يجبرها زوجها على نقل كل ما تسمعه من أهلها والناس له!
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يجبرني على أن أخبره بكل ما تحدثتُ به مع أمي، وإخوتي، أو أي إنسان آخر؛ بحجة أن أمي – مثلاً - تقول كلاماً ممكن أن يؤدي إلى خراب البيت، وإذا لم أقل له تحصل مشكلات بيني وبينه، فهل أستجيب له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الواجب على هذا الزوج – إن صح ما تقوله زوجته عنه – أن يتقي ربه تعالى في طلبه ذلك من زوجته، وأن يعلم أنه آثم بفعله هذا، وأنه لا يحل لزوجته أن تطيعه في طلبه هذا.
2. ونوصي هذا الزوج أن يشتغل بنفسه عن الناس، وينظر لعيوبه فيصلحها، ولتقصيره فيجد ويجتهد في بلوغ كمال نفسه الأمارة بالسوء، فهو خير له وأولى من الاشتغال بالناس ماذا قالوا، وماذا فعلوا، قال ابن القيم رحمه الله: " أخسر الناس صفقة: مَن اشتغل عن الله بنفسه، بل أخسر منه: مَن اشتغل عن نفسه بالناس ". "الفوائد" (ص 58) .
3. ولا ينبغي له إساءة الظن بالناس، واعتقاد الكمال في نفس، وليس كل ما يقوله الناس يهمه ويتعلق به، وإنما هي الشهوة في سماع قصص الناس وأحوالهم، والتفكه بأعراضهم.
4. وكان المرجو من ذلك الزوج ألا يقبل من زوجته إن نقلت هي ما يقوله أهلها ويقوله الناس لها، حتى لو كان الكلام فيه، لأنها بذلك تكون نمَّامة، وقد قال بعض السلف: " يُفسد النمَّام والكذَّاب في ساعة ما لا يُفسد الساحر في سنَة "، فكيف له أن يقبل لنفسه أن يكون هو الموصي لها بذلك، بل الآمر، بل والمتوعد بالعقوبة إن لم تفعل!؟ .
قال النووي – نقلا عن أبي حامد الغزالي رحمهما الله:
" وكل من حُملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا: فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدِّق؛ لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض مَن أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس، والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته عنه، فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نمَّاماً، ويكون آتياً ما نهى عنه " انتهى.
" الأذكار " (275) .
5. ما يريده الزوج من زوجته هو من " النميمة "، وهي من كبائر الذنوب، ومما لا شك فيه أن هذا النقل سيسبب مفسدة وقطيعة وبغضاً وعداوة، ولا شك أن أهل الزوجة يكرهون نقل كلامهم، وليعلم أن النميمة ليست فقط نقل الكلام من أجل الإفساد، بل قد تكون للاستمتاع.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" مما ينبغي اجتنابه، والابتعاد عنه، والتحذير منه: " النميمة "، التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، لقصد الإفساد، والوقيعة بينهم، وهي كشف ما يُكره كشفه، سواء أكره المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو كره ثالث، وسواء أكان ذلك الكشف بالقول، أو الكتابة، أو الرمز، أو بالإيماء , وسواء أكان المنقول من الأقوال، أو الأعمال , وسواء كان ذلك عيباً، أو نقصا في المنقول عنه، أو لم يكن، فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس، إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر.
والباعث على النميمة: إما إرادة السوء للمحكي عنه، أو إظهار الحب للمحكي عليه، أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل هذا حرام.
...
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة، منها: قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم/ 10، 11، وقوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/ 1، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) متفق عليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي النميمة، القالة بين الناس) رواه مسلم.
والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: (إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير) ، ثم قال: (بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة) متفق عليه.
وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس، وإيجاد الشقاق، والفوضى، وإيقاد نار العداوة، والغل، والحسد، والنفاق، وإزالة كل مودة، وإماتة كل محبة، بالتفريق، والخصام، والتنافر بين الإخوة المتصافين، ولما فيهما أيضا من الكذب، والغدر، والخيانة، والخديعة، وكيْل التهم جزافاً للأبرياء، وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح، ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف، هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوباً كثيرة، تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه ".
" فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 237 – 239) باختصار.
و" العَضَّة " قيل: هو السحر بلسان قريش. وقيل: هو الكذب والبهتان.
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
زوجي ينقل كلامي لأهله، ثم يأتي إليَّ بكلامهم، فيترتب على ذلك مشاكل كثيرة، ولقد طلبت منه كثيراً ترك ذلك لكنه لم متثل، فكيف أصنع؟ .
فأجاب:
" هذا الفعل يسمَّى نميمة، وهي نقل الكلام على وجه التحريش والإفساد ... وأما الوعيد: فقد قال تعالى (همَّاز مشَّاء بنميم) القلم/ 11، هذا في وصف بعض أهل النار، وقال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة/ 1، وهو النمَّام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) ، وفي الأثر: " إن النمام يفسد في الساعة ما لا يفسد الساحر في السنة "، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن النمام يعذب في قبره) ، ولا شك أن التحريم يكون أشد إذا كان بين الرجل وزوجته وأقاربه، فعليه الخوف من الله تعالى والمراقبة له، والبعد عن الأسباب التي توقعه في العذاب العاجل والآجل، وعليه أن يجتنب الكذب، والغيبة، والنميمة، والبهتان، والتحريش بين الناس، وأن يعدل إلى الصدق، وصيانة الأعراض، والخوف من الله، ومراقبته، فهو شديد العقاب " انتهى.
" الحلول الشرعية للخلافات والمشكلات الزوجية والأسرية " للشيخ عبد الله بن جبرين (فتوى رقم 42) .
فعلى الزوج أن يتراجع عن طلبه هذا من زوجته، فإن أصرَّ فلا يحل للزوجة الاستجابة لطلبه، ففي الموافقة على نقل الكلام استمرار للمعصية والسماع لها، وفي الامتناع كف عنها وقطع لوجودها.
وإذا خشيت الزوجة من حصول مشكلات بينها وبين زوجها، فلا حرج عليها إن أصرّ زوجها على أن تنقل له كلام أهلها، أن تقول له: إنهم يثنون عليك ويذكرونك بخير، ونحو ذلك من الكلمات التي تنشر المحبة والألفة وتطفئ نار الفتنة والخلافات بين زوجها وأهلها.
ونسأل الله تعالى أن يُصلح لك زوجك ويجمع بينكما في خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/96)
حُكم مزحة الكترونية! فيها ادعاء علم الغيب وكذب وترويع
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت مؤخراً خدعة أو ما يسمَّى " مزحة الكترونية "، وهي عبارة عن رابط الكتروني لموقع أجنبي يُرسل للشخص من قبل أصدقائه - عادةً - يطلب منك كتابة اسمك و 3 أسماء تحبهم ليعطيك نتيجة افتراضية لمقدار محبتهم لك، أو العكس، على سبيل المرح لا غير، المشكلة هي أنك بعد كتابة اسمك و3 أسماء أخرى تفتح لك صفحة تخبرك بأنك خُدِعت، وأن الشخص الذي أرسل لك الرسالة (ويظهر لك إيميله) تم إرسال الأسماء إليه!! هل تجوز هذه الخدعة أو المزحة؟ وإذا حاججته بعدم جوازها وأن فيها خداعاً للمسلمين وقد يكون فيها خصوصيات، كأن يكتب اسم زوجته أو شخص محبب له , يقول لك: أنا لم أجبره على المشاركة! يذكرني ذلك بقول الله تعالى على لسان إبليس - أعوذ بالله منه -: (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) الآية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه المزحة السخيفة فيها مخالفة للشرع أعظم من الكذب، وهي " الكهانة "! وهذا الأمر لم ينتبه له الأخ السائل في سؤاله، ولذا لم يتعرض للسؤال عنه.
وهذه المخالفة وقع فيها أصحاب تلك المزحة السخيفة، ووقع فيها – كذلك – من شارك في كتابة اسمه وأسماء ثلاثة ممن يريد معرفة درجة محبته لهم، أو درجة محبتهم له، وهذا الأمر غيبي لا يعلمه أحد إلا الله عز وجل، فادعاء أصحاب الموقع أنهم يستطيعون معرفة ذلك: كذبٌ في نفسه، وتصديق ذلك من قبَل المشارك ومشاركته فيه: يدخل في إثم إتيان الكهان وسؤالهم وتصديقهم، وهو إثم عظيم يصل بصاحبه إلى الكفر، فالعرَّافون والكهنة كذبة فجرة، ومع ذلك فقد نُهي المسلم عن إتيانهم وسؤالهم حتى لو لمجرد السؤال، ورتَّب على ذلك وعيداً، وإذا جاءهم وصدَّقهم: فالوعيد أعظم.
أما الوعيد الأول: فهو عدم قبول أجر صلاة أربعين يوماً.
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) .
رواه مسلم (2230) .
وأما الوعيد الثاني: فهو الكفر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) .
رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ومن ادعى علم الغيب: فهو كافر، ومن صدَّق مَن يدَّعي علمَ الغيب: فإنه كافر أيضاً؛ لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) - النمل/من الآية 65 -، فلا يعلم غيبَ السماوات والأرض إلا الله وحده، وهؤلاء الذين يدَّعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل: كل هذا من الكهانة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن مَن أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، فإنْ صدَّقه: فإنَّه يكون كافراً؛ لأنه إذا صدَّقه بعلم الغيب: فقد كذَّب قوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (1/292) .
ثانياً:
ولو لم تكن تلك المزحة السخيفة تتعلق بادعاء علم الغيب: فإنها محرَّمة أيضاً؛ لأن فيها كذباً، وقد حثنا شرعنا الحنيف على الصدق في شأننا كله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/ 119، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) .
والمزاح في الإسلام مباح، والكذب فيه محرَّم، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمزح، ولا يقول في مزحه إلا حقّاً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: (إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا) .
رواه الترمذي (990) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ولذا: فإنه يحرم الكذب في المزاح.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَه) .
رواه أبو داود (4800) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ويحرم الكذب من أجل إضحاك الناس.
قالُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَه) .
رواه الترمذي (2315) وأبو داود (4990) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - عقب هذا الحديث -:
وقد قال ابن مسعود: " إن الكذب لا يصلح في جَدٍّ، ولا هزل " ... .
وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على المسلمين، وضرر في الدين: فهو أشد تحريماً من ذلك، وعلى كل حال: ففاعل ذلك – أي: مضحك القوم بالكذب - مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك.
" مجموع الفتاوى " (32 / 256) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –:
ما حكم النكت في ديننا الإسلامي، وهل هي من لهو الحديث، علماً بأنها ليست استهزاء بالدين، أفتونا مأجورين؟ .
فأجاب:
" التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق: فلا بأس به، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقّاً صلى الله عليه وسلم، أما ما كان بالكذب: فلا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسنادٍ جيِّدٍ " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 391) .
ويحرم المزاح إن كان يؤدي إلى ترويع المسلم.
عنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ) .
رواه الترمذي (2086) وأبو داود (5003) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ، فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ ، فَقَالُوا: لا، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) .
رواه أحمد (23064) – واللفظ له - وأبو داود (4351) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وينظر جواب السؤال رقم (22170) ففيه بيان شروط المزاح الشرعي بالتفصيل.
ويتبين لك أخي السائل المحاذير التي وقع فيها أولئك القوم جميعاً:
1. ادعاء علم الغيب من أصحاب الرسالة المرسَلة.
2. والكذب الحاصل منهم.
3. ترويع المرسَل له.
4. تصديق المرسِل لوجود من يدَّعي علم الغيب.
5. مشاركته في إرسال اسمه وأسماء غيره.
فالواجب على الجميع: التوبة النصوح، والكف عن هذه الأفعال السخيفة، والالتفات لأنفسهم ومعرفة جوانب التقصير عندهم ليكملوها، والاشتغال بالطاعات، ولا حرج في المزاح – كما سبق – على أن يكون وفق الضوابط الشرعية، لا وفق الأهواء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/97)
نقد قصة موضوعة، والتحذير من القصَّاص الجهلة
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو الإفادة في صحة هذه الرواية (سمعتها من أحد الوعاظ) استيقظ الساعة الرابعة والثلث ليجهز نفسه لأداء صلاة الفجر , قام وتوضأ ولبس ثوبه وتهيأ للخروج من المنزل والذهاب إلى المسجد , كان معتاداً على ذلك فمنذ صغره اعتاد أن يصلي صلواته جماعة في المسجد حتى صلاة الفجر , خرج من منزله وأخذ طريقه إلى المسجد , وبينما هو في طريقه إليه تعثّر وسقط وتمزّق جزء من ثوبه , فعاد إلى المنزل يغيّر ثوبه ويلبس ثوباً آخر , لم يغضب ولم يسب ولم يلعن، فقط عاد إلى منزله وغيَّر ثوبه بكل بساطة , ثم عاد مرة أخرى يسلك طريق المسجد وإذ به يتعثّر مرة أخرى ويسقط وانقطع جزء من هذا الثوب أيضاً , عاد إلى منزله وقام بتغيير ثوبه , لقد تمزّق كلا ثوبيه ومع ذلك لم يعقه ذلك عن رغبته في أداء الصلاة جماعة في المسجد , عاد مرة أخرى يأخذ طريقه إلى المسجد، وإذا به يتعثر للمرة الثالثة , ولكن شعر فجأة أنه لم يسقط، وأن هناك أحداً أسنده ومنعه من أن يسقط على الأرض , تعجب الرجل ونظر حوله فلم يجد أحداً , وقف حائراً لحظة ثم أكمل طريقه إلى المسجد، وإذا به يسمع صوتاً يقول له أتدري من أنا؟ فقال الرجل: لا، فرد الصوت: أنا الذي منعك من السقوط , فأعقبه الرجل وقال: فمن أنت؟ فأجاب: أنا الشيطان، فسأله الرجل: ما دمتَ الشيطان لم منعتني من السقوط؟ فرد الشيطان: في المرة الأولى عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله لك كل ذنبك، وفي المرة الثانية عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله لأهل بيتك , وعندما تعثرت في المرة الثالثة خفت أن تعود إلى المنزل وتغير ثوبك فيغفر الله لأهل حيّك , فأسندتك ومنعتك السقوط! .
ما يحيرني في القصة أنه هل يمكن للشيطان أن يكلم الإنسان وأن يمسك يده ويمنعه من السقوط كما ورد في القصة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه القصة لا أصل لها في كتب السنة والحديث والتاريخ، وهي مخالفة للشرع مخالفة صريحة، وذلك من وجوه:
1. المحادثة بين الرجل والشيطان، فمن الممكن أن يوسوس الشيطان للإنسان، وهو على هيئته الحقيقية، وأما أن يكلمه فهذا غير ممكن، إلا أن يكون الشيطان متشكلا على هيئة البشر.
2. قول الشيطان إنه أسند الرجل عندما تعثَّر، وهذا الأمر لا يصدَّق وليس في مقدور الشيطان أن يفعله، وقد جعل الله تعالى الملائكة حافظة وحارسة للإنسان من ضرر الجن وأذيته؛ لأنهم يروننا ولا نراهم، قال تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) الرعد/11، وواضح من القصة المكذوبة أن الشيطان له قدرة على حفظ الإنسان مما يمكن أن يؤذيه، أو أن الشيطان قادر على المنع من قدر الله تعالى.
3. والأخطر في القصة المكذوبة هو في قول الشيطان إن الله تعالى في المرة الأولى غفر للإنسان كل ذنبه، وأنه في المرة الثانية غفر الله لأهل بيته، وزعْمه أنه لو سقط في المرة الثالثة لغفر الله لأهل حيِّه! وهذا كله من الكذب على الله تعالى وادعاء علم الغيب، وليس جرح المجاهد في المعركة مع الكفار بموجب لمثل هذه الفضائل، فكيف تُجعل للذاهب للمسجد، وهي ليست لمن تعثر وسقط في الدعوة إلى الله أو في طريقه لصلة الرحم وغيرها من الطاعات، فكيف تُجعل هذه الفضائل لمن سقط في ذهابه للمسجد؟! .
ثم إنه ليس في السقوط والتعثر شيء يوجب هذه الفضائل، وقد سقط وتعثر وجرح كثير من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأتِ حرف في السنة في مثل هذه الفضائل بل ولا في جزء منها، ولا يغفر الله تعالى لأهل البيت أو الحي أو المدينة لفعل واحد من الصالحين أو طاعته، فضلاً عن سقوط لا يقرِّب إلى الله وليس هو طاعة في نفسه، ولو كان أحدٌ ينتفع بفعل غيره لانتفع والد إبراهيم عليه السلام بنبوة ابنه، ولانتفع ابن نوح بنبوة أبيه، ولانتفع أبو طالب بنبوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم من أين علم الشيطان بذلك كله حتى أخبر هذا الرجل، وهل يملك الشيطان أن يمنع رحمة أرادها الله تعالى بأحد من عباده؟
كلا؛ قال الله تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر/2
ثانياً:
لا شك أن هذه القصص المكذوبة الباطلة هي مما يروج عند من لم يفهم دينه، ولا يعرف توحيد ربه تعالى، ويروجها أساطين الكذب من الخرافيين المفترين على شرع الله تعالى، وقد توعد الله تعالى هؤلاء الكاذبين بأشد الوعيد، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
والواجب على الخطباء والمدرسين أن ينزهوا أنفسهم أن يكونوا من القصَّاص الذين يقصون على العامة ما يخالف الشرع والعقل، وقد حذَّر سلف هذه الأمة من هؤلاء القصَّاص أشد التحذير لما فيه كثير من قصصهم من آثار سيئة على العامة ولما فيها من مضادة لشرع الله.
وقد جاء في حديث حسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1681) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لمَّا هَلَكُوا قَصُّوا) .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
قال في " النهاية ": (لما هلكوا قصوا) : أي: اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس: لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص.
وقال الألباني – معقِّباً -:
ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم، فيحملهم ذلك على العمل الصالح؛ لما فعلوا ذلك هلكوا.
" السلسلة الصحيحة " (4 / 246) .
وهذا هو حال القصَّاص: الاهتمام بالحكايات والخرافات، وسردها على العامة، دون الفقه والعلم، ويسمع العامي كثيراً ولا يفقه حكماً ولا يستفيد علماً.
قال ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " (ص 150) :
والقصاص لا يُذمون من حيث هذا الاسم لأن الله عز وجل قال: (نَحْنُ نَقصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص) وقال: (فَاقْصُص القَصَص) .
وإنما ذُمَّ القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلط فيما يورد وربما اعتمد على ما أكثره محال.
انتهى
وعن أبي قلابة عبد الله بن زيد قال: (ما أمات العلم إلا القصاص، يجالس الرجلُ الرجلَ سنةً فلا يتعلق منه شيء، ويجلس إلى العلم فلا يقوم حتى يتعلق منه شيء) .
" حلية الأولياء " (2 / 287) .
وكم أحدث هؤلاء القصاص من آثار سيئة على العامة، وسردهم لتلك الخرافات جعلت لهم منزلة عند العامة الذين يصدِّقون كل ما يسمعون حتى أصبحوا مقدَّمين على العلماء وطلبة العلم.
قال الحافظ العراقي – رحمه الله -:
ومن آفاتهم: أن يحدِّثوا كثيراً من العوام بما لا تبلغه عقولهم , فيقعوا في الاعتقادات السيئة , هذا لو كان صحيحاً , فكيف إذا كان باطلاً؟! .
" تحذير الخواص " للسيوطي (ص 180) نقلاً عن " الباعث على الخلاص " للعراقي.
يقول ابن الجوزي:
والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة , ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره , فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل، فإذا أنكر عليهم عالم قالوا: قد سمعنا هذا بـ " أخبرنا " و " حدثنا "، فكم قد أفسد القصاص من الخلق بالأحاديث الموضوعة , كم لون قد اصفر من الجوع , وكم هائم على وجهة بالسياحة، وكم مانع نفسه ما قد أبيح , وكم تارك رواية العلم زعماً منه مخالفة النفس في هواها، وكم موتم أولاده [يعني: جعلهم يتامى] بالزهد وهو حي، وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها؛ فهي لا أيم ولا ذات بعل " اهـ. الموضوعات " (1 / 32) .
ومن هنا جاء الذم لهؤلاء القصاص في كلام كثير من السلف:
قال ميمون بن مهران - رحمه الله -:
القاص ينتظر المقت من الله، والمستمع ينتظر الرحمة.
قال الألباني رحمه الله - تحت حديث رقم (4070) من " السلسلة الضعيفة " -:
رواه ابن المبارك في كتابه " الزهد " بسندٍ صحيحٍ.
وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -:
أكذب الناس القُصَّاص والُّسوَّال، وما أحوج الناس إلى قاص صدوق؛ لأنهم يذكرون الموت وعذاب القبر، قيل له: أكنت تَحضر مجالسهم؟ قال: لا.
" الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلي (2 / 82) .
فنسأل الله أن يصلح أحوال الأئمة والخطباء، وأن يهديهم لما فيه صلاحهم وإصلاح غيرهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/98)
لا يجوز التنازل عن حد القذف مقابل تعويض مادي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزمني إحضار شهود إذا قذفني شخص ما وأردت أن أشتكي عليه؟ . وهل لي أن أتنازل عن حد القذف مقابل تعويض مالي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاء الشرع بحماية الضرورات الخمس وهي: الدين، والعقل، والعِرْض، والنسب، والمال.
والقذف: هو تعرضٌ للعرض برميه بزنى أو لواط، وقد كُلِّفَ القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء، فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف، وهو ثمانون جلدة، ولا تُقبل له شهادة، وهو من الفاسقين إلا أن يتوب أو يقام عليه الحد فإنه يرتفع عنه لقب " الفسق " وتقبل شهادته، ولا فرق بين أن يكون القاذف أو المقذوف رجلا أو امرأة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء" انتهى.
" فتح الباري " (12 / 188) .
وأما إذا قذفه بغير الزنا، كما لو اتهمه بأنه سارق أو آكل للحرام ... فلا يُحد حد القذف، وإنما يعزره الحاكم بما يردعه عن هذا العدوان.
وقذف الأعراض محرَّم في الكتاب والسنة والإجماع، وهو من كبائر الذنوب، وقد أوجب الله على القاذف عقوبات مغلظة في الدنيا والآخرة:
1. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) النور/4.
قال ابن كثير رحمه الله:
فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها: أن يُجلد ثمانين جلدة، الثاني: أنه ترد شهادته أبداً، الثالث: أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله، ولا عند الناس.
" تفسير القرآن العظيم " (3 / 292) .
2. وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/23.
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري (2615) ومسلم (89) .
ولا يثبت حد القذف على القاذف، إلا بإقراره بالقذف، أو شهادة رجلين عدلين بأنه قاذف، وأما مجرد الدعوى فلا يثبت بها القذف أو غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي) رواه الترمذي (1341) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1938) .
وانظر: "المغني" (14/126) .
ثانياً:
أما التنازل عن حد القذف مقابل مبلغ مالي: فهو غير جائز؛ لأن العِرْض لا تجوز المعاوضة عليه بالمال.
قال الحطاب المالكي رحمه الله:
"ومن صالح من قذفٍ على مال: لم يجز، ورُدَّ، بلغ الإمام أو لا ... لأنه من باب الأخذ على العرض مالاً" انتهى بتصرف.
" مواهب الجليل " (6 / 305) .
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله:
"وإن صالحه عن حد القذف: لم يصح الصلح؛ لأنه إن كان لله تعالى: لم يكن له أن يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له، فأشبه حد الزنا والسرقة، وإن كان حقّاً له: لم يجز الاعتياض عنه؛ لكونه حقّاً ليس بمالي، ولهذا لا يسقط إلى بدل، بخلاف القصاص؛ ولأنه شرع لتنزيه العرض فلا يجوز أن يعتاض عن عرضه بمال" انتهى.
" المغني " (5 / 33) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم تقويم عقوبة ثابتة بنصوص القرآن والسنَّة بقيمة (مبلغ) معينة، كأن يُقوَّم قطع يد السارق، فبدلاً من أن تُقطع يده يطالِب هو بقيمة (مبلغ) ، وكأن يقوَّم الرجم أو الجلد، فلا يُرجم أو يُجلد الزاني، بل يطالِب هو بدفع قيمة معينة (مبلغ معين) ؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز تقويم عقوبات الحدود بمبالغ نقدية؛ لأن الحدود توقيفية، ولا يجوز تغييرها عما حدَّه الشارع" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 17) .
كما لا يجوز بعد إقامة الحد على القاذف أن يطالب المقذوف بتعويض مالي؛ إذ عامة العلماء على عدم جواز أخذ تعويض مالي مقابل ضرر معنوي – ويسمى كذلك " الضرر الأدبي ".
وقد جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 (3 / 12) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه:
"الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (13 / 40) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية:
"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا، وإنما هو تعبير حادث، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى.
فتبين بهذا أنه لا يجوز استبدال حد القذف بمال، ولا يجوز المطالبة بتعويض بعد إقامة الحد على القاذف، ولك أن تعفو عمن قذفك ولا تطالب بإقامة الحد عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/99)
في خِصامٍ حادٍّ، أخبر عن نفسِه أنَّه كفر، فما الحُكمُ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حينَما ازدادَ نقاشِي مع أحدِ أقاربي لفظت بقولِ: "أنا كفرت "، ولطمتُ على وجهي، مع العِلمِ أَنِّي نادمٌ على ما حدث، فأريدُ التوجيهَ والإرشادَ، وما حكمُ الدينِ في ذلك؟ وهل عليَّ كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، ونسألُ الله العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة، ونسألُه حسنَ الختامِ والوفاةَ على الإيمان.
اعلم - أخي السائل - بأنَّك وقعتَ في أعظمِ ذنبٍ وأقبحِ معصيةٍ، وهي معصيةُ الكفرِ والردَّةِ، والعياذ بالله تعالى.
وهذه الكلمةُ التي ذكرتَ عن نفسِك، صريحةٌ في الكفرِ والردةِ، والعلماءُ يقولون:
عندَ ظهورِ لفظِ الكفرِ يُحكَمُ بالردةِ (إن كان يعلم معنى الكلمة) ، ولا يُسأل عن نيته، كما قالَ تعالى:
(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/65.
فأخبرَ سبحانَه أنهم كفروا بعدَ إيمانهم، مع قولِهم: إنا تكلمنا من غيرِ اعتقاد، بل كنَّا نخوض ونلعب.
قال ابنُ نُجَيم:
" إنَّ من تكلَّمَ بكلمةِ الكفرِ هازلا أو لاعبًا كفرَ عند الكلِّ، ولا اعتبارَ باعتقادِه " انتهى.
"البحر الرائق" (5/134) ، وانظر: "نواقض الإيمان القولية والعملية" (ص95) .
وقال الشيخُ ابنُ عثيمين:
" وإن أتى بقولٍ يُخرجُه عن الإسلامِ، مثلَ أن يقول: هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو مجوسيٌّ أو بريءٌ من الإسلام، أو من القرآنِ أو النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ فهو كافرٌ مرتدٌ، نأخذه بقولِه هذا " انتهى.
"الشرح الممتع" (6/279) .
والردُّة أمرُها خطيرٌ وشأنُها عظيم، فقد اختلفَ العلماءُ فيمن ارتدَّ ثم تاب، هل يبقى له من ثوابِ أعمالِه السابقةِ شيءٌ، أم تحبط كلُّها بالردة؟
وقد سئلَ الشيخُ الفوزانُ السؤالَ التالي:
ما الحكمُ فيمن ارتدَّ عن الإسلامِ ثم عاد إليه، هل يعيدُ ما فاتُه من أعمالٍ من أركانِ الإسلامِ، كالحجِّ والصومِ والصلاةِ، أم تكفي توبتُه وعودتُه إلى الإسلامِ؟
فأجابَ:
" الصحيحُ من قولي العلماء: أن المرتدَّ إذا عادَ إلى الإسلامِ، ودخلَ في الإسلامِ مرةً أخرى تائبًا منيبًا للهِ تعالى، فإنه لا يعيدُ الأعمالَ التي أدَّاها قبلَ الردةِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى اشترطَ لحبوطِ الأعمالِ بالردَّةِ أن يموتَ الإنسانُ عليها.
قالَ تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217.
فَشَرَطَ لحبوطِ الأعمالِ استمرارَ الإنسانِ على الردةِ حتى يموتَ الإنسانُ عليها، فدلت الآيةُ بمفهومِها على أنَّ الإنسانَ لو تابَ فإنَّ أعمالَه التي أدَّاها قبلَ الردةِ تكونُ صحيحةً ومُجزيةً إن شاءَ الله تعالى " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (5/429) .
وأما لطم الوجه فهو من أعمال الجاهلية التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم , وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله فقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) رواه البخاري (1294) , وهذا يدل على أن لطم الخدود كبيرة من كبائر الذنوب.
وحيث قد ندمت على ما فعلت فنرجو من الله تعالى أن يقبل توبتك , فعليك أن تنطق الشهادتين لتدخل بذلك في الإسلام بعد أن خرجت منه , ولْتحسن العمل , وعليك بحفظ اللسان , فإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوى بها في النار سبعين خريفاً.
وأما الكفارة، فليس هناك كفارة لما بدر منك إلا التوبة والندم والعزم على عدم العودة إلى ذلك.
ونسأل الله أن يتقبل توبتك , ويرزقك الاستقامة على دينه.
والله اعلم.
راجع الأسئلة التالية: (1079) (5733) (42505) .
واللهُ أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/100)
حكم التورية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التورية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" التورية أن يريد الإنسان بكلامه ما يخالف ظاهر الكلام. وهي جائزة بشرطين: الأول: أن يكون اللفظ محتملاً لها.
والثاني: ألا تكون ظلماً. فلو قال رجل: أنا لا أنام إلا على وتد. والوتد عود يوضع في الجدار ويعلق عليه المتاع. وقال الرجل: أنا أريد بالوتد الجبل، فهذه تورية صحيحة، لأن اللفظ يحتملها وليس فيها ظلمٌ لأحد.
وكذلك لو أن رجلاً قال: والله لا أنام إلا تحت السقف. ثم نام فوق السقف وقال: أردت بالسقف السماء. فهذا صحيح، فقد سميت السماء سقفاً في قوله سبحانه: (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً) الأنبياء /32.
وكذلك لو استخدمت التورية للظلم فلا تجوز، كمن أخذ حقاً من إنسان ثم ذهب إلى القاضي، ولم تكن للمظلوم بيّنة فطلب القاضي من آخذ الحق أن يحلف أن ليس له عندك شيء، فحلف وقال: والله ما له عندي شيء، فحكم له القاضي، ثم كلمه بعض الناس في ذلك وعرفه أن هذه يمين غموس تغمس صاحبها في النار، وقد جاء في الحديث: (من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) . فقال هذا الحالف: أنا ما أردت النفي، وإنما أردت الإثبات. ونيتي في كلمة "ما له" أن (ما) اسم موصول أي: والله الذي له عندي شيء. فهذا وإن كان اللفظ يحتمله إلا أنه ظلم فلا يجوز، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) ولا ينفعك التأويل عند الله، وأنت الآن حالف على يمين فاجرة.
ولو أن رجلاً اتهمت زوجته بالخيانة وهي بريئة منها فحلف وقال: والله إنها أختي وقال: أردت أنها أختي في الإسلام. فهذا تعريض صحيح لأنه أخته في الإسلام. وهي مظلومة " اهـ.
"مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي" (3/367) للشيخ ابن عثيمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/101)
متى تصح التورية؟ وما هي الضرورة فيها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تصح التورية؟ وإذا كانت للضرورة فقط فما المعتبر في الضرورة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التورية لغةً هي: إخفاء الشيء.
قال الله عَزَّ وجَلَّ: {فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} المائدة / 31.
وقال عَزَّ من قائل: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} الأعراف / 26.
وأما معناها الاصطلاحي فهو أن يقول القائل كلاماً يظهر منه معنى يفهمه السامع ولكن القائل يريد معنى آخر يحتمله الكلام، كأن يقول له ليس معي درهم في جيبي فيُفهم منه أنّه ليس معه أي مال أبداً، ويكون مراده أنه لا يملك درهماً لكن يملك ديناراً مثلاً، ويسمى هذا الكلام تعريضاً أو تورية.
وتُعد التورية من الحلول الشرعية لتَجَنُّب حالات الحرج التي قد يقع الإنسان فيها عندما يسأله أحدٌ عن أمرٍ وهو لا يريد إخباره بالواقع من جهة، ولا يريد أن يكذب عليه من جهة أخرى.
وتصح التورية من القائل إذا دعت الحاجة أو المصلحة الشرعية لها، ولا ينبغي أن يكثر منها بحيث تكون ديدناً له، ولا أن يستعملها لأخذ باطل أو دفع حق.
قال النووي:
قال العلماء: فإن دعَت إلى ذلك مصلحة شرعيَّة راجحة على خداع المخاطب، أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب: فلا بأس بالتعريض، فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة: فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراماً، وهذا ضابط الباب.
" الأذكار " (ص 380) .
وذهب بعض العلماء إلى تحريم التعريض لغير حاجة أو مصلحة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. انظر الاختيارات ص 563.
وهناك حالات أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى استخدام التورية، فعلى سبيل المثال:
إذا أحدث الرجل في صلاة الجماعة فماذا يفعل في هذا الموقف المحرج؟ .
الجواب: عليه أن يأخذ بأنفه فيضع يده عليه ثم يخرج.
والدليل: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف " - سنن أبي داود (1114) ، وهو في " صحيح سنن أبي داود " (985) .
قال الطيبي: أمر بالأخذ ليخيل أنه مرعوف (والرعاف هو النزيف من الأنف) ، وليس هذا من الكذب، بل من المعاريض بالفعل، ورُخِّص له في ذلك لئلا يسوِّل له الشيطان عدم المضي استحياء من الناس ا. هـ " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (3 / 18) .
وهذا من التورية الجائزة والإيهام المحمود رفعاً للحرج عنه، فيظن من يراه خارجاً بأنه أصيب برعاف في أنفه ...
وكذلك إذا واجه المرء المسلم ظروفاً صعبة محرجة يحتاج فيها أن يتكلم بخلاف الحقيقة لينقذ نفسه، أو ينقذ معصوماً، أو يخرج من حرج عظيم، أو يتخلص من موقف عصيب.
فهناك طريقة شرعية ومخرجٌ مباح يستطيع أن يستخدمه عند الحاجة ألا وهو " التورية " أو " المعاريض "، وقد بوَّب البخاري - رحمه الله - في صحيحه " باب المعاريض مندوحة عن الكذب " - صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب (116) -.
وفيما يلي التوضيح بأمثلة من المعاريض التي استخدمها السلف والأئمة أوردها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه " إغاثة اللهفان ":
ذُكر عن حماد رحمه الله أنه إذا أتاه من لا يريد الجلوس معه قال متوجعاً: ضرسي، ضرسي، فيتركه الثقيل الذي ليس بصحبته خير.
وأحضر سفيان الثوري إلى مجلس الخليفة المهدي فاستحسنه، فأراد الخروج فقال الخليفة لا بد أن تجلس فحلف الثوري على أنه يعود فخرج وترك نعله عند الباب، وبعد قليل عاد فأخذ نعله وانصرف فسأل عنه الخليفة فقيل له إنه حلف أن يعود فعاد وأخذ نعله.
وكان الإمام أحمد في داره ومعه بعض طلابه منهم المروذي فأتى سائل من خارج الدار يسأل عن المروذي والإمام أحمد يكره خروجه فقال الإمام أحمد: ليس المروذي هنا وما يصنع المروذي ها هنا وهو يضع إصبعه في كفه ويتحدث لأن السائل لا يراه.
ومن أمثلة التورية أيضاً:
لو سألك شخص هل رأيت فلاناً وأنت تخشى لو أخبرته أن يبطش به فتقول ما رأيته وأنت تقصد أنك لم تقطع رئته وهذا صحيح في اللغة العربية أو تنفي رؤيته وتقصد بقلبك زماناً أو مكاناً معيناً لم تره فيه، وكذلك لو استحلفك أن لا تكلم فلاناً: فقلت: والله لن أكلمه، وأنت تعني أي لا أجرحه لأن الكلم يأتي في اللغة بمعنى الجرح. وكذلك لو أرغم شخص على الكفر وقيل له اكفر بالله، فيجوز أن يقول كفرت باللاهي. يعني اللاعب. إغاثة اللهفان: ابن القيم 1/381 وما بعدها 2/106-107، وانظر بحثاً في المعاريض في الآداب الشرعية لابن مفلح 1/14. هذا مع التنبيه هنا أن لا يستخدم المسلم التورية إلا في حالات الحرج البالغ وذلك لأمور منها:
1- أن الإكثار منها يؤدي إلى الوقوع في الكذب.
2- فقدان الإخوان الثقة بكلام بعضهم بعضاً لأن الواحد منهم سيشك في كلام أخيه هل هو على ظاهره أم لا؟ .
3- أن المستمع إذا اطلع على حقيقة الأمر المخالف لظاهر كلام الموري ولم يدرك تورية المتكلم يكون الموري عنده كذاباً وهذا مخالف لاستبراء العرض المأمور به شرعاً.
4- أنه سبيل لدخول العجب في نفس صاحب التورية لإحساسه بقدرته على استغفال الآخرين.
انتهى من كتاب " ماذا تفعل في الحالات الآتية؟ ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/102)
حكم ظهار المرأة من زوجها وهل عليها الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي كثير الاستهزاء والسخرية بي وصبرت عليه كثيراً، وذات يوم شتمني بشتى ألوان الشتائم فأثار بكائي وغضبي فقلت له بالحرف الواحد: أنت عليّ مثل أخي، عليّ مثل ظهر أخي. فهل يعتبر هذا ظهاراً وما هي الكفارة الواجبة عليّ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل لمسلمٍ أن يسخر من أخيه، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} الحجرات / 11.
والواجب على الزوج أن يحسن معاشرة أهله، قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء / 19، وقال النبي صلى الله عليه: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي (3895)
والنصيحة لك بقاؤك على الصبر على أذى زوجك، والدعاء له بالخير والهدى، واستمرار الوعظ والتذكير له بواجباته.
وأما قولكِ لزوجكِ " أنتَ حرام عليَّ مثل أخي ... " فليس بظهار، بل هو يمين مكفَّرة، لأن الظهار يكون من الرجل لأمرته وليس العكس قال الله تعالى: (الذي يظاهرون منكم من نسائهم) المجادلة / 2.
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين:
إن زوجتي تقول لي دائماً " أنت زوجي، وأنت أخي، وأنت أبي، وكل شيء لي في الدنيا " هل هذا الكلام يحرمني عليها أم لا؟
فأجاب:
هذا الكلام منها لا يحرمها عليك؛ لأن معنى قولها " أنت أبي وأخي " وما أشبه ذلك: معناها: أنت عندي في الكرامة والرعاية بمنزلة أبي وأخي، وليست تريد أن تجعلك في التحريم بمنزلة أبيها وأخيها.
على أنها لو فُرض أنها أرادت ذلك: فإنكَ لا تحرم عليها؛ لأن الظهار لا يكون من النساء لأزواجهن، وإنما يكون من الرجال لأزواجهم، ولهذا إذا ظاهرت المرأة من زوجها بأن قالت له " أنتَ عليَّ كظهر أبي، أو كظهر أخي " أو ما أشبه ذلك: فإن ذلك لا يكون ظهاراً، ولكن حكمه حكم اليمين، بمعنى أنها لا يحل لها أن تمكنه من نفسها إلا بكفارة اليمين، فإن شاءت دفعت الكفارة قبل أن يستمتع بها، وإن شاءت دفعتها بعد ذلك.
وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن لم يجد: فصيام ثلاثة أيام.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 803) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/103)
حكم لعن الأبناء والزوجة، وهل يعد لعنها طلاقاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يلعن زوجته أو بعض أبنائه؟ وهل يعد لعن المرأة طلاقاً أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعن المرأة لا يجوز وليس بطلاقاً لها، بل هي باقية في عصمته وعليه التوبة إلى الله من ذلك واستسماحه لها من سبه إياها. وهكذا لا يجوز لعنه لأبنائه ولا غيرهم من المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق على صحته، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لعن المؤمن كقتله) خرجه البخاري في صحيحه.
وهذان الحديثان الصحيحان يدلان على أن لعن المسلم لأخيه من كبائر الذنوب فالواجب الحذر من ذلك، وحفظ اللسان من هذه الجريمة الشنيعة.
ولا تطلق المرأة بلعنها بل هي باقية في عصمة زوجها كما تقدم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص 398.(7/104)
عبارة (الباقي على الله) لا تصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة عبارة بذلت (قصارى جهدي والباقي على الله) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا القول لا يصلح لأنه يعني أن الفاعل اعتمد على نفسه أولاً.
لكن القول: (بذلت جهدي واسأل الله المعونة) هذا الصواب، وهذه العبارة: (بذلت جهدي والباقي على الله) ربما يريد بها الإنسان هذا المعنى الذي ذكرت أي ما استطعته فعلته وما لا أستطيعه فعلى الله، ولكن أصل العبارة غلط، بل يقول: (بذلت جهدي واسأل الله المعونة)
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في مجلة الحسبة العدد 50 ص 17.(7/105)
الكلام الذي ينبغي الإمساك عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن هناك كلاماً نمسك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم إلا بخير.
روى البخاري (6018) ومسلم (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ. . . الحديث.
قال النووي رحمه الله:
مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ , وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ , فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه. وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا. وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . . . وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ , إِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر , أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ اهـ.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في أكثر من حديث، منها ما رواه الترمذي (2406) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ. صححه الألباني في صحيح الترغيب (3331) .
وروى الترمذي (2616) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما علمه بعض شرائع الإسلام:
أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟
صححه الألباني في صحيح الترمذي (2110) .
وجاء في الحديث الأمر بالإمساك عن الخوض في أشياء معينة؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه.
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) . رواه الطبراني في "الكبير" (2 / 96) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (34) .
وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/ 100.
وقال سبحانه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح/ 29.
فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) الحشر / 10، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " – متفق عليه -.
" مجموع الفتاوى " (3 / 152) .
وقال أبو زرعة رحمه الله:
إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق، وذلك لأن القرءان حق، والرسول حق، وما جاء به حق، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق.
" الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة " (2 / 608) .
وأما الشق الثاني من الحديث وهو: الإمساك عن الكلام في النجوم، فالمقصود به والله أعلم هو: الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس.
وانظر " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما.
وانظر " فتاوى العقيدة " (2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله فله كلام نفيس جدّاً.
وأما الشق الثالث: وهو الإمساك عن الكلام في القدر فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:
وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23. فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
شرح العقيدة الطحاوية ص 276.
فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. والكلام في هذا الباب طويل، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/106)
غضب فسب دين وسماء القلم والورقة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يكتب على ورقة، وفي أثناء الكتابة أخطأ في بعض الكلمات فانزعج كثيراً ومن شدة غضبه سب دين وسماء القلم والورقة، فهل يعتبر سب دين القلم أو الورقة أو الحجر أو الشجر أو الكرسي أو الكأس أو ... الخ من هذه الأشياء هل يعتبر كفراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا شك أن هذا السب حرام، ولو قيل أن القلم والورقة لا يدينان بالدين الذي هو العبادات، لكن معلوم أن الدين واحد، وأن الله تعالى هو الذي سخر هذه الأقلام والأدوات، ويسر استعمالها، فيخاف أن السب يرجع إلى الله تعالى، فعليه التوبة والاستغفار، وعدم العودة إلى مثل هذا.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين في فتاوى ابن جبرين ص 34(7/107)
عبارة الباقي على الله لا تصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة عبارة (بذلت قصارى جهدي والباقي على الله) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا القول لا يصح، لأنه يعني أن الفاعل اعتمد على نفسه أولاً. ولكن يقول: بذلت جهدي وأسأل الله المعونة) هذا الصواب.
وهذه الكلمة (بذلت جهدي والباقي على الله) ربما يريد بها الإنسان هذا المعنى الذي ذكرت، أي ما أستطيعه فعلته وما لا أستطيعه فعلى الله، ولكن أصل العبارة غلط، بل يقول: (بذلت جهدي وأسأل الله المعونة) .
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد/1798 ص/61(7/108)
كذبة إبريل
[السُّؤَالُ]
ـ[يشتهر بين بعض الناس في الخارج - الدول الكافرة - كذبة إبريل في أول يوم من شهر إبريل الميلادي ويقلدهم بعض المسلمين في ذلك حيث يرون جواز الكذب في هذا اليوم.. كيف ترون هذا الاعتقاد وهذا التقليد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكذب لا يجوز مطلقاً في كل الأوقات، ولا يجوز تقليد الكفار والتشبه بهم في هذا وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) .
وللمزيد يراجع مقال كذبة إبريل الموجود في قسم مواضيع في المناسبات.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ صالح الفوزان لمجلة الشقائق العدد 32 لشهر صفر.(7/109)
هل يأثم من سب أخاه المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب على من يقول للمسلم: يا كلب، أو يا خنزير، ونحوه من الألفاظ القبيحة هل يأثم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يأثم ويعزر، وعليه التوبة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي ص 224(7/110)
حكم من يسب الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لإنسان أن يشتم الحياة إذا غضب أو ضاق منها نرجو منكم التوجيه في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل للإنسان إذا ضاق من الحياة أن يشتم الحياة لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال تعالى: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) أي هو المصرف للدهر وعلى الإنسان إذا ابتلي ببلية أن يصبر ويحتسب فإن الله أمر بالصبر.
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (تلك من أنباء الغيب نُوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) هود /49، وليعلم الإنسان أنه ما من مصيبة إلا في الدنيا أعظم منها فإذا علم ذلك هانت عليه مصيبته.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1757 ص 45.(7/111)
تغضب بسرعة وتسبّ وتدعو على من أغضبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أغضب بسرعة وأستمر في الغضب حتى أبدأ بسب الشخص الذي أغضبني في نفسي. عندما أهدأ أستغفر الله وأعزم على عدم العودة لهذا، أعلم بأن السب حرام وأنا أكره ما أفعل وأتمنى أن أتمالك نفسي وأريد أن أعرف كيف يتوب المرء من السب في حالة الغضب. الشخص لم يسمعني ولكنني أشعر بالأسف لهذا فهل يجب أن أخبره بأنني سببته في نفسي؟ هل يمكن أن أحتفظ بهذا لنفسي حتى لا أخلق عداء بيني وبينه؟ هل يمكن أن أتصدق لأكفر عن ذنبي؟ ماذا أفعل لأنهي هذه المشكلة؟ أريد التوقف عن هذا وقد دعوت كثيراً ولا زلت أدعو ولكنني الآن أريد أن أتوب عن المرات السابقة التي سببت فيها أحد حين الغضب. هل يقبل الله دعائي عليهم حين الغضب؟ أشعر بحزن شديد بسبب هذا الموضوع وأشعر بالألم حين أقف للصلاة، أريد حقيقة أن أتوب وأشعر بالرضى عن توبتي. جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك - أيتها الأخت المسلمة - أن تكظمي غيظك وغضبك لقوله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ، وقال عز وجل (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون) الشورى:37 ذلك أن الإنسان إذا لم يكظم غضبه سبّ ولعن وشتم وضرب فيكون الغضب بابا لكل الشرور لذا كان النبي كثيرا ما يوصي بعدم الغضب فقد روى البخاري في الصحيح 6116 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب فرددّ مراراً قال: لا تغضب
لذا اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من يمتلك نفسه عند الغضب من أشد الناس روى البخاري في الصحيح 6114، ومسلم 4723 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (10/520) كلاما مهما في في شرح حديث لا تغضب، فقال: فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ " قُلْت يَا رَسُول اللَّه قُلْ لِي قَولاً أَنْتَفِع بِهِ وَأَقْلِلْ , قَالَ: لا تَغْضَب , وَلَك الْجَنَّة " وَفِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء " قُلْت: يَا رَسُول اللَّه دُلَّنِي عَلَى عَمَل يُدْخِلنِي الْجَنَّة , قَالَ: لا تَغْضَب ".. قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْله " لا تَغْضَب " اِجْتَنِبْ أَسْبَاب الْغَضَب وَلا تَتَعَرَّض لِمَا يَجْلِبهُ. وَأَمَّا نَفْس الْغَضَب فَلا يَتَأَتَّى النَّهْي عَنْهُ لأَنَّهُ أَمْر طَبِيعِيّ لا يَزُول مِنْ الْجِبِلَّة , وَقَالَ غَيْره: مَا كَانَ مِنْ قَبِيل مَا يُكْتَسَب بِالرِّيَاضَةِ فَهُوَ الْمُرَاد.. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لا تَفْعَل مَا يَأْمُرك بِهِ الْغَضَب. وَقَالَ اِبْن بَطَّال: فِي الْحَدِيث.. أَنَّ مُجَاهَدَة النَّفْس أَشَدُّ مِنْ مُجَاهَدَة الْعَدُوّ ; لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الَّذِي يَمْلِك نَفْسه عِنْدَ الْغَضَب أَعْظَم النَّاس قُوَّة. وَقَالَ غَيْره: لَعَلَّ السَّائِل كَانَ غَضُوبًا , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر كُلّ أَحَد بِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ , فَلِهَذَا اِقْتَصَرَ فِي وَصِيَّته لَهُ عَلَى تَرْك الْغَضَب. وَقَالَ اِبْن التِّين: جَمَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله " لا تَغْضَب " خَيْر الدُّنْيَا وَالآخِرَة لأَنَّ الْغَضَب يَئُولُ إِلَى التَّقَاطُع وَمَنْع الرِّفْق , وَرُبَّمَا آلَ إِلَى أَنْ يُؤْذِي الْمَغْضُوب عَلَيْهِ فَيُنْتَقَص ذَلِكَ مِنْ الدِّين. ..
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: خَلَقَ اللَّه الْغَضَب مِنْ النَّار وَجَعَلَهُ غَرِيزَة فِي الإِنْسَان , فَمَهْمَا قَصَدَ أَوْ نُوزِعَ فِي غَرَض مَا اِشْتَعَلَتْ نَار الْغَضَب وَثَارَتْ حَتَّى يَحْمَرّ الْوَجْه وَالْعَيْنَانِ مِنْ الدَّم ; لأَنَّ الْبَشَرَة تَحْكِي لَوْن مَا وَرَاءهَا.. وَيَتَرَتَّب عَلَى الْغَضَب تَغَيُّر الظَّاهِر وَالْبَاطِن كَتَغَيُّرِ اللَّوْن وَالرِّعْدَة فِي الْأَطْرَاف وَخُرُوج الأَفْعَال عَنْ غَيْر تَرْتِيب وَاسْتِحَالَة الْخِلْقَة حَتَّى لَوْ رَأَى الْغَضْبَان نَفْسه فِي حَال غَضَبه لَكَانَ غَضَبه حَيَاء مِنْ قُبْح صُورَته وَاسْتِحَالَة خِلْقَته , هَذَا كُلّه فِي الظَّاهِر , وَأَمَّا الْبَاطِن فَقُبْحه أَشَدُّ مِنْ الظَّاهِر ; لأَنَّهُ يُوَلِّد الْحِقْد فِي الْقَلْب وَالْحَسَد وَإِضْمَار السُّوء عَلَى اِخْتِلَاف أَنْوَاعه , بَلْ أَوْلَى شَيْء يَقْبُح مِنْهُ بَاطِنه , وَتَغَيُّر ظَاهِره ثَمَرَة تَغَيُّر بَاطِنه , وَهَذَا كُلّه أَثَره فِي الْجَسَد , وَأَمَّا أَثَره فِي اللِّسَان فَانْطِلَاقه بِالشَّتْمِ وَالْفُحْش الَّذِي يَسْتَحْيِي مِنْهُ الْعَاقِل وَيَنْدَم قَائِله عِنْدَ سُكُون الْغَضَب وَيَظْهَر أَثَر الْغَضَب أَيْضًا ِي الْفِعْل بِالضَّرْبِ أَوْ الْقَتْل , وَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بِهَرَبِ الْمَغْضُوب عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى نَفْسه فَيُمَزِّق ثَوْبه وَيَلْطِم خَدَّهُ , وَرُبَّمَا سَقَطَ صَرِيعًا , وَرُبَّمَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ , وَرُبَّمَا كَسَرَ الآنِيَة وَضَرَبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَرِيمَة. وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَفَاسِد عَرَفَ مِقْدَار مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَة اللَّطِيفَة مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا تَغْضَب " مِنْ الْحِكْمَة وَاسْتِجْلَاب الْمَصْلَحَة فِي دَرْء الْمَفْسَدَة مِمَّا يَتَعَذَّر إِحْصَاؤُهُ وَالْوُقُوف عَلَى نِهَايَته , وَهَذَا كُلّه فِي الْغَضَب الدُّنْيَوِيّ لا الْغَضَب الدِّينِيّ.. (فإنّ الغضب لله محمود ومطلوب كالغضب عند رؤية منكر) , وَيُعِين عَلَى تَرْك الْغَضَب اِسْتِحْضَار مَا جَاءَ فِي كَظْم الْغَيْظ مِنْ الْفَضْل , وَمَا جَاءَ فِي عَاقِبَة ثَمَرَة الْغَضَب مِنْ الْوَعِيد , وَأَنْ يَسْتَعِيذ مِنْ الشَّيْطَان.. , وَأَنْ يَتَوَضَّأ.. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وتذكّري أيتها الأخت المسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن سبابا ولا لعانا فقد جاء في صحيح البخاري 6031 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترب جبينه.
وعليك أن تتوبي إلى الله عز وجل مما حصل منك من السبّ والاعتداء، ولا حاجة لإخبار من سببتيه درءاً للمفاسد ويمكن طلب السماح منه بشكل عام، وأما الناس الذين دعوتِ عليهم بالشرِّ فادعِ لهم بالخير وخصوصا إذا كنت قد ظلمتيهم بدعائكِ عليهم وهم لا يستحقّون ذلك وسلي الله اللطف بكِ فإنّ الإنسان قد ترجع عليه الدّعوة إذا دعا بها على شخص لا يستحقّها، وعليك بإشغال لسانك بالدعاء والذكر إذ أن في ذلك طمأنينة للقلوب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وصرْفا عن استعمال اللسان في أذية الخلق، وصلى اللهم على محمد وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/112)
تحريم الكذب على كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والدتي ما زالت على قيد الحياة وقد تعدى عمرها مائة سنة، وأصبحت بحالة صعبة حيث أنها لا تستطيع إدراك الأشياء، وتسأل عن المساء وقت الصباح، وتكرر الكلمة أكثر من خمس مرات، ولا تطيق أن تتحرك من مكانها، فإن كانت نائمة فلا تستطيع أن تجلس، وهكذا.
وأولادها يجيبونها على كل ما تسأل عنه، ولكن قد يكون جوابهم لها كذبا كأن تسألهم وقت المساء: هل نحن في الصباح؟ فيجيبونها بنعم وهم في المساء، وغير ذلك من الأسئلة، فالسؤال هو: إذا كذبوا عليها هل هم مخطئون أم لا؟
والسؤال الثاني: هل عليهم كفارة يدفعونها بدل صيامها وصلاتها أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي الكذب عليها، بل يجب إخبارها بالواقع؛ لأنه لا مصلحة في الكذب عليها ولا فائدة فيه، فإنه لا يدخل عليها شيئا من الأنس والسرور.
أما بالنسبة للصلاة والصوم فلا كفارة ولا إثم عليها، لأنها أصبحت كالطفل، فما دام أنها لا تميز وقد تغيرت مشاعرها وعقلها تغير، فإنه لا صلاة عليها ولا صيام لأنها غير مكلفة فهي الآن كالطفل الصغير وذمتها خالية ولا حرج في ذلك إن شاء الله والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 43.(7/113)
هل تعد قصص التندر المروية في كتب الأدب من الغيبة المحرمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[القصص في الكتب الأدبية القديمة التي فيها تندّر، مثل: أخبار أبو دلامة، وأشعب , وأحيانا تذكر أسماء لأناس تصفهم بالحمق والبخل , حكاية هذه القصص هل يعد من الغيبة، مع أننا لا ندري عن صحة تلك الأخبار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا نُسب السوء والمكروه إلى أحد فلا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى:
أن يكون هذا الشخص المذكور بالشر معلوما لدى الحاضرين أو السامعين أو القارئين: فَذِكرُه بما يكره حينئذ – مِن غير سبب شرعي – يعد مِن الغيبة المحرمة المتفق عليها، سواء كان حيا أو ميتا، معاصرا أو من الشخصيات التاريخية القديمة المعروفة، فحرمة المسلم محفوظة حتى بعد موته ووفاته، وأسباب تحريم الغيبة قائمة حتى في غيبة الأموات.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" الغيبة أن تذكر مسلما أو ذميا معيَّنًا للسامع، حيا أو ميتا، بما يكره أن يذكر به مما هو فيه، بحضرته أو غيبته " انتهى.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2/25)
الحالة الثانية:
ألا يكون الشخص المذكور بالسوء معينا لدى السامعين، ولا معروفا عندهم، ولم يسبق لهم به علم ولا تمييز، أو كان شخصية وهمية تذكرها كتب التاريخ والأدب على سبيل التخييل لأغراض أدبية أو قصصية: ففي هذه الحالة لا يحرم ذكر هذا الشخص بسوء، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة.
واستدل العلماء لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا قَالَتْ الْأُولَى....- فساقت عائشة حديث كل امرأة عن زوجها بما يكره، حتى كان آخرهن أم زرع التي أثنت على زوجها خيرا، ثم قالت رضي الله عنها - فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ)
رواه البخاري (5189) ، ومسلم (2448)
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" قال المازري: قال بعضهم: وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة، لكونهم لا يُعْرفون بأعيانهم أو أسمائهم، وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم.
قال المازري: وإنما يُحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها وهو مجهول فأقر على ذلك، وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات، لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة، فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث، فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا، ويجعله كمن قال: في العالَم مَن يشرب أو يسرق.
قال المازري: وفيما قاله هذا القائل احتمال.
قال القاضي عياض: صدق القائل المذكور، فإنه إذا كان مجهولا عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة؛ لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه.
قال: وقد قال إبراهيم: لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه، أو ينبه عليه بما يفهم به عنه، وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان والأزواج، لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهنَّ بالغيبة لو تعيَّنَّ، فكيف مع الجهالة. والله أعلم " انتهى.
" شرح مسلم " (15/222)
وجاء في " الآداب الشرعية " لابن مفلح (1/254-255)
" قال صاحب " المختار " من الحنفية: ولا غيبة إلا لمعلوم، ولا غيبة لأهل قرية.
وكذا ذكر القاضي عياض وغيره في غير المعين , وخالف فيه بعضهم، ذكره النووي في حديث أم زرع , والأول مأثور عن إبراهيم , ولم يذكر أصحابنا هذا , والظاهر أنهم لا يريدون هذا، فظاهر كلام بعضهم إن عرف بعد البحث لم يجز , وإلا جاز، فليس هذا ببعيد " انتهى.
يقول الخادمي الحنفي:
" دل هذا – يعني كلام الفقهاء – على شرطية معرفة المخاطب – حتى يكون غيبة – " انتهى.
" بريقة محمودية " (3/186-187)
وجاء في " مجمع الأنهر " (2/553) من كتب الحنفية:
" (ولا غيبة إلا لمعلوم، فاغتياب أهل قرية ليس بغيبة) " انتهى.
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (26/15) :
" إذا لم توجد قرائن أحوال تعيِّن أو ترجح أصحاب الواقعة فليست بغيبة " انتهى.
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قولهم لا غيبة لمجهول: صحيح بشرط أن يكون هذا المجهول لو بحث عنه لم يعلم به " انتهى.
" شرح الأربعين النووية " (الشريط الأخير) ، ونحوه في "ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" " (مسألة رقم/551)
ويقول الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
" لا غيبة لمجهول كلام صحيح، ومعناه: أن يتكلم أحدهم في إنسان لا يعرفونه، ويذكر بخله وشحه، وعيوبه وحقده، ونقص خلقه، وشراسته، ونحوز ذلك، وكل الحاضرين لا يعرفون من يعنيه، فقد يكون مثالًا غير واقعي قصد منه التحذير من هذه الأفعال، وذمها، وعيب فاعلها، فلذلك لا تسمى هذه غيبة. والله أعلم. " انتهى.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=9638&parent=3314
والخلاصة: أنه لا حرج، إن شاء الله، في قراءة القصص الأدبية التي تحكي بعض حكايات التندر وأخبار الطرف ونحوها؛ أو نقل هذه القصص والحكايات، على سبيل التندر، أو ذكرها لفائدة تربوية أو نحو ذلك، وما زال أهل العلم يوردون ذلك في كتبهم، وأحاديثهم، من غير نكير نعلمه في ذلك.
وينظر: جواب السؤال رقم: (105539) ، (105470)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/114)
هجر المغتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤل: لي صديق كثيرا ما يتحدث في أعراض الناس، وقد نصحته ولكن دون جدوى، ويبدو أنها أصبحت عادة عنده، وأحيانا يكون كلامه في الناس عن حسن نية، فهل يجوز هجره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم، ومن الغيبة المحرمة، بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله سبحانه: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12.
ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم (أنه لما عرج به مر على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم) أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه، وقال العلامة ابن مفلح: إسناده صحيح، قال: وخرج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا: (إن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق) .
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه؛ لقول النبي: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه.
فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه.
أصلح الله حال المسلمين ووفقهم لما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة " انتهى.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" للشيخ ابن باز (5/401) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/115)
ضابط الغيبة المحرمة وصورها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سؤال الأم عن شيء مهم "يبدو لي أنه سيء والله أعلم" حصل لابن خالتي؟ هل يعتبر من الغيبة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغيبة هي كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم: أن يذكر المسلم أخاه بما يكره.
وهذا يشمل الصفات الخِلقية والخُلقية، بل وما يتصل به كماله وولده وأهله.
قال النووي رحمه الله: " فأما الغيبة: فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، وحركته وبشاشته وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك أو نحو ذلك.
أما البدن، فكقولك: أعمى، أعرج، أعمش، أقرع، قصير، طويل، أسود، أصفر.
وأما الدين، فكقولك: فاسق، سارق، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارا بوالده، لا يضع الزكاة مواضعها، لا يجتنب الغيبة.
وأما الدنيا: فقليل الأدب، يتهاون بالناس، لا يرى لأحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الأكل أو النوم، ينام في غير وقته، يجلس في غير موضعه.
وأما المتعلق بوالده، فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي، أو زنجي، نجار، حداد.
وأما الخُلُق، فكقوله: سيئ الخلق، متكبر، مراء، عجول، جبار، عاجز، ضعيف القلب، متهور، عبوس، خليع، ونحوه.
وأما الثوب: فواسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثوب ونحو ذلك، ويقاس الباقي بما ذكرناه.
وضابطه: ذكره بما يكره " انتهى من "الأذكار" ص 336.
فسؤالك عن ابن خالتك إن كان يجر إلى الحديث عنه بأمر يكرهه، فهذا من الغيبة المحرمة، لكن يستثنى من ذلك بعض الصور التي تغلّب فيها المصلحة الشرعية على مفسدة الغيبة، كالاستعانة على تغيير منكر يقع فيه الشخص، كمن علم أن فلانا يقترف شيئا من المنكرات، ولا يستطيع أن ينكر عليه، فيذكر هذا لمن يستطيع، وقد سبق بيان هذه الصور المستثناة في جواب السؤال رقم (7660) ، وفيه ذكر بعض النصوص الواردة في ذم الغيبة، والتحذير منها.
ومن علم حرمة الغيبة وخطرها وأنها من كبائر الذنوب، أمسك لسانه، وأحصى كلماته، وترك السؤال عما لا يعنيه، فإن الكلام قد يبدأ مباحا، ثم يجر صاحبه إلى الحرام.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/116)
حماتها تغتاب، وهي تشاركها، فكيف تفعل؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي تكثر من الكلام أو الغيبة في زوجة ابنها عندما تكون عندي، وأنا أشاركها، خاصة عندما تقول إنها قالت فيك كذا، فأغضب وأتكلم فيها، لكني أندم كثيرا، وفي بعض الأحيان لا أحب أن أشاركها. فماذا أفعل؟ وكيف أكفر عن ذنبي؟ أرجو أن تدعو لي بالذرية الصالحة. وبارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
نحن نصدقك النصيحة ـ إن شاء الله ـ: أن الواجب عليك إلغاء هذه المجالس التي يذكر فيها الناس بالسوء، والعزم والجزم مع أم زوجك أنك من اليوم لن تقبلي باستمرار الولوغ في أعراض المسلمين والمسلمات، ولو كان كلاما بحق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته) رواه مسلم (2589) .
وتذكري أن المرء يوم القيامة أحوج ما يكون إلى حسنة واحدة، فكيف يتساهل في التصدق بحسناته للآخرين، ويوم القيامة لا درهم ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات.
ولعلك تعرفين أن ما تقوم به أم زوجك من نقل كلام زوجة ابنها فيك يسمى " نميمة "، وهي والغيبة من كبائر الذنوب، فقد مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم على قبرين فقال: (أما إنَّهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير، أمَّا أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) رواه البخاري (213) ، ومسلم (292) .
فإذا أدركت ما سبق كانت بداية طريق التوبة من هذا الذنب الكبير، ثم سعيت في التكفير عنه بالاستغفار لتلك المرأة التي وقعتم بها، والدعاء لها بالبركة والفضل والتوفيق، وذكرها بما فيها من الخير، خاصة في المجالس التي ذكرتيها، أو ذكرت أمامك فيها، بالشر والسوء. قال الله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود/114.
ثم عليك أن تردي على من اغتابها غيبته: فهذا خير لك، أن تأمري بالمعروف وتنهي عن المنكر، وخير لمن أراد الغيبة: أن تمنعيه عن الظلم والمعاصي، وخير لمن أردتم غيبته: أن تحفظوا حرمته، وترعوا حقه.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
رواه أحمد (26988) والترمذي (1931) وحسنه الألباني.
فإن عجزت عن أن تردي عن أختك المسلمة، أو تمنعي غيرك من العدوان عليها، فلا أقل من ترك المجلس الذي يعصى الله فيه، والتشاغل بما يعنيك من شأن دينك ودنياك.
وانظري في موقعنا جواب السؤال رقم: (99554) ، ففيه مزيد فائدة إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/117)
حديث لا غيبة لفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في هذا الحديث: (لا غيبة لفاسق) ؟ فإذا صح فهل التحذير من صاحب العين (العائن) يعتبر غيبة له أو لا؟ ومن الذي يحذر منه ولا تعتبر في حقه غيبة أو نميمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الغيبة محرمة، شديدة التحريم؛ لقوله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) الحجرات/11، ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره.
وتجوز في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته، أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده ـ فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك. وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين فقال:
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ًومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذكره بما يكره فإنه يكون من الغيبة المحرمة.
وأما السؤال عن لفظ: (لا غيبة لفاسق) هل هو حديث أو لا؟ فقد قال الإمام أحمد: منكر، وقال الحاكم والدارقطني والخطيب: باطل.
ولكن دل على أنه لا غيبة لفاسق قد أظهر المعصية ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مُرَّ عليه بجنازة فأثنى عليها الحاضرون شراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) ومُرَّ عليه بأخرى فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) فسألوه صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله وجبت؟ فقال: (هذه أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، وهذه أثنيتم عليها خيراً فوجبت له الجنة، أنتم شهداء الله في أرضه) ولم ينكر عليهم ثناءهم على الجنازة شراً التي علموا فسق صاحبها، فدل ذلك على أن من أظهر الشر لا غيبة له.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/19) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/118)
تتكلم عن زوجها أمام أولادها وأقاربها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تقول بأن زوجها يتشاجر معها بعض الأحيان، ويحصل أن تغضب زوجته، فبعدما يذهب عنها ويأتيها أولادها وبناتها أو أحد من أقاربها تقوم بالتكلم فيه ـ يعني: زوجها ـ هل هذه غيبة لزوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت هذه المرأة تتكلم في زوجها بما يكره أن يقال عنه – فهو من الغيبة المحرمة المنهي عنها شرعاً، فعليها أن تتوب من ذلك توبة نصوحاً، وأن تحتسب عند الله الأجر فيما يحصل بينها وبين زوجها، ومعالجة ذلك بالصبر والإحسان إلى زوجها، وأن لا تنشر ما يحصل بينها وبين زوجها من خلافات أمام أولاده أو غيرهم؛ لما في ذلك من معالجة الشر بالشر، واتساع دائرة الخلاف، وفيه إيغار لقلوب الأولاد على أبيهم، وسبب للخلاف معه وقطيعته وعقوقهم له.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/119)
بعض الأحوال التي تجوز فيها الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المواضع التي يحل فيها الكلام عن أخي المسلم في غيابة ولا تعتبر غيبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الغيبة هي: ذكر المسلم أخاه بما يكره، من المثالب والمعايب ونحوهما. ولكن هناك مواضع ذكرها العلماء يتكلم فيها المسلم عن أخيه بناء على المصلحة، وهذه المواضع منها: طلب الإنصاف من الظالم، فيقول للقاضي أو الحاكم مثلاً: ظلمني فلان بكذا.
ومنها: طلب الفتوى، فيقول المستفتي للمفتي: فعل فلان بي كذا، فهل هذا حق له أم لا؟
ومنها: تحذير المسلمين من أهل الشر والريب؛ كجرح المجروحين من الرواة والشهود.
ومنها: الاستشارة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو مجاوراته.
ومنها: ذكر المجاهر بالفسق بما يجاهر به.
ومنها: التعريف بالشخص إذا لم يقصد التنقص بأن يكون معروفاً بلقب؛ كالأعمش والأعرج والأصم ونحوها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/120)
لا غيبة لمجهول
[السُّؤَالُ]
ـ[هل غيبة الشخص بدون ذكر اسمه من الأمور المحرمة؟ وهل إذا اغتبته بشيء لا ينفعه ولا يضره من الكلام يكون من الغيبة المحرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الغيبة هي أن يذكر الإنسان أخاه المسلم في غيبته بشيء يكرهه لو سمعه، سواء كان ذلك يتعلق بأخلاقه أو بلبسه أو بشكله أو بغير ذلك.
والغيبة من الأمور المحرمة التي جاءت الشريعة بتحريمها، قال الله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذِكرُك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه) . رواه مسلم (2589) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (9784) و (23328) .
ثانياً:
الغيبة لا تكون إلا مع تعيين الشخص المتكلم عنه، أو الإبهام مع معرفة السامعين بالمتكلم عنه؛ لأن معرفتهم حينئذ تنزل منزلة التعيين، وأما مجرد ذكر الفعل دون ذكر تعيين الشخص، فهذا ليس بغيبة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا) ، وغيره من الأحاديث التي فيها ذكر أفعال دون ذكر أصحابها تحذيراً من فعلها.
فعلى هذا إذا كان الشخص الذي تكلمت عنه غير معروف لدى السامعين، بل هو مجهول لديهم، فهذا ليس بغيبة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/121)
الحالات التي تجوز فيها الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحالات التي يجوز فيها الغيبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر العلماء أن الغيبة تجوز في حالات:
الأولى: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثانية: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالثة: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص، ودفع ظلمه عني؟
الرابعة: تحذير المسلمين من شره، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك، فإنك تذكر لهم ذلك على وجه النصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الخامسة: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كشرب الخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادسة: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى أو الأعمى أو الأعور أو الأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به على سبيل التنقيص، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (26/20) : " وتجوز الغيبة في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده - فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك، وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين، فقال:
الذم ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومُعرِّف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومَنْ ... طلب الإعانة في إزالة منكر" انتهى بتصرف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/122)
هل من الغيبة أن يذكر قصة وقعت وإن لم يذكر أسماء أصحابها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ذكرت قصة واقعية دون ذكر الأسماء، فهل تعتبر هذه غيبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت كريهة ولم توجد قرائن أحوال تعيِّن أو ترجح أصحاب الواقعة ـ فليست بغيبة، لكن إذا كانت تثير شراً، أو كانت ذريعة إلى فساد، فذكرها حرام لذلك، وإن لم تكن غيبة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/15) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/123)
هل التحذير من رجل معروف بالفسق يعتبر غيبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تحذير الناس من رجل ظاهر الفسق ومعروف بفسقه، يعتبر غيبة يسأل عنها الإنسان يوم القيامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر، وكان ذكره بما فيه لتحذير الناس من شره حتى لا يغتر به من لم يعرفه جاز، وإن كان ذلك للتشهي والتسلية ونحوهما لم يجز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/8) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/124)
كفارة الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[في كفارة الغيبة، هل يجزئ قول: (رب اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات) عن الاستغفار لمن اغتبته، أم يجب الدعاء له بالاسم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغيبة من كبائر الذنوب، ولا شك أن جميع المسلمين يدركون هذا، ويعلمون ما للمغتاب من عذاب عند الله تعالى، والخطورة في هذا الذنب تأتي من وجهين اثنين:
1- أنه متعلق بحقوق العباد، فهي لذلك أشد خطرا، إذ يتعدى فيها الظلم إلى الناس.
2- أنها معصية سهلة ينقاد إليها غالب الناس إلا من رحم الله، والشيء السهل يحسبه الناس – في العادة – هينا وهو عند الله عظيم.
وفي أمر كفارة الغيبة لا بد من التنبيه إلى بعض الجوانب المهمة:
أولا: سبق في موقعنا في العديد من الفتاوى بيان أن كفارة الغيبة هي الاستغفار لمن اغتبته، والدعاء له، والثناء عليه في غيبته. وللتذكير بهذه الفتاوى وقراءة كلام أهل العلم يرجى من القارئ الكريم مراجعة الأرقام الآتية: (6308) ، (23328) ، (52807) ، (65649)
ثانيا: إلا أن تقرير كون الاستغفار كفارة للغيبة لا يعني وقوعها كافيةً في ذلك، فإن الأصل أن الذنوب لا تُمحى إلا بالتوبة الصادقة التي يصحبها الإقلاع، والندم، وعدم العود، وصدق القلب في معاملة الخالق سبحانه، ثم يُرجى لمن جاء بهذه التوبة أن يغفر الله له ذنبه، ويعفو عنه خطيئته.
أما حقوق العباد، ومظالم الخلق، فلا يكفرها إلا عفوُ أصحابها عنها ومغفرتهم لها، دليل ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول:
(مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري (2449)
فقد جاء الأمر بالتحلل من المظالم قبل أن يوافيَ الناسُ يومَ الحساب، فيكون التحلل يومئذ بالحسنات والسيئات، وتكون الخسارة الحقيقية على من ظلم الناس في أموالهم أو أعراضهم أو دمائهم.
ثالثا: فالواجب على من أراد أن يستبرئ لنفسه من إثم الغيبة أن يسعى جاهدا في التحلل ممن اغتابه، فيطلب منه العفو والصفح، ويعتذر إليه بالكلام اللين والحسن، ويبذل في ذلك ما يستطيع، حتى إن اضطر إلى شراء الهدايا القيمة الغالية، أو تقديم المساعدة المالية، فقد نص العلماء على جواز ذلك كله في سبيل التحلل من حقوق العباد.
ولما رأى أهل العلم من السلف الصالحين والفقهاء الربانيين أن التحلل من العباد في أمر الغيبة قد يؤدي – في بعض الحالات - إلى مفسدة أعظم، فيوغر الصدور، ويقطع الصلات، وقد يُحمِّلُ القلوب من الأحقاد والأضغان ما الله به عليم، رخص أكثر أهل العلم في ترك التحلل، ورجوا أن يكفي في ذلك الاستغفار للمغتاب والدعاء له والثناء عليه في غيبته.
وإن كان آخرون من أهل العلم ذهبوا إلى أن الغيبة لا يكفرها إلا عفو صاحب المظلمة عنها.
لكن الصواب أنه إذا صدقت توبة مرتكب الغيبة، لم يلزمه أن يخبر بذلك من اغتابه، لاسيما إن خاف مفسدة ذلك، كما هو الغالب.
إذا فالاستغفار لمن اغتبته إنما هو عذر طارئ، وحالة ضرورة اقتضتها الشريعة التي تقدم درء المفاسد على جلب المصالح.
وفهم ما سبق يبين خطأ من يتساهل في إثم الغيبة معتمدا على أن الاستغفار كافٍ في تكفير تلك المعصية، ولم يدرِ أنه أخطأ في ذلك من ثلاثة وجوه:
1- أنه نسي أن شرط التوبة الأساسي هو الندم والإقلاع وصدق الإنابة إلى الله تعالى، وهذا الشرط قد لا يوفق لتحقيقه كثير من الناس.
2- أن الأصل في تكفير حقوق العباد السعي في طلب العفو منهم، فإن كان التقدير أن إخباره بالغيبة سيؤدي إلى مفسدة أعظم، فيلجأ إلى الاستغفار حينئذ، وإلا فالأصل أنه يذهب ليطلب الصفح ممن ظلمه.
3- وذلك يدلك على أن المغتاب إن كان قد بلغه ما اغتابه به رجل آخر، فإنه - والحالة هذه - لا بد من طلب العفو منه مباشرة، كي يزيل ما أصاب قلب المغتاب من أذى، وما حمله من كره أو حقد عليه، فإن لم يعف ولم يصفح، فليس ثمة حيلة بعد ذلك إلا الاستغفار والدعاء.
رابعا:
ثم بعد ذلك كله، هل يظن السائل أن الاستغفار بصيغةٍ عموميةٍ (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) كافٍ في تكفير إثم الغيبة؟!!
نحن نقول إننا حين نرجو من الله أن يكون الدعاء والاستغفار مكفرا للسيئات، لا بد أن نصدق الله في هذا الدعاء، فنخلص فيه المسألة، ونبتغي إليه الوسيلة فيه، ونكرره في مواطن الإجابة، وندعو فيه بكل خير وبركة له في الدنيا والآخرة، ولا شك أن هذه الحالة من الدعاء تقتضي تخصيص المدعو له: إما بذكر اسمه، أو بذكر وصفه فتقول: اللهم اغفر لي ولمن اغتبته وظلمته، اللهم تجاوز عنا وعنه..إلى آخر ما يمكن أن تدعو به.
أما الصيغ العامة فلا تبدو كافية في تحقيق ما ترجو من الله تعالى، فكما أنك اغتبته باسمه أو وصفه، وخصصته بالأذى، فكذلك ينبغي أن يكون الاستغفار والدعاء مخصصا حتى تقابل السيئات بالحسنات.
خامسا:
ينبغي التنبه إلى أن المقصد من الاستغفار والدعاء هو دفع السيئة بالحسنة، ومقابلتها بها، ولذلك فلا يتحتم الاستغفار دون غيره من الأعمال، بل يمكن أن تعمل العمل الصالح ليكون ثوابُه مقدَّما لمن اغتبته، كأن تتصدق عنه أو تقدم له المساعدة، وتقف معه في محنه، فتحاول تعويضه عن ذلك الأذى بما تستطيع.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى" (18/187-189) :
" وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة، وهذا حق، ولا فرق فى ذلك بين القاتل وسائر الظالمين، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه فى الدنيا فلا بد له من العوض فى الآخرة، فينبغى للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا راد لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، ولهذا فى حديث القصاص الذى ركب فيه جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس شهرا حتى شافهه به، وقد رواه الإمام أحمد – (3/495) - وغيره، واستشهد به البخارى فى صحيحه، وهو من جنس حديث الترمذى صحاحه أو حسانه، قال فيه: (إذا كان يوم القيامة فإن الله يجمع الخلائق فى صعيد واحد، يسمعهم الداعى وينفذهم البصر، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه)
وفى صحيح مسلم من حديث أبى سعيد: (أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة) وقد قال سبحانه وتعالى لما قال (ولا يغتب بعضكم بعضا) - والإغتياب من ظلم الأعراض - قال: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم)
فقد نبههم على التوبة من الاغتياب، وهو من الظلم.
وهذا فيما علمه المظلوم من العوض، فأما إذا اغتابه أو قذفه ولم يعلم بذلك، فقد قيل: مِن شرط توبته إعلامه. وقيل: لا يشترط ذلك. وهذا قول الأكثرين، وهما روايتان عن أحمد، لكن قوله مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات: كالدعاء له، والاستغفار، وعمل صالح يهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه. قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/125)
زميله في العمل يغتاب الناس فماذا يصنع معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لديَّ صديق يكثر من الكلام عن الناس في رمضان وغير رمضان، وبطبيعة أننا معا بمكان عمل واحد بأنه لا يفارقني بتاتاً.
أرجو الرد على السؤال في حكم سماعي لكلامه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرع الله تعالى الصيام في شهر رمضان ليحصِّل أهلُه التقوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، فإذا لم يهذِّب هذا الشهرُ ذلك الموظف الآكل للحوم الناس فمتى سيتهذب ويتوب ويرعوي؟!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1804) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو) .
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: (إذا صمتَ فليصُم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء) .
وليحذر هؤلاء الذين يغتابون الناس ويأكلون لحومهم أن يضيع عليهم صيامهم , فلا يكون حظهم منه إلا الجوع والعطش.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) رواه أحمد (8693) صححه ابن حبان (8 / 257) والألباني في " صحيح الترغيب " (1 / 262) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن فعل المعاصي يبطل الصوم.
قالت حفصة بنت سيرين رحمها الله: الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة! .
وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كانوا يقولون: الكذب يفطِّر الصائم!
وإلى هذا ذهب بعض السلف، وهو أن المعاصي كلها تُفطِّر، ومن ارتكب معصية في صومه فعليه القضاء، وهو مذهب الإمام الأوزاعي، واختاره ابن حزم الظاهري رحمهم الله.
وأما جمهور العلماء فرأوا أن فعل المعاصي ينقص أجر الصوم ولا يبطله، وهو الصحيح.
وانظر جواب السؤال رقم (50063) .
ثانياً:
الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) .
رواه أبو داود (4878) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (533) .
ثالثاً:
يجب عليك الإنكار على زميلك هذا، وعدم الرضا بفعله.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
قال النووي رحمه الله:
" اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها , فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده , فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان فارقَ ذلكَ المجلس , فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر.
روينا في كتاب الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيامَةِ) قال الترمذي: حديث حسن " انتهى.
" الأذكار " (ص 795، 796) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أنا فتاة أكره الغيبة والنميمة، وأكون أحيانا في وسط جماعة يتحدثون عن أحوال الناس، ويدخلون في الغيبة والنميمة، وأنا في نفسي أكره هذا وأمقته، ولكوني شديدة الخجل فإنني لا أستطيع أن أنهاهم عن ذلك، وكذلك لا يوجد مكان حتى أبتعد عنهم، ويعلم الله أنني أتمنى أن يخوضوا في حديث غيره، فهل علي إثم في جلوسي معهم؟ وما الذي يتوجب فعله؟ وفقكم الله لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
فأجاب:
" عليك إثم في ذلك إلا أن تنكري المنر، فإن قبلوا منك فالحمد لله، وإلا وجب عليك مفارقتهم، وعدم الجلوس معهم؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام/68، وقوله عز وجل: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) النساء/140، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والله ولي التوفيق " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 440) .
فاحرص على تذكير صاحبك بحكم الغيبة، وبيِّن له عقوبة فاعلها، فلعله يدع ما هو عليه من المعصية، وذكِّره بأن الغيبة في رمضان أشد إثماً، والأصل أنك تفارق مجلسه إن أصرَّ على عدم الاستجابة لحكم الله تعالى، ولكن بما أنك موظف معه ولا تملك ترك المكان، فاهجر سماعه واهجر الانتباه لكلامه، ويمكنك استعمال أسلوب التهديد برفع أمره إلى المسئولين في العمل، أو تهديده بإخبار من يتكلم في عرضهم، فلعله إن لم يخف من الله تعالى أن يخاف من الناس فيترك غيبتهم وترتاح من سماع أذاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/126)
ادعى أنه زنى بامرأة وكان كاذباً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني حالة من العذاب الشديد بسبب ذنب ارتكبته في الماضي ولا أعلم كيف أتخلّص منه، وحياتي تحولت إلى جحيم بسبب هذا الموضوع.
قبل خمس سنوات كنت أعيش حالة من الفراغ الديني، وكنت مبتعداً عن الله بشكل كبير جداً، وأنا لدي ابن عم هو الصديق الوحيد لي في هذه الدنيا.
في أحد الأيام ضحك عليّ الشيطان وقمت بإخباره أن لي علاقة محرّمة مع بعض الفتيات، وأنا في الأساس ليس لي أي علاقة بهن. ولم أكن أعلم عقوبة هذا الذنب وللأسف كنت أعتقد أن الرجولة هي أن تكون لك علاقات مع النساء مثل ما يعتقد أغلب شبابنا اليوم.
ولم يعلم أحد بهذا الموضوع ولم يصل إلى النساء شيء.
وفي رمضان العام الماضي تبت إلى الله وكانت لي علاقة مع بعض النساء عن طريق الهاتف والإنترنت فقمت بإخبارهن بتوبتي وقطعت علاقتي المحرمة معهن، وشعرت بحلاوة الإيمان التي لم أشعر بها من قبل.
ولكن ما زلت أتذكر ذنبي الذي مضى عليه سنوات، والأمر يتعلق بأعراض ناس. واستخرت وفكرت كثيراً وما زلت متردداً. هل أخبر صاحبي بأني كذبت عليه حتى أثبت له براءة هؤلاء النساء مما قلته، وفي هذه الحالة قد أخسر صديقي الوحيد إذا رأى أنني كذبت عليه، أو أسكت ولا أتكلّم؟ ولكن أخشى عقوبة الله على هذه المعصية فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك، ويستر عيبك، ويجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن، أما مسألتك فيتضح الجواب عنها ببيان الأمور التالية:
أولا: يظهر من سؤالك أن من قذفتها بعمل الحرام معها هي امرأة معينة، تعرفها أنت ويعرفها ابن عمك، فإن كانت امرأة معينة معروفة، فهذا قذف منك لها، وهو من الكبائر المحرمة، والذنوب القبيحة، إذ إنه طعن في الأعراض، وانتهاك لما حرم الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري برقم 2615، ومسلم برقم 89
وكما أنه قذف لتلك المرأة فهو إقرار على نفسك بالزنا، حتى وإن كنت كاذبا.
أما إن كانت المرأة غير معينة، أي إنك قلت: فعلت مع امرأة، وليست هذه المرأة معينة، فهذا لا يعتبر قذفا لأحد، لكنه إقرار على نفسك بالزنا تستوجب معه الحد، ويجب عليك أن تنفيه عن نفسك.
قال في بدائع الصنائع: " لو قال: زنيت بامرأة ولا أعرفها، صح إقراره ويحد " بدائع الصنائع 7/51
ثانيا: إذا كان تلك المرأة معينة، وقد تبت وندمت على ما فعلت فإن توبتك أن تكذب نفسك، فيلزمك أن تخبر ابن عمك بأنك غير صادق فيما قلته، لأنه لا بد أن تبرئ ساحة تلك المرأة العفيفة، ولا يحل لك أبدا أن تقدم صداقة ابن عمك على هتك عرض مسلمة.
قال ابن قدامة في "المغني":
ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ إكْذَابُ نَفْسِهِ , فَيَقُولُ: كَذَبْت فِيمَا قُلْت. وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءٌ , وَطَاوُسٌ , وَالشَّعْبِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو عُبَيْدٍ , وَأَبُو ثَوْرٍ اهـ باختصار.
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (5/77) عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: تَوْبَتُهُ (يعني من اتهم أحداً بالزنى) أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ.
ثالثا: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس) رواه الترمذي برقم 2414 وصححه الألباني، فهذا الحديث يدلك على أن ما تخافه من سوء العلاقة بينك وبين ابن عمك أمر هين، فإن من أطاع الله تعالى وأرضاه، فإن الله يكفيه الناس، فاحرص على علاقتك بربك أكثر من حرصك على علاقتك بابن عمك، واعلم أن هذا من الابتلاء الذي يختبرك الله به، فاقدم على الحق، وتوكل على الله، ولا تخش فيه لومة لائم، وأكثر من الاستغفار والتوبة ودعاء الله عز وجل أن يوفقك لقول الحق، وأن يؤلف بينك وبين ابن عمك، فإن قلوب العباد بين أصعبين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/127)
هل للكافر غيبة؟ وهل الشكوى للنصيحة من الغيبة المحرمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمتُ قبل سنتين وعائلتي لا يساعدونني، وقد حصل أن طلبت والدتي أن تأخذ ابنتي وتأخذني لمستشفى الصحة النفسيَّة بسبب إسلامي، ولكنا تفهمت الآن والحمد لله، كنت أتحدث مع إحدى الأخوات وقلت لها كيف تعاملني والدتي، أصبحت صورتها الآن سيئة في نظر صديقتي، والدتي ليست مسلمة فهل يعتبر هذا من الغيبة؟ . أشعر بالندم على ما فعلت؛ لأنني أعلم بأنها لم تفهمني بسبب تأثير الصحافة الأمريكيَّة، أسأل الله أن يغفر لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله أن هداكِ للإسلام، ونسأله تعالى أن يهدي أسرتك، وأن يجمع بينكم على خير في الدنيا والآخرة.
وما يجده المسلم من أذى من الناس بعد اختياره طريق الإسلام شيء طبيعي، بل الأنبياء أنفسهم تعرضوا لهذا فاتهموا في أعراضهم وعقولهم، قال الله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} الذاريات / 52.
والغيبة هي ذِكر الآخرين بما يكرهون، وهي جائزة في بعض المواضع ومنها طلب النصيحة ممن يبذلها ومنها أن يشتكي الإنسان ممن ظلمه، قال الله تعالى: (لا يحب الله بالجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) النساء / 148.
قال مجاهد في معنى الآية: أن يُخبر المظلوم بظلم من ظلمه. الآداب الشرعية لابن مفلح (1 / 246)
والظاهر من فعلكِ وحديثكِ عن معاملة والدتكِ لك إنما هو لطلب النصح من صاحبتكِ وليس لمجرد الذم والتشهير، وهذا لا بأس به، وهو من أبواب الغيبة المباحة لاسيما وقد وقع عليم شيء من الظلم.
ودليل ما سبق:
ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند - امرأة أبي سفيان - للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح - (أي: بخيل) -، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال: " اذهب فاصبر " فأتاه مرتين أو ثلاثاً فقال: " اذهب فاطرح متاعك في الطريق " فطرح متاعه في الطريق فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه ".
رواه أبو داود (5153) .
فليس عليكِ شيء تجاه ما قلتيه في حق والدتك، ولا عليكِ من تأثير الصحافة الأمريكية عليها وعلى غيرها فبحُسن المعاملة وحُسن عرض الإسلام يمكن أن تكون النتائج أفضل.
وللمزيد حول الغيبة وما يتعلق بها من أحكام يمكن الاستزادة بالنظر في أجوبة الأسئلة (9784) و (7660) و (23328) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/128)
ما حد الغيبة وما حكمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حد الغيبة وما حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغيبة هي أن يذكر الإنسان عيب أخيه المسلم في غيبته بما يكرهه لو بلغه من غير حاجة لذلك.
فقولي: أن يذكر عيب أخيه. هذا يخرج الحديث عن الغير بالمدح والثناء.
وقولي: المسلم: يخرج بذلك الكافر فلا غيبة له.
وقولي: في غيبته. أخرج بذلك الحاضر فالحديث عنه لا يسمى غيبة في أصح قولي العلماء.
وقولي: بما يكرهه لو بلغه. خرج بذلك ما رضي به.
وقولي: من غير حاجة لذلك. خرج بذلك ما كان لمصلحة شرعية كالتحذير من المبتدع لتتقى بدعته.
ويجب في ذلك مراعاة أمور:
الأول: الإخلاص لله تعالى وإرادة وجهه.
الثاني: مراعاة المصلحة في ذلك.
الثالث: أن يكون الحديث مقصوراً على موضع الزلل دون تجاوزه إلى غيره بدون فائدة.
وقد اتفق العلماء على تحريم الغيبة بدون مصلحة وجزم أكثرهم على أنها من الكبائر وهي مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض فمن اغتاب عالماً ليس كمن اغتاب جاهلاً قال تعالى { ... وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات/12.
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال [ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهَتَّه) .
وروى أبو داود في سننه من طريق نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق) .
وقال صلى الله عليه وسلم (إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه) متفق عليه من حديث أبي بكرة.
ومن أقبح أمور الغيبة وأشدّها حرمة تنقُّص المسلم واحتقاره وازدراؤه وبذل الجهد في إهانته وإسقاط حرمته والنيل من عرضه. فهذا الخلق الذميم والداء العظيم كبيرة من كبائر الذنوب وصاحبه معرض للوعيد والبطش الشديد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان(7/129)
الغيبة وكفارتها
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما حكم اتهام شخص بأنه لا يستطيع أن يتحكم بلسانه؟
2- هل يجب أن أخبرهم بما قالوا عنهم ومن الذي قال؟
هذا الأمر وقع وبدلاً من أن يتم إخبار الشخص عما قيل عنه ومن قاله، قالوا له بأن من نقل له الكلام هو الذي لا يتحكم بلسانه، ولم يقولوا له أكثر من ذلك.
3- كيف يتم اتهام شخص بشيء ربما لم يقله بدون إخباره؟
ربما يكون الشخص بريئاً وقد ساءت سمعته الآن، أرجو أن تخبرني بجميع الأحكام الإسلامية المتعلقة بهذا الشأن لكي أوقف القذف والإفتراء والغيبة التي وقعت على الشخص الذي اتهموه بأنه لا يتحكم بلسانه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم حفظ لسانه عما نُهيَ عنه، ومن هذه المنهيَّات والتي تساهل الناس في الوقوع فيها كثيراً الغيبة والبهتان والنميمة.
والغِيبة: هي ذكر المسلم في غيبته بما فيه مما يكره نشره وذِكره، والبهتان: ذِكر المسلم بما ليس فيه وهو الكذب في القول عليه، والنميمة: هي نقل الكلام من طرف لآخر للإيقاع بينهما.
والأدلة في تحريم هذه الأفعال كثيرة، نكتفي بذكرِ شيءٍ يسير فقط لوضوح تحريمها:
قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} الحجرات / 12.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذِكرُك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه. رواه مسلم (2589) .
عن ابن عباس قال: مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم على قبرين فقال: أما إنَّهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، قال: فدعا بعسيبٍ رطْبٍ فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا. رواه البخاري (213) ومسلم (292) .
ثانياً:
وقول القائل عن غيره " لا يستطيع التحكم بلسانه " هو لا شك مما يكرهه صاحبه، فإن كان صحيحاً فهي غيبة وإلا فهي بهتان.
فعلى كل من وقع منه الغيبة أو البهتان أو النميمة أن يتوب ويستغفر فيما بينه وبين الله، فإن علِم أنه قد بلَغ الكلامُ للمُتكلَّم عليه فليذهب إليه وليتحلل منه، فإن لم يعلم فلا يُبلغه بل يستغفر له ويدعو له ويثني عليه كما تكلم فيه في غيبته. وكذا لو علم أنه لو أخبره ستزيد العداوة، فإنه يكتفي بالدعاء والثناء عليه والاستغفار له.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ".
رواه البخاري (2317) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومَن ظلم إنساناً فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبِل الله توبته، لكن إن عرف المظلومُ مكَّنه من أخذ حقه، وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد: أصحهما أنه لا يعلمه أني اغتبتك، وقد قيل: بل يحسن إليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته؛ كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته.
" مجموع الفتاوى " (3 / 291) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/130)
هل ذِكْرعيوب الخادمة في مجمع من النساء يُعتبر غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تجتمع عشر نساء وكل واحدة تشتكي من خادمتها في أمر معين، فهل هذا غيبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
هذا من الغيبة إذ لا فائدة من الشكوى عند النساء، وعليها أن تؤدِّب الخادمة وتعلِّمها.
وإن كانت تريد استشارة أهل المعرفة (إن كان بينهن صاحبة تجربة ومعرفة) عن كيفية التعامل أو التأديب أو التعليم المفيد لهذه الخادمة فلا بأس من بيان علتها (لوجود الحاجة) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(7/131)
هل من الغيبة شكوى أقاربها إلى زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث الأم مع ابنها عن ابنها الآخر أو بنتها، وكلام الزوجة مع زوجها عن أخيها، وكلام الأخ لأخيه عن أخيهما الثالث، هل هذا غيبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغيبة خلق ذميم نهانا الله ورسوله عنه، قال تعالى: (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات / 12، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه " رواه مسلم برقم 4650 والترمذي برقم 1850، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " رواه أبو داود برقم 4253.
وأما معنى الغيبة، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته " رواه مسلم برقم 4690 والترمذي برقم 1857. فالغيبة أن تذكر أخاك في غيابه بشيء يكره أن يقال عنه، بقصد السخرية منه والاستهزاء به.
أما إن كان ذكرك له في غيابه عند من يقدر أن ينصحه لينصحه، والاستعانة بمن يرجى منه التأثير عليه لتغيير منكر وقع فيه أو خطأ، ولكي يعود إلى الصواب فهذا ليس بغيبة، مثل أن تتكلم الزوجة مع زوجها أو مع ابنها عن ابنها الآخر كي ينصحه فهذا ليس بغيبة.
وكذلك إن كان حديثك عن أخيك أو غيره لوليه - أو القادر على ردعه عن ظلم - بقصد الشكاية وطلب النصرة، أو أنه أخذ شيئا منك بغير وجه حق فتريد أن تطالب بحقك من ولي من أخذ حقك، كأن يشكو الرجل أخاه إلى أبيه إن كان أساء إليه أو أخذ حقا من حقوقه لينصفه منه، وكذلك التظلم للسلطان أو القاضي: فهذا ليس بغيبة.
يقول النووي رحمه الله في شرح شرح صحيح مسلم: " لَكِنْ تُبَاح الْغِيبَة لِغَرَضٍ شَرْعِيّ , وَذَلِكَ لِسِتَّةِ أَسْبَاب: أَحَدهَا التَّظَلُّم ; فَيَجُوز لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَظَلَّم إِلَى السُّلْطَان وَالْقَاضِي وَغَيْرهمَا مِمَّنْ لَهُ وِلايَة أَوْ قُدْرَة عَلَى إِنْصَافه مِنْ ظَالِمه , فَيَقُول: ظَلَمَنِي فُلان , أَوْ فَعَلَ بِي كَذَا. الثَّانِي الاسْتِغَاثَة عَلَى تَغْيِير الْمُنْكَر , وَرَدّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَاب , فَيَقُول لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَته: فُلان يَعْمَل كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْو ذَلِكَ. الثَّالِث الاسْتِفْتَاء بِأَنْ يَقُول لِلْمُفْتِي: ظَلَمَنِي فُلان أَوْ أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ زَوْجِي بِكَذَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَمَا طَرِيقِي فِي الْخَلَاص مِنْهُ وَدَفْع ظُلْمه عَنِّي؟ وَنَحْو ذَلِكَ , فَهَذَا جَائِز لِلْحَاجَةِ , وَالأَجْوَد أَنْ يَقُول فِي رَجُل أَوْ زَوْج أَوْ وَالِد وَوَلَد: كَانَ مِنْ أَمْره كَذَا , وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِين جَائِز لِحَدِيثِ هِنْد وَقَوْلهَا: إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل شَحِيح. الرَّابِع تَحْذِير الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشَّرّ , وَذَلِكَ مِنْ وُجُوه: مِنْهَا جَرْح الْمَجْرُوحِينَ مِنْ الرُّوَاة , وَالشُّهُود , وَالْمُصَنِّفِينَ , وَذَلِكَ جَائِز بِالإِجْمَاعِ , بَلْ وَاجِب صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ , وَمِنْهَا الإِخْبَار بِعَيْبِهِ عِنْد الْمُشَاوَرَة فِي مُوَاصَلَته , وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْت مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا سَارِقًا أَوْ زَانِيًا أَوْ شَارِبًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ تَذْكُرهُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَعْلَمهُ نَصِيحَة , لا بِقَصْدِ الإِيذَاء وَالإِفْسَاد , وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْت مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّد إِلَى فَاسِق أَوْ مُبْتَدِع يَأْخُذ عَنْهُ عِلْمًا , وَخِفْت عَلَيْهِ ضَرَره , فَعَلَيْك نَصِيحَته بِبَيَانِ حَاله قَاصِدًا النَّصِيحَة , وَمِنْهَا أَنْ يَكُون لَهُ وِلايَة لا يَقُوم بِهَا عَلَى وَجْههَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّته أَوْ لِفِسْقِهِ , فَيَذْكُرهُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلايَة لِيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى حَاله , فَلا يَغْتَرّ بِهِ , وَيَلْزَم الاسْتِقَامَة. الْخَامِس أَنْ يَكُون مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَته كَالْخَمْرِ وَمُصَادَرَة النَّاس وَجِبَايَة الْمُكُوس وَتَوَلِّي الأُمُور الْبَاطِلَة فَيَجُوز ذِكْره بِمَا يُجَاهِر بِهِ , وَلا يَجُوز بِغَيْرِهِ إِلا بِسَبَبٍ آخَر. السَّادِس التَّعْرِيف فَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ كَالأَعْمَشِ وَالأَعْرَج وَالأَزْرَق وَالْقَصِير وَالأَعْمَى وَالأَقْطَع وَنَحْوهَا جَازَ تَعْرِيفه بِهِ , وَيَحْرُم ذِكره بِهِ تَنَقُّصًا وَلَوْ أَمْكَنَ التَّعْرِيف بِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى. وَاَللَّه أَعْلَم ".
أما إن كان الكلام لا فائدة منه أو يقصد منه السخرية والاستهزاء أو التشهير فهذه غيبة لا تجوز، والله تعالى أعلم..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/132)
حكم ذمّ بعض الأشخاص على شبكة الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من XXXX وعمري 22 سنة بقي الإسلام حياً في الاتحاد السوفيتي سابقاً لكن الكثير من المسلمين لا يعرفون دينهم. وهناك بعض المواقع على الإنترنت باللغة الروسية وتستضيف مناقشات لمستخدمي الشبكة وأحياناً يقول أحد المشتركين أشياء غير صحيحة في الإسلام بسبب نقص معرفته وأخي في XXXX يستخدم هذه المناقشات فطلب مني أن أسألكم سؤالاً:
هناك مناقشات تتم على الشبكة ويقوم البعض بانتقاد آراء الآخرين وربما يصل الأمر إلى انتقاد الشخص وعقيدته وربما يكون الشخص الآخر غير موجود أثناء المناقشة وفي بلادنا استخدام الشبكة قليل فربما لا يعود المرء لاستخدام المناقشة مرة ثانية ويبقى الانتقاد يعرفه الآخرون.
فهل هذا النقد نميمة أو غيبة؟ لأن الشخص الآخر لا يعرف ما يقال عنه.
وإذا كانت غيبة فسوف أتوب وأطلب من المسلمين أن يعفو عني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغيبة ذِكرك أخاك المسلم بما يكره ممَّا فيه من العيوب وهي محرَّمة بأي وسيلةٍ كانت، وعلى أيِّ شكلٍ حصلت، وهي محرَّمة بإجماع المسلمين، وانتقاد الأشخاص إذا كان الهدف منه عَيْبُه فهو غِيبة وهو من الجهر بالسوء الذي لا يحبُّه الله، وإذا كان القصدُ التنفير من فعله السيء والمحرّم شرعا، وحمله على تركِه، أو محاربة بدعته وتحذير الناس منها أو كشف باطل قاله على الملأ في ساحات الحوار أو مجموعات الأخبار على شبكة الإنترنت أو غيرها فهذا جائز وليس غيبة محرمة بل هو قربة إلى الله أو واجب لمن قدِر على ذلك، وقد ذمَّ السلف المبتدعة وتكلَّموا في الرواة نصيحةً لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، فالمهم النظر في القصد والنية. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/133)
هل يجب التحلل ممن اغتابه الإنسان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على من اغتاب مسلماً وأراد أن يتوب إلى الله أن يتحلل ممن اغتابه أو هل يذكر له ما قاله فيه من وراء ظهره، وإذا رأى أن ذكره لما تكلم به في حقه قد يؤدي إلى غضبه ونفوره، فهل يجب عليه والحالة هذه أن يذكر له ذلك، أم يكتفي بأن يتحلل منه دون ذكر ما قال فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الراجح - والله أعلم - أنه لا يعلمه بأنه قد اغتابه إذا لم يعلم، بل يكفيه أن يستغفر من ذنبه، وأن يستغفر لأخيه في مقابل ما حصل منه من غيبه وإيذاء له.
وهذه أقوال العلماء في ذلك:
قال النووي رحمه الله في كتابه (الأذكار 2/845 باب كفارة الغيبة والتوبة منها) :
اعلم أن كل من ارتكب معصية لزمه المبادرة إلى التوبة منها، والتوبة من حقوق الله تعالى يشترط فيها ثلاثة أشياء:
أن يقلع عن المعصية في الحال.
وأن يندم على فعلها.
وأن يعزم ألا يعود إليها.
والتوبة من حقوق الآدميين يشترط فيها هذه الثلاثة ورابع وهو: رد الظلامة إلى صاحبها، أو طلب عفوه عنها، والإبراء منها.
فيجب على المغتاب التوبة بهذه الأمور الأربعة، لأن الغيبة حق آدمي، ولابد من استحلال من اغتابه.
وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتك فاجعلني في حل، أم لابد أن يبين ما اغتابه فيه؟
فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله:
أحدهما: يشترط بيانه، فإن أبرأه من غير بيانه، لم يصح كما لو أبرأه عن مال مجهول.
والثاني: لا يشترط، لأن هذا مما يتسامح فيه، فلا يشترط علمه، بخلاف المال.
والأول أظهر، لأن الإنسان قد يسمح بالعفو عن غيبة دون غيبة.
فإن كان صاحب الغيبة ميتاً أو غائباً، فقد تعذر تحصيل البراءة منها، لكن قال العلماء: ينبغي أن يكثر الاستغفار له، والدعاء، ويكثر من الحسنات.
واعلم أنه يستحب لصاحب الغيبة أن يبرئه منها، ولا يجب عليه ذلك لأنه تبرع وإسقاط حق، فكان إلى خيرته، ولكن يستحب له استحباباً متأكداً الإبراء، ليخلص أخاه المسلم من وبال المعصية، ويفوز هو بعظيم ثواب الله تعالى ومحبة الله سبحانه وتعالى. انتهى وهو قول الشافعي
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/92) : وقيل إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه، وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول الأكثرين.
وذكر غير واحد: إن تاب من قذف إنسان أو غيبة قبل علمه به هل يشترط لتوبته إعلامه والتحلل منه؟ على روايتين.
واختار القاضي أنه لا يلزمه لما روى أبو محمد الخلال بإسناده عن أنس مرفوعاً: (من اغتاب رجلاً ثم استغفر له من بعد غفر له غيبته) وبإسناده عن أنس مرفوعاً: (كفارة من اغتيب أن تستغفر له) والحديثان لا يصحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن في إعلامه إدخال غم عليه. قال القاضي: فلم يجز ذلك، وكذا قال الشيخ عبد القادر.
وقال ابن عبد البر في كتاب (بهجة المجالس) : قال حذيفة رضي الله عنه: كفارة من اغتبته أن تستغفر له. وقال عبد الله بن المبارك لسفيان بين عيينة: التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته، فقال سفيان: بل تستغفر مما قلت فيه، فقال ابن المبارك: لا تؤذوه مرتين. ومثل قول ابن المبارك اختاره الشيخ تقي الدين بن الصلاح الشافعي في (فتاويه) .
وقال الشيخ تقي الدين بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة قال: فكل مظلمة في العِرض من اغتياب صادق، وبهت كاذب فهو في معنى القذف، إذ القذف قد يكون صادقاً فيكون في المغيب غيبة، وقد يكون كذباً فيكون بهتاً.
واختار أصحابنا أنه لا يعلمه بل يدعو له دعاء يكون إحساناً إليه في مقابل مظلمته كما روي في الأثر. انتهى
ولا يخفى قوة ما اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله لما في إعلامه من إيذائه مرتين، ومن خوف حدوث خصام أو نفرة أو تقاطع أو تهاجر بينهما، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل /محمد المحمود النجدي ص 61(7/134)
هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد المنتديات وضعت إحداهن موضوعا عن البدع، ولكن كان فيه أحاديث ضعيفة وصحيحة الإسناد، وهي عن المسبحة، وكانت كالآتي: لم يثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استخدمها، ولم يستخدم الحجر، ولم يستخدم النّوى كما يُدّعى في الحديث الضّعيف أنّه أقرّ جويرية على ذلك، هذا غير صحيح، لم يقرّها على استخدام النّوى. التسبيح بالمسبحة جائز، وما ورد فيها من أحاديث العدّ بالنوى والحصى كاف في الدلالة على أصل مشروعيتها، لصلاحية تلك الأحاديث من حيث الصنعة الحديثية للاستدلال، منها حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء ... ، والحديث صححه ابن حبان والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وخرجه أبو داود رقم 1500، والترمذي حديث رقم 3568، وقال: حديث حسن. السؤال هنا: كيف نفهم التناقض هنا؟ وهل الحديث حسن أم ضعيف؟ وكيف يكون حديث حسن ويقابله حديث ضعيف؟ وجزاكم الله خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث الوارد فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين على عد التسبيح على النوى حديثان:
الحديث الأول:
عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ، فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي. فَقَالَ: قُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ) رواه الترمذي (3554) بسند ضعيف، فيه: هاشم بن سعيد الكوفي، قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
"تهذيب التهذيب" (11/17) .
ولذلك قال الترمذي بعد روايته له:
"هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف" انتهى.
وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي وقال عنه: منكر.
ورواه الطبراني في "الدعاء" (ص/494) وفي سنده: يزيد بن متعب مولى صفية.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
"يزيد لم يوجد له ترجمة" انتهى.
"السبحة" (ص/18) .
ومع ذلك فقد صحح هذا الحديث علي القاري في "مرقاة المصابيح" فقال: "وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة، بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به، ولا يعتد بقول من عدها بدعة" انتهى. نقله عنه في "تحفة الأحوذي".
وقد حسنه الحافظ ابن حجر أيضاً، وذكر طريقاً أخرى عند الطبراني في "الدعاء"، والظاهر من صنيعه أنه حسنه بمجموع طرقه.
نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (1/245) .
الحديث الثاني:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى - أَوْ قَالَ حَصًى - تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ) .
قوله: (دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى) لم يبين في شيء من طرق الحديث من هي؟ فيحتمل أنها صفية رضي الله عنها كما في الحديث الأول، ويحتمل أنها جويرية رضي الله عنها، وحديثها في صحيح مسلم، ولكن ليس فيه ذكر للنوى أو الحصى.
انظر: "الفتوحات الربانية" (1/244) .
وهذا الحديث رواه الترمذي (3568) وأبو داود (1500) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها. وروي أيضا بإسقاط خزيمة.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" خزيمة هذا مجهول، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": خزيمة، لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال، وكذا قال الحافظ في " التقريب ": إنه لا يعرف، وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل " لابن حزم (2 / 95) ، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا، ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال، فلا يخلو هذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع، فأنَّى للحديث الصحة أو الحسن؟! " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (83) .
ومع هذا، فقد صححه الحافظ ابن حجر، فقال: "حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح، إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر، وصححه الحاكم" انتهى.
"الفتوحات الربانية" (1/244) .
وقال عنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/360) :
"إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما" انتهى.
وقد ضعف هذين الحديثين الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، فقال:
"وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، في ثبوت كل منهما نظر" انتهى.
"السبحة تاريخها وحكمها" ص 16.
ثانيا:
قد يختلف العلماء في حكم حديث معين، هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف؟ كما قد يختلفون في فهم الحديث والاستنباط منه، فتتنوع المذاهب الفقهية بحسب تنوع الاجتهادات.
قال المعلمي رحمه الله:
"يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه" انتهى.
"الأنوار الكاشفة" (ص/52) .
وعلى المسلم في هذه الحالة ـ إن كان أهلاً للبحث والتحقيق ـ أن يفعل ذلك، حتى يصل إلى الحكم على الحديث بنفسه.
فإن كان لا يستطيع ذلك، فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه عن حكم الحديث، ثم يفعل ما يفتيه به.
وإذا ظهر أن المسألة من المسائل الاجتهادية، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للاضطراب أو التنازع، فإن الله تعالى قضى أن يخلق الناس متفاوتين في العلوم والأفهام، وما دام الاختلاف لا يتعلق بثوابت الدين ومحكماته فالأمر يسير إن شاء الله تعالى.
ولمعرفة موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها. راجع جواب السؤال رقم (70455) .
ثالثا:
أما حكم استعمال السبحة؛ فقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكمها في جواب السؤال رقم (3009) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/135)
هذا الذكر يفضل ذكر الليل مع النهار
[السُّؤَالُ]
ـ[عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أحرك شفتي فقال لي: (بأي شيء تحرك شفيتك يا أبا أمامة؟) فقلت: أذكر الله يا رسول الله. فقال: (ألا أخبرك بأفضل أو أكثر من ذكرك الليل مع النهار، والنهار مع الليل؟ أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في السماء والأرض، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء كل شيء، وتقول: الحمد الله، مثل ذلك) هل هذا الحديث صحيح أم مكذوب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد هذا الحديث من طرق عدة عن الصحابي الجليل أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه، فقال:
ماذا تقول يا أبا أمامة؟
قال: أذكر ربي.
قال: ألا أخبرك ... ، فذكر الحديث.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" هذا الحديث من رواية أبي أمامة الباهلي: صدي بن عجلان مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله عنه طرق ... ".
ثم ذكر الشيخ طرقه، وقال عن رواية الحاكم لبعض طرقه: " وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا ".
ينظر: " السلسلة الصحيحة " (رقم/2578) ، ونص على تصحيح الحديث ـ أيضا ـ في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (1575) .
وقد حسن الحديث الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/84) ، وقال الهيثمي في المجمع (10/110) : "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح"، وصححه محققو مسند أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة (36/459-460) وتوسعوا في تخريجه.
ثانيا:
أما ما يستفاد من الحديث، فأهمه فضيلة هذا الذكر الخاص، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مَن أتى به نال الأجر العظيم الذي يفضل أكثر الأذكار.
ولذلك بوب الحافظ ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه عندما أخرج الحديث (1/370) بقوله:
" باب فضل التحميد والتسبيح والتكبير بوصف العدد الكثير من خلق الله أو غير خلقه " انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله:
" تفضيل سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته: على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة، فإن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه) من معرفته وتنزيهه وتعظيمه، من هذا القدر المذكور من العدد، أعظم مما يقوم بقلب القائل سبحان الله فقط. وهذا يسمى الذكر المضاعف، وهو أعظم ثناءً من الذكر المفرد، فلهذا كان أفضل منه.
وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه:
فإن قول المسبح سبحان الله وبحمده عدد خلقه يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما لا نهاية له، فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم الذي لا يبلغه العادون ولا يحصيه المحصون، وتضمن إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه، لا أن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده، بل أخبر أن ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيح يبلغ هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره، فإن تجدد المخلوقات لا ينتهي عددا ولا يحصيه الحاصر ...
والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجلال ما يوجب أن يكون أفضل من غيره، وأنه لو وزن غيره به لوزنه وزاد عليه، وهذا بعض ما في هذه الكلمات من المعرفة بالله والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم، مع اقترانه بالحمد المتضمن لثلاثة أصول: أحدها: إثبات صفات الكمال له سبحانه والثناء عليه.
الثاني: محبته والرضا به.
الثالث: فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه، وأعظمها قدرا، وأكثرها عددا، وأجزلها وَصفا، واستحضر العبد ذلك عند التسبيح، وقام بقلبه معناه، كان له من المزية والفضل ما ليس لغيره، وبالله التوفيق " انتهى باختصار.
" المنار المنيف " (34-38)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/136)
حكم تنبيه الناس بقول: "اذكروا الله" أو: "صلوا على النبي"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إسكات الناس وهم يتحدثون بقول التالي: يا ناس اذكروا الله، أو صلوا على نبيكم؟ مثلاً: لدينا - بحكم أننا في بعض عادات القبائل - أنه إذا أراد أن يعزم أحد الضيوف والناس لا يزالون يتكلمون فيما بينهم فيقول: يا جماعة صلوا على النبي، أو اذكروا الله، ثم يسكت الجميع، ثم يبدأ فيما أراد الحديث عنه. سمعت أحد الخطباء في يوم الجمعة يقول: إنه لا يجوز إسكات الناس بقولك صلوا على النبي، ولا يجوز استخدام هذا اللفظ في إسكات الناس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يظهر أن هناك حرجا من تنبيه الناس بقولنا: اذكروا الله، أو صلوا على النبي، صلى الله عليه وسلم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
بعض العلماء عندنا عندما يريد أن يلقي كلمة أو موعظة من حين لآخر يقف ويقول: صلوا على رسول الله. ثم يتحدث قليلاً، ثم يقول لهم بعد ذلك: صلوا على رسول الله.
هل هذا وارد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب:
الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخطب والمواعظ أنه يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ولا حرج أن يصلى الإنسان على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فيتشهد ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: أما بعد. ويبدأ في موضوع الخطبة.
لكن بعض الخطباء إذا رأى من الناس غفلة، فمنهم من يقول: قولوا: لا إله إلا الله، أو: اذكروا الله، ومنهم من يقول: صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وينوي بذلك أن ينبه الناس، ومنهم من يقول: انتبه استمع، وما أشبه ذلك.
فالذي يظهر لي أن هؤلاء الذين يقولونها في أثناء الخطبة هم لا يريدون بهذا التعبد لله تعالى بذلك، وإنما يريدون بذلك تنبيه الموعوظين والمخطوب فيهم.
