180.
4. الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله، روى الترمذي (3476) عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ) وفي رواية له (3477) : (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ) . قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ) صححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2765، 2767) .
5. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) رواه الطبراني في "الأوسط" (1/220) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (4399) .
6. استقبال القبلة، روى مسلم (1763) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ) فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ. . . الحديث.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: فِيهِ اِسْتِحْبَاب اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة فِي الدُّعَاء، وَرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ.
7. رفع اليدين، روى أبو داود (1488) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1320) .
ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير المنتظر أن يُعْطَى، روى أبو داود (1486) عن مَالِكِ بْنَ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1318) .
وهل يضم يديه عند رفعهما أو يجعل بينهما فرجة؟
نص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/25) أنها تكون مضمومة. ونص كلامه: " وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلا لا في السنة ولا في كلام العلماء " انتهى.
8. اليقين بالله تعالى بالإجابة، وحضور القلب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإَِابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) رواه الترمذي (3479) ، وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" (2766) .
9. الإكثار من المسألة، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة، والإلحاح في الدعاء، وعدم استعجال الاستجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735) .
10. الجزم فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ) رواه البخاري (6339) ومسلم (2679) .
11. التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية) الأعراف/55، وقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء/90، وقال: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) الأعراف/205.
12. الدعاء ثلاثاً، روى البخاري (240) ومسلم (1794) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلا جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ. وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ - وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا - ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ - وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ - فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ) .
13. إطابة المأكل والملبس، روى مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) قال ابن رجب رحمه الله: فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء ا. هـ.
14. إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) الأعراف/55، وأثنى الله تعالى على عبده زكريا عليه السلام بقوله: (إذ نادى ربه نداءً خفياً) مريم/3.
وقد سبق بيان نبذة عن الدعاء، والأسباب المعينة للداعي على تحقيق الإجابة، وآدابه، والأوقات والأماكن الفاضلة التي هي مظنة الإجابة، وكذا أحوال الداعي، وموانع إجابة الدعاء، وأنواع الاستجابة: كل ذلك في جواب السؤال رقم (5113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/546)
هل يصلِّي المسلم ويصوم لأجل الدعاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشخص أن يذهب للحرم للصلاة لكي يدعو الله أن يحقق له شيئاً معيناً يريده، كأن يدعو الله أن يشفي مريضه أو أن يرزقه الله أولاداً؟
وهل يجوز له أن يصوم بعض الأيام لنفس الغرض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع أن يذهب المسلم لأداء الصلاة في المسجد الحرام من أجل الدعاء، ولكن الأفضل أن لا يقتصر قصده على الصلاة من أجل الدعاء، بل يكون قصده التعبد لله تعالى بهذه الصلاة، ورجاء ثواب الآخرة، ثم الصلاة مشتملة على الذكر وقراءة قرآن والركوع والسجود والدعاء فيكون الدعاء وتابعاً للصلاة وليس هو المقصود الأعظم؛ والمسجد الحرام من الأماكن المباركة المعظمة، فإذا صلَّى ودعا الله تعالى في سجوده – مثلاً - فيكون قد جمع بين فضل المكان وفضل الهيئة، فإذا كان هذا في الثلث الأخير من الليل فيكون أضاف إليه شرف الزمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم " أما الركوع فعظِّموا فيه الربَّ، وأمَّا السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ (أي: حقيق وجدير) أنْ يستجاب لكم " – رواه مسلم (479) من حديث ابن عباس -: ففيه الأمر في الركوع بالتعظيم، وأمره بالدعاء في السجود بيانٌ منه أنَّ الدعاء في السجود أحق بالإجابة من الركوع، ولهذا قال: " فقمِنٌ أنْ يُستجاب لكم " كما قال: " أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجدٌ " – رواه مسلم (482) من حديث أبي هريرة - فهو أمرٌ بأنْ يكون الدعاء في السجود.
" مجموع الفتاوى " (22 / 378) .
وقال – رحمه الله -:
والدعاء مستجاب عند نزول المطر، وعند التحام الحرب، وعند الأذان والإقامة، وفي أدبار الصلوات، وفي حال السجود، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم، وأمثال ذلك، فهذا كله مما جاءت به الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن، والدعاء بالمشاعر كعرفة ومزدلفة ومنى والملتزم ونحو ذلك من مشاعر مكة، والدعاء بالمساجد مطلقاً، وكلما فضل المسجد كالمساجد الثلاثة: كانت الصلاة والدعاء فيه أفضل.
" مجموع الفتاوى " (27 / 129 – 130) .
ومن باب آخر يقال:
التوسل بالأعمال الصالحة مشروع، ولذا يمكن جعل الوضوء والصلاة في المسجد الحرام من الأعمال الصالحة التي يتوسل بها بين يدي الدعاء.
عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني فقال: إن شئتَ أخرت لك وهو خير وإن شئتَ دعوت، فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم شفعه في ".
رواه الترمذي (3578) وابن ماجه (1385) – واللفظ له -.
والحديث: صححه الترمذي والألباني في " صحيح الجامع " (1279) .
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يدعو، فدل ذلك على أن الصلاة من الأعمال الصالحة التي يتوسل بها إلى الله بين يدي الدعاء، ويكون ذلك من أسباب إجابة الدعاء.
وأما الصيام: فما قيل في الصلاة يقال في الصيام، فينبغي أن يكون قصده التعبد لله تعالى بهذه العبادة العظيمة، وتحصيل الثواب الأخروي والوصول إلى تقوى الله ومرضاته، ثم إذا صام فإن الصائم يستحب له الإكثار من الدعاء فإن دعوة الصائم مستجابة لاسيما عند فطره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/547)
رفع اليدين عند الدعاء للسفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل رفع اليدين في الدعاء مشروع، وخاصة في السفر بالطائرة أو السيارة أو القطار وغيرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة في أي مكان، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم حييّ ستير، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) البقرة / 172، وقال سبحانه: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً) المؤمنون / 51، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟) رواه مسلم في صحيحه.
فجعل من أسباب الإجابة رفع اليدين، ومن أسباب المنع وعدم الإجابة أكل الحرام والتغذي بالحرام.
فدل على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، سواء في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في المراكب الفضائية أو في غير ذلك، إذا دعا ورفع يديه. فهذا من أسباب الإجابة إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نرفع فيها، مثل خطبة الجمعة، فلم يرفع فيها يديه، إلا إذا استسقى فهو يرفع يديه فيها.
كذلك بين السجدتين وقبل السلام في آخر التشهد لم يكن يرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي لم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم.
لأن فعله حجة وتركه حجة، وهكذا بعد السلام من الصلوات الخمس. كان صلى الله عليه وسلم يأتي بالأذكار الشرعية ولا يرفع يديه، فلا نرفع في ذلك أيدينا إقتداء به صلى الله عليه وسلم أما المواضع التي رفع صلى الله عليه وسلم فيها يديه فالسنة فيها رفع اليدين تأسياً به صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك من أسباب الإجابة، وهكذا المواضع التي يدعو فيها المسلم ربه ولم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع ولا ترك فإنا نرفع فيها للأحاديث الدالة على أن الرفع من أسباب الإجابة كما تقدم.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 124(7/548)
معنى وهب المسيئين منا للمحسنين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا الدعاء: (وهب المسيئين منا للمحسنين) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معناه الطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن المسيئين من المسلمين بأسباب المحسنين منهم، ولا حرج في ذلك؛ لأن صحبة الأخيار ومجالستهم من أسباب العفو عن المسيء المسلم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ومثل جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة) ولكن لا يجوز للمسلم أن يعتمد على مثل هذه الأمور لتكفير سيئاته، بل يجب عليه أن يلزم التوبة دائما من سائر الذنوب وأن يحاسب نفسه ويجاهدها في الله، حتى يؤدي ما أوجب الله عليه ويحذر ما حرم الله عليه، ويرجو مع ذلك من الله سبحانه العفو والغفران، وأن لا يكله إلى نفسه ولا إلى عمله، ولهذا صح عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 346(7/549)
مواضع وصيغ الدعاء في العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ذاهبة إلى مكة لعمل عمرة، ولا أعرف أدعية، ممكن المساعدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في السنة الصحيحة أدعية وأذكار تقال في مناسك العمرة، ويمكن أن يستفيد منها المسلم في حفظها وفهمها والعمل بمقتضاها، ومنها:
أ- في الميقات عند الإهلال.
يسن للمسلم أن يسبِّح ويهلل ويكبر قبل إحرامه بالعمرة والحج.
عن أنس رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهلَّ الناس بهما. رواه البخاري (1476) .
قال الحافظ ابن حجر:
وهذا الحكم - وهو استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال - قلّ من تعرض لذكره مع ثبوته. " فتح الباري " (3 / 412) .
ب- في الطريق إلى مكة – بين الميقات والوصول إلى الكعبة -.
يسن التلبية والإكثار منها ورفع الصوت بها للرجال أما المرأة فتخفض صوتها حتى لا يسمعها الرجال الأجانب عنها.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلَّ فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. رواه البخاري (5571) ومسلم (1184) .
ج- أثناء الطواف.
يقول كلما حاذى الحجر الأسود في كل شوط: الله أكبر. روى البخراي (1613) عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بالبيت. كلما أتى الركن (أي الحجر الأسود) أشار إليه بشيء كان عنده وكبَّر.
ويقول بين الركن اليماني والحجر والأسود. ما ورد عن عبد الله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ". رواه أبو داود (1892) . وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
د- قبل الصعود إلى الصفا وعليه.
عن جابر بن عبد الله قال: ... ثم خرج – أي: النبي صلى الله عليه وسلم - من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحَّد الله وكبَّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات. رواه مسلم (1218) .
هـ- في الصعود على المروة.
يفعل مثل ما فعل على الصفا دون ذكره للآية قبل الصعود عليه.
قال جابر رضي الله عنه: ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا. رواه مسلم (1218) .
عند شربه لماء زمزم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم " ماء زمزم لما شُرب له " – رواه ابن ماجه (3062) وصححه الشيخ الألباني في (5502)
وكذلك يشرع الإكثار من ذكر الله تعالى ـ ومنه الدعاء ـ في الطواف والسعي، فليدع المسلم فيهما بما يفتح الله تعالى عليه، ولا بأس بأن يقرأ القرآن في طوافه وسعيه، وما يذكره بعض الناس من وجود أدعية مخصوصة لكل شوط في الطواف والسعي: فمما لا أصل له في الشرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرّاً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبى صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معيَّن تحت الميزاب ونحو ذلك: فلا أصل له.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة. " مجموع الفتاوى " (26 / 122، 123) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/550)
دعت ولم يُستجب لها فقالت: لا وجود لله!
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت من الله قبل عدة سنوات أن يحقق لي شيئاً ما، لم يتحقق طلبي فغضبت وقلت إن الله غير موجود، ندمت الآن لأني قلت هذا لأنني أعلم أن ما قلته يعتبر شركاً، فهل يمكن أن أتشهد مرة أخرى وأتوب وأصبح مسلمة من جديد؟ هل يعتبر هذا شركاً؟ لأنني قلت هذا عندما كنت في غضب شديد، فهل يعتبر هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما قالته السائلة هو الكفر بعينه، وكان الواجب عليها ضبط النفس وكبت القول والفعل عند الغضب، وها هو قد أدى بها إلى الوقوع في الكفر.
لذا فإننا نرى أن تشهد الشهادتين وتنوي الدخول في الإسلام، وهذا إذا كانت في وعيها وعقلها عند قول تلك الكلمة المنكرة، والغضب ليس بعذرٍ إلا إن كان قد أغلق عليها عقلها فلم تعد تدري ما تقول.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم قد يتكلم بالكلمة وتودي به إلى جهنم وتكون بسبب سخط الله.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ". رواه البخاري (6113) .
ولفظ مسلم (2988) : " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ".
فإذا دخلتِ في الإسلام من جديد بالشهادتين، وحصل منكِ ندمٌ على ما قلتِ: فإنه يرجى ألا يضيع ما عملتِ من خير.
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث (أي: أتعبد) بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم فهل فيها من أجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أسلمتَ على ما سلف من خير ". رواه البخاري (1369) ومسلم (123) .
وعليك أختي المسلمة وعلى جميع إخواننا المسلمين جعل أمر الدين والاعتقاد بمعزل عن مثل هذه المساومات إذ دين الإنسان وسلامة معتقده هو رأس مال الإنسان الذي به يحقق سعادة الدارين ورضا المولى سبحانه.
ثانياً:
ومَن دعا ربَّه تبارك وتعالى فإنه يُستجاب له على كل حال، وليست الاستجابة هي – فقط – تحقيق المطلوب في الدعاء، بل الاستجابة لها وجهان آخران وهما: صرف شرٍّ وسوء عن الداعي بقدر دعوته، وادخار أجر الدعاء ثوباً يلقاه الداعي يوم القيامة.
وقد وعد الله تعالى على لسان رسوله من دعاه مستوفياً الشروط بأحد هذه الثلاث فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مِن مسلمٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ إلا أعطاه بها إحدى خصال ثلاث: إما أنْ يعجِّل له دعوتَه، وإمَّا أنْ يدَّخر له من الخير مثلها، وإما أنْ يصرف عنه من الشرِّ مثلها، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر؟ قال: الله أكثر ". رواه أحمد (10709) ، وقد جوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2 / 479) ، وصحَّحه الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 115) .
وكل هذا هو معنى قوله تبارك وتعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} غافر / 60، وقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة / 186.
وقد يكون الخير للداعي هو عدم تحقيق مطلوبه لما في حصوله من الشر أو الفتنة له، وهو جاهل بهذا لا يدريه، فصرفه الله تعالى عنه وأعطاه ما هو خير له في الدنيا بصرف شر عنه أو في الآخرة بادخار ثواب الدعاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فالدعوة التى ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب أو مثله، وهذا غاية الإجابة، فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعاً أو مفسداً للداعى أو لغيره، والداعي جاهل لايعلم ما فيه المفسدة عليه، والرب قريب مجيب وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، والكريم الرحيم إذا سئل شيئاً بعينه وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه: أعطاه نظيره، كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له، فإنه يعطيه من ماله نظيره، ولله المثل الأعلى.
" مجموع الفتاوى " (14 / 368) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/551)
السجود للنبي صلى الله عليه وسلم كفر بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ماذا أفعل. فقد أخبرني أحدهم أنه عندما أقول دعائي، فإن علي أن أسجد سبعا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكني لا أعرف كيف يكون ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة أنه لا يجوز صرف شيء من العبادة لغير الله لا لملك مقرّب ولا لنبي مرسل، ومن صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) الجن / 18
قال ابن كثير: يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في محال عبادته ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به..أهـ
وهذا الفعل من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حذّر النبي صلى الله عليه وسلم منه ونهى عنه فقال:) لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء / 3189) ، ولا شك أن هذا الفعل من العبادة، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع اليهود والنصارى في ذلك فقال في مرض موته: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري (الصلاة / 417) .
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذَّر من القيام عليه، فقد جاء في الحديث: (إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ) رواه مسلم (الصلاة / 624)
وجاء في الحديث: (لا تفعلوا كما تفعل أهل فارس بعظمائها) وهو في صحيح الجامع برقم (7380) فإذا كان هذا في القيام عليه صلى الله عليه وسلم، فكيف بالسجود له.
وهذا السجود من أخص أنواع العبادة لله عز وجل وقد أمر الله بالسجود له وحده دون سواه قال تعالى: (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) ، فصّلت / 37، وقال تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا) النجم / 62.
ثانياً: أما الفعل المشروع فهو: (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) في الدعاء، وهي من الآداب التي ينبغي أن تُراعى.
قال النووي: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك تختم الدعاء بهما، كما جاء في الحديث: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ قَالَ ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ)
رواه الترمذي (الدعوات / 3398) وأبو داود 1481، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2756) .
وعن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) الترمذي / 3399 وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2767)
وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْ تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ) رواه الترمذي (الجمعة / 541) وقال الألباني في صحيح الترمذي حسن صحيح. برقم (486)
فإن قيل: كيف نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب:
صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء / 3119) .
هذه هي صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما ورد في السؤال من السجود للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا محرم، وهو شرك أكبر، لأن السجود لا يكون إلا لله فالواجب على المسلم أن يتعلّم أمور دينه من الكتاب والسنة ومن أهل العلم الموثوق بعلمهم وأن يسأل عن كل ما أشكل عليه حتى لا يقع في الشرك والعياذ بالله.
والابتعاد عن كل من يأمر بالشرك والبدع والضلالات نسأل الله السلامة والعافية. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/552)
كيف يحصل على عفو الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ماتت جدتي قبل أربع سنوات (أسأل الله أن تكون في الجنة) تربيت عندها ولدي ذكريات عظيمة معها. علمتني الصلاة وكانت تقول لي حكماً وأشياء عظيمة، وأحبها حباً عظيما. بحماقتي فعلت شيئا كان يجب أن لا أفعله، ثم أسفت لفعله أسفا شديدا، فمن المحتمل أنني أهنتها بطريقة ما ولكنها لم تقل أي شيء عن هذا الموضوع.
لم تتح لي الفرصة لأطلب عفوها، تبت من الذنب الذي فعلته ودائما أسأل الله المغفرة.
هل هناك طريقة أطلب بها عفو جدتي الآن؟ فكرت في هذا الموضوع كثيرا ولكنني لم أستطع أن أجد أي طريقة مناسبة. سأكون شاكرا جدا إذا ساعدتني في هذا الموضوع.أسأل الله المغفرة لجميع الأحياء والأموات وشكرا لك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دامت الجدّة قد ماتت وذهبت إلى ربها فأنت لا تدري هل سامحتك أم لا، وليس هناك من سبيل لطلب المسامحة منها بعد موتها، وهذا ما يؤكّد أهمية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ رواه لبخاري 2296
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث:
قوله: (من كانت له مظلمة لأخيه) .. أي من كانت عليه مظلمة لأخيه.
قوله: (من عِرْضه أو شيء) أي من الأشياء.. فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها، وفي رواية الترمذي " من عرض أو مال ".
قوله: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) أي يوم القيامة.
قوله: (أُخذ من سيئات صاحبه) أي صاحب المظلمة (فحمل عليه) أي على الظالم.. وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار "
وفي رواية للبخاري أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ رواه البخاري 6053
وعند أبي نعيم من حديث ابن مسعود يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد: هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت، فيأتون فيقول الرب: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول: يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم، فيقول للملائكة: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته، فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة.
(و) أخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه " لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه، حتى اللطمة. قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة؟ قال: بالسيئات والحسنات " فتح الباري شرح صحيح البخاري
وعلى أيّة حال أنت قد قمت بخطوة مهمة جدا وهي التوبة إلى الله جلّ وعلا، فإذا صدقت مع الله في التوبة وعملت ما يُمكن من البرّ بجدّتك (راجع لمعرفة ذلك السؤال رقم 763) ورأت في صحيفتها استغفارك لها فلعلّها أن تعفو عنك في ذلك الموقف إذا لم تكن قد عفت عنك في الدّنيا، وأكثر من الدعاء لها والله يعفو عنّا أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/553)
افتتاح الدعاء وختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل الدعاء، أقوم بالثناء على الله وأسأله المغفرة ثم أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد الانتهاء من الدعاء، فأنا أعود وأسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أثني على الله. فهل عملي صحيح، أم أن فيه شيئاً من البدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بعد: فيستحب للداعي أن يبدأ دعاءه بالثناء على الله تعالى وحمده، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء، لما روى أبو داود (1481) والترمذي (3477) عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجل هذا "ثم دعاه فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء ". والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود (1314) .
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن علي رضي الله عنه قال " كل دعاء محجوب حتى يصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم " ورواه بقي بن مخلد عن علي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4523
وقال عمر رضي الله عنه: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم " رواه الترمذي (486) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (403) .
قال الإمام النووي رحمه الله في الأذكار ص 176: (أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك تختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة مرفوعة) .
واعلم بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لها ثلاث مراتب:
" إحداها: أن يُصلى عليه قبل الدعاء، وبعد حمد الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليُصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء " رواه الترمذي 3477 وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1314.
والمرتبة الثانية: أن يُصلى عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره.
والمرتبة الثالثة: أن يصلى عليه في أوله وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما "انتهى كلام ابن القيم بتصرف من كتاب جلاء الأفهام ص 531
وعلى هذا فعملك صحيح موافق للسنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/554)
الدعاء لله وحده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دعاء غير الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله سبحانه وتعالى قريب من عباده يرى مكانهم ويعلم أحوالهم ويسمع كلامهم ويستجيب دعائهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم كما قال سبحانه: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) آل عمران/5.
والله وحده هو الذي خلقنا ورزقنا بيده الملك وهو على كل شيء قدير (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) المائدة/120.
والله وحده بيده الخير فإذا دعا إلى شيء في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فينبغي الامتثال لذلك والاستجابة له: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) الأنفال/24.
والله على كل شيء قدير يسمع دعاء عباده.. ويستجيب لهم في كل زمان ومكان على اختلاف حاجاتهم ولغاتهم كما قال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.
وقد أمرنا الله عز وجل أن ندعوه سراً بخضوع وتذلل كما قال سبحانه: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) الأعراف/55.
والله سبحانه له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير تسبح له السماوات والأرض وما فيهن كما قال سبحانه (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) الإسراء/44.
وقد وعد الله من استكبر عن عبادته ودعائه بنار جهنم فقال تعالى: (إن الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر/60.
ودعاء الله يكون بما شرعه الله ورسوله ومن ذلك دعاء الله بأسمائه الحسنى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) الأعراف/180.
فنقول يا رحمن ارحمنا يا غفور اغفر لنا يا رزاق ارزقنا وهكذا.
وإذا دعا العبد فإما أن يعطيه الله ما سأل أو يصرف عنه سوءاً أعظم مما طلب.. أو يدخر له سؤاله في الآخرة ذلك أن الله أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال.. (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) غافر/60.
وقد أمرنا الله بعبادته وحده.. وحذرنا من عبادة الشيطان فقال: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين - وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس/60 - 61.
ودعوة غير الله في قضاء الحاجات وتفريج الكربات وشفاء الأمراض لوث عقلي سببه عمى البصيرة.. (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) الأنعام/71.
وإن دعاء من لا ينفع ولا يضر ولا يأمر ولا ينهي ولا يسمع ولا يستجيب , من الأنبياء والرسل أو الجن والملائكة..أو الكواكب والنجوم أو الأشجار والأحجار أو الأموات..كل ذلك ظلم عظيم، وضلال عن الصراط المستقيم , وشرك بالله العظيم (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) يونس/106.
وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) الأحقاف/5.
ودعاء غير الله شرك والشرك ذنب عظيم بل هو أعظم الذنوب وكل ذنب يغفره الله لمن يشاء إلا الشرك كما قال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء/48.
ويوم القيامة يجمع الله المشركين وكل من عبدوه من دون الله فيتبرأ المعبودون من دون الله ممن عبدهم , ويكفرون بشركهم كما قال سبحانه: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير، يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فاطر/13-15.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(7/555)
هل هناك دعاء للتوفيق بزوجة أو زوج طيّب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أي دعاء أو آية يجب علينا أن نقوله لكي نحصل على الزوج أو الزوجة في المستقبل؟
ما هي الأشياء التي يجب أن يركز عليها الشخص ليعلم بأن هذا /هذه هو/هي الخيار المناسب؟
هل يمكن للشخص أن يحصل على جواب بأن يجعل القرآن هو طريقه للهداية لما يريد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يوجد - في حدود ما نعرف - دعاء خاص بهذا الأمر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن عليك أن تدعوا الله أن يرزقك الزوجة الصالحة.
وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاء الاستخارة، ومعناه: طلبنا من الله عز وجل أن يختار لنا الأفضل لديننا ودنيانا من الأمور كلها الدينية والدنيوية، وهذا الدعاء هو ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة ِمن القرآن، يقول: " إذا همَّ أحدُكم بالأمر: فليركع ركعتين مِن غير الفريضة، ثم ليقل: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك مِن فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر - ويسمِّيه - خيرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري: فاقدره لي، ويسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر - ويسمِّيه - شرٌّ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري: فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمَّ أرضني به ". رواه البخاري (1109) .
وليس هناك شيء يستحق التركيز عليه من أحد الطرفين مثل الدين والخلق.
= فبالنسبة للزوج، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء، فقال:
"إذا أتاكم مَن ترضوْن خُلُقَه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) .
= وبالنسبة للمرأة، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
"تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين ترِبت يداك". رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
قال الحافظ ابن حجر: والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية. أ. هـ " فتح الباري " (9 / 135) .
4. وأما الشق الثاني من السؤال عن الاسترشاد بالمصحف:
فإن كنت تقصد أنه يكون كالتنجيم: فهذا حرام، ومن طرقه المبتدَعة فتح المصحف عشوائياً على إحدى صفحاته؛ فإن وقعت العين على آية رحمة، أو آية ثواب: فيعني أن ما سيقدم عليه الشخص شيء طيب وصالح!! والعكس بالعكس: فهذا لا أصل له في الدين، وهو من طرق الشياطين، لإضلال عباد الله المؤمنين.
وأما إن قصدت بالاسترشاد اتباعه والعمل بأحكامه: فهذا فيه السعادة الحقيقة التي ما بعدها سعادة، وهي لزوم الكتاب والسنة، وهو الطريق الوحيد لهداية الخلق والنجاة عند الله يوم القيامة. وفي هذا قال الله تعالى {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين} [البقرة 2] ، وقال تعالى {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء 9] .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/556)
ما حكم الدعاء باللهجة العامية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء باللهجة العامية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية:
عن رجلٍ دعا دعاءً ملحوناً، فقال له رجل: ما يقبل الله دعاءً ملحوناً؟
فأجاب:
من قال هذا القول فهو آثمٌ مخالفٌ للكتاب والسنَّة ولما كان عليه السلف، وأمَّا مَن دعا الله مخلصاً له الدين بدعاءٍ جائزٍ سمعه الله وأجاب دعاه، سواء كان معرباً أو ملحوناً، والكلام المذكور لا أصل له، بل ينبغي للداعي إذا لم يكن عادته الإعراب أن لا يتكلف الإعراب، قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع، وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فإذا وقع بغير تكلفٍ: فلا بأس به، فإنَّ أصل الدعاء مِن القلب، واللسان تابعٌ للقلب، ومَن جعل همَّته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه، ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه، لا يحضره قبل ذلك، وهذا أمرٌ يجده كلُّ مؤمنٍ في قلبه، والدعاء يجوز بالعربيَّة وبغير العربيَّة، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (2 / 424، 425) .(7/557)
الصبر على تأخر الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة بلغت من العمر التاسعة والعشرين ولم يكتب لي الزواج حتى الآن، فأرجو من فضيلتك أن تدلني على قراءة سورة من القرآن، أو دعاء يمنع عني التفكير الشديد في المستقبل والأولاد، لأني في ضيق من عدم الزواج، حيث إنه يوجد في بيتنا من تكبرني سناً ولم تتزوج فأرشدني أثابك الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أنبه أن الأمور كلها بيد الله عز وجل، لا جلب نفع ولا دفع ضرر إلا من عنده تعالى، والمفرج للكربات هو الله جل شأنه فإذا أصاب الإنسان شيء فعليه أن يلجأ إليه تبارك وتعالى، وأن يتضرع إليه ويدعه سواء في حصول مطلوب، أو إزالة مرهوب.
لقوله تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) سورة النحل/53، ولقوله تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون) سورة النمل/62، فالله تعالى هو الملجأ للعبد فإذا توجه إليه الإنسان بإخلاص وافتقار وحاجة، وكان طيب المطعم - من مأكل ومشرب - والملبس والمسكن فإنه حري بالإجابة، وهذا عام في كل شيء.
ثم ليعلم الإنسان أنه إذا دعا الله ولم يستجب له، فإما أن الله يدخره له، وإما أن يدفع عنه شراً أعظم مما سأل، ولكن لا يستحسر ويدع الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، وينتظر الإجابة ويوقن بها، فإنه سبحانه وتعالى يقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) سورة البقرة/186.
وليتحر أوقات الإجابة، فإن من أوقاتها، الثلث الأخير من الليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر) رواه البخاري (7494) ومسلم (758) .
وكذلك (آخر ساعة من يوم الجمعة فإنه لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يدعو الله إلا أعطاه إياه) رواه البخاري (935) ومسلم (852) ، أو ما بين خروج الإمام يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة.
وكذلك من الأوقات ما بين الأذان والإقامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد) رواه الترمذي (212) وأبو داود (521) وأحمد (3/119) وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
ومن الأحوال حال الإنسان إذا كان ساجداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) رواه مسلم (479) ، وكذلك بعد التشهد الأخير قبل أن يسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين ذكر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء) رواه البخاري ومسلم، هذا ما أريد أن أقدمه قبل الجواب الخاص.
أما الجواب الخاص فإن هذه المرأة عليها أن تصبر وتحتسب، وأن تعلم أن الأمور بيد الله عز وجل، وأن تأخر الزواج ربما يكون خيراً أعده الله لها، فلتأمل الخير ولترجِّ نفسها، وإذا كان عندك هم أو وساوس فأكثري من ذكر الله عز وجل، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ولتقبلي على أمورك من العبادة والأعمال الأخرى، حتى يزول همك.
وكذلك فادعي بالدعاء المشهور المزيل للهم والغم وهو: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك ... ) ، والمرأة تقول: (اللهم إني أمتك بنت عبدك بنت أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلفك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي) رواه أحمد (1/391،452) وابن حبان (3372) والحاكم (1/509) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) ، وغير ذلك من الأدعية المأثورة، فذلك يزيل عنك ما تجدين من الهموم والغموم، نسأل الله لنا ولك العافية، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/558)
لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير) الداء والدواء ص35.
فيتبين من ذلك أن هناك أحوالا وآدابا وأحكاما يجب توفرها في الدعاء وفي الداعي، وأن هناك موانع وحواجب تحجب وصول الدعاء واستجابته يجب انتفاؤها عن الداعي وعن الدعاء، فمتى تحقق ذلك تحققت الإجابة.
ومن الأسباب المعينة للداعي على تحقيق الإجابة:
1 - الإخلاص في الدعاء، وهو أهم الآداب وأعظمها وأمر الله عز وجل بالإخلاص في الدعاء فقال سبحانه: (وادعوه مخلصين له الدين) ، والإخلاص في الدعاء هو الاعتقاد الجازم بأن المدعو وهو الله عز وجل هو القادر وحده على قضاء حاجته والبعد عن مراءاة الخلق بذلك.
2 - التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فإن المعاصي من الأسباب الرئيسة لحجب الدعاء فينبغي للداعي أن يبادر للتوبة والاستغفار قبل دعائه قال الله عز وجل على لسان نوح عليه السلام: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) .
3 - التضرع والخشوع والتذلل والرغبة والرهبة، وهذا هو روح الدعاء ولبه ومقصوده، قال الله عز وجل: (ادعوا ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المعتدين) .
4 - الإلحاح والتكرار وعدم الضجر والملل: ويحصل الإلحاح بتكرار الدعاء مرتين أو ثلاث والاقتصار على الثلاث أفضل اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا. رواه أبو داود والنسائي.
5 - الدعاء حال الرخاء والإكثار منه في وقت اليسر والسعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) رواه أحمد.
6 - التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا في أول الدعاء أو آخره، قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .
7 - اختيار جوامع الكلم وأحسن الدعاء وأجمعه وأبينه، وخير الدعاء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز الدعاء بغيره مما يخص الإنسان به نفسه من حاجات.
ومن الآداب كذلك وليست واجبة: استقبال القبلة والدعاء على حال طهارة وافتتاح الدعاء بالثناء على الله عز وجل وحمده والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع رفع اليدين حال الدعاء.
ومن الأمور المعينة على إجابة الدعاء تحري الأوقات والأماكن الفاضلة.
فمن الأوقات الفاضلة: وقت السحر وهو ما قبل الفجر، ومنها الثلث الآخر من الليل، ومنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ومنها وقت نزول المطر، ومنها بين الأذان والإقامة.
ومن الأماكن الفاضلة: المساجد عموما، والمسجد الحرام خصوصا.
ومن الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الصائم، ودعوة المضطر، ودعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب.
أما موانع إجابة الدعاء فمنها:
1- أن يكون الدعاء ضعيفا في نفسه، لما فيه من الاعتداء أو سوء الأدب مع الله عز وجل، والاعتداء هو سؤال الله عز وجل ما لا يجوز سؤاله كأن يدعو الإنسان أن يخلده في الدنيا أو أن يدعو بإثم أو محرم أو الدعاء على النفس بالموت ونحوه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه مسلم.
2 - أن يكون الداعي ضعيفا في نفسه، لضعف قلبه في إقباله على الله تعالى. أما سوء الأدب مع الله تعالى فمثاله رفع الصوت في الدعاء أو دعاء الله عز وجل دعاء المستغني المنصرف عنه أو التكلف في اللفظ والانشغال به عن المعنى، أو تكلف البكاء والصياح دون وجوده والمبالغة في ذلك.
3 - أن يكون المانع من حصول الإجابة: الوقوع في شيء من محارم الله مثل المال الحرام مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ودخل الوظائف المحرمة، ومثل رين المعاصي على القلوب، والبدعة في الدين واستيلاء الغفلة على القلب.
4 - أكل المال الحرام، وهو من أكبر موانع استجابة الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المتقين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك!!) رواه مسلم. فتوفر في الرجل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأمور المعينة على الإجابة من كونه مسافرا مفتقرا إلى الله عز وجل لكن حجبت الاستجابة بسبب أكله للمال الحرام، نسأل الله السلامة والعافية.
5 - استعجال الإجابة والاستحسار بترك الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري ومسلم.
6 - تعليق الدعاء، مثل أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت، بل على الداعي أن يعزم في دعائه ويجد ويجتهد ويلح في دعائه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له) رواه البخاري ومسلم.
ولا يلزم لحصول الاستجابة أن يأتي الداعي بكل هذه الآداب وأن تنتفي عنه كل هذه الموانع فهذا أمر عز حصوله، ولكن أن يجتهد الإنسان وسعه في الإتيان بها.
ومن الأمور المهمة أن يعلم العبد أن الاستجابة للدعاء تكون على أنواع: فإما أن يستجيب له الله عز وجل فيحقق مرغوبه من الدعاء، أو أن يدفع عنه به شرا، أو أن ييسر له ما هو خير منه، أو أن يدخره له عنده يوم القيامة حيث يكون العبد إليه أحوج. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/559)
حكم طلب الدعاء من الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم طلب المسلم من أخيه المسلم الدعاء ممن يتوسم فيه الخير، ويكون ذاهباً إلى الحج أو سفر غيره، فيطلب منه الدعاء له بظهر الغيب لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أثنى على أويس، وحث الصحابة رضوان الله عليهم على طلب الدعاء منه حديث أويس القرني أخرجه مسلم رقم 2542 وهل كره شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك، وخص الحديث بأويس، أفيدونا وفقكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طلب الدعاء من الرجل الذي ترجى إجابته إما لصلاحه وإما لكونه يذهب إلى أماكن ترجى فيها إجابة الدعاء كالسفر والحج والعمرة وما أشبه ذلك، هو في الأصل لا بأس به، لكن إذا كان يخشى منه محذور، كما لو خشي من اتكال الطالب على دعاء المطلوب، وأن يكون دائماً متكلاً على غيره فيما يدعو به ربه ـ أو يخشى منه أن يُعجَب المطلوب بنفسه، ويظن أنه وصل إلى حد يطلب منه الدعاء فيلحقه الغرور، فهذا يمنع لاشتماله على محذور وأما إذا لم يشتمل على محذور فالأصل فيه الجواز لكن مع ذلك نقول لا ينبغي، لأنه ليس من عادة الصحابة رضي الله عنهم أن يتواصى بعضهم بعضاً بالدعاء، وأما ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك) أخرجه أبو داود رقم 1498، والترمذي رقم 3557 فإنه ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما سؤال بعض الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء، فمن المعلوم أنه لا أحد يصل إلى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد طلب منه عكاشة بن محصن أن يدعو له فجعله من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، فقال: أنت منهم أخرجه البخاري رقم 6541، ومسلم رقم 216، 218، 220 ودخل رجل يسأله أن يسأل الله الغيث لهم فسأله أخرجه البخاري رقم 1013، ومسلم رقم 897.
وأما إيصاء النبي للصحابة أن يطلبوا من أويس القرني أن يدعو لهم فهذا لا شك أنه خاص به، وإلا فمن المعلوم أن أويساً ليس مثل أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيره من الصحابة، ومع ذلك لم يوص أحداً من أصحابه أن يطلب من أحدهم أن يدعو لهم.
وخلاصة الجواب أن نقول: إنه لا بأس بطلب الدعاء ممن ترجى إجابته، بشرط ألا يتضمن ذلك محذوراً، ومع هذا فإن تركه أفضل وأولى.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /212(7/560)
حكم الدعاء باللغة الانجليزية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء باللغة الإنجليزية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء في اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات جائز خارج الصلاة، وأما الصلاة فلا يجوز شيء منها بغير العربية عند جمهور العلماء
على أن التزام المسلم باللغة العربية في سائر أحواله لا سيما في عباداته - وَالدعاء هو العبادة - لا شك أنه أولى وأفضل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(7/561)
الدعاء الذي يدعو به العقيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي نحاول أن ننجب طفلاً، هل تستطيع أن تخبرنا عن سورة في القرآن لنتلوها في الصلاة أو في الدعاء تساعدنا على الإنحاب. وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك بدعاء زكريا عليه السلام عندما قال: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فإنه دعاء جميل في غاية المناسبة للحال. وكذلك دعاؤه عليه السلام لما قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.
وقصة زكريا عليه السلام فيها عبر بالغة وقد قصّها الله علينا في كتابه في عدة مواضع، فمنها ما جاء في سورة آل عمران في ذكر مريم عليها السلام: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِيءَايَةً قَالَءَايَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)
ومنها آيات سورة مريم: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي ءايَةً قَالَءَايَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
ومنها آيات سورة الأنبياء (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
وتأمُّل قصة زكريا عليه السلام نافع جدا لكل عقيم وكذلك قصة إبراهيم وزوجته سارة فقد رزقهما الله بصبرهما إسحاق عليه السلام وولد لإبراهيم وهو كبير إسماعيل أيضا كما قال تعالى عن خليله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) سورة إيراهيم
وعلى المسلم في جميع الحالات أن يرضى بقضاء الله وقدره ولو بقي عقيما طيلة عمره ولربما كان صبره خيرا له من الولد، وكل قضاء الله خير وكلّ أقداره حكمة وكلّ شيء بمشيئته وأمره سبحانه: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) سورة الشورى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/562)
هل تأخير الصلاة عن أول وقتها يمنع إجابة الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دليل على أن من يؤخر الصلاة عن وقتها المفضّل ولكن قبل خروج الوقت لا يُستجاب دعاؤه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجابنا عن هذا السؤال فضيلة الشيخ عبد الله بن قعود بما حاصله:
الحمد لله
لا نعلم دليلا على هذا والدعاء قد يستجيبه الله من المضطر ولو كان كافرا. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن قعود(7/563)
متى نرفع اليدين بالدعاء ومتى ندعو دون رفع
[السُّؤَالُ]
ـ[يتطرق سؤالي هذا إلى أحد أجوبتك السابقة، حيث قلت بأن رفع اليدين عند الدعاء بعد صلاة الفريضة أو بعد صلاة الجمعة هو بدعة. هلا قلت لي متى يكون من الجيد رفع اليدين حال الدعاء؟ وهل يمكنني رفعهما بعد صلاة النافلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما ينبغي علمه أن الدعاء عبادة، وكل عبادة لا نفعلها إلا بدليل، والأصل في رفع اليدين أنه مع الدعاء إلا إذا كان الدعاء داخل عبادة أخرى فيعتبر الرفع حينذاك فعلا زائدا في تلك العبادة. ومثال ذلك: الصلاة
والخطبة، والطواف، والسعي ونحوها. فالصلاة فيها دعاء عند الاستفتاح، وفي الركوع، والرفع منه وفي السجدتين، والجلوس بينهما، ولكن من رفع يديه في هذه المواضع فيعتبر قد جاء ببدعة، وهكذا رفع اليدين في الدعاء على المنبر إلا في حال الاستسقاء. ومثله الدعاء حال الطواف والسعي.
وما دلّ الدليل على جواز الرفع فيه فهذا لا شك فيه، ومالم يرد فيه دليل ولم يكن داخل عبادة أخرى فهو دعاء مطلق، فهذا لا بأس برفع اليدين فيه. وقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ذكره للرجل يمدّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟
وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يستحي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفرا " وغيره من الأحاديث.
وأما رفعهما بعد صلاة النافلة فإن كان ذلك من غير المعتاد كان يعرض للمرء عارض أن يدعو الله في تلك اللحظة فلا بأس. وإن كان يعتاد الدعاء والرفع بعد الفريضة فليس هناك دليل واضح يدلّ عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(7/564)
هل يدعو العبد ربه مع أن الله يعلم حاجته
[السُّؤَالُ]
ـ[يردد البعض حديث لفظه: (علمه بحالي يغني عن سؤالي) ويستدلون به على أنه لا حاجة للإنسان أن يدعو الله، لأن الله يعلم حاجة الإنسان، فما صحة هذا الكلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا القول قول باطل، لأنه مناف للإيمان بالقدر، وتعطيل للأسباب، وترك لعبادة هي أكرم العبادات على الله عز وجل.
فالدعاء أمره عظيم وشأنه جليل، فبه يرد القدر، وبه يرفع البلاء، فهو ينفع مما نزل ومما لم ينزل.
قال عليه الصلاة والسلام: (ولا يرد القدر إلا الدعاء) أخرجه أحمد 5/277، وابن ماجه (90) ، والترمذي (139) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7687) وانظر الصحيحة (145) .
وقال: (من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سُئل الله شيئاً يعطى أحب من أن يسأل الله العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) .أخرجه الترمذي (3548) .
وقال: (لا يغني حذر من قدر، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) أخرجه الطبراني 2/800 (33) ، وقال الألباني في صحيح الجامع (7739) حسن.
وربما استشهد بعض من يترك الدعاء كبعض الصوفية بحديث: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) ، وهذا الحديث باطل لا أصل له، تكلم عليه العلماء، وبينوا بطلانه.
فقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً إلى ضعفه فقال: (وروي عن أبي بن كعب أن إبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النار: (لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك، ثم رموا به في المنجنيق إلى النار، واستقبله جبريل فقال: يا إبراهيم، لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي) تفسير البغوي معالم التنزيل 5/347
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: (وأما قوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي فكلام باطل، خلاف ما ذكره الله عن إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء، من دعائهم لله، ومسألتهم إياه، وهو خلاف ما أمر الله به عباده من سؤالهم له صلاح الدنيا والآخرة) . مجموع الفتاوى 8/539
وقال الشيخ الألباني عن هذا الحديث: (لا أصل له، أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو من الإسرائيليات، ولا أصل له في المرفوع) سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/28 (21)
وقال بعد ذلك عن الحديث: (وقد أخذ هذا المعنى بعض من صنف في الحكمة على الطريقة الصوفية فقال: سؤالك منه - يعني الله تعالى - اتهام له) سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/29
ثم قال رحمه الله تعليقاً على تلك المقولة: (هذه ضلالة كبرى، فهل كان الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟) سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/29
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 145.(7/565)
ما حكم أن يقسم الإنسان على ربه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لأحد من الناس في هذا الزمان أن يقسم على الله أن يحقق له كذا وكذا مما يريد ام لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يجوز الإقسام على الله تعالى بقوله: أقسمت عليك يا رب أن تنزل المطر، أو تهزم اليهود، أو تغني فلانا، أو تعطيه كذا، أو تحقق لي ما أطلبه في هذا المكان، ونحو ذلك، فإن معناها أن العبد يلزم ربه ويفرض عليه، والله تعالى هو الذي يتصرف في العباد، وليس العبد أهلا أن يأمر ربه بأمر على وجه الإلزام، بل إن ذلك منقص للتوحيد، او مما ينافي كماله أو أصله حسب النية، وأما ما روي عن بعض السلف من الإقسام على الله فلعل ذلك من باب الدعاء، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " رواه البخاري (2703) فهذا على وجه الفرض، يعني أن الله تعالى يجيب دعوته مع العلم أنه لا يجرأ أن يقسم على ربه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 53.(7/566)
هل هناك أي دعاء لإزالة الحزن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أي دعاء لإزالة الحزن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) .
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا حزبه أمر قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) .
وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئا) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا) . الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية بتحقيق الشيخ الألباني ص72.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/567)
لا دليل على إجابة الدعاء حال رؤية الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال أحدهم بأن التوسل (الدعاء) الذي يقوله المسلم أول ما يرى الكعبة يكون مستجابا دائما. هل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا ليس بصحيح، ولا بد من وجود دليل على هذا حتى يكون صحيحا، لأن العبادات لا تبنى إلا على دليل ولا بد أن يكون ذلك الدليل صحيحا في نفسه وصريحا في الدلالة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(7/568)
الدعاء بطول العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بطول العمر أم أن العمر مقدر ولا فائدة من الدعاء بطوله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في ذلك، والأفضل: أن يقيده بما ينفع المدعو له، مثل أن يقول: أطال الله عمرك في طاعة الله، أو في الخير أو فيما يرضي الله، ومعلوم أن الدعاء لا يخالف القدر، بل هو من القدر؛ كالأدوية والرقى ونحو ذلك.
وكل الأسباب التي لا تخالف شرع الله فهي كلها من القدر.
وقدر الله ماض في حق المريض والصحيح، ومن دعي له ومن لم يدع له، لكن الله سبحانه أمر بالأسباب المشروعة والمباحة، ورتب عليها ما يشاء سبحانه، وكل ذلك من قدر الله.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/425.(7/569)
يريد أسماء كتب أدعية صحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بكيفية التفرقة بين الذكر الصحيح والذكر البدعي. يستغرق ذهابي إلى العمل يوميا بالسيارة ساعتين تقريباً، وللاستفادة من هذا الوقت أستمع إلى القرآن (باللغة العربية مع ترجمة باللغة الإنكليزية) خلال ذهابي إلى العمل وعودتي إلى البيت. كما أحاول تلاوة بعض الأدعية التي تعلمتها من بعض الكتب التي تلقيتها. وهذه الكتب التي نشرت في الهند وباكستان تذكر بأنه ينبغي أن أردد دعاءً معيناً مائة مرة ودعاءً آخر خمسمائة مرة …إلى آخره. وجميع الأدعية الواردة في هذه الكتب تنص على عدد المرات التي ينبغي أن أرددها. وقد بحثت عدداً من الأحاديث الصحيحة ولم أجد هذا النص على عدد معين. وعلى ذلك فهل أكون مقترفاً لبدعة إذا تلوت هذه الأدعية بالعدد المذكور في هذه الكتب؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل توجد كتب معتمدة توصي بها يمكنني أن أتعلم منها الأدعية اليومية للذكر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار تكرر في اليوم والليلة مائة مرة مثلما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. " رواه البخاري 3050
وكذلك ما جاء أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ. " رواه البخاري 5936
وأما بالنسبة لتسمية كتب موثوقة وصحيحة في موضوع الأدعية والأذكار فإن هذا الموضوع قد صنفت فيه عدة كتب قديما وحديثاً مفردة وغير مفردة ومن ذلك:
1 - كتاب عمل اليوم والليلة للنسائي - تحقيق فاروق حمادة
2 - الأذكار للأمام النووي - تحقيق عبد القادر الأرناؤوط
3 - الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة - دار ابن عفان - الخبر - السعوية
4 - صحيح الكلم الطيب للألباني - المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان
5 - حصن المسلم للقحطاني - مؤسسة الجريسي - الرياض - السعودية
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/570)
هل جاء في قول لا إله إلا الله عدد الحركات والسكون فضل خاص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما رأيتها في المنتديات والإيميل تأتيني: قال رجل من السلف: لا إله إلا الله عدد ما كان , وعدد ما يكون , وعدد الحركات والسكون، وبعد مرور سنة كاملة قالها مرة أخرى، فقالت الملائكة: إننا لم ننتهِ من كتابة حسنات السنة الماضية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح نسبة الأجر والفضل إلى هذا الدعاء، أو غيره من الأدعية والأذكار والعبادات، بغير دليل صحيح من الكتاب والسنة.
والأثر المذكور في السؤال لم يرد في كتب أهل العلم، ولا رواه المحدثون في كتبهم المسندة، فلا يجوز نشره بين الناس ولا التحديث به إلا على وجه التحذير منه، والواجب على المسلمين الحذر من نشر الكذب على الدين، ومن تساهل في ذلك أصابه نصيب من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من كذب عليه متعمداً.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
ما صحة دعاء امرأة تقول: لا إله إلا الله عدد ما كان وما يكون، وعدد حركاته، وعدد خلقه من خلق آدم حتى يبعثون.
فقال:
أشبه ما يكون هذا الدعاء بالتنطع، ولو قالت: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، أو لا إله إلا الله عدد خلقه، لكفاها عن ذلك كله، وكان من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته)
هذا من أجمع ما يكون من التسبيح، وأما هذه الأشياء التي يأتي بها بعض الناس يعجبه السجع الذي فيها والمعنى المبتكر! فإن العدول عنها إلى ما جاءت به السنة هو الخير " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/63، سؤال رقم/14)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/571)
حديث مكذوب فيه: (بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء)
[السُّؤَالُ]
ـ[دعاء لمرة واحدة بالعمر: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مضمون الحديث أنه قال: من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج 360 حجة، وختم 360 ختمة، وأعتق 360 عبدا، وتصدق ب 360 دينارا، وفرج عن 360 مغموما، وبمجرد أن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث نزل جبرائيل عليه السلام وقال: يا رسول الله! أي عبد من عبيد الله سبحانه وتعالى، أو أي أحد من أمتك يا محمد قرأ الدعاء ولو مرة واحدة في العمر بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: رفعت عنه الفقر. أمنته من سؤال منكر ونكير. أمررته على الصراط. حفظته من موت الفجأة. حرمت عليه دخول النار. حفظته من ضغطة القبر. حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم. الدعاء: لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار, لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال , لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له مسلمون , لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له قانتون , لا إله إلا وحده لا شريك له، إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له صابرون , لا إله إلا الله محمد رسول الله , اللهم إليك فوضت أمري، وعليك توكلت، يا أرحم الراحمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفضل المنسوب لهذا الدعاء فضل مكذوب، لم يرد في كتب السنة والآثار، ولا عن الصحابة ولا التابعين، وتظهر عليه علامات الكذب، لما فيه من المبالغة والمجازفة في ترتيب الأجر على العمل، وقد حكم العلماء المعاصرون عليه بالرد والكذب.
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (24/281-283) ما يلي:
" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ بواسطة معالي د. محمد بن سعد الشويعر، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3598) ، وتاريخ 9 \ 7 \ 1420 هـ، وقد ذكر معاليه أن أحد المواطنين جاءه بنشرة يقول إنه وجدها بالمسجد الذي يصلي فيه، ويطلب إفتاءه نحوها، وقد جاء في هذه النشرة ما نصه:.. ". [وذكروا الحديث بنحو مما ورد في السؤال] .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت:
بأن هذا الدعاء المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم دعاء باطل، لا أصل له من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحديث المروي في فضله حديث باطل مكذوب، ولم نجد من أئمة الحديث مَن خَرَّجه بهذا اللفظ، ودلائل الوضع عليه ظاهرة؛ لأمور، منها:
1 - مخالفة هذا الدعاء ومناقضته لصحيح المعقول وصريح المنقول من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لترتيب هذه الأعداد العظيمة من الثواب المذكور لمن قرأ هذا الدعاء.
2 - اشتماله على لفظ (علي ولي الله) ، ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أولياء الله إن شاء الله، ولكن تخصيصه بذلك دون غيره فيه نفثة رافضية.
3 - أنه يلزم من العمل بهذا الدعاء أن قارئه يدخل الجنة وإن عمل الكبائر أو أتى بما يناقض الإيمان، وهذا باطل ومردود عقلا وشرعا.
وعلى ذلك فإن الواجب على كل مسلم أن لا يهتم بهذه النشرة، وأن يقوم بإتلافها، وأن يحذر الناس من الاغترار بها وأمثالها، وعليه أن يتثبت في أمور دينه فيسأل أهل الذكر عما أشكل عليه حتى يعبد الله على نور وبصيرة، ولا يكون ضحية للدجالين وضعاف النفوس الذين يريدون صرف المسلمين عما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويجعلهم يتعلقون بأوهام وبدع لا صحة لها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
وقد سبق الجواب عن هذا الذكر في جواب رقم: (126635)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/572)
تعريف موجز بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت في أحد المنتديات دعاء غريبا يقول ناشره أنه: " من قرأ هذا الدعاء في أي وقت فكأنه حج (360) حجة، وختم (360) ختمة، وأعتق (360) عبدا، وتصدق بـ (360) دينارا، وفرج عن (360) مغموما، ... ."الخ فقمت بالبحث في "google" وتفاجأت فعلا بحجم انتشار هذا الدعاء، ولم أجد إلا مواقع (أو صفحات) قليلة جدا ردت بالفتوى رقم 21084 من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. ولكن المشكلة هي: هل بمجرد كتابة هذه الجملة " اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " أسفل الجواب يعطي مصداقية للفتوى، أم يجب علينا التأكد من المصدر، وأن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فعلا هي مصدر الفتوى. وما هو السبيل للتأكد من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبر الإنترنت، وأنها فعلا هي المسؤولة عن إصدار فتوى معينة. وهل هناك موقع رسمي وثقة خاص بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبر الإنترنت. وهل يأثم من ينشر الفتوى بدون التأكد من المصدر أو عدم ذكره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية إحدى اللجان العلمية المعتبرة في العصر الحاضر، تضم نخبة من كبار أهل العلم في هذه البلاد، ولها مصداقية عالية في الأوساط العلمية والإسلامية، ولها جهود كبيرة في بيان الأحكام الشرعية للناس، وإصدار الفتاوى المتعلقة بجميع شؤون الحياة، وقد قام الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش بجمع الفتاوى الصادرة عن اللجنة فخرجت المجموعة الأولى منها في ستة وعشرين (26) مجلدا، وخرجت المجموعة الثانية منها في ستة مجلدات، وهي من أهم المراجع التي يستفيد منها الناس وطلبة العلم اليوم في النظر في المسائل الفقهية المعاصرة.
وهذه الفتاوى كاملة متوفرة على شبكة الإنترنت في موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء على الرابط الآتي:
http://www.alifta.net/Default.aspx
كما يتوفر الكتاب مصورا في شبكة الإنترنت تحت الرابط الآتي:
http://www.archive.org/details/fldbeefldbee
ثانيا:
أما الدعاء المقصود في السؤال، فقد صدرت فيه فتوى حقا من اللجنة الدائمة، وهي منشورة في الكتاب الذي يضم مجموع فتاواهم، ونحن ننقل لك ههنا ما يتعلق بهذا الدعاء:
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (24/281-284) فتوى رقم (21084) ما يلي:
" الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي \ بواسطة معالي د. محمد بن سعد الشويعر، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3598) وتاريخ 9 \ 7 \ 1420 هـ، وقد ذكر معاليه أن أحد المواطنين جاءه بنشرة يقول إنه وجدها بالمسجد الذي يصلي فيه، ويطلب إفتاءه نحوها، وقد جاء في هذه النشرة ما نصه:
لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا اله الواحد القهار، لا إله إلا الله العزيز الغفار، لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا ربا وشاهدا صمدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا ربا وشاهدا، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ربا وشاهدا ونحن له قانتون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ربا وشاهدا ونحن له صابرون، لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي ولي الله، اللهم إليك وجهت وجهي، وإليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا أرحم الراحمين.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضمون الحديث أنه قال: (من قرأ هذا الدعاء في أي وقت فكأنه حج 360 حجة، وختم 360 ختمة، وأعتق 360 عبدا، وتصدق بـ 360 دينارا، وفرج عن 360 مغموما)
وبمجرد أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث نزل الأمين جبرائيل عليه السلام وقال: يا رسول الله: أي عبد من عبيد الله أو أمة من أمتك يا محمد قرأ هذا الدعاء ولو مرة في العمر بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء:
1 - أرفع عنه الفقر.
2 - أمنه من سؤال منكر ونكير.
3 - أمرره على الصراط.
4 - حفظته من موت الفجأة.
5 - حرمت عليه دخول النار.
6 - حفظته من ضغطة القبر.
7 - حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن:
هذا الدعاء المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم دعاء باطل، لا أصل له من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحديث المروي في فضله حديث باطل مكذوب، ولم نجد من أئمة الحديث من خرجه بهذا اللفظ.
ودلائل الوضع عليه ظاهرة لأمور منها:
1 - مخالفة هذا الدعاء ومناقضته لصحيح المعقول وصريح المنقول من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لترتيب هذه الأعداد العظيمة من الثواب المذكور لمن قرأ هذا الدعاء.
2 - اشتماله على لفظ (علي ولي الله) ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أولياء الله إن شاء الله، ولكن تخصيصه بذلك دون غيره فيه نفثة رافضية.
3 - أنه يلزم من العمل بهذا الدعاء أن قارئه يدخل الجنة وإن عمل الكبائر أو أتى بما يناقض الإيمان، وهذا باطل ومردود عقلا وشرعا.
وعلى ذلك فإن الواجب على كل مسلم أن لا يهتم بهذه النشرة، وأن يقوم بإتلافها، وأن يحذر الناس من الاغترار بها وأمثالها، وعليه أن يتثبت في أمور دينه فيسأل أهل الذكر عما أشكل عليه حتى يعبد الله على نور وبصيرة، ولا يكون ضحية للدجالين وضعاف النفوس الذين يريدون صرف المسلمين عما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويجعلهم يتعلقون بأوهام وبدع لا صحة لها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ " انتهى.
ولا بد من التنبيه هنا على وجوب التأكد من نسبة الفتاوى لأصحابها، قبل نشرها والإعلان عنها، بل هذا واجب في كل ما ينسبه الإنسان إلى غيره. قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36، ولو استجاب الناس لهذا الأمر الإلهي كفاهم كثيرا من الشقاق والنزاع الذي لا يأتي إلا بالشر.
ويحصل لك الثقة بأن هذه الفتوى صدرت من اللجنة الدائمة، إما بقراءتها في كتابهم، إن كان متيسرا لديك، أو كانت لديك مصورته، أو بقراءة ذلك في الموقع الرسمي للرئاسة العامة للإفتاء، والذي ذكرنا رابطه فيما مضى، أو بأن ينقل ذلك عنهم أحد الثقات من أهل العلم، أو المواقع الموثوق فيها. وتجد في موقعنا هذا مئات من الأجوبة المنقولة عن اللجنة الدائمة، مع ذكر الجزء والصفحة الذي وردت فيه الفتوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/573)
دعاء (اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله)
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت السؤال عن صحة هذا الدعاء: (اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيرا فبارك لي فيه) ، وإن كان صحيحا فهل يقال في ظرف أو وقت معين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت هذا الدعاء في كتب السنة والأثر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد من قول أحد الصحابة أو التابعين، وإنما هو دعاء أعرابية مجهولة سمعها بعض أهل العلم تدعو به في عرفات.
فقد روى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" بسنده (ص/727) : " عن الأصمعي قال:
" سمعت أعرابية بعرفات وهي تقول: اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائيا فقربه، وإن كان قريباً فيسره " انتهى.
وكذا نقله الجاحظ في "البيان والتبيين" (517) ، والزمخشري في "ربيع الأبرار" (178) وغيرهم.
والمراد من هذا الدعاء، من حيث الجملة، تحقيق حصول الرزق، وتيسير وصوله، وهو أمر لا حرج فيه، وإن كنا نرى في هذا الدعاء نوعا من التكلف، والتشقيق في المسألة، وهو خلاف أكمل الهدي، هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من بعده، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ) رواه أحمد (27649) وأبو داود (1482) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والمراد بجوامع الدعاء: " الْجَامِعَة لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَهِيَ مَا كَانَ لَفْظه قَلِيلًا وَمَعْنَاهُ كَثِيرًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار) ، وَمِثْل الدُّعَاء بِالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِيّ: وَهِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الْأَغْرَاض الصَّالِحَة، أَوْ تَجْمَعُ الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى وَآدَاب الْمَسْأَلَة " انتهى.
"عون المعبود شرح سنن أبي داود" (4/249) .
وعَنْ ابْنٍ لِسَعْد بن أبي وقاص، أَنَّهُ قَالَ: (سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا وَكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ) ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ؛ إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنْ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ!!) رواه أحمد (1486) وأبو داود (1480) ، وصححه الألباني.
وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
(اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه مسلم (2713) .
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي؟! قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟! ، قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (3563) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وانظر: تصحيح الدعاء، للشيخ بكر أبو زيد، ص (61-63) .
فأين هذا كله من تشقيق دعاء الأعرابي هذا؟! .
فالذي نختاره لك، ويختاره كل عاقل، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، فإن عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، فادع بما تحب من قضاء حاجتك، وتيسير أمرك، وليس من شرط ذلك أن يكون الدعاء بعينه مأثورا محفوظا، بل إن كان في المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم حاجتك ومسألتك، فبها ونعمت، وهو الأكمل، وإلا فادع بما تحب من خير الدنيا والآخرة.
فإن أبيت إلا أن تدعو بهذا الدعاء، فليكن ذلك في المرة بعد المرة، ولا تجعله وردا دائما لك، ولا هديا ملازما، لكن من غير نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم اعتقاد أفضليته، ولا تخصيصه بزمان أو مكان أو عبادة.
وقد وقع بعض متأخري فقهاء الشافعية في هذا الخطأ، فذكروا هذا الدعاء فيما يسن في صلاة الضحى، وقالوا:
" يسن أن يدعو في صلاة الضحى بهذا الدعاء:
اللهم إن الضحى ضحاؤك، والبها بهاؤك، والجمال جمالك، والقوة قوتك، والقدرة قدرتك، والعصمة عصمتك، اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن ان في الأرض فأخرجه، وإن كان معسرا فيسره، وإن كان حراما فطهره، وإن كان بعيدا فقربه، بحق ضحائك وبهائك وجمالك وقوتك وقدرتك، آتني ما آتيت عبادك الصالحين " انتهى.
ذكره الدمياطي البكري في "حاشية إعانة الطالبين" (1/295) ، وحاشية الطبلاوي على "تحفة المحتاج" (2/231) ، وحاشية الجمل (1/485) .
فخصصوا هذه الجمل في عبادة معينة من غير دليل من الكتاب والسنة، وزادوا في جمل الدعاء كلمات تضم مخالفات وتجاوزات، كقوله (بحق ضحائك) ، ولا يعلم أن للضحى حق وجاه يسأل الله به.
فالحق أن دعوى استحباب هذا الدعاء في صلاة الضحى فتح لباب البدعة والإحداث في الدين، وليس هو من هدي الفقهاء المتقدمين الراسخين، ولا من عمل السلف الصالحين، فينبغي الحذر منه، وبيان كذب نسبته إلى السنة النبوية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/574)
دعاء المذاكرة والنجاح!
