طلقها قبل الدخول وتفكر في الرجوع إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مخطوبة لما يزيد عن العام تقريبا وعملنا عقد النكاح الإسلامي. وقد تم الاتفاق بين جميع الأطراف عند التوقيع على العقد أن العلاقة ستكون خطبة وأننا سنقيم حفل الزواج في نهاية العام بعد أن أكون قد أكملت دراستي. لكن، وخلال فترة الخطوبة، ظهر شيء من سوء الفهم بين خطيبي وعائلتي. والداي عارضا رؤيتي له وشعرا أنه لا يناسبني. وأنا أقر بأنه كان في بعض الأحيان لا يحترم الآخرين وغير ناضج، لكني مع ذلك أحببته وكنت أختلق أعذارا لتصرفاته. المذكور كان يعيش في مدينة غير التي أعيش فيها، ولذلك فقد كانت علاقتنا علاقة عن بعد، وبدأ سوء الفهم في التراكم شيئا فشيئا. فأخذ يطالبني بأن أنتقل لأعيش معه على الفور وإلا فإنه سيطلقني. فأخبرته بأننا اتفقنا أن نقيم احتفال العرس أولا، فقال إنه يمكننا إقامته لاحقا، لكن في الوقت الراهن فإني زوجته وعلي أن أعيش معه. كان الأمر صعبا علي جدا حيث وجدت نفسي مضطرة للاختيار بين عائلتي وخطيبي. أنا لم أكن أراه كزوج حتى ذلك الوقت وكان الأمر مشكلا ومخيبا للآمال. وأخبرته أني لن أضحي بأهلي. ولذلك فقد أنهى علاقتنا وبعث برسالة إلى إمامنا قائلا إنه طلقني. لقد مضى على إنهاء العلاقة خمسة أشهر تقريبا، لكني رأيته مؤخرا وأصبت بالكآبة مدة تزيد على الأسبوع. أنا أشعر جدا بالذنب لأني لم أستمع له وأسأل إن كان ينبغي علينا حسب الشريعة الإسلامية أن نتصالح، وما إن كان علي أن أرجع إليه. أنا أخاف أني لن أتمكن أبدا من أن أحب غيره مرة أخرى، وأنه سيكون دائما في مخيلتي. أعلم أننا قد لا نكون مناسبين لبعضنا، لكننا في الوقت نفسه نعرف بعضنا جيدا، وأخذت علاقتنا تصبح حميمة وقوية. أنا لا أعرف حقا كيف أتصرف. فوالداي يعارضان (علاقتنا) تماما وأعلم أن لموقفهما أسبابا وجيهة، لكني مع ذلك لا أزال أميل إليه وأريد أن أعود إليه مرة أخرى. وإذا لم يكن من المناسب أن نعيد إقامة هذه العلاقة، فهل يمكنني عمل أي شيء فيما يتعلق بما ذكر أعلاه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا تم عقد النكاح فقد صارت المخطوبة زوجة لخاطبها، لكن لا يلزمها الانتقال إليه إذا كانت اشترطت تأخير الدخول إلى وقت معين ووافق على ذلك الشرط؛ لقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وعليه؛ فلا إثم عليك في عدم ذهابك إليه، وقد أخطأ هو بطلبك قبل نهاية السنة التي اتفقتم عليها، وأخطأ بمحاولته التأثير عليك لتخالفي والديك، وبتسرعه في الطلاق، وهذا يدل على عدم نضجه، فلو كان حريصا عليك لانتظر بقية السنة، وما أسرع انقضاءها.
ثانيا:
إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بانت منه بمجرد الطلاق، فلا رجعة له عليها، ولا عدة عليها، ولكن لا حرج عليه أن يتقدم إليها مرة أخرى ويتزوجها إن رضيت هي ووافق وليها، بعقد جديد ومهر جديد.
ثالثا:
إذا كان أهلك لا يريان فيه الشخص المناسب لك، فإنه ينبغي لك أن تطيعي أهلك، خاصة وأنت تقرين بأن لهم أسبابا وجيهة في اتخاذهم هذا الموقف. وأما كونك تعلقت به، فهذا أمر طبيعي يقع بين المرأة وزوجها، وإذا أبدلك الله زوجا آخر فستحبينه إن شاء الله. والزواج حياة ممتدة، لا تُبنى على العاطفة وحدها، ولهذا كان من حكمة الشريعة أنها اشترطت موافقة ولي المرأة؛ لأن المرأة ضعيفة تغلبها العاطفة، فقد تتنازل عن حقوقها، وقد ترضى بمن أُعجبت به ولو كان غير مناسب لها. فكوني مع رغبة والديك فإنهما أبعد منك نظرا ورأيا، ولا تضغطي عليهما للموافقة على هذا الرجل في حال تقدمه لك مرة أخرى.
رابعا:
لا يخفى عليك أنه يشترط لصحة النكاح موافقة ولي المرأة، فلن يصح لك الزواج من هذا الرجل مرة أخرى إلا بموافقة والدك، كما أنك الآن أجنبية عن هذا الرجل تماما، فلا مجال لإقامة علاقة معه؛ لأنك لم تعودي زوجة له الآن.
وينبغي أن تنشغلي بما ينفعك، وأن لا تفكري فيما مضى، حتى يرزقك الله الزوج الصالح، وألا تقدمي على الزواج من أحد إلا بعد السؤال عنه، والاطمئنان على دينه وخلقه، وأن يكون لك فيما مضى درس وعبرة، وأن تحمدي الله أن تعرفت على عيوب هذا الزوج قبل الدخول والانتقال إليه.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(6/1408)
زوجته لا تريد الإسلام وتريد أن تنجب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم منذ الولادة، ولم أكن أقوم بأي شيء من العبادات غير صوم رمضان حتى قبل 3 سنوات، تزوجت أمريكية غير مسلمة وهي غير متمسكة بدينها قبل 5 سنوات ولكنني أعرفها قبل زواجي بها بخمس سنوات، كنت أتمنى أن تهتدي وتسلم ولكن هذا لم يحصل، تحدثنا عن هذا الأمر ولكنها قالت بأن إسلامها لا يمكن أن يحصل.
هي امرأة طيبة وأهلها طيبون وقد ساعدتني كثيراً حين انتقلت للعيش في أمريكا، تريد أن تنجب أطفالا بسرعة وأنا كذلك أريد هذا ولكن كلما فكرت بأن أطفالي سينشئون على غير دين الإسلام، أشعر بالعذاب، مع أنها وافقت بأن ينشأ الأطفال مسلمين، وقالت بأنها ستعلمهم الإسلام ولن تشوش عليهم بتعليمهم ديناً آخر، هي لا تعرف الكثير عن الإسلام وقالت بأنها ستبدأ التعلم عن الإسلام إذا أصبحت حاملا، أنا خائف كثيراً ومهموم من هذا الأمر، حاولت أن أنهي هذا الزواج 3 مرات ولكن في كل مرة تبكي ويرق لها قلبي وأقرر أن أعطيها فرصة أخرى، الوقت يمضي بسرعة ولا أظن بأنني سأنجب أطفالا منها، ستغضب جداً إذا لم أنجب منها أطفالا وسنتفرق سواء الآن أو في المستقبل. أرجو أن تنصحني، ماذا أفعل؟ ما هي حقوقها علي إذا طلقتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نوصيك بالتمسك بالإسلام، والمحافظة على شعائره، من الصلاة والزكاة والصيام، وأن تكون قدوة لهذه الزوجة، لعل الله أن يهديها على يديك فتنال بذلك خيرا عظيما.
ثانياً:
قلقك بسبب الخوف من نشوء أطفالك على غير الإسلام ـ في حال إنجابهم من هذه المرأة ـ يعكس حرصاً جميلاً منك على دينك ودين ذريتك، ولا شك أن هذه الروح الطيبة منك أمر جميل فتحتاج لتحقيق هذا الاطمئنان إلى الإكثار من دعاء الله تعالى أن يحفظ عليك دينك ودين ذريتك، وعليك بالاستخارة الشرعية، وسؤال الله أن يشرح صدرك ويوفقك للأسلم لدينك في أمر بقائها معك وإنجابك منها، أو مفارقتها والزواج بمسلمة متمسكة بدينها تأمن معها ـ بإذن الله على ذريتك ونسلك، واعلم يقيناً أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليك أن تستفيد من شدة تعلّق زوجتك بك في أن توضِّح لها أنه إذا حصل تنازع عندك بين محبتها وبين سلامة دينك فإنك ستقدِّم سلامة دينك، لعل هذا يكون حافزاً لها للدخول في دين الله الحق (الإسلام)
علماً بأنه ليس لك أن ترغمها على الدخول في الإسلام من غير قناعة به إذ لا ينفعها الدخول في دين الله مكرهة مقسورة، كما ذكر ذلك ابن كثير (1/311)
وانظر آثار الزواج من الكتابيات سؤال برقم (20227)
ثالثاً: إن كانت ظروفك مهيأة لتربية أبنائك على الإسلام، وحمايتهم من الانحراف الديني والخلقي، مع الأمن من تأثير أمهم وعائلتها عليهم في ذلك، فلا حرج من السعي في إنجاب هؤلاء الأولاد من زوجتك هذه ولو ظلت على دينها، إذ الإنجاب حق للزوجة أيضاً، وقد يكون في ذلك إعانة لها على تعلم الإسلام والنظر فيه كما وعدَت.
رابعاً:
ينبغي أن تحرص على الهجرة إلى بلد إسلامي تتمكن فيه من تربية أبنائك تربية صحيحة، سواء بقيت مع هذه الزوجة أو تزوجت غيرها، إذ الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا عند الضرورة أو المصلحة والحاجة، كالإقامة للدعوة إلى الله تعالى، أو لدراسة علم يحتاجه المسلمون غير متوفر في بلادهم، مع التمكن من إظهار الدين وبيانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وراجع في تفصيل هذه المسالة لسؤال رقم (13363)
خامساً:
في حال حصول الطلاق، فإن الزوجة تستحق ما لها من المهر المؤجل إن كان. وأما سكنها والنفقة عليها أثناء العدة، فيختلف باختلاف نوع الطلاق:
فمن طلق زوجته طلقة واحدة رجعة، فإن لها السكنى والنفقة أثناء العدة، كما أنها ترثه ويرثها في هذه المدة، لبقاء الزوجية. والدليل على أن للرجعية السكنى قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/1 فإن لم يراجعها حتى انتهت عدتها، فلا ترجع إليه إلا بعقد جيد.
ومن طلق زوجته طلاقا بائنا، فليس لها النفقة ولا السكنى زمن العدة، إلا أن تكون حاملا.
والبينونة نوعان: بينونة صغرى، وتكون بالطلاق قبل الدخول، وبالطلاق على عوض.
وبينونة كبرى: وتكون بتمام ثلاث طلقات.
والدليل على أن المطلقة طلاقا بائنا لا نفقة لها ولا سكنى: ما رواه مسلم (1480) عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ قَالَتْ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلا نَفَقَةً وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ".
وفي رواية لمسلم أيضا: قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "لا نَفَقَةَ لَكِ وَلا سُكْنَى".
وفي رواية لأبي داود: " لا نَفَقَةَ لَكِ إِلا أَنْ تَكُونِي حَامِلا ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1409)
تطلب الخلع لإدمان زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مسلمة أدمن زوجها ويضربها بقسوة وقد حاول قتلها وقد هجرها من أربعة أشهر وهناك شهود على آثار الضرب فطلبت من إمام الجالية الإسلامية في بلدها أن يخلعها من زوجها فطلب منها كتابة الأسباب في ورقة فامتنعت وقالت إنها تبلغ كتابا لو أرادت أن تكتبه وقد سافر زوجها الآن خارج البلد وتركها فماذا تفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: إذا صدق الوصف المذكور في السؤال ففيه عبرة وموعظة في تدمير المعصية للبيت وتفكيك الأسرة وتفريق الشَمل وهذا من شؤم المعصية فالواجب على كلّ مسلم التوبة إلى الله والإقلاع عن المعاصي والذنوب.
ثانيا: من المستغرب إحجام هذه الأخت عن كتابة سبب طلبها للطلاق فعليها الاستجابة للطلب المذكور وماذا يضرها لو فعلت ذلك؟
ثالثا: إذا رأى صاحب الكلمة المسموعة الذي يقوم بأمر الجالية المسلمة في تلك البلدة أنّه لا صلاح للزوجين في مواصلة العشرة الزوجية، خلعها من زوجها على ما يتصالحان عليه.
ونسأل الله أن يقي بيوتنا وبيوت المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يُصلح حالنا أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1410)
هل يجوز للمختلع أن يتزوج المختلعة في العدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمختلع أن يتزوج المختلعة في العدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن كثير رحمه الله:
واتفق الجميع على أن للمختلع أن يتزوجها في العدة ...
[الْمَصْدَرُ]
" تفسير ابن كثير " (1 / 277) .(6/1411)
هل يجوز تطليق الزوجة وهى حامل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تطليق الزوجة وهى حامل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طلاق الحامل فهو طلاق سنة، وقد انتشر بين كثير من العامة أنه مخالف للسنة، وقولهم لا أصل له ولا دليل عليه.
وقد روى مسلم (1471) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ".
قال النووي في شرح مسلم:
" فِيهِ دَلالَة لِجَوَازِ طَلاق الْحَامِل الَّتِي تَبَيَّنَ حَمْلهَا وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ , قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَبِهِ قَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء مِنْهُمْ طَاوُس وَالْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَرَبِيعَة وَحَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان وَمَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد , قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: وَبِهِ أَقُول. وَبِهِ قَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة , وَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ حَرَام. وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر رِوَايَة أُخْرَى عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ طَلاق الْحَامِل مَكْرُوه" اهـ.
وابن القيم في تهذيب السنن:
وَقَوْله " لِيُطَلِّقهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلا " دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَامِل طَلاقهَا سُنِّيّ اهـ.
وقد سبق في السؤال رقم (12287) فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في حكم طلاق الحامل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1412)
نوى الطلاق ولم يتلفظ به فهل يقع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعلن رجل بأنه يريد أن يطلق زوجته لأجل رجل آخر، فهل يقع الطلاق؟ هو لم ينطق بالطلاق ولكنه قال بأنه سوف يطلق وأنه ينوي ولكنه لم يفعل، فهل الزواج لا زال سارياً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الطلاق لا يقع؛ ما دام أن الزوج لم ينطق بلفظ الطلاق؛ لأن النية وحدها لا تكفي في إيقاع الطلاق؛
وهذا هو قول جمهور أهل العلم كما نقله الحافظ في الفتح (9 / 394) ، ونقله ابن قدامة في المغني (7/121) عن عامة أهل العلم. واستدلوا على ذلك بما أخرجه البخاري (2528) ومسلم (327) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم ". قال قتادة ـ أحد رواة الحديث ـ إذا طلق في نفسه فليس بشيء.
وقال الشيخ ابن باز:
الطلاق بمجرد النية لا يقع، وإنما يقع باللفظ أو الكتابة. واستدل بالحديث السابق. فتاوى إسلامية (3/279) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1413)
الوسوسة وعلاجها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وسوست ولم أرد على زوجتي عندما تكلمني وذلك بسبب الوسوسة أو اعتقادي بأنها تسببت في الوسوسة هل يعتبر عدم ردي عليها طلاقاً؟ وعندما أكلمها بعصبية وبانفعال هل يعتبر هذا طلاقاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عدم ردك على زوجتك لا يعتبر طلاقا، وكذلك كلامك معها بعصبية وانفعال.
ومهما فكرت في الطلاق، أو حدثتك نفسك به، أو نويته وعزمت عليه، فإن الطلاق لا يقع حتى تتلفظ به.
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " رواه البخاري 6664، ومسلم 127.
والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به) .
بل إن المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به، عند بعض أهل العلم، ما لم يقصد الطلاق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق ". فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.) انتهى، نقلا عن: فتاوى إسلامية، 3/277
ونحن نوصيك بعدم الالتفات للوسواس، والإعراض عنه، ومخالفة ما يدعوك إليه، فإن الوسواس من الشيطان، ليحزن الذين آمنوا، وخير علاج له، هو الإكثار من ذكر الله تعالى، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والبعد عن المعاصي والمخالفات التي هي سبب تسلط إبليس على بني آدم، قال الله تعالى: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) النحل/ 99.