ومثل هذا لا أرى فيه بأساً إن شاء الله " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى متفرقات / الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/137)
الذكر المشروع عند لبس الثوب الجديد أو القديم
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو عند لبس الثياب، فهل يدعو الشخص عند كل قطعة يلبسها أم يكفيه الدعاء مرة واحدة للملبوس كافة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأحاديث الواردة في الذكر المستحب عند لبس الثوب على نوعين:
النوع الأول: أحاديث تخصص الذكر المستحب عند لبس الثوب الجديد:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ، إِمَّا قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً، ثُمَّ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ)
رواه أبو داود (رقم/4023) وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (2/345) ، والألباني في " صحيح أبي داود ".
النوع الثاني: أحاديث مطلقة، لم تقيد استحباب الذكر عند لبس الثوب " الجديد " فقط، بل عند لبس أي ثوب:
عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ)
رواه أبو داود (رقم/4023) ، صححه ابن حجر في " الخصال المكفرة " (74) ، والألباني في " صحيح أبي داود " دون لفظة: (وما تأخر) . وقد بوب البيهقي على الحديث في " شعب الإيمان " (8 / 307) بقوله: " فصل فيما يقول إذا لبس ثوبا " انتهى. هكذا مطلقا من غير تقييد بالجديد.
هذا وفي بعض الكتب التي تنقل الحديث إضافة قيد (ثوبا جديدا) والغالب أنها زيادة ليست من أصل هذا الحديث، فقد تم الرجوع إلى أكثر الكتب الأصلية التي أخرجته فلم يُذكر فيها هذا القيد.
ثانيا:
وبناء على هذا التنوع في الأحاديث فرق العلماء بين هذين الذكرين، فجعلوا الذكر الأول:
(اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ) عند لبس الثوب الجديد.
وجعلوا الذكر الثاني: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ) عند لبس أي ثوب، سواء كان قديما أم جديدا.
هذا ظاهر صنيع الإمام النووي رحمه الله في " الأذكار " (ص/20-21) .
وصرح بذلك في موطن آخر، فقال رحمه الله:
" السنة ... أن يقول إذا لبس ثوبا ... الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. وإذا لبس جديدا قال: اللهم أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له " انتهى.
" المجموع " (4/647) .
وبه أخذت بعض كتب الأذكار المعاصرة اليوم، ككتاب " حصن المسلم ".
وإن كان ظاهر صنيع بعض أهل العلم أن استحباب هذه الأذكار إنما يكون عند لبس الثياب الجديدة فقط.
ينظر: " سنن الدارمي" (2/378) ، ونحوه في " الوابل الصيب " (226) ، حيث قال:
"فصل في الذكر الذي يقوله أو يقال له إذا لبس ثوبا جديدا " وأيضا " كشاف القناع" (1/288) .
وأما السؤال عن تكرار هذا الذكر مع تعدد قطع الملابس التي يلبسها، فالأمر واسع إن شاء الله، وإن كان الأظهر ـ فيما يبدو لنا ـ أنه يقال مرة واحدة للملابس كلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/138)
هل هناك دعاء مخصوص يعين على الفهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء مخصوص لتعلم الدرس للطلبة الذين لا يتعلمون بسهولة، وقد نصحني أحدهم بقول هذا الدعاء: " اللهم افتح علينا حكمتك، وانشر علينا رحمتك، يا ذا الجلال والإكرام ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن يُعلم أن أهم ما يعين على الفهم أمران اثنان:
1-اتخاذ الأسباب الحقيقية للفهم، بالإنصات، والتركيز، والحفظ، والتفكير، والسؤال عما يشكل: وهذه أمور مهمة جدا، قد يصعب تطبيقها في بادئ الأمر، لكنها تصبح خير ما يعين على الفهم إذا تدرب عليها المتعلم واعتادها فأصبحت ملكة له.
2- صدق اللجوء إلى الله تعالى، وسؤاله الفهم والتعليم، فالعلم نور يقذفه الله في القلب، فإذا كان القلب بعيدا عن الله لم يكن مستعدا لاستقبال هذا النور، وأما القلب القريب من الله بالعبادة والمحبة والتوبة والاستغفار والإنابة: فهذا حري أن ينال الفتح من الله عز وجل.
وقد قرر ابن القيم في كتابه العظيم " إعلام الموقعين " مجموعة من الأمور التي تعين المفتي على الفهم وإدراك حقائق المسائل والنوازل، يمكن الاستعانة بها لكل طالب علم ومريد حق.
قال رحمه الله:
" ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي - لا العلمي - المجرد إلى مُلهم الصواب، ومُعلم الخير، وهادي القلوب: أن يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر من أمّل فضل ربه أن لا يحرمه إياه، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق، فعليه أن يوجه وجهه ويحدق نظره إلى منبع الهدى، ومعدن الصواب، ومطلع الرشد، وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة، فيستفرغ وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها، فإن ظفر بذلك أخبر به، وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله، فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد، ولا بد أن تضعفه.
وشهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة، والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللجإ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق لهذا الافتقار علما وحالا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد فقد أعطى حظه من التوفيق، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم " انتهى.
" إعلام الموقعين " (6/67-68) تحقيق مشهور حسن سلمان.
وقد نقل ابن عبد الهادي رحمه الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله:
" إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل.
قال: وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي " انتهى.
" العقود الدرية " (ص/6) .
ثانيا:
لم نقف على دعاء مخصوص مرفوع يسن لمن طلب الفهم أن يأتي به، وإنما هي أذكار مأثورة عن بعض السلف، أو تأول لبعض الأحاديث النبوية، وعمل بما فيها من الأدعية الصالحة، وإن لم يكن الدعاء مقيدا في السنة بهذه الحالة، لكن تأوله وذكره في مثل هذا المقام هو اجتهاد ممن فعله من السلف.
فمن أتى بمثل هذه الأذكار والأدعية السلفية، غير معتقد أنها ـ بخصوصها، وبخصوص هذه الحال ـ من السنة، أو أن لها فضيلة خاصة: فلا حرج عليه.
قال ابن القيم أيضا رحمه الله:
" حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) ، وكان شيخنا ـ يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية ـ كثير الدعاء بذلك، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول: يا معلم إبراهيم! علمني. ويكثر الاستعانة بذلك اقتداء بمعاذ بن جبل رضى الله عنه.
وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
وكان مكحول يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وكان مالك يقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكان بعضهم يقول: رب اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
وكان بعضهم يقول: اللهم وفقني، واهدني، وسددني، واجمع لي بين الصواب والثواب، واعذرني من الخطأ والحرمان.
وكان بعضهم يقرأ الفاتحة.
وجربنا نحن ذلك فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة.
والمعوَّل في ذلك كله على حسن النية، وخلوص القصد، وصدق التوجه ...
وسئل الإمام أحمد فقيل له: ربما اشتد علينا الأمر من جهتك فمن نسأل بعدك؟ فقال سلوا عبد الوهاب الوراق، فإنه أهل أن يوفق للصواب.
واقتدى الإمام أحمد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنهم تجلى لهم أمور صادقة.
وذلك لقرب قلوبهم من الله، وكلما قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء، وكان نور كشفه للحق أتم وأقوى، وكلما بعد عن الله كثرت عليه المعارضات، وضعف نور كشفه للصواب، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، يفرق به العبد بين الخطأ والصواب.
وقال مالك للشافعي رضي الله عنهما في أول ما لقيَه: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) ومن الفرقان النور الذي يفرق به العبد بين الحق والباطل، وكلما كان قلبه أقرب إلى الله كان فرقانه أتم، وبالله التوفيق " انتهى.
" إعلام الموقعين " (6/197-199)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/139)
هل يجب علي أن أذكر الله في كل مجلس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه الأحاديث الثلاثة: 1- (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة , ومن اضطجع مضجعاً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة) 2- (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه , ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة , فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) 3- (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) هل يعني هذا أني لا بد أن أذكر الله دائماً، وأصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم كلما تكلمت مع أي شخص، وأني لو لم أفعل أثمت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تدل هذه الأحاديث وغيرها على استحباب إعمار المجالس بذكر الله تعالى، وقضاء الأوقات في النافع المفيد، كما تدل على التحذير من الوقوع فيما يؤدي إلى الندم يوم القيامة، لا نعني الندم بسبب الوقوع في المعاصي، بل الندم بسبب عدم الاستكثار من الخير الذي يرفع الدرجات، ويبلغ بالمؤمن أعلى المقامات.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ)
رواه أبو داود (4856) وبوب عليه بقوله: باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله. وروى نحوه ابن حبان في " صحيحه " (3/133) وبوب عليه بقوله: ذكر استحباب الذكر لله جل وعلا في الأحوال، حَذَرَ أن يكون المواضع عليه ترة في القيامة.
وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/262) تحت باب: " الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه، ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ولفظ الترمذي للحديث: (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ)
رواه الترمذي في السنن (رقم/3380) وبوب عليه بقوله: باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله. وقال عقب الرواية: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى قوله: (ترة) : يعني حسرة وندامة " انتهى.
فقد استدل العلماء بهذه الأحاديث على كراهة أن تخلو المجالس من ذكر الله، وليس على تحريم ذلك، فالحسرة لا يلزم أن تكون بسبب ترك الواجبات، بل يمكن أن تقع بسبب ترك المستحبات التي ترفع إلى أعلى الدرجات، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات. كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (ص/135) .
وقوله في الحديث: (إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) يدل بظاهره على وجوب الذكر في كل مجلس، لأن العذاب والمغفرة لا يكون إلا عن ذنب، إما بترك واجب، وإما بفعل محرم. قال ابن علان رحمه الله:
" (فإن شاء عذبهم) جزاء ما قصروا في ذلك بتركها (وإن شاء غفر لهم) ذلك النقص. وهذا يقتضي وجوب وجود الذكر والصلاة على النبي في المجلس، لأنه رتب العذاب على ترك ذلك وهو آية الوجوب، ولم أر من ذكر عنه القول بوجوب ذلك في كل مجلس، والحديث يقتضيه " انتهى. دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (6/127) .
والذي حمل أهل العلم الحديث عليه هو كراهة إخلاء المجلس من ذكر الله تعالى.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" يكره لمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه، لحديث أبي هريرة ن رسول الله صلي الله عليه وسلم ... وذكر الحديث " انتهى.
" المجموع " (4/477-478) .
وأما المغفرة المذكورة فهي محمولة على ذنوب أخرى، أو على التشديد في ترك ذلك.
قال الملا علي القاري رحمه الله:
" (إن شاء عذبهم) أي: بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة.. قال الطيبى: قوله فإن شاء عذبهم، من باب التشديد والتغليظ، ويحتمل أن يصدر من أهل المجلس ما يوجب العقوبة ".
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/37) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/140)
هل ثبت أن من فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الراحة عند الموت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: (من أكثر من الصلاة عليّ سوف لا يجد السوء والأذى ساعة الاحتضار) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على ما يثبت أن من فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سهولة النزع عند الاحتضار، وقد جمع الحافظ السخاوي رحمه الله في كتابه " القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع " (ص/109-141) الفضائل الواردة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالطرق الصحيحة والضعيفة، وليس منها تخفيف النزع عند الموت.
وفضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، قال السخاوي رحمه الله:
"وهي – أي الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم – من أبرك الأعمال وأفضلها وأكثرها نفعا في الدين والدنيا وغير ذلك من الثواب المرغب للفطن الحريص على اقتناء ذخائر الأعمال واجتناء الثمرة من نضائر الآمال في العمل المشتمل على هذه الفضائل العظيمة والمناقب الكريمة والفوائد الجمة العميمة التي لا توجد في غيره من الأعمال ولا تعرف في سواه من الأفعال والأقوال، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا" انتهى.
"القول البديع" (ص/109) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/141)
ما حكم تنويم الأم لأولادها بأذكار شرعيَّة، أو آيات قرآنية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تستخدم بعض الأمهات أسماء الله في تنويم أطفالهم، مثل: " الله أكبر "، و " لا إله إلا الله "، فما حكم ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لو كان السؤال عن حكم استعمال ما فيه ذكرٌ لله تعالى في تنويم الأطفال لكان أدق؛ لأن "الله أكبر"، و "لا إله إلا الله" ليستا من أسماء الله الحسنى.
والذي يظهر لنا أنه لا مانع للأم أن تقرأ القرآن، أو تسبح، أو تهلل، وهي تهز طفلها لينام؛ لأمور، منها:
1. أن الاشتغال بذِكر الله، ورفع الصوت به: خيرٌ للأم إن هي احتسبت ذِكرها أنه عبادة تتقرب به لربها تعالى، ونرجو أن يكون خيراً للطفل في قابل الأيام، فهو وقت من حياتها تستثمره في زيادة حسناتها، وفي الوقت نفسه تستثمر ما في الذِّكر من أثر طيب في تنويم ولدها.
2. أن ذِكر الله تعالى خير مما تفعله كثير من الأمهات، من الغناء! أو الحديث مع نفسها! أثناء تنويم أولادها.
3. أنه صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كانَ يَذْكُرُ الله عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) رواه ومسلم (373) .
4. أنَّ ذِكر الله تعالى، وقراءة القرآن، من الأمور المشروع فعلها قبل النوم للكبار، وقد بوَّب البخاري رحمه الله على طائفة من الأحاديث بقوله: " باب التعوذ والقراءة عند المنام ".
وقد ذكرنا هذه المسألة بأحاديثها، وأقوال العلماء، في جواب السؤال رقم: (50010) .
فأي حرجٍ يوجد من أن يُختم للطفل يقظته بإسماعه ما فيه ذِكر الله؟! .
5. أنه نوع من الرقية، فإن الرقية مشروعة بأسماء الله تعالى وصفاته، وآيات القرآن، والأدعية النبوية.
لذلك كله: لا نرى مانعاً من أن تذكر الأم ربَّها تعالى، وترفع صوتها قليلاً، لينام طفلها على هذا الذِّكر، ونذكر الأمهات بضرورة احتساب النية في تلك الأذكار؛ حتى تحصل أجورها كاملة إن شاء الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/142)
الذكر بقولنا: (سبحان الله وبحمده عدد خلقة ... إلى آخره) غير محدد بوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[عن جويرية رضى الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات – ثلاث مرات – لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. هل هذا الذكر محدد بوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه مسلم (2727) وهو متضمن لذكر من الأذكار العظيمة التي علَّمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وأرشدها إليه، وذلك لِما اشتمل عليه من جوامع الكلم في الثناء البالغ على الله، وإحسان الشكر والاعتراف إليه.
والذي يبدو من سياق الحديث أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم به كان بعد صلاة الصبح، ولذلك بوَّب عليه النووي بقوله:
" باب التسبيح أول النهار " انتهى.
كما يبدو أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى به عقب صلاة الصبح، ولذلك بوب عليه البيهقي رحمه الله في " الدعوات الكبير " (1/72) بقوله:
" باب القول والدعاء والتسبيح في دبر الصلاة المكتوبة بعد السلام " انتهى.
وظاهر صنيع بعض العلماء أنهم يختارون أن هذا الذكر مطلق، يشرع للمسلم أن يقوله في أي وقت، ولا يقيد بأول النهار، ولعل السبب الحامل لهم على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه ما يدل على تقييده بوقت معين، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم قاله في أول النهار، لا يعني أنه لا يقال إلا في هذا الوقت.
ولذلك بوب عليه ابن خزيمة رحمه الله في " صحيحه " (1/370) بقوله:
"باب فضل التحميد والتسبيح والتكبير بوصف بالعدد الكثير من خلق الله أو غير خلقه" انتهى.
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه (3/114) بقوله:
"ذكر التسبيح الذي يعطي الله جل وعلا المرء به زنة السماوات ثوابا" انتهى.
وبوب عليه البيهقي في " شعب الإيمان " (2/50) بقوله:
"فصل في إدامة ذكر الله عز وجل" انتهى.
وذكره الشيخ ابن باز رحمه الله ضمن الأذكار التي يشرع للمسلم أن يقولها، ولم يقيده بوقت معين، فقال:
"وهكذا يستحب للمسلم أن يقول: سبحان الله العظيم وبحمده، عدد خلقه , سبحان الله رضى نفسه , سبحان الله زنة عرشه , سبحان الله مداد كلماته. ثلاث مرات. فلها شأن عظيم" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (11/212) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/143)
حكم زيادة (في الجنة) في الدعاء الذي بعد الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته في الجنة) . ما حكم هذه الزيادة: "في الجنة"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"زيادة "في الجنة" ما لها أصل وينتهي الدعاء بقول: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) .
ومن المناسب هنا أن نذكر أنه يستحب أيضاً عند الشهادتين أن يقول: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فإذا قال المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله" يقول المستمع مثله، ثم يقول عند ذلك: " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً" ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنه ورد في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم (أن من قال ذلك غفر له ذنبه) فيستحب أن يقال هذا عند الشهادتين" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/694، 695) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(7/144)
الأذكار التي تُقال بعد الفراغ من الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما هي الأذكار والأدعية التي تقال بعد صلاة الفريضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السنة أن يقول المسلم بعد كل فريضة سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً: (أستغفر الله) ثلاث مرات، (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ثم ينصرف إلى الناس إن كان إماماً ويستقبلهم بوجهه. ثم يقول هو وغيره من المأمومين وهكذا المنفرد: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) . ويقول بعد صلاة المغرب والفجر مع ما تقدم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير) عشر مرات. ثم بعد ذلك يقول: (سبحان الله والحمد لله، والله أكبر) ثلاثاً وثلاثين مرة، ويقول تمام المائة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) .
والسنة للإمام والمنفرد والمأموم الجهر بهذه الأذكار بعد كل صلاة فريضة جهراً متوسطاً، ليس فيه تكلف، وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
ولا يجوز أن يجهروا بصوت جماعي، بل كل واحد يذكر بنفسه من دون مراعاة لصوت غيره، لأن الذكر الجماعي بدعة، لا أصل لها في الشرع المطهر.
ثم يشرع أن يقرأ كل من الإمام والمأمومين والمنفرد (آية الكرسي) سراً، ثم يقرأ كل منهم: (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) سراً. وبعد المغرب والفجر يكرر: (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) ثلاث مرات. وهو الأفضل لصحة كل ما ذكرنا آنفاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين" انتهى.
الله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى الشيخ ابن باز" (11/188 - 190)(7/145)
حديث: (من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد شقي)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث؟ وما واجبنا تجاه مصيبة انتشار الأحاديث الموضوعة؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من ذُكِرتُ عنده فلم يصلّ عليّ فقد شقي) ما صحة هذا الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا الحديث يُروَى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد شقي) .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/162) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (380) من طريق عبد الرحمن بن مغراء، عن الفضل بن مبشر، عن جابر به.
وهذا إسناد ضعيف بسبب الفضل بن مبشر، ولذلك قال النووي رحمه الله في "الأذكار" (ص/155) : إسناده ضعيف. وضعفه السخاوي في "القول البديع" (ص/213) ، والهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/140) ، والشوكاني في "الفتح الرباني" (12/5842) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "هذا إسناد ضعيف؛ الفضل هذا قد اتفقوا على تضعيفه.
وأما ابن مغراء فمختلف فيه، وقد مشاه غير واحد في غير روايته عن الأعمش" انتهى باختصار.
"السلسلة الضعيفة" (5223) .
ويغني عن هذا الحديث في الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر، وذم من ترك ذلك ما رواه الإمام أحمد (1738) عن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيّ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5) .
وانظر جواب السؤال رقم: (128796) .
ثانياً:
أما واجبنا نحو الأحاديث الموضوعة، فالواجب على المسلم أن يتثبت في كل حديث يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تبين به أن صحيح حدث به، وإن تبين له أن ضعيف أو موضوع سكت عنه، إلا إذا بين للناس أنه ضعيف أو موضوع ليحذروا منه.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (34725) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/146)
قصة الفتاة التي انقلب لها الثعبان عقدا بسبب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الموضوع؟ رأيت موضوعا في أحد المنتديات. الموضوع هو: في إحدى البلدان كانت بنت تهوى الصلاة على محمد وآل محمد، بحيث لا تقوم أو تقعد أو تأكل أو ترفع شيئا أو تنزل شيئا إلا بالصلاة على محمد وآل محمد، فتزوجت هذه البنت من رجل غير ملتزم، وما أن مر على زواجهما وقت قصير حتى بدأ الزوج بالانزعاج من الزوجة لكثرة ذكرها للصلاة على محمد وآله، ففكر بالانفصال، ولكن قيده المؤخر الذي يدفعه حال الطلاق، فراح يفكر في التخلص منها وقتلها بطريقة يكون هو بعيدا عنها، فذهب إلى حديقة لبيع الحيوانات، فاشترى ثعبانين، وجاء ووضعهم في حقيبة الزوجة اليدوية، وهي معلقة في الشماعة، وأغلق عليهم، ثم انتظر لتذهب هي بنفسها، ولكن انتظر طويلا فلم تفتحها، فخاف موتهم، فقال لها: أتيت لك بمفاجأة وضعتها في شنطتك. فراحت وهي فرحه لترى المفاجأة، ففتحت الشنطة بالصلاة على محمد وآل محمد كعادتها، ومدت يدها، فإذا بها تخرج عقدين من الذهب، فجاءت لزوجها وهي لابسة للعقدين فراحت تشكره وتثني عليه على الهدية، فسكت هو متعجبا، قالت: ألم تحضرهم أنت؟ قال: بلى. ثم تحول ذاك الرجل إلى إنسان عابد بالصلاة على محمد وآل محمد. فأكثروا من ذكر الصلاة على محمد وآل محمد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعرف لهذه الحكاية أصلا في الكتب، ولا نجد لها إسنادا فيما يحكيه الناس، وإنما تتناقلها بعض المنتديات الخاصة بأهل البدع هكذا من غير ذكر مصدر له، لا قديم ولا حديث.
والذي يجب أن يختاره كل مسلم لنفسه هو طريق التثبت والتأكد، وانتهاج التدقيق في العلم الذي يروى ويحكى، فقد علمنا الله سبحانه وتعالى منهج التثبت في قوله: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36.
وهذه الحكاية – وإن كانت يقع مثلها في أبواب الكرامات للصالحين من أولياء الله – إلا أننا نستشعر فيها بخصوصها الكذب من قبل الروافض الذين تكثر بينهم الخرافات والأساطير، ويستحلون الكذب للدعوة إلى مذهبهم الباطل، ولا حاجة بنا إلى الخوض في تفاصيل القصة بما أنها لم تثبت أصلا، فضلا عن التنبيه على أن الثابت في الشريعة الإسلامية هو استحباب أذكار معينة عند النوم والاستيقاظ والأكل ودخول المسجد ونحو ذلك، فالمستحب هو الإتيان بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبات، وليس الاقتصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط كما يبدو من حال الفتاة في هذه القصة.
وانظر جواب السؤال رقم: (107775) .
وينظر في تحديد من هم آل البيت: جواب السؤال رقم: (10055) .
وينظر في بيان فضائلهم: جواب السؤال رقم: (121948) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/147)
هل قراءة القرآن بالعين قراءة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة القرآن بالعين يعتبر قراءة ويؤجر عليها؟ وهل يجوز لي ختم القرآن بهذه الطريقة؟ فأنا يحصل لي تدبر وفهم واستيعاب وتأثر أكبر عند القراءة بالعين ولا أستوعب إلا قليلاً جداً وأحياناً أبداً إذا قرأت بصوت أو بترتيل! فالمقصود من القرآن تدبره ... وهذه الحالة ليست فقط في قراءة القرآن بل حتى قراءة الكتب بل وفي الدراسة أيضا فأنا لا أستوعب المادة التي أدرسها إذا درستها بصوت ولكن يحصل عندي حفظ وفهم وتدبر أكثر عند الدراسة بدون صوت! فما توجيهك يا شيخ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة القرآن بالعين فقط دون تحريك اللسان لا تعتبر قراءة، ولا يثاب عليها ثواب القراءة، وإنما هي تدبر للقرآن ويؤجر عليها المسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" النَّاسَ فِي الذِّكْرِ أَرْبَعُ طَبَقَاتٍ: إحْدَاهَا: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ.
الثَّانِي: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَ عَجْزِ اللِّسَانِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ قُدْرَتِهِ فَتَرْكٌ لِلْأَفْضَلِ.
الثَّالِثُ: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَهُوَ كَوْنُ لِسَانِهِ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ.
الرَّابِعُ: عَدَمُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ حَالُ الْخَاسِرِينَ " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (10 / 566) .
فما تقومين به هو عمل صالح، والأكمل منه أن تجمعي بين القراءة باللسان، والتدبر بالقلب، ولا يشترط لذلك الجهر بالقراءة، بل يكفي تحريك اللسان، ولو كان ذلك بدون صوت، فاحرصي على ذلك حتى يكون ثوابك أعظم.
وينبغي التنبه إلى أن هذا التدبر لا يثاب عليه الإنسان ثواب القراءة، فما رتب من الثواب على القراءة فلابد فيه من تحريك اللسان، ولا يكون المسلم قد ختم القرآن قراءةً حتى يحرك لسانه بالقراءة، ولهذا اتفق العلماء على أنه يجب على المصلي أن يحرك لسانه بقراءة القرآن وبالأذكار الواجبة، فإن لم يفعل لم تصح صلاته.
قال في "مواهب الجليل" (1/317) :
" قَالَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَلَا يَجُوزُ إسْرَارٌ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ لِسَانٍ ; لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَقْرَأْ وَإِنَّمَا فَكَّرَ" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"يجب أن يحرك لسانه بالذكر والواجب في الصلاة من القراءة ونحوها مع القدرة" انتهى.
ولمزيد الفائدة راجعي جواب السؤال رقم: (70577) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/148)
هل تقول الأذكار بصيغة الجمع كاحفظنا وعافنا وتنوي دخول أهلها معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقول أذكار الصباح والمساء بصيغة الجمع وبنية أنها لي ولأهلي لأنهم لا يحفظونها ولا يحافظون عليها مثل: (اللهم احفظنا من بين أيدينا ... اللهم إنا نسألك العافية..اللهم أنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ... ) هل يعود نفعها لي ولهم؟ وهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي الإتيان بأذكار الصباح والمساء وغيرها من الأذكار بالصيغة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما ورد بصيغة الجمع كقوله: (اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) و (اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ) رواه الترمذي (3391) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 262، يقال بصيغة الجمع وإن كان المتكلم به مفرداً.
وما كان بصيغة الإفراد كقوله: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي) رواه ابن ماجه (3871) وأبو داود (5074) وصححه الألباني في صحيح أبو داود، فإنه يقال بصيغة الإفراد.
ومما يؤكد العناية بالألفاظ النبوية الواردة في الأذكار: ما روى البخاري (247) ومسلم (2710) أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّم البراء بن عازب رضي الله عنه ذكراً يقوله إذا أتى مضجعه، وفيه: (اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) قال البراء: (فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ. قَالَ: لَا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) .
قال الحافظ في الفتح: " وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَة فِي رَدّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ قَالَ الرَّسُول بَدَل النَّبِيّ أَنَّ أَلْفَاظ الْأَذْكَار تَوْقِيفِيَّة , وَلَهَا خَصَائِص وَأَسْرَار لَا يَدْخُلهَا الْقِيَاس , فَتَجِب الْمُحَافَظَة عَلَى اللَّفْظ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ , وَهَذَا اِخْتِيَار الْمَازِرِيّ قَالَ: فَيُقْتَصَر فِيهِ عَلَى اللَّفْظ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ. وَقَدْ يَتَعَلَّق الْجَزَاء بِتِلْكَ الْحُرُوف , وَلَعَلَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْكَلِمَات فَيَتَعَيَّن أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا " انتهى.
فينبغي أن تأتي بالأذكار على الصيغة النبوية الواردة، وأن تعلميها أهلك، وأن توفري لهم بعض الكتيبات الميسرة الجامعة لهذه الأذكار.
ولك أن تسألي الله تعالى لهم الحفظ والعافية في سجودك وغيره، سواء قلت: الله احفظهم وعافهم، أو قلت: اللهم احفظنا وعافنا، وتريدين بذلك نفسك وأهلك. هذا في الدعاء، وأما الأذكار فينبغي المحافظة على ألفاظها كما وردت.
والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع لا حرج على المسلم إذا نوى بها نفسه وأهله، بل ينوي المسلمين عموماً.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"فالفاتحة بصيغة الجمع؛ لأن الله علم بأنه سيقوم بهذه السورة من يكون إماماً ووراءه جماعة فلهذا نزلت بهذا اللفظ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة/5-6.
وإذا كان منفرداً فيمكن الإنسان أن ينوي في نفسه: اهدنا معشر الأمة الإسلامية الصراط المستقيم" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (84/11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/149)
حكم التسبيح باستعمال برنامج " المسبحة الإلكترونية "
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في المنتديات المسبحة الإلكترونية للتسبيح، وطريقتها سهلة، وهي تساعد على ذكر الله، وبصراحة فقد أعجبتني، وصرت هذه الأيام كلما فتحت الجهاز فتحت البرنامج، وقعدت أسبح، وأهلل، وأكون ملزمة نفسي، ولا أغلق الصفحة إلا حين أنتهي، وبدون ما أنظر: أنشغل، وأنسى، أنا أعرف أن التسبيح باليد أفضل، لكن أنا أكون مشغولة على " النت "، هذه عندي أفضل، وأردت أسال عن حكمها؛ لأني سمعت أنهم يقولون إنها من الصوفية , وأنا ما قصدت أقلدهم، أنا أذكر الله وفقط. أتمنى أعرف الحكم، الله يعافيك، علماً أني استفدت منها كثيراً، وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في حكم " السبحة "، فقال بعضهم إنها بدعة، وقال آخرون: إنها ليست كذلك، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (3009) .
والذي ينبغي ألا يختلف فيه:
1-أن التسبيح على الأصابع أفضل، لأن هذا هو الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وعدُّ التسبيح بالأصابع: سنَّة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء (سبِّحنَ واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسؤولات، مستنطَقات) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (22 / 506) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"ولكن الأفضل منها [يعني أفضل من السبحة] أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله - أي: بأصابعه -؛ لأنهن (مستنطقات) كما أرشد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (13 / 173) .
2- أن إظهار التسبيح بالسبحة رياءً: محرم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما اتخاذه – أي: التسبيح بالمسبحة - من غير حاجة، أو إظهاره للناس، مثل تعليقه في العنق، أو جعله كالسوار في اليد، أو نحو ذلك: فهذا إما رياء للناس، أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، الأول: محرم، والثاني: أقل أحواله الكراهة؛ فإن مراءاة الناس في العبادات المختصة، كالصلاة، والصيام، والذِّكر، وقراءة القرآن: من أعظم الذنوب.
" مجموع الفتاوى " (22 / 506) .
3- أن التسبيح بها بالأصابع مع غفلة القلب واللسان عن الذِّكر: تسبيح باطل، لا أجر لصاحبه.
قال المناوي رحمه الله:
أما ما ألفهُ الغَفَلَة البَطَلَة، من إمساك سُبحة، يغلب على حباتها الزينة، وغلو الثمن، ويمسكها من غير حضور في ذلك، ولا فِكر، ويتحدث، ويسمع الأخبار، ويحكيها وهو يحرك حباتها بيده، مع اشتغال قلبه ولسانه بالأمور الدنيوية: فهو مذموم، مكروه، من أقبح القبائح.
" فيض القدير " (4 / 468) .
وقال ابن الحاج العبدري رحمه الله:
وبعضهم يمسكها – أي: السبحة - في يده ظاهرة للناس، ينقلها واحدة واحدة، كأنه يعدُّ ما يذكر عليها، وهو يتكلم مع الناس في القيل والقال، وما جرى لفلان، وما جرى على فلان، ومعلوم أنه ليس له إلا لسان واحد، فعدُّه على السبحة على هذا: باطل؛ إذ إنه ليس له لسان آخر حتى يكون بهذا اللسان يذكر، واللسان الآخر يتكلم به فيما يختار، فلم يبق إلا أن يكون اتخاذها على هذه الصفة من الشهرة، والرياء، والبدعة.
" المدخل " (3 / 205) .
ثانياً:
اطلعنا على البرنامج المشار إليه في السؤال، والذي ظهر لنا أنه أهون من التسبيح على السبحة، فإذا قيل بأن السبحة جائزة فهذا البرنامج جائز، ولك لأن بعض المحذورات الموجودة في استعمال السبحة غير موجودة في هذا البرنامج، كمراءاة الناس بالسبحة، أو عد التسبيح باليد مع كون القلب واللسان مشغولين بأمور دنيوية والحديث مع الناس.
غير أننا ننبه على أمور:
1- أن الأذكار التي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تقييدها بعدد لا يشرع التزام عدد معين فيها، بل يذكر المسلم ربه ما شاء، قليلاً أو كثيراً.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"الأصل في الأذكار والعبادات: التوقيف، وألا يُعبد الله إلا بما شرع، وكذلك إطلاقها، أو توقيتها، وبيان كيفياتها، وتحديد عددها، فيما شرعه الله من الأذكار، والأدعية، وسائر العبادات مطلقاً عن التقييد بوقت، أو عدد، أو مكان، أو كيفية: لا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية، أو وقت، أو عدد، بل نعبده به مطلقاً كما ورد، وما ثبت بالأدلة القولية، أو العملية تقييده بوقت، أو عدد، أو تحديد مكان له، أو كيفية: عبدنا الله به، على ما ثبت من الشرع له" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" مجلة البحوث الإسلامية " (21 / 53) ، و " فتاوى إسلامية " (4 / 178) .
ولتنظر أجوبة الأسئلة: (22457) و (21902) .
2- في البرنامج أيقونة عنوانها " أسماء الله الحسنى "، وقد اعتمد واضعها على رواية الترمذي لعد الأسماء التسعة والتسعين، وهي رواية ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (72318) .
مع التنبيه على أنه لا يشرع أن يذكر الله تعالى باسمه المفرد، فلا يشرع أن يذكر الله قائلاً يا الله، يا الله، يا الله. أو: يا قدوس يا قدوس ... إلخ.
وانظر جواب السؤال رقم (9389) و (91305) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/150)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة صلاة النجاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من المباح تلاوة دعاء " طرود تنجينا " حيث إن نص الدعاء: " اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات، في الحياة وبعد الممات" ففيما يتعلق بهذا الدعاء أن شيخا كفيفا، يُدعَى صالح موسى، يروي قصته في هذا الأمر قائلا: " لقد كنت في قارب، وقد أوشك القارب على الغرق، وبينما أنا في حالة بين الإفاقة والإغماءة، ظهر أمامي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة، وعلَّمَني دعاءَ الطرود التالي، والذي قال: ينبغي أن يردده المسافرون ألف مرة، وهم على ظهر قواربهم، وما أن ردده المسافرون لـ 300 مرة فقط، إلا وقد أنقذ الله القارب بمعجزة هذا الدعاء، ولقد ذكر دعاء " الطرود " في كتاب " الفجر المنير " للفاكهاني (ت: 734هـ) هل الدعاء صحيح في نقله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه الصيغة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صيغة محدثة، لم ترد في السنة والآثار.
وإنما ذكرها صاحب كتاب " نزهة المجالس ومنتخب النفائس " (ص/284) ، المؤرخ الأديب عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري، المتوفى سنة (ت 894هـ) ، والشيخ عمر بن علي بن سالم الفاكهاني النحوي الفقيه المالكي (ت 734هـ) أورده في كتابه " الفجر المنير " (ص/31-32) فقال:
" أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير رحمه الله تعالى أنه ركب في البحر، قال: وقامت علينا ريح تسمى: الأقلابية، قلَّ مَن ينجو منها مِن الغرق، وضج الناس خوفاً من الغرق، قال: فغلبتني عيناي فنمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: قل لأهل المركب يقولون ألف مرة: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات.
قال: فاستيقظت، وأعلمت أهل المركب بالرؤيا، فصلينا بها نحو ثلاثمائة مرة؛ ففرج عنا. هذا أو قريب منه، صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ومعلوم أن الرؤى والمنامات لا تثبت بها الأحكام ولا فضائل الأعمال، فلا يجوز الاعتماد عليها في إثبات فضيلة لهذه الصيغة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وشرع الله تعالى كامل، كما قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة/3 وبلغه لنا الرسول صلى اله عليه وسلم كاملاً ولم يكتم منه شيئاً، فيكفي المسلم أن يعمل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وصح عنه، ولا حاجة إلى تشريع عبادة أو استحبابها برؤى أو منامات.
وهناك أدعية كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم عند الكرب، وإذا غلبه أمر.
فقد روى البخاري (6345) ومسلم (2730) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ولفظ مسلم: (ورب العرش الكريم) .
وروى الترمذي (3524) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
(كربه) أي: أصابه كرب وشدة.
فليحرص المسلم على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الابتداع في الدين، ورضي الله عن عبد الله بن مسعود حيث قال: (اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ) رواه الدارمي (205) .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لحسن القول والعمل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/151)
هل تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا مَرَّ ذكره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كلما مر ذكره أم أن ذلك سُنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب الصلاة عليه إذا مر ذكره، عليه الصلاة والسلام؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) وهذا يدل على أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره صلى الله عليه وسلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب" (1/79، 80) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/152)
حكم جعل دعاء بدلا من نغمة الجوال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعيين دعاء مسجل كنغمة جوال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للإنسان أن يجعل الدعاء نغمة للجوال؛ لأن الدعاء عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، وما كان كذلك فالواجب تعظيمه وعدم امتهانه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج /32.
والأولى جعل نغمة الجوال نغمة عادية، لا تحتوي على ذكر الله، صيانةً للذكر عن الامتهان والتعرض لما لا يليق، ولا تحتوي على شيء محرم كالموسيقى.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
في وقتنا الحاضر كثر من معهم جوالات بهذه النغمات بحيث لو اتصل الشخص يظهر صوت قرآن أو يظهر صوت أذان أو يظهر صوت تكبير في تلك النغمات حتى ولو في البيت أو في دورة المياه - أعزكم الله - أو في السوق ما رأيكم في ذلك؟
فأجاب:
" لا يجوز استعمال الأذكار ولا سيما القرآن الكريم في الجوالات بدلاً عن المنبِّه الذي يتحرّك عند المكالمة، فيضع منبّهًا ليس فيه نغمة موسيقى، وإنما هو منبِّه عادي، كمنبِّه الساعة مثلاً، أو الجرس الخفيف، وأما وضع الأذكار والقرآن والأذان محلّ ذلك، فهذا مِن التنطّع، ومِن الاستهانة بالقرآن وبهذه الأذكار " انتهى.
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/sounds/00057-03.ra
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم: (47407) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/153)
هل يجوز لمن نسي دعاء الخلاء أن يقوله إذا دخل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقول دعاء دخول الحمام داخل الحمام لو نسينا خارجه مثلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نسي دعاء الخلاء قبل دخوله، ثم تذكره بعد الدخول، فلا يشرع في حقه أن يقوله؛ لأنه ذكر فات محله، ولأنه يكره ذكر الله في الخلاء، فإن استعاذ بقلبه دون لسانه فلا حرج عليه.
قال ابن المنذر رحمه الله:
"قال عكرمة: لا يذكر الله وهو على الخلاء بلسانه ولكن بقلبه" انتهى.
" الأوسط " (1/341) .
وقال الحافظ ابن حجر في شرح حديث دخول الخلاء: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) :
"مَتَى يَقُول ذَلِكَ؟ فَمَنْ يَكْرَه ذِكْر اللَّه فِي تِلْكَ الْحَالَة يُفَصِّل: أَمَّا فِي الْأَمْكِنَة الْمُعَدَّة لِذَلِكَ فَيَقُولهُ قُبَيْل دُخُولهَا , وَأَمَّا فِي غَيْرهَا فَيَقُولهُ فِي أَوَّل الشُّرُوع كَتَشْمِيرِ ثِيَابه مَثَلًا، وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور , وَقَالُوا فِيمَنْ نَسِيَ: يَسْتَعِيذ بِقَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ" انتهى.
"فتح الباري" (1/244) .
وقال في "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" (2/49) :
" وإن نسي ذلك أتى به في نفسه لا بلسانه " انتهى.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/154)
المقصود من قراءة القرآن التدبر والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يجيد القراءة ولله الحمد فهل الأفضل في حقه الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في المصحف أم الاستماع إلى أحد القراء عبر الأشرطة المسجلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل أن يعمل بما هو أصلح لقلبه، وأكثر تأثيرا فيه من القراءة أو الاستماع؛ لأن المقصود من القراءة هو التدبر، والفهم للمعنى، والعمل بما يدل عليه كتاب الله عز وجل كما قال الله سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص/29، وقال عز وجل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/9. وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) فصلت/44" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/363) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/155)
حكم التكبير الجماعي قبل صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل صلاة العيد الناس يعملون الذِّكر الجماعي , هل هذا بدعة أم مشروع في صلاة العيد؟ لو ذلك يعتبر بدعة ماذا يفعل , هل يخرج من المصلى إلى أن تبدأ الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التكبير في العيد من السنن المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عبادة كسائر العبادات، يجب الاقتصار فيها على الوارد، ولا يجوز الإحداث في كيفيتها، وإنما يكتفى بما ورد في السنة والآثار.
وقد تأمل فقهاؤنا في التكبير الجماعي الواقع اليوم، فلم يجدوا ما يسنده من الأدلة، فأفتوا ببدعيته، ذلك أن كل إحداث في أصل العبادة أو في كيفيتها وصفتها يعد من البدعة المذمومة، ويشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718)
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" التكبير الذي كان يعمل في المسجد الحرام يوم العيد، يجلس شخص أو أشخاص في سطح زمزم ويكبرون، وأناس يجاوبونهم في المسجد، فقام الشيخ عبد العزيز بن باز وأنكر عليهم هذه الكيفية وقال: إنها بدعة. ومقصود الشيخ أنها بدعة نسبية بهذا الشكل الخاص، ولا يقصد أن التكبير بدعة، فتذمر من ذلك بعض عوام أهل مكة، لأنهم قد ألفوا ذلك، وهذا هو الذي حدا.. على رفعه هذه البرقية، وسلوك هذه الكيفية في التكبير لا أعرف أنا وجهها، فالمدعي شرعية ذلك بهذا الشكل عليه إقامة الدليل والبرهان، مع أن هذه المسألة جزئية لا ينبغي أن تصل إلى ما وصلت إليه " انتهى.
" مجموع فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم " (3 / 127، 128) .
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد اطلعت على ما نشره فضيلة الأخ الشيخ: أحمد بن محمد جمال - وفقه الله لما فيه رضاه - في بعض الصحف المحلية من استغرابه لمنع التكبير الجماعي في المساجد قبل صلاة العيد لاعتباره بدعة يجب منعها , وقد حاول الشيخ أحمد في مقاله المذكور أن يدلل على أن التكبير الجماعي ليس بدعة وأنه لا يجوز منعه , وأيد رأيه بعض الكتاب ; ولخشية أن يلتبس الأمر في ذلك على من لا يعرف الحقيقة نحب أن نوضح أن الأصل في التكبير في ليلة العيد وقبل صلاة العيد في الفطر من رمضان , وفي عشر ذي الحجة , وأيام التشريق , أنه مشروع في هذه الأوقات العظيمة، وفيه فضل كثير ; لقوله تعالى في التكبير في عيد الفطر: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/185، وقوله تعالى في عشر ذي
الحجة وأيام التشريق: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحج/28، وقوله عز وجل: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) البقرة/203.
ومن جملة الذكر المشروع في هذه الأيام المعلومات والمعدودات التكبير المطلق والمقيد , كما دلت على ذلك السنة المطهرة وعمل السلف، وصفة التكبير المشروع: أن كل مسلم يكبر لنفسه منفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به، أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة - اثنان فأكثر - الصوت بالتكبير جميعا، يبدأونه جميعا، وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة.
وهذا العمل لا أصل له، ولا دليل عليه , فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان , فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق ; وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. أي مردود غير مشروع. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ، والتكبير الجماعي محدث، فهو بدعة، وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره ; لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة , أما أقوال الناس وآراؤهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية , وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات , وإنما تثبت لعبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي.
والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية، وهي التكبير فرادى.
وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله، وأصدر في ذلك فتوى , وصدر مني في منعه أكثر من فتوى , وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه , وهي مطبوعة ومتداولة وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي والحمد لله.
أما ما احتج به الأخ الشيخ أحمد من فعل عمر رضي الله عنه والناس في منى فلا حجة فيه ; لأن عمله رضي الله عنه وعمل الناس في منى ليس من التكبير الجماعي , وإنما هو من التكبير المشروع ; لأنه رضي الله عنه يرفع صوته بالتكبير عملا بالسنة وتذكيرا للناس بها فيكبرون , كل يكبر على حاله , وليس في ذلك اتفاق بينهم وبين عمر رضي الله عنه على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من أوله إلى آخره , كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الآن , وهكذا جميع ما يروى عن السلف الصالح رحمهم الله في التكبير كله على الطريقة الشرعية، ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل , وهكذا النداء لصلاة العيد أو التراويح أو القيام أو الوتر كله بدعة لا أصل له , وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيد بغير أذان ولا إقامة , ولم يقل أحد من أهل العلم فيما نعلم أن هناك
[يعني: في الوارد في السنة] نداء بألفاظ أخرى , وعلى من زعم ذلك إقامة الدليل , والأصل عدمه , فلا يجوز أن يشرع أحد عبادة قولية أو فعلية إلا بدليل من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة أو إجماع أهل العلم - كما تقدم - لعموم الأدلة الشرعية الناهية عن البدع والمحذرة منها , ومنها قول الله سبحانه: (أم لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى/21.
ومنها الحديثان السابقان في أول هذه الكلمة , ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) خرجه مسلم في صحيحه , والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة.
والله المسئول أن يوفقنا وفضيلة الشيخ أحمد وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه , وأن يجعلنا جميعا من دعاة الهدى وأنصار الحق , وأن يعيذنا وجميع المسلمين من كل ما يخالف شرعه إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (13/20-23)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (8/310) :
" يكبر كل وحده جهرا، فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير الجماعي، وقد قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) "
وجاء فيها أيضا (8/311) :
" التكبير الجماعي بصوت واحد ليس بمشروع بل ذلك بدعة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، ولم يفعله السلف الصالح، لا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا تابعيهم، وهم القدوة، والواجب الاتباع وعدم الابتداع في الدين " انتهى.
وجاء فيها أيضا (24/269) :
" التكبير الجماعي بدعة؛ لأنه لا دليل عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وما فعله عمر رضي الله عنه ليس فيه دليل على التكبير الجماعي، وإنما فيه أن عمر رضي الله عنه يكبر وحده فإذا سمعه الناس كبروا، كل يكبر وحده، وليس فيه أنهم يكبرون تكبيرا جماعيا " انتهى.
وجاء فيها أيضا (2/236 المجموعة الثانية)
" التكبير الجماعي بصوت واحد من المجموعة بعد الصلاة أو في غير وقت الصلاة - غير مشروع، بل هو من البدع المحدثة في الدين، وإنما المشروع الإكثار من ذكر الله جل وعلا بغير صوت جماعي بالتهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن وكثرة الاستغفار، امتثالا لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ، وقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ، وعملا بما رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم، وقوله: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم والترمذي واللفظ له، واتباعا لسلف هذه الأمة، حيث لم ينقل عنهم التكبير الجماعي، وإنما يفعل ذلك أهل البدع والأهواء، على أن الذكر عبادة من العبادات، والأصل فيها التوقيف على ما أمر به الشارع، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين، فقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (105644)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/156)
هل تحضر الملائكة جلسات الذكر النسائية إذا كن كاشفات رؤوسهن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن جلسات الذكر النسائية لا تحضرها الملائكة إذا كانت النساء كاشفات لشعورهن (أي غير متحجبات) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا أعلم لهذا أصلا، ولهن أن يقرأن ويذكرن الله عز وجل وإن كن كاشفات رءوسهن إذا لم يكن عندهن أجنبي. . ولا يمنع ذلك من دخول الملائكة، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/85) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/157)
هل يجوز الاستغفار بصيغة أستغفر الله العظيم عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أستطيع أن أقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. وبقية الأذكار بنفس الصيغة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يمكن تقسيم الذكر – بحسب موضعه – إلى نوعين:
1- أذكار مقيدة في زمان أو مكان أو حال معين، كالأذكار المشروعة أدبار الصلوات، وأذكار الصباح والمساء ونحوها.
2- أذكار مطلقة غير متعلقة بظرف معين، كالاستغفار الذي يلهج به لسان المسلم في صباحه ومسائه، والتسبيح المطلق، ونحو ذلك.
فأما الأذكار المقيدة فلا يجوز الزيادة على ألفاظها الواردة في الكتاب والسنة، ولا النقصان منها.
وأما الأذكار المطلقة فلا بأس بالزيادة فيها أو النقصان منها، وإن كان الأولى الاقتصار على الوارد، ففيه كفاية ومزيد.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار، لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف " انتهى.
" فتح الباري " (11/112) قال ذلك في شرح حديث فيه ذكر مقيد وليس ذكرا مطلقا، وهو الذكر عند النوم: (اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك ... )
وقد سبق تقرير ذلك في جواب رقم: (102600) ، (100859) .
ثانيا:
وردت هذه الصيغة في العد: عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، مع التسبيح:
عَنْ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.
وفي رواية:
عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ: مَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ أَوْ بَعْدَ مَا صَلَّى الْغَدَاةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِه ِ، سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ.
رواه مسلم (رقم/2726) ، وانظر شرح هذا الذكر في " المنار المنيف " لابن القيم (ص/34) .
وقد وردت هذه الصيغة في التسبيح، أيضا، ومعها زيادة التحميد، والتكبير، والتهليل، والحوقلة:
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ.
رواه أبو داود (رقم/1500) والترمذي (3568) وقال حسن غريب.
وقد بوب الإمام ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه عندما أخرج الحديث (1/370) فقال: " باب فضل التحميد والتسبيح والتكبير بوصف بالعدد الكثير من خلق الله أو غير خلقه " انتهى.
ولذلك قال عطاء رحمه الله:
" أقول حين أقول آخر كل واحدة من التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل: لا حول ولا قوة إلا بالله، عدد خلقك، ورضى نفسك، وزنة عرشك، وأسأل حاجتي " انتهى.
" مصنف عبد الرزاق " (1/82) .
ثالثا:
الاستغفار من الأذكار المطلقة، التي ينبغي على العبد أن يلازمها في كل حين، ولا بأس أن يختار العبد لنفسه ما يناسب مقام الاستغفار، وما يرجو به المغفرة من ربه، حتى ولو لم يكن واردا بخصوصه، ومن ذلك الصيغة التي هي محل السؤال.
ونحن إذا قلنا: إن ذلك لا بأس به؛ فإنما نعني: أن ذلك مباح، ليس حراما، ولا يظهر لنا فيه كراهة؛ وأما أن له فضلا خاصا، أو أن المستغفر بهذه الصيغة يحصل له من الأجر والفضل مثل ما ورد في حديث جويرية السابق ذكره: فهذا كله مما يحتاج إلى دليل خاص لهذه الفضيلة.
لكن الأولى بالسائل الكريم، والذي نختاره له: ألا يشغل نفسه بتحري مثل هذه الصيغة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي شرع هذه الصيغة في موضعها الذي ذكرناه، لم يعلم أصحابه هذه الصيغة في الاستغفار، وإنما اختار لنفسه صيغة أخرى:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) .
وفي رواية: (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ) .
رواه أبو داود (1516) ، والترمذي (3434) وغيرهما، وصححه الألباني.
وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم لنا التأسي به في ذلك:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) . رواه مسلم (2702) .
وفي رواية لأحمد (17829) : (َ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ) .
وعلمنا أفضل صيغ الاستغفار على الإطلاق:
عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ ُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) . رواه البخاري (6306) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/158)
من أذكار الصباح والمساء ما يحفظ من الضر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يدعو الشخص بدعاء بالنيابة عن أبويه وإخوانه، فقد ورد حديث فيه: أن مَن قاله في الصباح لم يمسسه ضر حتى يمسي، ومن قاله في المساء لم يمسسه ضر حتى يصبح: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) . حيث أنه ورد في بعض الكتب أن أبا الدرداء كان يقول هذا الذكر، فحدث أن نشبت حريق في الحي الذي يعيش فيه أبو الدرداء، فاحترقت البيوت من حوله، ولم يحترق من بيته شيء. فهل ورد حديث صحيح في هذا؟ وهل يصح أن يقول هذا الدعاء بالنيابة عن أفراد عائلته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أما الدعاء الوارد في السؤال فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك بعض أهل العلم.
فعن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ)
وقَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ؟! فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا.
رواه أبو داود (5088) ، ورواه الترمذي في سننه (رقم/3388) بلفظ:
(مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ)
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه ابن القيم في " زاد المعاد " (2/338) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
يقول الدكتور عبد الرزاق البدر:
" هذا من الأذكار العظيمة التي ينبغي أن يُحافظ عليها المسلمُ كلَّ صباح ومساء، ليكون بذلك محفوظاً بإذن الله تعالى من أن يصيبه فجأةُ بلاءٍ أو ضرُّ مصيبة أو نحو ذلك. قال القرطبي رحمه الله عن هذا الحديث: " هذا خبَرٌ صحيحٌ، وقولٌ صادق علمناه دليلَه دليلاً وتجربة، فإنِّي منذ سمعته عملت به فلم يضرَّني شيءٌ إلى أن تركته، فلدغتني عقربٌ بالمدينة ليلاً، فتفكرتُ فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات " - انظر " الفتوحات الربانية " لابن علان (3/100) -
والسُّنَّة في هذا الذِّكر أن يُقال ثلاثَ مرَّات كلَّ صباح ومساء، كما أرشدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.
وقوله: (الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ) أي: مَن تعوَّذ باسم الله فإنَّه لا تَضرُّه مُصيبةٌ من جهة الأرض ولا من جهة السماء.
وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) أي: السَّميع لأقوال العباد، والعليمُ بأفعالِهم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السَّماء.
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قَالَ: أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ) رواه مسلم (2709)
وفي رواية للترمذي: (مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) رقم (3604)
والحُمَةُ: لدغةُ كلِّ ذي سمٍّ كالعقرب ونحوها.
وقد أورد الترمذي عقب الحديث عن سُهيل بن أبي صالح - أحد رواته - أنَّه قال:
(كان أهلُنا تعلَّموها، فكانوا يقولونَها كلَّ ليلةٍ، فلُدغَت جارِيَةٌ منهم، فلَم تَجِدْ لَها وجَعاً) .
فالحديث فيه دلالةٌ على فضلِ هذا الدعاء، وأنَّ مَن قاله حين يُمسي يكون مَحفوظاً بإذن الله مِن أن يَضرَّه لَدْغُ حيَّةٍ أو عقرَبٍ أو نحوِ ذلك " انتهى باختصار النقل عن الدكتور.
" فقه الأدعية والأذكار " (3/12-14)
ومن الأذكار التي تقي من السوء وتدفع الضرر بإذن الله ما رواه عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال:
(خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وقال: حسن صحيح غريب. وقال النووي في "الأذكار" (ص/107) : إسناده صحيح.
فالحاصل أن الأدعية والأذكار السابقة تحفظ المسلم من الضر والأذى بجميع أنواعه بإذن الله تعالى، ولكن ليس على وجه اللزوم، فمن أصابه من البلاء مع محافظته على هذه الأذكار فذلك بقدر الله تعالى، وله سبحانه الحكمة البالغة في أمره وقَدَرِه. قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11.
روى عكرمة عن ابن عباس، قال: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خَلَّوا عنه.
وقال مجاهد: ما من عبد إلا له مَلَك موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك: وراءك؛ إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه.
"تفسير ابن كثير" (4/438) .
ثانيا:
أما الدعاء به نيابة عن أهل البيت فغير مجزئ عنهم، ولا يكفيهم، إذ لم يرد ما يدل على صحة النيابة في الأذكار عن الأحياء، فينبغي أن يحرص كل مسلم على ما ينفعه، وألا يكون حاله حال الغافلين عن ذكر الله عز وجل.
يقول الله تعالى:
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ. إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) الأعراف/205-206.
ثالثا:
أما قصة احتراق البيوت حول بيت أبي الدرداء وسلامة بيته رضي الله عنه فلم ترد في هذا الذكر الوارد في السؤال: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ، وإنما وردت في سياق دعاء آخر:
عن طلق بن حبيب، قال:
جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال: يا أبا الدرداء! قد احترق بيتك.
قال: ما احترق، الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك؛ لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم)
رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم/57) والطبراني في " الدعاء " (رقم/343) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " (7/121) من طريق الأغلب بن تميم، حدثنا الحجاج بن فرافصة، عن طلق بن حبيب به.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" هذا حديث لا يثبت، وآفته من الأغلب، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث." انتهى.
" العلل المتناهية " (2/352)
وضعفه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (2/401)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وهذا إسناد ضعيف جداً، الأغلب هذا قال البخاري وغيره: " منكر الحديث ". والحجاج بن فُرافصة فيه ضعف " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6420)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/159)
حكم الذكر بالاسم المفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ذكر الله بدعاء بعض أسماء الله عز وجل، كقولنا: " اللهُ اللهُ "، أو أن نقول: " يا غفورُ يا غفورُ "، وأنا أعلم أن قول " الله الله " هي بدعة، لكن ماذا عن قول " اللهُ اللهُ " يعني بضم الهاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر الله تعالى من أجل ما يُعبد الله به، ولأجل ذلك كان الذاكر في حاجة إلى معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العبادة، كما هو في حاجة إلى معرفة ذلك في سائر العبادات.
وليس في سنته صلى الله عليه وسلم الاقتصار في الذكر ولا في الدعاء على لفظ الجلالة: الله، الله، لا برفع الهاء ولا بتسكينها، وليس في سنته كذلك الاقتصار على نداء أسماء الله الحسنى، كقول بعضهم: يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف، أو: يا غفور، يا غفور، يا غفور. ثم إن مثل هذا الذكر لا يعد كلاما في اللغة، ولا له معنى فيها؛ إنما هو كلمات مفردة، لا تفيد شيئا.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" هذا من البدع؛ قراءة أسماء الله الحسنى بعد الصلوات واعتياد ذلك، وترديد كلمة (يا لطيف) بعدد معين وبصفة معينة؛ كل هذا من البدع المحدثة في الإسلام، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/8)
وانظر جواب السؤال رقم: (9389) ، (26867) .
أما إن أراد السائل الجواب عن استدلال بعضهم بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ) رواه مسلم (148) ، فقد سبق الجواب عليه بتوسع في جواب السؤال رقم: (91305) .
ويقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
" للعلامة محمد صديق حسن خان رحمه الله تعالى بحث مهم في عدم مشروعية الذكر بالاسم المفرد (الله) ، وأنه لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من أهل القرون المفضَّلة.
وهناك نصوص يحتجون بها ولا دلالة فيها: منها قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) ، وحديث أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: الله الله) رواه مسلم والترمذي. وذكره الذهبي في " السير "، والمراد بهذين النصين قوله: (لا إله إلا الله) على طريق الإشارة.
قال محقق " السير ": " وليس في هذا الحديث مستند لمن يُسوِّغ الذكر بالاسم المفرد؛ لأن المراد منه: أنه لا يبقى في الأرض من يوحد الله توحيداً حقيقياً ويعبده عبادة صادقة، كما جاء مفسراً في رواية أحمد: (لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: لا إله إلا الله) . وسنده صحيح، ولم يثبت عنه، ولا عن صحابته، ولا عن أحد من القرون المشهود لها بالفضل: أنهم ذكروا الله بالاسم المفرد " انتهى كلام محقق السير.
ومنها حديث: أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أُعلمكِ كلمات تقوليهن عند الكرب: الله الله ربي لا أُشرك به شيئاً) رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه. وهذا ليس مفرداً، بل مضاف، إما تقديراً أو تصرياً.
ومنها: أثر ابن عباس وأبي الدرداء رضي الله عنهم: (إن اسم الله الأكبر: رَبِّ ربِّ) رواه الحاكم، وسكت عليه الذهبي. وهذا للبيان. والله أعلم " انتهى.
" معجم المناهي اللفظية" (120-121) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/160)
حديث مبادرة الملائكة لكتابة الذكر عند الاعتدال من الركوع حديث صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في المنتديات حديث للرسول صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم سمع عند اعتداله من الركوع رجلا يقول: ربنا ولك الحمد والشكر حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. فقال صلى الله عليه وسلم: رأيت ثلاثين ملكا يجرون كل واحد منهم يريد كتابتها له قبل الآخر. هل هذا الحديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة هذا الذكر بعد الاعتدال من الركوع حديث عظيم، وهو ما جاء عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ قَالَ:
(كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُُ)
رواه البخاري (799) .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" قوله: (أول) روي على وجهين: بضم اللام وفتحها. فالضم على أنه صفة لأي.
و (البِضع) : ما بين الثلاث إلى التسع، في الأشهر، وقال أبو عبيدة: ما بين الثلاث إلى الخمس. وقيل غير ذلك ...
وقد دل الحديث على فضل هذا الذكر في الصلاة، وأن المأموم يشرع له الزيادة على التحميد بالثناء على الله عز وجل، كما هو قول الشافعي وأحمد - في رواية -.
وأن مثل هذا الذكر حسنٌ في الاعتدال من الركوع في الصلوات المفروضات؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات المفروضة غالباً، وإنما كانوا يصلون وراءه التطوع قليلا.
وفيه - أيضاً -: دليل على أن جهر المأموم أحيانا وراء الإمام بشيء من الذكر غير مكروه، كما أن جهر الإمام أحياناً ببعض القراءة في صلاة النهار غير مكروه " انتهى.
" فتح الباري " لابن رجب (5/80-81)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (مباركا فيه) زاد رفاعة بن يحيى: (مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى) ، فأما قوله: (مباركا عليه) فيحتمل أن يكون تأكيدا، وهو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء ...
وأما قوله: (كما يحب ربنا ويرضى) ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد.
والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة، ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر) الحديث.
واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال، أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله. " انتهى.
" فتح الباري " (2/286-287))
ثانيا:
أما لفظ (ربنا لك الحمد والشكر) فلم يثبت في أي من روايات الحديث السابقة، وإن كانت زيادتها من غير اعتيادها مع عدم نسبتها للشرع جائزة، ولكن الأولى الاقتصار على الوارد.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي:
" رجل عندما يرفع من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد والشكر، وهل كلمة الشكر صحيحة؟ فأجاب:
لم تَرِد، لكن لا يضر قولها: الحمد والشكر لله وحده سبحانه وتعالى، ولكن هو من باب عطف المعنى، وإن الحمد معناه الشكر والثناء، فالأفضل أن يقول ربنا ولك الحمد، ويكفي ولا يزيد والشكر، ويقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، وإن زاد الشكر لا يضره، ويعلم أنه غير مشروع " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (29/286)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/161)
مواضع استحباب قول لا إله إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المواضع التي سن فيها قول لا إله إلا الله؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلمة التوحيد أعظم كلمة في الوجود، لأجلها خُلقت الخليقةُ، وأُرسلت الرسلُ، وأُنزلت الكتبُ، وهي كلمة التقوى وأساس الملة وركن الإيمان، وهي العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن مات عليها سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدين فوق ما يصفُه الواصفون ويعرفه العارفون.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(أَفْضَلُ الذِّكْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ)
رواه الترمذي (3383) وقال: حسن غريب. ورواه النسائي في " السنن الكبرى " (6/208) وبوب عليه بقوله: (باب أفضل الذكر وأفضل الدعاء) ، ورواه ابن حبان في صحيحه (3/126) وبوب عليه بقوله: ذكر البيان بأن الحمد لله جل وعلا من أفضل الدعاء، والتهليل له من أفضل الذكر. وحسنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/63) والشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
يقول المباركفوري رحمه الله:
" لأنها كلمة التوحيد، والتوحيد لا يماثله شيء، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، ولأنها أجمع للقلب مع الله، وأنفى للغير، وأشد تزكية للنفس، وتصفية للباطن، وتنقية للخاطر من خبث النفس، وأطرد للشيطان " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (9/325)
ولذلك فالفائز من أهل الدنيا من يكثر من هذه الكلمة في كل زمان ومكان، ولا يفتر لسانه ولا يكلُّ قلبه عن اللهج بها، وتذكر معانيها، واستحضار مقاصدها، وهي من الأذكار التي لم يرد تخصيص استحباب الذكر بها في مكان معين أو زمان، بل جاءت مطلقة ليذهب المسلم في الذكر بها كل مذهب قريب وبعيد، في حال شغله وفراغه، وعند نومه ويقظته، وفي حال حله وترحاله، في صلاته وقيامه وصيامه وحجه وعمرته، في قعوده وقيامه، ولو استطاع أن يأتي به مع كل نفس من أنفاسه فهو الرابح الفائز.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" أفضل الأذكار التي لم يخصها الشارع بحال أو زمن القرآن، وبعده التهليل لخبر: (أفضل الذكر لا إله إلا الله) " انتهى.
" الفتاوى الحديثية " (ص/109) .
ومع ذلك فقد وردت أحاديث عديدة في الحث على هذا الذكر في أحوال أو أوقات مخصوصة، فمن ذلك:
1- بعد الوضوء: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) . رواه مسلم (234) من حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه.
2- إذا استيقظ من نومه، أثناء الليل: (مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ) . رواه البخاري (1154) من حديث عبادة بن الصامت، رضي الله عنه.
3- في أول النهار [عند الصباح] : (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) . رواه البخاري (3293) ومسلم (2691) ، واللفظ له، من حديث أبي هريرة.
4- بعد السلام من الصلاة: (كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) رواه البخاري (6330) ومسلم (593) .
5- عند الكرب والضيق: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) . رواه البخاري (6345) ومسلم (2730) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
6- يوم عرفة: (أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) . رواه الطبراني في فضل عشر ذي الحجة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1503) .
وقد ورد ـ أيضا ـ الحث على الإكثار من قول لا إله إلا الله في بعض الأحاديث التي فيها ضعف، ويحسنها بعض أهل العلم؛ فمن ذلك:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)
" مسند أحمد " (2/359) وصححه الحاكم في " المستدرك " (4/285) ، وحسنه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/342) ، وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/896) .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها) .
رواه أبو يعلى في " المسند " (11/8) ، قال الحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية " (4/110) -: حسن غريب. وحسنه الشيخ الألباني في " السلسة الصحيحة " (رقم/467)
وقد جمع الأحاديث الواردة في فضائلها الإمام المنذري في كتابه " الترغيب والترهيب " (2/265-271)
وانظر: " فتح الباري " (11/207) ، ورسالة بعنوان " كلمة الإخلاص وتحقيق معناها " للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله، وكتاب " فقه الأدعية والأذكار " (1/167-179) ، ورسالة بعنوان: " معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع " لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وهو بحث منشور في " مجلة البحوث الإسلامية " العدد (13)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/162)
لم يثبت استحباب قراءة هذه السور في أذكار الصباح والمساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك أدلة صحيحة على قراءة سورة الإخلاص عشر مرات مع أذكار الصباح. وأواخر سورة الحشر، وسورة الصافات عند كل ليلة. وبداية سورة البقرة، والآيتان بعد آية الكرسي والنصر والكافرون مع أذكار النوم. أرجو منكم الرد في أسرع وقت، لأني أفعل كل هذه الأشياء، وأخاف أن تكون بدعة. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد في السنة الصحيحة استحباب قراءة هذه الآيات والسور في أذكار الصباح والمساء على هذا النحو، وإنما الذي صح قراءة الآيات والسور الآتية:
آية الكرسي، وأواخر سورة البقرة، وسورة الإسراء، والزمر، والسجدة، وتبارك، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتان.
وقد سبق سرد الأدلة الصحيحة في جواب السؤال رقم: (72591)
ومن الأدلة الصحيحة أيضا:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ: " الم تنزيل " – أي السجدة - و " تبارك الذي بيده الملك ".
رواه الترمذي (2892) وقال حسن غريب. وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/585)
وانظر جواب السؤال رقم: (26240)
وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال:
(خرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وقال: حسن صحيح. وصححه النووي في " الأذكار " (107) ، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد ورد في سورة الإخلاص بعد الفجر موقوفات ضعيفة، منها ما يرويه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/102) بسند فيه رجل مجهول، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (من قرأ بعد الفجر (قل هو الله أحد) عشر مرات لم يلحق به ذلك اليوم ذنب وإن جهدته الشياطين)
وأما أواخر سورة الحشر فالحديث فيها ضعيف أيضا لا يثبت:
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ)
رواه الترمذي (2922) وقال: حديث غريب. قال النووي: " إسناده فيه ضعف " انتهى. " الأذكار " (ص/114) ، وقال الذهبي في " ميزان الاعتدال " (1/632) : غريب جدا. وقال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (2/58) : " علته خالد بن طهمان. قال ابن معين: ضعيف خلط قبل موته بعشر سنين " انتهى.
فالحاصل أننا ننصحك بالالتزام بما ورد في السنة النبوية، ففيه الغنية والكفاية عن زيادة ما عداه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/163)
ما حكم هذه الأدعية من الاستغفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثر الحديث عن جوامع الاستغفار، آمل التوضيح، وهل هذا الاستغفار صحيح أم به نوع من الشبهات: جوامع الاستغفار: 1. أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا، ولا حياتا، ولا نشورا. ... 2. اللهم إن مغفرتك أوسع من ذنبي، ورحمتك أرجى لي من عملي , سبحانك لا إله غيرك , اغفر لي ذنبي، وأصلح لي عملي، إنك تغفر الذنوب لمن تشاء وأنت الغفور الرحيم , يا غفار اغفر لي , يا تواب تب علي , يا رحمن ارحمني , يا عفو اعف عني. ... 3. اللهم إني أستغفرك من كل ذنب أذنبته , تعمدته أو جهلته , وأستغفرك من كل الذنوب التي لا يعلمها غيرك , ولا يسعها إلا حلمك. ... 4. اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة، ويورث الندم، ويحبس الرزق، ويرد الدعاء ... 5. اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه , وأستغفرك من النعم التي أنعمت بها عليّ فاستعنت بها على معاصيك , وأستغفرك من الذنوب التي لا يطلع عليها أحد سواك، ولا ينجيني منها أحد غيرك , ولا يسعها إلا حلمك وكرمك، ولا ينجيني منها إلا عفوك. ... 6. اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من كل ذنب أذنبته، ومن كل معصية ارتكبتها، فاغفر لي يا أرحم الراحمين. ... 7. اللهم إني أستغفرك من كل ذنب يصرف عني رحمتك، أو يحل بي نقمتك، أو يحرمني كرمك، أو يزيل عني نعمتك. .... 8. اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يزيل النعم، ويحل النقم، ويهتك الحرم، ويورث الندم، ويطيل السقم، ويعجل الألم. ... 9. اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يمحق الحسنات، ويضاعف السيئات، ويحل النقمات، ويغضبك يا رب الأرض والسماوات. ... 10. اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يكون في اجترائه قطع الرجاء، ورد الدعاء، وتوارد البلاء، وترادف الهموم، وتضاعف الغموم. ... 11. اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يرد عنك دعائي، ويقطع منك رجائي، ويطيل في سخطك عنائي. ... 12. اللهم إني أستغفرك من كل ذنب يدعو إلى الكفر، ويورث الفقر، ويجلب العسر، ويصد عن الخير، ويهتك الستر، ويمنع الستر. ... 13. اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يقطع الآمال، ويشين الأعمال. ... 14. اللهم إني أستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار وسواد الليل، وفي ملأ وخلا، وسر وعلانية، يا حليم. ... 15. اللهم اغفر لي ذنبي مغفرة أنسى بها كل شيء سواك , وهب لي تقواك , واجعلني ممن يحبك ويخشاك. ... 16. اللهم إني مستغيث أستمطر رحمتك الواسعة من خزائن جودك , فأغثني يا رحمن , لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك , إني ظلمت نفسي كثيرا، فارحمني يا أرحم الراحمين ... 17. يا من إذا عظمت على عبده الذنوب , وكثرت العيوب , فقطرة من سحائب كرمك لا تبقي له ذنبا , ونظرة من رضاك لا تترك له عيبا , أسألك يا مولاي أن تتوب عليّ وتغفر لي ... 18. اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت , فاغفر ذنبي مغفرة من عندك، فإنك أنت الغفور الرحيم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى، والمغفرة ستر الذنوب وتجاوز الزلات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر ربَّه في اليوم مائة مرة، فحري بجميع المسلمين أن تعتاد ألسنتهم وقلوبهم الاستغفار مما عساهم قد اقترفوا.
والاستغفار من الأدعية المطلقة التي لا يشترط فيها صيغة معينة، بل يجوز للمسلم أن يدعو بها بأي صيغة يفتح الله بها عليه، بشرط ألا تتضمن مخالفة شرعية، أو كلمة مبتدعة.
وبالتأمل فيما ورد في السؤال من أدعية الاستغفار لم نجد فيها ما ينكره الشرع، أو يخالف الدين، فلا حرج على من دعا بها واستغفر، بشرط ألا يعتقد لها خصوصية أو فضيلة عند الله، أو يظن أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وألا يجعلها عادة لها ووردا يربطه بساعة معينة من الليل أو النهار.
ورغم ذلك كله فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم من أدعية الاستغفار ما هو أكمل وأفضل عند الله عز وجل، من ذلك الدعاء الذي سماه رسولنا صلى الله عليه وسلم: " سيد الاستغفار " لما فيه من المعاني التي يحبها الله تعالى.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ:
(سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ» . قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)
رواه البخاري (6306)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال ابن أبي جمرة: جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أنه يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرا لله وحده بالإلهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو، فلو اتفق أن العبد خالف حتى يجري عليه ما قدر عليه وقامت الحجة عليه ببيان المخالفة لم يبق إلا أحد أمرين: إما العقوبة بمقتضى العدل أو العفو بمقتضى الفضل. انتهى ملخصا.
أيضا: من شروط الاستغفار صحة النية، والتوجه والأدب، فلو أن أحدا حصل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ الوارد، واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد لكن أخل بالشروط هل يستويان؟ فالجواب أن الذي يظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة " انتهى النقل عن الحافظ ابن حجر.
" فتح الباري " (11/100)
فالأهم في الاستغفار هو الصدق مع الله، والتذلل إليه سبحانه، والاعتراف الخالص بالتقصير في حقه عز وجل، حينئذ يغفر الله وهو أرحم الراحمين.
وقد سبق في جواب رقم: (3177) ، (39775) ذكر الكثير من الأدعية الشرعية الواردة في الاستغفار والتوبة من الذنوب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/164)
تعليق الأدعية على الأبواب وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يضعون ملصقات على سياراتهم وعلى أبوابهم دعاء السفر ودعاء الخروج ودعاء الجلوس ... إلخ الأدعية التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا لا أظن فيه بأساًَ، لأنه تذكير للناس، وكثير من الناس لا يحفظون هذه الأدعية، فإذا كتبت أمامهم سهل عليهم تلاوتها وقراءتها، ولا حرج في هذا مثل، أن يكتب الإنسان في مجلسه دعاء كفارة المجلس حتى ينبه الجالسين إذا قاموا أن يدعو الله سبحانه وتعالى بذلك، وكذلك ما يكون في الملصقات الصغيرة أمام الراكب في السيارات من دعاء الركوب والسفر فإن هذا لا بأس به " انتهى.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"نور على الدرب" (ص42) .
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_7817.shtml
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/165)
الذكر الوارد بعد إجابة المؤذن
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث أن الإنسان يقول عند متابعته للمؤذن: " رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً " فمتى يقول هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ظاهر الحديث أن المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأجبته، تقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لأن الحديث جاء فيه: (من قال حين يسمع النداء: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً) ، وفي رواية: (من قال: وأنا أشهد) وفي قوله: (وأنا أشهد) دليل على أنه يقولها عقب قول المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله"، لأن الواو حرف عطف، فيعطف قوله على قول المؤذن" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/194) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/166)
من أذكار الصباح والمساء يقول: (حسبي الله لا إله إلا هو ... إلخ)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله تعالى ما أهمه من أمور الدنيا والآخرة) هل هذا الحديث صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث جاء موقوفا على أبي الدرداء رضي الله عنه من رواية أبي داود في سننه بإسناد جيد، ولفظه: (من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم، سبع مرات كفاه الله ما أهمه) انتهى، وليست فيه الزيادة المذكورة وهي: (من أمر الدنيا والآخرة) . وهو حديث موقوف على أبي الدرداء وليس حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه في حكم المرفوع، لأن مثله ما يقال من جهة الرأي، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/65) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/167)
أيهما أفضل التسبيح والتحميد أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأكثر أجرا، أن نقول "اللهم صل على محمد وسلم" أم أن نقول "سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
نجمع بينهما، فالصلاة على النبي مندوبٌ ذكرها قبل السؤال وبعده حيث ورد أن الصلاة على النبي سبب في قبول الدعاء، وكذلك الذكر بقول (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) أخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام أن بهما الأجر الكثير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين.(7/168)
التسمية في الوضوء إذا كان الشخص في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم إذا قضى الحاجة في الحمام أن يقول بعد ذلك "بسم الله" داخل الحمام ثم يتوضأ , أم أنه يخرج ويسمي ثم يدخل ويتوضأ (حيث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) . وهل يجوز أن أذكر الله تعالى وأنا أستحم في الحمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك فقال:
التسمية إذا كان الإنسان في الحمام تكون بقلبه ولا ينطق بها بلسانه، وإذا كان كذلك فاعملي بهذا على أن القول الراجح أن التَّسمية ليست من الواجبات بل هي من المستحبَّات، فينبغي ألا يكون لديك هواجس وغفلة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ج/1 ص/219(7/169)
من قام من فراشه ثم رجع إليه هل يعيد أذكار النوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما أقرأ أذكار النوم يجب عليَّ إعادتها إن قمت من فراشي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شُرعت لنا أذكارٌ وأدعيةٌ نقولها قبل النوم، وهي متنوعة، كالتسبيح، والتحميد، والتكبير، وقراءة آية الكرسي، وأدعية وأذكار أخرى.
ولا يخلو الذي يقول هذه الأذكار والأدعية ثم يترك فراشه ويرجع إليه من أحوال ثلاثة:
الأولى: أن يغيب لفترة قصيرة، كشرب الماء، أو قضاء حاجة، ونحو ذلك.
الثانية: أن يغيب لفترة أطول من الأولى، فيأكل طعاماً، أو يستمع لشريط، أو يشاهد برنامجاً، أو يجلس مع ضيف.
الثالثة: أن يترك فراشه بقصد ترك النوم، وتأجيله لوقت آخر، وهذا له حالان:
1. أن يلغي قراره، ويرجع لفراشه، بعد فترة قصيرة.
2. أن يستمر على قراره، وينشغل بأموره، وقد تطول الفترة حتى يرجع لفراشه.
أما الأحكام: فكما يلي:
أ. حكم الحال الأولى: أن غيابه لفعل ما ذكرناه من حاجات لا يلغي أذكاره السابقة، وبعض أهل العلم من المعاصرين يرى أن أذكاره تنقطع، وأن عليه إعادتها مرة أخرى إذا أراد فضلها، واستدل من قال بذلك بحديث الترمذي (إِذَا قَامَ أَحَدُكُم عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْه ... ) ، والذي نراه أن هذا اللفظ لا يستفاد منه الحكم السابق لأسباب:
الأول: أن فيه قوله (ثمَّ) وهو يدل على فترة طويلة، وليس مجرد ترك الفراش لقضاء حاجة، أو شرب ماء، ويدل عليه الأمر بنفض الفراش، وهو ما لا يكون لغياب فترة قصيرة، كما هو ظاهر.
الثاني: أنه لو صلح اللفظ للفترة القصيرة: فإنه لا يقدَّم على الروايات الأخرى، والتي هي أضبط من حيث الرواية، فرواية عامة المحدثين – ومنهم البخاري ومسلم -: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) رواه البخاري (5961) ومسلم (2714) وغيرهما، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنْه.
وقد رواه الإمام أحمد بما يوافق رواية الترمذي مرة، وبما يوافق رواية الصحيحين أخرى، وهو يدل على عدم ضبط من بعض الرواة، فتقدَّم رواية الصحيحين على غيرها.
الثالث: وإذا قلنا بأن لفظ الترمذي مقبول، وقلنا بأن لفظ " ثم " لا يدل على فترة طويلة: فإننا نقول إن الحديث ليس فيه أنه يقول أدعية النوم مرة أخرى، بل فيه أنه ينفضه، ويذكر دعاءً بعينه، وهذا لا مانع منه، فأدعية وأذكاره النوم كثيرة، ولا حرج أن يقول بعضها إذا قام من فراشه ثم رجع إليه، وهذا لعله أسلم الأوجه في فهم رواية الترمذي، وأحمد.
وهذا الذي رجحناه من اكتفائه بالذكر الأول، هو ما يفتي به الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فقد سئل:
بالنسبة لأذكار النوم المخصصة: هل أذكار النوم المخصصة في نوم الليل فقط؟ وهل إذا قام الإنسان من الليل لقضاء حاجة أو شرب ماء، هل يكرر ما يقوله من الأذكار؟ .
فأجاب: " الظاهر يكفيه إذا قاله عند أول ما ينام، يكفي، وإن كرر: فلا بأس، لكن السنَّة حصلت بالأذكار التي قالها، والدعاء الذي قاله عند النوم، أول ما نام.
وما كان مختصا بالليل وبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد المبيت: فهذا يختص بنوم الليل، وما لم يرد فيه التخصيص: فهذا عام في كل وقت من الأذكار، أما ما جاء فيه التخصيص أنه إذا أراد أن ينام ليلاً: فهذا يكون سنته في الليل إذا أراد أن ينام ليلاً " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 396، سؤال رقم 17) .
ب. وأما حكم الحال الثانية: وهو إذا ما طال الفصل بين قيامه من فراشه ورجوعه إليه: فالظاهر هنا أنه يعيد الأذكار والأدعية، وليس للطول حدٌّ معيَّن، لكن ما ذكرناه من أمثلة توضح المقصود.
وقد سئل الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله -:
أحياناً آتي بأذكار النوم، ثم أقوم من فراشي قبل النوم لأمر عارض، وقد تطول المدة، هل أعيد الأذكار؟ .
فأجاب: " إذا كان شيئاً عارضاً، أو مدة قصيرة: فلا يؤثر، لكن إذا طالت، وصارت مسافة طويلة: فكونه يعيد الأذكار وأنه ينام عليها: لا شك أن هذا هو الأولى " انتهى.
"شرح سنن الترمذي" (شريط / رقم 376) .
ج. وأما حكم الحالة الثالثة:
فإذا نوى المسلم الانفصال عن فراشه بقصد ترك النوم: فإنه يحتاج لإعادة الأذكار والأدعية إذا عاد لفراشه، طالت المدة، أو قصرت.
ويشبه هذه الأحكام: أحكام الخروج من المسجد، وإعادة صلاة تحية المسجد، وما ذكرناه في صور النوم وأحكامه ينطبق على هذه المسألة، سواء بسواء.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " الذي يخرج من المسجد، ويعود عن قرب: فلا يصلِّي تحية المسجد؛ لأنه لم يخرج خروجاً منقطعاً، ولهذا لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج لبيته لحاجة وهو معتكف، ثم عاد أنه كان يصلي ركعتين.
وأيضاً: فإن هذا الخروج لا يعد خروجاً، بدليل أنه لا يقطع اعتكاف المعتكف، ولو كان خروجه يعتبر مفارقة للمسجد: لقُطع الاعتكاف به، ولهذا لو خرج شخص من المسجد على نية أنه لن يرجع إلا في وقت الفرض التالي، وبعد أن خطا خطوة رجع إلى المسجد ليتحدث مع شخص آخر، ولو بعد نصف دقيقة: فهذا يصلي ركعتين؛ لأنه خرج بنية الخروج المنقطع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (14/353) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/170)
استحباب قراة المعوذات بعد كل صلاة مرة، وفي الصباح والمساء ثلاث مرات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال يتعلق بالذكر بعد الصلوات اليومية: رأيت في كتاب "حصن المسلم" أن أحد الأدعية يقول بقراءة الثلاث السور الأخيرة من القرآن (سور الإخلاص، والفلق، والناس) ثلاث مرات: بعد الفجر والمغرب، ومرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء. إنني أبحث عن الحديث الذي ذكر ذلك، سيكون جميلا إذا أستطيع أن أجد رقم الحديث، وفي أي كتاب من كتب الحديث. أقرأ الأذكار من كتيب صغير للتوزيع، وأفضل أن أرجع إلى المرجع الأصلي. لا أتكلم العربية لكن لدي برمجيات عربية تساعدني على استخراج الحديث من مصدره. حتى هذه اللحظة وجدت الأحاديث التالية: الحديث الأول يذكر أنه ينبغي قراءة الثلاث السور الأخيرة من القرآن (سور الإخلاص، والفلق، والناس) ثلاث مرات بعد الفجر والمغرب: في " سنن الترمذي " حديث رقم: (3924) - حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ البَرَّادِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، قَالَ: فَأَدْرَكْتُهُ، فَقَالَ: قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، قَالَ: قُلْ، فَقُلْتُ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. والحديث الثاني يذكر أنه ينبغي قراءة المعوذتين بعد كل صلاة: الحديث في " سنن الترمذي " رقم: (3150) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالمُعَوِّذَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية نشكر لك حرصك – أخي السائل – على التثبت من الأحاديث النبوية، وعدم تلقي كل ما تقرأ وتسمع بالتسليم والرضا، فالمسلم منهجه التثبت، ولا يقلد إلا فيما لا بد له منه، وفيما يعجز عنه من العلوم التي لم يتخصص بها، أما ما سوى ذلك فيعمل عقله دائما في النظر في الأدلة والاستدلال بها، ويتحرى الصواب في كل شيء.
ونحن نبين لك إن شاء الله ما أشكل عليك مما جاء في كتاب " حصن المسلم ".
فحين تقرأ أو تسمع أن قراءة المعوذات الثلاثة (سورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس) تستحب بعد صلاتي الفجر والمغرب ثلاث مرات، وأما بعد باقي الصلوات فمرة واحدة: فهذا التفصيل جاء في مجموع حديثين اثنين صحيحين، وليس في حديث واحد فقط.
أما الحديث الأول: فهو ما ذكرته في سؤالك من حديث عبد الله بن خبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (قُلْ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ، حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
رواه الترمذي (حديث رقم/3575 ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) وأبو داود (رقم/5082) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه النووي في "الأذكار" (ص/107) ، وابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/128) ، وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (2/345) ، والألباني في "صحيح الترمذي".
ولكن ينتبه إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: (حين تمسي وتصبح) أعم من أعقاب صلاتي الفجر والمغرب، فلو قرأ المسلم هذه السور الثلاثة بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد العصر إلى غروب الشمس، تحقق له فضلها إن شاء الله.
وأما الحديث الثاني: فهو ما يرويه عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فِي دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ)
أخرجه أحمد في "المسند" (4/155) وأبو داود في "السنن" (1523) ، والنسائي في "السنن" (رقم/1336) ، وصححه الحاكم وقال: على شرط مسلم. وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وابن تيمية وابن مفلح والذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/433) والألباني في صحيح أبي داود والشيخ مصطفى العدوي في صحيح الأذكار.
ولفظ هذه الروايات جاء بصيغة الجمع: " أن أقرأ بالمعوذات "، من طريق حنين بن أبي حكيم، ويزيد بن محمد، عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر.
وأما لفظ التثنية: " بالمعوذتين " فجاءت من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر. كذا رواه الترمذي في "السنن" (2903) وقال: حديث غريب. يعني ضعيف.
فالظاهر أن لفظ " بالمعوذات " هو المحفوظ؛ لأنه من رواية اثنين عن علي بن رباح، وهما أوثق من يزيد بن أبي حبيب وحده، ثم إن بعض من نقل رواية الترمذي نقلها بلفظ الجمع أيضا - انظر: "تحفة الأشراف" (9/247) - وهذا يقوي وقوع التصحيف في الواية، إما من نسخة الكتاب، أو من الراوي.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" المراد بأنه كان (يقرأ بالمعوذات) أي السور الثلاث، وذكر سورة الإخلاص معهما تغليبا لما اشتملت عليه من صفة الرب، وإن لم يصرح فيها بلفظ التعويذ.
وقد أخرج أصحاب السنن الثلاثة أحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال: " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، تعوذ بهن، فإنه لم يتعوذ بمثلهن، اقرأ المعوذات دبر كل صلاة " فذكرهن " انتهى.
"فتح الباري" (9/62)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 2/185) :
" ورد قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين دبر كل صلاة، لما رواه أبو داود في (سننه) عن عقبة بن عامر قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة)
وفي رواية الترمذي: (بالمعوذتين) بدل المعوذات.
فينبغي أن يقرأ: (قل هو الله أحد) ، و (قل أعوذ برب الفلق) ، و (قل أعوذ برب الناس) دبر كل صلاة، وأن تكرر عقب صلاة الفجر والمغرب ثلاث مرات، يقرأها كل إنسان وحده بقدر ما يسمع نفسه" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (60420)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/171)
هل تقول المرأة في دعائها: وأنا عبدك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح للمرأة أن تقول.. (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا أمتك.. أم وأنا عبدك) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر في هذا واسع، فلها أن تدعو بما يناسبها (صيغة التأنيث) ، فتقول: وأنا أمتك , ولها أن تدعو بلفظ الدعاء الوارد، لأنه وصف للشخص المتكلم، والشخص يطلق على الذكر والأنثى.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ امْرَأَةٍ سَمِعَتْ فِي الْحَدِيثِ: (اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك نَاصِيَتِي بِيَدِك) إلَى آخِرِهِ فَدَاوَمَتْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فَقِيلَ لَهَا: قُولِي: اللَّهُمَّ إنِّي أَمَتُك بِنْتُ أَمَتِك إلَى آخِرِهِ. فَأَبَتْ إلَّا الْمُدَاوَمَةَ عَلَى اللَّفْظِ فَهَلْ هِيَ مُصِيبَةٌ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ: "بَلْ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَمَتُك، بِنْتُ عَبْدِك، ابْنِ أَمَتِك، فَهُوَ أَوْلَى وَأَحْسَنُ. وَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا: عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك لَهُ مَخْرَجٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَلَفْظِ الزَّوْجِ [يعني: أن لفظ الزوج يطلق على الذكر والأنثى] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (2/177) .
وقال ابن حجر الهيثمي رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (5/342) : "وتقول المرأة في سيد الاستغفار وما في معناه: وأنا أمتك بنت أمتك، أو بنت عبدك، ولو قالت: وأنا عبدك، فله مخرج في العربية، بتأويل شخص" انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، عن هذا، فأجاب: "الأمر في هذا واسع، إن شاء الله، والأحسن أن تقول: اللهم إني أمتك، وابنة عبدك، وابنة أمتك. . . إلخ، وهذا يكون أنسب وألصق بها، ولو دعت باللفظ الذي جاء في الحديث لم يضر إن شاء الله لأنها وإن كانت أمة فهي عبد أيضا من عباد الله" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (6/76) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/172)
دعاء دخول القرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الصيغة الصحيحة لدعاء دخول القرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الوارد في دعاء دخول القرية يرويه صهيب رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرَ قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إِلاَّ قَالَ حِينَ يَرَاهَا:
(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا)
رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5/256) والحاكم في "المستدرك" (1/614) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وابن خزيمة في صحيحه (4/150) ، وابن حبان في صحيحه (6/426) ، وحسنه الحافظ ابن حجر كما ذكره ابن علان في "الفتوحات الربانية" (5/145) ، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (10/137) : رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده حسن. وحسنه الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (26/46) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2759)
وقد بوَّب النسائي على هذا الحديث بقوله: " الدعاء عند رؤية القرية التي يريد دخولها "، وقال ابن خزيمة: " باب الدعاء عند رؤية القرى اللواتي يريد المرء دخولها "، وقال ابن حبان: " ذكر ما يقول المسافر إذا رأى قرية يريد دخولها ". أما البيهقي في "السنن الكبرى" (5/252) فبوب عليه بقوله: " باب ما يقول إذا رأى قرية يريد دخولها "، كما توارد الفقهاء على ذكر هذا الدعاء عند رؤية القرية التي يريد دخولها. وانظر في ذلك: "فتح القدير" (3/184) ، "المجموع" (4/278) ، "كشاف القناع" (2/400)
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن استعمال هذا الدعاء عند دخول المدن، هل هي مثل القرية، فأجاب:
" كلها واحد، المدينة والقرية، وتسمى المدينة قرية، قال تعالى: (ولتنذر أم القرى) : وهي مكة." انتهى.
شريط "شرح الوابل الصيب" (19:53)
يقول الدكتور عبد الرزاق البدر:
" القرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس من المساكن والأبنية والضياع، وقد تطلق على المدن كما في قوله تعالى: (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون) ، فقد قيل إنها أنطاكية، ويقال لمكة أم القرى، وعليه فإن هذا الدعاء يقال عند دخول القرية أو المدينة.
وقوله: " اللهم رب السموات السبع وما أظللن " فيه توسل إلى الله عز وجل بربوبيته للسموات السبع وما أظلت تحتها من النجوم والشمس والقمر والأرض وما عليها، فقوله: " وما أظللن " من الإظلال: أي: ما ارتفعت عليه وعلت وكانت له كالظلة.
وقوله: " ورب الأرضين السبع وما أقللن " من الإقلال، والمراد: ما حملته على ظهرها من الناس والدواب والأشجار وغير ذلك.
وقوله: " ورب الشياطين وما أضللن " من الإضلال، وهو الإغواء والصد عن سبيل الله، قال الله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) النساء /117-120
وإذا علم العبد أن الله عز وجل رب كل شيء ومليكه، وأنه سبحانه بكل شيء محيط، وأن قدرته سبحانه شاملة لكل شيء، ومشيئته سبحانه نافذة في كل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لجأ إليه وحده، واستعاذ به وحده، ولم يخف أحدا سواه.
وقوله: " ورب الرياح وما ذرين "، يقال: ذرته الرياح وأذرته وتذروه، أي: أطارته، ومنه قوله تعالى: (فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا) .
وقوله: " فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها "، فيه سؤال الله عز وجل أن يجعل هذه القرية مباركة عليه، وأن يمنحه من خيرها، وأن ييسر له السكنى فيها بالسلامة والعافية، " وخير أهلها " أي: ما عندهم من الإيمان والصلاح والاستقامة والتعاون على الخير ونحو ذلك، " وخير ما فيها " أي: من الناس والمساكن والمطاعم وغير ذلك.
وقوله: " ونعوذ بك من شرها وشر أهلها، وشر ما فيها " فيه تعوذ بالله عز وجل من جميع الشرور والمؤذيات، سواء في القرية نفسها أو في الساكنين لها، أو فيما احتوت عليه.
فهذه دعوة جامعة لسؤال الله الخير والتعوذ به من الشر بعد التوسل إليه سبحانه بربوبيته لكل شيء " انتهى.
"فقه الأدعية والأذكار" (3/270-272)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/173)
قراءة سورة العصر قبل الافتراق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم يختمون المجلس " بكفارة المجلس" المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً سورة العصر؟ لأني بحثت فلم أجد حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم يختم المجلس بسورة العصر. وهل هذا من البدع المستحدثة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما رواه أبو داود (4859) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) وَقَالَ: (كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعلم الصحابة رضي الله عنهم وفضلهم وشدة اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أن من علم منهم بهذا الحديث كان يعمل به، ولا نحتاج إلى ثبوت هذا عن كل واحد منهم، بل الأصل فيهم العمل بالحديث واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
ورد في قراءة سورة العصر قبل التفرق أثر يدل على أن ذلك كان من هدي الصحابة رضوان الله عليهم.
فعَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ: " وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ "، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ) رواه أبو داود في "الزهد" (رقم/417) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (5/215) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/501) من طريق: حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي مدينة الدارمي به. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2648) ، وعلَّق عليه قائلاً:
"وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم جميعاً:
أحدهما: التسليم عند الافتراق....
والأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً، ولِمَ لا؟ وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم أحسن الثناء، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/174)
قراءة سورة البقرة والاستغفار بنية الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة سورة البقرة والاستغفار بنية الزواج؟ فقد انتشر في هذا الزمان، فكثير من الأخوات تقسم بالله أنها لم تتزوج إلا بعد أن قرأت سورة البقرة لمدة شهر أو أربعين يوما وكذلك الاستغفار ألفا أو بعدد محدد بنية الزواج.... وأنا أخاف من البدعة ودخولي في هذا الأمر، أرجو من فضيلتكم أن توضحوا هذا الأمر لي وما صحته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج أمر مقدّر مقسوم للعبد كسائر رزقه، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
فلا ينبغي القلق إذا تأخر الزواج، لكن يشرع للفتى والفتاة أن يتخذ الأسباب لتحصيل هذا الرزق، ومن ذلك الدعاء، فتسأل الله تعالى أن يرزقها الزوج الصالح.
والاستغفار سبب من أسباب سعة الرزق، فقد حكى الله تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح/10- 12.
والدعاء سلاح عظيم لمن أحسن استخدامه، فادعي الله وأنت موقنة بإجابة الدعاء، وتحري أسباب القبول، من طيب المطعم والمشرب، واختيار الأوقات الفاضلة، واحذري من تعجل الإجابة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري (5865) ومسلم (2735) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
واعلمي أن الدعاء مدخر للعبد، نافع له في جميع الأحوال، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (3859) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ يَسْتَعْجِلْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ: يَقُولُ: دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2852) .
وقراءة القرآن لها أثر عظيم في علاج الهم والقلق، وجلب السعادة والطمأنينة، وكذلك الاستغفار.
والإكثار من الطاعات بصفة عامة، من أسباب تحصيل السعادة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97.
وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
فمن أكثرت من هذه الطاعات، وحافظت على صلاتها وذكرها واستغفارها ودعائها وقراءتها للقرآن، رجي لها التوفيق والسعادة، وتحقيق مرادها ومطلوبها، لكن لا يشرع التعبد بتحديد عدد معين أو زمن معين لم يرد في الشريعة، فإن ذلك من البدع، وهي من أسباب رد العمل وحرمان صاحبه من الأجر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) .
ولم يرد في الشرع المطهر – فيما نعلم – أن قراءة سورة البقرة بخصوصها أو الاستغفار بعدد معين سبب لحصول الزواج، وإنما طاعة الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم على سبيل العموم هما سبيل السعادة وتيسير الأمور في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، ويرزقك الزوج الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/175)
ليس في السنة ذكر خاص لركوب البحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأذكار جمعها أحد محبي العمرة، وكان يريد نشرها بين المعتمرين، فتوقف حتى يعود إليكم مشكورين فى بيان الصحيح والسقيم، منها أذكار يحتاج إليها المعتمر: ما يقول عند ركوب البحر: (الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف – بعد البحث - على هذا الذكر في شيء من كتب الحديث أو الأذكار، ولعل صاحبك أخذه من قوله تعالى في سياق قصة نوح عليه السلام ونجاته من الغرق بركوبه السفينة -: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) المؤمنون/28، فقد أمر الله تعالى نوحا عليه السلام أن يحمده على نجاته من قومه الظالمين، وعلى نجاته من الغرق مع الكافرين، وليس في الآية ما يدل على استحباب هذا الذكر لكل من ركب البحر.
وقد وردت بعض الأدعية والأذكار التي تقال عند ركوب البحر، غير أنها ضعيفة لا تصح، منها:
1- عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(أَمَانُ أُمَّتِي مِنَ الْغَرَقِ إِذَا رَكِبُوا أَنْ يَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... الآية") .
رواه أبو يعلى في "المسند" (12/152) ، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/132) : " رواه أبو يعلى عن شيخه جبارة بن مغلس، وهو ضعيف " انتهى.
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَمَانٌ لأُمَّتِي مِنَ الْغَرَقِ إِذَا رَكِبُوا السُّفُنَ أَنْ يَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ الْمَلِكِ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" [الزمر/67] , "بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ") رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/124) ، وفي "المعجم الأوسط" (6/184) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (1667) .
وقال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن الضحاك بن مزاحم إلا نهشل بن سعيد " انتهى.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/132) : " رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه نهشل بن سعيد وهو متروك " انتهى.
والمشروع في حق من ركب البحر أن يأتي بدعاء ركوب الدابة ودعاء السفر، فهي أدعية عامة لكل راكب وكل مسافر، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) الزخرف/12-14
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/176)
ما يقول أثناء الطواف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأذكار جمعها أحد محبي العمرة، وكان يريد نشرها بين المعتمرين، فتوقف حتى يعود إليكم مشكورين فى بيان الصحيح والسقيم، منها أذكار يحتاج إليها المعتمر: ما يقول أثناء الطواف: تبدأ الشوط الأول بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على نبيه، ثم الدعاء، مع تقديم دعوات الدين على الدنيا، مع حضور القلب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ أدعية أو أذكار تقال في الطواف، إلا فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ، رواه أحمد في "المسند" (3/411) وصححه ابن حبان (9/134) ، والحاكم (1/625) ، والتكبير كلما حاذى الحجر الأسود، رواه البخاري (4987) .
أما في باقي الطواف فهو مخير بين الذكر والدعاء وقراءة القرآن.
قال ابن قدامة في "المغني" (3/187) :
" ويستحب الدعاء في الطواف , والإكثار من ذكر الله تعالى ; لأن ذلك مستحب في جميع الأحوال , ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى، ويستحب أن يَدَعَ الحديثَ [الكلام] , إلا ذكرَ الله تعالى , أو قراءةَ القرآن , أو أمرا بمعروف , أو نهيا عن منكر , أو ما لا بد منه " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (26/122) -:
" وليس فيه - يعني الطواف - ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب، ونحو ذلك فلا أصل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201.
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء مخصص لكل شوط.
وعلى هذا؛ فيدعو الطائف بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ويذكر الله تعالى بأي ذكر مشروع من تسبيح أو تحميد أو تهليل أو تكبير أو قراءة قرآن" انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (24/327) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/177)
ما يقول عند رؤية الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأذكار جمعها أحد محبي العمرة، وكان يريد نشرها بين المعتمرين، فتوقف حتى يعود إليكم مشكورين في بيان الصحيح والسقيم: منها: ما يقول عند رؤية الكعبة: اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا ومهابة وبِرًّا، وزد مَن زاره ممن حج أو اعتمر تعظيما وتشريفا ومهابة، وتدعو بما شئت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا الدعاء ورد من عدة طرق كلها ضعيفة لا تصح.
1- عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/81) قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل من أهل الشام، عن مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد ضعيف لسببين:
1- مكحول من التابعين، فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلة، والمرسل من أقسام الضعيف.
2- جهالة الراوي عن مكحول، ولكن رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/73) من طريق أخرى عن سفيان عن أبي سعيد الشامي، فلعله هو الرجل الساقط في إسناد ابن أبي شيبة.
وأبو سعيد الشامي قال عنه الحافظ بن حجر في "التلخيص الحبير" (2/242) : كذاب. انتهى.
2- عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الشافعي – كما في "المسند" (ص/125) قال: أخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/73) .
قلت: وهذا سند صحيح إلى ابن جريج، فإن سعيد بن سالم هو القداح، قال فيه ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال ابن عدي: حسن الحديث، وأحاديثه مستقيمة، ورأيت الشافعي كثير الرواية عنه، كتب عنه بمكة عن ابن جريج، وهو عندي صدوق، لا بأس به، مقبول الحديث.
انظر: "تهذيب التهذيب" (4/35) .
إلا أن ابن جريج – وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج – من الذين عاصروا صغار التابعين، توفي سنة (150هـ) فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة، والحديث المعضل من أقسام الحديث الضعيف وهو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي.
ولهذا قال البيهقي: " هذا منقطع، وله شاهد مرسل " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/526) :
" وهو معضل فيما بين ابن جريج والنبي صلى الله عليه وسلم، قال الشافعي بعد أن أورده: ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء، فلا أكرهه، ولا أستحبه. قال البيهقي: فكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه " انتهى.
وقال الزيلعي في "نصب الراية" (3/37) : " وهذا معضل " انتهى.
ولعل طريق ابن جريج هذا يعود إلى مرسل مكحول السابق، فقد رواه الأزرقي في "أخبار مكة" (رقم/325) قال: حدثني جدي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، قال: حُدِّثت عن مكحول، أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى البيت رفع يديه فقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا.
3- عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/181) وفي إسناده عاصم بن سليمان الكوزي: كذاب وضاع، كذا اتهمه ابن عدي، والفلاس، والدارقطني، وقال النسائي: متروك. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال" (2/351) .
وقد حكم عليه الشيخ الألباني في "دفاع عن الحديث النبوي" (36) بقوله: ضعيف جدا، بل موضوع.
4- وقد روى هذا الذكر أيضا الواقدي في "مغازيه" (3/1097) قال: فحدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهارا من كدى، على راحلته القصواء إلى الأبطح، حتى دخل من أعلى مكة، حتى انتهى إلى الباب الذي يقال له: باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، فوقع زمام ناقته، فأخذه بشماله، قالوا: ثم قال حين رأى البيت: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا) انتهى.
والواقدي متروك الحديث كما قال الحافظ ابن حجر، وشيخه ابن أبي سبرة هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، قال فيه أحمد بن حنبل: يضع الحديث ويكذب، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات. انظر: "تهذيب التهذيب" (12/28) .
5- قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/526) :
" ورواه سعيد بن منصور في السنن له من طريق برد بن سنان، سمعت ابن قسامة يقول: (إذا رأيت البيت فقل: اللهم زده..) فذكره سواء " انتهى.
وذكره ابن سعد في "الطبقات" من غير إسناد (2/173) .
والخلاصة:
أن طرق الحديث كلها ضعيفة، ولا يقوي بعضها بعضاً.
ثانيا:
ذهب كثير من العلماء إلى العمل به، واستحباب الدعاء بما جاء فيه، تساهلا في أبواب الأدعية والأذكار بالعمل فيها بالمراسيل، إذا لم تكن منكرة أو مكذوبة.
ولعل أول من نص على استحبابه الإمام الشافعي في "الأم" (2/184) حيث يقول بعد أن روى الحديث عن ابن جريج في (باب القول عند رؤية البيت) :
" فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال مِن حَسَنٍ أجزأه إن شاء الله تعالى " انتهى.
وقال ابن عبد البر في "الكافي في فقه أهل المدينة" (ص/365) :
" فإذا رأى البيت قال: اللهم زد هذا البيت شرفا وتعظيما ومهابة وتكريما، وزد من شرفه وعظمة ممن حجه أو اعتمر تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة.
وليس هذا القول من سنن الحج، ولا من أمره، ولم يعرفه مالك فيما ذكر عنه بعض أصحابه، وقد روي ذلك عن جماعة من سلف أهل المدينة " انتهى.
ومثله ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (26/120) -:
" وقد ذكر ابن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما. فمن رأى البيت قبل دخول المسجد فعل ذلك، وقد استحب ذلك من استحبه عند رؤية البيت، ولو كان بعد دخول المسجد " انتهى.
فإذا قال المسلم هذا الدعاء أو غيره، فلا حرج عليه إن شاء الله، لكن عليه أن لا يعتقد ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/178)
إذا جمع بين الصلاتين، فكيف يقول الأذكار التي بعد الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن المسافر يقصر الصلاة الرباعية، وكذلك يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، ولكن الأذكار الواردة بعد الصلاة هل هي أيضاً تقصر، أو تؤدى الأذكار لكل صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الظاهر في الأذكار أنه يكتفى فيها بذكر واحد؛ لأن الصلاتين صارت كأنها صلاة واحدة، فيكتفى فيها بذكر واحد، لكن يكتفى بالأعم، فمثل المغرب مع العشاء يسن في المغرب أن يذكر الله عشر مرات [يعني يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير] ، وفي العشاء ثلاث مرات، فليأخذ بالأكثر؛ لأن الأقل يندرج بالأكثر، وإن أتى لكل واحدة بذكر فلا أرى في هذا بأساً، والأول كافٍ" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/259) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام وجواب(7/179)
ذكر كلمة التوحيد سبعين ألف مرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنني إذا قلت " لا إله إلا الله محمد رسول الله " سبعين ألف مرة يغفر لي كل ذنوبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد تخصيص الذكر بـ " لا إله إلا الله محمد رسول الله " سبعين ألف مرة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي اعتقاد نسبته إلى الدين، ولا يجوز تعليمه الناس على أنه من كلام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولم نجده إلا في كلام ابن عربي (ت 638هـ) صاحب كتاب " فصوص الحكم " المليئ بالغلو إلى حد الكفر وهدم الشريعة، فقد قال في " الفتوحات المكية":
" والذي أوصيك به أن تحافظ على أن تشتري نفسك من الله بعتق رقبتك من النار، بأن تقول:
(لا إله إلا الله) سبعين ألف مرّة، فإن الله يعتق رقبتك بها من النار أو رقبة من تقولها عنه من الناس، ورد في ذلك خبر نبوي " انتهى.
وتابع ابن عربي على العمل بهذا جمع من الصوفية، واستأنسوا بالمروي فيه، مع اعتراف بعضهم بضعفه، انظر: حاشية تحفة المحتاج (6/158) ، وبريقة محمودية شرح طريقة محمدية (2/459) .
ونحن لا ننكر أن يكون لكلمة التوحيد فضل وأجر عظيم، بل هي سبب نجاة العبد يوم القيامة، وأثقل ما يوضع في الميزان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري (128) ومسلم (32) .
وانظر: (14608) .
إلا أن الذي ننكره أن يخصص الذكر بالشهادتين بهذا العدد، سبعين ألف مرة، وأن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفضل الخاص.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (24/323) :
عمَّن (هلَّلَ سبعين ألف مرة وأهداه للميت يكون براءة للميت من النار) حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا هلل الإنسان وأهداه إلى الميت يصل إليه ثوابه أم لا؟
فأجاب:
" إذا هلل الإنسان هكذا: سبعون ألفا، أو أقل، أو أكثر، وأهديت إليه نفعه الله بذلك، وليس هذا حديثا صحيحا ولا ضعيفا " انتهى.
ونقل المقري أيضا في "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" (2/55) عن الحافظ ابن حجر إنكار كونه حديثا أيضا، ولكني لم أقف عليه في كتبه رحمه الله.
وقد سبق في موقعنا بيان ضوابط الذكر المشروع من الذكر المبتدع، يمكن الاستفادة منها في الأرقام الآتية: (22457) ، (47073) .
كما يمكن الاستفادة من الجواب رقم: (13693) وفيه ذكر أسباب أخرى لتكفير الذنوب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/180)
لم يثبت شيء مرفوع في الدعاء عند دخول مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأذكار جمعها أحد محبي العمرة، وكان يريد نشرها بين المعتمرين، فتوقف حتى يعود إليكم مشكورين في بيان الصحيح والسقيم، منها أذكار يحتاج إليها المعتمر: ما يقول عند دخول مكة: " اللهم إن هذا البلد بلدك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، والعبد عبدك , وأنا عبدك، جئتك من بلاد بعيدة، بذنوب كثيرة، وأعمال سيئة، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يصح هذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره بعض الفقهاء، توسعا في تعليم الناس بعض الأدعية المناسبة، وغاية ما جاء في روايته ما ذكره الماوردي في "الحاوي في الفقه الشافعي" (4/131) قال:
" يستحب لمن دخل مكة، أن يدخلها بخشوع قلب، وخضوع جسد، داعيا بالمعونة والتيسير، ويكون من دعائه، ما رواه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخوله: (اللهم هذا البلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأؤم طاعتك، متبعا لأمرك، راضيا بقدرك، مسلما لأمرك، أسألك مسألة المضطر إليك، المشفق من عذابك، خائفا لعقوبتك، أن تستقبلني بعفوك، وأن تتجاوز عني برحمتك، وأن تدخلني جنتك) انتهى باختصار.
وعَلَّق الحافظ ابن حجر على كلام الماوردي هذا، فقال:
" لم يسنده الماوردي، ولا وجدته موصولا، وجعفر هذا هو الصادق، وأبوه محمد هو باقر، وأما جده، فإن كان الضمير لمحمد، فهو حسين بن علي، ويحتمل أن يريد أباه علي بن أبي طالب؛ لأنه جده الأعلى، وعلى الأول يكون مرسلا، وقد وجدت في "مسند الفردوس " من حديث ابن مسعود قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وضع يده على الكعبة فقال: اللهم البيت بيتك، ونحن عبيدك، نواصينا بيدك ... فذكره حديثا، وسنده ضعيف " انتهى. نقلا عن ابن علان في "شرح الأذكار".
فالصواب عدم التزام هذا الدعاء وتعليمه الناس على هذه الهيئة، لما يُخشى أن يكون من الابتداع في الدين، وقد عده الشيخ الألباني في "صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم" من البدع الممنوعة (انظر بدعة رقم/44) ، فالواجب حذفه من كل النشرات التي تحتوي أدعية خاصة لمناسك الحج والعمرة، ومن أراد أن يدعو به دون التزام ولا اعتقاد فضيلة خاصة له، فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/181)
التسبيح أثناء مشاهدة التلفاز؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز حين تشاهد التلفزيون أن تسبح الله وتذكره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم في ذلك يتبع طبيعة المعروض على شاشة التلفاز:
فإن كان من المنكرات الظاهرة، كصور النساء والعورات وحفلات الرقص والغناء:
فلا يجوز تسبيح الله وذكره سبحانه في مثل هذه المواقف، لما فيه من امتهان ظاهر لذكر الله تعالى، والله سبحانه وتعالى يقول: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32، وقد كره العلماء إدخال شيء فيه ذكر الله تعالى أماكن التخلي وقضاء الحاجة، كما كرهوا قراءة القرآن أثناء بعض الأحوال التي لا تليق: كالتثاؤب، وخروج الريح وغيرها – كما في "التبيان" للنووي (ص/166) فكيف بذكر الله في حال المعصية والمجاهرة بها! لا شك أن كراهة ذلك أشد وأعظم.
وأما إذا كانت المَشاهد والبرامج التي تعرض من قبيل المباح أو المستحب من البرامج النافعة، فلا حرج من ذكر الله سبحانه وتسبيحه أثناء مشاهدتها.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) رواه مسلم (373) .
كما كان من هدي السلف رضوان الله عليهم ترطيب اللسان بذكر الله تعالى على جميع الأحوال: حتى كان أبو الدرداء يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة. ابن سعد في "الطبقات" (3/500) .
وكان أبو مسلم الخولاني يرفع صوته بالتكبير حتى مع الصبيان. "سير أعلام النبلاء" (4/10) ، وكان أحمد بن حرب إذا جلس بين يدي الحجام ليحفي شاربه يسبح، فيقول له الحجام: اسكت ساعة، فيقول: اعمل أنت عملك، وربما قطع من شفته وهو لا يعلم. "سير أعلام النبلاء" (11/33)
وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (علوم القرآن والتفسير/الإنصات عند استماع القرآن) :
" لهذا نقول للمرأة التي تشتغل بأعمال البيت وبغيرها: كالخياطة ونحوها: لا تقرأ القرآن في حال انشغالها، بل تتفرغ إذا أرادت قراءة القرآن لتتدبر معنى كلام الله عزّ وجلّ، فإذا كانت تحبّ أن تستغل وقتها بما يقرّب إلى الله بالإضافة إلى القيام بعمل البيت، فلديها ذكر الله عزّ وجلّ، تذكر الله، تحمد الله، تسبّح الله، تكبّر الله، تستغفر الله، فإن هذه الأذكار يحضر القلب فيها عند ذكرها في حال العمل؛ لأن كل كلمة تمثل معنى مستقلاً، فتجد الإنسان يستحضر المعنى لهذه الكلمات - أعني: التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار - ولو كان يعمل " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(7/182)
الفرق بين الجهر بالذِّكر بعد الصلوات والذِّكر الجماعي وموقف الإمام المجبر على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في مدينتنا وزارة الأوقاف تُلزم الأئمة بأن يدعو دبر الصلوات الخمسة جهراً، فهل يجوز لهم ذلك؟ ، وماذا يفعل الإمام الذي أُلزم بذلك؟ . هناك بعض شباب السلفية عندما يدعو الإمام ينهضون، ولا يكملون أذكارهم، فمنهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يخرج من المسجد، إنما أنا أجلس في مكاني، وأكمل الأذكار، ولا أنهض، ولا أدعو معه، أي: لا أؤمن على دعائه، فهل فعل هؤلاء يقول به أحد من العلماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثمة فرقٌ بين الجهر بالأذكار في أدبار الصلوات، وبين الذِّكر الجماعي، والأول يقول به عامة علمائنا المعاصرين، وله أصل في السنَّة، ولا ينبغي أن يكون رفعاً يشوش على المصلين المسبوقين في صلاتهم، والثاني – أي: الذكر الجماعي - مبتدع لا أصل له في السنَّة النبوية.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ما حكم الذِّكر الجماعي بعد الصلاة على وتيرة واحدة، كما يفعله البعض، وهل السنَّة الجهر بالذكر أو الإسرار؟
فأجاب:
" السنَّة الجهر بالذكر عقب الصلوات الخمس، وعقب صلاة الجمعة بعد التسليم؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم "، قال ابن عباس: " كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته ".
أما كونه جماعيّاً بحيث يتحرى كل واحد نطق الآخر من أوله إلى آخره وتقليده في ذلك: فهذا لا أصل له، بل هو بدعة، وإنما المشروع أن يذكروا الله جميعا بغير قصد لتلاقي الأصوات بدءاً ونهاية " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (11/191) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن حكم ترديد الأذكار المسنونة بعد الصلاة بشكل جماعي؟
فأجاب:
" هذه بدعة، لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن كل إنسان يستغفر، ويذكر لنفسه.
لكن السنَّة الجهر بهذا الذكر بعد الصلاة، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف إذا سمعهم "، وهذا دليل على أن السنَّة الجهر به، خلافاً لما كان عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به، وبعضهم يجهر بالتهليل دون التسبيح، والتحميد، والتكبير! ولا أعلم لهذا أصلاً من السنَّة في التفريق بين هذا وهذا، وإنما السنَّة الجهر ... .