[السُّؤَالُ]
ـ[أبعث إليكم ورقة أرسلتها إلي إحدى المعلمات، وهي متداولة بين بعض الطالبات أثناء فترة الاختبارات الدراسية، هذه الورقة بعنوان: (دعاء المذاكرة والنجاح – بإذن الله) وقد جاء فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، دعاء المذاكرة والنجاح ـ بإذن الله ـ قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء، فإذا وفقت في الدعاء أعطيت الإجابة) ونحن على أبواب الامتحان هداني الله لجميع هذه الأدعية والتوجه بها إلى الله في أوقات المذاكرة، وعند الامتحان، وفي حال النسيان. دعاء قبل المذاكرة: اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين،اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك، وقلوبنا بخشيتك، وأسرارنا بطاعتك، إنك على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل. عند دخول الامتحان: رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا. دعاء بعد المذاكرة: اللهم إني استودعك ما قرأت وما حفظت وما تعلمت فرده عند حاجتي إنك على كل شيء قدير. عند بداية الإجابة: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، باسم الله الفتاح، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً يا أرحم الراحمين. عند التوجه للامتحانات: اللهم إني توكلت عليك وفوضت أمري إليك ولا ملجأ ولا منجى إلا إليك. عند تعسر الإجابة: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، يا حي يا قيوم برحمتك استغيث، رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. عند النسيان: اللهم جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي. بعد أن ينتهي من الإجابة يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا نهتدي لولا أن هدانا الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذه الأدعية الموضوعة للمذاكرة والنجاح والمنوعة لكل حالة تعرض للطالب أثناء المذاكرة أدعية مبتدعة، لم يرد في تخصيصها بما ذكر دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما ذكر فيها من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو آثار، إنما وردت لأسباب: إما خاصة بها أو عامة لسؤال الله ودعائه والتضرع له والالتجاء إليه والتوكل عليه سبحانه في كل أمور الإنسان التي تعرض له، أما تخصيصها بما ذكر فلا يجوز، ويجب ترك العمل بها لهذا الخصوص، وعدم اعتقاد صحتها فيما ذكر، والدعاء عبادة لله، فلا يصح إلا بتوقيف، وينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يدعو الله بأن ييسر له أموره كلها، وأن يزيده علماً وفقهاً في الدين، وأن يلهمه الصواب، ويذكره ما نسي، ويعلمه ما جهل، ويوفقه لكل خير، ويذلل له كل صعب، دون أن يجعل لكل حالة دعاء مبتدعاً يواظب عليه، وذلك أسلم له في دينه , وأحرى أن يستجيب الله لدعائه، ويوفقه لكل خير، فالله سبحانه وتعالى وعد من دعاه بالإجابة والتوفيق للهداية والرشاد، وشرط لذلك الاستجابة لما شرع الله والإيمان به سبحانه، والاستقامة على دينه كما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/183) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/575)
يسأل عن صحة دعاء للتحصن منشور على (الإنترنت)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الدعاء: (بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، اللهم إني اسألك يا الله يا رحمن يا رحيم يا حليم يا كريم يا قديم يا مديم يا عظيم يا الله، يا خير مسؤول، ويا أكرم مأمول، يا من له الحمد والثناء، وبيده الفقر والغناء، وله الأسماء الحسنى، لا مانع لمن أعطاه، ولا مضل لمن هداه، يفعل في ملكه ما يشاء، رب الأرباب، ومعتق الرقاب، ذو القوة القاهرة، والعظمة الباهرة، مالك الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق "، وبهول يوم المخاف، وبالزخرف والطور، بالرق المنشور، بالبيت المعمور، بالسقف المرفوع، بالبحر المسجور، بضوء القمر، بشعاع الشمس، بضوء النهار، بظلام الليل، بدوي الماء، بخيرات الأرض، بحفيف الأشجار، بعلو السماء، بهبوط الأرض، بجريان البحر، بعجائب الدنيا، بنور الصباح، بمكنون سرك، بوفاء عهدك، بعلمك بالشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، بقرب الجنة، ببعد النار، بعدل الميزان، بهدير الرعد، بلمعات البرق، برقدة أهل الكهف، بفطرة الإسلام، بزمزم والمقام، والحج إلى بيت الله الحرام، بسر يوسف، بطور سيناء، بسورة " يس "، بالأنبياء المرسلين، بحلة آدم، بتاج حواء، بحلة إبراهيم، بناقة صالح، بعصاة موسى، بإنجيل عيسى، بزابور داوود، بفرقان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، برقعة إدريس، بسفينة نوح، بسدرة المنتهى، بجنة المأوى، باللوح المحفوظ، بما جرى به القلم، بساعات الدهور، بالفلك الذي يدور، بالصدور وما حوت، بالأنفس الزكية وما عملت، والأقلام وما دارت، والنجوم وما سارت،......... سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم لدى جميع المسلمين أن الدعاء من أفضل العبادات، وأشرف القربات، وأن الأنبياء إنما بعثوا لتوحيد الدعاء لله سبحانه وتعالى، وتوقيف الناس على الدعاء الذي يشرعه الله ويبينه للناس.
ولذلك فإن من أخطر ما يناقض الإسلام، صرف الدعاء لغير الله، أو تشريع ما لم يأذن به الله من طرق وصيغ وأنواع الدعاء في مناسبات وأحوال مختلفة، يلتزمها الناس ويعملون بها، ويحفظونها ويتواصون بها، وغالبا ما يصاحب تلك الأدعية المستحدثة اعتقاد فضلها وعظيم نفعها وأجرها.
ولا أرى الدعاء المنقول في السؤال إلا من هذا الباب.
فهو دعاء مخترع مبتدع وضعه من وضعه ليكون ملاذا لمن أراد التحصن من الشرور، يعتقد فيه النفع، وينسبه إلى الشرع، ويستبدله بالأدعية والأذكار المشروعة الثابتة، وإن لم يكن ذلك بلسان المقال، فهو ولا شك واقع بلسان الحال.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" عمن يقول: أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح عنه أنه قد أساء وأخطأ، إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار، فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان، وخلاف للسنة، إذ الرسول لم يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا، ولم يدخر الله عنه خيرا، بدليل إعطائه خير الدنيا والآخرة، إذ هو أكرم الخلق على الله، فهل الأمر كذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
" الحمد لله، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هى أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّمًا، وقد يكون مكروها، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس.
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنًى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثاله قريب، وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " انتهى.
وفي الدعاء المنقول في السؤال كثير من الكلمات المنكرة المبتدعة، فضلا عن المعاني التي لم ترد بها أدلة الكتاب والسنة، ومن ذلك:
1- التوسل بأمور لا وجه للتوسل بها لا في العقل ولا في الشرع، وهي من التوسل الممنوع، إذ لم يرد في الشريعة ما يدل على التوسل بمثلها: انظر فيه قوله: اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق " ... بضوء القمر، بشعاع الشمس،..بحفيف الأشجار.. بجريان البحر.. بعجائب الدنيا..إلى آخر تلك الكلمات الكثيرة السمجة التي تدل على جهالة واضعها.
2- وفيه أيضا سوء الأدب مع الله بالقسم عليه بغير ما شرع القسم به من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فراح يتكلف أشياء غريبة: تاج حواء، عصا موسى ... ، إلى آخر ما ذكره من العدوان والافتراء.
3- الاعتداء في الدعاء، حيث فيه سؤال ما لا ينبغي للعبد أن يسأله، وذلك في قوله: اللهم إني أسألك أن تجعل لي كرامة جبريل، ومهابة إسرافيل، وقبول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
4- وفيه التعدي بتقرير بعض الأمور الغيبية بالوهم والخرص، انظر قوله: خلق النور من النور.
5- وفيه عُلقةٌ مما تقرره الفرق الباطنية من دعوى أن للقرآن الكريم ظاهرا وباطنا، وذلك في قوله: بسر يوسف.
6- وفيه الكثير من الأخطاء اللغوية كاستعمال كلمات غير مستعملة نحو (مفرود) وسجع متكلف سمج تمجه الأسماع، ومترادفات كثيرة، وتنطع، وتكلف، وسخافة لا تدل إلا على جهل واضعها واستسخافه عقول الناس، ولا يكاد المرء يكره نفسه على قراءته إلا بالجهد الجهيد، فكيف بقبوله والعمل به، قاتل الله واضعه الكذاب!!
والعجب أنه ورغم كل هذه النكارات ينسب إليه واضعه التحصين ودفع الشرور؟!
فليحذر المسلم من الالتفات إلى مثل هذه المبتدعات، وليلجأ إلى أذكار التحصين الشرعية، والتي تحوي جوامع الكلم، وأبلغ الجمل، وأحسن الكلمات ثناءً على الله واعترافا بفضله، وهي الكلمات التي كان يحصن بها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وأبناءه، نحو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما - يعني إبراهيم عليه السلام - كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) رواه البخاري (3191) (الهامة) : بتشديد الميم هي كل ما له سم يقتل. (من كل عين لامة) أي من كل عين تصيب بسوء.
وفي موقعنا مجموعة من الأذكار والأدعية الشرعية، يمكنك مراجعتها في أرقام الأجوبة الآتية: (77208) ، (82463)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/576)
درجة حديث ما يسمى " دعاء جبريل "
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل هذا الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نزل عليّ جبرائيل وأنا أصلي خلف المقام، فلما فرغت من الصلاة دعوت الله تعالى وقلت: حبيبي علمني لأمتي شيئا إذا خرجت من الدنيا عنهم يدعون الله تعالى فيغفر لهم، فقال جبريل: ومن أمتك يشهدون لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، ويصومون أيام الثلاثة البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، ثم يدعون الله بهذا الدعاء، فإنه مكتوب حول العرش، وأنا يا محمد بقوة هذا الدعاء أهبط وأصعد، وملك الموت بهذا الدعاء يقبض أرواح المؤمنين، وهذا الدعاء مكتوب على أستار الكعبة وأركانها، ومن قرأ من أمتك هذا الدعاء يأمن عذاب القبر، ويكون من آمناً يوم الفزع الأكبر، ومن موت الفجّار، وغناه عن خلقه، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأنت شفيعه يوم القيامة يا محمد. . . .
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله الطاهرين سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت المؤمن المهيمن سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت المصور الرحيم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت السميع العليم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيّوم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت البصير الصادق سبحانك، أنت الله لا إله الله إلا أنت الواسع اللطيف سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت العليّ الكبير سبحانك. . .إلخ الدعاء.
هل ما كتب صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث والذي يسمَّى " دعاء جبريل " لا أصل له في السنة الصحيحة، بل ولا في الضعيفة، وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ ألفاظ الحديث والدعاء لم يشك أنه من وضع الزنادقة، ففي بيان بعض فضائل هذا الدعاء قوله: " ومَن كتبه على كفنه بتربة الحسين عليه السلام أمِنَ مِن عذاب القبر "! .
وفي بعض ألفاظه ما يدل على حماقة قائله، وظنه أنه قد ينطلي هذا الدعاء على حماة الدِّين، فاسمع إليه يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحفظته، وعلَّمته المؤمنين من شيعتنا وموالينا "!!
أما المبالغات في الأجور والثواب، والأخطاء في النحو والإملاء: فحدِّث عن هذا ولا حرج، ونص أوله: " اللهم صلِّ على محمد وآل محمد لا إله إلا الله بعدد ما هلَّله المهللون، الله أكبر بعدد ما كبّره المكبرون، الحمد لله الحمد لله بعدد ما حَمِدهُ الحامدون، سبحان الله بعدد ما سبّحه المسبحون، أستغفر الله أستغفر الله بعدد ما استغفره المستغفرون ".
وعلى كل حال: ففي صحيح السنَّة ما يغني عن مثل هذه الخرافات والضلالات، والوصية للأخ السائل أن يقرأ كتاب " حصن المسلم " أو " صحيح الكلِم الطيب "، وكذا ما ذكره الأئمة الثقات كالبخاري ومسلم في كتبهم في أبواب الأدعية، ففيه الخير الكثير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/577)
هل تشرع صلاة الحاجة؟ وهل تنفع التجربة لفعلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة الحاجة باثنتي عشرة ركعة مع التشهد بين كل ركعتين وفي التشهد الأخير نثني على الله عز وجل ونصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسجد ونقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات ونقول عشر مرات " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، ثم نقول: " اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة " ثم نسأل حاجتنا ونرفع رأسنا من السجود ونسلم يميناً ويساراً.
سؤالي هو:
قيل لي إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة القرآن في السجود وقد جربتها في أيام الدراسة والله سبحانه وتعالى استجاب دعائي وأنا لي حاجة إلى الله سبحانه وتعالى وأريد أن أصليها فما هي نصيحتكم لي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رويت " صلاة الحاجة " في أربعة أحاديث: اثنان منهما موضوعان، والصلاة في أحدهما اثنتا عشرة ركعة، وفي الآخر ركعتان، والثالث ضعيف جدّاً، والرابع ضعيف، والصلاة فيهما ركعتان.
أما الأول: فهو الذي جاء في السؤال وهو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت من آخر صلاتك فأثنِ على الله، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك، ثم سلِّم يميناً وشمالاً ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب لهم) .
رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 63) من طريق عامر بن خداش عن عمرو بن هارون البلخي.
ونقل ابن الجوزي تكذيب عمرو البلخي عن ابن معين، وقال: وقد صح النهي عن القراءة في السجود.
انظر: " الموضوعات " (2 / 63) و " ترتيب الموضوعات " للذهبي (ص 167) .
وفي الدعاء بـ " معاقد العز من عرش الله " خلاف بين العلماء، على حسب المقصود من هذا اللفظ الذي لم يرد في الشرع، وقد منع الدعاء به بعض أهل العلم، ومنهم الإمام أبو حنيفة؛ لأنه من التوسل البدعي، وأجازه آخرون لاعتقادهم أنه توسل بصفة من صفات الله عز وجل لا أنه يجوز عندهم التوسل بالمخلوقين.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" أقول: لكن الأثر المشار إليه باطل لا يصح، رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: " هذا حديث موضوع بلا شك "، وأقره الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (273) فلا يحتج به، وإن كان قول القائل: " أسألك بمعاقد العز من عرشك " يعود إلى التوسل بصفة من صفات الله عز وجل: فهو توسل مشروع بأدلة أخرى، تغني عن هذا الحديث الموضوع.
قال ابن الاثير رحمه الله: " أسألك بمعاقد العز من عرشك، أي: بالخصال التي استحق بها العرش العز، أو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة معناه: بعز عرشك، وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء ".
فعلى الوجه الأول من هذا الشرح وهو الخصال التي استحق بها العرش العز: يكون توسلاً بصفة من صفات الله تعالى فيكون جائزاً، وأما على الوجه الثاني الذي هو مواضع انعقاد العز من العرش: فهو توسل بمخلوق فيكون غير جائز، وعلى كلٍّ فالحديث لا يستحق زيادة في البحث والتأويل؛ لعدم ثبوته، فنكتفي بما سبق " انتهى كلام الألباني.
" التوسل أنواعه وأحكامه " (ص 48، 49) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" هذا الحديث فيه من الغرابة كما ذكر السائل من أنه شرع قراءة الفاتحة في غير القيام في الركوع أو في السجود، وتكرار ذلك، وأيضًا في السؤال بمعاقد العز من العرش وغير ذلك، وكلها أمور غريبة، فالذي ينبغي للسائل أن لا يعمل بهذا الحديث، وفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا إشكال فيها، وفيها من نوافل العبادات والصلوات والطاعات ما فيه الخير والكفاية إن شاء الله " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. رواه مسلم (480) .
وفي جواب السؤال رقم (34692) سبق ذكر الحديث وتضعيفه من جهة السند والمتن عن علماء اللجنة الدائمة فلينظر.
وأما الحديث الثاني الوارد في صلاة الحاجة فهو:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام بدعوات فقال: إذا نزل بك أمر من أمر دنياك فقدمهن ثم سل حاجتك: يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا كاشف السوء، يا أرحم الراحمين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا إله العالمين، بك أنزل حاجت وأنت أعلم بها فاقضها) .
رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) -، وذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في " ضعيف الترغيب " (419) و " السلسلة الضعيفة " (5298) أنه موضوع.
وأما الحديث الثالث: فهو:
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين) .
رواه الترمذي (479) وابن ماجه (1384) .
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال.
وذكر الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (416) وقال: حديث ضعيف جدّاً.
وقد سبق تضعيف الحديث في جواب السؤال رقم (10387) فلينظر.
وأما الحديث الرابع فهو:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي، ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك؟ توضأ وصل ركعتين واحمد الله وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) .
رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) وضعفه الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (417) وقال: إسناده مظلم، فيه من لا يُعرف، وانظر " السلسلة الضعيفة " (5287) .
والخلاصة: أنه لم يصح في هذه الصلاة حديث، فلا يشرع للمسلم أن يصليها، ويكفيه ما ورد في السنة الصحيحة من صلوات وأدعية وأذكار ثابتة.
ثانياً:
وأما قول السائلة إنها جربتها فوجدتها نافعة: فهذا قد قاله غيرها قبلها، والشرع لا يثبت بمثل هذا.
قال الشوكاني رحمه الله:
" السنَّة لا تثبت بمجرد التجربة، وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل بسنَّة، وهو أرحم الراحمين، وقد تكون الاستجابة استدراجاً " انتهى باختصار.
" تحفة الذاكرين " (ص 140) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" وأما ما ذكر من أن فلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً، وفلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً؛ هذا كله لا يدل على صحة الحديث، فكون الإنسان يُجرِّب الشيء ويحصل له مقصوده لا يدل على صحة ما قيل فيه أو ما ورد فيه؛ لأنه قد يصادف حصول هذا الشيء قضاءً وقدراً، أو يصادف ابتلاءً وامتحاناً للفاعل، فحصول الشيء لا يدل على صحة ما ورد به " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/578)
قراءة القرآن جماعة وإهداء الأعمال للأموات والمولد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[نلتقي كل يوم أحد من كل آخر شهر مع مجموعة من الأخوات تصل إلى 30 أخت أو أكثر، وتبدأ كل واحدة على حدة تقرأ حزبين أو ثلاثة إلى أن نختم القرآن الكريم في ساعة ونصف أو ساعتين ويقال لنا: إنها تحسب - إن شاء الله - ختمة لكل واحدة , هل هذا صحيح؟ بعد ذلك نقوم بالدعاء وندعو الله بإيصال ثواب ما قرأناه إلى سائر المؤمنين الأحياء منهم والأموات فهل الثواب يصل إلى الأموات ? ويستدلون بقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ ْ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)
كذلك يقومون في عيد المولد النبوي بإقامة رباط يبدأ من العاشرة صباحاً إلى الثالثة زوالاً يبدؤون بالاستغفار والحمد والتسبيح والتكبير والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سرّاً ثم يقرؤون القرآن، وبعض الأخوات يصمن هذا اليوم، فهل تخصيص هذا اليوم بكل هذه العبادات يعتبر بدعة؟ كذلك عندنا دعاء طويل جدّاً طلب منَّا أن ندعو به وقت السحر , لمن استطاع، اسمه: " دعاء الرابطة " , ويبدأ بالصلاة والسلام على سيدنا محمد وحزبه وسائر الأنبياء وأمهات المؤمنين والصحابيات والخلفاء الراشدين والتابعين وأولياء الله الصالحين، مع ذكر كل أحد باسمه، وهل صحيح أن ذكر كل هذه الأسماء سوف تجعل أصحابها يتعرفون علينا وينادوننا في الجنة؟ فهل هذا الدعاء بدعة؟ أنا أشعر أنه كذلك، وأكثر الأخوات يعارضونني، فهل أعاقب من الله إن كنت مخطئة؟ وكيف أقنعهم إن كنت على صواب؟ هذا الموضوع أصابني بأرق شديد وكلما تذكرت حديث رسول الله أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار " ازداد همي وحزني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ورد في السنة النبوية الصحيحة فضائل كثيرة للاجتماع على قراءة كتاب الله تعالى، وحتى يحصِّل المسلم تلك الأجور فإنه ينبغي له أن يكون اجتماعه على القرآن شرعيّاً، ومن الاجتماع الشرعي في قراءة القرآن أن يقرأه المجتمعون للمدارسة والتفسير وتعليم التلاوة، ومن الاجتماع الشرعي أيضاً: أن يقرأ واحد منهم ويستمع الباقون من أجل التفكر والتدبر في الآيات، وكلا الأمرين ورد في السنة النبوية.
وللمزيد: يراجع السؤال رقم (22722) ففيه بيان حكم الاجتماع لقراءة القرآن.
وأما أن يعدَّ ما تقرؤه المجموعة ختمة لكل واحد منهم: فهذا غير صحيح؛ لأنه لم يختم كل واحد من المجتمعين القرآن كاملاً، بل ولا استمع، بل كلٌّ منهم قرأ شيئاً، فليس له ثواب إلا على ما قرأه من القرآن.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" توزيع أجزاء من القرآن على من حضروا الاجتماع ليقرأ كل منهم لنفسه حزباً من القرآن لا يعتبر ذلك ختماً للقرآن من كل واحد منهم بالضرورة " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 480) .
ثانياً:
ولا يشرع الدعاء بعد قراءة القرآن جماعيّاً، ولا يجوز الدعاء بإيصال أجر القراءة لأحدٍ من الأموات، ولا الأحياء، ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم يفعله، ولا أحدٌ من أصحابه رضي الله عنهم.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز أن أختم القرآن الكريم لوالدي، علماً بأنهما أميان لا يقرآن ولا يكتبان؟ وهل يجوز أن أختم القرآن لشخص يعرف القراءة والكتابة ولكن أريد إهداءه هذه الختمة؟ وهل يجوز لي أن أختم القرآن لأكثر من شخص؟
فأجاب:
لم يرد في الكتاب العزيز، ولا في السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام رضي الله عنهم ما يدل على شرعية إهداء تلاوة القرآن الكريم للوالدين ولا لغيرهما، وإنما شرع الله قراءة القرآن للانتفاع به، والاستفادة منه، وتدبر معانيه والعمل بذلك، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ص/29، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/90، وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) فصلت/44، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما)
ومعنى غيايتان: أي سحابتين.
والمقصود أنه أنزل للعمل به وتدبره والتعبد بتلاوته والإكثار من قراءته لا لإهدائه للأموات أو غيرهم، ولا أعلم في إهدائه للوالدين أو غيرهما أصلا يعتمد عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك وقالوا: لا مانع من إهداء ثواب القرآن وغيره من الأعمال الصالحات، وقاسوا ذلك على الصدقة والدعاء للأموات وغيرهم، ولكن الصواب هو القول الأول؛ للحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولو كان إهداء التلاوة مشروعا لفعله السف الصالح، والعبادة لا يجوز فيها القياس؛ لأنها توقيفية لا تثبت إلا بنص من كلام الله عز وجل، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، للحديث السابق وما جاء في معناه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 360، 361) .
وأما استدلالهم بحديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... ) فهو استدلال غير صحيح، بل الحديث عند التأمل يدل على عدم مشروعية إهداء ثواب قراءة القرآن للأموات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدعو له) ولم يقل: (يقرأ القرآن) .
ثالثاً:
لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة.
وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر.
رابعاً:
الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، وتخصيص عبادات معينة فيه كالتسبيح والتحميد والاعتكاف وقراءة القرآن والصيام بدعة لا يؤجر أصحابها على شيء منها؛ لأنها مردودة.
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) رواه البخاري (2550) ومسلم (1718) .
وفي رواية لمسلم (1718) : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
قال الفاكهاني رحمه الله:
لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطالون، وشهوةُ نفسٍ اغتنى بها الأكالون.
" المورد في عمل المولد " بواسطة كتاب " رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي " (1 / 8، 9) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ولو كان الاحتفال بيوم المولد النبوي مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأنه أنصح الناس، وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أبان للناس ما يجب له من الحق كمحبته واتباع شريعته، والصلاة والسلام عليه وغير ذلك من حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة، ولم يذكر لأمته أن الاحتفال بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك ولم يفعله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم، لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم، ثم التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم.
أفتظن أن هؤلاء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق؟! لا والله! ولن يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان. وإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الاحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه الكرام ولا في عهد أتباعهم في الصدر الأول، ولا كان معروفا عندهم - علمت أنه بدعة محدثة في الدين، لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا الدعوة إليها، بل يجب إنكارها والتحذير منها ... .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 318، 319)
خامساً:
لا يجوز لأحدٍ اختراع دعاء أو ذِكْر ونشره بين الناس، والدعاء المسمى " دعاء الرابطة " دعاء بدعي، واستحضار صور المدعو لهم، واعتقاد أنهم سيعرفون الداعي به وينادونه في الجنة: كل ذلك أوهام وخيالات وخرافات صوفية لا أصل لها في دين الله تعالى، وضوابط الشرع التي يستطيع المسلم تمييز السنَّة من البدعة، والصواب من الخطأ: واضحة وبيِّنة، وهي أن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل فلا يتقرب إلى الله تعالى بعبادةٍ إلا إذا دلّ الدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة على أنها مشروعة، وأن الأصل في المسلم الاتباع لا الابتداع، وأن البدعة مردودة على صاحبها، وأن الله تعالى أكمل لنا الشريعة وأتم علينا النعمة، فأي حاجة لمثل هذه البدع أن تكون في حياتنا مع بالغ تقصيرنا في الثابت الصحيح من الشرع؟ !
وانظر – لمزيد بيان - جواب السؤالين: (27237) و (6745) .
ونرجو أن يكون ما ذُكِر كافياً لأولئك الأخوات للكف عن بدعهم تلك، ونوصيهن بتقوى الله تعالى، وحسن الاتباع، وليعلمن أن الله تعالى لا يقبل العبادة المبتدعة ولو بلغ صاحبها ما بلغ من بذل الجهد والمال فيها، و" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " كما قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ونسأل الله تعالى أن يهدي أولئك الأخوات لما فيه رضاه، ونوصيك بحسن التبليغ، وعدم المشاركة معهن، والصبر على ما قد يصيبك جراء هذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/579)
هل صحت أدعية خاصة تقال في الامتحانات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة بعض الأدعية قبل الامتحان وبعده مثل دعاء بداية المذاكرة " اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين أن تجعل لساني عامراً بذكرك وقلبي خاشعاً بخشيتك وسري بطاعتك فأنت حسبي ونعم الوكيل "، وعند الخروج من المنزل والتوجه إلى الاختبار " اللهم إني توكلت عليك وأسلمت أمري إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك "، وعند نهاية الإجابة " الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله "، عند تعثر الإجابة " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث "، وغيرها كثير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يَرِدْ في السُّنة أحاديث فيها بيان ما يقال في الامتحانات، وما يشاع بين الطلاب مما يقال في " المذاكرة " وعند " استلام ورقة الامتحانات " وعند " تعثر الإجابة " وعند " تسليم الورقة " وغيره: كله مما لا أصل له في السنة النبوية المطهرة , لا في الصحيح ولا في الضعيف، بل كله موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
ونسبة شيء من ذلك للسنة مع علم صاحبه بعدم ثبوته يدُخله في زمرة الكاذبين على النبي صلى الله عليه وسلم.
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن كذِباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، مَن كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري (1229) ومسلم (4) .
ومن أشاع هذه الأحاديث المكذوبة ومثيلاتها وهو يعلم أنها لا تصح نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم: فهو كاذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وإثمه إثم مفتريها وكاذبها.
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن حدَّث عنِّي بحديثٍ يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم في " مقدمة صحيحه ".
قال النووي رحمه الله:
" ضبطناه " يُرى " بضم الياء، و " الكاذِبِينَ " بكسر الياء وفتح النون على الجمع، وهذا هو المشهور في اللفظين، قال القاضي عياض: الرواية فيه عندنا الكاذبين على الجمع , ورواه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه المستخرج على صحيح مسلم في حديث سمرة " الكاذِبَيْنِ " بفتح الياء وكسر النون على التثنية، واحتج به على أن الراوي له يشارك البادي بهذا الكذب " انتهى.
" شرح مسلم " (1 / 64، 65) .
وقد ثبت الدعاء عند الخروج من المنزل لكن لا كما ذكره السائل، وثبت حديث " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث "، وثبتت أحاديث تقال عند الشدة والكرب، وكل ما سبق يشمل الامتحانات وغيرها من الشدائد والمصاعب، وهذه هي الأحاديث مخرجة:
أ. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قال - يعني: إذا خرج من بيته – بسم الله , توكلت على الله , لا حول ولا قوة إلا بالله: يقال له: كُفيت ووُقيت وتنحى عنه الشيطان) رواه أبو داود (5095) والترمذي (3426) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ب. عن أنس بن مالك أيضاً رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمرٌ قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) رواه الترمذي (3524) ، وحسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (3182) .
ج. عن أنس أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً) رواه ابن حبان (3 / 255) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2886) .
د. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له) رواه الترمذي (3505) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1644) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
أبعث إليكم ورقة أرسلتها إلي إحدى المعلمات، وقد وجدتها متداولة بين بعض الطالبات أثناء فترة الاختبارات الدراسية، هذه الورقة بعنوان: " دعاء المذاكرة والنجاح - بإذن الله - "، وتشتمل هذه الورقة على أدعية وأوراد افتعلها كاتبها، وأخذها إما من بعض آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، ولكنه جعل لها مواضع تقال فيها، لم يرد بها دليل أو أثر، أرفعها إليكم لعلي أن أحظى منكم بتنبيه أو توعية للناس على خطأ هذا الكلام الذي جاء بهذه الصورة.
جعلكم الله عونا للحق وناشرين له، وجعلكم ذخرا للإسلام والمسلمين، وقد جاء في الورقة المذكورة ما يلي:
" بسم الله الرحمن الرحيم، دعاء المذاكرة والنجاح - بإذن الله - قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء، فإذا وفقت في الدعاء أعطيت الإجابة "، ونحن على أبواب الامتحان هداني الله لجمع هذه الأدعية والتوجه بها إلى الله في أوقات المذاكرة، وعند الامتحان، وفي حال النسيان.
دعاء قبل المذاكرة: اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين، اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك، وقلوبنا بخشيتك، وأسرارنا بطاعتك، إنك على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عند دخول الامتحان: رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
دعاء بعد المذاكرة: اللهم إني استودعتك ما قرأت وما حفظت وما تعلمت فرده عند حاجتي إنك على كل شيء قدير.
عند بداية الإجابة: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، باسم الله الفتاح، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا يا أرحم الراحمين.
عند التوجه للامتحانات: اللهم إني توكلت عليك وفوضت أمري إليك ولا ملجأ ولا منجى إلا إليك.
عند تعسر الإجابة: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
عند النسيان: اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي.
بعد أن ينتهي من الإجابة يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
فأجابوا:
" هذه الأدعية الموضوعة للمذاكرة والنجاح والمنوعة لكل حالة تعرض للطالب أثناء المذاكرة: أدعية مبتدعة، لم يرد في تخصيصها بما ذكر دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما ذكر فيها من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو آثار، إنما وردت لأسباب: إما خاصة بها، أو عامة لسؤال الله ودعائه والتضرع له والالتجاء إليه والتوكل عليه سبحانه في كل أمور الإنسان التي تعرض له أما تخصيصها بما ذكر فلا يجوز، ويجب ترك العمل بها لهذا الخصوص، وعدم اعتقاد صحتها فيما ذكر، والدعاء عبادة لله، فلا يصح إلا بتوقيف، وينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يدعو الله بأن ييسر له أموره كلها، وأن يزيده علما وفقها في الدين، وأن يلهمه الصواب، ويذكره ما نسي، ويعلمه ما جهل، ويوفقه لكل خير، ويذلل له كل صعب، دون أن يجعل لكل حالة دعاء مبتدعا يواظب عليه، وذلك أسلم له في دينه وأحرى أن يستجيب الله لدعائه، ويوفقه لكل خير، فالله سبحانه وتعالى وعد من دعاه بالإجابة والتوفيق للهداية والرشاد، وشرط لذلك الاستجابة لما شرع الله والإيمان به سبحانه، والاستقامة على دينه كما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 183 – 186) .
والخلاصة: أنه لا يجوز اختراع أدعية ونسبتها للشرع، وما صح من الأحاديث التي تقال في الشدة والكرب كافٍ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/580)
هل هناك دعاء تقوله الحائض فيعدل لها أجر حج وعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعرف الدعاء الذي من المتوقع أن تقوله النساء إذا كن في حالة لا تسمح لهن بالصلاة (أثناء الدورة) خلال رمضان وغيره من الأوقات؟ أظن أن على المسلمة أن تكرر هذا الدعاء 70 مرة في وقت كل صلاة، وسيكون ثواب ذلك أجر حجة وعمرة عن كل عرق في الجسم.
أرجو أن تزودني بالدعاء ومنافعه والحديث الذي ورد فيه أو أي تصحيح له، وسأقدر لك ذلك كثيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا نعلم في السنة الصحيحة مثل هذا الدعاء الذي ذكرته الأخت السائلة.
ولا يحل لأحد أن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (933) .
وليس كل حديث سمعه الإنسان أو قرأه في كتاب يكون صحيحاً، بل لا بد من التثبت في نقل الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فتؤخذ عن أهل العلم الثقات المعروفين بتحريهم الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم في مقدمة صحيحه (5) وأبو داود (4992) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قَالَ النَّوَوِيّ:
" فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ " انتهى.
ثانياً:
يجوز للحائض أن تذكر الله تعالى بما تشاء من الأدعية والأذكار الشرعية، فهي غير ممنوعة من ذلك، ويجوز لها قراءة القرآن، كما هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام رحمهما الله.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (26/190) :
" وليس في منعها (يعني الحائض) من القرآن سنة أصلا فإن قوله: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) حديث ضعيف. باتفاق أهل المعرفة بالحديث. . . .
وقد كان النساء يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وتعلمه أمهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه إلى الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهيا، لم يجز أن تجعل حراما مع العلم أنه لم يَنْه عن ذلك، وإذا لم يَنْه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم " انتهى باختصار.
غير أنها تقرأ القرآن من غير أن تمس المصحف، فإما أن تقرأ مما تحفظه، أو تقرأ من المصحف وتلبس قفازا أو نحو ذلك مما يحول بينها وبين مس المصحف.
انظر السؤال (2564) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/581)
هل في السنة دعاء بعد ختم القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إرسال دعاء ختم القرآن الكريم كما ورد في السنة النبوية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن الكريم، ولا حتى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المشهورين، ومن أشهر ما ينسب في هذا الباب الدعاء المكتوب في آخر كثير من المصاحف منسوباً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا أصل له عنه.
انظر: "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/226) .
والدعاء بعد ختم القرآن إما أن يكون بعد ختمه في الصلاة، أو خارجها، ولا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة، وأما خارجها فقد ورد فعله عن أنس رضي الله عنه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟ فأجاب:
" لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أيضا، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وهذا في غير الصلاة " انتهى.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 354) .
وللشيخ بكر أبو زيد رسالة نافعة في هذه المسألة، ومما جاء في خاتمتها:
من مجموع السياقات في الفصلين السالفين نأتي إلى الخاتمة في مقامين:
المقام الأول: في مطلق الدعاء لختم القرآن:
والمتحصل في هذا ما يلي:
أولاً:
أن ما تقدم مرفوعا وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن:
لا يثبت منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , بل هو إما موضوع أو ضعيف لا ينجبر،
ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن وأذكاره أمثال: النووي , وابن كثير , والقرطبي , والسيوطي , لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسناداً لذكروه.
ثانياً:
أنه قد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله وولده لذلك , وأنه قد قفاه (أي: تابعه) على ذلك جماعة من التابعين , كما في أثر مجاهد بن جبر رحمهم الله تعالى أجمعين.
ثالثاً:
أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص الإمامين: أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى.
وأن المروي عن الإمام مالك رحمه الله: أنه ليس من عمل الناس، وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان.
رابعاً:
أن استحباب الدعاء عقب الختم , هو في المروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى , كما ينقله علماؤنا الحنابلة , وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة.
المقام الثاني: في دعاء الختم في الصلاة:
وخلاصته فيما يلي:
أولاً:
أنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لإمام أو منفرد.
ثانياً:
أن نهاية ما في الباب هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية حنبل والفضل والحربي عنه - والتي لم نقف على أسانيدها -: من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع.
وفي رواية عنه - لا يعرف مخرجها -: أنه سهل فيه في دعاء الوتر ...
انظر: " مرويات دعاء ختم القرآن ".
وانظر جواب السؤال رقم (12949) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/582)
قول بعض المأمومين نشهد وحقا عند ثناء الإمام على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا نسمع من بعض المأمومين: " آمين، نشهد، سبحانك، وغيرها " في دعاء القنوت، فإن كان ذلك وارداً أوضحوا لنا متى تقال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت السنة بأن الإمام إذا قنت في الصلاة فإن المأمومين يؤمنون على دعائه، فيقولون: آمين، وأما عند الثناء على الله فإن الأفضل هو سكوتهم اكتفاء بثناء الإمام على الله، وأما قول بعض المأمومين: " نشهد " و " يا الله " ونحو ذلك، فهذا لا أصل له.
قال الشيخ بكر أبو زيد:
" وقد حصل من الأغاليط والمحدَثات في الدعاء والذِّكر فيها ما يأتي:
...
45. جواب المأموم على مواطن الذكر من قنوت الإمام بلفظ: " حقّاً " أو " صدقت " أو " صدقاً وعدلاً " أو " أشهد " أو " حق " ونحو ذلك: كلها لا أصل لها.
"تصحيح الدعاء" (ص419 – 423) مختصراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/583)
ما صحة حديث عند كل ختمة دعوة مستجابة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث (عند كل ختمة دعوة مستجابة ... ) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث موضوع رواه أبو نعيم في الحلية وغيره وفي إسناده يحي بن هاشم السمسار.
قال عنه الإمام النسائي: متروك الحديث.
وقال يحيى بن معين: كذاب.
وقال ابن عدي: كان يضع الحديث ويسرقه.
والدعاء عند ختم القرآن له حالتان:
الأولى: في الصلاة فهذا بدعة فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع وليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله أو سنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ودون ذلك ابتداع في الدين قال صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . متفق عليه من حديث عائشة.
وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام وشيخ الإسلام في الاقتضاء قاعدة عظيمة المنفعة في التفريق بين البدعة وغيرها، وهي أن ما وجد سببه وقام مقتضاه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ولم يقع منهم فعل لذلك مع عدم المانع من الفعل فإنه بدعة كالأذان للعيدين والاستسقاء ونحو ذلك.
ودعاء الختمة في الصلاة من ذلك فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقومون في رمضان ليلاً طويلاً ويتكئون على العصي من طول القيام فهم في هذه الحالة يختمون القرآن أكثر من مرة ولم ينقل عن أحد منهم دعاء بعد الختمة.
وقد قال الإمام مالك رحمه الله: ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس. ذكر ذلك عنه ابن الحاج في المدخل.
الحالة الثانية: الدعاء عقيب الختمة في غير الصلاة وهذا منقول عن أنس بن مالك بسند صحيح.
ومأثور عن جماعة من أهل العلم ولا أعلم في المرفوع شيئاً ثابتاً والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.(7/584)
الدعاء للشيطان بالهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإنسان أن يدعو للشيطان بالهداية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يدعو أحدٌ بهذا لأنه ينافي حكمة الله وقضاؤه وقدره، فإن الله سبحانه قضى بحكمته على إبليس باللعنة إلى يوم الدين.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين رحمه الله 1/290(7/585)
دعاء التحصين
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت في أحد المساجد ورقة مكتوباً عليها دعاء التحصين، ونص الدعاء:
" تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو، إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبي الله الذي هو حسبنا، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المرزوق، حسبي الذي هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى، حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم ". فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه بنحوه ابن أبي الدنيا في كتاب " الفرج بعد الشدة " من طريق الخليل بن مرة عن فقيه أهل الأردن بلاغا أي قال: بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 4173 وضعيف الجامع 4348
وبما أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح فإنه لا يعول عليه ولا يُلتفت له.
ويغنيك عن هذا ما ثبت من الأحاديث الصحيحة التي تحفظ المسلم، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليها كأذكار الصباح والمساء وغيرها من الأحاديث الصحيحة ومن ذلك:
1- قراءة آخر آيتين من سورة البقرة كل ليلة.. عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ " رواه البخاري (4008) ومسلم (807) قال النووي رحمه الله: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَفَتَاهُ " قِيلَ: مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل وَقِيلَ: مِنْ الشَّيْطَان , وَقِيلَ: مِنْ الآفَات , وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع " ا. هـ
2- دعاء الكرب.. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " رواه البخاري 6346 ومسلم 2730
3- قراءة سورة الإخلاص والفلق والناس.. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما عند النوم وينفث على يديه ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ " رواه البخاري (5018) وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " رواه مسلم 814
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/586)
حديث أسألك بمعاقد العز من عرشك
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اسجد واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) ثم قل اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينا، وشمالا. ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون» . فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المذكور أخرجه الحاكم وأورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وقال: تفرد به عامر بن خداش النيسابوري، قال: وقال شيخنا الحافظ أبو الحسن كان صاحب مناكير، وقد تفرد به عن عمر بن هارون البلخي، وهو متروك متهم، أثنى عليه ابن مهدي وحده.
وبهذا تعرف أن الحديث ضعيف من جهة الإسناد.
هذا وقد دلت الأحاديث الصحيحة على النهي عن قراءة القرآن في السجود؛ فيكون الحديث ضعيفاً أيضاً من جهة المتن، فلا يجوز العمل به لعدم صحته ومخالفته للأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/439(7/587)
هل يقال: "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة أن ندعوا إذا أصابنا مكروه فنقول: الحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه. هذا الدعاء أسمعه كثيراً، ولا أدري هل هو ثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء ليس وارداً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والوارد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ما رواه ابن ماجه (3803) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 127) :
أما ما يقوله بعض الناس: " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " فهذا خلاف ما جاءت به السنة، بل قل كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحمد لله على كل حال" أما أن تقول: "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه" فكأنك الآن تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يصبر الإنسان على ما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يسره، لأن الذي قدره هو الله عز وجل، وهو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، بل يجب عليك الصبر وألا تتسخط، لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً) صححه الألباني في تحقيق السنة لابن أبي عاصم (315)
فالله عز وجل محمود على كل حال من السراء أو الضراء، لأنه إن قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) الأنبياء / 35. فإن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر / 10 اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/588)
هل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم شرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التلفظ بالكلمات الواردة أدناه يعد شركا:
"اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد قد ضاقت حيلتي يا رسول الله"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم هذه الكلمة تعدُّ شركاً، لأنها استغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وشكوى الحال إليه. وذلك يتضمن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يسمع نداء من يناديه في أي مكان، ويغيث من يستغيث به، ويفرِّج كربته وهذا ما لا يقدر عليه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا في حياته فكيف بعد مماته، وهو لا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا. قال تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضراً إلاَّ ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) ، وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم)
وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) . فالواجب على العبد أن لا يدعو إلاَّ الله، ولا يستغيث إلاَّ به، ولا يرجو غيره، ولا يتوكل إلاَّ عليه فإن الله وحده هو الذي بيده الملك وبيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
وعلم الغيب، وتفريج الكروب، وسماع دعاء الداعين وإجابتهم من خصائص الرب سبحانه وتعالى، فمن جعل شيئاً من ذلك لغيره كان مشركاً شركاً أكبر. قال تعالى: (أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكَّرون) ، وقال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) . والله هو الذي يغفر الذنوب، ويفرج الكروب، ويعلم ما في الصدور سبحانه وتعالى، فيجب على العبد ألا يقصد في حصول هذه المطالب _ من مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله _ ألا يقصد سوى مولاه فإنه ولي ذلك والقادر عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(7/589)
يسأل عن صحة دعاء ينجي من عذاب القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبرني عن صحة هذا الدعاء، والذي إن ثبتت صحته يكون قد فاتني الكثير لأني لم أحافظ على ذكره يوميا، أما أن كان غير صحيح، فأرجو أن تدلني على الدعاء الذي أقوله بدلا عنه. أرجو أن تبين لي ذلك للأهمية. والدعاء هو أن يقول المرء "الدارود (؟) " الشريف ثلاثا، ثم يقول: "لا إله إلا الله المالك الحق المبين" ثم يقول: "الدارود" الشريف ثلاثا أيضا. لقد أخبرت بأن من يقول هذا كل يوم فإنه يُحفظ من عذاب القبر، وسيغتني بالكسب الحلال، كما أن بإمكانه أن يدخل من أي أبواب الجنة. أرجو أن تبين صحة هذا من عدمه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء غير صحيح، ومما يكون سبباً في الوقاية من عذاب القبر التقوى بفعل الأوامر، واجتناب النواهي والمحافظة على الأذكار، وقراءة القرآن لاسيما قراءة سورة المُلك: (تبارك الذي بيده الملك) فقد ثبت أنها تنْجي من عذاب القبر بإذن الله.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(7/590)
حكم الدعاء للأب الكافر المريض بالشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان أبي الكافر مريضا، فهل يجوز أن أدعو له بالشفاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
يدعى له بالهداية والإسلام فإذا أسلم دعا له بالشفاء وإذا أصرّ على كفره فلا يستحق أن يُدعى له بالشفاء. هذا مع الإحسان إليه بأنواع الإحسان الأخرى لقوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) سورة لقمان، فإذا كان قد وعدك بالإسلام إذا شفي، فلا بأس أن تدعو له كما في قصة موسى عليه السلام قال تعالى: وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) سورة الأعراف
وأما الإحسان الحسي إلى الأب المريض من العلاج ونحوه فلا بأس به ويؤثّر في نفسه ولعله يرقّ ويُسلم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(7/591)
تريد أن تدعو بالزواج من رجل معين في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[مجموعة من النساء في مجلس قالت إحداهن: أسأل الله أن يرزقني بأبي بكر في الجنة، وقالت الثانية: أسأل الله أن يرزقني بعمر وهكذا، فقالت إحداهن: هذا اعتداء في الدعاء، فأنكرن عليها وقلن أن الداخل يشتهي ما يشاء، فما التوضيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله:
هذا الدعاء فيه نوع من الاعتداء، وأبو بكر له زوجات وعمر له زوجات وعلي له زوجات، لكن تدعو الله فتقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، والجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/592)
حكم السؤال بوجه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف في المراد به على القولين:
القول الأول: أن المراد لا تسأل أحداً من المخلوقين بوجه الله فإذا أردت أن تسأل أحداً من المخلوقين لا تسأله بوجه الله , لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة , والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة , فإذاً لا يسألون بوجه الله مطلقاً.
القول الثاني: أنك إذا سألت الله فإن كان الجنة وما يستلزم دخولها فاسأل بوجه الله , وإن كان من أمور الدنيا فلا تسأل بوجه الله , فأمور الآخرة تسأل بوجه الله كقولك مثلاً: أسألك بوجهك أن تنجيني من النار. والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بوجه الله لما نزل قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) الأنعام/65. قال: أعوذ بوجهك (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) الأنعام/65. قال: أعوذ بوجهك (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) الأنعام/65. قال هذه أهون أو أيسر.
ولو قيل إنه يحتمل المعنيين جميعاً لكان له وجه.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 92.(7/593)
حكم الدعاء بأدعية لم تثبت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بعض الادعية التي لم ترد مثل: " حجر حابس، شهاب قابس، ردت عين الحاسد عليه وعلى أحب الناس إليه "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء لا أصل له، وفيه عدوان على غير المعتدي، فلا يجوز استعماله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(7/594)
ما هو أجر من بنى مغسلة للأموات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أجر من بناء مغسلة للأموات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيل الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَاجِبُ علَى الكِفَايَةٍ، بِحَيْثُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ.
راجع: "حاشية ابن عابدين" (4/123) ، "حاشية الصاوي" (4/12) ، "منح الجليل" (7/500) ، "الموسوعة الفقهية" (13 / 49) .
ولا شك أن بناء مغسلة لأموات المسلمين لتغسيلهم مما يعين على القيام بهذا الواجب؛ ولذلك كان بناؤها من أعمال الخير التي يرغب فيها.
ولا نعلم في أجرا معينا، أو وعدا مخصوصا لمن بنى مثل ذلك، إلا أن بناء ذلك، ووقفه صدقة جارية، مما ينفع صاحبها بعد موته، ويصل إليه أجره، إن شاء الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) . رواه مسلم (1631)
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (8/151) : " الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ , الْبَاقِي أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (4/13) : " الصدقة الجارية: كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته " انتهى.
والنصيحة – حتى يتم الأجر إن شاء الله – أن يقوم عليها من له معرفة شرعية صحيحة بتغسيل الموتى وتكفينهم وتجهيزهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/595)
كيف يبتلى الصالحون في الدنيا والله يقول في القرآن: (فلَنَحيينهم حياة طيبة) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الأمور التي يظهر لي أن فيها تعارضاً, وأحتاج منكم أن تنوروني بعلمكم جزاكم الله خيراً. نجد أن الصالحين يبتلون في الدنيا، وعلى قدر قوة الإيمان يزيد البلاء، والله يقول في القرآن: (فلَنَحيينهم حياة طيبة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يُعلم أن ما أخبر الله به لا يمكن أن يتعارض مع الواقع أبداً، لأن أخبار الله تعالى بلغت الغاية في الصدق، قال الله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) الأنعام/115، وقال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلًا) النساء/122، وقال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا) النساء/87.
ثانياً:
لا شك أن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء , وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم , وفي الابتلاء للعبد حكَم وفوائد كثيرة، في الدنيا، والآخرة.
وانظر في ذلك: جوابي السؤالين: (35914) و (21631) .
وأما معنى " الحياة الطيبة " الوارد ذِكرها في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97: فالأقوال فيها متنوعة، وليس منها أن الله يفتح للمؤمن العامل للصالحات الدنيا، ويقيه الحزن، والفقر، والسوء، فالواقع يشهد بغير هذا - بل إن أولئك من أكثر الناس ابتلاء بمثل هذا -، وجماع معنى الحياة الطيبة في الآية: حياة القلب، وسعادته، وانشراحه، وإذا رُزق شيئا من متاع الدنيا فيكون حلالاً يقنع به، وعلى ذلك جاءت أقوال المفسرين.
1. ذَكر الإمام الطبري رحمه الله أقوال العلماء في معنى " الحياة الطيبة "، وهي:
أ. يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال.
ب. يرزقهم القناعة.
ج. الحياة الطيبة: الحياة مؤمنًا بالله عاملا بطاعته.
د. الحياة الطيبة: السعادة.
هـ. الحياة في الجنة.
واختار رحمه الله من هذه الأقوال - غير المتضادة -: القول الثاني، فقال:
وأولى الأقوال بالصواب: قول من قال: تأويل ذلك: فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة؛ وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رِزق: لم يَكثر للدنيا تعبُه، ولم يعظم فيها نَصَبه، ولم يتكدّر فيها عيشُه باتباعه نفسه ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها ...
وأما القول الذي رُوي عن ابن عباس أنه الرزق الحلال: فهو مُحْتَمَل أن يكون معناه الذي قلنا في ذلك، من أنه تعالى يقنعه في الدنيا بالذي يرزقه من الحلال، وإن قلّ: فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله، لا أنه يرزقه الكثير من الحلال؛ وذلك أن أكثر العاملين لله تعالى بما يرضاه من الأعمال: لم نرهم رُزِقوا الرزق الكثير من الحلال في الدنيا، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السعة.
" تفسير الطبري " (17 / 291، 292) .
ب. وقال ابن القيم رحمه الله:
وأطيب العيش واللذة على الإطلاق: عيش المشتاقين، المستأنسين، فحياتهم: هي الحياة الطيبة في الحقيقة، ولا حياة للعبد أطيب، ولا أنعم، ولا أهنأ منها، فهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وليس المراد منها الحياة المشتركة بين المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، من طيب المأكل، والمشرب، والملبس، والمنكح، بل ربما زاد أعداء الله على أوليائه في ذلك أضعافاً مضاعفة، وقد ضمن الله سبحانه لكل مَن عمل صالحاً أن يحييه حياة طيبة، فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده، وأي حياة أطيب من حياة اجتمعت همومه كلها، وصارت هي واحدة في مرضات الله، ولم يستشعب قلبه، بل أقبل على الله، واجتمعت إرادته، وأفكاره التي كانت منقسمة، بكل واد منها شعبة على الله، فصار ذكر محبوبه الأعلى، وحبه، والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه، وهو المتولى عليه، وعليه تدور همومه، وإرادته، وتصوره، بل خطرات قلبه ... .
" الجواب الكافي " (ص 129، 130) .
وقال رحمه الله أيضاً:
وقد فُسرت الحياة الطيبة: بالقناعة، والرضى، والرزق الحسن، وغير ذلك، والصواب: أنها حياة القلب، ونعيمه، وبهجته، وسروره بالإيمان، ومعرفة الله، ومحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه؛ فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه، إلا نعيم الجنة، كما كان بعض العارفين يقول: " إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا: إنهم لفي عيش طيب "، وقال غيره: " إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً ".
" مدارج السالكين " (3 / 259) .
والأقوال في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على أن الحياة الطيبة هي حياة معنوية، يعيشها قلب المؤمن مطمئناً بقضاء الله تعالى، ومنشرحاً بما قدره عليه، وسعيداً بإيمانه بربه تعالى، وليس المراد من الحياة الطيبة – قطعاً – النعيم البدني، وانعدام الأمراض والفقر وضيق العيش.
وننبه إلى أن القول بأن الحياة الطيبة إنما تكون الجنة: بعيد عن معنى الآية؛ لأن الله تعالى ذَكَرَ بعدها نعيم الجنة لمن آمن وعمل صالحاً.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
"وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية: حياته في الدنيا حياة طيبة، وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة: حياته في الجنة في قوله: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) : صار قوله: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) : تكراراً معه؛ لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم، بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا، فإنه يصير المعنى: فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة، ولنجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعمل، وهو واضح، وهذا المعنى الذي دل عليه القرآن: تؤيِّده السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ... " انتهى.
" أضواء البيان " (2 / 441) .
وعلى هذا؛ فالحياة الطيبة للمؤمن في الدنيا لا تنافي الابتلاء؛ وذلك لأسباب:
1. المسلم يعلم أن رفع الدرجات، وتكفير السيئات، وبلوغ الغايات: لا يمكن أن تنال إلا على جسر من الابتلاءات، والامتحانات , ولذلك كان السلف يفرحون بالابتلاء؛ لما يرجون من الثواب، والجزاء , كما جاء في الحديث عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ الصَّالِحُونَ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلاَّ الْعَبَاءَةَ يُحَوِّيهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلاَءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ) رواه ابن ماجه (4024) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
وهذا الفرح غير مسألة تمني البلاء , فتمني البلاء لا يجوز، كما جاء في الحديث عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ) رواه البخاري (6810) ومسلم (1742) .
قال ابن القيم رحمه الله:
وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده، وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات، وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان ... وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم، فصورته صورة ابتلاء، وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله مِن نعمة جسيمة، ومنَّة عظيمة، تُجنى من قطوف الابتلاء، والامتحان، فتأمل حال أبينا آدم صلى الله عليه وسلم، وما آلت إليه محنته، من الاصطفاء، والاجتباء، والتوبة، والهداية، ورفعة المنزلة ... وتأمل حال أبينا الثاني نوح صلى الله عليه وسلم، وما آلت إليه محنته، وصبره على قومه تلك القرون كلها، حتى أقر الله عينه، وأغرق أهل الأرض بدعوته، وجعل لعالم بعده من ذريته، وجعله خامس خمسة، وهم أولو العزم الذين هم أفضل الرسل , وأمَر رسولَه ونبيه محمَّداً أن يصبر كصبره، وأثنى عليه بالشكر، فقال: (إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) فوصفه بكمال الصبر، والشكر، ثم تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إمام الحنفاء، وشيخ الأنبياء، وعمود العالم، وخليل رب العالمين من بني آدم، وتأمل ما آلت إليه محنته، وصبره، وبذله نفسه لله، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه، ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلاً لنفسه ... وضاعف الله له النسل، وبارك فيه، وكثر، حتى ملؤوا الدنيا، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة، وأخرج منهم محمَّداً صلى الله عليه وسلم وأمَره أن يتبع ملة أبيه إبراهيم ... .
فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتأملت سيرتَه مع قومه، وصبره في الله، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله، وتلون الأحوال عليه، مِن سِلْم وخوف، وغنى وفقر، وأمن وإقامة، في وطنه وظعن عنه، وتركه لله، وقتل أحبابه، وأوليائه بين يديه، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى، من القول، والفعل، والسحر، والكذب، والافتراء عليه، والبهتان، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله، يدعو إلى الله، فلم يُؤْذَ نبي ما أوذي، ولم يحتمل في الله ما احتمله، ولم يُعْطَ نبي ما أعطيه، فرفع الله له ذِكره، وقرن اسمه باسمه، وجعله سيد الناس كلهم، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة، وأعظمهم عنده جاهاً، وأسمعهم عنده شفاعة، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته، وهي مما زاده الله بها شرفاً، وفضلاً، وساقه بها إلى أعلى المقامات، وهذا حال ورثته من بعده، الأمثل، فالأمثل، كلٌّ له نصيب من المحنة، يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له.
" مفتاح دار السعادة " (1 / 299 – 301) .
2. والمسلم جنته في صدره , ولو كان مكبَّلا بأصناف البلاء , قال ابن القيم - يصف حال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتنقل في أصناف من البلاء والاختبار -:
قال لي مرة - يعني: شيخ الإسلام -: ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رحت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبْسي خلوة، وقتْلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة ". وكان يقول في محبسه في القلعة: " لو بذلت ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة "، أو قال: " ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير "، ونحو هذا.
وكان يقول في سجوده وهو محبوس: " اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة: " المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه "، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) الحديد/13، وعلم الله ما رأيتُ أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس، والتهديد، والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض: أتيناه، فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحاً، وقوةً، ويقيناً، وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من روحها، ونسيمها، وطيبها، ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.
" الوابل الصيب " (ص 110) .
فهذه الجنة التي وجدها شيخ الإسلام، ويجدها أهل الإيمان والتقوى، من انشراح الصدر، والبال ومن الطمأنينة , والعيش بين الشكر والصبر: لهي والله السعادة التي ينشدها العقلاء، ويطلبها الصالحون، ويسعى إليها الساعون.
وهذه والله هي حقيقة الحياة الطيبة التي وعدهم الله إياها في الدنيا.
رزقنا الله وإياكم إياها , وجعلنا من أهلها.
وانظر في فوائد ابتلاء المؤمن جواب السؤال رقم: (12099) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/596)
الأعمال التي وعد صاحبها بدخول الجنة، هل يشمل هذا الوعد أصحاب الكبائر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدينا في السنة الصحيحة أدلة كثيرة، من أدعية أو أذكار، تبين أن من يقولها توجب له الجنة، أو يحفظ من النار، أو يكون للعبد الحق أن يرضيه الله، أو أن تحل له الشفاعة ... سؤالي هو: هل يعني ذلك أن العاصي أو مرتكب الكبيرة يشمله هذا الجزاء؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن لله تعالى الخلق والأمر، وله الحجة البالغة، وما كان من أمره مما وعد عليه بالجنة، أو توعد عليه بالنار فوقوعه مشروط بحصول الشروط، وانتفاء الموانع.
قال الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (1 / 345)
" لم يجعل الشارع الأسباب أسبابا مقتضية، إلا مع وجود شرائطها وانتفاء موانعها، فإذا لم تتوفر لم يستكمل السبب أن يكون سببا شرعيا " انتهى بمعناه.
فلا بد لحصول أي شيء من وجود أسبابه وشرائطه، وانتفاء موانعه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" مُجَرَّدُ الْأَسْبَابِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمُسَبَّبِ؛ فَإِنَّ الْمَطَرَ إذَا نَزَلَ وَبُذِرَ الْحَبُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي حُصُولِ النَّبَاتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِيحٍ مُرْبِيَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ الِانْتِفَاءِ عَنْهُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.
وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ بِمُجَرَّدِ إنْزَالِ الْمَاءِ فِي الْفَرْجِ، بَلْ كَمْ مَنْ أَنْزَلَ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ شَاءَ خَلْقَهُ فَتَحْبَلُ الْمَرْأَةُ وَتُرَبِّيهِ فِي الرَّحِمِ وَسَائِرُ مَا يَتِمُّ بِهِ خَلْقُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ.
وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْآخِرَةِ: لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ يَنَالُ الْإِنْسَانُ السَّعَادَةَ، بَلْ هِيَ سَبَبٌ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةِ مِنْهُ وَفَضْلٍ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (8 / 70)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" السبب قد يتخلَّفُ عنه مسبَّبه لفوات شرط، أو لوجود مانع " انتهى.
"زاد المعاد" (4 / 271) ، وينظر: "جامع العلوم والحكم" (ص 392) .
فمن توضأ أو صلى أو استغفر أو ذكر الله، ونحو ذلك، فقد أتى سببا من أسباب المغفرة، وهذا وحده لا يكفي في حصولها، حتى تتوافر له كل شروطها، وتنتفي عنه موانعها.
قال ابن رجب رحمه الله:
" وقد ورد ترتُّب دخولِ الجنة على فعلِ بعض هذه الأعمال كالصَّلاةِ، ففي الحديث المشهور: (من صلَّى الصلواتِ لوقتِها، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَهُ الجنّة) ، وفي الحديث الصحيح: (من صَلَّى البَرْدَينِ دخل الجنة) ، وهذا كلُّه من ذكر السبب المقتضي الذي لا يعمل عمله إلاَّ باستجماع شروطه، وانتفاء موانعه ...
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنَّ ارتكاب بعضِ الكبائر يمنع دخولَ الجنَّة، كقوله: (لا يدخل الجَنَّةَ قاطع) ، وقوله: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرَّةٍ من كِبْر) ، وقوله: (لا تدخلوا الجنة حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤْمِنوا حتَّى تحابُّوا) ، والأحاديث التي جاءت في منع دخول الجنَّة بالدَّينِ حتى يُقضى. وفي الصَّحيح: أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراطَ، حُبِسُوا على قنطرة يقتصُّ منهم مظالمُ كانت بينهم في الدنيا.
وقال بعض السَّلف: إنَّ الرجل ليُحبَسُ على باب الجنَّةِ مئة عام بالذن كان يعملُه في الدنيا. فهذه كُلُّها موانع.
ومن هنا يظهرُ معنى الأحاديث التي جاءت في ترتيب دخول الجنَّة على مجرَّد التوحيد، ففي " الصحيحين " عن أبي ذرٍّ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: (ما مِنْ عبدٍ قال: لا إله إلاَّ الله، ثمَّ مات على ذلك إلاَّ دخل الجنَّة) ، قلت: وإنْ زنى وإنْ سرق؟! قالَ: (وإنْ زنى وإنْ سرق) ، قالها ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: (على رغم أنف أبي ذرٍّ) ، فخرج أبو ذرٍّ، وهو يقول: وإنْ رغم أنفُ أبي ذرٍّ ...
فقال طائفةٌ من العلماء: إنَّ كلمة التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة وللنجاة مِنَ النَّارِ، لكن له شروطٌ، وهي الإتيانُ بالفرائضِ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائر.
قال الحسن للفرزدق: إنَّ لـ ((لا إله إلا الله)) شروطاً، فإيَّاكَ وقذفَ المحصنة (1) . ورُوي عنه أنَّه قال: هذا العمودُ، فأين الطُّنُبُ؟! يعني: أنَّ كلمةَ التوحيد عمودُ الفسطاط، ولكن لا يثبتُ الفسطاطُ بدون أطنابه، وهي فعلُ الواجبات، وتركُ المحرَّمات.
وقيل للحسن: إنَّ ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنَّة؟!
فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدَّى حقَّها وفرضها، دخلَ الجنَّةَ.
وقيل لوهب بنِ مُنبِّه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة؟
قال: بلى؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك، وإلاَّ لم يفتح لك.. ". انتهى.
"جامع العلوم والحكم" (208-210) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/597)
الطريق إلى الفردوس الأعلى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوصول للفردوس الأعلى من الجنة طريق صعب، وقليل من يصله؟ رسولنا الكريم قال (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى.... الحديث) فهل لو أكثرت من الدعاء (اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة) ، هل ممكن أن أبلغها بفضل الله تعالى، حتى ولو كان عملي لا يوصلني لتلك المنزلة؟ وما هي أقرب الأعمال التي توصلنا إلى هناك بإذن الله تعالى؟ أيضا هناك حديث لرسولنا صلى الله عليه وسلم (من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة....الحديث) فهل يجوز لي أن أقول مباشرة (اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة) بدلا من قول (اللهم إني أسألك الجنة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى الترمذي (2450) وحسنه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) . صححه الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره.
فالجنة سلعة غالية، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها، ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله بمزيد فضله.
وروى الترمذي (3174) وصححه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (َالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا) وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) متفق عليه.
فإذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره وأنواع المشاق، فكيف بأعلى درجاتها وأسمى منازلها؟
هذا يدل على أن الأمر ليس بالأمر الهين.
قال ابن القيم:
" أنزه الموجودات وأظهرها، وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتا وقدرا وأوسعها: عرش الرحمن جل جلاله، ولذلك صلح لاستوائه عليه، وكل ما كان أقرب إلي العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه؛ ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفها وأنورها وأجلها، لقربها من العرش، إذ هو سقفها، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير " انتهى.