ومما يحسن نقله هنا، ما ذكره ابن حجر الهيتمي رحمه الله في علاج الوسوسة، في كتابه " الفتاوى الفقهية الكبرى 1/149، وهذا نصه:
(وسئل نفع الله به عن داء الوسوسة هل له دواء؟
فأجاب بقوله: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان - فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه صلى الله عليه وسلم بقوله: " اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان أي: لما فيه من شدة اللهو والمبالغة فيه كما بينت ذلك وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار , وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته. فتأمل هذا الدواء النافع الذي علّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته. واعلم أن من حُرمه فقد حُرم الخير كله ; لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا , واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام. وهو لا يشعر (أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فاطر / 6. وجاء في طريق آخر فيمن ابتلي بالوسوسة فليقل: آمنت بالله وبرسله. ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة سهلة لا حرج فيها (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج / 78 , ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها. وفي كتاب ابن السني من طريق عائشة: رضي الله عنها " من بلي بهذا الوسواس فليقل: آمنا بالله وبرسله ثلاثا , فإن ذلك يذهبه عنه ".
وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني , وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله , فيكون له ثواب المجاهد ; لأنه يحارب عدو الله , فإذا استشعر ذلك فر عنه , وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ; ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون.
وفي مسلم بحديث رقم 2203 من طريق عثمان بن أبي العاص أنه قال: إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال: ذلك شيطان يقال له خنزب , فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا , ففعلت فأذهبه الله عني.
وبه تعلم صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تُسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل وصار لا تمييز له , وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ولا يميل إلى الابتداع. وأقبح المبتدعين الموسوسون ومن ثم قال مالك - رحمه الله - عن شيخه ربيعة - إمام أهل زمنه -: كان ربيعة أسرع الناس في أمرين في الاستبراء والوضوء , حتى لو كان غيره - قلت: ما فعل. (لعله يقصد بقوله: (ما فعل) أي لم يتوضأ)
وكان ابن هرمز بطيء الاستبراء والوضوء , ويقول: مبتلى لا تقتدوا بي.
ونقل النووي - رحمه الله - عن بعض العلماء أنه يستحب لمن بلي بالوسوسة في الوضوء , أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس ; أي: تأخر وبعد , ولا إله إلا الله - رأس الذكر وأنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه ... ) انتهى كلام ابن حجر الهيتمي رحمه الله.
ونسأل الله أن يذهب عنك ما تجد من الوسوسة، وأن يزيدنا وإياك إيماناً وصلاحاً وتقى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1414)
طلق زوجته الرابعة وأراد الزواج بأخرى فهل ينتظر انتهاء العدة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يُطلق الرجل زوجته الرابعة ويريد أن يتزوج فهل عليه عدة المرأة المطلقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على من طلق زوجته الرابعة أن يتزوج بأخرى حتى تخرج المطلقة من العدة.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (18/11)(6/1415)
قال لزوجته " المرأة التي تكون بهذا الشكل لا أريدها " فهل يعد هذا طلاقاً
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان في خصومة مع زوجته يذمها حول خلق عندها وهو تقمصها شخصية الرجال في التعامل معه وقال لها: " إذا تسيرين في هذا الطريق من الصعب أن نعيش مع بعض، والبنت التي تكون بهذا الشكل أنا لا أريدها، فسألنه عن نيته عند تلفظه بهذه العبارات فأجاب أنه لا يدري عن نيته في تلك اللحظة كيف كانت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا اللفظ يعتبره العلماء من ألفاظ الكناية في الطلاق وحكمه أنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نواه، فإن لم ينو الطلاق أو لم يدر عن نيته وقت تلفظه بهذا الكلام فلا يعتبر طلاقاً.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل قال لزوجته: أنا لا أريدك عدة مرات، فقال:
هذا الكلام لا يكون طلاقاً إذا كان بدون نيّة، فهذا كناية وليس بطلاق، وزوجته باقية في عصمته، وليس عليه شيء.
فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز ص/68.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1416)
الخلع تعريفه وطريقته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الخلع؟ وما هي الطريقة الصحيحة؟
إذا لم يرد الزوج أن يطلق زوجته فهل يمكن أن يقع الطلاق؟ وماذا عن المجتمع الأمريكي، إذا المرأة لم يعجبها زوجها (بعض الأحيان لأنه متدين) تظن بأنه لديها الحرية بأن تطلقه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخلع فراق الزوجة بعوض، فيأخذ الزوج عوضاً ويفارق زوجته، سواء كان هذا العوض هو المهر الذي كان دفعه لها أو أكثر أو أقل.
والأصل فيه قول الله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة / 229.
ودليل ذلك من السنة أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ . وكان قد أصدقها حديقة. قالت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اقبل الحديقة، وفارقها " أخرجه البخاري (5273) .
فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها، فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل يأمره بذلك.
وأما صورته: فيأخذ الزوج العوض أو يتفقان عليه ثم يقول لها ك فارقتك أو خالعتك ونحو ذلك من الألفاظ.
والطلاق من حق الزوج، فلا يقع الطلاق إلا إذا أوقعه هو، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) يعني الزوج، رواه ابن ماجه (2081) وحسنه الألباني في إرواء العليل (2041)
ولذلك قال العلماء من أكره على طلاق امرأته ظلماً، فطلق دفعاً للإكراه فإنه لا يقع طلاقه، انظر المغني (10 / 352)
أما ما ذكرته من أن المرأة عندكم ربما طلقت نفسها عن طريق القوانين الوضعية، فإن كان ذلك لسبب يبيح لها طلب الطلاق كما لو كرهت الزوج، ولم تستطع البقاء معه، أو كرهته في دينه لفسقه وجرأته على ارتكاب المحرمات ونحو ذلك، فلا بأس بطلبها الطلاق ولكن في هذه الحالة تخالعه فترد عليه المهر الذي أعطاها إياه.
أما إن كان طلبها للطلاق من غير سبب فإن ذلك لا يجوز وحكم المحكمة بالطلاق في هذه الحال لا يعتد شرعاً بل تبقى المرأة زوجة للرجل، وهنا تحصل مشكلة وهي أن هذه المرأة تعتبر مطلقة أمام القانون فقد تتزوج إذا انقضت عدتها، وهي في حقيقة الأمر زوجة ليست مطلقة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن مثل هذه المسألة فقال:
" نحن الآن أمام مشكلة؛ فبقاؤها على عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوج آخر، وظاهرا حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى الخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضا، حتى يكون خلعا شرعيا ".
لقاء الباب المفتوح للشيخ محمد بن عثيمين رقم (54) (3/174) من طبعة دار البصيرة بمصر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1417)
عدة المرأة المطلقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح عدة المطلقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" المطلقة إن طلقت قبل الدخول والخلوة يعني قبل الجماع وقبل الخلوة بها والمباشرة، فإنه لا عدة عليها إطلاقاً فبمجرد ما يطلقها تبين منه وتحل لغيره، وأما إذا كان قد دخل عليها وخلا بها وجامعها فإن عليها العدة وعدتها على الوجوه التالية:
أولاً: إن كانت حاملاً فإلى وضع الحمل سواء طالت المدة أم قصرت، ربما يطلقها في الصباح وتضع الولد قبل الظهر فتنقضي عدتها، وربما يطلقها في شهر محرم ولا تلد إلا في شهر ذي الحجة، فتبقى في العدة اثني عشر شهراً، المهم أن الحامل عدتها وضع الحمل مطلقاً لقوله تعالى: (وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .
ثانياً: إذا كانت غير حامل وهي من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيض كاملة بعد الطلاق بمعنى أن يأتيها الحيض وتطهر ثم يأتيها وتطهر ثم يأتيها وتطهر، هذه ثلاث حيض كاملة سواء طالت المدة بينهن أم لم تطل، وعلى هذا فإذا طلقها وهي ترضع ولم يأتها الحيض إلا بعد سنتين فإنها تبقى في العدة حتى يأتيها الحيض ثلاث مرات فيكون مكثها على هذا سنتين أو أكثر، المهم أن من تحيض عدتها ثلاث حيض كاملة طالت المدة أم قصرت لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) .
ثالثاً: التي لا تحيض إما لصغرها أو لكبرها قد أيست منه وانقطع عنها فهذه عدتها ثلاثة أشهر، لقوله تعالى: (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ) .
رابعاً: إذا كان ارتفع حيضها لسبب يُعلم أنه لا يعود الحيض إليها، مثل أن يُستأصل رحمها، فهذه كالآيسة تعتد بثلاثة أشهر.
خامساً: إذا كان ارتفع حيضها وهي تعلم ما رفعه فإنها تنتظر حتى يزول هذا الرافع ويعود الحيض فتعتد به.
سادساً: إذا ارتفع حيضها ولا تعلم ما الذي رفعه، فإن العلماء يقولون تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل وثلاثة أشهر للعدة.
فهذه أقسام عدة المرأة المطلقة.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص 61-63.(6/1418)
قال: زوجته عليه حرام إن تزوج عليها ويريد أن يتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[1/ ما حكم رجل مالكي المذهب قال: زوجته حرام عليه إن تزوج عليها أخرى. وقصد سد باب الزواج من ثانية أكثر مما قصد طلاق زوجته ولو تزوج عليها؟
2/ما حكم رجل حلف بالطلاق ألا يزني ثم زنى؟
3/إن كان الطلاق صح في إحدى الحالتين فهل له من مخرج يمسك عليه أهله؟ مع العلم أن زوجته لا تقيم معه في بلد واحد وهو لا يريد طلاقها ويريد مخرجا يمكنه من الزواج من أخرى حتى لا يسقط في الزنا مرة أخرى فيأثم وتحرم زوجته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يقع بذلك طلاق، وإنما عليه كفارة يمين إن تزوج بأخرى، وذلك لأنه قصد بذلك التحريم منع نفسه، ولم يقصد بذلك الطلاق. ابن عثيمين. فتاوى منار الإسلام 2/584.
وقول السائل (وقصد سد باب الزواج من ثانية أكثر مما قصد طلاق زوجته ولو تزوج عليها) ظاهره أنه قصد الطلاق والمنع معاً، ولكن قصد المنع كان أكثر. وهذا لا يختلف به الحكم لأن العبرة بالأكثر.
الشيخ خالد المشيقح
ثانياً:
إذا كان قصده بالحلف بالطلاق إيقاع الطلاق فعلاً إذا حصلت منه هذه المعصية فيقع بذلك الطلاق، وإذا كان قصده منع نفسه من هذه المعصية – وهذا هو الغالب في مثل هذا الكلام – فإن عليه كفارة يمين. فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/141.
وعلى المسلم ألا يتلاعب بالطلاق، ويحلف بالطلاق إذا أراد منع نفسه من شيء، لأن كثيرا من أهل العلم يرون وقوع الطلاق بذلك، وإن لم يقصد إيقاعه.
ثالثاً:
النصيحة للسائل أن يتوب إلى الله تعالى مما اقترفه من الزنا، فإن هذه المعصية من أقبح المعاصي وأفحشها، وتورث فاعلها ظلمة في قلبه ووجهه، وعليه أن يعمل بالأسباب التي تحول بينه وبين هذه المعصية، وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن النكاح يجب إذا خشي الرجل على نفسه الوقوع في المعصية إذا لم يتزوج. المغني (9/341) .
فعليك أن تسعى لإقامة زوجتك معك في نفس البلد، فإن هذا من حسن العشرة لها، ولتعلم أنها تعاني مما تعاني منه أنت، فلا يكن همك أن تعصم نفسك من الوقوع في المعصية ثم تترك زوجتك تتألم وتعذب، فإن ذلك يتنافى مع حسن العشرة التي أمر الله بها ورسوله، فإن تعذر ذلك فعليك أن تتزوج بأخرى، ولا يقع على زوجتك بذلك طلاق كما سبق، وإنما عليك كفارة يمين.
وكفارة اليمين هي المذكورة في قول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1419)
الاستمتاع بمراسلة الرجل لمطلقته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يخاطب أو يكتب لزوجته السابقة بطريقة رومانسية بعد أن تزوج بامرأة أخرى؟
وهل من اللائق أن يُبقي صوراً وبطاقات لزوجته السابقة في غرفة النوم حيث يسكن مع زوجته الجديدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المرأة بعد انتهاء عدتها من طلاقها من زوجها تصير أجنبيَّة عنه، لذا لا يحل له أن يراسلها أو يخاطبها أو يختلي بها أو يصافحها، وهذا الفعل منه أو منها هو طريقٌ إلى الفاحشة فضلاً عن كونه محرَّماً عليهما أصلاً.
1. قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين:
لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبيَّة عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسِل أنه ليس هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به.
وقد أمر صلى الله عليه وسلم مَن سمع الدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير، ويجب الابتعاد عنها، وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 578) .
2. وقال الشيخ عبد الله الجبرين – وقد سئل عن المراسلة مع المرأة الأجنبيَّة -:
لا يجوز هذا العمل؛ فإنه يُثير الشهوة بين الاثنين ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حبَّ الزنا في القلب مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظاً للدين والعرض، والله الموفق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 578، 579) .
ثانياً:
لا يجوز للزوج ولا للزوجة احتفاظ كلٍّ منهما بصور الآخر بعد انتهاء عدة الطلاق بينهما، فهي تصير أجنبيَّة عنه وهو كذلك، وقد حرَّم الله تعالى النظر من كلِّ واحدٍ منهما للآخر، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} النور / 30، 31.
ثم إن في إبقاء الزوج صور زوجته المطلَّقة في غرفة نوم الزوجة الجديدة مخالف لحسن العشرة مع الزوجة الجديدة ومولِّدٌ للغيرة والحقد على الزوجة الأولى، وحسرةً وغضباً على زوجها.
لذا لا يجوز للزوج إبقاء صور زوجته المطلقة ولا مراسلتها.
وإن كان هذا الطلاق ليس تمام الطلقة الثالثة - التي لا يجوز للزوج الرجوع لزوجته إلا بعد نكاح زوج آخر - وكان هذا المطلِّّّق يرى أن أسباب طلاقه لزوجته قد زالت وأنهما يستطيعان أن يقيما حدود الله ويحسن كلٌ منهما عشرة صاحبه فإن له في مثل هذه الحال أن يراجعها بعقد جديد لتعود زوجة له مرة أخرى خاصة إذا كان له منها أولاد يخشى أن يؤثر عليهم فراق والديهم.
وليس الزواج من امرأة ثانية مانعاً من جواز الزواج مرة أخرى بالمطلقة إذا كان يظن من نفسه الاستطاعة والقدرة على الإعالة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1420)
ترك البيت وخرج، فهل يعتبر هذا طلاقاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ترك الرجل زوجته ثلاث مرات، في كل مرة يترك البيت ويخرج دون أن يتفوه أو يلمح بالطلاق، بعد شهر تقريباً من المرة الثانية استلمت الزوجة رسالة فيها شروط لإرجاعها كما أنه ذكر أنه سيطلقها إن لم يتم تنفيذ الشروط.
هل تركه لها في المرتين السابقتين يعتبر طلاقاً؟ وهل تعتبر طلقتين منفصلتين؟ مع الملاحظة أن الزوجة لم تعرف أن هذا يعتبر طلاقاً حتى وإن كانت نيته الطلاق. المرة الثلاثة كانت طلاقاً واضحاً.
يعاني الزوج من مرض في القلب ويتلقى العلاج، وتشعر الزوجة بأن هذا سبب له تشويشاً في التفكير.
لا زالت تريد أن تكون زوجة له وتهتم به، ولكن حسب قول الإمام فقد تم الطلاق ثلاث مرات.
هل تم طلاقها ثلاث مرات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقع الطلاق بالنية وحدها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِه) رواه البخاري (5269) ومسلم (127) . وإنما يقع الطلاق بأحد أمرين إما الكلام وإما الكتابة. فتاوى الطلاق لابن باز53-54.
وعلى هذا فلا يقع الطلاق في المرتين الأولى والثانية لأن الزوج لم يتكلم بالطلاق ولم يكتبه.