فالمهم: أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضاً - أعني: رفع الصوت - ولا يكون رفعاً مزعجاً، فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال: (أيها الناس، اربَعوا على أنفسكم) ، فالمقصود بالرفع: الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/261-262) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
مسجد نصلي فيه، وعندما ينتهي الجماعة من الصلاة يقولون بصوت جماعي: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، هل هذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب:
" أما الاستغفار: فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه إذا سلَّم استغفر ثلاثًا قبل أن ينصرف إلى أصحابه ".
وأما الهيئة التي ذكرها السائل بأن يؤدَّى الاستغفار بأصوات جماعية: فهذا بدعة، لم يكن مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل كلٌّ يستغفر لنفسه، غير مرتبط بالآخرين، ومِن غير صوت جماعي، والصحابة كانوا يستغفرون فُرادى بغير صوت جماعي، وكذا مَن بعدهم مِن القرون المفضلة.
فالاستغفار في حد ذاته: سنَّة بعد السلام، لكن الإتيان به بصوت جماعي: هذا هو البدعة، فيجب تركه، والابتعاد عنه " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (3/72) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (32443) و (34566) و (10491) .
ثانياً:
إذا عُلم الفرق بين الجهر بالأذكار والأدعية الثابتة عقب الصلاة وبين الدعاء الجماعي: تبين أنه لا يجوز للإمام أن يأتي بالأوراد التي عقب الصلاة جماعة بصوت واحد، ولا أن يدعوَ دعاءً عامّاً بصوت جماعي، كما لا يجوز لدوائر الأوقاف في بلاد الإسلام أن تُلزم الأئمة بهذا؛ لعدم شرعيته.
والدعاء الجماعي المبتدع أدبار الصلوات له صورتان:
الأولى: ترديد الدعاء - سواء كان من أدعية أدبار الصلوات أم لم يكن - من جميع المصلين بصوت واحد.
الثانية: أن يدعوَ الإمام، ويؤمِّن المصلُّون على دعائه، مع علمهم به، وانتظارهم له.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله:
" الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرا في الجملة، مما يتعلق بالعبادات مثلا، فأتى به المكلف في الجملة أيضا، كذكر الله والدعاء والنوافل المستحبات وما أشبهها، مما يعلم من الشارع فيها التوسعة، كان الدليل عاضدا لعلمه من جهتين: من جهة معناه، ومن جهة عمل السلف الصالح به.
فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة، أو زمان مخصوص، أو مكن مخصوص، أو مقارنا لعباده مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار متخيلا أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصود شرعا، من غير أن يدل الدليل عليه، كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه.
فإذا ندب الشرع مثلا إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد، وبصوت، أو في وقت معلوم، مخصوص عن سائر الأوقات، لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم، بل فيه ما يدل على خلافه؛ لأن التزام الأمور غير اللازمة شرعا شأنها أن تفهم التشريع، وخصوصا مع من يقتدى به في مجامع الناس كالمساجد؛ فإنها إذا ظهرت هذا الإظهار، ووضعت في المساجد كسائر الشعائر التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المساجد وما أشبهها، كالأذان وصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف، فُهِم منها بلا شك أنها سنن، إذا لم تفهم منها الفرضية؛ فأحرى أن لا يتناولها الدليل المستدل به، فصارت من هذه الجهة بدعا محدثة بذلك.
وعلى ذلك ترك التزام السلف لتلك الأشياء، أو عدم العمل بها، وهم كانوا أحق بها وأهلها لو كانت مشروعة على مقتضى القواعد؛ لأن الذكر قد ندب إليه الشرع ندبا في مواضع كثيرة، حتى إنه لم يطلب في تكثير عبادة من العبادات ما طلب من التكثير من الذكر، كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} الآية وقوله: {وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} بخلاف سائر العبادات.
ومثل هذا الدعاء؛ فإنه ذكر لله، ومع ذلك فلم يلتزموا فيه كيفيات، ولا قيدوه بأوقات مخصوصة، بحيث تشعر باختصاص التعبد بتلك الأوقات، إلا ما عينه الدليل كالغداة والعشي، ولا أظهروا منه إلا ما نص الشارع على إظهاره، كالذكر في العيدين وشبهه، وما سوى فكانوا مثابرين على إخفائه ...
فكل من خالف هذا الأصل فقد خالف إطلاق الدليل أولا، لأنه قيد فيه بالرأي، وخالف من كان أعرف منه بالشريعة، وهم السلف الصالح رضي الله عنهم " الاعتصام (1/249-250) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله -:
في الذكر الجماعي، قاعدة هذه الهيئة التي يُردُّ إليها حكمها هي: أن الذكر الجماعي بصوت واحدٍ سرّاً، أو جهراً، لترديد ذكر معين، وارد أو غير وارد، سواءً كان من الكل، أو يتلقونه من أحدهم، مع رفع الأيدي، أو بلا رفع لها: كل هذا وصف يحتاج إلى أصل شرعي يدل عليه من الكتاب والسنَّة؛ لأنه داخل في عبادة، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الإحداث والاختراع؛ ولهذا نظرنا في الأدلة في الكتاب والسنَّة: فلم نجد دليلاً يدلُّ على هذه الهيئة المضافة، فتحقق أنه لا أصل له في الشرع المطهر، وما لا أصل له في الشرع فهو بدعة؛ إذاً فيكون الذكر والدعاء الجماعي بدعة، يجب على كل مسلم مقتدٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم تركها، والحذر منها، وأن يلتزم بالمشروع.
" تصحيح الدعاء " (ص 134) .
وعلى الإمام – ومعه إخوانه الأئمة – أن يبذل وسعه في دفع الأمر من الأوقاف، وبذل النصح لهم ببيان سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.
ويجوز للإمام أن يجهر بالدعاء الوارد عقب الصلوات ليؤمِّن على دعائه المصلون لكن بقصد التعليم، لا بقصد الفعل ذاته، وهي وسيلة للتخلص من أمر الأوقاف، ولتعليم الناس، وتأليف قلوبهم، حتى إذا عقلوا السنَّة ترك، وتركوا.
وهكذا ما تفعله أنت ـ أيها الأخ الكريم ـ من الجلوس مع الجماعة، وإكمال ذكرك وحدك، هو أمر حسن إن شاء الله، وما يفعله إخوانك من الانصراف، وعدم شهود الدعاء الجماعي، إن كان يترتب عليه مفسدة بين جماعة المسجدة، أو تنافر في القلوب، وإلقاء للبغضاء بين المسلمين، فالأولى بهم أن يجلسوا مع الناس، ويكملوا أذكارهم وحدهم.
وإن لم يترتب على خروجهم مفسدة أو فتنة بين جماعة المسجد؛ فما فعلوه لا بأس به إن شاء الله، بل هو أمر مشروع، وإن كان فيهم من يقتدي به الناس، ويمكن أن يؤدي خروجه إلى منع ذلك، فالمشروع في حقه أن يخرج، ويعلم الناس السنة.
والخلاصة: أن الدعاء بالهيئة الجماعية بعد الصلاة، مخالف للسنة؛ والخروج من المكان أمر مشروع لمن فعله، خاصة ورفع الصوت على هذه الهيئة غالبا ما يحصل منه تشويش على الحضور؛ فإن ترتب على ذلك الخروج مفسدة، فالأولى الجلوس في المصلى، وتكملون أذكاركم في أنفسكم، حتى ينتهي الجماعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/183)
قراءة الوِرْد وأذكار الصباح والمساء على غير وضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أقرأ دعاء المساء والصباح والوِرْد على غير وضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجوز قراءة الوِرْد ودعاء الصباح والمساء على غير وضوء؛ لقول عائشة: (كان رسول الله يذكر الله على كل أحيانه) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/233) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/184)
وقت أذكار الصباح والمساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أذكار المساء تكون بعد صلاة العصر أو بعد غروب الشمس؟ أي بعد صلاة المغرب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أذكار المساء تبتدئ من زوال الشمس (أول وقت صلاة الظهر) إلى غروبها، وفي أول الليل، وأذكار الصباح تبتدئ من طلوع الفجر إلى زوال الشمس، قال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) طه/130، وقال سبحانه: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) الأعراف/105، والأصال جمع أصيل، وهو: ما بين العصر والمغرب.
وقال سبحانه: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الروم/17، 18.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/178) .
وينظر للفائدة سؤال رقم (22765) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/185)
الذكر باللسان والقلب مشغول
[السُّؤَالُ]
ـ[أردد كثيراً من الأذكار والأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم باللسان، والقلب مشغول بأشياء أخرى، فهل يجب أن أعقل ما أقول في كل مرة أقول هذه الأذكار؟ الجواب:]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" المشروع تواطؤ القلب مع اللسان حتى يحصل الانتفاع بالذكر؛ لهذا فعليك الاجتهاد في تدبر ما تقولين عند الذكر، فإن غفل القلب أحياناً عن ذلك فلا حرج إن شاء الله، ونوصيك بكثرة الاستعاذة بالله من الشيطان عند وجود الوسوسة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/244) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/186)
ما المقصود بذكر الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بذكر الله، هل هو إقامة حلقات الذكر والطبل والتصفيق، أم هو الذكر لله في السر والجهر وقراءة القرآن سراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ذكر الله سبحانه عام، يشمل: فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ويشمل التسبيح والتهليل والتحميد جهراً وسراً، وقراءة القرآن ونحو ذلك مما شرعه الله من الأقوال والأفعال، وليس منه الطبل والتصفيق والذكر الجماعي، بل ذلك بدعة لا يجوز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/170) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/187)
استفتاح مجالس العلم بخطبة الحاجة أو غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح دائماً مجالسه بـ: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه) أم كان يفتتح بأدعية أخرى أيضاً، وما رأيك فيمن يفتتحون بأدعية أخرى، والمهم فيها حمد الله والثناء عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتزم هذا الدعاء في جميع خطبه ومجالسه، بل كان يفتتح به ويفتتح بغيره، وبذلك فيجوز للمسلم أن يفتتح مجلس علمه وتذكيره بأي استفتاح أو دعاء ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجوز أن يستفتح مجلسه بمجرد الثناء على الله بقوله الحمد لله، أو بمجرد التسمية بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) أو: (بسم الله) فقط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ بـ: بسم الله، فهو أجذم) ، وفي لفظ: (لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/229) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/188)
الاستغفار سبب لقوة البدن
[السُّؤَالُ]
ـ[أمارس رياضة كمال الأجسام لتقوية البدن , وهدفي هو الجهاد في سبيل الله. 1- هل الاستغفار يعطي القوة للجسم؟ وما هي الأوقات والعدد التي يجب أن نستغفر فيه الله؟ 2- أرجو منكم أدعية أو أذكاراً لزيادة القوة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنت أخي الكريم حين نويت برياضتك تلك النية الحسنة، فإن النية الحسنة تحول العادة إلى عبادة.
وأما ما سألت عنه من كون الاستغفار يزيد الإنسان قوة، فالجواب: نعم، قال الله تعالى حكاية عن نبيه هود أنه قال لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) هود/52.
وقال ابن القيم في "الوابل الصيب" (ص 77) وهو يعدد فوائد الذكر – ومنه: الاستغفار – "الفائدة الحادية والستون:
أن الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في مشيته وكلامه وإقدامه وكتابته أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة - يعني في أسبوع – أو أكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرا عظيما، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعليا رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثا وثلاثين، ويحمدا ثلاثا وثلاثين، ويكبرا أربعا وثلاثين، لما سألته الخادم، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك، وقال: (إنه خير لكما من خادم) فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في بدنه مغنية عن خادم" انتهى.
وأما أوقات الذكر وعدده، فينبغي للمؤمن أن يذكر الله تعالى في جميع أوقاته وعلى جميع أحواله، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) آل عمران/191، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. رواه مسلم.
فليكثر العبد من ذكر الله تعالى والاستغفار، وكلما أكثر فهو أفضل.
قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الأحزاب/41، 42.
وقال تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35.
وروى مسلم (2702) عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) .
وروى أبو داود (1516) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/189)
تحديد الاستغفار بعدد معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاستغفار بالعدد، مثلا اليوم أستغفر مائة وغدا مائتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب للمسلم الإكثار من الاستغفار فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم والليلة مائة مرة.
فعَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم (2702) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/114) وأحمد في "المسند" (2/450) وحسنه محققو المسند.
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (وَاللَّهِ إِنِّي لاَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً) رواه البخاري (6307) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) رواه أبو داود (1516) ، والترمذي (3430) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (ما رأيتُ أحداً أكثر من أن يقول: (أستغفر الله وأتوب إليه) مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/118) .
فإذا أردت أن تلتزم هذا العدد (مائة) اقتداء به صلى الله عليه وسلم فلك الأجر، وإذا أردت الزيادة على ذلك فلا حرج ما لم تتخذ عددا معينا أو طريقة معينة، بل ينبغي أن تجعل تلك الزيادة بحسب ما يتيسر، لأنه لا يشرع تحديد عبادة بعدد معين لم يرد به الشرع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/190)
الطريقة الصحيحة لرقية الطفل الصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي طفلة عمرها سنة وعدة شهور، عندما أكمل أذكار الصباح والمساء يوميا أنفث عليها، فهل هذا جائز، وهل هذه هي الطريقة الصحيحة في رقية الطفل الصغير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطريقة الصحيحة لرقية الطفل الصغير لحفظه وتحصينه هي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما.
فقد روى البخاري (3371) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ) .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/410) :
قوله: "وهامّة": واحدة الهوام ذوات السموم.
قوله: " ومن كل عين لامة ": قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل " انتهى باختصار.
ويستحب كذلك في رقية الأولاد قراءة المعوذتين عليهما، ومسح أجسامهم أثناء القراءة، أو قراءتهما بين الكفين ثم النفث فيهما بريق خفيف لتمسح أبدانهم بما تصل إليه اليد، أو قراءتهما في الماء ومسحهم أو تغسيلهم به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ نفسه وغيره بهما.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) رواه الترمذي (2058) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والنفث بالريق مع المعوذتين مأخوذ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبيل النوم، فقد كان يقرأ بهما في كفيه وينفث ثم يسمح جسده الطاهر بهما، فلما مرض كانت عائشة تفعل ذلك له، مما يدل على أن الصغير يمكن أن تنفث له أمه بالمعوذتين وتمسح بهما عنه.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِـ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعاً، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ) رواه البخاري (5748) .
أما أذكار الصباح والمساء، فلم يرد ـ فيما نعلم ـ أنها تقرأ على الآخرين بقصد الرقية، فلا ننصحك بالاستمرار بها، واقتصر على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه الكفاية، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/191)
معنى كلمة التسبيح " سبحان الله وبحمده "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى كلمة: " سبحان الله وبحمده " وكلمة: " بسم الله "، أرجو الإيضاح، فأنا أحتاج إلى ذلك في صلاتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كلمة التسبيح " سبحان الله " تتضمن أصلا عظيما من أصول التوحيد، وركنا أساسيا من أركان الإيمان بالله عز وجل، وهو تنزيهه سبحانه وتعالى عن العيب، والنقص، والأوهام الفاسدة، والظنون الكاذبة.
وأصلها اللغوي يدل على هذا المعنى، فهي مأخوذة من " السَّبْح ": وهو البُعد:
يقول العلامة ابن فارس: " العرب تقول: سبحان مِن كذا، أي ما أبعدَه. قال الأعشى:
سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِر أقولُ لمّا جاءني فخرُهُ
وقال قوم: تأويلُهُ عجباً له إِذَا يَفْخَر. وهذا قريبٌ من ذاك؛ لأنَّه تبعيدٌ له من الفَخْر " انتهى.
"معجم مقاييس اللغة" (3/96)
فتسبيح الله عز وجل إبعاد القلوب والأفكار عن أن تظن به نقصا، أو تنسب إليه شرا، وتنزيهه عن كل عيب نسبه إليه المشركون والملحدون.
وبهذا المعنى جاء السياق القرآني:
قال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) المؤمنون/91
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) الصافات/158-159
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الحشر/23
ومنه أيضا ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/384) عن حذيفة رضي الله عنه – في وصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل - قال: (وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَبَّحَ) صححه الألباني في صحيح الجامع (4782) ومحققو المسند.
وقد روى الإمام الطبراني في كتابه "الدعاء" مجموعة من الآثار في تفسير هذه الكلمة، جمعها في باب: " تفسير التسبيح " (ص/498-500) ، ومما جاء فيه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما:
" سبحان الله ": تنزيه الله عز وجل عن كل سوء.
وعن يزيد بن الأصم قال:
جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
" لا إله إلا الله " نعرفها: لا إله غيره، و " الحمد لله " نعرفها: أن النعم كلها منه، وهو المحمود عليها، و " الله أكبر " نعرفها: لا شي أكبر منه، فما " سبحان الله "؟
قال: كلمة رضيها الله عز وجل لنفسه، وأمر بها ملائكته، وفزع لها الأخيار من خلقه.
وعن عبد الله بن بريدة يحدث أن رجلا سأل عليا رضي الله عنه عن " سبحان الله "، فقال: تعظيم جلال الله.
وعن مجاهد قال:
التسبيح: انكفاف الله من كل سوء.
وعن ميمون بن مهران قال:
" سبحان الله ": تعظيم الله اسم يعظم الله به.
وعن الحسن قال:
" سبحان الله ": اسم ممنوع لم يستطع أحد من الخلق أن ينتحله.
وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى:
" سبحان الله ": تنزيه الله وتبرئته.
وقال الطبراني: حدثنا الفضل بن الحباب قال: سمعت ابن عائشة يقول:
العرب إذا أنكرت الشيء وأعظمته قالت: " سبحان "، فكأنه تنزيه الله عز وجل عن كل سوء لا ينبغي أن يوصف بغير صفته، ونصبته على معنى تسبيحا لله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والأمر بتسبيحه يقتضي أيضا تنزيهه عن كل عيب وسوء، وإثبات صفات الكمال له، فإن التسبيح يقتضي التنزيه، والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهه، وتحميده، وتكبيره، وتوحيده " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (16/125)
ثانيا:
أما معنى (وبحمده) فهي - باختصار – تعني الجمع بين التسبيح والحمد، إما على وجه الحال، أو على وجه العطف، والتقدير: أسبح الله تعالى حال كوني حامدا له، أو أسبح الله تعالى وأحمده.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (وبحمده)
قيل: الواو للحال، والتقدير: أسبح الله متلبسا بحمدي له [أي: محافظا ومستمسكا] من أجل توفيقه.
وقيل: عاطفة، والتقدير: أسبح الله وأتلبس بحمده ...
ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم، والتقدير: وأثني عليه بحمده، فيكون سبحان الله جملة مستقلة، وبحمده جملة أخرى.
وقال الخطابي في حديث: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك) أي: بقوتك التي هي نعمة توجب علي حمدك، سبحتك، لا بحولي وبقوتي، كأنه يريد أن ذلك مما أقيم فيه السبب مقام المسبب " انتهى.
"فتح الباري" (13/541) ، وانظر " النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير (1/457)
ثالثا:
أما السؤال عن معنى البسملة " بسم الله "، فقد سبق توضيحه وشرحه في جواب السؤال رقم: (21722) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/192)
توجيه ونصح لمن يعاني من سرعة الإنزال ويلتزم أدعية معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج، ولكن لدي مشكلة ألا وهي سرعة القذف، وأنا أعلم أن هذا ابتلاء وسوف يسبب لي الكثير من المتاعب عند الجماع بعد الزواج، حاليّاً: أتّخذ وسيلة لمعالجة نفسي بالقرآن الكريم من هذا الموضوع، وأفعلها يوميّاً وهي: قبل النوم: أضع كفي على ذكري وأقرأ الفاتحة، وأقرأ (وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة....) الآية، وأقرأ (وإذا مرضت فهو يشفين) ، كل واحدة منهم سبع مرات، ثم أقول: " أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني" سبع مرات، ثم أدعو، ثم أنفث على ذَكَري ثلاث مرات، وكل صباح - وأنا ذاهب إلى عملي في السيارة - أضع يدي على ذَكَري، وأقرأ آخر آيتين من سورة البقرة، وآية الكرسي، والفاتحة، والمعوذات، والإخلاص، والآيتين اللتين ذكرتهما سابقا، بالإضافة إلى الدعاء الذي ذكرته، ثم أنفث ثلاث مرات على ذَكَري، أفعل ذلك ثلاث مرات، بعد ذلك أدعو الله أن يشفيني من هذا. هل ما أفعله فعل صحيح أم أن هناك وسائل أخرى أو آيات أخرى؟ لا أريد أن أتزوج وأنا بهذه الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ندري كيف تعاني من سرعة في القذف وأنت غير متزوج! فمثل هذا الشيء لا يظهر إلا بالزواج فكيف تشكو منه؟! .
والذي يظهر لنا أن هذا الأمر إن لم يكن وهماً منك لا حقيقة لوجوده: فقد تكون عرفتَه من فعل العادة السرية! فإن كان كذلك: فاعلم أن عليك المبادرة لترك فعلها؛ فإن لها أضراراً كثيرة، ومن أضرارها أنها تسبب سرعة الإنزال بمجرد احتكاك الذكر بمهيج.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ثبت في علم الطب أن الاستمناء يورث عدة أمراض، منها: أنه يُضعف البصر، ويقلل من حدته المعتادة إلى حدٍّ بعيد، ومنها: أنه يضعف عضو التناسل، ويحدث فيه ارتخاء جزئيّاً، أو كليّاً بحيث يصير فاعله أشبه بالمرأة لفقده أهم مميزات الرجولة التي فضَّل الله بها الرجل على المرأة، فهو لا يستطيع الزواج، وإن فرض أنه تزوج: فلا يستطيع القيام بالوظيفة الزوجية على الوجه المطلوب، فلا بد أن تتطلع امرأته إلى غيره؛ لأنه لا يستطيع إعفافها، وفي ذلك مفاسد لا تخفى.
ومنها: أنه يورث ضعفاً في الأعصاب عامة نتيجة الإجهاد الذي يحصل من تلك العملية، ومنها: أنه يورث اضطراباً في آلة الهضم، فيضعف عملها ويختل نظامها، ومنها: أنه يوقف نمو الأعضاء خصوصاً الإحليل والخصيتين، فلا تصل إلى حد نموها الطبيعي، ومنها: أنه يورث التهاباً منويّاً في الخصيتين، فيصير صاحبه سريع الإنزال إلى حدٍّ بعيد، حيث ينزل بمجرد احتكاك شيء بذكره أقل احتكاك.
" فتاوى إسلامية " (3 / 122، 123) .
ولا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق من هذا الأمر، وكما أخبرناك فإنه إن كان السبب هو فعل العادة السرية فإنه يُرجى أن يكون بتركك لها أن ييسر الله لك الأمر، وأن لا يظهر هذا العارض معك بعد زواجك، وإن استمر معك بعد الزواج: فإنك تُوصى بأن لا تباشر الإيلاج حتى تلاعب زوجتك وتستمتع معها، وتهيجها، حتى إذا بلغت الذروة أولجت بعدها؛ لتعف نفسك وتعفها، على ألا تبالغ ـ أيضا ـ في تلك الملاعبة؛ فإنها ربما كانت من أسباب سرعة القذف.
فإن لم يُجد ذلك: فيمكنك استشارة طبيب مختص ليدلك على أدوية تبطئ من الإنزال، ولعله مع التعود على الجماع، وخاصة بعد انقضاء الفترة الأولى أن يزول هذا العارض من غير حاجة لدواء، فالمعلوم أنه من اشتدت عليه العزوبة جامع في أول زواجه مرات كثيرة في اليوم الواحد، ويكون سريع الإنزال؛ حتى تنقضي مدة يسيرة فترجع الأمور لطبيعتها.
وقد رويت أحاديث ضعيفة فيها استحباب معاشرة الزوج قبل الإيلاج، والتحذير من أن يقضي شهوته دونها، وهي وإن كانت ضعيفة الإسناد، إلا أنها مقبولة المعنى، وفيها من الآداب النافعة في ذلك الباب شيء حسن.
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -:
ويستحب أن يلاعِب امرأته قبل الجماع؛ لتنهض شهوتُها، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ، قلت: وذلك إليَّ؟ نعم إنك تقبِّلها، وتغمزها، وتلمزها، فإذا رأيتَ أنه قد جاءها مثل ما جاءك: واقعتها) .
فإن فرغ قبلَها: كُره له النزع حتى تفرغ؛ لما روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جامع الرجل أهله فليصدقها، ثم إذا قضى حاجته: فلا يَعجلها حتى تقضي حاجتها) ؛ ولأن في ذلك ضرراً عليها؛ ومنعاً لها من قضاء شهوتها.
" المُغني " (8 / 136) .
وكلا الحديثين ضعيفان، لكنهما صحيحان فقهاً، كما بينَّا.
قال المناوي – رحمه الله -:
(إذا جامع أحدكم أهله) أي: حليلته، قال الراغب: وأهل الرجل في الأصل يجمعه وإياهم سكن ثم عبر به عن امرأته.
(فليصدقها) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم الدال، من الصدق في الود والنصح، أي: فليجامعها بشدة، وقوة، وحُسن فعل جماع، ووداد، ونصح، ندباً.
(فإن سبقها) في الإنزال وهي ذات شهوة:
(فلا يعجلها) أي: فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها، بل يملها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره، فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها؛ فإن ذلك من حسن المعاشرة، والإعفاف، والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف ... .
ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده: أن الرجل إذا كان سريع الإنزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل: أنه يُندب له التداوي بما يبطئ الإنزال؛ فإنه وسيلة إلى مندوب، وللوسائل حكم المقاصد.
" فيض القدير " (1 / 325) .
ثانياً:
أما بخصوص الأدعية التي تقولها معالجاً بها نفسك: فإنه يصح منها ما ثبت بالسنَّة النبوية الصحيحة، وما عداه: فيجوز استعماله لكن بشرط ألا يجعل وردا دائما، كما تجعل الأذكار المأثورة.
وقراءتك لقوله تعالى: (وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة....) الآية، وقوله (وإذا مرضت فهو يشفين) لا بأس به، وإن كان الأكمل من ذلك والأفضل أن تتداوى بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترقي نفسك برقيته.
وقد بيَّنا هذا الثابت فيها في جواب السؤال رقم: (75399) فانظره، واكتف بما فيه تجد خيراً إن شاء الله.
وأما وضع اليد على الفرج، أو مسحه أثناء قراءة الرقية وما فيها من قرآن، فلا نرى ذلك لك، ونخشى أن يكون في استعمال القرآن في مثل ذلك امتهان له؛ ثم إن المشكلة التي ذكرتها ليست مرضا ظاهرا حتى تفعل ذلك لرقيته، ولو تحقق كونه مرضا، فليس المرض في الفرج، كما تظن، ولأجل ذلك استعملت ما ذكرت من الرقية، وإنما هو ـ لو ثبت ـ مشكلة أساسها في جهازك العصبي الذي لا يتمكن من التحكم في القذف على الوجه المعتاد.
والخلاصة: أننا لا ننصحك بالتأخر في الزواج، لأجل حل هذه المشكلة، فإنها لن تتبين حقيقة إلا بعد زواجك، فربما كانت وهما، أو زيادة في الشهوة، لأجل ما أنت فيه من العزوبة، لا يلبث أن يزول بعد فترة من الزواج، وإذا قدر بقاؤه، فيمكن استعمال بعض الأدوية المناسبة، بعد استشارة طبيب مختص.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/193)
ماذا يقول من نسي شيئا ويريد تذكره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما ينسى المرء شيئا ويريد تذكره: هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم - كما هو شائع - أم أن هناك دعاء معينا لتذكر ما نسيه المرء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نسي شيئا وأراد أن يستعين على تذكره واستحضاره، فعليه أن يستعين بدعاء الله تعالى وسؤاله، ولم يثبت في الكتاب أو في السنة ـ فيما نعلم ـ ذكر معين يمكن للمسلم أن يستعين به عند النسيان، وقد ذكر بعض أهل العلم أمرين اثنين نافعين عند النسيان:
الأمر الأول: ذكر الله تعالى، بالتهليل أو التسبيح أو التكبير أو أي نوع من أنواع الذكر،
قالوا: لأن النسيان من الشيطان، وذكر الله طارد له.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) الكهف/23-24.
قالوا: ومعنى قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) أي: إذا نسيت شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه.
ذكر هذا القول: الماوردي في "النكت والعيون" (2/471) والقرطبي في تفسيره (10/386) وابن الجوزي في "زاد المسير" (5/128) وغيرهم.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/61-62) :
" في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير:
الأول: أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها، والمعنى: أنك إن قلت سأفعل غداً كذا ونسيت أن تقول: إن شاء الله، ثم تذكرت فقل: إن شاء الله.
وهذا القول هو الظاهر؛ لأنه يدل عليه قوله تعالى: (وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله) الكهف/23.
وهو قول الجمهور: وممن قال به ابن عباس والحسن البصري أبو العالية وغيرهم.
القول الثاني: أن الآية لا تعلق لها بما قبلها، وأن المعنى: إذا وقع منك النسيان لشيء فاذكر الله؛ لأن النسيان من الشيطان، كما قال تعالى عن فتى موسى: (وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ) الكهف/63، وكقوله: (استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله) المجادلة/19، وقال تعالى: (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين) الأنعام/68 وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، كما يدل لذلك قوله تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الزخرف/36 وقوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس مِن شَرِّ الوسواس الخناس) الناس/1-4.
أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله. الخَنَّاس الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر الله، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئا أو ضاع منه شيء مِن ذكر الله على وجه غير مخصوص، كأن يقول لا إله إلا الله، أستغفر الله، لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقول بعد ذلك عسى ربي أن يهديني لأقرب من هذا رشدا وذلك اتباعا لما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً) أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة؟
فأجاب:
"إذا نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول: اللهم ذكرني ما نسيت، وعلمني ما جهلت، أو ما أشبه ذلك من الأشياء.
وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر فهذا لا أدري عنه، والآية يحتمل معناها: اذكر ربك إذا نسيت؛ لأن الله قال له: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً. إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) يعني استثن بقولك إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك إني فاعل ذلك غدا " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين.
الأمر الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في ذلك حديث، ولكنه ضعيف جدا، فلا يجوز العمل به، رواه أبو موسى المديني وذكره الحافظ ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" في الموطن الثاني والثلاثين من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: إذا نسي الشيء وأراد ذكره.
قال:
" ذكره أبو موسى المديني، وروى فيه من طريق محمد بن عتّاب المروزي، ثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي، ثنا عبد الله بن عبد الله العتكي، أنبأنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء الله) انتهى.
وهذا سند ضعيف، فيه علتان:
1- عبيد الله بن عبد الله العتكي: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/27) : " قال البخاري: عنده مناكير. وقال أبو جعفر العقيلي: لا يتابع على حديثه. وقال البيهقي: لا يحتج به " انتهى باختصار. وانظر بعض مناكيره في "الكامل" لابن عدي (4/332) .
2- سعدان بن عبدة القداحي: قال ابن عدي في "الكامل" (4/332) : " غير معوف " انتهى.
ولذلك ضعف الحديث الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص/326)
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على مقدمة كتاب "الروض المربع" (الشريط رقم 1/الدقيقة 18.35) عما يقوله بعض الناس إذا نسي شئيا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشيخ رحمه الله:
" لا أعرف له أصلا يعتمد، المستحب الذكر المطلق؛ لأن الله تعالى قال: (واذكر ربك اذا نسيت) ، فمن نسي يذكر الله، يقول: لا إله إلا الله، سبحان الله " انتهى بتصرف.
نقلا عن هذا الرابط:
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=14356&scholar_id=16&series_id=617
والحاصل: أن الاستعانة على التذكر تكون بدعاء الله تعالى وذكره مطلقا، ولم يثبت في ذلك ذكر معين أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/194)
فضل من قال لا إله إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو جزاء من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مئة مرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) رواه البخاري ومسلم
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أذكار اليوم والليلة من القرآن وصحيح السنة ص 18(7/195)
هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء ترديد الأذان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أذن المؤذن، فلما وصل المؤذن عند قول: أشهد أن محمدا رسول الله. قلت أنا السامع: أشهد أن محمدا رسول الله. ثم صليت على النبي. فقال لي أحدهم: إن هذه الصلاة مني بدعة. فهل هذا صحيح؟ مع الدليل. وأنا لم أذكر الصلاة إلا لأني سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي) فماذا أفعل يا شيخ والحال كما ذكرت؟ أرجو منك الإجابة المفيدة، فلقد تعبت، هل فعلي بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الأذكار والأدعية الشرعية المقيدة بحال معين الالتزام فيها بما ورد في الكتاب والسنة، من غير زيادة ولا نقصان.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (11/112) :
" ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فيجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به " انتهى.
ودليل هذه القاعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم البراء بن عازب الالتزام باللفظ من غير تغيير، وذلك حين لقنه دعاء يدعو به إذا أراد النوم فقال له:
(إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ. قُلْتُ: وَرَسُولِكَ قَالَ " لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ")
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
وهدي السلف في باب السنة والبدعة هو الاحتياط الدائم، والالتزام بالسنة الواردة خوفا من الوقوع في البدعة.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه:
" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " انتهى. رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/208)
لذلك أنكر بعض الصحابة على من زاد على المشروع؛ فعَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ "
رواه الترمذي (2738) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم الأذكار بألفاظها، ويحرص على تحفيظهم إياها كما أوحاها الله إليه، وكما يعلمهم السورة من القرآن، وذلك كي ينالوا بركتها وفضلها عند الله.
يقول ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ) رواه البخاري (6265) .
ومن ذلك ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في إجابة المؤذن، فقد ورد فيه عدة أحاديث، تدل جميعها على لزوم الاقتصار على ترديد قول المؤذن (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) من غير زيادة ولا نقصان.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ) رواه البخاري (611) ومسلم (383)
وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم (385)
فتأمل معي - أخي السائل - كيف فَصَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه كيفية إجابة المؤذن، ما يدلك على ضرورة الالتزام بما علَّمَنا من غير زيادة ولا نقصان، وإلا فما فائدة كل هذا البيان والتفصيل!
وقد فهم الصحابة مقصود النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يلتزمون بما علمهم ولا يجتهدون في الألفاظ.
روى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/409) بسند صحيح عن عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: (دَخَلْنَا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَنَادَى الْمُنَادِى بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ يَحْيَى فَحَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ. قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم) .
وبهذا يتبين أنه لا ينبغي لك زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الترديد مع المؤذن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمنا ذلك، وكذا صحابته الكرام، لم يُعرف عن أحد منهم أنه زاد شيئا في إجابته المؤذن.
وكل مسلم يؤمن بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف القربات وأجل الطاعات، غير أن الأذكار لها مواضع تشرع فيها، فلا ينبغي تعديها والزيادة عليها، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (327-445) جميع المواضع التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر منها: التشهد، وآخر القنوت، وفي صلاة الجنازة وفي الخطبة وعند الدعاء ... وليس شيء منها أثناء الأذان، إنما بعد انتهاء المؤذن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن القيم رحمه الله "جلاء الأفهام" (1/424) :
" والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، فلكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه، قالوا ولهذا لا تشرع الصلاة عليه في الركوع ولا السجود ولا قيام الاعتدال من الركوع " انتهى.
نعم، وردت أحاديث في التشديد في أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) رواه الترمذي (3546) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/35)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) رواه الترمذي (3545) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
لكن العلماء شرحوا وبينوا مقاصد هذه الأحاديث:
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (11/168-169) :
" وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكر؛ لأن الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد، والوعيد على الترك من علامات الوجوب.
وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة: منها أنه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين، فهو قول مخترَع، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن، وكذا سامعه، وللزم القارئ إذا مر ذكره في القرآن، وللزم الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين، ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه، ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به، وقد أطلق القدوري وغيره من الحنفية أن القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله؛ لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليك، ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى.
وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه، وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا " انتهى.
إذن فجميع الأحاديث الواردة في هذا الباب المقصود بها المواطن المشروعة، أو في المجالس التي يطلق فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود منها إطلاق الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الشهادتين.
يقول ابن القيم في "جلاء الأفهام" (1/393-394) في نقله وجوه الرد على من قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه:
" أحدها: أنه من المعلوم الذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنبي أكثر من أن يذكر، فإنهم كانوا يقولون: يا رسول الله. مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم صلى الله عليك، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير. فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليهم تركها.
الثاني: أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات، ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة.
الثالث: أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يُعرَف أن أحدا منهم قال به.
الرابع: أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يشرع له في الأذان فضلا أن يجب عليه.
الخاس: أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابَهُ أن يصلي عليه، وقد أمر السامع أن يقول كما يقول المؤذن، وهذا يدل على جواز اقتصاره على قوله: أشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله. فإن هذا مثل ما يقول المؤذن " انتهى باختصار.
لذلك جاء في كتب الفقه مواضع مما يكره فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في "تحفة المحتاج" من كتب الشافعية (2/65) :
" وَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي أَوْ سَمِعَ آيَةً فِيهَا اسْمُهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ تُسْتَحَبَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ – يعني النووي - " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/131) :
" وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ , وَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّعَرُّضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَذَانِ , وَلَا إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ وَلَمْ نَرَ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ أَيْضًا , فَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ , فَمَنْ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ نُهِيَ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ; وَمَنْ شَرَّعَ بِلَا دَلِيلٍ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ. " انتهى.
وفي "فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (10/334) :
" وكذلك ما يزيده بعض الناس من الصلاة على النبي مع الأذان عندما يقول: (لا إله إلا الله) يزيد: (الصلاة على النبي) رافعا بها صوته مع الأذان أو في المكبر، فهذا لا يجوز وبدعة أيضا " انتهى باختصار.
لكن إن فعل السامع ذلك أحيانا، لا على وجه الالتزام، أو اعتباره من الأذكار المقيدة بهذه الحال، أو من ترديد الأذان المشروع؛ فنرجو أن لا يكون بأس، ولا يصل الأمر فيه إلى حد البدعة إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/196)
فضل البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أصحاب يبقون في المسجد بعد صلاة الصبح ويشتغلون بذكر الله منفردا وفي ذلك المسجد بعض الناس يقرؤون القرآن جمعا بصورة عالية. ما رأيكم في هذا الحال؟ هل أفضل أن يكون ذكر الله من الصبح والمساء في المسجد أو في البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يستحب المكوث في المسجد بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولما في ذلك من الأجر الكبير، فقد روى مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا.
وروى مسلم أيضا (670) عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ.
وروى الترمذي (586) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وهذا يدل على فضل الجلوس في المسجد بعد الصبح، وفضل صلاة ركعتي الإشراق بعد طلوع الشمس وارتفاعها.
وبالجملة فبقاء الإنسان في المسجد للذكر والطاعة أو لانتظار الصلاة، كل ذلك من الأعمال الصالحة، والقربات النافعة، فقد روى البخاري (445) ومسلم (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) .
وعليه فقد أصاب إخوانك في بقائهم في المسجد للذكر، ونسأل الله تعالى لهم الثواب والأجر.
ثانيا:
قراءة القرآن جماعة على صوت واحد، ليس مشروعا، لعدم وروده في السنة، وإذا كان بصوت مرتفع يشوش على الذاكرين والجالسين، كان أشد كراهة، لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ) رواه أحمد (4928) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/112) : " ما حكم قراءة القرآن في المسجد جماعة؟
ج: السؤال فيه إجمال، فإذا كان المقصود أنهم يقرؤون جميعاً بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة فهذا غير مشروع، وأقل أحواله الكراهة؛ لأنه لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به، وإن كان المقصود أنهم يجتمعون على قراءة القرآن لحفظه أو تعلمه، ويقرأ أحدهم وهم يستمعون، أو يقرأ كل منهم لنفسه غير ملتق بصوته، ولا بموافقة مع الآخرين، فذلك مشروع؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم " انتهى.
وجاء فيها (4/39) : " س: هل يجوز قراءة سورة يس بالصوت المرتفع في المسجد أو لا؟
ج: لا يجوز لأحد أن يرفع صوته بقراءة القرآن في المسجد، لا بسورة يس ولا بغيرها من القرآن، لا في الصلاة ولا في غيرها؛ لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة) ولأن في ذلك تشويشا وإيذاء من بعضهم لبعض " انتهى.
وينبغي نصح هؤلاء القراء، ودعوتهم بالحسنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/197)
يسأل عن صحة دعاء للتحصن منشور على (الإنترنت)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الدعاء: (بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، اللهم إني اسألك يا الله يا رحمن يا رحيم يا حليم يا كريم يا قديم يا مديم يا عظيم يا الله، يا خير مسؤول، ويا أكرم مأمول، يا من له الحمد والثناء، وبيده الفقر والغناء، وله الأسماء الحسنى، لا مانع لمن أعطاه، ولا مضل لمن هداه، يفعل في ملكه ما يشاء، رب الأرباب، ومعتق الرقاب، ذو القوة القاهرة، والعظمة الباهرة، مالك الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق "، وبهول يوم المخاف، وبالزخرف والطور، بالرق المنشور، بالبيت المعمور، بالسقف المرفوع، بالبحر المسجور، بضوء القمر، بشعاع الشمس، بضوء النهار، بظلام الليل، بدوي الماء، بخيرات الأرض، بحفيف الأشجار، بعلو السماء، بهبوط الأرض، بجريان البحر، بعجائب الدنيا، بنور الصباح، بمكنون سرك، بوفاء عهدك، بعلمك بالشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، بقرب الجنة، ببعد النار، بعدل الميزان، بهدير الرعد، بلمعات البرق، برقدة أهل الكهف، بفطرة الإسلام، بزمزم والمقام، والحج إلى بيت الله الحرام، بسر يوسف، بطور سيناء، بسورة " يس "، بالأنبياء المرسلين، بحلة آدم، بتاج حواء، بحلة إبراهيم، بناقة صالح، بعصاة موسى، بإنجيل عيسى، بزابور داوود، بفرقان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، برقعة إدريس، بسفينة نوح، بسدرة المنتهى، بجنة المأوى، باللوح المحفوظ، بما جرى به القلم، بساعات الدهور، بالفلك الذي يدور، بالصدور وما حوت، بالأنفس الزكية وما عملت، والأقلام وما دارت، والنجوم وما سارت،......... سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم لدى جميع المسلمين أن الدعاء من أفضل العبادات، وأشرف القربات، وأن الأنبياء إنما بعثوا لتوحيد الدعاء لله سبحانه وتعالى، وتوقيف الناس على الدعاء الذي يشرعه الله ويبينه للناس.
ولذلك فإن من أخطر ما يناقض الإسلام، صرف الدعاء لغير الله، أو تشريع ما لم يأذن به الله من طرق وصيغ وأنواع الدعاء في مناسبات وأحوال مختلفة، يلتزمها الناس ويعملون بها، ويحفظونها ويتواصون بها، وغالبا ما يصاحب تلك الأدعية المستحدثة اعتقاد فضلها وعظيم نفعها وأجرها.
ولا أرى الدعاء المنقول في السؤال إلا من هذا الباب.
فهو دعاء مخترع مبتدع وضعه من وضعه ليكون ملاذا لمن أراد التحصن من الشرور، يعتقد فيه النفع، وينسبه إلى الشرع، ويستبدله بالأدعية والأذكار المشروعة الثابتة، وإن لم يكن ذلك بلسان المقال، فهو ولا شك واقع بلسان الحال.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" عمن يقول: أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح عنه أنه قد أساء وأخطأ، إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار، فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان، وخلاف للسنة، إذ الرسول لم يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا، ولم يدخر الله عنه خيرا، بدليل إعطائه خير الدنيا والآخرة، إذ هو أكرم الخلق على الله، فهل الأمر كذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
" الحمد لله، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هى أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّمًا، وقد يكون مكروها، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس.
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنًى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثاله قريب، وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " انتهى.
وفي الدعاء المنقول في السؤال كثير من الكلمات المنكرة المبتدعة، فضلا عن المعاني التي لم ترد بها أدلة الكتاب والسنة، ومن ذلك:
1- التوسل بأمور لا وجه للتوسل بها لا في العقل ولا في الشرع، وهي من التوسل الممنوع، إذ لم يرد في الشريعة ما يدل على التوسل بمثلها: انظر فيه قوله: اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق " ... بضوء القمر، بشعاع الشمس،..بحفيف الأشجار.. بجريان البحر.. بعجائب الدنيا..إلى آخر تلك الكلمات الكثيرة السمجة التي تدل على جهالة واضعها.
2- وفيه أيضا سوء الأدب مع الله بالقسم عليه بغير ما شرع القسم به من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فراح يتكلف أشياء غريبة: تاج حواء، عصا موسى ... ، إلى آخر ما ذكره من العدوان والافتراء.
3- الاعتداء في الدعاء، حيث فيه سؤال ما لا ينبغي للعبد أن يسأله، وذلك في قوله: اللهم إني أسألك أن تجعل لي كرامة جبريل، ومهابة إسرافيل، وقبول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
4- وفيه التعدي بتقرير بعض الأمور الغيبية بالوهم والخرص، انظر قوله: خلق النور من النور.
5- وفيه عُلقةٌ مما تقرره الفرق الباطنية من دعوى أن للقرآن الكريم ظاهرا وباطنا، وذلك في قوله: بسر يوسف.
6- وفيه الكثير من الأخطاء اللغوية كاستعمال كلمات غير مستعملة نحو (مفرود) وسجع متكلف سمج تمجه الأسماع، ومترادفات كثيرة، وتنطع، وتكلف، وسخافة لا تدل إلا على جهل واضعها واستسخافه عقول الناس، ولا يكاد المرء يكره نفسه على قراءته إلا بالجهد الجهيد، فكيف بقبوله والعمل به، قاتل الله واضعه الكذاب!!
والعجب أنه ورغم كل هذه النكارات ينسب إليه واضعه التحصين ودفع الشرور؟!
فليحذر المسلم من الالتفات إلى مثل هذه المبتدعات، وليلجأ إلى أذكار التحصين الشرعية، والتي تحوي جوامع الكلم، وأبلغ الجمل، وأحسن الكلمات ثناءً على الله واعترافا بفضله، وهي الكلمات التي كان يحصن بها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وأبناءه، نحو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما - يعني إبراهيم عليه السلام - كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) رواه البخاري (3191) (الهامة) : بتشديد الميم هي كل ما له سم يقتل. (من كل عين لامة) أي من كل عين تصيب بسوء.
وفي موقعنا مجموعة من الأذكار والأدعية الشرعية، يمكنك مراجعتها في أرقام الأجوبة الآتية: (77208) ، (82463)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/198)
الأذكار بين الأذان والإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف الدعاء الذي نقوله قبل الأذان وقبل الإقامة وبعد الأذان وبعد الإقامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أما عن الدعاء قبل الأذان فليس هناك دعاء قبل الأذان - فيما أعلم - ولو خصص ذلك بقول خاص أو غير خاص في ذلك الوقت فهو بدعة منكرة ولكن إن جاء اتفاقاً وصدفة فلا بأس به.
2. أما قبل الإقامة عندما يهم المؤذن بالإقامة بالذات فهذا أيضاً لا نعلم فيه قولاً مخصوصاً ففعله مع عدم ثبوت دليل عليه بدعة منكرة.
3. أما ما بين الأذان والإقامة فالدعاء عندئذٍ مرغّب فيه ومستحب.
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ". رواه الترمذي (212) وأبو داود (437) وأحمد (12174) – واللفظ له – وصححه الألباني في صحيح أبي داود 489.
والدعاء بعد الأذان مباشرة له صيغ مخصوصة:
- منها: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ". رواه البخاري (589) .
4. وأما الدعاء بعد الإقامة فلا نعلم له دليلاً، وإن خصص الدعاء بشيء من غير دليل صحيح كان بدعة.
5. وأما الدعاء حين الأذان فإنه يسن لك أن تقول كما يقول المؤذن إلا عند قوله: حي على الصلاة – حي على الفلاح. فإنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ". رواه مسلم (385) .
6- أما الدعاء حين الإقامة: فبعض العلماء أجراه على العموم باعتباره أذاناً فاستحب الترديد، ولم يستحبه علماء آخرون لضعف الحديث الوارد في الترديد مع الإقامة الذي سيأتي تخريجه، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (2/136) والشيخ العثيمين في الشرح الممتع (2/84)
ـ ومن الخطأ قول: أقامها الله وأدامها الله عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف.
عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان ". رواه أبو داود (528) . والحديث: ضعفه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/199)
حكم الدعاء بغير العربية في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن ندعو بغير العربية في الصلاة بعد التشهد والدعاء موجود في السنة؟ هل يمكن أن ندعو بدعاء يوجد في القرآن ولا يوجد في السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان المصلي يُحسن الدعاء باللغة العربية فلا يجوز له الدعاء بغيرها.
لكن إن كان المصلِّي عاجزاً عن الدعاء بالعربية: فلا مانع من الدعاء بلغته، على أن يتعلم اللغة العربية أثناء ذلك.
وأما الدعاء بغير العربية خارج الصلاة: فلا بأس به، ولا حرج فيه لاسيما إذا كان حضور قلب الداعي فيه أعظم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه، فإنَّه يعلم ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تنوع الحاجات ...
" مجموع الفتاوى " (22 / 488 – 489) .
وانظر الجواب على السؤالين: (3471) و (11588) .
ثانياً:
لا مانع من الدعاء بالأدعية الواردة في القرآن حتى لو لم ترد في السنَّة، وفي كلٍّ خير وهدى ورشاد، وأكثر دعاء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام عرفناه من القرآن، ولا شك أن أدعيتهم – عليهم الصلاة والسلام – أبلغ الأدعية وأعظمها معانٍ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وينبغي للخلق أنْ يدْعوا بالأدعية الشرعيَّة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحُسنه وأنَّه الصراط المستقيم، وقد ذكر علماءُ الإسلام وأئمَّة الدين الأدعيةَ الشرعيَّة، وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك.
" مجموع الفتاوى " (1 / 346 و 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/200)
الدعاء الذي أنقذ الصحابي من اللص، وفيه (يا ودود! يا ذا العرش المجيد!)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أتبين درجة هذه الأحاديث؛ لأنها تصلني على البريد الإلكتروني ولا أعلم صحتها: اقرأه 3 مرات والله يستجيب بإذن الله: (يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء المذكور ورد في حديث له قصة مشهورة منتشرة في المنتديات، لعل من المناسب ذكرها حتى يتبين أمرها:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى (أبا معلق) ، وكان تاجراً يتجر بماله ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي! شأنك بالمال، فقال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أمَّا إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات؟ قال: صلِّ ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلَّى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: (يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعَّال لما يريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شرَّ هذا اللص، يا مغيث أغثني! ثلاث مرار) قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، قال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟ قال: أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله.
قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب) .
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " (64) و" الهواتف " (24) ، ومن طريقهِ أخرجه اللالكائي في " شرح أصولِ الاعتقاد " (5 / 166) وبوَّب عليه: " سياق ما روي من كراماتِ أبي معلق "، وأخرجه " أبو موسى المديني " – كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (7 / 379) في ترجمة " أبي معلق الأنصاري " ونقل عنه أنه أورده بتمامه في كتاب " الوظائف "، وكذا رواه عنه تلميذه ابن الأثير في " أسد الغابة " (6 / 295) -: جميعهم من طريق الكلبي يصله إلى أنس رضي الله عنه.
وقد اضطرب فيه الكلبي واختلفت الرواية عنه:
فمرة يرويه عن الحسن عن أنس – كما هي رواية ابن أبي الدنيا -.
ومرة يرويه عن الحسن عن أبي بن كعب – كما ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة عن سند أبي موسى المديني -.
ومرة يرويه عن أبي صالح عن أنس – كما في رواية ابن الأثير عن أبي موسى المديني.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -:
وهذا إسناد مظلم ... الآفة إما من الكلبي المجهول، وإما ممن دونه، والحسن – وهو البصري – مدلس وقد عنعن، فالسند واهٍ.
فمن الغريب أن يُذكر (أبو معلق) هذا في الصحابة، ولم يذكروا ما يدل على صحبته سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسناد الواهي! ولذلك – والله أعلم – لم يورده ابن عبد البر في " الاستيعاب "، وقال الذهبي في " التجريد " (2 / 204) : له حديث عجيب، لكن في سنده الكلبي، وليس بثقة، وهو في كتاب " مجابو الدعوة "، ويلاحظ القراء أنه قال في الكلبي: " ليس بثقة "، وفي هذا إشارة منه إلى أنه لم يلتفت إلى قوله في الإسناد: " وليس بصاحب التفسير "؛ لأن الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بأنه ليس بثقة، وقد قال في " المغني ": " تركوه، كذَّبه سليمان التيمي، وزائدة، وابن معين، وتركه ابن القطان، وعبد الرحمن ".
ومن الغرائب أيضاً: أن يَذكر هذه القصة ابن القيم في أول كتابه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " من رواية ابن أبي الدنيا هذه، معلقا إياها على الحسن، ساكتاً عن إسنادها! .
" السلسلة الضعيفة " (5737)
قلت:
وللكلبي متابعة من قبل مالك بن دينار، فقد أخرج القشيري في " الرسالة القشيرية " (2 / 85، 86 باب الدعاء) القصة بسياق مشابه فقال:
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك قال: أخبرنا محمد بن عبد ربه الحضرمي قال: أخبرنا بشر بن عبد الملك قال: حدثنا موسى بن الحجاج قال: قال مالك بن دينار: حدثنا الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه ... فذكر الحديث.
لكنها متابعة غير صالحة، إذ في هذا السند علتان:
الأولى: محمد بن عبد ربه الحضرمي: لم أقف له على ترجمة.
الثانية: بشر بن عبد الملك الراوي عن موسى بن الحجاج: لم أعرفه أيضا، فكل مَن تُرجم لهم بهذا الاسم ثلاثة:
1. بشر بن عبد الملك الخزاعي مولاهم الموصلي، روى عن: غسان بن الربيع ومحمد بن سليمان لوين وجماعة، وروى عنه: الطبراني.
" تاريخ الإسلام " الذهبي (أحدا سنة 300 هـ) .
2. بشر بن عبد الملك، أبو يزيد الكوفى نزيل البصرة، روى عن: عون بن موسى، وعبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري، كتب عنه: أبو حاتم بالبصرة، وروى عنه: أبو زرعة، وسئل عنه فقال: شيخ.
" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (2 / 362) .
3. بشر بن عبد الملك العتبي، يروى عن: يحيى بن سعيد الانصاري، روى عنه: أبو سعيد الأشج.
" الثقات " لابن حبان (6 / 97) .
وهم كما ترى لا يبدو أن أحداً منهم هو المذكور في الحديث.
إلا أن الحافظ ابن ماكولا في " الإكمال " (5 / 101) ذكر راوياً عن موسى بن الحجاج باسم (بشران بن عبد الملك) فقال:
وأما بشران: فهو بشران بن عبد الملك، أظنه موصليّاً، حدَّث عن موسى بن الحجاج بن عمران السمرقندى ببيسان عن مالك بن دينار.
انتهى.
فلعله هو المقصود، وتصحف اسمه في كتاب " القشيري " إلى " بشر ".
أما ابن السماك فهو ثقة، ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (17 / 312) .
وكذا مالك بن دينار (127 هـ) ترجمته في " تهذيب التهذيب " (10 / 15) .
والخلاصة:
أن القصة والدعاء لا يصحان بوجه من الوجوه، إلا أن جمل هذا الدعاء وعباراته ليس في شيء منها نكارة، بل كلماته صحيحة عظيمة تشهد لها نصوص من الكتاب والسنة، ولكن لا يعني ذلك لزوم نجاة من دعا بها، أو اعتقاد نصرة الله تعالى لمن ذكرها، فذلك متوقف على صحة السند به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن السند لم يصح: فلا ينبغي اعتقاد ذلك، ومن أحب أن يحفظ هذه الكلمات ويدعو بها دون أن ينسبها إلى الشرع: فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/201)
التكبير المطلق والمقيد في أيام ذي الحجة
[السُّؤَالُ]
ـ[عن التكبير المطلق في عيد الأضحى، هل التكبير دبر كل صلاة داخل في المطلق أم لا؟ وهل هو سنة أم مستحب أم بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، لقول الله سبحانه: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) الحج /28، الآية، وهي أيام العشر، وقوله عز وجل: (واذكروا الله في أيام معدودات) البقرة / 203، الآية، وهي أيام التشريق، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل) رواه مسلم في صحيحه، وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما: (أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما) . وكان عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما يكبران في أيام منى في المسجد وفي الخيمة ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتج منى تكبيراً، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير، ويبدأ التكبير عند أول حصاة من رمي الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس، لقول أنس رضي الله عنه: (كان يلبي الملبي يوم عرفة فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه) رواه البخاري، ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية، وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة.
وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة. وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد، لما تقدم من الآية والآثار، وفي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/17.(7/202)
حكم الصلاة والسلام على غير الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القول عليه السلام للصحابي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استعمال لفظ " عليه السلام " لغير الأنبياء، فيه خلاف بين أهل العلم، ملحق بخلافهم في الصلاة عليه انفرادا، والراجح جوازه إذا فعل أحيانا، ولم يتخذ شعارا، يخص به صحابي عمن هو أفضل منه.
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على هذه المسألة في كتابه: "جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، ونسب القول بالكراهة إلى ابن عباس وطاووس وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة ومالك وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وأصحاب الشافعي.
ونسب القول بالجواز – نقلا عن القاضي أبي يعلى – إلى: الحسن البصري وخصيف ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير. قال وهو قول الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأبي ثور ومحمد بن جرير الطبري.
وساق للمانعين عشرة أدلة، وللمجيزين أربعة عشر دليلا، وانتهى إلى قوله: " وفصل الخطاب في هذه المسألة أن الصلاة على غير النبي إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول، فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجائزة مفردة.
وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموما الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضا، فيقال اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين.
وإن كان شخصا معينا أو طائفة معينة كُره أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعارا له ومنع منها نظيره أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه، فإنهم حيث ذكروه قالوا عليه الصلاة والسلام ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع، لا سيما إذا اتخذ شعارا لا يخل به، فتركه حينئذ متعين.
وأما إن صلى عليه أحيانا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما صلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر: للميت صلى الله عليه، وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي مِن صلاته على عمر، فهذا لا بأس به، وبهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب، والله الموفق " انتهى من "جلاء الأفهام" ص (465- 482) .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد ذكر الخلاف ملخصا هذا الخلاف: " وأما الصلاة على غير الأنبياء، فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث: (اللهم، صل على محمد وآله وأزواجه وذريته) ، فهذا جائز بالإجماع، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم.
فقال قائلون: يجوز ذلك، واحتجوا بقوله: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) ، وبقوله: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) ، وبقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفَى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللهم صل عليهم) وأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى) . أخرجاه في الصحيحين. وبحديث جابر: أن امرأته قالت: يا رسول الله، صل عَلَيَّ وعلى زوجي. فقال: (صلى الله عليكِ وعلى زوجك) .
وقال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة؛ لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: قال أبو بكر صلى الله عليه. أوقال: علي صلى الله عليه، وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: قال محمد عز وجل، وإن كان عزيزا جليلا؛ لأن هذا من شعار ذكر الله، عز وجل. وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم؛ ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى، ولا لجابر وامرأته، وهذا مسلك حسن.
وقال آخرون: لا يجوز ذلك؛ لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم في ذلك، والله أعلم.
ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم، أو الكراهة التنزيهية، أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار، ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: "عز وجل"، مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: "محمد عز وجل"، وإن كان عزيزا جليلا لا يقال: "أبو بكر -أو: علي -صلى الله عليه". هذا لفظه بحروفه.
قال [أي النووي] : وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: "علي عليه السلام"، وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليكم، أو سلام عليك، أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى ما ذكره.
قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب، أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو: "كرم الله وجهه" وهذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين " انتهى من "تفسير ابن كثير" لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب/56.
وقال السفاريني: " هل السلام كالصلاة خلافا ومذهبا أو ليس إلا الإباحة فيجوز أن يقول السلام على فلان وفلان عليه السلام؟
أما مذهبنا [أي الحنبلي] فقد علمت جوازه من جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالا بالأولى. وأما الشافعية فكرهه منهم أبو محمد الجويني فمنع أن يقال فلان عليه السلام. وفرق آخرون بينه وبين الصلاة، فقالوا: السلام يشرع في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب , فإنك تقول بلغ فلانا مني السلام , وهو تحية أهل الإسلام بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول المصلي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " انتهى من "غذاء الألباب" (1/33) .
وينظر: الأذكار للنووي ص 274، مطالب أولي النهى (1/461) ، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/173) ، الموسوعة الفقهية (27/239) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصلاة على غير الأنبياء تبعاً جائزة بالنص والإجماع لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً لا تبعاً هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا؟ فالصحيح جوازها، أن يقال لشخص مؤمن صلى الله عليه وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على من أتى إليه بزكاته وقال: (اللهم صلى على آل أبي أوفى) حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم، إلا إذا اتخذت شعاراً لشخص معين كلما ذكر قيل: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء، مثل لو كنا كلما ذكرنا أبا بكر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عمر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عثمان قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا علياً قلنا: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز أن نتخذ شعاراً لشخص معين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والحاصل أنه لا حرج في الصلاة أو السلام على الصحابي منفردا أحيانا، بأن يقال: أبو بكر عليه السلام، أو علي عليه السلام، بشرط ألا يتخذ ذلك شعارا يخص به صحابي دون من هو أفضل منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/203)
الذكر المشروع عند الإفطار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء من الأحاديث التي قالوا عنها أنها ضعيفة مثل:
1 - عند الفطور " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ".
2 - أشهد أن لا إله إلا الله أستغفر الله أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. هل يشرع , يجوز , لا يجوز , مكروه , لا يصح أو حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدعاء عند الإفطار بما ذكرت، ورد في حديث ضعيف رواه أبو داود (2358) عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ.
ويغني عنه ما رواه ابو داود (2357) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: (ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ثانيا:
يستحب للصائم أن يدعو أثناء صيامه، وعند فطره؛ لما روى أحمد (8030) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ قَالَ لَوْ تَكُونُونَ أَوْ قَالَ لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنْ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلا يَمُوتُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) . والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
ورواه الترمذي (2525) بلفظ: " وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ... " وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فلك أن تسأل الله الجنة وأن تتعوذ من النار، وأن تستغفر، وأن تدعو بغير ذلك من الأدعية المشروعة، وأما الدعاء بهذه الصيغة المرتبة: " أشهد أن لا إله إلا الله أستغفر الله أسألك الجنة وأعوذ بك من النار " فلم نقف عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/204)
ذكر اللَّه باسمه المفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد طلاب العلم يذكر بدع الصوفية، فذكر من بينها ذكرهم الله بالاسم المفرد، وأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه الكرام، ولكن ألم يقل رسول الله في الحديث الذي لا أذكر نصه، ولكن معناه أنه لن تقوم الساعة على عبد يقول الله الله، وهذا ذكر لله بالاسم المفرد، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في مقام مدح لقائله، حيث استثناه من شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
ذكر الله بالاسم المفرد، بأن يقتصر الذاكر على لفظ الجلالة فيقول: الله، الله، الله، من بدع الأذكار التي أحدثها الجهال من المتصوفة ومن وافقهم، لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة.
وقد سبق في موقعنا تقرير ذلك بشكل مفصل في جواب السؤال رقم: (9389) ، (26867)
ثانيا:
أما ما يستدل به البعض على مشروعية هذا الذكر، فهي شبهات ساقطة لا تدل على مشروعية هذا النوع من الذكر أبدا، ومن هذه الأدلة:
ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ) رواه مسلم (148)
وليس في الحديث دليل على الذكر بالاسم المفرد، وذلك من وجوه:
1- أن بعض الرويات جاء فيها: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه)
وهي رواية أحمد في "المسند" (3/268) ، وابن حبان في صحيحه (15/262) والحاكم (4/540) بل هي إحدى روايات مسلم كما نقله القاضي عياض من رواية ابن أبي جعفر. انظر النووي في "شرح مسلم" (2/178)
فهذه الرواية تفسر الرواية الأولى، فيكون المعنى: لا تقوم الساعة على الموحدين الذين يقولون: لا إله إلا الله.
2- لا يجوز أن يكون المراد بالحديث: أن الساعة لا تقوم على من يذكر الله باسمه المفرد، وتقوم على من يذكرون بغير ذلك، فإن غاية ما يُزعم هو استحباب الذكر بالاسم المفرد، وليس فرضيته، فكيف يكون مدار النجاة من هول قيام الساعة على أمر مستحب؟! .
3- ثم إن اللغة العربية لا تسعف من يريد أن يستدل به، لأن الاسم المفرد لا يفيد معنى تاما، وذكر الله تعالى لا بد أن يحمل معنى الثناء عليه بشيء من صفاته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/564) :
" اتفق أهل العلم بلغة العرب وسائر اللغات على أن الاسم وحده لا يحسن السكوت عليه، ولا هو جملة تامة ولا كلاما مفيدا " انتهى.
4- أن الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين ومن تبعهم، لم يفهموا من هذا الحديث استحباب الذكر بالاسم المفرد، ولم يرد عن أحد منهم أنه استنبط ذلك من هذا الحديث، وهذا دليل كاف على بطلان هذا الاستدلال.
5- ثم تواردت أقوال العلماء في تفسير الحديث، ولم يرد عن أحد منهم الاستدلال به على الذكر بالاسم المفرد.
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/178) :
" (يقول الله الله) : هو برفع اسم الله تعالى، وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه " انتهى.
ويقول الطيبي كما في "تحفة الأحوذي" (6/375) :
" معنى (حتى لا يقال) حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد " انتهى.
ويقول المناوي في "فيض القدير" (6/417) :
" وليس المراد أن لا يتلفظ بهذه الكلمة، بل أنه لا يذكر الله ذكرا حقيقيا، فكأنه لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل، أو التكرار كناية عن أن لا يقع إنكار قلبي على منكر؛ لأن من أنكر منكرا يقول عادة متعجبا من قبحه " الله الله " فالمعنى: لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من ينكر المنكر " انتهى.
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "فتاوى جدة" (الشريط رقم/6/الدقيقة 60) :
" هذا لا يعني أن المسلم يجلس يذكر الله بالاسم المفرد، فيقول مائة مرة "الله الله الله" كما يفعلون في كثير من الطرق، وتفسيره في رواية الإمام أحمد في "المسند" (لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله)
فإذًا اللفظ المفرد في الرواية الأولى كنايةٌ عن التوحيد، ومعنى ذلك أنه لا تقوم الساعة على وجه الأرض من يعبد الله.
هذا قد جاء صريحا في حديث ابن سمعان في صحيح مسلم، وفيه أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يقيم الساعة أرسل ريحا طيبة فيقبض روح كل مؤمن، فلا يبقى على وجه الأرض إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.
وليس في هذا الذكر أكثر من أنه مستحب، فهل لا تقوم الساعة إلا على من ترك المستحب، يعني إذا استمر المسلمون يقومون بكل واجباتهم وعقائدهم الصحيحة، لكنه أخل بهذا الأمر المستحب، فعليهم تقوم الساعة!؟ " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/205)
هل ورد في فضل سورة "طه" حديث صحيح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن فضل قراءة سورة طه، وأيضا عن فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات متواصلة لفترة معينة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
صح في فضائل سورة (طه) الأحاديث الآتية:
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال في بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ: (هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي)
رواه البخاري (4994)
قال البيهقي في "شعب الإيمان" (2/476) :
" (العِتاق) : جمع عتيق، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقا، يريد تفضيل هذه السور لما تضمنت من ذكر القصص وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة السلام وأخبار الأمم، و (التِّلاد) : ما كان قديما من المال، يريد أنها من أوائل السور المنزلة في أول الإسلام لأنها مكية، وأنها من أول ما قرأه وحفظه من القرآن " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/388) :
" (مِنَ العِتَاقِ) جمع عتيق وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث، وقوله (هُنَّ مِن تِلَادِي) أي: مما حفظ قديما، والتلاد قديم الملك، وهو بخلاف الطارف، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم " انتهى.
2- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ: فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ ")
رواه ابن ماجه (3856) والحاكم (1/686) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (746) وقال رحمه الله:
" قول القاسم بن عبد الرحمن (الراوي عن أبي أمامة) أن الاسم الأعظم في آية (وعنت الوجوه للحي القيوم) من سورة (طه) لم أجد في المرفوع ما يؤيده، فالأقرب عندي أنه في قوله في أول السورة (إني أنا الله لا إله إلا أنا..) فإنه الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة، فانظر "الفتح" (11/225) ، و "صحيح أبي داود" (1341) " انتهى.
ثانيا:
جاء في فضائل سورة طه أحاديث ضعيفة واهية، أذكرها هنا للتنبيه عليها، ولتحذير الناس منها:
1- عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله تبارك وتعالى قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا)
رواه الدارمي (2/547) وقال المحقق: إسناده ضعيف جدا، عمر بن حفص بن ذكوان قال أحمد: تركنا حديثه وحرقناه. وفي "المعجم الأوسط" (5/133) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/208) : هذا متن موضوع. وكذا قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/110) ، وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/271) : فيه نكارة. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1248) : منكر. وانظر "الكامل" (1/216) ، و "لسان الميزان" (1/114)
2- عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اعملوا بالقرآن، أحِلُّوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي الأمر من بعدي كَيْمَا يخبروكم، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم، ولْيَسَعكم القرآن وما فيه من البيان؛ فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ألا ولكل آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت " طه " و " طواسين " و " الحواميم " من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش)
رواه الحاكم في "المستدرك" (1/757) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والطبراني في "المعجم الكبير" (20/225) وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2826) وابن حبان في "المجروحين" (2/65)
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه:
(يا رب " طه " و " يس " ويا رب القرآن العظيم)
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (5/173-174) :
" لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
4- (من قرأ " طه " أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار)
ذكره الزمخشري والبيضاوي في فضائل سورة طه، وهو من الأحاديث الموضوعة.
انظر "الكشف الإلهي" للطرابلسي (1/178)
وأما ما سألت عنه من فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات فلم أجده في كتب السنة، بل لم أجده حتى في كتب الموضوعات، ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي التنبه والحذر، والحرص على العمل بالصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ الضعيف والموضوع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/206)
تحديد عدد معين للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالصوفية إلى حد ما.. فقد اختلطت بجماعة منهم ولم أكن أعرف حقيقة الأمر.. ولكن بعد الاستماع لسلسلة العقيدة الصحيحة للشيخ المنجد حفظه الله.. ومعرفة بعض ما عليه الصوفية الغلاة.. بدأت أشك في أمر من خالطتهم.. وأود أن أعرف الحقيقة.. فلله الحمد على نعمة العلم، والأسئلة هي: 1- يقوم هؤلاء الأشخاص بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الواحد ثلاثة أو أربعة آلاف مرة.. ويقولون: كلما زدت في الصلاة، زادت محبتك للرسول صلى الله عليه وسلم، وزدت قرباً منه.. وكلما زدت في الصلاة.. زادت فرصتك في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام.. فهل هذا الزعم صحيح؟ وهل هذا الفعل جائز؟ وهل يدخل في عموم الذكر؟ وهل هناك أدلة تدعمه؟ 2- كيف يمكن الربط بين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى الإكثار من الذكر مثل فضل قول "سبحان الله وبحمده" مئة مرة.. وبين حديث ابن مسعود عندما رأى أناساً في المسجد يعدون الذكر بالحصى.. فأمرهم بعد سيئاتهم؟ وجزاكم الله الخير!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قربة من أجل القربات، أمر الله تعالى بها، وأثنى على أهلها، وجعلها سببا لمغفرة الذنوب، وقضاء الحاجات.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب/56، وقال صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) رواه مسلم (384) .
وعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ) قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ!!
قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟! قَالَ مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ!!
قُلْتُ: النِّصْفَ؟! قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ!!
قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ!!
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) رواه الترمذي (2457) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (79) : (وسئل شيخنا أبو العباس [يعني: ابن تيمية] عن تفسير هذا الحديث، فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاةً عليه؟ فقال: ... ، لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه) .
قال في "تحفة الأحوذي": " (فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي) أَيْ بَدَلَ دُعَائِي الَّذِي أَدْعُو بِهِ لِنَفْسِي، قَالَهُ الْقَارِي. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ: مَعْنَاهُ: أُكْثِرُ الدُّعَاءَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك ... (قُلْتُ أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا) أَيْ أَصْرِفُ بِصَلَاتِي عَلَيْك جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْت أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي.
وقوله: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) : َالْهَمُّ مَا يَقْصِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , يَعْنِي: إِذَا صَرَفْت جَمِيعَ أَزْمَانِ دُعَائِك فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ أُعْطِيت مَرَامَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الرد على البكري" (1/133) : (وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات؛ فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب واندفاع المرهوب) .
قال بعض شراح المصابيح: (.. فلم ير صلى الله عليه وسلم أن يعين له في ذلك حدا، لئلا يغلق باب المزيد؛ فلم يزل يفوض الاختيار إليه، مع مراعاة الحث على المزيد، حتى قال: أجعل لك صلاتي كلها، فقال: إذا تكفى همك؛ أي: ما أهمك من أمر دينك ودنياك، لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله تعالى وتعظيم الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهي في المعنى إشارة له بالدعاء لنفسه..) نقله السخاوي في " القول البديع " (133) .
وروى الترمذي (484) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
قال في "تحفة الأحوذي": قوله (أولى الناس بي) أي أقربهم بي أو أحقهم بشفاعتي (أكثرهم علي صلاة) : لأن كثرة الصلاة منبئة عن التعظيم، المقتضي للمتابعة الناشئة عن لمحبة الكاملة، المرتبة عليها محبة الله تعالى. قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) .
فلا يشك أحد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقول من ذكرتَ: كلما زدت في الصلاة زادت محبتك للرسول صلى الله عليه وسلم، وزدت قرباً منه، صحيح، فإنّ من أكثر من ذكر شيء أحبه.
وقولهم: وكلما زدت في الصلاة.. كلما زادت فرصتك في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، قد يكون صحيحا أيضا من جهة الواقع، لكن لم يدل على ذلك دليل، والمعوّل عليه ليس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن اتباع سنته واقتفاء أثره، وتقديم محبته على النفس والنفيس، وإلا فقد رآه أناس في اليقظة، وكانوا من أعظم المخالفين له، الصادين عن سبيله.
وإذا كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قربة مشروعة كما ذُكر، فإنه لا يجوز تحديد عدد معين لها، لم يرد تحديده في الشرع، سواء كان ألفا أو ثلاثة آلاف أو غير ذلك، مما يخترعه المتصوفة، فإن هذا التحديد بدعة مذمومة، لمضاهاتها التشريع، وقد نص العلماء على أن العبادة لابد أن تكون مشروعة بأصلها ووصفها وعددها وكيفيتها ومكانها وزمانها، بمعنى أنه لا يجوز تقييدها بمكان أو زمان أو كيفية، لم ترد في الشرع.
وينبغي أن يُعلم أن كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة، بل البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأنه لا يتاب منها. وقد قال مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة.
ويقال لمن حدّ الصلاة هنا بثلاثة آلاف: ما الذي حملك على هذا العدد، وما خاصيته؟ فما من خير يذكره، إلا ويقال له: فهل قصّر النبي صلى الله عليه وسلم في دلالة أمته على هذا الخير؟! وهو أحرص الناس عليهم، وأرحمهم بهم، وهلا أرشد أبي ابن كعب – كما في الحديث السابق- إلى هذا العدد معين؟!
والواقع أن كثيرا من المتصوفة يعتمدون في تحديد هذه الأعداد على المنامات، أو على مجرد الاختراع، وإيهام المريد أنه لا يصلح له أكثر من ذلك، وأن الزيادة عليه ترجع إلى إذن الشيخ المطلع على حاله، بل على سرّه، إلى غير ذلك من الباطل، الذي يتسلطون به على أتباعهم.
وإنه ليخشى على هذا المبتدع أن يضيع عمله، وأن تذهب حسناته، وألا يجني من عبادته خيرا، لا سيما إذا تعمد ذلك عن علم وبصيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء لا يظهر عليهم أثر الذكر في معاملاتهم وأحوالهم، مع تفريطهم في الأذكار المشروعة التي حد الشارع فيها حدا معينا، كقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة في الصباح والمساء.
وانظر: إجابة السؤال رقم (11938) .
ثانيا:
حديث ابن مسعود رضي الله الذي أشرت إليه، هو ما رواه الدارمي (204) عن عمرو بن سلمة قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا قَالَ فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ قَالَ أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قَالَ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ َرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
وهذا لا يعارض ما جاء في السنة من تحديد العدد لبعض الأذكار، إذ المذموم أمران:
تحديد عدد معين، لم يرد تعيينه في الشريعة.
أو التزام كيفية معينة، أو وقت معين، من غير دليل، كحال هؤلاء الذين أنكر عليهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فاستعمال الحصى، ووجود هذا الموجّه الذي يقول: كبروا مائة، سبحوا مائة، هذه كيفية لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
وقصة ابن مسعود رضي الله عنه هذه دليل على بطلان ما يعمله الصوفية في حضراتهم، من التزام أعداد معينة للذكر، بتوجيه الشيخ وإرشاده، إضافة إلى الكيفيات المخترعة، من القيام والقعود والحركات التي يجعلونها طقوسا يتعين التزامها.
والأمر أكبر من ذلك، فليست المخالفة محصورة في هذه البدع، لكنها تتجاوز ذلك إلى صور من الشرك في الاعتقاد والعمل، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد النفع والضر في الأولياء والصالحين.
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/207)
حكم قول: بلى عند قوله تعالى (أليس الله بأحكم الحاكمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول" بلي" عند قول الإمام "أليس الله بأحكم الحاكمين" هل هي بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
لا بأس أن يقول المأموم ذلك، أو يقول: سبحانك فبلى، ونحوا من ذلك، عند قراءة الإمام: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، أو قراءة: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، ونحوهما.
وهذا هو مذهب المالكية. قال في مواهب الجليل (2/253) : " إذَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ " انتهى.
وهو أيضا مذهب الحنابلة، قال في شرح المنتهى (1/206) : "وَلِمُصَلٍّ قَوْلُ: سُبْحَانَكَ، فَبَلَى إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} نَصًّا، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا؛ لِلْخَبَرِ.
وَأَمَّا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟} فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ " انتهى.
وانظر: الفروع (1/481) ، والإنصاف (2/107) .
والخبر المشار إليه رواه أبو داود (884) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى قَالَ سُبْحَانَكَ فَبَلَى فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وإسناده ضعيف؛ فيه انقطاع بين موسى والصحابي، سقط منه رجل آخر على الأقل، كما بينه الحافظ في النكت الظراف (11/210) ونتائج الأفكار (2/48) .
على أن الخبر لو صح، فليس فيه أن ذلك كان في صلاة الفريضة، بل ظاهر الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يفعل ذلك في الفريضة، ولو فعله لنقل، كما نقل عنه في صلاته بالليل؛ في حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ... ) رواه مسلم (772) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أما في النفل، ولا سيما في صلاة الليل، فإنه يسن أن يتعوذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك أحضر للقلب، وأبلغ في التدبر، وصلاة الليل يسن فيها التطويل، وكثرة القراءة والركوع والسجود، وما أشبه ذلك.
وأما في صلاة الفرض، فليس بسنة، وإن كان جائزا.
فإن قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض..؟
فالجواب: الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، يصلي في كل يوم وليلة ثلاث صلوات، كلها فيها جهر بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد، وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يفعل ذلك في الفرض، ولو كان سنة لفعله، ولو فعله لنقل؛ فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما يفعله علمنا أنه ليس بسنة، والصحابة رضي الله عنهم حريصون على تتبع حركات النبي صلى الله عليه وسلم، وسكناته، حتى إنهم يستدلون على قراءته في السرية باضطراب لحيته، ولما سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة ماذا يقول، ولو سكت عند آية الوعيد من أجل أن يتعوذ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شك.
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر كذلك، لماذا لا تمنعونه في صلاة الفرض، كما منعه بعض أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [البخاري (602) ]
فالجواب: على هذا أن نقول: ترك النبي صلى الله عليه وسلم له لا يدل على تحريمه، لأنه أعطانا عليه الصلاة والسلام قاعدة: (إن هذا الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن..) [مسلم (537) ] ، والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصلاة، فيكون الأصل فيه الجواز، لكننا لا نندب الإنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة، لما تقدم تقريره.
ولو قرأ القارئ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، لأنه ورد فيه حديث، ونص الإمام أحمد عليه، قال: إذا قرأ القارئ.. في الصلاة وغير الصلاة، قال: سبحانك فبلى، في فرض ونفل.
وإذا قرأ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، فيقول: سبحانك فبلى ... "
انتهى من الشرح الممتع (1/604-605) بتصرف يسير.
وقد سئل الشيخ رحمه الله: " سمعنا بعض المأمومين إذا قرأ الإمام قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول المأموم: بلى، فما صحة هذا؟
فأجاب: هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فقل: بلى، وكذلك مثل هذا الترتيب، يعني: إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) الزمر/36 تقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) الزمر/37 تقول: بلى. (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) تقول: بلى. لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله. فإذا قال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول: بلى. انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (11/81) .
تنبيه: الحديث المشار إليه في قول ابن مفلح: " فيه نظر "، رواه أبو داود (887) والترمذي (عن أَبي هُرَيْرَةَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَانْتَهَى إِلَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَبَلَغَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ) والحديث في إسناده راو مجهول، كما ذكر الترمذي عقبه، وقد ضعفه جمع من الأئمة، كالنووي في المجموع (3/563) ، وغيره، وذكره الألباني في ضعيف أبي داود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/208)
هل ثمة دعاء يحفظ المسافر حتى يرجع إلى أهله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الذي إذا دعا به الشخص - وكان مسافرا - رجع إلى أهله سالما بفضل هذا الدعاء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في السنة المطهرة بعض الأذكار التي يستحب لمن أراد السفر أن يقولها، ومن ذلك:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَانَ إِذَا استَوَى عَلى بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَى سَفَرٍ كبَّر ثلاثاً ثم قال: " سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنينَ، وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوّْن عَلَيْنا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأهْلِ. اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وكآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ. وإذا رَجع قالهنّ وزاد فيهنّ: آيِبُونَ، تائبُونَ، عابدُونَ، لرَبِّنَا حامِدُون) رواه مسلم (1342)
وقوله: (وما كنا له مُقرِنِين) أي: مُطِيقين، أي: ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا.
(وَعثَاء) المشقة والشدة.
(وكآبة) : هي تغير النفس من حزن ونحوه.
(المنقلب) : المرجع. انظر "شرح النووي على مسلم" (9/111)
ولا نعرف في السنة أن ثمة دعاءً معينا يحفظ المسافر حتى يرجع إلى أهله سالما، ولكن إذا حافظ المسافر على أذكار الصباح والمساء، وسأل الله تعالى السلامة والعافية، ودعا بدعاء السفر السابق، فإنه يرجى أن يستجيب الله له، فيحفظه ويسلمه إلى أهله كما يحب، إلا أن يشاء الله بحكمته ابتلاء العبد، فلا راد لقضائه سبحانه، ولا مُعَقِّب لحكمه.
ومما ينبغي أن يذكره إذا أراد أن يخرج من بيته – لسفر أو غيره لعل الله يحفظه به –
ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ قالَ - يعني إذا خرج من بيته -: باسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ. يُقالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَهُدِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ؟)
رواه أبو داود (5095) والترمذي (3426) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
جاء في "عون المعبود" (13/297) :
" (يقال حينئذ) : أي يناديه ملك يا عبد الله (هُديت) : بصيغة المجهول، أي: طريق الحق، (وكُفيت) أي هَمَّك (وَوُقيت) من الوقاية، أي: حُفِظت " انتهى.
وانظر في بعض الأذكار الشرعية جواب السؤال رقم (12173)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/209)
دعاء يحفظ من هوام الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد دعاء يمكن للمرء أن يقوله لطرد الحشرات والهوام من المنزل، مثل الفئران والجرذان وغيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
حفظ المنزل من هوام الأرض يكون أوَّلاً باتخاذ الأسباب المناسبة، من استعمال الأدوية التي تقتلها أو تطردها، وإحكام إغلاق بعض المنافذ، وإبعاد كل ما يجلبها عن المنزل، ونحو ذلك مما يتخذه الناس لحفظ بيوتهم ومنازلهم.
وشريعتنا الحكيمة لا تقوم على الخوارق والكرامات، بل تأمر ببذل الأسباب والاجتهاد فيها، مع حسن التوكل على الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي للمسلم أن يتواكل ويقعد عن اتخاذ الأسباب التي سنها الله في هذا الكون، ويبحث كلما عرض له عارض، أو عن له أمر، عن الأدعية أو الأذكار التي يظن أن فيها قضاء حاجته، من غير أن يأخذ بالأسباب المشروعة التي توصله إلى مراده.
وفي شأن حفظ المنزل من هوام الأرض جاءت بعض الأدعية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك:
1- عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رواه مسلم (2708)
يقول النووي في "شرح مسلم" (17/31) :
" قيل: معناه الكاملات التى لا يدخل فيها نقص ولاعيب، وقيل النافعة الشافية، وقيل المراد بالكلمات هنا القرآن " انتهى.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:
(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ! قَالَ: أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ) رواه مسلم (2709)
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/446) :
" إذا قال ذاك مع قوة يقين وكمال إذعان لما أخبر به الشارع (لا يضره شيء) من الهوام والمخلوقات (حتى يرتحل عنه) أي عن ذلك المنزل.
قال القرطبي: خبرٌ صحيحٌ وقولٌ صادقٌ، فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء، فتركته ليلة فلدغنتي عقرب " انتهى.
2- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ)
رواه البخاري (3371)
قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/410) :
" هامة: بالتشديد واحدة الهوام ذوات السموم " انتهى.
يقول النووي في "شرح مسلم" (14/170) :
" قال كثيرون أو الأكثرون: يجوز الاسترقاء للصحيح لما يخاف أن يغشاه من المكروهات والهوام، ودليله أحاديث: ومنها حديث عائشة فى صحيح البخارى: (كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا أوى إلى فراشه تفل فى كفه، ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين، ثم يمسح بها وجهه وما بلغت يده من جسده) والله أعلم " انتهى.
3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ:
(يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ، وَشَرِّ مَا فِيكِ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ، وَمِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ)
رواه أبو داود (2603) وسكت عنه، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/144) ، من طريقين عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد عن الزبير بن الوليد عن ابن عمر به.
قلت: وهذا سند يحتمل التحسين في باب الأذكار، فإن رجاله ثقات، غير الزبير بن الوليد، فهو من التابعين ولم يرد توثيق له، إلا ذكر ابن حبان له في الثقات (4/261) ، وسكت عنه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/410) ، وقال الذهبي في "الكاشف" (1/402) : ثقة.
لذا صححه الحاكم في "المستدرك" (1/615) ، وابن خزيمة (4/152) ، وحسنه الحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات الربانية" (5/164) ، وإن كان ضعفه به الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4837) .
قال في "عون المعبود" (7/189) :
" الأَسوَد: الحية العظيمة، (ومن ساكني البلد) : قيل: الساكن هو الإنس، سماهم لأنهم يسكنون البلاد غالبا، وقيل: هو الجن، (ومن والد وما ولد) قال الخطابي: ويحتمل أن يكون أراد بالوالد إبليس وما ولد الشياطين " انتهى.
غير أننا ننبه إلى أن هذه الأذكار والأدعية التي أوردناها إنما هي في الحفظ من شر هذه الهوام والدواب؛ ولا يلزم من ذلك أن تطرد هذا الهوام، فقد تكون موجودة حوله أو في بيته، غير أنها لا تضره.
نسأل الله العظيم أن يحفظنا وإياكم من كل كروه وسوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/210)
هل هناك أدعية خاصة لحفظ المنزل الجديد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت منزلا جديد ولله الحمد والمنة، فهل هناك أدعية خاصة بالمنزل الجديد؟ وهل ما يتداوله بعض الإخوة من قراءة سورة البقرة، أو تشغيل أشرطة القرآن الكريم، هل له أصل في الدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يبارك لك هذا المنزل الجديد، ويجعله مأوى صلاح وخير وبركة.
وأرشدك أخي السائل لما يشرع لك أن تقوله وتفعله:
أولا:
شكر نعمة الله تعالى، فإن الشكر من أعلى المنازل.
يقول ابن القيم "مدارج السالكين" (2/242) :
" الإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر " انتهى.
وإذا شكر العبد ربه حفظ له نعمته، وأتمها عليه، وزاده منها ومن غيرها.
قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/7
ثانيا:
صنع طعام ودعوة الناس له، وذلك من تمام شكر الله تعالى.
جاء في الموسوعة الفقهية (8/206) :
" الوليمة للبناء مستحبة كبقية الولائم التي تقام لحدوث سرور أو اندفاع شر، وتسمى:
(وَكِيرَة) ، ولا تتأكد تأكد وليمة النكاح، وقد ذكر بعض الشافعية قولان بوجوبها؛ لأن الشافعي قال بعد ذكر الولائم: ومنها الوكيرة.. ولا أرخص في تركها " انتهى.
ثالثا:
يقول ابن القيم رحمه الله "الوابل الصيب" (155-156) :
" قال الله سبحانه وتعالى في قصة الرجلين: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً) الكهف/39
فينبغي لمن دخل بستانه أو داره أو رأى في ماله وأهله ما يعجبه، أن يبادر إلى هذه الكلمة، فإنه لا يرى فيه سوءا.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مَا أَنعَمَ اللهُ عَلَى عَبدٍ نِعمَةً فِي أَهلٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ فَقَالَ: (مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ) ، فَيَرَى فِيهَا آفَةً دُونَ المَوتِ)
رواه الطبراني في الأوسط (6/126) وصححه ابن القيم في شفاء العليل (1/182) وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2012) .
وعنه صلى الله عليه وسلم:
(أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ قَالَ: الحَمدُ لِلَّهِ الذِي بِنِعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ)
رواه ابن ماجه (3803) وقال النووي: إسناده جيد "الأذكار" (399) " انتهى.
رابعا:
من الأذكار التي جاءت في خصوص دخول المنزل:
عن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيتَهٌ فَذَكَرَ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ وَعِندَ طَعَامِهِ، قَالَ الشََّيطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُم وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَم يَذكُرِ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيطَانُ: أَدرَكتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَم يَذكُرِ اللهَ عِندَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدرَكتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ)
رواه مسلم (2018)
وهذا الذكر لا يخص المنزل الجديد، بل يشمل كل منزل، وعند كل دخول، فأحرى بك أن تستفتح منزلك الجديد بذكر الله سبحانه.
ومما يشرع لك أن تعوذ به منزلك الجديد من العين والحسد أن تقول:
(أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن كُلِّ شَيطَانٍ وَهَامَّة، وَمِن كُلِّ عَينٍ لَامَّةٍ)
رواه البخاري (3371)
خامسا:
جاء في السنة المشرفة الحث على قراءة سورة البقرة، خاصة في المنزل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لَا تَجعَلُوا بُيُوتَكُم مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيطَانَ يَنفِرُ مِنَ البَيتِ الذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ)
رواه مسلم (780)
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (24/413) :
" الأظهر والله تعالى أعلم أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت " انتهى.
هذا ولم نقف على شيء مخصوص من الأذكار والأدعية عند دخول المنزل الجديد.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/211)
بمَ أدعو لطفلي المريض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الذي يمكن لوالد أو والدة أن يدعو به لطفل مصاب باعتلال صحي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد علَّمَنا النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأحوال أمورًا فيها الشفاء والتخفيف، كما أن فيها الأجر والمثوبة، وذلك من رحمة الله بهذه الأمة المباركة، ومن حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وهو الذي وصفه الله بقوله: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة/128.
فكان مما علَّمَنا صلى الله عليه وسلم:
1- قراءة الفاتحة:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الّله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف سورة الفاتحة بأنها رقية، وأقر الصحابي الذي رقى بها من لدغة العقرب ونحوه. البخاري (2156) ومسلم (2201) .
قال ابن القيم:
" ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها، آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع " انتهى.
"زاد المعاد" (4/164) .
2- وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشتَكَى مِنَّا إِنسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: (أَذهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشفِ أَنتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (5675) ومسلم (2191) واللفظ له.
3- وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِن أَهلِهِ نَفَثَ عَلَيهِ بِالمُعَوِّذاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَه الذي مَاتَ فِيهِ، جَعَلتُ أَنفُثُ عَلَيهِ وَأَمسَحُ بِيَدِ نَفسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَت أَعظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي. رواه البخاري (5735) ومسلم (2192) واللفظ له.
4- وَعَن عُثمَانَ بنِ أَبِي العاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّه شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنذًُ أَسلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (ضَع يَدَكَ عَلَى الذِي تَأَلَّم مِن جَسَدِكَ، وَقُل: " بِاسمِ اللهِ " ثلاثًا، وَقُل سَبعَ مَرَّاتٍ: " أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدرَتِهِ مِن شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ") رواه مسلم (2202) .
5- وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ جِبرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، آشتَكَيتَ؟ فَقَالَ: نَعَم. فَقَالَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ: بِاسْمِ اللهِ أَرقِيك، مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤذِيك، مِن شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أَو عَينٍ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشفِيكَ، بِاسمِ اللَّهِ أَرقِيكَ. رواه مسلم (2186) .
6- وَعَن أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ الَّلهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ الَّلهِ صَلَّى الّله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنِ اشتَكَى مِنكُم شَيئًا أَو اشتَكَاهُ أَخٌ لَهُ فَليَقُلْ: رَبّنَا الَّلهُ الذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسمُكَ، أَمرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، كَمَا رَحمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الأَرْضِ، اغفِر لَنَا حَوْبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنزِلْ رَحْمَةً مِن رَحمَتِكَ، وَشِفَاءً مِن شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الوَجَعِ، فَيَبرَأ) رواه أبو داود (3892) وصححه الحاكم في "المستدرك" (4/243) وحسنه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/139) .
7- وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الَّلهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الَّلهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَن عَادَ مَرِيضًا لَم يَحضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِندَهُ سَبعَ مِرَارٍ: أَسأَلُ الَّلهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ أَن يَشفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ الَّلهُ مِن ذَلِكَ المَرَضِ) رواه أبو داود (3106) وصححه النووي في "الأذكار" (ص/180) والألباني في "صحيح أبي داود".
وأثناء قراءتك هذه الرقى عليك أن تمسحي بيدك على وجهه وصدره وبطنه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وأن تقتربي من رأس طفلك حيث يأتيه نَفَسُكِ أثناء رقيتك، ولا بأس من النفث بالريق الخفيف أثناء ذلك في وجهه.
قال ابن القيم:
" فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق والهواء والنفس، كانت أتم تأثيرًا، وأقوى فعلا ونفوذا " انتهى.
"زاد المعاد" (4/164) .
وقبل ذلك كله وفوقه: الإخلاص لله في الدعاء، وصدق اللجأ إليه، والتذلل على أبوابه، وتلمس أوقات الإجابة، فإن الله تعالى يستحي إذا رفع العبد يديه في الدعاء أن يردهما خائبتين، ولا تستعجلي الإجابة، فقد يؤخر الله فَرَجَه لِحِكمةٍ يعلمها، واعتصمي بالصبر واليقين، وتذكري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ادْعُو الَّلهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ الَّلهَ لَا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) رواه الترمذي (3479) وحسنه الشوكاني في "تحفة الشاكرين" (68) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (594) .
وانظري الأسئلة رقم (3476) (20176) (21581) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/212)
هل يؤجر على ذكر اللسان مع غفلة القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أسبح وأذكر الله، قلبي لا يكون مستحضرا بل أسرح في أشياء أخرى، فهل عندما أسبح وقلبي لاهٍ أؤجر على هذا التسبيح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذِكْرُ اللهِ عز وجل، من أعظم الأعمال، وأفضل القرب، وقد جاء في فضله والأمر به والحث عليه عشرات النصوص، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه الترمذي (3373) وابن ماجه (3790) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وأكمل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، ثم ما كان بالقلب وحده، ثم ما كان باللسان وحده، وفي كلٍّ أجرٌ إن شاء الله تعالى.
قال النووي رحمه الله: " الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضلُ منه ما كانَ بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصرَ على أحدهما فالقلبُ أفضل " انتهى من "الأذكار" (ص 20)
ولكن نبه العارفون بأحوال القلوب على أن الذكر الذي يقتصر على اللسان دون القلب قليل الجدوى، وأن ثمرته ضعيفه، قال ابن القيم رحمه الله: " وهي [أي أنواع الذكر] تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر، وبالقلب وحده تارة، وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة وهي الدرجة الثالثة. فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأن ذكر القلب يُثمر المعرفة، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع (أي: يمنع) عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات. وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا منها، فثمرته ضعيفة ". انتهى من " الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص 120) ، وانظر: "مدارج السالكين" (2/420) .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الذاكرين الشاكرين، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/213)
فضل قراءة بعض آيات القرآن الكريم قُبَيل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيما معناه ": (أن من قرأ عشر آيات من القرآن في ليلة قبل أن ينام لم يكتب من الغافلين)
هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان صحيحا، فهل يصح أن أقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين حفظاً، وبهذا أكون قد قرأت وَرْدِي، وقرأت أكثر من عشر آيات؟ أم إنه يجب أن تكون العشر آيات تلاوة من المصحف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نص الحديث الذي يقصده السائل الكريم هو:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيلَةٍ لَم يُكتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ) رواه الحاكم في المستدرك (1/742) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/81) .
وقد جاء أيضا من قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من قرأ في ليلة بعشر آيات لم يكتب من الغافلين. وورد نحوه أيضا عن تميم الداري رضي الله عنه. رواهما الدارمي في مسنده (2/554-555) .
ثانيا:
هل المقصود بالحديث أن يقرأ هذه الآيات في صلاته بالليل، أو تحصل هذه الفضيلة بمجرد قراءة هذه الآيات في الليل، سواء كانت في الصلاة أو في غير الصلاة؟
فيه احتمال؛ ويؤيد الأول رواية أبي داود (1398) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (1264) .
قال في عون المعبود: " والمراد هنا في قيام الليل ". ولذلك روى ابن حبان الحديث السابق في أبواب قيام الليل من صحيحه (4/120) وترجم عليه: (ذكر نفي الغفلة عمن قام الليل بعشر آيات ... ) .
ويشهد له أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن صلى في ليلة بمائتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين) رواه الحاكم (1/452) ، وصححه على شرط مسلم. لكن مال الألباني إلى ضعفه، كما في الصحيحة (2/243) ، وضعيف الترغيب (1/190) .
وفي رواية ابن خزيمة (2/180) : (من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين أو لم يكتب من القانتين..)
قال الألباني في الصحيحة (643) : إسناده صحيح على شرط الشيخين.
فاقتران القراءة بذكر الصلاة المكتوبة مما يشعر بأن المراد بها القراءة في الصلاة، يعني: صلاة الليل.
ولأجل ذلك روى ابن خزيمة حديث أبي هريرة في باب: (باب ذكر فضيلة قراءة مائة آية في صلاة الليل إذ قارئ مائة آية في ليلة لا يكتب من الغافلين) ، ورواه أيضا محمد بن نصر المروزي في كتابه قيام الليل (164ـ مختصره) في سياق الأبواب المتعلقة بالقراءة في صلاة الليل.
ويحتمل أن تحصل هذه الفضيلة لمن قرأ هذا القدر من الآيات في الليل مطلقا، سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة، قبل نومه، أو بعد استيقاظه، إذا استيقظ من الليل.
وبهذا الإطلاق أخذ كثير من أهل العلم في تخريج الحديث في مصنفاتهم؛ فقد بوب عليه الدارمي رحمه الله (2/554) بقوله: (باب فضل من قرأ عشر آيات)
وبوب الحاكم في المستدرك (1/738) بقوله: (أخبار في فضائل القرآن جملة)
كما بوب عليه المنذري في الترغيب والترهيب (2/76) بقوله: (الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وفضل تعلمه وتعليمه)
وذكره مرة أخرى تحت باب (2/116) : (الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء)
ويقول النووي رحمه الله في كتاب "الأذكار" (1/255) :
" اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار، فينبغي المداومة عليها، فلا يُخلي عنها يوماً وليلة، ويحصل له أصلُ القراءة بقراءة الآيات القليلة.. (ثم ذكر أحاديث منها حديث أبي هريرة السابق) " انتهى.
فيرجى لمن قرأ عشر آيات في ليلته ألا يكتب من الغافلين، سواء قرأ ذلك في صلاته بالليل، أو خارج الصلاة، وفضل الله عز وجل واسع.
وفي صحيح مسلم (789) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (.. وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ) .
فظاهر الحديث أن المراد بالقيام هنا أعم من مجرد القيام به في الصلاة. قال المناوي رحمه الله: " أي تعهد تلاوته ليلاً ونهاراً فلم يغفل عنه ... وفيه ندب إدامة تلاوة القرآن ... بأن لم يخص بوقت أو محل ". انتهى مختصرا.
ثالثا:
قد جاء في السنة الندب إلى قراءة بعض الآيات إذا أوى المسلم إلى فراشه.
ومن خصوص السور والآيات التي جاء الندب إلى قراءتها ما يلي:
1- آية الكرسي.
جاء في صحيح البخاري معلقا (2311) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(وكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام. . وذكر الحديث وقال في آخره: (إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرأ آيةَ الكرسي، فإنه لن يزالَ معكَ من الله تعالى حافظ، ولا يقربَك شيطانٌ حتى تُصْبِحَ. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيطانٌ)
2- آخر آيتين من سورة البقرة.
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن قَرَأَ بِالآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ كَفَتَاهُ) رواه البخاري (5009) ومسلم (2714) قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (132) : كفتاه من شر ما يؤذيه.
عن عليّ رضي الله عنه قال:
(ما كنتُ أرى أحداً يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة)
عزاه النووي في الأذكار (220) لرواية أبي بكر بن أبي داود ثم قال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
4،3- سورتي الإسراء والزمر
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر)
رواه الترمذي (3402) وقال: حديث حسن. وحسّنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/65) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
5- سورة الكافرون:
عن نوفل الأشجعي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اقْرأ: قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها فإنَّها بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ "
رواه أبو داود (5055) والترمذي (3400) وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/61) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
8،7،6- الإخلاص والمعوذتين:
عن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيلَةٍ جَمَعَ كَفَّيهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ) و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، ثُمَّ يَمسَحُ بِهِمَا مَا استَطَاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجهِهِ وَمَا أَقبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفعَلُُ ذَلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) رواه البخاري (5017)
وعن إبراهيم النخعي قال:
(كانوا يستحبّون أن يقرؤوا هؤلاء السور في كلّ ليلة ثلاثَ مرات: (قل هو الله أحد) والمعوّذتين) قال النووي في الأذكار (221) : إسناده صحيح على شرط مسلم.
رابعا:
يقول النووي رحمه الله في "الأذكار" (221) :
" الأولى أن يأتيَ الإِنسانُ بجميع المذكور في هذا الباب، فإن لم يتمكن اقتصرَ على ما يقدرُ عليه من أهمّه " انتهى.
ولا يشترط أن تكون القراءة من المصحف، فيكفي أن يقرأ المسلم ما تيسر له مما سبق من حفظه، والله سبحانه وتعالى يكتب له ما وعده به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/214)
هل يشترط في قراءة القرآن والأذكار تحريك اللسان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما نريد أن نقول واحداً من الأذكار يجب أن نحرك الفم؟ مثلا: عندما نريد دخول الحمام ونذكر الأذكار، هل نحرك الفم أم نكتفي بالقول في العقل؟ وكذلك عند النوم وأذكار الصباح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذِكر الله تعالى من أشرف أعمال المسلم، ولا يقتصر الذِّكر على اللسان، بل يكون الذِّكر بالقلب واللسان والجوارح.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله:
وإذا أطلق ذكر الله: شمل كل ما يقرِّب العبدَ إلى الله من عقيدة، أو فكر، أو عمل قلبي، أو عمل بدني، أو ثناء على الله، أو تعلم علم نافع وتعليمه، ونحو ذلك، فكله ذكر لله تعالى.
" الرياض النضرة " (ص 245) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
وذكر الله يكون بالقلب، وباللسان، وبالجوارح، فالأصل: ذِكر القلب كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم، فالمدار على ذكر القلب؛ لقوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه) الكهف/ 28؛ وذكر الله باللسان أو بالجوارح بدون ذكر القلب قاصر جدّاً، كجسد بلا روح.
وصفة الذِّكر بالقلب: التفكر في آيات الله، ومحبته، وتعظيمه، والإنابة إليه، والخوف منه، والتوكل عليه، وما إلى ذلك من أعمال القلوب.
وأما ذكر الله باللسان: فهو النطق بكل قول يقرب إلى الله؛ وأعلاه قول: " لا إله إلا الله ".
وأما ذكر الله بالجوارح: فبكل فعل يقرب إلى الله كالقيام في الصلاة، والركوع، والسجود، والجهاد، والزكاة، كلها ذكر لله؛ لأنك عندما تفعلها تكون طائعاً لله؛ وحينئذٍ تكون ذاكراً لله بهذا الفعل؛ ولهذا قال الله تعالى: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) العنكبوت/45؛ قال بعض العلماء: أي: لما تضمنته من ذكر الله أكبر؛ وهذا أحد القولين في هذه الآية.
" تفسير سورة البقرة " (2 / 167، 168) .
ثانياً:
والأذكار التي تقال باللسان كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل، وأذكار الصباح والمساء والنوم ودخول الخلاء. . . وغيرها لا بد فيها من تحريك اللسان، ولا يعد الإنسان قد قالها إلا إذا حرك بها لسانه.
نقل ابن رشد في "البيان والتحصيل" (1/490) عن الإمام مالك رحمه الله أنه سئل عن الذي يقرأ في الصلاة، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه، ولا يحرك به لساناً. فقال:
" ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حرك له اللسان " انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/118) :
" القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف، ألا ترى أن المصلي القادر على القراءة إذا لم يحرك لسانه بالحروف لا تجوز صلاته. وكذا لو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها وفهمها ولم يحرك لسانه لم يحنث " انتهى.
يعني لأنه لم يقرأ، وإنما نظر فقط.
ويدل على ذلك أيضاً: أن العلماء منعوا الجنب من قراءة القرآن باللسان، وأجازوا له أن ينظر في المصحف، ويقرأ القرآن بالقلب دون حركة اللسان. مما يدل على الفرق بين الأمرين، وأن عدم تحريك اللسان لا يعد قراءة.
انظر المجموع (2/187- 189) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة؟ أو يكفي بالقلب؟
فأجاب:
" القراءة لابد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/156) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/215)
ما هي الوسائل التي تعين على تذكر الأذكار وعدم نسيانها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطرق التي يمكن أن يتلافى بها الإنسان نسيان الأذكار الصباحية والمسائية والمقترحات حولها؟ مع رغبتنا الملحة بتزويدنا بأسماء مراجع تخص الأذكار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذِكر الله عز وجل من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، وهو سبب لرفع الدرجات، ولم يجعل الله تعالى لذكره حداً يُنْتهى إليه، بل أمر بذكره تعالى ذكراً كثيراً، قال عز وجل: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة/10، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35 ولم يأمر الله تعالى بالإكثار من عبادة – في القرآن الكريم – إلا ذِكر الله تعالى، وبذكر الله تعالى تطمئن القلوب وتنشرح الصدور، وقال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28.
ولمعرفة الوسائل التي تعين على تذكر الأذكار الصباحية والمسائية فيجب – أولاً – معرفة أسباب نسيانها وإهمالها، وعلاج هذه الأسباب.
ومن أسباب نسيان الأذكار والأوراد:
1. التهاون في حفظ هذه الأذكار والاعتماد على الكتيبات لذِكرها.
2. الانشغال بالأعمال الدنيوية على حساب وقت الذكر الصباحي والمسائي.
3. عدم معرفة ما يترتب على هذه الأذكار من فوائد دنيوية مثل تحصين ذاكرها وفتح أبواب الرزق ودفع الشر عنه، ومن فوائد أخروية مثل أجور عتق الرقاب وتثقيل الميزان وتحصيل رضا الله عز وجل.
4. كثرة الذنوب والمعاصي، وهو ما يؤثر على قلب الذاكر ويصده عن ذكر الله تعالى.
5. الجهل بوقت الذكر الصباحي والمسائي، فيظن أن وقت الذكر الصباحي ينتهي بصلاة الفجر – مثلاً – والمسائي بانتهاء صلاة العصر – مثلاً -، والصحيح أن وقت الذِّكر الصباحي يمتد إلى ما بعد طلوع الشمس، والمسائي إلى ما بعد غروب الشمس. ولمزيد الفائدة انظر السؤال (22765)
وعلاج هذه الأسباب يكون بما يلي:
1. يحاول حفظ القدر الأكبر من هذه الأذكار ليستطيع ذكرها في سيارته أو في طريقه لعمله أو دراسته دون الحاجة لكتاب.
2. الوقوف على معاني هذه الأذكار الشرعية، فكثيرٌ من الناس يقرأ هذه الأذكار ولا يدري عن معانيها، مما يجعل تأثيرها في إصلاح القلب ضعيفاً أو معدوماً.
3. تخصيص وقت معين في الصباح والمساء يحافظ فيه على الأذكار الواردة ويترك كل ما يشغله عنها.
4. ترك تأجيل هذه الأذكار بعد تذكرها، فالتسويف في مثل هذه الحالات قد يُنسيها.
5. الوقوف على ما جاء في الكتاب والسنة من الأجور الجزيلة للذاكر في الدنيا والآخرة، وهو بلا شك مما يحفِّز على التذكر لها وعدم إهمالها.
6. الابتعاد عن الذنوب والمعاصي ليظل القلب سليماً صافياً يشتاق لذِكر الله.
7. الحرص على التدرج في ذِكر هذه الأذكار، فلا يضع لنفسه برنامجاً يقرأ فيه جميع ما ورد في كتاب يحتوي على هذه الأذكار حتى لا يشق على نفسه، ويكون ذلك سبباً لتركها، بل يقرأ شيئاً يسيراً ليتذوق حلاوة الذِّكر، ويتدرج في الزيادة شيئاً فشيئاً.
8. أن يكثر من قراءة سيَر العابدين المجتهدين في ذكر الله تعالى ليكون ذلك محفِّزاً له، فيقتدي بهم، ويجتهد كاجتهادهم.
9. أن يوصي زوجته وأبناءه وأهله بأن يذكِّر كل واحدٍ منهم الآخر بهذه الأذكار، فالمؤمن قوي بأخيه.
10. أن يحرص على الصحبة الصالحة التي تعينه على ذكر الله وتذكره بالأذكار والطاعات.
ثانياً:
ومن الكتب التي اعتنى أصحابها بهذه الأذكار وفضائلها:
1. " الأذكار "، للنووي.
2. " الكلم الطيب " لابن تيمية بتحقيق الألباني.
3. " الوابل الصيب "، لابن قيم الجوزية.
4. " تحفة الذاكرين "، للشوكاني.
5. " تحفة الأخيار " للشيخ ابن باز.
6. " فقه الأدعية والأذكار " للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد.
7. " المأثورات من الأذكار والدعوات " للشيخ عبد الله القصير.
8. " صحيح الأذكار والدعاء المستجاب " للشيخ مصطفى العدوي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/216)
معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " فمعناها - عند جمهور العلماء -: من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء، وذهب آخرون – ومنهم أبو العالية من المتقدمين، وابن القيم من المتأخرين، وابن عثيمين من المعاصرين – إلى أن معنى " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " هو الثناء عليه في الملأ الأعلى، ويكون دعاء الملائكة ودعاء المسلمين بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأن يثني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، وقد ألَّف ابن القيم – رحمه الله – كتاباً في هذه المسألة، سمّاه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " وقد توسع في بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأحكامها، وفوائدها، فلينظره من أراد التوسع.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" قوله: " صلِّ على محمد " قيل: إنَّ الصَّلاةَ مِن الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدُّعاء.
فإذا قيل: صَلَّتْ عليه الملائكة، يعني: استغفرت له.
وإذا قيل: صَلَّى عليه الخطيبُ، يعني: دعا له بالصلاة.
وإذا قيل: صَلَّى عليه الله، يعني: رحمه.
وهذا مشهورٌ بين أهل العلم، لكن الصحيح خِلاف ذلك، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن، واختلفوا: هل يُصلَّى على غير الأنبياء؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه.
وأيضاً: فقد قال الله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة157، فعطف " الرحمة " على " الصلوات " والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع: أن الصَّلاة ليست هي الرحمة.
وأحسن ما قيل فيها: ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
فمعنى " اللَّهمَّ صَلِّ عليه " أي: أثنِ عليه في الملأ الأعلى، أي: عند الملائكة المقرَّبين.
فإذا قال قائل: هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ؛ لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء وليست الثناء: فالجواب على هذا: أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة.
وعلى هذا فالقول الرَّاجح: أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني: الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى.
" الشرح الممتع " (3 / 163، 164) .
ثانياً:
وأما معنى " السلام عليه صلى الله عليه وسلم ": فهو الدعاء بسلامة بدنه – في حال حياته -، وسلامة دينه صلى الله عليه وسلم، وسلامة بدنه في قبره، وسلامته يوم القيامة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
قوله: " السلام عليك ": " السَّلام " قيل: إنَّ المراد بالسَّلامِ: اسمُ الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ " كما قال الله تعالى في كتابه: (الملك القدوس السلام) الحشر/23، وبناءً على هذا القول يكون المعنى: أنَّ الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك، فكأننا نقول: اللَّهُ عليك، أي: رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك، وما أشبه ذلك.
وقيل: السلام: اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب/56 فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة.
إذا قال قائل: قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واضحاً، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط: " اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ "، فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته.
إذاً؛ ندعو للرَّسول صلى الله عليه وسلم بالسَّلامةِ من هول الموقف.
ونقول - أيضاً -: قد يكون بمعنى أعم، أي: أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِه ِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين؛ كما قال العلماءُ في قوله تعالى: (فردوه إلى الله والرسول) النساء/59، قالوا: إليه في حياته، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته.
وقوله: " السلام عليك " هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ؟ يعني: هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه؟
الجواب: هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء.
ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً؟ .
الجواب: لا، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم ": لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه، كأنه أمامك تخاطبه.
ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون: السلام عليك، وهو لا يسمعهم، ويقولون: السلام عليك، وهم في بلد وهو في بلد آخر، ونحن نقول: السلام عليك، ونحن في بلد غير بلده، وفي عصر غير عصره " انتهى.
" الشرح الممتع " (3 / 149، 150) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/217)
كيف تستغل وقتها وهي تطبخ في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما يستحب عمله في شهر رمضان الفضيل لزيادة الأجر.. من أذكار وعبادات وأمور مستحبة.. أعرف منها: صلاة التروايح، والإكثار من قراءة القرآن، وكثرة الاستغفار وصلاة الليل.. ولكن أريد أقوالاً أرددها في ممارستي اليومية، في حال الطبخ أو الانشغال بأمور المنزل، فلا أريد أن يضيع عليّ الأجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاك الله خيراً على هذا الاهتمام والحرص على أعمال الخير والبر في هذا الشهر الكريم.
وما ذكرتيه من الأعمال الصالحة، يضاف إليه: الصدقة، وإطعام الطعام، والذهاب للعمرة، والاعتكاف لمن تيسر له ذلك.
وأما الأقوال التي يمكنك ترديدها أثناء العمل، فمنها: التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار والدعاء وإجابة المؤذن. فليكن لسانك رطباً بذكر الله تعالى، واغتنمي الأجر العظيم في كلمات يسيرة تنطقين بها، فلك بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة.
قال صلى الله عليه وسلم: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) رواه مسلم (720) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) رواه البخاري (6682) ومسلم (2694) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (3465) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ) رواه أبو داود (1517) والترمذي (3577) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) رواه الترمذي (3573) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم (384) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) .
وانظري جواب السؤال رقم (4156) .
رزقنا الله وإياك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/218)
هل هناك دعاء لحفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء لحفظ القرآن وما طريقة حفظه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أعرف في ذلك دعاء يحفظ به القرآن إلا حديثاً , ورويَ أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وفي صحته نظر , قال عنه ابن كثير: أنه من البيِّن غرابته بل نكارته.
وقال السيد محمد رشيد رضا ـ في التعيلق عليه ـ بل أسلوبه أسلوب الموضوعات لا أسلوب أفصح البشر محمد صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا أسلوب عصرهما. أ. هـ.
وقال الذهبي هذا حديث منكر شاذ.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين , كتاب العلم , الصفحة (157) .(7/219)
وقت أذكار المساء هل يقع التداخل بين أذكار الصلاة وأذكار الصباح والمساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن أذكار المساء هل تقال كلها في الفترة ما بين صلاة العصر والمغرب أم أنه صحيح أن (آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين) تقال بعد الأذان و (حسبي الله الذي لا اله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) تقال بعد أن أصلي المغرب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف العلماء في تحديد وقت أذكار المساء، فمنهم من قال: إنه ما بين العصر والمغرب، ومنهم من قال: إنه من زوال الشمس (وهو بداية وقت الظهر) إلى غروب الشمس، وفي أول الليل، ومنهم من قال: هو من زوال الشمس إلى منتصف الليل.
وإلى القول الأول ذهب ابن القيم رحمه الله، وقال كما في "الوابل الصيب" ص 127: " الفصل الأول في ذكر طرفي النهار، وهما ما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب، قال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) والأصيل: قال الجوهري: هو الوقت بعد العصر إلى المغرب، وجمعه أُصل وآصال وآصائل ... وقال تعالى: (وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) فالإبكار: أول النهار، والعشي: آخره، وقال تعالى: (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث مَنْ قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي، أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر " انتهى.