"الفوائد" (ص 27)
وأهل الفردوس الأعلى هم السابقون المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، قال الله تعالى:
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10 – 12
قال السعدي:
" والمقربون هم خواص الخلق " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 833)
قال ابن كثير:
" من سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (7 / 517)
ثانيا:
ليعلم أن من أعظم أسباب حصول المطلوب، والنجاة من المرهوب: الدعاء، فإن الدعاء هو العبادة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أنه عبادة محبوبة لله، فهو سبب في حصول المطلوب، ومن أراده الله به خيرا، وفقه لأسبابه، ويسر له العمل الذي يؤهله لذلك؛ كما قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) سورة الليل /5-10.
روى البخاري (2790) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ)
قال الحافظ:
" يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ , وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ -: (فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ) " انتهى.
ثالثا:
اعلم ـ يا عبد الله ـ أن نيل الدرجات في الدنيا والآخرة، ليس بالأماني ولا الأحلام، وإنما هو بسلوك أسباب ذلك، ولولا ذلك ما كان فرق بين الصادق والكاذب، وهذا من حكمة الله تعالى في تكليفه لعباده، وأمرهم بما أمرهم به.
قال الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) سورة النساء /123-124.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
أي: {لَيْسَ} الأمر والنجاة والتزكية {بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} والأماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل، المقترن بها دعوى مجردة، لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عامّ في كل أمر، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية؛ ... فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها ". "تفسير السعدي" (205) .
رابعا:
ومن أهم الأعمال التي تبلغ المسلم الدرجات العلى، ولعلها أن تبلغه الفردوس الأعلى برحمة الله:
- الجهاد في سبيل الله:
وقد تقدم في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وروى مسلم في صحيحه (1884) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ، وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ!! قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
- الإخلاص والصدق مع الله:
روى مسلم (1909) من حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) .
قال النووي رحمه الله:
" َفِيهِ: اِسْتِحْبَاب سُؤَال الشَّهَادَة , وَاسْتِحْبَاب نِيَّة الْخَيْر " انتهى.
- الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين:
قال الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) الكهف / 107
قال السعدي:
" يحتمل أن المراد بجنات الفردوس: أعلى الجنة، وأوسطها، وأفضلها، وأن هذا الثواب، لمن كمل فيه الإيمان والعمل الصالح، والأنبياء والمقربون.
ويحتمل أن يراد بها: جميع منازل الجنان، فيشمل هذا الثواب، جميع طبقات أهل الإيمان، من المقربين، والأبرار، والمقتصدين، كل بحسب حاله، وهذا أولى المعنيين لعمومه " انتهى. تفسير السعدي - (488) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) .
متفق عليه.
قال الحافظ:
" قَوْلُهُ: (وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) أَيْ حَقّ تَصْدِيقهمْ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ رُسُله وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
- إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) . رواه مسلم (251) .
- الطاعات التي ورد في الأخبار الصحيحة أنها سبب في معية النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبته في الجنة:
روى مسلم (489) عن ربيعة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.
وروى مسلم (2983) أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
وروى أيضا (2631) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ) وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.
وروى الإمام أحمد (12089) عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ) وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
صححه الألباني في "الصحيحة" (296)
وبالجملة: فالاجتهاد في الأعمال الصالحة، والمسارعة في الخيرات، واستدامة العمل الصالح، وصنائع المعروف، ومسابقة أهل الخير والصلاح: أصل الوصول إلى غاية المأمول في الدنيا والآخرة، ولو كانت تلك الغاية هي الفردوس الأعلى.
وينظر جواب السؤال رقم: (27075) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/598)
ما الحكمة في أن للشهيد اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة أن للشهيد اثنتين وسبعين حورية في الجنة أي ما الحكمة في هذا العدد بالذات. وأنه يشفع في سبعين من أهله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي (1663) وابن ماجة (2799) وأحمد (16730) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) .
حسنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/210) ، وابن حجر في "الفتح" (6/16) من حديث عبادة بن الصامت، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
أما التحديد في قوله: (وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ)
فقال الملا علي القاري رحمه الله:
"في التقييد بالثنتين والسبعين إشارة إلى أن المراد به التحديد لا التكثير، ويحمل على أن هذا أقل ما يعطي ولا مانع من التفضل بالزيادة عليها " انتهى.
"مرقاة المفاتيح" (11 / 481) .
وأما قوله: (وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) فهذا يحتمل أن المراد هذا العدد تحديدا، ويحتمل أن المراد: أنه يشفع في عدد كثير من أهله، ولا يقصد هذا العدد على سبيل التحديد، وذلك لأن العرب تستعمل مضاعفات العدد (سبعة) للدلالة على التكثير.
قال الطاهر بن عاشور في قوله تعالى: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) التوبة/80. قال:
" (سَبْعِينَ مَرَّةً) غير مراد به المقدار من العدد، بل هذا الاسم من أسماء العدد التي تستعمل في معنى الكثرة، قال في الكشاف: السبعون جار مجرى المثل في كلامهم للتكثير " انتهى.
"التحرير والتنوير" (6/348) .
وقال المناوي رحمه الله عن شفاعة الشهيد في سبعين من أهله قال: "ويحتمل أن المراد بالسبعين التكثير" انتهى.
"فيض القدير" (6/598) .
أما لماذا هذا العدد؟ (اثنتان وسبعون، أو السبعون على أن المراد به التحديد) فعلم ذلك عند الله تعالى، والواجب علينا التسليم لخبر الله، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء عرفنا الحكمة من ذلك أو لم نعرف، ولا داعي لتكلف الجواب، والبحث عن حكمة ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/599)
هل يؤجر الأب إذا عمل ابنه عملا صالحا
[السُّؤَالُ]
ـ[والدى متوفى وأريد أن أعرف: هل إن قمت بإذن الله بأي عمل صالح يكون لي أجر عليه، ويكون لأبى مثل أجري، لأنني منه؟ وكذلك إن تزوجت ورزقني الله بالذرية الصالحة، يكون لي أجر على أعمالهم الصالحة، ولأبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مات الإنسان انقطع عمله، وتوقفت حسناته التي يستحقها على أعماله، إلا بسبب أعمال معينة بينها النبي صلى الله عليه وسلم، كالصدقة الجارية، أو العلم النافع الذي تركه، أو دعاء الولد الصالح له.
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) رواه ابن ماجه (242) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقد جمعها السيوطي رحمها الله ونظمها بقوله:
إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم لَيْسَ يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ فِعَال غَيْر عَشْر
عُلُوم بَثَّهَا وَدُعَاء نَجْل وَغَرْس النَّخْل وَالصَّدَقَات تَجْرِي
وِرَاثَة مُصْحَف وَرِبَاط ثَغْر وَحَفْر الْبِئْر أَوْ إِجْرَاء نَهَر
وَبَيْت لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي إِلَيْهِ أَوْ بَنَاهُ مَحَلّ ذِكْر
وَتَعْلِيم لِقُرْآنٍ كَرِيم فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيث بِحَصْرٍ
فهذه أعمال يمتد نفعها وثوابها ولو مات الإنسان.
وإذا عمل الابن عملا صالحا، وكان أبوه هو الذي دله عليه وعلّمه إياه، فإن الأب يؤجر على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) ـ رواه مسلم (2674) ـ، ثم هذا ـ أيضا ـ داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ) ، ولهذا قال أهل العلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ مثل أجور أمته؛ لأنه هو الذي دلهم على الخير وأرشدهم إليه.
وبهذا يتضح أن كون الإنسان من أبيه أو من سعيه، لا يعني أن الأب يؤجر على كل عمل صالح يفعله الابن، بل يؤجر على ما كان سببا فيه، لتعليمه لابنه ودلالته عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للأب مثل عمل جميع ابنه، ولا نعلم دليلا على ذلك، وإنما جعل ما يدعوه الابن له من عمله الذي لا ينقطع، بخلاف الداعي إلى هدى، كان له مثل أجر المدعو، وهذا الفرق ظاهر، وهو أن الداعي إلى هدى أراد إرادة جازمة فعل ذلك الهدى بحسب قدرته، وهو لم يقدر إلا على الأمر به والدعاء إليه، ومن أراد عملا إرادة جازمة، وعمل منه ما يقدر عليه: كان بمنزلة العامل له ". انتهى.
وقال أيضا:
" لم يثبت أن كل عمل يعمله الولد يكون لأمه أو أبيه مثل أجره، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... ) ، وفي الحديث الآخر: (إن الرجل إذا قرأ القرآن فإنه يكسى والداه من حلل الجنة) ، ويقال: (بأخذ ولدكما القرآن) ، ونحو ذلك مما فيه أن الوالد يحصل له نفع وثواب بعمل ولده، لكن لا يجب أن يكون مثله ... ، بخلاف الداعي إلى الخير، كنبينا صلى الله عيله وسلم، فإن له مثل أعمال أمته التي دعاهم إليها؛ فأجر المعلم الداعي للخير مثل أجر المدعو العامل، بخلاف الوالد والولد، ولهذا حق النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه في دعوته، على المدعويين والمعلَّمين: أعظم من حقوق الآباء.. " انتهى. "جامع المسائل" لابن تيمية (4/266، 273) .
وينبغي للابن أن يكثر من الدعاء لوالده، وأن يتصدق عنه إن استطاع، وله أن يقف عليه وقفا فيكون صدقة جارية له، والجزاء من جنس العمل، فلعله باجتهاده في إلحاق النفع بوالده، يهيء الله له من ولده من يسعى لنفعه بعد وفاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/600)
حكم الإيثار بالقربات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإيثار بالقرب؟ كأن نؤثر العالم أو الوالد بالصف الأول، فإذا كنا في الصف الأول – مثلاً - ووجدنا الأب أو العالم الشيخ في الصف الثاني، وأردنا أن نقدمه إلى الصف الأول -مثلاً - فهل هو مشروع، أو مكروه، أو يدخل في حدود الإباحة وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الإيثار بالقرب على نوعين:
النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام.
وأما الإيثار بالمستحب فالأصل فيه أنه لا ينبغي، بل صرح بعض العلماء بالكراهة، وقالوا: إن إيثاره بالقرب يفيد أنه في رغبة عن هذه القرب، لكن الصحيح أن الأولى عدم الإيثار، وإذا اقتضت المصلحة أن يؤثر فلا بأس، مثل أن يكون أبوه في الصف الثاني وهو في الصف الأول، ويعرف أن أباه من الرجال الذين يكون في نفوسهم شيء إذا لم يقدمهم الولد، فهنا نقول: الأفضل أن تقدم والدك، أما إذا كان من الآباء الطيبين الذين لا تهمهم مثل هذه الأمور فالأفضل أن يبقى في مكانه، ولو كان والده في الصف الثاني، وكذلك بالنسبة للعالم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" اللقاء/35 ص 22.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين
لقاءات الباب المفتوح(7/601)
يشق عليه الإقامة في المدينة وترك أهله وأمه بعيداً فهل يصبر أم يرجع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قدمت إلى المدينة المنورة كمدرس للحاسب الآلي منذ ثلاثة أشهر وتركت أهلي في بلدي، وإني والله أشتاق إليهم وأشعر بالضغط النفسي لفراقهم، كما أن والدتي بحاجة إلي وأخشى إن أنهيت تعاقدي أن أكون قد خالفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على لأواء المدينة وجهدها، فما رأي سماحتكم بارك الله فيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في إنهاء عقدك للأسباب المذكورة، ولا يدخل هذا في عدم الصبر على لأواء المدينة، أي: حرها وجهدها، كما في الحديث الذي رواه مسلم (1363) عن سَعْدٍ بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا، وَقَالَ: الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وروى مسلم (1374) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ جَاءَ إلى أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه يستشيره فِي الْجَلَاءِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ وَأَخْبَرَهُ أَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَالَ أَهْل اللُّغَة: (اللَّأْوَاء) بِالْمَدِّ: الشِّدَّة وَالْجُوع , وَأَمَّا الْجَهْد: فَهُوَ الْمَشَقَّة " انتهى.
وأنت إن تركت المدينة فإنك لا تتركها جزعا من الشدة والمشقة الحاصلة فيها، بل برا بوالدتك، وإعفافا لنفسك، فإن استطعت أن تجمع بين الأمرين، وتأتي بزوجتك، وتصل والدتك على فترات متقاربة، لتنال بذلك فضل المقام بالمدينة، والدخول في هذا الوعد العظيم بنيل شفاعته صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن هذا هو الأولى والأكمل.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/602)
حكم المكافأة التي تدفعها الدولة لرعاية اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[تمنح الشؤون الاجتماعية لرعاية الأيتام مكافأة لمن يكفل يتيم (2000) ريال شهريا ومكافأة لنهاية المدة (20000) ريال. السؤال ما حكم هذا المال؟ وهل لي الأخذ منه قدر الحاجة؟ وإذا زاد من هذه المكافأة ماذا أفعل بها؟ علما بأنه ممكن تكون المكافأة أكثر من مصاريف الحاجة لدى الطفل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفالة اليتيم عمل صالح نافع، وقد جاء في فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (كَافِل الْيَتِيم) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ , وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه , أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة " انتهى.
وبعد الاطلاع على النظام المعمول به في وزارة الشؤون الاجتماعية، الذي جاء فيه:
" 2- إعانات الأسر الكافلة للأيتام: هذه الإعانات تصرف للأسر التي تقوم بكفالة الأيتام ورعايتهم عن الوزارة بناء على المادة [14] من اللائحة الأساسية للأطفال المحتاجين للرعاية، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (612) في 13/5/1395هـ ونصها: " تصرف الوزارة إعانة شهرية لجهة الرعاية اعتباراً من تاريخ تسلم الطفل إذا رغبت تلك الجهة في الإعانة ". بحيث تصرف على النحو الآتي:
ـ #2000# ريال شهرياً لمن هم دون السادسة من العمر.
ـ #3000# ريال شهرياً لمن هم فوق السادسة من العمر.
3- إعانة انتهاء فترة الكفالة: حدد القرار رقم (1430) وتاريخ 13/10/1395هـ إعانة مالية تصرف لكل أسرة لدى انتهاء مدة إقامة الأطفال مجهولي الأبوين بمقدار (20000) ريال " انتهى من موقع الوزارة
http://www.mosa.gov.sa/portal/cdisplay.php?cid=10
وظاهر من هذا النظام أن هذه المكافأة هي مكافأة للأسرة وليست نفقة لليتيم، بدليل صرفها بعد انتهاء مدة الكفالة.
وعلى هذا، فهذه المكافأة ملك للأسرة، فلا حرج عليها من الانتفاع بها أو بما زاد عن حاجة اليتيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/603)
هل قراءة القرآن بالعين قراءة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة القرآن بالعين يعتبر قراءة ويؤجر عليها؟ وهل يجوز لي ختم القرآن بهذه الطريقة؟ فأنا يحصل لي تدبر وفهم واستيعاب وتأثر أكبر عند القراءة بالعين ولا أستوعب إلا قليلاً جداً وأحياناً أبداً إذا قرأت بصوت أو بترتيل! فالمقصود من القرآن تدبره ... وهذه الحالة ليست فقط في قراءة القرآن بل حتى قراءة الكتب بل وفي الدراسة أيضا فأنا لا أستوعب المادة التي أدرسها إذا درستها بصوت ولكن يحصل عندي حفظ وفهم وتدبر أكثر عند الدراسة بدون صوت! فما توجيهك يا شيخ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة القرآن بالعين فقط دون تحريك اللسان لا تعتبر قراءة، ولا يثاب عليها ثواب القراءة، وإنما هي تدبر للقرآن ويؤجر عليها المسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" النَّاسَ فِي الذِّكْرِ أَرْبَعُ طَبَقَاتٍ: إحْدَاهَا: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ.
الثَّانِي: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَ عَجْزِ اللِّسَانِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ قُدْرَتِهِ فَتَرْكٌ لِلْأَفْضَلِ.
الثَّالِثُ: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَهُوَ كَوْنُ لِسَانِهِ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ.
الرَّابِعُ: عَدَمُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ حَالُ الْخَاسِرِينَ " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (10 / 566) .
فما تقومين به هو عمل صالح، والأكمل منه أن تجمعي بين القراءة باللسان، والتدبر بالقلب، ولا يشترط لذلك الجهر بالقراءة، بل يكفي تحريك اللسان، ولو كان ذلك بدون صوت، فاحرصي على ذلك حتى يكون ثوابك أعظم.
وينبغي التنبه إلى أن هذا التدبر لا يثاب عليه الإنسان ثواب القراءة، فما رتب من الثواب على القراءة فلابد فيه من تحريك اللسان، ولا يكون المسلم قد ختم القرآن قراءةً حتى يحرك لسانه بالقراءة، ولهذا اتفق العلماء على أنه يجب على المصلي أن يحرك لسانه بقراءة القرآن وبالأذكار الواجبة، فإن لم يفعل لم تصح صلاته.
قال في "مواهب الجليل" (1/317) :
" قَالَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَلَا يَجُوزُ إسْرَارٌ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ لِسَانٍ ; لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَقْرَأْ وَإِنَّمَا فَكَّرَ" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"يجب أن يحرك لسانه بالذكر والواجب في الصلاة من القراءة ونحوها مع القدرة" انتهى.
ولمزيد الفائدة راجعي جواب السؤال رقم: (70577) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/604)
التصدق بمبلغ ثابت كل شهر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن يتصدق بمبلغ ثابت كل شهر، وشخص أعطاه مبلغاً ليتصدق به فأخرج هذا المبلغ بالنيتين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مواظبة الإنسان على التصدق بمبلغ ثابت كل شهر عمل صالح نافع؛ لما جاء في الصدقة من الفضل والأجر، وإذا أعطاه شخص مبلغا ليتصدق به، فإنه يصرفه فيمن يستحق الصدقة من الفقراء والمساكين، أو بحسب ما اشترطه صاحب المال.
وإذا كان المقصود من سؤالك أنه أخرج مال صاحبه، ولم يخرج في هذا الشهر مبلغه الثابت، ونوى بمال صاحبه الأمرين معاً، فهذا لا يحسب صدقة له، بل هو صدقة لصاحبه فقط، وله أجر إعانته وتوزيع صدقته.
والتصدق بالمبلغ الثابت: تطوعٌ، للإنسان أن يفعله، وأن يتركه، ما لم يكن قد نذره، والأولى أن لا ينقطع عن صدقته وما نواه من الاستمرار على هذا العمل الصالح، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/605)
أعمال لا تمس النار أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعلم أي الأعمال يكون جزاؤها أن النار لا تمس صانعها؟ جزاكم الله خيراً ونفع بكم أمة الإسلام..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن الإجابة على هذا السؤال بجواب مجمل وهو: أن طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، هي أصل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وأن معصية الله ورسوله هما سبب دخول النار، كما قال الله عز وجل: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13، 14.
وكما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قَالَ: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) . رواه البخاري (7280) .
وأما الجواب المفصل فهناك من الأعمال ما نص الرسول صلى الله عليه وسلم على تحريم صاحبها على النار، وذلك ترغيباً لنا في القيام بهذه الأعمال، وإتقانها على الوجه الذي يرضاه الله تعالى.
فمن ذلك:
1- قول لا إله إلا الله بإخلاص ويقين:
فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله عنه: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري (128) ومسلم (32) .
وروى مسلم (29) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ) .
وروى البخاري (425) ومسلم (33) عن عِتْبَانَ بْن مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) .
2– حسن الخلق ولين الجانب:
روى الترمذي (2488) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ) . وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (938) .
" قَالَ الْقَارِي: أَيْ تُحَرَّمُ عَلَى كُلِّ سَهْلٍ طَلْقٍ حَلِيمٍ لَيِّنِ الْجَانِبِ " انتهى.
"تحفة الأحوذي" (7/160) .
3- تغبير القدم في سبيل الله:
روى البخاري (907) أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) .
وروى أحمد (21455) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ) صححه الألباني في "الإرواء" (5/5) .
ورواه ابن حبان في "صحيحه" (4064) ولفظه: عن أبي المصبح المقرائي قال: بينما نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي إذ مر مالك بجابر بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا عبد الله، اركب، فقد حملك الله، فقال جابر: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) فأعجب مالكاً قولُه، فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته: يا أبا عبد الله، اركب، فقد حملك الله، فعرف جابر الذي أراد برفع صوته، وقال: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) فوثب الناس عن دوابهم، فما رأينا يوما أكثر ماشيا منه. صححه الألباني في "الإرواء" (5/6) .
4- الصلاة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ) متفق عليه.
وروى أحمد (17882) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، يَرَاهَا حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهِ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (381) .
5- المحافظة على أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا:
روى أبو داود (1269) والترمذي (428) وصححه عن أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
6- ذكر الله وتوحيده عند الموت:
روى ابن ماجة (3794) عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَأَنَا أَكْبَرُ.
وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي.
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا شَرِيكَ لِي.
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لِي الْمُلْكُ، وَلِيَ الْحَمْدُ.
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي) .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (713) .
7- البكاء من خشية الله، والحراسة في سبيل الله:
روى الترمذي (1639) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
8- غض البصر:
روى الطبراني في "المعجم الكبير" (1003) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله) . وصححه الألباني في "الصحيحة" (2673) .
9- الصبر على فقد الولد:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) متفق عليه.
قال النووي في "شرح مسلم":
"قَالَ الْعُلَمَاء: (تَحِلَّة الْقَسَم) مَا يَنْحَلّ بِهِ الْقَسَم، وَهُوَ الْيَمِين، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُرَاد قَوْله تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَالْقَسَم مُقَدَّر، أَيْ: وَاَللَّه إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا، وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ تَقْلِيل مُدَّة وِرْدهَا. قَالَ: وَتَحِلَّة الْقَسَم تُسْتَعْمَل فِي هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب، وَقِيلَ: تَقْدِيره: وَلَا تَحِلَّة الْقَسَم، أَيْ: لَا تَمَسّهُ أَصْلًا، وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَم، وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط، وَهُوَ جِسْر مَنْصُوب عَلَيْهَا. وَقِيلَ: الْوُقُوف عِنْدهَا" انتهى باختصار.
وروى الطبراني في "الكبير" (231) عن واثلة رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من دفن ثلاثة من الولد حرم الله عليه النار) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6238) .
هذه بعض الأعمال التي جاء النص عليها أن من فعلها حرمه الله على النار، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بها.
وجماع ذلك كما سبق هو: طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/606)
يكفلون يتيما وتأتيه صدقات كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[يتيم توفي أهله وقمنا برعايته وحفظه، ونعتبره واحدا من عيالنا، وحيث له أعمام، ومن يريدون الخير، يعطونه فلوسا، وهذه الفلوس نجعلها مع فلوسنا التي ننفق منها على البيت، ويمكن أن تكون أكثر مما ننفق عليه، فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج عليكم في أخذ ما يدفع إليه من الصدقات، إذا كانت مثل نفقتكم عليه، أو أقل، أما ما زاد على ذلك فعليكم أن تحفظوه له، وأبشروا بالأجر الجزيل على حضانته، والإحسان إليه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/323) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/607)
إذا انقطع عن نفقة اليتيم معذورا فهل ينقطع أجره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: فاعل خير يقوم بكفالة الأيتام في إحدى الأقليات خارج المملكة العربية السعودية مستشعر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، تكون غالبا مدة الكفالة سنة واحدة ومن ثم بعدها لابد من تجديد الكفالة حتى لا ينقطع عن اليتيم المال المدفوع بعد مرور السنة لا يجد المال لكي يجدد الكفالة ووالله إنه ليحزنه ذلك أن ينقطع عن هذا اليتيم مثل ذلك وأن يحرم الأجر فهل عليه إثم أو ينقص من أجره شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خيراً، ويعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته
كفالة اليتيم لها منزلة في الدين، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا) وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. رواه البخاري (6005) – واللفظ له - ومسلم (2983) .
ٍقال ابن بطال:
"حق على كل مؤمن يسمع هذا الحديث أن يرغب في العمل به؛ ليكون في الجنة رفيقًا للنبي عليه السلام ولجماعة النبيين والمرسلين - صلوات الله عليهم أجمعين - ولا منزلة عند الله في الآخرة أفضل من مرافقة الأنبياء " انتهى.
"شرح ابن بطال" (17/260) .
وكافل اليتيم: هو المربي له، القائم بأمره من نحو نفقة وكسوة وتأديب وغير ذلك، وليس من ينفق عليه فقط، إنما الإنفاق بعض كفالته، وجانب منها.
قال الحافظ في "الفتح": " (كَافِل الْيَتِيم) أَيْ: الْقَيِّم بِأَمْرِهِ وَمَصالحه ".
وقال ابن علان:
" وذلك بالنفقة والكسوة والتربية والتأديب وغير ذلك، قال في «شرح مسلم» وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه أو مال اليتيم بولاية شرعية " انتهى.
"دليل الفالحين" (2/366) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وكفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه: بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم وما أشبه ذلك، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن " انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص 311) .
ومن كان ينفق على اليتيم، وحصل له ما يمنع هذه النفقة، وكان عازماً على استمرارها لولا هذا المانع، فإنه يُرجى له أن ينال ثواب الصدقة، وفضل الله تعالى واسع.
وقد روى البخاري (4423) ومسلم (1911) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) .
قال النووي:
" فِي هَذَا الْحَدِيث: فَضِيلَة النِّيَّة فِي الْخَيْر , وَأَنَّ مَنْ نَوَى الْغَزْو وَغَيْره مِنْ الطَّاعَات فَعَرَضَ لَهُ عُذْر مَنَعَهُ حَصَلَ لَهُ ثَوَاب نِيَّته " انتهى.
وقال الحافظ:
" وَالْمُرَادُ بِالْعُذْرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَرَضِ وَعَدَمُ اَلْقُدْرَةِ عَلَى اَلسَّفَرِ " انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:و
" فَهَذَا وَمِثْلُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَعْذُورَ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ الصَّحِيحِ , إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَفْعَلَ , وَقَدْ عَمِلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ " انتهى.
"إقامة الدليل على إبطال التحليل" (2/437) .
وقال أيضا:
" مَنْ نَوَى الْخَيْرَ وَعَمِلَ مِنْهُ مَقْدُورَهُ , وَعَجَزَ عَنْ إكْمَالِهِ: كَانَ لَهُ أَجْرُ عَامِلٍ " انتهى.
"إقامة الدليل على إبطال التحليل" (5/463) .
وقال ابن القيم:
" قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نُزِّل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام " انتهى.
"طريق الهجرتين" (ص 532) .
ونسأل الله تعالى أن يبارك لك في مالك، وأن يتقبل منك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/608)
قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها عمل مندوب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"في ذلك أحاديث مرفوعة يشد بعضها بعضا، تدل على شرعية قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة.
وقد ثبت ذلك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه موقوفا عليه، ومثل هذا لا يعمل من جهة الرأي، بل يدل على أن لديه فيه سنة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/196) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/609)
حكم إنشاء الجمعيات الخيرية، ونصائح في التعامل مع أصحاب الأموال
[السُّؤَالُ]
ـ[نسأل عن حكم الجمعيات الخيرية، وما الضوابط التي تنصح بها السلفي في حالة التعاون معها - إن كان جائزاً - ومع أصحاب الأموال من عوام الناس الذين يحبون دعوتنا، ولا يعرفون تفاصيلها؛ لأنهم يثقون في إخواننا السلفيين بإعطائهم الأموال، وتوزيعها في أماكنها، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إقامة الجمعيات الخيرية الإسلامية يعدُّ من الأعمال الجليلة للأشخاص القائمين على تأسيسها، ونرجو لهم تحصيل الأجور العظيمة بسبب إنشاء تلك الجمعيات؛ لما لها من نفع متعدٍّ للمسلمين، ضعفائهم، وفقرائهم، وإن إعانة هؤلاء، وتفريج كرباتهم: لهو من الأعمال الجليلة في شرع الله تعالى؛ لما لها من أجور جزيلة، ومن هذه الأعمال التي تقوم بها الجمعيات، ولها تلك الأجور:
1. كفالة الأيتام.
عَنْ سَهْل بنِ سَعْد قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا -) .
رواه البخاري (4998) .
ومسلم (2983) من حديث أبي هريرة بلفظ قريب.
2. السعي على الأرامل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) .
رواه البخاري (5038) ومسلم (2982) .
3. بناء المساجد.
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ بَنَى مَسْجِداً يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) .
رواه البخاري (439) ومسلم (533) .
4. قضاء الديون.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) .
رواه مسلم (2699) .
5. تزويج العزاب.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ) .
رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) .
6. تفطير الصائمين.
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) .
رواه الترمذي (807) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وابن ماجه (1746) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ويشمل ما سبق – وثمة كثير لم نذكره - وغيره من أعمال الجمعيات الخيرية: هذا الحديث المبارك، والذي هو نصٌّ في فضل الطاعات المتعدية:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا , وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا , وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ , وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ) .
رواه الطبراني (12 / 453) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (955) .
وعليه:
فمن كان من الجمعيات الخيرية قائماً على مثل هذه المشاريع النافعة: فإنه يُعان، ويشجع عليها؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/ من الآية 2.
ومن أهم ما ينبغي أن يهتم الإخوة القائمون على هذه الجميعات: أن يتحروا في أمر الأموال التي في أيديهم، فلا يتساهلوا في صرفها، بل ينبغي عليهم أن يضعوها حيث يجب، وأن يقدموا الأهم والأنفع من الأعمال التي يحتاجها أهل المكان، وأن يراعوا مصارف الزكاة الشرعية في أموال الزكوات، ولا يخرجوا عنها إلى غيرها، وإن كان من أبواب البر والخير، وأن يراعوا شرط الواقف إن كان تحت أيديهم وقف، أو شرط المتصدق والمنفق، إن شرط وجها معينا لنفقته، لأن الجمعية بمثابة الوكيل عنه، لا يجوز لها أن تتعدى شرطه. فإن بدا للإخوة القائمين عليه باب من الخير لم يأذن فيه، فلهم أن يدلوه عليه، حتى يدخله في نفقته، أو يصرف إليه ماله.
ثانياً:
ليست الجمعيات الخيرية كلها سواء من حيث المنهج، والاعتقاد، بل منها ما هو حزبي جلد، تتعصب لحزبها، ومنها ما يتبنى أفرادها اعتقاداً فاسداً، كالأشعرية، والتصوف.
والموقف من الأولى يختلف عنه من الثانية، ففي حال كانت الجمعية حزبية – والحزب في إطاره العام من أهل السنَّة -: فإنها تُعان على ما فيه خدمة للإسلام، ولا تعان على ما في نشاط لحزبها، وجماعتها، وأما الجمعيات التي يقوم عليها أصحاب اعتقاد فاسد: فينبغي هجرها، وأن يقوم أهل السنَّة بإنشاء جمعية مستقلة خاصة بهم.
ثالثاً:
والموقف من أصحاب الأموال ينبغي أن يكون حكيماً، وإذا كانوا من أهل الدنيا، وليسوا أفراداً منكم: فإننا ننصح في التعامل معهم:
1. أن لا يكون التقرب منهم طمعاً في أموالهم، بل طمعاً في هدايتهم، وهم لو هداهم الله، واقتنعوا بالمنهج السلفي، واعتقدوا عقيدة أهل السنَّة والجماعة: فإن ذلك كافٍ ليقوموا بنصرته، بأموالهم، وجاههم.
2. أن تجعلوا بعضاً من عقلائهم ومعادن الخير منهم أعضاء في مجلس إدارة الجمعية؛ خاصة إذا كانت له وجاهة اجتماعية، يرجى من ورائها حصول خير عام للمسلمين. فإن من شأن هذا أن يُكسبكم ثقتهم، وفي الوقت نفسه يقربهم من الاعتقاد الصحيح، والمنهج السليم.
3. أن تتعاهدوهم بالعناية، والرعاية، وذلك بتقديمهم في احتفالات الجمعية، ونشاطاتها العامة، فكثير من هذه النفوس مجبولة على حب التقديم، وهذا ما يفعله أهل الدنيا معهم، فأنتم أولى بهذه المداراة، وليس في ذلك مخالفة لشرع الله.
وفي فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) .
رواه مسلم (1780) .
قال الدكتور علي الصلابي – حفظه الله -:
ففي تخصيص بيت أبي سفيان شيئٌ يُشبع ما تتطلع إليه نفس أبي سفيان، وفي هذا تثبيت له على الإسلام، وتقوية لإيمانه، وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملاً على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان، وبرهن له بأن المكانة التي كانت له عند قريش: لن تنتقص شيئاً في الإسلام، إن هو أخلص له، وبذل في سبيله، وهذا منهج نبوي كريم، على العلماء، والدعاة إلى الله أن يستوعبوه، ويعملوا به في تعاملهم مع الناس.
" السيرة النبوية، عرض وقائع، وتحليل أحداث " (ص 756) .
4. إيقافهم بأنفسهم على حالات محتاجة؛ وذلك حتى يطمئنوا إلى أن أموالهم تذهب في طريقها الصحيح، وحتى يكون هذا دافعاً لهم لاستقرار البذل، واستمراره، بل زيادته.
5. الدعاء لهم، والثناء عليهم ببذلهم، ولو كان ذلك في صورة شهادات باسم الجمعية، أو هدايا رمزية متجددة؛ حتى يستمر عطاؤهم، وتقوى قلوبهم على البذل، وفي شرعنا أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لكل من يأتي بزكاته، فقال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة/ 103، وهو ما طبَّقه صلى الله عليه وسلم عمليّاً.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ) فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) .
رواه البخاري (1427) ومسلم (1078) .
هذا ما ننصحكم به في التعامل مع أصحاب المال، والجاه، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/610)
شفاعة السقط لوالديه
[السُّؤَالُ]
ـ[ابني توفي في الشهر التاسع، فهل يشفع لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يأجرك على مصيبتك، وأن يكتب لك ولزوجتك الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم نبشرك بما جاءَ عن أبي موسى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: (إِذَا ماتَ ولدُ العَبْدِ، قالَ اللهُ لمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاْذَا قالَ عَبْدِيْ؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِيْ بَيْتًا فِيْ الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بيتَ الحَمْدِ) رواه الترمذي (1021) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والجنين إذا مات بعد نفخ الروح فيه، وذلك بعد تمام أربعة أشهر من بداية الحمل، فهو إنسان، وسيبعث يوم القيامة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السقط يشفع في أمه يوم القيامة.
فعن مُعاذِ بنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم قالَ: (وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَىْ الجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْهُ) رواه ابن ماجه (1609) وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، فضعفه النووي في "الخلاصة" (2/1066) ، والعراقي في "مغني الأسفار" (1/373) ، والبوصيري في "مصباح الزجاجة". ومحققو مسند أحمد، وحسنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/57) ، وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/39) .
والسَّرَرُ: ما تقطعه القابلة من السرة. كما في " النهاية في غريب الحديث " (3/99) .
وفي الباب أحاديث أخرى ضعيفة أو موضوعة، منها ما في " تذكرة الموضوعات " (227) حديث لا أصل له فيه: (السقط يثقل الله به الميزان، ويكون شافعا لأبويه يوم القيامة) .
على أن الولد الذي يموت في الشهر التاسع ويسقط من بطن أمه أقرب إلى كونه ولدا من كونه سقطا، لأنه نزل لتمام أشهر حمله، وقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (25/80) في تعريف السقط: "السقط لغة: الولد ذكرا كان أو أنثى يسقط قبل تمامه وهو مستبين الخلق" انتهى.
وقد نص بعض العلماء على أن السقط يشفع في أبويه يوم القيامة.
قال النووي رحمهُ الله:
"موتُ الواحدِ من الأولادِ حجابٌ منَ النار، وكذا السقطُ" انتهى.
"المجموع" (5/287) . وانظر: " حاشية ابن عابدين " (2/228) .
فنرجو أن ولدك هذا ممن تشمله أحاديث شفاعة الأولاد لآبائهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/611)
لا حرج في الاجتماع على تلاوة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم وزملائي في العمل بالاجتماع ليلة في الأسبوع نتلوا فيها آيات محددة من كتاب الله للتعلم وإجادة القرآن ثم نتحدث بعد ذلك في أمور عديدة وقد سمعنا أنه لا يجوز الاجتماع من أجل التلاوة ويجوز من أجل الحفظ فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في الاجتماع من أجل التلاوة ومدارسة القرآن وحفظه والتفقه في الدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) . رواه الإمام مسلم في صحيحه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرض القرآن على جبرائيل عليه السلام ويدارسه إياه كل ليلة في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم، يجلس مع أصحابه كثيرا يقرأ عليهم القرآن، ويذكرهم بالله عز وجل وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ عليه بعض القرآن.
وفيما ذكرناه كله دلالة صريحة على شرعية الاجتماع لسماع القرآن ومدارسته والمذاكرة فيه ومدارسة العلم، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/376) .
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/612)
هل يجوز أن يسأل الله أن تكون الفتاة التي توفيت وكان يريد خطبتها عروسا له في الجنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت ابنة خالي في حادث، والتي كنت أنوي خطبتها، فهل يجوز أن أدعو الله أن يجعلها عروسا لي في الجنة، أم أن هذا من التعدي في الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
بداية نسأل الله تعالى أن يتغمد تلك الفتاة برحمته، وأن يدخلها جنته، وأن يرزق أهلها وجميع ذويها الصبر والسلوان.
ونوصيك أخانا السائل بالإحسان إلى والديها، ومساعدتهم على تجاوز محنتهم، ونوصيك في نفسك بالرضا بقضاء الله وقدره، والإيمان بأن لله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد، وهو عز وجل مقدر كل شيء في هذا العالم، له الحكمة البالغة، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وأما سؤالك عن الدعاء بأن تكون هذه الفتاة زوجك في الجنة: فليس هناك ما يمنع منه، إن شاء الله، ولك أن تدعو به.
وإن كان الذي نختاره لك أن تدعو الله عز وجل بالرحمة والمغفرة، ورفعة درجتها في الجنة؛ فهذا هو الذي ينفعها منك، وتؤجر ـ أنت ـ عليه، إن شاء الله.
ونخشى عليك من المبالغة في هذا الأمر، أو اللهج بمثل هذا الدعاء، أن يزداد تعلقك بها، فينغص عليك عيشك، أو يشغلك عن طلب ما يعفك في الدنيا من الزواج الحلال. وننبهك ـ حتى لا تسترسل في تعلقك ـ إلى أنها ماتت وهي أجنبية عنك، فاحذر من الاستغراق في مشهد الحزن، والأسف على ما فاتك منها؛ وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
ونذكرك بأدب الله لنا في مثل ذلك: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة /155-157.
قال الشيخ السعدي، رحمه الله:
" أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. هذه فائدة المحن، لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الأعداء {وَالْجُوعِ} أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك.
{وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ} وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية، وغرق، وضياع، وأخذ الظلمة للأموال: من الملوك الظلمة، وقطاع الطريق وغير ذلك.
{وَالأنْفُسِ} أي: ذهاب الأحباب من الأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من يحبه، {وَالثَّمَرَاتِ} أي: الحبوب، وثمار النخيل، والأشجار كلها، والخضر ببرد، أو برد، أو حرق، أو آفة سماوية، من جراد ونحوه.
فهذه الأمور، لا بد أن تقع، لأن العليم الخبير، أخبر بها، فوقعت كما أخبر. فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع، حصلت له المصيبتان، فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان.
وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط، قولا وفعلا واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه، لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها، فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
{قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك، الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجعا إليه، من أقوى أسباب الصبر.
{أُولَئِكَ} الموصوفون بالصبر المذكور {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: ثناء وتنويه بحالهم {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
ودلت هذه الآية، على أن من لم يصبر، فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة، والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين.
فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها، لتخف وتسهل، إذا وقعت، وبيان ما تقابل به، إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويُعْلَم حالُ غير الصابر، بضد حال الصابر. وأن هذا الابتلاء والامتحان، سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان أنواع المصائب. ". انتهى.
" تفسير السعدي" (ص/75) .
وتأمل معنا ـ أخانا الكريم ـ هذا الأدب النبوي، والهدي السلفي:
عَنْ أم المؤمنين: أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا؛ إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا) .
قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!
ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا؛ فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ.
فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ؟
فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ.
رواه مسلم في صحيحه (918) .
فادع الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يخلف لك خيرا منها، وادع الله ـ أيضا ـ لهذه الفتاة، ولكل موتى المسلمين، بالرحمة والمغفرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/613)
فضل تكبيرة الإحرام، وبم تُدرك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من أدرك الإمام قبل أن يركع الركعة الأولى مدركاً لتكبيرة الإحرام وفضلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
من الأمور المستحبة والمندوبة: إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة، وقد ورد في فضل ذلك جملة من النصوص والآثار.
ومن ذلك: ما رواه الترمذي (241) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ) .
وهذا الحديث يروى موقوفا على أنس بن مالك رضي الله عنه، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رجح الترمذي والدارقطني وقفه، واختار الشيخ الألباني تحسينه مرفوعا. وللكلام حول الحديث ينظر جواب السؤال رقم (34605) .
وسواء صح مرفوعا أو موقوفا فله حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الحكم لا يقوله أنس رضي الله عنه اجتهاداً من عند نفسه، فالظاهر أنه علم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في فضل إدراك تكبيرة الإحرام أحاديث أخرى مرفوعة ولكنها لا تخلو من ضعف.
ينظر: "مجمع الزوائد" (2/123) ، "التلخيص الحبير" (2 /27) .
وأما الآثار عن السلف في الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام فكثيرة جداً، ومنها:
1- ما جاء عن مجاهد قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - لا أعلمه إلا ممن شهد بدرا- قال لابنه: أدركت الصلاة معنا؟
قال: نعم
قال: أدركت التكبيرة الأولى؟.
قال: لا.
قال: لَمَا فاتك منها خير من مئة ناقة كلها سود العين. "مصنف عبد الرزاق" (2021) .
2- قال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة. "حلية الأولياء" (2 /163) .
3- قال وكيع: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبا من سنتين، فما رأيته يقضي ركعة. "مسند ابن الجعد" (755) .
4-وعن إبراهيم قال: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه [يعني: لا خير فيه] . "حلية الأولياء" (4 /215) .
5- قال يحيى بن معين: سمعت وكيعاً، يقول: (من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترج خيره) . "شعب الإيمان" للبيهقي (2652) .
قال ابن حجر: " وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ فِي فَضْلِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى آثَارٌ كَثِيرَةٌ ". "التلخيص الحبير" (2 /131) .
فينبغي الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام.
ثانياً:
بماذا يدرك المأموم فضل تكبيرة الإحرام؟
للعلماء في ذلك عدة أقوال:
الأول: أن المأموم يدرك فضلها بحضوره تكبيرة إحرام إمامه، وتكبيره بعده دون تأخير.
الثاني: أنه يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة.
الثالث: يدركها إذا أدرك الإمام قبل أن ينتهي من قراءة الفاتحة، وهو قول وكيع حيث سئل عن حد التكبيرة الأولى، فقال: " ما لم يختم الإمام بفاتحة الكتاب ". "طبقات المحدثين" للأصبهاني (3/219) .
الرابع: أنها تُدرك بإدرك القيام مع الإمام لأنه محل تكبيرة الإحرام.
الخامس: أنها تحصل بإدراك الركوع الأول مع الإمام، وهو مذهب الحنفية.
ينظر: "رد المحتار" (4/131) ، " الفتاوى الهندية " (3 /11) ، " المجموع " (4/ 206) .
والقول الأول هو الأقرب، وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم.
قال النووي: " يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام، وفيما يدركها به أوجه: أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته، فإن أخر لم يدركها ... ". "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1 /446) .
وقال ابن رجب: " ونص [الإمام] أحمد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيْم بْن الحارث عَلَى أَنَّهُ إذا لَمْ يدرك التكبيرة مَعَ الإمام لَمْ يدرك التكبيرة الأولى ".
وقال أيضاً: " وقد قال وكيع: من أدرك آمين مع إمامه فقد أدرك معه فضلية تكبيرة الإحرام.
وأنكر الإمام أحمد ذلك، وقال: لا تُدرك فضلية تكبيرة الإحرام إلا بإدراكها مع الإمام ".
وقال ابن مفلح رحمه الله: " قَالَ جَمَاعَةٌ: وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ ". "الفروع" لابن مفلح (1/521 (.
وقال الحجاوي: " وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه مع حضوره تكبيرة إحرامه". " الإقناع " (1 / 151) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " السنة: إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كبر فكبروا) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، يعني: من حين أن يكبر وينقطع صوته من الراء بقوله: (الله أكبر) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام ". "لقاء الباب المفتوح" (2/192) .
وفي "الملخص الفقهي" (1/140) للشيخ صالح الفوزان: " ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/614)
حكم الفتوى بغير علم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الفتوى بغير علم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لما كانت الفتوى بيانا لحكم الله عز وجل في الوقائع والأحداث، وهناك من الناس من سيتبع هذا المفتي فيما قاله من أحكام، كان المفتي بغير علم واقعاً في كبيرتين عظيمتين:
الكبيرة الأولى:
الجرأة على الكذب والافتراء على الله.
قال الله عز وجل: (قُُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
والمفتي بغير علم يقول على الله ما لا يعلم، وقد قرن الله تعالى تحريم ذلك بتحريم الإشراك به، مما يدل عل عظم ذنب من قال على الله ما لا يعلم.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى: (قُُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
فرتب المحرمات أربع مراتب:
وبدأ بأسهلها وهو الفواحش.
ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم.
ثم ثَلَّث بما هو أعظم تحريما منها وهو الشرك به سبحانه.
ثم ربَّع ما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه.
ومما يدل أيضا على أنه من كبائر الإثم قول الله تعالى: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النحل/116-117.
فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه: هذا حرام، ولما لم يحله: هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه وتعالى أحله وحرمه " انتهى.
" إعلام الموقعين " (1/38) .
الكبيرة الثانية:
إغواء الناس وإضلالهم.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) رواه البخاري (100) ومسلم (2673) .
فالمفتي بغير علم ضلَّ عن الحق، وأضل غيره ممن اتبعه في فتواه.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/24) :
" الإفتاء بغير علم حرام , لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله , ويتضمن إضلال الناس , وهو من الكبائر , لقوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) , فقرنه بالفواحش والبغي والشرك , ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء , ولكن يقبض العلم بقبض العلماء , حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا , فسئلوا , فأفتوا بغير علم , فضلوا وأضلوا) . من أجل ذلك كثر النقل عن السلف إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل: لا أدري. نقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما والقاسم بن محمد والشعبي ومالك وغيرهم , وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه ويعود نفسه عليه , ثم إن فَعَل المستفتي بناءً على الفتوى أمراً محرماً أو أَدَّى العبادة المفروضة على وجه فاسد , حمل المفتي بغير علم إثمَه , إن لم يكن المستفتي قَصَّر في البحث عمن هو أهل للفتيا , وإلا فالإثم عليهما" انتهى.
وقال ابن مسعود: (من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ص/86.
" إعلام الموقعين " (2/185)
وانظر جواب السؤال رقم: (21018)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/615)
ينبغي لطالب العلم أن يحرص على النوافل ويعمل بعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من طلبة العلم اليوم يعرفون كثيرا من فضائل الأعمال وأجرها ومنها قيام الليل، ولا يفعلون هذا حيث إنهم يعلمون ولا يعملون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأعمال التي جاءت النصوص ببيان فضلها قسمان:
قسم واجب: فعلى المرء المسلم سواء كان عالما أو غير عالم أن يعتني به، وأن يتقي الله في ذلك، وأن يحافظ عليه كالصلوات الخمس وأداء الزكاة وغيرهما من الفرائض.
وقسم مستحب: كالتهجد بالليل وصلاة الضحى ونحو ذلك. فالمشروع للمؤمن أن يجتهد في ذلك ويحرص عليه، ولا سيما أهل العلم؛ لأنهم قدوة، ولو شُغل عن ذلك أو تركه بعض الأحيان لم يضره ذلك؛ لأنه نافلة، لكن من صفات أهل العلم والأخيار العناية بهذا الأمر، والمحافظة عليه، كالتهجد بالليل وصلاة الضحى والرواتب إلى غير ذلك من وجوه الخير" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/77) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/616)
الخوف من التقصير يجعله يتردد من محبة لقاء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن الناس الحكماء هم الذين يذكرون أنفسهم دائما بالموت، وأحب لقاء ربي، ولكن خوفي من تقصيري في ترك الواجبات يجعلني في تردد من حب هذا اللقاء، فأرجو منكم نصيحتي في هذا الشأن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نصيحتنا لك في هذا الشأن أن تفرق بين خوفين:
1- الخوف من الله الذي يؤدي إلى تقوى الله في جميع الأعمال، بالحرص على الطاعات، واجتناب المحرمات، والإكثار من نوافل العبادات، والإحسان إلى الخلق: فهذا خوف محمود مأجور عليه بإذن الله.
2- الخوف من لقاء الله يأساً من رحمته، وفرقا من عذابه، من غير أن يكون لذلك أثر ظاهر في أخلاقك وأعمالك: فهذا خوف مذموم، لا تنتفع به، بل هو من وسواس الشيطان الذي يقنط عباد الله من رحمته.
فتأمل أخي الكريم في أي الخوفين من الله أنت؟
ورغم أن المسلم مأمور بدوام خشية الله والخوف من عذابه، إلا أنه مأمور أيضا أن يبقي في قلبه فسحة كبيرة من الأمل بالله، ورجاء عفوه وإحسانه، رجاء يدفع إلى الطمع برحمة الله ولا يدفع إلى الكسل عن العمل الصالح أو الوقوع في المحرمات، وهذه أحوال دقيقة يجب على كل مسلم أن يتعلمها ويعامل الله بها.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه مسلم (2877) .
والله تعالى وسعت رحمته كل شيء وهو أرحم بنا من أمهاتنا وأبائنا، ولهذا قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله:
" ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي؛ فربي خير لي من والدي " انتهى.
وقال النووي رحمه الله:
" قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفى حالة الصحة يكون خائفاً راجياً ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت غلَّب الرجاء أو محَّضه؛ لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له، ويؤيده الحديث المذكور بعده: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) ، ولهذا عقبه مسلم للحديث الأول، قال العلماء معناه: يبعث على الحالة التي مات عليها، ومثله الحديث الآخر بعده: (ثم بعثوا على نياتهم) " انتهى.
"شرح مسلم" (17/210) .
وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا بعنوان " باب الرجاء مع الخوف "، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه:
" قوله: " باب الرجاء مع الخوف " أي: استحباب ذلك، فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر، وفي الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم.
والمقصود من الرجاء أنَّ مَن وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله، ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا غرور، وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي: من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل. ومن علامة الشقاء: أن تعصي وترجو أن تنجو.
وقد أخرج ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت:
(يا رسول الله! (الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) أهو الذي يسرق ويزني؟ قال: لا، ولكنه الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يقبله منه) .
وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة، وقيل: الأولى أن يكون الخوف في الصحة أكثر وفي المرض عكسه، وأما عند الإشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى، ولأن المحذور من ترك الوف قد تعذر، فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته، ويؤيده حديث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) .
وقال آخرون: لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن.
ويؤيده ما أخرج الترمذي عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف) .
ولعل البخاري أشار إليه في الترجمة، ولما لم يوافق شرطه أورد ما يؤخذ منه، وإن لم يكن مساويا له في التصريح بالمقصود " انتهى.
"فتح الباري" (11/301) .
ويقول ابن القيم رحمه الله:
" وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأن حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذبا له على الطاعة زاجرا له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء، ورجاؤه بطالة وتفريطا فهو المغرور " انتهى.
"الجواب الكافي" (ص/24) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجب على المؤمن عدم الخوف من الموت؟ وإذا حدث هذا فهل معناه عدم الرغبة في لقاء الله؟ .
فأجاب:
" يجب على المؤمن والمؤمنة أن يخافا الله سبحانه ويرجواه؛ لأن الله سبحانه قال في كتابه العظيم: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/175، وقال عز وجل: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) المائدة/44، وقال سبحانه: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة/40، وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ) البقرة/218، وقال عز وجل: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف/110، في آيات كثيرة.
ولا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة اليأس من رحمة الله، ولا الأمن من مكره، قال الله سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، وقال تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف/87، وقال عز وجل: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الأعراف/99.
ويجب على جميع المسلمين من الذكور والإناث الإعداد للموت، والحذر من الغفلة عنه؛ للآيات السابقات، ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات) - الموت -؛ ولأن الغفلة عنه وعدم الإعداد له من أسباب سوء الخاتمة، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقلت: يا نبي الله: أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، قال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه) متفق عليه.
وهذا الحديث يدل على أن كراهة الموت والخوف منه لا حرج فيه، ولا يدل ذلك على عدم الرغبة في لقاء الله؛ لأن المؤمن حين يكره الموت أو يخاف قدومه يرغب في المزيد من طاعة الله والإعداد للقائه، وهكذا المؤمنة حين تخاف من الموت وتكره قدومه إليها إنما تفعل ذلك رجاء المزيد من الطاعات والاستعداد للقاء ربها " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (6/313) .
وحاصل الجواب: أن الخوف من الله والخوف من لقائه إذا كان الباعث عليه الخوف من التقصير في حقوق الله، لا حرج فيه، بل هو أمر ممدوح، وينبغي أن يكون دافعاً إلى الاستعداد لذلك اليوم بالعمل الصالح والتوبة النصوح واجتناب المعاصي.
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال: (100451) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/617)
حليب المرأة غير المتزوجة هل ينشر المحرمية؟ وكيف تربي لقيطاً؟ وما معنى "العرق دسّاس"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أفكر أنا وزوجي بكفالة طفل يتيم، خاصة أنه لم يرزقنا الله بالذرية، ولديّ في هذا الموضوع سؤالان: الأول: ما حكم أخذ حبوب لدر الحليب؛ وذلك لإرضاع الطفل، وحتى يصبح ابننا بالرضاعة؟ (مع العلم أنني سمعت بوجود هذا النوع من الحبوب، وسأحاول التأكد من وجوده، ولكن يهمني الحكم الشرعي أولاً) ، وهل يصبح الطفل ابننا بالرضاعة؟ ، مع العلم أن الحليب لم يكن نتاج حمل. الثاني: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (العرق دساس) ؟ . وأريد استشارة فضيلتكم في هذا الموضوع في أخذنا لطفل يتيم لتربيته وخاصة أن معظم اليتامى في دور الأطفال في السعودية هم لقطاء، وأنا أعرف ومقتنعة أن الطفل لا ذنب له، ولكني أفكر في مستقبل الطفل وكيف يكون شعوره عندما نخبره بأنه كان طفلاً لقيطاً، وكيف يكون تعامل الناس معه والزواج ومثل هذه الأمور، أعرف أنه وهو طفل لن يكون هناك مشاكل بإذن الله لأننا سنحسن معاملته بما يرضي الله، ولكن أفكر في مستقبله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يرزقكِ وزوجك الذرية الصالحة، وأن يجزيكما خير الجزاء على وقوفكما عند أحكام الشرع، وعلى اهتمامكما بالأيتام، وحب رعايتهم والعناية بهم، ونحن ندعو من يقرأ جوابنا هذا أن يخصكما بدعوة في ظهر الغيب، لعلَّ الله أن ينفعكما بها في الدنيا والآخرة.
ثانياً:
بخصوص تناول الحبوب التي تدر الحليب: فبالإضافة إلى تأكدكما من وجودها: نرجو التأكد من عدم ظهور أثرها في الحليب، حتى لا يكون له تأثير سيئ على من يتناوله من أولئك الأيتام.
وأما من حيث الحكم الشرعي: فقد اختلف العلماء في حكم الحليب الذي يدر من امرأة غير متزوجة، أو من غير جماع وحمل، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا ينشر المحرمية، وقال آخرون إن العبرة بوجوده، لا بوجوده من زوج، فقالوا بأنه ينشر المحرمية، وهذا هو الراجح، وهو قول الجمهور، ويكاد يتفق عليه الأئمة الأربعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " ولو قدر أن هذا اللبن ثاب لامرأة لم تتزوج قط: فهذا ينشر الحرمة في مذهب أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وهي رواية عن أحمد، وظاهر مذهبه: أنه لا ينشر الحرمة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (34 /51) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
" وإن ثاب لامرأة لبن من غير وطء، فأرضعت به طفلاً: نشر الحرمة في أظهر الروايتين، وهو قول ابن حامد، ومذهب مالك، والثوري، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وكل من يحفظ عنه ابنُ المنذر؛ لقول الله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) ؛ ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم، كما لو ثاب بوطء؛ ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال، فإن كان هذا نادراً: فجنسه معتاد.
والرواية الثانية: لا تنشر الحرمة؛ لأنه نادر، لم تجر العادة به لتغذية الأطفال فأشبه لبن الرجال.
والأول: أصح " انتهى.
"المغني" (9 /207) .
وقال الماوردي الشافعي – رحمه الله -: " لبن النساء مخلوق للاغتذاء، وليس جماع الرجل شرطاً فيه، وإن كان سبباً لنزوله في الأغلب، فصار كالبكر إذا نزل لها لبن فأرضعت به طفلاً: انتشرت به حرمة الرضاع، وإن كان من غير جماع " انتهى.
"الحاوي في فقه الشافعي" (11/413) .
وينبغي التنبيه على أمرين مهمين في هذا الباب:
الأول: أن يكون الطفل الرضيع دون السنتين، فإن كان عمره أكثر من ذلك: لم ينشر لبن المرأة التحريم.
الثاني: أن يرتضع خمس رضعات مشبعات، فإن ارتضع أقل من ذلك: لم يصر ولداً في الرضاع لمن أرضعته.
عن عائشة أنها قالت: (كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن، ثم نُسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنَّ فيما يُقرأ من القرآن) رواه مسلم (1452) .
وانظر أدلة هذين الأمرين، وبعض تفاصيل مهمة في جوابي السؤالين: (804) و (40226) .
ثالثاً: أما لفظ " العرق دسَّاس ": فقد جاء في روايات، لكنها بين ضعيف جدّاً، وموضوع، ومنها:
1. (أقلَّ من الدَّيْن تعش حرّاً، وأقلَّ من الذنوب يهن عليك الموت، وانظر في أي نصاب
تضع ولدك؛ فإن العِرق دسَّاس) .
وهو حديث ضعيف جدّاً، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (2023) .
2. (تزوجوا في الحجر الصالح؛ فإن العرق دساس) .
وهو حديث موضوع، انظر "السلسلة الضعيفة" (3401) .
وأما معنى الحديث: فباطل كذلك، وهو أنه إن كان ثمة خبث وسوء في أصول الزوجة فإنه قد يسري ذلك في الفروع! ، وهذا ليس على إطلاقه، والحديث ليس صحيحاً أصلاً.
رابعاً:
تربية الأيتام والقيام على العناية بهم من أجلّ الأعمال، ونحن نعلم حاجة الطفل اللقيط ليكون جزءاً من المجتمع بعد أن يكبر، ولا يتأثر سلباً بسبب حاله، لكن هذا لا يجيز أن يُنسب لشخص بعينه، ويدخل في أسرة حاملاً اسمها؛ لأن في هذا اختلاطاً في الأنساب، وتحريم ما أحل الله، وإباحة ما حرَّم الله، ويمكن أن تعطيه الدولة اسماً عامّاً لا يرجع لشخص بعينه، ويتربى عندكم على أنه ابنكم في الرضاعة، ويمكن التورية عليه بأن أهله حصل لهم " حادث " – مثلاً – وبقي وحيداً، أو ما يشبه ذلك من الأسباب والتي تختلف من بلد لآخر، ومن بيئة لأخرى.
وتجدون تفصيل هذه المسألة في أجوبة الأسئلة: (100147) و (10010) و (4696) و (5201) و (95216) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/618)
الأعمال الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال الصالحات؟ أعرف بعضها ولكنني لا أظن بأنني أعرفها كلها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأعمال الصالحة هي ما كانت موافقة للشرع، ويكون صاحبها مُخلصاً لربه تبارك وتعالى، وقد عرف شيخ الإسلام العبادة بأنها: " اسم جامعٌ لكل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرو والباطنة "، وهي متنوعة وكثيرة، ولا يمكننا حصرها فضلاً عن تعدادها، لكننا نذكر منها:
1. الإيمان بالله
ويشمل: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشرِّه.
2. والصلاة لوقتها
وهي خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة، وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على كفر من تركها.
ولا يحل تأخيرها عن أوقاتها، ويجب أداء أركانها وواجباتها، وأن يصلِّي المسلم كما صلَّى النبي صلى الله عليه وسلَّم.
3. وحج مبرور.
والحج المبرور معناه:
أ- أن يكون من مالٍ حلال.
ب- أن يبتعد عن الفسق والإثم والجدال فيه.
ج- أن يأتي بالمناسك وفق السنَّة النبويَّة.
د- أن لا يرائي بحجه، بل يخلص فيه لربه.
هـ- أن لا يعقبه بمعصية أو إثم.
4. بر الوالدين
وهو طاعتهما في طاعة الله تعالى، ولا يجوز طاعتهما في معصية، ومن البرِّ بهما عدم رفع الصوت عليهما، ولا إيذاؤهما بكلام قبيح.
ومن البرِّ بهما الإنفاق عليهما، والقيام على خدمتهما.
5. الجهاد في سبيل الله
وقد شرع الله تعالى الجهاد لإقامة التوحيد، ونشر الإسلام في الأرض، وقد أعدَّ الله تعالى للمجاهدين في سبيله أجراً عظيماً.
6. الحب في الله والبغض في الله
وهو أن يحبَّ المسلمُ أخاه المسلم لله تعالى لا للونه ولا لجنسه ولا لماله، بل لطاعته لربه ولقربه منه تعالى.
كما أنه يبغض العاصي لأنه عصى الله تعالى.
7. قراءة القرآن
سواء كان ذلك في حزبه اليومي أو في صلاته بالليل.
8. المداومة على الطاعات وإن قلَّت
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأعمال الدائمة ولو كانت قليلة، وقليل دائم خير من كثيرٍ منقطع.
9. أداء الأمانة
وهي من الواجبات ومن أفضل الأعمال، وقد عُلم في الشرع أن المنافق هو الذي يخون الأمانة ولا يؤديها لأهلها.
10. العفو عن الناس
وهو التنازل عن الحق الشخصي، والعفو عن الظالم إن كان ذلك العفو يصلحه، أو أنه تاب وندم على ظلمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما ازداد عبدٌ بعفوٍ إلا عزّاً " رواه مسلم (2588)
11. الصدق في الحديث
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صِدِّيقاً "، والصدق منجاة لصاحبه، وهو خلق عظيم تخلَّق به الأنبياء وأتباعهم بحقٍّ " رواه مسلم (2607)
12. النفقة في سبيل الله
وتشمل النفقة في الجهاد، وعلى الوالدين والفقراء والمساكين والمحتاجين، وفي بناء المساجد، وفي طباعة المصاحف والكتب الإسلاميَّة، والنفقة على الأهل والأولاد.
13. أن يسلم المسلمون من لسانه ويده.
وذلك بالكف عن الغيبة والنميمة والقذف والسب واللعن، وكذا الكف عن البطش والضرب لمن لا يستحق.
14. إطعام الطعام
ويشمل إطعام الإنسان والبهائم.
15. إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف
إلا من ورد النص بالمنع من ابتدائه بالسلام وهم الكفار.
16. تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق.
والضائع هو ذو الحاجة من فقر أو عيال، والأخرق هو الجاهل الذي لا صنعة له.
17. تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك.
وغير ذلك كثير. . .
وإليك هذا الحديث في تعداد بعض الأعمال الصالحة:
روى البيهقي عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟
قال: الإيمان بالله.
قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً.
قال: يرضخ مما رزقه الله [ومعنى الرضخ هو العطاء] .
قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ به؟
قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟
قال: يصنع لأخرق. [وهو الجاهل الذي لا صنعة له يكتسب منها] .
قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئاً؟
قال: يعين مظلوماً.
قلت: أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً؟
قال: ما تريد أن تترك في صاحبك من خير؟ ! ليمسك أذاه عن الناس.
فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟
قال: ما من مؤمن يطلب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة.
صححه الألباني في الترغيب (876) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/619)
من مات شهيدا في سبيل الله يأمن سؤال القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المؤمنين، من الذين قاموا بأعمال جليلة، أو أصيبوا بمصائب كبيرة، يأمنون فتنة القبر وعذابه، ومن هؤلاء الشهيد: فقد روى المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده في الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه) رواه الترمذي وابن ماجه. وروى النسائي في سننه عن راشد بن سعد، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلا قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) وسنده صحيح. سؤالي هو: ما مدى صحة هذه الأحاديث..؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقرر في عقائد المسلمين أن الأموات يُفتَنون – أي يُسألون ويُمتحنون – في قبورهم، فقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أصحها وأظهرها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ) رواه البخاري (86) ومسلم (905)
يقول الإمام السيوطي رحمه الله:
" أطبق العلماء على أن المراد بقوله: (يُفتنون) ، و (بفتنة القبر) سؤال الملكين: منكر ونكير، والأحاديث صريحة فيه، ولهذا سُمِّيَ ملكا السؤال " الفتَّانين " " انتهى.