أما المرة الثالثة:
فإنه قال: كما في السؤال (إنه سيطلقها إذا لم يتم تنفيذ الشروط) وهذا أيضاً لا يعتبر طلاقا، وإنما هو تهديد بالطلاق، فسواء تم تنفيذ الشروط أم لم يتم لا يقع به طلاق. لأن التهديد بالطلاق لا يقع به الطلاق. فتاوى الطلاق لابن باز 56.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1421)
زوجها يضربها ضرباً مُبرحاً
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت من رجلي لأني ظننته مسلما صالحا، يهتم بمسألة نشر الإسلام العمل على رفع كلمة الله – سبحانه وتعالى – عن طريق مساعدة المسلمين.
كنت أرغب في إنهاء ارتباطي به عندما كنا مخطوبين قبل 4 أعوام لأنه كان يتلفظ بكلمات غير جيدة تجاهي، وكان يجرح شعوري، ويسيء إلى عواطفي.
إلا أنه وعد أنه سيصبح لطيفا بعد الزواج وأن سبب فظاظته تلك كان يعود إلى أنه لم يكن يعمل.
وحيث أن المسلمين عليهم أن يوفوا بما تعهدوا به، فقد صدقته ووثقت فيه، ووافقت على الزواج منه.
ومنذ أن تزوجنا، استفحل أمره وأصبح يؤذيني جسديا، حتى أنه يلكمني ويخنقني.
وقد علم والداي بالأمر أخيرا قبل 8 أشهر تقريبا. وقد تركته وذهبت إلى بيت أهلي لعدة أسابيع. وقد أخبراني أن علي أن أمنحه فرصة أخرى لأن من الممكن أن يكون الشخص الذي قد أتزوج به مستقبلا أن يكون هو أيضا مثله تماما، إن لم يكن أسوء حالا منه. وقالا إن جميع المطلقات ينتهي بهن المطاف أن يتزوجن رجالا أسوء حالا من سابقيهم.
وقد حضر معتذرا وقاطعا على نفسه العهد بتغيير أسلوبه في توجيه الكلام الجارح، وكونه يدقق في كل أمر، وأن يمتنع عن الأذية. وقد كان اتفاقنا أن أعود إليه لأرى ما إذا كان قد تغير حقيقة أم لا.
وبعد أن رجعت إليه، تغير حاله مدة بسيطة جدا.
وقد كان يسئ إلي في كلامه ويجرح عواطفي. وقد كان يؤذيني جسديا بدرجة قليلة. وقد سدد إلى بعض اللكمات - ضربني - قليلا.
وبما أن هذه هي الطريقة التي تطور بها آذاه أولا عندما تزوجنا حيث تطور من القليل وزاد وأصبح يؤذيني بكثرة، فقد قررت بعد شهرين من ذلك أنه لم يتغير وأخبرت أهلي بذلك ... فهل يجوز لي طلب الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يعينك على ما تواجهينه من المصائب، وأن يكتب لك أجر الصابرين إنه جواد كريم.
وينبغي على الزوج أن يعلم أنه راعٍ ومسئول عن رعيته، وأن الله تعالى قد أوجب عليه المعاشرة بالمعروف، والإحسان لأهله، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: " خيركم: خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (3314) ، ومِن الإحسان والمعاشرة بالمعروف أن لا يضرب الزوج امرأته ضرباً مبرحا ولا يقبح الوجه، ولْيعلم أنه بذلك مفرِّط في الأمانة التي ائتمنه الله عليها.
ونسمع عن كثيرٍ من الناس يتعذر عليه أو يتعسر أن يجد عملاً يُرزق منه، وقد تطول مدة بحثه عن عمل مناسب، فنسمع عن كثير من هؤلاء أنهم يقهرون نساءهم ويضربونهن وكأنهن السبب فيما يحدث معه، وكأن هذا مما يسوِّغ أفعاله المشينة، وعلى هؤلاء أن يتقوا الله وأن يعلموا أنهم أحوج ما يكونون إلى طاعة الله والبعد عن المحرمات، لا أن يقترفوا الآثام ويسوغوا ذلك لأنفسهم.
ولا بد أن يعلم المسلم أنه في دار بلاء وامتحان فعلى المسلم أن يتحلى بالصبر على كل ما يعترضه في حياته، وأن يُلح على الله بالدعاء في أن يُفرج عنه ما نزل به من المصائب، فهو سبحانه مفرج الهموم، وكاشف الغموم، ومجيب دعوة المظلوم، سبحانه وبحمده، لا تخفى عليه خافيه، ولا يُعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، له الحمد في الأولى والآخرة.
وهو سبحانه أكرم الأكرمين.. ما تقرب إليه عبده إلا كان أسرع تقرباً إلى عبده منه.. فقد روى البخاري (6856) ومسلم (4832) في صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ".
وبالنسبة لك أيتها الأخت السائلة.. فقد ابتلاك الله برجل سيئ الخلق، وبناءً على ما ذُكر في السؤال فإنه يجوز لك طلب الطلاق (وهو ما يُسمى بالخلع) لأن الحياة مع هذا وأمثاله لا تُطاق، ولعل الله أن يخلفك خيراً من هذا الرجل، فإن لم تجدي غيره فبقاؤك بلا زواج في بيت والدك معززة مكرمة خيرٌ لك من البقاء مع هذا الرجل، إذا لم تخشَيْ على نفسك الفتنة أو الوقوع في المحرم، أما إن خفت على نفسك من الفتنة فالصبر على أذى الدنيا مع هذا الرجل أهون من الصبر على عذاب الله.
وهناك أسباب تُبيح للمرأة الخلع من زوجها موجودة في السؤال (1859) من هذا الموقع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1422)
هل يفسخ القاضي العقد دون حضور الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للقاضي المسلم أن ينفذ (أو يلجأ إلى) إجراءات الخلع بمبادرة من طرف واحد، من الزوجة التي تعيش بعيدا عن زوجها، وفي غيابه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز ذلك، لأن للقاضي سلطة التفريق بين الزوجين إذا تحقق لديه استحالة العشرة الزوجية بشكل مستقيم وأن الزوجة تتضرر من هجران زوجها لها جنسيا واقتصاديا واجتماعيا. والقاضي يقدر الأمر من خلال دراسة كل قضية ومعرفة ملابساتها وظروفها. وغياب الزوج لا يؤثر على إجراءات الفسخ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابراهيم الخضيري.(6/1423)
قال لامرأته: أنت عليّ مثل أمي
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة قال لها زوجها: أنت علي مثل أمي وأختي. فهل هذا يعتبر طلاقاً أم أن هناك كفارة؟ وما هي الكفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا اللفظ لا يعتبر طلاقا، وإنما هو من ألفاظ الظهار التي ليست صريحة في الظهار، بل يحتمل الظهار وغيرَه.
ثانياً:
حكم هذا اللفظ يرجع فيه إلى نية المتكلم (الزوج) والقرائن التي تدل عليها.
أما النية؛ فقد يقصد الزوج بهذا الكلام أنها محرمة عليه مثل أمه فيكون ظهاراً.
وقد يقصد أنها مثل أمه في الإكرام والمحبة ونحو ذلك فلا يكون ظهاراً، ولا يترتب عليه شيء.
وأما القرينة؛ فقد يدل سياق الكلام والحادثة التي قيل فيها أن الزوج أراد بذلك الظهار فيكون ظهاراًَ، ومثال القرينة لو كان الزوج في نزاع مع زوجته وشجار فقال لها في أثناء ذلك: أنت علي مثل أمي، فظاهر هذا السياق أنه أراد الظهار فيكون ظهاراً.
سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/5) عن رَجُلٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي , وَأُخْتِي؟
فَأَجَابَ: "إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي وَأُخْتِي فِي الْكَرَامَةِ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ يُشَبِّهُهَا بِأُمِّهِ وَأُخْتِهِ فِي " بَابِ النِّكَاحِ " فَهَذَا ظِهَارٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا فَلا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ" اهـ.
وقال أيضاً (34/7) :
"وَإِنْ أَرَادَ بِهَا عِنْدِي مِثْلُ أُمِّي. أَيْ فِي الامْتِنَاعِ عَنْ وَطْئِهَا وَالاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ الأُمِّ فَهِيَ مِثْلُ أُمِّي الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلا لِلاسْتِمْتَاعِ بِهَا: فَهَذَا مُظَاهِرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ، فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، فَيَعْتِقَ رَقَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" (11/60) :
"وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي. أَوْ: مِثْلُ أُمِّي. وَنَوَى بِهِ الظِّهَارَ , فَهُوَ ظِهَارٌ , فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ; مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ , وَصَاحِبَاهُ , وَالشَّافِعِيُّ , وَإِسْحَاقُ. وَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَرَامَةَ وَالتَّوْقِيرَ , أَوْ أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي الْكِبَرِ , أَوْ الصِّفَةِ , فَلَيْسَ بِظِهَارٍ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ" اهـ.
أي: أن المرجع إلى الزوج لا إلى غيره في تحديد ما نواه.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/274) :
"إذا قال الزوج لزوجته: أنا أخوك أو أنت أختي، أو أنت أمي أو كأمي، أو أنت مني كأمي أو كأختي، فإن أراد بذلك أنها مثل ما ذكر في الكرامة أو الصلة والبر أو الاحترام أو لم يكن له نية ولم يكن هناك قرائن تدل على إرادة الظهار، فليس ما حصل منه ظهارا، ولا يلزمه شيء، وإن أراد بهذه الكلمات ونحوها الظهار أو قامت قرينة تدل على الظهار مثل صدور هذه الكلمات عن غضب عليها أو تهديد لها فهي ظهار، وهو محرم وتلزمه التوبة وتجب عليه الكفارة قبل أن يمسها، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا اهـ.
والخلاصة:
إذا كان الزوج قصد بهذا الكلام الظهار أو دلت القرينة على ذلك فهو ظهار، وفيما عدا ذلك لا يكون ظهاراً، ولا يترتب عليه شيء.
ثالثاً:
الظهار محرم، فقد وصفه الله تعالى بأنه منكر من القول وزور، وذلك في قوله: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) المجادلة/2.
فعلى من ظاهر من امرأته أن يتوب إلى الله تعالى.
رابعاً:
تجب الكفارة على الزوج المظاهر من زوجته إذا أراد أن يمسكها ولا يطلقها، ولا يحل له أن يجامعها قبل أن يأتي بالكفارة، والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة/3-4.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1424)
حقوق امرأة طلقها زوجها قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة من الذين اعتنقوا الإسلام، وأرغب في معرفة حقوق امرأة طلقها زوجها قبل إتمام الزواج، بعد أن وضعها في موقف مالي حرج؛ بأن تركها ليس معها أية أموال ولا وسيلة عمل؟
طلب مني أن ترك عملي، ووعدني أن يساعدني ماليًا حتى يتمكن من إحضاري لأعيش معه في بلده، ثم فجأة طلقني بعد ثلاثة شهور عبر رسالة بريد إلكتروني!! بحجة أنه لم يتيسر له الحصول لي على تأشيرة، وتركني دون أي مال على الإطلاق، ودون أسرة مسلمة، وقال: "والله سأرسل لكِ مالاً إذا احتجت" ولم يرسل شيئًا. فما هي حقوقي على هذا الرجل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أقرأ في سؤالك لهجة المسلم الذي – أحسب - أنه آمن بدينه الحق إيمانا يرتفع عن كل الأطماع والأغراض.
وأقرأ في سؤالك نفسا مطمئنة وقلبا مؤمنا بالله سبحانه وتعالى وبعقيدة راسخة إن شاء الله لا يؤثر فيها تخاذل أهلها عنها ولا يضرها ترك المنتسبين إليها العمل بها.
نعم. إن أكثر ما يسوء المرء حين يرى بعض أهل الإسلام لا يتحلون بأهم أخلاق التعامل مع الآخرين؛ من صدق في الحديث، ووفاء بالوعود، والتزام بالمواثيق، وهم يقرؤون في كتاب الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119
وقوله تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) الرعد/20
وقوله تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) البقرة/177
ويسمعون قول الرسول صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان) رواه البخاري (33) ومسلم (59)
ولا شك أن حال المسلمين اليوم قد تغير كثيرا عما يجب أن يكون عليه.
ومع ذلك فلا يأس ولا قنوط فالخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة.
وما يلاقيه المؤمن من مصائب ومتاعب إنما هو ابتلاء من الله تعالى: قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت/2
وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج/11
فعليك بالصبر والرضا ورجاء الثواب من عند الله تعالى.
أما حقوقك عليه، فيجب أولا التثبت من الطلاق فإن الطلاق عبر البريد الإلكتروني لا يعتد به إلا بعد إقرار الزوج. وانظري سؤال رقم (36761)
ثم إذا ثبت الطلاق فما تستطيعين أن تطالبيه به عبر القضاء هو المهر كاملا إن كانت الخلوة حصلت، أو نصف المهر إن لم تقع الخلوة،
يقول الشيخ ابن عثيمين:
" فإذا قال قائل: كيف يكون لها النصف، والآية علقت الحكم بالجماع؟ ولا شك أن هناك فرقا ظاهرا بين الجماع والخلوة، فالجماع تلذذ بها، واستمتع بها، واستحل فرجها، فاستحقت المهر، لكن مجرد الخلوة لم يحصل له بها العوض كاملا، فكيف تكون موجبة؟! نقول: إن أكثر أهل العلم في هذه المسألة على هذا الرأي، وحكي إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – على ذلك، أنه إذا خلا بها فلها المهر كاملا، فجعلوا الخلوة كالجماع، وقد ذكر عن الإمام أحمد رواية ينبغي أن تكون قاعدة، قال: لأنه استحل منها ما لا يحل لغيره ". اهـ الشرح الممتع (12/293)
أما إخلافه الوعد وتسببه في الضرر لك بتركك العمل، وحنثه بيمينه فذلك لك إن شاء الله يوم القيامة أجرا وحسنات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1425)
أبوهم في حالة خرف وطلق أمهم فهل يقع؟ وهل يضعونه في دار المسنين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي رجل طريح الفراش وعنده من الأمراض ما عنده وأحيانا لا يدرك ما يقول، وأحياناً أخرى تجده يحسب المال بالقرش كما أنه كثير سباب الدين ونظره ضعيف مع العلم بأنه لا يسمع بالمرة، وكثيراً ما يتبول في فراشه ثم يلقى بوله على الأرض وعندما نصل إليه ونسأله يرد مرة بالإنكار ومرة علشان تمسحوا بالعند، وذات مرة توضأت أمي فنادى عليها فذهبت له فرش عليها البول فنهرته أمي فقال لها: سوف أطلقك وبعد قليل قال لها أنت طالق، فماذا عن هذا الطلاق؟ وكيف نتعامل مع هذا الأب وهو وصل إلى حالة سيئة جدّاً ولا يحتمل؟ فهل لنا أن نودعه دار المسنين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر من تصرفات والدكم أنه بلغ مرحلة الخرف، وبها تسقط عنه التكاليف الشرعية، فلا يؤمر بصلاة ولا صيام، ولا يقع منه يمين ولا نذر ولا طلاق.
وإذا استطعتم الصبر على تصرفاته وتحملها فافعلوا، وإن لم تستطيعوا فلا حرج عليكم في الذهاب به إلى دار ترعى المسنين، على أن تستمروا في بره وزيارته، وتلبية احتياجاته المادية والمعنوية قدر استطاعتكم.
واعلموا أن الله تعالى قد أوصاكم بوالديكم خاصة عند الكبَر لشدة الحاجة في ذلك الوقت، وقد نهى الله تعالى عن التضجر والإساءة بالفعل والقول ولو بقول " أف ".
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
ثم ذكر [الله عز وجل] بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر.
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} أي: إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية.
{وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي: تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي: تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد.
{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} أي: ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا، جزاء على تربيتهما إياك صغيراً.
وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية. " تفسير السعدي " (ص 407، 408) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1426)
لم تتأقلم مع زوجها فهل تفارقه وتُغضب والدها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ 4 سنوات ولكنني لم أتأقلم مع زوجي، أخبرته وأخبرت والدي بأنني لم أتأقلم معه، زواجي كان في باكستان عندما كنت أمر بمرحلة سيئة جدّاً، كانت والدتي متهمَّة بالزنى وتمَّ حبسها في بيت والد زوجها.