وإلى القول الثاني ذهب بعض أهل العلم، وبه أفتت اللجنة الدائمة، حيث سئلت: هل أذكار المساء تكون بعد صلاة العصر أو بعد غروب الشمس؟ أي بعد صلاة المغرب.
فأجابت: " أذكار المساء تبتدئ من زوال الشمس إلى غروبها، وفي أول الليل. وأذكار الصباح تبتدئ من طلوع الفجر إلى زوال الشمس، قال الله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) وقال سبحانه: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) والآصال جمع أصيل، وهو ما بين العصر والمغرب. وقال سبحانه: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/178) .
وإلى القول الثالث ذهب السيوطي رحمه الله، كما نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" (3/73) .
وبهذا يتبين أيضا الخلاف في وقت أذكار الصبح هل هو فيما بين طلوع الفجر إلى شروق الشمس، أم إلى زوالها؟
وثمة أقوال أخر في المسألة، لكن اقتصرنا على المشهور منها.
ثانيا:
دلت السنة الصحيحة على أن آية الكرسي تقال في أذكار الصباح والمساء، وذلك فيما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، والطبراني في الكبير عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان له جُرْن من تمر فكان ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابةٍ شِبه الغلام المحتلم فسلم عليه فرد عليه السلام فقال: ما أنت جني أم إنسي؟ قال: جني. قال: فناولْني يدك، فناوله يده فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب. قال: هذا خَلْق الجن؟ قال: قد علمت الجن أن ما فيهم رجل أشد مني. قال: فما جاء بك؟ قال: بلغنا أنك تحب الصدقة فجئنا نصيب من طعامك. قال: فما ينجينا منكم؟ قال: هذه الآية التي في سورة البقرة (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) من قالها حين يمسي أُجير منها حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي. فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: (صدق الخبيث) . والحديث جود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (662) .
كما دلت السنة على أن المعوذات من أذكار الصباح والمساء أيضا، وذلك فيما رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) والنسائي (5428) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ قُلْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ قَالَ: (قُلْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وجاء في الذكر بآية التوبة: ما رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (71) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي: (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) سبع مرات كفاه الله عز وجل ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة) والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق "زاد المعاد" (2/342) .
ثالثا:
دلت الأحاديث السابقة على أنه لا فرق بين هذه الأذكار، فجميعها يقال حين يصبح الإنسان، وحي يمسي. فلا يصح أن يقال: بعضها يقال بعد الأذان، وبعدها يقال بعد صلاة المغرب.
لكن بناء على الأقوال الثلاثة المشار إليها في وقت أذكار المساء، فإن من أتى بها بين العصر والمغرب، فقد أتى بالذكر في وقته. وأما الإتيان بها بعد أذان المغرب أو بعد صلاة المغرب، فهذا على القول بأن وقتها ممتد إلى ما بعد المغرب أو إلى نصف الليل، كما سبق.
رابعا:
قد يقع التداخل بين أذكار الصلاة وأذكار الصباح والمساء، فقد دلت السنة على أن آية الكرسي والمعوذات من الأذكار التي تشرع في أدبار الصلوات، فروى النسائي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت. والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1595) .
وروى أبو داود (1523) والنسائي (1336) والترمذي (2903) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فمن أتى بذلك بعد صلاة الصبح وقعت عن أذكار الصلاة وعن أذكار الصباح، لكن ينبغي أن يقرأ المعوذات ثلاثا، كما تقدم في حديث عبد الله بن خُبيب.
ومن أتى بذلك بعد صلاة العصر، أو بعد صلاة المغرب – على القول بامتداد وقت أذكار المساء إليه – وقعت عن أذكار الصلاة وعن أذكار المساء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/220)
بعض الأدعية والأدوية لمن يشتكي من ألم في بدنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر بألم شديد في مقدمة رأسي فهل هناك دعاء أدعو به أو أي شيء أفعله ليسكن هذا الألم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما بالنسبة لما أصابك من مرض فإنك إن صبرت واحتسبتَ فإن الله سبحانه وتعالى يجعل مرضك كفارة لذنوبك.
عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ". رواه البخاري (5318) ومسلم (2573) .
ثانياً:
نوصيك ببعض العلاجات والأدعية الصحيحة، أما العلاجات، فمنها:
1. العسل، قال الله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/69.
2. القسط – أو العود الهندي -
عن أم قيس بنت محصن قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عليكم بهذا العود الهندي؛ فإن فيه سبعة أشفية. رواه البخاري (5368) ومسلم (287) .
3. الحجامة:
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به. رواه البخاري (5374) ومسلم (1202) . الشقيقة نوع من الصداع.
4. الحبة السوداء:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، والسام الموت. رواه البخاري (5364) ومسلم (2215) .
وبوَّب عليه البخاري بقوله: باب الحجامة من الشقيقة والصداع.
أما بالنسبة للأدعية التي نوصيك بها، فنذكر لك بعض ما يتيسر من صحيح السنة:
1. عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: باسم الله، ثلاثاً، وقل: سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم (2202) .
2. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً أو أُتي به قال: أَذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً. رواه البخاري (5351) ومسلم (2191) .
وكذلك عليك بقراءة الفاتحة والمعوذات، والقرآن كله فيه شفاء كما قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَاراً) الاسراء/82
3. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حيٍّ من أحياء العرب فلم يَقروهم (أي لم يقدموا لهم حق الضيف) ، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تَقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلا فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن – أي: سورة الفاتحة – ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فضحك وقال: وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم. رواه البخاري (5404) ومسلم (2201) .
4. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها
قال معمر: فسألت الزهري كيف ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. رواه البخاري (5403) ومسلم (2192) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/221)
حكم كتابة (ص) و (صلعم)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز كتابة (ص) أو (صلعم) إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، بدلاً من كتابتها كاملة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع هو أن نكتب جملة " صلى الله عليه وسلم "، ولا ينبغي الاكتفاء باختصاراتها، مثل " صلعم " أو " ص ".
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
وبما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في الصلوات في التشهد، ومشروعة في الخطب والأدعية والاستغفار، وبعد الأذان وعند دخول المسجد والخروج منه وعند ذكره وفي مواضع أخرى: فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب أو مؤلف أو رسالة أو مقال أو نحو ذلك.
والمشروع أن تكتب كاملةً تحقيقاً لما أمرنا الله تعالى به، وليتذكرها القارئ عند مروره عليها، ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة على رسول الله على كلمة (ص) أو (صلعم) وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين، لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: (صلُّوا عليهِ وسلِّموا تسْليماً) الأحزاب/56، مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة (صلى الله عليه وسلم) كاملة.
وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها، علما بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه.
فقد قال ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح في النوع الخامس والعشرين من كتابه: " في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده " قال ما نصه:
التاسع: أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك فقد حرم حظا عظيما. وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية. ولا يقتصر فيه على ما في الأصل.
وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو عز وجل وتبارك وتعالى، وما ضاهى ذلك، إلى أن قال: (ثم ليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما: أن يكتبها منقوصةً صورةً رامزاً إليها بحرفين أو نحو ذلك، والثاني: أن يكتبها منقوصةً معنىً بألا يكتب (وسلم) .
وروي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه كان يقول: كنت أكتب الحديث، وكنت أكتب عند ذكر النبي (صلى الله عليه) ولا أكتب (وسلم) فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: ما لك لا تتم الصلاة عليَّ؟ قال: فما كتبت بعد ذلك (صلى الله عليه) إلا كتبت (وسلم) ... إلى أن قال ابن الصلاح: قلت: ويكره أيضا الاقتصار على قوله: (عليه السلام) والله أعلم. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصاً.
وقال العلامة السخاوي رحمه الله تعالى في كتابه " فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي " ما نصه: (واجتنب أيها الكاتب (الرمز لها) أي الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطك بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة - صورة - كما يفعله (الكتاني) والجهلة من أبناء العجم غالبا وعوام الطلبة، فيكتبون بدلا من صلى الله عليه وسلم (ص) أو (صم) أو (صلعم) فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتابة خلاف الأولى) .
وقال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه " تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ": (ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم هنا وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى: (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) إلى أن قال: ويكره الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين كمن يكتب (صلعم) بل يكتبهما بكمالها) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصا.
هذا ووصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب أن يلتمس الأفضل ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه ويبتعد عما يبطله أو ينقصه. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 397 – 399) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/222)
اختراع وِرد من أدعية الكتاب والسنة بعدد معين لزيادة فترة الذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يعمل ورداً يومياً من الكتاب والسنة كالأدعية مثلا وبعدد معلوم من أجل زيادة وقت العبادة والجلوس أطول فترة ممكنة في المسجد هل عليه شيء وما الدليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب للمسلم الإكثار من ذكر الله تعالى؛ لأن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الأحزاب/41-42. وقال تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب/35، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك حين قال: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2687) .
والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان:
الأول: ما ورد تقييده بعدد معين، فينبغي الالتزام بالعدد الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، كالأذكار أدبار الصلاة، وكقول (سبحان الله وبحمده) مائة مرة صباحاً ومساءً، وقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) في اليوم مائة مرة. ونحو ذلك.
الثاني: ما لم يرد تقييده بعدد معين، كالترغيب المطلق في التسبيح والتحميد والتهليل وقراءة القرآن ونحو ذلك، فهذا يأتي به الإنسان مطلقاً من غير التزام بعدد معين كما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
"الأصل في الأذكار والعبادات التوقيف، [أي أن يقتصر الشخص على ما أتى به الشرع، فلا يعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسول صلى الله عليه وسلم] ، وعليه فما ثبت بالأدلة القولية أو العملية تقييده بوقت، أو عدد، أو تحديد مكان له، أو كيفية؛ عبدنا الله به على ما ثبت من الشرع له، وأما ما شرعه الله من الأذكار والأدعية وسائر العبادات مطلقا عن التقييد بوقت أو عدد أو مكان أو كيفية فلا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية، أو وقت أو عدد، بل نعبده به مطلقا كما ورد". انتهى من كتاب (فتاوى إسلامية 4/178.)
وللاطلاع على المزيد حول هذا الموضوع يمكنك مراجعة سؤال رقم (22457) و (21902) في هذا الموقع، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/223)
ذكر الله في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أشعر بالخوف وأنا في دورة المياه وأذكر الله في صدري ما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للإنسان أن يذكر ربّه ـ عز وجل ـ في داخل الحمام، لأن المكان غير لائق لذلك، وإن ذكره بقلبه فلا حرج عليه بدون أن يتلفّظ بلسانه، وإلا فالأولى أن لا ينطق به بلسانه في هذا الموضع وينتظر حتى يخرج منه.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/11 ص/109.(7/224)
التكبير المطلق والمقيد (فضله ووقته وصفته)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التكبير المطلق والمقيد؟ ومتى يبدأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: فضل التكبير ...
الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة أيامٌ معظمة أقسم الله بها في كتابه والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه، قال تعالى: (والفجر وليال عشر) قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة. قال ابن كثير: " وهو الصحيح " تفسير ابن كثير8/413.
والعمل في هذه الأيام محبوبٌ إلى الله سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ.
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " رواه البخاري (969) والترمذي (757) واللفظ له وصححه الألباني في صحيح الترمذي 605
ومن العمل الصالح في هذه الأيام ذكر الله بالتكبير والتهليل لما يلي من الأدلة:
1- قال تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) الحج / 28. والأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة.
2- قال تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات ... ) البقرة / 203، وهي أيام التشريق.
3- ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل) رواه مسلم 1141
ثانياً: صفته ...
اختلف العلماء في صفته على أقوال:
الأول: " الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله، الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد "
الثاني: " الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله، الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد "
الثالث: " الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله، الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد ".
والأمر واسع في هذا لعدم وجود نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد صيغة معينة.
ثالثاً: وقته ...
التكبير ينقسم إلى قسمين:
1- مطلق: وهو الذي لا يتقيد بشيء، فيُسن دائماً، في الصباح والمساء، قبل الصلاة وبعد الصلاة، وفي كل وقت.
2- مقيد: وهو الذي يتقيد بأدبار الصلوات.
فيُسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة (أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة) إلى آخر يوم من أيام التشريق (وذلك بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة) .
وأما المقيد فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق - بالإضافة إلى التكبير المطلق – فإذا سَلَّم من الفريضة واستغفر ثلاثاً وقال: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " بدأ بالتكبير.
هذا لغير الحاج، أما الحاج فيبدأ التكبير المقيد في حقه من ظهر يوم النحر.
والله أعلم.
أنظر مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله 13/17، والشرح الممتع لابن عثيمين رحمه الله 5/220-224.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/225)
ذكر الله في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن أو يتذكر الله (تفكرا) في قلبه, ودون أن ينطق بذلك, وهو في الحمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الذكر ذِكران: ذكر باللسان مثل قراءة القرآن والأذكار والأدعية التي رغَّب الشرع بفعلها، وذِكر بالقلب وذلك بالتفكر الله تعالى وعظمته وقدرته، والتفكر في مخلوقاته سبحانه وتعالى، أو تمرير القرآن على القلب، وهذا ليس له أجر قراءة القرآن على هذا التمرير لأن الأجر معلق على القراءة، وهي لا تكون إلا باللسان، ومثله: الأدعية، ويشترط فيها أن تكون باللسان ولا يكفي فيها تمريرها على القلب.
وقد فرق العلماء بين الذكرين، فقالوا: يكره أن يذكر الله تعالى في الحمام بلسانه تعظيماً لله أن يذكر في هذا المكان، وأما الذكر بالقلب فقالوا: لا يكره ولا بأس به.
ويدل على الفرق بين الذكرين أن العلماء اتفقوا على أن الجنب يجوز له أن يمر القرآن على قلبه، أما لو قرأه بلسانه وتلفظ به فهو حرام.
وقال النووي:
اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئا مرتكبا لقراءة الجنب المحرمة. " شرح النووي على صحيح مسلم " (4 / 103) .
قال ابن المنذر في الأوسط:
وقال عكرمة لا يذكر الله وهو على الخلاء بلسانه ولكن بقلبه.
" الأوسط " (1 / 341) .
وقالت اللجنة الدائمة:
من آداب الإسلام أن يذكر الإنسان ربه حينما يريد أن يدخل بيت الخلاء أو الحمَّام، بأن يقول قبل الدخول: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "، ولا يذكر الله بعد دخوله، بل يسكت عن ذكره بمجرد الدخول.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 93) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:
الذِّكر بالقلب مشروع في كل زمان ومكان، في الحمَّام وغيره، وإنما المكروه في الحمَّام ونحوه: ذكر الله باللسان تعظيماً لله سبحانه إلا التسمية عند الوضوء فإنه يأتي بها إذا لم يتيسر الوضوء خارج الحمَّام؛ لأنها واجبة عند بعض أهل العلم، وسنة مؤكدة عند الجمهور.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 408) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/226)
حكم تقشير الوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقشير الوجه وهو إزالة الطبقة الخارجية للوجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقشير الوجه من أنواع العمليات الجراحية التجميلية التي يجريها البعض بقصد التشبيب، أي: ليزيل آثار الكِبَر والشيخوخة، وليظهر أكثر شباباً.
وهذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية ولا تصيب الإنسان مشقة بتركه، بل غاية ما فيه تغيير خلقة الله تعالى، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم، فهو محرم ولا يجوز فعله، وذلك لما يأتي:
1- قول الله تعالى حكاية عن إبليس لعنه الله: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) النساء/119.
فدلت الآية الكريمة على أن تغيير خلق الله من جملة المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني آدم.
2- روى البخاري (5931) ومسلم (2125) عن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى. ثم قال عبد الله: مَالِي لا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. راجع السؤال (21119) .
فلعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعل هذه الأشياء وعلل ذلك بتغيير خلق الله، وجمع بين تغيير الخلقة وطلب الحسن، وهذان المعنيان موجودان في عملية تقشير الوجه، لأنها تغيير للخلقة بقصد زيادة الحسن، فتعتبر داخلة في هذا الوعيد الشديد -وهو اللعن- ولا يجوز فعلها.
وما يعتذر به البعض ويحاول جاهداً في إيجاد سبب يبيح مثل هذه العمليات، من أن الشخص يتألم نفسياً، أو لا يستطيع بلوغ أهدافه المنشودة في الدنيا بسبب عدم اكتمال جماله.
فعلاج هذه الأوهام والوساوس إنما هو بغرس الإيمان في القلوب.
وزرع الرضا عن الله فيما قسمه من الجمال والصورة. والمظاهر ليست هي الوسيلة لبلوغ الأهداف والغايات النبيلة.
وإنما يدرك ذلك بتوفيق الله تعالى ثم بالتزام شرعه والتخلق بالآداب الحميدة ومكارم الأخلاق.
انظر كتاب: "أحكام الجراحة الطبية" لفضيلة الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي ص (191-198) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/227)
هل يقال: "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة أن ندعوا إذا أصابنا مكروه فنقول: الحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه. هذا الدعاء أسمعه كثيراً، ولا أدري هل هو ثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء ليس وارداً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والوارد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ما رواه ابن ماجه (3803) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 127) :
أما ما يقوله بعض الناس: " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " فهذا خلاف ما جاءت به السنة، بل قل كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحمد لله على كل حال" أما أن تقول: "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه" فكأنك الآن تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يصبر الإنسان على ما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يسره، لأن الذي قدره هو الله عز وجل، وهو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، بل يجب عليك الصبر وألا تتسخط، لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً) صححه الألباني في تحقيق السنة لابن أبي عاصم (315)
فالله عز وجل محمود على كل حال من السراء أو الضراء، لأنه إن قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) الأنبياء / 35. فإن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر / 10 اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/228)
هل لأذكار الصباح والمساء وقت محدد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأذكار الصباحية والمسائية لها وقت معين وإذا كان لها وقت محدد ولم يذكرها الشخص إلا بعد انتهاء وقتها هل يقولها أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح أن أذكار الصباح والمساء لها وقت محدد؛ بدليل التحديد الوارد في كثير من الأحاديث النبوية: " من قال حين يصبح.كذا وكذا، ومن قال حين يمسي كذا وكذا ".
لكن العلماء اختلفوا في تحديد وقت الصباح والمساء بداية ونهاية، فمن العلماء من يرى أن وقت الصباح يبدأ بعد طلوع الفجر، وينتهي بطلوع الشمس، ومنهم من يقول إنه ينتهي بانتهاء الضحى لكن الوقت المختار للذكر هو من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس. وأما المساء فمن العلماء من يرى أنه يبتدأ من وقت العصر وينتهي بغروب الشمس، ومنهم من يرى أن وقته يمتد إلى ثلث الليل، وذهب بعضهم إلى أن بداية أذكار المساء تكون بعد الغروب.
ولعل أقرب الأقوال أن العبد ينبغي له أن يحرص على الإتيان بأذكار الصباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإن فاته ذلك فلا بأس أن يأتي به إلى نهاية وقت الضحى وهو قبل صلاة الظهر بوقت يسير، وأن يأتي بأذكار المساء من العصر إلى المغرب، فإن فاته فلا بأس أن يذكره إلى ثلث الليل، والدليل على هذا التفضيل ما ورد في القرآن من الحث على الذكر في البكور وهو أول الصباح، والعشي، وهو وقت العصر إلى المغرب.
قال ابن القيم رحمه الله: قال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) سورة قّ/39، وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث: من قال كذا وكذا حين يصبح، وحين يمسي، أن المراد به: قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها وأن محل ذلك ما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب، وقال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ) غافر/55، والإبكار أول النهار، والعشي آخره. وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح، وبعد العصر.ا. هـ ملخصا من الوابل الصيب (200) ويراجع شرح الأذكار النووية لابن علان (3 / 74 , 75، 100)
كما أن هناك أذكاراً تقال في الليل كما ورد في الحديث من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه رواه البخاري (4008) ومسلم (807) ، ومعلوم أن الليل يبدأ من المغرب وينتهي بطلوع الفجر، فعلى المسلم أن يحرص على الإتيان بكل ذكر مؤقت بوقت في وقته، وأما إذا فاته الذكر فهل يقضيه أم لا؟
فقد قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " وأما قضاؤها إذا نسيت فأرجو أن يكون مأجوراً عليه " راجع السؤال رقم (11169) و (3781) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/229)
دعاء الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت في الشرع دعاء أثناء الوضوء أو لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء عند غسل الأعضاء أو مسحها، وما ذكر من الأدعية في ذلك مبتدع لا أصل له، وإنما المعروف شرعاً التسمية أوله والنطق بالشهادتين بعده وقول: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الشهادتين.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/205(7/230)
أذكار الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يستحب فعله عند الوضوء؟ وماذا يقال بعده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن صفة الوضوء الشرعي هي: أن يفرغ الشخص من الإناء على كفيه ثلاث مرات ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيتمضمض ويستنثر ثلاث مرات ثم يغسل وجهه ثلاث مرات ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات وإن غسل مرتين مرتين أو مرة مرة أجزأ ذلك ثم يقول بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فتاوى اللجنة الدائمة 5/231، وأما قبل الوضوء فإنّه يسمّي الله تعالى لحديث: لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. سنن الترمذي 56.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/231)
قراءة القرآن بعد صلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأوقات التي يمكن للمسلم قراءة القرآن فيها؟ ما أفهمه هو أن القرآن نوع من الذكر، وأن الأذكار يمكن أن تباشر في أي وقت. لكن بعض الاخوة في مسجدنا يشعرون بأنه لا يمكن قراءة القرآن بعد صلاة الفجر إلى أن تشرق الشمس، والسبب هو أننا لا يمكننا أن نسجد في ذلك الوقت. وأنه إذا صادفتنا سجدة تلاوة، فإنه لا يمكننا أن نسجد. ولذلك فإن علينا (ألا) نقرأ القرآن في ذلك الوقت. أرجو أن ترد على سؤالي على ضوء الكتاب والسنة مع بعض الاستدلالات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال يتضمن عدة مسائل:
المسألة الأولى: متى يُمنع المسلم من قراءة القرآن؟
يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن على كل حال إلا أن يكون على جنابة فإنه لا يجوز له قراءة القرآن في هذه الحالة، قال شيخ الإسلام: أجمع العلماء على تحريم قراءة القرآن للجنب. انظر توضيح الأحكام لعبد الله البسام ج/1 ص/309
وأما ما ذُكر من أن قراءة القرآن ذكر فهذا صحيح بل هو من أفضل أنواع الذكر، لأنه كلام الله عز وجل.
المسألة الثانية:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أوقات محددة، يراجع جواب سؤال رقم (8818) ، والنهي ورد عن الصلاة وعن دفن الميت في هذه الأوقات، فلا يدخل في ذلك قراءة القرآن، بل إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحباب ذكر الله بعد الفجر ومن ذلك ولا شك قراءة القرآن فقد روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تامة تامة تامة) (الجمعة /535) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (480) ، فالمنع منها لا يصح بدون دليل، فكيف وقد ورد ما يدل على استحباب ذلك.
المسألة الثالثة:
هل سجود التلاوة يعتبر صلاة؟
قال الشيخ ابن عثيمين:
ذهب بعض العلماء إلى أنه صلاة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس بصلاة، لأنه لا ينطبق عليه تعريف الصلاة، إذ لم يثبت في السنة أن له تكبيراً أو تسليماً، فالأحاديث الواردة في سجود التلاوة ليس فيها إلا مجرد السجود فقط
(سجد فسجدنا معه) إلا حديثاً أخرجه أبو داود في إسناده نظر (أنه كبّر عند السجود) ولكن ليس فيه تسليم فلم يرد في حديث ضعيف ولا صحيح أنه سلّم من سجدة التلاوة، وإذا لم يصح فيها تسليم لم يكن صلاة، لأن الصلاة لا بد أن تكون مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وبناء على ذلك لا يُشترط له طهارة ولا ستر عورة ولا استقبال القبلة، فيجوز أن يسجد ولو كان محدثاً حدثاًً أصغر، ... ومن طالع كلام شيخ الإسلام تبيّن له أن القول الصواب ما ذهب إليه من أن سجود التلاوة ليس بصلاة، ولا يُشترط له ما يُشترط للصلاة، فلو كنت تقرأ القرآن عن ظهر قلب وأنت غير متوضئ ومررت بآية سجدة، فعلى هذا القول تسجد ولا حرج، وكان ابن عمر رضي الله عنهما مع تشدده ـ يسجد على غير طهارة ـ لكن الاحتياط أن لا يسجد إلا متطهراً.
الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/126
وعلى هذا فإنه يجوز قراءة القرآن بعد صلاة الفجر بل يستحب وأما إذا عرض للقارئ سجود تلاوة بعد الفجر أو بعد العصر فقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله هل يسجد للتلاوة الذي يقرأ القرآن بعد العصر أو بعد صلاة الفجر فقال:
يشرع سجود التلاوة بعد طلوع الصبح والعصر لأنه من ذوات الأسباب، ولأنه ليس له حكم الصلاة في أصح قولي العلماء، بل حكمه حكم القراءة والتسبيح والتهليل ولهذا يجوز للقارئ أن يسجد سجود التلاوة ولو كان على غير وضوء في أصح قولي العلماء.
فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله ج/2 ص/344.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/232)
وقت أذكار المساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو وقت أذكار المساء؟ وما هو الوقت الأفضل لها؟ وهل تقضى عند نسيانها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المساء واسع من بعد صلا العصر إلى صلاة العشاء كلها يسمى مساء , وسواء قال الذكر في الأول أو في الآخر, إلا ما ورد تخصيصه بالليل مثل آية الكرسي من قرأها في ليله. فالذي يكون مقيداً بالليل يقال بالليل , والذي يكون مقيداً بالنهار يقال بالنهار, وأما قضاؤها إذا نسيت فأرجو أن يكون مأجورا عليه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة العدد 1741 7/2/1421هـ ص/36.(7/233)
يقول الأذكار وتحدث له مصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يحافظ على الأذكار، ومع ذلك يصيبه مكروه، فهل يمكن أن يبطل عمل الأذكار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لعل المراد أن هذا الرجل يقع في بعض المكروهات، أو يعمل المعاصي، ويُخشى أن يحبط عمله الذي من جملته الأذكار اليومية، وعلى هذا ننصحه بالاستمرار على الأذكار والأوراد، والإقلاع عن المكروهات، والحسنات يذهبن السيئات، ومتى تاب فإن الله يمحو عنه السيئات، ويضاعف له الحسنات، ولا يقنط من رحمة الله، ولا يدع العمل الصالح، وإذا كان القصد أن هذا الرجل محافظ على الأوراد، ومع ذلك تصيبه بعض العقوبات، والمصائب البدنية والمالية، ويخشى أن أذكاره باطلة، حيث لم تؤثر في حفظه وحمايته، نقول له لا تخف، فإن المصائب والابتلاء تصيب الأنبياء والصالحين، ولا ينقص ذلك من حسناتهم، ولا يدل على أن أذكارهم لم تقبل، بل أن ذلك لرفع درجاتهم، ومضاعفة جزائهم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص66.(7/234)
دعاء ذهاب الهم والحزن
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة من أعز أصدقائي تعانى الكثير من المشكلات في حياتها وقد فقدت على إثرها هناءها وسعادتها ولازمها شعور بعدم الرضا والاضطراب طوال الوقت ولذا فأنا قلقة عليها. وسؤالي هل هناك دعاء يمكن من خلاله أن تعود إليها سعادتها تارة أخرى، وهناك استفسار آخر فقد سمعت عن بعض الآيات الكريمات آلتي يتم قراءتها مائة آلف مرة وبعدها يذهب الله المشكلات والهم والحزن.فهل هذه الأدعية صحيحة وهل ذكر هذه الآيات هو الطريقة الصحيحة للدعاء إلى الله والتقرب إليه؟ وهل هناك أي دعاء آخر يمكنني بواسطته الدعاء لأجل صديقتي؟ فأنا قلقة عليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تكرار آية ولا دعاء ولا ذكر مائة ألف مرة، وبالنسبة للأدعية التي تُزيل الهم والغمّ إرجعي إلى كتاب: " علاج الهموم " المنشور في ركن الكتب في هذا الموقع. والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/235)
متى تقال أذكار الصباح
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نسيت أن أقول أذكار الصباح قبل طلوع الشمس فهل تُقبل مني إذا ذكرتها متى استيقظت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أذكار الصباح ليست مقيدة بشروق الشمس إذ أن الصبح في اللغة يطلق على الفجر وأول النهار كما في القاموس المحيط (291) قال تعالى: {وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار} قال ابن كثير في التفسير (4/86) أي في أوائل النهار وأوائل الليل. لكن أشرف أوقات الذكر في النهار: الذكر بعد صلاة الصبح لقوله تعالى {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} طه: 130 ولقوله صلى الله عليه وسلم: من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة، تامة تامة تامة. صحيح الجامع (6222)
وعلى هذا التفصيل تتنزل كل النصوص الواردة في هذا الباب كقوله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثلما قال أو زاد عليه. رواه مسلم (2692) .
وكقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور. رواه أبو داود في السنن رقم (5068) والنسائي في السنن الكبرى (9836) قال الألباني حديث صحيح.
وعليه فلك أن تقول أذكار الصباح عند استيقاظك من نومك لكونك لازلت في وقت الصبح والله ولي التوفيق
فائدة: روى مسلم في الصحيح رقم (747) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نام حزبه أو عن شيء منه فقرأ فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل "
قال النووي في "شرح مسلم" (6/27) :
هذا دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضى.
وجاء في "عون المعبود" (4/198) قوله:
والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو عذر من الأعذار وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله من الليل ومنه استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل. والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/236)
متى نقول لا حول ولا قوة إلا بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تبين لي:
1- معنى الجملة: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
2- تعليق بسيط عليها.
3- متى نقولها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معناها: اعتراف العبد بعجزه عن القيام بأي أمر إلا بتوفيق الله له وتيسيره، وأما حوله ونشاطه وقوته فمهما بلغت من العِظم فإنها لا تغني عن العبد شيئا إلا بعون الله الذي علا وارتفع على سائر المخلوقات، العظيم الذي لايعظم معه شيء، فكل قوي ضعيف في جنب قوة الله، وكل عظيم صغير ضعيف في جنب عظمته سبحانه.
وتقال هذه الجملة إذا دهم الإنسان أمر عظيم لا يستطيعه، أو يصعب عليه القيام به.
الشيخ سعد الحميّد.
ومن المواضع التي تقال فيها هذه الكلمة ما يلي:
- إذا تقلب في الليل:
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاتُه) رواه البخاري / 1086
- إذا قال المؤذن حي على الصلاة أو حي على الفلاح:
فعن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ قَالَ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَالَ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم في صحيحه / 578، وأبو داوود في سننه / 443.
- إذا خرج من بيته:
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ - يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ - بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ يُقَالُ لَهُ كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي في سننه / 3348، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وانظر صحيح الجامع للألباني / 6419
ورواه أبو داوود في سننه / (4431) وزاد: (فيقول له شيطان آخر: كيف لك بِرَجُلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ) .
- بعد الصلاة:
فعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَلا نَعْبُدُ إِلا إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) وَقَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ " رواه مسلم في صحيحه / 935.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/237)
بعض الأوراد والأذكار الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تذكر لي بعض الأوراد والأذكار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وأما الأوراد والأذكار فكثيرة ومتعددة ومما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار عند القيام من النوم، وعند الصباح والمساء، وعند النوم، ومما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال في الصباح والمساء ما يلي:
قراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) رواه الترمذي (الدعوات/3499) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم 2829.
سَيِّدُ الاستغفار وهو أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) رواه البخاري (الدعوات/6306) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي:
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ) رواه مسلم (الذكر والدعاء/ 2692) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شيء) رواه الترمذي (الدعوات/3388) قال الألباني في صحيح سنن الترمذي حسن صحيح، رقم 2689.
وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسَى قَال: (أمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أُرَاهُ قَالَ فِيهَا لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) رواه مسلم/4900
وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: (اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ) رواه الترمذي (الدعوات/3391) صححه الألباني برقم 2700.
وعلَّم أحد أصحابه أن يقول: (اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ) وقَالَ: (قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مضجعك) رواه الترمذي (الدعوات/3392) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم 2701.
ولَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَقَالَ عُثْمَانُ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي) رواه أبو داود (الأدب/5074) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 4239.
" وكذلك قوله: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ) تُعِيدُهَا ثَلاثًا حِينَ تُصْبِحُ وَثَلاثًا حِينَ تُمْسِي " رواه أبو داود (الأدب/5090) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود حسن الإسناد رقم4245ِ.
وقوله: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) رواه مسلم (الذكر والاستغفار/ 4905) . وهذا يقال في الصباح.
وللمزيد , ويراجع سؤال رقم 3064 في بعض كتب الأذكار الصحيحة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/238)
الأذكار بعد الصلاة وقبل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بالذكر عقب الصلوات المفروضة، فقد قرأت حديثاً يتضمن أن يقول المرء "الله أكبر" و"الحمد لله" و"سبحان الله" كل منها 33 مرة. وقيل لي إنها كلها 30 مرة فقط بعد كل صلاة مفروضة (الله أكبر والحمد لله وسبحان الله كل منها 10 مرات) فأيهما أصح؟ وقيل لي أيضاً أن يردد المرء نفس الذكر قبل النوم غير أنه يقول "الله أكبر" 34 مرة وبذلك يكون المجموع مائة. وما هو الأجر الذي تحصل عليه عن هذا العمل؟ وأخيراً، ما هي الطريقة الصحيحة لترديد الذكر على اليد اليمنى؟ هل تبدأ بالإبهام من أعلى إلى أسفل ومن اليسار إلى اليمين؟ وما هي المفاصل التي تعد عليها؟ شكراً جزيلاً وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما أُشير إليه في السّؤال عن الأذكار الواردة بعد الصلاة قد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ. " رواه مسلم 939
وقد وردت صفات متعددة للأذكار بعد الصلوات منها ما أُشير إليه في السّؤال أيضا ودليله ما ورد في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّتَانِ لا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاّ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَلا وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا قَالَ فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ قَالَ فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَ مِائَةِ سَيِّئَةٍ قَالُوا فَكَيْفَ لا يُحْصِيهَا قَالَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلاتِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ لا يَفْعَلُ وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سنن الترمذي 3332
ومن الأذكار التي تُقال قبل النّوم - ووردت الإشارة إليها في السّؤال - ما جاء في حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَقَالَ " أَلا أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ. " رواه البخاري/4943، ومسلم/4906
وأمّا بالنسبة لعقد التسبيح فإنّ السنّة أن يكون بأصابع اليد اليمنى - ويجوز باليُسرى - والدليل على أفضلية اليمنى ما رواه أبو داود رحمه الله تعالى في سننه قال حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ فِي آخَرِينَ قَالُوا حَدَّثَنَا عَثَّامٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بِيَمِينِهِ. سنن أبي داود كتاب الصلاة: باب التسبيح بالحصى.
قال في حاشية الطحطاوي: وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه وورد أنه قال: واعقدوه بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات،.. قال ابن حجر:.. وعقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة انتهى.
والأنامل هي أطراف الأصابع والسنّة أن يعقد بها عقدة مع راحة الكفّ ويعدّ الأذكار بهذه الصفة، أمّا مسألة بأي أصابع اليد اليمنى يبدأ فليس لديّ علم بشيء معيّن فيه والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/239)
يريد أن يخطب فتاة يضع والدها أمواله في البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي التقدم لخطبة فتاة ولكن عرفت أن والدها يضع أمواله في البنك وسوف يقوم بتجهيزها من هذا المال ... فهل سيكون هذا الجهاز والعفش حلالاً أم حراماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أكل الربا من كبائر الذنوب، ومن الموبقات العظام، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279.
و (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) ورواه مسلم (1598) .
ولكن التعامل مع آكل الربا جائز؛ فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود وهم أكلة الربا، والمحرم في مال آكل الربا هو الزيادة الربوية فقط، وباقي ماله – إن كان أصله حلالا – فهو حلال.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الذين غالب أموالهم حرام مثل المكاسين وأكلة الربا وأشباههم. ومثل أصحاب الحرف المحرمة كمصوري الصور والمنجمين ومثل أعوان الولاة. فهل يحل أخذ طعامهم بالمعاملة؟ أم لا؟ .
فأجاب:
" الحمد لله، إذا كان في أموالهم حلال وحرام ففي معاملتهم شبهة؛ لا يحكم بالتحريم إلا إذا عرف أنه يعطيه ما يحرم إعطاؤه. ولا يحكم بالتحليل إلا إذا عرف أنه أعطاه من الحلال. فإن كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة، وإن كان الحرام هو الأغلب قيل بحل المعاملة. وقيل: بل هي محرمة.
فأما المعامل بالربا فالغالب على ماله الحلال؛ إلا أن يعرف الكره من وجه آخر. وذلك أنه إذا باع ألفا بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط.
وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال؛ بل له أن يأخذ قدر الحلال كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر فإنه يقسم بين الشريكين. وكذلك من اختلط بماله: الحلال والحرام أخرج قدر الحرام والباقي حلال له. والله أعلم " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (29 / 272-273) .
وقد اختار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أن المال المكتسب بطريق حرام كآكل الربا، والمغنية، وتاجر المخدرات، والمرتشي ... إنما يحرم على المكتسب له فقط، أما من أخذ هذا المال منه بسبب مباح، كنفقته على أولاده وزوجته، وهدية وأجرة على عمل ... ونحو ذلك فهو حلال لمن أخذه.
فقال رحمه الله:
"كل شيء اكتسب بالحرام فإنه يكون حراماً ولا ينفع صاحبه الذي اكتسبه، إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلفه كان زاداً له إلى النار.
أما بالنسبة لمن بذل له ذلك الشيء فإنه لا يكون حراماً عليه؛ وذلك لأن التحريم كان للكسب لا للعين، فكل شيء محرم لكسبه يكون حراماً على الكاسب فقط، وأما من أخذه من هذا الكاسب بطريق حلال فإنه ليس حراماً عليه، أما ما كان حراماً بعينه [كالمال المسروق والمغصوب] فإنه حرام على الكاسب وعلى غيره " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (13/179)
وقال أيضا:
" لا بأس بقبول الإنسان الزكاة أو التبرعات من البنوك الربوية؛ لأنه أخذها بحق، والإثم على البنك إذا كان اكتسبه بربا، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَبِل الهدية من اليهود، وأجاب دعوة اليهود، ومعلومٌ أن اليهود يأكلون الربا، ويكسبون الأموال بالسحت.
وكذلك أيضاً: عامَلَ اليهود في خيبر، أي: أعطاهم من النخل والزرع، على أن لهم النصف وللمسلمين النصف، ومعلوم أنهم يكتسبون من الربا.
فلذلك خذ قاعدةً مفيدةً: كل من اكتسب شيئاً بطريق مباح، فليس عليه إثم من اكتسبه بطريق محرم؛ لأن هذا محرم لكسبه، فيكون حراماً على من كسبه بغير حق، إلاَّ إذا علمت أن هذا المال مال فلان، مثل: إنسانٌ سارقٌ سرق شاة وأتى بها إليك يهديها لك، هذا لا يجوز أن تقبلها منه؛ لأنك تعرف أن هذه الشاة شاة فلان، لكن ما كان محرماً من أجل الكسب، فإن مَن أخذه بحق فهو حلال له" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (140 / 27)
وعلى هذا: فلا بأس من التقدم لخطبة هذه الفتاة، إذا كانت ذات دين وخلق، ولا يضرك كون أبيها يضع أمواله بالبنك الربوي؛ وسيجهز ابنته من ماله، فإثم هذا المال الحرام على أبيها فقط، وليس عليها ولا عليك إثم فيه إن شاء الله.
وعليك نصح أبيها، ونهيه عن هذا المنكر، وبيان أن الربا ممحوق البركة، ثم هو حسرة وعار على صاحبه يوم القيامة.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (105827) و (45018) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/240)
طلب منها مالا مقابل تذاكر السفر للقائها الذي أخلفته معها!!
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت على علاقة مع فتاة غير مسلمة تعيش في مدينة أخرى. وذات مرةٍ أردت ان أزورها فاتفقنا على تأريخ محدد وحجزت تذاكر الطيران ثم قبل السفر بيوم قررت انها لا تريد ان تراني مطلقاً فألغيت الرحلة وطلبت منها ان تعطيني قيمة التذاكر التي لم استفد منها لأنها كانت السبب في خسارتي لذلك المبلغ فأرسلت لي المبلغ كاملاً. الأن بعد ان تبت، وأسأل الله ان يتقبل، هل يلزمني أن أعيد لها ذلك المبلغ؟ لأنه في الأصل خطئي أنا. وهل يجوز لي ان أتزوجها ما لو اهتدت واعتنقت الاسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن من عليك بالتوبة والإنابة من ذلك الفعل المحرم، وأن يتقبل منك توبتك، ويثبتك على الهدى والصراط المستقيم.
ولتعلم ـ يا عبد الله ـ أن تحريم الزنا، وتحريم مثل هذه العلاقات غير الشرعية، هو لحق الله تعالى، وليس لحق البشر؛ فلا فرق بين أن تكون المزني بها مسلمة أو كافرة، ولا فرق بين أن تكون راضية بذلك، أو حتى طالبة له، وبين أن تكون كارهة له؛ فكله زنا من فاعله، محرم عليه؛ وإن كان بعض المحرمات أشد حرمة من بعض، والزنا ببعض النساء أشد من بعض، لكن هذا أمر آخر غير ما نحن فيه.
فإياك وتلبيس الشيطان على كثير من المسلمين: أن يتهاون في العلاقات الآثمة، بل ويتسارع في الوقوع في الزنا والموبقات، ويرى أن المزني بها إن كانت كافرة: هان الأمر، وربما لم يظنه زنا محرما.
ثانيا:
هذا المال الذي حصلت عليه هو من أكل أموال الناس بالباطل، فليس لك حق في السفر إليها أصلا، وإذا سافرت: فليس لك حق في الحصول على مال منها مقابل سفرك، وإذا ترتب على سفرك، أو على عدم سفرك ـ كما ورد في سؤالك ـ خسارة مادية لك: فليست هي مسؤولة عن شيء من ذلك كله، ولا يحل لك أخذ عوض مادي عما فاتك من ذلك.
والواجب عليك أن ترد عليها ما أرسلت لك من المال، وأن تبين لها أن ذلك لا يحل لك في دينك، وأن العلاقة التي كانت تجمعكما هي ـ أيضا ـ علاقة محرمة في ديننا، وتشرح لها ماذا تعني التوبة عن العلاقات المحرمة بالنساء.
ثالثا:
إذا تحقق أن هذه المرأة دخلت في الإسلام راغبة فيه، وتبين لك صلاح حالها: فلا حرج عليك في الزواج بها، وإن كنا ننصحك أن تقطع باب التعلق بها، وطول الأمل في إسلامها، أو رغبتها فيك، وسوف تجد فيما أحل الله لك من المحصنات المؤمنات ما يغنيك عن ذلك، ويعفك عن الحرام.
والله الموفق بمنه وكرمه لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
راجع إجابة السؤال رقم: (103543)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/241)
شارك في منتديات إباحية وتسبب في نشر معصية ثم تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[بصراحة أحيي لكم هذا الموقع الذي يشفي غليل كثير من السائلين، سؤالي هو، أنا (وبكل كل أسف وخجل) كنت مدمنا على منتديات للمواقع الإباحية العربية، وهناك يوجد قسم لطلبات الصور والأفلام المحرمة، فقد وضعت تقريبا ما يقارب الخمس إلى الستة طلبات ولقد استجابوا مدراء المنتدى لطلبي ووضعي لي ما طلبته من أفلام وصور ... جميع مواضيعي موجودة في المنتدى إلى الآن، أنا الآن نادم وقلبي يحترق على هذه الورطة التي ورطت نفسي بها ... ماذا أفعل إذا استمر الموضوع ولم يحذف.. أنا مصاب بنوع من الإحباط والكآبة كلما فكرت بهذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن ألهمك رشدك، وبصرك بعيبك، وصرفك عن هذا العمل القبيح، فإن دخول المنتديات الإباحية باب عظيم للفتنة ومرض القلب وتأجيج الشهوة، ثم الانطلاق فيما وراء ذلك من محرمات، نسأل الله العافية، وإذا كانت الشريعة قد حرمت النظر للنساء وأمرت بغض البصر ولم تعفُ إلا عن نظر الفجأة الذي لا يقصده الإنسان، فكيف بمن ينظر للعورات، ويشاهد الخنا والفجور، وهل يزداد قلبه بذلك إلا سوادا وظلمة؟ فكيف بمن يسعى في تأييد ذلك الخنا والمجاهرة به، ونشره؟!
ثانيا:
تحرم الدلالة على المعصية والإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (َمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم (4831) .
ولهذا فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من دلالتك على المعصية، وتسببك في نشرها، كما تتوب من فعل المعصية نفسها.
وينبغي عليك أن توجه نصيحة لأصحاب المنتدى والمشاركين فيه، وأن تبين لهم تحريم ما يقومون به من مشاهدة ونشر الصور والأفلام الإباحية، وإن استطعت أن تكتب هذه النصيحة تحت كل موضوع لك، فافعل، وبهذا تبرأ ذمتك، ولا يلحقك شيء من آثامهم، ولا يضرك لو قام المنتدى بعد ذلك بحذف نصيحتك، لأنك قد أديت ما عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/242)
من هم الذين يأتون يوم القيامة بحسنات كالجبال فيجعلها الله هباء منثورا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت مؤخرا حديثا بخصوص السيئات المخفية والتي تبطل الأعمال الحسنة في يوم القيامة. وإنني شديد الاهتمام بهذا الأمر وأريد أن أعرف إذا ما كان هناك شيء أكبر من التوبة. والحديث فيما معناه يقول،"يأتي يوم القيامة أناس من أمتي أعمالهم كالجبال ثم ينسفها الله،" فقال الصحابة: من هم؟ فقال الرسول، "إنهم أمثالكم يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون ويصلون بالليل كما تصلون ولكنهم إذا اختلوا بأنفسهم يفعلون ما حرم الله" وإنني أظن أن هذا الحديث صحيح وهو ما يجعلني أكثر قلقا. أرجوا منكم أن تنصحوني بما أفعل تجاه ذنوبي في الماضي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى ابن ماجة (4245) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) .
وهو حيث صحيح، صححه البوصيري في "مصباح الزجاجة" (4/246) والألباني في "الصحيحة"، وقال المنذري في الترغيب والترهيب" (3/170) : "رواته ثقات"
وقد عد ابن حجر الهيتمي رحمه الله في "الزواجر" (3/49) إظْهَار زِيِّ الصَّالِحِينَ فِي الْمَلَأِ، وَانْتِهَاكُ الْمَحَارِمِ، وَلَوْ صَغَائِرَ، فِي الْخَلْوَةِ من الكبائر، واستشهد بهذا الحديث، وقال:
" لِأَنَّ مَنْ كَانَ دَأْبُهُ إظْهَارَ الْحَسَنِ وَإِسْرَارَ الْقَبِيحِ، يَعْظُمُ ضَرَرُهُ وَإِغْوَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِانْحِلَالِ رِبْقَةِ التَّقْوَى وَالْخَوْفِ مِنْ عُنُقِهِ " انتهى.
ثانيا:
التوبة إلى الله تعالى إذا كانت صادقة، فإنها تمحو ما كان قبلها من الذنب، مهما كان ذلك الذنب، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) النساء/48، وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الزمر/53-55.
وقد عدد الله تعالى كبائر الإثم والفواحش، التي يتنزه عنها أولياؤه الصالحون، ثم قال: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/70.
قال الهروي رحمه الله:
" وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحا بثلاثة أشياء: بالخروج من التبعات، والتوجع للعثرات، واستدراك الفائتات ".
قال ابن القيم رحمه الله في شرحه:
" والخروج من التبعات: هو بالتوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الله، وأداء الحقوق التي عليه للخلق.
والتوجع للعثرات: يحتمل شيئين: أحدهما: أن يتوجع لعثرته إذا عثر، فيتوجع قلبه وينصدع؛ وهذا دليل على إنابته إلى الله، بخلاف من لا يتألم قلبه ولا ينصدع من عثرته، فإنه دليل على فساد قلبه وموته. الثاني: أن يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر، حتى كأنه هو الذي عثر بها، ولا يشمت به؛ فهو دليل على رقة قلبه وإنابته.
واستدراك الفائتات: هو استدراك ما فاته من طاعة وقربة بأمثالها، أو خير منها، ولا سيما في بقية عمره، عند قرب رحيله إلى الله.. " انتهى. "مدارج السالكين" (1/434) .
وللاستزادة: تراجع إجابة السؤال رقم: (46683)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/243)
شهادة التوحيد متضمنة لأنواع التوحيد الثلاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شهادة أن (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) تشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، أم توحيد العبودية فقط؟ لأنني قرأت في معنى (أشهد أن لا إله إلا الله) أنه (لا معبود بحقٍ إلا الله، وإنني أُقر بأنني أثبت على عبادة الله وحده وأتقي عبادة غيره) ، وهذا المعنى الذي أستحضره عند قولها عندما أريد أن أتوب، فهل شهادتي ناقصة؛ لعدم استحضاري لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، مع أنني مؤمنٌ بهما، فهل تصح توبتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلمة الإخلاص، وشهادة التوحيد هي أصل الدين، وعنوان النجاة، وبرهان الفلاح، والتي ما خلق الجن والإنس إلا للقيام بها حق القيام.
وهي متضمنة لأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية – وهو توحيد العبادة -، وتوحيد الأسماء والصفات.
وعلى المتلفظ بها أن يؤمن بذلك ويستحضره عند النطق بها، وأن يستقر ذلك في نفسه استقرارا تاما غير مدخول ولا مشوش عليه، دون أدنى تكلف أو معاناة.
فحاجة النفس إلى التوحيد ومعرفته أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب والنفس، وهي حاجة فطرية تلقائية، وإنما الواجب على المكلف أن يسعى في تحقيق المعرفة وتحصيل العلم الذي به تتحقق فيه شرائطها، وتنتفي عنه موانع الإخلاص والصدق فيها.
ولمعرفة شروط كلمة التوحيد عند التلفظ بها يرجى مراجعة جواب السؤال رقم: (9104) ، ورقم: (12295) .
وأنواع التوحيد الثلاثة متلازمة، فمن أقر بواحد منها لزمه الإقرار بجميعها، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ويدل عليه ويوجبه، وتوحيد الأسماء والصفات: توحيد الربوبية يستلزمه ; لأن من كان هو الخلاق الرزاق والمالك لكل شيء , فهو المستحق لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى , وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله , لا شريك له , ولا شبيه له , ولا تدركه الأبصار وهو السميع العليم.
ومن أتقن أنواع التوحيد الثلاثة , وحفظها واستقام على معناها , علم أن الله هو الواحد حقا , وأنه هو المستحق للعبادة دون جميع خلقه , ومن ضيع واحدا منها أضاع الجميع فهي متلازمة , لا إسلام إلا بها جميعا " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (1 / 38-39) .
وما دمت على إيمان بذلك كله، وعلى يقين منه، فليس في شهادتك نقص ولا خلل، وليس في توبتك شيء، بحيث تحتاج إلى تجديدها؛ والمرء قد يعزب عنه بعض ما يعلمه في موقف من المواقف، وقد يغلب عليه في موقف استحضار معنى اسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته، دون أن يكون في ذلك خلل في إيمانه بباقي الأسماء والصفات.
وهكذا قد يكون في مقام العبودية والطاعة، فيغلب عليه استحضار معنى توحيد العبودية، وإخلاص العمل لله.
وقد يكون في مقام طلب الرزق، أو كشف الضر، فيغلب عليه شهود ربوبية الله لخلقه، وتفرده بالتدبير والتصريف، وهكذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/244)
معنى قول عائشة رضي الله عنها: أتوب إلى الله وإلى رسوله.
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في فتوى رقم 105347 أن قول تبت لله والرسول لا يجوز، وأشكل علي هذا الحديث في صحيح مسلم (عن عائشة أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت أو فعرفت في وجهه الكراهية فقالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت ... ) أرجو توضيح هذا الإشكال وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرت من الفتوى صحيح، ولا يخالف ما ورد في الحديث المشار إليه - وهو حديث صحيح متفق عليه – وذلك لاختلاف مخرجيهما:
فالتوبة عبادة من أجل العبادات وأعظمها شأنا، ولا يجوز أن تبذل لغير الله - شأنها في ذلك شأن كل عبادة - سواء كان هذا الغير نبيا مرسلا، أو ملكا مقربا، أو عبدا صالحا، وهي التوبة الشرعية التي في قوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور/31] .
وأما ما ورد في الحديث من قول عائشة رضي الله عنها: (أتوب إلى الله وإلى رسوله)
فالتوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمولة على معناها اللغوي لا الشرعي الاصطلاحي، ومعناها الرجوع عن الخطأ، فهي رضي الله عنها أرادت أنها راجعة عن خطئها في حق الله وفي حق رسوله، إن كانت أخطأت، مستغفرة من ذنبها، إن كانت أذنبت.
قال الطيبي رحمه الله:
" فيه أدب حسن من عائشة رضي الله عنها، حيث قدمت التوبة على اطلاعها على الذنب ".
"شرح مشكاة المصابيح" للطيبي (8/274) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أن التوبة لا شك عبادة، ولكن هذا من التوبة اللغوية، والتوبة اللغوية تكون عبادة وغير عبادة، ولهذا فصلتها رضي الله عنها وقالت: (وإلى رسوله) فأعادت حرف الجر لتكون توبة متميزة عن التوبة الأولى. www.alathar.net/esound/index.php?page=tadevi&id=3058&coid=36456
ويؤيد هذه المسلك أن التوبة في اللغة تعنى الرجوع، قال ابن فارس رحمه الله:
" التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الرُّجوع. يقال تابَ مِنْ ذنبه، أي رَجَعَ عنه "
انتهى. "مقاييس اللغة" (1/326) .
قال القاري:
" وفي إعادة "إلى" دلالة على استقلال الرجوع إلى كل منهما " انتهى.
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (13/ 234) .
وليعلم أن هذه التوبة إنما تصح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، أما بعد مماته فلا يصح أن يقال: أتوب إلى رسول الله.
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله:
" الرسول يتاب إليه في حياته، مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها، لما دخل عليها في الصحيح، ولما أراد أن يدخل وعلى الباب ستر فيه صورة فامتنع من الدخول فقالت عائشة: ماذا أذنبت، أتوب إلى الله وإلى رسوله.
أتوب إلى الله - يعني- من معصية الله، وأتوب إلى رسوله مما أخطأت في حقه، هذا في حياته، لكن بعد وفاته ما يقال: أتوب إلى رسول الله بل يقال: أتوب إلى الله " انتهى.
http://www.taimiah.com/Display.asp?t=book82&f=mso00069.htm&pid=2
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/245)
إذا رأوه يفعل معصية طالبوه بترك الدين بالكلية!!
[السُّؤَالُ]
ـ[بادئ ذي بدئ أشكر لكم جهدكم المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما تقدمونه في موازين حسناتكم يوم القيامة. هناك شبهة من تلبيس إبليس على بعض الناس، وهي أنهم يرددون مقولة: " إما أن تأخذ الدين بأكمله، أو تتركه، ولا تتزين به "! ، والسبب في ذلك: مخالطتهم، ومعرفتهم لأشخاص حولهم سَمْتهم الالتزام بأحكام الشرع، وواجباته، لكن لديهم تقصير، ومخالفة، ونقص في أمور أخرى! فهلاَّ حررتم لنا جواباً شافياً في رد هذه الشبهة، ودحض هذه الحجة؛ لأنها منتشرة، وأثرها خطير، وهي من تلبيس إبليس! . شكر الله لكم، وزادكم من معين رحمته، وجود فضله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جزاك الله خيراً - أخي السائل -، وجعلنا وإياك مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
لا شك أن هذه القضية تجول في خاطر كثيرٍ من الناس , ولعل كثيراً منهم يرغب عن طريق الاستقامة، أو يتأخر التحاقه بالطريق لهذه الشبهة التي ذكرتها.
ثانياً:
إن الصراع بين الخير والشر مستمر منذ خلق الله آدم , فقد استكبر إبليس عن الانقياد لأمر الله، فلم يسجد لأدم، وأقسم أنه سيسعى في إضلال بني آدم: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) الأعراف/ 17، فلا يزال إبليس يلقي للناس الشبهة بعد الشبهة، ليصدهم بذلك عن الهدى.
ثالثاً:
عدم الكمال من طبيعة البشر؛ ومهما بلغ الإنسان من العلم، والتقوى، والإيمان: فوقوع الذنب منه، والمعصية، والتقصير: غير مستبعد , ولذلك لما ذكر الله ما أعده للمتقين بيَّن شيئاً من صفاتهم، ومنها: المسارعة إلى التوبة، والاستغفار، وهذا دليل أن التقي قد تقع منه الهفوة، والزلة، أو يقع منه التقصير، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران/ 133 – 135. فهؤلاء أهل الجنة المتقون، ولكن ... قد يزل أحدهم فيقع في فاحشة، ولكنه سرعان ما يتوب ويرجع إلى الله.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) رواه مسلم (2749) .
رابعاً:
هذا، وإن طريق الاستقامة طريق شاق، ويحتاج إلى مجاهدة، وصبر؛ فالإنسان في هذا الطريق يصارع هوى النفس، والشيطان، والشهوات، والشبهات، ويبقى بين صدٍّ وردٍّ، وقُرب وبُعد، ولكن بالصبر، والعلم، والجهاد، يبلغ غايته، كما قال تعالى: (والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا) العنكبوت/ 69.
وعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ، فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعََ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ، فَجَاهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) رواه النسائي (3134) وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
وإذا كانت تلك هي حال المسلم مع الشيطان في صراعه معه، وإذا عُلم أن المسلم لن تخلو حياته من زلة، أو تقصير: تبين بطلان ذلك القول الجريء في أنه إما أن يستقيم المسلم على أمر الله بالكلية، أو يدع الاستقامة بالكلية! ففيه من الافتراء على الشرع ما يستوجب الإثم على قائله، وعلى من تفوه به التوبة، والاستغفار، والندم عليه؛ لأن صاحب ذلك القول يدعو للفجور، وارتكاب المحرمات؛ لأنه لن يكون في استطاعة أحد أن يستقيم على أمر الله تعالى بكليته، فصار المطلوب – على حسب ذلك القائل – أن يترك الاستقامة المستطاعة ليفعل كل محرَّم نهى الله عنه، ويترك كل واجب يستطيع المسلم فعله! وهذا بلا شك زندقة ظاهرة، ودعوة للفجور، وقطع لكل فضيلة.
خامساً:
نعم، يُطلب من المسلم أن يدخل في الإسلام كافة، وينهى عن ارتكاب ما نهى الله عنه، لكن ماذا طلب الله ممن خالف ذلك؟! طلب منهم التوبة، والاستغفار، فعل الأوامر، وعدم الاستمرار في تركها، وترك النواهي، وعدم الاستمرار في فعلها، والآيات في ذلك أشهر من أن تُذكر.
ومن طلب من فاعل المعصية الواحدة أن يزيد عليها بفعل كل معصية، وأن يترك كل واجب أوجبه الله عليه: فهو فاعل لما يضاد أمر الله تعالى، وهو غير داخل في سلك المؤمنين؛ لأن من صفات المؤمنين: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومثل هذا آمر بالمنكر، ناهٍ عن المعروف! .
فالذي يفعل معصية ينصح بالتوبة منها، والاستقامة على أمر الله، لا أن يؤمر بارتكاب غيرها من المعاصي.
سادساًً:
إن ما يقع فيه بعض أهل الاستقامة من مخالفة الشرع، في فعل محرَّم، أو ترك واجب: لا يجعل غيره يحذو حذوه، بل يجعله يعتبر به لئلا يقع منه مثل فعله، ويجعله يحمد ربه على العافية في دينه أن سلَّمه ربه تعالى من الفتنة، ولا ينبغي أن يدعوه ذلك إلى اليأس، وترك الاستقامة على أمر الله؛ فإنه إن فعل ذلك صار أشدَّ إثماً، وأكثر بُعداً عن الله تعالى، وصار ما أنكره على غيره من الوقوع في المعصية لا شيء بالنسبة لما وقع هو فيه.
والإنسان رهين عمله، كما قال تعالى: (كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المدثر/ 38، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُها) رواه مسلم (223) .
والقدوة والأسوة للمسلمين ليس هو فلان، أو فلان، إنما هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يكون للمسلم أسوة حسنة، يقتدي بفعله، ويهتدي بهديه، ولا يغتر المسلم بما يكون عليه حال غيره من الصلاح فقد يُختم له بسوء، كما لا يتسرع بالحكم على صاحب المعاصي بالهلاك، فقد يُختم له بخير، وإنما الأعمال بالخواتيم.
قال أنس رضي الله عنه: (لا تعجبوا لعمل رجلٍ حتى تعلموا بما يختم له به؛ فقد يعمل الرجل برهة من دهره، أو زماناً من عمره عملاً سيئاً، لو مات عليه: مات على شر، فيتحول إلى عمل صالح فيُختم له به , وقد يعمل العبد برهة من دهره، أو زماناً من عمره عملاً صالحاً، لو مات عليه: مات على خير، فيتحول إلى عملٍ سيءٍ فيختم له به) رواه أحمد في "مسنده" (3/223) ، وصححه محققوه.
وعلى الإنسان في سيره إلى الله أن يحاول أن يبلغ الغاية، والكمال، وأن يجاهد نفسه في سبيل تحقيق ذلك، وأن يجعل الغاية مرضاة الله، وليغض نظره عن أفعال الناس، وأعمالهم، إلا أن يستفيد فيعتبر، أو يتعظ، إن فعل غيرُه معصية، أو يستفيد بالحث على أن يفعل كفعله إن رآه على طاعة، وخير، وكل إنسان مسؤول عن عمله لا عن عمل غيره.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/246)
كان يسجل الأغاني ويعطيها لأصحابه ثم تاب فهل يحمل أوزارهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت شخصاً بعيداً عن الله ولكن في الأشهر الماضية عدت إلى الله وتغيرت حياتي بالكلية والحمد لله. أعتدت أن أستمع إلى الأغاني، كما أنني كنت أقوم بتسجيل بعض الأغاني على الأقراص الإلكترونية وأوزعها على أصدقائي فهل الإثم الذي يقترفوه الآن بسماع هذه الأغاني أحمل أنا جزءاً منه؟ مع أني أستغفر الله باستمرار، ماذا يجب علي أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، وصرفك عن المعصية، ونسأله سبحانه أن يزيدك إيمانا وثباتا.
والأغاني إن كانت لنساء، أو كانت مصحوبة بآلات المعازف فهي محرمة لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (5000) .
ثانياً:
تحرم الدلالة على المعصية والإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (َمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم (4831) .
ولهذا؛ فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من دلالتك ونشرك للمعصية، كما تتوب من فعل المعصية نفسها.
وينبغي أن تتوجه لأصحابك بالنصيحة، وأن تبين لهم تحريم سماع الأغاني، وبهذا تبرأ ذمتك، ولا يلحقك شيء من آثامهم.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق والثبات على الخير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/247)
هل سبب القحط هو المعاصي والآثام أم الأحوال الجوية؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الزملاء قال لي: سبب عدم نزول المطر هو المناخ، والحالة الجوية للمنطقة، ولا علاقة للذنوب بهذا الأمر! ، فقلت له: قول الله على لسان نوح (فقلت استغفروا ربكم ... ) الآيات، لكنه لم يقتنع بالدليل الشرعي، ورد بدليل عقلي قائلا: مكة، والمدينة، تعانيان من القحط، بينما " أبها "، ودول الشام لا ينقطع عنها المطر، ولا أظن أن أهل الشام أقل ذنوباً من مكة، والمدينة، أما قصة نوح فربما لها تأويل آخر. السؤال: كيف أرد على زميلي بدليل عقلي؟ وهل هو على خطر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كما ذكرتَ لزميلك أن سبب حبس المطر هو الذنوب والمعاصي؛ فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يُرفع إلا بتوبة، وهذا قد قرره الله تعالى في القرآن الكريم كثيراً , ومن ذلك:
قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم/41.
وقال تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) الجن/16.
وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف/ 96.
قال ابن كثير رحمه الله:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا) أي: آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدَّقت به، واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات، وترك المحرمات:
(لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) أي: قطر السماء، ونبات الأرض.
قال تعالى: (وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أي: ولكن كذبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم، والمحارم.
"تفسير ابن كثير" (3/451) .
ومن السنَّة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:
لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) .
رواه ابن ماجه (4155) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
ومن أقوال السلف:
قال أبو هريرة رضي الله عنه:
إن الحباري – نوع من الطيور - لتموت في وكرها من ظلم الظالم.
وقال مجاهد رحمه الله: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السَنَة – أي: القحط - وأمسك المطر , وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم.
وقال عكرمة رحمه الله:
دواب الأرض وهوامها، حتي الخنافس، والعقارب يقولون: مُنعنا القطر بذنوب بني آدم.
انظر " الجواب الكافي " لابن القيم (ص 38) .
ومن أقوال المعاصرين:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله - يذكِّر المسلمين بتأخر نزول المطر وسبب ذلك -:
فقد رأيتم الواقع، وهو تأخر نزول الغيث عن إبانه، وقحوط المطر وعدم مجيئه في أزمانه، ولا ريب أن سبب ذلك هو معاصي الله، ومخالفة أمره، بترك الواجبات، وارتكاب المحرمات.
فإنه ما من شرٍّ في العالم، ولا فساد، ولا نقص ديني، أو دنيوي: إلا وسببه المعاصي، والمخالفات، كما أنه ما من خيرٍ في العالم، ولا نعمة دينية، أو دنيوية: إلا وسببها طاعة الله تعالى، وإقامة دينه.
... .
فيا عباد الله: التوبة، التوبة! تفلحوا، وتنجحوا، وتستقيم أحوالكم، وتصلحوا، قال الله تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) هود/ 52.
وارجعوا إلى ربكم، بالتجرد، والتخلص من حقوق الله التي له قبَلكم، واخرجوا من جميع المظالم التي عند بعضكم لبعض، وأكثروا من الاستغفار، بقلب يقظان حاضر، معترف بالذنوب، مقر بالتقصير والعيوب، وأديموا التضرع لرب الأرباب: يُدرَّ عليكم الرزق من السحاب.
" فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (3 / 128 – 131) باختصار شديد.
ثانياً:
مما اتفق عليه العقلاء من جميع الأمم: أن المعاصي لها تأثير على واقع حياتهم، وسبُل رزقهم , ومما يدل على ذلك: أن هؤلاء العقلاء يوصون باجتناب الظلم؛ لما يعلمون من سرعة تعجيل عقابه , بل حتى العرب قبل الإسلام كانوا يحذرون عاقبة بعض المعاصي، كالبغي، والغدر، والظلم.
والعقل يدل على مجازاة المحسن بالإحسان , وعلى مجازاة المسيء بالعقاب، والحرمان، ومثال ذلك: أنك تجد المعلِّم في المدرسة يثيب الطلبة المجتهدين بالجائزة، والثناء , ويكون عكس ذلك للمقصرين , وهكذا صاحب العمل في عمله يشجع العامل المجتهد، ويزيد له في أجره , وعلى عكس ذلك يكون الحال مع العامل المقصر.
ولله المثل الأعلى، فهو سبحانه وتعالى ينبِّه عباده إلى الرجوع إليه، والتوبة، بمثل هذه السنن، كالجفاف، وتأخر المطر، وضيق الرزق؛ ليرجعوا إليه، ويتركوا ما هم عليه من معاصٍ وآثام، ولو حصل شيء من الرزق من السماء: فلأجل البهائم! كما مرَّ في الحديث.
قال القرطبي رحمه الله:
وقد استسقى نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المصلَّى متواضعاً، متذللاً، متخشعاً، مترسِّلاً، متضرعاً، وحسبك به، فكيف بنا، ولا توبة معنا، إلا العناد، ومخالفة رب العباد، فأنَّى نُسقى؟! لكن قد قال صلى في حديث ابن عمر: (وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِم إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ البَهَائِم لَمْ يُمْطًروا) الحديث.
" تفسير القرطبي " (1 / 418) .
وإن رغد العيش، ووفرة الماء، قد يكون لبعض الناس، والأمم، بلاء، واستدراجاً، كما هو مشاهد في بلاد الغرب , وهذا مبلغهم من النعيم، وقد عجلت لهم طيباتهم في الدنيا , وسيكون عليهم بسبب ذلك زيادة في العذاب في الآخرة.
قال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران/ 180.
كما جاء ذلك مبيَّناً في حديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ نَزَعَ هَذِهِ الآيَةَ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/45. رواه الطبراني في "الكبير" (17/330) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (413) .
فتحصَّل مما سبق:
أنَّ حبس المطر عن قوم، أو بلد: إنما هو بأمر الله تعالى، ومهما كان له من الأسباب المادية: فإن الله تعالى هو من قدَّرها.
وإذا قدَّر الله تعالى المطر والرزق لبلد، أو قوم عصاة غير تائبين، أو كفار غير مسلمين: فلحكَم جليلة، وأسباب عديدة، منها: استدرجهم بالخيرات لزيادة العذاب عليهم يوم القيامة، ومنها: أنه من أجل البهائم، لا من أجلهم هم، وإذا حصل ذلك: صارت البهائم حينئذٍ خيراً منهم.
قال المناوي رحمه الله:
أي: لم يُنزل إليهم المطر؛ عقوبةً، بشؤم منعهم للزكاة عن مستحقيها، فانتفاعهم بالمطر إنما هو واقع تبعاً للبهائم! فالبهائم حينئذ خيرٌ منهم! وهذا وعيد شديد على ترك إخراج الزكاة أعظِم به من وعيد.
" فيض القدير " (5 / 378، 379) .
ونرجو أن يكون ما ذكرناه نافعاً لصاحبك، ولكل من قرأه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/248)
عمل عند والده بأجرة أخذ بعضها وكان يصرف من أمواله دون علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتغلت عند الوالد رحمه الله لمدة خمسة أشهر، وكان الاتفاق بيني وبين والدي أن أجرتي في الشهر مبلغ وقدره 2000 قبضت من والدي 1100. كنت أصرف من أموال والدي دون علمه وهي أقل من مجموع أجرتي الكاملة عنده. 1- هل علي أن أحصي هذه الأموال التي أخذتها دون علمه وأتصدق بها عن والدي. 2- أم أحصي هذه الأموال وأسدد بها من دين والدي لأنه مات وهو مديون. 3- أم أعتبر أني أخذت من أجرتي فلا شيء علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الأمر كما ذكرت من حصول الاتفاق بينك وبين والدك على العمل معه بأجرة لم تستوفها كاملة، ولم تتنازل عنها له، وكان ما أخذته من ماله دون علمه لا يخرج عن ذلك فلا شيء عليك.
وهذه المسألة لها شبه بما يذكره العلماء في مسألة "الظفر" أي: ظفر الإنسان بحقه الذي لم يستطع الوصول إليه.
قال الشنقيطي رحمه الله: " إنْ ظلمك إنسانٌ بأنْ أخذَ شيئاً مِن مالِك بغير الوجه الشرعي،
ولم يمكن لك إثباتُه، وقدرتَ له على مثل ما ظلمك به على علو وجهٍ تأمن معه الفضيحة
والعقوبة، فهل لك أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك أو لا؟
أصحُّ القولين، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس: أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك مِن غيرِ زيادةٍ؛ لقوله تعالى: (فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ…) الآية، وقوله: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) ، وممن قال بِهذا القول: ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وسفيان، ومجاهد، وغيرهم.
وقالت طائفة من العلماء منهم مالك: لا يجوز ذلك، وعليه دَرَج خليل بن إسحاق المالكي في " مختصره " بقوله في الوديعة: وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها، واحتج من قال بِهذا القول بحديث: (أَدِّ الأمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) ا. هـ.
وهذا الحديث على فرض صحته لا ينهض الاستدلال به؛ لأنَّ مَن أخذَ قدرَ حقِّه ولم يزد عليه لم يخن مَن خانه، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه " انتهى من "أضواء البيان" (3/353) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (27068) .
وكان ينبغي أن تطالب أباك بأجرتك وألا تلجأ إلى الأخذ من ماله دون علمه إلا في حال امتناعه عن بذلها لك.
ثانياً:
إذا تبين أنك أخذت من ماله فوق أجرتك، لزم رد قدر الزائد إلى التركة، ومنها تسدد الديون، ولا وجه للتصدق بها عن والدك.
وهكذا من أخذ مال غيره فإنه يرده إليه إن كان حيا، وإلى ورثته إن كان ميتا، ولا يتصدق به عنه إلا في حال عجزه عن الوصول إليه أو إلى ورثته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/249)
هل ينتفعون بالفوائد الربوية لحاجتهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفى أبي عليه رحمة الله منذ 8 سنوات، وكان يعمل على تاكسي، وكان التاكسي باسم أخ من إخوتي الصغار (لم يكن هبة له بل كان بسبب بعض المشاكل مع التأمينات والتي تتطلب أن لا يكون التاكسي باسم أبي) وبعد الوفاة وعمل قرار الوصاية من المحكمة قرر قاضي النيابة الحسبية وضع أموال بيع التاكسي في البنك باسم أخي الصغير حتى يبلغ وهذا البنك ربوي، وحالياً أتم أخي الصغير سن الرشد وقام بسحب المبلغ والفوائد، نحن نعلم أن هذه الفوائد ربوية، وسؤالي: هل يجوز توزيع هذه الفوائد على إخوتي الذين ما زالوا بالتعليم وهم في احتياج للمال للتعليم والمساعدة على ظروف الحياة؟ حيث إننا عشرة من البنين والبنات. أربعة تزوجوا والباقي بالتعليم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن يُعلم أن هذا التاكسي الذي سجله الأب باسم ابنه الصغير - لأجل التأمينات ونحوها وليس هبة وتمليكا له -، أنه يعتبر جزءا من التركة يشترك فيه جميع الورثة حسب القسمة الشرعية.
ثانيا:
يجب التخلص من الفائدة الربوية بصرفها في المصالح العامة أو أوجه الخير، ولا يجوز للمتخلص منها أن ينتفع بها لنفسه، إلا إن كان فقيراً محتاجاً، فيجوز أن يأخذ منها بقدر حاجته، كما نص عليه بعض أهل العلم في شأن المال الحرام بعد التوبة والإقلاع عن الذنب. وينظر جواب السؤال رقم (126045) .
ويجوز للمتخلص أن يدفعها لإخوانه الفقراء الذين لا يرثهم في حال وفاتهم، أو يدفعها لهم لسداد ديونهم، وينظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81952) .
وإذا تقرر أن هذا التاكسي ملك لجميع الورثة، وأن ثمنه وضع في البنك الربوي، فهذه الفوائد راجعة لجميع الورثة، ولكل منهم أن يتخلص من نصيبه منها بإعطائه لإخوانه الذين لا يرثهم.
وإذا أخذ "المحتاجون" نصيبهم من الفائدة وأنفقوه على أنفسهم في التعليم ونحوه لفقرهم وحاجتهم، جاز كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/250)
رسائل جوال تنشر الكهانة
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في هذه الأيام رسائل الـ "sms"، والتي تحتوي على بعض الرموز والأرقام والحروف، ثم يُطلب من الشخص أن يختار إحداها، فيُرسل إليه رسالة تخبره عن شيء في المستقبل، أو عن شخصيته. هي في الحقيقة عبارة عن لعبة، كما لو أني جلست وكتبت بعض العبارات عن المستقبل، وأعطيت كل عبارة شكلا، أو رمزا، أو حرفا محددا؛ ثم أطلب من أحد الأشخاص أن يختار إحداها. فهل في ذلك محذور شرعي؟ وهل يُعتبر هذا نوع من التنبؤ بعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؟ وهل الرد على مثل هذه الرسائل معصية؟ وجزاكم الله خيرا ً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
علم الغيب من الأمور التي استأثر الله تعالى بها، واختص بها نفسه جل وعلا، دون من سواه من ملك مقرب أو نبي مرسل، وهو يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب، متى شاء وإذا شاء.
وبذلك جاءت الآيات والأحاديث.
قال سبحانه وتعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) هود /123
وقال تعالى: (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) يونس/20
وقال عز وجل: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الكهف/26
وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) آل عمران/179
وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الأنعام/50
قال الطبري رحمه الله: " قل لهؤلاء المنكرين نبوتك: لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السماوات والأرض، فأعلمَ غيوب الأشياء الخفية، التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء، فتكذبوني فيما أقول من ذلك؛ لأنه لا ينبغي أن يكون ربا إلا من له ملك كل شيء، وبيده كل شيء، ومن لا يخفى عليه خافية، وذلك هو الله الذي لا إله غيره "
"تفسير الطبري" (11/371) .
وقال عز وجل: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65
قال القرطبي رحمه الله:
"لا يجوز أن ينفي الله سبحانه وتعالى شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه، ثم يكون له في ذلك شريك، ألا ترى إلى قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) وقوله تعالى: (لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) ، فكان هذا كله مما استأثر الله بعلمه لا يَشْرَكُه فيه غيره " انتهى.
"تفسير القرطبي" (4/17)
وهذا الذي تسأل عنه هو من باب الكهانة والتنبؤ بالغيب، والرجم بالظن الكاذب، وهو من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) .
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) النمل/65. ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له؟ فقال: الدخ ـ يريد الدخان ـ. " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) .
وما ورد في السؤال من أن هذه الرسائل عبارة عن لعبة، ليس صحيحا، وإنما هو كهانة ظاهرة، ودجل وشعوذة. ثم على افتراض صحة ذلك: فليس هذا مجال اللعب والتسلية، إنما ذكر أمر دين، وقضية إيمان وكفر؛ فكيف نقبل من السفهاء أن يلعبوا بأديان الناس، وعقائدهم، كهذا الذي ذكر في السؤال؟!!
قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66
ثم إن هؤلاء الذين يرسلون هذه الرسائل لا يقصدون بذلك الجهد والتعب: مجرد اللعب، إنما يقصدون أكل أموال الناس بالباطل، ونشر الضلال، والترويج للدجل والكهانة. فليست هذه الأمور من قبيل اللعب والتسلية بوجه أصلا، إلا عند من توجه عنده الاستهزاء بآيات الله.
فعليك - أخي المسلم – الابتعاد عن هؤلاء القوم المفسدين، وعن ضلالهم، وإياك ومراسلتهم والتعاون معهم، وموافقتهم أو مخالطتهم بحال، فإن الله تعالى يقول في كتابه:
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140
ثم ننصحك بالمسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل: إن كنت قد حسنت الظن بحال هؤلاء المشعوذين، أو دخلت معهم في باطلهم، ولو على وجه اللعب؛ وإن من تمام توبتك: أن تنصح من تعلمه من إخوانك، ممن ابتلي بها، بحكمها في دين الله، وخطرها على دينه وإيمانه.
نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الإيمان، ويقينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وراجع إجابة السؤال رقم (32863)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/251)
قطعت علاقتها معه وتفكر في الرجوع لأنه بحاجة إليها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اطرح مشكلة صديقة لي، فهي لا تعرف ماذا تفعل فاختارت مشورتكم. صديقتي نشأت لها علاقة مع أحد الشباب من خلال مكالمة تلفونيه استمرت معه لأنها شعرت بحاجته إليها ولكن بعد فتره شعرت بأنها لا تبادله أي شعور وكما تقول "ما بني على باطل فهو باطل" ولكن الشاب تعلق قلبه بها وهي استشعرت خوف الله فيها ولا تريد الرجوع ولكن الكثير من صديقاتها أوقعوا اللوم عليها لأنها جعلته يتعلق بها ولكنها في تلك الفترة كانت ضعيفة ولعب الشيطان بأفكارها والآن هي تريد مشورتكم بخصوص هل ترجع له مع أنها لا تريده لا زوجا ولا حبيبا مجرد لأنه بحاجه لها ومتعلق بها وهي تشعر بالذنب لان صديقاتها قلن لها إن الله سيعاقبك لأنك لعبتي به مع أنها تابت إلى الله. أفيدونا رحمكم الله]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لامرأة أن تقيم علاقة مع رجل ولو كان ذلك عبر الهاتف؛ لما في ذلك من الفساد والفتنة ومرض القلب، وما تشتمل عليه هذه الاتصالات من الخضوع بالقول، والكلام المحرم المثير للشهوات، والمهيج على الباطل.
ونحمد الله تعالى أن بصر هذه الأخت بعيبها، وألهمها رشدها، فأدركت خطورة الأمر وشناعته، ووالله إنه لشنيع، وإنه لخزي في الدنيا والآخرة إلا أن يتغمد الله الإنسان برحمته.
فالواجب عليها قطع جميع صور العلاقة مع هذا الشاب، اتصالا أو رؤية أو غيرها، فهذا شرط لصحة توبتها، ولا عليها من كلام صديقاتها، فإنه كلام من لا يعرف حدود الله تعالى وحلاله من حرامه. إنهن يردن منها البقاء في الحرام، والاستمرار في الغواية، وليس لهن حجة في ذلك إلا ما ألقاه الشيطان في قلوبهن من كون ذلك مروءة ووفاء للفاسق المتعدي على الحرمات!
قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) النساء/27.
فلتستمر في توبتها، ولتعرض إعراضا تاما عن هذا الشاب ولو هددها بالانتحار – كما يفعله كثير من الفساق اليوم – فإنها ليست مسؤولة عنه، عاش أم انتحر، وصحّ أم مرض، وإنما هي مسؤولة عن نفسها، فلتحمد الله أن صرفها عنه قبل حلول الأجل، وقبل الوقوع فيما هو أعظم مما اقترفت.
وعليها أن تختار الصحبة الصالحة، والرفقة النافعة، لا من ترضى بالعلاقات الآثمة، ولا من تحرض على العلاقات الفاجرة.
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتها، وأن يحفظها بحفظه، وأن يصرف عنها كيد صديقاتها، وأن يردها إليه ردا جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/252)
كسب مالا حراما ثم تاب وعمل مشروعا تجاريا من المال الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي كان يعمل في كازينو لتقديم الخمور والمأكولات والمشروبات لكن نسبة الخمور تقريبا 75% من دخل المحل ودخله بعد فتره هداه الله فقرر ترك العمل والبحث عن عمل حلال لكنه جلس في المنزل قرابة السنة والنصف ومعه من المال الحرام تقريبا 13 ألف جنيه فقرر فتح مشروع تجاري بناء علي فتوى بأنه مضطر وبعد ذلك يتخلص من راس المال وبالفعل اشتري محل إيجار جديد 5 سنوات شاركته أنا وأبي بمال حلال، تقريبا 4 آلاف جنيه وبدا المحل في الربح وبعد فتره بدأنا في التخلص من راس المال بجدول ثابت وبعدما كثر الربح فكرنا في شراء محل تمليك بمساعده صديق أبي (أخي الثلث وأنا وأبي الثلث وصديق أبي الثلث) وذات يوم سمعت من بعض المشايخ أنه لا بد أن نتخلص من راس المال + الربح فخفت خوفا شديدا علينا فحاولت البحث عن مخرج بأي حال فقررت شراء نصيب أخي من المحل الإيجار جديد فاستلفت مالا من العمل وقمت ببيع ذهب زوجتي وحسبت نصيب أخي في المحل الإيجار واشتريته واخذ أخي مني المال وأنفقه في مصلحة المسلمين وجعلته يشتغل عندي كأجير السؤال الآن 1- هل برئت ذمتي أمام الله؟ وما حكم هذا البيع؟ وهل هناك شبه في مالي وبالذات أن أصله حلال ولو هنا شبه ماذا افعل؟ 2- بالنسبة لأخي يعمل عندي الآن أجيراً وأعطيه أكثر من نصف الربح حتى يتخلص بمقدار نصيبه من المحل التمليك أيضا لأنه شريك معي الآن هل على أخي ذنب؟ 3- هل ظروف أخي تجعله في حكم المضطر؟ 4- لو كل ما فعلناه صحيحاً لماذا أخاف لما آكل من هذا المال على الرغم من أن راس مالي حلال؟ أرجو الرد أيضا علي هذا السؤال للأهمية]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اكتسب مالاً بطريق محرم، كالعمل في هذا الكازينو الذي يقدم الخمر، أو العمل في كتابة الربا، ونحو ذلك من الأعمال المحرمة، ثم تاب إلى الله تعالى وندم على ما فعل، فإن كان قد أنفق المال، فلا شيء عليه، وإن كان المال في يده، فيلزمه التخلص منه بإنفاقه في أوجه الخير، وإذا كان محتاجا فإنه يأخذ منه قدر الحاجة، ويتخلص من الباقي.
قال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده ... فتوبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصواب ... ". انتهى بتصرف من "مدارج السالكين" (1/389) .
وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد" (5/778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون: " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انتهى.
وقال شيخ الإسلام: " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال. وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ... كان أحسن " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/308) .
وعلى هذا؛ فيجوز أن يعطى التائب ما يكون رأس مال يتجر به، سواء ردّه أو لا، والأولى يردّه فيتخلص منه بإعطائه للفقراء والمساكين.
وهذا القول الذي نصره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، هو القول الصواب الذي يتماشى مع مقاصد الشريعة في ترغيب الناس في التوبة وعدم تنفيرهم منها، وفي توفير العمل للمحتاج، وتقليل البطالة، وأما القول بخلاف ذلك، وإلزام التائب بالخروج من جميع ماله، وتركه بلا مال ولا تجارة، ففيه تعسير للتوبة، وتنفير منها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي، وقد لا يصوم أيضا، ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام، ولا يضبط حدود النكاح والطلاق، وغير ذلك، فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه فإن أُوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات، وأُمر برد جميع ما اكتسبه من الأموال، والخروج عما يحبه من الأبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه عذابا، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه، فإن توبته من الكفر رحمة، وتوبته وهو مسلم عذاب. وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون كافرا ليُسلم فيغفر له ما قد سلف؛ لأن التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما قد قيل له، واعتقده من التوبة، ثم هذا منفّر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة، وهو شبيه بالمؤيِّس للناس من رحمة الله، ووضع الآصار الثقيلة والأغلال العظيمة على التائبين الذين هم أحباب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والله أفرح بتوبة عبده من الواجد لماله الذي به قوامه بعد اليأس منه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/21) .
وبناء على ذلك؛ فما قام به أخوك من الاتجار بهذا المال المحرم، ثم التخلص منه بعد أن رزقه الله ووسع عليه، تصرف صحيح سديد، ولا يلزمه التخلص من الربح الناتج عن هذا المال.
ولعل الشيخ الذي سمعته كان يتحدث عن المال المغصوب أو المسروق، فإن نماء الغصب وربحه لا يملكه الغاصب عند بعض الفقهاء.
وكونك تخاف عند أكل شيء من هذا المال، لا يضر، ولا يؤثر على حكم المسألة، فقد أحسنتم التصرف، ونسأل الله تعالى أن يبارك في مالكم، وأن يوسع أرزاقكم، وأن يتقبل التوبة من أخيكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/253)
كانت تسخر وتستهزئ بمن حولها وتخشى أن تبتلى وتعاقب
[السُّؤَالُ]
ـ[اسأل عن الاستهزاء بالناس، أنا تقريبا نصف كلامي استهزاء وسخرية بالناس، مثلا كنت استهزئ بفتاة كانت كبيره بالسن وما تزوجت فكنت أعايرها أمامها بالعنوسة وكنت اقصد اجرحها لأنه كانت بيني وبينها مشاكل كثير 00 واستهزئ أحيانا إما بشكل احد أو مستوى احد أو أبناءهم أو أي شي 00 وقبل فتره قريبه قرأت موضوعاً عن الاستهزاء وعقوبته وأنها ترجع للشخص بالدنيا بنفس العيب اللي استهزاء فيه وقرأت هذي الجملة (من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله) وبعدها أصابني رعب كبير واستغفرت ربي وصرت أحاول أن ابتعد عن ذلك. فسؤالي هو: ما هي الطريقة سواء إذا كانت الاستغفار أو صدقه أو كفارة أو أي شيء آخر لأني أخاف من عقوبة ربي ويصيبني مثل الأشخاص الذين استهزأت بهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز الاستهزاء بالناس أو السخرية بهم أو تعييرهم بعيب أو ذنب؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات/11.
وقال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/1.
والهمز يكون بالإشارة، واللمز يكون بالقول، واللماز هو العيّاب الطعان، والويل: واد في جهنم.
وفي هاتين الآيتين الكريمتين: تحريم السخرية، وتحريم اللمز والهمز، وتحريم التنابز بالألقاب، والإخبار بأن ذلك فسوق وظلم، وتوعّد فاعل ذلك بالويل، وإرشاد العباد إلى أمر عظيم وهو أن الخيرية عند الله تعالى ليست بالهيئة والشكل والمظهر، فقد يسخر الإنسان ممن هو خير منه وأفضل، عند الله تعالى.
ثم من الذي يسلم من العيوب، حتى يعيب غيره؟!
ولو فرض وجود إنسان لا عيب له ظاهر، فهذا حري به أن يحمد الله تعالى، وأن يشكره على نعمته، لا أن يسخر من عباده وخلقه.
ومن الذي يأمن تبدل الحال، وتغير المآل، فقد يمسي الجميل قبيحا، والغني فقيرا، والضاحك باكيا.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الحجرات: " ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس) ويروى: (وغمط الناس) والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له؛ ولهذا قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.
وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا تلمزوا الناس. والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/1، فالهمز بالفعل، واللمز بالقول، كما قال: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم/11 أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال؛ ولهذا قال هاهنا: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ، كما قال: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النساء/29 أي: لا يقتل بعضكم بعضا.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل بن حَيَّان: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا يطعن بعضكم على بعض.
وقوله: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها " انتهى.
وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يحمل صاحبه على حسن الخلق، والتواضع للناس، وترك أذاهم بالقول والفعل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ما يقوله الإنسان إذا رأى مبتلا، فقال: (مَنْ رَأَى
صَاحِبَ بَلاءٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إِلا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ) رواه الترمذي (3431) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ثانيا:
الحديث الذي أشرت إليه، وهو حديث: (من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله) حديث غير صحيح، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13731) .
ولكن الاستهزاء بالناس محرم، ويُخشى على صاحبه أن يسلب النعمة، وأن يعاقب فيصاب بمثل ما استهزأ به من ذنب أو عيب.
ثالثا:
التوبة من هذه الذنوب المتعلقة بالآخرين: إنما تكون بالتحلل من أصحابها، مع الندم عليها، والعزم على عدم العود لها مستقبلا.
ومن علمت باستهزائك بها فلابد من الاعتذار لها وطلب لعفو والمسامحة، ومن لم تعلم فلا تخبريها بما وقع منك، ولكن.. أكثري من الدعاء والاستغفار لها والثناء عليها.
وأكثري من الصدقة بالمال والأعمال الصالحة، فإن الصدقة تكفر الخطيئة، والحسنات يذهبن السيئات.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويغفر ذنبك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/254)
وعدها بالزواج ثم تدين واستقام ورآها لا تصلح له
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل لم يكن ملتزماً بالدين واعتاد النظر إلى جارته غفلة منه وهو يظن لا شيء عليه خاصة لحال المجتمع الذي يعيش فيه، واستمر على هذه الحال فترة من الزمن دون أن يحدثها مباشرة ولكنه تعلق وتعلقت به، ويوم أن هداه الله تعالى أدرك أن ما كان عليه إثم ومنكر فقرر أن يقطع هذه العلاقة فأخبر هذه الفتاة بالأمر دون أن يحدثها مباشرة ووعدها بالزواج بعد أن تتم دراستها، ومع مرور الزمن ازداد تدين هذا الشخص وأصبح يرى أن هذه الفتاة لا تصلح له كزوجة بالمقاييس الشرعية منبتها سيء – أمها - فقرر ألا يتزوجها، وهو الآن محتار في أمره فهل له الحق أن لا يتزوجها وفي أن يخلف وعده لها؟ وهل عليه إثم في هذه الحالة؟ وإلا فكيف حل مسألته هذه؟ مع العلم أن أحد الشباب كان يرغب في خطبة هذه الفتاة فلما علم برغبة الشخص السائل الزواج بها أعرض عن ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي لهذا الشاب أن يحمد الله تعالى على توفيقه وهدايته وصرفه عن طرق الحرام والمنكر، ولا يلزمه الزواج بهذه الفتاة ولو كان قد وعدها بذلك؛ فإن الإنسان يباح له أن يفسخ الخطبة إذا وجد المبرر لذلك، كما لو تبين له أن الفتاة لا تناسبه، فكيف إذا لم تكن الخطبة قد تمت.
وعليه أن يبحث عن ذات الدين والخلق والمنبت الحسن، وأن يقطع علاقته بهذه الفتاة وبكل أجنبية عنه.
ونسأل الله له التوفيق والثبات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/255)
كسب أموالا محرمة واشترى بها شقة فهل يتخلص منها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل في وظيفة قبل الزواج واكتسبت فيها بعض المال غير الحلال، وبعد فترة من الزمان جمعت هذه الأموال واشتريت شقة سكنية واشتركت في نصف سيارة نقل، وهذا كل ما أملكه، وبعد الزواج عاهدت الله أن لا أدخل في بيتي مالا حراما، وتركت العمل، وتبت، فماذا أفعل في الشقة والسيارة؟ فأنا أريد أن أطهر بيتي ومالي من الحرام، فماذا أفعل حتى يرضى الله عني ويتوب علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وأن يرزقك الرزق الحلال الطيب.
واعلم أن من شروط التوبة: رد المظالم إلى أهلها، فإذا كان شيء من هذا المال أخذ بغير رضا، كالسرقة أو الغش والخداع، فيلزم رد المال إلى أصحابه، فإن لم يمكن الوصول إليهم أو إلى ورثتهم بعد البحث والتحري، فإنك تتصدق به على نية أنه لهم، فإن جاء صاحبه يوما من الدهر، فإنك تخيره بين رد المال إليه ويكون ثواب الصدقة لك، أو إمضاء الصدقة ويكون ثوابها له.
ثانيا:
أما إذا كانت الأموال المحرمة قد أخذت في معاوضات أو أعمال محرمة، على وجه التراضي، كثمن الخمر، وأجرة الغناء والزمر والكهانة وكتابة الربا وشهادة الزور ونحو ذلك من الأعمال المحرمة، ففيها تفصيل:
أ – فما كسبه الإنسان من ذلك وهو جاهل بتحريمه، فإنه له، ولا يلزمه التخلص منه؛ لقول الله تعالى في الربا بعد نزول تحريمه: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275.
ب- وإن كان يعلم تحريم هذا المال، لكنه أنفقه وذهب، فإذا تاب الإنسان فلا شيء عليه.
ج – إذا كان المال باقيا، فإنه يلزم التخلص منه بإنفاقه في وجه الخير، إلا إذا كان محتاجا فإنه يأخذ منه قدر الحاجة، ويتخلص من الباقي.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أسأل سماحتكم عن فتوى شاعت بين الناس عن أحد العلماء، بأن الشخص إذا كسب مالا من صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات، وتاب إلى الله سبحانه وتعالى فإن هذا المال المكتسب عن طريق صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات وترويجها فإنه حلال.
فأجابوا: " إذا كان حين كسب الحرام يعلم تحريمه، فإنه لا يحل له بالتوبة، بل يجب عليه التخلص منه بإنفاقه في وجوه البر وأعمال الخير " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/33) .
قال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده. فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح.
وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين ... " انتهى من "مدارج السالكين" (1/389) .
وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد" (5/778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون: " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن تابت هذه البَغِيّ وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتّجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/308) .
وعليه؛ فإن كنت بحاجة إلى الشقة ونصيبك من سيارة النقل، فنرجو أن يعفو الله عنك، ولا يلزمك التخلص من شيء من ذلك.
وعليك بالاجتهاد في الأعمال الصالحة والإكثار من الصدقة، فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/256)
زنا بامرأة فهل يلزمه الزواج منها للستر عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[قريبي زنا مع فتاة وفض غشاء بكارتها، وكان ذلك برضاها، ووعد أهلها بالزواج خوفاً من الفضيحة، ثم تاب وندم على فعلته، ولكنه لا يريد الزواج بها، والآن هو حائر هل يجب عليه الزواج بها لكي يتخلص من ذنبها وإلا سيعاقبه الله في الدنيا والآخرة؟ ، أم التوبة الصادقة وحدها تكفي؟ مع العلم أنه يريد أن ينسى الماضي ويبدأ صفحة جديدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على قريبك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، وأن يكثر من الاستغفار والندم، وينبغي أن يزيد في أعماله الصالحة، لعل الله أن يتقبل توبته، فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، ولقبحه وشناعته أوجب الله تعالى فيه الحد، وهو الجلد أو الرجم.
ولكن من رحمة الله تعالى بعبادة أن جعل التوبة الصادقة تجبُّ ما قبلها من ذنوب.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70.
وقال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
ولا يجب على الزاني أن يتزوج ممن زنى بها، وليس هذا شرطا في التوبة، لكن إن تابا إلى الله تعالى، ورأيا أن يتم الزواج بينهما فلا حرج في ذلك.
ولهذا ينبغي أن ينظر قريبك في حال الفتاة وحال أهلها، فإن رآها مناسبة لها، وعلم أنها تابت واستقامت، فليستخر الله تعالى وليتزوجها، وفي ذلك إحسان إليها؛ وهو أولى الناس بذلك الإحسان، لأنها إن كانت قد أساءت وأذنبت، فهو شريكها في ذلك كله، وربما كان بدعوته هو وتزيينه؛ فليتحمل معها ما اشتركا فيه، بل لو لم يكن شريكها في ذلك، وعلم أنها تابت وصدقت توبتها، وأراد أن يتزوجها ليعفها ويستر عليها، كان قصدا نبيلا يؤجر عليه إن شاء الله. قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وَقَوْله: " وَلَا يُسْلِمُهُ " أَيْ لَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيه، وَلَا فِيمَا يُؤْذِيه , بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ. وَهَذَا أَخَصّ مِنْ تَرْك الظُّلْم , وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ اِخْتِلَاف الْأَحْوَالِ , وقَوْله: (وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ) فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْد فِي عَوْنِ أَخِيهِ ".
قَوْله: (وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً) أَيْ غُمَّة , وَالْكَرْب هُوَ الْغَمُّ الَّذِي يَأْخُذُ النَّفْسَ.. "
انتهى مختصرا من فتح الباري.
والمرأة إذا تابت من الزنا، لم يلزمها إخبار المتقدم إليها بشأن بكارتها، بل لا يلزمها إخباره لو سألها، لأنها مأمورة بستر نفسها، والبكارة لا تذهب بالزنا فقط، بل يمكن أن تزول بالحيضة الشديدة، والوثبة ونحو ذلك، وينظر: سؤال رقم (83093) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/257)
لا تجب الكفارة على مشاهدة الأفلام وإنما تجب التوبة النصوح فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[فضولي يدفعني للسؤال في أمر من الأمور كي لا ننهج الطريق الذي حرمه الله..... فقد سبق وأن سمعنا فتوى من شيخ لا اعلم اسمه أنه قد فرض كفارة لمتتبعي الأفلام المدبلجة..... والله أعلم أنها صيام أربعين يوم..... فعلى أي أساس بنوا هذه الكفارة أي على أي ذنب.... كيف للمسلم أن يكفر عن هذه المسلسلات إذا كان قد تابع العديد منها.... وهل لكل حلقة منها أو كل مسلسل منها كفارة لوحدها وعلى هذا على الإنسان 5 أو 10 كفارات لنفس الذنب ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك التوبة النصوح إلى الله وذلك بالندم على هذا الذنب والإقلاع عنه وعدم العودة إليه، وعليك بالإكثار من الاستغفار، والأعمال الصالحة لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (إن الحسنات يذهبن السيئات) هود/114، وهذه هي التي تكفر عنك ذنوبك في النظر المحرَّم والسمع المحرَّم، وأما من يقول بأنه يلزمك كفارة – كمثل الذي ذكرت - على مشاهدة الأفلام فعليه أن يأتي بالدليل على ذلك إذ لا يجوز إيجاب شيء على الناس من غير دليل صحيح، ومن أوجب على الناس ما لم يوجبه الله فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، فلا يجوز اختراع كفّارات للذنوب وتعيينها وتحديدها دون دليل شرعي.
والصيام في الجملة دون تحديد عدد معين من الأيام من ضمن الحسنات التي تُذهب السيئات. وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/258)
تاب من المخدرات وغيرها لكن يشعر بالملل ويخاف النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدمنت تعاطي المخدرات أكثر من عشر سنوات، صاحبها جرائم وفواحش عظيمة لا يعلم بها إلا الله، ولكن بحمد الله منّ علي الله بتوبة منذ أربع سنوات، وأسأل الله أن يثبتني حتى ألقاه. الآن أعيش صراعاً مع نفسي بسبب الماضي المظلم يؤثر على حياتي وعلى تصرفاتي، كما أنه بقيت لي معصية، لم أجاهر بها ولم أستطع التخلص منها رغم الكثير من المحاولات، بدأت أشعر بالملل وأفضل الرجوع على ما كنت عليه من هم وغم وحزن على إحساسي بالنفاق، مع العلم أني أحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، ودائماً أضع أمام عيني حديث المصطفى صلى الله عليه وسلّم (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) ، أنا الآن في إحدى الكليات الشرعية أدرس منتسباً وأخشى أن أكون ممن أضلني الله على علم، وكلما تذكرت ذلك الماضي وتلك المعاصي أقول هذا من تلاعب إبليس فأنا اليوم أفضل من أمس، وأسأل الله أن يكون غداً أفضل من اليوم، وجهوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يا عبد الله، لا شك أن ما يعاودك من الإحساس بالنفاق، والنزوع إلى ماضيك الأسود، لتستريح من هذا الصراع، لا شك أن ذلك كله من تلاعب إبليس ووسوسته وإغوائه، فأنت اليوم أحسن مما كنت عليه بالأمس، بل لا مقارنة بين الحالين، وغدا ستكون أفضل من اليوم بإذن الله، إن أنت ثابرت واجتهدت واستمررت في الطاعة والإنابة.
والواجب أن تحمد الله تعالى وتشكره على هذه النعمة وهي ترك المخدرات وما كان يرافقها من الذنوب والآثام، فإن المخدرات هلاك في الدنيا والآخرة، فالْخَمْرَ أُمُّ الْخَبَائِثِ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3344) ] ، والناجي منها بعد الابتلاء بها يعتبر مولودا جديدا، فاحمد الله تعالى، واستحضر نعمه، ليزيد إقبالك، ويعظم شكرك، ويذهب عنك الملل والسأم.
تأمل كيف هداك الله للصلاة، وجعلك من أهل المساجد، وكيف ساقك إلى طلب العلم الذي هو أشرف الأعمال، ومن سلك طريقه سهل الله له طريقه إلى الجنة، فكيف ترضى لإبليس أن يقول لك إنك منافق، وإنه ينبغي أن تعود لسيرتك الأولى في الظلام والظلمات!
أهذا لأجل معصية لازلت مقيما عليها؟!
فقد نجاك الله من عشراتٍ أمثالها أو أعظم منها، أفلا تكون عبدا شكورا؟
وهل من الشكر أن ترفض نعمة الله عليك، وتختار الغواية والانحراف، بعد الهداية والصلاح؟!
إن إحساسك وخوفك من النفاق دليل على وجود الإيمان في قلبك، وهكذا كان يخاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من النفاق.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ " انتهى.
أما أهل الغفلة والغواية فلا يشعرون بهذا النفاق، ولا يخافون منه، ولا يلتفتون إليه، ولو لرجعت بذاكرتك إلى الماضي لأدركت ذلك، فلا عليك أيها الأخ الكريم من هذه الوساوس، فأنت في خير ونعمة والحمد لله.
وأما هذا الذنب الذي أنت مقيم عليه، فرجاؤنا فيك، وقد من الله عليك بالتوبة من هذه الموبقات، أن تشكر نعمة ربك عليك، وتترك ذلك الدنس الباقي على ثوبك، لتقابل ربك نظيفا برا طاهرا، قد غسلت صحيفتك بماء التوبة، ودمع الندم والألم على ما فات منك. رجاؤنا فيك، ودعاؤنا لك، أن تشعر بنعمة الله عليك إذ سترك، وبإمهاله لك إذ لم يعاجلك بالعقوبة على معاصيك، أو يأت أجلك وأنت على حال العصيان، أما تستحي من ربك الكريم الستير أن يراك على ما يكره، أما تخشى أن ينمو في قبلك حب هذه المعصية، فيورثك غيرها من المعاصي، أو يردك إلى ماضيك المظلم، أما تخشى أن تضعف توبتك، أما تخشى أن تكون منازعة الشيطان لك، وإيهامه لك بالنفاق من أثر تلك المعصية، أما تحمد الله أن بصرك بذنبك، ودعاك للتوبة؟!
ظننا فيك أن تقلع عن ذلك الذنب الذي ما زال عندك، وستره الله عليك، ولو فرض أن ضعفت نفسك فاقترفته، فبادر بالتوبة النصوح منه، واعلم أن من شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب وتركه بالكلية، والندم على ما فات، والعزم الصادق على ألا تعود؛ فهل أنت فاعل ـ يا عبد الله؟ ظننا فيك، ورجاؤنا منك، ودعاؤنا لك: أن تفعل، وفقك الله لما يحبه ويرضاه من التوبة النصوح، والعلم النافع والعمل الصالح.
وروى البخاري (7507) ومسلم (2758) واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبه: (اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك) مَعْنَاهُ: مَا دُمْت تُذْنِب ثُمَّ تَتُوب غَفَرْت لَك " انتهى.
فانظر إلى البر الرحيم، الحليم الكريم، كيف يستر، ويعفو ويغفر، ويدعوك إلى الله التوبة والإنابة، والعودة إليه، كلما زلت بك القدم، ويقول لك: اهرب من الذنب، وتعالى إلى رحمة الرب:
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ. وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذاريات /47-51.
قال الشيخ السعدي رحمه الله " تفسير السعدي (811) - عند تفسيره للآية السابقة ـ: "
لما دعا العباد النظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه، أمر بما هو المقصود من ذلك، وهو الفرار إليه، أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه، ظاهرًا وباطنًا، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب.
وسمى الله الرجوع إليه فرارَا؛ لأن في الرجوع لغيره، أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسرور والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلا الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه.
" إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ " أي: منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.
" وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ " هذا من الفرار إلى الله، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير الله، من الأوثان، والأنداد والقبور، وغيرها، مما عبد من دون الله، ويخلص العبد لربه العبادة والخوف، والرجاء والدعاء، والإنابة " انتهى.
فسارع بالفرار إلى الله، واحذر من الفرار من ربك، فإنك لا تفوته، لكن يفوتك كل خير:
عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ رضي الله عنه، أنه مَرَّ عَلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَلْيَنِ كَلِمَةٍ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَلَا كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ، شِرَادَ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ)
رواه أحمد (21723) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
فحذار، يا عبد الله، أن تكون من الشاردين!!
وأما شعورك بالممل والسأم، فهذا شعور قد يعتري كثيرا من الناس، وعلاجه بما يلي:
1. شغل الوقت بما ينفع من أمور الدنيا والآخرة، كالانشغال بالعلم وحضور المحاضرات والدورات، والانشغال بتجارة أو حرفة؛ لأن الفراغ والبطالة مفسدة أي مفسدة.
قال صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري (6412) .
2. اتخاذ الصحبة الصالحة التي تعين على الطاعة، ويمكن مزاولة المباحات معها، من نزهة ورياضة وسفر، فإن الإنسان يحتاج إلى ساعة يروّح فيها عن نفسه، حتى لا تسأم وتمل.
3. زيارة القبور وعيادة المرضى، فإن ذلك مما يرقق القلب، ويذكر بالآخرة.
4. الاجتهاد في الإحسان إلى الآخرين، وتقديم العون لهم، لا سيما من ابتلي بالذنوب والآثام، فإن ذلك من وسائل الثبات والاستقامة على الهداية، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/259)
شاب فعل جميع المحرمات ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[انا شاب فاسق وكافر اريد ان اتوب الى الله كنت افعل جميع المحرمات ولا اصلي والان اريد التوبه فارجوا من الشيخ ان يدلني على طريق التوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(قل يعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون)
لقد وصلني سؤالك وأعجبني فيه حرصك على التوبة والعودة إلى الله بالرغم من فعلك جميع المحرمات كما قلت وعلى رأس ذلك تركك للصلاة، ومن المهم جداً أن تعلم أيها الشاب الحريص أن باب التوبة مفتوح بالنسبة لك وأن تتأمل جيداً ما هو مذكور في الآيتين السابقتين وأنا سأذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى:
كلمة التوبة كلمة عظيمة، لها مدلولات عميقة، لا كما يظنها الكثيرون، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب، وتأمل قوله تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) هود /3 تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار.
ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث، وهذا ذكر بعضها:
الأول: الإقلاع عن الذنب فوراً.
الثاني: الندم على ما فات.
الثالث: العزم على عدم العودة.
الرابع: إرجاع حقوق من ظلمهم، أو طلب البراءة منهم.
ولا تنسى أموراً أخرى مهمة في التوبة النصوح ومنها:
الأول: أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر، كعدم القدرة عليه أو على معاودته، أو خوف كلام الناس مثلاً.
فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس، أو ربما طرد من وظيفته.
ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية، أو أنها تضعف جسمه وذاكرته.
ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً.
ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه.
وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة) رواه أحمد وابن ماجه، صحيح الجامع 6802.
الثاني: أن تستشعر قبح الذنب وضرره.
وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها:
حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب - وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس - ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة - وذهاب الحياء - وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب الآخرة.
وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها:
أن يعتقد أن وزنها أخف.
لأن النفس تميل إليها أكثر، والشهوة فيها أقوى.
لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز، وأسبابها حاضرة متوافرة.
لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم.
لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية.
الثالث: أن تبادر إلى التوبة، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة.
الرابع: استدرك ما فاتك من حق الله إن كان ممكناً، كإخراج الزكاة التي منعتها في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك.
الخامس: أن تفارق موضع المعصية إذا كان وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى.
السادس: أن تفارق من أعانك على المعصية.
والله يقول: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) الزخرف /67. وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة، ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم.
وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي.
السابع: إتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها.
ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله الثبات.
الثامن: أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن تحرص على حلق الذكر ومجالس العلم وتملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالماضي.
التاسع: أن تعمد إلى البدن الذي ربيت بالسحت فتصرف طاقته في طاعة الله وتتحرى الحلال حتى ينبت لك لحم طيب.
العاشر: الاستكثار من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات
وإذا صدقت مع الله في التوبة فأبشر بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات، قال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً)
أسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات، وأن يهدي قلبك فقم الآن وتلفظ بالشهادتين وتطهر وصل كما أمرك الله، وحافظ على الواجبات واترك المحرمات وسأكون سعيداً بمساعدتك حالما تحتاج إلى أي أمر آخر.
واسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين أنه هو التواب الرحيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/260)
حكم الأخطاء في حق الآخرين التي ارتكبت قبل الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[إنه كان جاهليا ولقد من الله عليه بالإسلام، وكان قبل ذلك قد ارتكب بعض الأخطاء، ويقول: سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) كيف تنصحونني والحالة هذه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد شرع الله سبحانه وتعالى لعباده التوبة، فقال سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) وقال جل وعلا: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) وقال صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فمن اقترف شيئا من المعاصي فعليه بالبدار بالتوبة والندم والإقلاع والحذر والعزم أن لا يعود في ذلك والله يتوب على التائبين سبحانه وتعالى.
فمتى صدق العبد في التوبة بالندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود، وأقلع منها تعظيما لله وخوفا من الله فإنه يتاب عليه، ويمحو الله عنه ما مضى من الذنوب فضلا منه وإحسانا سبحانه وتعالى.
لكن إن كانت المعصية ظلما للعباد، فذلك يحتاج إلى أداء الحق الذي عليه بالتوبة مما وقع والندم والإقلاع والعزم أن لا يعود، وعليه مع ذلك أداء الحق لمستحقه أو تحلله من ذلك، كما يقول: (سامحني يا أخي) ، أو (اعف عني) أو ما أشبه ذلك، أو يعطيه حقه للحديث الذي ذكره السائل، وغيره من الأحاديث والآيات. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) خرجه البخاري في صحيحه، فينبغي للمؤمن أن يحرص على البراءة والسلامة من حق أخيه، فإما أن يؤديه إليه أو يتحلله منه، وإذا كان عرضا فلا بد من تحلله إن استطاع، فإن لم يستطع أو خاف من مغبة ذلك وأن يترتب على إخباره شر أكثر فإنه يستغفر له ويدعو له ويذكره بالمحاسن التي يعرفها عنه بدلا من ما ذكره بالسوء، يعني عليه أن يغسل السيئة الأولى بالحسنات الأخيرة فيذكره بالخير الذي يعلمه عنه، وينشر محاسنه ضد السيئات التي نشرها سابقا ويستغفر له ويدعو له، وبهذا ينتهي من المشكلة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/374.(7/261)
هل يلزمه الزواج من قريبته التي لمسها بالحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في وضع مزعج للغاية. فقد وقعت في ذنب حيث قمت بملامسة امرأة غير متزوجة، وهي من أقاربي. أنا لم أجامعها، لكني لامستها وهي لامستني أيضا. وبما أنها من الأقارب (ابنة خالي) ، فأنا أخاف أن تخبر الآخرين. لقد كيفت حياتي بما يتفق والشريعة الإسلامية، ولذلك فإن الناس يحترموني كثيرا. أنا لست متزوجا، لكني سأتزوج من فتاة صالحة (قريبا) . فهل علي أن أتزوج بالمرأة التي لمستها؟ أنا أخاف كثيرا من هذه المرأة، فهي جارة عائلتي. ماذا علي أن أفعل كي أتخلص من هذا الوضع؟ أعلم أني ارتكبت معصية. وأنا أدعو الله أن يغفر لي ذنبي. أنا لا أستطيع تخيل الزواج بهذه المرأة التي كانت دائما ما تستخدم الحيل لتلفت انتباهي. أنا الآن في ورطة. هل علي أن أخبر والداي بالأمر؟ هل علي أن أخبر الفتاة التي سأتزوج بها عن القصة؟ هل يمكن لهذه الفتاة التي لمستها أن تجبرني على الزواج بها وفقا للشريعة الإسلامية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بعد فيجب عليك أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه مما بدر منك، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا. ولمسك لهذه المرأة لا يوجب زواجك منها، وليس في الشريعة ما يجبر المكلف على الزواج من امرأة لا يرغب فيها ولا يختارها، ولا يصح النكاح إلا بعقد مستوف لشروطه ومنها رضا الزوج المكلف.
ولا يلزمك إخبار والديك ولا الفتاة التي ستتزوجها بما حدث، بل أنت مأمور بالستر على نفسك، والتوبة فيما بينك وبين ربك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن أَلمَّ فليستتر بستر الله عز وجل " رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663
والقاذورة هي الفعل القبيح والقول السيء مما نهى الله عنه، سبل السلام (3/31)
ألّمَ أي ارتكب وفعل
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/262)
ذهب إلى عراف ثم تاب، لكنه يجد ما أخبر به العراف يقع يوما بعد يوم!
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي وقع في خطأ كبير ذهب إلى عراف قبل ان يبدأ دراساته الطبية، بعد ذلك طلب العلم ثم تاب إلى الله بإخلاص، لكن المشكلة هي أن كل ما أخبره العراف يأتي حقيقة يوما بعد يوم، إنه يريد أن يتخلص من التفكير بهذا لكنه لم يستطع بدأ يصلي، ما الحل لمثل هذه المشاكل وفقا لتعاليم الإسلام؟ ماذا تنصحونه حول ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إتيان السحرة والكهنة والعرافين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو داود (3904) ، والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح ابن ماجه".
والكفر الوارد في الحديث محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب، أو صدقه في دعواه علم الغيب.
وللفائدة راجع جواب: (8291) .
وعلى من وقع في شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وذلك بالندم على ما فات والعزم على عدم العود إليه.
ثانيا:
أما كون ما أخبره به العراف يقع يوما بعد يوم، فهذا لا يضره، ولا يغير من حكم الشرع في مثل ذلك شيئا، وهو راجع لأحد أمرين:
الأول: أن العراف يستعمل جملا وكلمات عامة في التعبير عن حوادث تحدث لعامة الناس، كقوله: تمر بمحنة مثلا، ثم يأتيك فرج، أو ترزق مالا أو تتزوج، ونحو ذلك، فيظن الإنسان صدق العراف لذلك.
الثاني: أن العراف قد يخبر بأمر حقيقي يقع في المستقبل، ثم يقع كما أخبر، ويكون هذا مما استرقه الشيطان من السمع ثم ألقاه الشيطان على العراف، فيضيف إليه أخبارا وأمورا كاذبة، فإذا وقع الحادث الذي أخبر به، صدقه الناس في جميع قوله، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في توضيح هذا الأمر، فقد روى البخاري (6213) ومسلم (2228) عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسُوا بِشَيْءٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) .
وروى البخاري (4701) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا؛ لِقَوْلِهكَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ، قَالَ عَلِيٌّ (أي: على ابن المديني) ، وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ (فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ، وَوَصَفَ سُفْيَانُ (أي: سفيان ابن عيينة) بِيَدِهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَتُلْقَى عَلَى فَمْ السَّاحِرِ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقُ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ) ، أي: يُصدّق لأجل الكلمة الحق التي سمعت من السماء وأخبر بها الكاهن.