"الحاوي للفتاوي" (2/175)
ولكن جاءت أحاديث أخرى تخصص هذا الحديث، وتستثني من عموم الفتنة أناسا صدقوا الله في الدنيا، فرفع الله عنهم فتنة القبر وسؤاله.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله:
" اعلم رحمك الله أن هذا الباب – يعني الذين يأمنون فتنة القبر - لا يعارض ما تقدم من الأبواب – يعني عموم فتنة القبر -، بل يخصها، ويبين مَن يُسأل في قبره ولا يفتن فيه ممن يجري عليه السؤال ويقاسي تلك الأهوال، وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس، ولا مجال للنظر فيه، وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل للعباد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه إلى يوم التناد " انتهى.
"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/423)
ومن هؤلاء الذين يأمنون فتنة القبر: الشهيد.
دليله: ما رواه رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ؟
قَالَ: (كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً)
رواه النسائي (رقم/2053) ، وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/743) ، وصححه الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/50)
ويدل على ذلك أيضا: الحديث الأول المذكور في السؤال: (للشهيد عن الله ست خصال..)
والحديث رواه الإمام أحمد (16730) والترمذي (1663) وابن ماجة (2799) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله:
" قوله صلى الله عليه وسلم في الشهيد: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ، معناه: أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق، كان إذا التقى الزحفان وبرقت السيوف: فروا؛ لأن من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك، ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسا، وهيجان حمية الله، والتعصب له لإعلاء كلمته، فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره، حيث برز للحرب والقتل، فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر؟ قاله الحكيم الترمذي " انتهى.
"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/424) .
ويقول المناوي رحمه الله:
" (ببارقة السيوف) أي: بلمعانها. قال الراغب: البارقة: لمعان السيف.
(على رأسه) يعني: الشهيد.
(فتنة) : فلا يفتن في قبره، ولا يسأل، إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين، فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره. وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة، لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم " انتهى.
"فيض القدير" (5/6)
وسئل الحافظ ابن حجر الهيتمي رحمه الله السؤال الآتي:
هل يسأل الشهيد؟
فأجاب:
" لا، كما صرح به جماعة، واستدل له القرطبي بخبر مسلم: (هل يفتن الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ، قال: ومعناه أن السؤال في القبر إنما جعل لامتان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق، وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه، وإلا لفر للكفار. قال: وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أولى لأنه أجل قدرا.ووردت أحاديث أن المرابط لا يسأل أيضا، وكذا المطعون، والصابر في بلد الطعن محتسبا ومات بغير الطاعون، كما في بذل الماعون لشيخ الإسلام ابن حجر. والله تعالى أعلم " انتهى.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/30) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وأما الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله فإنهم لا يسألون؛ لظهور صدق إيمانهم بجهادهم. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) التوبة/111، وقال: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران/169. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ، وإذا كان المرابط إذا مات أمن الفتان؛ لظهور صدقه؛ فهذا الذي قتل في المعركة مثله أو أولى منه؛ لأنه بذل وعرَّض رقبته لعدو الله؛ إعلاء لكلمة الله، وانتصارا لدينه، وهذا من أكبر الأدلة على صدق إيمانه " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (8/477)
وقد جمع الإمام القرطبي في "التذكرة لأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/415-426) طبعة دار المنهاج، وكذلك العلامة ابن القيم في كتابه " الروح " (ص/79-82) الأسباب المنجية من عذاب القبر وفتنة القبر بالتفصيل، فمن أراد الاطلاع عليها والتوسع فيها فليرجع إلى هذين الكتابين، وإن كان في بعض ما ذكراه توقف ونظر.
وانظر جواب السؤال رقم: (10403) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/620)
سكرات الموت هل تخفف من الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[صعوبة سكرات الموت هل تخفف من الذنوب، وكذلك المرض هل يخفف من الذنوب نرجو الإفادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم كل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو همّ أو غمّ حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به، ولا فرق في ذلك بينما يكون عند الموت وما يكون قبله، فالمصائب كفارات للذنوب بالنسبة للمؤمن ويدل على هذا قوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى/30 فإذا كان ذلك بما كسبت أيدينا دل هذا على أنها مكفرة لما عملناه منها وكسبناه وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عنه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1138(7/621)
ما ورد في فضل ميتة الغرق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأن الغارق في البحر يقبض روحه الله تعالى، وتسقط جميع ديونه بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ميتة الغرق شهادة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
رواه البخاري (2829) ومسلم (1914)
فيرجى لمن مات غريقا في سفر طاعة أن يكتب الله سبحانه وتعالى له أجر الشهادة.
لكن، ليعلم ـ أولا ـ أن هؤلاء الشهداء ليسوا على مرتبة واحدة في الأجر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. وروى الحسن بن علي الجلواني في (كتاب المعرفة) له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال: " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل " انتهى.
"فتح الباري" (6/44)
وليس من أجر الشهادة العفو عن حقوق العباد، فهذه لا تسقط إلا بعفو أصحابها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهيد المعركة: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886) .
فإذا كان الشهيد حقا، في الدنيا والآخرة، لا يغفر له الدين، فمن باب أولى ألا يغفر لشهيد الغرق ديونه، وهو أقل درجة من الشهيد في سبيل الله، وفي هذا تحذير شديد من خطورة أمر الدين على المسلم في الآخرة.
وانظر جواب السؤال رقم: (3095) ، (36830)
وأما أن الله تعالى هو الذي يقبض روحه، فهذا لا أصل له، بل هو باطل مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة من أن ملك الموت، وأعوانه من الملائكة، هم الموكلون بقبض أرواح العباد.
قال الله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة /11
وقال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) الأنعام /61
قال ابن عباس وغيره: " لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم " اهـ تفسير ابن كثير (3/267) .
ولفظ الآية عام (إذا جاء أحدكم) ، لم يصح شيء في خروج أحد من عمومه، بل أدلة الكتاب والسنة موافقة له، غير مخالفة.
والأحاديث في قبض الملك الموت أرواح العباد كثيرة معروفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/622)
يسأل عن فضل العشر من ذي الحجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة فضل على غيرها من سائر الأيام؟ وما هي الأعمال الصالحة التي يستحب الإكثار منها في هذه العشر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من مواسم الطّاعة العظيمة العشر الأول من ذي الحجة، التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا ولا الجهاد في سبيل الله!! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) أخرجه البخاري 2/457.
وعنه أيضا،ً رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الدارمي 1/357 وإسناده حسن كما في الإرواء 3/398.
فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها، حتى العشر الأواخر من رمضان. ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، لاشتمالها على ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. انظر تفسير ابن كثير 5/412
فينبغي على المسلم أن يستفتح هذه العشر بتوبة نصوح إلى الله، عز وجل، ثم يستكثر من الأعمال الصالحة، عموما، ثم تتأكد عنايته بالأعمال التالية:
1- الصيام
فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر، والصيام من أفضل الأعمال. وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي: " قال الله: كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري 1805
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين " أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/462.
2- الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير:
فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى.
ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة
قال الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) الحج/28. والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (الأيام المعلومات: أيام العشر)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) أخرجه احمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر.
وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، وهناك صفات أخرى.
والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ولاسيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيراً للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع.
إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد فيه ثواب عظيم دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً) أخرجه الترمذي 7/443 وهو حديث حسن لشواهده.
3- أداء الحج والعمرة: إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرام، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب - إن شاء الله - من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
4- الأضحية:
ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل الله تعالى.
فلنبادر باغتنام تلك الأيام الفاضلة، قبل أن يندم المفرّط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجاب إلى ما سأل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/623)
تريد نصيحة لزوجها كي يحفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يتهاون في حفظ القرآن، ودائما أنبهه وأكثر الكلام في هذا الموضوع، أريد منكم نصيحة لزوجي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حفظ القرآن الكريم أعظم ما يفني المرء فيه عمره، وأولى ما يقضي فيه دهره، إذ هو كلام الله تعالى، رب الأرض والسماوات، وخالق كل شيء سبحانه.
روى البخاري في صحيحه (5027) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) .
وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ، قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا.
ورغم أن حفظ القرآن الكريم هو فضل من الله به علينا، ولكنه سبحانه لكرمه وجوده منحنا عليه أيضا الأجر الجزيل، والثواب العظيم، فكتب لنا فيه بكل حرف حسنة، وجعله سببا للترقي في درجات الجنة في الآخرة، بل يأتي يوم القيامة القرآن الكريم شفيعا لصاحبه، ويلبس به حلة الكرامة وتاج الكرامة. ينظر ذلك كله في جواب السؤال رقم: (14035) ، فأي فضل فوق هذا الفضل؟! وماذا ينتظر المؤمن من الوعد كي يقبل على الاجتهاد والعمل؟
أوليست هي مكارم الله تعالى لنا، وهباته التي منحنا إياها كي نتقرب منه، وننال الدرجات العلى من الجنة؟!
والأمر أيسر مما نظن، فالمهم هو المحافظة على ورد يومي معتدل من الحفظ والمراجعة، وليكن هذا الورد بعد صلاة الفجر، كي يبدأ المسلم يومه بأهم عمل يقدمه ابن آدم بين يديه، ويصادف ذلك وقت نشاطه واجتهاده.
فإن تعذر أن يكون وردا يوميا فليكن يوما بعد يوم، ولتكن الغاية من هذا الورد هي التزود بما يمكن من بركة وفضل كلام الله عز وجل، وليس الاستكثار من الحفظ استكثارا مجردا عن استشعار عظمة كلام الرب سبحانه.
ولنتذكر جميعا أن القرآن الكريم هو أنيس صاحبه في قبره، فلطالما شغل القرآن حافظه في الدنيا، وأجهده في تثبيته ومراجعته، وحرمه من مجالسة أصحابه وأحبابه، ولذلك جعل الله جزاءه من جنس عمله، فيكون أنيسه وجليسه في قبره، بل تشفع عنه سورة واحدة وتنجيه من عذاب القبر، وهي سورة تبارك. انظر جواب السؤال رقم: (26240) .
وأخيرا وصيتنا لزوجك أن يحمد الله تعالى أن يسر له زوجة صالحة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتحب له الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، والواجب عليه أن يتعاون معها على طاعة الله تعالى وعبادته، بل ويكون هو الحافز والمشجع على المسابقة إلى الخيرات.
نسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/624)
من مات مرابطا في سبيل الله يأمن سؤال القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المؤمنين من الذين قاموا بأعمال جليلة، أو أصيبوا بمصائب كبيرة، يأمنون فتنة القبر وعذابه، ومن هؤلاء، الذي مات مرابطا في سبيل الله: فقد روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر) رواه الترمذي وأبو داود. سؤالي هو: ما مدى صحة هذه الأحاديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في فضل من مات مرابطا في سبيل الله أنه يأمن فتنة القبر، وذلك يعني أنه لا يُسأل في قبره الأسئلة المعروفة الواردة في أحاديث فتنة القبر: من ربك؟ وما هو دينك؟ ومن هو النبي الذي بعث فيكم؟
وإنما تشهد له مرابطته وجهاده في سبيل الله على صدقه ويقينه وإيمانه، والمرابط في سبيل الله هو من أقام في الثغور التي يخاف فيها من هجمات العدو، مأخوذ من ربط الخيل، ثم سمي كل ملازم لثغر مرابطا، فارسا كان أو راجلا. انظر "التذكرة" للقرطبي (ص/418) .
والدليل على فضل الرباط في سبيل أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها:
الحديث الأول:
عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ) رواه مسلم (1913) .
قال النووي رحمه الله: " هذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحا في غير مسلم: (كل ميت يختم على عمله الا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة) .
قوله صلى الله عليه وسلم: " وأجرى عليه رزقه " موافق لقول الله تعالى في الشهداء: (أحياء عند ربهم يرزقون) ، والأحاديث السابقة أن أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة.
قوله صلى الله عليه وسلم: " أمن الفتان " ضبطوا (أمن) بوجهين: أحدهما أَمِن بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو، والثاني: (أُومِن) بضم الهمزة وبواو.
وقوله " الفتان " فقال القاضي: رواية الأكثرين بضم الفاء، جمع فاتن، قال: ورواية الطبري بالفتح، وفي رواية أبى داود في سننه (أومن من فتاني القبر) " انتهى.
"شرح مسلم" (13/61) .
وقال المناوي رحمه الله: " (من فتان القبر) أي: فتانَيْه: منكر ونكير، أي: لا يأتيانه، ولا يختبرانه، بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه " انتهى.
"فيض القدير" (5/44) .
الحديث الثاني:
عن فَضَالَةَ بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ، إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ) رواه الترمذي (1621) وغيره، وقال الترمذي رحمه الله: حسن صحيح، وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/113) ، وابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/124) ، وابن حجر في "فتح الباري" (12/421) ، والشيخ الألباني في "صحيح الترمذي".
قال الإمام السرخسي رحمه الله: " ومعنى هذا الوعد في حق من مات مرابطا - والله أعلم - أنه في حياته كان يُؤمِّن المسلمين بعمله، فيجازَى في قبره بالأمن مما يخاف منه.
أو لَمَّا اختار في حياته المقام في أرض الخوف والوحشة لإعزاز الدين، يُجازَى بدفع الخوف والوحشة عنه في القبر " انتهى.
"شرح السير الكبير" (1/9) .
وقد جمع الإمام القرطبي في "التذكرة لأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/415-426) طبعة دار المنهاج، وكذلك العلامة ابن القيم في كتابه " الروح " (ص/79-82) جميع الأسباب المنجية من عذاب القبر وفتنة القبر بالتفصيل، فمن أراد الاطلاع عليها والتوسع فيها فليرجع إلى هذين الكتابين.
وانظر جواب السؤال رقم: (10403) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/625)
منزلة الفقيه أعلى من منزلة راوي الحديث وفي كل خير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل منزلة الفقيه أعلى من منزلة راوي الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفقيه هو المجتهد الذي يستنبط الأحكام الشرعية، ويوضح مقررات الشريعة، ويشرح للناس أحكام دينهم، فدائرة حديثه مقاصد الدين، ومحكمات القرآن المبين، وتحقيق الفهم الصحيح لما يريده الله سبحانه وتعالى من العباد.
وهذا عمل لا يقوم به إلا أفراد الناس والقلائل منهم، لما يقتضيه من اطلاع واسع على النصوص، وممارسة طويلة لكلام أهل العلم، وذكاء في دراسة الواقع وتنزيل الأحكام الشرعية عليه.
أما راوي الحديث: فهو ناقل لما سمع من السنة النبوية، يؤدي ما تحمله بكل صدق وأمانة، ويعتني بتبليغ الحديث كما بلغ إليه بأي طريقة كانت، ولا يتكلف عناء شرح الحديث أو استنباط الأحكام الشرعية منه، ومعرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد، وإنما يقتصر دوره على الأداء والرواية.
وهذا عمل يتطلب الدقة والعناية النقلية، ولا يقتضي نظرا فقهيا ولا عناية أصولية.
وقد وصف الإمام الأعمش رحمه الله عملَ كلٍّ مِن الفقيه وراوي الحديث بوصف دقيق فقال:
" يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة " انتهى.
"نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي" (1/45) .
ولا يخفى أن عمل كُلٍّ من الطبيب والصيدلي عمل متكامل، لا يستغني أحدهما عن الآخر، فكان لكل منهما من الفضل والتأثير القدر البالغ من الأهمية، وبذلك جاءت الشريعة أيضا تقر لكل من الفقيه والراوي بالفضل والأجر عند الله تعالى، مع مزيد فضل للفقيه (الطبيب) الذي يعتني بالفهم والاستنباط.
وقد استنبط بعض أهل العلم هذا التقرير من قوله صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ) رواه أبو داود (3660)
قال الرامهرمزي (ت 360هـ) رحمه الله: " ففرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بين ناقل السنة وواعيها، ودل على فضل الواعي بقوله: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه) وبوجوب الفضل لأحدهما يثبت الفضل للآخر، مثال ذلك أن تمثل بين مالك بن أنس وعبيد الله العمري، وبين الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي، وبين أبي ثور وابن أبي شيبة، فإن الحق يقودك إلى أن تقضي لكل واحد منهم بالفضل، وهذا طريق الإنصاف لمن سلكه، وعلم الحق لمن أمه ولم يتعده " انتهى.
"المحدث الفاصل" (1/169-170) .
وأما من جمع بين الحسنيين، فوعى مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ ما جاء به من العلم، وتفقه في معانيه، فانتفع به في نفسه، ونفع به الناس، فهؤلاء خير أصناف الناس قاطبة.
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً.
فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) رواه البخاري (79) ، ومسلم (2282) .
الغيث: المطر. الأجادب: الأرض التي لا تنبت كلأ. القيعان: جمع القاع وهو الأرض التي لا نبات فيها.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث، ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس:
فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر، فيحيى بعد أن كان ميتا، وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع.
والنوع الثاني من الأرض ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت، ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع بها غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس، ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم " انتهى.
"شرح مسلم" (15/47-48) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" شبه صلى الله عليه وسلم العلم والهدى الذي جاء به بالغيث، لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد، فإنها بالعلم والمطر.
وشبه القلوب بالأراضي التي وقع عليها المطر، لأنها المحل الذي يمسك الماء، فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته.
ثم قسم الناس إلى ثلاثة أقسام، بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه وفهم معانيه واستنباط أحكامه واستخراج حكمه وفوائده:
أحدها: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام والحكم والفوائد منه؛ فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط ... فهذا مثل الحفاظ الفقهاء، أهل الرواية والدراية.
القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رُزِقوا حفظه ونقله وضبطه، ولم يرزقوا تفقها في معانيه ولا استنباطا ولا استخراجا لوجوه الحكم والفوائد منه، فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه، ويراعي حروفه وإعرابه، ولم يرزق فيه فهما خاصا عن الله، كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: (إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه) . والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم تفاوت، فرب شخص يفهم من النص حكما أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به، هذا يشرب منه وهذا يسقى وهذا يزرع.
فهؤلاء القسمان هم السعداء، والأولون أرفع درجة وأعلى قدرا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
القسم الثالث: الذين لا نصيب لهم منه، لا حفظا ولا فهما، ولا رواية ولا دراية؛ بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان، لا تنبت ولا تمسك الماء.
وهؤلاء هم الأشقياء، والقسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليم، كل بحسب ما قبله ووصل إليه، فهذا يعلم ألفاظ القرآن ويحفظها، وهذا يعلم معانيه وأحكامه وعلومه، والقسم الثالث لا علم ولا تعليم، فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسا ولم يقبلوه، وهؤلاء شر من الأنعام، وهم وقود النار.
فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم وعظم موقعه، وشقاء من ليس من أهله، وذكر أقسام بني آدم بالنسبة فيه إلى شقيهم وسعيدهم، وتقسم سعيدهم إلى سابق مقرب وصاحب يمين مقتصد.
وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى المطر، بل أعظم، وأنهم إذا فقدوا العلم فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث.
قال الإمام أحمد: الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس " انتهى.
"مفتاح دار السعادة" (1/65-66) .
فيا أيها الأخ الكريم، أين أنت من ذلك كله، ومن أي أنواع الأرض ـ يا ترى ـ طينتك، أمن التي انتفعت في نفسها، ونفعت الناس، فحفظت وتفقهت، وعملت وعلّمت؟ أمن التي حفظت لغيرها حتى انتفع، والدال على الخير كفاعله؟
إننا نعيذك بالله، ونكرمك عن أن تكون طينتك من الأرض السباخ، فلا أمسكت ولا أنبتت، ولا حفظت ولا تفقهت، ثم هي تقيم نفسها مقام الحكم بين الفريقين!!
انظر في همتك ـ يا عبد الله ـ ووطنها على معالي الأمور، واطلب لها الحفظ والفقه، فإن عجزت عن بعض ذلك، فليس أقل من أن تكون دالا على الخير، حافظا لما أمرت به.
قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(7/626)
هل يلزم البقاء في مكان صلاة الفجر كي يدرك الفضيلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من صلى الفجر ثم بدل المكان الذى صلى فيه، وقعد يذكر الله، هل يجوز أم أن عليه أن يبقى في مكانه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي (586) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3403) .
والذي يظهر أن هذا الثواب لا يشترط لحصوله بقاء المصلي في المكان الذي صلى فيه، فما دام في المسجد يذكر الله تعالى فإنه يرجى له حصول هذا الثواب، ويدل على ذلك: إطلاق الحديث: (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) ، فلم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم بقاءه في المكان الذي صلى فيه، فلو انتقل إلى مكان آخر داخل المسجد، وجلس يذكر الله تعالى، شمله الحديث، وقد نص على ذلك بعض أهل العلم.
قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (4/56) :
" ورد في فضل من جلس في مصلاه بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس أحاديث متعددة.
وهل المراد بـ (مُصلاه) نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ، أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ؟ هَذَا فِيهِ تردد.
وفي صحيح مُسْلِم عَن جابر بن سمرة، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا صلى الفجر جلس فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس حسناء.
وفي رِوَايَة لَهُ: كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مُصلاه الَّذِي يصلي فِيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام.
ومعلوم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن جلوسه فِي الموضع الَّذِي صلى فِيهِ؛ لأنه كَانَ ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه.
وخرجه الطبراني، وعنده: كَانَ إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشمس.
ولفظة: (الذكر) غريبة.
وفي تمام حَدِيْث جابر بْن سمرة الَّذِي خرجه مُسْلِم: وكانوا يتحدثون فيأخذون فِي أمر الجَاهِلِيَّة، فيضحكون ويتبسم.
فهذا الحديث يدل على أن المراد بـ (مصلاه الذي يجلس فيه) : المسجد كله.
وإلى هذا ذهب طائفة من العلماء، منهم: ابن بطة من أصحابنا وغيره " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/627)
هل يكفل الأيتام أم المسنين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم كهاتين) سألت في المسجد عن المحتاجين من الأيتام وعلمت أن هناك من هم أشد فقراً وحاجةً من الأيتام: إنهم فقراء المسنين، فمنهم الذين لا يملكون قوت غدهم على الأكثر، ومنهم الذي فقد صحته وربما نظره، ولا عائل لهم، إنهم أيضا أيتام ولكن أيتام الأبناء والعائل، وحزنت على حالهم وأمنيتي جوار الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلبي حزين لهؤلاء المساكين (المسنين المنسيين) خصوصاً وإن الأيتام يهتم بهم كثير من الناس، ما العمل جزاكم الله كل الخير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفالة المسنين وإزالة الضرر عنهم أحد فروض الكفاية، فيجب أن يوفر لهم عيش كريم، وتجب لهم حقوق الإنسان كاملة موفرة، ولا شك أن في القيام بذلك ابتغاء مرضاة الله خيراً كثيراً، فما تنفقه من مال في سبيل رعايتهم مكتوب مضاعف إن شاء الله، قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/261.
ثم إن في عملك هذا تفريجا للكرب، وتنفيساً للشدائد، وعوناً للأخ المسلم، وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيما ترغيب حين قال: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم (4867) .
ولا شك أن ثواب كفالة اليتيم عظيمة، ولكن مع ذلك ينبغي للإنسان أن يقدم بصدقته من هو أشد فقراً وحاجة، وقد يكون اليتيم له مال ينفق منه، أو له من ينفق عليه من الأغنياء، فيكون غيره الذي لا مال له، ولا أحد ينفق عليه أولى بالصدقة عليه ومعاونته، ويكون أكثر ثواباً إن شاء الله من ثواب الإنفاق على اليتيم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – بعد ما ذكر أهل الزكاة الثمانية:
"فإن قيل: أيها أولى أن تصرف فيه الزكاة من هذه الأصناف الثمانية؟
قلنا: إن الأولى من كانت الحاجة إليه أشد، لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، لهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) التوبة/60 " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/339) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/628)
ما هو المقصود بالليلة الخاصة الواردة في سورة الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية الخامس عشر (15) من شعبان، هل هي الليلة التي يقرر فيها مصير كل شخص للعام المقبل؟
وما هو المقصود بالليلة الخاصة الواردة في سورة الدخان، هل هي تلك التي في شعبان، أم أنها ليلة القدر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن في تلك الليلة يكون تحديد مصير الأشخاص، أو أقدارهم.
يراجع سؤال رقم 8907.
أما الليلة الواردة في قول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (3-4) الدخان، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: واختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أي ليلة من ليالي السنة هي. فقال بعضهم هي ليلة القدر، وعن قتادة أنها ليلة القدر، وقال آخرون هي ليلة النصف من شعبان، قال: والصواب في ذلك قول من قال: يعني بها ليلة القدر، لأن الله جل ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى: (إنا كنا منذرين) تفسير الطبري 11/221، وقوله تعالى: (فيها يُفرق كل أمر حكيم) : قال ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَام تِلْكَ السَّنَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلامَهُ فَقَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَتْ لَيْلَة الْقَدْر لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلائِكَةُ مِنْ الأَقْدَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وَرَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق وَغَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَة وَقَتَادَةَ وَغَيْرهمْ , وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: إِنَّمَا جَاءَ (الْقَدْر) بِسُكُونِ الدَّال , وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ فَتْحَ الدَّالِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَفْصِيلُ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاء وَإِظْهَارُهُ وَتَحْدِيدُهُ فِي تِلْكَ السَّنَة لِتَحْصِيلِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ فِيهَا مِقْدَارًا بِمِقْدَار.ِ وليلة القدر لها فضل عظيم لمن أحسن فيها العمل واجتهد في العبادة.
قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وقد جاء في فضل هذه الليلة أحاديث كثيرة، فمنها، ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (الصوم/1768) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/629)
اتصال الجن بالإنس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك اتصال حقيقة للإنس بالجن، وهل صحيح ما يُقال بأن هذا الشخص لبسه جن فأصبح هذا الجني يتكلم على لسانه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، ثابت أن الجن يصرعون الإنس، ويصيبونه، والله تعالى يقول في المرابين: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ) البقرة/275.
أي: لا يقومون من قبورهم عند البعث، إلا كقيام المصروع الذي أصابه الجن وخالطوه، وذلك أن المرابي والعياذ بالله يتضخم بطنه، فإذا أراد القيام فإنه يسقط، وكلما أراد القيام يسقط فضيحة له بين الخلق، فهو يشبه المصروع الذي أصابه الجن والشياطين، وهذا دليل على إصابة الجن الإنس، وهذا شيء ثابت ومعروف بالتجربة والحس، الجن يخالطون الإنسي ويُخبلونه ويصيبونه، إما لأن الإنسي قد ضرهم وهم يريدون الانتقام منه، وإما لأنهم يعبثون به، أو لغير ذلك من الأغراض التي يريدونها.
والحاصل: أن إصابة الجن للإنس بالصرع ثابت، ويدل عليه القرآن، ويدل عليه التجربة والمشاهدة ولا يُنكر هذا إلا جاهل.
وأفضل وسيلة للعلاج من هذا، قراءة القرآن الكريم على المصاب ورقيته بالأدعية الواردة، ويزول ما فيه بإذن الله تعالى.
وأما ما يفعله بعض المشعوذين أو الدجالين في هذا الوقت من عمل، كوصف بعض الأدعية، وبعض المشروبات، مدعين بذلك أنهم يخرجون هذا الجني من جسد الإنسان: فالأصل في هذا أنه محرم لا يجوز العلاج بمثل هذه الأمور إلا بالأدعية القرآنية، والأدعية النبوية " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/630)
أجر مرافق المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تساعدوني في هذه القضية , حيث إني بحثت في النت عن أدلة لفضل مرافق المريض، أو الذي يقوم بعنايته، وأريد بعض القصص، أو ما هو الأجر المنتظر لمرافق المريض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من أزكى الأعمال عند الله تعالى، وأحبها إلى الرحمن، وأعلاها شرفا، وأكرمها مروءة، الإحسانَ إلى الضعيف والمريض والقيامَ على حوائجهم وشؤونهم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم (2699) .
ومُرافق المريض والقائمُ على رعايته والعناية به قد أحسن إليه بخدمته ورعايته، والله تعالى يقول: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195.
وإعانة المريض وخدمته صدقة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ) رواه مسلم (1009) .
وكذلك إذا أعان الرجلَ نفسَه، فحمله أو أعانه في مشيه أو نومه أو دوائه.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: (أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا , وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا)
رواه الطبراني (12 / 453) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (955) .
ولما مرضت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عندها ليمرضها، وتخلف عن معركة بدر، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ) رواه البخاري (4066) .
ومرافق المريض لابد أن يتصف بالصبر، لما يتكبده من مشقة في سهره، ومراقبته وملاطفته للمريض، والله تعالى يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10 ولابد أن يكون رحيماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه أبو داود (4941) والترمذي (1924) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" (ص/48) عن الحسن البصري قال: (لأن أقضى لمسلم حاجة أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة) .
وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" (232) :
" وكان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناما لأجر ذلك، منهم عامر بن عبد قيس وعمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما، وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان، وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره فيشترط عليهم أن يخدمهم، فكان إذا رأى رجلا يريد أن يغسل ثوبه قال له: هذا مِن شَرطي فيغسله، وإذا رأى مَن يريد أن يغسل رأسه قال: هذا مِن شرطي فيغسله، فلما مات نظروا في يده، فإذا فيها مكتوب: " مِن أهل الجنة " فنظروا إليها فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم " انتهى.
فهنيئا لمن وفقه الله تعالى لتقديم يد العون إلى الضعيف والمريض والمحتاج، وهنيئا لمن يبذل عمره ووقته وجهده في صنائع المعروف، ونرجو أن يعامله الله بالرحمة والعفو والرضوان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/631)
معنى أن العمرة في رمضان تعدل حجة
[السُّؤَالُ]
ـ[العمرة في شهر رمضان تعدل حجة، ما المقصود من ذلك، أريد شرحا مفصلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (حجة معي) .
ثانيا:
اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (3/605) .
ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت: (الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أدري أَلِي خاصةً. – تعني: أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
القول الثاني: أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه، ثم عوضه بعمرة في رمضان، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) :
" واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر ... – وذكر أمثلة لذلك منها -: وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة، قال: (اعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي) " انتهى.
ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) .
وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) .
القول الثالث: ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال.
انظر: "رد المحتار" (2/473) ، "مواهب الجليل" (3/29) ، "المجموع" (7/138) ، "المغني" (3/91) ، "الموسوعة الفقهية" (2/144) .
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان، ويدل على ذلك:
1- ورود الحديث عن جماعة من الصحابة، فقد قال الترمذي: " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش "، وأكثر مروياتهم لا تذكر قصة المرأة السائلة.
2- عمل الناس عبر العصور، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة في شهر رمضان كي ينالهم الأجر.
وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع، فيقال: إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر!
ثالثا:
ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة، وبيان ذلك بما يلي:
لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى.
فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر، وليس من حيث الإجزاء.
ومع ذلك، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر، وليست في جنسه ونوعه، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل.
فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد –، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع.
وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، يمكن مراجعة كلامه في جواب السؤال رقم (10022) .
قال إسحاق بن راهويه:
" معنى هذا الحديث – يعني حديث (عمرة في رمضان تعدل حجة) - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ: قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن "
"سنن الترمذي" (2/268)
وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج" (1/553) :
" قلت: من قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) أثبت هو؟ قال: بلى، هو ثبت.
قال إسحاق: ثبت كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبدا " انتهى.
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) :
" معلوم أن مراده: أن عمرتك فى رمضان تعدل حجة معي، فإنها كانت قد أرادت الحج معه، فتعذر ذلك عليها، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه، فكيف بعمرة!! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة " انتهى.
وانظر جواب السؤال (13480) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/632)
الخوف من الموت: خيرُه وشرُّه، وهل يُدعى بطول العمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بعض الأسئلة أرجو الإجابة عليها: 1. لقد مررت بفترة عصيبة فلم أعد أفكر سوى بالموت في كل تصرفاتي، فلم أعد أستطيع النوم بسبب هذه الوساوس، وأصبحت أفكر في كل من مات، وكيف مات، وأصبحت صور الموتى ممن أعرفهم تراودني بين لحظة ولحظة، فلم أعد أحتمل هذه الحالة، فأصبحت أخاف من كل شيء، لم يعد للحياة طعم، فهل هذا إنذار باقتراب الأجل، وأني سأموت في فترة قريبة؟ أرجوكم أفيدوني، في الواقع هذه الحالة انتابتني بعد ذنب ارتكبته، فهل لهذا الذنب علاقة؟ . 2. أحد أقاربي أخبرني بأنه رآني في المنام أني ميت، وسأل أحد شيوخ البلدة وقال: إنه يدل على طول العمر، فهل هذا صحيح أم أنه غير ذلك؟ . 3. هل الدعاء بطول العمر مستجاب أم إنه قد كتبت الأعمار وانتهى الأمر؟ وما الذي يبارك في العمر من أعمال؟ . وجزاكم الله خيراً. نرجو الإجابة على الأسئلة بأسرع وقت؛ لأنني بحاجه إليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي الفاضل
أولاً:
أرجو منك أن تعي ما أكتبه لك، وأن تعمل به، فلعل ما أصابك أن يكون خيراً لك:
1. كلُّ نفس ذائقة الموت:
وهذه حقيقة يجب أن تعلمها، فليس أحدٌ بناجٍ من الموت، طال عمره أو قصر، صحيحاً كان أو مريضاً، غنيّاً كان أو فقيراً.
قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران/ 185، وقال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) العنكبوت/ 57.
وقال عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/ 35.
ولو كانت الدنيا تدوم لأحدٍ: لأدامها الله لأنبيائه وأوليائه وأصفيائه، فأين هم الأنبياء والرسل؟ وأين هم الصدِّيقون والشهداء؟ وأين هم الصحابة والتابعون؟ كلهم ذاقوا الموت – إلا عيسى عليه السلام وسيذوقه في آخر المطاف -.
قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) الأنبياء/ 34.
وقال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) الزمر/ 30.
2. لا مهرب من الموت:
ومهما بذل الإنسان من أسباب الصحة والنشاط فهو ميت، وأينما كان فإن الموت يدركه، وحيثما فرَّ من الموت فإنه سيجده مقابل وجهه.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) الجمعة/ 8.
وقال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء/ 78.
قال ابن كثير- رحمه الله -:
أي: أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله، وحيث أمركم الله فهو خير لكم، فإن الموت لا بد منه، ولا محيد عنه، ثم إلى الله المرجع، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتم الثواب.
" تفسير ابن كثير " (6 / 291) .
وقال- رحمه الله –:
أنتم صائرون إلى الموت لا محالة، ولا ينجو منه أحد منكم، كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وِالإكْرَامِ) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 360) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ق/ 19 -:
وقوله (بِالْحَقِّ) : أي: أن الموت حق، كما جاء في الحديث: " الموت حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ " – متفق عليه -، فهي تأتي بالحق، وتأتي أيضاً بحق اليقين، فإن الإنسان عند الموت يشاهد ما تُوُعِّد به، وما وُعِدَ به؛ لأنه إن كان مؤمناً: بُشِّر بالجنة، وإن كان كافراً: بُشِّر بالنار- أعاذنا الله منها -.
(ذَلِكَ) أي: الموت.
(مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) اختلف المفسرون في " ما " هل هي نافية فيكون المعنى: ذلك الذي لا تحيد منه، ولا تنفك منه، أو أنها موصولة فيكون المعنى: ذلك الذي كنت تحيد منه، ولكن لا مفر منه، فعلى الأول يكون معنى الآية: ذلك الذي لا تحيد منه، بل لابد منه، وقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) .
وتأمل يا أخي: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) ولم يقل " فإنه يدرككم "، وما ظنك بشيء تفر منه وهو يلاقيك؟ إن فرارك منه يعني دنوك منه في الواقع، فلو كنت فارّاً من شيء وهو يقابلك، فكلما أسرعت في الجري أسرعت في ملاقاته، ولهذا قال: (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) ، وفي الآية الأخرى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء/ 78؛ لأنه ذكر في هذه الآية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال، وهنا يقول تعالى: (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) .
وعلى المعنى الثاني، أي: ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك، قد وصلك وأدركك، وعلى كل حال: ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة، والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت.
" تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد " (ص 95، 96) .
قالَ الشاعر:
الموت بابٌ وكل الناسِ داخله الا ليت شعري بعد الموت ما الدار
الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِما يُرضي الإِلَهَ وَإِن قَصَّرتَ فَالنارُ
3. تذكر الموت خير لا شر.
وما لي أراك – أخي الفاضل – قلقاً من الموت، خائفاً من ذِكره؟! ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالإكثار من ذِكر الموت؟! ألم تعلم أن في ذلك خيراً عظيماً لمن فعل ذلك حتى يكون مستعدّاً للقاء ربه، ويكثر من الأعمال الصالحة قبل أن يفجأه الموت؟! وهل تعلم أن نسيان الموت والغفلة عنه تؤدي إلى التعلق بالدنيا، وتسويف التوبة، والتكاسل عن الطاعات؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ - يَعْنِي: الْمَوْتَ) رواه الترمذي (2307) والنسائي (1824) وابن ماجه (4258) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
على أننا ننبهك هنا ـ أخانا الكريم ـ إلى أن المراد بذكر الموت هو الذكر القاطع عن الانهماك في لذات الدينا وشواغلها، والحامل على الاستعداد للموت والقبر، وليس المراد بالذكر هنا الذكر السلبي الذي يوشك أن يقطع الإنسان عن مصالحه في معاشه ومعاده، ويصيبه بالإحباط أو الجبرية في أفعاله.
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله: " المراد بذلك أن تكثر من ذكر الموت لتستعد له، لا لتكدر صفوك في الدنيا وتقول: أنا سأموت، لماذا اعمل؟!! ثم يضيق صدرك؛ لا، المراد: أكثروا من تذكُّره في نفوسكم، من أجل أن تستعدوا له " شرح بلوغ المرام (4/2) .
وقال بعض العلماء:
" مَن أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي ذكر الموت ابتلي بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضا، والتكاسل بالعبادة ".
فينبغي أن يكون تذكرك للموت سبباً لقيامك بالطاعات، ومحفِّزاً على سرعة التوبة، ولا تجعل خوفك من الموت يسبب لك قلقاً، ولا وساوس، ولا يُقعدك عن العمل والطاعات، ولا يمنعك من الكسب، ولا يجعلك تقوم بحقوق نفسك وأسرتك، وإلا كان هذا التذكر عليك، لا لك.
ولا تنس مع ذِكرك للموت، بل إكثارك منه، أن تحسن الظن بربك تعالى، وأنه لا يظلم الناس شيئاً، وأنه تعالى يضاعف الحسنات، ويعفو ويصفح، ويقبل من عباده المسيئين توبتهم وإنابتهم، فاحذر أشد الحذر من القنوط من رحمة الله، واجمع في قلبك بين الخوف من الله وبين رجائه تعالى، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، فلا يغني أحدهما عن الآخر
، وهذا هو حال الأنبياء والأولياء والصالحين.
قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/ 90.
وقال سبحانه: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) السجدة/ 16.
وقال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر/ 9.
فلا تسأل نفسك متى تموت؟ بل على أي شيء تموت؟ على خير أم شر؟ على طاعة أم معصية؟ على الإسلام أم على الكفر؟ وبما أن الإنسان لا يدري متى يموت فإن هذا يدفعه لأن يكون متأهباً دائما للموت استعداداً للقاء ربه على أحسن حال.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
ولهذا نقول: أنت لا تسأل متى تموت، ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال، أمر مفروغ منه، ولابد أن يكون، ومهما طالت بك الدنيا، فكأنما بقيت يوماً واحداً، بل كما قال تعالى هنا: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) النازعات/ 46، ولكن السؤال الذي يجب أن يرِد على النفس، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو: على أي حال تموت؟! ولست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير، أو قوي أو ضعيف، أو ذو عيال أو عقيم، بل على أي حال تموت في العمل، فإذا كنت تسائل نفسك هذا السؤال، فلابد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله، وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة، فانظر الآن وفكِّر على أي حال تموت، ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.
" لقاءات الباب المفتوح " (اللقاء رقم 17) .
ثانياً:
وأما بالنسبة لرؤيا قريبك وأنه رآك في المنام ميتاً: فقد سبق بيان أن الموت حق، وأن الإنسان لا يدري متى يموت ولا في أي أرض، فليس في الرؤيا ما ينافي الواقع لك عاجلاً أم آجلاً، ولم يبق لك إلا الاستعداد له – كما سبق -، مع التنبيه أن رؤية الشخص من قبَل غيره أنه ميت قد تعني أنه يرزق بولد أو حفيد كما أفاده بعض إخواننا المشتغلين بتعبير الرؤى، ولو فرِض أن رؤيا قريبك ستتحقق قريبا: فهذا يجعلك تسارع في العمل الصالح، ولسنا نشتغل هنا بتعبير رؤى الناس، لكننا ننصحهم ونبين لهم ما ينتفعون به من أحكام ومسائل شرعية واجتماعية وتربوية.
ثالثاً:
الدعاء بطول العمر جائز، على أن يكون معه الدعاء بأن يكون في طاعة الله، أو حُسن العمل؛ إذ طول العمر من غير توفيق لأعمال صالحة فيه ضرر على صاحبه؛ لأنه تكثر أعماله السيئة وتكثر معاصيه، وها هو إبليس له عمر طويل، وهو يقضيه في الوسوسة والكيد.
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (12372) جواز الدعاء بطول العمر، مع الزيادة التي نبهنا عليها وهي " في طاعة الله " وما يشبهها.
والأعمار والأرزاق مكتوبة مقدَّر في اللوح المحفوظ لا تتبدل ولا تتغير، لكن الله تعالى جعل لها أسباباً تطول بها الأعمار – أو يبارك فيها – ويكسب بها رزقاً، ومن ذلك: صلة الرحم؛ فإنها تطيل في العمر وتزيد في الرزق، وقد علم الله تعالى أزلاً أن فلاناً سيصل رحمه فقدَّر له عمُراً ورزقاً بسببه، والمسلم لا يدري ما كُتب له، لكنه يبذل أسباب الحفاظ على حياته، ويبذل أسباب تحصيل الرزق.
وبعض العلماء يرى أن التبديل والتغيير يكون بما في أيدي الملائكة من صحف، وأما ما في اللوح المحفوظ فلا يمكن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رُفعَت الأَقلام وجفَّت الصحف". رواه أحمد (2664) والترمذي (2516) وصححه الألباني.
قال تعالى: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فاطر/من الآية 11.
وقال تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/ 39.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ) من الأقدار.
(وَيُثْبِتُ) ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه؛ فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، ولهذا قال:
(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) أي: اللوح المحفوظ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشُعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسباباً، ولمحوها أسباباً، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سبباً لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سبباً للسلامة، وجعل التعرض لذلك سبباً للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علِمه وكَتَبه في اللوح المحفوظ.
" تفسير السعدي " (ص 419) .
وسواء كانت الزيادة حقيقية في صحف الملائكة، كما هو الصحيح، أو أنها بالبركة في عمُر المسلم: فإن المطلوب من المسلم بذل الأسباب التي تطيل عمره أو تبارك له فيه، كما يبذل الأسباب في الرزق والبركة فيه.
عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ: فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) .
رواه البخاري (1961) ومسلم (2557) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" وقد تأول بعضهم أنه يبارك له في عمره حتى قد يعمل فيه من الخير في العمر القصير ما يعمل في العمر الطويل، والصحيح: أنه يزيد وينقص فيما في أيدي الملائكة من الصحف كما تقدم، وليس لأحد اطِّلاع على اللوح سوى الله ".
" مختصر الفتاوى المصرية " (1 / 227) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/633)
هل "مجهولو النسب" لهم حكم الأيتام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يدخل الطفل مجهول الأب في مسمى اليتيم؟ وإن دخل فهل تمكن كفالته كعبادة؟ سبب السؤال هو أنه عندنا في السجون مجموعة من النساء ومعهن أطفال دخلوا معهن، والظاهر أنهم من علاقات غير مشروعة، لذا يسمونهم مجهولو الأب، ولنا رغبة في أن نقدم برنامجاً لكفالة الأيتام داخل السجون، ثم صادفتنا هذه المشكلة، فما هو التحليل والتفصيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اليُتم هو فقد الأب قبل البلوغ.
والإحسان إلى اليتيم وكفالته والعناية به من شعب الإيمان، قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/ 177، وكفالة اليتيم من أسباب دخول العبد الجنة، بل والقرب من النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء عَنْ سَهْل بنِ سَعْد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا -) رواه البخاري (4998) .
وكفالة اليتيم من أعظم الطاعات والأعمال التي فيها صلاح المجتمعات، ولذا لم تكن كفالة اليتيم القيام على مصالحه الدنيوية من طعام وشراب وكساء فقط، بل وكذا القيام على مصالحه الدينية في التوجيه والتربية والتعليم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه؛ بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم، وما أشبه ذلك، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (5 / 113) .
وانظر تفصيلاً أوفى في أجوبة الأسئلة: (47190) و (5201) و (47061) .
ومجهولو النسب لهم أحكام اليتامى، بل هم أولى بالعناية لعدم وجود أحد من والديهم وأهلهم، واليتيم قد تكون أمه بجانبه، وقد يزوره خاله وعمه وخالته وعمته، أما مجهول النسب: فإنه منقطع عن كل أحد، ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف النسب.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
نظراً لتقدم كثير من الأسَر لمكتبنا بطلب احتضان الأطفال من دار الحضانة الاجتماعية بالدمام، وعند تعريفهم بوضعهم الاجتماعي (بأنهم مجهولو النسب) يتردد الكثير منهم خوفاً من أنهم لا ينطبق عليهم الأجر المترتب على تربية اليتيم الذي حث عليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، عليه نرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح نظرة الإسلام لهذه الفئة مع إفادتنا بفتوى شرعية تبين الأجر المترتب على تربيتهم لنشر هذه الفتوى بين الناس حتى يقبلوا على احتضانهم واحتوائهم وإحاطتهم بالانتماء الأسري المفقود عندهم.
فأجابوا:
مجهولو النسب في حكم اليتيم؛ لفقدهم لوالديهم، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب؛ لعدم معرفة قريب لهم يلجئون إليه عند الضرورة، وعلى ذلك: فإن من يكفل طفلا من مجهولي النسب: فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (َأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) ، لكن يجب على مَن كفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه، أو يضيفهم معه في بطاقة العائلة؛ لما يترتب على ذلك من ضياع الأنساب والحقوق، ولارتكاب ما حرَّم الله، وأن يعرف من يكفلهم أنهم بعد أن يبلغوا سن الرشد فإنهم أجانب منه كبقية الناس، لا يحل الخلوة بهم أو نظر المرأة للرجل أو الرجل للمرأة منهم، إلا إن وجد رضاع محرم للمكفول، فإنه يكون محرماً لمن أرضعته ولبناتها وأخواتها ونحو ذلك مما يحرم بالنسب.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 255) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/634)
هل كفالة أيتام غير المسلمين جائزة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن كفالة الأيتام غير المسلمين، من أمهات نصرانيات، أو هندوسيات، أو بوذيات، أو غير ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفالة الأيتام غير المسلمين: تجوز بشرطين:
الأول: عدم تأثيرها على كفالة المسلمين.
والثاني: أن يكون أولئك الأيتام في رعاية وعناية المسلمين، وبين أظهرهم، فإن كانوا عند أهليهم الكفار، أو في ديار الكفر عند مؤسساتهم ومراكزهم: لم يجز كفالتهم.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
مما لا يخفى عليكم الأجر العظيم والثواب الجزيل لكافل اليتيم، وتوجد بعض اللجان أو الهيئات الخيرية التي تُساهم مشكورة في كفالة بعض الأيتام في بعض الدول، وقد يوجد في المجتمع مسلمون، ونصارى، وغيرهم، فهل يجوز كفالة أيتام النصارى لتحقيق المصالح التالية:
1. دعوتهم للإسلام.
2. المساهمة في التأثير على ذويهم، ومن ثم إسلامهم.
مع العلم أنه يوجد أيتام مسلمون بعضهم قد كفلوا والبعض الآخر لم يكفلوا بعد؟ .
فأجاب:
" لا يجوز كفالة أيتام النصارى إذا كانوا في بلادهم، وبين ظهرانيهم؛ حيث إنهم في الغالب بعد البلوغ يكونون بين النصارى، ويبقون على دينهم وكفرهم، فيكون الذي كفلهم قد أعان الكُفار وتعاون معهم على بقاء الكفر وتمكنه، بخلاف ما إذا كان أولاد النصارى قد نزحوا عن بلاد الكفر واستوطنوا بين المسلمين وانقطعت صلتهم بأهل دين النصرانية؛ فإنهم يتربون على دين مَن نشأوا عنده؛ وذلك لأن كل مولود يولد على الفطرة، وإنما يتغير بسبب التربية، ثم إذا وجد أولاد المسلمين اليتامى في بعض البلاد التي هي بحاجة إلى الدعم: فإنهم أحق بالحضانة، والكفالة، من أولاد النصارى، ومن أولاد المبتدعة كالرافضة، والصوفية، والإباضية، ونحوهم، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ".
فتوى رقم (7907) من موقعه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/635)
منازل ودرجات الجنة والنار وأعمالهما
[السُّؤَالُ]
ـ[كم جنة ونار يوجد؟ وكيف تختلف مراتبها؟ وماذا يجب أن تفعل لتكون في كل مستوى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من حيث العدد هي نارٌ واحدة وجنة واحدة، لكن كل منهما درجات ومنازل. وقد يأتي في السُنَّة ذكر الجنة بالجمع وليس المراد تعدد جنس الجنة وإنما الإشارة إلى عظمتها ودرجاتها وأنواعها أو إلى عظمة أجر من يدخلها كما في حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ـ وفي رواية إنها جنان كثيرة ـ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى) رواه البخاري (2809)
ثانياً:
تختلف دركات النار باختلاف كفر أهلها في الدنيا، والمنافقون في الدرك الأسفل منها كما قال ربنا تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) النساء/145 وأخف دركاتها - والعياذ بالله - ما أشار إليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ـ وفي رواية توضع في أخمص قدميه جمرتان ـ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِ الْمِرْجَلُ ـ إي القِدْر ـ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا) رواه البخاري (6562) ومسلم (212) ، وجاء تعيينه في إحدى روايات مسلم بأنه أبو طالب عم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خفف الله تعالى عليه لما كان له من دور في حماية الإسلام في بداياته. ثالثاً:
لا يُعرف تحديداً عدد درجات الجنة، وقد قيل إنها بعدد آيات القرآن الكريم أخذا من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ". رواه أبو داود (1464) والترمذي (2914) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال المنذري في الترغيب: قال الخطابي: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة , فيقال للقارئ ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن , فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة , ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك , فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. " الترغيب والترهيب " (2 / 228) .
لكن في كلامه هذا نظر؛ لأن الحديث في بيان " منازل " الحفظة وليس في درجاتهم، وتختلف الدرجات باختلاف العاملين في الدنيا، كما أن هناك أعمال أخرى يتفاضل الناس بها كالصِّدِّيقيَّة والجهاد وغيرها فعليه لا يلزم أن يكون صاحب القرآن الحافظ لأكمله في أعلى درجات الجنة على الإطلاق.
وأعلى درجات الجنة هي الفردوس كما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ". رواه البخاري (2637) ومسلم (2831) .
ومعنى " أوسط الجنة " أي: أفضلها وأعدلها، ومثله قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} .
وقد جاءت السنَّة ببيان بعض الأعمال وبيان درجات أهلها، ومنها:
1. الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر أي النجم في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ". رواه البخاري (3083) ومسلم (2831) .
2. الجهاد في سبيل الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ". رواه البخاري (2637) .
3. وقد يحصِّلها الصادق في سؤاله للشهادة بصدق
عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ". رواه البخاري (1909) .
4. الإنفاق في سبيل الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون ... ) رواه البخاري (807) ومسلم (595) .
5. إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط. رواه مسلم (251) .
6. حافظ القرآن
لحديث عبد الله بن عمرو الذي سبق ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ". رواه أبو داود (1464) والترمذي (2914) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فعلى من سمت همته أن يتطلع للأعلى، ويعمل لينال رضي الله، ويدخل جنة الفردوس، وها هي الأعمال قد وعد الله أهلَها بتلك الدرجات، فكم بين زهد الناس عنها وتشميرهم لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/636)
هل يجوز الدعاء قبل التصدق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن أراد الصدقة أن يدعو بما يريد قبل أن يتصدق، ثم يتصدق بعد ذلك. فما حكم القيام بهذا العمل بشكل مستمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم في السنَّة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ثم يتصدق بعدها، ولا أنه أوصى بذلك أمته، إلا أن يكون دعاء يتعلق بقبول الله لصدقته، أو توفيقه للمزيد من البذل.
ويمكن للمسلم أن يتصدق ليدعو إن احتاج للدعاء لشيء معيَّن، ويكون هذا من باب التوسل بالأعمال الصالحة، كما جاء في حديث الأعمى الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له بأن يرد عليه بصرَه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء، وأمره بالوضوء والصلاة قبل أن يدعو الله، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة.
جاء " كشاف القناع " (1 / 368) - من كتب الحنابلة -:
ويقدِّم بين يدي دعائه صدقة.انتهى.
ولعل من هذا الباب – أيضاً – ما استحبه عامة العلماء من الصدقة قبل الاستسقاء، إما لكون الصدقة جالبة للرحمة، أو توسلاً بفعلها قبل دعاء الاستسقاء.
ففي " الموسوعة الفقهية " (3 / 310) .
اتّفقت المذاهب على استحباب الصّدقة قبل الاستسقاء، ولكنّهم اختلفوا في أمر الإمام بها، قال الشّافعيّة، والحنابلة، والحنفيّة، وهو المعتمد عند المالكيّة: يأمرهم الإمام بالصّدقة في حدود طاقتهم، وقال بعض المالكيّة: لا يأمرهم بها، بل يترك هذا للنّاس بدون أمرٍ؛ لأنّه أرجى للإجابة، حيث تكون صدقتهم بدافعٍ من أنفسهم، لا بأمرٍ من الإمام.انتهى
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قوله: " والصدقة " أي: ويأمرهم أيضاً بالصدقة – أي: قبل الاستسقاء -، والصدقة قد يقال: إنها مناسبة؛ لأن الصدقة إحسان إلى الغير، والإحسان سبب للرحمة؛ لقول الله تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/من الآية 56، والغيث رحمة؛ لقول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) الشورى/من الآية 28، والصدقة هنا ليست الصدقة الواجبة، بل المستحبة، أما الصدقة الواجبة فإن منْعها سبب لمنع القطر من السماء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المروي عنه: "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء".
" الشرح الممتع " (5 / 209) .
فإذا احتاج المسلم لتفريج كربة، أو تيسير أمر، أو كانت المناسبة عامة كالاستسقاء: فتصدق قبل أن يدعو كان ذلك من التوسل بالأعمال الصالحة، أما أن يكون ذلك باستمرار مع كل مرة يتصدق بها: ففيه نظر؛ لأنه لم يشرع لنا ذلك، ولا رغبنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد وُجد السبب – وهو الصدقة – ولم يوجد الفعل – وهو الدعاء – فدلَّ على عدم المشروعية.
وأما ما يفعله الأخ السائل - وفقه الله - من الدعاء قبل الصدقة: فلا نعلم له أصلا إلا بما ذكرناه من كون الدعاء متعلقاً بقبول الصدقة، وسؤال الله التوفيق للمزيد.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
يقول المزكِّي ما ورد من الآثار والأدعية في ذلك: (اللهم تقبَّل منِّي إنك أنت السميع العليم) ، وقيل: يقول: (اللهمَّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً) .
" الشرح الممتع " (6 / 270) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/637)
الصدقة في وقت الحاجة والمجاعة أفضل من التطوع بالعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الدعاة يقول: إن التصدق على المسلمين المضطرين إلى المال، كمن عندهم مجاعة أفضل من الاعتمار في رمضان، ما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نعم، الصدقة في وقت الحاجة وشدة المجاعة أفضل من عمرة التطوع، لأن نفع العمرة قاصر على صاحبها، والصدقة على المحاويج والجياع يتعدى نفعها، وما كان نفعه متعدياً أفضل مما كان نفعه قاصراً، وهذا عام في فقراء المسلمين في كل مكان، ولكن الفقراء الذين في البلد أحق من الذين في الخارج. والله أعلم ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 333) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/638)
الفرق بين الحج وبين الجلوس بعد الفجر وفيه أجر حجة تامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحج والجلوس بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين كما أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن من فعل ذلك له مثل حجة تامة تامة تامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين، ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ , تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) .
وهذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون. وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي.
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال: "هذا الحديث له طرق لا بأس بها، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171) .
وظاهر هذا الحديث أن من فعل ذلك له أجر حجة وعمرة تامة تامة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ورد في الحديث: (من جلس في مصلاه بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كان كحجة وعمرة تامة تامة) أو كما ورد في الحديث، هل معنى ذلك: أن من فعل هذا فله مثل أجر الحج والعمرة، أم كيف ذلك؟
فأجاب: " أولاً هذا الحديث فيه مقال، فإن كثيراً من الحفاظ ضعفوه. ثانياً: على تقدير صحته فالثواب لا قياس فيه، قد يثاب الإنسان على عمل قليل ثواب عمل كثير؛ لأن الثواب فضل من الله عز وجل يؤتيه من يشاء " انتهى من "اللقاء الشهري" (74/22) .
وأما الفرق بين هذا الجلوس وبين أداء الحج والعمرة، فالحج فيه بذل المال، وسعي البدن، وتحمل المشاق، وهو فرض على القادر المستطيع، وركن من أركان الإسلام , وهذا الجلوس والذكر والصلاة يشابه الحج في الثواب فقط , وليس معنى الحديث أن من فعل ذلك فقد أتى بالحج والعمرة وسقط عنه وجوبهما.
ونظير هذا: أن من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له في يوم مائة مرة كانت كعتق عشر رقاب , ولو كان عليه كفارة يمين (ومن خصالهما عتق رقبة) وقال هذا الذكر فإنه لا يجزئ عنه.
وقد اشتهر عن أهل العلم قولهم في مثل هذا: المشابهة في الجزاء، لا في الإجزاء.
والمقصود أن هذا الحديث فيه ترغيب في ذكر الله تعالى، والجلوس في المسجد إلى طلوع الشمس، وأداء ركعتين بعد ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/639)
هل هناك أجور في الدنيا على الطاعات عدا أجور الآخرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يأجرنا الله في هذه الحياة (الدنيا) بالإضافة إلى الدار الآخرة؟
أعني أن الله يثيبنا ويأجرنا في الحياة عن قيامنا بالصالحات ونحصل أيضا على أجور أكثر في الدار الآخرة….]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، وعد الله تعالى المؤمن الذي يعمل الصالحات بالثواب العاجل في الدنيا، مع ما ينتظره من الثواب الأعظم في الآخرة.
قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل/97
قال ابن القيم: فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة.
وقد ورد في الكتاب والسنة ذكر جزاء بعض الأعمال الصالحة في الدنيا فمن ذلك:
1. النفقة
قال الله تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) سبأ/39.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: " يا ابن آدم أنْفِق أُنْفِق عليك ".
رواه البخاري (4407) ومسلم (993) .
فالنفقة في وجوه الطاعات من أسباب سعة الرزق وزيادته.
2. التيسير على المعسر والستر على المسلم ومعاونته:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن نفَّس عن مؤمن كربةً من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سَتر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ".
رواه مسلم (2699) .
3. التواضع لله
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ".
رواه مسلم (2588) .
قال المباركفوري:
" رفعه الله " في الدنيا والآخرة.
" تحفة الأحوذي " (6 / 150) .
4. صلة الرحم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَن سرَّه أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصِل رحِمَه ".
رواه البخاري (1961) ومسلم (2557) .
قال النووي:
" ينسأ " أي: يؤخر.
و" الأثر " الأجل , لأنه تابع للحياة في أثرها.
و" بسط الرزق " توسيعه وكثرته , وقيل: البركة فيه.
وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور , وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص , {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها:
أن هذه الزيادة بالبركة في عمره , والتوفيق للطاعات , وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة , وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ , ونحو ذلك , فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون , وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك , وهو من معنى قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} فبالنسبة إلى علم الله تعالى , وما سبق به قدره لا زيادة بل هي مستحيلة , وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تُتصور الزيادة , وهو مراد الحديث.
والله أعلم.
" شرح مسلم " (16 / 114) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/640)
متى ساعة الإجابة يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[آخر ساعة من عصر يوم الجمعة هل هي ساعة الإجابة، وهل يلزم المسلم أن يكون في المسجد في هذه الساعة، وكذلك النساء في المنازل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أرجح الأقوال في ساعة الإجابة يوم الجمعة قولان:
أحدهما: إنها بعد العصر إلى غروب الشمس في حق من جلس ينتظر صلاة المغرب، سواء كان في المسجد أو في بيته يدعو ربه، وسواء كان رجلاً أو امرأة، فهو حري بالإجابة، لكن ليس للرجل أن يصلي في البيت صلاة المغرب، ولا غيرها إلا بعذر شرعي كما هو معلوم من الأدلة الشرعية.
والثاني: أنها من حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة يوم الجمعة إلى أن تقضي الصلاة، فالدعاء في هذين الوقتين حري بالإجابة.
وهذان الوقتان هما أحرى ساعات الإجابة يوم الجمعة، لما ورد فيهما من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، وترجى هذه الساعة في بقية ساعات اليوم، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى.
ومن أوقات الإجابة في جميع الصلوات فرضها ونفلها، حال السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصلاة (482) ، وروى مسلم رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يُستجاب لكم) مسلم في الصلاة (479) ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فقمن أن يستجاب لكم أي حري.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز في مجلة البحوث عدد رقم 34 ص 142(7/641)
فضل الإنصات لخطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يُجزى الرجل في خطبة الجمعة عند إنصاته لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للًّه
الإنصات للخطيب يوم الجمعة من الواجبات المحتمات، فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في ذلك، فيعبث أو يتحدث أو ينشغل عن الخطبة، وقد ورد في فضائل الإنصات الأحاديث الآتية:
1- تكفير ما بين الجمعة والجمعة السابقة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)
رواه مسلم (857) وبنحوه عن سلمان الفارسي عند البخاري (883)
2- يُكتَب له بكل خطوة إلى الجمعة أجرُ صيامِ سنةٍ وقيامها:
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)
رواه الترمذي (496) وقال: حديث حسن وصححه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/227) والألباني في صحيح الترمذي.
3- أجر صلاة الجمعة موقوف على الإنصات:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) رواه البخاري (934) ومسلم (851)
4- من أنصت له كفلان من الأجر:
خطب علي بن أبي طالب في الكوفة فكان في خطبته:
(فَإِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ أَجْرٍ، فَإِنْ نَأَى وَجَلَسَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرٍ، وَإِنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ)
ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ
رواه أبو داود (1051) وضعفه الألباني، وجاء نحوه عن أبي أمامة مرفوعا في "المعجم الكبير" (8/165) ، ومرسلا عن يحيى بن أبي كثير في "مصنف عبد الرزاق" (3/223)
وانظر حكم الإنصات لخطبة الجمعة في جواب السؤال رقم (45651)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سوال وجواب(7/642)
ما هو أجر إحسان الزوجين لبعضهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أجر الزوجة الصالحة في دينها عند الله إذا كانت تسعد زوجها، وتحبه، وتصونه، وتدلِّلُه، وتعامله وكأنه طفلها الصغير بكل حنان، وتعمل كل شيء في سبيل سعادته، وتطيعه في كل شيء، ويكون هو سعيدا منها كثيرا، ودائما يدعو لها برضى الله عليها. وما أجر الرجل كذلك إن كان يعاملها نفس المعاملة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى أن يديم عليكما الود والمحبة والسعادة، وأن يملأ بيوت المسلمين بما ملأ به بيتكما من حسن الصحبة والمعاشرة، وأبشرك – أختي السائلة – بالبشارات الكثيرة التي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في بيان أجر الزوجة التي حالها ما ذكرت:
فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفظتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيْلَ لَهَا ادخُلِي مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)
رواه أحمد (1/191) وقال محققو المسند: حسن لغيره. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1932)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلَا أُخبِرُكُم بِرِجَالِكُم فِي الجَنَّةِ؟ قُلنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قال: النَّبِيُّ فِي الجَنَّةِ، وَالصِّدِّيقُ فِي الجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ يَزُورُ أَخَاهُ فِي نَاحِيَةِ المِصرِ لَا يَزُورُهُ إِلاَّ لِلَّهِ فِي الجَنَّةِ، أَلَا أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ؟ قُلنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَدُودٌ وَلُودٌ إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا قَالَت: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ، لَا أَكتَحِلُ بِغِمضٍ حَتَّى تَرضَى)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/206) وقد جاء عن جماعة من الصحابة آخرين، لذلك حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3380) وفي صحيح الترغيب (1942)
وعن حصين بن محصن رضي الله عنه عن عمته:
(أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَقَضَى لَهَا حَاجَتَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوَهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي كَيْفَ أَنْتِ لَهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ)
رواه أحمد (4/341) وقال محققو المسند: إسناده محتمل للتحسين. وقال المنذري: إسناد جيد. وصححه الحاكم في المستدرك (6/383) والألباني في "صحيح الترغيب" (1933)
يقول المناوي في "فيض القدير" (3/60) :
" أي: هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك، وسبب لدخولك النار بسخطه عليك، فأحسني عشرته، ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية " انتهى.