كنت أنا ووالدتي في باكستان ذلك الوقت ولم يكن يُسمح لي برؤية والدتي أو الحديث معها، وأقترح والدي ذلك الوقت أن أتزوج، حاولت أن أتأقلم مع زوجي في بداية زواجنا ولكن دون جدوى، لا أريد أن أبقى معه لأنني أعلم بأنني لن أحبه أو أحترمه كما يجب على الزوجة أن تفعل، كما أنني في نفس الوقت لا أريد أن أجرح شعور والدي بطلاقي، هل أكون مذنبة إذا طلقت وجرحت شعور والدي؟
هل تظن بأنني يجب أن أطلق أم أبقى هكذا أحاول دون جدوى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصح به الأخت السائلة أن تحاول التوفيق بين عدم جرح شعور والدها وبين إعطاء زوجها حقَّه من المودة والمحبة والطاعة.
فإن عجزت عن إعطاء زوجها حقه ولم تشعر بميل نحوه مما يسبب لها نفرة منه وعدم طاعتها له: فالذي يجب عليها في هذه الحال أن تخالع من زوجها لا أن تطلب الطلاق.
والفرق بين الطلاق والخلع كبير، فالطلاق يكون من قِبَل الزوج لكراهيته لزوجته – مثلاً – وبغير سببٍ منها، وعليها العدة المعلومة بحسب حالها، فإن كانت حاملاً فحتى تضع حملها، وإن كانت صغيرة أو آيسة من المحيض فثلاثة أشهر، وإن كانت تحيض فثلاث حيضات، وعلى الزوج إعطاء زوجته كامل مهرها وحقوقها.
والخلع يكون من قِبَل الزوجة فتعطي زوجها مالاً ليفارقها، والأفضل للزوج ألا يطلب أكثر من المهر الذي أعطاه إياها، وتكون عدتها حيضة واحدة للعلم ببراءة الرحم.
وقد حصل مع بعض الصحابيات قريب مما تسأل عنه الأخت السائلة:
عن ابن عباس أنه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني لا أعتب على ثابت في دينٍ ولا خلُقٍ، ولكني لا أطيقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. رواه البخاري (4972) .
وفي رواية (4971) : " لا أعتب على ثابت في دينٍ ولا خلُقٍ، ولكني أكره الكفر في الإسلام ".
أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه.. ونحو ذلك. انظر فتح الباري (9/400)
والخلاصة: عليك المحاولة للتوافق مع زوجك وإعطائه حقَّه وإلا فعليك المخالعة ويمكنك أن تسترضي والدك وتبيني له أن بقاءك مع زوجك يضرك في دينك ودنياك، فإن رضي بذلك وإلا فإنه لا يلزمك أن تبقي مع زوجك وأنت تكرهينه ولا تقومين بحقك.
نسأل الله أن يفرّج همومك وأن يوفقك إلى العيشة الهنيئة وأن يعينك في أمورك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1427)
بعض أسباب الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسباب الطلاق من وجهة نظر سماحتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للطلاق أسباب كثيرة منها: عدم الوئام بين الزوجين بألا تحصل محبة من أحدهما للآخر، أو من كل منهما، ومنها سوء خلق المرأة، أو عدم السمع والطاعة لزوجها في المعروف ومنها سوء خلق الزوج وظلمه للمرأة وعدم إنصافه لها، ومنها عجزه عن القيام بحقوقها أو عجزها عن القيام بحقوقها، ومنها وقوع المعاصي من أحدهما أو من كل واحد منهما، فتسوء الحال بينهما بسبب ذلك، حتى تكون النتيجة الطلاق، ومن ذلك تعاطي الزوج المسكرات أو التدخين، أو تعاطي المرأة ذلك، ومنه سوء الحال بين المرأة ووالدي الزوج أو أحدهما، وعدم استعمال السياسة الحكيمة في معاملتهما أو أحدهما، ومنها عدم عناية المرأة بالنظافة والتصنع للزوج باللباس الحسن والرائحة الطيبة والكلام الطيب والبشاشة الحسنة عند اللقاء والاجتماع.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/2 ص 666(6/1428)
الطلاق من الزوج المدمن على التدخين
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي مدمن على التدخين وهو يعاني من الربو، ووقعت بيننا مشكلات عدة من أجل الإقلاع عنه، وقبل خمسة أشهر صلى زوجي ركعتين لله وحلف بألا يعود إلى التدخين، ولكنه عاد للتدخين بعد أسبوع من حلفه وعادت المشكلات بيننا وطلبت منه الطلاق، ولكنه وعدني بعدم العودة إليه وتركه إلى الأبد ولكنني غير واثقة منه تماماً، فما رأيكم السديد وما كفارة حلفه، وبماذا تنصحونني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدخان من الخبائث المحرمة، ومضاره كثيرة وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم في سورة المائدة: (ويسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) المائدة/4، وقال في سورة الأعراف في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) الأعراف/157، ولا شك أن الدخان من الخبائث، فالواجب على زوجك تركه والحذر منه طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحذراً من أسباب غضب الله وحفاظاً على سلامة دينه وصحته وعلى حسن العشرة معك، والواجب عليه عن حلفه كفارة يمين مع التوبة إلى الله من عودة إليه، والكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، ويكفي في ذلك أن يعشيهم أو يغديهم أو يعطي كل واحد نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريباً.
ونوصيك بعدم مطالبته بالطلاق إذا كان يصلي وسيرته طيبة وترك التدخين أما إن استمر على المعصية فلا مانع من طلب الطلاق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/2 ص 668(6/1429)
زوجها يشرب الخمر فهل تبقى معه
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي متزوجة برجل يشرب الخمر تقريبا مدمن على شربها وكثير السهر وقد تعبت من نصحه وطلبت منه العدول عن هذا الأمر لكنه أبى ذلك فهل يجوز لها أن تعيش معه علما أن لها من الأبناء اثنين وهو يطلع أخواته بكل صغيرة وكبيرة بينهما وهي في بلد عربي أخر وتعاني من الغربة فبماذا تنصحها ولك الأجر والثواب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نسأل الله تعالى أن يعين أختك في مصيبتها وأن يفرِّج عنها ويهدي زوجها إلى التخلص من أسر هذه الكبيرة من الكبائر
أما حكم بقائها معه فيجوز لها ذلك إذا أمنت على نفسها وأولادها.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد فلها الحق في طلب الفسخ، لكن قد يكون هناك أشياء لا تتمكَّن معها من الفسخ لأنها معها أولاد فتحصل مشاكل في الفسخ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر فلا حرج عليها أن تبقى معه خوفاً من المفسدة، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي فهذا لا تبقى معه طرفة عين. اللقاء المفتوح س 518.
ثانياً: أما النصيحة لها فعليها أن تقدر مصلحتها في ذلك وتستشير أهلها وقرابتها فإنهم أدرى بحالها ثم تستخير الله تعالى في أمرها فإن الله لن يضيعها، وفي الأثر (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) فإذا اختارت الفسخ أو البقاء فلترض بقضاء الله لها ولتصبر وتحتسب
قال تعالى: (وبشر الصابرين) البقرة/155.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1430)
طلاق الرجل زوجته بأمر والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في طلاق الرجل زوجته وذلك عندما يطلب منه والداه؟ بحجة أن هذه الزوجة كانت تعمل عندهم كخادمة سابقاً , وهل هذا يعتبر من عقوق الوالدين؟ مع العلم أن هذه الزوجة حالياً تعيش معززة مكرمة..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الوالدين هما أحق الناس بالبر والطاعة والإحسان والمعاملة الحسنة، وقد قرن الله سبحانه الأمر بالإحسان إليهما بعبادته حيث قال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الإسراء/23.
وطاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد، أما ما لا منفعة لهما فيه، أو ما فيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه " اهـ.
والطلاق من غير سببٍ يبيحه يكرهه الله تعالى، لما فيه من هدر لنعمة الزوجية، وتعريض الأسرة للضياع والأولاد للتشتت، وقد يكون فيه ظلم للمرأة أيضا، وكون الزوجة كانت خادمة في الماضي ليس سببا شرعيا يبيح الطلاق، لاسيما إذا كانت مستقيمة في دينها وخلقها.
وعلى هذا، لا تجب طاعة الوالدين في طلاق هذه الزوجة ولا يعتبر هذا من العقوق لهما، لكن ينبغي أن يكون رفض الابن للطلاق بتلطف ولين في القول لقول الله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/23.
سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك فقال:
" إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين:
الأول: أن يبين الوالد سببا شرعيا يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: " طلِّق زوجتك "؛ لأنها مريبة في أخلاقها كأن تغازل الرجال أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يجيب والده ويطلقها؛ لأنه لم يقل " طلِّقها " لهوى في نفسه ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنسا هذا الدنس فيطلقها.
الثانية: أن يقول الوالد للولد "طلِّق زوجتك " لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جدا حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟
ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسالة التي يقع السؤال عنها كثيرا " اهـ. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/671.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن مطالبة الوالدة من ابنها طلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها بل لحاجة شخصية فأجابت بما نصها: " إذا كان الواقع كما ذكر السائل من أن أحوال زوجته مستقيمة وأنه يحبها، وغالية عنده، وأنها لم تسئ إلى أمه وإنما كرهتها لحاجة شخصية، وأمسك زوجته وأبقى على الحياة الزوجية معها، فلا يلزمه طلاقها طاعة لأمه، لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " إنما الطاعة في المعروف " وعليه أن يبر أمه ويصلها بزيارتها والتلطف معها والإنفاق عليها ومواساتها بما تحتاجه وينشرح به صدرها ويرضيها بما يقوى عليه سوى طلاق زوجته ". فتاوى اللجنة الدائمة 20/29.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1431)
البينونة الصغرى والكبرى وطلاق الثلاث
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي منذ 20 سنة، وقبل انتهاء العدة راجعتها؛ بعد سنين عدة عاودت فطلقتها ثانية وقلت لها: أنت طالق، طالق، طالق، وأقصد به الطلاق الثلاث، إلا أنني وقبل انتهاء العدة أيضا راجعتها ولم أقم بأي إجراء: لا أركان الزواج ولا شيء آخر، ما هو إلا أن ذهبت إلى بيت أهلها ورددتها إلى بيتي، إذ كان في اعتقادي أنه طلاق رجعي أيضاً، في الشهور الأخيرة عاودت فطلقتها للمرة الثالثة، ندمتُ كثيراً لاعتبارات لا يسع المجال لها، استفتيت أحد الشيوخ عندنا وأوضحت له القضية فكان جوابه كما يلي: المراجعة بعد الطلاق الأول صحيحة، أما المراجعة بعد الطلاق الثاني وقبل انتهاء العدة فهي غير صحيحة لأنه طلاق بائن بينونة صغرى، وكان يجب عليَّ أن أقوم بأعمال أركان الزواج قبل ردها، وبما أنني لم أقم بهذه الأعمال فالنكاح غير شرعي وهو ملغي، وعليه فالطلاق الأخير الثالث لا معنى له لأنه واقع في نكاح غير شرعي، وأجاز لي مراجعة الزوجة بعد القيام بعمل أركان الزواج، وبما أن القضية كبيرة، وأنا حائر، وألتمس اطمئنان القلب: لجأت إلى فضيلتكم لأن لي فيكم ثقة كبيرة، فأفتوني مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل لأحدٍ أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم، ومن فعل هذا فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/ 33.
والذي أفتاك بعدم صحة الرجعة من طلاقك الثاني، وبعدم وقوع الطلقة الثالثة وأوجب عليك القيام بأركان النكاح لإرجاع زوجتك لم يصب في قوله، وهو من القول على الله بغير علم، فيجب على من أفتاك بهذا – إن صحَّ نقلك عنه – أن يتوب إلى الله ويستغفره، ويجب عليه أن يكف عن الفتوى، وبخاصة فيما يتعلق بالأعراض والدماء.
ثانياً:
الطلاق الرجعي هو الذي يملك فيه الزوج الرجعة، وتكون الرجعة من غير عقد ولا مهر ولا رضا الزوجة، والطلاق الذي يملك فيه الزوج الرجعة هو الطلاق الأول والثاني قبل انتهاء العدة، فإذا انتهت العدة من طلقتها الأولى أو الثانية صارت بائنة بينونة صغرى، لا ترجع لزوجها إلا برضاها وبعقدٍ ومهرٍ جديديْن، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، ودليله قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ... ) البقرة/229، فإن أوقع الطلقة الثالثة لم تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر نكاح رغبة ثم يطلقها أو يموت عنها بعد الدخول بها – وهذه هي البينونة الكبرى - ودليل ذلك قوله تعالى – في الآية التي بعدها -: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة/230.
ثالثاً:
ولو أحسنَّا الظن بذاك القائل وقلنا إنه يرى أن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً فإنه لا وجه لقوله إنها بينونة صغرى لأن طلاق الثلاث عند القائلين به يقع ثلاثاً، وتبين به الزوجة بينونة كبرى. فكيف جاز له أن يقول إنها بينونة صغرى ترجع بعقد ومهر جديدين!
والصحيح أن طلاق الثلاث يقع طلقة واحدة، وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (96194) .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة) .
رواه مسلم (1472) .
رابعاً:
ما وقع منك من الرجعة بعد الطلقة الأولى والثانية صحيح، والطلقة الثالثة حرُمت عليك بها زوجتك، وبانت منك بينونة كبرى، وهي أجنبية عنك، ويجب إعطاؤها حقوقها كاملة، ولا يحل لك تزوجها إلا بعد أن تتزوج هي بآخر نكاح رغبة ويفارقها بموت أو طلاق بعد تحقق الدخول الشرعي بها.
أما نكاح التحليل الذي يفعله بعض الناس فهو نكاح فاسد، لا تحل به المرأة لزوجها الأول، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله.
وانظر جواب السؤال رقم (109245) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1432)
تدَّعى أن زوجها اغتصب ابنتها وهرب فهل تطلَّق تلقائيّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجتْ امرأةٌ مسلمةٌ لها طفلة تبلغ بضعة أشهر من مسلم، وكان المذكور يتولى دور الأب بالنسبة لها، لكننا اكتشفنا بعد أن رجع المذكور لزيارة بلده أنه تحرش بالصغيرة جنسيّاً، ومن المحتمل أنه اغتصبها أيضا، المذكور ينكر ذلك، لكن التقارير الطبية تؤكد الموضوع، وبعد أسابيع من العلاج أقرت الطفلة بأنه هو الذي " لاعبها "، وهي لا تزال تظن أن الأمر الذي وقع كان ممتعا، ومنذ ذلك الحين لم يعد المذكور كما أن المسؤولين يبحثون عنه. سؤالي هو: هل ما وقع يبطل زواجي به تلقائيا؟ إن لم يكن كذلك: كيف يمكن للأم أن تبطل هذا الزواج؟ ، أرجو الإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعله الزوج في الطفلة الصغيرة – إن ثبت – جريمة عظيمة، يستحق عليها الرجم حتى الموت، ولعل مثل هذه الحوادث أن تدلل على مدى بُعد مثل هذه الحثالات عن شرع الله تعالى، وبالتالي يتحرى المسلم عندما يأتيه من يرغب بالتزوج منه، ويتحرى المسلم من التهاون في خلوة ضعاف الإيمان بقريبات الزوجة – ولو كنَّ صغيرات-.
ثانياً:
المعلوم أنه لا يجوز للرجل أن يجمع – في النكاح - بين الأختين، ولا يحل له الزواج بأم امرأته – بعد العقد عليها -، ولا ابنتها – بعد الدخول بأمها -، فهل إذا زنى الزوج بأخت الزوجة أو أمها أو ابنتها تحرم عليه زوجته فيجب تطليقها؟ وإذا كان غير متزوج منها، فهل يحل له الزواج بها؟ هذه من مسائل الخلاف بين العلماء، والأقوال فيها ثلاثة:
1. مذهب الجمهور: أنه لا تحرم عليه امرأته، وهو قول ابن عباس – رضي الله عنه – وعروة وسعيد بن المسيب والزهري، وعليه جمهور العلماء، ونقل بعضهم عن ابن عباس أنه يحرم عليه امرأته، وهو ضعيف، والصواب عنه هو ما قدمناه.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وحجتهم – أي: الجمهور -: أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها، لا على مجرد الوطء، وأيضا: فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث، قال ابن عبد البر: وقد أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها، فنكاح أمها وابنتها أجوز.