على أنه ربما يكون خبر العراف عن شيء قد وقع فعلا، كأن يخبره بمكان شيء ضائع، أو نحو ذلك، فهذا الذي وقع، وإن كان لا يعرفه السائل، فليس بغيب مطلق، وإنما هو غيب عمن لم يشاهده ولم يعرفه، ومثل هذا يمكن للعراف أن يطلع عليه، إما بنفسه، وإما بأعوانه وإخوانه من شياطين الإنس والجن، كما هو معلوم.
والحاصل: أن صديقك مادام قد تاب إلى الله تعالى، فلا يلتفت إلى ما قال العراف، ولا يتخوف من كلامه، فقد يقع شيء مما قاله وقد لا يقع، والغالب أنه لا يقع؛ لأن نسبة الصدق – إن كان العراف يتلقى عن الجن – لا تتجاوز 1%.
وللفائدة انظر جواب السؤال رقم: (32863) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/263)
اقترف ذنباً ولا يدري ماذا يفعل بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[اقترف شخصٌ ذنباً ما وهو يعلم بأنه يرتكب معصية، يشعر الشخص بالذنب ولا يستطيع أن يعبر عنه أو يبوح به لأحد، فماذا يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزم المسلم أن يبوح بذنبه لأحدٍ بل لا يستحب له ذلك، وعليه أن يستر نفسه ولا يفضحها، ويجب أن يؤرِّق الذنبُ قلبَ المسلم حتى يدفعه إلى التوبة النصوح، ولا يكفي أن يعلم المسلمُ أنه يرتكب ذنباً بل عليه أن يراقب الله تعالى حتى لا يفعله، وإذا أوقعه الشيطان في حبائله فإن عليه أن يندم على ذنبه هذا، وعليه أن يقلع عنه، وأن يعزم على عدم العودة له.
بذلك يكون المسلم قد حقق ما أراده الله تعالى منه من التوبة النصوح، ويجب أن لا ييأس المسلم من رحمة الله تعالى وأن لا يستبعد مغفرة ذنبه وتوفيقه للتوبة، فإن الشيطان يحرص أن يوقع المسلمَ في المعصية ويحرص بعدها أن يوصد في وجهه أبواب التوبة.
وقد يرجع المسلمُ بعد توبته النصوح أحسن مما كان قبل المعصية، وتكون التوبة النصوح قد نبهته إلى أشياء كان في غفلةٍ عنها، فيترك صُحبة السوء التي أعانته على المعاصي، ويدع السفر إلى بلاد الفسق والمجون التي ارتكب فيها المعصية، ويمتنع من مشاهدة وسماع ما حرَّم الله تعالى عليه من الغناء والمعازف والأفلام.
ولعله أن يكون في غفلة عن هذا فتوقظه هذه التوبة النصوح التي أمره الله تعالى بها.
والمسلم قد يغفل عن استشعار مراقبة الله قبل المعصية، ولو أنه استشعر ذلك لما وقع فيها، فإذا غفل عن هذا فليذكر أثناء ارتكابه المعصية أن الله تعالى يراه، وأن الملائكة الكرام تراه، وأن الله عز وجل قد يقدِّر عليه الموت أثناء ارتكابه لهذه المعصية، فكيف سيلقى ربَّه في الآخرة؟ .
وإذا استحوذ الشيطان على المسلم قبل المعصية وأثناءها فليعلم بعدها أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وأن الله تعالى يفرح بتوبة عبده مع أنه هو الذي وفقه إليها ويسرها له وهو الغني سبحانه عن توبة هذا العبد.
فعلى المسلم أن يتقي الله ربه وأن يندم على ما حصل منه وأن يعزم أن لا يعود وأن يكثر من الطاعات وأن يغير بيئته وصحبته إلى الأحسن، ولا يجوز له أن يذكر معصيته لأحدٍ، وليجعل توبته صادقة مخلصة لله تعالى وحده، مع الحرص على صلاة الجماعة في المسجد ولزوم حلقات العلم.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه رضاه وأن ييسر لنا سبل الخير.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/264)
مصاب بالوساوس في إيمانه، ومحاسبته على ماضيه السيء؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفساران، وأتمنى أن أجد لهما إجابة: الأول: وهو أنني كنت شديد البعد عن الله عز وجل، وكنت من مرتكبي الذنوب والمعاصي بشتى أنواعها، حتى تاب الله تعالى علي في شهر رمضان الحالي، وشعرت فيه بسعادة لم أشعرها بحياتي من قبل، وأصبحت - وبفضل الله - من المحافظين على صلاة الجماعة، وأقوم بما يقدرني الله من الليل، لكن تأتيني بعض الهواجس بأن الله لن يغفر لي مهما فعلت، إضافة لبعض الهواجس التي تراودني عن الذات الإلهية، وعن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أتمنى الموت على أن أفكر فيها، وأصبحت تراودني بشدة لدرجة أني أصبحت أظن بأني لست مسلما؟ خاصة بعد أن وقعت - بحكم عملي - في بعض المجادلات مع أحد القساوسة من النصارى الذي كان يحاول تشويه ديننا، وبعد أن تجاهلته خوفا على نفسي من أي فتنة، اتهمني بالهزيمة، وأنه على الحق، وأننا - المسلمين - على الباطل، لزمت الاستغفار والدعاء والبكاء لكن بلا فائدة. فبالله عليكم ماذا أفعل، لأني أشعر أنه قد أصابني الإحباط واليأس، وكيف أتفقه في الدين؟ وكيف أجادل هذا القسيس وأقنعه أنه جاهل، وأنه يفتري على الله تعالى. أفيدوني أفادكم الله، وجعل هذا المجهود الطيب في ميزان حسناتكم، وأعانكم على فعل الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
والله، يا عبد الله، إن حالك لعجب من العجب!!
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
أنت مبتلى بالوساوس في أعظم أمرك، وأجل شأنك، مبتلى في أمر فيه نجاتك، إن شككت فيه هلكت، وإن تزعزع في قلبك لم ينفعك شيء، ثم أنت تفتح على نفسك أبوابا من الشبهات الجديدة، بمجادلتك مع هذه الكافر؛ أنت مهزوز، فكيف تثبت غيرك، ابحث عن نفسك أولا، وداو مرضك، قبل أن تفكر في علاج غيرك.
فاعلم ـ يا عبد الله ـ أنك إن لم تشغل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل، وإن لم تحملها على الهدى، حملتك على الضلال؛ فانظر يا عبد الله ماذا تختار لنفسك، وترضه لدينك؟!
ونحيلك في موقعنا إلى أجوبة سابقة فيها حل لإشكال الخطرات والوساوس، سبق بيان الجواب عنه في الأرقام الآتية: (12315) ، (25778) ، (98295) .
كما ننقل لك هنا كلاما للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله، فنرجو أن تتأمل فيه، ففيه بيان شاف لهذه المسألة، يقول رحمه الله:
" معلوم أنه لم يعط الإنسان أمانة الخواطر، ولا القوة على قطعها، فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه ما إن أن يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به؟ فقال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذلك صريح الإيمان. أخرجه مسلم في باب الإيمان، وأبو داود في كتاب الأدب.
وفيه قولان:
أحدهما: أن رده وكراهته صريح الإيمان. والثاني: أن وجوده وإلقاء الشيطان له في النفس صريح الإيمان، فإنه إنما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة الإيمان وإزالته به.
وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن، ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حَب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته، فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحَب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حَبًّا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملا وحصى وتبنا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه.
فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومَن فكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد بها أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.
وإياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك، فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك، فمثالك معه مثال صاحب رحى يطحن فيها جيد الحُبوب، فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر وفحم وغثاء ليطحنه في طاحونته، فإن طرده ولم يمكنه من إلقاء ما معه في الطاحون استمر على طحن ما ينفعه، وإن مكنه من إلقاء ذلك في الطاحون أفسد ما فيها من الحَب، وخرج الطحين كله فاسدا.
" انتهى باختصار.
"الفوائد" (ص/191-194)
أما عن شأن مناقشة القس النصراني، فنصيحتنا لك ألا تشتغل بذلك، فذلك علم واسع لم تتخصص أنت فيه، فكيف تريد الخوض فيه، بل وإقناع ذلك النصراني الذي قد يكون متخصصا في هذا الأمر، أرأيت لو أردت أن تناقش طبيبا لتقنعه بعلاج معين لمرض خطير فهل تراه يسمع منك، أو يأخذ عنك، أو يقتنع بكلامك؟! ، فلماذا تسعى للخوض في علم واسع - وهو علم الفرق والأديان والعقائد - وأنت لست من العلماء به، بل وتحمل بسببه هما تلوم به نفسك، ونحن نصدقك القول أننا نراك مخطئا في هذا الشعور، وإن كنا نرجو أن يثيبك الله تعالى على حرصك على إفحام ذلك النصراني المجادل، ولكن عليك أن تسلك سبيل التعلم بالمطالعة والدراسة والاستماع سنوات عديدة، ثم بعد ذلك تتصدى للدفاع عن الإسلام، ودعوة غير المسلمين إليه.
فإن كان قد وقع في قلبك شيء من شبه هذه القسيس، أعاذك الله من ذلك، فبإمكانك أن تستعين بمن عنده علم في هذا الباب أن يحلها لك، ويزيل عنك الإشكال.
وإن كنت بحمد الله على بنية من أمرك، كما يبدو من سؤالك؛ فاعلم أن هذا الرجل كاذب، ويعلم أنه كاذب.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة /41.
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (231) : " كان الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن يظهر الإيمان، ثم يرجع إلى الكفر، فأرشده الله تعالى، إلى أنه لا يأسى ولا يحزن على أمثال هؤلاء؛ فإن هؤلاء لا في العير ولا في النفير، إن حضروا لم ينفعوا، وإن غابوا لم يفقدوا، ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم - فقال: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} فإن الذين يؤسى ويحزن عليهم، من كان معدودا من المؤمنين، وهم المؤمنون ظاهرا وباطنا، وحاشا لله أن يرجع هؤلاء عن دينهم ويرتدوا، فإن الإيمان -إذا خالطت بشاشته القلوب- لم يعدل به صاحبه غيره، ولم يبغ به بدلا.
{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} أي: اليهود {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أي: مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم، المبني أمرهم على الكذب والضلال والغي. وهؤلاء الرؤساء المتبعون {لَمْ يَأْتُوكَ} بل أعرضوا عنك، وفرحوا بما عندهم من الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه، أي: جلب معان للألفاظ ما أرادها الله ولا قصدها، لإضلال الخلق ولدفع الحق، فهؤلاء المنقادون للدعاة إلى الضلال، المتبعين للمحال، الذين يأتون بكل كذب، لا عقول لهم ولا همم. فلا تبال أيضا إذا لم يتبعوك، لأنهم في غاية النقص، والناقص لا يؤبه له ولا يبالى به.
{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أي: هذا قولهم عند محاكمتهم إليك، لا قصد لهم إلا اتباع الهوى.
يقول بعضهم لبعض: إن حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يوافق أهواءكم، فاقبلوا حكمه، وإن لم يحكم لكم به، فاحذروا أن تتابعوه على ذلك، وهذا فتنة واتباع ما تهوى الأنفس.
{وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} كقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} أي: فلذلك صدر منهم ما صدر.
فدل ذلك على أن من كان مقصوده بالتحاكم إلى الحكم الشرعي اتباع هواه، وأنه إن حكم له رضي، وإن لم يحكم له سخط، فإن ذلك من عدم طهارة قلبه، كما أن من حاكم وتحاكم إلى الشرع ورضي به، وافق هواه أو خالفه، فإنه من طهارة القلب، ودل على أن طهارة القلب، سبب لكل خير، وهو أكبر داع إلى كل قول رشيد وعمل سديد.
{لَهُم فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي: فضيحة وعار {وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هو: النار وسخط الجبار." انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/265)
الحج بمال أخذه من العمل في شركة تنتج الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مهندسا في شركه للأدخنة لإنتاج المعسل، وكذلك زوجتي تعمل بنفس الشركة، ويوجد جمعية لتيسير الحج قمت بالاشتراك فيها منذ فترة طويلة، والحمد لله أمكن لنا أن نخرج للحج السياحي، وليس لنا مورد آخر غير هذا المرتب من تلك الشركة وعمرنا تجاوز الخمسين الرجاء معرفة هل هذا حلال مع أنه كل دخلنا حلال من عملنا؟ وللعلم قد حصلت وزوجتي على تذاكر السفر للحج ولا يسمح بإرجاعها أرجو سرعة الرد وأرجو عدم التعجل بالتحريم ولله الأمر من قبل ومن بعد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شرب الدخان والشيشة محرم؛ لما فيهما من المضرة والخبث، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45271) .
وما كان محرما شربه واستعماله، لم يجز تصنيعه ولا بيعه ولا الإعانة على ذلك.
وعليه فالعمل في شركة إنتاج المعسّل عمل محرم، والراتب الناشيء عنه محرم كذلك.
والواجب عليكما أن تتوبا إلى الله تعالى، بترك هذا العمل، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه.
وإذا كنت لا تعلم بأن شرب الدخان حرام، أو تقلد بعض المفتين المتساهلين في هذا، فنرجو ألا يكون عليك حرج فيما مضى، ويكون المال الذي معك حلالاً لك.
أما إذا كنت تعلم أن شرب الدخان محرم، فيلزمكم التخلص من هذه الأموال بإنفاقها في وجوه الخير والمصالح العامة للمسلمين، إلا أن تكون محتاجاً فتأخذ منها قدر حاجتك، وينظر جواب السؤال رقم (78289) .
ثانيا:
الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً، ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم (1015) .
لكن إذا كنتما حصلتما على رخصة الحج وتذاكر السفر التي لا يمكن إرجاعها، فنرى أن تحجا، وتعتبرا هذا المال قرضا، فتخرجا بدله حين يمنّ الله عليكما – ولو بعد مدة - وتصرفاه في وجوه الخير والبر، وبهذا يرجى قبول حجكما، مع التوبة إلى الله تعالى والعزم على ترك العمل المحرم.
ولا يخفي عليك أيها الأخ الكريم أن الرزق بيد الله تعالى، وأنه يعطي عباده الصالحين، ويرزق أولياءه المتقين، فليكن رجاؤك فيما عند الله عظيما، نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما وحجكما، وأن يزيدكما من فضله وإحسانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/266)
التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت ذنوباً كثيرة لا يعلمها إلا الله فماذا علي أن افعل حتى يتوب الله عليّ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يضعف إيمان المسلم ويغلبه الهوى.. ويزين له الشيطان المعصية.. فيظلم نفسه.. ويقع فيما حرم الله.. والله لطيف بالعباد.. ورحمته وسعت كل شيء.. فمن تاب بعد ظلمه فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم.. (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) المائدة/39.
والله عفو كريم.. أمر جميع المؤمنين بالتوبة النصوح ليفوزوا برحمة الله وجنته فقال: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) التحريم/8.
وباب التوبة مفتوح للعباد , حتى تطلع الشمس من مغربها , قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم برقم 2759.
والتوبة النصوح ليست كلمة تقال باللسان.. بل يشترط في قبول التوبة أن يقلع صاحبها عن الذنب فوراً.. ويندم على ما فات.. ويعزم على أن لا يعود إلى ما تاب منه.. وأن يرد المظالم أو الحقوق إن كانت لأهلها.. وأن تكون التوبة قبل معاينة الموت..قال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً - وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً) النساء / 17 -18.
والله تواب رحيم يدعو أصحاب الذنوب إلى التوبة , ليغفر لهم (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بِجَهَالَةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) الأنعام / 54.
والله رؤوف بالعباد يحب التائبين.. ويقبل توبتهم كما قال سبحانه (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) الشورى/25.
وقال سبحانه: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة / 222.
والكافر إذا أسلم.. يبدل الله سيئاته حسنات.. ويغفر له ما سلف من ذنوب كما قال سبحانه (قل للذي كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الأنفال/38.
والله غفور رحيم يحب التوبة من عباده , ويأمرهم بها ليغفر لهم.. وشياطين الإنس والجن يريدون أن يميلوا بالناس من الحق إلى الباطل كما قال سبحانه: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) النساء / 27.
ورحمة الله وسعت كل شيء.. فإذا عظمت ذنوب العبد.. وأسرف على نفسه في المعاصي , والآثام , ثم تاب.. فإن الله يتوب عليه.. ويغفر ذنوبه مهما بلغت كما قال سبحانه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الزمر/53.
وقال عليه الصلاة والسلام (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا , حين يبقى ثلث الليل الآخر , فيقول من يدعوني فأستجيب له , من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) رواه البخاري (1077) ومسلم (758) .
والنفس ضعيفة.. فإذا أذنب الإنسان فعليه بالتوبة والاستغفار كل حين فإن الله غفور رحيم وهو القائل: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) النساء /110.
والمسلم عُرضة للأخطاء والمعاصي.. فينبغي له الإكثار من التوبة والاستغفار.. قال عليه الصلاة والسلام (والله إني لأستغفر الله , وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) رواه البخاري برقم 6307.
والله يحب من عبده التوبة , ويقبلها , بل يفرح بها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (لَلَّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم , سقط على بعيره , وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه أخرجه البخاري برقم 6309.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ: محمد بن ابراهيم التويجري.(7/267)
إذا تاب القاذف هل تقبل شهادته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تاب القاذف من القذف، واستقام، هل تقبل شهادته، أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رتب الله تعالى على القذف ثلاث عقوبات، وهي: الحد، وعدم قبول الشهادة، والوصف بالفسق.
فقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4-5.
أما الحد فقد أجمع العلماء على أن حد القذف ثمانون جلدة إذا كان القاذف حراً، رجلاً كان أم امرأة؛ لقول الله تعالى: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
وأما عدم قبول شهادته، فقد اتفق العلماء على أن القاذف لا تقبل له شهادة ما دام لم يتب، لأنه ارتكب معصية كبيرة وهي القذف ولم يتب منها ففقد العدالة، والعدالة شرط لقبول الشهادة، ولأنه كاذب وفاسق بنص الآية الكريمة: (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) ، (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ) النور/13.
والفاسق والكاذب لا تقبل له شهادة، لقول الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ) فيشترط في الشاهد أن يكون عدلاً، والفاسق والكاذب ليس عدلاً.
فإن تاب من القذف وكَذَّب نفسه، فذهب جمهور العلماء (مالك والشافعي وأحمد) إلى قبول شهادته، قالوا:
1- لأن التوبة تهدم ما كان قبلها من الذنوب، فإذا تاب فقد محي ذلك الذنب وأثره تماماً، وعدم قبول الشهادة من آثار ذلك الذنب.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (7/94) :
"فإذا أكذب نفسه قبلت شهادته، وإن لم يفعل لم تقبل، حتى يفعل، لأن الذنب الذي ردت به شهادته هو القذف، فإذا أكذب نفسه فقد تاب" انتهى.
2- ولأن تأبيد عدم قبول الشهادة في الآية مقيد بما إذا استمر على الفسق، ولذلك ذكر بعدها الحكم عليه بالفسق: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) فإذا زال عنه وصف الفسق زال عنه سبب رد شهادته.
3- أنه ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمن قذفوا المغيرة بن شعبة بعدما جلدهم الحد، قال: (من تاب قبلت شهادته) رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به.
وتوبته: أن يكذب نفسه في اتهام المقذوف بالزنى، ولهذا جاء لفظ عمر عند ابن جرير: (من كذب نفسه قبلت شهادته) .
فإذا تاب القاذف واستقام قُبلت شهادته، كغيره من المسلمين العدول.
"المغني" (12/386) ، "المجموع" (22/98-101) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/268)
أقاموا في استراحات خاصة بالموظفين ويريدون التكفير عن ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يعمل في إحدى المصالح الحكومية والتي تتيح له المبيت والإقامة باستراحات خاصة بهؤلاء الموظفين فقط، إلا أنه في هذا الصيف ونظرا لعدم وجود موظفين في هذه الاستراحة فقد قام والدي باصطحابنا معه للإقامة في هذه الاستراحة عدة أيام، وبالطبع قمنا باستهلاك الماء والكهرباء في تلك الفترة، إلا أن الطعام كان من نفقتنا الخاصة، ولكن بعد انتهاء الإقامة بدا لنا أن نكفر عما فعلنا بأن نخرج من أموالنا الخاصة مبلغا من المال يعادل تقريبا قيمة الكهرباء والماء التي استهلكناها، وقيمة المبيت في هذه الاستراحة، والسؤال: هل الكفارة فعلا بإخراج هذه الأموال أم هناك كفارة أخرى؟ وهل يلزم إخراج هذه الأموال لصالح مصالح حكومية أو هيئات ذات نفع عام؟ وإذا تعذر ذلك علينا لأننا لا نجد مثل هذه المصالح أو الهيئات التي تفتح باب التبرعات فهل يكفي أن نعطي هذه الأموال للفقراء والمساكين أم يلزم إعطاؤها لمصالح حكومية أو مدارس تحت الإنشاء أو هيئات ذات نفع عام؟ وهل يمكن التبرع بها لصالح بناء مساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الاستراحات مخصصة للموظفين فقط دون عوائلهم، فقد أخطأتم في إقامتكم فيها هذه الأيام، وأحسنتم في التفكير في إخراج قيمة ما استعملتم من الكهرباء والماء والسكنى، ولا حرج في صرف هذا المال في كل ما يعود بالنفع على الصالح العام، كأن توضع في بناء المساجد أو المدارس أو المستشفيات أو دور الرعاية، أو تعطى للفقراء والمحتاجين، فهذه مصارف المال العام.
وينظر جواب السؤال رقم (47067)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/269)
الاستفادة من الخبرة التي اكتسبها في العمل المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت في الجمارك، وقد سمعت بحرمة هذا العمل بسبب المكوس، لكنني استمريت فيه مدة، لأني كنت مترددا ثم اطمئن قلبي فتركت العمل، والآن أسأل: هل يجوز لي استعمال الخبرة المكتسبة في هذا العمل للاسترزاق بها في عمل مشروع، كأن يوظفني من يعمل في الاستيراد والتصدير، لأقوم له بجمركة السلع، التي هي سلع مشروعة، بمعنى آخر هل يجوز الانتفاع بهذه الخبرة المكتسبة من عمل حرام، في عمل مباح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في الاستفادة من هذه الخبرة، واستعمالها في العمل المباح.
وهكذا لو كان الإنسان يتاجر بالمحرمات، واستفاد خبرة في التجارة وإدارة المال، فإنه لا حرج عليه أن يستعمل هذه الخبرة في المشاريع المباحة، وقد جاءت الشريعة بالأمر بترك الربا والغش والتدليس وغير ذلك من المحرمات، ولم تحجر على أحد من هؤلاء التائبين – ولا غير التائبين - أن يتعاملوا بالمباح مستفيدين من تلك الخبرات.
وأما العمل في الجمارك فسبق بيان حكمه في الجواب رقم (39461) .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويحسن عاقبتك، ويرزقك من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/270)
اكتسب مالاً عن طريق مساهمة محرمة فكيف يتخلص منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتتبت في شركة من الشركات غير المجازة شرعا، وأرغب في الخروج برأس المال فكيف التخلص من الأرباح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المال المكتسب عن طريق الاستثمار في الأسهم المحرمة، أو عن طريق البنوك الربوية، يجب التخلص منه بإنفاقه في أوجه البر المختلفة، فيعطى للفقراء والمساكين أو ينفق في مصالح المسلمين العامة كبناء مستشفى أو مدرسة أو تعبيد طريق، أو يعطي منه طلبة العلم ونحو ذلك.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم المساهمة في الشركات والبنوك؟ وهل يجوز للشخص المكتتب في شركة أو بنك أن يبيع الأسهم الخاصة بعد الاكتتاب على مكاتب بيع وشراء الأسهم، ومن المحتمل بيعها بزيادة عن قيمة ما اكتتب به الشخص؟ وما حكم الفائدة التي يأخذها المكتتب كل سنة عن قيمة أسهمه المكتتب فيها؟
فأجابوا: "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/508) .
وجاء فيها أيضا (14/299) : " الأصل إباحة المساهمة في أي شركة إذا كانت لا تتعامل بمحرم من ربا وغيره، أما إذا كانت تتعامل بمحرم كالربا فإنها لا تجوز المساهمة فيها، وعليه؛ فإن كان شيء من المساهمات المذكورة في شركة تتعامل بالربا أو غيره من المحرمات فيجب سحبها منها والتخلص من الربح بدفعه للفقراء والمساكين" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... بكر أبو زيد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/271)
وضعت الفائدة الربوية في ثمن سيارة وتحطمت فهل يلزمها إخراج مثل الفائدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي اشترى سيارة بمبلغ 1400000 دج وكان هذا المبلغ متكونا من 700000 دج من طرف أبي و700000 دج من طرف أمي، في حين كانت أموال أمي في البنك مع فوائد ربوية، لكن هذه السيارة بعد شرائنا لها تحطمت في حادث مرور، مع أننا نوينا التصدق بالفوائد. الآن بعنا الحطام ب700000 دج وأخذ أبي المبلغ، هل نحسب الفوائد الربوية ونتصدق بها؟ أم أنها ذهبت مع المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها، ولا يجوز أخذ الفوائد عليها، بل توضع في الحساب الجاري حينئذ.
ومن جاءه شيء من هذه الفوائد لم يجز له الانتفاع به، بل يتخلص منه بإعطائه للفقراء والمساكين أو يصرفه في وجوه الخير المتنوعة.
والواجب على أمك أن تتوب إلى الله تعالى، وألا تعود إلى الربا، فإنه لا يخفى عظم جرمه، وفداحة إثمه. وإذا كانت تعلم تحريم أخذ الفائدة قبل أن تضعها في ثمن السيارة، فعليها أن تحسبها وتتخلص منها إن كان لديها مال؛ لأن هذه الفائدة لا يجوز تملكها شرعا، وكان يجب التخلص منها قبل شراء السيارة، وقد أخطأتم في إدخالها في ثمن السيارة.
وإذا لم يكن لديها مال، وتابت إلى الله تعالى من التعامل بالربا، فنرجو أن يكفيها ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/272)
اكتسب مالا من الميسر فكيف يتخلص منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت على مبلغ ألف ريال في إحدى المسابقات التلفزيونية من خلال خدمة 700 وأرغب في التخلص من هذا المبلغ فما أجه الخلاص منه؟ وهل يجوز أن أتصدق به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسابقات التي تجري عن طريق الاتصال برقم 700 وفيها يدفع المتصل مبلغا هو ثمن الاتصال، على أمل أن يربح بجائزة، هذه المسابقات نوع من القمار والميسر، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90، وحقيقة الميسر هي دفع المال على سبيل المخاطرة، فإما أن يخسر ماله، وإما أن يربح الجائزة.
قال الماوردي رحمه الله عن الميسر: " هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانماً إن أخذ، أو غارماً إن أعطى " انتهى من "الحاوي الكبير" (15/192) .
ولا يستثنى من ذلك إلا ما أجازه الشرع من المسابقة بالإبل والخيل والسهام، وما يلحق بذلك مما يعين على الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام.
والواجب على من وقع في هذا أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يتخلص من المال الذي اكتسبه بالميسر بإنفاقه في أوجه البر، وذلك بإعطائه للفقراء والمساكين أو صرفه في المصالح العامة، كالمدارس ودور التحفيظ وغير ذلك مما يعود نفعه على المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/273)
السكن في شقة اشتراها والده من الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يتعامل بالربا ويمنع الزكاة منذ 25 سنة إلى الآن، بالرغم من بيان الحرمة له طوال هذه المدة، وقد اشترى شقة فاخرة لي لأتزوج فيها، وقد عرضت عليه أن أسكن في شقة بالإيجار، وذلك حتى لا أكون مستعملا للحرام، ولكنه رفض ذلك بشدة، فامتنعت من الزواج، حتى لا أكون سببا في زيادة الإثم عليه، فهل تصرفي صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الربا ذنب عظيم وجرم كبير، والمتعامل به متوعَّد بالحرب من الله ورسوله وبمحق البركة واللعن، وذنب هذا شأنه ينبغي الفرار منه، والبعد عن طريقه بكل وسيلة.
قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة /276. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء) .
والفوائد التي تدفعها البنوك الربوية هي عين الربا، فمن اضطر لحفظ المال في البنك الربوي، فليحفظه في الحساب الجاري، ومن تاب من التعامل بالربا، وصرف له شيء من الفوائد وجب عليه أن يتخلص منها بإنفاقها في وجوه الخير، ولا يجوز أن يأخذها لنفسه.
ومنع الزكاة أيضاً من الكبائر، ومع ذلك: فلا يحرم التعامل مع مانع الزكاة أو قبول هديته، لأن الزكاة تكون دَيْنا في ذمته، ولا يكون ماله كالمال المغصوب أو المسروق الذي يحرم أخذه على كل من علم أنه مسروق.
ثانيا:
الصحيح من كلام أهل العلم أن المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه من الكاسب بوجه مشروع كالهبة ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة ولنا منها هدية) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (3 / 112) .
وقال أيضا: " وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (1/198) .
وعلى هذا فلو اشترى الأب لابنه شقة بمال الربا، فلا حرج على الابن في الانتفاع بها، لأن إثم الربا على كاسبه فقط.
فيقال للابن هنا: إذا كان امتناعك عن السكن في هذه الشقة لا يؤثر في ترك والدك للربا، بل يغضبه ويحزنه، مع استمراره فيما هو عليه، فلا حرج أن تتزوج وتسكنها.
ثالثا:
من تعامل بالربا ثم تاب إلى الله تعالى، فإن كان مال الربا باقيا لزمه التخلص منه، وإن كان قد استعمله وأكله، فلا شيء عليه فيه.
وإن كان قد وضعه في سكن يحتاجه، لم يلزم ببيعه، والتخلص من الربا، إلا أن يفعل ذلك بنفسه، وذلك أولى وأكمل ولا شك. وهذا من تيسير التوبة على أهل المعاصي، فإنه إذا قيل لهم: تخلصوا مما في أيديكم من المتاع، شق ذلك عليهم، وحمل كثيرا منهم على تأجيل التوبة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي وقد لا يصوم أيضا ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه فإن أُوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات وأمر برد جميع ما اكتسبه من الأموال والخروج عما يحبه من الأبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه عذابا، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه؛ فإن توبته من الكفر رحمة، وتوبته وهو مسلم عذاب. وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون كافرا ليسلم فيغفر له ما قد سلف؛ لأن التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما قد قيل له واعتقده من التوبة. ثم هذا منفر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة وهو شبيه بالمؤيّس للناس من رحمة الله، ووضع لآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين الذين هم أحباب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والله أفرح بتوبة عبده من الواجد لماله الذي به قوامه بعد اليأس منه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/21) .
ونصيحتنا لهذا الابن أن يستمر في بر أبي وتذكيره بحرمة الربا، ووجوب المسارعة إلى تركه، وأن يعجل هو بالزواج مادام قادرا عليه، حماية وصيانة لنفسه من الفتن.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/274)
تاب ولكنه لا يستطيع رد المظالم إلى أهلها لفقره
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة وقد ظلم هذا وشتم هذا..) إلخ، فما حكم من تاب ولكنه لا يستطيع رد المظالم إلى أهلها لفقره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأصل في حقوق العباد فيما بينهم أنه مبنية على المشاحة، فلا تسقط بمجرد التوبة منها فقط، وإنما بردها إلى أصحابها أو استحلالهم منها، وإذا تاب العبد لله سبحانه توبة نصوحاً من حقوق المخلوقين وعجز عن إيصالها إليهم لفقره أو جهله بهم فإن الله سبحانه يتوب عليه، ويرضيهم عنه يوم القيامة بما يشاء سبحانه، ومتى استطاع في الدنيا إيصالها إليهم أو استحلالهم منها وجب عليه ذلك، ولا تتم توبته إلا بما ذكر؛ لقول الله عز وجل: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، وقوله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/316) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/275)
لم يدفع حصته من إيجار الشقة فهل يجزئه أن يتصدق به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد استأجرت شقة مع رفقة لي وكان مبلغ الأجرة نتحمله جميعاً وحصل أن تأخرنا شهرين عن دفع الأجرة بسبب الإجازة ثم بعد الإجازة لم نجتمع جميعاً ولم نسدد المبلغ وكان علي 400 ريال فقمت بعد أن تذكرت المبلغ بالتصدق به، ولصاحب البيت ابنان متزوجان وأنا أعرف بيتيهما فهل يجب علي إيصال المبلغ لهما ولو بوضع المبلغ من تحت الباب مع العلم بأن والدهما مازال حياً ولكنني لا أعرف بيته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب أن تدفع ما عليك من إيجار الشقة لصاحبها، ولا تجزئ الصدقة هنا، لإمكان الوصول إلى صاحب الحق، كما لا يجزئ دفعها لأبنائه، بل يلزمك أن تسألهم عن عنوانه وأن توصل إليه ماله لتبرأ ذمتك، ولا حرج أن تضعها تحت بابه بحيث يغلب على الظن أنه يجدها ويأخذها؛ لأن المطلوب هو وصول المال إليه بأي طريقة كانت.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهةٍ ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول: إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .
وينبغي أن تنصح إخوانك وتذكرهم بعظم شأن المال، وأن الذنب المتعلق بحق الآخرين لا تكفي فيه التوبة، بل يشترط رد الحق إلى أهله؛ لما روى مسلم (2581) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه ذات يوم: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) .
فبادر بإرجاع المال لصاحبه، ولا تتأخر في ذلك، وإن كان البحث عن عنوانه يحتاج إلى وقت فاكتب وصية بالمبلغ، فإن أحدا لا يدري متى يحين أجله.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/276)
تابت من علاقة محرمة وفقدت بكارتها فهل تتزوج من زنى بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا على علاقة بشاب أفقدني عذريتي، وأنا الآن لست بكراً، وأنا تبت من هذا الفعل، أدعو الله أن يتقبل التوبة، وهذا الشاب تقدم لخطبتي، ولكن هو ليس ملتزماً، ومثل أي شاب في شرب الحشيش، والسجاير، والخمر، ماذا أفعل هو أولى بي بعد فعلته، أم أتركه وأعمل عملية ترقيع غشاء وأتزوج بآخر ملتزم؟ علماً بأني كنت حامل منه وأجهضت نفسي، ويعلم الله صدق توبتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزنا من كبائر الذنوب، وقد حرَّم الله تعالى فعل الأسباب المؤدية له، وشرع الحد على فاعله، وتوعد الزناة بالعذاب في الآخرة.
قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/ 32.
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله –:
(لا تَقْرَبُوا) أيها الناس.
(الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) يقول: إِن الزّنا كان فاحشة.
(وَساءَ سَبِيلاً) يقول: وساء طريق الزنا طريقاً؛ لأنه طريق أهل معصية الله، والمخالفين أمره، فأسوئ به طريقاً، يورد صاحبه نار جهنم.
" تفسير الطبري " (17 / 438) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه) خصوصاً هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه، ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع، والعقل، والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
" تفسير السعدي " (ص 457) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (76060) و (20983) و (95754) .
ثانياً:
أما بخصوص الإجهاض: فإن كان الجنين قد نفخت فيه الروح: فتكون هذه جريمة أخرى غير جريمة الزنا، وإن لم ينفخ فيه الروح: فالأمر أهون.
وانظري تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة: (11195) و (13319) و (13331) و (90054) .
ثالثاً:
نحمد الله أن وفقك للتوبة، ونرجو أن تكون توبة صادقة، ومن شروط التوبة الصادقة: الندم على ما اقترفتِ من جرم، والإقلاع المباشر عن تلك الفاحشة، وعن كل ما يؤدي إليها، من اتصال، أو مراسلة، أو مواعيد، ومن شروط التوبة – كذلك -: العزم على عدم الرجوع لهذا الفعل المبتذل.
كما أنه عليكِ الإكثار من الأعمال الصالحة، من صلاة، وقراءة للقرآن، وصيام، حتى يتقوى جانب الإيمان والتقوى في نفسك، والحسنات يذهبن السيئات، والتوبة الصادقة تجبُّ ماقبلها، وتبدل السيئات حسنات، قال تعالى – بعد أن ذكر جرائم الشرك، والقتل، والزنا -: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/ 70.
رابعاً:
أما بخصوص زواجك من ذلك المجرم: فاعلمي أنه يشترط لصحة زواج الزاني والزانية التوبة الصادقة، والذي ظهر لنا من سؤالك أنه ليس تائباً من فعله، بل زاد على بلائه الأول أنه ما عليه من سوء الحال، وتناول الحشيش، وشرب المسكرات، والذي نظنه – كذلك – فيمن هذه حاله: أنه لا يصلي، فإن صدق هذا الظن: فإنه يُجزم بعدم جواز القبول به زوجاً؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، ولا يحل للمسلمة نكاح الكافر.
وانظري تفصيل القول في مسألة نكاح الزاني: أجوبة الأسئلة: (85335) و (87894) و (96460) .
خامساً:
أما بخصوص إجراء عملية رتق لغشاء البكارة: فهو أمر محرَّم، وفيه غش وتدليس على الزوج الذي يتقدم للزواج منك.
وانظري تفصيل المسألة في جوابي السؤالين: (844) .
وبخصوص إخبار زوجك عن فقدانك غشاء البكارة من تلك العلاقة المحرمة: لا يجوز؛ لما فيه من الفضح لنفسك، والمسلم مأمور بالستر على نفسه، ويمكنك استعمال التورية في كلامك، والمعروف أن غشاء البكارة يُفقد من غير جماع في بعض الأحيان، فيمكن استثمار ذلك في التورية.
وانظري – في ذلك – جوابي السؤالين: (42992) .
على أنه إذا أمكن أن يوجه هذا الشخص إلى التوبة النصوح، وإقام الصلاة، وظهر على حاله أن جاد في ذلك، وأنه أظهر التوبة، وأقام الصلاة؛ فلا بأس من قبوله زوجا؛ وهذا الحل لا شك أنه أيسر الأمر لك، وأستره عليك، لكن من لنا بصدق هذا؟!
نسأل الله أن يتقبل توبتك، ويصلح أمرك، ويستر علينا وعليك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/277)
إذا تاب من الرشوة هل يرد الرشاوى لأصحابها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذت رشوة مبالغ نقدية وهدايا فكيف التوبة وما الحل في الفلوس والهدايا؟ وإذا تعذر إرجاع هذه الأشياء لصاحبها فما الحل؟ وإذا تصدقت بها فهل يجوز إخراج نقود بثمن الهدايا؟ وهل يمكن تزويج أحد الشباب من هذه النقود أو فتح مشروع لأحد الشباب المحتاجين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخذ الرشوة عمل محرم، وهو من كبائر الذنوب، لما جاء فيه من الوعيد واللعن، فقد روى أبو داود (3580) والترمذي (1337) وابن ماجه (2313) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) . وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
والواجب على من وقع في الرشوة أن يتوب إلى الله تعالى، فيقلع عنها، ويعزم على عدم العود إليها، ويندم على ما فات.
وهل يلزمه رد الرشاوى إلى أصحابها؟ في ذلك تفصيل:
1- إن كان دافع الرشوة إنما دفعها ليتوصل بها إلى حق له، فيلزم رد ماله إليه؛ لأنه مال مأخوذ بالباطل والظلم والتعدي.
2- وإن كان قد دفع الرشوة ليتوصل بها إلى غير حقه، وقد حصل له ذلك، فإن الرشوة لا ترد إليه؛ حتى لا يجمع بين العوضين، بين الوصل إلى غرضه ومنفعته – التي لا تحق له – وبين عودة ماله إليه. ويلزم التائب حينئذ أن يتخلص من الرشاوى التي لا تزال بيده، بإنفاقها على الفقراء والمساكين أو في المصالح العامة ونحو ذلك من أوجه الخير.
قال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغنى وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده.
فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل
لصاحبه في مقابلته نفع مباح.
وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (1/389) .
وفي حال وجوب رد الرشوة إلى صاحبها، وتعذر الوصول إليه، لعدم العلم بمكانه، أو لوفاته وعدم العلم بورثته، بعد البحث والتحري، فإنك تتصدق بالمال على نية صاحبه.
والتخلص من الرشوة يكون بإعطائها للفقراء والمساكين وبذلها في المصالح العامة كما سبق، ولو أعطيتها لمن يحتاج إلى الزواج، ليستعين بها في زواجه، فهذا حسن، وكذلك لو أقمت بها مشروعا لأحد الشباب المحتاجين.
وما كان من الرشاوى العينية، فإنك تتخلص منه، أو تبيعه وتخرج ثمنه، ولو احتفظت به وأخرجت قيمته فلا بأس.
وإذا ترتب على أخذ الرشوة ضياع حق لإنسان، لزم رد الحق إليه أو التحلل منه، لأن الذنب إذا تعلق بحقوق العباد لم تتم التوبة منه إلا بذلك.
قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33.
وينظر جواب السؤال رقم (65649)
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/278)
كانت تتأخر عن الدوام ويساعدها المدير في عدم الخصم فكيف ترد المال
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت في شركة لمدة خمس سنوات ونصف تقريبا. وكنت معظم أيامي أتأخر صباحا بالساعة ومرات بالساعتين في الوصول إلى عملي (إذ لم يكن مديري المباشر يطلب مني أي أعمال إلا ما ندر، هذا إضافة إلى التسيب في الشركة ومراعاة الموظفات في حالة التأخير وهذا ما جعلني أواظب على تأخيري) . وفي نهاية الشهر كنت أطلب من مدير شؤون الموظفين أن لا يخصم مني ما يجب خصمه تلقاء تأخيراتي المتتالية، وكان يساعدني في ذلك ويستجيب بنية المساعدة فقط (وبعد أن أعلمه أني بحاجة إلى المال الذي سيخصمه مني) . غادرت منذ فترة هذه الشركة. هل يترتب علي دفع ما كان يجب أن يخصم مني خلال فترة عملي في الشركة المذكورة أم يجب علي فقط التوبة النصوحة إلى الله، وهل أنا المسئولة عن هذا المال الحرام وعلي إرجاعه أم مدير شؤون الموظفين هو الذي سيأثم على ذلك. وإذا كان الجواب نعم علي إرجاعه، أرجو إفادتي بالتفصيل الممل عن كيفية دفع هذا المبلغ الكبير (صدقات، وقف ... ) - الذي لم أستطع تحديده بالضبط ولكني قدرته تقريبا والذي أملكه حاليا بعد أن أخذت تعويضي من الشركة المذكورة - إذ إنني لن أستطيع دفعه إلى أصحاب شركتي القديمة (الذين لا يداومون فيها ولكن ممكن الوصول إليهم) ولا حتى إرجاعه إلى مقر الشركة لأن ذلك سيفتح باب شكوك كثيرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان نظام الشركة يقضي بخصم مبلغ من المال في حال التأخر عن الدوام، وكان إعفاؤك من هذا الخصم من جهة مدير شئون الموظفين، لا مبرر له إلا القرار الشخصي منه، بدون إذن إدارة الشركة ومسئوليها، فيجب عليك رد هذا المال إلى الشركة لأنه حق لها، إلا أن تعفو عنك الإدارة التي تملك ذلك.
وهذا هو الأصل في التوبة من الذنوب المتعلقة بحقوق العباد، أن ترد الحقوق إلى أهلها؛ لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) .
فالواجب عليك إيصال هذا المال ـ بعد الاجتهاد في تقديره ـ إلى الشركة أو أصحابها، ولا يجب عليك أن تذكري لهم سبب ردك هذا المال ـ إن كان ذلك سيوقعك في حرج، ويفتح عليك باب مساءلة، ولكن المهم هو إيصال المال إليهم بأي طريقة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4.
انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .
ونسأل الله لك مزيدا من التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/279)
كان يعمل المنكرات في الشات وأخذ مالا حراماً ثم تاب إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عرفت من شروط التوبة أنه يجب إرجاع حق العباد وأنا كنت أعمل المنكرات مع الشباب في الشات وكنت أستغلهم وآخذ منهم مبالغ عن طريق التحويل وكنت أوهمهم أنني فتاة وكانوا يحولون لي المبالغ لكي يقابلوني ويسهرون معي كان هذا غرضهم من التحويل وبعد توبتي والحمد الله أود إرجاع النقود لهم، ولكن لا أستطيع وقرأت في باب التوبة لديكم أنه لا يجب إرجاع المال المأخوذ بالمعصية فبماذا تنصحونني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، وصرف عنك السوء، وبصرك بالعيب، وأنقذك من الضلالة، فإن هذا العمل الذي ذكرت من أقبح الأعمال، وسيء الخصال، وهو مشتمل على جملة من المنكرات، وصاحبه من جند إبليس الذي يسعى لإغواء الناس وإضلالهم، فاشكر الله على توفيقه، وأكثر من الأعمال الصالحة، واحذر أسباب المعاصي، واجتنب رفقاء السوء.
ثانيا:
من تاب إلى الله تعالى من عمل محرم، وقد اكتسب منه مالا، كهذا العمل الذي ذكرت، فإن كان قد أنفق المال، فلا شيء عليه، وإن كان المال في يده، فيلزمه التخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير، ولا يجوز أن يرده على صاحبه، لئلا يجمع له بين الانتفاع المحرم وعودة ماله إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن أخذ عوضا عن عين محرمة أو نفعٍ استوفاه مثل أجرة حَمَّال الخمر وأجرة صانع الصليب وأجرة البغيّ (الزانية) ونحو ذلك فليتصدق بها وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض كفارة لما فعله، فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث، ولا يعاد إلى صاحبه؛ لأنه قد استوفى العوض. ويتصدق به كما نص على ذلك من نصّ من العلماء، كما نص عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/142) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده. فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لصاحبه في مقابلته نفع مباح. وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (1/389) .
وينظر جواب السؤال رقم (78289) .
وعلى هذا، فما بقي معك من هذه الأرصدة التي تم تحويلها لك من هؤلاء الشباب عليك التصدق بقيمتها في أوجه الخير المتنوعة.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/280)
لبست الحجاب وتابت من العلاقات المحرمة فهل يغفر الله لها؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفر الله لفتاة تعودت على الخروج مع الشباب، وهي الآن تريد أن تمتنع عن ذلك، وقد طلبت من الله المغفرة، وبدأت تلبس الحجاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا العمل الذي كنت عليه من الأمور المحرمة التي لا يرضاها الله عز وجل، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم (1114)
لكن فضل الله واسع فهو أرحم الراحمين وهو أرحم من الوالدة بولدها، ولذلك فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها، فإذا تاب الإنسان إلى الله عز وجل توبة نصوحاً فإن الله يغفر له قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التحريم/8.
قال ابن كثير: عسى من الله مُوجِبَة.
وقد جاء في الحديث الحسن الذي رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) (الزهد/4240) وحسنه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجة " برقم (3427) ، ولا شك أن رجوع المسلم إلى الله وتوبته إليه من الأمور التي تبعث في النفس السرور بهذا الأمر، كيف لا والله عز وجل يفرح بذلك فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ) كتاب التوبة/4927، فاحمدي الله عز وجل أن وفقك للتوبة وأرشدك إلى طريق الهداية، واحذري من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ ومن الضلال بعد الهداية، فعليك بالثبات على هذا الأمر وعدم التهاون بأي شيء من المحرمات التي كانت قبل التوبة، والبعد عن رفقاء السوء، والصبر عن ذلك، لأن رفقاء السوء سيبذلون قصارى جهدهم في التثبيط تارة، وبالتشكيك من مغفرة الله تارة، فعليك أن لا تلتفتي إلى شيء من ذلك، بل اجتهدي في التقرب إلى الله بالطاعات وعليك بإيجاد رفقة بديلة من نساء صالحات حتى يكنَّ عونا لك في طريق الهداية.
نسأل الله لك الثبات على دينه وشرعه والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/281)
اختلس أموالا عامة ولا يزال بعضها معه فكيف يتوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل عدة سنوات حصلت وبطرق غير مشروعة عن طريق الرشوة والاختلاس على أموال عامة كثيرة ولقد تبت إلى الله وأريد أن أعرف ماذا أفعل بهذه الأموال لأنه لا يمكن إعادته إلى المسئولين في بلدنا، لأنهم لصوص، وبسبب الفضيحة كما لا يخفى عليكم، علما أن معظم الأشياء التي أملكها في البيت هي تقريبا من هذه الأموال من ذهب وأراضٍ وسيارات وحتى الملابس التي أستعملها والكمبيوتر الذي كتبت منه هذا السؤال بمساعدة أحد الإخوان وأشياء أخرى كثيرة ولقد قمت في مناسبات عديدة بالتجارة بهذه الأموال فزادت ونقصت وصرفت الكثير من هذه الأموال على الزواج لي ولأخي ولابن عمي وعلى أشياء أخرى كثيرة ولكن ليس في الأمور المحرمة وإنما في مصاريف البيت المختلفة وأعطيت منها للناس المحتاجين والأقارب، وهل يجوز لي الاحتفاظ ببعض هذه الأموال لأنني محتاج لذلك لأن المعيشة صعبة والراتب لا يسد كافة المصاريف الشهرية الكثيرة بسبب غلاء المعيشة أفيدوني رجاءً لأنني أعيش في دوامة وأخاف أن أموت قبل أن أتخلص من الذنب العظيم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الاعتداء على المال العام بسرقة أو نهب ونحوه، وفاعل ذلك معتد على عموم المسلمين، لا على الدولة فقط، ومن أخذ شيئا من هذا فإنه لا يملكه، والواجب عليه رده إلى بيت المال (خزينة الدولة) ؛ لما روى أحمد (20098) وأبو داود (3561) والترمذي (1266) وابن ماجه (2400) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: حسن لغيره.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا ثبت هذا فمن غصب شيئا لزمه رده إن كان باقيا بغير خلاف نعلمه " المغني (5/38) .
وهذا الرد من تمام التوبة، فإنه يشترط لصحة التوبة: رد المظالم والحقوق إلى أهلها، مع الندم والاستغفار والعزم على عدم العود لذلك.
لكن إذا تعذر الرد إلى بيت المال، فإنه يتصدق بما بقي من المال على الفقراء والمساكين، وإن كان هو فقيرا جاز أن يأخذ منه قدر حاجته. وأما ما سبق أكله وإنفاقه وصرفه فنرجو أن يعفو الله عنه.
وراجع جواب السؤال رقم (85266) و (81915) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/282)
هل تقبل توبة الساحر ومن وقع في الردة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في موقعكم أن التائب يرجو قبول التوبة ولا يجزم بذلك فهل يرجو قبولها أيضا من ارتد عن الإسلام ثم تاب ورجع خاصة وأن ردته كانت بسبب فعل السحر؟ وإن كان الجواب هو أن يرجو فقط فهل يعد هذا الرجاء كالريب الذي في قلوب المنافقين خاصة وأن هذا الريب أو الشك يكون في قبول الإيمان وليس في قبول التوبة من ذنب دون الكفر أرجوكم إجابتي بسرعة فاني والله لا أكاد أنام من الخوف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من وقع في الكفر أو الردة ثم تاب إلى الله تعالى، وأتى بالإسلام صادقا مخلصا، تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات، كما وعد سبحانه، والله لا يخلف الميعاد.
ولا ينبغي للعبد أن يشك في ذلك، وقد صرح جماعة من أهل العلم بأن التوبة من الكفر مقبولة قطعا، بخلاف التوبة من المعاصي، فقيل تقبل قطعا، وقيل تقبل ظنا.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " تَوْبَة الْكَافِر مِنْ كُفْره مَقْطُوع بِقَبُولِهَا , وَمَا سِوَاهَا مِنْ أَنْوَاع التَّوْبَة هَلْ قَبُولهَا مَقْطُوع بِهِ أَمْ مَظْنُون؟ فِيهِ خِلَاف لِأَهْلِ السُّنَّة , وَاخْتَارَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ مَظْنُون , وَهُوَ الْأَصَحّ. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
وقال العراقي في "طرح التثريب" (8/40) : " التوبة تكفر المعاصي الكبائر، وهو مجمع عليه، لكن هل تكفيرها قطعي أو ظني؟ أما في التوبة من الكفر فهو قطعي، وأما في غيره من الكبائر فللمتكلمين من أهل السنة فيه خلاف. قال النووي: والأقوى أنه ظني، وذهب المعتزلة إلى وجوب قبول التوبة عقلا على طريقتهم في تحكيمهم العقل.
وقال أبو العباس القرطبي: والذي أقوله: أن من استقرأ الشريعة قرآنا وسنة وتتبع ما فيهما من هذا المعنى علِم على القطع واليقين أن الله تعالى يقبل توبة الصادقين " انتهى.
وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/914) : " وأمّا علماء السنّة فافترقوا فرقتين: فذهب جماعة إلى أنّ قبول التوبة مقطوع به لأدلّة سمعيّة، وهي وإن كانت ظواهر، غير أنّ كثرتها أفادت القطع ... " انتهى.
والحاصل: أن من تاب من الكفر والردة فليبشر بالخير، فإن الإسلام يجب ما قبله، ويهدم ما كان قبله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) رواه مسلم (121) .
وقال تعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/86 -89
ويدخل في هذا من كان كفره من جهة التعامل بالسحر، فإنه إذا تاب إلى الله تعالى، تاب الله عليه، هذا فيما بينه وبين ربه، وأما قبول توبة الساحر في الدنيا، ففيها تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم (69914) .
وأما معنى رجاء التوبة وعدم الجزم بها، في التوبة من المعاصي دون الكفر، فهو أن العبد يظل على خوف من عدم قبول توبته، لكنه يرجو ويأمل من ربه القبول، وليس المعنى أنه يكون في ريب أو شك من قبول الإيمان، أو في ريب كريب المنافقين، بل هو جازم بإيمانه، لكن يخشى أن يعاقبه الله على ذنبه إذا لم يقبل توبته.
والذي ينبغي لك أيها الأخ الكريم أن تقبل على الله تعالى، وتشتغل بطاعته، وتحسن الظن به، وتعلم أنه يقبل التائبين، ويكرم الطائعين، ويحب المستغفرين، ويفرح بالعائدين، يقرّبهم، ويدنيهم، ويسعدهم، ويفتح عليهم، وينور قلوبهم، ويحبب إليهم ذكره وطاعته، فاحرص أن تكون من هؤلاء، ولا تصغ إلى وسوسة الشيطان، فإنه ينفر من التوبة، ويقنّط منها، ليستمر العبد في غيه وضلاله، يقول له: كيف يقبل الله منك وقد فعلت كذا وكذا، ولِمَ تضيق على نفسك وأنت مطرود على كل حال؟ وهذا من كذبه وتلبيسه وإضلاله، فإن الله تعالى أرحم بالعبد من الوالدة بولدها، ولهذا سهّل التوبة، وعظّم أجر التائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
فتب إلى الله تعالى، وأبشر بالخير والفلاح.
زادنا الله وإياك هدى وتوفيقا وفلاحا ونجاحا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/283)
ذهب إلى ساحر لفك السحر فهل له من توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قلبي يعتصر ألما وعقلي كاد يشت أصبحت لا أدري ما الصواب وما الخطأ أشياء كثيرة كنت أتحاشا فعلها وقعت فيها، بل أكثر من ذلك فقد فعلت أشياء أخاف أن تكون شركاً , أخاف أن يكون قد حبط عملي. أشعر بأن صلاتي , صومي, حجي , كل عمل قد يكون صالحا قد أحبط كلما قرأت قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) قلبي يعتصر ألما والله، ما أقوله ليس من باب الرياء ولكنه حقيقة في نفسي أذهب إلى الصلاة أجر قدمي أصبحت لا أستطيع أن أفتح القرآن أشعر بأن القرآن يلعنني لأني لم أعمل بما أحفظ وحتى إذا قرأت لا أستطيع أن أكمل فأغلقه أقول لنفسي كيف أقف أمامه وأقول وإياك نستعين أين هذه الاستعانة قد كنت كلما أهمني أمر لا أتعلق إلا به سبحانه وأدعوه وألح في الدعاء كنت أشعر بأني قريب منه حتى في هذا الأمر الذي ألم بي كنت أدعوه كثيرا ولكن لم أصبر أشعر بأن الله امتحنني فما صبرت ورسبت , أشعر أن أعمالي ليست مقبولة كأن هناك صوتاً يقول لي: لم العمل وما فائدته؟ بعد الذي فعلت إذا كان كل ما تعمله ليس متقبلا وكل ما فعلته أصبح هباءً منثوراً, ما فعلته يتلخص في أني ذهبت إلى رجل ليفك لي سحراً أصبت به بعد الزواج استمر معي أكثر من شهر وأنا كاره لذلك ولكن أعطاني أشياء لا أفهمها أخذتها وأنا كاره لكل ذلك أخذتها ونفسيتي محطمة وعقلي غائب أليس هذا نوعاً من الشرك المحبط للعمل المخرج من الملة ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرقى والتمائم والتولة شرك) وقال: (من ذهب إلى عراف فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) أخبرني والله أنا في عذاب والله في عذاب، دنياي لا حظ لي فيها كل أمنياتي فيها لم يتحقق فيها شيء وأخاف أن تكون آخرتي آخرة سوء فأكون قد خسرت كل شيء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن شعورك بالذنب، وتألّم قلبك من أجله، دليل على صحة إيمانك، وطهارة نفسك، وهذا من فضل الله عليك، فإن أصحاب القلوب الحية هم الذين يتأثرون بالذنوب، ويفزعون إلى الله تائبين مستغفرين، وأما أصحاب القلوب الميتة فلا تؤثر فيهم جراحات المعاصي، كما قيل: ما لجرح بميتٍ إيلامُ.
قال الله تعالى في شأن أهل الإيمان: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف/201.
والمعنى أنهم إذا أصابوا الذنوب، تذكروا " عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده، ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه من قريب (فإذا هم مبصرون) أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه " انتهى من "تفسير ابن كثير".
فما عليك إلا أن تتوب وتستغفر، وتعلم أنك تقبل على رب رحيم، يفرح بتوبة عبده، ويتقبلها منه، ويبدل سيئاته حسنات، مهما كانت هذه السيئات.
وكأنك لا تعلم أن الله يتوب على أهل الكفر والإلحاد والبغي والفساد، إذا تابوا ورجعوا إليه، فكيف لا يتوب على أهل الإيمان إذا وقعوا في المعصية، وأصابهم الذنب، وهم المحبّون له، المقبلون عليه، الراكعون الساجدون، المتوضئون المتطهرون، علموا أنه لا يغفر ذنبهم غيرُه، ولا يجبر كسرهم سواه، فسارعوا نادمين مستغفرين، يقولون: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فيقول الرحمن لملائكته: علم عبدي أنه لا يغفر الذنب غيري، أشهدكم أني قد غفرت له، فتذهب الأحزان، وتزول الهموم، ويعود الوصل، ويزيد الأنس، فلله ما أحلى فرحة التائبين، وما أجمل عودة المذنبين.
قال الرب الرحيم: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68- 70.
وروى البخاري (7507) ومسلم (2758) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا وقَالَ: رَبِّ، أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي) .
وروى مسلم (2749) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) .
فبادر بالتوبة والندم والاستغفار، وأكثر من الأعمال الصالحة، وأبشر بالخير والفلاح.
ثانيا:
من مكر الشيطان بالإنسان أن يزين له المعصية، ويوقعه فيها، ثم يقنطه من التوبة، وينصح له بالزور: كيف تعود إلى الله وقد فعلت ما فعلت؟ أما تستحي منه؟ هل تظن أنه يقبل منك؟
فربما كانت معصية الإنسان كبيرة كالزنا، فجره بذلك إلى ما هو كفر كترك الصلاة، فتأمل كيف يتلاعب الشيطان بهذا الإنسان.
وأما المؤمن فلا سبيل للشيطان عليه في هذا الباب، لأنه يعلم ما قدمنا من لزوم التوبة، وفرح الله تعالى بها، وتكريمه لأهلها، وتبديل سيئات أصحابها حسنات.
ثالثا:
لا يجوز الذهاب للسحرة والكهنة والعرافين، ولو كان ذلك لحل السحر، وهو ما يسمى بالنُّشْرة، بل السحر يعالج بالآيات القرآنية والأدعية النبوية واللجوء إلى خالق البرية سبحانه وتعالى، وينظر جواب السؤال رقم (11290) ورقم (48967)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
وقال: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وهذا محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (فسأله؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوما) . ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوما، ولكنه ليس على إطلاقه؛ فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا …) ؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله؛ فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) (النمل: من الآية65) .
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله؛ فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد؛ فقال: (ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ.
فقال: (اخسأ؛ فلن تعدو قدرك) ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له؛ لأجل أن يختبره؛ فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور، وهذا قد يكون واجبا أو مطلوبا.
وإبطال قول الكهنة لاشك أنه أمر مطلوب، وقد يكون واجبا؛ فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى " انتهى من "القول المفيد" (2/49) .
وعليه فإذا لم تعتقد أن الساحر يعلم الغيب، فقد سلمت من الكفر الأكبر والحمد لله.
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز حل السحر بالسحر، لكنه قول ضعيف، يفتح باب الشر، ويغري السحرة بالبقاء على باطلهم، ويشجع غيرهم على تعلم السحر بحجة نفع الناس.
وتعليق التميمة إن اعتقد فيها النفع والضر، فهذا هو الشرك الأكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهو شرك أصغر، وينظر السؤال رقم: (34817)
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويغسل حوبتك، ويمحو خطيئتك، ويعافيك في دينك ودنياك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/284)
أخذ من مال صاحبه دون علمه ويريد أن يرده مع زيادة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شخص أعطاني مالا لأضعه له في حساب التوفير الخاص بي في بنك إسلامي على أن تكون الأرباح له واحتجت إلى جزء من هذا المال وأنا بنيتي أنه عندما يتم توزيع الأرباح في نهاية الربع السنوي أن أقدر نسبة الربح الذي يأتي على المال الذي استخدمته وأضيفه إلى الأرباح التي ستأتي من البنك على المال الموجود فعلا في البنك وأعطيها إلى صاحب المال؟ فهل فعلي هذا صائب وهل فيه شبهة الربا؟ مع العلم أن صاحب المال لا يعلم بذلك وأنا أعطيه ما أعطيه من عندي عن طيب نفس وكهدية مني له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لقد أخطأت في أخذك من المال دون علم صاحبه؛ لأنه أمانة في يدك، فلا يجوز لك التعدي عليها. وباعتدائك على الأمانة تصبح ضامنا لها، فيلزمك رد المثل، ولا يلزمك شيء فوق ذلك، إلا إذا أخذت المال وربحت فيه، فإن الربح يعود لصاحب المال في قول بعض الفقهاء الذين يرون أن ربح المال المغصوب وما في حكمه لا يأخذه الغاصب بل يكون لصاحب المال
، ولك أن تخبر صاحب المال بما وقع، ثم تتفقان على كيفية توزيع الربح.
وانظر جواب السؤال رقم (87695)
وإذا أخذت المال ولم تربح من ورائه، لزمك رد المثل فقط، ولا حرج في دفع زيادة عليه من قبيل الهبة والتبرع.
ثانيا:
يلزمك التوبة إلى الله تعالى من التعدي على الأمانة، ومن شروط التوبة: العزم على عدم فعل ذلك مرة أخرى، فلا تصح التوبة مع استمرارك في أخذ مال صاحبك بدون علمه، كما يلزمك إخبار صاحبك والتحلل منه، إلا أن تخشى مفسدة بإخباره كحصول القطيعة مثلا، فتكتفي برد المال فقط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/285)
العمل في تدريب النساء على الرقص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مكان تعمل فيه النساء فقط لتدريب الرقص، مثل: الباليه والرقصات الأخرى كهواية وليس كحرفة للنساء؟ وما حكم المكسب من هذه الحرفة؟ مع العلم أن التدريب يكون على الأغاني، وإذا كان هذا المكسب حرامًا فماذا عليه أن يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يشتبه مسلمٌ يعيش في ديار الإسلام في حرمة العمل في أماكن رقص النساء وكشف العورات والوقوع في المنكرات، فإنَّ تحريمَ ذلك معلومٌ من الدين بالضرورة والبديهة، وإذا لم يكن ذلك الفعل حراما فما هو المحرَّمُ إذن؟!
ولا شك أنَّ مَن يتعرَّضُ لمثل هذه الأعمال إنما يتعرَّضُ لسخط الله وعقوبته ومقته وغضبه، إذ كيف يقتحم مثل هذه المعاصي ويجاهر بها على الملأ، بل ويساعد على نشرها وتعليمها والتدريب عليها، وهو يدرك في قرارة نفسه أن هذا العمل من وحي الشيطان ونتن تلك الحضارة الغربية المزعومة، التي تتخذ من العري والمجون شعارا لها، والله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، وقد أعد لمن ينشر الفسق والفساد في الأرض عذابا عظيما.
يقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) الفجر/6-14
وهذه قضايا معلومة بداهة من الدين، لا تحتاج إلى إقامة برهان عليها، ومن يرضى بها أو يستحلها فهو على خطر عظيم، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.
وإذا كان كذلك فالكسب الذي يأخذه من يدرب النساء على الرقص المتعري، ويشارك في نشر الفساد والمعصية في الأرض كسب خبيث ومال حرام، لا يحل له أكله ولا أخذه ولا استعماله، بل يجب عليه أن يبادر إلى التوبة منه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/10-11) :
" – إذا صحب - الرّقصَ أمر محرّم كشرب الخمر، أو كشف العورة ونحوهما، فيحرم اتّفاقًا ... ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز الاستئجار على المنافع المحرّمة وغير المتقوّمة، فحيث كان الرّقص حرامًا لا يجوز الاستئجار عليه " انتهى باختصار.
والتوبة من المال المحرم لكسبه تكون بالتخلص منه في وجوه البر والخير، فيتصدق بجميع ماله الذي كسبه من الحرام، ولا حرج عليه في إبقاء ما نتج من ذلك المال الحرام بالتجارة المباحة، أو يبقي ما يسد حاجته حتى يجد عملا مباحا يكسب منه الكسب الطيب.
وقد سبق في موقعنا الحديث عن كيفية التوبة من المال الحرام في أجوبة الأسئلة الآتية:
(78210) ، (78289) ، (81915)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/286)
اليمين الغموس لا تكفرها إلا التوبة الصادقة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن يمين الغموس تَغمِسُ صاحبها في النار، وأنها ليس لها كفارة، هل هذا يعني أن لا توبة من هذا الذنب؟ وهل الله يغفر كل الذنوب إذا كانت التوبة صحيحة وصادقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اليمين الغموس هي اليَمين الكاذِبة الفاجرة، كالتي يَقْتَطِع بها الحالفُ مالَ غيره، سُمِّيت غَمُوسا لأنها تَغْمِس صاحِبَها في الإثْمِ ثم في النار. كذا قال ابن الأثير في "النهاية" (3/724) .
ثانيا:
جاء في "الموسوعة الفقهية" (35/41) :
" اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة في اليمين الغموس، على قولين:
القول الأوّل: عدم وجوب الكفّارة في اليمين الغموس: وإليه ذهب جمهور الفقهاء: الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة.
القول الثّاني: وجوب الكفّارة في اليمين الغموس: وإليه ذهب الشّافعيّة....وقد استدلّ كل فريقٍ بأدلّة تؤيّد ما ذهب إليه " انتهى.
وانظر: "بدائع الصنائع" (3/3) ، "التاج والإكليل" (3/266) ، "كشاف القناع" (6/235) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/133) :
" اليمين الغموس من كبائر الذنوب، ولا تجدي فيها الكفارة لعظيم إثمها، ولا تجب فيها الكفارة على الصحيح من قولي العلماء، وإنما تجب فيها التوبة والاستغفار " انتهى.
وسواء قيل بوجوب الكفارة أم لا؟ فإن الكفارة لا تكفر إثم اليمين الغموس، بل لا بد من التوبة النصوح.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (34/139) بعد أن نقل الخلاف في كفارة اليمين الغموس:
" واتفقوا على أن الإثم لا يسقط بمجرد الكفارة " انتهى.
ثالثاً:
واليمين الغموس كغيرها من الذنوب تكفرها التوبة الصادقة، وليس هناك ذنب لا تقبل التوبة
منه، فقد فتح الله تعالى باب التوبة أمام كل عاصٍ، والله تعالى يتوب على من تاب
قال عز وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53
قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر.... والآيات من هذا كثيرة جداً انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (46683) ففيه زيادة بيان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/287)
متحجبة! دخلت جامعة مختلطة وتصادق الشباب وتفعل الزنا على الهاتف!
[السُّؤَالُ]
ـ[يا ليت يكون لك معي صبر وافر لسماع حكايتي، وأن تنصحني بما فيه خير لي، وسوف أكون إن شاء لله مطيعة لنصائحك. قصتي لا أعرف كيف أبدأها ولكنها كالآتي: أنا متحجبة، وألبس الجلباب، وأصادق في الجامعة بنات في مثل تديني، بل أكثر مني، ولكن لا أعرف ما الذي يحدث لي بين الفترة والأخرى، بل وأحيانا لا أمتّ لديني بأي صلة، فأُصبح أتكلم مع الشباب في أمور غير لائقة، ونمارس أفعالاً غير محتشمة، وذلك بمجرد بُعد صديقاتي عنِّي، وأحياناً يصل الأمر إلى الزنا! والقصد هنا زنا عن طريق الهاتف! إذ لم يمسسني أي شخص مباشرة، وصدقني عندما ينتهي الأمر أكره نفسي، وأكره ما فعلت، وأتذكر الباري عز وجل الذي يراني، ويسمعني، وأقول في نفسي إن هذه المرة هي آخر مرة، وإني سوف أتوب للباري، وتمر الأيام وأنا تائبة ونادمة، ولكن سرعان ما أعود لنفس القصة، وعندما تنتهي أندم مرة أخرى، وهكذا، والمشكلة في الأمر: لا أعرف لمن أشتكي، ومن ينصحني، لا أعرف إذا كان هذا مرضاً أو انفصاماً في الشخصية، أو حتى هل بإمكاني أن أرجع مثل الأول، وأعود لحياتي الطبيعية، علماً بأن هذه المسألة بدأت معي منذ دخولي إلى الجامعة، وما مراسلتي لك إلا لأنني أريد فعلا أن أتبدل، وأغير نمط حياتي، فهل لي من عطفك وإرشادك لي على الطريق الصحيح، وأن أبدأ حياتي نظيفة تائبة، حياة لا رجوع فيها إلى الوراء؟ أتمنى أن ترشدني إلى ما هو صحيح برأيك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
آلمتنا رسالتك أشد الألم، وأصابنا الغم والهم بسببها، وإننا لفي عجبٍ من كل من يرضى على عرضه أن يكون بين ذئابٍ بشرية، وكم نادينا بما نادت به الشريعة الغراء من ضرورة الفصل بين النساء والرجال، وكم بَيَّنا تحريم الاختلاط بين الجنسين، وكم نبهنا على أن الشريعة لم تأذن للمرأة أن تؤذن ولا أن تؤم وتخطب الجمعة، ورغبت في صلاتها في بيتها، وحرَّمت على المرأة أن تسافر من غير محرَم، ومن أن تخلو برجل أجنبي عنها، ومن أن تخضع بالقول وتلين فيه، أو تصافح الرجال الأجانب عنها أو تمازحهم، وكل ذلك – وغيره - من أجل الحفاظ على الأعراض، ومن أجل سلامة القلوب من الفتنة.
وها هم المسلمون وللأسف – إلا من رحم الله – يفرطون في تلك الأوامر، ويرتكبون تلك النواهي، حرصاً منهم على مشابهة الغرب في تصرفاتهم، أو حرصاً على تحصيل شهادة، ولو دُفع مقابلها أغلى الأثمان، وهو العِرض! نعم، العِرض هو الثمن في حالات كثيرة، ونحن نتلقى مئات الرسائل والاتصالات والحالات لشباب وشابات على الطاعة والاستقامة سرعان ما يذوب أحدهم في مجتمعه المختلط، ويتأثر بالبيئة الفاسدة التي حوله، فينسى استقامته، ويتخلى عن طاعته، ويبيعها بثمن بخسٍ، إرضاءً لشهوته البهيمية الزائلة.
وانظري لنفسكِ أيتها السائلة، أين تدينكِ؟ أين استقامتك وطاعتك لربك؟ وضعتِ على رأسك حجاباً استجابة لأمرِ الله وفرَّطتِ في عرضك تسلمينه للذئاب تنهش به؟! وهل الزنا على الهاتف هو نهاية المطاف وآخر الأمر؟! لا، ولن تزال الشهوة تلتهب وتحرق قلبك وبدنك حتى تطفئيها بما هو أشد إثماً وفحشاً وسوءً! كيف رضيتِ لنفسك وأنت على هذه الحال من التدين والحجاب أن تكلمي أجانب عنك بكلمات غير لائقة؟! وأين أنتِ عن رقابة الله تعالى لك وسماعه وإبصاره لك وأنت تمارسين الزنا على الهاتف؟! ماذا لو رآكِ أهلك وأنت تفعلين هذا؟ وماذا لو قبض الله تعالى روحك وأنت تفعلين هذا فكانت هذه خاتمة حياتك؟ هل تضمنين الحياة بعد تلك الأفعال المشينة؟ وهل تضمنين التوفيق للتوبة بعدها؟! .
وإذا كنتِ تتوقعين منا حلاًّ لمشكلتك ينهيها لك: فليس عندنا حل إلا في الاستجابة لأوامر الله تعالى، والكف عن نواهيه، ليس عندنا حل لك إلا بخروجك من الجامعة فوراً ودون تردد أو تأخر والانتقال إلى جامعة أخرى ليس فيها اختلاط محرم، فهذه بيئة موبوءة، وقعتِ بسببها في معاصٍ وارتكبتِ فيها آثاماً، فكيف تكون النجاة من غضب الله وسخطه؟ لا نجاة إلا بترك البيئة الفاسدة، ولا نجاة إلا بالتوبة الصادقة، والإقبال على الطاعات.
إن باب التوبة مفتوح أمامكِ أيتها السائلة، وفضل الله ورحمته على عباده عظيمة جليلة، فسارعي إلى إرضاء ربك بتوبة صادقة، وأعمال يحبها ويرضاها، وتجنبي سخطه عز وجل، ولا تقدِّمي شيئاً على نعيم الآخرة، ولا تجعلي لك همّاً غير أن يرضى عنك ربك سبحانه وتعالى.
ولقد لمسنا من رسالتك تنازع جوانب الخير والشر، فتغلبك الشهوة ويغلبك الشيطان فتفعلين المحرمات، ثم يأتيك داعي الخير ليُحدث عندك ندماً وأسفاً على الحال التي وصلتِ لها، فاستثمري داعيَ الخير، وأخرجي داعي الشر من نفسك ومن حياتك، فالنفس اللوامة التي تلومك على فعل المنكرات والآثام خير من النفس الأمَّارة بالسوء، لكن إن لم تتداركي نفسك لتكون نفسك نفساً خيِّرة مطمئنة فإنها ستصير نفساً أمَّارة بالسوء، وهنا سيكون الهلاك والفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة، وهو ما لا نتمنى حصوله، ونثق بكِ أنك ستنقذين نفسك من الآثام والمعاصي، وستسارعين إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدَّت للمتقين الذين يتقون الله بفعل الطاعات وترك المنكرات.
ومع تخلصك من الجامعة وخروجكِ منها: اقطعي كل صلة لك بكل من تعرفين من الشباب والشابات الذين سهلوا لك الوقوع في المنكر، ولا يحل لك الاتصال بشاب أجنبي عنك، ولا تتصلي بأي صديقة يمكن أن تجرك لمعصية أو فاحشة، واحرصي على الصحبة الصالحة من النساء المتدينات، والزمي كتاب الله تعالى قراءة وحفظا وتدبراً، واحرصي على طلب العلم من الأشرطة والكتب وحلقات العلم، وتداركي نفسك قبل فوات الأوان.
وفي حال عدم خروجك من الجامعة – بسبب ضغط أهلك -: فاعلمي أنه لا يحل مصادقة أحد من الشباب، وأن عليك البحث عن الأخوات المستقيمات الملتزمات لصحبتهن، وتعاهدي إيمانك بتقويته بأوراد يومية من القرآن والأذكار، وألزمي نفسك بالاستقامة على أمر الله تعالى، واسأليه عز وجل أن يعينك ويوفقك لما يحب ويرضى.
وعليك أن تقللي ذهابك إلى الكلية بقدر الإمكان، وألا تنفردي فيها عن أخواتك المستقيمات، حتى لا تتركي مجالاً للشيطان أو النفس الأمارة بالسوء، أن تزين لك المعصية، فعليك بمعالجة أسباب المعصية، واستحضري دائماً، اطلاع الله سبحانه وتعالى عليك، وسمعه وبصره، وهل إذا اطلع عليك أحد من أهلك، أكنت تفعلين ما تفعلين أمامه! فهل يكون نظر الله وسمعه واطلاعه عليك أهون عندك من نظر أهلك؟!
وأكثري من دعاء الله تعالى الثبات والاستقامة والهداية (اهدنا الصراط المستقيم) وكان من دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه) رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1823)
(اللهم يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) رواه الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالمشكلة منكِ، والحل عندكِ، وما تختارينه لنفسك يدل على صدقك أو كذبك، فإن اخترتِ التوبة الصادقة: فأنت صادقة في ندمك وأسفك، وصادقة في رسالتك أنك تريدين النجاة والخلاص من المعاصي والآثام، وإن اخترتِ الصحبة الفاسدة: فأنت لستِ صادقة في ندمك وأسفك، ولستِ صادقة في البحث عن النجاة من همومك وغمومك ومعاصيك، ونرجو أن تكوني من الصادقات.
وأما عن سؤالك أنه هل يمكن أن ترجعي لحالك الأول: فنبشرك بأنه يمكن أن ترجعي لأحسن منه! لكن على أن تصدقي في التوبة والإنابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
لكن قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب، وتكون مصلحته أنه يتوب منه، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقّة وإنابة إلى الله تعالى، فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها؛ فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبْر وعُجب وقَسوة، فإذا وقع في ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من التوبة.
" مجموع الفتاوى " (14 / 474) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
وما أكثر ما يكون الإنسان منَّا بعد المعصية خيراً منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية، ثم يجد مِن قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم
صحته، وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها، كما قال: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه/ 122، أي: بعد أن أذنب وتاب؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان، ورفعة الدرجات، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله.
" الشرح الممتع " (3 / 51، 52) .
فلا تستعظمي ذنوبك مقابل رحمة الله، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده، ويحب التوابين.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) الزمر/ 53،54.
وقال عز وجل: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/ 222.
ونسأل الله تعالى أن يطهر سمعك وبصرك وجوارحك من الآثام والمنكرات، ونسأله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفرَ والفسوق والعصيان.
وانظري كلاماً مفصلاً حول التوبة وشروطها في جواب السؤال رقم: (13990) .
وللوقوف على كيفية التخلص من المعاصي: انظري جواب السؤال رقم: (10280) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/288)
يسمع الأغاني، ويسمع القرآن فهل يكون منافقا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أسمع الأغاني، وأعلم أنها حرام، ولكن إن شاء الله يهديني وأترك سماعها السؤال: أنا أسمع محاضرات دينية كثيرة وكذلك القرآن الكريم عبر الأشرطة الإسلامية، المشكلة أن هناك أناساً كثيرين يحتجون علي يقولون كيف تسمع الأغاني وتسمع الدين؟ كأنك ما تفهم ولا تعي وتأثم لأنك تسمع المحاضرة ولا تستفيد، لذلك خيروني إما أن تسمع الأغاني أو تسمع الدين، لكن أن تسمع الاثنين غلط. لذلك أنا في حيرة من أمري لأني أصبحت أحس كأني علماني أو كمن ينصح الناس وهو عاصٍ وأيضا كالمنافق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ابتداء نشكر لك صراحتك وحرصك على الخير والسؤال عن أمور دينك.. ونسأل الله أن يمن عليك بالهداية والتوفيق لما فيه الخير..
اعلم وفقك الله.. أن تحذير زملائك لك من سماع أشرطة القرآن أو المحاضرات الدينية أو غيرها.. مما يقرب إلى الخير بحجة أنك تسمع الأغاني؛ خطأ كبير منهم.. فإن المؤمن الذي تسول له نفسه الوقوع في بعض المعاصي.. يبقى مطالبا بفعل ما يستطيع من الطاعات.. ويبقى مطالبا باجتناب جميع المعاصي والموبقات مادام أنه يؤمن بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.. فإذا حصل منه تقصير بترك بعض الواجبات لم يكن هذا مسوغا لأن يترك الواجبات الأخرى بل يجب عليه أن يبادر بالتوبة من تقصيره في تلك الواجبات، مع استمراره في فعل ما أقدره الله عليه من الطاعات، وكذلك وقوعه في بعض المعاصي ليس مسوغا لأن يقع في غيرها، بل الواجب عليه المبادرة بالتوبة من تقصيره.. فإذا لم يستطع ترك بعض الذنوب لقوة الشهوة وضعفت نفسه عن مقاومتها فليجتهد في فعل الطاعات، فإن الله يقول: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) هود/114، ولذا فيتصور أن يجتمع في الشخص المؤمن الطاعة والمعصية.. وليس هذا من النفاق ولا العلمانية في شيء.. ما دام أن الإنسان لا يبطن في قلبه الفساد.. ويقر بخطأ ما يفعله، ويستغفر الله ويطلب غفرانه، ويجتهد في اجتناب المعصية.
ولعل حرصك على سماع القرآن والمحاضرات الدينية يكون سبيلاً لإعراضك عن سماع الأغاني والمحرمات الأخرى.. فإِنَّ (هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/9
ولو فرض أنك بقيت على ما أنت عليه.. فهو خير بلا شك من تركك لسماع القرآن والخير.. لأنك تعلم أن الله يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة/7-8
ويقول جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) النساء/40.
ويوم القيامة توزن أعمال العباد (فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَة * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ) القارعة/6-11 فعليك أخي الكريم أن تحرص على كل ما يثقل ميزانك من الحسنات والطاعات ولو كان شيئا يسيرا فإن الله واسع الكرم والمغفرة والرحمة، يضاعف القليل حتى يكون مثل الجبل أو أعظم فـ (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) , و (تبسمك في وجه أخيك صدقة) كما أرشدنا لذلك نبينا صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
وليس معنى ذلك إقرارك على سماع الأغاني، ولكن.. إن كان لا بد فكن ممن (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة/102.
وعليك أن تحذر من كل ما يخفف ميزانك من المعاصي والسيئات فإن الله سبحانه شديد العقاب لمن عصاه وتجرأ على حدوده فالبدار البدار بالتوبة النصوح.. والابتهال الابتهال إلى الله سبحانه بأن يوفقك إلى ذلك..
وداوم على فعل الخيرات واستكثر منها ما استطعت وانصح أصحابك بأن يتقوا الله ويبادروا كذلك إلى فعل الخيرات وترك المنكرات..
وختاما.. نوصيك بأن تحرص أن يكون لك رفقة صالحة يعينونك على الخير، ويحببونه إليك وأن تبتعد عن رفقاء السوء الذين يزينون لك الشر ويصدونك عن الخير، مع دعاء الله لك ولهم بالهداية التوبة.. هذا والله المسئول أن يتوب علينا جميعا توبة صادقة نصوحا يكفر بها سيئاتنا ويهدي بها قلوبنا إنه خير مسئول..
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/289)
من كان بينه وبين أخيه شحناء هل تقبل توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الشخص متشاحنا مع أحد لا يكلمه هل تقبل توبته إذا تاب من أي ذنب وهل إذا قال لهم السلام عليكم يكون قد تصالح معهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هجر المسلم لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري (5727) ومسلم (2560) .
ويستثنى من جواز الهجر كما ذكر أهل العلم من كان في هجره مصلحة كصاحب المعصية إذا عُلم أن هجره فيه مصلحة له أو لغيره، كأن يترك المعصية، ولا يغتر به غيره.
والهجر يرتفع حكمه بالسلام، فإذا سلم شخص على شخصٍ، فقد زال الهجر؛ للحديث السابق " وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "، وانظر السؤال رقم (93888) .
ثانياً:
من تاب من ذنبه تاب الله عليه؛ كما قال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25، وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
والتوبة صالحة في كل وقت إلا عند الغرغرة، وعند طلوع الشمس من مغربها؛ لما روى الترمذي (3537) وابن ماجه (4253) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث. وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَة أَرْكَان: أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا وَيَعْزِم أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته، هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ. وَخَالَفَتْ الْمُعْتَزِلَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ " انتهى.
وروى مسلم (2703) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) .
وأما ما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) ، فالذي يظهر أن هذا في بيان مغفرة الله لعباده تفضلا منه، من غير توبة منهم.
ولا يعني عدم قبول توبة المشاحن من ذنوبه الأخرى، فمن كان بينه وبين أخيه شحناء، وتاب إلى الله تعالى من ذنب آخر كالكذب مثلا، فإن الله تعالى يتوب عليه، كما دلت النصوص.
وسبق في كلام النووي رحمه الله أن من تاب من ذنب وهو متلبس بآخر صحت توبته عند أهل السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/290)
تاب من سماع الموسيقى فماذا يعمل بالاسطوانات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عدت مؤخرا للتدين والحمد لله، ولكني قمت قبل ذلك بالاستماع للكثير من الموسيقى ولذلك فإن لدي عدداً كبيراً جدا من الاسطوانات. وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أعطي تلك الاسطوانات لمحل خيري أو لغيري (دون أن آخذ مالا لذلك) لأن لدي انطباعاً أنه يجب ألا أعطي لغيري أشياء محرمة لأنني أكون بذلك أساعد على عمل الحرام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد لله أن منّ عليك بالتوبة وهداك إلى الطريق المستقيم ونسأل الله لنا ولك مزيدا من التوفيق والثبات.
ثانياً:
ما ذكرته من أنه لا يجوز إعطاء الغير ما فيه إعانة على المحرم صحيح.
وعليه؛ فالواجب عليك هو إزالة ما على هذه الاسطوانات من الموسيقى، ثم تستفيد منها بأن تنسخ عليها أشياء مفيدة، أو تعطيها لمحل خيري ينسخ عليها أشياء مفيدة.
فإن لم يمكن النسخ عليها، فليس أمامك إلا إتلافها، ولا يجوز إعطاؤها لمن يستمع إليها، سواء كان عن طريق البيع أو الهبة، لشخص أو محل، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون.
وللفائدة راجع جواب السؤال (13754) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/291)
كان ملتزماً وعمله مختلط وصار على علاقة محرَّمة مع امرأة فهل يتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابن كان ملتزماً، وفي عمله اختلاط، وتعرَّف على بنت، وصار بينهم علاقة محرمة، هل يجوز منعه من الزواج بها أم نتركه يتزوجها؟ ولكن نخشى منها عليه، علماً أن سلوكها كأي بنت ترتبط بشباب، ولكن لم يتم أي شيء مع أي شاب إلا هو وهو متمسك بها جدّاً، وهل يجوز أن نتركه يتزوجها ثم يطلقها؟ وهل نية الطلاق في هذه الحالة تفسد العقد وأنا أخشى الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذكرنا في فتاوى متعددة حرمة الاختلاط المستهتر، الذي لا ينضبط بضوابط الشرع في الحجاب، وأدب المعاملة المتبادلة، وذكرنا حرمة العمل والدراسة إن كان فيهما اختلاط، ونأسف أنه يوجد من المفتين من يتساهل في هذا الأمر، ويقر هذه الفوضى العارمة في أماكن الدراسة والعمل، وكأنَّ هؤلاء يعيشون في عالم آخر، لا يرون فيه أثر الاختلاط المحرَّم من إتلافٍ للقلوب، وذَهابٍ للعقول، وضَياع للأديان.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (1200)
ولم ينج من هذا الأثر أحدٌ، فالمرأة العفيفة المصونة وقعت في مستنقع الاختلاط الآسن، فجاءها من قَذَرِهِ وقبح منظره ورديء رائحته شيء كثير، وقُلْ مثل ذلك في الشباب المستقيم على طاعة الله، كيف كان وكيف صار.
وقد جعل الله تعالى في الرجال ميلاً نحو الإناث، وجعل في الإناث ميلاً نحو الرجال، ولم يبح الله تعالى من العلاقة بين الأجانب منهم إلا بالنكاح، ولذا فإن في الشريعة من الأحكام شيئاً كثيراً يغلَق فيه الطريق على السائر فيه نحو الفاحشة، فجاء تحريم النظر إلى الأجنبية، وتحريم مصافحتها، والخلوة بها، وجاء تحريم سفر المرأة وحدها، وغير ذلك من الأحكام التي تقطع على الشيطان طريقه في إيقاع المسلم في فاحشة الزنا.
ثانياً:
قلتِ - أختنا الفاضلة –: " وصار بينهما علاقة محرمة "، ولا ندري معنى هذه الجملة، وهي تحتمل أمرين:
الأول: الزنا – والعياذ بالله -.
والثاني: المصاحبة والخلوة، وما دون الزنا.
فإن كان الاحتمال الأول هو الواقع: فقد وقعا في ذنب عظيم، وجريمة منكرة، وقد حكم الله تعالى على الزاني والزانية غير المحصنين بالجلد مائة جلدة، وعلى المحصن منهما الرجم حتى الموت، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سلب الإيمان عن الزاني، ورأى في منامه الزناة والزانيات في تنور في نار جهنم.
ومن الأحكام المترتبة على الزناة: أنه يحرم على الزاني تزوج الزانية، ويحرم عليها تزوجه؛ لأن نكاح الزاني والزانية محرَّم، إلا أن يتوبا توبة صادقة من أجل ما وقعا فيه من الذنب العظيم.
فإن تابا وأصلحا، واعتدت المرأة حيضة واحدة: جاز لهما النكاح، ونسأل الله أن يعفو عنهما بمنه وكرمه.
وينظر للزيادة: أجوبة الأسئلة (14381) و (85335) و (96460) و (87894) .
وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع – كما هو الغالب في مثل هذه العلاقات، خاصة وهو يريد الزواج بها - فلا يوجد ما يمنع من نكاحه لها من حيث بطلان العقد، لكن قد يُمنع من باب أنه لا يُرضى دينها، وخلُقها، ولا تصلح زوجة تحافظ على بيته، وتربي له ولده، ولكننا لا نستطيع أن نقول هذا في حال ابنكما، فإذا كانت متهاونة، فهو مثلها؛ وهكذا كل ما نقدره فيها من العيب والخلل، هو موجود فيه.
وإذا كان الدين يأمره بأن يبحث عن المرأة الصالحة التقية الطيبة، فهكذا يأمرها: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26) ، (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) النور/32.
فلنكن ـ أيتها السائلة الكريمة ـ واقعيين، ومنصفين!! ولا تنظري في المقارنة بينهما إلى ما كان عليه حال ابنك، بل انظري إلى حاله الآن.
وحينئذ فإذا رأيت أنهما قد تعلق كل منهما بصاحبه واشتدت رغبتهما في الزواج، فإن أقرب طريق لإصلاحهما، وإتقاء الشر من علاقتهما، أن يتزوجها، وقد روى ابن ماجة (1847) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
وربما تكون هذه فرصة مناسبة لمساومتهما على التوبة والاستقامة والصلاح،قبل إتمام زواجهما.
ثالثاً:
والزواج بنية الطلاق محرَّم، ولا يجوز لمسلم أن ينويه قبل عقد النكاح.
وينظر – للأهمية -: جوابي السؤالين (27104) و (91962) .
ونحن معك، ونأمرك بخشية الله في مثل ذلك، لو كانت هذه ابنتك يا أمة الله، أترضين لأحد أن يتزوجها بهذه النية؟!
أيليق بك أن تفكري في مصلحة ابنك، وتبحثي عن الخير له، ولو على حساب الناس؟!
عن عبد الله بن عمرو بن العاص َقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فقال عليه الصلاة والسلام: (َمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ.. الحديث) رواه مسلم برقم (1844) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/292)
بيع المسلم على بيع أخيه هل يصح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يحرم بيع الرجل بيع أخيه، لكن هل يصح البيع أولاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم أن يبيع على بيع أخيه، ولا أن يشتري على شرائه؛ لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبع الرجل على بيع أخيه) رواه البخاري (2139) ومسلم (1412) .
والحكمة من هذا النهي ما فيه من إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين، وكل ما أوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين، فهو محرم لعموم قوله تعالى (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) المائدة / 91 فجعل الله تعالى علة تحريم الخمر والميسر هي حصول العداوة والبغضاء من فعلهما.
ثانياً:
لو باع المسلم على بيع أخيه فهل يصح البيع أو لا؟ فيه قولان لأهل العلم، فمنهم من ذهب إلى عدم الصحة، وهو المذهب عند الحنابلة، ومنهم من ذهب إلى صحة البيع مع الإثم، وهو مذهب الشافعي رحمه الله.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/149) : " فإن خالف وعقد , فالبيع باطل ; لأنه منهي عنه , والنهي يقتضي الفساد. ويحتمل أنه صحيح ; لأن المحرّم هو عرض سلعته على المشتري , أو قوله الذي فسخ البيع من أجله , وذلك سابق على البيع , ولأنه إذا صح الفسخ الذي حصل به الضرر , فالبيع المحصل للمصلحة أولى , ولأن النهي لحق آدمي , فأشبه بيع النجش. وهذا مذهب الشافعي " انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف (4/331) : " ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه. وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة. ولا شراء الرجل على شراء أخيه. وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة , ليفسخ البيع ويعقد معه. وهذا بلا نزاع فيهما. ويتصور ذلك في مسألتين: الأولى: في خيار المجلس، والثانية: في خيار الشرط. ... وأما قبل العقد: فهو سومه على سوم أخيه على ما يأتي. قوله (فإن فعل فهل يصح؟ على وجهين) . وهما روايتان في الفروع وغيره. وأطلقهما في الهداية , والمحرر , والرعايتين , والحاويين , والمستوعب:
أحدهما: لا يصح أعني البيع الثاني، وهو المذهب. صححه في التصحيح. قال في المذهب , ومسبوك الذهب: البيع باطل في ظاهر المذهب. قال في الفروع: لم يصح على الأصح. قال في الرعاية الكبرى: أشهرهما: البطلان. واختاره أبو بكر , وغيره. وجزم به في الخلاصة , والوجيز , وتذكرة ابن عبدوس. وقدمه في الشرح , والكافي.
والوجه الثاني: يصح. اختاره القاضي , وأبو الخطاب. وقال الشيخ تقي الدين: يحرم الشراء على شراء أخيه. فإن فعل كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة , وأخذ الزيادة. أو عوضها " انتهى.وينظر: الموسوعة الفقهية (9/214) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله: (ويبطل العقد) نص على بطلان العقد، لأن بعض أهل العلم يقول: إن العقد صحيح، لأن النهي هنا لا يعود إلى ذات المعقود عليه، وإنما يعود إلى أمر خارج وهو العدوان على المسلم فيكون العقد حراما، ولكنه صحيح. ويدل على ذلك أن هذا الذي باع على بيع أخيه لو أذن له الذي بيع على بيعه لكان العقد صحيحا ولا شيء فيه، فإذاً يكون التحريم غير عائد إلى ذات المنهي عنه، ويكون العقد صحيحا مع الإثم.
ولكن القول بالمذهب من باب السياسة ويمنع العدوان على الناس، فيكون قولا جيدا " انتهى من "الشرح الممتع" (8/206) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/293)
زنى في إحدى ليالي رمضان ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي مارس الجنس مع فتاة في أحد ليالي شهر رمضان مع العلم أنه أعزب ويسأل عن الحكم وما يجب عليه فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود أنه زنى – عياذا بالله – فإن الزنى ذنب عظيم، وجرم كبير، حذر الله تعالى منه، وبَيَّن سوء عاقبته، فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/32، وجعل سبحانه عقوبة الزاني الرجم بالحجارة إن كان محصنا، والجلد إن كان بكرا، وذلك لشناعة ما أقدما عليه من الاستمتاع المحرم، قال سبحانه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
ولكن من رحمة الله تعالى أن باب التوبة مفتوح، وأنه سبحانه غفور رحيم يحب توبة عبده ويقبلها إذا جاء إليه، قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104 وقال سبحانه: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/17.
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70.
فما أحلم الله، وما أكرمه. خيره إلى العباد نازل، وشرهم إليه صاعد، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وما على المذنب إلا أن يقرّ بذنبه ويقلع عنه، ويطلب من ربه العفو والمغفرة، ويعزم على عدم العود إليه، ويصلح أعماله، ويجتهد فيما يرضي ربه تبارك وتعالى.
فمن فعل هذا فليثق بالفرج، فإن الرحمن الرحيم يفرح بتوبة عبده، ويقبلها منه، ويثيبه عليها، ويمحو بها سيئاته، ويرفع بها درجاته، لأنه الحليم الكريم البر الرحيم جل في علاه.
قال الله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه/82.
ثم نقول لهذا الأخ: إياك ثم إياك أن تهتك ستر الله عليك، وأن تخبر أحدا بما صدر منك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل وليتب إلى الله) رواه البيهقي وصححه الألباني صحيح الجامع برقم (149) .
وروى مسلم (2590) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) .
فبادر بالتوبة والندم، وابك على خطيئتك وذنبك، واستتر بستر الله تعالى ولا تجاهر بمعصيتك، وأكثر من الأعمال الصالحة من صلاة وصدقة وذكر وتسبيح، فإن ذلك من أسباب المغفرة.
واحذر من التسويف في التوبة، أو الاغترار بحلم الله وستره، فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل، ويغضب فينتقم، ولربما نظر إلى عبده المجترئ على معصيته فقال: اذهب فلن أقبل منك عملا، فيبوء بالخسران، وتكون عاقبته النيران، نسأل الله العفو والعافية، والسلامة والنجاة.
ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليه ردا جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/294)
المقيم على المعصية وارتكاب الكبائر هل له أن يسأل الله أمرا دنيويا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يسأل الله أمرا دنيويا وهو يعصي الله ويرتكب الكبائر؟ علما أنه يعزم على التوبة ولكن يخاف أن تكون توبته لأجل هذا الغرض الدنيوي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من يعصي الله تعالى ويرتكب الكبائر، أن يبادر بالتوبة، وأن يحذر التسويف والتأجيل، فلربما فاجأه الأجل، ونزلت به مصيبة الموت، وأُغلق في وجهه باب التوبة، فيبوء بالخسران، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء/18.
وما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ ولمَ الإصرار والتمادي والتردد والترقب؟ ورب العالمين يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفرح بتوبة عبده، ويقبلها منه، ويثيبه عليها.
فهل يليق بالعبد المذنب أن يعرض ويتمادى، وربه يبسط يده؟
وهل يليق بالعبد المذنب أن يقول يارب يارب، يسأل لعاعة من الدنيا، ولسانه حاله يقول: لكني مصر على معصيتك يا رب! فوالله لو استحينا من الله، وعرفنا عظمة الله، لما فعلنا ذلك.
وأما الخوف من أن تكون التوبة لأجل الأمر الدنيوي، فهذا قد يكون من وسواس الشيطان، ليستمر العبد في المعصية، ويؤخر التوبة.
فالواجب هو التوبة، وإخلاصها لله تعالى، رجاء عفوه ومغفرته، ثم يسأل العبد ربه ما أحب من خيري الدنيا والآخرة.
ومع ذلك نقول: لو استمر العبد في معصيته، فلا يحرم عليه أن يسأل ربه، ولو كان السؤال في أمر من أمور الدنيا، وقد يعطيه الله تعالى سؤله، فهو الكريم الجواد، ولطالما أحسن إلى عبده مع تقصيره وتفريطه، ولكن هذا السلوك لا يليق بالمؤمن المحب لله، المعظّم له، المدرك لخطر الذنوب والتمادي فيها. فإن المعاصي قد تكون سبباً للحرمان، وعدم إجابة الدعاء.
ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ثم قال: فَأَنَّى يُسْتَجَابُ له) رواه مسلم (1015) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/295)
زنت وهي متزوجة فلمن ينسب الولد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[استغفر الله وأتوب إليه لقد ارتكبت أعظم وأكبر الكبائر وهي الزنا وأنا متزوجة وحملت بطفلة والآن عمرها 6 سنوات ونسبت إلى زوجي، لم أستطع أن أعترف لزوجي بالقذارة التي فعلتها، خفت على أهلي وابني منه وقد تبت إلى الله توبة نصوحة وتحجبت والتزمت بصلاتي، طلبت المغفرة والعفو من الله على هذا الجرم الذي ارتكبته فهل يغفر الله لي؟ ماذا أفعل حتى تكتمل توبتي أرجوكم أفيدوني هل أعترف لزوجي حتى يغفر الله لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يغفر لك وأن يتجاوز عنك، فإن الزنا ذنب عظيم، وجرم كبير، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج، فبدلت نعمة الله كفرا، وخانت زوجها، ودنست عرضه، ولوثت فراشه. ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت، نكالا من الله عز وجل، والله عزيز حكيم.
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده، ويمهله، ويدعوه للتوبة، ويقبلها منه، ويثيبه عليها، فما أرحمه، وما أعظمه، وما أكرمه سبحانه وتعالى.
قال عز وجل:) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70
فاستمري في توبتك وإنابتك، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك، والله تعالى يتوب على من تاب.
وإن من مبشرات قبول التوبة أن يستر الله عبده، ولا يفضحه، وأن يمد له في العمر حتى يتقرب إليه، ويصلح حاله معه، ونحمد الله تعالى أن وفقك للالتزام والحجاب، والطاعة والإنابة، ولعل الله الكريم الرحيم أن يكون قد عفى عنك وغفر لك، نسأل الله ذلك.
وإذا كان الله قد سترك، فلا تهتكي ستر الله عليك، ولا تخبري زوجك ولا أحداً غيره بشيء مما كان، وتوبتك هي الندم والاستقامة وإصلاح الأعمال.
وأما الولد، فإنه ينسب لزوجك، ولا ينتفي نسبه منه إلا إذا نفاه باللعان، لأن الأصل أن الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: امرأة متزوجة زنت وهي في عصمة زوج، ومن ثم حملت ووضعت حملها بولد ذكرا كان أو أنثى، فلمن يبقى معه ذلك الولد، أيبقى مع زوجها بدليل الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أم لا؟ وإن بقي مع زوج أمه الشرعي أيتبنى به ويحسبه كأحد أولاده في جميع الحقوق أم يكون عنده في ملكه فقط، أما إذا لحقه بالعاهر أيحسبه بأولاده الحقيقي أم يمسكه معهم وهو لم يزل على حالة ولد زنا؟
فأجابوا: "إذا زنت امرأة متزوجة وحملت فالولد للفراش؛ للحديث الصحيح، وإن أراد صاحب الفراش نفيه بالملاعنة فله ذلك أمام القضاء الشرعي، ولا يكون مملوكا لأحد بإجماع المسلمين، وأما التبني فلا يجوز ولا يصير به الولد المتبنَّى ولدا لمن تبناه. وبالله التوفيق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/339) .
وينظر جواب السؤال رقم (85043) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/296)
الحب والمراسلة قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أغرمت ببنت جارنا، واستمر لمدة سنتين بدون أن تعلم أو أخبرها أو أخبر أحدا من أهلي ولم أقابلها وكنت أطمح للارتباط بها كزوجة، ثم حصل لي حادث سير سبب لي إصابات بليغة وحصل لي شبه إعاقة، كنت مهموما جدا لأن الحلم الذي عشته وهو الارتباط بتلك الفتاة بدأ يتلاشى، فجأة طلبت أختي أن أصارحها بهمي فحكيت لها ما بداخلي، فقالت لي أختي: سوف أخبرها بحبك لها وهي بعد ذلك تختار، وكانت المفاجأة أنها كذلك كانت تحبني، فبدأت رسائل الحب تتبادل بيننا عن طريق أختي (رسائل والله في غاية الشرف والعفة) وبعد سنتين تقدمت وخطبتها وتمت الموافقة ولله الحمد وبعد سنة تزوجنا وعشنا سعداء وخلال هذه المدة والله لم أرها إلا من بعيد، بحكم أنهم جيراننا وتجمعنا بهم الصدف، ولم أكلمها قط إلا ليلة الزواج، فسمعت أنا ارتكبنا بحبنا لبعضنا إثما فهل هذا صحيح؟ وما هي كفارة هذا الإثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يأجرك في مصابك، وأن يزيد ما بينك وبين أهلك من الألفة والمودة.
ثانيا:
الحب الذي لا يتسبب فيه الإنسان، لا يلام عليه، كأن يرى فتاة فجأة، فيقع حبها في قلبه، ثم لا يكون منه عمل محرم، كتكرار نظر، أو مصافحة، أو خلوة، أو كلام عاطفي بينهما.
وأما الحب الذي ينشأ عن تكرار النظر، أو المخالطة المحرمة، أو المراسلة، فهذا يأثم صاحبه، بقدر ما يرتكب من الحرام في علاقته وحبه.
ثالثا:
لا تجوز المراسلة بين الجنسين؛ لما في ذلك من إثارة الفتة وحصول الشر غالبا، فإن مخاطبة الرجل لامرأة أجنبية عبر رسالة لا يطلع عليها غيرهما، يؤدي إلى مفاسد كثيرة، وقد حرم الشارع خلوة المرأة برجل غير محرم لما يترتب على ذلك من حصول الفتنة والمكروه، من تعلق القلب وانبعاث الرغبة في النظر والمس وما وراء ذلك. وهذا كله يحصل غالبا بمخاطبة الرجل للمرأة عبر هذه الرسائل أو المحادثات الخاصة، لا سيما إذا كانا في سن الشباب والشهوة والرغبة.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب: " لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى، نقلا عن: فتاوى المرأة، جمع محمد المسند، ص 96
والمرأة ممنوعة من الخضوع بالقول مع من لا يحل لها، كما قال سبحانه: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32. والرجل يحرم عليه أن يتلذذ بكلام المرأة الأجنبية أو بصوتها.
ثم إن جعل الأخت وسيطا في نقل الرسائل منكر آخر؛ لما في ذلك من تشجيعها على مثل هذه المراسلات.
وبناء على هذا فالواجب عليكما هو التوبة إلى الله تعالى، والإكثار من العمل الصالح، ولا يلزمكما غير ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/297)
هل المجاهرة بالمعصية من الكفر المخرج من الملة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الكفر اقتراف الذنب جهاراً، وتحدثنا عن فعل المعصية كمشاهدة الأفلام أو استماع الأغاني؟ وهل هذا الحكم ينطبق على صغائر الذنوب وكبائرها؟ .
أرجو أن تهتم بهذا السؤال لأن عدداً من الإخوة والأخوات الحديثي الإسلام يواجهون هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما لا شك فيه أن المجاهرة بالمعاصي والكبائر ذنبٌ فوق الذنب، وقد تؤدي بصاحبها إلى الكفر في حال المجاهرة بها استهانة بتحريمها وافتخاراً بفعلها، ولا فرق بين الصغائر والكبائر في هذا الحكم.
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ".
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله، يقول: إنه سافر إلى البلد الفلاني، وإلى البلد الفلاني، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء، وما أشبه ذلك، يفتخر بهذا.
هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الذي يفتخر بالزنى مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله، ومن استحل الزنى فهو كافر. " شرح رياض الصالحين " (1 / 116) .
ولا شك أن المعاصي درجات والإثم يتفاوت فيها بحسب حال العاصي أثناء المعصية وحاله بعدها، فليس المتخفي بمعصيته المستتر بها كالمجاهر، وليس النادم بعدها كالمفتخر بها.
قال ابن القيم:
وبالجملة فمراتب الفاحشة متفاوتة بحسب مفاسدها، فالمتخذ خدناً من النساء والمتخذة خدناً من الرجال أقل شرّاً من المسافح والمسافحة مع كل أحدٍ، والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... ".
" إغاثة اللهفان " (2 / 147) .
الخدن والخدنة: العشيق والعشيقة.
والأصل: أن يُعقب المسلمُ ذنبه بتوبة واستغفار وندم وعزم على عدم العوْد لها، لا أن يُعقبها بافتخار ومجاهرة وحديث بها.
روى أحمد (8792) والترمذي (3334) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ [كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] ) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2654) .
بقي هناك مسألة ذكرتها في سؤالك وهي حصول المجاهرة من حديثي الإسلام، وهؤلاء لا زالوا يجهلون شرائع الإسلام، فهم يُعذرون إن كانوا يجهلون الأحكام الشرعية، ولكنهم يٌعلّمون.
فاحرص على إرشادهم، وعرض هذا الجواب عليهم.
وفقنا الله لما يحب ويرضى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/298)
الاستئذان للانصراف من العمل بعد إنجاز المطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي وجهة نظركم تجاه هذه الفتنة العظيمة في أفغانستان وما يحدث فيها من تقتيل للأبرياء وظلم للمدنيين هل إذا استأذنت من مديري المباشر لاختصار العمل هل يجوز لي ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للسؤال الأول: فالذي يجب على المسلم اتجاه هذه الأحداث تقديم العون لإخوانه في أفغانستان والدعاء لهم بالنصر والتمكين، وموالاتهم.
بالنسبة للسؤال الثاني: فإن كان مقصدك أنك موظف مطالب بالعمل ساعات محددة، كسبع ساعات في اليوم مثلا وتستطيع أن تنهي عملك المطلوب منك إنجازه في تلك الساعات السبع في خمس ساعات مثلا، ثم تنصرف وأذن لك مديرك المباشر، فالظاهر أنه لا بأس بذلك بالشروط التالية:
1- أن لا يترتب على بقائك استفادة العمل منك، كملاقاة المراجعين مثلا، أو نحو ذلك، وإنما سيكون بقائك إضاعة للوقت فقط.
2- أن لا يترتب على إسراعك إخلال بالعمل الذي تؤديه، وإنما تقوم به كاملا غير منقوص.
3- أن لا يكون نظام الجهة التي تعمل بها يمنع من مثل هذا التصرف. (لأن أكثر الجهات والشركات تشترط الحضور بعدد ساعات العمل واليسير إنجازه فقط)
فإذا توفرت هذه الشروط، فأرجو أن لا يكون بذلك بأس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: سعد الحميد.(7/299)
توبة تارك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت ردحا من عمري لا أصلي وقد تبت إلى الله في هذه السنين المتأخرة وانتظمت في أداء الصلاة، فما الحكم فيما مضى من عمري بلا صلاة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اذكر نعمة الله عليك بأن ردّك إلى الإسلام بعد أن كنت تاركا للصلاة، فواظب على الصلاة في أوقاتها وأكثر من النوافل لتكون عوضا عما فاتك من الفرائض كما جاء في الحديث الصحيح عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ رواه الترمذي رقم 413 وهو في صحيح الجامع 2020
ورواه أبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ أنه أَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَنَسَبَنِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ فَقَالَ يَا فَتَى أَلا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا قَالَ قُلْتُ بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ يُونُسُ وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ. صحيح الجامع 2571
ولمزيد من التفصيل في توبة تارك الصلاة راجع جواب السؤال رقم (2182)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/300)
تاب من ترك الصلاة والصيام فهل يلزمه القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت بعيداً عن الدين ولا أعرف عن الإسلام إلا أني ولدت لأبوين مسلمين، أقمت علاقة مع فتاة لمدة عامين، وبعد ذلك منَّ الله علي وعرفت طريق الالتزام وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من العالمين العاملين بأحكام شرعنا الحنيف.
وأنا الآن تائب من ذنوبي جميعاً بإذن الله تعالى عازماً على عدم الرجوع إليها مطلقاً. الذي أود أن أستفسر عنه منكم هو أنني علمت أن من شروط التوبة الندم والعزم على عدم الرجوع إلى الإثم ورد مظالم الناس إليهم، فماذا أفعل بخصوص صلاتي وصيامي الذي انقضى قبل التزامي؟ وما المفروض أن أقوم به لأصلح ما أفسدته مع هذه الفتاة مع العلم أنها إلى الآن لم تتزوج وباقية على عدم التزامها الديني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن من عليك بالهداية والاستقامة، ونسأله سبحانه أن يزيدك علما وهدى. ونذكرك بشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، فإن الشكر يزيد النعم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/7.
ثانيا:
ما ذكرت من شروط التوبة صحيح، وأما قضاء العبادات المتروكة من صلاة وصيام، ففيه قولان لأهل العلم، فمنهم من يلزم بقضائها، وهو مذهب الجمهور.
ومن العلماء من لا يلزم تارك الصلاة بقضاء ما تركه من الصلاة، بناء على القول بكفره، فتكون التوبة حينئذ إسلاما يهدم ما قبله من الذنوب.
ومن العلماء من لا يرى القضاء على تارك الصلاة عمدا، سواء قيل بكفره أولا، لأن النص إنما جاء في المعذور الذي نام عن الصلاة أو نسيها.
والذي دلت عليه الأدلة الصحيحة هو كفر تارك الصلاة، سواء تركها كسلا أو جحودا، وانظر أدلة ذلك في الجواب رقم (5208) .
وإلزام التائب بقضاء ما فات، فيه تعسير للتوبة، وتنفير منها، لكن ينبغي للتائب أن يكثر من الأعمال الصالحة، لقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض الدراسة وأمضيت هناك خمس سنوات تركت فيها الصلاة والصيام، وقد هداني الله واستقمت والحمد لله، فكيف أقضي تلك الصلاة والصيام؟
فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكرت من التوبة وسلوكك طريق الهدى فليس عليك قضاء ما تركته عمداً من الصلاة والصيام، لأن ترك الصلاة كفر أكبر، وردة عن الإسلام، وإن لم يجحد التارك وجوبها في أصح قولي العلماء، والمرتد إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة والصيام في ردته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها) ، وعليك أن تحافظ مستقبلاً على أداء الصلاة جماعة في وقتها مع المسلمين في المساجد، وأداء صيام رمضان، ويشرع لك الإكثار من الأعمال الصالحة ونوافل العبادة من صلاة وصيام وصلة رحم وصدقات وغير ذلك من أعمال الخير حسب الاستطاعة، لقول الله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) . ونسأل الله لنا ولك الثبات على الحق والتوفيق إلى أقوم طريق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/41) .
وراجع السؤال رقم (610) .
ثالثا:
أما الفتاة، فينبغي أن تقطع كل علاقة بها، حتى لا يجد الشيطان سبيلا لاستدراجك إلى إعادة العلاقة معها، وإن وجدت من النساء الصالحات من يمكنها دعوتها فحسن.
نسأل الله لك مزيدا من التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/301)
تاب من التحرش ببنات أخواته فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب 28 سنة كنت في صغري أتحرش بالبنات وكان ذلك بتحريض من أخي الأكبر دون أن أفهم أي شئ واستمر الأمر عندي حتى أصبحت عادة وبدأت بالتحرش ببنات أخواتي وهن صغيرات حتى كبرن وامتنعن عني ووصلت إلى السنوات الأولى من الجامعة والتزمت وندمت كثيرا حتى أصبحت الوحيد في الأسرة الملتزم وأصلي جماعة وأنصح وأفعل كل ما هو خير لكني عاجز عن نصح بنات أخواتي إن فعلن أي خطأ , وأسال هل لي من توبة؟ علما أن ذلك الأمر قد يكون ظلما وقع على بنات أخواتي وأخواتي والعائلة فكيف أرد تلك المظالم وأنقي نفسي؟ علما أن أمثالي متوعدون بالعقاب الشديد في الدنيا والوعيد الشديد في الآخرة، وأنا في خوف شديد وندم أشد ولا حول ولا قوة إلا بالله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله أن منّ عليك بالالتزام والاستقامة والتوبة، ونسأله سبحانه أن يتجاوز عنك فيما ذكرت من الظلم المتعلق بأخواتك وبناتهن، وعليك بالإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة، مع البعد عن أسباب المعصية.
وباب التوبة مفتوح، مهما عظم الذنب، كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب مهما كانت عظيمة أو كثيرة، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وأما رد المظالم فعليك بالدعاء والاستغفار لمن ظلمت والله تعالي يتوب على من تاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/302)
نزلت به مصيبة فارتد عن الإسلام فهل له من توبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت محافظا على الصلاة كلما تيسر لي ذلك، وكنت من المتفوقين في دراستي مما مكنني من دخول مدرسة الهندسة وكنت من الحامدين لله. وكباقي الشباب كنت طموحا في نيل بيت وزوجة جميلة ومرتب محترم وكنت كثير الدعاء في الليل والنهار. فابتليت في دراستي بفشلي في نيل رتبة تمكنني من المواصلة في دراسة الهندسة فأحسست أنني ظلمت فرحت أقول فلان لا يصلي ويسر له الله ليصبح مهندسا وأنا من أصلي لم أنجح؟ ولم أصبر فقلت في نفسي أقوالا تخرجني من الملة كسب الله والدين وبالضبط سب القدر وانقطعت عن الصلاة مدة قصيرة وأنا كاره أن لا ألبي الأذان فقلبي أصبح معلقا بالصلاة. وبعد أن انزاح الغضب أدركت عظمة ما اقترفت في حق الله وخفت أن أموت والله غاضب عني فبكيت ولم أستطع أن أواصل دراستي لأني دائما مشغول بذنوبي. فرحت أبحث عن فتوى تريحني هل يغفر لي الله ذنبا قال فيه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . فاستفتيت في هذا الأمر ففرحت بقول الله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ... ) فبحثت ووجدت أن هذه الآية نزلت في قوم لم يكونوا مسلمين وسألوا الرسول هل لهم من توبة؟ أما أنا فمسلم وبالتالي فرحتي سرعان ما تحطمت.
ففقدت الأمل بالمغفرة، فلم أبق محافظا على الصلاة كما كنت وعلى النوافل وصيام الاثنين. وأسئلتي هي كالتالي: هل ورغم توبتي لن أبقى مع أمة محمد لما روى البخاري أن الرسول قال يأخذ الله يوم القيامة أناسا عن يميني فأقول أصحابي.. فيقول الله إنهم ليسوا أصحابك إنهم أناس ارتدوا من بعدك؟ وهل صحيح أني وإن أصدق في توبتي ورغم استعدادي لإقامة الحد عن نفسي وإن أفعل ما أفعل لن يغفر الله لي؟ لأنه لا يغفر أن يشرك به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن كان ما ذكرت من السب للدين والقدر، قد تلفظت به، فلا شك أن ما صدر منك أمر عظيم، وهو ردة عن الإسلام، وقد أسأت بذلك إلى الله العظيم الذي أنعم عليك، وخلقك، وهداك، وهو أرحم بك من كل أحد، ولعله صرفك عن الهندسة، لخير عظيم أراد أن يسوقه إليك، أو شر كبير، أراد أن يصرفه عنك، فكان عليك أن تسلّم وترضى.