أما البشارة التي جاءت للزوج الذي يحسن صحبة زوجته، فهي أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بكمال الإيمان الموجب لدخول الجنة، وبالأفضلية على سائر الناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا)
رواه الترمذي (1162) وقال حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وانظري جواب السؤال رقم (43123)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/643)
علاقة الذنوب والمعاصي والأخلاق بالعقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوقوع في الذنوب دليل على فساد في العقيدة أو شبهة في العقيدة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأخلاق الحسنة – وهي التي تكون في ذاتها طاعة، أو تؤدي إلى طاعة - من الدِّين، بل هي الدِّين، وقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خُلُق عظيم، وفسر ابنُ عباس الخلق هنا بالإسلام.
قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
أي: " إنك على دين عظيم، وهو الإسلام ". رواه الطبري في " تفسيره " (12 / 179) .
فالصحيح أنه لا انفكاك للخلُق عن الدِّين، قال الفيروزآبادي في كتابه " بصائر ذوي التمييز " (2 / 568) : واعلم أن الدين كلّه خلُق، فمن زاد عليك في الخلُق زاد عليك في الدِّين. انتهى.
ومما لا شك فيه أن للعقيدة ارتباطاً وثيقاً بالسلوك والأخلاق، سلباً وإيجاباً، ويتبين ذلك من خلال أمور، منها:
1. أن المسلم الذي يعتقد أن الله تعالى يسمعه ويبصره ويطلع على سريرته، ويقوى هذا الجانب فيه لا يصدر منه من الأخلاق والأفعال ما يفعله من ضعف اعتقاده في هذه الأمور.
ومما يدل على ذلك:
أ. قوله تعالى (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/128.
ب. وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/135.
ج. وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/58.
2. ومنها: أن المسلم الذي يؤمن بوعد الله تعالى ووعيده يدفعه اعتقاده ذاك للقيام بما هو محبوب لله تعالى، والابتعاد عن كل ما هو مبغوض له عز وجل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) . رواه الترمذي (1162) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ وأبو داود (4682) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومن المعلوم أن أحبَّ خلقه إليه المؤمنون، فإذا كان أكملهم إيمانا أحسنهم خلقا: كان أعظمهم محبة له أحسنهم خلقا، والخُلُق الدين كما قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى? خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، قال ابن عباس: على دين عظيم، وبذلك فسره سفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، كما قد بيَّناه في غير هذا الموضع. " الاستقامة " (ص 442) .
وقال المباركفوري – رحمه الله -:
قوله: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً) بضم اللام ويسكن؛ لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان.
" تحفة الأحوذي " (4 / 273) .
3. ومنها: أن قوة الإيمان تدفع للقيام بالأعمال الصالحة، وتمنع من التدنس برجس المعاصي والآثام.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) .
رواه البخاري (2334) ومسلم (57) .
ب. عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) .
رواه البخاري (5670) .
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ) .
رواه البخاري (24) ومسلم (36) .
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله: الإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلا كَالْبَقْلَةِ ; فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ وَظَلَّ إلَى مَا لا يَتَنَاهَى، حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. وَإِنْ صَاحِبَهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا، أَوْ صَبِيٌّ فَذَهَبَ بِهَا، وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَغَلَ فَأَضْعَفَهَا، أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا؛ كَذَلِكَ الإِيمَانُ!!
وَقَالَ خيثمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الإِيمَانُ يَسْمَنُ فِي الْخِصْبِ وَيَهْزُلُ فِي الْجَدْبِ؛ فَخِصْبُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَجَدْبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي!! [نقله ابن تيمية في كتاب "الإيمان" ص (213) ]
4. ومنها: أن الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره يمنع من أخلاق سيئة كثيرة، ومعاصي توعد الشرع عليها أشد الوعيد، كالتسخط، وشق الثياب، وتمزيق الشعر، والنياحة، كما أن هذا الإيمان يدعو صاحبه للتحلى بفضائل الأخلاق ومعاليها، كالصبر، والرضا، والاحتساب.
عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
وفي سنن أبي داود (4700) : قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ!!
قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟!!
قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ!!)
يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي!!) صححه الألباني.
5. ومنها: أن الشرع حث على كثيرٍ من الطاعات مؤكدا عليها بارتباطها بالإيمان بالله واليوم الآخر، وحرَّم معاصٍ وموبقات مذكِّراً بالإيمان بالله واليوم الآخر.
ومما يدل على ذلك:
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) .
رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
ب. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) .
رواه البخاري (1036) ومسلم (1338) – واللفظ له -.
ج. عَن أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .
رواه البخاري (1221) ومسلم (1486) .
6. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في سنَّته أن فساد الاعتقاد – كالنفاق – يؤدي إلى فساد الأخلاق والأعمال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) .
رواه البخاري (33) ومسلم (59) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (المخالفون لأهل الحديث هم مظنة فساد الأعمال؛ إما عن سوء عقيدة ونفاق، وإما عن مرض في القلب وضعف إيمان؛ ففيهم من ترك الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهر لكل أحد، وعامة شيوخهم يُرمون بالعظائم، وإن كان فيهم من هو معروف بزهد وعبادة، ففي زهد بعض العامة من أهل السنة وعبادته ما هو أرجح مما هو فيه!!
ومن المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما الحاجة وإما الجهل؛ فأما العالم بقبح الشيء الغني عنه فلا يفعله؛ اللهم إلا من غلب هواه عقله، واستولت عليه المعاصي، فذاك لون آخر وضرب ثان!!) مجموع الفتاوى (4/ 53) .
نسأل الله تعالى أن يصلح شأننا كله، وأن يهدينا لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/644)
هل السيئات تتضاعف في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السيئات تضاعف في رمضان كما تتضاعف الحسنات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثما من السيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره، لما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره.
فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات، عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام/160. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف الحسنات فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل، والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (15/446) .(7/645)
يرعى عمته ويقوم على شئونها فهل لها أن تهبه دون باقي إخوته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي عمة كبيرة في السن تملك قدراً من المال والعقار ورثتها عن والدها، ومنذ ما يقارب من خمسة عشر سنة قامت بتوكيلي رسميّاً في إدارة أموالها وممتلكاتها وكان ذلك بموافقة والدي، والجدير بالذكر أن عمتي قد عاشت حياة محافظة جدّاً، ولا تعرف الكتابة أو القراءة ولا تستطيع تدبير أمورها دون مساعدتي لها.
وطوال الفترة التي كنت وكيلا عنها كانت تعاملني وكأني ولدها الوحيد وكنت المتصرف في مالها والقائم على إدارة شئونها المعيشية والمرضية وغيره دون بقية إخوتي الاثني عشر الآخرين الذين لا يصلونها إلا في المناسبات الاجتماعية أو الدينية.
توفى والدي فأصبحت أنا وإخوتي الوارثين الشرعيين الوحيدين لها وقد استأذنتها بدون علم إخوتي أو موافقتهم في تسجيل أغلب ممتلكاتها من العقار والمال لي شخصيّاً والبعض الآخر لإحدى أخواتي وابنها الذي هو في الحقيقة زوج ابنتي لكونه يساعدني في تدبير حال معيشتها، وقد وافقتْ على ذلك وقمت بالتسجيل لنفسي ولأختي وابنها، إلا أن إخوتي الآخرين اكتشفوا ذلك مؤخراً وبدأ الجميع في توجيه اللوم لي واتهامي بالتعمد في الإضرار بالعمة وبهم من جراء هذه الفعلة واستغلال عدم أهلية العمة وعدم إدراكها بأمور الحياة وعدم معرفتها لقيمة أملاكها وإساءة استخدام الوكالة التي في حوزتي، إضافة إلى اتهامي بارتكاب مخالفة لحكم الله ورسوله.
فهل يعتبر ذلك تعديّاً على حكم الشرع الشريف فيما قمت به من عملية الهبة، علما أنها تمت بعلم عمتي وموافقتها عليها؟
وهل يجوز لإخواني الآخرين الاعتراض على هذه الهبة؟
أرجو منكم نصحي بما يجنبني التعدي على حدود الله إن كنت مخطأً لتدارك تصحيح ما قمت به والاستغفار منه قبل فوات الأوان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قيامك على شئون عمتك ورعايتك لها من الأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله وتزيد في أجورك وتثقِّل موازينك، لكن ذلك مشروط باحتساب عملك لوجه الله تعالى، ولا حرج من أخذك أجرة المثل مقابل تلك الرعاية والعناية.
ولا يحل لك أخذ ما يزيد على هذا بالإحراج أو بالحيلة , قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (1459) .
كما لا يحل لك - ولا لها – قصد الإضرار بالورثة، سواء كان ذلك بالهبة أو الوقف في حال الحياة أو وصية بعد الموت لغير وارث؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه "
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" وأما إن قصد المضارة بالوصية لأجنبي بالثلث فإنه يأثم بقصده المضارة، وهل ترد وصيته إذا ثبت بإقراره أم لا؟ حكى ابن عطية رواية عن مالك: أنها ترد، وقيل: إنه قياس مذهب أحمد " انتهى.
" جامع العلوم الحِكَم " (1 / 305) .
وقال الشيخ صدِّيق حسن خان رحمه الله:
" ومن وقف شيئا مضارة لوارثه كان وقفه باطلا , لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه , بل لم يأذن إلا بما كان صدقة جارية ينتفع بها صاحبها , لا بما كان إثما جاريا , وعقابا مستمرا , وقد نهى الله تعالى عن الضرار في كتابه العزيز عموما وخصوصا , ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عموما , كحديث: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) " انتهى.
" الروضة الندية " (2 / 154) .
ثانياً:
جاء في سؤالك قولك عن إخوتك فيما أنكروه عليك " واستغلال عدم أهلية العمة "! فإذا كان ما قالوه صحيحاً وأن عمتك ليست أهلاً للتصرف في المال , كما لو كانت غير عاقلة , أو كانت سفيهة تضيع الأموال: فإن ما قامت به من هبتك أموالها باطل شرعاً ولا يحل لك تملكه؛ لعدم أهليتها في التصرف في أموالها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل: ليس لكلامه في الشرع اعتبار أصلا , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد , وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب) فإذا كان القلب قد زال عقله الذي به يتكلم ويتصرف فكيف يجوز أن يجعل له أمر ونهي أو إثبات ملك أو إزالته، وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له ... .
العقود وغيرها من التصرفات مشروطة بالقصود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ، وقد قررت هذه القاعدة في كتاب " بيان الدليل على بطلان التحليل " وقررت أن كل لفظ بغير قصد من المتكلم لسهو وسبق لسان وعدم عقل: فإنه لا يترتب عليه حكم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (33 / 107) .
ثالثاً:
أما إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة فإن تصرفها في أموالها بالهبة أو الصدقة أو غير ذلك: صحيح.
قال الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله في حكم مطابق لمسألتنا:
" يجوز للزوج في صحته وحياته أن يهدي زوجته ما يشاء مقابل صبرها أو حسن خدمتها أو ما دخل عليه لها من مال أو صداق إذا لم يفعله إضراراً بالورثة الآخرين، ولا يتحدد ذلك بربع المال ولا غيره.
وهكذا بالنسبة للزوجة، لها أن تعطي زوجها ما شاءت من مالها أو صداقها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) .
ولا يجوز ذلك في حال المرض؛ لكونه يُعتبر وصية لوارث " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 29) .
وليعلم إخوتك أنه لا يجب على العمة أن تعدل في العطية بين أولاد أخيها، والعدل في العطية إنما يجب إذا كانت العطية للأولاد , أما غيرهم فلا يجب العدل بينهم في العطية.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" يجوز للإنسان أن يفضِّل بعض ورثته على بعض إذا كان هذا التفضيل في حال صحته إلا في أولاده فإنه لا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 30) .
وخلاصة الجواب:
إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة ووهبتك هذه الأموال بمحض إرادتها ورضاها من غير إجبار منك أو احتيال , ولم تُرِدْ بذلك الإضرار بالورثة , فهذه الهبة صحيحة , وليست مخالفة للشرع.
أما إذا كانت غير رشيدة أو كانت الهبة بدون رضاها , أو أرادت الإضرار بالورثة , فهذه الهبة حرام ولا تصح , وأموالها ما زالت باقية في ملكها.
ولك في هذه الحالة أن تأخذ منها أجرة مقابل خدمتك لها وإدارتك لأموالها , على أن تكون هذه الأجرة على قدر العمل وليس مبالغاً فيها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/646)
أجر من توفي له ولد فصبر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ثواب الوالدين إذا صبرا وشكرا الله إذا مات لهم طفل ولد حديثاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تدل على فضل الصابرين وعظيم أجرهم، وأن الله يوفيهم أجرهم بغير حساب. وهذا يشمل كل من صبر على أي مصيبة ابتلي بها، ولا شك أن فقد الولد من المصائب العظيمة على من وقعت عليه، فمن صبر عليها ورضي بقضاء الله وقدره، حصل له هذا الأجر العظيم بفضل الله وكرمه. وإليك شيئا من هذه النصوص لعلها أن تكون مسلية لك في مصيبتك:
قال الله تعالى: " (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة / 155، 156،157) .
وقال سبحانه: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آل عمران /146.
وقال جل شأنه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر / 10. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
وأما الأحاديث فهي كثيرة أيضا منها:
ما رواه مسلم (5318) عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " هذا في فضل الصبر عامة.
وقد ورد في فضل الصبر على فقد الولد خاصة أحاديث منها:
ما رواه الترمذي (942) عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ أَلا أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا سِنَانٍ قُلْتُ بَلَى فَقَالَ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ: " ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ "
حسنه الألباني في السلسة الصحيحة (1408) .
وورد في الصحيحين أجر خاص لمن توفي له أكثر من طفل فصبر واحتسب فعن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ " أخرجه البخاري (99) ومسلم (4786) .
وفي رواية عند البخاري (1292) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ"
فهذه الأحاديث تبين أن من توفي له ولدان أو أكثر فصبر عليهما أنه موعود بالجنة، والنجاة من النار.
وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم دعاء نقوله عند المصيبة فيه فضل وأجر عظيم وهو ما رواه مسلم في صحيحه (1525) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَخَْفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
نسأل الله أن يلهمك الصبر على مصيبتك وأن يخلف لك خيرا.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/647)
معنى حديث (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ... ) ؛ وكيف أكون في ذمة الله؟ وهل صلاة الرجل مع زوجته في البيت جماعة له نفس معنى الجماعة المراد في الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (657) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) .
قال النووي في "شرح مسلم" (5/158) :" الذِّمَّة هنا: الضمان، وقيل الأمان " انتهى.
قال الطيبي رحمه الله: " وإنما خص صلاة الصبح بالذكر؛ لما فيها من الكلفة والمشقة، وأداؤها مظنة خلوص الرجل، ومنه إيمانه؛ ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله تعالى وعهده. " شرح مشكاة المصابيح، للطيبي (2/184) .
وفي المراد بالحديث قولان للعلماء:
الأول: أن يكون في الحديث نهي عن التعرض بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح، فإن من صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله، ومن تعرض له، فقد أخفر ذمة الله وأمانه، أي أبطلها وأزالها، فيستحق عقاب الله له على إخفار ذمته، والعدوان على من في جواره. انظر: فيض القدير للمناوي (6/164) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/591) :
" في هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذي صدَّقوا إسلامهم بصلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم " انتهى.
ويدل لهذا المعنى ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/5) بسنده، وقال الألباني عنه في "صحيح الترغيب" (1/110) : صحيح لغيره:
عن الأعمش قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف، وأخذ الرجل، وتوجه باب القصر، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلا؟! فردَّه مرتين أو ثلاثا، فلما خرج به قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم. قال: فخذ أي الطريق شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ) !!
والقول الثاني: أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها.
قال البيضاوي: " ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي، والمخلص في أمان الله " انتهى. نقلا عن "فيض القدير" (6/164)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره، المذكورة في هذا الحديث، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله ـ في تبويبه لصحيح مسلم: باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله، فذكر الحديث في كتابه: الترغيب والترهيب، باب: (الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة، في جماعة، والترهيب من التأخر عنهما) .
بل إن هذا هو ظاهر صنيع الإمام مسلم؛ حيث روى قبل الحديث نحوا من عشرين حديثا، وبعده بضعة عشر حديثا، كلها تتحدث عن صلاة الجماعة، وما يتعلق بها.
ولذلك أورده الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الجمع بين الصحيحين له، في باب: صلاة الجماعة (923) .
واعتمده المباركفوري في شرح الترمذي. قال: " (من صلى الصبح) في جماعة ". انتهى.
وقال ابن علان في دليل الفالحين (3/550) : " أي: جماعة، كما في رواية أخرى ".
ويشهد لهذا التقييد ـ من حيث الرواية ـ حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ... ) قال الهيثمي رحمه الله (2/29) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب: "ورجال إسناده رجال الصحيح "، وقال الألباني: صحيح لغيره. انظر: صحيح الترغيب، رقم (461) .
تنبيه: هذه الزيادة اعتمدها المناوي أيضا، ونسبها إلى مسلم. وهو وهم منه، فزيادة (جماعة ليست في مسلم، بل ولا في شيء من الكتب الستة.
وقيل: إن هذه الفضيلة تحصل لكل من صلى صلاة الصبح في وقتها، حتى ولو لم يدرك الجماعة، لعدم التقييد بذلك في رواية مسلم وغيره من أصحاب الكتب الستة.
وهذا هو الظاهر من تبويب ابن ماجة رحمه الله على هذا الحديث في سننه: باب: المسلمون في ذمة الله، من كتاب الفتن.
وعلى ذلك ـ أيضا ـ ابن حبان في صحيحه (5/36) : " باب ذكر إثبات ذمة الله جل وعلا للمصلي صلاة الغداة "، هكذا بإطلاق المصلي.
ثالثا:الجماعة الشرعية التي جاء الأمر بها وترتيب الأجور عليها هي جماعة المسجد، وليست أي جماعة أخرى، وقد سبق تفصيل ذلك في الأسئلة (8918) (49947) (72398)
وفي خصوص فضل صلاة الصبح في جماعة جاءت بعض الأدلة:
فقد جاء في تفسير الطبري (3/270) في تفسير قوله تعالى (وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ) عن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يشهدون الصبح في جماعة.
وفي تفسير قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا) السجدة/16 قال أبو الدرداء والضحاك: صلاة العشاء والصبح في جماعة.
انظر "زاد المسير" (6/339)
وفي صحيح مسلم (656) من حديث عثمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ) .
وروى البخاري (615) ومسلم (437) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا)
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. "الاستذكار" (2/147)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/648)
موقف المؤمن من الابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أصيب المسلم بمصيبة في نفسه أو ماله أو غير كذلك، كيف يكون تصرفه صحيحاً موافقا للشرع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح: (إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة، وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة) رواه الترمذي (2396) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال الحسن البصري رحمه الله: لا تكرهوا البلايا الواقعة، والنقمات الحادثة، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك – أي: هلاكك -.
وقال الفضل بن سهل: إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها، فهي تمحيص للذنوب، وتعرّض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، وتذكير بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة، وحضّ على الصدقة.
والمؤمن يبحث في البلاء عن الأجر، ولا سبيل إليه إلاَّ بالصبر، ولا سبيل إلى الصبر إلاَّ بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ قوية.
وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
وعلى المسلم إذا أصابته مصيبة أن يسترجع ويدعو بما ورد.
فما أجمل تلك اللحظات التي يفر فيها العبد إلى ربه ويعلم أنه وحده هو مفرج الكرب، وما أعظم الفرحة إذا نزل الفرج بعد الشدة، قال الله تعالى: (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) .
وروى مسلم (918) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله " إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها " إلا أخلف الله له خيراً منها) . قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف اللهُ لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
وهناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم " زاد المعاد " (4/189–195) أموراً منها:
1- " أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه، وادَّخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.
2- أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتَّش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن شرور الدنيا أحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرَّت يوماً ساءت دهراً، وإن متَّعت قليلاً منعت طويلاً، ولا سرته بيوم سروره إلا خبأت له يوم شرور، قال ابن مسعود رضي الله عنه: لكل فرحة ترحة، وما مليء بيت فرحاً إلا مليء ترحاً. وقال ابن سيرين: ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء.
3- أن يعلم أن الجزع لا يردها – أي: المصيبة - بل يضاعفها، وهو في الحقيقة من تزايد المرض.
4- أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة.
5- أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والسخط على المقدور.
6- أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ويكفيه من ذلك " بيت الحمد " الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه، فلينظر أي المصيبتين أعظم: مصيبة العاجلة، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد، وفي الترمذي مرفوعاً: (يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) ، وقال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس.
7- أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحا ببابه، لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعا قصص الشكوى إليه.
8- أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يفتقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظا لصحة عبوديته، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه، كما قيل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
9- أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، يقلبها الله سبحانه، كذلك وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (حُفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) " انتهى باختصار.
ثالثاً:
كثير من الناس إذا أحسن تلقي البلاء علم أنه نعمة عليه ومنحة لا محنة
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله ".
وقال سفيان: " ما يكره العبد خير له مما يحب، لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهيه ".
وكان ابن تيمية رحمه الله يعد سجنه نعمة عليه تسبب فيها أعداؤه.
قال ابن القيم: " وقال لي مرة – يعني شيخ الإسلام - ما يصنع أعدائي بي!! أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى رحت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا.
وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض، أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحاً وقوة ويقينا وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " انتهى.
"الوابل الصيب" (ص 110) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/649)
تريد الإسلام لكنها لا تعرف القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في دخول الإسلام، فأنا أعتقد أن الله هو الأعظم وأن الإسلام هو الدين الحق. لقد تعلمت من العربية ما يمكنني من إقامة الصلوات، لكني لا أعرف الاتجاه الصحيح الذي علي أن أصلي إليه. أرجو أن تساعدني، أين اتجاه القبلة من مديني ساوث ويلز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك على ما توصلت إليه من الاعتقاد الصحيح، ومعرفة الدين الحق، ونسأل الله تعالى أن يعينك ويوفقك ويزيدك إيمانا وسعادة وطمأنينة في الدنيا والآخرة.
وعليك أن تشهدي شهادة الحق، شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لتدخلي في هذا الدين العظيم، ولا تؤخري ذلك لحظة واحدة، حتى تكتبي عند الله من السعداء الفائزين، حتى لو فرض أنك لم تعرفي اتجاه القبلة، فأسلمي، وسلي عن الاتجاه نحو مكة، فهذا هو اتجاه القبلة، وهذا أمر يسير إن شاء الله، بل لو فرض عدم اهتدائك لاتجاه القبلة، فاجتهدي حتى يغلب على ظنك أن مكة في هذه الجهة وصلِّي إليها، وصلاتك صحيحة ولا شيء عليك.
وراجعي أقرب مركز إسلامي، فسيساعدونك في تعلم الإسلام، ويزودونك بالكتب اللازمة إن شاء الله.
ثانيا:
يمكنك الاستعانة بالبوصلة أو بعض الساعات أو الأجهزة المزودة بالبوصلة، أو بخريطة العالم لتحديد اتجاه القبلة.
وبالنظر إلى خريطة العالم يتبين أن اتجاه القبلة بالنسبة للمقيمين في بريطانيا هو الجنوب الشرقي، فعليك أن تحددي اتجاه الشرق، والجنوب، وتكون القبلة بينهما، والخطأ اليسير لمن كان مكانه بعيداً أمر مغتفر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/650)
الترغيب في الصدقة الجارية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد كلمة فيها بيان ما المراد بالصدقة الجارية والترغيب فيها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الله خلق الإنسان لعبادته، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/56
وشرع له من العبادات ما ينال به الثواب والأجر الجزيل في الدنيا والآخرة.
ولم تقتصر هذه الأعمال والعبادات على الحياة الدنيا فقط، بل شرع له من الأسباب ما تزداد به حسناته بعد مماته، وهي الصدقات الجارية، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (3084) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
"قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ , وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْثوَاب لَهُ, إِلا فِي هَذِهِ الأَشْيَاء الثَّلاثَة ; لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا; فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه , وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف , وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة , وَهِيَ الْوَقْف " انتهى.
وروى ابن ماجه (224) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والصدقة الجارية هي التي يستمر ثوابها بعد وفاة الإنسان، ولذلك خصها كثير من العلماء بـ (الوقف) كمن بنى مسجداً، لأنه يجري عليه ثوابه ما دام الوقف باقياً.
وأما ما لا يستمر ثوابه – كإطعام الفقراء والمساكين - فإنه لا يصح أن يسمى صدقة جارية، وإن كان فيه ثواب عظيم، إلا أنه لا يسمى صدقة جارية.
قال ابن حزم في المحلى (8/151) : " الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ , الْبَاقِي أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (4/13) : الصدقة الجارية: كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته.
والذي يتصدق به الإنسان من ماله، هو ماله الحقيقي الباقي له، الذي ينتفع به.
فقد روى الترمذي (2470) أنهم ذبحوا شاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتصدقوا بها إلا كتفها، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَتْ عائشة: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلا كَتِفُهَا. قَالَ: بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
والمعنى: أن ما يأكله الإنسان هو الذي سيفنى ولا يبقى له، وأما ما تصدق به فهو الباقي له عند الله، ينتفع به يوم القيامة، وفي هذا الحديث إشارة إلى قوله تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) النحل/96.
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن كُلّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يوم القيامة، يوم تُدْنَى الشمسُ من رؤوس العباد، حَتَّى يحكم الله بين الناس. رواه أحمد (16882) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4510) .
فلتبادر يا أخي بالصدقة، واحرص أن تكون صدقتك جارية، حتى تنتفع بها بعد الممات.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/651)
كيف يوفق المسلمون بين العمل للآخرة والعمل للدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا العالم إذا كرس المسلمون جميع أوقاتهم وأفعالهم لما ينفع في اليوم الآخر ولم ينخرطوا في أي من الأعمال الدنيوية، فكيف سيساهمون فيما فيه نفع الحضارة والإنسانية مثل التكنولوجيا والعلم والاختراع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دين الإسلام هو خاتم الأديان، وإن مِن أهم خصائص هذا الدين أنه دين ينظم الحياة كلها , فالإسلام دين الدنيا والآخرة , قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/162، وفي دعاء المسلمين في مواضع متفرقة يقولون: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، فهذا دين الله الكامل والشامل والجامع، جمع بين حق الله وحق العبد، وبين أمر الدنيا وأمر الآخرة.
وإن ادِّعاء أن الإسلام جاء بالرهبانية ادعاء باطل، بل الرهبانية في دين النصارى المحرَّف، وأخذها عنهم بعض مبتدعة المسلمين كالصوفية، أما أهل السنة والجماعة الذي أخذوا الدين من نبعه الصافي، وفهموه على وجهه الصحيح فإنهم يعتقدون أن الدنيا معبر إلى الآخرة، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يتعلق بالدنيا على حساب الآخرة، فهم جعلوا الآخرة هي محط أنظارهم لأنها الحياة الأبدية الخالدة، فالعمل ينبغي أن يكون من أجلها لا من أجل حياة قصيرة فانية، وليس معنى هذا أن لا يعملوا في الدنيا ولا يعمروا الأرض، بل إن المسلمين بلغوا في مجالات العلم النظرية والعملية أعلى المنازل، وكانت الحضارات تتبع المسلمين في تقدمهم وعلومهم، ولا تزال بعض الجامعات الغربية العريقة تعترف بهذا وتدرِّس كتاباً للمسلمين في مناهجهم.
قال الفيلسوف الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب ":
هل يتعين أن نذكر أن العرب - والعرب وحدهم - هم الذين هدونا إلى العالم اليوناني والعالم اللاتيني القديم، وأن الجامعات الأوربية ومنها جامعة باريس عاشت مدة ستمئة عام على ترجمات كتبهم وجرت على أساليبهم في البحث، وكانت الحضارة الإسلامية من أعجب ما عرف التاريخ " انتهى.
والمسلمون ليسوا كغيرهم، فإنهم لما كانوا متمسكين بدينهم كانوا سابقين – أيضاً – في الدنيا، ولما تركوا دينهم وتخلوا عنه صاروا تبعاً لغيرهم وعالة عليهم، والنصارى لما كانوا متمسكين بدينهم المحرَّف كانوا متخلفين في دنياهم، ولما قاموا على كنائسهم حرقاً وعلى رهبانهم قتلاً وفصلوا الدين عن الدنيا تقدموا في دنياهم وعلومها، فالمسلمون يدفعهم دينهم إلى التقدم، ويتأخرون بتأخرهم عن دينهم، والنصارى تخلفوا لما تمسكوا بدينهم المحرَّف، لأنه لا يمكن لدين حرفه العباد أن يؤدي إلى التقدم، وتقدموا لما تخلوا عنه، فأي المنهجين يدعو لعمارة الدنيا ويسعى في تقدمه في العلوم وإسعاد الناس في الدنيا والآخرة؟
والآيات والأحاديث التي تحث المسلم على عمارة الأرض بالزراعة والصناعة كثيرة، وقد فهم المسلمون ذلك فسارعوا إلى العمل على هذه العمارة دون أن يؤثر ذلك على عبادتهم وطاعتهم، ودون أن يروا أن بين الدين والدنيا تضادّاً وتنافراً، والمحذور في هذه العمارة هو أن ينشغل المسلم بها عن واجبات دينه وطاعة ربه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) رواه البخاري (2195) ومسلم (1553) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفي الحديث: فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض , ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها، وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة، وحُمل ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين , فمنه حديث ابن مسعود مرفوعا: (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا) الحديث , قال القرطبي: يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين , وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها.
"فتح الباري" (5/4) .
والحديث الذي ذكره الحافظ ابن حجر: (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا) رواه الترمذي (2328) وحسَّنه.
قال المباركفوري رحمه الله:
(الضيعة) هي: البستان والقرية والمزرعة.
(فترغبوا في الدنيا) أي: فتميلوا إليها عن الأخرى , والمراد: النهي عن الاشتغال بها وبأمثالها مما يكون مانعاً عن القيام بعبادة المولى وعن التوجه كما ينبغي إلى أمور العقبى. وقال الطيبي: المعنى لا تتوغلوا في اتخاذ الضيعة فتلهوا بها عن ذكر الله قال تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) .
"تحفة الأحوذي" (6/511) .
وقد رأينا إنصاف المسلمين ودينهم من بعض الباحثين الغربيين، فاعترفوا بسبق المسلمين في مجالات العلوم الدنيوية المختلفة، وهاهي بعض أقوالهم ليعلم السائل – وغيره – موقع الإسلام من الحضارات الأخرى، وليعلم منهج الإسلام في حثه أتباعه على النظر والتأمل والعمل والإبداع، وسنحرص على تنويع بلدان القائلين واختلاف ثقافاتهم.
1. يقول المفكر الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه المعروف " حضارة العرب " - ترجمة " عادل زعيتر " -:
" لو أن العرب استولوا على فرنسا: إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزاً للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ، بل ويقرض الشعر أحياناً، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم "! .
2. وقالت المستشرقة الألمانية " زيغريد هونكة " - في كتابها المعروف " شمس الله تشرق على الغرب" - انتشار المكتبات في العالم العربي والإسلامي:
" نمت دور الكتب في كل مكان نمو العشب في الأرض الطيبة، ففي عام 891 م يحصي مسافر عدد دور الكتب العامة في بغداد بأكثر من مئة، وبدأت كل مدينة تبني لها داراً للكتب يستطيع عمرو وزيد من الناس استعارة ما يشاء منها، وأن يجلس في قاعات المطالعة ليقرأ ما يريد، كما يجتمع فيها المترجمون والمؤلفون في قاعات خصصت لهم، يتجادلون ويتناقشون كما يحدث اليوم في أرقى الأندية العلمية ".
وكتاب " شمس الله تشرق على الغرب " في النص الألماني معناه: نور الإسلام يضيء الحضارة الغربية، والكتاب مليء بأسماء مبدعين مسلمين عرب وغير عرب.
3. واقرأ هذا الكلام لحكيم روسي وهو يبين أن هذا الدين فيه ما خدم الإنسانية، وقاد إلى الرقي والمدنية.
وقال تولستوي الحكيم الروسي:
" ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام ".
4. وقال الدكتور النمساوي شبرك:
" إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون إذا توصلنا إلى قمّته ".
5. وفي باب الطب والجراحة كان للمسلمين دورٌ لا يُنكر.
يقول الكاتب البريطاني هـ. ج. ويلز في كتابه " معالم تاريخ الإنسانية ":
" وتقدموا في الطب أشواطا بعيدة على الإغريق، ودرسوا علم وظائف الأعضاء، وعلم تدبير الصحة، ... ولا يبرح كثير من طرق العلاج عندهم مستعملا بين ظهرانينا إلى اليوم، وكان لجراحيهم دراية باستعمال التخدير، وكانوا يجرون طائفة من أصعب الجراحات المعروفة، وفي ذات الوقت التي كانت الكنيسة تحرم فيه ممارسة الطب انتظاراً منها لتمام الشفاء بموجب المناسك الدينية التي يتولاها القساوسة: كان لدى العرب علم طبي حق " انتهى.
بل ويقول – أيضاً -:
"كل دين لا يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط، ولم أجد ديناً يسير مع المدنية أنَّى سارت سوى دين الإسلام " انتهى.
والشهادات أكثر من أن تحصى، وأردنا بذكر بعضها التدليل على ما قلناه من كلام غير المسلمين، وقد اخترنا أناساً لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فهم من دول مختلفة، ومن ثقافات مختلفة، بل ومن أديان وحضارات مختلفة، وفي كل ما ذكرناه عنهم بيان لما كان عليه المسلمون – ويجب أن يبقوا عليه – من تقدم وازدهار في العلوم المدنية ومن السعي في الإنسانية للرقي بحياتها في مختلف المجالات، وكان المسلمون مع بروزهم في هذه المجالات متقدمين – كذلك – في العلوم الدينية والعبادات والطاعات لربهم عز وجل، وتاريخ هذا الدين يشهد بالحركة العظيمة في التأليف في المجال الشرعي المتعلق بالقرآن والسنة، ويشهد بنماذج عالية لعبَّاد وزهَّاد لم تمنعهم عبادتهم ولم يمنعهم زهدهم من أن يكونوا علماء في الشرع أو علماء في علوم دنيوية.
وثمة أسماء لامعة لعلماء مسلمين في مجالات متعددة لا يُنكِر علمَهم وتقدمَهم إلا جاهل أو مكابر، ومنهم: ابن النفيس والزهراوي في الطب، وابن الهيثم في الرؤية والضوء، والخوارزمي في الرياضيات، وغيرهم كثير كثير.
وفي نهاية الجواب نتمنى أن تطلع على هذه المحاضرة والتي هي بعنوان " عمل الدنيا لا ينافي عمل الآخرة " وستجد فيها المزيد مما تستفيد منه وتفيد غيرك به، وهي مفرغة تحت هذا الرابط:
http://www.islamdoor.com/k/364.htm
ونسأل الله أن يهدي المسلمين لدينهم، وأن يوفقهم للعمل بما أمروا به، وأن يهدي كل باحث عن الحقيقة ساعٍ في طلبها، راغبٍ في الهداية.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/652)
مزايا حافظ القرآن في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المنافع التي يحصل عليه حافظ (القرآن) في هذه الحياة وفي الآخرة؟
وما الذي سيحصل عليه أقرباؤه وذريته؟
وماذا عن الأجيال قبله وبعده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن حفظ القرآن عبادة يبتغي به صاحبه وجه الله والثواب في الآخرة، وبغير هذه النية لن يكون له أجر بل وسيعذَّب على صرفه هذه العبادة لغير الله عز وجل.
يجب على حافظ القرآن أن لا يقصد بحفظه تحصيل منافع دنيوية لأن حفظه ليس سلعة يتاجر بها في الدنيا، بل هي عبادة يقدمها بين يدي ربِّه تبارك وتعالى.
وقد اختصَّ الله تعالى حافظ القرآن بخصائص في الدنيا وفي الآخرة، ومنها:
1. أنه يُقدَّم على غيره في الصلاة إماماً.
عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ". رواه مسلم (673) .
وعن عبد الله بن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا. رواه البخاري (660) .
2. أنه يقدَّم على غيره في القبر في جهة القبلة إذا اضطررنا لدفنه مع غيره.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى " أحد " في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. رواه البخاري (1278) .
3. يقدّم في الإمارة والرئاسة إذا أطاق حملها.
عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملتَ على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى! قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا! قال: فاستخلفتَ عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين. رواه مسلم (817) .
وأما في الآخرة:
4. فإن منزلة الحافظ للقرآن عند آخر آية كان يحفظها.
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ". رواه الترمذي (2914) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني في " صحيح الترمذي " برقم (2329) : حسن صحيح، وأبو داود (1464) .
ومعنى القراءة هنا: الحفظ.
5. أنه يكون مع الملائكة رفيقاً لهم في منازلهم.
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران ". رواه البخاري (4653) ومسلم (798) .
6. أنه يُلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه، فيلبس تاج الكرامة ثم يقول: يا رب زِدْه، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة ". رواه الترمذي (2915) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني في " صحيح الترمذي " برقم (2328) : حسن.
7. أنه يَشفع فيه القرآن عند ربِّه.
عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة. رواه مسلم (804) ، والبخاري معلَّقاً.
ثانياً:
وأما أقرباؤه وذريته فقد ورد الدليل في والديه أنهما يكسيان حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، وما ذلك إلا لرعايتهما وتعليمهما ولدهما، وحتى لو كانا جاهليْن فإن الله يكرمهما بولدهما، وأما من كان يصدُّ ولده عن القرآن ويمنعه منه فهذا من المحرومين.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنتُ أُسهر ليلك وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب أنى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن ". رواه الطبراني في " الأوسط " (6 / 51) .
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن ". رواه الحاكم (1 / 756) .
والحديثان يحسن أحدهما الآخر، انظر " السلسلة الصحيحة " (2829) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/653)
هل للزوجة أن تمتنع عن زوجها في رمضان للعبادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في امرأة تأبى زوجها في رمضان نتيجة انشغالها بالعبادة والقُرب من الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شهر رمضان مناسبة عظيمة للعابدين ليزيدوا في عباداتهم، وللعاصين أن يتركوا ما هم عليه من معاصٍ ويصطلحوا مع ربهم عز وجل بتركها والإكثار من الطاعة فيه لبداية طيبة لحياة أخرى غير التي كانوا عليها.
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بفضيلة الصيام والقيام والاعتكاف في هذا الشهر، كما أن فيه ليلة – وهي ليلة القدر – جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر.
وعليه: فلا يُنكر على من أراد استغلال أيام هذا الشهر لطاعة ربه، فالنفوس فيه مهيأة لقراءة القرآن وطاعة الرحمن، وسواء كان ذلك من الرجال أم من النساء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (37) ومسلم (760) .
ثانياً:
يجب أن تعلم المرأة أن لزوجها عليها حقّاً عظيماً، فلا يجوز لها أن تضرب بهذه الحقوق عرض الحائط، ولا يجوز لها أن تعارض حق زوجها بما تؤديه من نافلة العبادات.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا , وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ) . رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1938) .
" القَتَب للجمل كالإكاف لغيره، ومعناه: الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا ينبغي لهن الامتناع في هذه الحالة، فكيف في غيرها؟
"حاشية السندي على ابن ماجه".
ولعظم حق الزوج أُمرت المرأة باستئذانه قبل قيامها ببعض التطوعات التي قد تتعارض مع حقه، ومنها:
1. صوم النافلة:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري (4896) ومسلم (1026) .
قال النووي رحمه الله:
" هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 115) .
2. الخروج للمسجد
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْهَا) رواه البخاري (4940) ومسلم (442) .
ثالثاً:
ويجب على الزوج أن يتقي الله في امرأته، وأن لا يكلفها فوق طاقتها، إذ كثير من الرجال يشغلون نساءهم نهاراً بالطبخ، وليلاً بالحلويات، فتضيع الأيام والليالي على المرأة، فلا تحسن استغلال نهار صومها بطاعة، ولا ليله بعبادة، ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون لها نصيب من عبادات هذا الشهر وطاعاته، فلا يمنعها من قراءة القرآن، ولا من قيام الليل، وأن يكون ذلك بتنسيق بينهما لئلا يحصل تعارض بين حقه وطاعة ربها وعبادته، وهذا – طبعاً – في عبادات النوافل، أما الفرائض فليس للزوج منعها منها.
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه هو حثهن على الطاعة والعبادة، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ , وَأَحْيَا لَيْلَهُ , وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) رواه البخاري (1920) ومسلم (1174) .
وإذا عرف كل واحد من الزوجين ما له وما عليه استراحا من الشقاق والنزاع غالباً , وإذا علما أن مثل هذه المناسبة قد لا تتكرر في حياتهما إلا قليلاً زاد ذلك من حرصهما على استغلال أيام رمضان ولياليه أحسن استغلال.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين قلوبكما، وأن يعينكما على طاعته وحسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/654)
هل حفظ القرآن أفضل أم قراءته في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حفظ القرآن أفضل أم قراءته في رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة القرآن في رمضان من أجل الأعمال وأفضلها، فرمضان هو شهر القرآن، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة/185.
وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن. رواه البخاري (5) ومسلم (4268) .
وروى البخاري (4614) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن جبريل (كان يعْرضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعرضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ) .
فيؤخذ من هذا استحباب الإكثار من تلاوة القرآن الكريم ومدارسته في رمضان.
انظر السؤال (50781) .
ويؤخذ منه استحباب ختمه كذلك، لأن جبريل عليه السلام كان يعرض القرآن كاملاً على النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر: "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/331) .
وكل من الحفظ والمراجعة هو قراءة وزيادة، لأنه لن يحفظ أو يراجع إلا بعد تكرار قراءة الآية عدة مرات، وله بكل حرف عشر حسنات.
وعلى هذا يكون اهتمامه بالحفظ والمراجعة أولى.
وقد دلّت السنة إذاً على:
1- مراجعة الحفظ.
2- المدارسة.
3- التلاوة. وهي حاصلة مما سبق.
وينبغي في مثل هذه الحال أن يختم القرآن، ولو مرّة واحدة في الشهر، ثم يفعل الأنسب لحاله بعد ذلك: إما أن يكثر من التلاوة وختم القرآن أو يهتم بالمراجعة، أو الحفظ الجديد ويراعي الأصلح لقلبه، فقد يكون الأصلح له الحفظ أو القراءة أو المراجعة، فإن المقصود من القرآن هو قراءته وتدبره والتأثر به والعمل بما فيه.
فعلى المؤمن أن يتعاهد قلبه، وينظر الأصلح له فيفعله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/655)
يستحب ختم القرآن في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبرني ما إذا كان من الضروري على المسلم ختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان، إذا كان الجواب بنعم، أرجو أن تورد الحديث المؤيد لذلك القول.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يشكر السائل الكريم على حرصه على معرفة حكم المسألة بدليلها، ولا شك أن هذا أمر مطلوب، يجب أن يسعى إليه كل مسلم، حتى يكون متبعاً للكتاب والسنة.
قال الشوكاني رحمه الله "إرشاد الفحول" (450-451) :
" إذا تقرر لك أن العامي يسأل العالم، والمقصر يسأل الكامل، فعليه أن يسأل أهل العلم المعروفين بالدين وكمال الورع، عن العالم بالكتاب والسنة، العارف بما فيهما، المطلع على ما يحتاج إليه في فهمهما من العلوم الآلية، حتى يدلوه عليه ويرشدوه إليه، فيسأله عن حادثته طالباً ما في كتاب الله سبحانه أو ما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ يأخذ الحق من معدنه، ويستفيد الحكم من موضعه، ويستريح من الرأي الذي لا يأمن المتمسك به أن يقع في الخطأ المخالف للشرع، المباين للحق " انتهى.
وفي كتاب ابن الصلاح "أدب المفتي والمستفتي" (ص171) قال:
" وذكر السمعاني أنه لا يمنع من أن يطالب المفتي بالدليل، لأجل احتياطه لنفسه، وأنه يلزمه أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعاً به، ولا يلزمه ذلك إن لم يكن مقطوعاً به؛ لافتقاره إلى اجتهاد يقصر عنه العامي. والله أعلم بالصواب " انتهى.
ثانياً:
نعم، يستحب للمسلم أن يكثر من قراءة القرآن في رمضان ويحرص على ختمه، لكن لا يجب ذلك عليه، بمعنى أنه إن لم يختم القرآن فلا يأثم، لكنه فوت على نفسه أجوراً كثيرة.
والدليل على ذلك: ما رواه البخاري (4614) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (أن جبريل كان يعْرضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعرضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فيه)
قال ابن الأثير في "الجامع في غريب الحديث" (4/64) :
" أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن " انتهى.
وقد كان من هدي السلف رضوان الله عليهم، الحرص على ختم القرآن في رمضان، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن إبراهيم النخعي قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين. "السير" (4/51) .
وكان قتادة يختم القرآن في سبع، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة. "السير" (5/276) .
وعن مجاهد أنه كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلة. "التبيان" للنووي (ص/74) وقال: إسناده صحيح.
وعن مجاهد قال: كان علي الأزدي يختم القرآن في رمضان كل ليلة. "تهذيب الكمال" (2/983) .
وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة. "السير" (10/36) .
وقال القاسم ابن الحافظ ابن عساكر: كان أبي مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم. "السير" (20/562) .
قال النووي رحمه الله معلقاً على مسألة قدر ختمات القرآن:
" والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له.
وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة " انتهى.
"التبيان" (ص76) .
ومع هذا الاستحباب والتأكيد على قراءة القرآن وختمه في رمضان، يبقى ذلك في دائرة المستحبات، وليس من الضروريات الواجبات التي يأثم المسلم بتركها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان؟
فأجاب:
" ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/516)
وانظر الأسئلة رقم (66063) (26327) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/656)
الطاعة في الصغر وهل تتسلط عليه الشياطين إذا أكثر من الطاعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صغير في سني وأحب أن أتعبد الله بعد الساعة 12 بعد منتصف الليل خاصة أثناء الصيام، لكن هناك من يقول لي إنه عندما يكثر المسلم من الصلاة أو عبادة الله فإن الجن والشيطان يحاولون منعه، فهل هذا صحيح؟
وأسأل أيضاً: عندما يقوم الشاب بالتعبد لله وهو صغير فإن ذلك يشبه الذهب بالنسبة له، سأكون في غاية الامتنان لك إذا أوضحت لي هذا الأمر بشيء من الاستطراد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إننا لنسرُّ كثيراً عندما نقف على مثل هذه النماذج الطيبة لشباب الإسلام، فبينما الصغار يفكرون في اللهو واللعب، ويقضون أوقاتهم فيما لا ينفع تأتينا هذه النماذج الطيبة لشباب يحبون التعبد لله، ويطلبون العلم، ويدعون إلى الله عز وجل، ويحرصون على حفظ القرآن والسنَّة، فهنيئاً لك هذه الهمة، ونسأل الله أن يثبتك على دينه وأن يحفظك، وأن يجعلك قرة عين لوالديك.
واعلم أيها الابن الفاضل أن الشيطان إذا رأى إقبال العبد على ربه تعالى فإنه يحاول صدَّه، وقد أخذ الشيطان العهد على نفسه لهذه المهمة الخبيثة، لكن الله تعالى أعلمنا أن لا سبيل له على عباده المخلَصين.
قال تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر/39 – 42.
واعلم أن الشيطان لا يملك إلا دعوة الناس للضلال، وتزيينه لهم، وليس له سلطان عليهم يجبرهم به على ما يريد، فاللوم إنما يكون على من استجاب له.
قال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/22.
وطاعة الله عز وجل سدٌّ منيع أمام كيد الشيطان ووسوسته، وذِكر الله تعالى حصن حصين يحفظ الله تعالى به الذاكر من مكر الشيطان وغوايته.
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ. قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟!) رواه الترمذي (3423) وأبو داود (5095) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا سبيل للشيطان على قلب عرف الله، وعلى جوارح ذلَّت لله تعالى، بفعل طاعته، وترك معصيته، وإن نور الطاعة ليحرق الشياطين كما تحرق الشهب إخوانهم.
قال ابن القيم رحمه الله:
" الطاعة تنوِّر القلب وتجلوه وتصقله وتقويه وتثبته حتى يصير كالمرآة المجلوة في جلائها وصفائها فيتلألأ نوراً، فإذا دنا الشيطان منه أصابه من نوره ما يصيب مسترق السمع من الشهب الثواقب، فالشيطان يفرق من هذا القلب أشد من فرق الذئب من الأسد " انتهى. " الجواب الكافي " (ص 64) .
ثانياً:
وأما التعبد لله تعالى في الصغر فهو علامة خير لصاحبه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل عظيم للشاب الذي ينشأ في طاعة الله عز وجل وهو أنه يكون في ظل الله يوم القيامة، يوم تكون الشمس فوق رؤوس الخلائق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ. . . وذكر منهم: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ) رواه البخاري (1423) ومسلم (1031) .
ومن حفظ جوارحه في صغره عن المعصية حفظها الله له في كبَره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو غلام صغير: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ) رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" ومَنْ حفظ الله في صباه وقوته: حفظه الله في حال كبَره وضعف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدةً فعوتب في ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغَر فحفظها الله علينا في الكبَر، وعكس هذا: أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال: إن هذا ضعيف ضيَّع الله في صغره فضيَّعه الله في كبَره " انتهى.
" جامع العلوم والحكَم " (1 / 186) .
فاستعن بالله على طاعته واسأله المزيد من فضله، ولا تلتفت إلى المثبطات والمعوقات عن هذا الطريق، واحذر شياطين الإنس والجن، ونسأل الله أن يعينك لى ذِكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/657)
فضائل الأعمال لا تكفر حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) هل يدخل في ذلك الذنوب التي ارتكبها المرء متعمداً في حق إخوانه المسلمين وندم عليها أشد الندم ولكنه لا يستطيع أن يعترف لهم بما فعله معهم لأن ذلك سيؤدي إلى الكثير من المشاكل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مكفرات الذنوب كثيرة، منها: التوبة والاستغفار والقيام بالطاعات، وإقامة الحدود على من فعل ما يوجب حدّاً، وغير ذلك.
وفضائل الأعمال كالصلاة الصيام والحج وغيرها لا تكفر إلا الصغائر عند جمهور أهل العلم، وتكفر حقوق الله فقط.
أما المعاصي المتعلقة بحقوق العباد فإنها لا تُكَفَّر إلا بالتوبة منها، ومن شروط التوبة منها: رَدُّ المظلم إلى أهلها.
روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلا الدَّيْن) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لا يُكَفِّر حُقُوق الآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى.
وقال ابن مفلح في "الفروع" (6/193) :
" وتكفر الشهادة غيرَ الدين. قال شيخنا (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله) : وغير مظالم العباد كقتل وظلم " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/129) :
" التوبة بمعنى الندم على ما مضى والعزم على عدم العود لمثله لا تكفي لإسقاط حق من حقوق العباد، فمن سرق مال أحد أو غصبه أو أساء إليه بطريقة أخرى لا يتخلص من المسائلة بمجرد الندم والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود , بل لا بد من رد المظالم , وهذا الأصل متفق عليه بين الفقهاء " انتهى.
هذا فيما يتعلق بالحقوق المادية كالمال المأخوذ غصباً أو باحتيال، أما الحقوق المعنوية كالقذف والغيبة فإن كان المظلوم قد علم بالظلم فلا بد من الاعتذار إليه وطلب المسامحة، وإن لم يكن علم بذلك فإنه لا يُعْلِمُه، بل يدعو ويستغفر له، لأن إخباره بذلك قد يسبب نفوراً ويوقع بينهما العداوة والبغضاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وفي الحديث الصحيح: (من كان عنده لأخيه مظلمة في دم أو مال أو عرض فليأته فليستحل منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار إلا الحسنات والسيئات. فإن كان له حسنات وإلا أُخِذَ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم يلقى في النار) أو كما قال. وهذا فيما علمه المظلوم، فأما إذا اغتابه أو قذفه ولم يعلم بذلك فقد قيل: من شرط توبته إعلامه. وقيل: لا يشترط ذلك، وهذا قول الأكثرين وهما روايتان عن أحمد. لكن قوله (في) مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات كالدعاء له والاستغفار وعمل صالح يُهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه. قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (18/189) .
وقال علماء اللجنة الدائمة في رجل سرق مالا من عبدٍ:
إن كان يعرف العبدَ أو يعرف من يعرفه: فيتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه: فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده: ضمنها له وصارت له الصدقة، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها. "فتاوى إسلاميَّة" (4/165) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/658)
الفرق بين كفالة الأيتام وتبنيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من اللاجئين الكوسوفيين يدخلون أمريكا وربما ترعاهم منظمات نصرانية.
بعض الأخوة يريدون أن يكفلوا الأيتام بأن يأخذوهم ليعيشوا في بيوتهم ويطعموهم.
أحد الشيوخ قال بأن هذا حرام فلا يجوز التبني في الإسلام ولم يشجع الناس على كفالة الأيتام. هل الإسلام يسمح لنا بأن نتبنى الأيتام وبدون تغيير أسم اليتيم؟
هل يعتبر اليتيم المكفول كطفل للكافل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك فروق بين التبني وكفالة اليتيم.
أ - أما التبني: فهو أن يتخذ الرجل يتيماً من الأيتام فيجعله كأحد أبنائه الذين هم من صلبه ويدعى باسمه ولا تحل له محارم ذلك الرجل فأولاد المتبني إخوة لليتيم وبناته أخوات له وأخواته عماته وما أشبه ذلك. وهذا كان من فعل الجاهلية الأولى، حتى أن هذه التسميات لصقت ببعض الصحابة كالمقداد بن الأسود حيث أن اسم أبيه (عمرو) ولكنه يقال له ابن الأسود باسم الذي تبناه.
وظل كذلك في أول الإسلام حتى حرم الله ذلك في قصة مشهورة حيث كان زيد بن حارثة يدعى زيد بن محمد، وكان زوجاً لزينب بنت جحش فطلقها زيد.
عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله لزيد بن حارثة: " اذهب فاذكرها علي فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينهاقال: يا زينب ابشري أرسلني رسول الله يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أُوامر ربي فقامت إلى مسجدها وجاء رسول الله صلى الله فدخل عليها ".
وفي هذا أنزل الله قوله: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً) الأحزاب/37. رواه مسلم (1428) .
ب - وقد حرم الله تعالى التبني لأن فيه تضييعاً للأنساب وقد أُمرنا بحفظ أنسابنا.
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ". رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
ومعنى كفر: أي جاء بأفعال الكفار لا أنه خرج من الدين.
لأن فيه تحريم لما أحل الله وتحليل لما حرم.
فإن تحريم بنات المتبني مثلاً على اليتيم فيه تحريم للمباح الذي لم يحرمه الله تعالى واستحلال الميراث من بعد موت المتبني مثلاً فيه إباحة ما حرم الله لأن الميراث من حق الأولاد الذين هم من الصلب.
قد يُحدث هذا الشحناء والبغضاء بين المُتَبنَّى وأولاد المُتبنِّي.
لأنه سيضيع عليهم بعض الحقوق التي ستذهب إلى هذا اليتيم بغير وجه حق وهم بقرارة أنفسهم يعلمون أنه ليس مستحقاً معهم.
وأما كفالة اليتيم فهي أن يجعل الرجل اليتيم في بيته أو أن يتكفل به في غير بيته دون أن ينسبه إليه، ودون أن يحرم عليه الحلال أو أن يحل له الحرام كما هو في التبني، بل يكون الكفيل بصفة الكريم المنعم بعد الله تعالى، فلا يقاس كافل اليتيم على المتبني لفارق الشبه بينهما ولكون كفالة اليتيم مما حث عليه الإسلام.
قال تعالى: (… ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم. والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم) البقرة/220.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم كفالة اليتيم سبباً لمرافقته في الجنة مع الملازمة.
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا - وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً – ". رواه البخاري (4998) .
ولكن يجب التنبيه على أن هؤلاء الأيتام متى بلغوا الحلم يجب فصلهم عن نساء الكافل وبناته وألا يُصلح من جانب ويُفسد من جانب آخر كما أنه ينبغي العلم بأن المكفول قد تكون يتيمة وقد تكون جميلة تشتهى قبل البلوغ فيجب على الكافل أن يراقب أبناءه من أن يقعوا بالمحرمات مع الأيتام لأن هذا قد يحدث ويكون سبباً للفساد الذي قد يعسر إصلاحه.
ثم إننا نحث إخواننا على كفالة الأيتام وأن هذا من الأخلاق التي يندر فعلها إلا عند من وهبه الله الصلاح وحب الخير والعطف على الأيتام والمساكين، لاسيما إخواننا في كوسوفو والشيشان فقد لاقوا من الضنك والعذاب ما نسأل الله تعالى أن يفرّج عنهم كربهم وشدائدهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/659)
تسلية والد عن فقد ابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[ماتت ابنتي البالغة من العمر 16 عامًا في أكتوبر الماضي في شهر شعبان بسبب سرطان في معدتها. كانت مسلمة جيدة تصلي دائمًا وتسعى في طلب العلوم الإسلامية.
هل هناك أي شيء يمكنني فعله لها في شهر رمضان كي يزيد ثوابها وحسناتها؟ وكيف أتعامل مع فقد ابنتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله الكريم بأسمائه وصفاته أن يتغمد ابنتك بواسع رحمته، وأن يجمعك بها يوم القيامة في جنته، وأن يلهمك ووالدتها الصبر والسلوان.
وأبشرك أخي الكريم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم – (من قتله بطنه لم يعذب في قبره) رواه الترمذي (1064) وحسنه وصححه الألباني (أحكام الجنائز 53) وبقول النبي – صلى الله عليه وسلم – (من مات في البطن فهو شهيد) رواه مسلم (1915) قال ابن الأثير: أي الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه. (النهاية 1/136) ، ورجاؤنا أن تكون ابنتك قد بلغت ذلك، رحمة الله ومَنِّه.
فحري بك ألا تجزع لفقدها وأن ترجو لها الخير والثواب عند الله تعالى، وعليك – أخي-
بالتأمل والتفكر والتدبر والنظر في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , ففيهما ما تقر به الأعين , وتسكن به القلوب وتطمئن له تبعاً لذلك الجوارح مما منحه الله , ويمنحه لمن صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم والأجر الجزيل فلو قارن المكروب ما أخذ منه بما أعطي لوجد ما أعطي من الأجر والثواب أعظم مما أصابه بتلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وكل ذلك عنده بحكمة، وكل شيء عنده بمقدار.
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/ 155-157
روى مسلم في صحيحه (917) من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرْنِي في مصيبتي واخلف لي خيراً منها , إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت: ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم عزم الله علي فقلتها قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ خيرٌ من رسول الله؟!)
ثم نزف إليك هذه البشائر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم تُسَلّي من قدّم أحداً من ولده، فمات في حياته، وتبشره برحمة الله وفضله عليه، عسى الله أن يشملنا وإياك بهما، ويعمّنا بعفوه وغفرانه
في سنن الترمذي (2399) وحسنه: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله , حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5815)
وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته: "أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم.. فيقول وهو أعلم: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم.. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله جل وعلا: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد) . رواه الترمذي وحسنه (1021) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
يالها من بشارة بالموت على الإيمان لأن الله إذا أمر ببناء بيت لأحد من عبيده لابد لذلك العبد من سكنى هذا البيت في يومٍ من الأيام ... وروى الإمام أحمد (3/436) وصححه الحاكم (1/541) من حديث معاوية بن قرة عن أبيه: (أنه كان رجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتحبه؟ " فقال: يا رسول الله , أحبك الله كما أحبه.. فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما فعل ابن فلان؟ فقالوا: يا رسول الله مات , فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: " أما تحب أن تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عليه ينتظرك؟ " فقال رجل: يا رسول الله , أله خاصة أم لكلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " بل لكلكم) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1756)
أما ما يمكن أن تقدمه من عمل لابنتك فعدة أمور:
1 – الدعاء الصادق بالرحمة والمغفرة فعن أبي الدرداء قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل. رواه مسلم (2732)
يقول الشيخ ابن عثيمين: أفضل ما يقدم للميت الدعاء. (لقاء الباب المفتوح 1/205)
2 – الصدقة عنها، خاصة الصدقة الجارية، يقول النووي: فان الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين.اهـ (شرح النووي على صحيح مسلم ج:1 ص:89)
وليس هناك دليل صحيح على أن الصدقة في رمضان تضاعف عنها في غيره إنما الذي جاء عن ابن عباس قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة. البخاري (6) ومسلم (2308)
قال النووي: وفي هذا الحديث فوائد منها بيان عظم جوده – صلى الله عليه وسلم - ومنها استحباب إكثار الجود في رمضان. اهـ (شرح النووي على صحيح مسلم ج:15 ص:69) والله أعلم
(مستفاد من كتاب فضل من مات له من الأولاد للسيوطي ومحاضرة كشف الكربة للشيخ علي القرني وأحكام الجنائز للألباني)
وانظر سؤال رقم (21434) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/660)
كفالة اليتيم القريب
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أخوالي توفاه الله وله ستة أبناء هل يمكن أن أكفل أحد أبنائه أم أن كفالة اليتيم لا تكون للأرحام؟ وإن جازت كفالتي هل تعتبر صالحة إذا كنت في بلد عربي وهم في بلد عربي آخر وأكتفي بإرسال مبلغ مالي شهريا إلي جانب تقديمي للهدايا عند زيارتي لهم علما باني لي إجازة كل سنة؟ وهل يجوز أن يكون المال المرسل على دفعتين سنويا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن كفالة اليتيم من أعمال البر العظيمة، وخصال الخير الحميدة، فقد أمر الله تعالى بها في كتابه، وذكر فضلها نبينا - صلى الله عليه وسم - في سنته.
قال الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) النساء/36، وقال تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى) البقرة/177
وعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى) رواه البخاري برقم 5659
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى) رواه مسلم برقم 2983
وكفالة اليتيم لا تقتصر على الأباعد، فتستحب في الأقارب والأباعد، بل أجر كفالة اليتيم القريب يشمل كفالة اليتيم، وأجر صلة الرحم.
ويدل لذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – السابق.
قال الحافظ في الفتح:" ومعنى قوله له بأن يكون جدا أو عما أو أخا أو نحو ذلك من الأقارب أو يكون أبو المولود قد مات فتقوم أمه مقامه " 10/436
وقال النووي:" وأما قوله له أو لغيره فالذي له أن يكون قريبا له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه والذي لغيره أن يكون أجنبيا " شرح مسلم 18/113
إذا علم هذا فيجوز أن ترسل مال كفالة اليتيم، وأنت في بلد آخر، ويجوز أن ترسله على دفعتين أو أكثر، وينبغي أن تلحظ في ذلك مصلحة اليتيم، حتى لا يحتاج إلى المال.
وإذا أرسلت المال إلى بلد اليتيم، فإن الناظر على شأن اليتيم عليه أن ينفق منه على اليتيم بالمعروف دون إسراف أو تقتير.