2. وقال إبراهيم النخعي والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق - وهي رواية عن مالك -: إذا زنى بامرأة حرُمت عليه أمها وبنتها.
3. ومذهب الحنفية - وهو قول للشافعي -: تلتحق المباشرة بشهوة، بسبب مباح، بالجماع لكونه استمتاعا، أما المحرم فلا يؤثر كالزنا، فقالوا: تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها.
قال إبراهيم النخعي: وكانوا يقولون: إذا اطلع الرجل على المرأة، على ما لا تحل له، أو لمسها لشهوة: فقد حرمتا عليه جميعا.
" المصنف " (3 / 303) .
والراجح: هو مذهب الجمهور، وأن فعله المحرَّم مع أم امرأته أو ابنتها أو أختها لا يحرم عليه امرأته، سواء كان متزوجاً أم بعد الزواج، وبه يُعرف أن الزوج الذي اعتدى على ابنة الزوجة حتى لو ثبت أنه اغتصبها لا يحرِّم ذلك الفعل المحرم القبيح زوجته عليه.
روى البخاري – رحمه الله – (5 / 1963) عن ابن عباس – رضي الله عنهما -: إذا زنى بأخت امرأته: لم تحرم عليه امرأته.
وروى البيهقي – وصححه الحافظ ابن حجر – (7 / 168) عن ابن عباس في رجل غشي أم امرأته قال: تخطى حُرمتين، ولا تحرم عليه امرأته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" مسألة: لو زنى بامرأة، فهل يحرم عليها أصله وفرعه، وهل يحرم عليه أصلها وفرعها؟
الجواب: لا يحرم؛ لأنه لا يدخل في الآية؛ قال الله تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ) النساء /23..، والزانية لا تدخل في هذا؛ فلو زنى شخص بامرأة، فلا نقول: إن هذه المرأة من حلائله، ولا نقول: إن أم هذه المرأة المزني بها من أمهات نسائكم؛ إذا تكون حلالا، لدخولها في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) النساء/24 ... "
الشرح الممتع (5/179) .
ثالثاً:
لكِ طلب فسخ النكاح من القاضي الشرعي لسببين شرعيين: أولهما: فسقه وفجوره بارتكابه لتلك الجريمة القبيحة – بعد ثبوتها عليه -، وثانيهما: غيابه عن البيت، وكلا السببين يجعلانك في حل من طلب فسخ النكاح من القاضي الشرعي، واستيفاء كامل حقوقك، ويسمى هذا " الطلاق للضرر " وقال به الإمامان مالك وأحمد – رحمهما الله -، والضرر الذي يسوغ طلب التفريق به بين الزوجين يشمل كل ما يسبِّب ضرراً للزوجة والإساءة إليها جسديّاً أو نفسيّاً أو معنويّاً، ويختلف ذلك باختلاف النساء والبيئات والأعراف، ومن أمثلة الضرر الذي تطلب الزوجة التفريق: ضربها من غير سبب شرعي، وإكراهها على فعل محرم أو ترك واجب، وفسقه وفجوره وسوء سلوكه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1433)
زوجها لا يعطيها إلا النفقة ويعيش بعيداً عنها فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقتُ مرتين، الأولى: بسبب طلبي من زوجي أن يجعل لي ولأبنائي ولو يوماً في الشهر يجلس بيننا بعيداً عن رغباته ورغبات أهله، والثانية: بسبب حبه لأخرى وإهانته لي أمام أبنائي وتفضيله لها علي وعدم مراعاة شعوري وشعور أبنائي وهو يبثها حبه وغرامه عبر الهاتف على مرأى ومسمع مني دون زواج، والآن سافر وتركني وحدي مع أبنائنا ولا يربطنا به سوى المصروف الذي يرسله عن طريق أهله.
هل لو طلقت سيعوضني الله خيراً وسيغنيني من فضله وسيعوضني عما رأيته من ظلم مع هذا القاسي أم سيكون عدم رضا بقضاء الله؟ وهل من حقي أن يكون لي زوج أعيش معه في مودة ورحمة وسكن أم أرضى وأعيش عيشة الذل أنا وأبنائي من أجل المصروف الشهري الذي يرسله كل شهر عن طريق أهله زيادة في إهانتي وذلي؟ وهل أعتبر صابرة أم ضعيفة ومنكسرة لأنني رضيت بهذه الحياة طوال 11 عاما خوفا من كلمة الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أباح الله التعدد للرجل، ونهاه عن الظلم، فإن رغب الزوج في التعدد فإما أن يمسك الأولى بمعروف أو يسرحها بإحسان، ولا يحل له أن يبقيها في عصمته مع هجره لها، وعدم إعطائها حقوقها، ولا يحل له أن يفرِّط في رعاية وتربية أبنائه، فلم يشرع التعدد لهدم البيوت بل لبنائها وتكثيرها.
وهذا الهجر والتفريط حرام عليه إذا كان مقترناً بأخرى وفق الشرع، فكيف يكون الحكم لو كان هجره وتفريطه بسببٍ غير شرعي كالعلاقات المحرمة، والسهرات الفاسدة؟ .
ثانياً:
وللزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا لم يمكنها الصبر على سوء خلقه، وليس هذا من عدم الرضا بقدر الله تعالى، بل في بعض الأحيان قد يحرم البقاء مع زوج يرتكب الكبائر ولا يُؤمن جانبه على أولاده، وبما أن الطلاق مشروع، بل قد يجب أن تطلبه أحياناً، فلا وجه للظن بأن هذا يخالف الإيمان بالقدر؛ لأن الله تعالى يقدر الزواج ويقدر الطلاق.
ومن حق الزوجة أن تعيش مع زوجٍ يعاشرها بالمعروف، وأن تحظى بزوج تسكن إليه ويكون لباساً لها، ويكون بينها وبينه مودة ورحمة، وهو ما لأجله شُرع الزواج، وإن أي فقدٍ لشيء مما ذكرنا فهو مخالف للحكمة التي من أجلها شرع الزواج.
ومن هنا كان الواجب على الزوج أن يختار صاحبة الدِّين، وعلى الأولياء أن يزوجوا مولياتهم من أهل الدِّين والخلق؛ لأن البيت المسلم إذا قام على شرع الله تعالى فإنه لا يُرى فيه ظلم وتعد، فإن كرهت زوجها لسبب شرعي طلبت الطلاق أو خالعته، وإن كرهها طلقها وأعطاها حقوقها كاملة، فإما أن يمسك بمعروف أو يسرِّح بإحسان.
وإذا حصل الطلاق فقد يقدِّر الله تعالى لها زوجاً صالحاً، كما قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفرَّقا يُغْنِ الله كلاًّ مِن سَعَتِه} .
ثالثاً:
ومن النساء من تصبر على زوجها لاحتمال أن يصلح الله حاله، أو من أجل أن يبقى على اتصال بأولاده رعاية وتربية وإنفاقاً، فإن طالت المدة ولم يُصلَح حاله، أو أنه أساء كثيراً لزوجته وأولاده، وعندها ما يكفيها للنفقة على نفسها وأولادها: فلا وجه لبقائها في عصمته، بل تخلصها منه هو الصواب لتعيش حياة أكرم وأفضل، ولتربِّي أبناءها على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعليكِ أن تحاسبي نفسك، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منكِ من سيئات أو أخطاء في حق الله، أو في حق زوجك، أو في حق غيره، فلعله إن يكون ما حصل معك عقوبة لمعاصٍ اقترفتِها فالله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبةٍ فَبِمَا كَسَبت أَيْديكُم وَيعْفو عَنْ كَثِيرٍ} .
وتأملي في وضعك جيداً وفي حقيقة إمكان أن يتيسر لك زوج بعده أو تعيشي حياة هادئة بدونه، واستشيري ممن حولك ممن هو ألصق بك، وأنصح لك فإن وافقوك على الطلاق والحال على ما ذكرتِ في سؤالك فاستخيري الله تعالى فإن اطمأنت نفسك للطلاق فأقدمي وأسألي الله أن يغنيك من سعته نسأل الله أن يصلح حالك وأن يفرج همك وأن يصلح بينكما إن كان في ذلك خير لكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1434)
حكم الطلاق في حالة الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مسلمة قال لها زوجها كثيرا وهو في حالة غضب شديد أنت طالق فما حكم ذلك خاصة وهم لديهم أطفال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن تسيء إليه زوجته وتشتمه، فطلقها في حال الغضب فأجاب:
(إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور، وأنك لم تدرك نفسك، ولم تضبط أعصابك، بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك، وأنك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور، وهي معترفة بذلك، أو لديك من يشهد بذلك من الشهود العدول، فإنه لا يقع الطلاق؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على أن شدة الغضب – وإذا كان معها غيبة الشعور كان أعظم - لا يقع بها الطلاق.
ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق".
قال جماعة من أهل العلم: الإغلاق: هو الإكراه أو الغضب؛ يعنون بذلك الغضب الشديد، فالغضبان قد أغلق عليه غضبه قصده، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران، بسبب شدة الغضب، فلا يقع طلاقه. وإذا كان هذا مع تغيب الشعور وأنه لم يضبط ما يصدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق.
والغضبان له ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: حال يتغيب معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين، ولا يقع الطلاق عند جميع أهل العلم.
الحال الثانية: وهي إن اشتد به الغضب، ولكن لم يفقد شعوره، بل عنده شيء من الإحساس، وشيء من العقل، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق، وهذا النوع لا يقع به الطلاق أيضاً على الصحيح.
والحال الثالثة: أن يكون غضبه عاديا ليس بالشديد جدا، بل عاديا كسائر الغضب الذي يقع من الناس، فهو ليس بملجئ، وهذا النوع يقع معه الطلاق عند الجميع) انتهى من فتاوى الطلاق ص 19- 21، جمع: د. عبد الله الطيار، ومحمد الموسى.
وما ذكره الشيخ رحمه الله في الحالة الثانية هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وقد ألف ابن القيم في ذلك رسالة أسماها: إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان، ومما جاء فيها:
(الغضب ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه , ويعلم ما يقول , ويقصده ; فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده.
القسم الثاني: أن يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة ; فلا يعلم ما يقول ولا يريده , فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه , فإذا اشتد به الغضب حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة , فإن أقوال المكلف إنما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه، ومعناها، وإرادته للتكلم.
القسم الثالث: من توسط في الغضب بين المرتبتين , فتعدى مبادئه , ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون , فهذا موضع الخلاف , ومحل النظر , والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا , وهو فرع من الإغلاق كما فسره به الأئمة) انتهى بتصرف يسير نقلا عن: مطالب أولي النهى 5/323، ونحوه في زاد المعاد مختصرا 5/215
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يتجنب استعمال لفظ الطلاق، حتى لا يفضي ذلك إلى خراب بيته وانهيار أسرته.
كما أننا نوصي الزوج والزوجة معاً بأن يتقيا الله في تنفيذ حدوده وأن يكون هناك نظر بتجرّد إلى ما وقع من الزوج تجاه زوجته هل هو من الغضب المعتاد الذي لا يمكن أن يكون الطلاق عادة إلا بسببه، وهو الدرجة الثالثة التي يقع فيها الطلاق باتفاق العلماء وأن يحتاطا لأمر دينهما بحيث لا يكون النظر إلى وجود أولاد بينكما باعثاً على تصوير الغضب بما يجعل المفتي يفتي بوقوعه ـ مع علم الطرفين أنه أقلّ من ذلك ـ.
وعليه فإن وجود أولاد بين الزوجين ينبغي أن يكون دافعاً لهما للابتعاد عن استعمال ألفاظ الطلاق والتهوّر فيها، لا أن يكون دافعاً للتحايل على الحكم الشرعيّ بعد إيقاع الطلاق والبحث عن مخارج وتتبّع رخص الفقهاء في ذلك.
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً البصيرة في دينه وتعظيم شعائره وشرائعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1435)
أمه تريد منه أن يطلق زوجته الثانية حتى لا يقتدى به في التعدد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة من فتره قليلة ولأني الزوجة الثانية لرجل متزوج فأمه تطلب منه أن يطلقني ليس لسوء مني ولكن فقط كي لا يقلده أزواج شقيقاته وتقول إنه لا يهمها الإثم الذي يلحقها من هذا الطلب، المهم أن لا يخالف العرف بالتعدد فما رأي الشرع في ذلك وهل لزوجي أن يطيعها في ذلك الطلب علما بأنني أعيش معه بما يرضى الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للأم أن تأمر ولدها بطلاق زوجته، لكونه خالف عرف الأسرة أو العشيرة في التعدد، أو خشية أن يقلده أزواج بناتها في ذلك؛ إذ التعدد أمر أباحه الله تعالى، وأباحه رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يجب على الابن طاعة أبيه أو أمه في طلاق زوجته، لاسيما إذا كان لهذا السبب المصادم لرغبة الشارع في تكثير النسل، وإعفاف المسلمات، وتقليل الفساد.
قال في مطالب أولي النهى (5/320) : (ولا تجب) على ابن (طاعة أبويه ولو) كانا (عدلين في طلاق) زوجته ; لأنه ليس من البر) انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن: (رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟ الجواب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها والله أعلم) اهـ.
الفتاوى الكبرى 3/331
فعلى زوجك أن يبر أمه ويحسن إليها، مع إمساكك والإبقاء عليك، إذ ليس من البر تطليق زوجته.
وينبغي نصح هذه الأم وتذكيرها بوجوب اتباع الشرع والتقيد به، والحذر من اقتراف الإثم، وأن تعلم أن طلاق بناتها أو حصول ضرائر لهن، أو سلامتهن من ذلك، غيب لا يعلمه الله، وما كان مقدرا منه سيكون، فلا وجه لارتكاب الحرام، وتفريق الأسرة.
أما نصيحتنا لك أيها الأخت، فهي أن تسعي جهدك في الإحسان لأم زوجك وكسب حبها، حتى يكون حسن معاملتك لها سبباً مزيلاً عنها فكرة دعوة ولدها إلى تطليقك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1436)
حكم طلاق الهازل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق، ولم يكن يريد الطلاق، ولكنه يمزح معها، هل يقع الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في وقوع " طلاق الهازل " فذهب الجمهور إلى وقوعه، واستدلوا بما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وقد حسنه الألباني في "رواء الغليل" (1826) .
وقد ورد معناه موقوفاً على بعض الصحابة:
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (أربع جائزات إذا تكلم بهن: الطلاق، والعتاق، والنكاح، والنذر) .
وعن علي رضي الله عنه: (ثلاث لا لعِب فيهن: الطلاق، والعتاق، والنكاح) .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (ثلاث اللعب فيهن كالجد: الطلاق، والنكاح، والعتق) .
قال ابن القيم رحمه الله، بعد أن ذكر الحديث المتقدم:
" تضمنت هذه السنن: أن المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة: لزمه ما هزَل به، فدلَّ ذلك أن كلام الهازل معتبر وإن لم يُعتبر كلام النائم والناسي، وزائل العقل والمكرَه.
والفرقُ بينهما: أن الهازل قاصدٌ للفظ غير مريد لحكمه، وذلك ليس إليه، فإنما إلى المكلف الأسباب، وأما ترتب مسبَّبَاتها وأحكامها: فهو إلى الشارع، قَصَدَه المكلف أو لم يقصده، والعبرة بقصده السبب اختياراً في حال عقله وتكليفه، فإذا قصده: رتَّب الشارع عليه حكمه جدَّ به أو هزل، وهذا بخلاف النائم والمبرسم [وهو الذي يهذي لعلة في عقله] والمجنون وزائل العقل، فإنهم ليس لهم قصد صحيح، وليسوا مكلفين، فألفاظهم لغو بمنزلة الطفل الذي لا يعقل معناها، ولا يقصده.
وسر المسألة: الفرق بين من قصد اللفظ وهو عالم به ولم يُرد حكمه، وبين من لم يقصد ولم يعلم معناه، فالمراتب التي اعتبرها الشارع أربعة:
إحداها: أن يقصد الحكم ولا يتلفظ به.
الثانية: أن لا يقصد اللفظ ولا حكمه.