وإن كان مجرد حديث في النفس، لم تتلفظ به، ولم يستقر في قلبك، فكان عليك أن تبادر برفضه، واستحضار نعمة الله وفضله عليك.
وفي كل حال، تركك للصلاة ذنب آخر، ومصيبة أخرى، ومعلوم أن تارك الصلاة كسلا، مختلف في كفره بين أهل العلم، والراجح أنه كافر، لدلالة النصوص على ذلك.
ثانيا:
مهما عظم ذنبك فإن حلم الله تعالى أعظم.
ومهما كان ذنبك، ثم تبت منه، فإن الله تعالى يتقبل توبتك، ويعفو عنك، وقد وعد بذلك، وهو أصدق القائلين سبحانه وتعالى.
والآية الكريمة التي ذكرتها، وهو قوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء/48، هي في حق من لقي ولم يتب من الشرك، فالله لا يغفر له، وأما من تاب قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها، فإن الله تعالى يتقبل منه، ويبدل سيئاته حسنات، سواء وقع في الكفر والشرك أو في الكبائر أو الصغائر، والمهم أن يتوب توبة صادقة، يندم على ما فات، ويعزم على عدم العود إليه أبدا.
والدليل على ذلك قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70.
وقال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وقال: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
ولا فرق في ذلك بين من كان كافرا في الأصل ثم هداه الله، وبين من كان مسلما ثم ارتد – عياذا بالله – ثم تاب وأناب، فالتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب، والإسلام يهدم ما كان قبله.
وقوله سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، عام في كل من أذنب ثم تاب، سواء كان كافرا من الأصل أو كان مسلماً وارتد، بل تشمل كل أصحاب المعاصي.
قال ابن كثير رحمه الله: " هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبةٍ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه " انتهى من "تفسير كثير" (4/75) .
وأما الذين يزادون عن الحوض، ويقال فيهم: (إنهم أحدثوا بعدك) فهذا في حق من لم يتب، بل لقي الله تعالى محدِثا مرتدا.
فإذا كنت قد تبت إلى الله تعالى، فأبشر، واحمد الله تعالى أن مدّ في عمرك حتى رجعت إلى الإسلام، وأكثر من الصالحات، واجتهد في الطاعات، ليكون حالك بعد التوبة أفضل من حالك قبلها، واحذر من التهاون في الصلاة أو تأخيرها عن أوقاتها، فإن الصلاة شأنها عظيم، وهي صلة بين العبد وربه، وباب إلى السعادة والراحة وانشراح الصدر، نسأل الله أن يتقبل منك، وأن يتجاوز عن ذنبك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/303)
موقفنا من الاستهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[السُّؤَالُ]
ـ[كلنا سمع بما قام به الغربيون من الاستهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسخرية منه، فما هو موقفنا من ذلك؟ وكيف ندافع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد ساءنا وساء كلّ مسلم غيور على دينه ما قام به هؤلاء السفهاء المجرمون من الاستهزاء بنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أفضل من وطئت قدماه الثرى، وهو سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه.
وهذه الوقاحة ليست غريبة عنهم، فهم أحق بها وأهلها.
ثم هذه الجريمة النكراء – مع أنها تمزق قلوبنا، وتملؤها غيظاً وغضباً، ونود أن نفدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنفسنا - إلا أنها مع ذلك مما نستبشر به بهلاك هؤلاء، وقرب زوال دولتهم، قال الله تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) الحجر/95، فالله تعالى يكفي نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المستهزئين المجرمين، وقال تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ – أي: مبغضك - هُوَ الأَبْتَرُ) الكوثر/3، أي: الحقير الذليل المقطوع من كل خير.
وقد كان المسلمون إذا حاصروا أهل حصن واستعصى عليهم، ثم سمعوهم يقعون في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسبونه، يستبشرون بقرب الفتح، ثم ما هو إلا وقت يسير، ويأتي الله تعالى بالفتح من عنده انتقاماً لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
"الصارم المسلول" (ص 116-117) .
وشواهد التاريخ كثيرة على هلاك وفضيحة المستهزئين بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم ماذا ينقم هؤلاء من سيد البشر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
ينقمون منه أنه دعا إلى توحيد الله تعالى، وهم لا يؤمنون لله بالوحدانية.
ينقمون منه أنه عَظَّمَ ربه تبارك وتعالى، ونزهه عما يقوله هؤلاء المفترون، وهم ينسبون إليه الصاحبة والولد.
ينقمون منه أنه دعا إلى معالي الأخلاق، وترك سفاسفها، ودعا إلى الفضيلة، وسد كل باب يؤدي إلى الرذيلة، وهم يريدونها فوضى أخلاقية وجنسية عارمة.
يريدون أن يغرقوا في مستنقع الشهوات والرذيلة، وقد كان لهم ما أرادوا!
ينقمون منه أنه رسول الله!! والله تعالى هو الذي اصطفاه على الناس برسالته ووحيه.
ودلائل نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من أن تحصر.
ألم يسمعوا عن حادثة انشقاق القمر؟ أم لم يسمعوا عن نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم مرات ومرات؟
أم لم يسمعوا عن آيته الكبرى، هذا القرآن الكريم، كلام رب العالمين، الذي حفظه الله تعالى فلم تمتد إليه يد العابثين المحرفين، أما كتبهم المنزلة على أنبيائهم فتلاعبوا بها أيما تلاعب، (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة/79.
بل من أعظم الأدلة على صدق نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بقاء دينه هذه القرون الطويلة ظاهراً منصوراً، وقد كان أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته دائماً إلى ظهور وعلو على أعدائه، وحكمة الله تعالى تأبى أن يُمَكِّن كاذباً عليه وعلى دينه من العلو في الأرض هذه المدة الطويلة، بل في كتبهم التي كتمها علماؤهم وحرفوها أن الكذاب (مدعي النبوة) لا يمكن أن يبقى إلا ثلاثين سنة أو نحوها ثم يضمحل أمره.
كما ذكر عن أحد ملوكهم أنه أتى برجل من أهل دينه (نصراني) كان يسب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرميه بالكذب، فجمع الملك علماء ملته، وسألهم: كم يبقى الكذاب؟ فقالوا: كذا وكذا، ثلاثين سنة، أو نحوها، فقال الملك، وهذا دين محمد له أكثر من خمسمائة سنة، أو ستمائة سنة [يعني: في أيام هذا الملك] ، وهو ظاهر مقبول متبوع، فكيف يكون هذا كذابا؟؟ ثم ضرب عنق ذلك الرجل!!
"شرح العقيدة الأصفهانية" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ألم يعلموا أن كثيراً من عقلائهم وملوكهم وعلمائهم لما وصلت إليهم دعوة الإسلام بيضاء نقية لم يملكوا إلا الإقرار بصحة هذا الدين، وعَظَّموا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثير منهم أعلن الدخول في الإسلام.
فقد أقر ملك الحبشة النجاشي بذلك، ودخل في الإسلام.
ولما أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً إلى هرقل ملك الروم يدعوه فيه إلى الإسلام أقرّ هرقل بصحة نبوته، وهمّ أن يُعلن إسلامه وتمنى أن يذهب إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويكون خادماً عنده، إلا أنه خاف على نفسه من أهل ملته، وبقي على الكفر ومات عليه.
ولم يزل الكثير من معاصريهم يعلن ذلك.
1- يقول مايكل هارت في كتابه "الخالدون مئة" ص13، وقد جعل على رأس المئة نبينا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يقول:
"لقد اخترت محمدا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول هذه القائمة ... لأن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي ".
2- برناردشو الإنكليزي , له مؤلف أسماه (محمد) ، وقد أحرقته السلطات البريطانية، يقول:
" إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، وإنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها ".
3- ويقول آن بيزيت:
" من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء ".
4- شبرك النمساوي:
" إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته ".
5- الدكتور زويمر (مستشرق كندي) :
" إن محمداً كان مصلحاً قديراً، وبليغاً فصيحاً، وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء ".
6- الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل يقول في كتابه " الأبطال ":
" لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوِّر.
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق العزم، كريماً بَرًّا، رؤوفاً، تقياً، فاضلاً، حراً، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب.
كان عادلاً، صادق النية، ذكي اللب، شهم الفؤاد، ذكياًّ، سريع الخاطر، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم، ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك".
7- ويقول جوته الأديب الألماني: " "إننا أهل أوروبه بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد، وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد".
فإن كان ذلك كذلك فإن من واجب العالم كله – ولا محيص لهم عن ذلك – أن يجعل عظمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخلق جميعًا فوق كل عظمة، وفضله فوق كل فضل، وتقديره أكبر من كل تقدير، ويجب على العالم أجمع أن يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم أنبياء الله الكرام.
ونحن نغتنم هذه الفرصة وندعو هؤلاء إلى الإسلام، فإن ما اقترفته أيديهم الآثمة لا يمحوه إلا الإسلام، فإن عاندوا وكابروا وأصروا على ما هم عليه فليبشروا بعذاب النار خالدين فيها أبداً، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) المائدة/72، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم (153) .
ثانياً:
والله تعالى حكيم لا يقّدر شيئاً وهو شر محض، بل لا بد أن يكون فيه الخير لعباده المؤمنين، مهما ظهر للناس أنه شر، وصدق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
وفي حادثة الإفك – وهي معروفة – قال الله تعالى: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/11.
وهذه جملة من المصالح المترتبة على هذه الجريمة الآثمة:
1. ظهور ما تنطوي عليه قلوب هؤلاء المجرمين من الحقد والكره للمسلمين، حتى وإن تظاهروا في كثير من الأحيان أنهم مسالمون، (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) آل عمران/118.
2. انكشاف تزوير الغرب في معاييره، فهنا يحتجون بحرية الرأي، وكل عاقل يعلم أن حرية الرأي المزعومة تقف عند المساس بحرمة الآخرين والاعتداء عليهم، وهم كاذبون في دعواهم حرية الرأي، فكلنا يذكر ما حدث من سنوات قريبة لما أقدمت إحدى الحكومات على تكسير وثان وأصنام عندها، أقاموا الدنيا وما أقعدوها!! فأين كانت حرية الرأي المزعومة؟! فلماذا لم يعتبروا هذا أيضاً من حرية الرأي؟!
3. بيان بطلان ما يدعو إليه بعض المتغربين من أبناء جلدتنا: (لا تقولوا على غير المسلمين كفار، بل قولوا " الآخر " حتى لا تشعلوا نار الفتنة بيننا وبينهم) .
ألا فليعلم الجميع من هو الذي يكره الآخر، ولا يراعي حرمته ويعلن الحرب عليه كلما سنحت له الفرصة.
4. كذب دعاويهم التي ملأوا بها الدنيا من (حوار الحضارات) القائم على احترام الآخر، وعدم الاعتداء عليه!! فأي حوار يريدون؟ وأي احترام يزعمون؟ إنهم يريدون أن نحترمهم ونوقرهم ونعظمهم، بل ونركع لهم ونسجد، أما هم فلا يزدادون منا إلا استهزاءاً وسخرية وظلماً!!!
5. إحياء جذوة الإيمان في قلوب المسلمين، فقد رأينا ردة فعل المسلمين دالة على رسوخ الإيمان في قلوبهم، ومدى حبهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى من عنده تفريط في بعض واجبات الدين، ثار دفاعاً عن رسولنا الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6. توحيد صفوف المسلمين، فرأينا – ولله الحمد – تكاتف المسلمين وتبنّيهم لنفس المواقف، وإن اختلفت البلدان، واللغات.
7. ظهور اتحاد الغرب على الإسلام، فما أن استنجدت تلك الدولة باتحادهم حتى وقفوا جميعاً بجانبها، وتواصى المجرمون على نشر هذه الصور في صحافتهم، حتى يعلموا المسلمين أنهم جميعاً في خندق واحد، وأننا لا نستطيع مواجهتهم جميعاً.
8. حرص بعض المسلمين على دعوة هؤلاء إلى الإسلام، وبيان الصورة المشرقة الحقيقية لهذا الدين، فقد رأينا تسابق المسلمين إلى طباعة الكتب بلغة هؤلاء حتى نزيل الغشاوة من على أعينهم، لعلهم يبصرون.
9. ظهور جدوى تلك المقاطعة التي قام بها المسلمون لمنتجات المعتدين على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم تتحرك دولتهم لمطالب رسمية أو سياسية، ولو كانت على أعلى المستويات، ولكن لم تمض على المقاطعة إلا أيام قليلة حتى هبت الصحيفة الآثمة ورئيس تحريرها للاعتذار، وتغير أسلوب كلامهم، فلان شيئاً ما مع المسلمين.
وبهذا يظهر سلاح جديد للمسلمين يمكن أن يستخدموه للتأثير على أعدائهم، وإلحاق الضرر بهم.
10. إرسال رسالة واضحة للغرب، أننا – نحن المسلمين – لا نرضى أبداً أن يمس ديننا أو ينال منه، أو يعتدى على رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكلّنا فداء له بأبي هو وأمي.
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء
ثالثاً:
وأما دورنا في هذا.
1. فالواجب علينا الإنكار بشدة، كلٌّ حسب ما يستطيع، بإرسال رسالة أو مقالة، أو اتصال هاتفي، بحكومتهم وخارجيتهم وصحافتهم.
2. مطالبة هؤلاء بالاعتذار الجاد الواضح، لا الخداع وتبرير الجريمة الذي يسمونه اعتذاراً، فلا نريد اعتذاراً لإهانة المسلمين، وإنما نريد إقراراً بالخطأ واعتذاراً عن ذلك الخطأ.
3. مطالبتهم بمعاقبة المجرمين على جرمهم.
4. ومطالبتهم أيضاً بأن تكف حكوماتهم عن العداء للإسلام والمسلمين.
5. ترجمة الكتب التي تدعو إلى الإسلام بلغة هؤلاء، والكتب الذي تعرّف بالإسلام ونبيّ الإسلام، وبيان سيرته الحسنة العطرة.
6. استئجار ساعات لبرامج في المحطات الإذاعية والتلفزيونية تدافع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتذب عن جنابه، ويستضاف فيها ذوو القدرة والرسوخ، والدراية بمخاطبة العقلية الغربية بإقناع، وهم بحمد الله كثر.
7. كتابة المقالات القوية الرصينة لتنشر في المجلات والصحف ومواقع الإنترنت باللغات المتنوعة.
8. وأما مقاطعة منتجاتهم، فإذا كانت المقاطعة لها تأثير عليهم – وهذا هو الواقع – فلماذا لا نقاطعهم ونبحث عن شركات بديلة يمتلكها مسلمون؟
9. التصدي لهذه الحملة الشرسة التي تنال من الإسلام ونبيّه، ببيان حسن الإسلام وموافقته للعقول الصريحة، والرد على شبهات المجرمين.
10. التمسك بالسنة والتزام هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل شيء والصبر على ذلك (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) آل عمران/120.
11. الحرص على دعوة هؤلاء، فإننا وإن كنا ننظر إليهم بعين الغضب والسخط والغيظ، إلا أننا أيضاً ننظر إليهم بعين الشفقة عليهم، فهم عما قريب سيموتون ويكونون من أهل النار إن ماتوا على ذلك فندعوهم إلى الإسلام والنجاة رحمة بهم وشفقة عليهم.
ونسأل الله تعالى أن يعلي دينه، وينصر أولياءه، ويذل أعداءه، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/304)
أخذ مالا من فيلا صادرتها الدولة فكيف يرد المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت إلي إحدى الأخوات أن أنقل إليكم رسالتها هذه لمعرفة رأي الشرع فيها وهي كالتالي: تقول إن زوجها كان رب العمل في فيلا مصادرة من مسئول سابق، وهي تتبع الدولة حاليا، حيث إنه قام بأخذ بعض الأواني التي كانت موجودة بقبو داخل هذه الفيلا، وزوجها الآن متوفى، فما العمل: هل تقوم بتكسير الأطباق أو تتصدق بثمنها وكيف تقدر ثمنها، أفيدونا رحمكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لقد أخطأ الزوج المسئول عنه في أخذ هذه الأواني، سواء كانت مملوكة لشخص أو للدولة، فإن مال الدولة ملك لعامة المسلمين، والاعتداء عليه اعتداء على المال العام، وهو أمر خطير، وذنب كبير، وكان الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد ما أخذ، ونسأل الله أن يغفر له، ويتجاوز عنه. وقد روى أحمد (20098) عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وقال الأرنؤوط: حسن لغيره.
ثانيا:
يلزم الزوجة أن ترد الأواني إلى محلها، ولو سبب ذلك حرجا لها، لما في هذا من التخفيف عن زوجها، وخلاصها هي من إثم الاحتفاظ بالمال الحرام، ولا يجوز لها تكسير الأواني بحال من الأحوال، فإن لم يمكن إرجاعها، أو غلب على الظن حدوث مفسدة أكبر بإرجاعها، فإنها تجعلها في منفعة عامة للمسلمين، أو تبيعها وتجعل ثمنها في تلك المنافع، أو تتصدق به.
وإذا عُلم أن مصادرة الفيلا وما فيها كان بغير حق، فإن الأواني ترد إلى صاحبها (المسئول السابق) ، إن أمكن، فإن لم يمكن الوصول إليه ولا إلى ورثته، فيُتصدق بها أو بثمنها عنه.
قال في "المجموع" (9/428) : " قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه: فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالكٍ لا يعرفه، ويئس من معرفته، فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة , ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء , وينبغي أن يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفا، فإن لم يكن عفيفا لم يجز التسليم إليه , ... وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير , بل يكون حلالا طيبا , وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا , لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم , بل هم أولى من يتصدق عليه , وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير. وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه , ونقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف: عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الغزالي: إذا وقع في يده مال حرام من يد السلطان: قال قوم: يرده إلى السلطان , فهو أعلم بما يملك , ولا يتصدق به , واختار الحارث المحاسبي هذا. وقال آخرون: يتصدق به إذا علم أن السلطان لا يرده إلى المالك؛ لأن رده إلى السلطان تكثير للظلم , قال الغزالي: والمختار أنه إن علم أنه لا يرده على مالكه فيتصدق به عن مالكه.
(قلت) [القائل: الإمام النووي] : المختار أنه إن علم أن السلطان يصرفه في مصرف باطل، أو ظن ذلك ظنا ظاهرا لزمه هو أن يصرفه في مصالح المسلمين، مثل القناطر وغيرها فإن عجز عن ذلك أو شق عليه لخوف أو غيره , تصدق به على الأحوج , فالأحوج , وأهم المحتاجين ضعاف أجناد المسلمين، وإن لم يظن صرف السلطان إياه في باطل، فليعطه إليه أو إلى نائبه، إن أمكنه ذلك من غير ضرر , لأن السلطان أعرف بالمصالح العامة وأقدر عليها , فإن خاف من الصرف إليه ضررا صرفه هو في المصارف التي ذكرناها، فيما إذا ظن أنه يصرفه في باطل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو أن إنسانا سرق مالا ثم مات فإنه لا يحل للوارث، ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه " انتهى من: "لقاءات الباب المفتوح" (1/304) .
وقال أيضا: " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه، وتقول: إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول: أنا سرقت منك كذا وكذا، وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4.
فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو: فهذا أيضاً أسهل من الأول؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه، وحينئذٍ تبرأ منه " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4 / 162) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/305)
ترك الصلاة سبب كل ضيق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!!
وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!!
والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟
أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة.
والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك.
والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا.
والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!!
إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟!
ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته.
فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا.
قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185
وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28
والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ)
رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) .
وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله:
(مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول:
(جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
" طريق الهجرتين " (ص 327) .
ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز.
ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة،
ولو تخللها في البداية بعض النقص.
قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه.
" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي.
وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة.
ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد.
احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) .
وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى.
صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك.
وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
" الجواب الكافي " (ص 36) .
ثانيا:
أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) :
الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة.
انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -:
إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) .
ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) .
أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/306)
وقعت في الحرام ثم تقدم لها رجل صالح لكنها تحس بالذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[أقمت علاقة غير شرعية مع رجل متزوج وعدني بالزواج لكن كل ما أطلب منه تعجيل الأمر يعتذر بحجج مختلفة ويبتعد عني لمدة ثم يعود ليقضي حاجته. لكن تبت إلى الله وأتضرع إلى الله سبحانه أن يتقبل توبتي لكن لن أسامحه لأنني شابة مسلمة وأخاف الله لكنه أوقعني في الحرام، والآن يتقدم إلى خطبتي رجل تقي عفيف، لكن أحس بالذنب فهل أقبل أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إنا لله وإنا إليه راجعون. هذا هو نتيجة الاختلاط والتساهل في إقامة العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء، وكم جَرَّ هذا التساهل علينا من مصائب وأحزان وآلام، يكتوي بنارها مَنْ ابتليت في عرضها، وفقدت شرفها، ثم تركها الذئب على قارعة الطريق، فلم تعد صالحة له، وهيهات أن يثق فيها وقد قبلت الخيانة، وهو غير مستعد للزواج أصلا، وإنما الهدف هو المتعة الرخيصة، وقضاء الوقت مع المغفلة المسكينة.
ويكتوي بنارها أهلها إذا افتضح أمرها، ويكتوي بنارها كل مؤمن في قلبه حياة، يسمع مثل هذه المآسي والآلام، ويكتوي بنارها المجتمع كله إذا انتشرت الفاحشة وعمَّت الرذيلة.
ثانياً:
نحمد الله أنك قد تبت من هذه الأفعال الشنيعة، ونسأله سبحانه أن يتقبل منك، وأن يعفو عنك، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء. لكن ما حدث معك عبرة لغيرك، وكم نادى العلماء والدعاة والمصلحون بضرورة الحذر من فتنة الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وأهمية الوقوف عند حدود الله تعالى في الكلام والاستماع والنظر والمصافحة والخلوة، حتى تحفظ الأعراض، وتصان الفروج، في حين ظل دعاة الرذيلة يهونون من هذا الأمر، ويرخصون فيه، ويدعون إليه، ويسمونه تحررا وتمدنا ورقيا، والأمر كما قال الله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) النساء/27.
والمهم أن تستمري في التوبة والندم، وأن تكثري من التضرع واللجوء إلى الله، لعل الله أن يتجاوز عنك، ويسترك في الدنيا والآخرة.
ولا حرج عليك في قبول الزواج من هذا الرجل التقي الذي تقدم لخطبتك، ما دمت قد تبت إلى الله تعالى مما اقترفت، ولا يلزمك إخباره بشيء مما مضى، بل لا يجوز لك إخباره، واستتري بستر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663) .
وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا، أن الله سيستره في الآخرة، والمهم ألا يتمادى، وأن لا يغتر بعفو الله وحلمه، فإن الله لو شاء أن يفضحه لفضحه، وهو سبحانه يمهل ولا يهمل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/307)
يقع في المعاصي ويخاف نسيان العلم والقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوقوع في المعاصي لابد أن ينتج عنه نسيان العلم والقرآن، فأنا أقع في المعاصي وليس عن إصرار مني بل أشعر بندم شديد بعد الوقوع في المعصية وأخاف خوفا شديدا من أن يؤدي وقوعي في المعاصي من نسيان ما حصلته من العلم، وهذه المعاصي بصراحة شديدة أهمها النظر المحرم وما يتبعه من استمناء، ولكن والله لا أفعل ذلك إلا إذا كنت في حالة ضيق وحزن فأجد نفسي أفعل ذلك من خلال مشاهدة الصور أو الفيديو التي يملأ إخوتي بها الجهاز، ومشكلتي أنه منّ الله علي بقوة البنية ولدى رغبة شديدة في الزواج طغت على فكري، ولكن ليس عندي مال وأنا أصوم كل اثنين وخميس والثلاثة أيام القمرية، أرجو منكم أن تردوا علي ولا تتركوني هكذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المعاصي لها شؤم وأثر سيء على صاحبها، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله جملة من آثارها، ونحن نورد لك بعضها:
1- " حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور. ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تُطفئه بظلمة المعصية.
2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه) رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس. قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا.
5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق) .
6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.
7- أن المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها.
8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته الخير، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.
9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.
ثانياً:
كونك تشعر بالضيق من حالك، وتبحث عن المخرج، هو إن شاء الله علامة الصدق، وبداية التوبة بإذن الله.
إذ كل إنسان منا يحتاج أن يقف مع نفسه وقفات، ويصدق العزم حتى يبدأ جهاد نفسه الأمارة بالسوء، ويسلح نفسه بالأسلحة.
وسنعطيك بعض الإرشادات التي نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياك بها:
1- ادع الله عز وجل , وتضرع إليه، واعلم أن الله لا يخيب من دعاه، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر /60، وألِحّ على الله بالدعاء وتحرّ مواطن الإجابة كالسجود وفي آخر ساعة من نهار يوم الجمعة وفي ثلث الليل الأخير حين نزول ربنا تعالى إلى السماء الدنيا فينادي هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ولا تستبطئ الإجابة فالله قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
2- ينبغي على الإنسان أن يزداد من العبادات، كما قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) هود / 114، واعتن بالصلاة فهي كما قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت / 45.
3- ينبغي للإنسان أن يحرص على زيادة معرفته بالله سبحانه وتعالى، وذلك بأن يعرفه من خلال أسمائه وصفاته، ومن خلال التفكر في ملكوت السماوات والأرض، فعند ذلك يشعر الإنسان بالحياء من الله سبحانه وتعالى، وكما قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
4- أن تعلم أن الطريق إلى الجنة شاق ويحتاج إلى مجاهدة وصبر، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت / 69.
5- تدبر في فوائد غض البصر، واجعلها حاديك في الطريق، تسلو بها عن وساوس النفس ونزغات الشيطان، وهذه بعض الفوائد نسوقها إليك لعل الله أن ينفعنا وإياك بها:
• أن غض البصر امتثال لأمر الله، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) النور / 30، وامتثال أمر الله هو غاية سعادة العبد في الدنيا والآخرة.
• أنه طهارة القلب وزكاة النفس والعمل.
• أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم؛ فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس.
• تعويض من غض بصره بحلاوة الإيمان في القلب.
• حصول الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الحق والباطل.
• أنه يخلص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق بصره دامت حسرته.
• أنه يورث القلب سرورا وفرحا ونورا وإشراقا أعظم من اللذة الحاصلة بالنظر.
• أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير هواه وشهواته.
6- اشغل نفسك بشيء من العمل النافع المفيد، وحضور الدروس، واستماع المحاضرات، فلا أضر على الإنسان من الفراغ والوحدة.
7- ابحث عن رفقة صالحة تعينك على طاعة الله، فإن الشيطان من الفرد قريب، ومن الاثنين أبعد، ولا يأكل الذئب من الغنم إلا القاصية.
7- تجنب الأسباب التي تثير فيك الشهوة، كمشاهدة الصور المحرمة، فإن هذا مع كونه محرم في ذاته، فهو يجرك إلى محرم آخر.
8- الاستمناء عمل محرم، وغير لائق بالنفس الكريمة السوية، وقد دل على حرمته أدلة تجدها في الجواب رقم (329)
فبادر أيها الأخ الكريم بالتوبة إلى الله تعالى، واحذر مقته وغضبه، واعلم أن العلم والاستقامة فضل منه، ولربما غضب على العاصي فسلبه ذلك، كما قال سبحانه: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) الأعراف/175. واستحضر عظمة الله تعالى، وتذكر اطلاعه عليك، فإنه لا تخفى عليه خافية من أمرك.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى طغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وتخيل نفسك وقد جلست مع الصالحين من إخوانك، فامتنعت عن المعصية حياء منهم، فلا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه فقال: (أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2541) .
نسأل الله تعالى أن يصرف عنك السوء وأن يوفقك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/308)
دخلت في الإسلام ثم انحرفت عن طريق الهداية وتريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخت لكم، وقد أسلمت منذ 11 عاما، وكنت قبل ذلك أشعر بالفضول تجاه الإسلام، وذلك لمتابعتي لمالكولم إكس. كنت دائما أرى المسلمات وأكن لهن الاحترام الشديد لأني كنت أرى فيهن الوقار والجمال إلى درجة كبيرة بسبب طريقتهن في اللبس. وعندما غادرت البيت وأنا في السابعة عشرة من العمر انتقلت إلى مدينة أخرى يقطنها عدد كبير من المسلمين. وقد تعرضت مرة أخرى للإسلام وأهدي إلي القرآن. كنت في غاية السعادة وكنت أشعر دائما في قلبي أن هناك شيء خاص جدا حول هذا الطريق، مع أني كنت جاهلة فيما يتعلق بتعاليمه. على أية حال، فقد حصل ذلك في وقت كنت أعاني فيه من ضعف شديد وكنت حينها في حاجة للتوجيه والمساعدة. ولم يكن حولي أحد ولا أهل ولا شيء آخر بل كنت محاطة بكل الأمور السيئة من بغاء ومخدرات وقمار وقتل وسرقة إلخ. كما أن جميع عماتي وأعمامي (أو ربما خالاتي وخالاتي) كانوا مدمني مخدرات، وسرعان ما سار أبناؤهم على نفس خطاهم. وبفضل الله فلم أسمح مطلقا لنفسي بالانخراط في جميع الأشياء الفاسدة التي كانت تحدث من حولي. ثم بدأت مع أختي نقرأ القرآن في المساء ما لامس قلبي على الفور بطريقة غير مسبوقة. كنا نبكي عند قراءتنا للنصوص حول جهنم، لأننا كنا نؤمن بالنار ولم نكن نرغب في دخولها. ونحن نعلم دون أي شك أن هذا الكتاب كان حقا. لقد شعرت أنه مشابه للكتاب المقدس في كثير من الجوانب لكنه كان الخطوة التالية. وبعد مرور أسبوعين ذهبنا للمسجد وأعلنا الشهادة. مرت الأعوام ومررت بمراحل لا يمكن تصديقها. وها أنا الآن قد تزوجت ثلاث مرات من مسلمين كل واحد منهم عاملني بطريقة سيئة جدا وتركت في النهاية. أما أحدهم فقد طلب الطلاق وأنا حامل. وعندما أخبرني أنه لا يحبني أخذت أنزف بغزارة حتى سقط الجنين. أما الآخران فكانا يعانيان من اعتلالات عقلية لم أكن أعلم قبل أن أتزوج بأي منهما. والآن، وبعد أن أصبح كل ذلك قيد الماضي، إلا أني تحطمت تماما. كنت في الماضي قوية جدا وقادرة على التكيف مع المستجدات إلا أني الآن أشعر وكأني أطفو على سحب من الضياع. كيف فقدت ربي وهو قريب جدا؟ كيف يمكن للواحد أن يستعيد ذلك؟ لماذا تركت الله وأنا أعلم أنه يقول إنه سيبتلي من يحب؟ أنا أشعر بضعف شديد وبالتحطيم، وأنه لا قيمة لي أو جمال. والآن وبعد كل هذا الوقت فقد تحطمت وأخذت أقع في أمور كنت قد قلت إني لن أعود لها البتة. أنا أشرب (الخمر) يوميا في البيت بمفردي وأشرب السجائر. أنا لا أريد فعلا أن أعيش كما لا أريد أن أموت لأني أعلم أني لست على طريق صحيحة. وكل ما أتمناه هو لو أني كنت قد حُميت من كل هذه الفتن وبقيت مع الله بجواره. أرجو أن تساعدني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيتها الأخت الكريمة، كان الله لك، وجبر مصابك، وأقال عثرتك، وغفر ذنبك!!
وبعد؛ فما زالت روحك فيك، وما زال فيك قلب ينبض، وعقل يفكر، ومن هنا نبدأ!!
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (3537) ، وحسنه الألباني.
فلست ـ إذًا ـ ضعيفة بدرجة كافية، ولا أنت حطام متراكم، كأهل القبور، بل ما زالت فيك القوة التي تدفعك إلى العودة من جديد؛ بل أنت ـ إن شاء الله ـ أقوى مما تظنين!!
ليس القوي ـ أيتها الأخت الكريمة ـ هو الذي لا يسقط بالمرة؛ بل القوي هو الذي يحسن النهوض، إذا سقط!!
ألم تكوني على دين آبائك وأجدادك من الشرك بالله، والكفر بنبيه صلى الله عليه وسلم، فقواك الله حتى تركت كل ذلك لله، وانتقلت إلى دين جديد، لم تألفيه، ومشيت في سبيل لم تسلكيه؟!! وذلك أشق على النفس ـ ألف مرة ـ من الخروج مما أنت فيه!!
ألم تكن كؤوس الخمر ممتلئة حولك، وسبيل الغواية ممدودة أمامك، ولا رقيب ـ هنالك ـ يعصمك الحياء منه، فقواك الله، وعصمك من أوحال الفاحشة، ونجس الخمور، فكيف تستسلمين ـ الآن ـ لما أنت فيه؟!!
أنت قوية على النهوض، فلا تعيني عدوك على نفسك؛ إذا لطمتك يد آثمة، فلا تلطمي ـ أنت أيضا ـ خدك الآخر: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى، الْجَاهِلِيَّةِ) رواه البخاري (1294) .
وشتان بين من سقط في حفرة، فاستسلم لسقوطه، وراح يندب حظه، ويلوم القدر، ويسيء الظن بربه، وبين من سقط فعلم أنه يستحق ذلك السقوط بذنبه، وبسوء فعله، واختياره لنفسه: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فنهض من عثرته، واستعان بربه على الخلاص من ذنبه أولا، وعلى تفريج كربته ثانيا، كما تَعَلَّم أن يقول كل يوم: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، فهذا هو المؤمن القوي الذي يحبه الله. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ؛ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ، كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ ُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) رواه مسلم (2664) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن الإنسان ليس مأمورا أن ينظر إلى القدر عند ما يؤمر به من الأفعال، ولكن عندما يجرى عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها؛ فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم، اصبر عليه، وارض وسلم؛ قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) التغابن/من الآية11، قال بعض السلف إما ابن مسعود، وإما علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم " مجموع الفتاوى (7/278) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان..، ومنها:
أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ... ، ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين، فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به.
ثم قال: (ولا تعجز) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله، فالحريص على ما ينفعه، المستعين بالله، ضد العاجز؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان؛ فيلقيه العجز إلى لو، ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي: النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد؛ ... فلهذا قال: (فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبة، وحالة فواته، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا "
شفاء العليل (37-38) .
فإذا فهمت ذلك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ لم يبق هناك وجه للاقتراح على القدر، الذي هو اقتراح على الله في واقع الأمر، لو كان أعفاك من هذه المحنة التي مرت بك، حتى ضعفت قواك، ومادت بك الأرض من تحتك، وتاه منك السبيل، بعدما وجدتيه!!
ألم تعلمي أن الابتلاء والاختبار هو قدر ملازم لوجود الإنسان في هذه الحياة: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) الانسان/2.
إن الناس معادن يا أمة الله؛ فمنهم الذهب الخالص، ومنهم المشوب، ومنهم دون ذلك، والابتلاء نار، تدل على صدق الذهب الأصيل، وتفصح الزيف الدخيل:
قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت /1-3
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى عن تمام حكمته، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال: «إنه مؤمن» وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة، يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه. فإنه لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل.
ولكن سنته تعالى وعادته في الأولين، في هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل، ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها، إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة.
فمن كان عند ورود الشبهات، يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه، شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات، تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه (أي تصده) عن الواجبات، دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. والناس في هذا المقام: درجات، لا يحصيها إلا الله، فمستقل ومستكثر. فنسأل الله تعالى، أن يثبتنا بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس، بمنزلة الكير، يخرج خبثها، وطيبها "
يا أمة الله؛ أنت لا تريدين هذه الحياة، ولا أنت تريدين الموت!!
فنقول: ولا نحن ـ أيضا ـ نحب لك هذه الحياة على المعصية، ولا نرجو لك الموت على تلك الحال، بل إن ربنا، رب العالمين لا يحب لك هذه الحياة، ولا يرضاها، ولا يحب لك ـ أيضا ـ أن تموتي على تلك الحال؟!!
والقضية ليست لغزا محيرا، كما تظنين؛ ولا الحل في أن تستسلمي للضياع، كما هو حالك الآن، فالله تعالى لا يحب لك أن تقابليه، بعد الموت، إلا وأنت على الإسلام:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران/102.
واله تعالى لا يحب لك ـ أيضا ـ أن تعيشي إلا على الإسلام الذي ارتضاه لعباده:
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/162-163
فكيف الحال إذاً، وأين الطريق؟!!
أن تعودي إليه ـ سبحانه ـ يا أمة الله، وسوف يحبك حين تعودين: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة/من الآية 222.
وسوف يفرح بك إذا عدت إليه، مهما ضللت الطريق:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ) رواه مسلم (2675) .
وكيف بالذنوب والخطايا، والخمر والإثم؟!!
قال ربنا الرحمن الرحيم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 فما زال أمامك الطريق لكي تعود صحيفتك بيضاء نقية، يا أمة الرحمن؛ ولسنا نريدها بيضاء، لا حسنة فيها ولا سيئة، لنبدأ من الصفر، في أول الطريق، لا، بل نريدها بيضاء، لا إثم فيها ولا معصية، ثم هي ـ برحمة أرحم الراحمين ـ مليئة بالحسنات، مكان كل سيئة اقترفتيها، وكل خطيئة وقعت فيها!!
ألم تسمعي إلى كلام الله، يقص علينا صفات عباد الرحمن، فذكر جملة من صفاتهم الجميلة المحبوبة إليه سبحانه، وذكر من صفاتهم:
( ... وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) سورة الفرقان /68-71
أرأيت كيف أن الله تعالى لم يكتف بأن غفر لهم تلك الخطيئات الكبيرات، بل حولها بمنه وكرمه إلى حسنات؟!!
عن أبي طويل شطب الممدود: (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، فلم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجَة ولا داجَة [يعني: صغيرة ولا كبيرة] ، إلا أتاها فهل له من توبة؟!
قال: فهل أسلمت؟
قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله.
قال: تعم تفعل الخيرات، وتترك السيئات؛ فيجعلهن الله لك خيرات كلهن!!
قال: وغدراتي وفجراتي؟
قال: نعم
فقال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى!!)
رواه الطبراني في الكبير (7/314) وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
فهيا يا أمة الله؛ هيا لتغيري حالك، فافعلي الخيرات، واتركي السيئات، ليتحول الجميع في صحيفتك إلى حسنات، وحينئذ تعلمين أنك لم تفقدي القرب من ربك، وأنه ما زالت أمامك الفرصة إلى جواره في دار السلام.
قال ابن القيم رحمه الله:
" هلم إلى الدخول على الله، ومجاورته في دار السلام، بلا نصب ولا تعب ولا عناء، بل من أقرب الطرق وأسهلها؛ وذلك أنك في وقت بين وقتين، وهو في الحقيقة عمرك: وهو وقتك الحاضر، بين ما مضى، وما يستقبل؛ فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عملٍ شاق، إنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة، ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمه، تريح بدنك وقلبك وسرك ...
ولكن الشأن في عمرك، وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته، مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكرت، نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم!!
وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها، وأنفع لها، وأعظم تحصيلا لسعادتها، وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت!! " الفوائد (117) .
فاستعيني بالله يا أمة الله على ما أنت فيه، واطوي صفحة الماضي بما فيها، وهيا إلى إصلاح ما بقي من عمرك، واجتهدي في أن تكوني في رفقة صالحة تعينك على ما أنت فيه، وإن استطعت أن تنتقلي إلى مكان آخر، قريب من أهل الخير والصلاح، فافعلي فهو خير لك، واحفظي الله يحفظك، واصدقيه يبدلك خيرا مما فات منك.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لأنفال/70 نحن إن شاء الله على ثقة من أنك سوف تفعلين، وفي انتظار رسالة أخرى تبشريننا فيها بالسير الجديد، نحو النور، كما أحزنتنا عثرتك في الطريق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/309)
سرق أموالا من أبيه ومن غيره ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ببساطة شديدة أنا شاب من الله تبارك وتعالى عليَّ بالالتزام قبل فترة وجيزة فقط بعد فترة حافلة بالمعاصي على عمري القصير نسبياً (20 عاماً) وقد قمت ولله الحمد بالتوبة إلى الله تبارك وتعالى من كل ذنوبي التي مارستها وحمدته وشكرت فضله علي أن هداني للالتزام ومن علي به وقد بدأت بالتعرف أكثر على ديني وقد صدمت لما قرأت وسمعت عن التوبة من السرقة -وكنت قد بليت بها - وعلمت أن توبة السارق لا تقبل إلا لو رد إلى العباد حقوقهم وأخبرهم بما ارتكب في حقهم وقبلوا منه ما قال وسامحوه وكذا كل من أكل من مال الناس بالباطل لا تقبل توبته إلا لو رد المال الحرام وهنا تأتى المصيبة التي تواجهني والتي سأحاول تفصيلها في نقاط كي تكون واضحة ويسهل الإجابة عليها في هيئة نقاط: - أول شيء أنا قمت بالسرقة من والدي وأكثر من مرة وبآلاف الريالات وهو ما سبب في بعض الأوقات مشاكل في البيت وخلافا ولو أخبرته أني كنت السارق لربما أحدث هذا بعض المشاكل (وأقول ربما فقد يحدث وقد لا يحدث والله تعالى أعلم) فماذا أفعل هل يجب عليَّ أن أخبره وأتحمل تبعة المشاكل التي ربما أكون في غنى عنها والتي قد أتمكن من تحملها في المستقبل وليس الآن أم أن الإخبار واجب في الحال لأني وكما قلت ربما -والله أعلم- أستطيع تحمل هذه المشاكل في المستقبل ولكني أراها الآن من الصعوبة بمكان أن أتحملها وأن يسامحني والدي أيضاً – ثاني شيء وهو أساس المشكلة أني الآن لا أستطيع تسديد أي مبلغ مما سرقت ولا حتى ريالات محدودة لا آلاف الريالات - فبالطبع كل ما قمت بسرقته قد تم صرفه من وقت قديم- أنا مازلت طالبا ومازلت أتقاضى مصروفي من والدي وأبذل قصارى جهدي في الدعاء وفى بذل الأسباب الدنيوية لفتح أي باب -حلال بالطبع- للرزق أستطيع من خلاله أن أبدأ بسداد ما علي من أموال قمت بسرقتها في الماضي وأرجو الله أن يوفقني في ذلك وإن استطعت فإني لن أستطيع بطبيعة الحال تسديد المال دفعة واحدة ولكنى أعتقد أني سأبدأ بذلك -متى توفر لي عمل ومصدر دخل- على مراحل كلما تجمع لدي مال سددته لوالدي.. وكما ذكرت سلفاً فإني ربما لن أستطيع أن أخبر والدي -ولو أخبرتموني أنه يجب علي إخباره فسأخبره ولن أبالي بالعواقب- بأني سارق أمواله فسوف أقدم له الأموال على دفعات كما ذكرت على أنها من باب الهدية أو المساعدة أو أي طريقة أخرى وبالطبع في نيتي سداد ديوني فهل يجوز هذا أم يجب أن يعلم أن ما يتقاضاه من أموال هي أمواله التي كنت قد سرقتها منه – ثالث شيء بالنسبة للمبالغ لا أستطيع بالضبط تحديد حجم المبالغ التي قمت بسرقتها ولا أستطيع الاقتراب من الرقم لأنه تعدى الآلاف حيث لم يقتصر الأمر على مرة أو اثنتين بل تواصل على مدى سنين وفى كل مرة كان حجم المال المسروق يختلف عن السابقة وقد حاولت أكثر من مرة حساب الكم ولو تقريبياً ولكن أشعر أحياناً بأن المبلغ أكثر بكثير مما سرقت وأحياناً بأنه أقل.. فكيف أقوم بالحساب؟ لأني أخاف إن قربت مهما قربت أن يبقى علي ولو ريال واحد يكون بيني وبين الجنة هو الحائل – رابع شيء هناك أناس لا أتذكر أسماءهم ولا أعرف أماكن إقامتهم بل ربما هناك من أتذكر ومن لا أتذكر ممن قمت بسرقتهم من أناس ربما لم ألقهم إلا قليلاً جداً في حياتي ولم أسرق منهم إلا أموالا من باب الفراغ!! فكيف أرجع إليهم أموالهم وأستسمحهم مع العلم أني الآن لا أعلم عنهم أي شيء ولا أتذكر كم سرقت منهم ولكنى أستطيع التقدير فهل أقدر الأموال -حين أتحصل عليها إن شاء الله- وأخرجها في سبيل الله على سبيل الرد أم ماذا أفعل بالضبط في هذا الشأن؟؟ هناك بالطبع الكثير من الأغراض التي اشتريتها من الأموال التي سرقتها من والدي ربما أستطيع الاستغناء عن بعضها الآن وربما البعض لا -فعلى سبيل المثال لا أستطيع الآن التخلي عن كل ملابسي بدون مقدمات وأطلب من أهلي ملابس كلية جديدة تماما- فعندما أسدد الأموال هل تصبح هذه الأغراض ملكاً خالصاً لي أم يجب عليَّ إخراجها أيضاً وإذا كان هناك بعض الأغراض -أجهزة وأغراض شخصية وكتب وخلافه- أود الإبقاء عليها فماذا أفعل لكي تصبح هذه الأغراض ملكية خاصة لي؟؟ - ما يقلقني وربما بسببه أكتب المشكلة للمرة الثانية ولو اقتضى الأمر أن أكتبها مئات المرات لفعلت هو أني أخشى الموت قبل تسديد ديني لو أتاني الموت فماذا أقول لربى؟؟ وماذا أفعل بين يديه وماذا أقول؟؟ ولو بدأت بتسديد الأموال وقبضت قبل أن أكمل سدادها فكيف سيكون موقفي بين يدي ربى؟؟ العفو أم العقاب؟؟ إني أكاد أدمر عندما سمعت اليوم حديثاً يتحدث عن آكل أموال الناس بالباطل وكيف لا يستجيب الله له دعاءه وانأ منذ التزمت أحاول قدر المستطاع المداومة على الدعاء فمعنى هذا أن دعائي لا يقبل؟؟ ملبسي كله تقريباً من حرام وكم نبت في جسدي نبت تلو نبت تلو نبت من حرام.. أفيدوني بالله عليكم ماذا أفعل أعلم أنى أطلت وتجاوزت حدود الأدب في الإطالة ولكن ما بي من حيرة ومن خوف لا يعلمه إلا الله ويعلم الله أنى لأطرق كل الأبواب لأحصل على أموال أسدد منها ما علي ولا أرجو منكم إلا أن تساعدوني في التخلص من بقايا آثامي وبقايا معاصي الماضي كي أستطيع الوصول إلى ربى وأن يتقبل منى دعائي وأرجو منكم بالله عليكم أستحلفكم بالله أن تصلوا للشباب ما استطعتم فلا يلوا إلى ما وصلت إليه، عوذوهم بالله فلا يتلبسهم الشيطان كما تلبسني ولا يصبحوا شياطين على الأرض تسير وفقنا الله وإياكم واعذروني على ما سببته لكم من صداع من كثرة الكلام فإنما هو غيض من فيض مما يجوس في صدري وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى الذي وفقك وهداك وأنعم عليك بنعمة الالتزام، ونسأله سبحانه أن يزيدك إيمانا وهدى وتقى.
ثانيا:
يشترط لصحة التوبة فيما يتعلق بحقوق العباد: رد المظالم أو التحلل منها؛ لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) .
قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (15/352) : " س: منذ صغري إذا رأيت أبي وضع شيئا سواء من النقود أو أي انتفاع، وأنا آخذ، ولا يعرف أبي ذلك، وبعد أن أصبحت كبيرا خفت الله وتركت كل هذا العمل، والآن يجوز لي أن أعترف لأبي بذلك الفعل أم لا؟
ج: يجب عليك أن ترد ما أخذت من والدك من النقود وغيرها إلا إذا كان شيئا يسيرا للنفقة فلا حرج " انتهى.
ثانيا:
إذا سرق الإنسان مال غيره، وشق عليه أن يخبره بذلك، أو خشي زيادة المفسدة بإخباره، كأن تحصل القطيعة بينهما، فلا يلزمه إخباره، بل يرد المال إليه بأي طريق ممكن، كأن يدخله في حسابه، أو يعطيه لمن يوصله إليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} الطلاق / 2، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} الطلاق / 4.
فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو: فهذا أيضاً أسهل من الأول؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه، وحينئذٍ تبرأ منه.
إن هذه القصة التي ذكرها السائل توجب للإنسان أن يبتعد عن مثل هذا الأمر؛ لأنه قد يكون في حال طيش وسفهٍ فيسرق ولا يهتم، ثم إذا منَّ الله عليه بالهداية يتعب في التخلص من ذلك " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4 / 162) .
ثالثا:
يجب رد المال إلى المسروق منه، أو إلى ورثته في حال موته، فإن تعذرت معرفته أو الوصول إليه، فإنه يتصدق بالمال عنه، على أنه متى جاء يوما من الدهر خيّر بين إمضاء الصدقة، أو إعطائه المال.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" في جندي سرق مالا من عبدٍ: " إن كان يعرف العبدَ أو يعرف من يعرفه: فيتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه: فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده: ضمنها له وصارت له الصدقة، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4 /165) .
رابعا:
إذا جهلت قدر المال المسروق، فردّ ما يغلب على ظنك أنك تبرأ به، فتقدر المبلغ تقديرا، وتحتاط فتخرج بأزيد، فإن دار الأمر بين أن يكون المال عشرة – مثلا – أو ثمانية، فأخرج عشرة، حتى تبرأ ذمتك بيقين.
خامسا:
ما عجزت عن رده الآن، فهو دين عليك، لا تبرأ ذمتك إلا بدفعه، والواجب عليك حينئذ أن تثبته في وصية لك، خشية أن يفاجئك الموت قبل سداده؛ لما روى البخاري (2738) ومسلم (1627) عن ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي) .
واعلم أن التائب الصادق إن عزم على رد المال لأهله، ثم فاجأه الموت، فإنه يرجى من الله تعالى أن يعفو ويتجاوز عنه وأن يرضي عنه أصحاب الأموال يوم القيامة، ويُستأنس لهذا بما رواه البخاري (2387) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: " قَوْله: (أَدَّى اللَّه عَنْهُ) فِي رِوَايَة الكُشْمِيهَنِيّ " أَدَّاهَا اللَّه عَنْهُ ". وَلِابْن مَاجَهْ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيث مَيْمُونَة " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدَّانُ دَيْنًا يَعْلَمُ اللَّه أَنَّهُ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَّا أَدَّاهُ اللَّه عَنْهُ فِي الدُّنْيَا " وَظَاهِره يُحِيلُ الْمَسْأَلَةَ الْمَشْهُورَةَ فِيمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَقْصِير مِنْهُ كَأَنْ يُعْسِرَ مَثَلًا أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْت وَلَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ وَكَانَتْ نِيَّته وَفَاء دَيْنه وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا.
وَيُمْكِنُ حَمْل حَدِيث مَيْمُونَة عَلَى الْغَالِبِ , وَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالَة هَذِهِ فِي الْآخِرَةِ بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ , بَلْ يَتَكَفَّلُ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث الْبَابِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ اِبْن عَبْد السَّلَام وَاللَّه أَعْلَمُ " انتهى.
سادسا:
ما كان في يدك من الأمتعة المسروقة يلزمك رده على أهله، أو التصدق به، أو بثمنه بعد بيعه – في حال عدم معرفتهم -.
وما اشتريته من الأمتعة بالمال الحرام، إن قدرت على بيعه ورد ثمنه على أصحابه، أو التصدق به عنهم فافعل، فإنهم أولى بهذا المال وأحق به.
وفي حال توبتك وردك المال لأهله، تصبح هذه الأمتعة المشتراة بالمال المسروق ملكا حلالا لك.
وأخيرا نوصيك بالإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة، والاجتهاد في بر الوالدين، وبذل النفس في خدمتهما والإحسان إليهما، فإن الله تعالى يقول في شأن التوبة: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/310)
حكم من تكررت منه الردة
[السُّؤَالُ]
ـ[تنص سورة النساء على أن الله لن يقبل إسلام من يكفر أكثر من 3 مرات، ولن يهديه، فهل يشمل ذلك ترك الصلاة على سبيل المثال 3 مرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
القاعدة العظيمة التي يقررها الله سبحانه وتعالى في وحيه، ويذكر أنها قاعدة الحساب ومبدأ الثواب والعقاب، أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن باب التوبة مفتوح لكل عبد، ولو وقع في الذنب والكفر مرّاتٍ ومرّاتٍ، فإنَّ كرمه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده اقتضت أن تقبل توبة التائب ويغفر له ذنبه.
يقول الله عز وجل: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ) الأنفال/38
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) رواه مسلم (121)
كما جاءت الآيات تدل على قبول توبة المرتد إذا عاد إلى الإسلام وصدقت توبته:
يقول سبحانه وتعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ)
وبعد ذلك كله قال سبحانه: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران/86-89
أما من ارتد ثم ازداد كفرا وطغيانا، ولم يتب، ولم يرجع إلى الإسلام، فهذا هو الذي جاءت الآية في سورة النساء – التي قصدها السائل الكريم – وجاءت آية آل عمران أيضا بعدم قبول توبته.
يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) آل عمران/90-91
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137
يقول ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/753) :
" يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله، وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى، ولهذا قال: (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) قال ابن أبي حاتم.. عن ابن عباس في قوله تعالى: (ثم ازدادوا كفرا) قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا. وكذا قال مجاهد " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/28-29) :
" وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا:
قيل لنفاقهم، وقيل: لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه، وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت، وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدى: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، فيكون هذا كقوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18
وكذلك قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137
قال مجاهد وغيره من المفسرين: (ازدادوا كفرا) ثبتوا عليه حتى ماتوا.
قلت (هو ابن تيمية) : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر، يزداد كفرا بعد كفر، فقوله: (ثم ازدادوا) بمنزلة قول القائل: ثم أصروا على الكفر، واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم، ثم زاد كفرهم وما نقص، فهؤلاء لا تقبل توبتهم، وهي التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب، ورجع عن كفره، فلم يزدد، بل نقص، بخلاف المصر إلى حين المعاينة " انتهى.
ولم يختلف أهل العلم في أن المرتد إذا صدقت توبته ورجع إلى الإسلام، فإن الله سبحانه وتعالى يقبله عنده ويغفر له ما قد مضى وسلف، وإن تكررت ردته.
هذا بالنسبة لما عند الله تعالى في الآخرة.
وأما بالنسبة لأحكام الظاهر في الدنيا فقد قال بعض أهل العلم بأن من تكررت ردته فإننا نقتله ولا نقبل توبته، فالخلاف بين أهل العلم هو في قبول التوبة من حيث أحكام الظاهر، وليس النسبة لما عند الله سبحانه وتعالى.
يقول ابن قدامة في "المغني" (12/271ط هجر) :
" وفي الجملة، فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا وترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم.
وأما قبول الله تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا، فلا خلاف فيه " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (16/30) :
" والفقهاء إذا تنازعوا فى قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق، فذاك إنما هو فى الحكم الظاهر؛ لأنه لا يوثق بتوبته، أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله فى الباطن، فإنه يدخل فى قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 " انتهى.
على أن الصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته مقبولة في أحكام الظاهر أيضا، وتجري عليه أحكام الإسلام، وهو قول جماهير أهل العلم: الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية، وآخر قولي أحمد بن حنبل.
انظر حاشية تبيين الحقائق (3/284) ، فتح القدير (6/68) ، الإنصاف (10/332-335)
تحفة المحتاج (9/96) ، كشاف القناع (6/177-178) ، "الموسوعة الفقهية" (14/127-128)
وعزا في المبسوط (10/99-100) لعلي وابن عمر عدم قبول توبة من تكررت ردته.
وعليه فإن توبة تارك الصلاة مقبولة إذا صدق، ولو تكرر منه الترك مرات كثيرة، ولكن على العبد أن يحذر، فقد تأتيه المنية قبل أن يوفق للتوبة، وقد يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة.
نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته الواسعة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/311)
أسئلة متعددة لتائب من عمله في قناة فضائية
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص عملي في مكتبة قناة سي إن بي سي عربية، وأنا - إن شاء الله - على وشك ترك هذا العمل، وأرجو من الله أن يتسع صدركم للسؤال وهو أنه كان راتبي 6000 درهم إماراتي، وادخرت منه عشرين ألف درهم في خلال عام ونصف هي فترة عملي. 1. هل يُعتبر هذا المال مختلطاً حيث القناة كانت اقتصادية إخبارية في المقام الأول، كما كانت تذيع برامج دينية مثل " المال في الإسلام " و " رياض الذِّكر "، ولكن تبث برامج عن السينما والفنانين وظهور المذيعات المتبرجات والموسيقى التصويرية ... إلخ، مع العلم أنها كانت لا تذيع أفلاماً ولا مسلسلات. 2. مساعدتي في كيفية تحديد مقدار المال الحلال إن كان المال مختلطاً. 3. كل الذي قبضته من هذا العمل خلال عام ونصف هو 108,000 درهم وادخرت منهم عشرين ألف درهم، والباقي سكن، وسيارة، ومصاريف معيشة، فلو كان المال حراماً هل عليَّ أن أنفق العشرين ألف درهم في مصالح المسلمين (كمساعدة أخي على الزواج) وأن ادَّخر من عملي الجديد باقي ال 108,000 درهم لأخرجهم في مصالح المسلمين حتى أطهر نفسي من ذلك العمل في هذه القناة؟ 3. هل يجوز لي الاحتفاظ بالعشرين ألف درهم لشراء شقة لي في بلدي، حيث أسكن في شقة ليست ملكي، بل هي ملك أمي ولي أربعة إخوة؟ . 4. هل عليَّ زكاة في العشرين ألف درهم؟ . 5. هل سينطبق عليَّ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سنَّ سنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها) من حيث إن كل من يشاهد القناة ويشاهد المذيعات المتبرجات أو نساء يظهرن في الأخبار الإخبارية والاقتصادية يكون عليَّ وزر؟ وكيف التوبة منه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك ويزيدك هدى.
ثانياً:
لا شك أن القنوات الفضائية الإخبارية منها وغير الإخبارية فيها من المحرمات الشيء الكثير، كالاختلاط بين الرجال والنساء، وتبرج النساء الفاضح، والموسيقى، والدعايات المحرمة، وذِكر الفوائد الربوية وأخبار البنوك والشركات المحرَّمة، والإعلان عن الأفلام والأزياء والأغاني وغيرها من المحرمات، مع ما فيها من التضليل في الجانب العقائدي والأخلاقي.
لذا فإنه لا يجوز العمل في هذه القنوات لما فيها من منكرات واضحة بيِّنة، ولعل الموظفين بهذه القنوات على علم بخفايا أكثر مما يظهر للناس من محرمات ومنكرات.
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من اكتساب المال الحرام.
فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) رواه الترمذي (2417) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وليعلم المسلم أنه يجب عليه البحث عن الرزق الحلال، وقد تكفل الله تعالى برزق الناس، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها كما تستوفي أجلها.
قال الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود/6.
وقال تعالى: (هُوَ ?لَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ?لأَرْضَ ذَلُولاً فَ?مْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ?لنُّشُورُ) الملك/15.
قال ابن كثير رحمه الله:
أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها، في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره الله لكم.
" تفسير القرآن العظيم " (8 / 179) .
ثالثاً:
إذا كنت لا تعلم تحريم هذا العمل، أو سألت من تثق في دينه وعلمه فأفتاك بجواز العمل في هذه القناة، فإن ما أخذته من راتب فهو حلال لك، ولا حرج عليك من الانتفاع به، بشرط أن تترك هذا العمل فورا، وتكف عن معصية الله تعالى، فإن الله تعالى قال عمن كان يتعامل بالربا ثم انتهى عنه لما نزل تحريمه: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء - لمن عمل في بنك وهو جاهل بحكم العمل -:
إذا كان الواقع كما ذكرتَ بعد أن أُخبرت أنه لا يجوز العمل في بنك: فلا حرج عليك فيما قبضته من البنك مقابل عملك لديه مدة الأشهر المذكورة، ولا يلزمك التصدق به، وتكفي التوبة عن ذلك، عفا الله عنا وعنك.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 402) .
أما إذا كنت تعلم أن العمل في هذه القناة محرم، ومع ذلك عملت فيها، فالمال المكتسب منها حرام، لكن التخلص منه ووجوب إنفاقه في أوجه البر والخير يكون حسب التفصيل الآتي:
1- عملك ليس حراما بنسبة مائة في المائة، وإنما هو مختلط، فيه الحلال، وفيه الحرام، فالبرامج الدينية التي ذكرتها، أو الإخبارية أو الاقتصادية التي لا تشجع على الربا ولا على المعاملات المحرمة، فهذه البرامج ليست محرمة، وإن كان يدخل فيها شيء من الحرام بسبب المنكرات التي فيها، كالموسيقى أو تبرج النساء.
أما برامج الغناء أو الموسيقى أو الكلام عن السينما ونحو ذلك، فهذه برامج محرمة.
ولا يلزمك التخلص إلا من المال الذي يقابل العمل المحرم، ويمكن تحديد ذلك عن طريق ساعات الدوام، فتنظر كم من هذه الساعات يكون في عمل مباح، وكم منها يكون في برامج محرمة؟
فإن أعياك الأمر ولم تستطع تحديده لتداخل الحرام مع الحلال، فيلزمك التخلص من نصف المال، باعتبار اقتسام الوقت نصفين بين العمل المباح والعمل المحرم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما: جعل ذلك نصفين" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (29 / 307) .
2- ما أنفقته من هذا المال الحرام لا يلزمك تقديره ولا التصدق به، وإنما يلزمك التصدق بما هو موجود قد بقي مدخرا معك من هذا المال.
فما أنفقته في السكن ومصاريف المعيشة فهو مما عفا الله عنه، فلا يلزمك أن تتصدق ببدله، ما دمت قد تبت وأقلعت عن العمل المحرم.
وأما السيارة، فإن كنت محتاجاً إليها، وتقع في مشقة شديدة بدونها، فنرجو ألا يكون عليك حرج في إبقائها والانتفاع بها، أما إذا كنت مستغنياً عنها ولست محتاجا لها حاجة ماسة فإما أن تبيعها وتتصدق بثمنها، وإما أن تبقيها وتتصدق بثمنها وتكون السيارة حلالاً لك.
3- لا مانع من إعطاء أخيك من هذا المال إذا كان محتاجاً لإعانته على الزواج، كما يجوز لك أن تأخذ من هذا المال لنفسك إذا كنت محتاجاً، ولو كان جزءً يكون لك رأس مال تستعمله في الاتجار بعمل مباح.
قال النووي رحمه الله:
قال الغزالي: وإذا دفعه – أي: المال المحرم بعد التوبة - إلى الفقير: لا يكون حراماً على الفقير , بل يكون حلالاً طيباً , وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء: فالوصف موجود فيهم , بل هم أولى من يتصدق عليه , وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير.
" المجموع " (9 / 351) .
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على هذه المسألة في " زاد المعاد " (5 / 778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون: " بالتصدق به، فإن كان محتاجاً إليه: فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فإن تابت هذه البغي، وهذا الخمَّار، وكانوا فقراء: جاز أن يُصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل أُعطي ما يكون له رأس مال.
" مجموع الفتاوى " (29 / 308) .
وينظر: جواب السؤال (78289) .
وأما الاحتفاظ بالعشرين ألف الباقية معك لشراء شقة، فلا يجوز الاحتفاظ بالمال الحرام من أجل ذلك، ما دمت تجد شقة تسكن فيها، ولو كان ذلك بالإيجار.
فعليك تقدير الحرام من هذا المال المتبقي – حسب التفصيل السابق- والتصدق به.
وأما زكاة العشرين ألف درهم، فما كان منها حراما ستتخلص منه فلا زكاة فيه، لأنه ليس ملكا لك.
قال النووي رحمه الله:
"قال الغزالي: إذا لم يكن في يده إلا مال حرام محض: فلا حج عليه، ولا زكاة، ولا تلزمه كفارة مالية , فإن كان مال شبهة فليس بحرام محض: لزمه الحج إن أبقاه في يده؛ لأنه محكوم بأنه ملكه , وكذا الباقي" انتهى.
" المجموع " (9 / 352، 353) .
وأما دخولك في حديث: (من سن سنة سيئة ... ) فلا تدخل فيه إذا تبت واجتهدت في إصلاح العمل، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وقال تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/39.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/312)
تشك في صحة صلاتها وصيامها
[السُّؤَالُ]
ـ[أخجل أن أطرح سؤالي من شدة قبح ما كنت أفعله ولا أحب حتى ذكره.
في الحقيقة أنني قبل عدة سنوات كنت أفعل أمرين قبيحين: الأول: هو أنني كنت مع إحدى قريباتي نداعب بعضنا واستمرينا على فعل هذا الأمر لمدة وبعد ذلك توقفنا.
والأمر الثاني: أنني كنت أعامل ابن جيراننا الصغير معاملة قاسية كنت أضربه مرات ومرات وأجعله يقبلني أو يلامس شيئا من أعضائي..لا أحب حتى تذكر هذه الأمور لأنني أشعر كم أنا سيئة وأنا نادمة جداً على فعل هذا الأمور.
ولي عدة أسئلة:
1- هل علي صيام تلك الأيام التي قمت فيها بتلك الأمور مع أنني لم أكن أعلم أنها تبطل صيامي وصلاتي؟
2- وهل علي أن أعيد أيضا الصلوات؟
3- أنا لا أتذكر إذا نزل شيء مني أم لا؟
4- أنا في حيرة وشك ولا أتذكر إذا فعلت هذه الأمور في رمضان أم لا؟
5- إذا وجب علي الصيام كيف أستطيع تقدير تلك الأيام لأنني حاولت جاهدة تقديرها ولكنني لا أتذكر متى فعلت تلك الأمور بالضبط.
6- متى تحاسب البنت على صيامها؟ هل بعد بلوغها؟ أقصد هل بعد أن تأتيها الدورة الشهرية أول مرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك إلى التوبة من هذه الأفعال المحرمة، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك.
ثانيا:
لا يجب عليك قضاء شيء من الصلوات أو الصيام، وذلك للأسباب التالية:
1- أنك لم تكوني تعلمين أن ذلك يفسد الصيام والصلاة، والإنسان إذا فعل شيئا من المحرمات جاهلا فإنه يكون معذوراً، ولا يستحق العقاب على هذا الذنب، قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5، والجهل نوع من الخطأ، لأن الجاهل لم يتعمد ارتكاب المعصية والمخالفة.
انظري جواب السؤال (50017) ، (45648)
2- أنك لا تتيقنين نزول شيء منك، والمسلم إذا فعل عبادة من العبادات فالأصل أنه يُحكم بصحتها، ما لم يتيقن أنها كانت غير صحيحة، أما مجرد الشك فلا يبطل العبادة بعد فعلها.
ثالثا:
أما تكليف البنت بالصيام وغيره من الأحكام الشرعية، فيثبت ببلوغ البنت، وبلوغها يحصل إذا وجد أحد أربع علامات وهي:
1. بلوغ خمس عشرة سنة.
2. نبات الشعر الخشن حول القبل.
3. نزول المني.
4. نزول الحيض.
ولا يشترط اجتماع كل هذه العلامات، ولكن يكفي علامة واحدة فقط، لثبوت البلوغ.
وانظري جواب السؤال (21246)
ونسأل الله تعالى أن يوفقك ِ لكل خير، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/313)
خيره صاحب العمل بين تخفيف اللحية أو ترك العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة وصاحب العمل طلب مني تخفيف اللحية (وليس حلاقتها) أو ترك العمل مع العلم بأنه يسمح لي بالصلاة في المسجد في أوقاتها دائما فما حكم تخفيف اللحية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
حلق اللحية محرم، وكذلك تقصيرها وتخفيفها؛ لما ورد من الأدلة على وجوب إعفائها وتركها.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/133) : " حلق اللحية حرام لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة والصريحة والأخبار ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار، فمن ذلك حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب) وفي رواية: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى، وإعفاء اللحية تركها على حالها، وتوفيرها إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء، وحكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، واستدل بجملة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) صححه الترمذي قال في الفروع وهذه الصيغة عند أصحابنا - يعني الحنابلة - تقتضي التحريم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة؛ لأن مشابهتهم في الظاهر سببٌ لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة بل وفي نفس الاعتقادات، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى) الحديث، وفي لفظ: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد. ورَدَّ عمرُ بن الخطاب شهادة من ينتف لحيته.
وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: " يحرم حلق اللحية ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال " يعني بذلك المتشبهين بالنساء، (وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية) رواه مسلم عن جابر، وفي رواية: (كثيف اللحية) ، وفي أخرى: (كث اللحية) والمعنى واحد، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يساوي لحيته يجعلها متساوية مع بعضها البعض؟
فأجاب: " الواجب: إعفاء اللحية، وتوفيرها، وإرخاؤها، وعدم التعرض لها بشيء؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) متفق على صحته، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وروى البخاري في صحيحه رحمة الله عليه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين) وروى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)
وهذه الأحاديث كلها تدل على وجوب إعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، وعلى وجوب قص الشوارب. هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام وأمر به، وفي ذلك تأس به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم، ومخالفة للمشركين، وابتعاد عن مشابهتهم وعن مشابهة النساء.
وأما ما رواه الترمذي رحمه الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها فهو خبر باطل عند أهل العلم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تشبث به بعض الناس، وهو خبر لا يصح؛ لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب. فلا يجوز للمؤمن أن يتعلق بهذا الحديث الباطل، ولا أن يترخص بما يقوله بعض أهل العلم، فإن السنة حاكمة على الجميع، والله يقول جل وعلا: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ويقول سبحانه: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/443) .
ثانيا:
لا يجوز لصاحب العمل أن يأمرك بتخفيف لحيتك؛ لأنه أمر بالمعصية كما سبق، وليس لك أن تطيعه، بل الواجب عليك أن تصبر وتصابر، وتبين له الحكم الشرعي، فإن أصر على رأيه، وكان إعفاؤك للحية يعني ترك العمل، فيُنظر في حالك وعملك، فإن كنت تجد عملا غيره، فاترك العمل، ابتغاء مرضاة الله تعالى، وإن لم تجد عملا آخر، فنرجو أن تكون معذورا في التخفيف من لحيتك؛ لما تقرر عند أهل العلم من جواز ارتكاب المحرم عند الضرورة والحاجة الشديدة، على أن تقتصر على أقل ما يمكن من التخفيف الذي يرضى به صاحب العمل، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16
وراجع السؤال رقم (70319)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/314)
التوبة من القمار
[السُّؤَالُ]
ـ[لعبت القمار كثيراً فكيف أتوب منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك الإقلاع فوراً عن القمار وترك أصحابه ومحلاته وأدواته والندم على ما فات والعزم أن لا تعود وأن تتصدق لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق) .
قال النووي: قال العلماء: أمر بالصدقة تكفيراً لخطيئته في كلامه بهذه المعصية، وقال الخطابي: معناه فليتصدق بمقدار ما أمر أن يقامر به.
قال النووي: والصواب الذي عليه المحققون - وهو ظاهر الحديث - أنه لا يختص بذلك المقدار، بل يتصدق بما تيسر مما ينطلق عليه اسم الصدقة، ويؤيده رواية: (فليتصدق بشيء) .
[الْمَصْدَرُ]
الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 407.(7/315)
تحدثت مع رجال عبر الإنترنت ثم تابت من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو المساعدة فالأمر في غاية الأهمية!
أسلمت منذ 4 سنوات وتزوجت من 3 سنوات تقريباً، وأنا لا أعيش مع زوجي لأننا تزوجنا سرّاً، وأهله لا يعرفون عني شيئاً حتى الآن، وأن لا تتاح لي فرصة رؤية زوجي بالعدد الذي أرغبه، ولذلك فقد أصبحت أشعر بالوحدة، ونتيجة لغبائي وأنانيتي وتعجلي فقد بدأت أتحدث إلى رجال من غير المحارم عبر شبكة الإنترنت!!! (وأسأل الله أن يغفر لي) ، لقد تحدثت مع عدد منهم، وأخبرتهم أني لست متزوجة، وأخبرت بعضهم أني مطلقة أو سأحصل على الطلاق في وقت قريب، كما أني أعطيت أحدهم صورة قديمة أظهر فيها بدون حجاب، حيث يظهر شعر رأسي ورقبتي ويداي!!!! حدث كل هذا قبل أشهر معدودة، وقد تبت الآن من جرائمي، كما أني بكيت خوفا من القبر ويوم الحساب، أنا أخاف الله كثيراً، وقد قطعت جميع العلاقات مع هؤلاء الأشخاص، أنا لا أتحدث الآن إلى أي رجل عبر الإنترنت لأني أعلم أن الشيطان يغري الإنسان، أنا أشعر بالخجل فعلا عما فعلت، وأشعر بالكثير من الذنب لذلك، أنا أحب زوجي وهو يحاول أن يخبر أهله بخصوصي إن شاء الله، أنا لا أريد أن أخسره، هل يجب عليَّ إخباره بما فعلت؟ وماذا عن الصورة؟ أنا أكره ما فعلت لكن ماذا لو أن الشاب لا يزال يحتفظ بها؟ هل سأذهب للنار؟ وفيما يتعلق بإخباري للناس أني كنت مطلقة، أو أني سأطلق، هل يؤثر ذلك على صحة زواجي؟ أعلم أني أفسدت وحطمت حياتي، لكني أرجو المساعدة، فالله يعلم وحده مقاصدي، أنا لا أريد أن أجرح أي شخص، أو أن أرتكب الخطأ في حق الله، أريد أن أعمل الأفضل لجميع الأشخاص، وأريد أن أستر على نفسي، فهل يمكنني ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحمد لله الذي هداكِ للإسلام، وقد اختاركِ الله تعالى لتكوني من أتباع هذه الرسالة العظيمة، وهذا أعظم أسباب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فعليكِ المداومة على تذكر هذه النعمة الجليلة التي حُرمها الكثير، والقيام بشكر الله تعالى عليها بالقلب واللسان والجوارح.
ثانياً:
والحمد لله تعالى أن يسَّر لكِ الزواج من مسلم، وإن كنَّا نودُّ أن يكون زواجاً ليس فيه بعدٌ من زوجك عنكِ، وأن يعلم أهله عنه، وبما أن لإخفاء زوجك هذا الأمر عن أهله وابتعاده عنك دوراً كبيراً فيما حصل معكِ فإن عليك المسارعة في إصلاح هذا الأمر، وذلك بالطلب منه أن يجعل زواجكم علنيّاً، وأن يسارع في إخبار أهله، وأن يبقى إلى جانبك لإعانتك على طاعة الله تعالى، وعليه أن يتقي الله تعالى فيكِ وأن لا يعرضكِ للفتن، وليتنبه لهذه المسئولية الملقاة على عاتقه.
ثالثاً:
والحمد لله تعالى أن وفقكِ للتوبة والرجوع إليه قبل الانغماس في المعصية أو ارتكاب ما هو أشد منها، والمعصية يزينها الشيطان في نفس فاعلها، فإنْ تذكَّر عقوبة فِعلها وتذكَّر ما عند الله من الثواب على تركها، وعلم ما أعدَّه الله في الآخرة للطائعين: علِم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن المعاصي مهما بلغ صاحبها في النشوة واللذة فهي إلى غمٍّ وهمٍّ ونكدٍ في الدنيا، وإلى عقوبة في الدار الآخرة، فاستمري على التوبة، وعلى ندمك على ما فعلتِ، واعزمي عزماً مؤكداً على عدم الرجوع إليها، وافعلي الطاعات تعويضاً عما فات وتقرباً إلى الله لزيادة الثواب.
رابعاً:
لا بدَّ أن تغلقي أبواب الفتن التي جاءتك المعاصي من خلالها، ونعني بذلك " تلك المحادثات " فعليك أن تبتعدي بالكلية عن تلك المحادثات الآثمة التي كانت مع الرجال، فلا يحل لك دخول الغرف الصوتية لهم ولا مراسلتهم والحديث معهم، وإن كانوا معك على " الماسنجر " فسارعي بشطب أسمائهم.
وإن خشيت أن يكون دخولك على الإنترنت سيجرك إلى محادثة هؤلاء فامتنعي كليةً عن الدخول على الإنترنت، واكتفي بالأشرطة الصوتية النافعة، وقراءة الكتب النافعة، والبحث عن صحبة صالحة من بنات جنسكِ يدلونك على الخير، ويمنعونك من السوء والشر.
ومن مقتضيات التوبة الصادقة التي يكون معها الندم والعزم على عدم الرجوع إليها أن تبتعدي عن مواضع الفتن الأخرى من مواقع محرمة، أو منتديات اللغو والفحش.
ولو أنك فرَّغتِ نفسكِ لسماع الأشرطة وقراءة الكتب النافعة، وقراءة الأجوبة والمقالات من المواقع الإسلامية المعروفة بصحة الاعتقاد، وسلامة المنهج لما كفتكِ حياتك كلها لو طالت، فكيف تضيِّعين العمر فيما لا ينفع وبين يديك كنوز الخير من الكتب والمقالات والأشرطة؟! وهي حجة عليك يوم القيامة إن فرطتِ فيها، وليس لك أن تقولي إنني وحيدة ولا أعرف كيف أقضي وقتي، وأنتِ بين بساتين الخير فيها الورود والأزهار ذوات الروائح الزكية، فتنقلي بين تلك البساتين واحرصي على الخير لنفسك، واعلمي أن العمر قصير، ولو قضاه الإنسان كلَّه في طاعة الله للقي الله تعالى مقصِّراً فكيف له أن يضيعه في اللغو والمعصية؟!
خامساً:
من عادة كثير من الرجال في مخاطبتهم للنساء أن يحرصوا على الاستمرار معهن حتى إذا قضوا حاجتهم منهن انتقلوا إلى غيرهن، وهذا ما أنقذك الله منه، وهي نعمة لا تقدَّر بمال الدنيا، وتحتاج منكِ إلى المداوة على شكره تعالى، وكذلك يتركونهن إلى غيرهن إذا أيسوا منهن أو انقطعت بينهم الاتصالات، وقد يخطر ببال كثير منهم أن ما حصل من محادثات لم يكن مع امرأة، وأن الصورة ليست لواحدة بعينها، بل قد تكون من أي محل تصوير أو من مجلة أو من جريدة، فإذا قطعتِ الاتصال بهم نهائيّاً – وهذا ما وفقك الله لفعله - فإن الأمر سيكون على تلك الاحتمالات، ولا داعي للاهتمام بالصورة والحرص على تحصيلها، فقد تستخدم وسيلة ابتزاز كما حدث مع كثيرات، فانسي الأمر تماماً وفوِّضي أمرك إلى الله تعالى، فهو " ستِّير يحب الستر " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي وفقك للإسلام والتوبة، وهو الذي أنقذك، فلم تقعي في براثن تلك الذئاب، وهو الذي سيستر عليك، وييسر لك أمرك، بمشيئته سبحانه وتعالى، وصور النساء اللاتي تُظهر أكثر مما في صورتك تملأ الشبكة – عياذاً بالله – فلن يبقى أحدٌ منهم حريصا على صورةٍ مثل تلك، وبين يديه الآلاف غيرها.
سادساً:
وإياكِ أن تخبري زوجكِ بما حصل، بل عليك أن تستتري بستر الله تعالى، وقد يتسبب إخبارك له بعواقب وخيمة، فدعي الأمر بينك وبين الله، توبي إليه عز وجل، واطلبي منه العفو والمغفرة، وأكثري من فعل الطاعات، واحرصي على أن يعلن زوجك زواجك لأهله، واطلبي منه أن يبقى إلى جانبك ليعينك على طاعة الله، ولا تفتحي على نفسكِ أبواباً مغلقة بإخباره عما حصل منكِ، فليس هناك فائدة في إخباره، بل قد يترتب عليه آثار ليست في مصلحتك ولا مصلحة بيتكِ.
سابعاً:
ليس في إخبارك لأحدٍ أنك " مطلَّقة " أو " أنك ستطلَّقين " أي أثر على صحة عقد زواجك، فاطمئني ولا تقلقي، ومثل هذه الكلمات قد يترتب عليها أمور أخرى لو قالها الزوج، أما الزوجة فلا أثر لنطقها بتلك الكلمات على عقد الزواج، فلا داعي للقلق من هذه الناحية، وليس هناك حكم يترتب على قولك سوى أن عليك التوبة والاستغفار لأنه إخبار بغير الحقيقة.
ثامناً:
أنتِ لم تفسدي حياتك بل أصلحتيها بإسلامك أولاً، وبتوبتك من تلك المعاصي ثانياً، واعلمي أن الله تعالى غفور رحيم، وأنه يقبل التوبة من عباده، وأنه يبدل سيئات الصادقين في توبتهم حسنات، وأنه تعالى قد يوفقك لصدقك في التوبة لأن تكوني أفضل حالاً وأقوى استقامة بعد ذلك الرجوع الصادق إليه عز وجل، فلا يتطرق اليأس والقنوط إلى قلبك، فقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوَّابون) وأنتِ من بنات آدم، وقد أخطأتِ، فكوني من خير الخطائين وهم التوابون، ونرجو من الله تعالى أن يكون قد وفقك للتوبة النصوح، وأن يتقبل منك.
واعلمي أن الله تعالى سيبدل سيئاتك حسنات لو أنك فعلتِ هذا، واسمعي ماذا يقول ربنا عز وجل في هذا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68– 70.
والخلاصة:
استمري على توبتك، وأغلقي أبواب الفتنة عليك، واحرصي على الطاعة والصحبة الصالحة، ولا تخبري زوجك بما حصل معك، وثقي بالله تعالى أنه سيستر عليك لو أنك صدقتِ في توبتك.
ونرجو أن نكون قد أجبنا على تساؤلاتك، وستجدين هذا الموقع نصيراً لك، ودالاًّ لك على الخير، إن شاء الله تعالى، ونرجو أن نسمع عن تغير حالك إلى ما هو أحسن، وأن نرى زوجك أعلن زواجك أمام أهله، ونسأل الله تعالى أن يرزقك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وذرية طيبة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/316)
حكم تقبيل الزوجة في الطريق أمام الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت مؤخراً وأظن أني وقعت في الزنا مع زوجتي، وإليك التفاصيل: فقد كنا نركب سيارة أختي ثم أوقفنا السيارة في مكان هادئ وتبادلنا القبَل كثيراً، كثيراً جدّاً، وقد مر رجل بقربنا وشاهدنا في تلك الحالة، لكننا لم نمتنع، وأنا أشعر أني اقترفت الزنا علناً، هل علينا كفارة؟ وهل يجب أن نعترف لوالدينا؟
وأنا وزوجتي نتجادل حول الأمر وهي تلومني على اهتمامي (كثيراً) بالمسألة، أنا أرى أنها مسلمة غير صالحة؛ لأنها لا تخاف الله، فهي التي جعلتني أوقف السيارة وأقبلها، وأنا أكرهها لذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أخي السائل؛ اعلم أنك لن تستطيع أن تعيش عمرك من غير ذنوب وخطايا، فهذه طبيعة البشر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي (2499) وابن ماجه (4251) وحسنه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي "، وهذا الحديث يدل بوضوح أن الإنسان لا بد له أن يذنب ويقع منه الذنب، ولكن المهم بعد الذنب ما موقفه من ذنبه؟ فالمؤمن يتوب إلى الله من كل ذنوبه فيقلع عنها ويستغفر الله كلما وقعت منه المعصية ويندم على فعلها ويعزم عزيمة صادقة على عدم الرجوع إليها، فإن فعلت ذلك فاعلم أن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعها للمؤمن الصالح الذي يتوب التوبة الصادقة ويعترف بالذنب مع الذل والانكسار لله عز وجل، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
والذنب الذي اقترفته ليس هو الزنى بزوجتك! وإنما هو تقبيلها أمام الناس، لأنه ليس هناك زنى بالزوجة، وإنما الزنى يكون بامرأة لا يحل للرجل مباشرتها، أما الزوجة فمباشرتها حلال.
ولا يجوز للرجل ولا للمرأة أن يتحدثوا لأحد عما يحصل بينهم في الفراش مما لا ينبغي أن يطلع عليه غيرهما، لما يفضي إليه ذلك من المفاسد والفتن وفتح باب الشيطان، وهذا فيمن تحدث يصف فعله مع زوجته فكيف بمن فعل أمام الناس حتى شاهدوه؟!
وقد أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه (10/277) بأن تقبيل الزوجة أمام الناس لا يجوز.
ثانياً:
أما عن كفارة هذه الخطيئة فلا كفارة لها إلا التوبة الصادقة والعزم الأكيد على عدم الرجوع لهذا الذنب والندم الحقيقي على ارتكابه.
وأما عن الاعتراف لوالديكم فلا حاجة إليه، فالذنب الذي اقترفته هو بحق الله عز وجل، فالاعتراف به يكون لله، وبينك وبين الله ولا تخبر به أحداً، ولكن اصدق في التوبة مع الله يغفر الله لك، والله غفور رحيم.
وكون زوجتك هي التي أمرتك بهذا الفعل لا يدل على أنها امرأة غير صالحة أو أنها لا تخاف الله، فأنت أيضاً وافقتها على هذا، ولم تمتنع حتى مع رؤية رجل لكما. فينبغي أن تحمِّل نفسك أيضاً مسئولية فعلك هذا.
ونرجو الاطلاع على السؤالين (6103) و (31773) .
وفقكم الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/317)
زنا ثم أسلم فهل يحد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا زنى كافر ثم أسلم، فهل يقام عليه الحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا زنى الذمي ثم أسلم، وقامت بينة بزناه سقط عنه الحد، فلا يحد ولا يعزر؛ نص عليه الشافعي بقوله الله تعالى: " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " سورة الأنفال: 38، ويستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يهدم ما قبله " رواه مسلم من رواية عمرو بن العاص، ولأن نص القرآن يدل على سقوط الحد عن السارق وقاطع الطريق إذا تابا، فعن الكافر أولى، ولأن في إيجاب الحد تنفيرا عن الإسلام، وبمثل هذه العلة عللوا سقوط قضاء الصلاة عنه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي 223.(7/318)
تسبب في موت قطط صغيرة فهل له توبة!؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في عمارة مشتركة، وفي شقتي التي أتردد عليها بين الفينة والأخرى تركت إحدى النوافذ مفتوحة فولدت قطة أربعة من الصغار، وقد تحدثت بخصوص هذه القطة مع والداي فنصحوني أن أحتفظ بها إلى حين أن يكبروا قليلا ليتمكنوا من الفرار والاختباء وآنذاك أخرجهم لكني احتفظت بها فقط لمدة قصيرة جدّاً حتى تمكنت من الإبصار وأولى خطوات المشي، ثم قمت بطردهم من الشقة، وجعلتهم فوق السطح، مع علمي أن أمهم لن تهتدي إليهم، وهذا ما حدث بالفعل. هذا مع علمي اليقين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوص المرأة التي دخلت النار في هرة، ومع ذلك تركتهم وغادرت المكان لمدة ثلاثة أيام. ما حدث الآن هو أنه بعد أن عدت وجدت القطط غير موجودة وأمهم تبحث عنهم، والظاهر أنهم سقطوا في قناة الصرف الصحي للعمارة. فما حكمي في هذه النازلة لأني كان بإمكاني أن أتفادى ذلك وأحتفظ بهذه القطط ولن يكلفني ذلك شيئا ولأني خالفت نصيحة والداي، فهل أنا آثم؟ وماذا أعمل لأكفر عن خطئي فأفيدوني رحمكم الله، ولكم جزيل الشكر والثواب، فنفسيتي منهارة، فلم أعد أحس بطعم الحياة، فأنا أنتظر الموت فقط لأرتاح من هذا الإحساس، فأنا طول الوقت أفكر في هذه القطط وأقول لم تؤذني وقتلتها فأنا سأدخل النار كتلك المرأة في الحديث الشريف. وأصبحت عبوسا ومعنوياتي في الحضيض كل شيء أفعله بفتور كبير ولا أحس بالفرحة في أي شيء، تمنيت لو أن الزمان يرجع للوراء , أحس بضياع كبير وبأني مشلول ماديّاً ومعنويّاً وبأني لن أنسى هذا الحادث وآلامه دنيا وآخرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله تعالى قد أمر بالرفق في كل شيء، ففي الحديث: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) رواه البخاري (5678) ومسلم (2165) .
وروى مسلم (2592) عن حديث جرير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يحرم الرفق يحرم الخير) .
واعلم أنه من كان عنده شيء من الدواب فيجب عليه أن يحميها ويطعمها ويسقيها، ولا يجوز له أن يعرضها للهلاك، وفي الحديث الذي أشرت إليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض، أي حشراتها. رواه البخاري (2365) ومسلم (904) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ (أي: ترفرف بأجنحتها) فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا) رواه أبو داود (2675) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
والحمرة – بتشديد الميم وتخفيفها -: طائر صغير كالعصفور.
فحاصل المسألة: أن من استرعاه الله شيئاً من هذه الدواب كأن تكون في حرزه أو يربيها ويبقيها لحاجته وجب عليه رعايتها والإحسان إليها والرفق بها.
وبناء عليه: فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من أمور:
أولها: معصية والديك اللذين أمرك الله ببرِّهما، وبطاعتهما فيما لا معصية فيه.
الثاني: أن هذه القطط كانت في حرزك وقصرت في رعايتها حتى أدى ذلك إلى هلاكها.
ثالثها: أنك فجعت أمها بالتفريق بينها وبين أولادها، ثم بموت صغارها.
ولا شك - أخي - أن شعورك بالذنب بهذه الصورة التي ذكرت يدل على حياة قلبك وصدق شعورك بالندم على ما فعلت.
لكنك أيضا ربما بالغت في ذلك حتى وصل بك الأمر إلى اليأس والقنوط، وهذا لا شك أنه لا يجوز فالله تعالى يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، فأين أنت عن سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء، وعن قبول الله تعالى لعباده التائبين حتى من كبار الذنوب؟
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم قتل عابداً فكمل به المائة ثم تاب توبة صادقة فقبل الله توبته – وهي في الصحيحين – فأين أنت منه؟ إنه قتل مائة نفسٍ وتاب وقبل الله منه، فلا يقعنَّ منك يأس ولا قنوط من عفو الله ورحمته، وأقدم على العمل الصالح وتذكر دائما قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) هود/114.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/319)
مشكلة الحماس أول التوبة ثم الفتور بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يتوب الإنسان يبدأ بداية قوية ويقول: إن الشيطان يأمرني بالتخفيف، ويزيد من الطاعات، ثم تبرد الهمة فيقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ، وتخف الطاعات حتى يعود كما كان.
وسؤالي: ما هي النصيحة؟ هل يبدأ بداية قوية أم بالتدريج حتى يثبت عليه ويزيد عليه بعد مدة أو يأخذ بالمقولة " إذا هبت رياحك فاغتنمها "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن نعمة الهداية والتوبة من أعظم نعَم الله تعالى على المسلم، وتغيير حاله للأحسن مما يقرِّبه إلى الله تعالى أكثر، وفي العادة يُقبل التائب على الطاعة إقبالاً عظيماً يحاول فيها تعويض ما فاته من العمر الذي قضاه في المعصية والضلال.
وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لكل صادق في توبته، وقد ذكَره نبينا صلى الله عليه وسلم، وبيَّن ما يحصل بعده من برود وفتور في الهمة، وهذا أمر طبيعي أيضاً، لكن الخطر على صاحب هذه التوبة أن يكون فتوره وبروده في تناقص مستمر إلى أن يرجع إلى حاله الأول، ولذا كان من الواجب الانتباه إلى هذا الأمر، وعلى التائب الطائع إذا فترت همته أن يقف عند الاعتدال والتوسط، والتزام السنة؛ ليحافظ على رأس ماله، ويحسن الانطلاق مرة أخرى إلى الطاعة بقوة ونشاط؛ لأن الانطلاق من التوسط خير من الانطلاق من الصفر.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) . رواه ابن حبان في "صحيحه" (1/187) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (56) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ) رواه الترمذي (2453) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (57) .
قال المباركفوري رحمه الله:
" قوله (إن لكل شيء شِرَّةً) أي: حرصا على الشيء ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر.
(ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً) أي: وهْناً وضعفاً وسكوناً.
(فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أي: جعل صاحب الشرة عملَه متوسطاً، وتجنب طرفي إفراط الشرة وتفريط الفترة.
(فَارْجُوهُ) أي: ارجو الفلاح منه؛ فإنه يمكنه الدوام على الوسط , وأحب الأعمال إلى الله أدومها.
(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أي: اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد وسار مشهوراً مشارا إليه.
(فَلا تَعُدُّوهُ) أي: لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا , ولم يقل فلا ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (7 / 126) .
ولكي يتجنب المسلم الإفراط والتفريط فعليه بالقصد، وهو التوسط، فلا يبالغ في فعل العبادة والطاعة؛ لئلا يملَّ فيترك، ولا يتركها كسلاً وتهاوناً لئلا يستمرئ الترك فلا يرجع، وكلا الأمرين ذميم، ومن توسط في الأمر سلك، ومن سلك وصل إلى ما يحبه الله ويرضاه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ. قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا، وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) . رواه البخاري (6098) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (سددوا) معناه: اقصدوا السداد أي: الصواب.
قوله " وقاربوا " أي: لا تُفْرِطُوا (أي تشددوا) فتُجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فَتُفَرِّطُوا (أي تقصروا) .
قوله " واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة ": والمراد بالغدو السير من أول النهار , وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار , والدلجة: سير الليل، يقال: سار دلجة من الليل أي ساعة، فلذلك قال: (شيء من الدلجة) لعسر سير جميع الليل.
وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة , وعبر بما يدل على السير لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة.
قوله " والقصدَ القصدَ " أي: الزموا الطريق الوسط المعتدل , واللفظ الثاني للتأكيد " انتهى باختصار.
"فتح الباري" (11/297،) .
والخلاصة: ندعوك للتفكر في الأحاديث السابقة، والتأمل في معناها، واعلم أن التوبة بحاجة إلى شكر، وأعظم الشكر أن تداوم على بقائها، ولا يكون ذلك إلا بالمداومة على العمل والطاعة، واعلم أن (أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) رواه البخاري ومسلم، فلا تبدأ بقوة ولا تفتر بالمرَّة، بل اقتصد في الطاعة، وهذا في مقدورك، وكلما رأيت من نفسك نشاطا فاجعله في طاعة الله، وكلما رأيتَ فتوراً ومللاً فارجع إلى التوسط، ونسأل الله أن ييسر أمرك، ويهديك لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/320)
مسلمة متعلقة بشاب هندوسي وتريد أن تنساه
[السُّؤَالُ]
ـ[مضى علي 7 أعوام وأنا أحب شابا. وهو يعارض ديني حيث إنه هندوسي. وبعد محاولات كثيرة تمكنت من إقناعه بالإسلام، وقد وافق، لكنه غير رأيه الآن وأخذ يسيء إلي بصورة مستمرة كما أنه يتجاهلني لأنه غني. وأظن أن علي أن أتركه، لكني لا أقدر على ذلك لأني أحبه كثيرا وأخاف من تركه. لقد اهتم بي منذ 4 سنوات، فأنا أقيم بمفردي بعيدا عن أهلي من أجل الدراسة. أرجو أن تقترحوا علي دعاءً قويا كي أنجح في وظيفتي وحتى أنسى بالكلية هذا الشخص الذي يداوم على إيذائي وتجاهلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب أن تبادري بالتوبة إلى الله تعالى، والتضرع إليه أن يغفر لك ويتجاوز عنك، فقد أسأت لنفسك ولدينك، وقضيت هذه الفترة الطويلة من عمرك في معصية الله، وزين لك الشيطان سوء عملك، وزعمت أنك تريدين دعوة هذا العابث إلى الإسلام، وكان عليك أن تدعي نفسك إلى تقوى الله تعالى والخوف منه والحذر من عقابه.
وإنها والله لبلية عظيمة أن يفرط الآباء والأمهات في حفظ بناتهم، ويتركونهن عرضة للذئاب المفترسة، بحجة الدراسة، فأين الغيرة يا أهل الإسلام، وأين أنتم من الأمانة التي ستسألون عنها غدا بين يدي الله؟
إن بقاءك بعيدة عن أهلك كان بداية الشر، ثم تعرفك على هذا الشاب، ومحبتك له، ثم تعلقك به، حتى صرت تخافين من تركه والبعد عنه، كل هذا مما يجب أن تتوبي منه إلى ربك، قبل أن يفجأك الموت وأنت على هذه الحال، واحمدي الله تعالى أن في قلبك بقية من الحياة، دعتك إلى أن تسألي، وتحاولي الخروج من هذا البلاء العظيم، نسأل الله أن ينقذك وأن يسلمك.
ثانيا:
إن أمامك خطوات لابد منها لتتخلصي من هذه العلاقة الآثمة، التي قد توردك المهالك في الدنيا والآخرة:
1- أن تعزمي عزما أكيدا على قطع هذه العلاقة، خوفا من الله تعالى، ورجاء أن يغفر لك ما مضى، وليس لأن الشاب قد تجاهلك وآذاك، بل لأن ربك العظيم له حق عليك، وأنت مؤمنة يجب أن تسعي لمرضاته والبعد عن مخالفته.
2- أن تقطعي كل وسيلة للاتصال بينكما، وأن تغيري محل إقامتك إن استطعت، بل أن تعودي إلى أهلك حتى ييسر الله لك الانشغال عنه ونسيانه، وثبات قلبك على تركه.
3- أن تنشغلي بطاعة الله تعالى، من المحافظة على الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، فإن النفس إن لم تشغليها بالطاعة، شغلتك بالمعصية. والشيطان قريب من العبد المقصر المفرط في عبادته ودينه.
4- أن لا تفكري في شأن هذا الشاب مطلقا، ولا في مسألة دعوته إلى الإسلام، فإن هذا من مداخل الشيطان، ليوقعك في غضب الله وسخطه.
5- أن تتذكري انتماءك لهذا الدين العظيم، فلا تشمِّتي به هذا الفاجر، وأن تعلمي أنه واجب على كل مسلم أن يتبرأ من الكافرين، وألا يكون في قلبه مودة لأحد منهم، كما قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22.
6- أن تبحثي عن بعض الصديقات الصالحات، ليكنّ عونا لك على طاعة الله، وحاجزا بينك وبين معصية الله، وأن تكثري من سماع أشرطة المواعظ والرقائق، عن الجنة والنار والموت وعذاب القبر، ليزداد يقينك، ويعظم خوفك، وتدركي حقارة الدنيا وما فيها، وعظمة الآخرة وما أعد الله لأهلها.
7- أن تكثري من دعاء الله تعالى وسؤاله أن يصرف عنك السوء، وينجيك من الفتن، ومن ذلك أن تقولي: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي. اللهم طهر قلبي وحصن فرجي، اللهم اصرف عني كيد الشيطان. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. والمهم أن يكون ذلك بتضرع وتذلل وحضور قلب، وأن تختاري أوقات الإجابة، كما بين الأذان والإقامة، وأثناء السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وليس المهم أن يكون الدعاء بألفاظ محفوظة، ولكن سلي الله حاجتك باللغة التي تستطيعين، معلنة فقرك وحاجتك إلى الله، سائلة له أن ينقذك، ويطهرك، ويصرف عنك السوء، ويسترك بستره الجميل في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن يهديك، ويتوب عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/321)
ارتكب معصية يؤنبه ضميره عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يسأل فيقول: إنه كان يرتكب بعض المعاصي وتاب إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن هناك معصية ما زالت تؤنب ضميره وهو أنه فعل الزنا في بكر، وهو يسأل ماذا يصنع؟ فهو لا يستطيع أن يتزوجها، وهذا الأمر قد سبب له آلاماً نفسية وعيشة مضطربة، فما رأي فضيلتكم في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي نرى أن الإنسان إذا تاب من أيِّ ذنب فإن الله يتوب عليه، لأن الله ذكر أصول المعاصي وهي الذنوب الكبيرة العظيمة في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ) وهذا الشرك (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ) وهذا القتل (وَلا يَزْنُونَ) وهذا فعل الفاحشة، عدوان على الله وعلى النفوس وعلى الأعراض، ثم قال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68-70.
فالواجب على الإنسان أن يتوب توبة نصوحاً تكتمل فيها الشروط الخمسة المعروفة، وهي الندم والإقلاع والعزم على ألا يعود في المستقبل، والإخلاص وهو الأصل، وأن تكون التوبة قبل فوات الأوان، فإذا استكملت هذه الشروط الخمسة في حقه فهي توبة نصوح، يمحو الله بها كل ما سلف من ذنوبه حتى الزنا.
أما بالنسبة للمزني بها، فإن كان باختيارها فهي تسأل عن ذلك بنفسها، وإن كان إكراهاً فعلى الذي أكرهها أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الإكراه، وإذا تمكن من أن يستحلها فليفعل، وإذا لم يتمكن فليكثر من الاستغفار لها، والله سبحانه وتعالى غفور رحيم.
أما ما حصل من إذهاب بكارتها بهذا الزنا، وأنها ستكون في حرج عظيم، لأنها إذا خطبت على أنها بكر كشف أمرها في ليلة البناء، وأما إذا قالت: إنها زالت بكارتها، تناولتها الألسن وجلبت بذلك الفضيحة لأهلها، وإن سكتت كان في هذا شيء من الغش بالنسبة للزوج الذي يتزوجها، لكن أرجو من الله عز وجل إن كانت توبة هذا الشاب توبة صادقة، وكانت المرأة أيضاً توبتها صادقة أن يجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً.
وأما قولك في السؤال: إنه لا يمكن أن يتزوج بها فلا أدري لماذا؟ فإذا تابا وتيسر له أن يتزوج بها فحسن، وإذا لم يتيسر، فسيجعل الله لها فرجاً ومخرجاً ما دامت توبتها صادقة، لأن الله تعالى قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/ 2، وهذا عام، وقال تعالى أيضاً: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين من "لقاءات الباب المفتوح" (3/335-336) .(7/322)
ضم أخته وهما عاريان
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كان عمري 13 سنة وكنت بالغاً قمت بضم أختي وهي عارية وقد تلامس الفرجان ولكن لم يحصل إدخال، الآن وقد أصبح عمري 23 سنة أشعر بالتعاسة بسبب ما حصل وأريد أن أعرف هل يجب أن يطبق على الحد؟ وإذا تبت فهل يجب أن أعترف بما فعلت ليقام علي الحد؟ أم أن التوبة تكفي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذا العمل القبيح المنكر، وأن تندم عليه، وتعزم على عدم العود لشيء من ذلك، ومن تاب تاب الله عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ويتوب الله على من تاب" رواه البخاري 6426 ومسلم 1048.
والتوبة واجبة من الذنب العظيم الذي أرتكبته، نسأل الله أن يعفو عنا وعنك، وأن يوفقك للتوبة الصادقة النصوح.
وحق لك أن تشعر بالتعاسة والخزي، فإن الرجل يحمي أهله، ويُقاتل دفاعا عن عرضه (ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد) ، فكيف يكون هو الجاني المعتدي الآثم، ولعل هذا الحدث يزيدك يقينا بأهمية تربية الأبناء وتنشئتهم على الأخلاق والقيم، والتفريق بينهم في المضاجع، وإبعادهم عن أسباب الرذيلة، ووسائل المنكر التي تهيج فيهم الغريزة، وتقودهم إلى الهاوية.
وننصحك بعد هذا كله أن تستر على نفسك وألا تخبر أحداً بما جرى، وليس عليك حدٌ، بل عليك التوبة النصوح، وأكثر من الأعمال الصالحة فـ (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/323)
احتبس المني من احتلام وأصابه الضرر فهل يستعمل العادة السرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 29 سنة، لقد استيقظت البارحة من نومي وكنت على وشك الاحتلام ولكن لم يتم نزول أي سائل , وعدت إلى نومي , لكن عندما استيقظت ثانية وجدت ألماً فظيعاً في الخصيتين , فأنا أعلم أن هناك بعضاً من السائل محبوس لدي؛ لأن هذا الوضع حدث معي من قبل وكنت أعالجه بأن أجلس في بعض الماء الدافئ فأتخلص من هذا السائل المحبوس، وبالفعل قررت أن أعالجه كما سبق أن ذكرت لكن الماء الدافئ لم يفعل أي شيء وكنت أتألم ألماً شديداً، فوسوس لي الشيطان أن أتخلص من هذا السائل عن طريق ممارسة العادة السرية ففعلت، وأقسم أنني قد تخلصت من هذه العادة منذ زمن بعيد لكني كنت تحت ضغط هذا الألم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العادة السرية محرَّمة، وقد سبق بيان ذلك في السؤال (329) فليراجع.
وقد ذكر أهل العلم أنه يجوز استعمال العادة السرية إذا كان لدفع شهوة عارمة يمكن أن تؤدي بصاحبها لأن يقع في فاحشة الزنا أو اللواط، وكذا يجوز ذلك من أجل الفحص الطبي إن كان عازباً واضطر لمثل هذه الفحوص، وكذا يجوز استعمالها إن خاف على بدنه من ضرر احتباس المني، وهذه الحالة لعلها هي التي جاءت في السؤال، وفي كل الحالات لا يجوز تجاوز حد الضرورة، فلا يجوز تكرارها، والضرورة تقدَّر بقدرها.
قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله:
" ومن استمني بيده خوفاً من الزنا، أو خوفاً على بدنه: فلا شيء عليه إذا لم يقدر على نكاح، ولو لأمَة، ولا يجد ثمن أمة، وإلا حَرُم، وعزِّر " انتهى.
" الإقناع " (4 / 268)
وفي " شرح منتهى الإرادات " (3 / 364) :
" ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرُم فعلُه ذلك، وعزِّر عليه؛ لأنه معصية، وإن فعله خوفا من الزنا أو اللواط: فلا شيء عليه، كما لو فعله خوفاً على بدنه، بل أولى " انتهى.
ونحن نشد على يديك إذ تركت هذه العادة السيئة، فاثبت على ذلك، وإن كان ما فعلته إنما هو بسبب الألم، فلا إثم عليك إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/324)
أرسل حديثا لينشر الخير ثم تبين له أنه حديث موضوع فماذا يعمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتاني على بريدي رسالة فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نهاية الرسالة كالعادة يطلب الأخ المرسل بإرسال الرسالة إلى كل من تعرف لتعم الفائدة، فقمت بإرسالها إلى أشخاص كثيرين، ثم اتضح لي أن الحديث موضوع. أخبرني بعض أهل الخير أن أقوم بإرسال رسالة إلى كل من قد أرسلت له هذه الرسالة أخبرهم فيها أن الحديث موضوع. المشكلة أني لا أعرف من هم الأشخاص الذين أرسلت إليهم هذه الرسالة. هل عليّ أي ذنب أو أن علي الاستغفار؟ علما بأن الحديث ليس فيه تشريع، فهو عبارة عن قصة حدثت والرسول صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة وكان هناك أعرابي يطوف. . إلخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشر الرسائل الدعوية المشتملة على بيان الأحكام الشرعية، أو المواعظ والقصص النافعة، باب عظيم من أبواب الخير، لكثرة المتلقين لها، مع سهولة إرسالها. لكن ينبغي التأكد من مضمون الرسالة، وصحة ما فيها من الأحاديث؛ لأن بعض الناس أساء التصرف في هذه النعمة، فصار كحاطب ليل ينقل الأحاديث الموضوعة، والقصص المكذوبة.
ولا يحل لأحد أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أن الحديث موضوع، أي مكذوب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (933) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (1/71) :
" يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا، أو غلب على ظنه وضعه. فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ولم يبين حال روايته ووضعه فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويدل عليه أيضا الحديث السابق: (من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . ولهذا قال العلماء: ينبغي لمن أراد رواية حديث أو ذكره أن ينظر؛ فإن كان صحيحا أو حسنا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعله، أو نحو ذلك من صيغ الجزم. وإن كان ضعيفاً فلا يقل: قال أو فعل أو أمر أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم، بل يقول: رُوي عنه كذا، أو جاء عنه كذا، أو يروى أو يُذكر أو يُحكى أو يُقال أو بلغنا وما أشبهه. والله سبحانه أعلم " انتهى.
وقال أيضا:
" لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام وما لا حكم فيه، كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك، فكله حرام من أكبر الكبائر، وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع، خلافاً للكرّامية الطائفة المبتدعة في زعمهم الباطل أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب، وتابعهم على هذا كثيرون من الجهلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد أو ينسبهم جهلة مثلهم " انتهى.
وأما ما وقعت فيه من نشر هذا الحديث الموضوع، فكفارة ذلك أن تستغفر الله تعالى، وأن تجتهد في إخبار من يغلب على ظنك أنك أرسلت له هذا الحديث، بأن الحديث موضوع لا يجوز نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن فعلت ذلك، فهذا هو ما في وسعك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وعليك أن لا تنشر شيئاً من الأحاديث بعد ذلك إلا بعد التأكد من صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/325)
تاب من علاقة محرمة فهل يتزوج من صديقته بعد إسلامها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم طوال عمري، وقد فعلت ذنوباً عظيمة في حياتي، كنت مع فتاة نصرانية لمدة سنتين، ثم تركتها لأنني أصبحت قريباً من الإسلام، هي تعلم بأننا لا يجب أن نكون سويّاً الآن، أعلم بأنني كنت مسلماً عاصياً، ولكنني الآن أريد أن أفعل أي شيء ليغفر الله ذنبي، قمنا بفعل بعض الأفعال الجنسية إلا فاحشة الزنا.
أعلم بأن هذه أمور عظيمة وأطلب المغفرة من الله وندمت على ما فعلت، وقد كان هذا بسبب جهلي، وقد تبت الآن، وأقوم الآن بأداء الصلوات الخمس، وأذهب للمسجد وأقرأ القرآن، ولا أنوي العودة أبداً لما كنت أفعل في السابق.
أشعر بأنني يجب أن أتزوج مسلمة من إحدى البلاد الإسلامية وأغيِّر حياتي، ولكنني أشعر كذلك بأنني يجب أن أخبر تلك الفتاة عن الإسلام أملاً أن تسلم ولي أسئلة:
1- هل أتزوجها إذا أسلمت؟
2- هل أبحث عن مسلمة وأبدأ حياة جديدة؟
3- هل سيُغفر لي ما قد فعلت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الشعور بالذنب والندم على فعله هما علامة توفيق الله لصاحب الذنب أنه يسير في الطريق الصحيح الذي يعقب اقترافه وفعله، ولا نريد التهوين مما فعلت، ويكفي أنك تعلم أن ما فعلتَه يغضب ربك تبارك وتعالى، وأنه من كبائر الذنوب، لكن نريد أن نفتح لك طريق التوبة، ونعلمك أن الله سبحانه وتعالى مع أنه لم تضره معصيتك، وهو غني عن توبتك إلا أنه تعالى وفقك لها وهو يفرح بها عز وجل.
فلا بدَّ أن يكون منك إقلاع عن معاصيك السابقة، ولا بدَّ لك من ندم خالص من قلبك، ولا بدَّ من عهدٍ وعزمٍ أن لا تعود لمثل هذه الذنوب مرة أخرى.
ولا ينبغي لك اليأس من رحمة الله تعالى، فالله تعالى يغفر الذنوب جميعاً، وما عليك سوى الصدق في التوبة، وسترى ما يسرك بعد توبتك من انشراح صدرك، وتحمسك للطاعة، والبحث عن رضى الله عز وجل.
انظر (624) و (13990) و (34905) و (22912) .
ثانياً:
ولا بدَّ لك كذلك من قطع علاقتك بتلك المرأة خشية أن تعود للذنب، والأصل في المسلم التائب هو الابتعاد عن البيئة التي كان يعصي الله تعالى فيها، ولا بدَّ له من هجر وترك كل الوسائل التي يمكن أن تؤدي به للوقوع في المعصية.
ولذلك لا نرى أن تعاود الاتصال بتلك المرأة، ولو كان بحجة دعوتها للإسلام، فعليك – أولاً – النجاة بنفسك، ومن يضمن لك لو رجعت إلى ذنبك – لا قدَّر الله – أن توفق إلى التوبة؟ .
ويمكنك أن توصي بعض النساء المسلمات الثقات بها لأجل دعوتها للإسلام، ولا نرى أن تكون أنت من يقوم بذلك.
ثالثاً:
ولا نرى جواز الزواج منها وهي على حالها الذي وصفتَ، لا لأنها نصرانية، بل لأنها غير عفيفة – على حسب ما قلتَ –، وقد أباح الله تعالى لنا الزواج من أهل الكتاب لكنه – تعالى – اشترط وصف " الإحصان " فيهن، وهو العفة عن الزنا واتخاذ العشاق.
انظر (22302) و (2527) .
فالذي ننصحك به هو التزوج من مسلمة متدينة تحفظ لك دينك، وتدلك على الخير، وتعينك على الطاعة، فبمثل هذا يكون الظفر.
انظر (20227) و (8391) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/326)
هل هناك حد أو كفارة للاستمناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسبب الاستمناء فقدت غشاء البكارة فهل يجعلني هذا أعتبر بذلك زانية؟ وهل يجب أن يقام عليَّ الحد بمائة جلدة أو أن هناك حدّاً آخر في الشريعة لهذا الذنب؟ وإذا كان هناك حد في الشريعة لمثل هذا الذنب.
وأسأل أيضاً: هل يمكن أن أتزوج من إنسان عفيف بعد تورطي في الاستمناء مرات عديدة؟ أرجو الإجابة من الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العادة السرية محرَّمة، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال (329) فليراجع، ويجب عليكِ التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
وللمعاصي عقوبات كثيرة يعاقب بها صاحبها في الدنيا، فضلاً عما يستحقه من عقاب الآخرة. وقد سبق ذكر بعض هذه العقوبات في إجابة السؤال رقم (23425) . فلتبادري بالتوبة النصوح قبل أن يحال بينك وبينها، وتندمين وقت لا ينفع الندم.
فإذا أكرمك الله تعالى ووفقك للتوبة غُفِرَ لك هذا الذنب، وصار كأن لم يكن. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3427) .
ثانياً:
فقدان غشاء البكارة بهذا الفعل ليس من الزنا، ولا يوجب حدّاً ولا كفَّارة.
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ الاسْتِمْنَاءِ، فَأَجَابَ:
أَمَّا الاسْتِمْنَاءُ فَالأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ , وَعَلَى فَاعِلِهِ التَّعْزِيرُ ; وَلَيْسَ مِثْلَ الزِّنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "الفتاوى الكبرى" (3/439) .
ثالثاً:
إن تبيَّن أن غشاء البكارة قد زال بفعل العادة السرية فإنه لا سبيل لكِ إلا مصارحة الخاطب بما حصل معك، دون داعٍ للتفصيل الذي يسبب لك إحراجاً، فيكفي أن يعلم أنه قد حصل هذا من غير فاحشة، لأن غشاء البكارة يمكن أن يزول بسبب الرياضة أو الضرب أو السقوط أو المرض.
ولن تُفضحي إذا تبتِ إلى الله وصدقتِ في توبتك، فالله تعالى ستِّير يحب الستر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/327)
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب من الرجل أن يتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة جديدة ولله الحمد ولي سؤال هو: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب من الرجل أن يتزوجها؟ هل ذكر الحديث عن المرأة تطلب الرجل؟
الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا ... الحديث " رواه الترمذي، وصححه الألباني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسرنا أن نبارك لك اختيارك الموفق لطريق الأنبياء ومسلك العاقلين وهو توحيد الله تعالى والشهادة لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
وأما عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح فإنه لا يناقض الحياء، على أن يكون موثوقاً بدينه وخلقه.
عن ثابت البناني قال: كنتُ عند أنس بن مالك وعنده ابنة له قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تَعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقلَّ حياءها، وا سوأتاه، وا سوأتاه، قال: هي خير منكِ، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضتْ عليه نفسَها. رواه البخاري (4828) .
وقد بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله: باب " عرْض المرأة نفسَها على الرجل الصالح ".
وقال الحافظ ابن حجر:
قال ابن المنيِّر في " الحاشية ": من لطائف البخاري أنه لما علم الخصوصية في قصة الواهبة استنبط من الحديث ما لا خصوصية فيه وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه، فيجوز لها ذلك، وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه....
وفي الحديثين – أي: حديث سهل وحديث أنس وكلاهما في التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم -: جواز عرض المرأة نفسها على الرجل، وتعريفه رغبتها فيه، أن لا غضاضة عليها في ذلك، وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار ـ له أن يقبل أو يرفض ـ، لكن لا ينبغي أن يصرح لها بالرد بل يكتفي السكوت. " فتح الباري " (9 / 175) .
وقال العيني:
قول أنس لابنته " هي خير منكِ " دليل على جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه وفضله، أو لعلمه وشرفه، أو لخصلة من خصال الدين، وأنه لا عار عليها في ذلك، بل يدل على فضلها، وبنت أنس – رضي الله عنه – نظرت إلى ظاهر الصورة، ولم تدرك هذا المعنى حتى قال أنس " هي خير منكِ "، وأما التي تعرض نفسها على الرجل لأجل غرض من الأغراض الدنيوية فأقبح ما يكون من الأمر وأفضحه. " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (20 / 113) .
والأفضل للمرأة أن تلمِّح لوليِّها برغبتها بالزواج من الرجل الصالح الموثوق بدينه وخلقه دون التصريح للزوج بذلك، ويمكن الاستدلال بما فعلته إحدى المرأتين حين قالت لأبيها – عن موسى عليه السلام -: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) القصص/26، قال القرطبي:
قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) القصص/27 فيه عرض الولي ابنته على الرجل، وهذه سنَّة قائمة عرض صالح مدين ابنته على صالح بني إسرائيل، وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن الحَسن عرض الرجل وليته، والمرأة نفسها على الرجل الصالح اقتداء بالسلف الصالح، قال ابن عمر لما تأيمت حفصة قال عمر لعثمان: إن شئتَ أنكحك حفصة بنت عمر، انفرد بإخراجه البخاري (4005)
" تفسير القرطبي " (13 / 271) .