واعلم أخي أن من أهم معاني كفالة اليتيم السعي في تنشئتة التنشئة الإسلامية الصحيحة فاحرص على تعاهده بما يناسب عمره مما يكون له أثر في ذلك من كتيبات وأشرطة واهتمام وعناية في وقت إجازتك بما يكون له الأثر الحسن بإذن الله في إعطائه شيئاً من شفقة وحنان من فقده.
ونسأل الله أن يثبت أجرك ويكثر في الأمة من أمثالك.
انظر السؤال رقم (5201) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/661)
هل يعتبر كافلاً لليتيم إذا كان يدفع المال فقط لجمعية خيرية تكفله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كافل لأحد الأيتام في جمعية البر في جده بمبلغ 200 شهريا تعطى لوالدة الطفل عن طريقهم وأنا لست مسؤولا عن أي شي آخر في الطفل غير الدفع فهل هذا ما وصى به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال (أنا وكافل اليتيم في الجنة) أرشدوني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كفالة اليتيم من أعمال البر التي ندبنا إليها الشرع، ودل على أنها من أسباب دخول الجنة، بل من أسباب نيل أعلى درجاتها، ويكفي لحث المؤمن على الحرص عليها، قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما) البخاري (5304) .
قال ابن بطال، رحمه الله: (حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به، ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة) نقله ابن حجر في فتح الباري 10/436
ثانيا:
إنفاق المال على اليتيم قد ورد الحث عليه بخصوصه؛ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (َإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ، مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ، أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (1465) ومسلم (1052)
لكن هذه النفقة ليست هي كل الكفالة التي ندب إليها الشرع، ووعد فاعلها المنزلة العظيمة في الجنة، وإنما هي نوع منها، وشعبة من شعبها، وإنما الكفالة التامة: القيام بأمره، والنظر في مصالحه الدينية والدنيوية، وتربيته، والإحسان إليه حتى يزول يتمه. قال ابن الأثير: (الكافل هو القائم بأمر اليتيم، المربي له) النهاية 4/192، ولما عرف النووي، رحمه الله، في كتابه رياض الصالحين، كافل اليتيم بأنه القائم بأموره، قال شارحه: (دينا ودنيا، وذلك بالنفقة والكسوة، وغير ذلك) . دليل الفالحين 3/103، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه؛ بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم، وما أشبه ذلك، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن.) شرح رياض الصالحين 5/113.
ودخول مصالح اليتيم الدينية والتربوية في معنى الكفالة، ليس أقل من دخول المصالح المادية الدنيوية، بل هي أولى، كما أن قيام الأب على تربية أبنائه، وتأديبهم، أعظم من مجرد إنفاقه عليهم. قال الشيخ ابن سعدي ـ في تربية الإنسان لأبنائه ـ: (كما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم، فأنت قائم بالحق مأجور، فكذلك، بل أعظم من ذلك، إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة، والمعارف الصادقة، والتوجيه للأخلاق الحميدة، والتحذير من ضدها) بهجة قلوب الأبرار 128
وتلك هي الكفالة الحقيقية لليتيم؛ أن يربيه تربية ابنه، ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به، ويؤدبه أحسن تأديب، ويعلمه أحسن تعليم. فيض القدير للمناوي 1/108
واستظهر العراقي، رحمه الله، أن يكون هذا المعنى هو السر في مرافقة كافل اليتيم للنبي، صلى الله عليه وسلم، في الجنة؛ قال: (لعل الحكمة في كون كافل اليتيم.. شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي، أو منزلة النبي، لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه ن ويرشده ويعلمه، ويحسن أدبه) نقله الحافظ في الفتح 10/437
ثم إن الاقتصار على النفقة، لاسيما مع تباعد الأمكنة، يحرم العبد من واحد من أسباب لين القلب وقضاء الحوائج؛ وهو ضم اليتيم، والإلطاف له. قال صلى الله عليه وسلم: (أدن اليتيم، وامسح برأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، ويدرك حاجتك) السلسلة الصحيحة (854)
والحاصل أن أعلى مقامات كفالة اليتيم هي أن يضمه الإنسان إلى ولده؛ فيربيه تربيتهم، وينفق عليه كما ينفق عليهم.
فإن لم يكن للكافل مال يسع اليتيم، أو كان لليتيم من المال ما يستغني به، وضمه الإنسان إلى أولاده، فهذا، وإن كان دون المنزلة الأولى، فهو من أعظم معاني الكفالة، ومن أعظم مقاصدها؛ حتى قال النووي رحمه الله: (وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه، أو مال اليتيم بولاية شرعية) نقله ابن علان في دليل الفالحين 3/104
فإن كان للإنسان مال ينفق منه على اليتيم، كحال السائل، فهذا على خير عظيم إن شاء الله، ويكفي أنه توقى من فتنة المال والشح به، وأدى شرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه: (لمن أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ) , لكن ليست هذه هي الكفالة التامة التي وعد صاحبها مرافقة النبي، صلى الله عليه وسلم، في الجنة، ولعله أن يحصل بإخلاص النية، وصدق الإرادة، ما عجز عن أن يناله بعمله، فعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيه؛ِ حَبَسَهُمْ الْعُذْر) رواه البخار (2839) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/662)
فضل قراءة القرآن بالليل والناس نيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفضل في قراءة القرآن الكريم في الليل والناس نيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في السنة الصحيحة أن القرآن يشفع لمن قرأه في الليل، وآثره على النوم، كما روى أحمد (6626) عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيشفعان" رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3882
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن قراءة القرآن بالليل من النعم التي يغبط عليها المؤمن، فقال: " لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل " رواه البخاري (4738)
وتلاوة القرآن في الليل منجاة من الغفلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين" رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (640) : صحيح لغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين " رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم واللفظ له وقال صحيح على شرطهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (640) .
وقد وصف الله المتقين بأنهم (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذريات/17، 18.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/663)
هل نستطيع الاجتهاد في العبادة كاجتهاد السابقين الأولين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اشتهر الصالحون السابقون بحب العبادة، والتفاني في أدائها، مثل: قيام الليل، وقراءة القرآن، وحفظه، فهل نستطيع نحن جيل هذا العصر القيام ولو بالقليل من هذا، مع كل الفتن المحيطة من كل النواحي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستطيع الواحد منا أن يجتهد في العبادة ينافس أولئك الرجال بالقيام بما ندبت إليه الشريعة وحثَّ عليه الإسلام، وينبغي أن تكون عند المسلم همة يهد بها الجبال، وقد قيل: (همة الرجال تقلع الجبال) .
والصحابة رضي الله عنهم كانوا للأمة خير قدوة في الطاعة والعبادة، ومع هذا فلم يمنع ذلك مَنْ بعدهم أن يحثوا أنفسهم على منافستهم في العبادة حتى لا يستأثروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، واسمع لواحد منهم واعجب لهذه الهمة العظيمة، قال أبو مسلم الخولاني رحمه الله: (أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، كلا والله! لنزاحمنهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالاً!!) .
وقد كان يقول كلمته هذه عندما كان يقوم الليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه وقال ذلك، فبمثل هذه الهمم يستطيع المسلم أن يقوم بالطاعات والعبادات، وهو من التنافس المحمود المأمور به في قوله تعالى (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) .
ولو لم يكن في مقدور المتأخرين القيام بالأعمال الجليلة في الطاعة والعبادة لما رأينا الله تعالى يحث عباده جميعاً عليها، ويعدهم بالثواب الجزيل إن قاموا بها، ولما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالوصية العظيمة وهي قوله (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) صححه الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف الجامع الصغير، فهي – إذن – دعوة لنا أن نغتنم حياتنا بالطاعة قبل أن يفاجئنا الموت، وأن نغتنم صحتنا قبل العجز والمرض، فالصحيح يستطيع ما لا يستطيعه المريض، وأن نغتنم فراغنا قبل شغلنا بالزوجة والأولاد والأعمال، وأن نغتنم شبابنا حيث النشاط والهمة قبل الكبَر والضعف، وأن نغتنم غنانا بالصدقة والإنفاق قبل سلب ذلك وعجزنا عنه.
وفي المعاصرين أمثلة مشرقة، في حياتهم الطاعة والعبادة، ولا يخلو عصر من عصور المسلمين – ولله الحمد – من أمثال هؤلاء، يشحذون الهمم للقيام بكل ما يحب الله ويرضى من الأقوال والأعمال، ففي هذه الأمة من المعاصرين من قضى عمره في ساحات الجهاد حتى قدَّم نفسه رخيصة لربه تعالى واشترى بها الجنة، ومنهم من جدَّ واجتهد في العلم منذ أن عقل إلى أن مات، ومنهم من حافظ على قيام الليل ولم يعرف عنه تركه لا في سفر ولا في حضر، ومنهم من بذل أمواله كلها في سبيل الله تعالى ولم تجب عليه الزكاة في حياته قط، ومنهم من بذل نفسه للمسلمين يشفع لهذا ويقضي حاجة ذاك، ويجيب السائل ويفتي المستفتي، ويعلم الجاهل ويحث الناس على الخير.
فلن تعدم – أخي – صوراً مشرقة من حياة علمائنا وأئمتنا ومجاهدينا، وسترى في حياتهم ما يحثك على فعل الطاعة ويجعلك تعلم أنه يوجد مجال للمنافسة مع المتقدمين، ونظرة في حياة الأئمة الثلاثة: عبد العزيز بن باز والألباني وابن عثيمين تجد فيها العلم والتعليم والجد والاجتهاد والبذل والإنفاق والشفاعة والدعوة، ولا يزال المسلمون يقدمون أروع الأمثلة في جهادهم الكفار في الأرض كلها.
وفي حفظ القرآن نماذج صالحة كثيرة، فقد حفظ كثيرون القرآن وهم لم يبلغوا الثامنة من عمرهم، وقد وجد من حفظ القرآن كاملاً في شهرين، بل في شهر.
وينبغي على المسلم المحب للقيام بالطاعة والعبادة والراغب بالتنافس مع من قبله أو مع من عاصره من أهل الهمم أن يحذر من أشياء:
أولها: الغفلة عن الآخرة وما فيها من ثواب جزيل وأجر عظيم، قال ابن القيم - رحمه الله – في " بدائع الفوائد " (ص 98) : خراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر.
وثانيها: أن يترك التنافس على الدنيا مع أهلها وليدعها لهم ولتتطلع نفسه لعالي الأمور، وأن يحذر أن يجعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، وأن يجعل المال والمتاع في يده لا في قلبه.
وثالثها: الابتعاد عن التأجيل والتسويف، وعليه أن يبادر بالقيام بالأعمال استجابة لأمر الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133 وقال (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) الحديد/21.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/664)
يريد أمرا فيه صلاح دينه ونياه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن تنصحنا بأمر فيه صلاح الدين والدنيا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الإمام أحمد السؤال التالي:
يتفضل الشيخ الإمام , بقية السلف , وقدوة الخلف , أعلم من لقيت ببلاد المشرق والمغرب , تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية بأن يوصيني بما يكون فيه صلاح ديني ودنياي؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
أما الوصية فما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها قال تعالى: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) .
وصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن فقال: (يا معاذ: اتق الله حيث ما كنت , واتبع السيئة الحسنة تمحها , وخالق الناس بخلق حسن) , وكان معاذاً رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة عالية , فإنه قال له (يا معاذ: والله إني لأحبك) وكان يردفه وراءه. وروى فيه أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام , أنه يحشر أمام العلماء برتوة - أي: بخطوة - ومن فضله أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً عنه , داعياً ومفتياً وحاكماً إلى أهل اليمن , وكان يشبهه بإبراهيم عليه السلام , وإبراهيم إمام الناس.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه إن معاذاً كان أمة قانتاً ولم يك من المشركين تشبيهاً له بإبراهيم عليه السلام.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصاه هذه الوصية , فاعلم أنها جامعة , وهي كذلك لمن عقلها , مع أنها تفسير الوصية القرآنية.
أما بيان جمعها فلأن للعبد عليه حقان: حق الله عز وجل , وحق لعباده.الحق الذي عليه لا بد أن يخل به أحياناً , إما بترك مأمور به , أو فعل منهي عنه , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيث ما كنت) وهذه الكلمة جامعة , وفي قوله: (حيثما كنت) تحقيق لحاجته للتقوى في السر والعلانية ثم قال: (واتبع السيئة الحسنة تمحها) فإن الطبيب متى تناول المريض شيئاً مضراً أمره بما يصلحه. والذنب للعبد كأنه أمر حتم. فالكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات.
وإنما قدم في لفظ الحديث (السيئة) وإن كانت مفعولة , لأن المقصود هنا محوها لا فعل الحسنة فصار كقوله في بول الأعرابي (صبوا عليه ذنوباً من ماء) .
وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات , فإنه أبلغ في المحو , والذنوب يزول موجبها بأشياء: أحدها التوبة , والثاني الاستغفار من غير توبة , فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب , فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال , والثالث الأعمال الصالحة المكفرة.
إما الكفارات المكفرة المقدرة كما يكفر المجامع في رمضان والمظاهر والمرتكب لبعض محظورات الحج , أو تارك بعض واجباته , أو قاتل الصيد بالكفارات المقدرة , وهي أربعة أجناس: هدي وعتق وصدقة وصيام. وإما الكفارات المطلقة كما قال حذيفة لعمر: فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وقد دل على ذلك القرآن والأحاديث الصحاح في التكفير بالصلوات الخمس والجمعة والصيام والحج وسائر الأعمال التي يقال فيها: من قال كذا وعمل كذا غفر له , أو غفر له ما تقدم من ذنبه , وهي كثيرة لمن تلقاها من السنن خصوصاً ما صنف في فضائل الأعمال.
واعلم أن العناية بهذا من أشد ما بالإنسان الحاجة إليه , فإن الإنسان من حين يبلغ , خصوصاً في هذه الأزمنة ونحوها من أزمنة الفترات التي تشبه الفترات الجاهلية من بعض الوجوه , فإن الإنسان الذي ينشأ بين أهل علم ودين قد يتلطخ من أمور الجاهلية بعدة أشياء , فكيف بغير هذا؟
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله , اليهود والنصارى؟ قال: فمن) . هذا خبر تصديقه في قوله تعالى: (فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا) ولهذا شواهد في الصحاح والحسان. وهذا أمر قد يسري في المنتسبين إلى الدين من الخاصة , كما قال غير واحد من السلف منهم ابن عيينة فإن كثيراً من أحوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين إلى العلم وكثيراً من أحوال النصارى قد ابتلى به بعض المنتسبين إلى الدين كما يبصر من ذلك من فهم دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ثم نزله على أحوال الناس.
وإذا كان الأمر كذلك فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه , وكان ميتاً فأحياه الله وجعل له نوراً يمشي به في الناس , لا بد أن يلاحظ أحوال الجاهلية وطريق الأمتين المغضوب عليهم ولا الضالين من اليهود والنصارى , فيرى أن قد ابتلي ببعض ذلك
فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخلص النفوس من هذه المورطات وهو اتباع السيئات الحسنات , والحسنات ما نُدِب إليه على لسان خاتم النبيين من الأعمال والأخلاق والصفات , ومما يزيل موجب الذنوب المصائب المكفرة وهي كل ما يؤلم من هم أو حزن أو أذى في مال أو عرض ,أو جسد أو غير ذلك ولكن ليس هذا من فعل العبد.
فلما قضى بهاتين الكلمتين حق الله من عمل صالح وإصلاح الفاسد , قال: (وخالق الناس بخلق حسن) وهو حق الناس. وجماع الخلق الحسن مع الناس: أن تصل من قطعك بالسلام , والإكرام , والدعاء له , والاستغفار , والثناء عليه , والزيارة له , وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال , وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض , وبعض هذا واجب وبعضه مستحب.
وأما الخُلق العظيم الذي وصف الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقاً , هكذا قال مجاهد وهو تأويل القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خُلُقه القرآن) وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.
وأما بيان أن هذا كله في وصية الله , فهو أن اسم تقوى الله يجمع فعل كل ما أمر الله به إيجاباً واستحباباً , وما نهى عنه تحريماً وتنزيهاً , وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد. لكن لما كان تارة يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للانكفاف عن المحارم , جاء مفسراً في حديث معاذ , وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي وصححه: (قيل يا رسول الله: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله وحسن الخلق. قيل: وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: الأجوفان: الفم والفرج) .
وفي الصحيح عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) فجعل كمال الإيمان في كمال حسن الخلق , ومعلوم أن الإيمان كله تقوى الله , وتفصيل أصول التقوى وفروعها لا يحتمله هذا الموضع , فإنها الدين كله , لكن ينبوع الخير وأصله إخلاص العبد لربه عبادة واستعانة كما في قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) وفي قوله تعالى: (فاعبده وتوكل عليه) , وفي قوله تعالى (عليه توكلت وإليه أنيب) وفي قوله تعالى: (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له) بحيث يقطع العبد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعاً بهم أو عملاً لأجلهم , ويجعل همته ربه تعالى , وذلك بملازمة الدعاء في كل مطلوب من فاقة وحاجة ومخافة وغير ذلك , والعمل له بكل محبوب. ومن أحكم هذا فلا يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
نقلاً عن رسالة (الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة) تصنيف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - طبعة المكتبة السلفية بالقاهرة..(7/665)
استماع القرآن من قرص مدمج في الباص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشخص أن يسمع القرآن من قرص مدمج في الباص.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القرآن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم تستحب قراءته والإكثار من تلاوته. وهو من وسائل الارتقاء في درج الجنة كما ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق،ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ".
والاستماع للقرآن - كذلك - مستحب كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في استماعه لقراءة أبي موسى الأشعري وقال له: " لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة "، وطلب النبي صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن يقرأ عبد الله عليه القرآن، فقال عبد الله: أقرأ عليك وعليك أُنزل؟! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إني أحب أن أسمعه من غيري ".
وكذلك استماعك - أخي السائل - للقرآن على الأقراص المدمجة التي سألت عنها، أو من المسجل أو المذياع أو الرائي (التلفزيون) له نفس الحكم (الاستحباب) . وسواء كان ذلك في بيتك أو في السيارة أو الحافلة أو ما سوى ذلك من الأماكن المناسبة ما دمت تستمع له غير منشغل عنه فأنت مأجور على هذا الاستماع. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/666)
المصائب تكفر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كانت تصلي حتى كان مولودها الأول، فتكاسلت مدعية أن أي امرأة تلد تسقط عنها ذنوبها كلها لما تلاقيه أثناء الولادة من آلام فماذا تقولون لها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا ليس بصحيح ولكن المرأة كغيرها من بني آدم إذا أصابها شيء فصبرت واحتسبت الأجر فإنها تؤجر على هذه الآلام والمصائب حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم مثل بما دون ذلك، مثل بالشوكة يشاكها فإنه يكفر بها عنه، واعلم أن المصائب التي تصيب المرء إذا صبر واحتسب الأجر من الله كان مثاباً على ما حصل منه من صبر واحتساب وكان أصل المصيبة تكفيراً لذنوبه، فالمصائب مكفرة على كل حال، فإن قارنها الصبر كان مثاباً عليها الإنسان من أجل هذا الصبر الذي حصل منه عليها، فالمرأة عند الولادة لا شك أنها تتألم وأنها تتأذى وهذا الألم يكفر به عنها فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله كان من التكفير زيادة في ثوابها وحسناتها.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين مجلة الدعوة العدد/1789، ص/61.(7/667)
من مات بالزائدة وتليّف الكبد فهو شهيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث أن المبطون شهيد، ما معنى كلمة مبطون، وهل يدخل في معناها من توفي من تليّف في الكبد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المبطون قال أهل العلم: من مات بداء البطن، والظاهر أن من جنسه من مات بالزائدة لأنها من أدواء البطن التي تميت، ولعل من ذلك أيضاً من مات بتليف الكبد لأنها داء في البطن مميت.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة.(7/668)
أمثلة على فعل المعروف نقوم بها يوميّاً للإكثار من الحسنات
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إعطاء أمثلة على فعل المعروف نقوم بها يوميّاً للإكثار من الحسنات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستطيع المسلم إذا وفقه الله للعمل الصالح أن يكثر من الأجر والثواب.
والأعمال الصالحة كثيرة ومتنوعة، يستطيعها الغني والفقير، الكبير والصغير، الذكر والأنثى، وهي تتفاوت بحسب حال فاعلها وهمته ونشاطه بعد توفيق الله له.
قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا ". رواه مسلم (118) .
ومن هذه الأعمال التي يستطيع أن يفعلها يوميّاً:
1. صلاة الجماعة في المسجد.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح ". رواه البخاري (631) ومسلم (669) .
2. اتباع الجنازة والصلاة عليها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين ". رواه البخاري (1261) ومسلم (945) .
3. قول " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة "
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك. رواه البخاري (3119) ومسلم (2691) .
4. صلة الرحم.
عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ". رواه البخاري (5639) ومسلم (2557) .
5. صيام التطوع وعيادة المريض والصدقة.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ". رواه مسلم (1028) .
6. قول " سبحان الله وبحمده " مئة مرة.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال حين يصبح وحين يمسي " سبحان الله وبحمده " مائة مرة: حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ". رواه البخاري (6042) ومسلم (2691) .
7. التسبيح والتحميد والتكبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الضحى.
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يُصبح على كل سُلاَمَى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر، صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ". رواه مسلم (720) .
8. قراءة القرآن.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف. رواه الترمذي (2910) وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وغير ذلك كثير، وليستعن المسلم بربه تعالى ليوفقه للعمل الصالح، وليبذل وسعه وطاقته لفعلها، وليحافظ على المداومة على هذه الأعمال ولو كانت قليلة، فهي خير من أن يُكثر منها ثم ينقطع.
فعن عائشة – أيضاً - أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دوْوِمَ عليه وإن قَلَّ، وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه ". رواه البخاري (43) ومسلم – واللفظ له - (782) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/669)
الحكمة من الابتلاءات
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع كثيرا عن أن هناك حِكَماً عظيمة لوقوع الابتلاء على الناس، فما هي هذه الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم للابتلاء حكم عظيمة منها:
1- تحقيق العبودية لله رب العالمين
فإن كثيراً من الناس عبدٌ لهواه وليس عبداً لله، يعلن أنه عبد لله، ولكن إذا ابتلي نكص على عقبيه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين , قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج/11.
2- الابتلاء إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض
قيل للإمام الشافعي رحمه الله: أَيّهما أَفضل: الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين؟ فقال: التَّمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مكن.
3- كفارة للذنوب
روى الترمذي (2399) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2280) .
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (2396) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1220) .
4- حصول الأجر ورفعة الدرجات
روى مسلم (2572) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً) .
5- الابتلاء فرصة للتفكير في العيوب، عيوب النفس وأخطاء المرحلة الماضية
لأنه إن كان عقوبة فأين الخطأ؟
6- البلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل
يطلعك عمليّاً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف، لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
قال ابن القيم:
" فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه: أهَّله لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه " انتهى.
" زاد المعاد " (4 / 195) .
7- الابتلاء يخرج العجب من النفوس ويجعلها أقرب إلى الله.
قال ابن حجر: " قَوْله: (وَيَوْم حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ) رَوَى يُونُس بْن بُكَيْر فِي " زِيَادَات الْمَغَازِي " عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ: قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ: لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْهَزِيمَة.."
قال ابن القيم زاد المعاد (3/477) :
" واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته " انتهى.
وقال الله تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) آل عمران/141.
قال القاسمي (4/239) :
" أي لينقّيهم ويخلّصهم من الذنوب، ومن آفات النفوس. وأيضاً فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين، فتميزوا منهم. .........ثم ذكر حكمة أخرى وهي (ويمحق الكافرين) أي يهلكهم، فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبطروا، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم، إذ جرت سنّة الله تعالى إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم والتسليط عليهم ... وقد محق الله الذي حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر جميعاً " انتهى.
8- إظهار حقائق الناس ومعادنهم. فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلا في المحن.
قال الفضيل بن عياض: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه ".
ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلائِل" عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ: اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير - يَعْنِي عَقِب الإِسْرَاء - فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق. فَقَالُوا: وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة؟ قَالَ نَعَمْ , إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ , أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء , قَالَ: فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق.
9- الابتلاء يربي الرجال ويعدهم
لقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد، منذ صغره ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها.
نشأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيماً ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى ماتت أمه أيضاً.
والله سبحانه وتعالى يُذكّر النبي صلّى الله عليه وآله بهذا فيقول: (ألم يجدك يتيماً فآوى) .
فكأن الله تعالى أرد إعداد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحمل المسئولية ومعاناة الشدائد من صغره.
10- ومن حكم هذه الابتلاءات والشدائد: أن الإنسان يميز بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء المصلحة
كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي
11- الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها
والله عز وجل يقول: (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ) النساء/79، ويقول سبحانه: (وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ) الشورى/30.
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: (وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ) السجدة/21، والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر.
وإذا استمرت الحياة هانئة، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه.
12- الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور
وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب (وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ) العنكبوت/64، أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ: (لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ) البلد/4.
13- الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية
فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتهما، ولم تقدِّرهما حق قدرهما.
المصائب تذكرك بالمنعِم والنعم، فتكون سبباً في شكر الله سبحانه على نعمته وحمده.
14- الشوق إلى الجنة
لن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذقت مرارة الدنيا , فكيف تشتاق للجنة وأنت هانئ في الدنيا؟
فهذه بعض الحكم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء وحكمة الله تعالى أعظم وأجل.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/670)
فضل الصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممكن أن تخبرني ببعض الآيات والأحاديث التي فيها فضل الصبر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" فإن الله سبحانه جعل الصبر جواداً لا يكبو , وجنداً لا يهزم , وحصناً حصينا لا يهدم، فهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد.
ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب.
وأخبر أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين، فقال تعالى: (واصبروا إن الله مع الصابرين) .
وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين، فقال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) .
وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً باليمن فقال تعالى: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) .
وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط، فقال تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعلمون محيط) .
وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصلاه إلى محل العز والتمكين فقال: (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) .
وعلق الفلاح بالصبر والتقوى، فعقل ذلك عنه المؤمنون فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) .
وأخبر عن محبته لأهله، وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين، فقال تعالى: (والله يحب الصابرين) .
ولقد بشر الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون، فقال تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .
وأوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) .
وجعل الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون، فقال تعالى: (إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون) .
وأخبر أن الرغبة في ثوابه والإعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها إلا أولو الصبر المؤمنون، فقال تعالى: (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون) .
وأخبر تعالى أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسيء كأنه ولي حميم، فقال: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) وأن هذه الخصلة (لا يلقاها إلا الذين صبروا. وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) .
وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) .
وقسَّم خلقه قسمين: أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة، وخص أهل الميمنة أهل التواصى بالصبر والمرحمة.
وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييزاً لهم بهذا الحظ الموفور، فقال في أربع آيات من كتابه: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) .
وعلَّق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر، وذلك على من يسره عليه يسير، فقال: (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير) .
وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور، فقال: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) .
وأمر رسوله بالصبر لحكمه، وأخبر أن صبره إنما هو به وبذلك جميع المصائب تهون فقال: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) ، وقال: (واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون. إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) .
والصبر ساق إيمان المؤمن الذي لا اعتماد له إلا عليها , فلا إيمان لمن لا صبر له وإن كان فإيمان قليل في غاية الضعف وصاحبه يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ولم يحظ منهما إلا بالصفقة الخاسرة.
فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم , وترقوا إلى أعلى المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم " انتهى.
" عدة الصابرين " لابن القيم (ص 3 – 5) .
وأما الأحاديث في فضل الصبر، فمنها:
روى البخاري (1469) ومسلم (1053) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) .
روى مسلم (918) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ " إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا " إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا) .
وروى مسلم (2999) عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) .
ولمعرفة المزيد من الأحاديث في فضل الصبر، والترغيب فيه، انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (4/274-302) .
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاض (أي عوضه) مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/671)
هل كل بلاء من مرض أو حادث أو غيره يؤجر عليه العبد إذا أصيب به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السحر والعين ابتلاء من عند الله فهل يؤجر العبد إذا أصيب بأحدها؟ وهل كل بلاء من مرض أو حادث أو غيره يؤجر عليه العبد إذا أصيب به أم أن هناك أموراً وضحها الإسلام يجب أن تتبع حتى يحصل له الأجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقدم في جواب السؤال رقم (10936) فتوى للشيخ محمد بن صالح ابن عثيمين رحمه الله، وفيها بيان أن المصائب التي يُؤجر عليها العبد المسلم هي التي يصبر عليها ويحتسب أجرها عند الله تبارك وتعالى.
ولاشك أن الإصابة بالعين والسحر من أعظم ما يصيب المسلم من مصائب، فإن أثرهما على عقل وقلب وجوارح المبتلى بهما عظيم. فإن صبر على ذلك كان له من الله أجر عظيم.
فعن ابْنُ عَبَّاسٍ أن امَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: (إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا) رواه البخاري (5652) ومسلم (2576)
والمصائب التي تصيب الإنسان في نفسه، أو في ماله، أو أسرته ليست شرّاً محضاً، بل قد يترتب عليها للعبد كثير من الخير.
وقد بيَّن الله تعالى في كتابه ما يخفف البلاء على النفس، وما يحفِّز على الحصول على الأجر، وذلك بالصبر والاسترجاع، وهو وعد من الله سينجزه سبحانه، كما قال سبحانه: (وبشّر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة/155-157.
قال ابن القيم:
وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتها تسلى عن مصيبته:
أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة، وقد جعله عند العبد عارية، فإذا أخذه منه: فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير.
والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بد أن يخلِّف الدنيا وراء ظهره ويجىء ربه فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد ونهايته: فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود؟ ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء.
" زاد المعاد " (4 / 189) باختصار.
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصبر على الضراء والمصائب لا يكون إلا ممن حقق الإيمان.
عن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير ". رواه مسلم (2999) .
إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح: " إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الشيخ الألباني.
ولا ينبغي أن يكره العبد ما يقِّدره الله له من البلاء، يقول الحسن البصري رحمه الله: لا تكرهوا البلايا الواقعة، والنقمات الحادثة، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك. (أي هلاكك)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/672)
فضل صيام الستّ من شوال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صيام الستّ من شوال، وهل هي واجبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
صيام ست من شوال بعد فريضة رمضان سنّة مستحبّة وليست بواجب، ويشرع للمسلم صيام ستة أيام من شوال، وفي ذلك فضل عظيم، وأجر كبير ذلك أن من صامها يكتب له أجر صيام سنة كاملة كما صح ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر. " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقد فسّر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) . " وفي رواية: " جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام تمام السنة " النسائي وابن ماجة وهو في صحيح الترغيب والترهيب 1/421 ورواه ابن خزيمة بلفظ: " صيام شهر رمضان بعشرة أمثالها وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة ".
وقد صرّح الفقهاء من الحنابلة والشافعية: بأن صوم ستة أيام من شوال بعد رمضان يعدل صيام سنة فرضا، وإلا فإنّ مضاعفة الأجر عموما ثابت حتى في صيام النافلة لأن الحسنة بعشرة أمثالها.
ثم إنّ من الفوائد المهمّة لصيام ستّ من شوال تعويض النّقص الذي حصل في صيام الفريضة في رمضان إذ لا يخلو الصائم من حصول تقصير أو ذنب مؤثّر سلبا في صيامه ويوم القيامة يُؤخذ من النوافل لجبران نقص الفرائض كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت تامة وإن انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم " رواه أبو داود. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/673)
رؤية ليلة القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ترى ليلة القدر عيانا أي أنها ترى بالعين البشرية المجردة؟ حيث أن بعض الناس يقولون إن الإنسان إذا استطاع رؤية ليلة القدر يرى نورا في السماء ونحو هذا، وكيف رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ وكيف يعرف المرء أنه قد رأى ليلة القدر؟ وهل ينال الإنسان ثوابها وأجرها وإن كانت في تلك الليلة التي لم يستطع أن يراها فيها؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد ترى ليلة القدر بالعين لمن وفقه الله سبحانه وذلك برؤية أماراتها، وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليهما بعلامات ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيمانا واحتسابا، فالمسلم ينبغي له أن يجتهد في تحريها في العشر الأواخر من رمضان كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم طلبا للأجر والثواب فإذا صادف قيامه إيمانا واحتسابا هذه الليلة نال أجرها وإن لم يعلمها قال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي رواية أخرى (من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن من علاماتها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، وكان أبي بن كعب يقسم على أنها ليلة سبع وعشرين ويستدل بهذه العلامة، والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها، وأوتارها أحرى، وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك، ومن اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلة القدر بلا شك وفاز بما وعد الله به من قامها إذا فعل ذلك إيمانا واحتسابا.
والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/674)
خطورة التسرع في الفتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض المفتين في بعض القنوات الفضائية يجيبون على جميع الأسئلة دائماً بلا استثناء، وبعض الناس في بعض المجالس إذا طرح سؤال يتسابقون للإجابة عليه وكل واحد يريد أن يتكلم قبل الآخر، فما حكم الشرع في هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم:
وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره: فإذا رأى بها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى. وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أراه قال في المسجد، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا وقال الإمام أحمد: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه، ولا يحدث حديثا إلا ود أن أخاه كفاه.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد إن بكير بن الأشج أخبره عن معاوية بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر، فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا فماذا تريان؟ فقال عبد الله بن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ائتنا فأخبرنا، فذهبت فسألتهما فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فقال أبو هريرة: الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال: قال ابن عباس: إن كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون، قال مالك: وبلغني عن ابن مسعود مثل ذلك، رواه ابن وضاح عن يوسف بن عدي عن عبد بن حميد عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله، ورواه حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن عبد الله.
وقال سحنون بن سعيد: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه.
قلت: الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته، فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه، ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا، وقد تقدم أن فتاواه جمعت في عشرين سفرا، وكان سعيد بن المسيب أيضا، واسع الفتيا، وكانوا يسمونه (بالجريء) كما ذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال: كنت أرى الرجل في ذلك الزمان وإنه ليدخل يسأل عن الشيء فيدفعه الناس عن مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا، قال: وكانوا يدعونه سعيد بن المسيب الجريء.
وقال سحنون: إني لأحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب قبل الخبر؟ فلم ألام على حبس الجواب؟ وقال ابن وهب: حدثنا أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين قال: قال حذيفة: إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نُسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بُدّا، أو أحمق متكلف، قال: فربما قال ابن سيرين: فلست بواحد من هذين، ولا أحب أن أكون الثالث.
[الْمَصْدَرُ]
" إعلام الموقعين " (1 / 28، 29) .(7/675)
ما هي أفضل مجالات العمل الدنيوي في الوظائف والتجارات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل مجالات العمل الدنيوي في الوظائف والتجارات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الإمام ابن تيمية السؤال التالي:
يتفضل الشيخ الإمام , بقية السلف , وقدوة الخلف , أعلم من لقيت ببلاد المشرق والمغرب , تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية بأن يبين لي أرجح المكاسب.
فأجاب رحمه الله تعالى:
أما أرجح المكاسب: فالتوكل على الله , والثقة بكفايته , وحسن الظن به.وذلك أنه ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه , كما قال سبحانه فيما يأثر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) . وفيما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع , فإنه إن لم ييسره لم يتيسر) إنما صح نحوه من قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. - انظر: السلسلة الضعيفة رقم 1362 -.
وقد قال الله تعالى في كتابه: (واسألوا الله من فضله) وقال سبحانه: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصلوات.
ولهذا والله أعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدخل المسجد أن يقول: (اللهم افتح لي أبواب رحمتك) وإذا خرج أن يقول: (اللهم إني أسألك من فضلك) وقد قال الخليل صلى الله عليه وسلم: (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له) وهذا أمر , والأمر يقتضي الإيجاب. الاستعانة بالله واللجوء إليه في أمر الرزق وغيره أصل عظيم.
ثم ينبغي له أن يأخذ المال بسخاوة نفس ليبارك له فيه , ولا يأخذه بإشراف وهلع , بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج إليه من غير أن يكون له في القلب مكانة , والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء. وفي الحديث المرفوع. رواه الترمذي وغيره (من أصبح والدنيا همه شتت الله عليه شمله , وفرق عليه ضيعته , ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له , ومن أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله عليه شمله , وجعل غناه في قلبه , وأتته الدنيا وهي راغمة) . وقال بعض السلف: أنت محتاج إلى الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج , فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاماً. قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) .
فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة أو تجارة أو بناية أو حراثة أو غير ذلك , فهذا مختلف باختلاف الناس , ولا أعلم في ذلك شيئاً عاماً , لكن إذا عنَّ للإنسان جهة فليستخر الله تعالى فيها الاستخارة المتلقاة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم , فإن فيها من البركة ما لا يحاط به. ثم ما تيسر له فلا يتكلف غيره إلا أن يكون منه كراهة شرعية.
[الْمَصْدَرُ]
نقلاً عن رسالة (الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة) تصنيف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - طبعة المكتبة السلفية بالقاهرة.(7/676)
ما هي أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الأمام ابن تيمية السؤال التالي:
يتفضل الشيخ الإمام , بقية السلف , وقدوة الخلف , أعلم من لقيت ببلاد المشرق والمغرب , تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية بأن ينبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات
فأجاب رحمه الله تعالى:
وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض فإنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاتهم , فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد , لكن ما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره: أن ملازمة ذكر الله دائماً هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة , وعلى ذلك دل حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: (سبق المفردون , قالوا يا رسول الله: ومن المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) . وفيما رواه أبو داوود عن أبي الدرداء رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم , وأرفعها في درجاتكم , وخير لكم من إعطاء الذهب والورق , ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله , قال ذكر الله) والدلائل القرآنية والإيمانية بصراً وخبراً ونظراً على ذلك كثيرة. وأقل ذلك أن يلازم العبد الأذكار المأثورة عن معلم الخير وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم كالأذكار المؤقتة في أول النهار وآخره , وعند أخذ المضجع وعند الاستيقاظ من المنام , وأدبار الصلوات , والأذكار المقيدة , مثل ما يقال عند الأكل والشرب واللباس والجماع , ودخول المنزل والمسجد والخلاء والخروج من ذلك , وعند المطر والرعد , إلى غير ذلك , وقد صنفت له الكتب المسماة بعمل يوم وليلة - ومن أحسن ما صنف في هذا الباب كتاب من الحجم الصغير (صحيح الكلم الطيب) وهو مستقي من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (الكلم الطيب) وهو من تحقيق العلامة الألباني -.
ثم ملازمة الذكر مطلقاً , وأفضله لا إله إلا الله.
وقد تعرض أحوال يكون بقية الذكر مثل سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله أفضل منه.
ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلم علم وتعليمه , وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله. ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض , أوجلس مجلساً يتفقه أو يفقهه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله (فقهاً) , فهذا أيضاً من أفضل ذكر الله.
وعلى ذلك إذا تدبرت لم تجد من الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف. وما اشتبه أمره على العبد فعليه بالاستخارة المشروعة , فما ندم من استخار الله تعالى. وليكثر من ذلك ومن الدعاء , فإنه مفتاح كل خير , ولا يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي , وليتحرَّ الأوقات الفاضلة , كآخر الليل , وأدبار الصلوات , وعند الأذان , ووقت نزول المطر , ونحو ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
نقلاً عن رسالة (الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة) تصنيف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - طبعة المكتبة السلفية بالقاهرة.(7/677)
كفالة طفل مفقود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن كفالة طفل فقد والده من مشروع كفالة الأيتام، أم أن ذلك خاص بالأيتام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اليتيم هو من يموت أبوه كما قرر ذلك أهل اللغة كما في لسان العرب وغيره، وهو يتيم حتى يبلغ الحلم، وهو بلوغ سن الخامسة عشرة، أو ظهور علامات البلوغ قبل ذلك وهي إنزال الماء الدافق في جماع أو احتلام، أو نبات الشعر الخشن حول الفرج، وتزيد الأنثى بعلامة رابعة وهي الحيض فهو عَلم على البلوغ. (انظر المغني لابن قدامة 6/597)
أما من فقد أباه، فإنه لا يعتبر يتيماً حتى يتيقن من موته، أو يمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها، ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم، كما قرر ذلك جمهور الفقهاء في أبواب ميراث المفقود.
فإذا كان هذا الطفل فقيراً أو من عائلة فقيرة فإنه يمكن الصرف عليه من الزكاة والصدقات، وأما كفالة اليتيم فلا تنطبق عليه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل/محمد الحمود النجدي ص13(7/678)
هل وفاة المرأة عند الولادة شهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت زوجتي رحمها الله بعد الولادة بساعتين وأنجبت لي بنتا، فهل تعتبر زوجتي شهيدة؟ وما هو واجبي نحو البنت؟ وهل أكون كافلا ليتيمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ماتت المرأة وفي بطنها جنين، أو ماتت أثناء الولادة، أو بعد الولادة في مدة نفاسها، فإنها تعتبر شهيدة بإذن الله؛ لما رواه راشد بن حبيش، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت في مرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتعلمون من الشهيد من أمتي؟ فأرمَّ القوم، فقال عبادة: ساندوني، فأسندوه، فقال: يا رسول الله الصابر المحتسب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شهداء أمتي إذاً لقليل، القتل في سبيل الله عز وجل شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة " والسرر: ما تقطعه القابلة من المولود، والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح (المسند 3/489) ، وله شاهد عند مالك (1/233) وأبي داود (3/482) .
ولما رواه عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: الذي يقاتل فيقتل في سبيل الله عز وجل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن شهداء أمتي إذا لقليل، القتيل في سبيل الله شهيد، والمطعون شهيد، والمبطون شهيد، والمرأة تموت بجُمع شهيد " رواه الإمام أحمد (5/315) ، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وقال: صحيح الإسناد، ومعناه عند مسلم كما ذكر في الحديث السابق، ومعنى المرأة التي تموت بجمع: أي تموت وفي بطنها ولد.
أما رعايتك لابنتك بعد موت أمها، فتكون بالقيام بأمورها من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك، فهذا هو الواجب عليك، ولك الأجر في ذلك، مع إخلاص النية لله تعالى، ولا تعتبر في هذه الحالة كافلا ليتيم؛ لأن اليتيم من الناس شرعا من مات أبوه وهو صغير، ذكرا كان أو أنثى. أما الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة " وأشار مالك بالسبابة والوسطى، فالمراد بقوله " له " أن يكون الكافل له قريبا له: كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وعمته وخاله وخالته، وغيرهم من أقاربه، والمراد بقوله " أو لغيره " أن يكون الكافل له أجنبيا من اليتيم. أما ما يجب عليك نحو ابنتك، فهو النفقة عليها من مطعم ومشرب وملبس وسكنى، والاهتمام بتربيتها تربية إسلامية، والاهتمام بتعليمها أمور دينها، وغرس العقيدة الإسلامية الصافية في نفسها.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة(7/679)
الذين يظلهم الله في ظله
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذين يظلهم في ظله عندما تقترب الشمس من الأرض يوم القيامة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله في أحاديث صحيحة ثابتة،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " متفق عليه، رواه البخاري (2/144-174) ومسلم برقم 1712، وغيرهما.
وهذا مما يمن الله به على عباده المؤمنين، ففي ذلك اليوم العظيم يكون الناس في كرب وشدة، وتدنو الشمس من الخلائق على قدر ميل، ويعرق الناس كلٌ على حسب عمله، إلا بعض المؤمنين الذين يختصهم الله فيظلهم تحت ظله، ويقيهم من الشمس والعرق.
عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَدْنُو الشَّمْسُ مِنْ الْأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَجُزَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْخَاصِرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُه ُ.. " رواه الإمام أحمد في مسنده برقم 16798.
ونورد فيما يلي شرح ابن حجر رحمه الله لهذا الحديث:
" قَوْله: (فِي ظِلّه) إِضَافَة الظِّلّ إِلَى اللَّه إِضَافَة تَشْرِيف , وَكُلّ ظِلّ فَهُوَ مِلْكُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِظِلِّهِ: كَرَامَته وَحِمَايَته، كَمَا يُقَال: فُلانٌ فِي ظِلّ الْمَلِكِ. وَقِيلَ: الْمُرَاد ظِلّ عَرْشه وهو أرجح.
قَوْله: (الإِمَام الْعَادِل) الْمُرَاد بِهِ: صَاحِب الْوِلَايَة الْعُظْمَى , وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُور الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ.
وَأَحْسَن مَا فُسِّرَ بِهِ الْعَادِل: أَنَّهُ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْر اللَّه بِوَضْعِ كُلّ شَيْء فِي مَوْضِعه مِنْ غَيْر إِفْرَاط وَلا تَفْرِيط. وَقَدَّمَهُ - الإمام العادل - فِي الذِّكْرِ لِعُمُومِ النَّفْع بِهِ.
قَوْله: (وَشَابّ) : خَصَّ الشَّابّ لِكَوْنِهِ مَظِنَّة غَلَبَة الشَّهْوَة؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّة الْبَاعِث عَلَى مُتَابَعَة الْهَوَى ; فَإِنَّ مُلَازَمَة الْعِبَادَة مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلّ عَلَى غَلَبَة التَّقْوَى.
قَوْله: (فِي عِبَادَة رَبّه) : َفِي حَدِيث سَلْمَانَ " أَفْنَى شَبَابه وَنَشَاطه فِي عِبَادَة اللَّه ".
قَوْله: (مُعَلَّق فِي الْمَسَاجِد) : وَظَاهِره أَنَّهُ مِنْ التَّعْلِيق؛ كَأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَلَّق فِي الْمَسْجِد - كَالْقِنْدِيلِ مَثَلا - إِشَارَةً إِلَى طُول الْمُلازَمَة بِقَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ جَسَده خَارِجًا عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون مِنْ الْعَلَاقَة وَهِيَ شِدَّة الْحُبّ.
قَوْله: (تَحَابَّا) : بِتَشْدِيدِ الْبَاء، أَيْ: اِشْتَرَكَا فِي جِنْس الْمَحَبَّة وَأَحَبَّ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرُ حَقِيقَةً لا إِظْهَارًا فَقَطْ.
قَوْله: (اِجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) : الْمُرَاد أَنَّهُمَا دَامَا عَلَى الْمَحَبَّة الدِّينِيَّة وَلَمْ يَقْطَعَاهَا بِعَارِضٍ دُنْيَوِيٍّ، سَوَاء اِجْتَمَعَا حَقِيقَةً أَمْ لا، حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْت.
قَوْله: (وَرَجُل طَلَبَتْهُ ذَاتُ مَنْصِب) : الْمُرَاد بِالْمَنْصِبِ الأَصْل أَوْ الشَّرَف , وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الأَصْل وَعَلَى الْمَال أَيْضًا , وَقَدْ وَصَفَهَا بِأَكْمَلِ الأَوْصَاف الَّتِي جَرَتْ الْعَادَة بِمَزِيدِ الرَّغْبَة لِمَنْ تَحْصُلُ فِيهِ وَهُوَ الْمَنْصِب الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ الْجَاه وَالْمَال مَعَ الْجَمَال وَقَلَّ مَنْ يَجْتَمِع ذَلِكَ فِيهَا مِنْ النِّسَاء , وَالظَّاهِر أَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَى الْفَاحِشَة.
قَوْله: (فَقَالَ إِنِّي أَخَاف اللَّه) : الظَّاهِر أَنَّهُ يَقُول ذَِكَ بِلِسَانِهِ؛ إِمَّا لِيَزْجُرَهَا عَنْ الْفَاحِشَة، أَوْ لِيَعْتَذِرَ إِلَيْهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَهُ بِقَلْبِهِ.
قَوْله: (حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِق يَمِينُهُ) : الْمَعْنَى الْمَقْصُود مِنْ هَذَا الْمَوْضِع إِنَّمَا هُوَ إِخْفَاء الصَّدَقَة. ثم الْمُبَالَغَة فِي إِخْفَاء الصَّدَقَة، بِحَيْثُ إنَّ شِمَاله مَعَ قُرْبِهَا مِنْ يَمِينه وَتَلازُمِهِمَا لَوْ تَصَوَّرَ أَنَّهَا تَعْلَم لَمَا عَلِمَتْ مَا فَعَلَتْ الْيَمِين لِشِدَّةِ إِخْفَائِهَا , فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ مَجَاز التَّشْبِيه.
قَوْله: (ذَكَرَ اللَّه) أَيْ بِقَلْبِهِ، أَوْ بِلِسَانِهِ.
(خَالِيًا) : مِنْ الْخُلُوّ، لأَنَّهُ يَكُون حِينَئِذٍ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاء، وَالْمُرَاد خَالِيًا مِنْ الالْتِفَات إِلَى غَيْر اللَّه.
قَوْله: (فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) : أَيْ فَاضَتْ الدُّمُوع مِنْ عَيْنَيْهِ , وَأُسْنِدَ الْفَيْضُ إِلَى الْعَيْن مُبَالَغَةً كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَاضَتْ.
وذِكْر الرِّجَال فِي هَذَا الْحَدِيث لا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ يَشْتَرِك النِّسَاء مَعَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ. إِلا إِنْ كَانَ الْمُرَاد بِالإِمَامِ الْعَادِل الإِمَامَة الْعُظْمَى , وَإِلا فَيُمْكِنُ دُخُول الْمَرْأَة حَيْثُ تَكُون ذَاتَ عِيَالٍ فَتَعْدِلُ فِيهِمْ. وَتَخْرُج خَصْلَة مُلازَمَة الْمَسْجِد لأَنَّ صَلاة الْمَرْأَة فِي بَيْتِهَا أَفْضَل مِنْ الْمَسْجِد , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَة حَاصِلَةٌ لَهُنَّ , حَتَّى الرَّجُل الَّذِي دَعَتْهُ الْمَرْأَة فَإِنَّهُ يُتَصَوَّر فِي اِمْرَأَة دَعَاهَا مَلِكٌ جَمِيل مَثَلا فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنْ اللَّه تَعَالَى مَعَ حَاجَتهَا " فتح الباري (2/144) .
وهناك آخرون يظلّهم الله في ظلّه - غير السبعة المذكورين في الحديث السابق - جاء ذكرهم في أحاديث أخرى، نظمهم ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري (620) ، وهم: " إِظْلال الْغَازِي , وعَوْن الْمُجَاهِد , وإِنْظَار الْمُعْسِر وَالْوَضِيعَة عَنْهُ وَتَخْفِيف حِمْلِهِ، وَإِرْفَادَ ذِي غُرْم، وَعَوْن الْمَكَاتِب , وتَحْسِين الْخُلُق، والمَشْي إلى المساجد، والتَّاجِر الصَّدُوق، وَآخِذ حَقّ، والبَاذِل، والكَافِل ".
نسأل الله أن يظلنا تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/680)
سقطت في بئر فماتت فهل تعد شهيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت والدتي منذ عشرين عاما تقريبا، وذلك بأن سقطت في بئر ليس ممتلئا تماما بالماء، وقد كانت امرأة صالحة، فهل هي من عداد الشهداء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم الغريق من الشهداء؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله " رواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والترمذي.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/24.(7/681)
الشهيدة وجزاء الشهيد باثنتين وسبعين من الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[المرأة المقتولة شهيدة في سبيل الله كيف يطبق عليها حديث: الشهيد يزوج بـ 72 من الحور العين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
هذا العدد خاص بالرجال، وليس للمرأة في الجنة إلا زوج واحد وهو يكفيها وتتنعم به ولا تحتاج إلى زيادة. انتهى
والمرأة المسلمة - التي لم تتأثّر بدعاوى دعاة الإباحيّة وتعلم أنّها ليست مثل الرجل في خلقتها وتكوينها لأنّ الله جعلها هكذا - لا تعترض على أحكام الله ولا تسخط بل ترضى بما قضى الله لها، وفطرتها السليمة تخبرها بأنها لا يُمكن أن تُعاشر أكثر من رجل في الوقت نفسه، وما دام أنها إذا دخلت الجنة ستنال كل ما تشتهيه فهي لا تُجادل الآن في نعيمها وجزائها الذي اختاره ربها لها ولا يظلم ربك أحدا، وهي إذا كانت من أهل الجنة فإنها داخلة ومعنية كالرجل بقوله تعالى: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) الزخرف 71 نسأل الله الفردوس الأعلى وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/682)
أجر الصبر على سقوط الجنين ذي الرّوح
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث) هل يدخل فيه السّقط الذي نفخ فيه الروح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
نعم، يدخل فيه، ولكن ليس كمن وُجد وتعلقت به النفس.
سؤال: ولكن يحصل له الفضل المذكور.
جواب: نعم يرجى هذا. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/683)
الميزات الست للشهيد
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بخصال ست لمن يُقتل في سبيل الله (الشهيد) ، فما هي تلك الخصال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المقدام بن معْدي كرب أنه قال: " إن للشهيد عند الله سبع خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من فتنة القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه "
وفي رواية أخرى " للشهيد عند الله ست خصال، وفي رواية تسع خصال، وفي رواية تسع خصال أو عشر خصال ". أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. وابن ماجة في السنن، وأحمد، وعبد الرزاق في المصنف، والطبراني في الكبير، وسعيد بن منصور في السنن.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ وليد الفريان.(7/684)
ماذا يمكن أن تفعل في دقيقة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في المكاتب ومقرات العمل لا نكاد نجد وقت للعبادة والعمل الصالح فكيف نفعل في الأوقات القليلة التي نجدها في يومنا؟ وكيف يمكن أن نستفيد منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الوقت هو عمر الإنسان، ومن أجلِّ ما يصان عن الإضاعة والإهمال، والحكيم الخبير من يحافظ على وقته، فلا يتخذه وعاء لأبخس الأشياء وأسخف الكلام، بل يقصره على المساعي الحميدة والأعمال الصالحة التي ترضي الله، وتنفع الناس، فكل دقيقة من عمرك قابلة لأن تضع فيها حجراً يزداد به صرح مجدك ارتفاعاً، ويقطع به قومك في السعادة باعاً أو ذراعاً.
فإن كنت حريصاً على أن يكون لك المجد الأسمى، ولقومك السعادة العظمى فدع الراحة جانباً، واجعل بينك وبين اللهو حاجباً.
هذا وإن الدقيقة من الزمن يمكن أن يُفعل فيها خير كثير وينال بها أجر كبير، دقيقة واحدة فقط يمكن أن تزيد عمرك، في عطائك، في فهمك، في حفظك، في حسناتك، دقيقة واحدة تكتب في صحيفة أعمالك إذا عرفت كيف تستثمرها وتحافظ عليها:
احرص على النفع الأعم من الدقيقة
إن تنسها تنس الأهم بل الحقيقة
وفيما يلي ذكر لمشاريع استثمارية تستطيع إنجازها في دقيقة واحدة بإذن الله:
1- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقرأ سورة الفاتحة (3) مرات سرداً وسراً، حسب بعضهم حسنات قراءة الفاتحة فإذا هي أكثر من (600) حسنة فإذا قرأتها (3) مرات يحصل لك بإذن الله أكثر من (1800) حسنة وكل هذا في دقيقة واحدة.
2- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقرأ سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) (20) مرة سرداً وسراً، وقراءتها مرة واحدة تعدل ثلث القرآن، فإذا قرأتها (20) مرة فإنها تعدل القرآن (7) مرات، ولو قرأتها كل يوم في دقيقة واحدة (20) مرة لقرأتها في الشهر (600) مرة، وفي السنة (7200) مرة، وهي تعدل في الأجر قراءة القرآن (2400) مرة.
3- تقرأ وجهاً من كتاب الله في دقيقة.
4- تحفظ آية قصيرة من كتاب الله في دقيقة.
5- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير (20) مرة، وأجرها كعتق (8) رقاب في سبيل الله من ولد إسماعيل.
6- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول سبحان الله وبحمده (100) مرة، ومن قال ذلك في يوم غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زيد البحر.
7- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (50) مرة، وهما كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، كما روى البخاري ومسلم.
8- قال صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم، وفي الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقول هذه الكلمات جميعاً أكثر من (18) مرة، وهذه الكلمات هي من أحب الكلام إلى الله، وهي من أفضل الكلام، ووزنهن في الميزان ثقيل كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
9- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله أكثر من (40) مرة، وهي كنز من كنوز الجنة كما روى البخاري ومسلم كما أنها سبب عظيم لتحمل المشاق، والتضلع بعظيم الأعمال.
10- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول لا إله إلا الله (50) مرة تقريباً وهي أعظم كلمة، فهي كلمة التوحيد، والكلمة الطيبة، والقول الثابت، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة، إلى غير ذلك مما يدل على فضلها وعظمتها.
11- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقول: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته أكثر من (15) مرة وهي كلمات تعدل أضعافاً مضاعفةً من أجور التسبيح والذكر كما صح عنه عليه الصلاة السلام.
12- في دقيقة واحدة تستغفر الله عز وجل أكثر من (100) مرة بصيغة أستغفر الله، ولا يخفى عليك فضل الاستغفار، فهو سبب للمغفرة، ودخول الجنة، وهو سبب للمتاع الحسن، وزيادة القوة، ودفع البلايا، وتيسير الأمور، ونزول الأمطار، والإمداد بالأموال والبنين.
13- تلقي كلمة مختلة مختصرة في دقيقة وربما يفتح الله بها من الخير ما لا يخطر لك ببال.
14- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (50) مرة بصيغة صلى الله عليه وسلم، فيصلي عليك الله مقابلها (500) مرة لأن الصلاة الواحدة بعشر أمثالها.
15- في دقيقة واحدة ينبعث قلبك إلى شكر الله، ومحبته، وخوفه، ورجائه والشوق إليه، فتقطع مراحل في العبودية وقد تكون حينئذ مستلقياً على فراشك أو سائراً في طريقك.
16- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تقرأ أكثر من صفحتين من كتاب مفيد يسير الفهم.
17- في الدقيقة الواحدة تستطيع أن تصل رحمك عبر الهاتف.
18- ترفع يديك وتدعو بما شئت من جوامع الدعاء في دقيقة.
19- تُسَلِم على عدد من الأشخاص وتصافحهم في دقيقة.
20- تنهى عن منكر في دقيقة.
21- تأمر بمعروف في دقيقة.
22- تقدم نصيحة لأخ في دقيقة.
23- تواسي مهموماً في دقيقة
24- تميط الأذى عن الطريق في دقيقة.
25- اغتنام الدقيقة الواحدة يبعث على اغتنام غيرها من الأوقات الطويلة المهدرة.
قال الشافعي رحمه الله:
إذا هجع النوَّام أسبلت عبرتي وردَّدت بيتاً وهو من ألطف الشعر
أليس من الهجران أن ليالياً تمر بلا علم وتحسب من عمري
وأخيراً فبقدر إخلاصك ومراقبتك يعظم أجرك، وتكثر حسناتك.
واعلم أن معظم هذه الأعمال لا يكلفك شيئاً، فلا يلزمك طهارة، أو تعب، أو بذل جهد، بل قد تقوم به وأنت تسير على قدميك، أو على السيارة، أو أنت مستلق، أو واقف، أو جالس، أو تنتظر أحداً.
كما أن هذه الأعمال من أعظم أسباب السعادة، وانشراح الصدر، وزوال الهموم والغموم. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وصلى الله على سيدنا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/685)
إن أكرمكم عند الله أتقاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الإسلام في التفرقة العنصرية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الناس كلهم بنو رجل واحد.. وبنو امرأة واحدة.. المؤمن والكافر.. الأبيض والأسود.. العربي والأعجمي.. الغني والفقير.. الشريف والوضيع.
والإسلام لا يلتفت إلى الفوارق في اللون , والجنس , والنسب فالناس كلهم لآدم وآدم خلق من تراب.. وإنما يكون التفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى.. بفعل ما أمر الله به.. واجتناب ما نهى الله عنه , قال تعالى: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات/13.
والإسلام يسوي بين جميع الناس في الحقوق والواجبات.. فالناس أمام الشرع سواء كما قال سبحانه (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل/97.
فالإيمان , والصدق , والتقوى كله في الجنة.. وهو حق لمن تخلق به.. ولو كان أضعف الناس..أو أدنى الناس كما قال سبحانه (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً) الطلاق/11.
والكفر والكبر , والطغيان كله في النار.. ولو كان صاحبه أغنى الناس..أو أشرف الناس كما قال سبحانه (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير) التغابن/10.
وقد جمعت وزارة الرسول صلى الله عليه وسلم رجالاً مسلمين.. من قبائل وأجناس وألوان شتى.. يملأ قلوبهم التوحيد.. ويجمعهم الإيمان والتقوى.. كأبي بكر القرشي.. وعلي بن أبي طالب الهاشمي.. وبلال الحبشي.. وصهيب الرومي.. وسلمان الفارسي..والغني كعثمان.. والفقير كعمار.. وأهل الثروة.. وأهل الصفة.. وغيرهم.
وقد آمنوا بالله وجاهدوا في سبيله.. حتى رضي الله عنهم ورسوله..أولئك المؤمنون حقاً.. (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) البينة/ 8.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(7/686)
إذا فعل طاعة وهو لا يدري ثوابها، فهل يكتب له أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فعل إنسان عمل خير ولم يقصد بذلك العمل نيل الثواب لجهله بالثواب، فهل يكتب له الأجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ما دام يقصد القربة إلى الله بذلك، وكان عمله موافقا للشرع المطهر، فإنه يحصل له الثواب الذي رتبه الله على ذلك العمل، وإن لم يعرفه العامل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/201) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/687)
هل يجوز لطالب العلم أن يأخذ أجرة على مؤلفاته وأشرطته ودروسه في الفضائيات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخذ الداعية أجراً مقابل مصنفاته، وأشرطته، وإلقائه الدروس عبر القنوات الفضائية؟ وهل الحكم يختلف باختلاف النية بحيث تكون الأولى من أجل الكسب فقط، والثانية نفع الأمة لكن يحصل الكسب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تأليف الكتب، وإنتاج الأشرطة يعتبران من الحقوق الخاصة بأصحابها، وهي حقوق مصونة في الشرع، فلا يجوز الاعتداء عليها بالنسخ، أو الطباعة، أو الإنتاج، من غير إذن أصحابها، ولا حرج على أصحابها في طلب مبالغ مقابلها.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (21899) قرار " مجلس الفقه الإسلامي ": أن حقوق التأليف، والاختراع، أو الابتكار: مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها.
ثانياً:
أما أخذ الداعية، أو العالِم مالاً مقابل تعليمه الناس الأحكام الشرعية، أو كيفية قراءة القرآن، في المساجد، أو المدارس، أو الفضائيات: فإن كان ما يُعطاه من بيت مال المسلمين [أموال الدولة] : فلا خلاف في جوازه، وإن كان يُعطاه من غيره: فللعلماء فيه أقوال ثلاثة:
1. الجواز، وهو قول جمهور العلماء، من المالكية، والشافعية، وبه قال متأخرو الحنفية، وهو الذي يرجحه الشيخان ابن باز، والعثيمين، رحمهما الله، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء.
2. المنع، وهو قول المتقدمين من الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد.
3. الجواز للحاجة [كما لو كان العالم فقيراً محتاجاً إلى المال] ، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقد مال إلى القول به: شيخ الإسلام ابن تيمية.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (13 / 14 – 16) :
"لا خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الرِّزق من بيت المال على تعليم القرآن، وتدريس علم نافع، من حديث، وفقه، ونحوهما؛ لأن هذا الرزق ليس أجرة من كل وجه، بل هو كالأجرة.
وإنما اختلفوا في الاستئجار لتعليم القرآن، والحديث، والفقه، ونحوهما من العلوم الشرعية: فيرى متقدمو الحنفية - وهو المذهب عند الحنابلة - عدم صحة الاستئجار لتعليم القرآن، والعلم الشرعي، كالفقه، والحديث؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: علمتُ ناسا من أهل الصفَّة القرآن، والكتابة، فأهدى إليَّ رجل منهم قوساً، قال: قلت: قوس، وليس بمال، قال: قلت: أتقلدها في سبيل الله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وقصصت عليه القصة، فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله، قال: (إن كنتَ تحبُّ أن تُطوَّق طوقاً من نارٍ فَاقْبَلْها) ؛ وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه، أنه عَلَّم رجلا سورة من القرآن، فأهدى له خميصة، أو ثوبا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنَّكَ لَوْ لَبِسْتَها لأَلْبَسَك الله مَكَانَها ثَوْباً مِن نارٍ) ؛ ولأنه استئجار لعمل مفروض، فلا يجوز، كالاستئجار للصوم والصلاة ... ؛ ولأن الاستئجار على تعليم القرآن والعلم سبب لتنفير الناس على تعليم القرآن والعلم؛ لأن ثقل الأجر يمنعهم من ذلك، وإلى هذا أشار الله جل شأنه في قوله عز وجل: (أََمْ تَسْأَلهُم أَجْراً فَهُم من مغْرَمٍ مُثْقَلُون) فيؤدي إلى الرغبة عن هذه الطاعة، وهذا لا يجوز.