الثالثة: أن يقصد اللفظ دون حكمه.
الرابعة: أن يقصد اللفظ والحكم.
فالأوليان: لغو، والآخرتان: معتبرتان، هذا الذي استفيد من مجموع نصوصه وأحكامه " انتهى.
" زاد المعاد " (5 / 204، 205) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (10/461) :
" يقع الطلاق من الجاد ومن الهازل , والفرق بينهما أن الجاد: قصد اللفظ والحكم , والهازل: قصد اللفظ دون الحكم.
فالجاد: طلق زوجته وهو يقصد الطلاق , أما الهازل: فهو قاصد للفظ غير قاصد للحكم، فهو يقول مثلاً: كنت أمزح مع زوجتي أو أمزح مع صديقي فقلت: إن زوجتي طالق أو ما أشبه ذلك. يقول: ما قصدت أنها تطلق ولكني قصدت اللفظ.
نقول: يترتب الحكم عليه، لأن الصيغة وجدت منك، والحكم إلى الله.
ما دام وجد لفظ الطلاق بنية معتبرة من إنسان يعقل ويميز ويدري ماذا يعني فإنه يقع , فكونه يقول: أنا ما قصدت أن يقع فهذا ليس إليه , بل إلى الله.
هذا من جهة التعليل والنظر.
أما من جهة الأثر فعندنا حديث أبي هريرة: (ثلاثٌ جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة) فهذا دليله من الأثر.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يقع الطلاق من الهازل , وكيف يقع الطلاق من الهازل وهو ما أراد إلا اللفظ فقط؟! وشنع بعض العلماء على من قال بوقوع طلاق الهازل , وقال: أنتم تقولون: إنه هزل فكيف تقولون: يقع , وتعاملونه معاملة الجد؟
لكن الرد على هؤلاء أن نقول: إننا ما قلنا إلا ما دل عليه الدليل , وهذا الحديث صححه بعضهم وحسنه بعضهم , ولا شك أنه حجة. فنحن نأخذ به.
ثم إن النظر يقتضيه؛ لأننا لو أخذنا بهذا الأمر وفتحنا الباب لادّعى ذلك كل واحد , وحينئذٍ لا يبقى طلاق على الأرض , فالصواب أنه يقع , سواء كان جاداً أو هازلاً.
ثم إن قولنا بالوقوع فيه فائدة تربوية , وهي كبح جماح اللاعبين , فإذا علم الإنسان الذي يلعب بالطلاق أنه يؤاخذ به فإنه لن يقدم عليه أبداً.
لكن الذي يقول: أنا أمزح فإنه يفتح باباً للناس أن يتخذوا آيات الله هزواً " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1437)
قال لزوجته: أنت طالق عندما نرجع إلى البلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مسافرة مع زوجي وحصل بيننا مشاجرة فقال: أنت طالق عندما نرجع إلى البلاد، ورجعنا فعلاً، فهل يقع الطلاق بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الزوج لزوجته: " أنت طالق عندما نرجع للبلاد " فيقع الطلاق عند رجوعكما للبلاد؛ لأن هذا تعليق محض، أي لا يقصد به الحث أو المنع، أو التصديق أو التكذيب، بل هو كقول الإنسان: إذا جاء أول الشهر أو دخل رمضان أو قدم السلطان فزوجته طالق، فزوجك لا يقصد بكلامه هذا منعك أو منع نفسه من الرجوع إلى بلده، كما لا يقصد الحث على البقاء خارج البلد، فهو تعليق محض.
ولو فرض أنه قال: أردت أني " سأطلقها " بعد الرجوع، فهذا لا يقبل منه أيضا؛ لأن قوله: أنت طالق، من ألفاظ الطلاق الصريحة، فلا يقبل منه أن مراده ونيته الوعد بالطلاق.
وأما التعليق الذي يقصد به المنع، كقوله: أنت طالق إن خرجت من البيت، يريد منعها من الخروج، أو التعليق الذي يراد به الحث على الفعل، كأنت طالق إن لم ترجعي إلى البيت، فهذا التعليق الذي اختلف فيه الفقهاء، فجمهورهم على أن الطلاق يقع عند وقوع ما علق عليه، وذهب جماعة منهم إلى أن الطلاق لا يقع لأنه لم يقصد الطلاق وإنما قصد الحث أو المنع.
ونقل ابن قدامة رحمه الله عن القاضي أبي يعلى في بيان الحلف بالطلاق والفرق بينه وبين التعليق المحض قوله: " هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على الفعل، أو المنع منه، كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، وإن لم تدخلي فأنت طالق. أو على تصديق خبره، مثل قوله: أنت طالق لقد قدم زيد أو لم يقدم.
فأما التعليق على غير ذلك، كقوله: أنت طالق إن طلعت الشمس، أو قدم الحاج، أو إن لم يقدم السلطان، فهو شرط محض ليس بحلف " انتهى من "المغني" (7/333) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحلف بالطلاق هو التعليق الذي يراد به حث الحالف على شيء، أو منعه من شيء، أو حث المستمعين المخاطَبين على تصديقه أو تكذيبه، هذا هو اليمين بالطلاق، فهو تعليق، ومقصوده حث أو منع، أو تصديق أو تكذيب، فهذا يسمى يمينا بالطلاق. بخلاف التعليق المحض، فهذا لا يسمى يمينا، كما لو قال: إذا طلعت الشمس فزوجته طالق، أو قال: إذا دخل رمضان فزوجته طالق، فهذا لا يسمى يمينا، بل تعليق محض وشرط محض، متى وجد الشرط وقع الطلاق، فإذا قال مثلا: إذا دخل رمضان فامرأته طالق، طلقت بدخول رمضان، وإذا قال مثلا: إذا طلعت الشمس فزوجته طالق، طلقت بطلوع الشمس ".
وقال: " أما إذا كان ليس هناك حث ولا منع، بل هو شرط محض، فهذا تعليق محض يقع به الطلاق كما تقدم، مثل لو قال: إذا دخل شهر رمضان فامرأته طالق، فهذا شرط محض، وهذا إذا وقع وقع الطلاق؛ لأن المعلق على الشرط يقع بوقوع الشروط، وهذا هو الأصل ". انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص 129- 131) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل قال لزوجته: إذا أتاك الحيض ثم طهرت فأنت طالق , ولكنه ظهر له بعد ذلك أن يمسك امرأته ولا يطلقها.
فأجابت: " هذا طلاق معلق على شرط محض , لا يقصد به حث ولا منع , فيقع الطلاق بوجود الشرط , وهو الطهر بعد الحيض , ورجوعه عن هذا التعليق بعد حصوله منه لا يصح " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1438)
هل يهتز عرش الله من الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يهتز عرش الله من الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روي في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه حديث موضوع مكذوب.
وهو ما يُروَى عن عليِّ بنِ أبي طالب رضيَ اللهُ عنه أنّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّم قال: (لا تُطَلِّقُوا، فإِنَّ الطلاقَ يَهتَزُّ لهُ العَرشُ) رواهُ ابنُ عديٍّ في "الكامل" (5/112) والخطيبُ في "تاريخِ بغداد" (12/191) ومن طريقِه ابنُ الجوزي في "الموضوعات" (2/277) من طريقِ:
عمرو بنِ جُمَيع عن جُوَيبرٍ عن الضَّحّاكِ عن النزَّال بنِ سبرةَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ الله عنه.
قالَ ابنُ الجوزي:
" حديثٌ موضوعٌ ... عمرُو بنُ جميعٍ كان يروي المناكيرَ عن المشاهيرِ، والموضوعاتِ عن الأثباتِ " انتهى.
وقد حكمَ عليه بالضعفِ والوضعِ كثيرٌ من أهلِ العلمِ منهم:
الخطيبُ البغدادي في "تاريخ بغداد" (12/187) وابنُ القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" (2/1147) والسخاويُّ في "المقاصد الحسنة" (ص31) والشوكانيُّ في "الفوائد المجموعة" (ص139) والصغاني والعجلونِي في "كشفِ الخفاء" (1/361) .
والألباني في "السلسلة الضعيفة" (1/278) حديث رقم (147) .
وليس معنى ضعف الحديث أن الطلاق مباح لا يكرهه الله سبحانه وتعالى، بل الطلاق مكروه إلى الله، لا يباح إلا للحاجة.، فليس للرجل أن يطلق امرأته من غير سبب يبيح ذلك.
قال شيخُ الإسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله:
" الأصلُ في الطلاقِ الحظرُ، وإنما أبيحَ منه قدرَ الحاجةِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (33/81) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الأصل في الطلاق الكراهة، والدليل: قوله تعالى في الذي يؤلون من نسائهم (أي يحلفون ألا يجامعوا مدة أربعة أشهر) : (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وهذا فيه شيء من التهديد، لكن في الفيء (أي الرجوع) قال: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله عز وجل، وأن الأصل فيه الكراهة، وهو كذلك " انتهى.
"الشرح الممتع" (10/428) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1439)
هل تَطْلق أمرأته أم أولاده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من بعض العامة أنّ أم الأولاد لا تَطْلق فهل يصح هذا وهل قال به أحد من أهل العلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام من الهذيان وليس له أصل في الشرع ولا أظن عالماً أو طالب علم يفتي بمثل هذا الباطل وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الرجل إذا طلق زوجته صغيرة أو متوسطة العمر أو من القواعد في طهر لم يمسها فيه أو حاملاً قد تبين حملها أنها تطلق قال تعالى في المطلقات ذوات الحيض: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} .
وقال تعالى في المطلقات اللاتي انقطع عنهن الحيض {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ ... } وقال بعد ذلك في المطلقات ذوات الحمل: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ... } .
فإن كانت الطلقة الثالثة فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وإن كانت الأولى أو الثانية فيشهد شاهدين ويراجعها وقد روى أبو داود في سننه من طريق يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين سُئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة. أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تَعُدْ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان العلوان - حفظه الله -(6/1440)
الشك في عدد الطلقات
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص طلّق زوجته، ولكنه غير متأكد من عدد الطلقات هل هي مرتين أم ثلاث، فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا شكّ الزوج في وقوع أصل الطلاق، أو شكّ في عدده، فليبن على اليقين. وعلى هذا إذا شكّ هل طلّق أم لا؟ فالأصل عدم وقوع الطلاق؛ لأن النكاح أمر متيقّن، والطلاق مشكوك فيه. ومن القواعد المقرّرة أن اليقين لا يزول بالشك. وإذا شكّ هل طلّق واحدة أو اثنتين فليجعلها واحدة؛ لأن هذا هو المتيقّن.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ / د. خالد بن علي المشيقح.(6/1441)
لا يجوز إجبار الزوجة على التنازل عن حقوقها قبل طلاقها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في إجبار الزوجة على التنازل عن حقوقها قبل طلاقها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل للزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئاً إلا إذا طابت به نفسها، ومنه مال مهرها إلا إن جاءت بفاحشة مبينة؛ لقول الله عز وجل: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) النساء/4. ولقوله عز وجل: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء/19.
قال ابن قدامة:
وأجمعوا على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قِبَلها، وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قِبَله وخالعتْه: فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل له ما صنع ولا يجبر على رد ما أخذه!
قال ابن المنذر: وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أجمع عليه عامة أهل العلم. " المغني " (3 / 137) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (32/283) :
فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيِّق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة: كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله، وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو فيعينونه عليه، فإن تبيَّن لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه: فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه اهـ.
ومعنى الفاحشة المبينة المذكورة في قوله تعالى: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء/19، الزنا وعدم العفة، وسوء العشرة كالكلام الفاحش وأذيتها لزوجها. انظر: "تفسير السعدي" (ص 242) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1442)
هل له أن يراجع زوجته بعد انتهاء عدتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل والمرأة أن يرجعا إلى زواجهما مرة أخرى إذا كانا قد انفصلا بالطلاق منذ فترة طويلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية، فإن كانت قد انتهت عدّتها فإنها تَبِين منه، وتصير أجنبية عنه ولا تعود إليه إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية (انظر سؤال رقم 2127) ،
وأما إذا طلق زوجته الطلقة الثالثة فإنها تصير محرَّمة على زوجها الأول حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة شرعي بوطء، والدليل على ذلك من القرآن قول الله عز وجل: {الطلاق مرَّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} البقرة / 229 إلى قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} البقرة /230، والطلاق الأخير المقصود به الطلقة الثالثة عند أهل العلم كافة.
ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيَّ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ.
رواه البخاري (4856) ومسلم (2587) .
ومعنى " بَتَّ طلاقي ": أي: طلقني طلاقاً حصل معه قطع عصمتي منه، وهي الطلقة الثالثة.
وقوله عليه الصلاة والسلام " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ": كناية عن الجماع.
قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْمُطَلَّقَة ثَلاثًا لا تَحِلّ لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره , وَيَطَأهَا ثُمَّ يُفَارِقهَا , وَتَنْقَضِي عِدَّتهَا. فَأَمَّا مُجَرَّد عَقْده عَلَيْهَا فَلا يُبِيحهَا لِلأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ جَمِيع الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ.
" شرح مسلم " (10 / 3) .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1443)
حلف عليها بالطلاق ألا تذهب إلى أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[حلف علي زوجي بالطلاق ألا أذهب إلى أهلي، وهو الآن تراجع فهل عليه كفارة يمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المشروع للمسلم اجتناب استعمال الطلاق فيما يكون بينه وبين أهله من النزاع، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة. وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق. . . وهكذا. وهذا نوع تلاعب بكتاب الله، وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب الله، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَقْتُلُهُ. قال الحافظ: رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في غاية المرام (261) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) . فإذا أرد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة / 89. ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى: لا تكثروا الحلف بالله.
أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل: علي الطلاق أن تفعل كذا أو علي الطلاق ألا تفعل أو إن فعلت فامرأتي طالق أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ فتاوى المرأة المسلمة (2/753) .
ثانياً: أما وقوع الطلاق بذلك أو عدم وقوعه، فالمرجع في ذلك إلى نية الزوج، فإن كان أرد الطلاق وقع الطلاق إذا فعلت زوجته ما حلف عليها ألا تفعله. وإذا لم ينو الطلاق وإنما نوى منعها فقط فهذا حكمه حكم اليمين.
قال الشيخ ابن عثيمين:
الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم / 1-2. فجعل الله تعالى التحريم يميناً. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) البخاري (1) ، وهذا لم ينو الطلاق وإنما نوى اليمن أو نوى معنى اليمين فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين، هذا هو القول الراجح اهـ
فتاوى المرأة المسلمة (2/754) .
وسئلت اللجنة الدائمة عمن قال لزوجته: علي الطلاق تقومين معي، ولم تقم معه. فهل يقع بذلك طلاق؟
فأجابت:
إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (20/86) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1444)
زوج يجبر امرأته على إسقاط الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في زوج حاول إجهاض زوجته في شهرها الثاني لرغبته في تطليقها بإعطائها دواء لذلك رغماً عنها إلا أنه لم يتم إجهاضها؟ وهل ذلك حلال أم حرام؟ وما هي كفارة ذلك العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إجهاض الحمل لا يجوز، سواء نفخت فيه الروح أم لا، غير أنه بعد نفخ الروح فيه تحريمه أشد.
ومن أمرها زوجها بالإجهاض فلا يحل لها أن تطيعه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
أما السعي لإسقاط الحمل فلا يجوز ذلك ما لم يتحقق موته فإن تحقق ذلك جاز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (11 / 151) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه.
والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل.
وكونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذراً لإسقاط الحمل.
ثانيًا: إذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضته بعد ذلك ومات: فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية: فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها.
" المنتقى " (5 / 301، 302) . باختصار.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحمه الله -:
عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإثم عليَّ، فإذا فعلتْ هذا وسمعتْ منه، فما يجب عليهما من الكفارة؟ .
فأجاب:
إن فعلتْ ذلك: فعليهما كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين وعليهما غُرَّةٌ عبدٌ أو أمَةٌ لوارثه الذي لم يقتله، لا للأب فإن الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئًا اهـ.
وقوله: (غُرَّةٌ عبدٌ أو أمةٌ) هذه هي دية الجنين، قيمة عبد أو أمة، ويقدرها العلماء بعشر دية أمه.