إلا أن ينبغي التنبيه على أن أكثر ما يقع الآن من ميل المرأة إلى رجل معين يكون بأسباب محرَّمة كالتساهل منها في مخاطبته والجلوس معه. وقد يكون صاحب غرض سيئ فيستغل هذا العرض منها في الوصول إلى بعض أغراضه. فيجب الحذر من هذا وحفظ العرض عما يدنسه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/328)
لا يشترط لصحة التوبة الوضوء ولا الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعلم هل القيام بالوضوء - وليس الغسل - يعتبر ضروريا قبل التوبة، وأيضاً إذا كان الغسل ضروريّاً قبل التوبة في حالة ما إذا كان الشخص غير طاهر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخلو واحد من البشر من الخطأ والذنب، وخير هؤلاء هو من يسارع إلى التوبة، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلُّ ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذي (2499) وابن ماجه (4251) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (3428) .
وأوجب الله سبحانه وتعالى التوبةَ على عباده فقال:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التحريم/8.
وأخبر الله تعالى أنه يقبل التوبة من عباده، وأنه يعفو عنهم، بل يبدل سيئاتهم حسنات، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25، وقال: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70.
ولم يوجب الله تعالى على التائب وضوءً ولا غسلاً، سواء كان محدِثاً حدثاً أصغر أو أكبر، لا قبل التوبة ولا بعدها، إلا إن تاب من كفر أو ردَّة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
لا يلزم الغسل بعد التوبة الصادقة من المعاصي؛ لأن الأصل عدم مشروعية ذلك، ولا نعلم دليلاً يخالف هذا الأصل إلا إذا كانت التوبة من كفر فإنه يشرع لمن أسلم أن يغتسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر بذلك قيس بن عاصم لما أسلم "، رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن السكن. " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 317) .
وشروط التوبة عند أهل العلم معروفة محصورة وليس منها الوضوء أو الغسل، وهي:
أ- الإخلاص في التوبة.
ب- الإقلاع عن ذنبه.
ج- الندم على ذنبه.
د- العزم على عدم رجوعه إلى الذنب.
هـ- التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، فلا يقبل الله التوبة عند الغرغرة قبل قبض الروح، ولا بعد طلوع الشمس من مغربها.
و إرجاع الحقوق إلى أهلها إن كانت معصيته تتعلق بحقوق الآدميين.
ولمعرفة المزيد عن هذه الشروط راجع السؤال رقم (13990) و (14289)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/329)
توبة الزاني
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق متزوّج أخبرني بأنّه قد استمتع بامرأة بالحرام دون إيلاج فهل عليه الرّجم وكيف يتوب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قام به صاحبك جريمة عظيمة وذنب كبير يجب عليه أن يتوب إلى الله منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَالرِّجْلانِ تَزْنِيَانِ وَالْفَرْجُ يَزْنِي ". رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 4150
وأخبر صاحبك أنّ عليه أن يُكثر من الحسنات لعلّ الله أن يكفّر عنه بها سيئاته كما روى عَبْد اللَّهِ بن مسعود قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَقِيتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَضَمَمْتُهَا إِلَيَّ وَبَاشَرْتُهَا وَقَبَّلْتُهَا وَفَعَلْتُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُجَامِعْهَا قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) ، قَالَ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً فَقَالَ: " بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً. " رواه الإمام أحمد
ولمزيد من التفاصيل عن التوبة من الزنا راجع سؤال رقم (624)
وأمّا عن سؤالك هل يعتبر ما اقترفه زنا حدّه الرّجم؟ فالجواب أنّ الرّجم للزاني المحصن والجلد لغير المحصن لا يكون إلا بإيلاج ذكر الزاني في فرج الزانية. وما سوى ذلك يستحق عليه عقوبة أخرى بحسب درجة الحرام الذي اقترفه. ولا يجب عليه الاعتراف عند القاضي بما فعل بل تكفيه التوبة فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ وهو التوّاب الرحيم.
نسأل الله أن يتوب علينا وعليه وعلى سائر المسلمين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/330)
تريد أن تترك الصلاة حياءً من الله لأنها تقع في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[اعلم أن الزنا من الفواحش، وأخجل من الوقوف بين يدي الله للصلاة بعد الاغتسال من الجنابة بسببه، وأسأل الله المغفرة وصدقني بأنني غير مرتاحة نفسياً لما أفعله لكنني أحاول إسكات ضميري، هل أعاود الصلاة أم لا؟ مع استمرار الزنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر وجريمة من أقبح الجرائم، وفاحشة من أعظم الفواحش، يقول الله تعالى:
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء / 32، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) الفرقان.
ولذلك عاقب الله الزناة في الدنيا بعقوبات شديدة، وأوجب على ذلك الحد، فقال تعالى في بيان حد الزاني البكر: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) الحدود / 3199.
ولشناعة هذا الفعل وبشاعته فقد تأذّى منه القردة، حتى إنهم أقاموا حد الرجم على قردة قد زنت كما ثبت في صحيح البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: (رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ) المناقب /5360.
فكيف يرضى المسلم المكَلَّف المحاسب بعد أن شرّفه الله بالإسلام أن ينزل إلى مستوى الحيوانات والبهائم التي كلّما ثار فيها سُعار الشهوة أطفأتها كيفما شاءت، إن هذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي.... قال: فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم اللهب ضوضوا، قال قلت لهما ما هؤلاء ... فقالا لي: وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني..) (6525) .
(والتنور: هو الكانون أو الفرن الذي يخبز فيه) .
ومعنى ضوضوا: أي ارتفع صوتهم ولغطهم.
فإذا مات الإنسان على مثل هذا الذنب فماذا يكون حاله!! بل ماذا يقول لربه إذا وقف للعرض عليه! أهكذا يكون شكر نعم الله عز وجل المتوالية التي لا تحصى، أهكذا يكون شكر نعمة الصحة والعافية! أغاب عنك أن الله يراكِ وأنت متلبِّسة بهذا الذنب العظيم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران/5
ألم تعلمي أن هذه الجوارح التي عصيت بها خالقك ستشهد عليك يوم القيامة! ألم تسمعي قول الجبار جل وعلا: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) سورة فُصِّلت.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح من هذا الذنب العظيم، والندم على ذلك أشد الندم، والإقلاع الفوري عنه، وعن كل وسيلة تكون سبباً إليه ومن ذلك:
1- السفور والتبرج بكشف الوجه أو الشعر أو شيء من البدن، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ... قال: وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه الإمام مسلم (اللباس والزينة/3971) .
2- والخلوة بمن كان أجنبياً عنك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري (3842)
3- وإياك الاختلاط بمن لا يحل لك، فإن الزنى لم يحصل إلا نتيجة لذلك، وعليك أن تستجيبي لداعي نفسك اللوامة ولا تلتفتي إلى وسوسة الشيطان وتزيناته وتهوينه من هذه الجريمة، فلقد أقسم الشيطان بعزّة الله على إغواء بني آدم. قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين َ* إلا عبادك منهم المخلصين) سورة ص / 82، فقد ظفر منك الشيطان بهذا. ثم إنه لم يقنع بوقوعك في بل إنه يسعى إلى خلودك في النار والعياذ بالله، وذلك بتزيَّن لك ترك الصلاة بهذه الحجة الواهية.
إنَّ ترك الصلاة كفر بالله في صحيح مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) الإيمان / 116، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي الإيمان / 2545، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2113) .
فعليك بالإكثار من الاستغفار، والتوبة والدعاء، والمحافظة على الصلوات والإكثار منها، واحرصي على الخشوع فيها لأن الله تعالى يقول: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت /45، وقال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) سورة هود / 114، وعليك أن لا تستثقلي التوبة أو تشعري بأن الله عز وجل لن يتوب عليك فالشيطان حريص على أن يزرع اليأس والقنوط في قلبك.
واعلمي أن من تاب تاب الله عليه وبدَّل سيئاته حسنات قال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) سورة الفرقان/71.
إن باب التوبة مفتوح، ولا أحد يحُول بينك وبين التوبة، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (الدعوات/3460) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2802) .
والله يفرح بهذه التوبة فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) باب التوبة / 4932
وأخيراً:
عليك بعد التوبة بقطع طرق الفاحشة وذلك بالطريق الشرعي الذي أباحه الله عز وجل وهو الزواج، وعليك أن تعلمي أنه لا يجوز للمسلم والمسلمة الزواج ممن وقع في الزنى إلا إذا تاب إلى الله، فإن تاب وترك ذلك فإنه يجوز لك الزواج منه بعد التوبة، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم (11195) و (2627) ، وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/331)
لا يصلي ويقيم مع عشيقته ويريد أن يتوب ويتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مسلم فرنسي ولكنه لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته المسيحية يرغب في التوبة والصيام، ولكنه يتحجج بوجود هذه المرأة معه، هل يجوز له أن يتزوجها الآن مع العلم بأن غداً هو أول أيام رمضان؟ وإذا جاز ذلك فكيف هو السبيل والإجراء الشرعي المتبع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليعلم هذا الشخص وغيره أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملَّة، والإسلام لا يرضى لأحدٍ من أتباعه أن لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته.
فالواجب عليكم أن تنصحوه وتبينوا له حقيقة الإسلام، وأنه استسلام لأحكام الشرع، والمسلم ينبغي أن يكون قدوة للآخرين لاسيما في تلك البلاد، وهو لا يمثل نفسه بل يمثل الإسلام الذي دخله والتزمه، فالواجب عليه ترك ما هو فيه من معاصٍ، والالتزام بأحكام الشرع وبخاصة الصلاة، التي هي الفاصل بين الإسلام والكفر.
ثانياً:
وقد سَرَّنا كثيراً أنه يريد التوبة فما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ والله تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن، وإذا أقبل العبد على الله أقبل الله عليه، وغفر ذنبه , فعليه المبادرة بالتوبة، وعدم تسويفها، أو تعليقها بحصول أشياء خشية أن يموت ولم يتب، فيلقى ربه بذنوبه ومعاصيه، وقد يلقاه بالكفر.
وبيِّنوا له أن الله تعالى يبدِّل السيئات حسنات لمن تاب، قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70.
فعليه المبادرة بترك كل ما هو عليه مما يغضب الله تعالى من ترك الصلاة والإقامة مع عشيقته.
وانظر أجوبة الأسئلة: (624) و (13990) و (34905) و (22912) .
ثالثاً:
إذا تاب وأناب إلى الله: فليعلم أنه لا يجوز له الزواج من تلك العشيقة، لا لأنها نصرانية، بل لأنها " زانية " – على حسب وصفه وكلامه -، ومن شروط نكاح الكتابية – اليهودية أو النصرانية – أن تكون محصنة، أي: عفيفة غير زانية ولا لها عشيق، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) النساء/5. فاشترط الله تعالى لنكاحها أن تكون عفيفة، ولا يجوز لمسلم أن ينكح كتابية وهي ليست كذلك، بل لو كانت مسلمة لكنها زانية ما جاز لمسلم عفيف أن يتزوجها، قال تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وانظر تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (11195) و (2527) .
فإذا أراد أن يتزوجها فلا بد أن يكون ذلك بعد توبته ورجوعه للإسلام بأداء الصلاة، وبعد توبتهما معاً من الزنى.
هذا إذا أراد أن يتزوجها.
وواجب النصيحة يحتم علينا أن ندله على خير ما نعلم مما يصلح دينه ودنياه، وهو أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، ويبادر إلى ترك هذه المرأة دون تردد ولا تسويف، وأن يبحث عن غيرها من المسلمات المحصنات المؤمنات، فهو إن تاب إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى من تفهم دينها وتقف بجانبه وتحثه على طاعة الرحمن بعد ذلك الضياع، وأما تلك المرأة فإنها لو تابت من الزنى فلن تكون عوناً له على طاعة الله عز وجل، ولن تكون أمينة على بيته وماله وعرضه، ولن تصلح لتربية أبنائه وبناته، فلا نريد له بهذه النصيحة إلا الخير، وليستعمل عقله، ويبتعد عن العاطفة ليعلم أن هذا هو الصواب.
ولو قَلَّب نظره يميناً وشمالاً لرأى كثيراً من إخوانه المسلمين الذين تزوجوا من غير المسلمات قد ساءت أحوالهم، وندموا على ذلك، وتمنوا أنهم لم يتزوجوا من غير مسلمة.
وانظر جواب السؤال رقم (20227) و (45645) فهما مهمان.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/332)
التوبة من الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أعلم ماذا أفعل لكنني اقترفت خطيئة عظيمة. أعلم أن مفهوم (الاعتراف للكاهن) لا وجود له في ديننا الجميل. لكنني اقترفت الزنا. أريد أن أتوب وأسأل الله الصفح والمغفرة. عندما قرأت سورة النور وجدت أنني لا أستطيع الزواج من امرأة عفيفة طاهرة، فماذا يجب أن أفعل؟ أرجو أن تدعو لي أن يخفف الله عقوبتي في نار جهنم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا تيأس من رحمة الله وتدبّر قوله تعالى: (قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) سورة الزمر / 53
ثانيا:
اجعل توبتك خالصة لله وابتعد عن كلّ ما يؤدي بك إلى الحرام والعودة إلى الجريمة وأكثر من الصالحات فإن الحسنات يذهبن السيئات.
ثالثا:
إذا تبت إلى الله زال عنك وصف الزنا وبالتالي يجوز لك أن تتزوج امرأة طاهرة عفيفة.
رابعا:
المؤمن همته عالية في الدعاء فهو لا يدعو بأن يخفّف الله عنه عذاب جهنم بل يدعو الله أن يعتقه من النار ويدخله الجنة بل ويرزقه الفردوس الأعلى مع اجتهاده في عمل الصالحات والتوبة من السيئات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/333)
كفارة الزنى مع المتزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة من زنى مع متزِوجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزنا كله شر وبلاء، لكنه مع المتزوجة أعظم إثماً، لما فيه من الاعتداء على الزوج بانتهاك عرضه. قال الله تعالى في شأن الزنا: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان) رواه أبو داود (4690) والترمذي (2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2/138) : (وعُلم من ذلك أيضا أن الزنا له مراتب: فهو بأجنبية لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبية لها زوج، وأعظم منه بمحرم، وزنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من القن (العبد) والجاهل) انتهى.
وكفارة الزنا مع المتزوجة وغيرها: هي التوبة الصادقة المشتملة على شروطها، من الإقلاع عن هذه الجريمة إقلاعاً تاماً، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها مطلقا. من فعل ذلك فقد تاب إلى الله تعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وقبله، وبدل سيئاته حسنات، كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104، وقال: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70
وروى البخاري (4436) ومسلم (174) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) وَنَزَلَتْ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) .
فمن وقع في الزنا فليبادر بالتوبة إلى تعالى، وليستتر بستره، فلا يفضح نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل) رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (663) .
وروى مسلم (2590) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/334)
وقعا في الزنا وتابا وتزوجا وتجزم بوقوع العذاب وتشويه أطفالهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة تعرفت على شخص منذ 6 سنوات والحمد لله تم الزواج، ولكن قبل الزواج تم فعل الفاحشة، وصديقتي نادمة جدّاً تبكي ليل نهار وتصلي الصلوات، مع كل يوم صلاة استغفار، وبعد الزواج ذهبوا للعمرة وينويان الحج، ولكن زوجها يريد أطفالاً وهي خائفة أن تنجب طفلاً مشوهاً عقاباً من الله سبحانه وتعالى وتقول: إن من زنى يلاقي عذاباً في الدنيا والآخرة حتى لو تاب، هل هذا صحيح؟ وهل سيدخل النار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى على أن وفقهما للتوبة، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثيبهما وأن يثبتهما، ولا شك أن ما فعلاه من الفاحشة سبب لعقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة.
والتوبة الصادقة من هذا الفعل، والندم على فعله، والعزم على عدم العوْد إليه، والبكاء على ما وقع من تفريط في جنب الله تعالى وهتك حرمات المسلمين: يُرجى أن يكون خيراً لهذا التائب وأن يكون سبباً في تبديل سيئاته حسنات.
ولا ينبغي لهذه الأخت أن يصل بها المقام في التوبة إلى حدِّ القنوط من رحمة الله، فقد يدخل الشيطان عليها من هذا الباب ويصدها عن التوبة وفعل الخير.
فيحسن منها أن تندم وتبكي وتتوب وتستغفر تعظيماً لما وقع منها ومن زوجها من معصية، ولكن لا يحسن منها القنوط من رحمة الله وظن السوء به تعالى.
وقد أعلمنا ربنا تعالى أنه يغفر الذنوب جميعاً مهما عظمت وكثرث لمن تاب منها، ونهانا عن القنوط من رحمته، فقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وأعلمنا تعالى أنه يبدل السيئات حسنات لمن صدق في توبته، ولو وقع منه الشرك والقتل والزنا، وهي أعظم الذنوب، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68 – 70.
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وبه يُعلم خطأ القول: (إن الزاني يعذَّب في الدنيا والآخرة ولو تاب) وما سبق من الأدلة يدل على بطلان هذا القول، بل يرغِّب الله تعالى عباده في التوبة، ويثيبهم عليها إن فعلوا، ولا يعاقبهم.
ولا داعي للخوف من الإنجاب، ولا داعي للقلق.
واسألوا الله تعالى الذرية الصالحة، واستعينوا بربكم تبارك وتعالى، وأكثروا من الأعمال الصالحة، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما فيه رضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/335)
ما هي " اللمم "؟ وما حكم تكرر وقوعها من المسلم العاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) .
عرفت أن اللمم هو صغائر الذنوب، مثل النظرة والقبلة واللمسة، وهذه الذنوب يغفرها الله ما اجتنبت الكبائر.
وسؤالي هو: هل معنى ذلك أنه لا يعاقَب العبد على فعل هذه الذنوب حتى في الدنيا إذا تاب منها ثم رجع لها مرة أخرى وهكذا يتوب ويرجع لا يجد العبد أي عقاب من الله على فعل هذه الذنوب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (22422) بيان اختلاف العلماء في معنى اللمم في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم/32، وأن جمهور العلماء على أن (اللمم) هو صغائر الذنوب.
وليس معنى ذلك أن يتساهل الإنسان في ارتكاب الصغائر، بل الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، فتخرج بذلك عن كونها من اللمم.
قال النووي رحمه لله "في شرح مسلم":
قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه: وَالإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ: لا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ، وَلا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار.
مَعْنَاهُ: أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالاسْتِغْفَارِ , وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالإِصْرَارِ اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (15/293) :
" فَإِنَّ الزِّنَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَاللَّمَمُ مِنْهَا مَغْفُورٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى النَّظَرِ أَوْ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ صَارَ كَبِيرَةً، وَقَدْ يَكُونُ الإِصْرَارُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ قَلِيلِ الْفَوَاحِشِ، فَإِنَّ دَوَامَ النَّظَرِ بِالشَّهْوَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعِشْقِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ مِنْ فَسَادِ زِنَا لا إصْرَارَ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ: أَنْ لا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلا يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ. . . بَلْ قَدْ يَنْتَهِي النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالرَّجُلِ إلَى الشِّرْكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه ِ) البقرة/165. . . وَالْعَاشِقُ الْمُتَيَّمُ يَصِيرُ عَبْدًا لِمَعْشُوقِهِ مُنْقَادًا لَهُ أَسِيرَ الْقَلْبِ لَهُ اهـ باختصار.
وقد حذرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التهاون في صغائر الذنوب، فقال:
(إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْه) . رواه أحمد (22302) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال الحافظ: إسناده حسن اهـ.
(وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ) هي الصغائر.
وروى أحمد (3803) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (2687) .
وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال الغزالي:
تواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب، وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر، فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة، مع لين الماء وصلابة الحجر اهـ.
ولقد أحسن من قال:
لا تحقرنَّ صغيرةً إنَّ الجبالَ من الحصى.
ثانياً:
إذا تاب العبد من ذنوبه، فإنها تغفر له، ولا يعاقب عليها، لا في الدنيا ولا في الآخرة. ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) . قال الحافظ: سنده حسن. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال النووي:
أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاَ فِي الْحَدِيث. وَلِلتَّوْبَةِ ثَلاثَة أَرْكَان: أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة، وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا، وَيَعْزِم أَنْ لا يَعُود إِلَيْهَا.
فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته، وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته. هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ اهـ.
وقال أيضاً:
لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْب مِائَة مَرَّة أَوْ أَلْف مَرَّة أَوْ أَكْثَر , وَتَابَ فِي كُلّ مَرَّة , قُبِلَتْ تَوْبَته , وَسَقَطَتْ ذُنُوبه , وَلَوْ تَابَ عَنْ الْجَمِيع تَوْبَة وَاحِدَة بَعْد جَمِيعهَا صَحَّتْ تَوْبَته اهـ.
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ.
وفي رواية: (قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ) .
قال النووي رحمه الله:
قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبه: (اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك) مَعْنَاهُ: مَا دُمْت تُذْنِب ثُمَّ تَتُوب غَفَرْت لَك اهـ.
وعلى كل حال: فرحمة الله واسعة وفضله عظيم، ومن تاب: تاب الله عليه، ولا ينبغي للمسلم أن يتجرأ على المعصية فقد لا يوفق للتوبة، وما ذُكر في الحديث فهو لبيان سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله على عباده لا ليتجرأ الناس على ارتكاب المعاصي.
وانظر – للفائدة – جواب السؤال رقم: (9231) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/336)
هل تقبل التوبة إذا لم يُقم الحد على الشخص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي سؤال محيرني وأفكر فيه، إذا أقدم شخص متزوج أو غير متزوج على الفواحش والكبائر من سرقة وغيبة وربا وغيره ودام عليها وقتاً طويلاً، وثم عرف الله وتاب لله توبة نصوحاً خالصة لوجه الله تعالى واستسمح الذين اغتابهم ورد الذي سرق وتخلص من الربا والذي بينه وبين الله من زنا وشرب وتقصير في صلاة تاب منه ولم يعد إليه ولكنه لم يُحدَّ فهل الله تعالى يقبل توبته ويقبل عبادته مهما كثرت ذنوبه أو يمكن أن لا يقبل الله توبته وتكون عبادته مردودة؟ وهل الله ينجيه من عذاب القبر ومن دخول النار؟ وماذا عليه أن يعمل ليتلافى العذاب ويرضي الله سبحانه وتعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم – أخي – أنه لا يجوز للمسلم أن يستعظم ذنبه الذي تاب منه؛ لأن رحمة الله وعفوه ومغفرته أعظم من ذنوبه.
وما كان من الذنوب متعلقاً بالعباد فالواجب إرجاع الحقوق إلى أصحابها، وما كان بين العبد وبين ربه تعالى فيكفي فيه التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم الرجوع إلى تلك الذنوب، وليس من شرط التوبة أن يقام الحد على التائب، فالستر بستر الله تعالى منها، وتحقيق التوبة الصادقة خير من الاعتراف لإقامة الحد.
وهذا الشخص قد أحسن بتوبته وإرجاع الحقوق إلى أهلها، فلا يأتينه الشيطان من قبَل توبته ليفسدها عليه.
واعلم أن الله تعالى يبدل سيئات التائب حسنات، فقال الله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاباً) الفرقان/68 – 71.
والحدود التي بلغت السلطان هي التي يجب إقامتها، وأما التي لم تبلغه: فإن الأفضل التوبة منها والاستتار بستر الله تعالى.
قال علماء اللجنة الدائمة:
الحدود إذا بلغت الحاكم الشرعي وثبتت بالأدلة الكافية: وجب إقامتها، ولا تسقط بالتوبة بالإجماع، قد جاءت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبة إقامة الحد عليها بعد أن تابت، وقال في حقها: " لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم "، ومع ذلك قد أقام عليها الحد الشرعي، وليس ذلك لغير السلطان.
أما إذا لم تبلغ العقوبة السلطان: فعلى العبد المسلم أن يستتر بستر الله، ويتوب إلى الله توبة صادقة، عسى الله أن يقبل منه.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 15) .
وقالوا – ردا على من رغب بإقامة الحد وشك في قبول التوبة من الزنا -:
إذا تاب الإنسان إلى ربه توبة صادقة خالصة: فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد بأنه سيقبل توبة التائب، بل ويعوضه حسنات، وهذا من كرمه وجوده سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68 – 70.
والتوبة من شروطها: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما تقدم منه، والعزم على أن لا يعود إليه، وإن كان حق من حقوق الآدميين: فيطلب منهم المسامحة.
وقد ثبت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في بيعة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له "، وقد حثَّ صلى الله عليه وسلم على التوبة الصادقة، وقال في قصة ماعز " هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه "، وروى مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، مَن أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته: نُقِم عليه كتاب الله ".
فعليك بالتوبة الصادقة، والمحافظة على الصلوات مع الجماعة، والإكثار من الحسنات.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 44، 45) .
وللاستزادة يرجى النظر في أجوبة الأسئلة: (624) و (23485) و (20983) و (728) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/337)
حكم تمني الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان المسلم يواجه مشكلات كثيرة في حياته، ولا يستطيع حلها، فهل يجوز له أن يدعو على نفسه بالموت، حتى يستريح من هذه المشاكل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: طول العمر للمؤمن الذي يعمل صالحاً خير له من الموت.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس من طال عمره وحسن عمله) رواه أحمد والترمذي (110) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله) رواه الطبراني وأبو نعيم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3928) .
وروى أحمد (8195) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً. قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ! وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً! صَلاةَ السَّنَةِ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2591) . وقال العجلوني في "كشف الخفاء": إسناده حسن.
وقال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ) قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ) رواه أحمد والترمذي (2330) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِنَّ الأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ , فَمَنْ اِنْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ , وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا " انتهى.
ولذلك قيل لبعض السلف: طاب الموت!!
قال: يا ابن أخي، لا تفعل، لساعة تعيش فيها تستغفر الله، خير لك من موت الدهر!
وقيل لشيخ كبير منهم: أتحب الموت؟ قال: لا، قد ذهب الشباب وشره، وجاء الكبر وخيره، فإذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أحب أن يبقى هذا!!
وكان كثير من السلف يبكي عند موته أسفا على انقطاع أعماله الصالحة.
ولأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت، لأنه يحرم المؤمن من خير الطاعة، ولذة العبادة، وفرصة التوبة، واستدراك ما فات:
فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ , وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا) رواه مسلم (2682) .
فجمع بين النهي عن تمني الموت، والنهي عن الدعاء به على النفس.
وعند البخاري (7235) بلفظ: (لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ) .
قَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْحَدِيث التَّصْرِيح بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ فَاقَة، أَوْ مِحْنَة بِعَدُوٍّ، وَنَحْوه مِنْ مَشَاقّ الدُّنْيَا , فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضَرَرًا أَوْ فِتْنَة فِي دِينه فَلا كَرَاهَة فِيهِ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ فَعَلَهُ خَلَائِق مِنْ السَّلَف.
وَقَوْله " يَسْتَعْتِبُ " أَيْ يَسْتَرْضِي اللَّه بِالإِقْلاعِ وَالاسْتِغْفَار.
وفي تمني الموت معنى آخر يمنع منه:
وهو أن سكرات الموت شديدة، وهول المطلع أمر فظيع، ولا عهد للمرء بمثل ذلك، ثم إن الإنسان لا يدري ما ينتظره بعد الموت! نسأل الله السلامة، فتمني الموت طلب لشيء لا عهد للمرء به، وتغرير بنفسه؛ وعسى إن تمنى الموتَ بسبب شدةٍ وقع فيها أن يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلعله أن يهجم بعد الموت على ما هو أعظم وأشد مما هو فيه؛ فتمني الموت حينئذ نوع من استعجال البلاء قبل وقوعه، ولا ينبغي للعاقل أن يفعل ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ) متفق عليه، وقد ورد في هذا المعنى حديث , ولكن ضعيف.
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قالُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطَّلَع شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ) رواه أحمد، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (885) .
وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت، فقال: لا تتمن الموت، فإنك ميت، وسل الله العافية، فإن الميت ينكشف له عن هول عظيم.
قال ابن رجب رحمه الله: " وقد كان كثير من الصالحين يتمنى الموت في صحته، فلما نزل به كرهه لشدته، ومنهم أبو الدرداء وسفيان الثوري، فما الظن بغيرهما؟! ".
والنهي عن تمني الموت إنما هو إذا كان بسبب ما يحصل للمرء من ضرر في أمور دنياه، فإنّ تمني الموت حينئذ دليل على الجزع مما أصابه:
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ , فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي , وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) متفق عليه.
وَقَوْله " مِنْ ضُرّ أَصَابَهُ " يعني بذلك الضرر الدنيوي كالمرض والابتلاء في المال والأولاد وما أشبه ذلك , وأما إذا خاف ضرراً في دينه كالفتنة فإنه لا حرج من تمني الموت حينئذٍ كما سيأتي.
ولعل هذا الذي طلب الموت ليستريح مما به من ضر، لعله أن يزيد تعبه، ويتصل ألمه وهو لا يدري؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاتَتْ فُلَانَةُ، وَاسْتَرَاحَتْ , فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ) رواه أحمد (24192) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1710) .
ثانياً: هناك بعض الحالات يشرع تمني الموت فيها، منها:
الأولى: أن يخشى على دينه من الفتن
ولا شك أن موت الإنسان بعيدا عن الفتن، ولو كان عمله يسيرا، خير له من أن يفتن في دينه، نسأل الله السلامة.
فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (813) .
وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: (وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) رواه الترمذي (3233) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن رجب رحمه الله: هذا جائز عند أكثر العلماء.
وعلى هذا يحمل ما ورد عن السلف في تمني الموت؛ أنهم تمنوا الموت خوفاً من الفتنة.
روى مالك عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قال: لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلا مُفَرِّطٍ) قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رضي الله عنه.
وقال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: من رأى الموت يباع فليشتره لي!
"الثبات عند الممات" لابن الجوزي (ص 45) .
الثانية: أن يكون موته شهادة في سبيل الله عز وجل
وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال كثير من الأحاديث، منها:
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ) متفق عليه. فقد تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله، وما ذاك إلا لعظم فضل الشهادة.
وروى مسلم (1909) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) .
وقد كان السلف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يحبون الموت في سبيل الله.
قال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بشأن مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة: والله لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة.
وكتب خالد بن الوليد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى أهل فارس: والذي لا إله غيره لأبعثنَّ إليكم قوماً يحبُّون الموت كما تحبُّون أنتم الحياة.
وإنما كانت هذه المنزلة مرغوبة - لا حرمنا الله منها - وطلبها ممدوحا من كل وجه، لأن من أعطيها لم يحرم أجر العمل الصالح الذي تطيب لأجله الحياة، وتكون خيرا للمرء من الموت، ثم إن الله تعالى يحمي صاحب هذه المنزلة من فتنة القبر.
فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ) رواه مسلم (1913) .
والخلاصة: أن يكره للمسلم أن يتمنى الموت إن كان ذلك بسبب ضر أصابه في الدنيا، بل عليه أن يصبر ويستعين بالله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يفرج عنك ما أنت فيه من الهم.
وراجع السؤال (22880) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/338)
قبول التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قد أذنبت ذنبا عظيما , واستغفرت الله ودعوته أن يغفر لي فهل تقبل توبتي من ذلك الذنب؟ خصوصا أني أحس أنه لم تقبل توبتي وأنه مغضوب علي! فهل هناك إشارات على قبول التوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لاشك أن السهو والتقصير من طبع الإنسان، وأن المكلَّف لا ينفك من تقصير في طاعة، أو سهو وغفلة، أو خطأ ونسيان، أو ذنب وخطيئة، فكلنا مقصرون.. ومذنبون ... ومخطئون.. نقبل على الله تارة وندبر أخرى، نراقب الله مرة، وتسيطر علينا الغفلة أخرى، لا نخلو من المعصية، ولا بد أن يقع منا الخطأ، فلسنا بمعصومين. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون) رواه مسلم (2749) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني.
ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أنه فتح له باب التوبة، وأمره بالإنابة إليه، والإقبال عليه، كلما غلبته الذنوب ولوثته المعاصي، ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد، وقصرت همته عن طلب التقرب من ربه، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته، فالتوبة من مقتضيات النقص البشري، ومن لوازم التقصير الإنساني.
وقد أوجب الله التوبة على أنواع هذه الأمة: السابقِ منها إلى الخيرات، والمقتصِد في الطاعات، والظالمِ لنفسه بالمحرمات.
فقال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إِلَى اللَّه توبة نصوحا) التحريم/8
وقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة) رواه مسلم/2702 من حديث الأغر المزني رضي الله عنه.
والله سبحانه وتعالى فاضت رحمته وشملت رأفته عبادَه، فهو حليم لا يبطش بنا ولا يعذبنا ولا يهلكنا حالا بل يمهلنا ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن كرمه سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53
ويقول لطفا بعباده: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/74
وقال جل وعلا: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وقال جل شأنه: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران/135
وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) النساء/110
وقد دعا الله تعالى إلى التوبة أعظمَ الخلق شركاً بالله ومعصيةً؛ الذين قالوا بأن عيسى عليه الصلاة والسلام ابن الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فقال تعالى: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/74، كما فتح باب التوبة للمنافقين الذين هم شر من الكفار المعلنين كفرهم، فقال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) النساء/145-146
ومن صفات الرب جل وعلا أنه يقبل التوبة ويفرح بها كرماً منه وإحساناً، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25، وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
وعَنْ أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (لله أفرح بتوبة عبده مِنْ أحدكم سقط عَلَى بعيره وقد أضله في أرض فلاة) مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم/2747 (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه مِنْ أحدكم كان عَلَى راحلته بأرض فلاة فانفلتت مِنْه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس مِنْ راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال مِنْ شدة الفرح: اللَّهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ مِنْ شدة الفرح) .
وعَنْ أبي موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس مِنْ مغربها) رَوَاهُ مُسْلِمٌ/2759.
وعَنْ أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) رَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ (3537) وحسنه الألباني.
ثانياً: بركات التوبة عاجلة وآجلة، ظاهرةٌ وباطنة، وثواب التوبة طهارة القلوب، ومحو السيئات، ومضاعفة الحسنات، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التحريم/8.
وثواب التوبة الحياة الطيبة التي يظلِّلها الإيمان والقناعة والرضا والطمأنينة والسكينة وسلامة الصدر، قال الله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) هود/3.
وثواب التوبة بركات من السماء نازلة، وبركات من الأرض ظاهرة، وسعة في الأموال والأولاد، وبركة في الإنتاج، وعافية في الأبدان، ووقاية من الآفات، قال الله تعالى عن هود عليه الصلاة والسلام: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) هود/52.
ثالثاً: كل من تاب إلى الله تاب الله عليه. وقافلة التائبين ماضية في مسيرها إلى الله لا تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها.
فهذا تائبٌ من قطع طريق، وهذا تائب من فاحشة الفرج، وهذا تائب من الخمر، وهذا تائب من المخدرات، وهذا تائب من قطيعة الرحم، وهذا تائب من ترك الصلاة أو التكاسل عنها جماعة، وهذا تائب من عقوق الوالدين، وهذا تائب من الربا والرشوة، وهذا تائب من السرقة، وهذا تائب من الدماء، وهذا تائب من أكل أموال الناس بالباطل، وهذا تائب من الدخان، فهنيئاً لكل تائب إلى الله من كل ذنب، فقد أصبح مولوداً جديداً بالتوبة النصوح.
وعَنْ أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عَنْ أعلم أهل الأرض فدل عَلَى راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له مِنْ توبة؟ فقال لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عَنْ أعلم أهل الأرض فدل عَلَى رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له مِنْ توبة؟ فقال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إِلَى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون اللَّه تعالى فاعبد اللَّه معهم، ولا ترجع إِلَى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا وصل نصف الطريق أتاه الموت؛ فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إِلَى اللَّه تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكماً – فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإِلَى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إِلَى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم (2716) : (فكان إِلَى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل مِنْ أهلها) .
وفي رواية للبخاري (3470) : (فأوحى اللَّه تعالى إِلَى هذه أن تقربي وأوحى إِلَى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوُجد إِلَى هذه أقرب بشبر فغُفر له)
وفي رواية لمسلم (2766) : (فنأى بصدره نحوها) .
والتوبة معناها الرجوع إلى الله تعالى، والإقلاع عن المعصية، وبغضها، والندم على التقصير في الطاعات، قال النووي رحمه الله تعالى: " التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها أن يُقلع عن المعصية، والثاني أن يندم على فعلها، والثالث أن يعزم على أن لا يعود إليها أبداً، فإن فقد أحدَ الثلاثة لم تصحّ توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه ردَّه إليه، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكّنه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبةً استحلّه منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحّت توبته -عند أهل الحق- من ذلك الذنب الذي تاب منه، وبقي عليه الباقي" انتهى كلامه.
وبناء على ذلك فإذا تحققت هذه الشروط في الشخص التائب فحري أن تقبل توبته بإذن الله تعالى، ولا ينبغي بعد ذلك أن يبتلى بوسوسة عدم قبول التوبة؛ لأن ذلك من الشيطان وهو خلاف ما أخبر به الله سبحانه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من قبول التوبة إذا كان التائب صادقا مخلصا.
يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (624) (13630) (13990) (14289) (34905) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/339)
يريد التوبة من اللواط ويحتاج مساعدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم ملتزم، وأسلمت قبل فترة طويلة، تم التحرش بي جنسياً وأنا طفل، وأصبحت الآن أُثار غريزيّاً للرجال والنساء، وهذا شيء أجده في نفسي، لا أدري كيف أتخلص منه.
أنا لا أفعل المعصية دائماً ولكنني أفعلها أحياناً وأندم على فعلها لأن الله لا يحب هذا الانحراف الجنسي، والمشكلة أنني لا أستطيع ولم أستطع أن أساعد نفسي، حاولت كثيراً أن أتغير ولكن دون فائدة، طلبت من الله المعونة واعترفت لبعض المسلمين لكي يساعدوني وذهبت للطبيب النفسي.
أحب الله وأحب دينه وتصرفاتي تعكس هذا الحب، ودائماً أحاول التقرب لله، حيث إنني وقعت في هذا المرض، فقد عرفت لماذا أمرت الشريعة بقتل اللوطي، جميع أصدقائي مسلمون ومتمسكون بالدين، ولكن الشيطان قد يحاول أن يدمر إيماني أنا وأصدقائي، أرجو أن تساعدني وتخبرني بالحل ولو تكلف هذا ذهابي لأي مكان في العالم لأنني لا أريد أن أقترف هذا الذنب مرة أخرى، ولا أريد أن أكون خطراً على أي شخص من عباد الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سنتكلم معك في نقاط أربعة ولن نزيد عليها، فنرجو منك الانتباه والقراءة بتمهل وتمعن، وهذه النقاط الأربع هي: قبح وشناعة فاحشة اللواط، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية، وبيان سعة رحمة الله للتائبين، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة.
أما الأمر الأول:
وهو قبح وشناعة فاحشة اللواط:
فقد قال ابن القيم – عن قوم لوط -:
قال أصحاب القول الأول - وهم جمهور الأمة، وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة -: ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل - كما سنبينه إن شاء الله تعالى -.
قالوا: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوطٍ أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمَّة غيرهم، وجمع عليهم أنواعاً من العقوبات: من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذَّبهم، وجعل عذابهم مستمراً، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمَّة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة، التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.
وقتْل المفعول به خيرٌ له من وطئه، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا تُرجي الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد، وربما ينتفع به في آخرته.
وقال:
وأطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله، لم يختلف منهم فيه رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظنَّ بعض الناس ذلك اختلافاً منهم في قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة، وهي بينهم مسألة إجماع.
ومن تأمل قوله سبحانه {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً} الإسراء / 32 وقوله في اللواط: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} الأعراف / 80، تبين له تفاوت ما بينهما؛ فانه سبحانه نكَّر الفاحشة في الزنا، أي: هو فاحشة من الفواحش، وعرَّفها في اللواط، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة ...
ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم فقال: {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} ، ثم زاد في التأكيد بأن صرَّح بما تشمئز منه القلوب، وتنبو عنها الأسماع، وتنفر منه أشد النفور، وهو إتيان الرجل رجلا مثله ينكحه كما ينكح الأنثى، فقال: {أئنكم لتأتون الرجال} ، ...
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر عليه الرجال، وقلبوا الطبيعة التي ركَّبها الله في الذكور، وهي شهوة النساء دون الذكور، فقلبوا الأمر، وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها، وكذلك قلبهم، ونكسوا في العذاب على رؤوسهم.
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد، فقال: {بل أنتم قوم مسرفون} .
فتأمل هل جاء ذلك – أو قريبٌ منه - في الزنا، وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله {ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث} ، ثم أكَّد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال: {إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} الأنبياء / 74، وسماهم مفسدين في قول نبيهم فقال: {رب انصرني على القوم المفسدين} الأنبياء / 75، وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام: {إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} العنكبوت / 31.
فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل هذه الذمات.
وقال:
ذهبت اللذات، وأعقبت الحسرات، وانقضت الشهوات، وأورثه الشقوات، تمتعوا قليلاً، وعُذبوا طويلاً، رتعوا مرتعاً وخيماً، فأعقبهم عذاباً أليماً، أسكرتهم خمرة تلك الشهوات، فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذَّبين، وأرقدتهم تلك الغفلة فما استيقظوا منها إلا وهم في منازل الهالكين، فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم، وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم، فلو رأيت الأعلى والأسفل من هذه الطائفة والنار تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم وهم بين إطباق الجحيم وهم يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم، ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون: " ذوقوا ما كنتم تكسبون "، {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون} الطور / 16.
" الجواب الكافي " (ص 240 – 245) مختصراً.
وأما الأمر الثاني:
فهو ما تسببه هذه الفاحشة من مضار صحيَّة:
قال الدكتور محمود حجازي في كتابه " الأمراض الجنسية والتناسلية " - وهو يشرح بعض المخاطر الصحية الناجمة عن ارتكاب اللواط -:
إن الأمراض التي تنتقل عن طريق الشذوذ الجنسي (اللواط) هي:
1. مرض الأيدز، وهو مرض فقد المناعة المكتسبة الذي يؤدي عادة إلى الموت. 2. التهاب الكبد الفيروسي. 3. مرض الزهري. 4. مرض السيلان. 5. مرض الهربس. 6. التهابات الشرج الجرثومية. 7. مرض التيفوئيد. 8. مرض الأميبيا. 9. الديدان المعوية. 10. ثواليل الشرج. 11. مرض الجرب. 12. مرض قمل العانة. 13. فيروس السايتوميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج. 14. المرض الحبيبي اللمفاوي التناسلي.
ثالثاً:
ومما سبق يتبين عظم وقبح وشناعة هذه الفاحشة، وما يترتب على فعلها من آثار ضارة، ومع ذلك فالباب مفتوح لتوبة العاصين، والله تعالى يفرح بتوبتهم.
وتأمل قول الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} الفرقان / 68 – 70.
وعند التأمل في قوله تعالى: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} يتبين لك فضل الله العظيم.
وقد قال المفسرون هنا معنيين للتبديل:
الأول: تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا.
والثاني: تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة.
فالواجب عليك التوبة إلى الله توبة عظيمة، واعلم أن رجوعك إليه سبحانه هو خير لك ولأهلك ولإخوانك وللمجتمع كافة.
واعلم أن الحياة قصيرة، وأن الآخرة خير وأبقى، ولا تنس أن الله تعالى أهلك قوم لوط بما لم يهلك بمثله أحداً من الأمم غيرهم.
رابعاً:
وأما العلاج لمن ابتلي بهذه المصيبة:
1- الابتعاد عن الأسباب التي تيسر لك الوقوع في هذه المعصية وتذكرك بها مثل:
- إطلاق البصر، والنظر إلى النساء أو الشاشات.
- الخلوة بأحد من الرجال أو النساء.
2- اشغل نفسك دائماً بما ينفعك في دينك أو دنياك كما قال الله تعالى: (فإذا فرغت فانصب) فإذا فرغت من عمل في الدنيا فاجتهد في عمل من عمل الآخرة كذكر الله وتلاوة القرآن وطلب العلم وسماع الأشرطة النافعة ...
وإذا فرغت من طاعة فابدأ بأخرى، وإذا فرغت من عمل من أعمال الدنيا فابدأ في آخر ... وهكذا، لأن النفس أن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فلا تدع لنفسك فرصة أو وقت فراغ تفكر في هذه الفاحشة.
3- قارن بين ما تجده من لذة أثناء هذه الفاحشة، وما يعقب ذلك من ندم وقلق وحيرة تدوم معك طويلاً، ثم ما ينتظر فاعل هذه الفاحشة من عذاب في الآخرة، فهل ترى أن هذه اللذة التي تنقضي بعد ساعة يقدمها عاقل على ما يعقبها من ندم وعذاب، ويمكنك لتقوية القناعة بهذا الأمر والرضا به القراءة في كتاب ابن القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) فقد ألفه رحمه الله لمن هم في مثل حالك – فرج الله عنا وعنك -.
4- العاقل لا يترك شيئاً يحبه إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه. وهذه الفاحشة تفوت عليك نعيم الدنيا والآخرة، ومحبة الله لك، وتستحق بها غضب الله وعذابه ومقته.
فقارن بين ما يفوتك من خير، وما يحصل لك من شر بسبب هذه الفاحشة، والعاقل ينظر أي الأمرين يقدّم.
5- وأهم من ذلك كله: الدعاء والاستعانة بالله عز وجل أن يصرف عنك هذا السوء، واغتنم أوقات الإجابة وأحوالها، كالسجود، وقبل التسليم من الصلاة، وثلث الليل الآخر، ووقت نزول المطر، وفي السفر، وفي الصيام، وعند الإفطار من الصيام.
نسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يتوب عليك، ويجنبك سوء الأعمال والأخلاق.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/340)
كان يأخذ مالاً بدون علم والديه فكيف يتصرف الآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال ضروري جدّاً، أرجو الإجابة عليه، وهو: أن والدي يملك محلاًّ تجاريّاً نبيع فيه " كروتاً " للتليفونات الخارجية التي توجد في الشارع، وكنت كلما احتجت إلى كارت كنت أخبر والدي أو والدتي أنى سوف آخذ " كارتاً " من المحل ويأذن لي، ولكن جاء عليَّ وقت كنت أحتاج الكروت بصفة يوميَّة تقريباً، فكنت آخذ من المحل " كروتاً " بعلم عامل المحل، ولكن لم أخبر والدي أو والدتي؛ لأني كنت أشعر أنهم لن يوافقوا، وعندما شعرت بمدى خطئي لم آخذ بعدها شيئاً إلا بعلمهم، وندمت وتبت إلى الله، فهل التوبة تكفي أم يجب أن أخبرهما بما كنت أفعل؟ أو على الأقل أقتطع من مصروفي وأضعه لهم دون أن يعلموا أنه أنا الذي وضعت هذا المال لأني لا أقدر على مصارحتهم، وأضع المال حتى يكتمل ثمن ما أخذت، علما بأني لا أعلم التكلفة الحقيقية لهذا العدد الذي أخذته لأنها كثيرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نرجو أن يكون كثرة استعمالك للبطاقات الهاتفية في أمور الخير والمباح؛ لأنه لو كان استعمالها في عكس ذلك: فإنه يترتب على هذا الاستعمال آثام بقدر ذلك، فلتنتبه لهذا.
وبما أنك قد عرفت خطأك في أخذك للبطاقات من غير إذن والدك فالواجب عليك التوبة من فعلك هذا ـ والحمد لله الذي وفقك للتوبة والندم ـ ولكن لتعلم أن للتوبة شروطاً لا تصح إلا بها، منها: الإقلاع فوراً عن هذا الفعل الحرام، والعزم على عدم العود، وردّ الحقوق إلى أصحابها أو طلب العفو منهم، ولا يجب عليك إخبار والدك بهذا، بل الواجب هو رد المال بأي طريقة كانت، وعليك أن تجتهد في تحديد قيمة البطاقات التي أخذتها بدون علم والدك وإيصال هذا المال إليه.
نسأل الله أن يتقبل توبتك ويوفقك لصالح الأعمال. والله تعالى أعلم
وللمزيد: انظر أجوبة الأسئلة (43100) و (33858) و (31234) و (40157) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/341)
تائب يريد أدعية يقولها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد من الله عليّ بالهداية وتبت من ذنوبي، فهل هناك أذكار وأدعية أقولها دوما عن التوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حمدا كثيرا طيبا على ما منّ به وأنعم عليك من رؤية طريق الحقّ بعد الضلالة والعودة إليه سبحانه بعد عصيانه والتفريط في شرعه، ونسأله سبحانه أن يُتمّ عليك النعمة بالمزيد من الهداية والثبات على الدّين، وأمّا بالنسبة للتصرّف حيال الماضي وإصلاح ما فسد واستدراك ما فات فستجد تفصيلا حول الموضوع في كتاب: " أريد أن أتوب ولكن " الموجود في ركن الكتب من هذا الموقع.
وأما عن أذكار وأدعية تقولها يوميا وأثناء العمل فيما يتعلّق بالتوبة فهي كثيرة ولله الحمد ومن أعظمها:
رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) سورة المؤمنون
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا.. (147) سورة آل عمران
وعن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. " رواه البخاري 5831
وعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. " رواه البخاري 5919 ومسلم 4896 وهذا لفظ مسلم.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ يُعَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ رواه الترمذي 3356 وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/342)
أشهدا الملائكة على عقد الزواج!!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على صديق لها في الجامعة وكلاهما متدينان، وكانت تساعده في بداية الأمر وتطورت العلاقة بينهما حتى قبلها يوما ما وندما على هذا الفعل، ولكنه عاد وقبلها مرة أخرى فقررا الزواج، بسبب ظروفهما المالية والاجتماعية لم يتمكنا من الزواج ولكنهما تعاهدا على الزواج وعدم الخيانة والله يعلم نيتهما وكان هذا بحضور الملائكة كشهود، أصبحا بعد هذا يمسكا أيدي بعضهما البعض ويقبلا بعضهما دون شعور بالذنب ثم أصبح بينهما جماع، قرأت في هذا الموقع عن سؤال مشابه أن هذا يعتبر من الزنا فأخبرته بالأمر.
هل زواجهما صالحاً وهل يعتبر ما فعلاه من الزنا وهل يغفر الله لهما إن تابا؟ نرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن ما حصل بين ذلك الرجل وتلك المرأة - على ما هو مذكور في السؤال - هو من باب الزنا ولا شك، فأين ولي المرأة في ذلك الزواج، واعجب من زواج كانت الملائكة شهودا عليه، وهم لم يروا أولئك الشهود!!!
إن الواجب عليهما أن يتوبا إلى الله عز وجل مما بدر منهما، وأن يعلما أنهما قد ارتكبا كبيرة من كبائر الذنوب، وإثما عظيما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " [رواه البخاري برقم 2343، ومسلم برقم 57] ، وللمزيد راجع السؤال رقم (11195، 21223)
وإذا تاب العبد فرح الله بتوبته وتاب عليه وغفر له ذنبه، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68-70 وانظر السؤال رقم (27113، 624، 20949) .
وعليهما أن يقطعا علاقتهما مع بعضهما، وألا يفتحا على أنفسهما أبواب الفتن والشبهات، وإذا أرادا علاقة طيبة شرعية، فليأتوا البيوت من أبوابها كما شرع الله عز وجل، أو يتقوا الله ويصبروا عن محارمه، فإن العبد يصبر على ألم الفراق، لكن لا يصبر على حر النار، فليبتعدا عن بعضهما البعض، حتى لا يجرا أنفسهما إلى سخط الله وعقابه أو يعجلا بالزواج الشرعي الصحيح بعد توبتهما مما وقع منها من الزنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/343)
ينشط في عبادته ثم يعود للمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة أني كلما زادت عبادتي وتحسنت أحوالي الإيمانية من أداء النوافل والسنن والمستحبات، وقعت في معصية العادة السرية بالرغم من أني متزوج وأعيش حياة أسرية سعيدة وعندما أمارس هذه العادة أحس بالذنب والذل والانكسار بين يدي الله تعالى وأعود وأرفع المستوى الإيماني عندي ثم ما ألبث أن أعود، حالتي سيئة الرجاء المساعدة.
سمعت في أحد الأشرطة أن بعض الناس يصاب بالعجب عند زيادة العبادة فيوقعه الله في المعصية حتى يشعره أنه لا زال عبداً لا يملك أن يعجب بأعماله فمهما قدم فكلها قليل. هل أنا منهم وهل ما فهمته في الشريط كان صحيحا؟؟
مع العلم أني والحمد لله أصلي وملتزم بأغلب تعاليم الإسلام ولكن المشكلة تكمن عند زيادة النوافل؟ فما هو الحل؟ ساعدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فما ذكرته من أن الله عز وجل قد يبتلي العبد بالذنب ليرده إليه، ولئلا يعجب بعمله، هذا ذكره بعض أهل العلم، قال ابن القيم رحمه الله: " إن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة من كثير من الطاعات، وهذا معنى قول بعض السلف: قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى ذكر ذنبه فيُحدِثُ له انكساراً وتوبةً واستغفارا وندما فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه إن قام وإن قعد وإن مشى كلما ذكرها أورثته عجباً وكبرا ومنة فتكون سبب هلاكه فيكون الذنب موجبا لترتب طاعات وحسنات ومعاملات قلبية من خوف الله والحياء منه والإطراق بين يديه منكسا رأسه خجلا باكيا نادما مستقيلا ربه، وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولة وكبرا وازدراء بالناس ورؤيتهم بعين الاحتقار، ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجب بطاعته الصائل بها المانّ بها وبحاله على الله عز وجل وعباده، وإن قال بلسانه خلاف ذلك فالله شهيد على ما في قلبه، ويكاد يعادى الخلق إذا لم يعظموه ويرفعوه ويخضعوا له ويجد في قلبه بغضة لمن لم يفعل به ذلك، ولو فتش نفسه حق التفتيش لرأى فيها ذلك كامنا " مدارج السالكين 1 / 299
وقال الشيخ ابن عثيمين: " وما أكثر ما يكون الإنسان منا بعد المعصية خيرا منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإنسان ويقع في معصية، ثم يجد من قلبه انكساراً بين يدي الله وإنابة إلى الله، وتوبة إليه حتى إن ذنبه يكون دائما بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإنسان نفسه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العجب والغرور وعدم الإنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله حكيم قد يبتلي الإنسان بالذنب ليصلح حاله، كما يبتلي الإنسان بالجوع لتستقيم صحته. وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها.
كما قال: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه/122، أي: بعد أن أذنب وتاب؛ اجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وانظر إلى الذين تخلفوا في غزوة تبوك ماذا حصل لهم؟ لا شك أنه حصل لهم من الإيمان، ورفعة الدرجات، وعلو المنزلة ما لم يكن قبل ذلك، وهل يمكن أن تنزل آيات تتلى إلى يوم القيامة في شأنهم لولا أنهم حصل منهم ذلك ثم تابوا إلى الله "
[الشرح الممتع 3 / 66]
ثم اعلم – أخي الحبيب – أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها.
واعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأسئلة التالية (23425، 8861)
ثم إن فعل تلك العادة له أسباب، فابتعد عنها حتى تتخلص منها، وعليك بما يلي:
1. احرص على مصاحبة الأخيار، ورفقاء الصلاح والتقوى، واستفد منهم ومن تجاربهم.
2. داوم على الأذكار وقراءة القرآن، واجعل لنفسك وردا يوميا لا تتخلف عنه.
3. ضع لنفسك برنامجاً مفيداً في تعلم العلوم الشرعية، أو غيرها.
4. ضع لنفسك برنامجاً رياضياً، أو اشترك في ناد رياضي.
5. أكْثِرْ من النوافل، خاصة صيام التطوع، فهو وسيلة مهمة لمقاومة الغريزة المتأججة، وكبح جماح الشهوة.
6. احرص على الدعاء، وسؤال الله عز وجل أن يخلصك من هذه العادة القبيحة المحرمة، وأن يقوي من قلبك وعزمك.
7. واعلم أن أضرار العادة السرية فوق ما تحصى، فهي تتلف الجسم، وتضعف الجهد، وتقوي الفجوة بين العبد وربه، وهي عامل كبير من عوامل الاكتئاب، والشعور بالذنب.
8. تجنب الوحدة قدر استطاعتك؛ لأن هذه العادة من عمل الوحدة وأثرها.
9. احرص على الصلاة في المسجد، وقيام الليل، فهو أنس للنفس، وطمأنينة في القلب.
10. وأخيرا عليك بالاستمرار على التوبة، والبكاء من خشية الله عز وجل، والانكسار والانطراح بين يديه، وسؤاله العفو والمغفرة، وأن تعزم كل مرة عزما أكيدا ألا تعود لفعل تلك العادة، فإن غالبتك نفسك فغالبها، وجاهدها {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} ، فإن غلبتك فجدد التوبة، وجدد العهد، ولا تيأس من رحمة الله، وأكثر من فعل النوافل والصالحات) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود/114.
وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/344)
سرق من مال والده وأخيه وندم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت في سن المراهقة كنت آخذ من الوالد فلوس دون علمه ومن أخي الأكبر كذلك والآن ندمت علي ما بدر مني والآن أتساءل ماذا أفعل هل أرد الفلوس إلى أهلها مع العلم أني لا أعلم كم المبلغ الذي أخذته بالضبط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما فعلته هو من باب السرقة، وقد ندمت على ما فعلت، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (النَّدَمُ تَوْبَةٌ) . رواه أحمد (3558) وابن ماجه (4252) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وَالمراد أَنَّ الندم هو الرُّكْن الأَعْظَم فِي التَّوْبَة.
فالحمد لله أن وفقك للتوبة، ومن توبتك أن ترد الحقوق إلى أهلها، أو تطلب منهم العفو ولمسامحة.
فعليك أن تقدر الأموال التي أخذتها وتجتهد في ذلك ثم تردها إلى أبيك وأخيك.
ولا يشترط أن تخبرهما بأن هذا المال كنت قد سرقته منهما، بل المقصود هو وصول الحق إلى أهله بأي طريقة كانت.
راجع السؤال رقم (31234) ، (40157) .
وإن أردت أن تخبرهما بحقيقة الأمر وطلبت منهما العفو والمسامحة فإن هذا لا يضيرك إن شاء الله، لاسيما وفد فعلت ذلك في زمن المراهقة وقد وفقك الله تعالى للتوبة منه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) .
حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وعليك بالمبادرة إلى ذلك فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه ذات يوم:
(أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) رواه مسلم (2581) .
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويوفقك لحسن القول والعمل.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/345)
تسبب في أذية أصدقائه فهل يلزمه إخبارهم إذا نوى التوبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على أحد الشباب المنحرفين، وكان يستعملني لإيقاع بعض الشباب في حباله، وقد ساعدته بالفعل، ولكن شيئاً من ذلك لم يكن والحمد لله، حتى أنني ساعدته على عمل سحر لأحد الشباب غير أنه لم يضره والحمد لله.
وقد تبت الآن، وابتعدت عن ذلك الشاب المنحرف، وصحبت أهل الخير، وبدأت في حفظ القرآن الكريم.
وسؤالي: هل من شروط توبتي أن أخبر هذا الشاب بما فعلته من السحر معه حتى تقبل توبتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، والبعد عن رفقاء السوء، ويجب عليك مداومة شكر الله تعالى، وسؤاله الثبات والتوفيق والهدى.
وحقوق الآدميين يجب إرجاعها إن كانت حقوقاً مادية، أما الحقوق المعنوية - كالغيبة - فالراجح - والله أعلم - أنه لا يعلمه بأنه قد اغتابه إذا لم يعلم، بل يكفيه أن يستغفر من ذنبه، وأن يستغفر لأخيه في مقابل ما حصل منه من غيبه وإيذاء له.
وأذية هذا الشاب بالكيد والسحر هو من الحقوق المعنوية التي لا يلزمك إخباره بما فعلته معه، ويكفيك أن تحقق شروط التوبة الصادقة من الندم والإقلاع والعزم على عدم العود، مع وجوب كف صاحب السوء وغيره عنه بما تستطيعه.
وانظر جواب السؤال رقم (6308) .
لكن… إذا علم ذلك الشاب أو غيره بما كنت تفعله معه من مكر وحيلة فعليك الاعتذار له، وطلب العفو منه، لأنك إنما مُنِعت من إخباره إذا لم يعلم حتى لا تؤذيه بذلك، ولئلا يكون ذلك سبباً للقطيعة بينكما، وحدوث العداوة والبغضاء، فإذا كان قد علم بذلك انتفت تلك المفسدة، وبقي اعتذارك له مصلحة محضة.
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/346)
هل يلحقه إثم السيئة إذا علّمها غيره وقد تاب هو منها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعلم أن من عمل حسنة فله أجرها وأجر من اتبعه كذلك السيئة لكن إذا تاب الشخص هل يلحق به إثم السيئة التي علّمها غيره والتي كان هو السبب في معرفته بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مثل هذا السؤال فأجاب:
الظاهر أنه لا يلحقه إثم من آثامهم لأن الرجل تاب. وإذا تاب عفى الله عن كل ما يتعلق بهذه المعصية، ومن سؤال هذا السائل يتبين لنا خطر البدعة، لأن البدعة إذا سنها الإنسان وهي بدعة سيئة وكل بدعة ضلالة واتخذها الناس سنة صاروا يحيون هذه البدعة بناء على فعله والعياذ بالله فيلحقه من إثمها لكن إذا تاب فإن ظاهر النصوص أن من تاب من الذنب كمن لا ذنب له ... أهـ.
[الْمَصْدَرُ]
اللقاء الشهري الشيخ ابن عثيمين.(7/347)
اللجوء إلى المدينة من الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف اللجوء إلى المدينة النبوية للنجاة من الفتن التي ظهرت واستفحلت ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد ثبت في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها " رواه البخاري برقم 6785، ومسلم برقم 1383
قال النووي:
وَمَعْنَى الْحَدِيث: " أَنَّهُ يَخْرُج مِنْ الْمَدِينَة مَنْ لَمْ يَخْلُص إِيمَانه , وَيَبْقَى فِيهَا مَنْ خَلَصَ إِيمَانه "
وثبت في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق) رواه البخاري برقم 1782، ومسلم برقم 160، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان يدعو الرجل بن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد) رواه مسلم برقم 1381
فهذه الأحاديث تبين أن المدينة لا يبقى فيها الخبث، وأنها تنفي خبثها، وأن الدجال لا يدخلها، وأنها خير لأصحابها الذين يخرجون منها رغبة عنها.
لكن لا يعني هذا أن من كان خارج المدينة فإنه مفتون، فإن الله عز وجل جعل أسبابا للثبات على الحق والهدى، كما جعل أسبابا للضلالة والغي، والأمر كله أولا وأخيرا بيد الله، إلا أن الله جعل لكل شيء سببا.
فمن أسباب الثبات على الهداية ما يلي:
1- كثرة ذكر الله تعالى، والصلاة وقراءة القرآن.
2- المداومة على الدعاء وسؤال الله الثبات.
3- مصاحبة الأخيار، ومجالسة الصالحين.
4- البعد عن مواطن الشبهات والفتن.
5- التسلح بالعلم الشرعي.
6- الدعوة إلى الله تعالى، وبذل الغالي والنفيس في سبيل الله تعالى.
وعليك بمراجعة كتاب وسائل الثبات على دين الله في مكتبة الموقع، وكتاب 33 سببا للخشوع، وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/348)
ادعى أنه زنى بامرأة وكان كاذباً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني حالة من العذاب الشديد بسبب ذنب ارتكبته في الماضي ولا أعلم كيف أتخلّص منه، وحياتي تحولت إلى جحيم بسبب هذا الموضوع.
قبل خمس سنوات كنت أعيش حالة من الفراغ الديني، وكنت مبتعداً عن الله بشكل كبير جداً، وأنا لدي ابن عم هو الصديق الوحيد لي في هذه الدنيا.
في أحد الأيام ضحك عليّ الشيطان وقمت بإخباره أن لي علاقة محرّمة مع بعض الفتيات، وأنا في الأساس ليس لي أي علاقة بهن. ولم أكن أعلم عقوبة هذا الذنب وللأسف كنت أعتقد أن الرجولة هي أن تكون لك علاقات مع النساء مثل ما يعتقد أغلب شبابنا اليوم.
ولم يعلم أحد بهذا الموضوع ولم يصل إلى النساء شيء.
وفي رمضان العام الماضي تبت إلى الله وكانت لي علاقة مع بعض النساء عن طريق الهاتف والإنترنت فقمت بإخبارهن بتوبتي وقطعت علاقتي المحرمة معهن، وشعرت بحلاوة الإيمان التي لم أشعر بها من قبل.
ولكن ما زلت أتذكر ذنبي الذي مضى عليه سنوات، والأمر يتعلق بأعراض ناس. واستخرت وفكرت كثيراً وما زلت متردداً. هل أخبر صاحبي بأني كذبت عليه حتى أثبت له براءة هؤلاء النساء مما قلته، وفي هذه الحالة قد أخسر صديقي الوحيد إذا رأى أنني كذبت عليه، أو أسكت ولا أتكلّم؟ ولكن أخشى عقوبة الله على هذه المعصية فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك، ويستر عيبك، ويجنبك الفتن ما ظهر منها وما بطن، أما مسألتك فيتضح الجواب عنها ببيان الأمور التالية:
أولا: يظهر من سؤالك أن من قذفتها بعمل الحرام معها هي امرأة معينة، تعرفها أنت ويعرفها ابن عمك، فإن كانت امرأة معينة معروفة، فهذا قذف منك لها، وهو من الكبائر المحرمة، والذنوب القبيحة، إذ إنه طعن في الأعراض، وانتهاك لما حرم الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري برقم 2615، ومسلم برقم 89
وكما أنه قذف لتلك المرأة فهو إقرار على نفسك بالزنا، حتى وإن كنت كاذبا.
أما إن كانت المرأة غير معينة، أي إنك قلت: فعلت مع امرأة، وليست هذه المرأة معينة، فهذا لا يعتبر قذفا لأحد، لكنه إقرار على نفسك بالزنا تستوجب معه الحد، ويجب عليك أن تنفيه عن نفسك.
قال في بدائع الصنائع: " لو قال: زنيت بامرأة ولا أعرفها، صح إقراره ويحد " بدائع الصنائع 7/51
ثانيا: إذا كان تلك المرأة معينة، وقد تبت وندمت على ما فعلت فإن توبتك أن تكذب نفسك، فيلزمك أن تخبر ابن عمك بأنك غير صادق فيما قلته، لأنه لا بد أن تبرئ ساحة تلك المرأة العفيفة، ولا يحل لك أبدا أن تقدم صداقة ابن عمك على هتك عرض مسلمة.
قال ابن قدامة في "المغني":
ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ إكْذَابُ نَفْسِهِ , فَيَقُولُ: كَذَبْت فِيمَا قُلْت. وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءٌ , وَطَاوُسٌ , وَالشَّعْبِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو عُبَيْدٍ , وَأَبُو ثَوْرٍ اهـ باختصار.
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (5/77) عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: تَوْبَتُهُ (يعني من اتهم أحداً بالزنى) أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ.
ثالثا: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس) رواه الترمذي برقم 2414 وصححه الألباني، فهذا الحديث يدلك على أن ما تخافه من سوء العلاقة بينك وبين ابن عمك أمر هين، فإن من أطاع الله تعالى وأرضاه، فإن الله يكفيه الناس، فاحرص على علاقتك بربك أكثر من حرصك على علاقتك بابن عمك، واعلم أن هذا من الابتلاء الذي يختبرك الله به، فاقدم على الحق، وتوكل على الله، ولا تخش فيه لومة لائم، وأكثر من الاستغفار والتوبة ودعاء الله عز وجل أن يوفقك لقول الحق، وأن يؤلف بينك وبين ابن عمك، فإن قلوب العباد بين أصعبين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/349)
هل يجوز أن تتمنى الموت خشية تردي حالتها الإيمانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت فتاه ملتزمة طالبة للعلم، لكن ابتعدت عن الرفقه الصالحة بغير إرادتي، وتوفر لدي وسائل الإهمال في طلب العلم كضعف الإيمان، وتأخر زواجي، فتهاونت في مشاهدة بعض الأفلام الأجنبية، والأمر في تزايد، وقد أصبت في وقت مضى بمرض نفسي وقد شفيت تقريباً، لكن وضعي الراهن يقلقني فأنا أتسلى بما أشاهد، فلا مسؤولية زوج أو أولاد ولا دراسة فقد أنهيتها ولا مجال للعمل في مكان سكني، الحقيقة أتمنى الموت القريب ووالله ليس هروباً من القدر ولكن خوفاً أن يزداد تهاوني فأصل إلى الموت وقد حدت عن طريق الجنة، أرشدني يا شيخ بارك الله فيك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنتِ قد ابتعدتِ عن الرفقة الصالحة بغير إرادتكِ فإن لك الإرادة الكاملة فيما أعقب ذلك من الإهمال في طلب العلم، والتهاون في النظر والسماع المحرَّم، وقد يكون ما حصل بعد ذلك معكِ إنما هو بسبب آثار تلك الذنوب والمعاصي، وقد ذكرنا بعض هذه الآثار في جوابنا على السؤال رقم (23425) فنرجو منك الاطلاع عليه.
ويوجد مثلك الكثيرات ممن تأخر زواجهن لكنهن لم يفعلن فعلكِ هذا، بل كان الوقت مناسباً لهن للانشغال بحفظ القرآن وطلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل، وهذا الطريق هو الذي يشرح الله تعالى به الصدور ويجعل القلب به مطمئناً، وهو الطريق الذي ييسر الله تعالى فيه أمور الدنيا لصاحبه.
وتمنيك الموت خشية من زيادة التهاون والمعاصي خطأ عظيم، بل ينبغي لك أن لا تتمني الموت إلا على حال أحسن مما أنت عليه الآن، والأمر بيدكِ وتستطيعين تدارك نفسكِ والرجوع إلى ما كنتِ عليه وأحسن منه إن شاء الله، لكن يحتاج الأمر منكِ إلى وقفة صادقة مع نفسكِ، والمسارعة إلى الرجوع إلى الطريق التي يحبها الله تعالى منكِ ويرضاها.
وليس كل من تمنى الموت أدركه، لذا نخشى أن يزداد أمرك سوءً وأن تزداد حالكِ ترديّاً، وهو ما يُفرح الشيطان ويغضب الرحمن، فعليك العلم بذلك، وأن تمنيك للموت ليس هو الحل للخروج مما أنت فيه، بل الحل هو التوبة الصادقة والعمل على مرضاة الله، وتعويض ما فات من عمرك في مرضاة الله تعالى.
ولعلكِ تعلمين أن ما أصابكِ وقدَّره الله عليك قد يكون خيراً لكِ لو أنكِ رجعتِ إلى الله تعالى، وذلك أنك ستندمين على ما فات وتزيدين من طاعتك وعبادتك، وما كُتب عليك من السيئات سيبدله الله تعالى حسنات، وهذا من فضل الله تعالى على عباده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فمن ظن أن صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصاً: فهو غالط غلطاً عظيماً؛ فإن الذم والعقاب الذي يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منه شيء أصلا، لكن إن قدَّم التوبة: لم يلحقه شيء، وإن أخر التوبة: فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذم والعقاب ما يناسب حاله.
" مجموع الفتاوى " (10 / 309) .
وقال – رحمه الله -:
لكن قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب، وتكون مصلحته أنه يتوب منه، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقة وإنابة إلى الله تعالى، فإن الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها؛ فإن الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبر وعُجب وقَسوة، فإذا وقع في ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من التوبة.
" مجموع الفتاوى " (14 / 474) .
وانظري جواب السؤال رقم (21677) ففيه بيان علاج القلق والاكتئاب.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/350)
تائب من علاقته بامرأة عبر الانترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سعيد لأنني تعرفت على فتاة عن طريق الإنترنت وبدأت أحبها، توقفت بعد هذا لأنني أحب الله، قلت لها بأنني آسف ولن أستطيع أن أحبك لأنني أحب الله.
هل سيكتب هذا في ذنوبي يوم القيامة لأنني أحببت تلك الفتاة ثم عرفت بأنني على خطأ فتركتها وقلت لها بأنني أحب الله أكثر ولا أستطيع أن أعصي أوامره؟ وهل سيكتب في ميزان حسناتي ما فعلت؟ وهل سيتم سؤالي عن ما فعلته قبل أن أترك تلك الفتاة؟
شكراً وآسف لطرحي لهذا السؤال الغبي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نتعجب جدّاً من وصفك لسؤالك بأنه " غبي "، بل هو غاية في الجودة والعقل والدِّين، وإننا لنفتقد مثلك ممن يجاهد هواه، ويقدِّم طاعة الله ورسوله على طاعة هواه، ويخاف مقام ربِّه عز وجل.
ونبشرك بكل خير على ما فعلت من تركك لتلك الفتاة وتقديم محبة الله على المعصية، ومن هذه المبشرات:
1. الثواب بجنتين.
قال الله تعالى: {ولمن خاف مقام ربِّه جنتان} الرحمن / 46.
قال ابن كثير:
والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره، يقول الله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه} بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، ونهى النفس عن الهوى، ولم يطع ولا آثر الحياة الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله، واجتنب محارمه: فله يوم القيامة عند ربه جنتان ... " تفسير ابن كثير " (4 / 277) .
2. تبديل السيئات إلى حسنات.
قال الله تعالى – بعد أن ذكر عقوبة الشرك والقتل والزنى -: {إلا مَن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدِّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} الفرقان / 70.
وهي على القولين في تفسيرها من المبشرات لتارك المعاصي، فقد قيل فيها: إن معاصيهم تُبدَّل إلى طاعات، وقيل: بل السيئات نفسها تُبدَّل إلى حسنات.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
{إِلا مَنْ تَابَ} عن هذه المعاصي وغيرها , بأن أقلع عنها في الحال , وندم على ما مضى له من فعلها , وعزم عزماً صارماً أن لا يعود.
{وَآمَنَ} بالله إيماناً صحيحاً , يقتضي ترك المعاصي , وفعل الطاعات.
{وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} مما أمر به الشارع , إذا قصد به وجه الله.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي: تتبدل أفعالهم , التي كانت مستعدة لعمل السيئات , تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيماناً , ومعصيتهم طاعة , وتتبدل نفس السيئات التي عملوها , ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة , وإنابة , وطاعة , تبدل حسنات , كما هو ظاهر الآية، وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه , فعددها عليه , ثم أبدل من كل سيئة حسنة فقال: " يا رب إن لي سيئات لا أراها ههنا "، والله أعلم. " تفسير السعدي ".
3. الشعور بحلاوة الإيمان.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ". رواه البخاري (16) ومسلم (43) .
4. البشارة بالإخلاص.
ولا شك أن النفوس التي تجاهد هواها وتدفع العشق، وتُحل محله حب الله تعالى: فإن هذا يدل على إخلاصٍ عنده.
قال ابن القيم:
وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه المتعوضة بغير عنه، فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه: دفع ذلك عنه مرض عشق الصور، ولهذا قال تعالى في حق يوسف {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته، فَصَرفُ المُسبب صرف لسببه، ولهذا قال بعض السلف: " العشق حركة قلب فارغ " يعني: فارغاً مما سوى معشوقه، قال تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به} أي: فارغاً من كل شيء إلا من موسى لفرط محبتها له وتعلق قلبها به، والعشق مركب من أمرين: استحسان للمعشوق، وطمع في الوصول إليه، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق. " زاد المعاد " (4 / 268) .
فاحرص – بارك الله فيك – على تقوية إيمانك، وداوم على طاعة الله تعالى، إذ الطاعة هي أدل علامات المحبة، واحرص على الاستمرار في قطع علاقتك بتلك الفتاة، ولا يغرنك الشيطان بالرجوع إليها، والحديث معها، فأنت على خير إن شاء الله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/351)
وقعت في المعصية مع أخيها فهل تخبر زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[كان عمرها من 10 إلى 14 سنة وكانت تمارس الرذيلة مع أخيها الذي يكبرها بثلاث سنوات ولكن لم يحصل جماع ثم كبرت وشعرت بالذنب وأقلعت هي وأخوها عن هذا وندمت كثيرا.
أحبت شابا وكذلك فعلت معه كل شيء عدا الجماع.
هل تخبر زوجها في المستقبل بما فعلت مع أخيها في الماضي؟ هل صحيح بأن زواج والدها ووالدتها يعتبر لاغيا بما فعلاه؟ كيف ستكون العلاقة بين أولادها وأولاد أخيها في المستقبل؟
كيف تتوب وتستغفر من ذنوبها؟ هل يغفر ذنبها إذا قالت يا غفور يا رحيم يا عفو وكررت هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك أيتها الأخت المسلمة أن تتوبي إلى الله تعالى وتستغفريه مما بدر منك، وما بدر منك ليس بالشيء اليسير، فقد قال الله تعالى {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} الإسراء / 32، ولا شك أن ما حصل بينك وبين أخيك هو من قرب الزنا، وقد قال تعالى {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) رواه البخاري (1044) ، ومسلم (901) .
فالواجب عليك وعلى أخيك أن تتوبا إلى الله تعالى مما بدر منكما، وأن تكثرا من الأعمال الصالحة، من صلاة وصيام وصدقة، تكفيرا لسيئاتكم.
ثم ما حصل بينك وبين ذلك الرجل خطيئة أخرى فالنصيحة لك أن تراجعي حساباتك، وأن تعلمي أن الله عز وجل إذا غضب على عبد أهلكه، ومحق البركة من حياته كلها إن لم يتب ويعود إلى ربه جل وعلا.
أما بخصوص مسألة إخبار زوجك بما حصل معك في الماضي، فلا يلزمك ذلك بعد التوبة منه، وعليك أن تستري نفسك، وألا تجاهري بشيء فعلتيه في الماضي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري (6069) ومسلم (2990)
ولا يعتبر زواج والدك ووالدتك لاغيا، لأنه لا علاقة بين ما حصل وبين زواج والديك، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}
وإذا سترت على نفسك وستر أخوك على نفسه أيضا - وهذا هو الواجب عليكما - فإن العلاقة بين أبنائكم ستكون طبيعية جدا، وليس فيها إشكال، لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الاجتماعية.
أما التوبة من الذنب والاستغفار منه فله شروط ذكرت في السؤال رقم (13990)
وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/352)
تابت من السرقة ولا تستطيع ردَّ المسروق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في التاسعة عشر من عمري كنت قد اعتد السرقة وأنا في الرابعة عشر من عمري وهذا الأمر يعذبني كثيراً الآن بعد أن تبت لأنني علمت بأن توبتي لا تقبل إلا برد الحقوق إلى أصحابها وأنا لا املك النقود اللازمة لذلك فماذا أفعل أرجوكم ساعدوني حتى تقبل توبتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً: لتعلمي أخيّة أن رحمة الله تعالى أوسع من أن يتصورها إنسان، قال تعالى:
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ٍ) سورة الأعراف/156، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم (2752) . والهوام: هي الحشرات الضارة المؤذية.
وقد تاب من قتل مائة نفس فتاب الله عليه، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم 2766) ، وليست السرقة بأعظم من القتل، فهنيئاً لك التوبة والإنابة.
ثانياً: ذكر أهل العلم أن التوبة لها شروط ثلاثة وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود.
ولتدركي أن الحقوق نوعان، حق لله تعالى وحق للعباد، فحق الله تعالى يسقط بالتوبة إلا في الأموال، كالزكوات، والكفارات، والنذور على الصحيح.
(ينظر: روضة الطالبين 11 / 246 وكشاف القناع 2 / 257) .
أما حقوق العباد فقد أضاف أهل العلم شرطاً رابعاً للتوبة وهو ردّ الحقوق إلى أهلها، وأن التوبة غير كافية لإسقاط حقٍ من حقوق العباد، بل لابدّ من ردّ المظالم إلى أهلها.
كما ذكر ذلك ابن قدامة والنووي وابن القيم وابن حجر وغيرهم. (ينظر: المغني 14 / 193 وروضة الطالبين11 /245 – 246 ومدارج السالكين 1/396 وفتح الباري 11/104) .
ثالثاً: ما ذكرتيه من عدم قدرتك على إعادة الأموال فإنه ليس مسوِّغاً للتساهل في إرجاعها؛ فاجتهدي في توفير المال وجمعه بطرق حلال كالهبة والعمل المشروع وغير ذلك، والله عز وجل سيعينك على ذلك إن علم منك الصدق؛ كما قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) سورة الطلاق: 2-3، ثم أدي تلك الأموال لأصحابها بإخبارهم صراحة إن لم يكن في ذلك حرج أو مفسدة راجحة، وإن كان ثمة حرج في المصارحة فيمكنك أن تؤديها إليهم بطرق لا يشعرون منها ما يوقعك وإياهم في الحرج. راجعي السؤال رقم (45016)
فإن لم يمكنك إعادة الأموال لكثرتها وعدم قدرتك على إيفائها فاستسمحي أصحاب المال ليتجاوزوا عن حقهم فيما تقدَّم، واستعيني بالله على ذلك وتوكلي عليه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) سورة الطلاق/3، فإن لم يمكنك ذلك أيضاً لكونك لا تعرفين أصحاب الأموال مثلاً فنرجو لك عفو الله وتجاوزه.
قال النووي رحمه الله: " إن كانت المعصية قد تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة، ويردّ أموال الناس إن بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل المستحق فيبرئه، فإن مات سلّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره رفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته.
فإن تعذّر تصدّق به على الفقراء بنيّة الضمان له إن وجده. وإن كان معسراً نوى الضمان إذا قدر، فإن مات قبل القدرة فالمرجوّ من فضل الله تعالى المغفرة "
روضة الطالبين (11/246) .
وبالله تعالى التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/353)
هل يجوز للزاني أو الزانية الزواج بعد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة، تحولت قبل ثلاثة سنوات، وما زلت أتعلم ولي سؤال:
لقد علمت أنه إذا مارستُ الجنس بعدما أصبحت مسلمة لن أستطيع الزواج على الطريقة الإسلامية. أريد أن أعرف إذا كان ذلك صحيحاً. وإذا كان صحيحاً، هل هناك طريقة لتصحيح صنيعي الذي أندم وآسف عليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الزاني التوبة من الزنى فالزنى من كبائر الذنوب التي جاء الشرع بتحريمها والوعيد الشديد لفاعلها قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) سورة الفرقان
وأوجب العقوبة في الدنيا على الزاني فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " رواه مسلم (الحدود/ 3199) .
وحرم الله عز وجل زواج الزاني سواء كان رجلاً أو امرأة على المؤمنين فقال تعالى: (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/ 3.
وإذا تاب الزاني إلى الله توبة نصوحاً صادقة، فإن الله عز وجل يتوب عليه ويتجاوز عنه قال تعالى بعد ذكر الوعيد لأهل الزنا: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان / 70-71
وإذا حصلت التوبة الصادقة جاز الزواج منها أو منه بعد الإقلاع عن هذه الكبيرة
وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن حكم الزواج بالزانية فقال:
لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب ... وإذا أراد رجل أن يتزوجها وجب عليه أن يستبرأها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ...
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/ 584
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/354)
هل يمكن العودة للدنيا لعمل الصالحات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تموت ولا أظن أنها تعيش للشهر القادم والله أعلم، فعلت في حياتها الكثير من الأشياء التي ندمت على فعلها وتابت منها، ودائماً تتمنى أن يعود بها الزمن لتصحح ما فعلت، تريد أن تعرف شيئاً قبل أن تموت:
بما أن الله يعطي الذين يرحمهم ويدخلهم الجنة ما أرادوا ويحقق لهم ما يطلبون فهل سيحقق لهم طلبهم إن طلبوا أن يعودوا للماضي ويصححوا أخطاءهم وزلاتهم التي فعلوها ولو في الجنة؟
الله يقول بأنه أعد للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فهل يعطي الله أهل الجنة أي شيء يخطر ببالهم ولم يستطيعوا الحصول عليه في الدنيا وبالتحديد ما تطلبه أختي؟
أرجو الإسراع في الإجابة لأنني لا أظنها تعيش أكثر من عدة أسابيع. والله أعلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم رحمك الله تعالى أن الأعمار والآجال بيد الله سبحانه وتعالى، فقد قال سبحانه: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد /38. وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) لقمان /3.
ولا يمكن للإنسان أن يعلم متى سيموت، فما هي إلا ظنون قد تصدق، وقد تكذب.
ولا يعني المرض –مثلاً- أن هذا الشخص سيموت قريباً، كما لا يعني الشباب والقوة أن هذا الشخص سيعيش طويلاً.
فكم من شخص مريض توقع الناس له الوفاة قريبا فعاش حيناً من الدهر. وكم من شخص صحيح أتاه الموت فجأة.
وقد صدق الشاعر إذ يقول:
تَزَوَّدْ من التقوى فإنك لا تدري ... إذا جَنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ
فكم من فَتًى أمسى وأصبح ضاحكا ... وقد نُسِجَْت أكفانُه وهو لا يدرِي
وكم من صغارٍ يُرْتَجَى طولُ عمرهم ... وقد أُدخلت أجسامُهم ظلمةَ القبرِ
وكم من عروسٍ زينوها لزوجها ... وقد قُبضت أرواحُهم ليلةَ القدرِ
وكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ ... وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهرِ
والمطلوب من المؤمن هو الاستعداد للموت في كل وقت بالتوبة إلى الله وعمل الصالحات، وقد روى ابن ماجه (4259) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ (أي: أعقل) قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ) وقال العراقي: إسناده جيد اهـ. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والحمد لله الذي وفق أختك للتوبة والندم على ما فات.
ونزف لها البشرى بأنها إن صدقت في توبتها فإن الله تعالى سيتوب عليها، وسيبدل سيئاتها حسنات. قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان /70.
انظر السؤال رقم (14289) .
ثانيا:
إذا دخل المؤمن الجنة أعطاه الله تعالى كل ما يتمناه، بل فوق ما يتمناه. قال الله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71.
وروى البخاري (806) عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما في حديث طويل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر عن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة أن الله تعالى يقول له:
تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ.
لكن إذا تمنى المؤمن أن يعود إلى الدنيا فإنه لا يجاب إلى ذلك، لأن الله تعالى قد قضى أنه لا يعود أحد إلى الدنيا.
قال الله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) الأنبياء /95.
أي يمتنع على أهل القرى الذين أهلكهم الله أن يعودوا إلى الدنيا ليستدركوا ما فرطوا فيه.
انظر تفسير السعدي (868) .
وروى البخاري (2817) ومسلم (1877) عن أَنَس بْن مَالِكٍ قال: قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ) .
غير أنه لا يجاب إلى ذلك.
روى الترمذي (3010) وابن ماجه (190) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَامٍ قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، أَلا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لأَبِيكَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يَرْجِعُونَ. قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
نسأل الله تعالى أن يمن على أختك والمسلمين جميعا بالتوبة النصوح.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/355)
نصراني يسأل عن التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسيحي وأريد أن أسأل:
إذا قرر الرجل أن يتوب بعد حياة مليئة بالمعاصي والذنوب وعاهد الرب على التوبة، أعلم أن الإسلام يقول بأنه سيغفر له وسؤالي ما يلي:
ماذا حصل للذنوب التي فعلها فقد عصى الله ولا بد أن يتحمل شخص ما عقوبة هذه الذنوب فمن هو ما دام الرب سيغفر له كونه مؤمنا؟
وكما رأينا في قصة آدم فقد كان هناك نوع من العقاب لذنبه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله..
بدايةً نشكر السائل على سؤاله.. ونسأل الله أن يمنَّ عليه بالهداية..
أيها السائل: لقد خلقنا الله تعالى لغاية عظيمة وهي عبادته وحده لا شريك له، قال تعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} هذه هي الغاية.. عبادة الله وحده.
إذاً لم يخلقنا الله لنأكل ونشرب.. أو نلهو ونعلب.. أو نسعى وننصب.. بل خلقنا لنعبده ولا نكفره.. ونذكره ولا ننساه..
هذه هي الغاية.. وما أجملها من غاية.. يوم يعيش الإنسان لعبادة ربه ومولاه.. وخدمة دينه وإقامة أمره.. فهو بجسمه على الأرض وقلبه مع الله والدار الآخرة.. هنا يدرك حقيقة هذه الدنيا.. ومدى حقارتها ودناءتها.. وأن ما بقي له فيها لا يستحق أن يضيعه في لذة عابرة وشهوة فانية.. فاللهم اهدنا بهداك.
ولما كانت العبادة تفتقر إلى إيضاحٍ وإرشاد.. أرسل الله رسله {مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} ... فمن أسلم فقد اهتدى.. ومن أعرض فقد خاب وخسر..
قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} سورة الأنعام / 104.
فإذا أسلم العبد فقد اختار لنفسه السعادة {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} سورة الجن / 14.
ولما كان الإنسان عرضة للخطأ والنسيان، وكان وقوعه في الذنب وارداً، شرع الله لعباده التوبة وفتح بابها إلى قيام الساعة، ودعا عباده إلى التوبة النصوح فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار..} التحريم / 8 وقال: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور / 31.
انظر السؤال 14289
واعلم بأن الذنوب على قسمين:
الأول: ما كان في حق الله تعالى..
الثاني: ما كان في حق المخلوق..
أما الأول:
وهو ماكان في حق الله.. كالزنا وشرب الخمر، وترك الواجبات من صلاة وزكاة ونحو ذلك، فما كان من هذه الذنوب له عقوبة في الشريعة كالزنا وشرب الخمر، فأقيم الحد على فاعلها كان ذلك كفارة وتطهيرا له. ومن لم يقم عليه الحد، لكنه تاب إلى الله تعالى، فإن الله يتوب عليه، ويبدل سيئاته حسنات.
ومن لقي الله بهذه الذنوب دون توبة أو حد أقيم عليه، فهو تحت مشيئة الله يوم القيامة، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
روى البخاري (18) ومسلم (1709) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " فبايعناه على ذلك.
وفي رواية للبخاري (6416) : " ومن أصاب من ذلك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور ".
قال الحافظ في الفتح (1/68) : (ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور ... )
وروى أحمد (1365) عن على رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أذنب في الدنيا ذنبا فعوقب به فالله أعدل من أن يُثَنِّي عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستر الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه "
والحديث حسنه الأرناؤوط في تحقيق المسند. وحسن الحافظ نحوه من رواية الطبراني.
وقال تعالى:) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان / 68- 70.
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) النساء / 116، وهذه الآية في حق من لم يت، فهو في مشيئة الله، إلا أن يقع في الشرك، فالشرك لا يغفر.
وأما القسم الثاني من الذنوب:
ما كان متعلقا بحقوق العباد كالاعتداء على أموالهم سرقة أو غصبا ونحو ذلك، أو الوقوع في أعراضهم غيبا ونميمة، أو التعدي على أبدانهم بالضرب ونحوه، فهذا النوع من الذنوب يشترط في التوبة منه رد الحق إلى أهله، أو مسامحتهم فيه.
ومن لم يفعل ذلك بقي عليه تبعة ذنبه إلى يوم القيامة، ليؤخذ منه بقدر مظلمته، من حسناته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" رواه البخاري (2317) .
ومن هذا يُعلم أن القول بأن المذنب لابد أن يعاقب في الدنيا،، قول لا يدل عليه دليل، لكن من عوقب فهو كفارة له، ومن لم يعاقب، ثم تاب من ذنبه، فإن الله يتوب عليه.
وأعظم من هذا القول بطلانا قول من يقول: إن عقوبة الذنب قد يتحملها غير المذنب، كما يقوله بعض الجهلة في حق آدم عليه السلام، ويزعمون أن ذريته – بما فيهم الأنبياء - حملت خطيئته وذنبه حتى أنزل الله ابنه الوحيد ليصلب ويقتل ويرفع عن العالم إثم الخطيئة!! وهذا من الكذب والافتراء على الله وعلى أنبيائه، ومن الظلم الذي تنزه عنه الشرائع؛ لأن الله لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره قال تعالى: {ولاتزر وازرة وزر أخرى} فاطر / 18، وإن الله تعالى أرحم وأعدل من أن يعاقب الذرية على خطأ أبيهم، مع أنه تاب منه وقبل الله توبته.
قال الله تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة / 36، 37 وقال سبحانه: (فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه / 121، 122.
فاجتمع في حق آدم عليه السلام أمران: أنه عوقب بذنبه، وأنه تاب منه فقبل الله تعالى توبته، واصطفاه وأكرمه.
والحاصل أن من عاش حياة مليئة بالمعاصي والذنوب، فما عليه إلا أن يرجع إلى ربه الرحيم الكريم فيستغفر ويتوب، ليتوب الله عليه، كما وعد بذلك سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر / 53 وهذا من التخفيف الذي جعله الله في هذه الشريعة السمحة، وقد كُتب على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم لتحصل توبتهم، ثم رفع الله الآصار والأغلال عن هذه الأمة المرحومة..
ختاماً نسأل الله تعالى أن يوفق السائل ويهديه ويشرح صدره للإسلام ليكون فردا من أفراد هذه الأمة المسلمة التي رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبينا ...
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/356)
ممارسة العادة السرية في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق سألني أنه وقع بالعادة السرية في شهر رمضان فما حكمه؟ وبعدما انتهى رمضان قضى هذا اليوم فما حكمه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على صديقك أن يعلم أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها.
وليعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأرقام التالية (23425، 8861)
ثم إن أضرار تلك العادة كثيرة، فهي تضعف الجسم، وتقوي الفجوة بين العبد وربه، وهي عامل كبير من عوامل الاكتئاب.
أما حكم المسألة الواردة في السؤال، فإنه إذا أنزل بممارسة العادة السرية فسد صيامه، ولزمه الإثم، وعليه الإمساك بقية اليوم، وعليه قضاء ذلك اليوم.
وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (38074، 2571) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/357)
ممارسة العادة السرية في رمضان دون إنزال
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ما كنت في سن المراهقة كنت استمني في بعض أيام نهار رمضان ولكني لا أدع السائل المنوي يخرج من الذكر بحجزي إياه ولكني ابلغ المتعة والشهوة.
فما حكم صيامي، وكيف يمكنني التكفير عن هذا الذنب العظيم، مع العلم أني لا أعرف عدد الأيام التي فعلت ذلك فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها.
ثم اعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأرقام التالية (23425، 8861، 45040)
أما حكم المسألة الواردة في السؤال، فإنه إذا مارست العادة السرية ولم يخرج المني لأي سبب من الأسباب لم يفسد الصوم على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن المعتبر هو خروج المني، فإذا خرج فسد الصوم ولزم القضاء، وإن لم يخرج لم يفسد الصوم، لكن يلزمك على كل حال التوبة إلى الله عز وجل، والاستغفار من تضييع الصيام في مثل هذه الأمور.
وقد يخرج المني بعد فترة حتى إذا منعته من الخروج، وحينئذ يفسد صيام ذلك اليوم ويلزمك القضاء، فإن كنت لا تدري عدد الأيام التي أفسدتها، فتحر ذلك، حتى يغلب على ظنك أنك قضيت ما عليك من أيام.
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح زاد المستقنع:" وهل يمكن أن ينتقل - يعني المني - بلا خروج؟
نعم يمكن؛ وذلك بأن تفتر شهوته بعد انتقاله بسبب من الأسباب فلا يخرج المني.
ومثلوا بمثال آخر: بأن يمسك بذكره حتى لا يخرج المني، وهذا وإن مثل به الفقهاء فإنه مضر جدا، والفقهاء رحمهم الله يمثلون بالشيء للتصوير بقطع النظر عن ضرره أو عدم ضرره، على أن الغالب في مثل هذا أن يخرج المني بعد إطلاق ذكره.
وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال، وهذا اختيار شيخ الإسلام، وهو الصواب، والدليل على ذلك ما يلي:
1- حديث أم سلمة وفيه: " نعم، إذا هي رأت الماء " ولم يقل: أو أحست بانتقاله، ولو وجب الغسل بالانتقال لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة لبيانه.
2- حديث أبي سعيد الخدري: " إنما الماء من الماء "، وهنا لا يوجد ماء، والحديث يدل على أنه إذا لم يكن ماء فلا ماء.
3- أن الأصل بقاء الطهارة، وعدم موجب الغسل، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل. " [الشرح الممتع 1 / 280، وانظر الفروع 1 / 197، المبسوط 1 / 67، المغني 1 / 128، المجموع 2 / 159، الموسوعة الفقهية الكويتية 4 / 99]
راجع الأسئلة رقم (38074، 2571) ، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/358)
اختلس أموالاً ولا يدري مقدارها ولا يستطيع ردها فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في فترة من حياتي عاصيا ومشكلتي أنى كنت أختلس من نقود المكان الذي كنت به. وبعد أن هداني الله أحسست بالذنب وقد بدأت بالفعل في رد أموال مما عليَّ ولكن المشكلة أني لا أعرف كم مقدارها تماما. وحاولت أن أجعل صاحب المكان يسامحني دون ذكر السبب ولكني لم أستطع. وأنا لا تتوافر معي أموال أخرى كي أدفعها. فهل سيقبل الله توبتي إن لم أستطع رد كل ما علي؟ وإن كان هناك شيء من الممكن أن أفعله فما هو؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى، ورد جميع ما أخذت من المال، ولا تتم توبتك إلا بذلك، وإن جهلت مقدارها تحديدا، فيكفي غلبة الظن، وذلك بالاحتياط في تقدير ما عليك، فلو تردد المبلغ بين ثمانين أو مائة مثلا، فأخرج مائة، حتى تلقى ربك عز وجل سالما من تبعة هذه الخيانة والظلم، وقد روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ".
وما عجزت عن رده الآن، فهو دين عليك، لا تبرأ ذمتك إلا بدفعه، والواجب عليك حينئذ أن تثبته في وصية لك، خشية أن يفاجئك الموت قبل سداده؛ لما روى البخاري (2738) ومسلم (1627) عن ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلاثَ لَيَالٍ إِلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
ونسأل الله لك التوفيق والإعانة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/359)
يخشى إن أرجع أموالاً سرقها قبل الهداية أن يفتضح أمره، فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بفضل الله وبحمده أنه هداني إلى طريق الحق والخير، راجياً الله أن يتم نعمته عليَّ وأن يهدي كل عاصٍ، وأن يرد المسلمين إلى دينهم ردّاً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
علمت من أهل العلم أن التوبة لا تصح إلا إذا قمت بإرجاع الحقوق إلى أهلها.
وقد عملت في شركة من عشر سنوات تقريباً وسرقت مبلغاً من المال لا أذكر بالتحديد لكنه لا يزيد عن مائة دينار، وإرجاع المبلغ الآن قد يسيء لي ولأسرتي لاسيما وأصحاب الشركة على علاقة بي وبأسرتي إلى الآن فماذا أفعل.
هل يمكن أن أتصرف بالمبلغ أو أوصله إليهم عن طريق البريد من غير أن أذكر اسمي، فقط أكتب رسالة أن هذا المبلغ أخذ منكم بغير حق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله سبحانه أن وفقك للتوبة، ومن المعلوم أن المال هو فتنة هذه الأمة، والتوفيق للتوبة من أخذ أموال الناس بغير حق أمر عظيم يستحق منك دوام الشكر لله على هذه النعمة.
ومن تمام توبتك هو إرجاع الحقوق إلى أهلها، وقد أحسنتَ في سؤالكَ حول هذا الموضوع، وقد تقدمت الإشارة إلى هذه المسألة في جوابنا على السؤال رقم (31234) ، وفيه بيان أنه لا يشترط على من أراد إرجاع الحقوق لأهلها أن يكشف عن نفسه وهويته، إذ المقصود هو رجوع الحق إلى صاحبه، وليس المقصود معرفة السارق.
لذلك أخي الفاضل: ابحث عن الطريقة المناسبة التي تحفظ لك كرامتك ويُرجع فيه الحق لأهله من غير أن تُحرج نفسك مع أصحاب الشركة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/360)
تاب من التعامل مع البنوك الربوية ولا يدري أصل المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق كان يتعامل مع البنوك الربوية ويأخذ قروضا وما إلي ذلك من المعاملات الربوية نسأل الله السلامة وقد من الله عليه بالهداية وأوقف جميع تعاملاته مع البنوك وهو الآن لا يدري ما هو أصل ماله ولا يستطيع الفصل بينه وبين القروض والفوائد ويريد أن يطهر نفسه وماله عن السنوات السابقة فما العمل في ذلك أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على صديقك أن يراجع البنك ليعلم قدر الفوائد التي أضيفت إلى رأس ماله، ثم يتخلص من هذه الفوائد بإنفاقها في أوجه الخير والبر. راجع السؤال رقم 292 و 2370
فإن لم يعلم قدرها بالتحديد، فليخرج ما يغلب على ظنه أنه بقدر الفوائد التي أخذها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وأما ما أخذه من قروض ربوية، قام بسدادها، فهي ملك له. وتكفيه التوبة والندم على ما فعل والعزم على عدم العود إلى مثل هذه المعاملات المحرمة.
ونحمد الله أن وفقه وهداه وصرفه عن هذا التعامل المحرم، ونسأله سبحانه أن يبارك له في ماله وأن يرزقه من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/361)
بدأ مؤخراً بالمحافظة على الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت مؤخراً المحافظة على الصلوات الخمس وليس لدي علم كثير عن الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هنيئاً لك التوبة، هنيئاً لك التوبة.
والله تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن فرحاً شديداً.
روى البخاري (6309) ومسلم (2747) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ)
ونسأل الله تعالى لنا ولك الثبات على الإسلام حتى الممات.
وعليك بالإكثار من الطاعات لا سيما في هذا الشهر المبارك.
فحافظ على الصيام وصلاة التراويح، وقراءة القرآن، وأكثر من الصدقة، فإن الصدقة من أسباب مغفرة الذنوب.
وبالنسبة لتحصيل العلم، يمكنك أن تجعل لنفسك وقتاً كل يوم لتقرأ فيه بعض الكتيبات المفيدة، وتستمع فيه إلى الدروس المسجلة عن طريق الإنترنت أو الأشرطة.
راجع سؤال (22330) ، (14082)
ويمكنك كذلك تصفح بعض الإجابات من هذا الموقع لاسيما المتعلقة بالأحكام التي لا يستغني عنها المسلم كأحكام الطهارة والوضوء والغسل والصلاة ونحو ذلك.
وإذا أشكل عليك أمرٌ فنحن نسعد بمراسلتك لنا، وسؤالك عما أشكل عليك.
وفقك الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/362)
كيف نتوب من الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفر الله لنا الشرك؟ هل يمكن أن نتوب من الشرك؟ وكيف نتوب؟
هل هناك دعاء مخصص ندعو به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشرك أعظم الذنوب لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة: إن شاء الله غفره لمن لقيه به وإن شاء عذبه به، وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله. (فتح المجيد ص58)
لذلك تجب التوبة من جميع أنواع الشرك سواء كان شركاً أكبر أم شركاً أصغر، وإذا تاب العبد توبة نصوحاً فإن الله تعالى يقبل توبته، ويغفر له ذنوبه.
قال تعالى بعد ذكر الشرك في قوله: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) وذكر خلود أهله في النار قال عز وجل: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) الفرقان / 68-70، والتوبة من الشرك تكون بالإقلاع عنه، والإسلام لله وحده، والندم على تفريط العبد في حق الله، والعزم على عدم العودة إليه أبداً، قال تعالى: (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الأنفال / 38.
(أن ينتهوا) يعني عن كفرهم، وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له. تفسير السعدي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله) يعني من الذنوب. رواه مسلم (121)
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن باب التوبة مفتوح ما لم يغرغر العبد، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر) رواه الترمذي (3537) وهو في صحيح الجامع (1425)
فمن وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة فعليه أن يتوب توبة صادقة من ذلك وأن يصلح عمله ونيته، كما يشرع له أن يغتسل بعد توبته لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بذلك قيس بن عاصم لمّا أسلم) رواه أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي وصححه ابن السكن
(فتاوى اللجنة الدائمة 5/317)
وأما الشرك الأصغر فقد حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا على أمته من الوقوع فيه قال عليه الصلاة والسلام: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) رواه أحمد (23119) قال الألباني في السلسلة الصحيحة (951) إسناده جيد، وقال: (الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل على الصفا ألا أدلك على شيء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار ذلك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم) صحيح الجامع (2876) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/363)
ماذا يفعل بمن شارك محلاً للتصوير
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تشارك مع آخر في دكان لآلات التصوير وقد تاب فكيف ينهي شراكته فيه بحيث لا يخسر؟ وما حكم ما يأتيه من كسب هذا الدكان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينهي الشراكة بالتقويم ويصطلح هو وإياه على القيمة التي يرضاها الشخصان جميعا وما دخل عليه من ذلك فهو مباح له إلا إذا كان شيء من ذلك قيمة لتصوير ذوات الأرواح أو شيء من المحرمات الأخرى فلا يجوز له أكل ذلك بل عليه أن يتصدق به أو يصرفه في مشروع خيري.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 380(7/364)
حكم استعمال آلات التصوير بعد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عنده استديو وكان فيه آلات التصوير، وعلم أن التصوير حرام فكيف يتصرف فيها، بحيث يمكنه السلامة من الخسارة؟ وإذا باعها على مسلم أليس يكون ذلك مساعدة على نشر المعصية؟ وما حكم ما يأتيه من كسب ذلك من المال هل يجوز صرفه عليه وعلى أهله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا فيه تفصيل:
فإن الأستوديو يصور الجائز والممنوع، فإذا صور فيه ما هو جائز من السيارات والطائرات والجبال وغيرها مما ليس فيه روح فلا بأس أن يبيع ذلك ويصور هذه الأشياء التي قد يحتاج إليها الناس وليس فيها روح، أما تصوير ذوات الأرواح من بني الإنسان أو الدواب والطيور فلا يجوز إلا للضرورة كما لو صور شيئا مما يضطر إليه الناس كالتابعية التي يحتاجها الناس وتسمى حفيظة النفوس فلا بأس، وهكذا جواز السفر والشهادة العلمية التي لا تحصل إلا بالصورة، وهكذا تصوير المجرمين ليعرفوا ويتحرز من شرهم وهكذا أشباه ذلك مما تدعو إليه الضرورة لقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) والمقصود أنه لا يستعمل فيه إلا الشيء الجائز وإذا باعه على الناس فلا بأس ببيعه؛ لأنه يستخدم في الطيب والخبيث، مثل بيع الإنسان السيف والسكين وأشباههما مما يستعمل في الخير والشر، والإثم على من استعملها في الشر لكن من علم أن المشتري للسكين أو السيف أو نحوهما يستعملها في الشر حرم بيعها عليه.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 379(7/365)
حكم استعمال أشرطة الأفلام الخليعة بعد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تاب إلى الله عز وجل وعنده فيديو وأشرطة وأفلام خليعة فهل يجوز له بيعها؟ وإذا كان لا يجوز بيعها فماذا يعمل بها؟ وهل يجوز أن يسجل فيها الخطب والبرامج والمشاهد المفيدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم له أن يسجل فيها ما ينفعه ويمسح ما فيها من الباطل فيسجل فيها الطيب ويمحو الخبيث، أما بيعها فلا يجوز وهي على حالتها الرديئة؛ لأن ذلك يعتبر من التعاون على الإثم والعدوان.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 379(7/366)
امرأة تسببت في قتل نفسها لكنها تابت قبل أن تموت
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت متزوجة ولديها ثلاثة أطفال وهي على خلاف دائم مع زوجها وكانت أيضا على خلاف مع والدها، والسبب زوجها الذي كان يعاملها معاملة قاسية جدا مما اضطرها إلى ترك البيت وذهبت إلى بيت أمها المطلقة والمتزوجة من إنسان آخر، وزوج أمها يعاملها هو الآخر معاملة سيئة. فقمت أنا- أخوها- وأخذت لها شقة لتسكن فيها معي وكانت كثيرا ما تذهب إلى أمها ومرة أجبرها زوج أمها أن تذهب وترمي أولادها عند زوجها، ففعلت ذلك إرضاء لأمها. وفي أحد الأيام حصل خلاف بينها وبين زوج أمها وخرجت إلى شقتها متأثرة جدا بما مر بها من مصائب وأبعد أولادها عنها، فقامت وأخذت حبوبا من الثلاجة وأكلتها جميعا تريد أن تقضي على حياتها- فأخذتها إلى المستشفى وأعطيت العلاج اللازم، وقبل وفاتها أحست أنها في أيامها الأخيرة، فتابت وأخذت تستغفر كثيرا عما فعلته وكانت تطلب منا أن ندعو لها بالمغفرة. وأراد الله وتوفيت، فماذا يكون حالها بعد ذلك؟ وهل يجوز لي أن أقوم بالصدقة والحج عنها؟ علما أنني نذرت أن أقوم بهذه الأعمال طيلة حياتي إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مادامت أختك المذكورة قد تابت إلى الله سبحانه وندمت على ما فعلته من أسباب الانتحار فإنه يرجى لها المغفرة، والتوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا تصدقت عنها أو استغفرت لها ودعوت لها يكون ذلك حسنا، وذلك ينفعها وتؤجر عليه أنت. وما نذرته من الطاعات فعليك أن توفي به؛ لأن الله سبحانه مدح الموفين بالنذور في قوله عز وجل في مدح الأبرار: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الإنسان / 7 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه الإمام البخاري في صحيحه.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 296(7/367)
تكرار المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا سيحدث للشخص الذي يرتكب المعصية ذاتها مرة بعد مرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي يرتكب المعصية مرة بعد مرة: ذنبه مغفور في كل مرة إن أعقب معصيته بتوبة - إن كانت توبته في كل مرة صادقة - والدليل على جواز التوبة مرة بعد مرة: أن الذين ارتدوا عن الإسلام زمن أبي بكر ردهم أبو بكر إلى الإسلام وقبل منهم ذلك، علماً بأنهم كانوا كفاراً ثم دخلوا في الإسلام ثم رجعوا إلى الكفر ثم دخلوا الإسلام، وقبِل الصحابة كلهم منهم التوبة على الرغم من أن الذي فعله المرتدون هو شر من الذي يفعله العاصي المسلم فقبول التوبة من المسلم العاصي، ولو كانت متكررة أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة.
ولكن هذا الذي نقوله بشرط أن تكون التوبة الأولى وما بعدها توبةً نصوحاً صادقة من قلب صادق وألا تكون مجرد تظاهر بذلك.
وكلامنا هذا لا يُفهم منه أننا نشجع على المعاصي وارتكابها مرة بعد مرة وأن يجعل المسلم رحمة الله تعالى وتوبة الله تعالى عليه سُلماً للمعاصي، لا، إنما نريد أن نشجع العاصي للتوبة مرة بعد مرة، فنحن نريد أن نُطمئن قلبَ المسلم الذي يريد أن يرجع إلى الله تعالى ونقول له: باب الرحمن مفتوح، وعفوه أكبر من معصيتك، فلا تيأس من رحمة الله تعالى وعُد إليه.
روى البخاري (7507) ومسلم (2758) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. . الحديث.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي:
… وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال: "خياركم كل مفتن تواب. [يعني كلما فُتِن بالدنيا تاب] . قيل فإذا عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور ".
وخرج ابن ماجه من حديث ابن مسعود مرفوعا: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) . حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3427) .
وقيل للحسن: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار.
وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب.
… وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: أيها الناس من ألمَّ بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال وإن الهلاك في الإصرار عليها.
ومعنى هذا أن العبد لا بد أن يفعل ما قدر عليه من الذنوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة " رواه مسلم (2657) .
ولكن الله جعل للعبد مخرجا مما وقع فيه من الذنوب ومحاه بالتوبة والاستغفار فإن فعل فقد تخلص من شر الذنوب وإن أصر على الذنب هلك اهـ جامع العلوم والحكم (1 / 164 – 165) بتصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/368)
له صور عند بعض أصدقائه طلبها منهم لإتلافها فرفضوا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي بعض من الصور عند أصدقائي وطلبت منهم هذه الصور لكي أمزقها خوفا من عذاب الله، بعضهم أعطاني والبعض رفضوا بحجة أن الإثم عليهم وليس عليّ شيء. فهل هذا صحيح أرجو أن تفيدوني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوبة النصوح من الذنوب يمحو الله بها الذنوب كما قال الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها) ، وعليك إتلاف ما لديك من الصور لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، أما صورك التي عند الناس إذا طلبتها منهم وامتنعوا من تسليمها لك فقد برئت منها وتعمها التوبة، والإثم على من اقتناها، أصلح الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/422(7/369)
التوبة قبل فوات الأوان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من نصيحة للشباب الذين انغمسوا في ملذات الدنيا ونسوا الاستعداد والعمل ليوم القيامة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النصيحة للشباب الغافلين بالتوبة قبل فوات الأوان وقبل أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله. والموت يأتي فجأة والله يمهل ولا يهمل وهو عزيز ذو انتقام والمعصية لها آثار على البدن والقلب وعقوباتها معجلة في الدنيا قبل الآخرة وليذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله من حرّ يوم القيامة في ظله (وشاب نشأ في عبادة الله) رواه البخاري (660) ومسلم (1031) ، وليستحوا من ربهم ومن حال الأمة التي تكالب عليها أعداؤها وتحتاج إلى شباب ينهضون بها ويجاهدون العدو وهم طائعون لله وليعتبروا بآخر آية نزلت من القرآن وآخر وصية من الله للبشرية (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) البقرة / 281.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/370)
الحج بمال حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كانت تعمل بوظيفة بائعة في محل للألبسة النسائية المحرمة شرعاً، ولكن الحمد لله تركت العمل. وطبيعي أن يكون لها من المستحقات المالية علي فترة العمل السابقة، وبهذا المبلغ اتفقنا أنا وزوجتي وبرضاها وموافقتها أن نوفره لمصاريف الحج لأبي وأمي علي الرغم أن أبي حج من قبل لكن أمي لم تحج، لكن هم في سن كبير الآن فهل يجوز ذلك أم الأولى أن نحج أنا وزوجتي. مع العلم أنه أنا وزوجتي نرغب بالحج العام الذي يليه إن شاء الله. ومع العلم أيضا أنه لا توجد لدينا أي مدخرات مالية سوي هذا المبلغ فهل يجوز أصلا أن نستغل هذا المبلغ للحج في أي الحالتين. أرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً ; لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ.
ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم (1015) .
(قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ رحمه الله: وَاعْلَمْ أَنَّ عِمَادَ الدِّينِ وَقِوَامَهُ هُوَ طِيبُ الْمَطْعَمِ، فَمَنْ طَابَ مَكْسَبُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ طيبَ مَكْسَبِهِ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لا تُقْبَلَ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَجَمِيعُ عَمَلِهِ ; لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) . وَنَظَرَ عُمَرُ إلَى الْمُصَلِّينَ فَقَالَ: لا يَغُرُّنِي كَثْرَةُ رَفْعِ أَحَدِكُمْ رَأْسَهِ وَخَفْضِهِ، الدِّينُ الْوَرَعُ فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْكَفُّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ بِحَلالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ.
وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَفْضَلُ الْحُجَّاجِ أَخْلَصُهُمْ نِيَّةً، وَأَزْكَاهُمْ نَفَقَةً، وَأَحْسَنُهُمْ يَقِينًا) اهـ من "المدخل" (4/210) لابن الحاجب المالكي.
وَيُرْوَى لِبَعْضِ الأَئِمَّةِ:
إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ
لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ.
و (العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الجمل) .
وفي "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/530) :
مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَحَجُّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ لِفِقْدَانِ شَرْطِ الْقَبُولِ، لقوله تعالى: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) . . .
وَقَدْ أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَفَى بِهِ حَجَّةً.
وَقال الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي فِي الْمَنَاسِكِ الْمُسَمَّاةِ بِالذَّهَبِيَّةِ:
وَحُجَّ بِمَالٍ مِنْ حَلَالٍ عَرَفْتَهُ وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ وَإِيَّاهُ
فَمَنْ كَانَ بِالْمَالِ الْمُحَرَّمِ حَجُّهُ فَعَنْ حَجِّهِ وَاَللَّهِ مَا كَانَ أَغْنَاهُ
إذَا هُوَ لَبَّى اللَّهَ كَانَ جَوَابُهُ مِنْ اللَّهِ لا لَبَّيْكَ حَجٌّ رَدَدْنَاهُ اهـ باختصار.
ثانياً: لا يجوز الانتفاع بالمال الحرام، والتوبة منه تكون بالتخلص منه وإنفاقه في وجوه الخير.
وإنفاقك هذا المال على أبيك وأمك فيه انتفاع لك بهذا المال لأنه مقابل النفقة الواجبة وهذا غير جائز.
ثالثاً: إذا لم يكن عندك من المال الحلال ما تحج به أنت وزوجتك فانتظر حتى تكتسب مالاً حلالاً تحج به لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 98.
فإذا رزقكما لله رزقا حلالاً طيباً فعليكما المبادرة بالحج.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا منكم، ويعيننا على التوبة النصوح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/371)
سجود التلاوة في أوقات النهي
[السُّؤَالُ]
ـ[عند طلوع الشمس وعند غروبها هل تمنع كل النوافل حتى ركعتي الاستغفار وركعتي الطواف وسجدة التلاوة؟ ما دليل ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: صلاة النافلة في وقت النهي تقدم الكلام عليها في الأسئلة (306) (8818) (20013)
ثانياً: سجود التلاوة ليس صلاة على الراجح من قولي أهل العلم وقد تقدم الكلام عليها في الأسئلة (4913) (22650) .