وذهب متأخرو الحنفية - وهو المختار للفتوى عندهم - والمالكية في قول، وهو القول الآخر عند الحنابلة - يؤخذ مما نقله أبو طالب عن أحمد - إلى جواز الاستئجار على تعليم القرآن والفقه، لخبر: (إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتم عَلَيْهِ أَجْراَ كِتَاب الله) ؛ ولما روي عن عبد الجبار بن عمر أنه قال: (كل من سألت من أهل المدينة لا يرى بتعليم الغلمان بالأجر بأساً) ؛ ولأن الحفاظ، والمعلمين - نظراً لعدم وجود عطيات لهم في بيت المال - ربما اشتغلوا بمعاشهم، فلا يتفرغون للتعليم حسبة، إذ حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر: لذهب العلم، وقلَّ حفاظ القرآن.
والمذهب عند المالكية: جواز الاستئجار على تعليم القرآن، أما الإجارة على تعليم الفقه وغيره من العلوم، كالنحو والأصول والفرائض فإنها مكروهة عندهم.
وفرَّق المالكية بين جواز الإجارة على تعليم القرآن، وكراهتها على تعليم غيره: بأن القرآن كله حق لا شك فيه، بخلاف ما عداه مما هو ثابت بالاجتهاد، فإن فيه الحق والباطل، وأيضا فإن تعليم الفقه بأجرة ليس عليه العمل، بخلاف القرآن، كما أن أخذ الأجرة على تعليمه يؤدي إلى تقليل طالبه.
وذهب الشافعية - على الأصح - إلى جواز الاستئجار لتعليم القرآن، بشرط تعيين السورة والآيات التي يعلمها، فإن أخل بأحدهما لم يصح، وقيل: لا يشترط تعيين واحد منهما، أما الاستئجار لتدريس العلم: فقالوا: بعدم جوازه إلا أن يكون الاستئجار لتعليم مسألة، أو مسائل مضبوطة، فيجوز" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولهذا لما تنازع العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ونحوه: كان فيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد، وغيره، أعدلها: أنه يباح للمحتاج.
قال أحمد: أجرة التعليم خير من جوائز السلطان، وجوائز السلطان خير من صلة الإخوان.
" مجموع فتاوى ابن تيمية " (30 / 192، 193) .
وأدلة الجواز قوية، لا يمكن دفعها، كحديث الصحيحين: (إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتم عَلَيْهِ أَجْراَ كِتَاب الله) ، وكذا حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم صحابيّاً على تعليم امرأته القرآن.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز لك أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلا امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن، وكان ذلك صداقها، وأخذ الصحابي أجرة على شفاء مريض كافر بسبب رقيته إياه بفاتحة الكتاب، وقال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) أخرجه البخاري ومسلم، وإنما المحظور: أخذ الأجرة على نفس تلاوة القرآن، وسؤال الناس بقراءته" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 96) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"لا حرج في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وتعليم العلم؛ لأن الناس في حاجة إلى التعليم؛ ولأن المعلم قد يشق عليه ذلك، ويعطله التعليم عن الكسب , فإذا أخذ أجرة على تعليم القرآن، وتحفيظه، وتعليم العلم: فالصحيح أنه لا حرج في ذلك ... ثم استدل بحديث أخذ الأجرة على الرقية ... ثم قال: وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) رواه البخاري في الصحيح أيضاً , فهذا يدل على أنه لا بأس بأخذ الأجرة على التعليم، كما جاز أخذها على الرقية.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 364، 365) .
ثالثاً:
أما ما استدل به المانعون: فحديث عبادة بن الصامت وحديث أبي بن كعب رضي الله عنهما قد ضعفهما بعض أهل العلم:
قال ابن عبد البر رحمه الله:
وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم؛ لأنه روي عن عبادة من وجهين، وروي عن أبي بن كعب من حديث موسى بن علي عن أبيه عن أبي بن كعب، وهو منقطع.
وليس في هذا الباب حديث يجب به حجة من جهة النقل، والله أعلم.
" التمهيد " (21 / 114) .
وقال ابن بطَّال رحمه الله:
"واحتجوا بأحاديث ضعاف، منها: حديث عبادة بن الصامت ...
وأما قول الطحاوى: إن تعليم الناس القرآن بعضهم بعضاً فرض: فغلط؛ لأن تعلم القرآن ليس بفرض، فكيف تعليمه؟! وإنما الفرض المتعين منه على كل أحد: ما تقوم به الصلاة، وغير ذلك: فضيلة، ونافلة، وكذلك تعليم الناس بعضهم بعضاً الصلاة ليس بفرض متعين عليهم، وإنما هو على الكفاية، ولا فرق بين الأجرة على الرقَى، وعلى تعليم القرآن؛ لأن ذلك كله منفعة.
وقوله عليه السلام: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) هو عام يدخل فيه إباحة التعليم وغيره، فسقط قولهم" انتهى باختصار.
" شرح صحيح البخاري " (6 / 405، 406) .
رابعاً:
أما ضابط النية في تحصيل الأجر الأخروي مع الدنيوي: فهو ما قاله بعض الأئمة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من التفريق بين من يقوم بالعمل الصالح ليأخذ الأجر، وبين من يأخذ ليقوم به، فالأول فعله حسن، والثاني: ليس له في الآخرة أجر، وإنما أخذ أجره في الدنيا، والأول يقصد الدين، والمال وسيلة له، والثاني يقصد المال، والدين وسيلة له، وشتان ما بينهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وجماع هذا: أن المستحب: أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح، فمن ارتزق ليتعلم، أو ليعلِّم، أو ليجاهد: فحسن، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون أجورهم مثل أم موسى ترضع ابنها، وتأخذ أجرها) ، شبههم بمن يفعل الفعل لرغبة فيه كرغبة أم موسى في الإرضاع، بخلاف الظئر (المرضعة) المستأجر على الرضاع إذا كانت أجنبية.
وأما من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق: فهذا من أعمال الدنيا، ففرق بين من يكون الدين مقصوده والدنيا وسيلة، ومن تكون الدنيا مقصوده، والدين وسيلة، والأشبه: أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق، كما دلت عليه نصوص، ليس هذا موضعها.
" مجموع الفتاوى " (26 / 19، 20) .
فالوصية لأهل العلم وطلاَّبه أن يقصدوا في خروجهم على الفضائيات: تعليم الناس، ورفع الجهل عنهم، ونشر الاعتقاد الصحيح، ومن أغناه الله من فضله فليستعفف عن المال، ومن احتاج فليأخذ ما يتيسر له دون اشتراط مبالغ باهظة، وليجعل المال وسيلة له، لا غاية، حتى لا يُحرم الأجر الأخروي.
والوصية للمؤلفين، والخطباء، والمدرسين، أن يراعوا أحوال الناس، وأن لا يبالغوا في حقوق الطبع، والتأليف، والتوزيع، وليكن على بالهم الأجور الأخروية، والثواب الجزيل من الله لمن نشر علماً، أو رفع جهلاً، والفوز برضا الله وثوابه لا يعدله شيء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/688)
كيف ينوي المسلم حياته كلها لله
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صعوبة في فهم قضية، أننا يجب أن نعمل كل شيء لله، وله وحده فقط، مثلا إذا أردت أن أقلل من وزني أو أي شيء آخر، فإذا فعلته لكي أبدو أحسن، هل هذه نية خاطئة؟ وإذا كانت خاطئة، فما هي النية الصحيحة التي أنوي بها إذا أردت عمل شيء كهذا؟ عندما يقول الناس ينبغي أن تتزوج لله فقط، وتعمل أي عمل آخر فلله فقط، فما معنى ذلك عملياً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم هو المستسلم لله سبحانه وتعالى، المنقاد لشرعه وأمره ونهيه، الذي يعبد الله عز وجل لأنه ربه وخالقه المستحق للعبادة، آمن بعظمة الله وقيوميته ووحدانيته، فملك عليه قلبه ونفسه، وجعل حبه لربه مقصد معاشه ومعاده، ورجا أن يتقبله في عباده الصالحين.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/161-163.
فمن استشعر هذه المعاني سعى في استحضار نية التقرب لله عز وجل في جميع شؤون حياته، فإذا نام احتسب نومه لله عز وجل كي يستعين براحة جسمه على العبادة حين يستيقظ، وإذا أكل أو شرب قصد بذلك التقوي للقيام بحقوق الله، وإذا تزوج أراد إعفاف نفسه والاشتغال بالحلال عن الحرام، وإذا طلب الذرية قصد الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بمنهج الله، إذا تكلم فبالخير، وإذا سكت فإمساكاً عن الشر، يرجو بنفقته على نفسه وأهله الأجر والثواب أيضاً، وإذا تعلم وقرأ ودرس احتسب ذلك أيضاً ... ، وهكذا تكون مقاصده في أعماله كلها.
قال ابن تيمية رحمه الله: " ينبغي ألا يفعل من المباحات إلا ما يستعين به على الطاعة، ويقصد الاستعانة بها على الطاعة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (10/460-461) .
هذا هو باختصار بيان كيف يمكن أن ينوي المسلم حياته وأعماله كلها لله، ويمكن أن نُجمِلَ ذلك بأمرين اثنين:
1- أن يلتزم في أعماله الشريعة، فلا يترك واجباً، ولا يقع في محذور.
2- أن يلحظ في قلبه كيف يمكن أن يوصله هذا العمل – ولو كان في أصله دنيوياً – إلى الأجر والثواب والقربة من الله تعالى.
ويمكن تطبيق ذلك على سؤالك خاصة عن تقليل الوزن، فمن أراد باجتهاده لتقليل وزنه المحافظة على صحته ليقوم بواجباته وحقوق الله عليه أكمل قيام، أو أراد بذلك التجمل لزوجته لتحقيق السعادة والمودة بينهما، أو أراد بذلك التجمل للخلق ليكون أكثر قبولاً بينهم فيحسن التواصل معهم، فهذا القصد قصد حسن مأجور عليه إن شاء الله تعالى.
كما أن هذا الفعل المباح إذا أراد به صاحبه التشبه ببعض الكفار، أو التجمل لفتنة الفتيات، ونحو ذلك من المقاصد الشيطانية فهذا يستحق الإثم والعقوبة.
وهكذا سائر الأمور المباحة، لا يؤجر عليها صاحبها إلا إذا احتسبها لتحقيق مقصد من مقاصد الخير والفضل والأجر.
قال ابن الحاج رحمه الله: " المباح ينتقل بالنية إلى الندب " انتهى.
"المدخل" (1/21) .
وذكر ابن القيم أن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية، فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين، بل أعمالهم راجحة " انتهى.
"مدارج السالكين" (1/107) .
وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك) رواه البخاري (56) ، ومسلم (1628) .
قال الإمام النووي - رحمه الله - معلقاً على الحديث:
" وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ويثاب عليه، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: (حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك) ؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى.
ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه، وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى، والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطاً، والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام، وليقضي حقها، وليحصل ولداً صالحاً، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وفي بُضعِ أحدِكم صدقة) والله أعلم " انتهى.
"شرح مسلم" (11/77) .
وقال السيوطي رحمه الله:
" ومن أحسن ما استدلوا به على أن العبد ينال أجرًا بالنية الصالحة في المباحات والعادات قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكل امرئ ما نوى) ، فهذه يثاب فاعلها إذا قصد بها التقرب إلى الله، فإن لم يقصد ذلك فلا ثواب له " انتهى.
"شرح السيوطي على النسائي" (1/19) .
والنقول عن أهل العلم في هذا الشأن كثيرة.
وانظر جواب السؤال رقم: (69960) .
لكن ينبغي أن تعلم ـ أخانا السائل ـ أن ما ذكرناه لك من نية التقرب إلى الله تعالى بما تعمله من المباحات: ليس هو على وجه الوجوب والإلزام؛ فإنه لو كان واجباً لازماً: لم يكن مباحاً، وإنما كان واجباً، يأثم الإنسان بتركه.
وأما من لم يقصد شيئاً إلا تحقيق رغبته النفسية، أو قضاء شهوته، أو حاجته، أو التمتع بالمباح: فهذا لا حرج عليه فيما فعل، ما دام قد علم أن هذا الأمر مما رخص فيه الشرع وأذن فيه؛ لكن ليس له أجر بمجرد ذلك الفعل، كما أنه لا إثم عليه بمجرد فعله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/689)
النية في العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجب أن تكون نية الشخص وهو يقوم بعمل صالح؟ هل يجب أن يقوم به لوجه الله ونبيه صلى الله عليه وسلم؟ أم يكون لوجه الله ومن محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وسنته؟ أم يكون لوجه الله سبحانه وتعالى فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في العبادة أن تكون خالصة لله تعالى وحده، كما قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة/5.
وقال: (وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى) الليل/19-20.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ) رواه النسائي (3140) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (52) .
وتأمل قول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) التوبة/59.
كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله، وجعل الحسب (وهو الكفاية) لله وحده، فلم يقل: (وقالوا حسبنا الله ورسوله) وجعل الرغبة إلى الله وحده فقال: (إنا إلى الله راغبون) ولم يقل: وإلى رسوله. كما قال تعالى: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب) الانشراح / 7-8.
انظر: زاد المعاد (1/36) .
فيجب إفراد الله تعالى بالعبادة، ولا يجوز أن يقوم بالعبادة وهو ينوي بها التقرب إلى أحد من المخلوقين.
وأما حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومحبته فذلك يكون باتباعه وتعظيم سنته لا بصرف العبادة إليه.
والعبادة لا تكون مقبولة عند الله تعالى إلا إذا توفر فيها شرطان:
الأول: الإخلاص لله تعالى.
الثاني: متابعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وموافقة شريعته.
وقد دل على هذين الشرطين قول الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف / 110.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
(فليعمل عملا صالحا) ما كان موافقاً لشرع الله (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بدَّ أن يكون خالصاً لله، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ.
فعليك أن تقصد بالعبادة وجه الله تعالى وحده، وتجتهد في موافقة سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل الصالح.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/690)
هل تؤجر المرأة على عملها في البيت ولو لم تنو الاحتساب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا عملت المرأة في بيتها دون احتساب نية أجر العمل عند الله تؤجر على عملها أم لا يحسب لها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عمل المرأة في بيتها عمل عظيم تساهم به في نشر المودة والرحمة في بيتها، ولها اليد الطولى في المساهمة في تربية أولادها، وهي مُعينة لزوجها على عمله وعلى دعوته وطلبه للعلم.
وهذا العمل – شأنه في ذلك شأن سائر الأعمال – لا تثاب عليها المرأة إلا إذا أخلصت فيه النية لله تعالى.
وهذه بعض النصوص المؤيدة لهذا مع نقل طائفة من أقوال أهل العلم:
1. ذكر البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان باباً عدَّد فيه واجبات شرعية، وذكر فيه احتساب الأجر على فعله.
قال البخاري رحمه الله:
بَاب مَا جَاءَ إِنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) عَلَى نِيَّتِهِ، نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) .
"صحيح البخاري" (1/29) "كتاب الإيمان".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله: " باب ما جاء " أي: باب بيان ما ورد دالاًّ على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة.
"فتح الباري" (1/135، 136) .
2. عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة) . رواه البخاري (55) ومسلم (1002) .
فنفقة الرجل على زوجته وأولاده واجب شرعي، ولا يثاب عليها إلا إن قصد الاحتساب.
قال القرطبي:
أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة , وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر , لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة.
"فتح الباري" (1/136) .
وقال ابن حجر:
ويستفاد منه أن الأجر لا يحصل بالعمل إلا مقرونا بالنية. . .
وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب , والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده , ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة , بل هي أفضل من صدقة التطوع. "فتح الباري" (9/498) .
وقال النووي رحمه الله:
(يحتسبها) معناه: أراد بها وجه الله تعالى، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلا (أي غفل عن النية، ولم ينو الاحتساب) , ولكن يدخل المحتسب.
وطريقه في الاحتساب: أن ينفق بنية أداء ما أمر به من النفقة والإحسان.
"شرح مسلم" (7/88، 89) باختصار وتصرف.
3. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك) رواه البخاري (56) ومسلم (1628) .
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله:
وينبغي له أن لا يخلي نفسه من أن يلقم زوجته اللقمة واللقمتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: (حتى اللقمة يضعها في فم امرأته) فقد حصل له الثواب مع أن وضع اللقمة في فم امرأته له فيها استمتاع، وينبغي له أن يحتسب في ذلك كله أعني: إحضار الطعام والإطعام.
"المدخل" (1/224) باختصار.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
(وإنك لن تنفق نفق تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها) علق حصول الأجر بذلك (أي بابتغاء وجه الله) وهو المعتبر.
"فتح الباري" (5/367) .
والخلاصة:
أن عمل المرأة في بيتها تثاب عليه إذا احتسبت ثواب ذلك عند الله تعالى، وأخلصت النية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/691)
هل النية الحسنة تشفع لصاحبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النية الحسنة تشفع لصاحبها؟ أم لها ضوابط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن المسلم لا تقبل منه العبادة إلا إذا تحقق فيها شرطان أساسيان:
الأول: إخلاص النية لله تعالى، وهو أن يكون مراد العبد بأقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى دون غيره.
الثاني: موافقة الشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به، وذلك يكون بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وترك مخالفته، وعدم إحداث عبادة جديدة أو هيئة جديدة في العبادة لم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام.
والدليل على هذين الشرطين قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الكهف/110.
قال ابن كثير رحمه الله:
" (فمن كان يرجوا لقاء ربه) أي: ثوابه وجزاءه الصالح.
(فليعمل عملا صالحا) أي: ما كان موافقا لشرع الله.
(ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبَّل، لابد أن يكون خالصاً لله، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (4 / 108) .
ولهذا قال الله تعالى في أعظم سورة في القرآن (إياك نعبد وإياك نستعين) للدلالة على أن التوحيد والإخلاص شرط في صحة العمل، والشرط الثاني بعده مباشرة: (اهدنا الصراط المستقيم) ، فلا تصح العبادة إلا على النهج السليم، والصراط المستقيم، الذي شرعه الله تعالى بمتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (1718) أي: فعمله مردود عليه، ولا يقبل منه، فإذا تخلف أحد هذين الشرطين عن العمل (الإخلاص لله، والمتابعة لشرعه) لم يستفد صاحبه منه، فمن أراد الخير والأجر ورضى الرب سبحانه فليعبده وليتقرب إليه بما شرع، قال سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/31.
فلا تكفي النية الصالحة، ولا تشفع لصاحبها إذا خالف الشرع، وعبد الله تعالى بشيء من البدع، وكثير من أهل البدع – بسبب جهلهم – اخترعوا هذه البدع ليتقربوا بها إلى الله!!
ولهذا لما أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على المجتمعين على ذكر الله، لما أنكر عليهم اجتماعهم، واعتذروا بحسن نيتهم وأنهم لم يريدوا إلا الخير، قال لهم: (وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ) رواه الدارمي (204) ، فلا يكفي حسن النية بمفرده حتى يصيب الإنسان الخير، وينال الثواب والقرب من الله، بل لا بد مع ذلك من موافقة الشرع، واجتناب البدع.
وربما تشفع النية الصالحة لصاحبها في مسألتين:
الأولى: في تحويل العادات إلى عبادات.
فالنية الصالحة تجعل العادة عبادة، يثاب عليها صاحبها، فينوي بالطعام والشراب التقوي على طاعة الله تعالى، وينوي بالزواج إعفاف نفسه وزوجته، وهكذا.
والثانية: في كسب الأجر دون عمل إذا كانت النية جازمة.
فقد ينوي المسلم نية جازمة على القيام بأعمال شرعية فيحول بينه وبين العمل موانع للقيام به: فيؤجر عليه، وفي ذلك أحاديث، ومنها:
1. عن جابر رضي الله عنه قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض) وفي رواية: (إلا شركوكم في الأجر) رواه مسلم (1911) .
2. عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى إلى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح: كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل) رواه النسائي (1787) وابن ماجه (1344) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (601) .
3. عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) رواه مسلم (1909) .
وغير ذلك كثير، وكله يدل على أن من نوى نية صادقة جازمة على فعل خير أو طاعة فحال بينه وبين الفعل حائل كتب الله له الأجر.
فهنا: النية الصادقة شفعت لصاحبها حتى أُجر عليها.
وانظر جواب السؤالين رقم (21519) و (21362) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/692)
هل يجوز أن يعرض مالاً على شخص ما بشرط أن يفعل عمل صالحاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تعرض مالاً لشخص ما بشرط أن يفعل عمل صالحاً؟ مثلاً: أن أعرض على عمي أن أدفع له 500 درهماً مقابل أن يطلق لحيته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أنه لا بأس في هذا الفعل، وقد أوجب الله تعالى على عباده أفعالاً، ووعدهم على فعلها الثواب الجزيل في الدنيا، ترغيباً لهم في فعلها، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق / 2-3.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري (5986) ومسلم (2557) . ومعنى " يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ" أي: يؤخر أجله.
ومن باب التشجيع على الأفعال أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن قتل قتيلاً من الكفار في أرض المعركة أن يأخذ سلَبه.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عام حنين –: " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلَبه ".
رواه البخاري (2973) ومسلم (1751) .
والسَّلَب: هو ما يوجد مع المحارب من مال ومتاع ولباس وسلاح.
وأجاز العلماء وضع جائزة لحفظ سورٍ من القرآن أو أحاديث من السنة أو لحل مسابقة علمية.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما الحكم في أخذ جوائز في مسابقة لحفظ القرآن؟
فأجابوا:
لا حرج في ذلك، ولا فرق بين الرجال والنساء في هذا الأمر.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 126) .
هذا بالنسبة للدافع وللعارض: وهو جواز عرض وإعطاء مال لمن يطلق لحيته أو ما يشبهه من التزام شيء من أحكام الشرع.
أما بالنسبة للآخذ: فإن كان قد أطلق لحيته لأجل هذه الجائزة: فلا أجر له على هذا الفعل، إلا أن تكون هذه الجائزة دافعاً له لتطبيق ما أمره الله تعالى به، أو أنه بدأ من أجل الجائزة ثم غَيَّر نيتَه بعد فعله هذا والتزامه: فهو مأجور على ما سلمت فيه النية، ولا يضره أنه فعل ذلك ابتداء من أجل الجائزة.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَو َاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً، مَا يَخَافُ الْفَقْرَ.
فَقَالَ أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. رواه مسلم (2312) .
قال النووي:
هكذا هو في معظم النسخ: " فما يسلم " , وفي بعضها " فما يمسي " , وكلاهما صحيح , ومعنى الأول: فما يلبث بعد إسلامه إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه , والمراد: أنه يُظهر الإسلام أولا للدنيا , لا بقصد صحيح بقلبه , ثم من بركة النبي صلى الله عليه وسلم ونور الإسلام لم يلبث إلا قليلا حتى ينشرح صدره بحقيقة الإيمان , ويتمكن من قلبه , فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها.
" شرح مسلم " (15 / 72، 73) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/693)
طلب ناظر الوقف من الدعاة تقريراً شهرياً لا يقدح في الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جهة توظف عددا من الدعاة في العمل الدعوي وتطالبهم في نهاية كل شهر بتقرير عن أعمالهم الدعوية من دروس وندوات ومحاضرات لترفع إلى صاحب الوقف، وبعض الدعاة في نفوسهم شيء من هذا التقرير ويرون أنه يقدح في الإخلاص لله وأقرب إلى الرياء.
السؤال: هل هذا العمل جائز؟ أعني المطالبة بالتقرير عن الأعمال الدعوية، وهل هو قادح في الإخلاص أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مطالبة جهة العمل المسئولة عن الأعمال الدعوية بإعداد تقارير شهرية عن الأعمال التي قاموا بها في الشهر لتقديمها لصاحب الوقف لا يقدح في الإخلاص لله وليس من باب الرياء إذا قصد به الداعية معد التقرير إبراء ذمته وإطلاع أصحاب الوقف على ما قام به على الحقيقة ليتأكد الناظر على الوقف أن المبالغ التي صرفت للدعاة واقعة في موقعها.
بل هذا مما يتطلبه العمل، إذ فيه حث على الإنتاج في العمل وتقدير المنتجين وحفز على التنافس والاجتهاد، وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 409.(7/694)
إذا أخذ صاحب الموقع الإسلامي أجور إعلانات فهل ينقص من أجره
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة شباب نعمل محتسبين الأجر عند الله في موقع إسلامي على الإنترنت، وبدأ الموقع يدر دخلا ماليا من خلال الإعلانات الموجودة فيه ونحو ذلك، فهل أخذنا للمال والاستعانة به بعد الله على تهيئة أمور الزواج ينقص أجرنا لأننا قرأنا لابن حجر في فتح الباري: أن الذي يأخذ الأجر الدنيوي على عمله الأخروي ينقص أجره الأخروي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله:
إذا كان العِوض (أي المقابل) يأتيهم بدون سؤال فلا ينقص أجرهم.
سؤال:
أصحاب هذا الموقع يعلنون في زاوية من موقعهم: أن الذي يريد وضع إعلان عندنا شهريا فعليه أن يدفع مبلغا معيّنا وبناء على هذا تأتيهم الإعلانات وأجورها؟
جواب:
إذا كان كذلك فإن أخذ هذا المال ينقص الأجر، لأنهم هم الذين طلبوا، لكن لو أن أحدا أعطاهم مساعدة على ما يعملون فلا بأس أن يأخذوها، كما جاء في حديث عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ (أي غير متطلع إليه) وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ (أي إن لم يجئ إليك فلا تطلبه بل اتركه) رواه البخاري 1473. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/695)
هل تعيد التوبة أجر ما حبط بسبب الرياء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان أحد الأشخاص يقوم بالأعمال لأجل الناس لا لأجل الله عز وجلّ , ثم تاب من هذا الأمر العظيم وهو الرياء , فهل يحصل على أجر ما قام به بعد التوبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في السنة الشريفة ما يدل على أن من عمل صالحا في كفره، ثم تاب وأسلم: أنه يكتب له بعد التوبة أجر ما أسلف من الصالحات، كأنه عملها في الإسلام، وذلك من عظيم كرم الله عز وجل وسعة فضله وجوده وإحسانه، وإن خالف في ذلك بعض العلماء، لكن هذا هو الصواب، فهو ظاهر السنة الصحيحة.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ)
رواه البخاري (رقم/1436) ومسلم (رقم/123)
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرح هذا الحديث:
" من كان له عمل صالح فعمل سيئة أحبطته ثم تاب؛ فإنه يعود إليه ثواب ما حبط من عمله بالسيئات " انتهى.
" فتح الباري " لابن رجب (1/146)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لو تاب المنافق والمرائي فهل تجب عليه في الباطن الإعادة، أو تنعطف توبته على ما عمله قبل ذلك فيثاب عليه، أو لا يعيد ولا يثاب.
أما الإعادة فلا تجب على المنافق قطعا؛ لأنه قد تاب من المنافقين جماعة عن النفاق على عهد رسول الله ولم يأمر أحدا منهم بالإعادة , وقد قال تعالى:
(وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة)
وأيضا فالمنافق كافر في الباطن، فإذا آمن فقد غفر له ما قد سلف، فلا يجب عليه القضاء، كما لا يجب على الكافر المعلن إذا أسلم.
وأما ثوابه على ما تقدم، مع التوبة: فيشبه الكافر إذا عمل صالحا في كفره ثم أسلم، هل يثاب عليه؟ ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام: أسلمت على ما سلف لك من خير.
وأما المرائي إذا تاب من الرياء، مع كونه كان يعتقد الوجوب: فهو شبيه بالمسألة التي نتكلم فيها، وهى مسألة من لم يلتزم أداء الواجب، وإن لم يكن كافرا في الباطن، ففي إيجاب القضاء عليه تنفير عظيم عن التوبة " انتهى باختصار.
مجموع الفتاوى (22/20-21)
ويقول أيضا رحمه الله:
" التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته، وحبوط العمل من موجباته " انتهى.
" شرح العمدة " (1/39)
ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:
" فصل: وإذا استغرقت سيئاته الحديثات حسناته القديمات وأبطلتها، ثم تاب منها توبة نصوحا خالصة: عادت إليه حسناته، ولم يكن حكمه حكم المستأنف لها، بل يقال له: تبت على ما أسلفت من خير، فإن الحسنات التي فعلها في الإسلام أعظم من الحسنات التي يفعلها الكافر في كفره: من عتاقة وصدقة وصلة، وقد قال حكيم بن حزام: (يا رسول الله! أرأيت عتاقة أعتقتها في الجاهلية، وصدقة تصدقت بها، وصلة وصلت بها رحمي، فهل لي فيها من أجر؟ فقال: أسلمت على ما أسلفت من خير)
وذلك لأن الإساءة المتخللة بين الطاعتين قد ارتفعت بالتوبة، وصارت كأنها لم تكن، فتلاقت الطاعتان واجتمعتا. والله أعلم " انتهى.
" مدارج السالكين " (1/282)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/696)
الصدقة خجلاً من مديره في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[تبرعت لمشروع خيري خوفاً من الرئيس المباشر في العمل ولو ترك المجال لي لم أتبرع ولو بنصف قرش، فهل لي ثواب كامل على عملي هذا كما لو كنت تبرعت لهذا المشروع من حسن خاطر واختيار مني مع الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت فأنت لا تؤجر على هذا المبلغ لأنك لم تقصد به وجه الله، وإنما قدمته لوجه صاحبك خوفاً منه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) البخاري في بدء الوحي ومسلم في الإمارة برقم 1907
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى للموظفين والعمل، اللجنة الدائمة ص 66(7/697)
أخوف آية في القرآن العظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الكلام، وما مدى صدقه، فقد ذكر بمنتديات كثيرة، واختلفنا بين مؤيد ومعارض، ولم نجد مصدرا لصحة هذا الكلام ... فالرجاء إفادتنا بأسرع وقت ممكن، وجزاكم الله كل خير. السؤال هو: أكثر آيات القرآن تخويفا للمؤمنين، أتعلمون ما هي أخوف آية في القرآن؟ أتعلمون أن أخوف آية في القرآن هي قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) الفرقان/23، إنها حقا من أكثر آيات القرآن تخويفا للمؤمنين.. وتتحدث عن فئة من المسلمين تقوم بأعمال كجبال تهامة من حج، وصدقات، وقراءة قرآن، وأعمال بر كثيرة، وقيام ليل، ودعوة، وصيام، وغيرها من الأعمال.. وإذا بالله تعالى ينسف هذه الأعمال فيكون صاحبها من المفلسين! وذلك لأن عنصر الإخلاص كان ينقص تلك الأعمال، فليس لصاحب تلك الأعمال إلا التعب والسهر والجوع، ولا خلاص يوم القيامة من العذاب والفضيحة إلا بالإخلاص، ولا قبول للعمل إلا بالإخلاص. هذا ما يتم تناقله عبر المنتديات، وكثيرون يعارضون هذا الكلام، وأنه لا صحة له، ولا مصدر يصدقه، وآخرون يوافقونه. فما مدى صدقه، رجاء الإفادة، جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
التعبد لله عز وجل مبني على الإخلاص والاتباع، فهو أساس كل العبادات، وهو مقصد جميع الأنبياء، وعليه مدار الثواب والعقاب يوم القيامة، فمن عمل صالحا يقصد به وجه الله تعالى، من غير التفات إلى حظوظ دنيوية عاجلة كان من الفائزين، أما من راقب الجاه والمال والسمعة كان عمله وبالا عليه يوم القيامة.
يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/103) :
" وقوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) ، هذا يوم القيامة، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال - التي ظنوا أنها منجاة لهم – شيء؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي: إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ؛ كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) البقرة/264 " انتهى مختصرا.
وقد اتفق أهل العلم على أن الرياء يحبط ثواب العمل المراءى به، لقوله عليه الصلاة والسلام: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) رواه مسلم (2985)
يقول النووي في "شرح مسلم" (18/116) :
" والمراد: أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به " انتهى.
فلا شك أن مثل هذا الوعيد مخوف للمسلم أشد التخويف، ودافع له نحو مراقبة الإخلاص لله في قلبه، وقطع كل أسباب المراءاة والتسميع، وإلا فقد خسر أعماله التي راءى بها ولو كانت كأمثال الجبال.
وللنظر في تفصيلات الفقهاء حول موضوع إحباط الثواب بالرياء ينظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/384)
أما حديث ثوبان رضي الله عنه المشهور، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا.
قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ.
قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) ، فهذا رواه ابن ماجه في سننه (رقم/4245) ، والروياني في "المسند" (1/425) ، والطبراني في "الأوسط" (5/46) و"الصغير" (1/396) ، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/242) : " رواته ثقات " انتهى، وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة": " إسناده صحيح " انتهى.
والذي يبدو من حال هؤلاء هو الجرأة على معاصي السر، حين يستخفون من الناس، مع إظهار الصلاح والاستقامة أمام الناس.
ثانيا:
أما الأعمال التي أخلص العبد فيها لله سبحانه، ولم يقصد بها غير وجهه عز وجل، فهذه يكتب الله له به الحسنات، ويثيبه عليها في الجنة، ولا يحبطها وقوع الرياء في أعمال أخرى، ولا ارتكابه المعاصي في أبواب أخرى، فهو سبحانه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يظلم مؤمنا حسنة عملها، وقد قرر ذلك في قاعدة عامة في سورة الزلزلة فقال:
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7-8
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/321) -:
" صاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته. وعند أهل السنة والجماعة يُتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره " انتهى باختصار.
ثالثا:
في القرآن الكريم الكثير من آيات الترهيب التي تتضمن من المعاني الثقيلة العظيمة التي تحدث في قلوب المؤمنين من تقوى الله والخوف من عقابه ما يكون له أكبر الأثر في ارتقائهم مدارج السالكين، وفوزهم بأعلى درجات النعيم.
عن سفيان قال: " ما في القرآن آية أشد علي مِن (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) المائدة/68. " انتهى.
وعن ابن سيرين: " لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) البقرة/8 " انتهى.
وعن أبي حنيفة: " أخوف آية في القرآن: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) آل عمران/131 " انتهى.
وعن الشافعي قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر/2-3.
وقيل إن أخوف آية في القرآن: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) آل عمران/28، وقيل: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) الرحمن/31، وقيل: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) التكوير/26، وقيل: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) النساء/123، وقيل: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) المؤمنون/115، وقيل: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) البروج/12، وقيل: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الجاثية/21
يمكن مراجعة هذه الأقوال في "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (2/430) وفي "الحاوي" له أيضا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/698)
يعمل في مشروع إنشاء بنك ربوي ولو تركه ربما فصل من عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس أعمل موظف في مكتب استشاري في القاهرة وقد أسند إلي المكتب منذ حوالي العام والنصف مهمة العمل في مشروع إنشاء بنك ربوي للأسف ولكني طلبت من المسؤول في المكتب أن يسند إلي العمل في مشروع آخر لأني أخشى أن يكون هذا العمل حراماً فأخبرني حينئذ أنه لا يوجد عمل آخر فسألته إن كان هناك مشروع سيبدأ في خلال شهور قريبة فقال لي لا. (علماً بأن مهمتي هي الفصل في مستحقات المقاول الذي قام بالبناء ولا تتعلق بالإشراف على العمل التنفيذي) . شعرت وقتها أني مضطر للعمل بالمشروع حيث إني متزوج وأب لثلاثة أولاد وليس لدي مصدر دخل آخر غير المرتب، وبدأت العمل في المشروع وظللت أبحث في المواقع الإسلامية على النت ما يفصل في مشروعية عملي هذا، وقد وجدت حكماً وقتئذ شعرت معه أنه قريب من حالتي وهي أن الحارس الذي يعمل في حراسة البنك الربوي يكون عمله جائزاً أو مكروهاً فقط وليس محرماً إن كان لا يجد عملاً آخر، فاطمأن قلبي وقتها واستمريت بعملي وأنا أحمد الله أني لم أغضبه. ولكن منذ حوالي ثلاثة أشهر تقريباً راودني إحساس بأن تلك الوظيفة يشوبها شيء فبدأت بإرسال الاستفتاءات للمواقع الإسلامية لكي أتيقن من هذا الخاطر وقد رد على سؤالي أحد المشايخ بأن عملي هذا يحرم. منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالذنب وأن مالي يشوبه الحرام وهذا مالا أتحمله ولكن المشكلة أن طبيعة عملي تلك تجعل كل تفاصيل وخيوط العمل معي والمشروع قد أوشك على الانتهاء وأصبح موقف مكتبي حرج جداً في حال انسحابي من المشروع في تلك المرحلة الحرجة أمام مالك المشروع وبالتبعية موقفي أمام مكتبي سيكون أشد حرجاً وأنا الآن لا أعرف ما هو الحل الصحيح لتلك المشكلة والذي أسألكم لأجله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز العمل في إنشاء البنوك الربوية، ولا الإعانة على ذلك بوجه من الوجوه؛ تنفيذا أو إشرافا أو تخطيطا أو غير ذلك، لما تقرر في الشريعة من تحريم الربا ولعن فاعله وشاهده وكاتبه، والبنك الربوي مؤسسة تقوم على هذا الربا وترعاه وتنشره وتدعو الناس إليه، فإنشاء هذا البنك أعظم ولاشك من الوقوع في معاملة ربوية معيّنة، والقائمون على ذلك معرضون للعقاب الشديد، والحرب من الله ورسوله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء.
وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة، والنظافة، والخدمة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : "لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
فأجاب: "لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها، لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه. أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لاشك أنه مباشر للحرام. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه. وقال: هم سواء" انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/401) .
وبهذا تعلم أن عملك المذكور لا يجوز، وأنه يجب عليك الخروج منه، والتوبة إلى تعالى، والحذر من مقته وغضبه، وأن من أفتاك بأن عملك محرم قد أصاب.
ثانيا:
كون المشروع في مراحله الأخيرة، وكون خروجك سيسبب إحراجا للشركة، وربما أدى إلى فصلك من العمل، كل ذلك لا يبيح لك الاستمرار فيه، بل الواجب تركه، لان إنشاء البنك الربوي من أعظم المنكرات، كما عُلم مما سبق، وأبواب الرزق الحلال كثيرة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فينبغي أن يعظُم توكلك على الله ورجاؤك فيما عنده وثقتك فيما أعده لعباده الصالحين المتقين، فإنه أخبر سبحانه أنه يحبهم، وأنه معهم، وأنه يرزقهم، وأنه يحسن إليهم، ويفرّج عنهم، وهو مالك الملك جل وعلا، لا تنزل قطرة من السماء إلا بأمره، ولا يأتيك درهم حتى يأذن فيه سبحانه، فَلِمَ تخاف؟ ومِمَّ تخاف؟!
قال الله سبحانه: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) الذاريات/22، 23، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/58، وقال تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/96، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2085
فبادر بالتوبة والرجوع إلى الله، وأعلن براءتك من الربا والقائمين عليه، ثم إن وجدت عملا مباحا في شركتك فانتقل إليه، وإلا فابحث عن غيره، ولن تضيع، فإن الله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/699)
لا ينبغي ترك العمل المشروع خوف الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أحيانأً أن أقوم بعمل صالح مثل الصلاة أو قراءة القرآن فيدخل عليّ أحد الأشخاص فأتوقف عن القراءة في المصحف أو لا أبدأ في الصلاة أو أقصر فيها إذا كنت بدأت بها، فهل هذا الفعل صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن مفلح:
(لا ينبغي ترك العمل المشروع خوف الرياء) .
مما يقع للإنسان أنه أراد فعل طاعة يقوم عنده شيء يحمله على تركها خوف وقوعها على وجه الرياء، والذي ينبغي عدم الالتفات إلى ذلك، وللإنسان أن يفعل ما أمره الله عز وجل به ورغبه فيه، ويستعين بالله تعالى، ويتوكل عليه في وقوع الفعل منه على الوجه الشرعي.
وقد قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله: لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء بل يذكر بهما جميعا، ويقصد به وجه الله عز وجل، وذكر قول الفضيل بن عياض رحمه الله: إن ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك قال: فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير. انتهى كلامه. قال أبو الفرج بن الجوزي: فأما ترك الطاعات خوفا من الرياء فإن كان الباعث له على الطاعة غير الدين فهذا ينبغي أن يترك؛ لأنه معصية، وإن كان الباعث على ذلك الدين وكان ذلك لأجل الله عز وجل مخلصا فلا ينبغي أن يترك العمل؛ لأن الباعث الدين، وكذلك إذا ترك العمل خوفا من أن يقال: مراء، فلا ينبغي ذلك لأنه من مكايد الشيطان.
قال إبراهيم النخعي: إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة، فقال: إنك مراء فزدها طولا، وأما ما روي عن بعض السلف أنه ترك العبادة خوفا من الرياء، فيحمل هذا على أنهم أحسوا من نفوسهم بنوع تزين فقطعوا، وهو كما قال، ومن هذا قول الأعمش كنت عند إبراهيم النخعي، وهو يقرأ في المصحف فاستأذن رجل فغطى المصحف، وقال: لا يظن أني أقرأ فيه كل ساعة، وإذا كان لا يترك العبادة خوف وقوعها على وجه الرياء فأولى أن لا يترك خوف عجب يطرأ بعدها.
وقد تقدم شيء في العجب قبل فصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويأتي قبل فصول اللباس في الدخول على السلطان يأمره وينهاه قول داود الطائي أخاف عليه السوط، قال: إنه يقوى قال: أخاف عليه السيف قال: إنه يقوى قال: أخاف عليه الداء الدفين: العجب.
[الْمَصْدَرُ]
" الآداب الشرعية " لابن مفلح (1 / 267، 268) .(7/700)
إمام له معاصٍ خفية هل يستمر في الإمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب إمام لأحد المساجد، وهو - كما يقول - محبوب عند جماعة المسجد، ويعلم في قرارة نفسه أنه مقصّر وعنده بعض المعاصي ولا يستحق الإمامة، ولا يستحق هذه المحبة والتقدير من الناس، يخشى على نفسه إذا بقي إماماً للمسجد من النفاق والرياء، فهل يبقى في المسجد؟ وهل يستمر في إمامة الناس، أو يترك الإمامة خشية الرياء والنفاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن هذا الشاب الذي وصفت بأنه محبوب عند قومه، ولكن عنده إسراف فيما بينه وبين ربه، أقول: إن هذا الذي حباه الله به من الإمامة ومحبة قومه له توجب أن ينزع عن الإسراف على نفسه، وأن يحسن العبادة وأن يشكر الله عز وجل، لأن كون الإنسان محبوباً عند قومه وهو إمام لهم نعمة من الله كبيرة، قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) إلى أن قال: (واجعلنا للمتقين إماماً) ، والمصلون من المتقين وإمامهم داخل في قوله: (واجعلنا للمتقين إماماً) ، فليحمد الله على هذه النعمة، ولينزع عن الإسراف على نفسه، وليجعل هذا من الأسباب التي تعينه على طاعة الله، وليتق الله في مكانه.
وكونه يقول: أخشى الرياء، فهذه وسوسة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان كلما أراد أن يعمل طاعة، يدخل عليه الشيطان ويقول: أنت مراء، فيجب عليه أن يطرح هذا ويعرض عنه ويستعين بالله عز وجل فهو دائماً يردد في الصلاة: (إياك نعبد وإياك نستعين) .
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 53/77(7/701)
الامتناع عن عمل الخير خوفاً من الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حدود الامتناع عن عمل الخير خوفا من الرياء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن يُعلم أن الشيطان حريص على إيقاع المسلم في أحد أمرين: إما أن يجعله يعمل العمل رياءً وسمعة، ولا يخلص فيه لله، وإما أن يجعله يترك العمل بالكلية.
والمسلم الصادق في نيته لا يهمه ما يلقيه الشيطان من وساوس في عمله وأنه لغير الله، ولا يهمه ما يلقيه الشيطان من وساوس ليترك الطاعة تخويفاً له من الرياء، فإن القلب الصادق المطمئن يستوي عند صاحبه العمل في السر والعمل في العلن.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
امرأة تسأل فتقول: إني أخاف من الرياء وأحذره لدرجة أنني لا أستطيع أن أنصح بعض الناس أو أنهاهم عن أمور معينة مثل الغيبة والنميمة ونحو ذلك، فأخشى أن يكون ذلك رياء مني، وأخشى أن يظن الناس فيّ ذلك ويعدوه رياء فلا أنصحهم بشيء، كما أني أقول في نفسي: إنهم أناس متعلمون، وليسوا في حاجة إلى نصح، فما هو توجيهكم؟
فأجاب:
" هذا من مكايد الشيطان، يخذل بها الناس عن الدعوة إلى الله وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك أن يوهمهم أن هذا من الرياء، أو أن هذا يخشى أن يعده الناس رياء فلا ينبغي لك أيتها الأخت في الله أن تلتفتي إلى هذا، بل الواجب عليك أن تنصحي لأخواتك في الله وإخوانك إذا رأيت منهم التقصير في الواجب أو ارتكاب المحرم كالغيبة والنميمة وعدم التستر عند الرجال ولا تخافي الرياء، ولكن أخلصي لله واصدقي معه وأبشري بالخير، واتركي خداع الشيطان ووساوسه، والله يعلم ما في قلبك من القصد والإخلاص لله تعالى والنصح لعباده، ولا شك أن الرياء شرك ولا يجوز فعله، لكن لا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة أن يدع ما أوجب الله عليه من الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا من الرياء، فعليه الحذر من ذلك، وعليه القيام بالواجب في أوساط الرجال والنساء، والرجل والمرأة في ذلك سواء، وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز حيث يقول سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71.
"فتاوى ابن باز" (6/403) .
وعن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لدغت ... .
رواه مسلم (220) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
" قال هذا رحمه الله لئلا يظن أنه قائم يصلي فيُحمد بما لم يفعل، وهذا خلاف ما عليه بعضهم، يفرح أن الناس يتوهمون أنه يقوم يصلي، وهذا من نقص التوحيد.
وقول حصين رحمه الله ليس من باب المراءاة، بل هو من باب الحسنات، وليس كمن يترك الطاعات خوفاً من الرياء؛ لأن الشيطان قد يلعب على الإنسان، ويزين له ترك الطاعة خشية الرياء، بل افعل الطاعة، ولكن لا يكن في قلبك أنك ترائي الناس.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (9/85، 86) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/702)
يوسوس له الشيطان أنه مرائي ليترك الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ملتزم ولله الحمد بما فرضه الله علي من فرائض نسأل الله القبول، ولكن في الفترة الأخيرة بدأت تأتيني وساوس بأن ما أعمله يشوبه شيء من الرياء لن يقبله الله مني فتجدني أحيانا أتراجع عن بعض الأمور الطيبة خشية الرياء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كما يأتي الشيطان للمسلم ليجعله يزين عمله ويرائي به الناس فإنه يأتيه كذلك من الباب المقابل ليوسوس له بأن عمله هذا رياء فلا تفعله!
وللخروج من هذين الأمرين فإن عليه أن يصلح نيته ويجعلها خالصة لوجه الله تعالى، ولا يهمه بعدها ما يأتيه الشيطان به.
قال ابن مفلح الحنبلي – تحت فصل " لا ينبغي ترك العمل المشروع خوف الرياء " -:
مما يقع للإنسان أنه إذا أراد فعل طاعة يقوم عنده شيء يحمله على تركها خوف وقوعها على وجه الرياء.
والذي ينبغي عدم الالتفات إلى ذلك , وللإنسان أن يفعل ما أمره الله عز وجل به ورغبه فيه , ويستعين بالله تعالى , ويتوكل عليه في وقوع الفعل منه على الوجه الشرعي.
وقد قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله: لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء بل يذكر بهما جميعا , ويقصد به وجه الله عز وجل , وذكر قول الفضيل بن عياض رحمه الله: إن ترك العمل لأجل الناس رياء , والعمل لأجل الناس شرك، قال: فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير. انتهى كلامه.
قال أبو الفرج ابن الجوزي: فأما ترك الطاعات خوفا من الرياء: فإن كان الباعث له على الطاعة غير الدين: فهذا ينبغي أن يترك ; لأنه معصية , وإن كان الباعث على ذلك الدين وكان ذلك لأجل الله عز وجل مخلصا: فلا ينبغي أن يترك العمل ; لأن الباعث الدين , وكذلك إذا ترك العمل خوفا من أن يقال: مراء , فلا ينبغي ذلك لأنه من مكايد الشيطان.
قال إبراهيم النخعي: إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة , فقال: إنك مراء فزدها طولا , وأما ما روي عن بعض السلف أنه ترك العبادة خوفا من الرياء , فيحمل هذا على أنهم أحسوا من نفوسهم بنوع تزين فقطعوا , وهو كما قال , ومن هذا قول الأعمش كنت عند إبراهيم النخعي , وهو يقرأ في المصحف فاستأذن رجل فغطى المصحف , وقال: لا يظن أني أقرأ فيه كل ساعة , وإذا كان لا يترك العبادة خوف وقوعها على وجه الرياء فأولى أن لا يترك خوف عجب يطرأ بعدها.
" الآداب الشرعية " (1 / 266، 267) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
عندما يهم الإنسان بعمل الخير، يأتي الشيطان فيوسوس له ويقول: إنك تريد ذلك رياء وسمعة، فيبعد عن فعل الخير، فكيف يمكن تجنب مثل هذا الأمر؟ .
فأجاب بقوله:
يمكن تجنب مثل هذا الأمر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والمضي قدماً في فعل الخير، ولا يلتفت إلى هذه الوساوس التي تثبطه عن فعل الخير، وهو إذا أعرض عن هذا واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم زال عنه ذلك بإذن الله.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (السؤال رقم 277) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/703)
حاتم الطائي في السنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن حاتم الطائي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في " حاتم الطائي " عدة أحاديث منها الحسن ومنها الضعيف ومنها الموضوع.
أ. عن عدي بن حاتم قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبي كان يصل الرحم ويفعل ويفعل فهل له في ذلك - يعني: من أجر -؟ قال: " إن أباك طلب شيئاً فأصابه ".
رواه أحمد (32 / 129) ، وحسَّنه الشيخ شعيب الأرناؤط.
ب. عن عدي بن حاتم قال: قلت: " يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم، وكان يفعل ويفعل، قال: إن أباك أراد أمراً فأدركه - يعني: الذِّكر -.
رواه أحمد (30 / 200) ، وحسَّنه الشيخ شعيب الأرناؤط، وصححه ابن حبان (1 / 41) .
ج. عن سهل بن سعد الساعدي أن عدي بن حاتم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله إن أبي كان يصل القرابة ويحمل الكلَّ ويطعم الطعام، قال: هل أدرك الإسلام؟ قال: لا، قال: إن أباك كان يُحبُّ أن يُذكر ".
رواه الطبراني في " الكبير " (6 / 197) ، وفيه: رشدين بن سعد، وهو ضعيف، لكن يشهد له ما قبله.
ومعنى: (يحمل الكلّ) أي ينفق على الضعيف والفقير واليتيم والعيال وغير ذلك.
د. عن ابن عمر قال: ذُكر حاتم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ذاك رجلٌ أراد أمراً فأدركه ".
قال الهيثمي:
رواه البزار، وفيه عبيد بن واقد العبسي ضعفه أبو حاتم.
" مجمع الزوائد " (1 / 119) .
لكن يشهد له ما قبله.
قال ابن كثير:
وقد ذكرنا ترجمة حاتم طيء أيام الجاهلية عند ذكرنا من مات من أعيان المشهورين فيها وما كان يسديه حاتم إلى الناس من المكارم والإحسان، إلا أن نفع ذلك في الآخرة أي: (مشروط) بالإيمان، وهو ممن لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
" البداية والنهاية " (5 / 67) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/704)
أترك نصح الناس خوفاً من الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أخاف الرياء وأحذره لدرجة إنني لا أستطييع أن أنصح بعض الناس أو أنهاهم عن أمور معينة مثل الغيبة والنميمة ونحو ذلك فأخشى أن يكون ذلك رياء مني وأخشى أن يظن الناس فيّ ذلك ويعدوه رياء فلا أنصحهم بشيء كما أني أقول في نفسي: إنهم أناس متعلمون وليس في حاجة إلى نصح، فما هو توجيهاتكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا من مكائد الشيطان يخذّل بها الناس عن الدعوة إلى الله وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك أن يوهمهم أن هذا من الرياء أو أن هذا يخشى أن يعده الناس رياء فلا ينبغي لك أيتها الأخت في الله أن تلتفتي إليه، بل الواجب عليك أن تنصحي لأخواتك في الله وإخوانك إذا رأيت منهم التقصير في الواجب أو أرتكاب المحرم كالغيبة، والنميمة، وعدم التستر عند الرجال، ولا تخافي الرياء ولكن أخلصي لله واصدقي معه وأبشري بالخير، واتركي خداع الشيطان ووساوسه، والله يعلم ما في قلبك من القصد والإخلاص لله تعالى والنصح لعباده والله يعلم أن الرياء شرك ولا يجوز فعله لكن لا يجوز للمؤمن ولا المؤمنة أن يدع ما أوجب الله عليه من الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً من الرياء، فعليك الحذر من ذلك والقيام بالواجب في أوساط الرجال والنساء، والرجل والمرأة في ذلك سواء وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز حيث يقول سبحانه: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) التوبة /71
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز في كتاب الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ص 1016.(7/705)
العمل من أجل الراتب وليس للآخرة هل هو مذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[موظف يعمل في الدولة أكثر من عشرين عاما، يخلص في العمل، ويحسن الخلق من أجل إرضاء المسئولين ومديره، ومن أجل أن يستلم رواتبه كاملة من دون حسم، ومن أجل الترقيات، كل هذه التصرفات محصورة في هذه الحالة، ليس لله من ذلك شيء، لكن هذا الموظف يعبد الله، ويخلص أعمال الخير لله تعالى، خارج عمله، ويصلي ويصوم، ويتصدق ويزكي، ويحج ويتلو القرآن، ويقرأ التفسير، ويعمل في كل أوجه الخير مخلصا لله تعالى، موافقا لشريعته، فما يقول فضيلتكم جزاكم الله خيرا في حاله أثناء دوامه، هل هذا جائز أو شرك أم ماذا؟ أفيدونا وماذا يعمل، وهل عليه آثام ما مضى من سنين العمل بالوظيفة، حفظكم الله ورعاكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
معلوم أن العمل الوظيفي لا يسمى عبادة، وليس هو من القربات التي لا تصلح إلا لله تعالى، فالإنسان يعمل في وظيفته لأجل حل الراتب، ولأجل استحقاقه ما بذل له، ونحو ذلك فالنية فيها لا تسمى قربة، لكن إذا عرف أنها أمانة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وأن الله هو المطلع عليه، فراقب ربه في هذا العمل، حتى يكون ما يأخذه حلالا بدون شبهة، فله أجر هذا الإخلاص، ولو كانت نيته أن لا يحسم عليه شيء من الراتب ونحو ذلك، وحيث أن هذا الموظف يقوم بواجباته الدينية، ويؤدي ما فرض الله عليه، ويبتعد عن المحرمات، فإنه يمدح على ذلك والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ص 62.(7/706)
تعلم العلم لنفع الناس وليس رياء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حفظ الإنسان علماً من علوم الدين لكي يقوم بدوره في القرية التي يسكنها، وحفظ القرآن لكي يصلي بالشباب صلاة قيام رمضان، هل يكون هناك نوع من الشرك الأصغر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم بالأدلة الشرعية أن طلب العلم والتفقه في الدين من أفضل القربات والطاعات، وهكذا دراسة القرآن الكريم والعناية بالإكثار من تلاوته والحرص على حفظه أو ما تيسر منه، كل ذلك من أفضل القربات، فإذا قمت بما ينبغي من تعليم أهل قريتك وتوجيههم والصلاة بهم والصلاة بالشباب وغيرهم فكل هذا عمل صالح تشكر عليه وتؤجر عليه، وليس ذلك من الرياء، وليس من الشرك إذا كان قصدك وجه الله والدار الآخرة، ولم ترد رياء الناس، ولا حمدهم، ولا ثناءهم، وإنما أردت بذلك أن تنفعهم وأن تتزود من العلم والفقه في الدين. وإنما يكون ذلك شركاً أصغر إذا فعلت ذلك رياء للناس، وطلباً لثنائهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) فسئل عنه، فقال: (الرياء) (يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الناس إليه) يقول الله سبحانه يوم القيامة للمرائين: (اذهبوا إلى من كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عنده من جزاء) فالرياء أن تعمل العمل وتقصد الناس أن يشاهدوك ويثنوا عليك ويمدحوك، ومن ذلك السمعة، كأن تقرأ ليثنوا عليك ويقولوا: إنه جيد القراءة ويحسن القراءة أو تكثر من ذكر الله ليثنوا عليك ويقولوا: يكثر من الذكر، أو تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لتمدح ويثنى عليك، وهذا هو الرياء، وهو الشرك الأصغر، فالوالجب الحذر من ذلك، وأن تعمل أعمالك لله وحده، لا لأجل مراءاة الناس وحمدهم وثنائهم ولكنك تتعلم لتعمل وتعلم إخوانك وتصلي بهم وترجو ما عند الله من المثوبة وتقصد بذلك نفعهم لا رياء ولا سمعة، وإذا قرأت من المصحف فلا بأس أن تصلي بإخوانك من المصحف في رمضان فقد كان مولى عائشة رضي الله عنها يصلي بها من المصحف، فلا حرج على المصلي أن يقرأ من المصحف في قيام رمضان إذا كان لا يحفظ، وإن كان يحفظ عن ظهر قلب وقرأه حفظاً فهو أفضل وأحسن ولكن لا حرج في القراءة من المصحف عند الحاجة إلى ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/366.(7/707)
الإعجاب بالنفس بعد العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[يشعر الإنسان في بعض الأحيان بالإعجاب بالنفس أو الرياء إذا عمل الخير أو أدى العبادة ويخاف أن يكون ذلك مبطلاً لأعماله، فما هو توجيهكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخل على الإنسان عجب بعد العمل الصلح أو خوف من الرياء فعليه أن يطرده ويحاربه ويستعيذ منه بقوله (اللهم أني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثل هذا الشعور ينتاب كل إنسان، لكن عليه أن يستحضر الإخلاص، ويستغفر الله تعالى، ويتذكر أنه لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، فلولا أن الله تعالى أعانه على أداء هذا العمل ما أطاق فعله، فلله الحمد أولاً وآخراً.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: (يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم وهو صحيح.
ولا يترك العمل الصالح خوفاً من الرياء , لأن هذا من خطوات الشيطان لتخذيله عما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال.
أما مجرد الفرح بالعمل الصالح فإنه لا ينافي الإخلاص والإيمان، فقد قال سبحانه (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرمما يجمعون) يونس / 58 أي إذا حصل الهدي والإيمان والعمل الصالح وحلت الرحمة الناشئة عنه حصلت السعادة والفلاح، ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا سرتك حسناتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن) . رواه أحمد وابن حبان وغيرهما من حديث أبي أمامة وهو حديث صحيح.
وكذا لو أثنى الناس عليه وعلى عمله الصالح، فإن هذا من بشرى الله تعالى له العاجلة، فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: (تلك عاجل بشرى المؤمن) . رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وهو دليل رضى الله تعالى عنه ومحبته له فيُحببه إلى الخلق.
نسأل الله تعالى صلاح النية والعمل.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل/محمد المحمود النجدي ص21(7/708)
هل يقدم رجله اليمنى أم يقدم اليسرى عند الخروج من المنزل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما القدم التي يجب أن أخرجها أولا عندما أغادر منزلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قاعدة الشريعة: تقديم اليمين في كل ما كان من باب الكرامة، وتقديم الشمال في كل ما كان من باب المهانة، تنبيها على تعظيم اليمين، وتميزها، وزيادة لشرفها.
قال النووي رحمه الله في "رياض الصالحين" (1 / 405) :
باب استحباب تقديم اليمين في كل مَا هو من باب التكريم؛ كالوضوءِ وَالغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَالنَّعْلِ وَالخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ وَدُخولِ الْمَسْجِدِ، وَالسِّوَاكِ، وَالاكْتِحَالِ، وَتقليم الأظْفار، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الإبْطِ، وَحلقِ الرَّأسِ، وَالسّلامِ مِنَ الصَّلاَةِ، وَالأكْلِ، والشُّربِ، وَالمُصافحَةِ، وَاسْتِلاَمِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، والخروجِ منَ الخلاءِ، والأخذ والعطاء وغيرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ في معناه.
ويُسْتَحَبُّ تَقديمُ اليسارِ في ضدِ ذَلِكَ، كالامْتِخَاطِ وَالبُصَاقِ عن اليسار، ودخولِ الخَلاءِ، والخروج من المَسْجِدِ، وخَلْعِ الخُفِّ والنَّعْلِ والسراويلِ والثوبِ، والاسْتِنْجَاءِ وفِعلِ المُسْتَقْذرَاتِ وأشْبَاه ذَلِكَ " انتهى.
ثانيا:
دخول المنزل والخروج منه: لم يرد فيه دليل بخصوصه، يدل على استحباب تقديم إحدى القدمين، دخولا أو خروجا، فضلا عن أن يكون شيء من ذلك واجبا، كما ورد في السؤال.
وغاية ما هنالك أن بعض أهل العلم تكلم في استحباب ذلك، أو تفضيله، أخذا من عمومات الأدب في الباب.
قال ابن علان رحمه الله في شرحه لكلام الإمام النووي السابق ذكره:
" سكت عما لا تكرمة فيه ولا إهانة كدخول المنزل.
وقد اختلف فيه:
فقيل إنه باليمنى، نظراً لعدم وجود الإهانة المقتضية اليسرى.
وقيل: باليسرى، لفقدان التكريم المقتضي بها.
والراجح الأول " انتهى.
"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (6 / 7) .
وقال الخرشي:
" وَأَمَّا الْمَنْزِلُ فَيُقَدِّمُ يُمْنَاهُ دُخُولًا وَخُرُوجًا، إذْ لَا أَذَى، وَلَا عِبَادَةَ " انتهى.
" شرح مختصر خليل" (1/145) .
وقال أيضا:
" وَيَظْهَرُ أَنَّ عِلَّةَ تَقْدِيمِ الْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ تَكْرِمَتُهَا بِتَقَدُّمِهَا " انتهى. (1/146)
والظاهر إن الأمر في ذلك واسع، إن شاء الله، وأنه لا حرج في تقديم إحدى الرجلين أو تأخيرها، عند دخول المنزل، أو الخروج منه؛ فعلة التكريم أو الإهانة غير ظاهرة في هذا الأمر، ولم يرد فيه سنة بخصوصه، ويوشك أن لو كان في الأمر استحباب لوردت به السنة، كما وردت بغيره من الآداب والأذكار المتعلقة بدخول المنزل والخروج منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/709)
على المسلم أن يراعي الأدب والحياء في مجالسه مع الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الضراط المقصود وإخراج الريح أمام الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن الحياء مما يستحي منه الناس في العادة أمر مطلوب، وأن مراعاة ما اعتاده الناس وتعارفوا عليه هو من محاسن الأخلاق، وما كان مكروها في عرف الناس، فهو مذموم، وما جرت عادة الناس على تقبيحه فهو قبيح - ما لم تأت الشريعة بما يخالفه.
وروى البخاري (3484) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) .
قال الحافظ:
" قَوْله: (فَاصْنَعْ مَا شِئْت) هُوَ أَمْر بِمَعْنَى الْخَبَر , أَوْ هُوَ لِلتَّهْدِيدِ، أَيْ اِصْنَعْ مَا شِئْت فَإِنَّ اللَّه يَجْزِيك.
أَوْ مَعْنَاهُ: اُنْظُرْ إِلَى مَا تُرِيد أَنْ تَفْعَلهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَحَيَا مِنْهُ فَافْعَلْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَحَيَا مِنْهُ فَدَعْهُ ... " انتهى.
وجاء أعرابي إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين علمني الدين. فقال:
" أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وعليك بالعلانية، وإياك والسر وكل ما يستحى منه".
"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (1/ 333) – "شعب الإيمان" (3976) .
وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (312) عن عكرمة بن خالد أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال لابنه حين حضره الموت: "يا بني إنك لن تلقى أحدا هو أنصح لك مني: إذا أردت أن تصلي فأحسن وضوءك ثم صل صلاة لا ترى أنك تصلي بعدها، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس فإنه الغنى، وإياك وما يعتذر منه من العمل والقول واعمل ما بدا لك".
وقال بعض الحكماء: " إياك وما يعتذر منه، وما يستحيا من ذكره؛ فإنما يعتذر من الذنب، ويستحيا من القبيح ".
"مكارم الأخلاق" للخرائطي (1/ 484)
ولا شك أن تعمد إخراج الريح أمام الناس لغير عذر مناف للحياء، مناقض للمروءة، وهو من مساوئ الأخلاق، لا يعهد مثله إلا عن السفهاء، وقد ورد عن بعض السلف أن هذا الفعل كان من جملة المنكرات التي يفعلها قوم لوط عليه السلام.
قال الله عز وجل: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) العنكبوت/28،29.
قال الشوكاني في "فتح القدير" (4 / 285) :
"واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه: فقيل: كانوا يحذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب، وقيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم، وقيل: ... ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات. قال الزجاج: وفي هذه إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المنكر وأن لا يجتمعوا على الهزء والمناهي" انتهى.
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ بَكْرٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) مَا ذَاكَ الْمُنْكَرُ؟ قَالَ: "كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي الْمَجْلِسِ، يَضْرِطُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالنَّادِي: الْمَجْلِسُ".
"تفسير ابن أبي حاتم" (11/ 425) .
وروى مثله عن عائشة وابن عباس والقاسم بن أبي بزة وغيرهم.
انظر: "تفسير ابن كثير" (6/276) – "تفسير الطبري" (20/29) - "الجامع لأحكام القرآن" (13 / 342) .
ومما يدل على أن خروج الريح مما يستحيا منه ما رواه أبو داود (1114) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال في "عون المعبود" (3/326) :
" (فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ بِأَنْفِهِ لِيُوهِم الْقَوْم أَنَّ بِهِ رُعَافًا (نزيفاً) . وَفِي هَذَا الْبَاب مِنْ الْأَخْذ بِالْأَدَبِ فِي سَتْر الْعَوْرَة وَإِخْفَاء الْقَبِيح وَالتَّوْرِيَة بِمَا هُوَ أَحْسَن , وَلَيْسَ يَدْخُل فِي بَاب الرِّيَاء وَالْكَذِب , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّجَمُّل وَاسْتِعْمَال الْحَيَاء وَطَلَب السَّلَامَة مِنْ النَّاسِ" انتهى.
وعلى هذا جرت عادة الناس:
قال المدائني:
"جلس أشعب يوماً إلى جانب مروان بن أبان بن عثمان، فانفلتت من مروان ريح لها صوت، فانصرف أشعب يوهم الناس أنه هو الذي خرجت منه الريح. فلما انصرف مروان إلى منزله جاءه أشعب فقال له: الدية، قال: دية ماذا؟ دية الضرطة التي تحملتها عنك، وإلا شهرتك، فلم يدعه حتى أخذ منه شيئاً صالحه عليه" انتهى.
"نهاية الأرب في فنون الأدب" (ص393) .
وإنما يعرف عدم الحياء من مثل ذلك في أمم أخرى غير أمة الإسلام.
قال الراغب في "محاضرات الأدباء" (1/ 445) :
"زعمت الهند أن حبس الضراط داء دوي، وإن إرساله منج، وأنه العلاج الأكبر. وكانوا في يوم اجتماعاتهم ومحافلهم لا يحبسون ضرطة، ولا يسرون فسوة، ولا يرون ذلك عيباً ولا ضحكة" انتهى.
وروى البخاري (4942) ومسلم (2855) عن عبد الله بن زَمْعَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنْ الضَّرْطَةِ وَقَالَ: (لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ)
قال النووي رحمه الله:
" َفِيهِ: النَّهْي عَنْ الضَّحِك مِنْ الضَّرْطَة يَسْمَعهَا مِنْ غَيْره , بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَل عَنْهَا وَيَسْتَمِرّ عَلَى حَدِيثه وَاشْتِغَاله بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ غَيْر اِلْتِفَات وَلَا غَيْره , وَيُظْهِر أَنَّهُ لَمْ يَسْمَع. وَفِيهِ حُسْن الْأَدَب وَالْمُعَاشَرَة " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
حدث في هذا الزمان أناس وللأسف إذا اجتمعوا في بعض مجالسهم يتضارطون فيضحكون على ذلك معجبين بهذا الفعل، وإذا قيل لهم: اتركوا هذه الأفعال الذميمة، قالوا: إنها أولى من الجشاء أو مثله، مع عدم الدليل المانع لذلك، فبماذا يجابون؟ أثابكم الله.
فأجابوا:
"لا يجوز التضارط تصنعا، ولا الضحك من ذلك؛ لمخالفة ذلك للمروءة ومكارم الأخلاق، وليس ذلك مثل الجشاء، فإن الجشاء يخرج عادة دون قصد إليه ولا يضحك منه، أما إذا خرج الضراط من مخرجه الطبيعي دون تصنع - فلا حرج فيه، ولا يجوز الضحك منه؛ لما ثبت عن عبد الله بن زمعة أنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس) رواه البخاري " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26/111) .
أما إخراج الريح – ولو بصوت – لعذر، كمن به انفلات ريح، أو المريض بالقولون، ومن لم يتمكن من حبسها – فهذا لا شيء عليه، ولا يجوز أن يتضاحك الناس من فعله؛ للحديث المتقدم.
إنما الشأن فيمن يفعل ذلك عن عمد؛ ليتضاحك هو وأصحابه، ولا يبالي بالناس، ولا يستحي منهم، فهذا هو المذموم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤا وجواب(7/710)
يحب أن يتحدث بنعمة الله عليه، ويخاف من الحسد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضل الله علي أنه أكرمني بالكثير من الأمور الممتازة في حياتي من التوفيق في عملي وديني وحياتي بشكل عام , وكثير من الأحيان أشعر برغبة بالتحدث عن ما يحدث معي من أمور جيدة، وميسرة بفضل الله للأصدقاء، ولكني أخاف الحسد، خصوصا أن الكثير منهم في ظل الظروف الحالية أوضاعهم ليست بالجيدة , لذلك أنا أخاف أن يحسدني أحدهم، وآسف لقول ذلك، ولكنها حقيقة ثابتة في شرعنا الحنيف، هل هذا يعتبر ضعف إيمان؟ وماذا إن نسيت في صباح ما، أو مساء ما، أن أقرأ الأذكار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليعلم أن التحدث بنعمة الله هو من حقوق هذه النعمة عليك، ومن الإقرار بالجميل للمنعم سبحانه.
قال الله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى / 11
عن أبى نضرة قال: " كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها " انتهى.
"تفسير الطبري" (24 / 489) .
قال ابن القيم رحمه الله:
" والفرق بين التحدث بنعم الله والفخر بها: أن المتحدث بالنعمة مخبر عن صفات مُولِيها، ومحض جوده وإحسانه؛ فهو مُثْنٍ عليه بإظهارها والتحدث بها، شاكرا له، ناشرا لجميع ما أولاه، مقصوده بذلك إظهار صفات الله، ومدحه والثناء [عليه] ، وبعث النفس على الطلب منه دون غيره، وعلى محبته ورجائه، فيكون راغبا إلى الله بإظهار نعمه ونشرها والتحدث بها.
وأما الفخر بالنعم: فهو أن يستطيل بها على الناس، ويريهم أنه أعز منهم وأكبر، فيركب أعناقهم، ويستعبد قلوبهم، ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة.
قال النعمان بن بشير: إن للشيطان مصالي وفخوخا، وإن من مصاليه وفخوخه: البطش بنعم الله، والكبر على عباد الله، والفخر بعطية الله في غير ذات الله ".
"الروح" (312) .
قال ابن الأثير: " المَصالي: شَبيهةٌ بالشَّرَك، واحِدتُها مُصْلاة، أراد ما يُسْتَفزُّ به الناس من زِينَة الدُّنيا وشهواتِها ".
"النهاية في غريب الحديث" (3/95) .
ثانيا:
الثناء بنعمة الله الخاصة على عبد من عباده، وإن كان أمرا محمودا، إلا أنه إذا خشيت من ورائه مفسدة، من حسد أو غل أو نحو ذلك، فإنه يعدل عن ذكر النعمة الخاصة، إلى الثناء على الله بما هو أهله من النعم العامة عليه وعلى غيره من الناس.
قال السعدي رحمه الله:
" وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية (فَحَدِّثْ) أي: أثن على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص928) .
وقال المناوي رحمه الله، في شرحه لحديث (.. والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر) :
" هذا الخبر موضعه ما لم يترتب على التحدث بها ضرر كحسد، وإلا فالكتمان أولى " انتهى. "فيض القدير" (3/369) .
لكن ذلك حيث تدل القرينة عليه، وتقوى الأمارات على تلك الخشية، وإلا فالأصل حسن الظن بالمسلم، وتفويض الأمور إلى الله، والتوكل عليه في جلب الخيرات، ودفع المضرات.
والنصيحة لك أن تحصن نفسك بذكر الله، وقراءة الأوراد الشرعية، في الصباح والمساء، وأن تتحصن بالرقية الشرعية، لا سيما المعوذتين.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ: قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَصَبْتُ خُلْوَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ: (قُلْ) . فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (قُلْ) . قُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا تَعَوَّذَ النَّاسُ بِأَفْضَلَ مِنْهُمَا) .
رواه النسائي (5429) وصححه الألباني.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" التوقي من شرور الحاسد والعائن فإنه:
أولاً: بالتوكل على الله عز وجل وأن لا يلتفت الإنسان لهذه الأمور ولا يقدرها وليعرض عنها.
ثانياً: باستعمال الأوراد النافعة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإنها خير حامٍ للإنسان، مثل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في آية الكرسي أن (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطانٌ حتى يصبح) " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (13/274-275) .
ثالثا:
إذا نسيت قراءة أذكار الصباح أو المساء، في يوم ما، فبإمكانك أن تستدركها متى ذكرتها، فإن كان فات وقتها، وخرج أول النهار، أو أول الليل، فلا شيء عليك إن شاء الله، ويرجى أن تحصل بركتها بداومك عليها في عامة أحوالك، على أننا ننبهك إلى أن الرقية الشرعية ليست خاصة بأذكار الصباح والمساء، بل هي في أي وقت، وننبهك أيضا إلى أنه بإمكانك أن تعوض ما فاتك بكثير من الأذكار والتسابيح، وتلاوة القرآن، وهو كله غير مقيد بوقت صباح ولا مساء.
وننصحك بمراجعة كتاب: الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم، وفقه الأدعية والأذكار، للشيخ عبد الرزاق العباد.
وينظر: إجابة السؤال رقم: (105471) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/711)
أدب نداء الأخ الأكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة الإسلامية أو السنة عندما أقوم بمناداة أخي الأكبر أو أختي الكبرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد في السنة النبوية ـ فيما نعلم ـ شيء مخصوص في صيغة نداء الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، وإنما ورد بعض الأحاديث والآداب العامة في هذا الشأن، منها:
1- الاحترام في معاملة الكبير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه أبو داود (4943) وصححه الألباني في "سنن أبي داود".
2- خفض الصوت عند النداء والمحادثة والمخاطبة، فذلك من الآداب الرفيعة التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، وقد جاء في وصايا لقمان لابنه وهو يعظه - كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى - قوله: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان/19. قال العلامة السعدي رحمه الله: " (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أدبا مع الناس ومع الله، (إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ) أي: أفظعها وأبشعها (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة لما اختص بذلك الحمار الذي قد علمت خسته وبلادته" انتهى. "تيسير الكريم الرحمن" (ص/648) .
3- مناداة الإنسان بأحب الأسماء والألقاب إليه، وإذا اعتاد أهل بلد معين إطلاق لقب خاص على الأخ والأخت الكبيرين فينبغي الالتزام بها، لأن في استعمالها إظهارا للأدب والاحترام، وفي تركها إشعار بقلة الاحترام. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (يصفي للمرء ود أخيه: أن يدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن يوسع له في المجلس، ويسلم عليه إذا لقيه) " مصنف عبد الرزاق " (11/44) .
4- كثير من الآداب التي تدل على احترام الناس بعضهم بعضاً، وتوقير الصغير للكبير هي ما يتعارف عليه الناس، ولكل بلد في ذلك من العادات والتقاليد والآداب ما قد يختلف عن سائر البلدان، فعلى المسلم أن يلتزم بتلك الآداب التي اعتادها الناس في بلده عند مخاطبة الكبير، ما دامت هذه الآداب غير مخالفة للشريعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/712)
حكم تربية الفئران في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي فأران أبيضان في البيت (أهداهما لي صديق) . هل يجيز الإسلام الإبقاء على الفئران في البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشريعة المطهرة بالأمر بقتل الفأرة حيثما وجدت؛ لما يترتب على وجودها من فساد.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحل والْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رواه البخاري (3314) ومسلم (1198) .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بن القصار: " إنَّمَا سَمَّاهَا فَوَاسِقَ لِخُرُوجِهَا عَمَّا عَلَيْهِ سَائِرُ الْحَيَوَانِ بِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَاوَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا" انتهى.
"المنتقى – شرح الموطأ" (2/333) .
وعلى ما تقدم: فالإبقاء على الفأرة – سواء في ذلك الذكر والأنثى – خلاف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من قتلها، وخلاف مقصوده من تنزيه البيوت من تلك المخلوقات الضارة، وهذه الكائنات المؤذية، ويقبح أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الفئران، ثم نربيها في بيوتنا، ونطعمها ونحافظ عليها، ويهادي بها بعضنا بعضا.
فالخير كل الخير في طاعته صلى الله عليه وسلم، والشر كل الشر في معصيته، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي) رواه أحمد (5093) وصححه الألباني في "صحيح الجامع".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/713)
حكم الإيثار بالقربات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإيثار بالقرب؟ كأن نؤثر العالم أو الوالد بالصف الأول، فإذا كنا في الصف الأول – مثلاً - ووجدنا الأب أو العالم الشيخ في الصف الثاني، وأردنا أن نقدمه إلى الصف الأول -مثلاً - فهل هو مشروع، أو مكروه، أو يدخل في حدود الإباحة وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الإيثار بالقرب على نوعين:
النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام.
وأما الإيثار بالمستحب فالأصل فيه أنه لا ينبغي، بل صرح بعض العلماء بالكراهة، وقالوا: إن إيثاره بالقرب يفيد أنه في رغبة عن هذه القرب، لكن الصحيح أن الأولى عدم الإيثار، وإذا اقتضت المصلحة أن يؤثر فلا بأس، مثل أن يكون أبوه في الصف الثاني وهو في الصف الأول، ويعرف أن أباه من الرجال الذين يكون في نفوسهم شيء إذا لم يقدمهم الولد، فهنا نقول: الأفضل أن تقدم والدك، أما إذا كان من الآباء الطيبين الذين لا تهمهم مثل هذه الأمور فالأفضل أن يبقى في مكانه، ولو كان والده في الصف الثاني، وكذلك بالنسبة للعالم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" اللقاء/35 ص 22.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين
لقاءات الباب المفتوح(7/714)
جعل توبيك الماسنجر دعاء أو حكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك توبيكات للماسنجر ولها أنواع ومنها ما يسمى بالتوبيكات الإسلامية وأنا اخترت منها لإيميلي من هذه التوبيكات هل يجوز لي فعل ذلك؟ علما بأن المحادثة وأثناء الكتابة تبدأ بهذا التوبيك الإسلامي الذي اخترته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في استعمال توبيكات الماسنجر، واختيار الكلمات الهادفة، أو الأدعية النافعة، أو الأشعار الجيدة، وفي ذلك تذكير للأصحاب، ودلالة على الخير، وتوجيه للطاعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/715)
حكم التجشؤ بصوت مرتفع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التجشؤ بصوت مرتفع حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجُشاء هو: خروج الهواء بصوت من المعدة عن طريق الفم عند حصول الشبع.
جاء في المصباح المنير: تجشأ الإنسان تجشؤا، والاسم الجشاء وزان غراب، وهو صوت مع ريح يحصل من الفم عند حصول الشبع. انتهى
وقد ورد في الحديث، عن ابن عمر قال تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) سنن الترمذي (2478) ، قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه، والحديث حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير.
وجاء في تحفة الأحوذي: "قوله: (كف عنا) أمر مخاطب من الكف بمعنى الصرف والدفع، وفي رواية شرح السنة: أقصر من جشائك، (جشاءك) بضم الجيم ممدود، أو النهي عن الجشاء هو النهي عن الشبع ; لأنه السبب الجالب له ".انتهى من تحفة الأحوذي.
والتجشؤ بصوت مرتفع ليس محرمًا، وإنما يعد فعله خلاف الأدب، إن كان بحضرة الآخرين، حتى لا يتأذوا من الصوت والرائحة، ويتأكد استهجان هذا العمل إذا كان في بيئة تستهجنه وتسترذل من يتعمده، أو يتساهل فيه.
والأولى أن يكتمه قدر المستطاع، فإن غلبه فليضع يده على فمه، أو يضع منديلاً، هذا إن كان بحضرة الآخرين، فإن كان ليس معه أحد فلا شيء فيه، إلا أنه يكره أن يبالغ الإنسان في الأكل والشبع.
جاء في أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري الشافعي: (قوله: فإن تثاءب سُنَّ له أن يغطي فاه بيده) قال ابن الملقن: وغيره: والظاهر أنها اليسرى ; لأنها لتنحية الأذى، قال الأذرعي وأُلْحِق بذلك التجشؤ. انتهى من أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/180) .
وسئل الشيخ عبد الله بن عقيل:
" اجتمعنا في المسجد نتذاكر، فتجشأ أحد الزملاء، فقال له رجل من الحاضرين: (هني) ، فأنكر عليه آخر، فقال له: إن هذا بدعة، كما أنكر على المتجشئ رفع الصوت بهذه الصفة البشعة، ولكنه لم يقتنع، وقال: إنه قد سمع من بعض طلبة العلم أن المتجشئ يقال له: هني، فأرجوكم إفادتنا عن ذلك مشكورين؟
الإجابة: أما الجُشاء، فقد أخرج الترمذي بإسناد ضعيف، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلا تجشأ عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال له: (كف عنا جشاءك؛ فإن أكثركم شبعا أكثركم جوعا يوم القيامة) . قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب: إذا تجشأ الرجل وهو في الصلاة، فليرفع رأسه إلى السماء حتى يذهب الريح، فإذا لم يرفع رأسه أذى من حوله من ريحه. قال: وهذا من الأدب، وقال في رواية مهنا: إذا تجشأ الرجل، فينبغي له أن يرفع وجهه إلى فوق؛ لكي لا يخرج من فيه رائحة يؤذي بها الناس. فقيد في الأولى بكونه في الصلاة، وأطلق في الثانية، وظاهر العلة يقتضي حيث كان ثَم ناس، وإلا فلا يطلب منه رفع، وهذا ظاهر.
وأما إجابة المتجشئ، فقال في «الآداب الكبرى» : " ولا يجيب المتجشئ بشيء، فإن قال: الحمد لله، قيل له: هنيئا مرئيا، أو: هنَّاك الله وأمراك. ذكره في «الرعاية الكبرى» وابن تميم، وكذا ابن عقيل وقال: لا نعرف فيه سنة، بل هو عادة موضوعة. وذكر معناه في «الإقناع» و «شرحه» و «الغاية» وشرحها. انتهى من فتاوى الشيخ ابن عقيل (2 / 214) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/716)
حكم مصافحة وتقبيل المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السلام على المحارم بالتقبيل والمصافحة؟ وإذا كان ذلك جائزاً فمن هم الأقارب المحارم؟ وهل يدخل في المصافحة والتقبيل محارم الرضاعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"سلام الرجل على محارمه لا بأس به، وسلام المرأة على محارمها لا بأس به، بالمصافحة أو بالتقبيل كل هذا لا بأس به، والمحارم هم المبينون في قوله جل وعلا: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) النور/31، ومن المحارم: الأخوال والأعمام وغيرهم من المحارم.
فهؤلاء هم المحارم أبوها وأجدادها وأبو أمها وأجدادها من ناحية الأم وأبناؤها وأبناء بناتها وأبناء بنيها، وإخوة المرأة وأبناء إخوتها من محارمها أيضاً، وهكذا أخوالها وأعمامها كلهم من محارمها، وهكذا أبو زوجها وجد زوجها وابن زوجها وابن ابنه وابن بنت الزوج كلهم محارم لها.
ولا بأس أن يُقبل الرجل محرمه؛ عمته وخالته وأمه وجدته وأخته، لا بأس أن يقبلها، لكن الأفضل أن يكون مع الرأس ولا سيما إذا كانت كبيرة، أو على الأنف أو على الخد، وكره جمهور أهل العلم التقبيل من الفم إلا للزوج، فالأولى أن يكون هذا للزوج لا للمحارم، أما المحارم فيكون على الرأس أو على الأنف أو على الخد، هذا هو الأولى والذي ينبغي.
وسواء كان المحارم من النسب أو من الرضاع.
فالمحارم من الرضاع: أبوها من الرضاع وعمها من الرضاع وخالها من الرضاع وابن زوجها من الرضاع وأبو زوجها من الرضاع كالنسب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) هكذا قال عليه الصلاة والسلام، فالنسب مثل الرضاع وهكذا المصاهرة، كما تقدم، أبو الزوج محرم من جهة المصاهرة، وجد الزوج وابن الزوج فهؤلاء محارم من جهة المصاهرة، سواء كان من النسب أو من الرضاع، والمصافحة من باب أولى" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1561) .(7/717)
حكم لبس الساعة في اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس الساعة في اليد اليمنى بالنسبة للرجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز لبس الساعة في اليمين واليسار، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تختم في يمينه تارة وفي يساره تارة، وهذا لبيان التوسعة، فالساعات مثل ذلك إذا لبسها في اليمين أو في اليسار فلا بأس" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1560) .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (71330) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(7/718)
حكم المواقع التي تفرد أقساماً للكتابة في تفاصيل العلاقة الزوجية الخاصَّة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الكتب، ومواقع الإنترنت، والدورات التدريبية المتخصصة بمواضيع الثقافة الجنسية؟ علماً بأن المواقع التي أتحدث عنها - وقد شاهدتها بنفسي - عربية، ويرتادها نساء مسلمات، وهي مخصصة للنساء فقط، ولا يسمح بمشاركة الرجال فيها إطلاقاً، وتتحدت عن أنواع المداعبات الزوجية، وأوضاع الجماع، ولكن دون صور إباحية، أو ما شابه، كما أنها تنبذ الممارسات الشاذة، والمحرمة بالدين الإسلامي، والدورات التي أتحدث عنها أيضاً مخصصة للنساء المتزوجات فقط، وتُلقيها أستاذة – امرأة -، وتتحدث عن مواضيع مختلفة، منها: زيادة الحب، والود بين الزوجين، وطرق إغراء الزوج، والتفاهم بين الزوجين. أنا أعترف بأنني أشعر بانتعاش، وتحسن شديد بعلاقتي الزوجية بعد قراءتي لهذه المواضيع. ما حكم هذه الأمور؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله تعالى الأزواج أن يعاشر كل منهما صاحبه بالمعروف، والمعاشرة الجنسية بين الأزواج تدخل في هذا الأمر، ومما لا شك فيه أن كلا الزوجين بحاجة لـ " ثقافة جنسية " تسهل عليهما الحياة الزوجية، وتقوي ما بينهما من رباط.
وإنه لمن المحزن أننا نجد في هذا الأمر إفراطاً، وتفريطاً، أما الإفراط: فهو ما ينتشر في الآفاق من نشر لهذه الثقافة الجنسية بقوة، من غير حياء، ولا حشمة، فتتناولها المناهج الدراسية بالتعليم النظري، ويتناولها دعاة الفحش، والعهر، بالتطبيق العملي، وذلك من خلال تسهيل عملية اللقاء بين الجنسين بكل ما هو محرَّم، ومثل هذا العلم والعمل يكون قبل الزواج بسنوات، بل إنه ليبعِّد كثيرين عن الزواج؛ لما يراه من متعة! من غير تحمل مسئولية، ومن غير ارتباط بشريك واحد.
وأما التفريط: فهو منع تعلم ما جاء به الشرع من الأحكام المتعلقة بذلك، وعدم معرفة ما يحتاج إليه منها؛ فربما تزوجت الفتاة وهي لا تعلم متى يحل لزوجها أن يجامعها، ومتى يحرم، وماذا يحل له منها، وماذا يحرم، وهكذا.
وليعلم أن التوجيهات الشرعية في مثل هذه الأمور، تأتي في سياقات متنوعة، وفي مواقف متنوعة أيضا، بحسب الحاجة والمصلحة، مما يجعل الحديث عنها في سياقه الطبيعي، وحجمه المعقول، دون إفراط ولا تفريط، ومن غير أن تتحول تلك المسائل إلى شغل عام في حياة الإنسان؛ بل هي أمور مهمة ومطلوبة، لكن لها حجمها الطبيعي، وأدبها العام.
ومن أدب الشرع في تعليم ذلك والحديث عنه: أنه يعتمد على الكناية المفهمة، والتي يستغني بها عن التصريح بما يستحيا من ذكره، ويخدش الحياء التفصيل فيه. كما في قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ) البقرة/ 187، وقوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/ من الآية 223، وقوله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله لما علِم بتزوجه من ثيب: (فَهَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا) رواه البخاري (5052) ومسلم (715) .
ومن الآداب المهمة لذلك الاعتماد على الرصيد الفطري لكل امرأة، والذي يعطيها قدرا كبيرا مما تحتاجه في ذلك، وفي كل بيئة ينتقل قدر من المعارف المكتسبة , والخبرات المتعلقة بذلك من خلال نساء أهلها، اللاتي سبقن إلى خوض مثل هذه التجارب، في حدود لا تخدش الأدب، ولا تخل بالحياء.
ثانياً:
أما بخصوص المواقع التي تعلِّم النساء تلك الثقافة الجنسية فلا بأس بمطالعة ما فيها من المواضيع الجادة العلمية المفيدة، بشرط أن تكون تلك الموقع موثوقة فيما تقدمه من المعلومات، جادة في أداء رسالة تعليمية نزيهة، بعيدة عن الإثارة الرخيصة، والدعايات التافهة.
وهو الأمر الذي ينطبق على الكتب والنشرات التي تعنى بذلك اللون من المعارف.
على أن يبدأ انشغال الفتاة بمثل ذلك اللون من المعلومات عند حاجتها الفعلية إليها، بدخولها في الزواج، أو إقبالها عليه وقرب حصوله لها.
ثالثا:
المشاركة المباشرة في مثل هذه المنتديات: تكتنفها محاذير عديدة، ولعل من أخطرها: تلصص الفساق وأهل الفساد، بأسماء مستعارة، ومعلومات وهمية باعتباره امرأة، بغية التسلية الرخيصة، والتلاعب بالعقول والقلوب. لا سيما إذا كان المنتدى يعرض لتلك الموضوعات الحساسة.
بل إن مجرد مطالعة الموضوعات في مثل هذه المنتديات، ينبغي أن يضبط بأمور مهمة، منها:
1. أن تخلو تلك المواقع، والمقالات من الصور المحرَّمة، كصور النساء عموماً، أو الصور اليدوية، وخاصة تلك التي تُرسم فيها الأعضاء الجنسية.
2. تجنب الألفاظ النابية، والتخلق بأخلاق الإسلام في الاكتفاء بما يوصل الرسالة، دون التعرض للألفاظ الصريحة المؤذية، إلا أن تكون حاجة لذلك.
4. تجنب عرض تلك المواضيع بالصوت – كما تعقدها بعض النساء في دورات! -، ومن باب أولى بالصوت والصورة؛ لما في ذلك من تعريض المتكلمات أنفسهن للسوء، من خلال انتشار أشرطة تلك المحاضرات بين أيدي السفهاء، وتعريض المتكلمات أنفسهن لتعليقات ساخرة، ومهينة، من أهل الفساد.
3. عدم الاكتفاء في التعليم والتوجيه لمسائل الحب، والعشق، وممارسة الجنس، وتعليق الزوج بالفراش، فالعلاقة الزوجية أسمى من أن تكون موجهة لذلك الاتجاه دون غيره، بل تعلَّم المرأة أخلاق الإسلام في التعامل مع زوجها، وأهل زوجها، وتعلَّم أصول تربية أولادها، وضبط علاقاتها بجيرانها، وأقرباء زوجها، وأمور تنظيف البيت، وترتيبه، والطهي، واستغلال الوقت في التزود بالعلم الشرعي، والإتيان بالأذكار، وتعليمهن مسائل الشرع الخاصة بالنساء، كأحكام الحيض، والغسل، وغير ذلك، وبذلك تكون هذه المواقع قد أدت رسالتها على أكمل وجه، وإننا لنرى أنه من المهانة للمرأة حصر تعليمها وتوجيهها في الأمور الجنسية، وأمور الفراش، وهذه الأمور وإن كانت لها أهمية بالغة، لكنها جزء من الحياة الزوجية، لا كلها.
فمتى التزم المنتدى، أو الكتاب، أو الموقع: بما مر من الضوابط، وغيرها من أصول الآداب العامة: فلا مانع من قراءته ومطالعة ما فيه من المواضيع النافعة.
وأما مشاركة المرأة المباشرة في مثل هذه المنتديات: فيكتنفه محاذير عديدة، توجب البعد عنها، لا سيما مع إمكانية تحصيل الفائدة الحقيقية دون تلك المشاركة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/719)
يستحب إغلاق أبواب المنازل في الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: وقت غروب الشمس نقول: بسم الله. ونغلق الشبابيك، كي لايدخل الجن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرنا بإغلاق الأبواب وذكر اسم الله في الليل، عند دخول الليل، وعند النوم والمبيت، وذلك كي يحفظ المسلم بيته وأهله من دخول كل شيطان ضار من شياطين الإنس والجن، وكذلك من دخول الحيوانات والحشرات المؤذية.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ)
رواه البخاري (3280) واللفظ له، ومسلم (2012) ولفظه:
(غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً)
وقد بوب عليه الإمام النووي بقوله:
" باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب " انتهى.
وروى مسلم (2013) في الباب نفسه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ)
ورواه ابن حبان في " صحيحه " (4/90) بلفظ:
(أَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ إِذَا رَقَدْتُمْ بِاللَّيْلِ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْبَابَ مُغْلَقًا دَخَلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ السِّقَاءَ مُوكًى شَرِبَ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا وَالسِّقَاءَ مُوكًى لَمْ يَحْلِلْ وِكَاءً وَلَمْ يَفْتَحْ بَابًا مُغْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ لِإِنَائِهِ الَّذِي فِيهِ شَرَابُهُ مَا يُخَمِّرُهُ، فَلْيَعْرِضْ عَلَيْهِ عُودًا)
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله:
" وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن، وأما قوله: (إن الشيطان لا يفتح غلقا، ولا يحل وكاء) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز وجل على عباده من الإنس، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء، وأنه قد حرم هذه الأشياء، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس " انتهى.
" الاستذكار " (8/363)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال ابن دقيق العيد: في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيما الشياطين.
وأما قوله: (فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا) فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان، وخصه بالتعليل تنبيها على ما يخفى مما لا يطلع عليه إلا من جانب النبوة، قال: واللام في الشيطان للجنس، إذ ليس المراد فردا بعينه " انتهى.
" فتح الباري " (11/87)
وقال أيضا رحمه الله:
" قال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة، ويحتمل أن تكون للندب، ولا سيما في حق من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر.
وقال ابن العربي: ظن قوم أن الأمر بغلق الأبواب عام في الأوقات كلها، وليس كذلك، وإنما هو مقيد بالليل؛ وكأن اختصاص الليل بذلك لأن النهار غالبا محل التيقظ بخلاف الليل، والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان، فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار " انتهى.
" فتح الباري " (6/356-357)
وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله:
" ويسن إذا جن الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب مسميا لله تعالى في الثلاثة، وكف الصبيان والماشية أول ساعة من الليل، وإطفاء المصباح للنوم " انتهى.
" مغني المحتاج " (1/31)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ينبغي للإنسان إذا نام أن يجافي الباب بمعنى يغلقه " انتهى.
" شرح رياض الصالحين "
وانظر جواب السؤال رقم (125922) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/720)
حديث إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ حديث صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دليل على أن وقت المغرب هو وقت انتشار الشياطين، وأنه يجب إدخال الأطفال إلى المنزل في هذا الوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ورد في هذا الأدب جملة من الأحاديث الصحيحة. فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ)
رواه البخاري (3280) ومسلم (2012) ، وبوب عليه النووي بقوله: باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب.
وروى مسلم (2013) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ – أي كل ما ينتشر من ماشية وغيرها - وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ في الحديث الأول ـ:
" (جُِنح الليل) هو بضم الجيم وبكسرها، والمعنى: إقباله بعد غروب الشمس، يقال: جنح الليل: أقبل.
قوله: (فخلوهم) قال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة، لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت.
والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار؛ لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد " انتهى.
" فتح الباري " (6/341)
وقال الإمام النووي رحمه الله:
" هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على كشف إناء، ولا حل سقاء، ولا فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه الأسباب، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح أن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال الشيطان: (لا مبيت) أي: لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة.
وفى هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع، ويلحق بها ما في معناها، قال أصحابنا: يستحب أن يذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذي بال، وكذلك يحمد الله تعالى في أول كل أمر ذي بال، للحديث الحسن المشهور فيه.
قوله (جنح الليل) هو بضم الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، وهو ظلامه، ويقال: أجنح الليل: أي: أقبل ظلامه، وأصل الجنوح الميل.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فكفوا صبيانكم) أي: امنعوهم من الخروج ذلك الوقت.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن الشيطان ينتشر) أي: جنس الشيطان، ومعاه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ. والله أعلم " انتهى.
" شرح مسلم " (13/185)
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:
" في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم) ثم جاء فيه: (وأطفئوا مصابيحكم) فهل هذا الأمر للوجوب؟ وإن كان للاستحباب فما هي القرينة الصارفة له عن الوجوب؟
فأجابت:
" هذه الأوامر الواردة في الحديث محمولة على الندب والإرشاد عند أكثر العلماء، كما نص عليه جماعة من أهل العلم، منهم: ابن مفلح في " الفروع " (1/132) ، والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11/87) والله أعلم " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (26/317)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/721)
" هاري بوتر " و " مفكرة الموت " فتنة الصغار والكبار، كفر وإلحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في هذا الوقت ما يسمَّى بـ " هاري بوتر "، وله روايات مجزأة على 8 أو 7 أجزاء، وصورت بعضها أفلام، تتحدث عن السحر، شخصيّاً لم أطلع عليها، ولم أر شيئاً منها، ولكن سمعت عنها، وعن انتشارها كثيراً، وأيضاً هناك فيلم " مفكرة الموت " رأيت حلقة واحدة منه تحدث عن " إله الموت " أنه رمى بـ " مفكرة الموت " للبشر، وأخذها شخص، وقرأ على غلاف هذه المفكرة أنه إذا أراد أن يُميت أحداً: فإنه يكتب اسمه، وطريقة موته، ثم يموت خلال 30 ثانية، أو أقل - لا أتذكر بالضبط -، وتدور الأحداث كيف تعامل هذا الشخص مع هذه المفكرة. فما رأيكم في مثل هذه الأفلام؟ وتبادلها بين الشباب؟ وبعضهم يدعي بأنه لا يشتريها حتى لا يدعمهم، ولكن يأخذها من زميله " يقرؤها، أو يشاهدها، ويرجعها له "! هل هذا تصرف صحيح؟ وكيف يمكن إقناعهم بخطورة مثل هذه الأفلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سلبَت أفلام الرسوم المتحركة الحديثة عقول الصغار والكبار! ، وتحوَّل كثير منها إلى أفلام حقيقية بسبب فتنة الملايين بها، وتعلق قلوبهم بأحداثها وشخصياتها، وقد احتوى كثير منها على عقائد تخالف دين الإسلام، وتشكك المسلمين – وخاصة الصغار منهم – بالمسلَّمات والعقائد القطعية، إضافة لما تبثه من مفاسد سلوكية، بما يظهر فيها من نساء متبرجات، وقصص حب وغرام.
ونأسف أن يتلقف المسلمون تلك الأفلام ليجعلوها في بيوتهم، ويمكنوا أطفالهم من تقضية أوقاتهم في مشاهدتها، وليس عند من يفعل ذلك أدنى اهتمام بما يمكن أن تؤثر به مثل هذه المشاهدات على أولاده ذكورهم وإناثهم.
ثانياً:
مما فتن به العالَم في زماننا هذا قصص " هاري بوتر " الشهيرة، وهي سلسلة مكونة من سبعة كتب، كتبتها كاتبة بريطانية تدعى " ج. ك رولينج "، وتدور القصة حول فتى يدعى " هاري بوتر " وُلد لأبويْن ساحرين، وقد قتلهما ساحر شرِّير، وقد فشل هذا القاتل في قتل ابنهما " هاري "، وعندما بلغ هذا الفتى سن الحادية عشرة اكتشف أنه ساحر! ثم تبدأ سلسلة الأحداث القائمة على السحر والشعوذة والخيالات، وقد بيعت مئات الملايين من هذه القصة في أرجاء الأرض، وترجمت إلى حوالي 60 لغة! ومن بينها اللغة العربية! ، وقد أنشئت منتديات، وكتبت ألوف الصفحات في شبكات الإنترنت، تحلل القصة، وتتوقع وقائعها، وتناقش أحداثها، بل إن الموقع العربي المسمى باسم بطلها لا يكتب – كباقي المنتديات – " اسم المستخدم " للدخول لموقعه، بل يكتب " اسم الساحر "! والله المستعان.
ثالثاًً:
وقد كتب الأستاذ خالد الروشة نقداً علميّاً متيناً لما احتوته تلك القصص، وذكر ما فيها من خروقات عقيدية وتربوية، فقال:
" وأحاول هنا بإيجاز أن أقف مع القارئ على بعض الخروق التربوية التي تؤدي إليها مثل تلك القصة وما يتبعها:
1 - القصة تقدِّم نموذجاً للقدوة عند أبنائنا , هو الساحر الشهير " هاري بوتر " , وهي هنا تهدم هذا الجدار الذي يبنيه النموذج الإسلامي بين أبناء الإسلام وبين السحر والسحرة , ولطالما لجأ الغرب إلى اختراع الشخصيات الأسطورية؛ لإلهاء الأطفال؛ ولملء الفراغ العميق بداخلهم , فاخترعوا لهم " سوبر مان " و " بات مان " و " هرقل "، وغيرهم من شخصيات يقدمونها للأبناء على أنها تستطيع أن تغير العالم وتهدم الجبال! وهذا ولاشك في ذاته دليل على عجزهم عن تقديم نموذج واقعي جاد جدير بجذب الأبناء وتعلقهم به والإقبال عليه.
2 - تقدِّم القصة السحر كمخلِّص من العقبات التي لا يمكن حلها، والأزمات التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، وفي لحظة واحدة، وبكلمة سحرية: يستطيع الساحر أن يحل الأزمة، ويتخطى العقبة , وهو – ولا شك - يولِّد لدى الأبناء خللاً عقائديّاً كبيراً , إذ إنه يدعوهم نحو ما يدعو إليه دافعاً إياهم إلى نسيان من ينبغي أن يلجئوا إليه في العقبات، والأزمات , ونحن ليل نهار نعلم أبناءنا (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام/ 17، 18 , وهو المنصوص عليه في جميع الديانات الصحيحة، وعلى لسان جميع الأنبياء من لَعْن السحرة، والمشتغلين بالسحر , ولكن القصة تجعل أبناءنا يشتاقون للسحر، ويحبونه، ويتمنى كل واحد منهم أن لو صار ساحراً!!
3 - الحياة الغربية هي حياة مركزها الإنسان، ومحورها منفعته، ومكاسبه , والإسلام يعلِّمنا أن يكون مركز تفكيرنا في مرضات الله سبحانه , فطاعة الله هي مركز حياتنا , ورضاه عز وجل هو محور سعينا , وهذا ما ينبغي أن نعلمه أبناءنا من قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/ 162 , وفي تلك القصة الساقطة هم يقدِّمون الشخصية التي تفعل كل المعجزات اعتماداً على قدراتها السحرية، وسعياً وراء مصلحة الأفراد , ولا يغتر أحد أنهم يقدمونه محارباً للشر , فالخير لا يأتي عن طريق الشر أبداً , وما جعل دواء فيما حُرِّم!
قصة " بوتر " قائمة على شيء حرَمه الله في ديننا الحنيف، ولعن فاعله، ذلك الشيء القبيح هو السحر , والمبدأ القرآني عندنا يقول (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه/ من الآية 69.
4 - اعتمدتْ القصة على التخويف والفزع من تخيلات شيطانية لا تطرأ إلا في عالم الجن، والشياطين، ومساكنهم في مجاري المياه، والمراحيض، وأماكن النجس - هكذا أوردت القصة - , والمزاج السليم يرفض ذلك، ويبعد بالأبناء عن تلك المجالات المفزعة، والقابضة لنفوس الأبناء، والمجرئة لهم – في بعض الأحيان – على عالم الشيطان , حتى يستسيغوا الحياة في ذلك العالم , فلا يجد حينئذ عبَّاد الشيطان صعوبة في دعوتهم إلى السوء!
5 - قدَّمت القصةُ الساحرَ الأكبرَ على أنه بإمكانه أن يحي ويميت! فهو يميت الطائر كذا، والحيوان كذا، ثم يحييه في صورة أفضل، وشكل أحسن , كما تقدمه على أنه يشفي المرضى، ويعالج الجروح في لحظة واحدة، وبكلمة سحرية واحدة , وهو خلل أي خلل في التكوين النفسي والفكري لدى أبنائنا الذين يجب أن نعلمهم دوما معنى قوله تعالى (الَّذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين. والَّذِي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقِين. وَإِذَا مَرِضت فَهُوَ يَشْفِين. والَّذي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيين. والَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) الشعراء/ 78 - 82.
6 - لا يهم الغرب أن يتربى الابن وقلبه مملوء بمحبة الله سبحانه والرغبة في عبادته , فهو يهتم بترفيهه وتقديم ما يبهره , ولذلك دوماً نجد أبناءهم يشبُّون على المادية الجامدة، وعلى النفعية البالغة، وعلى التقليل من شأن الروح، وإعلاء المادة عليها، وعلى البعد الكبير عن شئون القلب، وحقائق الكون , فقليل منهم من ييمم وجهه نحو البحث عن الإيمان، ولكنه يتربى على أن الإيمان هو شيء زائد يتمثله ليشعره بالراحة النفسية في بعض المواقف , وهذا يتنافى تماماً مع ما يأمرنا الإسلام بتربية أبنائنا عليه، حيث أوصانا أن نربِّي أبناءنا على حراسة القلب بالإيمان، وتعليقه بربه، وانظر إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام الصغير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يقول له: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ... ) أين الثرى من الثريا، وأين الظلمات من النور؟!! " انتهى.
ولقراءة المقال كاملاً: اضغط هنا:
http://www.islamselect.com/mat/42292
رابعاً:
قد حرمت الشريعة قراءة كتب السحر، ولا يختلف حكم مشاهدة الأفلام عن القراءة، بل هو أشد إثماً؛ لما فيه من تطبيق عملي للأمور النظرية في الأفعال السحرية المحرمة؛ ولما له من تأثير بالغ على ذهن المشاهد، وعلى حياته.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أرجو من فضيلتكم أن تبينوا حرمة استعمال، وقراءة كتب السحر والتنجيم، حيث إنها موجودة بكثرة، وبعض زملائي يريدون شراءها ويقولون: إنها إذا لم تستعمل فيما لا يضر فليس في ذلك حرمه. نرجو الإفادة، وفقكم الله.
فأجاب:
هذا الذي قاله السائل حق، فيجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم، ويجب على من يجدها أن يتلفها؛ لأنها تضر المسلم، وتوقعه في الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) ، والله يقول في كتابه العظيم عن الملَكين: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) البقرة/ 102، فدلَّ على أن تعلم السحر، والعمل به: كفر، فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلِّم السحر والتنجيم، وأن يتلفوها أينما كانت.
هذا هو الواجب، ولا يجوز لطالب العلم، ولا غيره، أن يقرأها، أو يتعلم ما فيها، وغير طالب العلم كذلك، ليس له أن يقرأها، ولا أن يتعلم مما فيها، ولا أن يقرَّها؛ لأنها تفضي إلى الكفر بالله، فالواجب إتلافها أينما كانت، وهكذا كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم يجب إتلافها.
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 148) طبعة " دار الوطن ".
والخلاصة:
لا يحل لمسلم أن يشتري هذه القصة المسمى " هاري بوتر " لما تحتويه من تعظيم للسحر، والسحرة؛ ولما فيها من عقائد تخالف عقيدة الإسلام، ومن باب أولى عدم جواز مشاهدة القصة مصورة في " فيلم " لما لها من تأثير بالغ على عقيدة، وسلوك مشاهديها؛ ولما تحتويه من مشاهد منكرة، وموسيقى محرمة.
خامساً:
الفيلم الكرتوني الآخر – وقد تحول إلى فيلم حقيقي – والمسمى " مفكرة الموت " يحتوي على عقائد كفرية، وملخص قصة الفيلم أن " إله الموت "! والمسمى " ريكو " يرمي بمفكرة سماها " مفكرة الموت " إلى عالم البشر! ، ويلتقطها بطل الفيلم " ياجامي "، ليعلم فيما بعد أنه يستطيع أن يميت من يشاء! وذلك من خلال كتابة اسم المراد موته فيها، بشرط أن يكون على علم بصورته، كما يستطيع أن يتحكم في طريقة وفاته! فإذا كتب طريقة الموت بعد " 40 " ثانية من كتابة الاسم، وكتب طريقة الموت: مات بما يطابق كتابته، وإن مرت المدة ولم يكتب طريقة موته: مات بالنوبة القلبية! فيبدأ بعدها التخلص من الأشرار! بكتابة أسمائهم في تلك المفكرة ليتم القضاء عليهم، ويبدأ محقق في تتبع أسباب وفاة أولئك، في قصة تملؤها الخرافة، والشرك، والكفر، والإلحاد، وفي كل مرة يقدَّم الكفر على أنه مخلص الأرض من الشر! وهذا ما رأيناه قبل قليل في الساحر " هاري بوتر " وكذا ما قدَّمته الرسوم المتحركة اليابانية من " ميكي ماوس " الإله الفأر الذي ينقذ المظلومين ويقضي على الأشرار، وها هم هنا يأتون بشخص يسمونه " إله الموت " – " شينيغامي " – ليجعل له وكيلاً من البشر! يقضي على من يشاء بالموت.
ولا يشك موحد يعرف الإسلام أن مثل هذه القصص والرسوم المتحركة والأفلام لا يحل نشرها، ولا قراءتها، ولا مشاهدتها؛ لما فيها من مخالفات واضحة لعقيدة التوحيد؛ ولما لها من أثر سيء على قارئها ومشاهدها.
ولمزيد فائدة: انظر أجوبة الأسئلة: (110352) و (71170) و (97444) و (111600) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/722)
شروط المزاح الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط المزاح الشرعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمزاح الشرعي شروط وهي: 1- لا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالدين:
فإن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون – لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة/65-66، قال ابن تيمية رحمه الله: (الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه)
وكذلك الاستهزاء ببعض السنن، ومما انتشر كالاستهزاء باللحية أو الحجاب، أو بتقصير الثوب أو غيرها.
قال فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين في المجموع الثمين 1/63: فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يبعث فيه لا باستهزاء بإضحاك، ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر، لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل ورسله وكتبه وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية من الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته، والله ولي التوفيق.
2- لا يكون المزاح إلا صدقاً:
قال صلى الله عليه وسلم: (ويل للذي يُحدث فيكذب ليُضحك به القوم ويل له) رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم محذراً من هذا المسلك الخطير الذي اعتاده بعض المهرجين: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليُضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا) رواه أحمد
3- عدم الترويع:
خاصة ممن لديهم نشاط وقوة أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد أو يستغلون الظلام وضعف الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف، عن أبي ليلى قال: (حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل فأخذه ففزع، فقال رسول الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) رواه أبو داود.
4- الاستهزاء والغمز واللمز:
الناس مراتب في مداركهم وعقولهم وتتفاوت شخصياتهم وبعض ضعاف النفوس – أهل الاستهزاء والغمز واللمز – قد يجدون شخصاً يكون لهم سُلماً للإضحاك والتندر – والعياذ بالله – وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) الحجرات/11، قال ابن كثير في تفسيره: (المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم، وهذا حرام، ويعد من صفات المنافقين)
والبعض يستهزأ بالخلقة أو بالمشية أو المركب ويُخشى على المستهزئ أن يجازيه الله عز وجل بسبب استهزائه قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك) رواه الترمذي.
وحذر صلى الله عليه وسلم من السخرية والإيذاء، لأن ذلك طريق العداوة والبغضاء قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) رواه مسلم.
5-أن لا يكون المزاح كثيراً:
فإن البعض يغلب عليهم هذا الأمر ويصبح ديدناً لهم، وهذا عكس الجد الذي هو من سمات المؤمنين، والمزاح فسحة ورخصة لاستمرار الجد والنشاط والترويح عن النفس.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " اتقوا المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة "
قال الإمام النووي رحمه الله: " المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى: ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
7- معرفة مقدار الناس:
فإن البعض يمزح مع الكل بدون اعتبار، فللعالم حق، وللكبير تقديره، وللشيخ توقيره، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يُعرف.
وفي هذا الموضوع قال عمر بن عبد العزيز: (اتقوا المزاح، فإنه يذهب المروءة) .
وقال سعد بن أبي وقاص: " اقتصر في مزاحك، فإن الإفراط فيه يُذهب البهاء، ويجرّئ عليك السفهاء "
7- أن يكون المزاح بمقدار الملح للطعام:
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) صحيح الجامع 7312
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استُخف به، ومن أكثر من شيء عُرف به) .
فإياك إياك المزاح فإنه يجرئ عليك الطفل والدنس النذلا
ويُذهب ماء الوجه بعد بهائه ويورثه من بعد عزته ذلاً
8- ألا يكون فيه غيبة
وهذا مرض خبيث، ويزين لدى البعض أنه يحكي ويقال بطريقة المزاح، وإلا فإنه داخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ذكرك أخاك بما يكره) رواه مسلم.
9- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح:
كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها.
أيها المسلم:
قال رجل لسفيان بن عيينة رحمه الله: المزاح هجنة أي مستنكر! فأجابه قائلاً: " بل هو سنة، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه "
والأمة اليوم وإن كانت بحاجة إلى زيادة المحبة بين أفرادها وطرد السأم من حياتها، إلا أنها أغرقت في جانب الترويح والضحك والمزاح فأصبح ديدنها وشغل مجالسها وسمرها، فتضيع الأوقات، وتفنى الأعمار، وتمتلئ الصحف بالهزل واللعب.
قال صلى الله عليه وسلم: (لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) قال في فتح الباري: (المراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة)
وعلى المسلم والمسلمة أن ينزع إلى اختيار الرفقة الصالحة الجادة في حياتها ممن يعينون على قطع ساعات الدنيا والسير فيها إلى الله عز وجل بجد وثبات، ممن يتأسون بالأخيار والصالحين، قال بلال بن سعد: (أدركتهم يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهباناً)
وسُئل ابن عمر رضي الله عنهما: " هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون "
قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال.
فعليك بأمثال هؤلاء فرسان النهار، رهبان الليل.
جعلنا الله وإياكم ووالدينا من الآمنين يوم الفزع الأكبر، ممن ينادون في ذلك اليوم العظيم: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
منشورة لعبد الملك القاسم.(7/723)
حكم التصفير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التصفير - سواء أكان بتلحين، أم كان لأجل نداء الشخص البعيد جدا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم في حكم التصفير أو الصفير على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع والتحريم.
واستدلوا عليه بأن التصفير هو من خصال الجاهلية، وقد ذم الله في القرآن الكريم كفار قريش على هذا الفعل، فقال سبحانه: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) الأنفال/35.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/390) :
" الصفير لا يجوز، ويسمى في اللغة: (المكاء) ، وهو من خصال الجاهلية، ومن مساوئ الأخلاق، (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) " انتهى.
القول الثاني: الكراهة.
ووجهه أن الدليل السابق لا يقوى على القول بالتحريم، لكن مشابهة الكفار في عمل من أعمالهم من غير حاجة مذموم في الشريعة، فكان القول بالكراهة.
يقول ابن مفلح رحمه الله:
" قال الشيخ عبد القادر رحمه الله: يكره الصفير والتصفيق " انتهى.
"الآداب الشرعية" (3/375)
القول الثالث: الجواز.
واستدل أصحاب هذا القول بعدم ورود نص يدل على التحريم أو الكراهة، قالوا: والأصل في العادات الإباحة. أما الآية السابقة فهي تنعى على كفار قريش تعبدهم لله تعالى بهذه الأعمال الهوجاء: التصفيق والتصفير، فقد كانوا يتخذون ذلك عبادة وشعيرة يتقربون إلى الله بها، وهذا أمر زائد على التصفير المجرد من نية العبادة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" كان المشركون يجتمعون في المسجد الحرام يصفقون ويصوتون، يتخذون ذلك عبادة وصلاة، فذمهم الله على ذلك، وجعل ذلك من الباطل الذي نهى عنه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (3/427)
يقول أبو بكر الجصاص رحمه الله:
" سمي (المكاء) و (التصدية) صلاة؛ لأنهم كانوا يقيمون الصفير والتصفيق مقام الدعاء والتسبيح. وقيل: إنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاتهم " انتهى.
"أحكام القرآن" (3/76)
فإذا لم يفعل ذلك على وجه العبادة لم يبق وجه للمنع أو التحريم، خاصة إذا قامت الحاجة لإصدار صوت الصفير، وهي حاجات كثيرة اليوم، فقد أصبحت الصافرة تستعمل اليوم لدى شرطة المرور، كما أصبحت أصوات كثير من الأدوات الكهربائية تتضمن هذا الصوت، والأم قد تصدر هذا الصوت لإسكات طفلها والغناء له، كما قد يضطر إليه بعض الناس لمناداة البعيد، ونحو ذلك.
ولكن إذا اتخذ التصفير لإيذاء الناس وإزعاجهم، أو للتحرش بالفتيات، أو قصد به التشبه بالكفار والفساق وعادتهم: فيحرم حينئذ باتفاق.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
" ما حكم التصفيق والتصفير، وأي نوع من التصفير محرم، وما دليل التحريم؟
فأجاب رحمه الله:
الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول: هذا مجنون أم عاقل؟!!
فما هو سبب التصفيق والتصفير؟
أما إذا كان التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح، أو أجاب جواباً صواباً، أو ما أشبه ذلك، فأنا لا أرى فيه بأساً.
أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية، ولا أستطيع أن أقول: إنه مكروه كراهة شرعاً؛ لأنه ليس عندي دليل.
وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، وتصفق النساء) فهذا في الصلاة.
وأما قوله تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35
والمكاء: التصفير.
والتصدية: التصفيق.
فهؤلاء كانوا عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك، بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر.
أما إنسان رأى شخصاً تفوق عن غيره وأراد أن يشجعه وصفق، فلا أرى في هذا بأساً.
أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية، وليس عندي دليل، ولو أن شخصاً طلب مني دليلاً، فلا أستطيع أن أقول: عندي دليل " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (رقم/119، سؤال رقم/4) .
ولعل أقرب الأقوال في هذه المسألة أن الصفير مكروه، خاصة إذا لم يكن هناك حاجة تدعو إليه؛ فالإشارة إليه في الآية بوصف الذم، وكونه من شأن أهل الجاهلية، يدعو إلى التنزه والابتعاد عنه.
وقد ذُكر عن ابن عباس ومجاهد، إن صح ذلك عنهما، أن الصفير كان منكرات قوم لوط التي ذمهم الله بها.
انظر: تفسير الآية (29) من سورة العنكبوت: تفسير ابن كثير (6/276) ، الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي (2/231) .
ثم إن آية سورة الأنفال السابقة: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) ، وإن كان الظاهر منها أنهم جعلوا نفس الصفير والتصفيق (المكاء والتصدية) صلاة وعبادة، كما قاله بعض أهل العلم، فقد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى أن الاستثناء في الآية منقطع، وأن المعنى: أنهم وضعوا الصفير والتصفيق موضع الصلاة، لا أنهم تقربوا إلى الله بنفس المكاء والتصدية.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
" قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} الآية.
المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، قال بعض العلماء: والمقصود عندهم بالصفير والتصفيق التخليط حتى لا يسمع الناس القرآن من النَّبي صلى الله عليه وسلم، ويدل لهذا قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون} [فصلت: 26] "
أضواء البيان (2/162) .
وقال الشيخ ابن عاشور رحمه الله:
" ولا تُعرف للمشركين صلاة؛ فتسمية مكائهم وتصديتهم صلاةً: مشاكلةٌ تقديرية؛ لأنهم لما صدوا المسلمين عن الصلاة وقراءة القرآن في المسجد الحرام عند البيت، كان من جملة طرائق صدهم إياهم: تشغيبُهم عليهم، وسخريتهم بهم يحاكون قراءة المسلمين وصلاتهم بالمكاء والتصدية. قال مجاهد: فعل ذلك نفر من بني عبد الدار، يخلطون على محمد صلاته.
وبنو عبد الدار هم سدنة الكعبة وأهل عمارة المسجد الحرام، فلما فعلوا ذلك للاستسخار من الصلاة: سمي فعلهم ذلك صلاة، على طريقة المشاكلة ... ؛ فلم تكن للمشركين صلاة بالمكاء والتصدية.
وهذا الذي نحاه حذاق المفسرين: مجاهد وابن جبير وقتادة.
ويؤيد هذا قوله (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) ؛ لأن شأن التفريع أن يكون جزاء على العمل المحكي قبله، والمكاء والتصدية لا يُعدَّان كفرا إلا إذا كانا صادرين للسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالدين، وأما لو أريد مجرد لهو عملوه في المسجد الحرام فليس بمقتض كونه كفرا، إلا على تأويله بأثر من آثار الكفر.. " انتهى.
"التحرير والتنوير" (9/339) .
وإلى ذلك المعنى الذي شرحه ابن عاشور رحمه الله، وقرره الشينقيطي، ينحو الزمخشري في تفسيره (2/218) ، وأبو حيان (4/485) ، وغيرهما.
وانظر جواب السؤال رقم: (105450) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/724)
رسائل الجوال التي تُختم بعبارة "انشر، تُؤجر"
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلتني رسالة في الجوال فيها دعوة لسماع برنامج في إذاعة القرآن، وكتبتْ صاحبة الرسالة في نهايتها: " انشر، تؤجر "، وأنا بدوري أرسلت هذه الرسالة لزميلاتي؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى.... الحديث) ، فأنا أرجو الأجر والمثوبة لي ولغيري بسماع هذا البرنامج، ولكن إحدى الأخوات أنكرت عليَّ كتابة هذه العبارة " انشر، تؤجر "، وأن فيها جزماً بالأجر، فهل في هذه العبارة محذور شرعي، أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وعد الله تعالى كل من أطاعه بالثواب والأجر الجزيل في الدنيا والآخرة، والله تعالى لا يخلف الميعاد.
قال تعالى: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) آل عمران/ 194، وقال: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) الزمر/ 20.
وقال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/ 62 – 64.
فكل من أطاع الله تعالى، وكان مخلصاً في عبادته، متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم فيها، فهو مأجور من الله تعالى على تلك الطاعة.
ولا يمكننا الجزم لشخص معين بأن الله تعالى قد أثابه على تلك الطاعة لأننا لا نطلع على ما في القلوب، ولا ندري هل كان مخلصاً لله تعالى فيها، أم فعلها لغير الله.
فهناك فرق بين الكلام العام المطلق، والكلام الخاص في حق شخص معين، فالكلام العام بأن (من أطاع الله أثابه) صحيح لا غبار عليه.
وأما إثبات الأجر في حق شخص معين، فهو مما لا يمكن لنا الجزم به.
ولكن ... هذه العبارة (انشر تؤجر) لا يظهر لنا أن فيها الجزم لشخص معين بحصول الأجر، وإنما فيها الترغيب في هذا العمل، بأنك إذا فعلته كنت مأجوراً، أي: إذا فعلته وكنت مخلصاً فيه لله تعالى، متبعاً فيه للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) .
يعني: من دل غيره على الخير مخلصاً لله تعالى، وحقق شروط العمل الصالح.
على أنه يمكن أن يقال: إن هذه العبارة "انشر تؤجر" المقصود منها الدعاء للشخص، وليس المقصود منها الجزم بحصول الأجر، فهي كما لو قلت: نسأل الله تعالى أن يأجرك إذا نشرت هذا الخبر.
والحاصل: أنه لا حرج من تذييل الرسائل التي تدعو إلى الخير بهذه العبارة: "انشر تؤجر" ففيها ترغيب للمؤمن في فعل الخير وتنشيط له، وتذكير له بالإخلاص لله تعالى حتى ينال الأجر من الله.
والذي ينبغي أن يُعلم أنه ليس كل رسالة قيل في آخرها: "انشر تؤجر" يكون مضمونها خيراً.
فقد وجد من يذكر حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً، ثم يطلب نشره، ويختم بعبارة " انشر تؤجر "! ووجد من يحث على بدعة، ويختم رسالته بتلك العبارة، ووجد من يحذِّر من مسلم أو يطعن في عرض، ويختم بتلك العبارة، ووجد من يدعو للتصويت لصالح النبي صلى الله عليه وسلم، وختم بتلك العبارة، وتبين أنها عملية احتيال لصالح شركة في بلاد الكفر! ، ووجد من يدعو للتبرع في حساب شخصية معروفة في عمل الخير، ويختم بتلك العبارة، وتبيَّن أن الحساب لا يرجع لتلك الشخصية، وأمثال هذه الرسائل كثير، فيجب التأكد من مضمون تلك الرسائل قبل نشرها وتذييلها بتلك العبارة.
وقد أجرت " مجلة الدعوة السعودية " تحقيقاً علميّاً حول رسائل " انشر تؤجر "، ومما جاء في ذلك التحقيق:
" من جانبه يؤكد الشيخ " وليد بن عبد الرحمن المهوس "، من منسوبي " هيئة التحقيق والادعاء العام " أن ما يقع فيه بعض مستخدمي رسائل الهاتف الجوال هو تساهلهم في إرسال الرسائل التي تحمل عبارات وعظية، أو شرعية، أو انتقاد لشخص، أو جهة ما، دون تثبت من صحتها، وهذا تفريط كبير يلحق صاحبه، ويسبب البلبلة في المجتمع دون وجه حق، خاصة وأنه يختم رسالته بعبارة " انشر تؤجر ".
ويشدد الشيخ المهوس على ضرورة الالتزام بالضوابط في إرسال الرسائل، ويذكر من أبرزها:
1. لا بد من التأكد من صحة ما يُنشر، بعضها يكون حديثاً، أو أثراً ضعيفاً، أو موضوعاً، وإذا نشر هذا الحديث الضعيف، أو الموضوع: فقد يُخشى أن يدخل في حديث: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه البخاري ومسلم.
2. أنه قد ينشر بدعة وهو لا يدري، والبدع تهدم الدين، وهذا خطير جدّاً.
3. أنه قد يعمل بهذا الحديث أو الأثر، ويترك ما يعارضه وهو صحيح، فيكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيترك الصحيح للعمل بالضعيف.
4. أن هذا المرسِل كالإمعة والببغاء يردد ما يأتيه بدون وعي، ولا عقل، فهذا يقدح في عقل المسلم العاقل المدرك؛ فإنه لا يقول شيئاً إلا بعد تمحيص وروَّية.
5. أن المطلوب من المسلم نشر الخير بعد ما يعلم به، وأما الذي يرسل بلا عِلم: فقد يرسل الشرَّ.
6. أن هذا المرسِل قد يظن أنه يزيد حسناته بذلك، وهو بالعكس فقد يزيد من سيئاته؛ لأنه نشر شيئاً بلا علم، ومعرفة.
7. أن بعض الأعمال والأفكار قد تكون صحيحة، ولكن قد لا يناسب المرسَل إليه، أو يفهمه فهماً خاطئاً، وهذا من المحاذير " انتهى باختصار.
" مجلة الدعوة "، العدد (2043) ، 20 ربيع الأول 1427هـ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/725)