وقد سبق ذِكر حكم الإجهاض في أكثر من جواب فانظر: (13317) و (42321) و (12733)
وأما كفارة ذلك، فحيث إن الحمل في الشهر الثاني أي قبل نفخ الروح فيه، ولم يتم إسقاطه فلا تجب بذلك كفارة، وإنما تجب التوبة إلى الله تعالى من هذا الفعل المحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1445)
يعاني من الوسواس وحلف أيماناً كثيراً وحنث فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[موسوس عقد أيمانا متعددة ألا يكرر العمل ثم حنث وقد تراكمت عليه أيمان وعهود كثيرة الله أعلم بعددها وهو يعاني من الوسواس كيف يكفر ما مضى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من حلف أيمانا متعددة، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها، فله حالان:
الأول: أن تكون الأيمان على شيء واحد، كأن يقول: والله لا أشرب الدخان، ثم يحنث ولا يكفر عن يمينه، ثم يحلف مرة أخرى أنه لا يشرب الدخان ثم يحنث.. فهذا تلزمه كفارة واحدة.
والثاني: أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة، كقوله: والله لا أشرب، والله لا ألبس، والله لا أذهب إلى مكان كذا، ثم يحنث في الجميع، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات بعدد الأيمان؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فالجمهور على تعدد الكفارة، والحنابلة على أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة، لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتداخل.
وينظر "المغني" (9/406) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟
فأجاب: عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) الآية من سورة المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة.
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) .
ثانيا:
إذا كان المسئول عنه موسوسا، وقد حلف هذه الأيمان تحت تأثير الوسوسة، من غير قصد ولا إرادة ولا رغبة في الحلف، فلا شيء عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق) . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق" انتهى، نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/277) .
وإذا كان هذا في الطلاق، فاليمين من باب أولى، لأن أمر النكاح أعظم من أمر اليمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1446)
حكم الطلاق عن طريق البريد الالكتروني
[السُّؤَالُ]
ـ[تم الطلاق الأول عن طريق البريد الإلكتروني، وأُرسل للزوجة والأب والعم، فهل هذا طلاق صحيح أم يجب أن يكون على ورقة موقعة؟ وهل يمكن الحصول على الطلاقين الآخرين حالاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المعلوم في الشرع أن الطلاق يقع بمجرد النطق به أو بالكتابة أو بالإشارة التي تقوم مقام النطق – انظر جواب السؤال (20660) -، وهذا فيما بين الزوج وبين ربِّه تعالى في حال لم يسمعه أحد، وقضية الطلاق عبر البريد الإلكتروني ليست المشكلة فيها من حيث وقوع الطلاق، فإن الزوج إذا كتب طلاق امرأته وقع الطلاق بمجرد الكتابة، لكن المسألة هنا في ثبوت هذا الطلاق وتوثيقه.
والظاهر: أنه يقع طلاق الزوج لزوجته عن طريق البريد الالكتروني إذا ثبت على وجه القطع أن الذي بعث بالرسالة التي تتضمن الطلاق هو الزوج أو من وكله الزوج في الطلاق واعترف بذلك ولم ينكره.
أما إذا لم يثبت ذلك، ولم يعترف الزوج به: فإنه لا عبرة بهذه الرسالة، ولا يقع الطلاق في هذه الحالة، إذ من المعلوم لدى المشتغلين في هذه الوسائل أنه يمكن سرقة البريد الإلكتروني وتوجيه رسائل من خلاله، فالجزم بأن المرسل هو الزوج قد لا يكون صحيحاً.
فالواجب التثبت والتأكد من الزوج، وعدم الاعتداد بالطلاق إلا بعد إقراره من قبل الزوج، فإن أقرَّ به فإن العدَّة تبدأ من وقت نطقه بالطلاق أو كتابته للرسالة.
ثانياً:
لا يمكن إيقاع الطلقتين الباقيتين حالاً، فإن الطلاق يقع مرة بعد مرة، وقد قال تعالى:
(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) ـ أي الرجعي ـ ولم يقل طلقتان، إشارة إلى أنه لا يقع إلا مرة بعد مرة لكل مرة عدتها. وإذا كانت الطلقة الأولى قد حسبت: فإننا ننظر خلال العدة: فإن أرجعكِ خلالها: فالطلقة محسوبة من عدد الطلقات، وعليه الإشهاد على ذلك، وإن لم يُرجعكِ خلالها: فإنكِ تبينين منه بمجرد انتهاء العدة، ولا يحل له الرجوع إليكِ إلا بعقدِ ومهرٍ جديدين، ويكون خاطباً أجنبيّاً كباقي الخطَّاب، ولا يتم الزواج إلا برضاك وموافقة وليِّكِ.
وهكذا يقال في الطلقة الثانية، فإن أرجعك خلالها فأنت زوجته، فإن طلَّق الثالثة حرمتِ عليه حتى تنكحي زوجاً غيره نكاحاً شرعيّاً ليس المقصود منه إرجاعك لزوجك الأول، ويكون دخول شرعي، فإن حصل طلاق من الزوج الثاني حللتِ للأول بعد انتهاء العدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1447)
طلق امرأته بناء على اتهام كاذب
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل خلاف بيني وبين زوجتي وشككت في عفتها وشرفها، فطلقتها لذلك، ثم عرفت بعد ذلك أن هذه الاتهامات كاذبة، ولا أساس لها من الصحة. فهل هذا الطلاق واقع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت لم تطلق امرأتك إلا بناء على هذا السبب ثم تبين لك أنها بريئة من هذا، فلا يقع الطلاق، لأنه كان مبنياً على سبب، ثم تبين عدم وجود هذا السبب. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب، وأفتى به من المعاصرين الشيخان: محمد بن إبراهيم وابن عثيمين رحمهم الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولو قيل: زنت امرأتك، أو خرجت من الدار، فغضب، وقال: فهي طالق، لم تطلق , وأفتى به ابن عقيل، وهو قول عطاء بن أبي رباح، وقريب منه ما ذكره ابن أبي موسى , وخالف فيه القاضي، إذا قال لامرأته: أنت طالق أن دخلت الدار، بفتح الهمزة (أي: لأجل أنك دخلت الدار) أنها لا تطلق إذا لم تكن دخلت، لأنه إنما طلقها لعلة فلا يثبت الطلاق بدونها " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5/495) .
وانظر: قواعد ابن رجب الحنبلي (ص 323) .
وقال الشيخ محمد إبراهيم رحمه الله:
" فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن طلاقك لزوجتك، وتذكر أنك سمعت عنها نبأ فغضبت وطلقتها بالثلاث، وبعد ذلك أصبح النبأ كاذباً، وثبت أنه عارٍ عن الحقيقة. وتسأل هل يقع الطلاق المذكور، أم لا؟ لأنها أصبحت بريئة عما أذيع عنها؟
والجواب: الحمد لله. إذا كان الحال كما ذكر وأنك لم تطلقها إلا بناء على هذا النبأ المكذوب، فالصحيح من أقوال العلماء أن الطلاق لا يقع لاعتبار القصود في العقود، وعلى هذا فالطلاق لاغٍ، والمرأة حلال لك بالعقد الأول، فلا يحتاج إلى مراجعة ولا عقد جديد " انتهى.
"فتاوى محمد بن إبراهيم" (11/السؤال رقم 3159) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/245) :
" من بنى قوله على سبب تبين أنه لم يوجد فلا حكم لقوله، وهذه قاعدة لها فروع كثيرة، من أهمها:
ما يقع لبعض الناس في الطلاق، يقول لزوجته مثلاً: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، بناءً على أنه عنده آلات محرمة مثل المعازف أو غيرها، ثم يتبين أنه ليس عنده شيء من ذلك، فهل إذا دخلت تطلق أو لا؟
الجواب: لا تطلق، لأنه مبني على سبب تبين عدمه، وهذا هو القياس شرعاً وواقعاً " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1448)
ما هي علاقة المرأة بمن طلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الخروج مع طليقي في صحبة أولادنا على فترات متباعدة - وذلك لكي يجتمعوا بوالديهم مثل كل الأطفال، وذلك في الأماكن العامة - وهو لا يصلي؟ وهل إنفاقه عليهم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها، فإنها تصبح أجنبية عنه، ولا يحل له الخلوة بها، ولا لمسها، ولا النظر إليها.
وعلاقة المطلِّق بمطلقته كعلاقته بأي امرأةٍ أجنبيَّة أخرى، وليس وجود الأولاد بينهما بمسوغ للنظر والخلوة والسفر معها، ويمكنه أن يخرج مع أولاده دون وجودها، أو أنها تحضر مع أحدٍ من محارمها، من غير وقوع في محذورٍ شرعي مما ذكرنا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية وليس له عليها حكمٌ أصلاً.
" الفتاوى الكبرى " (3 / 349) .
وأما قبول نفقة الوالد المطلِّق على أبنائه فلا يُمنع منها ولو كان لا يصلي، وعليها تذكير أبنائها بضرورة نصيحة والدهم بالصلاة، لعل الله أن يهديه بهذه النصيحة.
وإن خشيت الأم على أولادها من والدهم الكافر بحيث يؤثر على أخلاقهم أو يوقعهم فيما حرم الله، فلا يجوز لها أن تسمح لهم بالخروج معه، لأن خروجهم معه ضرر عليهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1449)
نطق الطلاق بالثلاث فكتبها القاضي طلقة واحدة وانتهت العدة ويرغب بإرجاعها
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي قبل حوالي ثمان سنوات، وعند طلب القاضي الشرعي بتسجيل الطلاق قلت: أطلق زوجتي فلانة بنت فلان بالثلاث، وأنا بذلك مدرك لما كتبت ورجل متعلم، لكن عند كتابة الصك قام الكاتب بكتابة الطلقة الأولى، وبذلك جعل عند زوجتي الأمل في إرجاعها فلم تتزوج حتى الآن. وأنا الآن أرغب في مراجعتها وكذلك أهلها يرغبون في ذلك. فهل أخالف ذمتي وأمشي على ما كتب في الصك أم أمتنع عن ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم مَنْ طلّق امرأته ثلاثاً بلفظ واحد، كما قال: (هي طالق بالثلاث) فذهب أكثر العلماء إلى أنه يقع ثلاثاً، وذهب آخرون إلى أنه يقع واحدة.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
رجل طلق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة، فما الحكم؟ .
فأجاب:
إذا طلق الرجل امرأته بالثلاث بكلمة واحدة كأن يقول لها " أنت طالق بالثلاث "، أو " مطلقة بالثلاث " فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها تقع بها الثلاث على المرأة، وتحرم على زوجها بذلك حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ويطأها ثم يفارقها بموت أو طلاق.
واحتجوا على ذلك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمضاها على الناس.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها تعتبر طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة فإن خرجت من العدة حلت له بنكاح جديد، واحتجوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم "، وفي رواية أخرى لمسلم " أن أبا الصهباء قال لابن عباس رضي الله عنهما: ألم تكن الثلاث تجعل واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وثلاث سنين من عهد عمر رضي الله عنه؟ قال: بلى "، واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد في المسند بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا ركانة طلَّق امرأته ثلاثاً فحزن عليها فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنها واحدة "، وحملوا هذا الحديث والذي قبله على الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة جمعاً بين هذين الحديثين وبين قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) البقرة/229، وقوله عز وجل: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة/230 الآية.
وذهب إلى هذا القول: ابن عباس رضي الله عنهما في رواية صحيحة عنه، وذهب إلى قول الأكثرين في الرواية الأخرى عنه، ويروى القول بجعلها واحدة عن علي وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعا.
وبه قال جماعة من التابعين ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة وجمع من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، وهو الذي أفتي به؛ لما في ذلك من العمل بالنصوص كلها؛ ولما في ذلك أيضاً من رحمة المسلمين والرفق بهم.
" فتاوى إسلامية " (3 / 271، 272) .
والذي يظهر أن القاضي الشرعي ذهب إلى هذا القول، وهو أن طلاق الثلاث يقع واحدة، وعلى هذا فلا حرج من إرجاعها.
ولكن بعد انتهاء العدة لا رجعة لك عليها، وإنما تعقد عليها عقداً جديداً.
قال الشيخ ابن عثيمين:
... وأما إذا كانت المراجعة بعد تمام العدة - أي: بعد أن حاضت ثلاث مرات -: فإن هذه المراجعة ليست بصحيحة؛ لأن المرأة إذا تمت عدتها صارت أجنبية عن زوجها، ولا تحل له إلا بعقد جديد.
" فتاوى إسلامية " (3 / 293) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1450)
التوقيع على ورقة الطلاق هل يعتبر طلاقا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قُدم نموذج رسمي من المحكمة للزوج مكتوب فيه طلقت زوجتي، فوقع عليه الزوج. فهل يعتبر طلاقا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم هو طلاق إذا كتب في النموذج اسم الزوجة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن جبرين(6/1451)
طلاق الزوجة سيئة الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أخو زوجتي له زوجة تسيء الأدب مع والدته وتهينها ودائماً تتصل الأم على زوجتي وتبكي بسبب تصرفاتها، هي الابنة الوحيدة وهو الولد الوحيد، بعد عدة شكاوى ومناقشات اتصلوا على أهل الزوجة واشتكوا من تصرفات ابنتهم ولكن لا جدوى فلم تتغير المعاملة ثم قرروا أن يتم الطلاق وطلقها. هل هذا التصرف صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الطلاق أنه مكروه، ويدل لذلك قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} فقال في الفيئة {غفور رحيم} وقال في الطلاق {سميع عليم} وهذا فيه شيء من التهديد، فدل هذا على أن الطلاق مكروه عند الله تعالى.
ولكن قد تعرض حالات تجعل الطلاق أمرا لابد منه، بل قد يصل الأمر إلى وجوب الطلاق، وفي مثل الحالة التي ذكرها السائل، فإن الطلاق ربما يكون حلا مناسبا، ذلك أن من حقوق الزوج على زوجته أن توقر أهله وتحترمهم، لاسيما والدة الزوج، فإن حق الأم على الرجل مقدم على حق زوجته، فينبغي أن تكون الزوجة عوناً لزوجها على بر والدته.
فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الطلاق يكون مباحاً (عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض بها) المغني 10 / 324
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1452)
تريد الطلاق وهو لا يريد أن يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت وهي متزوجة، ولكن زوجها لم يدخل عليها بعد، كل شيء كان على ما يرام إلى أن قالت أختي فجأة إنها لم ترغب المعيشة مع زوجها لأنها أصبحت لا تحبه، وهما لم يعيشا مع بعضهما في بيتهما كزوج وزوجة، لما سمع زوجها هذا الكلام منها ثار ولم يرد طلاقها، وأختي مصرَّة أنها لا تريد المعيشة معه وهو مصر أن لا يطلقها، ونحن نقول لها إنها لا تستطيع الطلاق منه بدون سبب شرعي بالحجة، ولكن هي تقول إنه سريع الغضب، ويفشي الأسرار، مع العلم أنها لم تعش معه في بيت واحد، وزوجها يعترف بذلك ويقول إنه سيصلح نفسه. فما هو الحل الشرعي لهذه المسألة الصعبة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الزوج يعطي زوجته حقوقها الشرعية، فحرام عليها طلب الطلاق لقوله عليه الصلاة والسلام: " أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومعنى قوله: " في غير ما بأس ": أي الشدّة المُلْجِئة إلى الطلاق.
فإذا تضررت الزوجة، واشتد عليها الحال لتقصير الزوج في حقها، ومنعه لحقوقها أو لسوء أخلاقه ونحو ذلك من الأسباب: فلها أن تطلب الطلاق، وترفع إلى القاضي وتشرح له الأمر وهو بدوره يطالب الزوج بأداء حقوقها أو أن يطلقها.
وإن اكتشفت فيه أخلاقاً سيئة فإنها لا تتعجل بطلب الطلاق بل عليها أن تتودد له، وتنصحه بالتي هي أحسن، وتعينه على تغيير أخلاقه إلى ما هو أفضل، وهو معترف بما هو عليه ووعد بإصلاح نفسه، وهذه خطوة إيجابية من الزوج وهي الخطوة الأولى في معالجة الأخطاء، فينبغي للمرأة أن تكون عوناً لزوجها على الخير، ولو أن كل امرأة أرادت الطلاق لسرعة غضب زوجها، أو لنقله كلاماً دار بينه وبين زوجته، أو ما شابه ذلك من الأخطاء لما بقي بيتٌ إلا وتفرق أهله وتشتت أبناؤه.