وبناءً عليه فإنه " يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأنه ليس له حكم الصلاة، ولو فرضنا أن له حكم الصلاة جاز فعله في وقت النهي؛ لأنه من ذوات الأسباب، كصلاة الكسوف وركعتي الطواف لمن طاف في وقت النهي ". فتاوى اللجنة الدائمة 7/264
ثالثاً / قولك " ركعتي الاستغفار " لعلك تقصد بها ركعتي التوبة، وهي مشروعة عند التوبة من الذنب فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) آل عمران /135. رواه الترمذي 408 وأبو داوود 1521 وابن ماجه 1395، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1346
وركعتا التوبة صلاة ذات سبب، فيجوز أداءها في وقت النهي. والله أعلم
وقد ورد في روايات أخرى صحيحة صفات أخرى لركعتين تكفران الذنوب وهذا ملخصها:
- ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء (لأن الخطايا تخرج من الأعضاء المغسولة مع الماء أو مع آخر قطر الماء)
ومن إحسان الوضوء قول بسم الله قبله، والأذكار بعده وهي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين – سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وهذه أذكار ما بعد الوضوء لكل منها أجر عظيم.
- يقوم فيصلي ركعتين.
- لا يسهو فيهما.
- لا يحدث فيهما نفسه.
- يحسن فيهن الذكر والخشوع.
- ثم استغفر الله.
والنتيجة:
غفر له ما تقدم من ذنبه.
إلا وجبت له الجنة. صحيح الترغيب 1/ 210-211.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/372)
اقترفت المحرم مع شخص بدعوى المساعدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا والحمد لله فتاة على خلق، ومن عيوبي أنى أحب الناس أكثر من المطلوب، فلا أستطيع أن أرى أحدا يتألم بدون أن أشاركه في الألم، وأشاركه في العلاج، ومعي في العمل شاب مريض بمرض جنسي، فتقربت منه وتقرب منى لأزيل عنه الألم، وحاولت مساعدته ولكن بدون أن يلمس شرفي، أنا أعلم أن هذا حرام، ولكن هل هذا زنا؟ وكيف أتصرف مع هذا الشاب مع أنه طوال اليوم معي في العمل؟
ومع العلم أنى استغفرت الله على ما فعلت وأنا الآن أصوم كل اثنين وخميس وأصلي فأتمنى من الله أن يسامحني فأنا الآن في حيرة لا أعلم إذا كان الله سامحني أم ماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أنك وقعت في خطأ عظيم، بل في جملة من الأخطاء، ابتداء من كلامك مع هذا الرجل في هذه الأمور الجنسية، وانتهاء بما فعلت لعلاجه. وقد استدرجك الشيطان، وأوقعك في الشر وخدعك وصَوَّر لك ذلك بأنه من مساعدة الآخرين والإحسان إليهم!!
ومهما كان الإنسان رقيق القلب، مرهف الحس تجاه الآخرين، فهناك حدود لا يمكن تجاوزها.
ويفهم من كلامك أنك تعملين في مكان تختلطين فيه بالرجال، وهذا بداية الشر. ولعل هذا مثال على مفاسد اختلاط المرأة بالرجل في العمل. راجع السؤال رقم (1200) ، (6666) .
واعلمي أنه لا ينبغي للمرأة أن تتحدث مع الرجال إلا فيما تدعو الحاجة إليه، مع الحشمة والوقار، وعدم الخضوع بالقول، كما قال الله تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32.
فإذا كان الخضوع بالقول (وهو لين الكلام وترقيقه) منهيا عنه، فكيف بكلام المرأة مع الرجل في "الجنس" وأمراضه؟!
فالواجب عليك أن تسعي لترك هذا العمل المختلط، وأن تقطعي كل صلة بهذا الرجل، الذي بلاؤه في دينه أعظم من بلائه في جسده.
وأما هل يدخل تصرفك هذا في الزنا أم لا؟ فجوابه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري (5744) ومسلم (4801) عن أبي هريرة: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) .
قال النووي:
مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ اِبْن آدَم قُدِّرَ عَلَيْهِ نَصِيب مِنْ الزِّنَا , فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُون زِنَاهُ حَقِيقِيًّا بِإِدْخَالِ الْفَرْج فِي الْفَرْج الْحَرَام , وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُون زِنَاهُ مَجَازًا بِالنَّظَرِ الْحَرَام أَوْ الاسْتِمَاع إِلَى الزِّنَا وَمَا يَتَعَلَّق بِتَحْصِيلِهِ , أَوْ بِالْمَسِّ بِالْيَدِ بِأَنْ يَمَسّ أَجْنَبِيَّة بِيَدِهِ , أَوْ يُقَبِّلهَا , أَوْ بِالْمَشْيِ بِالرِّجْلِ إِلَى الزِّنَا , أَوْ الْحَدِيث الْحَرَام مَعَ أَجْنَبِيَّة , وَنَحْو ذَلِكَ. فَكُلّ هَذِهِ أَنْوَاع مِنْ الزِّنَا الْمَجَازِيّ , وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبهُ. مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ يُحَقِّق الزِّنَا بِالْفَرْجِ , وَقَدْ لا يُحَقِّقهُ. وَاَللَّه أَعْلَم اهـ باختصار.
لكن من رحمة الله بعباده أن فتح لهم بابا إلى التوبة والمغفرة فقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه / 82. وقال: (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/71.
وقد ذكرت أنك تبت إلى الله، فأكثري من فعل الصالحات لعل الله أن يتجاوز عنك، ومن توبتك أن تقاطعي هذا الرجل مقاطعة تامة، وأن تطلبي الانتقال عن محل عمله، بل الانتقال عن العمل المختلط كله كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/373)
هل يغفر الله لمن أشرك؟ وكيف يقوي إيمانه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل يغفر الله لشخص أشرك وهو يعلم ولكنه يريد الآن أن يتوب ويغير حياته تماماً؟ كيف تتم المغفرة لهذا الشخص؟ وكيف يعرف أنه قد غُفر له؟ وكيف يقوي إيمانه ليفعل الحلال ويترك الحرام؟ لدي الكثير من المشاكل النفسية تقودني للضلال وتشوش علي. احتاج للنصيحة وهداية الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أخبر الله عز وجل بأنه يغفر الذنوب جميعا لمن تاب إليه وأناب، فقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 وهذا يشمل الذنوب كلها، حتى الشرك، فمن تاب تاب الله عليه.
وجاء في خصوص التوبة من الشرك، وقبول ذلك، قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70
وذكر الله شرك النصارى وكفرهم ثم دعاهم إلى التوبة، فقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/73، 74.
فمهما كان الذنب عظيما، فإن عفو الله وكرمه وإحسانه أعظم.
فما عليك إلا أن تقبل على الله تعالى، وتندم على ما قدمت، وتعزم على عدم العود، ثم أبشر بعد ذلك بفضل الله ورحمته وتوفيقه، فإن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: " يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله " رواه مسلم (121) ورواه أحمد (17861) .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وإذا تاب العبد إلى الله تاب الله عليه، وغفر له، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) الشورى/25، وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 فعلى العبد أن يحسن الظن بربه، وأن يؤمل قبول توبته، فإن الله يقول: " أنا عند ظن عبدي بي" حديث قدسي رواه البخاري (7066) ومسلم (2675) وعند أحمد (16059) بإسناد صحيح " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ".
وأما تقوية الإيمان فتكون بأمور كثيرة منها:
1- كثرة ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه، وكثرة الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم.
2- المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل، ليفوز العبد بمحبة الله، فيوفق ويسدد، كما في الحديث: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " رواه البخاري (6137) .
3- مصاحبة الأخيار الذين يعينون على الطاعة، وينفرون من المعصية.
4- قراءة سير الصالحين من العلماء والزهاد والعباد والتائبين.
5- البعد عن كل ما يذكر بالمعصية ويدعو إليها.
وبالجملة فإن الإيمان يقوى بفعل الطاعات وترك المحرمات.
نسأل الله تعالى أن يوفقك ويتوب عليك، ويهدي قلبك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/374)
يتوب ثم يعود للذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[إن مشكلتي النظر إلى المحرمات وأتوب ثم أرجع وعلى هذه الحال ولا أدري ما الذي يجبرني على هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها المسلم.. لقد خلقنا الله لأمر عظيم ألا وهو عبادته وحده لا شريك له، فقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فواجب على كل مسلم أن يجتهد في عبادة ربه ومولاه بقدر استطاعته {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} .
ولكن لما كان الإنسان ضعيفاً، محاطاً بالأعداء من كل جانب.. فبين جنبيه نفسٌ أمارة بالسوء.. والشيطان يجري منه مجرى الدم.. ويعيش في دنياً تتزين له، فكيف يسلم من هؤلاء الأعداء إن لم يرحمه الله.
ومع هذا وذاك فقد حُفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره، فوجب على الإنسان أن يلجأ إلى الله ليعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته، فهذا أبو بكر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي، قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " رواه البخاري (834) ومسلم (2705) .
فتأمل هذا الحديث كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد أبا بكر الصديق الذي هو خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يقول: " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا " فإذا كان أبو بكر يقول هذا القول – وهو خير الناس – فماذا نقول نحن؟!! اللهم ارحمنا برحمتك.
وهذا صحابي آخر من فقهاء الصحابة وخيارهم – وهو معاذ بن جبل – رضي الله عنه يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ (فقال معاذ) وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " رواه النسائي (1303) وصححه الألباني في صحيح النسائي (1236) .
فتأمل هذه الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم لحبيبٍ من أحبابه رضي الله عنه كيف أرشده إلى طلب المعونة من الله في أداء العبادة؛ لأن الإنسان إن حرم العون من الله فإنه محروم:
((إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده))
فعلينا أن نلتجئ إلى الله، وأن نطلب منه العون على ما أمرنا به.
ثم إنه لما كان النقص مستولياً على جملة البشر شرع الله لنا التوبة من جميع الذنوب والخطايا فقال تعالى:
{وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور / 31.
وقال سبحانه – على لسان نبي من أنبياءه -: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} هود / 3.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) التحريم / 8.
" فعلق سبحانه تكفير السيئات ودخول الجنات في هذه الآية بالتوبة النصوح، وهي التي اشتملت على ترك الذنوب والحذر منها، والندم على ما سلف منها، والعزم الصادق على أن لا يعود فيها تعظيما لله سبحانه ورغبة في ثوابه وحذرا من عقابه " انتهى من كلام الشيخ عبد العزيز ابن باز من مجموع الفتاوى (العقيدة - القسم الثاني ص640)
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً " رواه البخاري (6307) .
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ الأَغَرَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ " رواه مسلم (2702) .
فهذه الأدلة قد تضمنت الحث على التوبة إلى الله تعالى، وهذا إمام التائبين- رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، فنحن أولى بالإكثار من التوبة لكثرة الذنوب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما قولك أيها المسلم.. بأنك تتوب ثم تعود ثم تتوب ثم تعود.. فنقول لك ولو عدت إلى الذنب مراتٍ ومرات فأكثر من التوبة وأرغم شيطانك الذي يتربص بك الدوائر واعلم بأن الله " يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " رواه مسلم (2759) .
وباب التوبة مفتوح فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ " رواه مسلم (2703) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2802)
ولكن اعلم أيها المسلم بأن للتوبة شروطاً لا بد من توافرها في التوبة حتى تكون توبةً شرعية وهذه الشروط تجدها مبسوطة في السؤال رقم (13990) وللأهمية راجع السؤال (5092) .
وختاماً نوصيك بمجاهدة نفسك الأمارة بالسوء والاستعاذة بالله من شرها وشر الشيطان الرجيم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شر نفسه وشر الشيطان وشركه كما في الحديث: (أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه) (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2753) .
ثم عليك بالابتعاد عن أسباب المعصية فقد حذر الله من الاقتراب من الزنا كما في قوله: (ولا تقربوا الزنا) ويكون ذلك بالبعد عن الأسباب الموصلة إلى الزنا.
والزم التضرع إلى الله والإلحاح عليه بالدعاء أن يوفقك ويكفر ذنبك ويرزقك التقوى.
نسأل الله أن يمن علينا جميعاً بالتوبة النصوح والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/375)
اغتصب مالاً من رجل ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ زمن بعيد كنت في سفر مع أشخاص لا أعرفهم وأردنا صرف عملة فأعطاني أحدهم مالاً لأصرفه له فقمت بصرفه وإنفاقه على بيتي وعندما طالبني بالمبلغ قمت بطرده، وقد تبت ولله الحمد ولكني لا أعرف الرجل ولا اعلم مكانه فكيف اعمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع ما ذكر فقد أسأت وارتكبت ذنباً عظيماً، وعليك التوبة والاستغفار، والبحث عن صاحب المبلغ بجد وعزم، فإن وجدته فاستبحه وادفع إليه المبلغ المذكور، وإن لم تجده فابحث عن وارثه وادفع إليه المبلغ، وإن لم تجد له وارثاً فتصدق به بنية أن يكون ثوابه لصاحبه، فإن وجدت صاحبه أو ورثته بعد ذلك فأخبره بالواقع، فإن رضي فبها، وإن لم يرض فادفع إليه حقه، ولك أجر التصدق.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 14/ 24(7/376)
ذهب إلى عراف، ويسأل هل له من توبة؟ وكيف يتوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سبع سنوات ذهبت عند عراف ثم عند كاهن وكنت حينها مصاباً بالوساس.
وكنت أعلم أن الذهاب إلى الكاهن أو العراف شرك، ولكني لم أكن أعرف معنى الشرك وأنه خروج من الملة. وبعد هذه السنين تبت إلى الله تعالى من كل الذنوب والمعاصي، وبدأت أقرأ في كتب التوحيد حتى أصحح عقيدتي، فوجدت أني وقعت في الشرك الأكبر. فهل لي من توبة؟ وهل أعيد الشهادة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، ونسأله سبحانه أن يرزقك الثبات والاستقامة على الحق.
ثانياً:
قد تظاهرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الذهاب إلى الكهان والعرافين، انظر السؤال (8291) .
ولكن ليس كل من ذهب إلى كاهن أو عراف يكون مشركاً شركاً أكبر خارجاً عن الملة، بل الذهاب إلى الكاهن أو العراف فيه تفصيل، فقد يكون شركاً أكبر، وقد يكون معصية، وقد يكون جائزاً.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) .
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) النمل/65. ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له؟ فقال: الدخ. يريد الدخان " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) .
وعليه؛ فمن أتى إلى عراف أو كاهن وكان مصدقاً له فيما يقول ومعتقدا أنه يعلم الغيب فقد كفر كفرا أكبر يخرج به من الإسلام، وأما إذا لم يكن معتقدا لصدقه فلا يكفر.
وعلى كل الأحوال فباب التوبة مفتوح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (3537) .
أي: ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم، وكل ذنب يتوب منه الإنسان فإن الله يتوب عليه، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
فأي ذنب وقع فيه الإنسان ثم تاب منه قبلت توبته، حتى الشرك.
انظر السؤال (9393)
والأصل أن الكافر – ومثله المرتد عن الإسلام- يطلب منه أن ينطق بالشهادتين حتى يدخل في الإسلام، فإن كان ذهابك إلى الكاهن من القسم الثاني السابق ذكره، فلا بد من الإتيان بالشهادتين، وحيث إنك قد تبت واستقمت فلا شك أنك قد كررت الشهادتين مرات ومرات، فلا يلزمك الآن شيء، وعليك العزم على عدم العودة لمثل هذا مرة أخرى.
واجتهد في طلب العلم حتى تعبد الله على بصيرة.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/377)
كيف يتوب من كان يزني ويسرق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان المسلم سيئاً، يزني ويسرق ويقامر فما هو عقابه؟ إذا فرضنا أنه فيما بعد أراد بأن يُعاقب على كل ما اقترفه من ذنوب، فماذا يفعل؟ هل يمكن أن يذهب ويقول اقطعوا يدي واقطعوا رقبتي بسبب ذنوبي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزنا ذنبٌ عظيم قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} الإسراء / 32، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ " رواه البخاري رقم (2475) ومسلم (57) .
وهو من كبائر الذنوب، ومرتكبه متوعد بعقاب أليم فقد جاء في الحديث العظيم - حديث المعراج - والذي فيه: " ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ؟ … قَالَ: قَالا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ … َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي " رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047)
وقد عاقب الله الزناة في الدنيا بعقوبات شديدة، وأوجب على ذلك الحد، فقال تعالى في بيان حق الزاني البكر: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} النور / 2.
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (3199) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ".
ثانياً:
والسرقة كذلك من كبائر الذنوب:
قال تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله} المائدة / 38.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: " يا أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا – فأعادها مراراً – ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: فو الذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب. رواه البخاري (1652) .
وحدُّ السرقة هو قطع اليد اليمنى، كما سبق ذكره في الآية.
ثالثاً:
ونوصي صاحب السؤال بالتوبة والاستغفار على ذنوبه:
قال الله تعالى: {وإني لغفار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} طه / 82.
عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة "، الترمذي (3540) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (4338) .
وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ". . . يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم. . . . " مسلم (2577) .
رابعاً:
والتوبة بين الإنسان وبين ربِّه خيرٌ له من الاعتراف بذنبه عند القاضي لإقامة الحد عليه.
وفي صحيح مسلم (1695) عندما جاء " ماعز " يقول للنبي صلى الله عليه وسلم " طهِّرني "، قال له: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه.
قال الحافظ ابن حجر:
ويؤخد من قضيته – أي: ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ، كما أشار به أبو بكر وعمر على " ماعز "، وأن مَن اطَّلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترتَه بثوبك لكان خيراً لك "، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال: أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر. " فتح الباري " (12 / 124، 125) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/378)
مفتون بالقنوات ومواقع الإنترنت الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مفتون مع الأسف بالدشوش ومواقع الانترنت لدرجة أصبحت مقصر جدا في أمور ديني، أرجو منكم المساعدة والدعاء لي بالهداية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهديك، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء، وأن يجعلك من عباده المخلَصين.
وخير ما نوصيك به هو تقوى الله تعالى، والحذر من نقمته وغضبه، وأليم عقابه، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وما يؤمنك أن يطلع الله عليك وأنت على معصيته فيقول: وعزتي وجلالي لا غفرت لك.
وانظر إلى هذه الجوارح التي تسعى بها إلى المعصية، ألا ترى الله قادرا على أن يسلبك نعمتها، وأن يذيقك ألم فقدها؟
ثم انظر إلى ستر الله تعالى لك، وحلمه عليك، وأنت تعلم غيرته على عباده، فما يؤمّنك أن يغضب عليك، فينشكف أمرك، ويطلع الناس على سرك، وتبوء بفضيحة الدنيا قبل الآخرة.
وهل ستجني من النظر المحرم إلا الحسرة، والشقاء، وظلمة القلب؟
وهب أنك شعرت بمتعة أو لذة، يوما أو يومين، أو شهرا أو سنة.. فماذا بعد؟
موت.. ثم قبر.. ثم حساب، فعقاب ... ذهبت اللذات وبقيت الحسرات.
وإذا كنت تستحيي من أن يراك أخوك على هذه المعصية، فكيف تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك؟!
أما علمت أن الله يراك، وأن ملائكته تحصي عليك، وأن جوارحك غدا ستنطق بما كان؟
واعتبر بما أصبح عليه حالك بعد المعصية: هم في القلب، وضيق في الصدر، ووحشة بينك وبين الله.
ذهب الخشوع.. ومات قيام الليل.. وهجرك الصوم ... فقل لي بربك ما قيمة هذه الحياة؟
كل نظرة تنظرها إلى هذه النوافذ الشيطانية، تنكت في قلبك نكتة سوداء، حتى يجتمع السواد فوق السواد، ثم الران الذي يعلو القلب، فيحرمك من لذة الطاعة، ويفقدك حلاوة الإيمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) " رواه الترمذي (3257) وابن ماجة (4234) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 3422.
صقل: أي نُقي وطُهر.
فكن ممن نزع واستغفر وتاب، وأكثر من التضرع لله تعالى أن يُطهر قلبك وأن يُحصن فرجك، وأن يُعيذك من نزغات الشيطان.
واجتنب كل وسيلة تدعوك أو تذكرك بالحرام، إن كنت صادقا راغبا في التوبة.
فبادر بإخراج هذا الدش من بيتك، واقطع صلتك بمواقع السوء في الانترنت، واعلم أن خير وسيلة تعينك على ترك ما اعتدته من الحرام، أن تقف عند الخاطرة والهم والتفكير، فادفع كل خاطرة تدعوك للمشاهدة، قبل أن تصبح رغبة وهمّا وقصدا ثم فعلا.
قال الغزالي رحمه الله: (الخطوة الأولى في الباطل إن لم تدفع أورثت الرغبة، والرغبة تورث الهم، والهم يورث القصد، والقصد يورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت، فينبغي حسم مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر، فإن جميع ما وراءه يتبعه) إحياء علوم الدين 6/17
وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) النور/21
وإن أمكنك الاستغناء التام عن الانترنت فافعل، إلى أن تشعر بثبات قلبك، وقوة إيمانك.
واحرص على الرفقة الصالحة، واحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وأكثر من نوافل العبادة، وتجنب الخلوة والتفكير في الحرام ما أمكن.
والخلاصة في العلاج فتح منافذ الخير، وسد منافذ الشر.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك للتوبة الخالصة النصو.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/379)
هل من نتائج الذنوب العقوبة من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن من نتائج الذنوب العقوبة من الله ومحق البركة، فبكيت خوفاً من ذلك أرشدوني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن اقتراف الذنوب من أسباب غضب الله عز وجل ومن أسباب محق البركة وحبس الغيث، وتسليط الأعداء كما قال سبحانه: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون) الأعراف/30، وقال سبحانه: (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) العنكبوت/40
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه) فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الذنوب والتوبة مما سلف منهما مع حسن الظن بالله ورجائه سبحانه المغفرة والخوف من غضبه وعقابه، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن عباده الصالحين: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء/90، وقال سبحانه وتعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) الأسراء/57، وقال عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويُطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) التوبة/71
ويُشرع للمؤمن والمؤمنة مع ذلك الأخذ بالأسباب التي أباح الله عز وجل وبذلك يجمع بين الخوف والرجاء والعمل بالأسباب متوكلاً على الله سبحانه معتمد عليه في حصول المطلوب والسلامة من المرهوب والله سبحانه هو الجواد الكريم القائل عز وجل: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/2-3، والقائل سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) الطلاق/4، وهو القائل سبحانه: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تُفلحون) النور/31 فالواجب عليك أيتها الأخت في الله التوبة إلى الله سبحانه مما سلف من الذنوب والاستقامة على طاعته مع حسن الظن به عز وجل والحذر من غضبه وابشري بالخير الكثير والعاقبة الحميدة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1136(7/380)
أسباب تكفير الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة متزوجة. وقد وُلدت لعائلة مسلمة. لكني، لم أكن أعلم عن أحكام الإسلام الشيء الكثير. وقد وقعت في الكثير من المعاصي الكبيرة، مما جعلني أشعر وكأني أسوء إنسان في هذا العالم. والآن، فأنا أحاول تحصيل العلم، العلم المتعلق بهذا الدين العظيم، وأن أطبق أحكامه. لكني، لا أشعر بالسلام والراحة في قلبي. أنا دوما أتساءل: كيف لي أن أعرف ما إذا كان الله، رب العالمين، قد غفر لي أم لا؟ ما هي الأمور الصالحة التي يمكنني فعلها كي تمسح ذنوبي العظيمة التي وقعت فيها سابقا؟ كيف لي أن أتقرب من ربي؟ يا الله، أرني ما يدل على أنك رحمتني.
أنا لا أستطيع أن أنام بشكل جيد، ولا أستطيع أن أرتاح، ولا أستمتع بأي شيء. أنا أشعر دوما وكأني سأموت في أي وقت وسيسألني الله. كيف أجيبه سبحانه، فأنا ليس عندي ما أقوله. أنا أبكي من داخلي دائما. يا الله، أخبرني كيف أتخلص من جميع ذنوبي.
أنا أكتب لك لأني قرأت كتابك "أريد أن أتوب، ولكن.." مرارا. وأشعر بعد قراءتها بشيء من الراحة عندما أقرأ قول الله تعالى: "لا تقنطوا من رحمة الله.." الآية 53 من سورة الزمر. وهذا هو الأمل الوحيد في حياتي.
هل تظن أن الله سيغفر لي وأنا تلك المرأة العاصية التي وقعت في كل معاصي؟ لقد صليت صلاة التوبة وأنا أحاول أن أغير طريقة حياتي في جميع الجوانب ليرضى ربي علي. أتعهد بأن أتبع أحكام الإسلام فيما بقي من عمري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحمد لله الذي وفقك للتوبة، وهداك بعد الضلال، وأنار لك الطريق، وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك، فله الحمد أولاً وآخراً.
ثم هنيئاً لكِ أيتها السائلة على التوفيق للتوبة، وهذه نعمة تحتاج إلى شكر، فالله يتوب على من تاب. يُراجع السؤال (14289) .
ثانياً:
قولك: " كيف أعرف أن الله قد غفر لي أم لا؟ "
اعلمي بأن من تاب توبة ً صادقة تاب الله عليه والله غفور رحيم، وعد من تاب أن يغفرله ذنوبه فقال: (قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، والله إذا وعد فإنه لا يخلف الميعاد.
وقال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/71. ففي هذه الآية بين الله لنا أنه يبدل سيئات التائب إلى حسنات، وهذا من فضائل التوبة.
ثالثاً: قولك: " كيف أتخلص من ذنوبي؟ "
هذه مسألة مهمة، وهي الأسباب التي تكفر الذنوب: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:
أحدها: التوبة، وهذا متفق عليه بين المسلمين. قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) ،وقال تعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم} ، وقال تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) ، وأمثال ذلك.
السبب الثاني: الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أذنب عبدٌ ذنباً فقال أي رب أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي.. الحديث ". رواه البخاري (6953) ومسلم (4953) .
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون ثم يستغفرون فيُغفَرُ لهم " (التوبة/4936) .
السبب الثالث:الحسنات الماحية، كما قال تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفَاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) ، وقال صلى الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (344) وقال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري (37) ومسلم (1268) ، وقال: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري (1768) ، وقال: " من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخاري (1690) ، وقال: " فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " رواه البخاري (494) ومسلم (5150) ، وقال: " من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار، حتى فرجه بفرجه " رواه مسلم (2777) . وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح، وقال: " الصدقةُ تُطْفِئُ الخطيئة كما يُطْفِئُ الماءُ النارَ، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ. "
والسبب الرابع الدافع للعقاب: دعاءُ المؤمنين للمؤمن، مثل صلاتهم على جنازته، فعن عائشة، وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من ميت يصلى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِعُوا فيه " رواه مسلم (1576) ، وعن ابن عباس قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من رجلٍ مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه " رواه مسلم (1577) . وهذا دعاء له بعد الموت.
السبب الخامس: " ما يعمل للميت من أعمال البر، كالصدقةِ ونحوها، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة، واتفاق الأئمة، وكذلك العتق والحج، بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه." رواه البخاري (5210) ومسلم (4670)
السبب السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة، كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة، مثل قوله في الحديث الصحيح: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " صححه الألباني في صحيح أبي داوود (3965) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: " خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة ... " انظر صحيح الجامع (3335) .
السبب السابع: المصائب التي يُكَفِرُ الله بها الخطايا في الدنيا، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ما يُصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصب ولا همٍ ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري (5210) ومسلم (4670) .
السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة، والضغطة، والروعة (أي التخويف) ، فإن هذا مما يُكَفَرُ به الخطايا.
السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد." المرجع مجموع فتاوى ابن تيمية ج7 ص " 487- 501 ".
رابعاً: قولك " هل تظن أن الله سيغفر لي؟!! ... "
نعم، لو تبتي توبة صادقة، فإن الله وعد من تاب بالتوبة، والأدلة على ذلك قد تقدمت. فإياك أيتها الأخت أن تقنطي من رحمة الله، وتذكري قصة الرجل الذي قتل مئة شخص، ثم تاب فتاب الله عليه، وإليك القصة كما رواها الإمام مسلم في صحيحه في كتاب التوبة (2766) : " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ، فَقَالَ: لا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ".
فيستفاد من هذا الحديث فوائد منها:
1- أن الله يغفرالذنوب كلها عن التائب مهما بلغت، ويدل له قوله تعالى: (قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
2- أن على التائب أن يبتعد عن رفقة السوء الذين كانوا معه على المعصية، وعليه أن يصاحب رفقةً صالحة، تعينه على الخير، وتدله عليه.
3- على المسلم أن يعيش في حياته بين الخوف والرجاء، فهو يخاف ذنوبه ويخشى منها، ولا يأمن مكر الله ولا يجزم لنفسه بدخول الجنة، فإن الصحابة رضوان الله عليهم رغم صلاحهم وتقواهم لم يكن هذا حالهم، بل كانوا يخافون ربهم ويعبدونه رغباً ورهباً، وخوفاً وطمعاً، فالمسلم إذاً يعمل الطاعات ويتوب ويطمع في رحمة الله ويعلم أن الله يغفر لمن تاب ويتوب عليه فيرجو أن يغفر الله له، ويعلم أن الله يتقبل من عبده العمل الصالح ويحب ذلك منه فيجتهد في عمل الصالحات راجياً القبول، فإذا عاش بهذه الحال: خائفاً من ذنوبه، راجياً رحمة ربه أصبح مجتهداً في الطاعة بعيداً عن المعصية يسأل الله أن يُثيبه على الصالحات حتى يلقاه وهو راضٍ عنه، ويستعيذ بالله من أن يقلب قلبه أو يغير حاله، كما كان يدعو عليه الصلاة والسلام: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ".
نسأل الله لنا ولك الثبات على دينه، والمزيد من فضله، إنه سميع مجيب.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/381)
يقول بأنه أكبر مذنب في العالم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أكبر مذنب في العالم. الزنا في دمي ولا أعرف كم ارتكبت الاستمناء حتى في هذا الشهر الفضيل "رمضان". إنني على شفا فقدان الأمل في المغفرة فقد سمعت أن من لا يحصل على المغفرة في هذا الشهر فيجب أن يدمر وأنا في حالة مدمرة وليس عندي أي أمل فماذا أفعل حتى أتوب؟
إذا شاء الله فسوف يغفر لي أفعالي الشنيعة وما هي إشارة قبول توبتي؟ وكيف أبعد عن هذه المعاصي؟ لقد تبت كثيراً ولكني أعود للمعاصي.
إنني أريد أن أتزوج لكن والداي (من شبه القارة الهندية) لا يسمحون لي بذلك ولا أستطيع أن ألومهم لأنني يجب أن أطيعهم لكن في أمريكا لا أستطيع أن أسيطر على نفسي.
تفضل الله علي فإنني أعمل عملاً جيداً فهل هذا علامة على غضب الله علي لأنه أعطاني مالاً لأقع في المعاصي؟ أريد أن أتوب وأعود إلى ربي فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم على الناس إلاّ مايستطيعون تركه، ولم يوجب عليهم شيئاً لا يستطيعون فعله، لذا فإن الشيطان هو الذي يوهمك بأنك لا يمكن أن تتوب، وما الذي يمنعك من التوبة؟
ولكن لابد أن تسلك الوسائل التي تعينك على الابتعاد عن هذه المعصية، ومن أهم الأشياء في ذلك هو الزواج، وإذا لم تستطع فحاول أن تسلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو الصيام، فحاول أن تصوم شيئاً من الأيام التي يُستحب صيامها، كيوم الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، وابتعد عمّا يثير شهوتك وغريزتك من النظر الحرام، وعن المشاهد التي تثير الغرائز، وعن التفكير في الشهوات وأشغل تفكيرك بما يعود عليك بالنفع، واحرص على البحث عن صحبةٍ صالحة تعينك على الاستمرار على طريق الطاعة.
أمّا عملك الجيّد فلا علاقة له بهذا فقد يوفّق الله الرجل الصالح لعملٍ جيد، وقد يحرم الرجل الفاجر منه، فالرزق أمرٌ بيد الله تبارك وتعالى، وإن كان قد يبتلي بعض عباده بالتوسيع في الرزق أو التضييق فيه.
وعلامة قبول توبتك أن تقلع عن المعصية ولا تعود إليها، وحين تفوتك التوبة في رمضان فاحرص على تحقيقها في غيره. نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(7/382)
هل يبلغ الطبيب عن المرضى المعتدين على الأعراض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يراجعني بعض المرضى الذين أقدموا على شرب المسكر وتناول المخدر، وقاموا على إثر ذلك بارتكاب بعض الجرائم مثل الزنا واللواط، هل أقوم بالتبليغ عنهم أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك النصيحة، تنصح لهم وتحثهم على التوبة، وتستر عليهم ولا ترفع أمرهم ولا تفضحهم، وتعينهم على طاعة الله ورسوله، وتخبرهم أن الله سبحانه يتوب على من تاب، وتحذرهم من العودة إلى هذه المعاصي، لقول الله سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) 71 / الآية من سورة التوبة، وقوله سبحانه: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) سورة العصر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة.....) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) رواهما الإمام مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص 436.(7/383)
تريد أن تكون مسلمة جيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أكون مسلمةً حقيقيةً فكيف أبدأ؟ أنا لست سيئةً الآن لكني لا أصلي كل الصلوات الخمس ولا أرتدي الزي الإسلامي الصحيح. فكيف أبدأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام الحقيقي يعني أن يلتزم المسلم بأحكام الإسلام، ومن أهم ذلك الصلاة فهي عمود الدين، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وهي العهد بين أهل الإيمان وأهل الكفر فمن تركها فقد كفر.
لذا فالواجب عليكِ المحافظة على الصلاة في أوقاتها وعدم التفريط في شيءٍ منها.
ثمّ عليك الإلتزام بسائر أحكام الشرع، ومنها الحجاب، ومما يعين المسلم على ذلك اعتناؤه بقراءة القرآن، وقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير الصالحين وأخبارهم، وننصحك باختيار صحبة صالحة من النساء المسلمات فإن ذلك مما يعينكِ بإذن الله على الإستقامة على دين الله.
وعليك أيتها الأخت بمحاسبة نفسك امتثالا لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله) فأمر مرتين بتقواه وأمر بينهما بمحاسبة النفس فانظري ماذا قدّمت ليوم القيامة من فعل الخيرات وترك المنكرات، وهذه المحاسبة هي الوسيلة العظيمة للتغيير فيوم القيامة شديد طويل عبوس قمطرير فانظري ماذا أعددت له من الطاعات واستكثري منها وأخلصي فيها ودعي المعاصي فإنها شر ما يُستعدّ به لذلك اليوم وانتقلي إلى الآخرة بأفضل ما لديك، ولاتنسي الدعاء لله تبارك وتعالى بأن يهديكِ إلى الصراط المستقيم، وأن يرزقك الثبات عليه.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية والخاتمة الحسنة وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/384)
توبة مريض الإيدز
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان أصيب بمرض الإيدز وقرر الأطباء أن عمره في هذه الحياة قصير جداً، فما الحكم في توبته في هذا الوقت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليه أن يبادر إلى التوبة، ولو في لحظات الموت، لأن باب التوبة مفتوح مهما كان ما دام عقله معه، وعليه أن يبادر بالتوبة والحذر من المعاصي ولو قالوا له أن عمرك قصير فالأعمار بيد الله، وقد يخطئ ظنهم فيعيش طويلاً، وعلى كل تقدير فالواجب البدار بالتوبة والصدق في ذلك حتى يتوب الله عليه، لقول الله سبحانه وتعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) النور/31، وقوله سبحانه: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه /82، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) والمعنى ما لم يتغرغر بها الإنسان ويزول شعوره. والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 437.(7/385)
كيف أتخلص من المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو كيف أتخلص من المعاصي، أنا أعرف الخطأ والصواب في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله سبحانه وتعالى حين حرَّم على العبد المعاصي لم يتركه سُدى، بل أمدَّه عز وجل بما يعينه على تركها، ومن الوسائل المعينة على ذلك:
1- تقوية الإيمان بالله عزَّ وجل والخوف منه.
2- مراقبة الله عزَّ وجل واستحضار أنه مع العبد، وأنه يراه، وأن كل ما يعمل مُسجَّل عليه.
3- أن يقارن بين اللذة العاجلة للمعصية والتي سرعان ما تنتهي، وبين عقوبة العاصي يوم القيامة، وجزاء من امتنع من المعصية.
4- أن يبتعد عن الوسائل التي تعينه على المعصية: كالنظر الحرام، وأصدقاء السوء، وارتياد أماكن المعاصي.
5- أن يحرص على مجالسة الصالحين وصحبتهم.
[الْمَصْدَرُ]
أجاب عن هذا السؤال الشيخ محمد بن عبد الله الدويش.(7/386)
انتكس بعد توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[تربيت في بيت عائلتي المسلمة الملتزمة في الغرب، مع الأسف في سن المراهقة سمحت لنفسي أن يقودها الشيطان واقترفت العديد من الذنوب خلال سنوات حتى أنني خرجت عن الإسلام.
حاولت التوبة والعودة خلال السنتين الماضيتين، أديت أركان الإسلام الخمسة جميعها وتصدقت بكرم وشاركت في الدعوة وساعدت المسلمين، أحسن معاملة زوجتي ووالداي.
مع ذلك فإن قلبي يتردد كثيرا، بعض الأحيان أكون مقتنع جدا بالحق ولكن في الغالب أنا صم بكم اكتشف كثيراً أن قلبي مغرور جداً، ذنوب وكره للحق.
حاولت كثيراً أن أكبت هذه الأحاسيس السلبية ولكنني لم أستطع أن أتجاوزها. أريد أن أصبح مسلم ثانية ولكنني حاليا في موقف سلمت نفسي فيه لحياة الطاغوت.
قرأت كتباً لا عد لها واستمعت لمحاضرات كثيرة ولكن بدون جدوى. أريد أن أنجح في هذه الحياة وأنجو من النار. ما الذي أستطيع أن أفعله؟ هل يجب أن أقول الشهادة مرة أخرى؟ أرجو أن تساعدني.]ـ
[الْجَوَابُ]
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى السؤال التالي: أنا شاب قد أسرفت على نفسي في المعاصي كثيرا، حتى أنني لا أصلي في المسجد ولم أصم رمضان كاملا في حياتي، وأعمل أعمالا قبيحة أخرى، وكثيرا ما عاهدت نفسي على التوبة، ولكني أعود إلى المعصية وأنا أصاحب شبابا في حينا ليسوا مستقيمين تماما، كما أن أصدقاء إخواني كثيرا ما يأتوننا في البيت وهم أيضا ليسوا صالحين، ويعلم الله أنني أسرفت على نفسي كثيرا في المعاصي وعملت أعمالا شنيعة، ولكنني كلما عزمت على التوبة أعود مرة ثانية كما كنت. أرجو أن تدلوني على طريق يقربني إلى ربي ويبعدني عن هذه الأعمال السيئة.
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) سورة الزمر أجمع العلماء أن هذه الآية الكريمة نزلت في شأن التائبين، فمن تاب من ذنوبه توبة نصوحا غفر الله له ذنوبه جميعا لهذه الآية الكريمة، ولقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) ، سورة التحريم فعلق سبحانه تكفير السيئات ودخول الجنات في هذه الآية بالتوبة النصوح، وهي التي اشتملت على ترك الذنوب والحذر منها، والندم على ما سلف منها، والعزم الصادق على أن لا يعود فيها تعظيما لله سبحانه ورغبة في ثوابه وحذرا من عقابه.
ومن شرائط التوبة النصوح رد المظالم إلى أهلها أو تحللهم منها إذا كانت المعصية مظلمة في دم أو مال أو عرض، وإذا لم يتيسر استحلال أخيه من عرضه دعا له كثيرا وذكره بأحسن أعماله التي يعلمها عنه في المواضع التي اغتابه فيها، فإن الحسنات تكفر السيئات، وقال سبحانه: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) سورة النور، فعلق عز وجل في هذه الآية الفلاح بالتوبة، فدل ذلك على أن التائب مفلح سعيد، وإذا أتبع التائب توبته بالإيمان والعمل الصالح محا الله سيئاته وأبدلها حسنات، كما قال سبحانه في سورة الفرقان لما ذكر الشرك والقتل بغير حق والزنا: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) سورة الفرقان.
ومن أسباب التوبة الضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله الهداية والتوفيق وأن يمن عليك بالتوبة وهو القائل سبحانه: (ادعوني أستجب لكم) غافر، وهو القائل عز وجل: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) سورة البقرة.
ومن أسباب التوبة أيضا والاستقامة عليها صحبة الأخيار والتأسي بهم في أعمالهم الصالحة والبعد عن صحبة الأشرار وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل الجليس الصالح كصاحب المسك إما أن يحذيك - أي يهديك هدية - وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة) . مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فتاوى العقيدة القسم الثاني ص640.
أما بالنسبة لتجديد إسلامك فإن كنت فعلت ما يُخرجك عن الإسلام بالكلية فعليك بنطق الشهادتين والدّخول في دين الإسلام الذي خرجت منه وإن كان ما فعلته ذنوبا وكبائر لا تُخرجك من ملة الإسلام فتكفيك التوبة بشروطها كما تقدّم، واحذر اليأس من رحمة الله واسلك سُبُل النجاة، وفقنا الله وإياك لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد.
نسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليك بالتوبة النصوح وأن يتجاوز عنا وعنك وأن يفرج عنك ما أنت فيه وأن يجمعنا وإياك في جنات النعيم إخوانا على سرر متقابلين آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/387)
اعتاد النظر إلى الصور العارية
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتدت النظر إلى الصور العارية وأنا أتصفح (المواقع على الإنترنت) ، وإن كنت لا أحبها، إلا أنني لا أستطيع التحكم في نفسي ومنعها من ذلك. أرجو أن تدلني على بعض التسابيح التي تُطهر روحي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك أيها السائل أولاً، التوبة من هذا الذنب العظيم، لأن الإنسان محاسب عن أعماله يوم القيامة، قال تعالى: (إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسْئُولاً) الإسراء/36، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " والعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاها النَّظر " رواه البخاري (الاستئذان/5774) , فيجب عليك التوبة النصوح من هذا الأمر، وهي تتضمن أموراً:
الإقلاع عن هذا الذنب، خوفاً من عقاب الله، وتعظيماً له.
النَّدم على فعلك لهذا الأمر المُحَرَّم أشدَّ الندم.
العزم الصادق على أن لا تعود لهذا الذنب أبداً.
واعْلم أن تزكِيَةَ النّفس وتطْهِيرها من هذه المحرمات يكون بأمور كثيرة منها:
الاستقامة على التوبة، والإكثار من الدعاء، والإكثار من الاستغفار والتوبة، المداومة على الأذكار, والإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة، الإكثار من الصلاة، قال تعالى: (إنّ الصلاة تَنْهَى عن الفحشَاءِ والمُنْكَر) العنكبوت/45، وقال تعالى: (وأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النَّهار وزُلَفَاً من اللَّيْلِ إنَّ الحسنَات يُذْهِبْنَ السيِّئات) هود/114، وعليك أن تبحَثَ عن وسَطٍ صالحٍ تعيش فيه، وعن رفقة صالحة تُعِينك على الخير، حتى تبتَعِد عن هذه الأمور، فكل هذه الأعمال تُزَكِّي النفس وتُطَهِّرُهَا، فَتَتَحَصَّل على رضوان الله، قال تعالى: (قد أفلح من زكاها) الشمس/9.
واعلم أن العبد متى صدق في توبته وأدام تَضَرُّعَه الى الله وسُؤالَه العافية منْ شرِّ نفسِه والشَّيْطان حفظه الله من وساوس الشيطان ومكره، قال تعالى: (ومن يَتَّقِ الله يجعَل له مَخْرَجاً) الطلاق/2.
وفّقَنا الله وإيّاك للتّوبة والاستقامة على الدين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/388)
الرجوع إلى الإسلام بعد الضياع
[السُّؤَالُ]
ـ[جدي وجدتي مسلمان، والدي ووالدتي يعتبران أنفسهم مسلمين ولكنهم يصلون ويصومون من وقت لوقت ولا يتبعون جميع تعاليم الإسلام، وبالنسبة لي فقد بدأت تعلم الصلاة وتعاليم الإسلام مع جدتي وهذا أول رمضان أصومه.
فعلت الكثير من الذنوب في الماضي فهل يغفر الله لي ما فعلت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من تاب تاب الله عليه ومن تقرّب إلى الله تقرّب الله إليه، وما دمت أيتها الأخت المسلمة قد اهتديت وعدت إلى الدّين وأقبلت على الله فأبشري بالتوبة والمسامحة من الله، قال الله عزّ وجلّ: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) سورة طه
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/389)
تاب من رؤية الأفلام فهل يبيع التلفزيون
[السُّؤَالُ]
ـ[كان بحوزتي تلفزيون وجهاز فيديو في البيت، ومعروف أن أغلب ما يعرض إما حرام أو فيه شبهة، والآن والحمد لله ابتعدت عن هذه الأجهزة وتبت إلى الله، وقد اشتريت قطعة أرض لبناء مسجد عليها، واحتاج إلى مبلغ من النقود لتسديد باقي ثمن الأرض.
استفساري: هل أبيع هذه الأجهزة ومن ثمنها أدفع لمن بنى أرض المسجد أو المساعدة في عملية بناء المسجد، وإذا بعت هذه الأجهزة لمن أبيعها؟ ومعلوم أن ما يعرض في هذه الأجهزة غالباً شر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تبعه، لأن الغالب على من يشتري ذلك منك أن يستعمله في اللهو وسائر ما يستعمل فيه من المحرمات، بل أتلف ما لديك من ذلك تخلصاً من الشر، ولك الأجر، ولكن إن وجدت من يغلب على ظنك استعماله لهما في المباح فلا بأس ببيعهما عليه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 13/46.(7/390)
الفرق بين التوبة والاستغفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين التوبة والاستغفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوبة: تتضمن أمراً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فالندم على الماضي والإقلاع عن الذنب في الحاضر والعزم على عدم العودة في المستقبل.
والاستغفار: طلب المغفرة، وأصله: ستر العبد فلا ينفضح، ووقايته من شر الذنب فلا يًعاقب عليه، فمغفرة الله لعبده تتضمن أمرين: ستره فلا يفضحه، ووقايته أثر معصيته فلا يؤاخذ عليها، وبهذا يعلم أن بين الاستغفار والتوبة فرقاً، فقد يستغفر العبد ولم يتب كما هو حال كثير من الناس، لكن التوبة تتضمن الاستغفار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/391)
هل يجوز الدعاء لعموم المسلمين بالمغفرة مع علمنا بحصول العذاب لبعضهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أستفسر عن بعض الأدعية، مثلاً: " اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات "، " اللهم اغفر لنا جميعاً "، هل تجوز مثل تلك الأدعية مع أن تحققها مخالف لإرادة الله؟ وكيف نرد على من يشكك في مثل تلك الدعوات عند صدورها في أوقات الإجابة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدعاء بالمغفرة للمسلمين والمسلمات على سبيل العموم: لا حرج فيه، ويدل على هذا الجواز بضعة أدلة، منها:
1. قوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) محمد/ 19.
عن عاصِم الأحول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا - أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا - قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .
رواه مسلم (2346) .
وفي تفسير قوله تعالى (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) أقوال، وأحد هذه الأقوال فيه إيجاب الاستغفار لجميع المسلمين.
قال القرطبي – رحمه الله -:
وقيل: الخطاب له، والمراد به: الأمَّة، وعلى هذا القول توجب الآية استغفار الإنسان لجميع المسلمين.
" تفسير القرطبي " (16 / 242) .
وعن ابن جريج قال: قلتُ لعطاء: أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات؟ قال: نعم، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) ، قلتُ: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً؟ قال: لا، قلت: فبِمَن تبدأ، بنفسك أم بالمؤمنين؟ قال: بل بنفسي، كما قال الله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) .
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ.
رواه الترمذي (1024) وأبو داود (3201) النسائي (1986) .
قال ابن علان الصدِّيقي – رحمه الله -:
(اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا) أي: لجميع أحيائنا، وأمواتنا، معشر المسلمين، لأن المفرد المضاف حيث لا عهد: للعموم.
" دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين " (6 / 240) .
3. وهو فعل الملائكة عليهم السلام، كما قال تعالى عنهم: (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ) الشورى/ 5.
4. وهو فعل الأنبياء، والصحابة، والتابعين، وجماهير العلماء، من المتقدمين، والمتأخرين.
أ. قال نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/ 28.
ب. وقال إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/ 41.
ج. وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
روى عبد الرزاق في " المصنف " (3 / 111) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يأثر عن عر بن الخطاب في القنوت أنه كان يقول: " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم ... ".
رَوَاهُ البَيْهَقِيّ في " السنن الكبرى " (2 / 210) وَقَالَ: صَحِيح مَوْصُول.
" تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج " (1 / 410) .
د. وهو وصية ابن عباس رضي الله عنهما:
ففي " فضل الصلاة على النبي " لإسماعيل القاضي (ص 67) - وصححه الشيخ الألباني - عن ابن عباس أنه قال: لا تصلوا صلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار.
هـ. وهو قول عموم المؤمنين، كما أخبر الله عنهم في قوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/ 10.
وفي جواب السؤال رقم (104460) نص في جواز ذلك الدعاء – بل والحث عليه – عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وفي الجواب نفسه تخريج لأحاديث مرفوعة ضعيفة في الباب.
ثانياً:
أما قول من عارض هذا الدعاء بأن الله تعالى قد قدَّر أن لا تكون مغفرة لعموم المسلمين، وأنه لا شك سيدخل منهم طائفة النار: فهي معارضة لا تسلم لقائلها؛ لأنه خلط " القدر " بـ " الشرع "، فنحن مأمورون – أو يستحب لنا – بالشرع: الدعاء لعموم المسلمين بالمغفرة، وهو لا يتعارض مع ما ليس لنا به تعلق مما قدَّره الله تعالى على طائفة من المسلمين، ومما يدل على ذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد علَّمنا أدعية الاستغفار، وأوصى المسلمين بذكرها وقولها، ونحن على علم أنه لن يستجاب لطائفة من قائليها، وما ذكرناه من أدلة – أيضاً - يؤكد خطأ من منع منها، ويؤكد سلامة الدعاء بعموم المغفرة للمسلمين والمسلمات.
وأقدم من رأيناه يعترض على هذا الدعاء هو أبو العباس القرافي – توفي 684 هـ - حيث جعل الدعاء بذلك من المحرمات! فقال:
الفروق مع هوامشه - (4 / 463)
القسم الخامس في المحرم الذي ليس بكفر: أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل السمع الوارد بطريق الآحاد على ثبوته، وقولي " بطريق الآحاد ": احتراز من المتواتر؛ فإن طلب نفي ذلك من قبيل الكفر - كما تقدم -، وله أمثلة:
الأول: أن يقول " اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم "، وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا بدَّ من دخول طائفة من المسلمين النار، وخروجهم منها، بشفاعة وبغير شفاعة، ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم، فلو غفر للمسلمين كلِّهم ذنوبَهم كلها: لم يدخل أحد النار، فيكون هذا الدعاء مستلزماً لتكذيب تلك الأحاديث الصحيحة! فيكون معصية، ولا يكون كفراً؛ لأنها أخبار آحاد والتكفير إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة أو بالتواتر ... .
طلب الملائكة المغفرة للمؤمن بقولهم (فاغفر للذين تابوا) وقوله تعالى (ويستغفرون لمن في الأرض) : لا عموم في تلك الألفاظ؛ لكونها أفعالاً في سياق الثبوت، فلا تعم، إجماعاً، ولو كانت للعموم: لوجب أن يُعتقد أنهم أرادوا بها الخصوص، وهو المغفرة من حيث الجملة؛ للقواعد الدالة على ذلك ... .
" الفروق مع هوامشه " (4 / 463 - 465) .
وقد تعقبه " أبو القاسم بن الشاط المالكي " رحمه الله – توفي 723 هـ - فقال – كما في هامش " الفروق " المسمى " إدرار الشروق " (4 / 488) -:
وما قاله من الدعاء بهذه الأدعية ونحوها معصية: مجرد دعوى، ومِن أين يلزم أن لا يُدعى إلا بما يجوز وقوعه؟! لا أعرف لذلك وجهاً، ولا دليلاً.
وما المانع من أن يكلِّف الله خلقه أن يطلبوا منه المغفرة لذنوب كلِّ واحدٍ من المؤمنين، مع أنه قد قضى بأن منهم من لا يغفر له؟! ومِن أين يلزم المنافاة بين طلب المغفرة ووجوب نقيضها؟! هذا أمر لا أعرف له وجهاً إلا مجرد التحكم بمحض التوهم.
وما قاله من أنه لا عموم في قوله تعالى (فاغفر للذين تابوا) ، وقوله تعالى (ويستغفرون لمن في الأرض) لكونها أفعالاً في سياق الثبوت: خطأ فاحش؛ لأنه التفت إلى الأفعال دون ما بعدها من معمولاتها، والمعمولات في الآيتن لفظاً: عموم.
وبالجملة: فقد كلَّف هذا الإنسان نفسَه شططاً، وادَّعى دعوى لا دليل عليها، ولا حاجة إليها؛ وهماً منه وغلطاً.
انتهى
وسئل الشيخ عبد الكريم الخضير – حفظه الله -:
ما وجهة من يقول: إن الدعاء على الكافرين فيه تعدي؛ لأن في علم الله أنهم موجودون إلى يوم القيامة؟ .
فأجاب:
المسلم مطالب بأن يدور مع الإرادة الشرعية، أما الإرادة الكونية القدرية: ليس مطالباً بها، لقائل أن يقول: لماذا تدعو لعموم المسلمين والله يعلم أن منهم من يموت وهو مرتكب كبيرة؟ نعم، وُجد مَن يمنع حتى هذا من أهل العلم، من يقول: لا يجوز الدعاء لعموم المسلمين، وُجد مَن يمنع الدعاء لعموم المسلمين لأن في علم الله أن من يموت وهو مرتكب كبيرة، هذا مخالف الإرادة الكونية! إذاً لا تدعو لنفسك، الله أعلم بما يختم لك به! ولا تدعو لولدك، الله أعلم بما يستمر عليه! أنت مطالب بالدعاء، وهذه المطالبة إرادة شرعية، إما الإرادة الكونية: فهي لله جل وعلا ليست لك.
" شرح الموطأ " كتاب الجنائز، بَاب: " النَّهْيِ عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ ".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/392)
يسأل عن مدى صحة هذه الأدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحت هذه الأدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما مناسبتها؟ • اللهم أرني الحق حقاً وأرزقني إتباعه وارني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه. • اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. • اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم. اللهم أذل الشرك والمشركين. • اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يغلب جمعك. • اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء. • اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجوا رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
1- دعاء: " اللهم أرني الحق حقاً وارزقني إتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه "
فليس بحديث، وإنما هو دعاء مأثور عن بعض من تقدم من السلف، كما قال ابن شاهين رحمه الله: " ومن أدعية من تقدم: اللهم أرنا الحق حقا وألهمنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وألهمنا اجتنابه " انتهى.
" شرح مذاهب أهل السنة"، لابن شاهين رحمه الله (ص 40) ، وينظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 571) .
قال الحافظ العراقي رحمه الله:
" حديث: كان يقول (اللهم أرني الحق حقا فأتبعه وأرني المنكر منكرا وارزقني اجتنابه، وأعذني من أن يشتبه علي فأتبع هواي بغير هدى منك، واجعل هواي تبعا لطاعتك ... )
لم أقف لأوله على أصل " انتهى. "تخريج أحاديث الإحياء" (5/ 391) .
2- دعاء: " اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ".
دعاء صحيح مأثور، وقد دعا به النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
فروى أحمد (15066) والبخاري في "الأدب المفرد" (699) والحاكم (1868) ، (4308) والطبراني في "الكبير" (4549) والبزار في "مسنده" (3724) عن رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي) فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ) .
قال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (541) .
وقد ثبت الدعاء بذلك عن عمر رضي الله عنه، ودعا الناس به في زمانه، في قنوت الوتر في رمضان: وفيه الجمل المذكورة في آخر السؤال: (اللهم إياك نعبد..) :
... فكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف:
" اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ". ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: " اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوى ساجدا ".
رواه بن خزيمة في "صحيحه" (1100) ، وقال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة: " إسناده صحيح ".
وقد ورد آخر هذا الدعاء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بإسناد ضعيف.
روي بإسناد ضعيف، رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (3267 عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى مُضَرَ إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَسَكَتَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ سَبَّابًا وَلاَ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَكَ رَحْمَةً، وَلَمْ يَبْعَثْكَ عَذَابًا لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ هَذَا الْقُنُوتَ:
(اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَخْضَعُ لَكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجَدَّ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ) .
قال البيهقي عقبه: " هَذَا مُرْسَلٌ ".
ولكن تقدم أنه صحيح عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
قال البيهقي عقب الرواية السابقة:
" وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحًا مَوْصُولاً "
ثم ساقه بسنده عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ:
" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكُذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمَ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِى لاَ تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِى عَلَيْكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَخْشَى عَذَابَكَ الْجَدَّ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ ".
وينظر: تهذيب الآثار، للطبري، رقم (2653) .
وصححه الألباني في "الإرواء" (2/164-165) .
3- دعاء: " اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم "، دعاء صحيح مأثور، وقد دعا به النبي صلى الله عليه وسلم عند لقاء العدو.
روى البخاري (2966) ومسلم (1742) عن عبد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) .
ثُمَّ قَالَ:
(اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ) .
4- أما دعاء: " اللهم أذل الشرك والمشركين "، فلا نعلم له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من أصحابه، أو السلف الصالحين، وإنما اعتاد الدعاء به بعض الإمام في القنوت، أو غيره من الأدعية، وهو ـ من حيث المعنى ـ: صحيح، لا حرج على من عا به.
5- دعاء " اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يغلب جمعك "، فقد روي بنحوه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود (5052) والطبراني في "المعجم الصغير" (998) والبيهقي في "الدعوات" (336) عَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ، اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ) .
والحديث وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"، غير أن الدعاء من حيث المعنى صحيح، وقد قال الله تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) الصافات / 173.
6- دعاء: " اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ": هذا الدعاء صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم (2713) عَنْ سُهَيْلٍ بن أبي صالح قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/393)
هل هناك دعاء خاص لتحقيق البركة في الوقت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد أدعية للبركة في الوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا شك أن أعظم أسباب البركة في الأوقات والأعمار هو تقوى الله عز وجل، والعمل بطاعته وعبادته، ودوام الإنابة إليه، فهو سبحانه خالق الزمان والمكان، والموفق لخير الأعمال والأقوال.
وإذ لزم العبد باب الدعاء، وأكثر من سؤال الله أن يبارك له جميع شأنه، وأن يجعله مباركا أينما كان، وحيثما كان، ووقتما كان: فحري به أن ينال من الله هذه النعمة العظيمة، ويوفق في عمره وعمله ورزقه، وينال من الله الخيرات والبركات.
ثانيا:
لم نقف على دعاء خاص لسؤال البركة في الوقت، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه الكرام، ويجزئ عن ذلك أي صيغة من صيغ الدعاء، يختارها العبد لنفسه، يسأل الله بها ما يحب وما يرجو.
ثالثا:
وقد عني العلماء بتقرير الوسائل المادية التي تعين الإنسان على استغلال الوقت بأقصى ما يمكن، وعلى تحقيق الإنجازات العظيمة في الأوقات القصيرة، ومن الكتب المتخصصة:
1- " إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري " د. خالد الجريسي.
2- " إدارة الوقت بين التراث والمعاصرة " د. محمد أمين شحادة.
3-" كيف تنجز أكثر في وقت أقل: (113) وسيلة وحيلة لمساعدتك على رفع معدل الإنتاج والتغلب على عادة التأجيل " تأليف: " روبرت بوتش "، ترجمة: " منال مصطفى "، وهو كتاب جيد مختصر خال من مخالفات الغربيين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/394)
هل هناك دعاء مخصوص يعين على الفهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء مخصوص لتعلم الدرس للطلبة الذين لا يتعلمون بسهولة، وقد نصحني أحدهم بقول هذا الدعاء: " اللهم افتح علينا حكمتك، وانشر علينا رحمتك، يا ذا الجلال والإكرام ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن يُعلم أن أهم ما يعين على الفهم أمران اثنان:
1-اتخاذ الأسباب الحقيقية للفهم، بالإنصات، والتركيز، والحفظ، والتفكير، والسؤال عما يشكل: وهذه أمور مهمة جدا، قد يصعب تطبيقها في بادئ الأمر، لكنها تصبح خير ما يعين على الفهم إذا تدرب عليها المتعلم واعتادها فأصبحت ملكة له.
2- صدق اللجوء إلى الله تعالى، وسؤاله الفهم والتعليم، فالعلم نور يقذفه الله في القلب، فإذا كان القلب بعيدا عن الله لم يكن مستعدا لاستقبال هذا النور، وأما القلب القريب من الله بالعبادة والمحبة والتوبة والاستغفار والإنابة: فهذا حري أن ينال الفتح من الله عز وجل.
وقد قرر ابن القيم في كتابه العظيم " إعلام الموقعين " مجموعة من الأمور التي تعين المفتي على الفهم وإدراك حقائق المسائل والنوازل، يمكن الاستعانة بها لكل طالب علم ومريد حق.
قال رحمه الله:
" ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي - لا العلمي - المجرد إلى مُلهم الصواب، ومُعلم الخير، وهادي القلوب: أن يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر من أمّل فضل ربه أن لا يحرمه إياه، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق، فعليه أن يوجه وجهه ويحدق نظره إلى منبع الهدى، ومعدن الصواب، ومطلع الرشد، وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة، فيستفرغ وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها، فإن ظفر بذلك أخبر به، وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله، فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد، ولا بد أن تضعفه.
وشهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة، والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللجإ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق لهذا الافتقار علما وحالا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد فقد أعطى حظه من التوفيق، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم " انتهى.
" إعلام الموقعين " (6/67-68) تحقيق مشهور حسن سلمان.
وقد نقل ابن عبد الهادي رحمه الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله:
" إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل.
قال: وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي " انتهى.
" العقود الدرية " (ص/6) .
ثانيا:
لم نقف على دعاء مخصوص مرفوع يسن لمن طلب الفهم أن يأتي به، وإنما هي أذكار مأثورة عن بعض السلف، أو تأول لبعض الأحاديث النبوية، وعمل بما فيها من الأدعية الصالحة، وإن لم يكن الدعاء مقيدا في السنة بهذه الحالة، لكن تأوله وذكره في مثل هذا المقام هو اجتهاد ممن فعله من السلف.
فمن أتى بمثل هذه الأذكار والأدعية السلفية، غير معتقد أنها ـ بخصوصها، وبخصوص هذه الحال ـ من السنة، أو أن لها فضيلة خاصة: فلا حرج عليه.
قال ابن القيم أيضا رحمه الله:
" حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) ، وكان شيخنا ـ يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية ـ كثير الدعاء بذلك، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول: يا معلم إبراهيم! علمني. ويكثر الاستعانة بذلك اقتداء بمعاذ بن جبل رضى الله عنه.
وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
وكان مكحول يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وكان مالك يقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكان بعضهم يقول: رب اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
وكان بعضهم يقول: اللهم وفقني، واهدني، وسددني، واجمع لي بين الصواب والثواب، واعذرني من الخطأ والحرمان.
وكان بعضهم يقرأ الفاتحة.
وجربنا نحن ذلك فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة.
والمعوَّل في ذلك كله على حسن النية، وخلوص القصد، وصدق التوجه ...
وسئل الإمام أحمد فقيل له: ربما اشتد علينا الأمر من جهتك فمن نسأل بعدك؟ فقال سلوا عبد الوهاب الوراق، فإنه أهل أن يوفق للصواب.
واقتدى الإمام أحمد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنهم تجلى لهم أمور صادقة.
وذلك لقرب قلوبهم من الله، وكلما قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء، وكان نور كشفه للحق أتم وأقوى، وكلما بعد عن الله كثرت عليه المعارضات، وضعف نور كشفه للصواب، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، يفرق به العبد بين الخطأ والصواب.
وقال مالك للشافعي رضي الله عنهما في أول ما لقيَه: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) ومن الفرقان النور الذي يفرق به العبد بين الحق والباطل، وكلما كان قلبه أقرب إلى الله كان فرقانه أتم، وبالله التوفيق " انتهى.
" إعلام الموقعين " (6/197-199)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/395)
كيف يكون تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف ما تقصدون في تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقصود بتمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء: هو البداءة بحمد الله تعالى وشكره، وذكر بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى، والاعتراف بين يديه سبحانه وتعالى بالذل والفقر إليه، لتكون هذه الكلمات تمهيدا لسؤاله عز وجل، فهو سبحانه يحب من عبده التذلل إليه، والاعتراف بعظيم نعمه وجليل فضله، فإذا قدم العبد صدق التذلل، ثم أتبعه بصدق الدعاء والمسألة، كان ذلك أدعى لإجابة الدعاء.
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال:
(سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلَ هَذَا. ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ)
رواه أبو داود (1481) ، والترمذي (3477) وقال: حسن صحيح.
ومن أمثلة تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ:
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ:
فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ - أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ -)
رواه البخاري (1120) ومسلم (769) .
فتأمل كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبدأ بالدعاء جملا كثيرة، كلها حمد لله، وثناء عليه، وتمجيد له، واعتراف بالفقر إليه، وإقرار بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ثم بعد ذلك كله بدأ بالدعاء، وقد كان جملة واحدة فقط، وهي: فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" فيه استحبابُ تقديم الثناء على المسألة عند كلِّ مطلوب، اقتداءً به صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" فتح الباري " (3/5)
ويقول الدكتور عبد الرزاق البدر:
" إنَّ من ضوابط الدعاء المهمة وآدابه العظيمة أن يقدِّم المسلم بين يدي دعائه الثناءَ على ربِّه بما هو أهلُه من نعوت الجلال، وصفات العظمة والكمال، وذكر جوده وفضله وكرَمه وعظيم إنعامه، وذلك أنَّه أبلغُ ما يكون في حال السائل والطالب ثناؤُه على ربِّه، وحمدُه له، وتمجيدُه، وذكرُ نعمه وآلائه، وجعل ذلك كلِّه بين يدي مسألته وسيلةً للقبول ومفتاحاً للإجابة.
ومَن يتأمّل الأدعيةَ الواردة في الكتاب والسنة يجد كثيراً منها مبدوءاً بالثناء على الله وعدِّ نِعمه وآلائه، والاعتراف بفضله وجوده وعطائه، ومن الأمثلة على ذلك الدعاءُ العظيم الذي اشتملت عليه سورة الفاتحة التي هي أعظم سور القرآن الكريم وأجلُّها (اهدنا الصراط المستقيم)
فهذا الدعاءُ العظيم مبدوءٌ بالثناء على الله وحمده وتمجيده، مما هو سببٌ لقبوله، ومفتاحٌ لإجابته.
قال ابن القيم رحمه الله: ولما كان سؤال الله الهدايةَ إلى الصراط المستقيم أجلَّ المطالب، ونيلُه أشرفَ المواهب، علّم الله عبادَه كيفيةَ سؤاله، وأمرهم أن يقدِّموا بين يديه حمدَه والثناء عليه وتمجيدَه، ثمَّ ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم، توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وتوسلٌ إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُردُّ معهما الدعاء ... إلى أن قال رحمه الله:
وقد جَمعت الفاتحة الوسيلتين، وهما التوسلُ بالحمد والثناء عليه وتمجيده، والتوسلُ إليه بعبوديته وتوحيده، ثمَّ جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب، وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيقٌ بالإجابة.
ومن الأمثلة على ذلك دعاء يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيث فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ، ودعاء أيوب عليه السلام، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلعَابِدِينَ) ، ودعاءُ أولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ، ودعاءُ الملائكة: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهْمْ عَذَابَ الجَحِيمِ) ، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداًّ، يطول عدُّها، فينبغي على المسلم أن يحافظ على هذا الأدب الرفيع عند سؤاله له سبحانه بأن يُثْنِيَ عليه ويَحمده ويمجّده، ويعترف بفضله وإنعامه، ثمَّ يسأله بعد ذلك ما يشاء من خَيْرَي الدنيا والآخرة " انتهى.
" فقه الأدعية والأذكار " (2/203-207)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/396)
هل يقنت قنوت النوازل في صلاة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ثبت عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا يدعو على بعض القبائل عندما نزلت بأصحابه نازلة فهل كان يقنت في كل الصلوات المفروضة؟ وهل كان يقنت في صلاة الجمعة؟ وهل يجوز لنا عندما تنزل بنا نازلة أن نقنت في صلاة الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه شهراً على قبائل من العرب غدروا بسبعين من أصحابه رضي الله عنهم وقتلوهم.
فروى البخاري (3170) ومسلم (677) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) .
وكان صلى الله عليه وسلم يقنت في الصلوات الخمس كلها، لا يخص فرضا دون فرض، فروى أبو داود (1443) وأحمد (2741) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ) صححه ابن القيم في "الزاد" (1/280) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال النووي رحمه الله:
" الصَّحِيح فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا إنْ نَزَلَتْ (يعني النازلة) قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ " انتهى
"المجموع" (3/485) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
"يُشْرَعُ أَنْ يَقْنُتَ عِنْدَ النَّوَازِلِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَدْعُو عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْفَجْرِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22 / 270)
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في النوازل، يدعو على المعتدين من الكفار ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكافرين وأسرهم، ثم ترك ذلك ولم يخص بالقنوت فرضا دون فرض" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/42) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"قنوت النوازل سنة مؤكدة في جميع الصلوات , وهو الدعاء على الظالم بأن يخزيه الله ويذله ويهزم جمعه ويشتت شمله، وينصر المسلمين عليه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (7/381) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" القنوت في النوازل مشروع في جميع الصلوات كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس خاصاً بصلاة الفجر والمغرب، وليس خاصاً بليلة أو يوم معين من الأسبوع، بل هو عام في كل أيام الأسبوع " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (160/32) .
أما القنوت في صلاة الجمعة فقد اختلف العلماء في ذلك، وذهب أكثرهم إلى أنه لا يقنت، اكتفاءً بالدعاء في الخطبة، ولأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فيها.
فعن طاوس ومكحول والنخعي أنه بدعة.
وأنكره عطاء والحسن وقتادة.
"مصنف عبد الرزاق" (3/194) ، "مصنف ابن أبي شيبة" (2/46) .
وعن الإمام مالك رحمه الله أنه سأل ابن شهاب عن القنوت يوم الجمعة فقال: "محدث" انتهى.
"الاستذكار" (2/293) .
وعنه أيضا قال: "كان الناس في زمن بني أمية يقنتون في الجمعة، وما ذلك بصواب" انتهى.
"الاستذكار" (2/76) .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/175) :
" وَعَنْهُ – يعني الإمام أحمد - يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ خَلَا الْجُمُعَةِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ , وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ [ابن تيمية] ، وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْجُمُعَةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي" انتهى باختصار.
وقال ابن المنذر رحمه الله:
" اختلف أهل العلم في القنوت في الجمعة، فكرهت طائفة القنوت في الجمعة، وممن كان لا يقنت في صلاة الجمعة: علي بن أبي طالب، والمغيرة بن شعبة، والنعمان بن بشير، وبه قال عطاء، والزهري، وقتادة، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وإسحاق، وقال أحمد: بنو أمية كانت تقنت.
وروي عن محمد بن علي، قال: القنوت في الفجر، والجمعة، والعيدين، وكل صلاة يجهر فيها بالقراءة. قال ابن المنذر: بالقول الأول أقول " انتهى.
"الأوسط" (6/41-42) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم القنوت في صلاة الجمعة؟
فأجاب:
"يقول العلماء: إن الإمام لا يقنُت في صلاة الجمعة؛ لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين، فيُدعى لمن يُراد أن يُقْنَت لهم في أثناء الخطبة، هكذا قال أهل العلم.
فقيل له: وإن قنت؟
فأجاب:
ما دام أن العلماء قالوا: لا يقنت، فعليه أن يترك.
فقيل له: وهل هو جائز؟
فأجاب:
لا بأس؛ لأنه حتى لو قنت فإنه لا يعتبر عاصياً؛ لكن الأحسن أن يدعو لمن أراد القنوت لهم في أثناء الخطبة" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (24/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/397)
هل يجوز أن تدعو ربها أن يطلق فلان زوجته أو يترك خطيبته لتتزوجه هي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أدعو ربي يرزقني شخصاً معيناً؟ أنا أدعو ربي لمدة أربع سنين، هو الآن مرتبط بواحدة لم يتزوجها يعد، وهو يحبني، واستخرت وأحس قلبي يميل له كثيراً. وهل يجوز أدعو ربي أن الشخص هذا يطلق الفتاة المرتبط بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يشرع للمسلم أن يسأل ربه كل ما أهمه من أمر دينه ودنياه، في صلاته وفي غير صلاته؛ فإن الدعاء عبادة، والله يحب من عبده أن يعبده ويدعوه، وقد قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60.
وجاء في "المدونة" (1/192) :
"قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ، حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ولم يقيده بشيء معين فيجوز أن تدعو بأمر يتعلق بالآخرة أو بأمر يتعلق بالدنيا، حتى لو دعوت الله في سجودك أن ييسر لك بيتا واسعا نظيفا أو سيارة مريحة وما أشبه ذلك فلا بأس به؛ لأن الدعاء عبادة لله عز وجل سواء دعوت في شيء من أمور الدنيا أو في شيء من أمور الآخرة؛ فإن مجرد دعائك الله عز وجل عبادة تقربك إلى الله سبحانه وتعالى " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (5/ 163) .
ثانياً:
لا يجوز للمسلم أن يعتدي في دعائه، قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين) .
وروى أبو داود (96) وابن ماجة (3864) عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّل رضي الله عنه أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ) وصححه الألباني في "سنن ابن ماجه".
ومن الاعتداء في الدعاء: سؤال الله ما لا يجوز من الحاجات، كالإضرار بالمسلم وظلمه.
ودعاؤك أن يترك هذا الشخص الفتاة التي تقدم لها ليتزوجك أنت فيه اعتداء على أختك، وظلم لها.
ومما يدل على أن ذلك ظلم لها: أنك لو كنت مكانها لن ترضي من أحد أن يدعو عليك بمثل هذا الدعاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
وقد روى البخاري (6601) ومسلم (1408) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) .
قال النووي رحمه الله:
"مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث: نَهْي الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة أَنْ تَسْأَل الزَّوْج طَلَاق زَوْجَته , وَأَنْ يَنْكِحهَا وَيَصِير لَهَا مِنْ نَفَقَته وَمَعْرُوفه وَمُعَاشَرَته وَنَحْوهَا مَا كَانَ لَلْمُطَلَّقَة" انتهى.
ومعنى قوله: (ولتنكح) أي: لتتزوج هذا الرجل ولا تطلب منه طلاق زوجته، أو تتزوج بغيره ممن تيسر لها، ولا تتعلق بهذا الرجل.
فالنصيحة لك أن تعرضي عن التفكير في هذا الشخص حتى لا يجرك ذلك إلى الوقوع في شيء محرم، واسألي الله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً، فإنك لا تدرين هل هذا الشخص إن تزوجك سيكون مناسباً وصالحاً لك أم لا؟
وعليك أن ترضي بما قدره الله لك، فإن الإنسان لا يدري أين الخير له؟ قال الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/ 216.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك ويوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/398)
قال لصاحبه: من خان الثاني عاقبه الله بالنار خالدا مخلدا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التعاهد بين شخصين بهذا اللفظ: ((عسى اللي يخون الثاني يعاقبه ربي بالنار خالد مخلد فيها إلى الأبد)) ؟ وما هو الواجب اتجاه هذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن يدعو على نفسه أو غيره بهذا الدعاء، فإن الخلود في النار أبدا لا يكون إلا لمن مات على الكفر عياذا بالله، فكأن هذا الإنسان يقول لأخيه: من خان منا عاقبه الله بالكفر الموجب للخلود في النار، وهذا من الجهل والظلم والاعتداء في الدعاء.
وقد يدعو الإنسان بهذا فيوافق ساعة إجابة، فيكون في ذلك خسرانه وهلاكه، كما روى مسلم (3014) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ) .
قال القرافي رحمه الله في "الفروق" (4/296) : " القسم الثاني عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر: وهو ما استفاد التحريم من متعلقه وهو المدعو به؛ لكونه طلبا لوقوع المحرمات في الوجود. أمّا الداعي فكقوله: اللهم أمته كافرا أو اسقه خمرا أو أعنه على المَكس الفلاني [جباية المال ظلماً] أو وطء الأجنبية الفلانية أو يسر له الولاية الفلانية وهي مشتملة على معصية، أو يطلب ذلك لغيره إما لعدوه، كقوله: اللهم لا تمت فلانا على الإسلام، اللهم سلط عليه من يقتله أو يأخذ ماله , وإما لصديقه فيقول: اللهم يسر له الولاية الفلانية أو السفر الفلاني أو صحبة الوزير فلان أو الملك فلان , ويكون جميع ذلك مشتملا على معصية من معاصي الله تعالى، فجميع ذلك محرم تحريم الوسائل، ومنزلته من التحريم منزلة متعلقه , فالدعاء بتحصيل أعظم المحرمات أقبح الدعاء، ويروى: (من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى) ، ومحبة معصيته تعالى محرمة فدل ذلك على أن الدعاء بالمحرم محرم " انتهى.
والحاصل: أن التعاهد بهذه الصيغة منكر لا يجوز، وعلى من قال هذا أن يتوب إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/399)
السؤال ببركة فلان ـ أحد الصالحين ـ
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ لنا إمام مسجد يقول: إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان، كأن يقول: اغفر لي يا رب ببركة فلان ـ أي أحد الصالحين مثلاً ـ فهل هذا نوع من الشرك؟ علماً بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهياً إلا إذا سألناه، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا ليس من الشرك، ولكنه من وسائل الشرك، وهو التوسل ببركة فلان، أو بحق فلان، أو جاه فلان، أو ذات فلان، هذا من وسائل الشرك، وليس من الشرك، بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم، لأن التوسل عبادة لابد لها من توقيف، ولابد لها من بيان من الله عز وجل، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه بَيَّن لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن لنا وسائل العبادة، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه، كما قال سبحانه: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى، وهكذا التوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت، كما جاء في الحديث. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله، وبمحبته لله ورسوله، وبره بوالديه، وبأدائه الأمانة، وبعفته عن الفواحش، وبمحافظته على الصلوات، إلى غير ذلك.
وفي هذا الباب: قصة أهل الغار، الثابتة في الحديث الذي رواه الشيخان: البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا، آواهم المبيت، وفي رواية: (المطر) ، إلى غار فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم فيما بينهم قالوا: لن ينجيكم من هذا الأمر إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة، فانفرجت الصخرة وخرجوا) . وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية.
وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم، وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له، أما التوسل بجاه فلان، أو ببركة فلان، أو بحق فلان، فهذا لا أصل له، ولا يجوز، بل هو من البدع، ولكن ليس من الشرك.
والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا صحيحة. لكن ينبغي أن يعلَّم ويوجه إلى الخير، فإن عرف الحق وامتثل له وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره، والواجب على المسؤولين أن يلتمسوا إماماً أصلح منه للمسجد حتى لا يَغُرَّ الناس.
وهكذا إذا كان يتعاطى كتب (الحجب) وهي التمائم، فهذا أيضاً منكر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له) وأخبر أنها شرك، فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام، ولا من الخرز، ولا من الطلاسم، ولا من غير ذلك.
واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين: أحدهما: الجواز، والثاني: المنع، والصواب: المنع، فلا يجوز اتخاذ التمائم والحُجُب حتى ولو من القرآن في أصح قولي العلماء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأطلق وعَمَّم، فلا يجوز استثناء شيء من ذلك، ولأن تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق غيرها، فينفتح الباب، ويقع الشرك، وسد الذرائع أمر معلوم من الشريعة، وأصل من أصولها، ولأن تعليقها قد يفضي إلى امتهان الآيات القرآنية، فوجب منع ذلك.
وأما البخور فشيء آخر، فقد تُعالج بعض الأمراض بالخور، ولكن بعض من يدعي الطب قد يتظاهر بأشياء وعنده أشياء أخرى، قد يتظاهر بالتمائم أو بالبخور وهو يتعاطى خدمة الجن، وسؤال الجن، ودعوى علم الغيب بواسطة الجن، ومثل هذا خطره عظيم، فالواجب أن ينكر على هذا، وإن يوجه إلى الخير، وأن يُعلَّم حتى يستفيد، وحتى ينتبه لهذا الخطر، فإن استقام وتاب إلى الله وسار على الطريق السوي وإلا فالواجب إبداله بغيره من أئمة المسلمين الذين عندهم العناية بأمر الله، وعندهم صلاح العقيدة، وسلامة الدين ـ والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/298 – 300) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجوب(7/400)
لا حرج من الدعاء الجماعي بعد إلقاء المحاضرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بشكل جماعي كأن يدعو الإمام بعد إلقاء المحاضرة مثلاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء من أفضل العبادات التي يتعبد المسلم فيها ربه؛ قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60.
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، (قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) رواه الترمذي (2969) وصححه، وأبو داود (1479) وابن ماجه (3828) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وننبه هنا إلى أمرٍ مهم، يختلط على كثير من الناس، وهو التفريق بين "الذِّكر الجماعي"، و "الدعاء الجماعي"، فالأول: ليس له وجود في الشرع، فلم يثبت أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه مع أصحابه بصوتٍ واحد، ولا أنه كان يذكر ربَّه ويردد خلفه أصحابه رضي الله عنهم.
وأما الدعاء الجماعي: فله أصل في الشرع، وصوره كثيرة، ففي قنوت النوازل، وقنوت الوتر كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ويؤمن أصحابه على دعائه من خلفه، وجمهور العلماء يرون تأمين المصلين على دعاء الخطيب يوم الجمعة، وكذا في الاستسقاء، وهكذا في صور مختلفة متعددة.
وأما الدعاء الجماعي البدعي فمن صوره:
1. أن يَجمع المسلمُ طائفة من الناس من أجل الدعاء فقط.
فعن أبي عثمان قال: كتب عاملٌ لعمر بن الخطاب إليه: أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين، وللأمير، فكتب إليه عمر: "أقبل، وأقبل بهم معك"، فأقبل، وقال عمر للبواب: أعِدَّ لي سوطاً، فلمَّا دخلوا على عمر: أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط.
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/360) وسنده حسن.
2. ومنه: اجتماع الناس للدعاء بصوت واحد.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
الذِّكر الجماعي بصوت واحدٍ سرّاً، أو جهراً، لترديد ذكر معين وارد، أو غير وارد، سواءً كان من الكل، أو يتلقونه من أحدهم، مع رفع الأيدي، أو بلا رفع لها: كل هذا وصف يحتاج إلى أصلٍ شرعيٍّ يدل عليه من الكتاب والسنَّة؛ لأنه داخل في عبادة، والعبادات مبناها على التوقيف، والاتباع، لا على الإحداث والاختراع؛ ولهذا نظرنا في الأدلة في الكتاب والسنَّة: فلم نجد دليلاً يدلُّ على هذه الهيئة المضافة، فتحقق أنه لا أصل له في الشرع المطهر، وما لا أصل له في الشرع: فهو بدعة، إذاً فيكون الذِّكر، والدعاء الجماعي بدعة، يجب على كل مسلم مقتدٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم تركها، والحذر منها، وأن يلتزم بالمشروع.
وعليه: فالدعاء الجماعي بصوت واحدٍ، سواءً كان دعاءً مطلقاً، أو مرتَّبا، كأن يكون بعد قراءة القرآن، أو الموعظة، والدرس: كل ذلك بدعة.
"تصحيح الدعاء" (ص 134، 135) .
وأما دعاء المحاضِر، أو المعلِّم، في آخر درسه، وتأمين الحاضرين على دعائه، فالظاهر لنا من سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم: جواز ذلك، بل استحبابه.
فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا) . رواه الترمذي (3502) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترمذي".
وبوَّب عليه النووي في كتابه " الأذكار " بقوله: " باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه ".
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أحياناً بعد إلقاء محاضرة، أو درس من الدروس: يدعو المحاضر، ويرفع يديه، فهل نجلس معه أثناء الدعاء الجماعي، أم ننصرف بعد المحاضرة قبل بدء الدعاء؟ .
فأجاب:
"لا بأس بالدعاء بعد المحاضرة، أو بعد الموعظة، أو الذكرى، لا بأس بالدعاء، يدعو الله للحاضرين بالتوفيق، والهداية، وصلاح النية، والعمل، لكن رفع اليدين في مثل هذا لا أعلم فيه دليلاً، ولا أعلم أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا العموم، عموم رفع اليدين بالدعاء، وأنه من أسباب الإجابة، لكن لم أحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان بعدما يعظ الناس، ويذكِّرهم، كان يرفع يديه، ويدعو، فلو كان هذا يفعله: لنقله الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنهم ما تركوا شيئاً إلا نقلوه، رضي الله عنهم، فالأولى، والأحوط: عدم الرفع في مثل هذا، إلا لدليل يدل على ذلك، أما كونه يدعو لهم بعدما يفرغ، غفر الله لنا ولكم، أو وقفنا الله وإياكم، أو نفعنا الله وإياكم بما سمعنا، أو ما أشبه ذلك: فهذا لا بأس به، وإن أمَّنوا: فلا بأس بذلك" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 610)(7/401)
حكم الدعوة إلى صيام جماعي في يوم معين والدعاء فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعوة إلى صيام جماعي في يوم معين، والدعاء فيه جماعياً بدعاء معين (محدد ماذا يُقال في الدعاء) ، وفي وقت معين (كأن يقال: ندعو جميعاً في الساعة كذا بتوقيت مكة المكرمة) لنصرة إخوة مسلمين في فلسطين، أو غيرها من بلاد المسلمين، ويُطلب نشر وتوزيع هذه الدعوة سواء بالجوال أو الإنترنت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كانت الأزمات تمر بالمسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، ولم يكونوا يتواعدون يوماً يصومون فيه، ويدعون فيه في وقت محدد بدعاء محدد، فعلم بذلك أن هذا الفعل بدعة، ولو كان خيراً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم الصيام الجماعي والاتفاق على الإفطار سواء كان في رمضان أو الاثنين والخميس؟
فأجاب:
"لا، أهم شيء الاتفاق على الصيام، نحن نرى أن هذا مبدأ لم يكن عليه الصحابة أنهم يتواعدون أن يصوموا الاثنين والخميس وما أشبه ذلك، ويخشى أن تتطور المسألة حتى يرتقي إلى ما هو أشد، ثم نشبه أهل التصوف الذين يتفقون على ذكر معين يفعلونه جماعة، فلذلك يقال للشباب: من صام غداً فسيكون الإفطار عند فلان مثلاً، هذا لا بأس به، لكن الاتفاق على صوم يومٍ معين هذا ليس من هدي الصحابة، ثم كون الإنسان يعوّد نفسه أنه لا يصوم إلا إذا صام معه غيره، هذا يُعَدُّ مشكلة، فكون الإنسان يصوم من طوع نفسه سواء كان معه غيره أو لا، هذا هو الذي عليه السلف الصالح" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (174/29) .
وسئل أيضاً عن قوم في شهر رمضان المبارك يجتمعون على قراءة بعض الأذكار والمأثورات، وذلك قبل موعد الإفطار وبصورة جماعية هل يجوز لنا ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
"لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب يوم الجمعة تحمرّ عيناه ويعلو صوته ويشتدّ غضبه فيقول: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار) ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم عند الإفطار يجتمع إليه الناس حتى يذكروا الله عز وجل أو يدعوا الله عز وجل بصوت مرتفع جماعي، وإنما كان الإنسان يفطر مع أهله، ويدعو كل واحد منهم لنفسه بدعاء خفي بينه وبين ربه، وإذا لم تكن هذه العادة التي أشار إليها السائل معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تكون من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبَيَّن أن كل بدعة ضلالة وأن كل ضلالة في النار" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (212/6-7) .
وسئل الشيخ عبد الرحمن السحيم:
في الفترة الماضية كانت دائما تصلنا رسائل على البريد الإلكتروني يطلبون منا صيام يوم معين والصلاة والقيام في ذلك اليوم من أجل نصرة إخوتنا في فلسطين، من باب الحث على الدعاء والتواصي بالحق.
فهل هذا بدعة؟ أن نتفق مجموعة كل منا يقوم في بيته في ليلة معيّنة ندعو بما ورد في الكتاب والسنة؟
فأجاب:
"أما أن يُعمل العمل الصالح من أجل نصرة إخواننا في فلسطين، فأظن أن أصل هذه البدعة جاءت من بلاد النصارى.
وقد قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سبعون من القرّاء ومع ذلك ما حُفظ أنه صلى الله عليه وسلم صام لأجلهم أو صلّى، وإنما دعا الله عز وجل كما في الصحيحين.
كما أنه صلى الله عليه وسلم بعث الجيش يوم مؤتة وعلِم بمقتل أصحابه ولم يُنقل عنه من ذلك شيء.
وإنما كان مِن هديه لى الله عليه وسلم أنه يدعو ويجتهد في الدعاء.
كذلك اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الدعاء يوم بدر.
وكذلك الدعاء من على منابر الجمعة يُذكّر الخطباء بذلك.
وأما الاتفاق على قيام ليلة معيّنة فإن هذا ليس له أصل في الشرع.
إلا أن يقوم شخص فيقوم بقيامه شخص أو أشخاص دون سابق موعد أو اتفاق مسبق.
فقد صلّى النبي صلى الله عليه وسلم وصلّى بصلاته ابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما،
كما أنه عليه الصلاة والسلام صلّى مرّة وصلّى بصلاته حذيفة رضي الله عنه.
ومرة اقتدى به ابن مسعود رضي الله عنه.
وكل هذا دون اتفاق، ودون سابق موعد.
ومثله ما إذا قام الرجل يُصلّي وقام معه من قام من أولاده.
أو نام عند الإنسان رجل صالح فقام من الليل فإنه يجوز حينئذ الاقتداء به.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام دون بقية الليالي خشية أن يظن ظانّ أن لها مزية على غيرها.
ولا أرى أن هناك حاجة للاتفاق على قيام ليلة معينة، بل كل منكن تُوصي صاحبتها أن تقوم الليل وتجتهد في الدعاء للمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها " انتهى بتصرف يسير من موقع المشكاة.
فالذي يظهر لنا أن هذه الدعوة غير مشروعة، ولا ينبغي المشاركة فيها ولا الدعوة إليها.
والمطلوب من المسلم أن يدعو الله لإخوانه المسلمين في كل مكان، من غير أن يحدد ذلك بوقت محدد، أو يصوم من أجل ذلك.
نسأل الله تعالى أن ينجي المستضعفين من المؤمنين، وأن يهلك الظالمين المعتدين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/402)
الاجتماع على قراءة يس عدة مرات ثم الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض الأشخاص يجتمعون ويقرءون سورة يس، ثم يتقدم أحدهم ويدعو، والباقي يرفعون أيديهم ويؤمنون على دعائه، وتكون القراءة بعدد معين مرة أو أكثر. فهل جاء في القرآن أو السُنة ما يؤيد هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه ويقرأ القرآن في مجالسه عليه الصلاة والسلام، ويذكر أصحابه ويعلمهم ويوجههم إلى الخير، عليه الصلاة والسلام، وربما مر بالسجدة في القرآن فيسجد ويسجدون معه، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ وهو يستمع، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم: (يا عبد الله اقرأ علي القرآن) ، فقال: يا رسول الله، كيف أقرأ عليك وعليك أًُنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إني أحب أن أسمعه من غيري) عليه الصلاة والسلام، قال: عبد الله، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) النساء/41، قال: (حسبك) قال عبد الله: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان. عليه الصلاة والسلام، يعني: يبكي لما تذكر هذا الموقف العظيم يوم القيامة، عليه الصلاة والسلام.
فإذا اجتمع الإخوان في مجلس، أو في أي مكان، وقرؤوا ما تيسر من القرآن وتدبروا وتعقلوا وتذكروا فهذا خير عظيم، وفيه فضل كبير، ويستحب لمن يسمع القرآن أن ينصت، حتى يستفيد ويتدبر، وإذا دعوا بعد القراءة بما شاءوا من الدعاء فلا حرج في ذلك.
لكن كونهم يعتادون تكرار يس أو غيرها عدداً معيناً فهذا ما لا نعلم له أصلاً، ولكن يقرءون ما تيسر من يس أو من البقرة أو من غير ذلك، أو يتدارسون من أول القرآن إلى آخره، وهذا يقرأ ثم يقرأ الآخر وهكذا، أو يقرأ هذا ثم يعيد القراءة هذا، حتى يستفيدوا جميعاً ويتدبروا.
أما تخصيص عدد معين من السور فهذا ما لا أعلم له أصلاً، وكذلك رفع الأيدي لا أعلم أنه وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماعاته مع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأولى أن يكون الدعاء بما تيسر من غير رفع أيد، ومن غير دعاء جماعي، بل كل يدعو لنفسه بينه وبين نفسه، هذا هو الذي نعلمه من السُنة، ولكن ينبغي على كل جالس التدبر والتعقل، وأن تكون القراءة مقصودة ليس لمجرد القراءة فقط.
ولكن يعتني المؤمن بما يقرأ وبما يسمع ويتدبر؛ لقوله عز وجل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، فالمقصود من القراءة: التدبر والتعقل والعمل والفائدة، نسأل الله التوفيق والهداية" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب" لابن باز (1/66، 67) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/403)
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه اللهم اقسم لنا من خشيتك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث مِنّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) وإن صح الحديث فهل يكون الدعاء جماعياً فيدعو أحد الحاضرين ويؤمن الباقون؟ وهل يكون برفع اليدين؟ وهل نقول بعده كفارة المجلس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها لنفسه ولأصحابه، وعلمها أمته رحمة بهم وشفقة عليهم، إذ لم يترك هذا الدعاء من خيري الدنيا والآخرة أمرا إلا وتضمن أكمل ما فيه وأحسنه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ:
(اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا)
رواه الترمذي (رقم/3502) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ثانيا:
قال المباركفوري رحمه الله:
" قوله (اللهم اقسم لنا) أي: اجعل لنا من خشيتك أي: من خوفك.
(ما) أي: قسماً ونصيباً.
(يحول) أي: يحجب ويمنع.
(بيننا وبين معاصيك) لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء عن المعاصي.
(ومن طاعتك) أي بإعطاء القدرة عليها والتوفيق لها.
(ما تبلغنا) أي: توصلنا أنت.
(به جنتك) أي: مع شمولنا برحمتك، وليست الطاعة وحدها مبلغة.
(ومن اليقين) أي: اليقين بك، وبأن لا مرد لقضائك، وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا، وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة، مع ما فيه من مزيد المثوبة.
(ما تهون به) أي: تُسَهِّل أنت بذلك اليقين.
(مصيبات الدنيا) فإن من علم يقيناً أن مصيبات الدنيا مثوبات الأخرى لا يغتم بما أصابه، ولا يحزن بما نابه.
(ومتعنا) من التمتيع، أي: اجعلنا متمتعين ومنتفعين.
(بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا) أي: بأن نستعملها في طاعتك. قال ابن الملك: التمتع بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحين إلى الموت.
(ما أحييتنا) أي: مدة حياتنا.
وإنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما؛ لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات، وذلك بطريق السمع، أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس، فذلك بطريق البصر، فسأل التمتيع بهما حذراً من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة.
ولما حصلت المعرفة بالأولين [أي: السمع والبصر] ، وترتب عليها [أي: على المعرفة بالله] العبادة، سأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه، قاله الطيبي.
والمراد بالقوة: قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها، فيكون تعميماً بعد تخصيص.
(واجعله) أي: المذكور من الأسماع والأبصار والقوة.
(الوارث) أي: الباقي.
(منا) أي: بأن يبقى إلى الموت.
(واجعل ثأرنا) أي: إدراك ثأرنا.
(على من ظلمنا) أي: مقصوراً عليه، ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما كان معهوداً في الجاهلية، فنرجع ظالمين بعد أن كنا مظلومين، وأصل الثأر الحقد والغضب، يقال ثأرت القتيل وبالقتيل أي قتلت قاتله.
(ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) أي: لا تصبنا بما ينقص ديننا من اعتقاد السوء، وأكل الحرام، والفترة في العبادة، وغيرها.
(ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) أي: لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا، بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفاً في عمل الآخرة، وفيه أن قليلاً من الهم فيما لا بد منه في أمر المعاش مرخص فيه، بل مستحب، بل واجب.
(ولا مبلغ علمنا) أي: غاية علمنا، أي: لا تجعلنا حيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أمور الدنيا، بل اجعلنا متفكرين في أحوال الآخرة، متفحصين من العلوم التي تتعلق بالله تعالى وبالدار الآخرة، والمبلغ الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده.
(ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي: لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة، أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين، فإن الظالم لا يرحم الرعية " انتهى باختصار.
" تحفة الأحوذي " (9/475-477)
ثالثا:
أما حكم الدعاء به جماعة فذلك أمر جائز لا بأس فيه؛ وهو ظاهر الرواية في هذا: (قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ) ، ولذلك بوب عليه الإمام النووي في كتابه العظيم " الأذكار " (299) بقوله: " باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه " انتهى.
والحديث، وإن لم يكن فيه تصريح بتأمين الناس وراء دعائه، أو رفع أيديهم عنده، فنرجو أن يكون الأمر في ذلك واسعا، وألا يكون فيه حرج، إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/404)
حكم الدعاء بالصيغة التي جاءت في حديث ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ورد دعاء في حديث ضعيف أو موضوع ليس فيه محظور شرعي، فهل يجوز الدعاء به من باب الاستفادة من الصيغة، لا من باب التعبد به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء نوعان:
النوع الأول: دعاء مقيد بزمان أو مكان أو عبادة أو عدد أو فضيلة: كدعاء استفتاح الصلاة، ودعاء دخول الخلاء، والأدعية التي تقال عند النوم، أو دعاء دخول المسجد ونحو ذلك.
فهذا النوع لا يجوز فيه استحداث دعاء آخر غير ما ورد به الشرع، فكما أنه يشترط فيه إخلاصه لله عز وجل ليكون مقبولا، فكذلك يشترط فيه المتابعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/511) .
وقال العلامة المعلمي رحمه الله:
"وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟! " انتهى.
"العبادة" (524) .
والذي ينبغي هو التزام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة من الأدعية التي يدعى بها في الأوقات والأحوال المختلفة.
ولهذا اعتنى أهل العلم بجمع الأدعية المأثورة لتكون بين أيدي الناس وفي متناولهم، فيستغنوا بها عن الأدعية المبتدعة التي لم تثبت.
قال الإمام الطبراني رحمه الله في مقدمة كتابه "الدعاء" (22) :
"هذا كتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوَرَّاقون، لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (11017) .
أما النوع الثاني: فهو الدعاء المطلق: وهو الذي يدعو به الإنسان في الأحوال أو الأوقات التي لم يرد فيها دعاء معين في الشرع، مثل الدعاء في الثلث الأخير من الليل ونحوه.
فهذا ليس فيه دعاء معين مقيد من الشرع، بل هو متروك لنفس كل داع، يسأل الله تعالى حاجته، وفي هذا النوع لا حرج من الاستفادة من أدعية الصالحين، أو صيغ الدعاء الواردة في بعض الأحاديث الضعيفة، إذ قد يكون فيها من جوامع الكلم، وحسن الثناء على الله، وحسن المسألة ما يقربها إلى قلب المسلم، بشرط ألا يكون في هذه الصيغ نكارة، وألا يعتقد لها فضيلة معينة، وألا يلازم الدعاء بها، فلو دعا بها أحيانا فلا حرج في ذلك؛ لأنه بالتزامها يعطيها مرتبة السنة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/405)
هل له أن يدعو بفسخ خطبة فتاة من غيره ليتزوجها هو؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو أني أعرف فتاة تدرس معي بالكلية وهى زميلتي أيضا في نفس الدفعة وقد أحببتها لالتزامها الديني وطاعتها الحميدة لوالديها بالمقارنة مع الأخريات وكنت أفكر في طلب يدها من والديها عندما تحين اللحظة المناسبة ولكن فجأة انقلبت الأمور في غير صالحي وتمت خطبتها لأحدهم اعتباطا (خطبة مرتبة) الأمر الذي آلمني قليلا بل في الحقيقة آلمني كثيرا لأنني لم أرد أن أخسر هذه الفتاة الطيبة فدائما ما كنت أرغب في زوجة بهذه المواصفات ولهذا فقد سألت الله أن يغير من هذا القدر من أجلي ولصالحي في الدنيا والآخرة فهي دائما ما كانت تساندني في الأفعال الطيبة التي قمت بها كجمع الصدقات لفقراء المسلمين وإلقاء محاضرات إسلامية قصيرة في الكلية وسط جماعة صغيرة ... إلخ. وأنا أعتقد حقا أنى إذا تزوجتها فإن التزامي الديني سيتحسن كثيرا بدعمها لي ولكن خطر لي أيضا بأن الله لا يقبل دعاء يشتمل على قطع صلة الرحم لكن على حد علمي فإن الخطبة ليست من الإسلام في شيء أليس كذلك؟ فهي بدعة. وعلى هذا فإني أرى أنه ما زال بإمكاني الدعاء بما يتوافق مع مصلحتي والله أعلم، لأن أمره نافذ في للأبد وحكمه في عادل لكن الله نفسه طالبنا بالدعاء بتغيير القدر والاستعانة به بالصبر والصلاة والدعاء المستمر ولهذا فإن جل ما أريد معرفته هو هل أنا مخطئ في تفكيري؟ وأنا لا تربطني بها رابطة شديدة القوة تؤثر على التزامي الديني أو أية أمور أخرى. وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تجوز الدراسة في الجامعات المختلطة، لمن وجد بديلاً شرعياً لا اختلاط فيه، ومن ابتلي بالدراسة في جامعة مختلطة فالواجب عليه أن يغض بصره، ويحفظ جوارحه من معصية الله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم (70223) .
ولهذا فإن علاقتك بهذه الفتاة، غير جائزة، وإن كانت من أجل الدعوة إلى الله، أو التعاون على البر، فإن الشيطان يغر الإنسان ويخدعه فقد تبدأ العلاقة بهذا، ثم تنتهي إلى شيء آخر.
وانظر لكيفية استدراج الشيطان للإنسان في جواب السؤال رقم (60269) .
وعلى هذا، فهذه الفتاة، إما أن تتقدم لها زوجاً، وإما أن تقطع علاقتك بها، وقد تعذّرقدمك لها الآن بسبب أنها مخطوبة، فليس أمامك إلا قطع علاقتك بها، طاعة لله تعالى، وفراراً من معصيته وغضبه.
ثانياً:
قولك: إن الخطوبة ليست من الإسلام في شيء وأنها بدعة.
ليس كذلك، فالخطبة مشروعة وليست بدعة، وقد دل على مشروعيتها أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) رواه النسائي (3240) .
فالخطبة مشروعة في الإسلام، وبنى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أحكاماً شرعية، منها: هذا الحكم الوارد في هذا الحديث وهو أنه يحرم على المسلم أن يتقدم لخطبة امرأة سبقه إليها رجل وتقدم لخطبتها.
فإذا ما تركها هذا الخاطب أو تركته هي، وتم فسخ الخطوبة فلا حرج على أي مسلم أن يتقدم لخطبتها، لأنها ليست مخطوبة الآن، أما قبل فسخ الخطبة فلا يحل لأحد التقدم لها.
قال ابن قدامة في "المغني" (7/109) :
"لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إفْسَادًا عَلَى الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ , وَإِيقَاعَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ , وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ , إلَّا أَنَّ قَوْمًا حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ , وَالظَّاهِرُ أَوْلَى" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا أُجِيبَ إلَى النِّكَاحِ وَرَكَنُوا إلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ , ... وَتَجِبُ عُقُوبَةُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ , وَأَعَانَ عَلَيْهِ , عُقُوبَةً تَمْنَعُهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ عن ذَلِكَ" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (32/9) .
ثالثاً:
قولك: وأنا أرى أن جميع الأدعية التي أدعوها تتحقق (والحمد لله) بإحساني الدعاء.
هذا مما يوجب عليك مزيداً من شكر الله وطاعته، لأن الله تعالى هو الذي وفقك لإحسان الدعاء، تفضلاً منه وكرماً، ثم زاد فضله عليه وتقبل دعاءك.
رابعاً:
أما دعاؤك بأن الله تعلى يغير أمر خطبتها ويجعلها لك أنت، فهذا اعتداء في الدعاء لا يجوز، ففيه اعتداء عليها وعلى خطيبها حيث رضي كل واحد منهما بالآخر.
وإذا كان الحسد محرماً، وهو تمني زوال النعمة من الغير، فما تفعله أنت أشد من الحسد، لأن الحاسد لا يسعى في إزالة النعمة، وإنما يتمنى ذلك بقلبه فقط، وأنت تسعى لإزالتها بدعائك.
فالواجب عليك أن تنشغل عن هذه الفتاة بما ينفعك في الدنيا والآخرة، ولا يدري الإنسان ما الخير له؟
قال الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/216.
وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19.
فلا تدري إذا تزوجتها سيكون ذلك خيرا لك أم لا؟
فقد يكون الله تعالى صرفها عنك لمصلحتك، وإرادةً للخير لك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/406)
هل من السنة الإلحاح في الدعاء ثلاثاً أم أكثر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة الإلحاح في الدعاء ثلاثا أم أكثر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحباب تكرار الدعاء ثلاثاً، وذلك في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا) رواه مسلم (1794) وأصله في البخاري أيضا.
وروى الإمام أحمد في " المسند " (1/397) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا) صححه محققو طبعة مؤسسة الرسالة، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (5/290) .
قال النووي رحمه الله:
"فيه استحباب تكرير الدعاء ثلاثا" انتهى.
" شرح مسلم " (12/152) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"تكرار الدعاء أمر مطلوب، كلما كرر الإنسان الدعاء كان ذلك أفضل، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثا، هذا في غالب الأحيان، وعلى هذا فتكرار الدعاء لا بأس به؛ لأن الدعاء عبادة لله عز وجل، وليعلم أن الداعي بصدق وإخلاص لا بد أن يغنم: إما أن يستجيب الله تعالى له ما أراد، وإما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخر له الأجر يوم القيامة؛ لأن الدعاء عبادة، فلا بد فيه من خير" انتهى.
"نور على الدرب" (متفرقات/الدعاء) .
فالغالب من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكرر الدعاء ثلاث مرات، وإن كان قد ثبت عنه أنه دعا مرَّةً خمس مرات، وذلك حين دعا بالبركة لقبيلة أحمس، كما في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (بَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّات) رواه البخاري (4357) ومسلم (2476) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – في معرض تعداد فوائد هذا الحديث -:
"وأنه كان يدعو وترا، وقد يجاوز الثلاث، وفيه تخصيص لعموم قول أنس: (كان إذا دعا دعا ثلاثا) فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس، لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام، ولا سيما مع القوم الذين هم منهم، بل جاء في حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كرر دعاءه" انتهى.
"فتح الباري" (8/73-74) .
وكذلك ورد تكرار الدعاء سبع مرات في أكثر من حديث، منها ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ إِلا قَالَتِ النَّارُ: يَا رَبِّ! إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ. وَلا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ الْجَنَّةَ فِي يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلا قَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ! إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ)
رواه أبو يعلى في "المسند" (11/54) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2506) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ. إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ) رواه أبو داود (3106) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فالحاصل: أن السنة في تكرار الدعاء أن يكون ثلاث مرات، ومن زاد على ذلك أحياناً فلا حرج عليه، كما أن من اقتصر على الدعاء مرة واحدة لا حرج عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك.
وانظر جواب السؤال رقم: (22490) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/407)
متى يُدعَى للكفار بالهداية ومتى يُدعَى عليهم بالهلاك والعذاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بطبيعة الحال: ندعو للكفار، والضالين، بالهداية إلى ديننا الحنيف، ولكن بعد الأحداث التي جرت في " غزَّة " الأبية، وما حلَّ بهم من جرَّاء العدوان مِن قبَل اليهود، فهل يكون دعاؤنا بهدايتهم، أم بهلاكهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأفراد وجماعات من المشركين بالهداية، ودعا على آخرين بالهلاك والعذاب.
وهذه بعض الأحاديث الواردة في ذلك:
أولاً:
الأحاديث في الدعاء لقوم من الكفار بالهداية:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً ... فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَىَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِى فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) ... فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. رواه مسلم (2491) .
فها هي تنال من النبي صلى الله عليه وسلم، وتُسمع ابنها في نبيه ما يكره، ولا يمنع ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم من الدعاء لها بالهداية، فيستجيب الله تعالى دعاءه.
2- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَأْتِ بِهِمْ) رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) .
وقد استجاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وجاء بهم أجمعين مهتدين.
وانظر جواب السؤال رقم (43164) .
ثانيا:
الأحاديث في الدعاء على قوم من الكفار بالعذاب والهلاك:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. رواه البخاري (4284) .
هذا لفظ البخاري، وفي الصحيحين ذِكر أسماء بعض المسلمين، وذِكر اسم قبيلة من الكفار.
ولفظه عندهما: (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمَّى مَن يدعو لهم مِن المؤمنين، ومَن يدعو عليهم مِن الكافرين المحاربين: كان ذلك حسناً" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/271) .
2- وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ) . رواه البخاري (2773) ومسلم (627) .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله:
"وفي الحديث: دليل على جواز الدعاء على الكفار بمثل هذ" انتهى.
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 101) .
3- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) . رواه البخاري (2775) ومسلم (1742) .
(الأحزاب) : قريش، وغطفان، ومن ناصرهما.
4- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ) . رواه البخاري (237) ومسلم (1794) .
5- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رواه البخاري (237) ومسلم (1794) .
6- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ) . رواه البخاري (6011) .
قال العيني رحمه الله:
"وإنما خصَّ " الجحفة " لأنها كانت يومئذ دار شرك، وقال الخطابي: وكان أهل الجحفة إذ ذاك يهوداً، وكان كثيراً ما يدعو على مَن لم يجبهم إلى دار الإسلام إذا خاف منه معونة أهل الكفر، ويسأل الله أن يبتليهم بما يشغلهم عنه، وقد دعا على قومه أهل مكة حين يئس منهم فقال: (اللهم أعنِّي عليهم بسبع كسبع يوسف) ودعا على أهل الجحفة بالحمى ليشغلهم بها، فلم تزل الجحفة من يومئذ أكثر بلاد الله حمَّى، وإنه ليتقى شرب الماء من عينها الذي يقال له " عين حم " فقلَّ مَن شرب منه إلا حُمَّ، ولما دعا عليه الصلاة والسلام بذلك الدعاء لم يبق أحد من أهل الجحفة إلا أخذته الحمَّى" انتهى.
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (10/251) .
وقال الزرقاني رحمه الله:
"ففيه جواز الدعاء على الكفار بالأمراض والهلاك، وللمسلمين بالصحة" انتهى.
"شرح الزرقاني على موطأ مالك" (4/287) .
وقال ابن بطال رحمه الله:
"كان الرسول يحب دخول الناس فى الإسلام، فكان لا يَعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام، بل كان يدعو لمَن كان يرجو منه الإنابة.
ومَن لا يرجوه، ويَخشى ضره، وشوكته: يدعو عليه، كما دعا عليهم بسنين كسني يوسف، ودعا على صناديد قريش، لكثرة أذاهم وعداوتهم، فأجيبت دعوته فيهم، فقتلوا ببدر، كما أسلم كثير ممن دعا له بالهدى" انتهى.
"شرح صحيح البخارى" (5/114) .
وقال العيني رحمه الله:
"وقد ذكرنا أن دعاء النبي على حالتين: إحداهما: أنه يدعو لهم إذا أمِن غائلتهم، ورجا هدايتهم، والأخرى: أنه يدعو عليهم إذا اشتدت شوكتهم، وكثر أذاهم، ولم يأمن مِن شرهم على المسلمين " انتهى.
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (21/443) .
وعلى هذا، فلكل مقام مقال، ففي الحال التي يشتد فيها عداء الكفار للمسلمين وأذيتهم لهم، فالمشروع في هذه الحال الدعاء عليهم.
وفي الحال التي يقبل فيها عداؤهم، أو يُرجى إيمانهم أو تأليفهم فالمشروع هو الدعاء لهم بالهداية.
فما يقوم به إخوان القردة الآن من مجازر وحشية ضد إخواننا في غزة، يستحقون الدعاء عليهم بالتضييق والشدة والهلاك، اللهم إلا من عرف منهم بكراهيته لذلك الظلم وعدم رضاه به، فمثل هذا، لا بأس من الدعاء له بالهداية.
نسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين، ويحفظ إخواننا في غزة، ويهلك اليهود وأعوانهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/408)
حكم الدعاء بزيادة الوزن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من نحافة شديدة، وأواجه مشاكل بسبب ذلك، وقريباً سوف أتزوج، ودائما أدعو لله أن يزيد وزني، لكني أخشى أنني أدعو بشيء لا يجوز لأنه سخيف! فهل دعاء الله بزيادة الوزن حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في هذا الدعاء، فإن المشروع للمسلم أن يسأل الله كلَّ حاجة، صغيرةً كانت أم كبيرة.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سلوا الله كلَّ شيء، حتى الشِسْع، فإن الله إن لم ييسره، لم يتيسر) . رواه أبو يعلى في "مسنده" (216/2) ، وصححه الشيخ الألباني موقوفاً من كلام عائشة رضي الله عنها في "السلسلة الضعيفة " (3/540) .
الشِّسْعُ: أَحدُ سُيُور النَّعل بَينَ الإصبعين.
قال الحافظ ابن رجب: " إنَّ اللهَ يحبُّ أنْ يسأله العبادُ جميعَ مصالح دينهم ودنياهم، مِنَ الطَّعام والشراب والكسوة وغير ذلك، كما يسألونه الهداية والمغفرة ... وكان بعضُ السَّلف يسأل الله في صلاته كلَّ حوائجه حتّى ملحَ عجينه وعلفَ شاته ". انتهى " جامع العلوم والحكم" (1/225) .
ولا بد أن يصاحب هذا الدعاء: الأخذُ بالأسباب المعينة على زيادة الوزن.
ومن هذه الأسباب ما جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ أُمِّي تُعَالِجُنِي لِلسُّمْنَةِ، تُرِيدُ أَنْ تُدْخِلَنِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى أَكَلْتُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، فَسَمِنْتُ كَأَحْسَنِ سِمْنَةٍ. رواه أبو داود (3903) وابن ماجه (3324) واللفظ له، وصححه الشيخ الألباني.
قال ابن القيم في أكل القثاء بالرطب: "وفي ذلك عونٌ على صحة البدن، وقوته، وخِصْبِه" انتهى من "زاد المعاد" (4 /93) .
والأفضل من الدعاء بزيادة الوزن، الدعاء بالصحة والعافية، فذلك خير من مجرد زيادة الوزن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/409)
حكم الدعاء بـ (فتح الله علينا فتوح العارفين به)
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع الكثير من الأخوات ممن يظن فيهن الخير، يدعون لأنفسهن ولغيرهن بقول: فتح الله علينا فتوح العارفين به، وأنا قد قرأت أن العارف من مراتب الصوفية، أو لها علاقة بالصوفية، فهل هذا الدعاء جائز شرعاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معرفة الله هي من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها الرسل.
ففي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ... إلخ) رواه البخاري (1458) ومسلم (19) .
قال ابن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة":
"فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم: معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان.
أحدهما: تعريف الطريق الموصلة إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه
الثاني: تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد، وقرة العين التي لا تنقطع، وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول، ومبنيان عليه فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه، وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه" انتهى.
فمعرفة الله تعالى مرتبة عظيمة والمقصود منها: توحيد الله تعالى، وعبادته وحده لا شريك له، ومعرفته بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى.
وعلى هذا، فلقب: العارف بالله، لا بأس به من حيث الأصل، بل هو كلمة مدح لمن قيلت في حقه، ولهذا استعمل العلماء هذا اللقب، كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وعلمائنا المعاصرون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"مما يدخل في معاني القرب - وليس في الطوائف من ينكره - قرب المعروف والمعبود إلى قلوب العارفين العابدين؛ فإن كل مَن أحب شيئا فإنه لا بد أن يعرفه ويقرب من قلبه، والذي يبغضه يبعد من قلبه" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (5/465) .
وقال رحمه الله:
"وكذلك سائر شيوخ المسلمين من المتقدمين والمتأخرين الذين لهم لسان صدق في الأمة، كما ذكر الشيخ يحيى بن يوسف الصرصري، ونظمه في قصائده، عن الشيخ على بن إدريس شيخه، أنه سأل قطب العارفين، أبا محمد، عبد القادر بن عبد الله الجيلى، فقال: يا سيدي
هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ فقال: ما كان ولا يكون" انتهى.
"الاستقامة" (ص/85) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ولهذا يقول بعض العارفين في نظم له:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي ... له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (رقم/106) .
وسئل الشيخ صالح آل الشيخ: هل يصح إطلاق لفظ العارف أو قاضي القضاة على العَالِمْ؟
فأجاب:
"أما لفظ العارف فلا بأس به، استعمله أئمتنا في بعض كلامهم، قال بعض العارفين، قال فلان العارف بالله، على قلة، والأحسن أن يترك" انتهى.
"إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل".
فلا حرج على من دعا لنفسه أو لأخيه المسلم أن يفتح الله عليه فتوح العارفين، ولا بأس أن يسأل الله تعالى أن يرزقه تلك الدرجات، وأن يفتح على قلبه من أبواب العلم والتقى ما يفتح به على قلوب أوليائه المتقين، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) .
ولكن يجب التنبه إلى أن لقب "العارف بالله" صار الآن يطلق على بعض مشايخ الطرق، المنحرفين عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا نرى أن الأفضل العدول عن هذا اللفظ، لأنه صار كأنه شعار من شعارات أهل البدع.
ويكفي المسلم أن يقول: رب زدني علما، أو يقول: اللهم علمني ما ينفعني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/410)