ولزيادة البيان: انظر جواب السؤال (3758) و (12496) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1453)
مشاكل بسبب مرض الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج أخي من امرأة تعاني من مرض (ضمور في شبكية العين) ولم يعلم عن مرضها شيئاً إلا قبل شهرين، وكل ما كان يعرفه أن نظرها ضعيف، ثم تم الزواج، وهو الآن متردد في الانفصال عنها لإحساسه بعد مقدرتها على تربية أولاده إذا هي أنجبت.
وهو في خلاف مستمر مع والدتها لسوء ألفاظها، ويعتقد أنها سحرته ليتزوج ابنتها، وهو الآن لا يملك أعصابه أغلب الأوقات ويقوم بضرب زوجته، وقذفها بألفاظ قبيحة. أرجو الرد بالإفادة بما فيه الصالح لهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته من إصابتها بضمور في شبكية العين، ليس من العيوب التي ذكرها الفقهاء أنها توجب الخيار للزوج بفسخ عقد النكاح، وبعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ورجحه الشيخ ابن عثيمين يرون: أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " زاد المعاد 5/163، فعلى هذا يثبت الخيار بكل عيب يذهب مقصود النكاح من المودة والوطء وحصول الولد ونحو ذلك.
لكن أخاك قد علم بهذا العيب بعد ذلك، وصدر منه ما يدل على الرضا به، وهو إكماله لمعاشرتها، وعدم التعجيل بالفسخ، وهذا يوجب عند الفقهاء الرضا، وأنه لا يحق له فسخ النكاح.
لكنك تعلم أن الطلاق من حق الرجل، فله أن يطلق زوجته إذا رأى أن حياته معها لا تستقيم، وأنه لا يحس معها بالألفة والسكينة، التي هي أساس النكاح.
والذي ينصح به في مثل هذه الحال، هو الصبر على تلك الزوجة، ومحاولة حل المشاكل، فإذا كانت أمها سببا رئيسا للمشاكل، فمن الأفضل الابتعاد عنها، والسكن في سكن آخر، إن كان أخوك يسكن في نفس السكن أو قريبا منها، والاكتفاء بصلتها بالهاتف والزيارات القليلة ونحو ذلك، وإذا كان سوء خلق الزوجة سببا للمشاكل، فعلى أخيك أن يراجع نفسه، وطريقة معاملته لزوجته، فقد يكون أسلوبه في التعامل معها، وكثرة ضربها وسبها سببا لسوء خلقها، وعليه أن يستعين بأهل الخبرة في ذلك، وأن يحاول بشتى الوسائل إيجاد الحلول لكل مشكلة.
قال تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19
فإن تكاثر عليه الأمر، ووجد أنه لا سبيل إلى حل المشاكل، أو لا سبيل من جهته إلى الأنس بزوجته والعيش معها، فلا حرج عليه في طلاقها، وسيكون المهر في هذه الحال من حقها لدخوله بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1454)
حَدَّث نفسه بطلاق زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث خلاف بيني وبين زوجتي على غسل الملابس فأنا أريد أن تغسل وهي لا تريد، وبعد جدال وصياح تركتها وذهبت إلى غرفة أخرى وحدثت نفسي بأن أقول لها: (بتكوني طالق إذا بتغسلي هذا الشهر، أنا بدي أغسل) . ولم أبلغها بما حدثت به نفسي. ولم يكن ذلك بصوت عالٍ , حتى لم أكد أسمعه أنا , وحدث ذلك لكي أوقفها عن الجدال في أمر الغسيل لأنها كثيرة الجدال ولم أقصد بذلك الطلاق بل التخويف. وكل ذلك حدث في لحظة غضب. فإن غسلت فهل يقع طلاق أم يكون هنالك يمين فقط؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطلاق لا يقع بمجرد تحديث النفس به، أو التفكير فيه، أو العزم عليه، ما لم تتلفظ به.
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به) . رواه البخاري 6664، ومسلم 127.
قال ابن قدامة رحمه الله: (وجملة ذلك أن الطلاق لا يقع إلا بلفظ , فلو نواه بقلبه من غير لفظ , لم يقع في قول عامة أهل العلم ; منهم عطاء , وجابر بن زيد , وسعيد بن جبير , ويحيى بن أبي كثير , والشافعي , وإسحاق. وروي أيضا عن القاسم , وسالم , والحسن , والشعبي) انتهى من المغني 7/294.
وقولك: (ولم يكن ذلك بصوت عالٍ , حتى لم أكد أسمعه أنا) يفهم منه أنك تلفظت بهذا الكلام بصوت منخفض، فإن كان الأمر كذلك، فما صدر منك يعتبر من الطلاق المعلق على شرط، وهو غسل الملابس. وقد ذكرت أنك لا تريد طلاقها، بل تخويفها فقط. وعلى هذا يكون حكم هذا الطلاق حكم اليمين، فإن هي غسلت ملابسك فعليك كفارة يمين، ولا يقع بذلك طلاق. كما أفتى بذلك الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله. انظر: فتاوى إسلامية (3/280-285) .
وكفارة اليمين هي المذكورة في قول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89. راجع السؤال رقم (9985) .
وهذا كله مبني على أن هذا الكلام قد تلفظت به، ولم يقتصر الأمر على حديث النفس.
وإخراجك كفارة اليمين أولى وأحوط.
وخلاصة الجواب:
أنك إن كنت لم تتلفظ بالطلاق، ولم تحرك به لسانك فلا شيء عليك.
أما إن كنت تلفظت به ولو بصوت منخفض فهذا حكمه حكم اليمين لأنك أردت منعها ولم ترد إيقاع الطلاق.
وسواء علمت المرأة بما حدث أم لم تعلم لا يغير ذلك من الحكم شيئاً.
وعلى المسلم أن يتجنب أمر الطلاق، تفكيرا أو عزما أو تلفظا، لما في ذلك من تعريض البيت المسلم للانهيار لأتفه الأسباب.
والله تعالى المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1455)
لا يشترط في الطلاق علم الزوجة أو مواجهتها به
[السُّؤَالُ]
ـ[تم طلاقي قبل 3 سنوات، وتمت الإجراءات عن طريق محامٍ، رفض زوجي السابق التناقش ولذلك فقد تمت اتفاقية بيننا، الذي أود أن أعرفه أنه حتى الآن لم يوجه لي كلمة الطلاق وقال لي البعض بأنه يجب أن يقولها لي شفوياً، أرجو أن توضح لي فهذا الأمر يؤرقني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط في الطلاق أن يتلفظ الزوج به أمام زوجته ولا أن تعلم به. فمتى تلفظ الرجل بالطلاق أو كتبه فإنه يعد طلاقاً صحيحاً واقعاً، ولو لم تعلم به الزوجة.
فإذا كان زوجك قد أتم إجراءات الطلاق عند محامٍ فإن هذا الطلاق صحيح وواقع. راجعي الأسئلة: (9593) ، (20660) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
رجل غاب عن زوجته مدة طويلة، وقد طلقها بينه وبين نفسه، ولو لم يخبرها بذلك، فهل يقع الطلاق؟
فأجاب:
الطلاق يقع، وإن لم يبلغ الزوجة فإذا تلفظ الإنسان بالطلاق وقال: طلقت زوجتي، طلقت الزوجة سواء علمت بذلك أم لم تعلم ولهذا لو فرض أن هذه الزوجة لم تعلم بهذا الطلاق إلا بعد أن حاضت ثلاث مرات فإن عدتها تكون قد انقضت مع أنها ما علمت، وكذلك لو أن رجلاً توفي ولم تعلم زوجته بوفاته إلا بعد مضي العدة فإنه لا عدة عليها حينئذ لانتهاء عدتها بانتهاء المدة اهـ.
فتاوى ابن عثيمين (2/804) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1456)
كتب رسالة طلاق لزوجته على أن يرسلها آخر الشّهر
[السُّؤَالُ]
ـ[أصرت زوجته على الطلاق، فقال فكري مدة شهر فلم تتراجع وسافرت، فلما قارب الشهر على النهاية، كتب رسالة طلاق على أن يرسلها لها إذا انتهى الشهر بالضبط، فاتصلت قبل نهاية الشهر بيوم، وقالت أريد الرجوع، فهل يكون الطلاق قد وقع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله.
هذا حسب نيته، إن كانت نيته أنه قد أوقع الطلاق فقد وقع، ولكن الظاهر أنه لا يريد إيقاع الطلاق حتى انتهاء الشهر وعلى هذا فلا يقع. انتهى والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1457)
طلّقت في الخارج ولم تعترف الجهة الرسمية بورقة الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم تزوج مسلمة في مسجد في ألمانيا ثم طُلقت وحصلت على ورقة الطلاق، عندما أرادت أن تتزوج مسلماً آخر في بلد عربي رفضت مصلحة الزواج في البلد العربي الاعتراف بورقة الطلاق لأنها لم تشتمل على اسمي الشاهدين.
المسجد الذي تم فيه الزواج في ألمانيا لم يعد موجوداً، وزوجها الأول سافر بعيداً ولا تعرف عنوانه فماذا تفعل لكي تتمكن من الزواج مرة ثانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
نعم تستطيع أن تتزوج بغير طريق المركز الإسلامي لكن لابد أن يزوجها وليّها (مع بقيّة شروط النّكاح أنظر سؤال رقم 2127) ، والشرط الآخر أن تكون انتهت عدتها. والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1458)
قال أنا لا أعتبر زوجتي على ذمتي
[السُّؤَالُ]
ـ[قال أحد الأشخاص: إنه لا يعتبر زوجته على ذمته؟ فهل يعتبر هذا طلاقا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجابنا بأنّ هذا اللفظ ليس صريحا بالطّلاق، فلا بدّ فيه من العودة إلى نية المتكلّم، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1459)
طلقها غاضباً ثلاث مرات
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج صديقتي كان غضبان جداً وقال طلقتك ثلاث مرات لأنه كان شاكاً بها. عندما كان مغادراً طلقها وفي نفس الوقت قال لها فقط إذا كنت تحبيني ارجعي لي.
صديقتي غضبانة جداً ولا تدري ما تفعل، هل الطلاق قائم؟ أرجو الإجابة بالتوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طلاق الغضبان إذا وصل إلى حد لا يعي ما يقول بحيث يدخل صاحبه في حيز المجانين فهو لا يقع، أما إذا كان يعي ما يقوله فإنه واقع فإذا طلقها ثلاث مرات فإنها لا تحل له إلا إذا نكحها غيره.
إما إذا شك في وقوع الطلاق هل تلفظ به أو لا فإنه لا يقع لأن الأصل أنها في عصمته فلا تطلق إلا بيقين.
ومجرد المحبة بين الزوجين ليس مبرراً لرجوعها إليه بعد الطلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1460)
من تسبب بطلاق امرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تزوج بغير علم والديه وزوجته، وظنوا أن الزوجة ليست من آهل السنة، فأصرت أمه على أن يطلقها، وحضت والده على إجباره على طلاقها فطلقها الرجل استجابة لهما، ثم ندمت الأم على طلبها منه ذلك، فتسأل هل عليها إثم من عملها ذلك، وما هي الكفارة إن كان عليها إثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فطلاق المرأة من غير عذر لا يجوز على الصحيح لأنه ظلم للمرأة، وهدر لنعمة الزوجية من غير سبب، وتضييع للأسرة التي امتن الله تعالى على بني آدم بها في قوله: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم/21 وطاعة الوالدين تكون بالمعروف مما يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز طاعتهما فيما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لأحد في معصية الله تعالى، إنما الطاعة في المعروف) رواه الشيخان عن علي رضي الله عنه، وقال عز وجل: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ) لقمان /15
وليس على الأم أو الأب كفارة وإنما عليهما التوبة والاستغفار، ومحاولة إصلاح الأمر وجمع الشمل مرة أخرى، ولهما في ذلك الأجر والثواب، قال عز وجل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيماً) النساء /114 والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل / محمد المحمود النجدي ص59(6/1461)
طلقها ولم يستخرج لها ورقة الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقها زوجها وانتهت العدة ولم تستطع الإتيان بورقة من مركز إسلامي ولا اثبات الطلاق في محكمة البلد الذي انتقلت إليه، فهل يجوز لها الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
تطالب في البلد الذي انتقلت إليه بالفسخ نظرا لغياب زوجها وعدم ارسال النفقة، والفسخ يقوم مقام الطلاق. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(6/1462)
قيل له أن زوجته عادت لعلاقات محرمة سابقة فطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[طلق صديقي زوجته في شهر رمضان هذا، وكانت زوجته في الشهر الخامس من الحمل. وكان سبب الطلاق أن زوجته كان لها صديق قبل الزواج، وأن شخصا ما قال إنها كانت تقابل صديقها القديم حتى بعد أن تزوجت. وقد طلقها للسبب أعلاه وتحت ضغوط من والديه.
فهل كان ذلك الفعل صحيحا؟ وهل يقبل الله بذلك العمل؟ وماذا عن الجنين الذي لا يزال في رحم أمه؟ وماذا سيكون وضعه/وضعها في المستقبل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته ـ رعاك الله ـ من سؤال له عدة جوانب:
أولاً: ما ذكرت من طلاق صديقك لزوجته في فترة الحمل فإنه واقع بإجماع أهل العلم لحديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً) فدل ذلك على أن طلاق الحامل واقع (فتاوى الطلاق لابن باز 1/45) .
ثانياً: أما عن السبب الذي دعاه إلى طلاقها وهو إخبار ذلك الشخص له بمقابلتها لصديقها السابق بعد الزواج فإننا ننصح أمثال هؤلاء الناقلين للكلام بالتثبت قبل نقل أي خبر وأن يكون قصدهم الإصلاح، وكان ينبغي على هذا الزوج أيضا أن يتثبت من صحة ما ورده، وألا يبني الطلاق عليه بلا تثبت قال الله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... ) والإسراع بالطلاق دون تثبت وروية فيه هدرٌ لنعمة الزواج من غير سبب مقنع، وتضييعٌ للأسرة التي امتن الله تعالى على بني آدم بها في قوله: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم/21 فإن ثبت له ما لا يرضاه فليحاول إصلاحها بما له من قوامة عليها، أو يفارقها مع ستره عليها.
ثالثاً:
الزوجة إذا كانت على علاقات سابقة قبل الزواج ثم تزوجت وتابت إلى الله عز وجل وقطعت الصلات المحرمة فلا يجوز تعييرها بذنبها ولا توبيخها على ما مضى لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) ، ولا يجوز فضحها ولا التشهير بها ولا محاسبتها عن الماضي بل يكتم أمرها وسرّها ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.
ومثل هذه الأمور تبيِّن لنا حكمة الشريعة الغراء في النهي عن كل ما يكون سببا للعلاقة غير المرضية بين الرجل والمرأة كالنظر إلى الأجنبية ومصافحتها والخلوة بها ونحو ذلك سواء قبل الزواج أو بعده.
رابعاً:
أما ضغط والدي الزوج عليه لطلاقها من غير تبيُّن لما رُميت به فإن طاعة الوالدين إنما تكون بالمعروف مما يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه الشيخان البخاري (7245) مسلم (1840) والذي أمراه به من الإسراع بطلاقها دون ذنب منها الآن ليس من المعروف.
خامساً:
أما جنينها الذي في بطنها فالقاعدة الشّرعية أنّ الولد للفراش ويتبع الزّوج إلا إذا تبرّأ منه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفرش وللعاهر الحجر) البخاري (2053) مسلم (1457)
أي أنه ينسب إلى الزوج ولا تعتبر الشبهة ولا غيرها خاصة في مثل هذه الحال التي يظهر أن الشبهة فيها بعيدة، والإسلام يتشوف ويرغب في إثبات الأنساب ولذلك فعلى هذا الزوج ألا يفتح على نفسه باب الوسوسة في ابنه الذي ستلده له مطلقته، لأنه ليس عنده دليل على خلاف هذا.
وإن أراد هذا الزوج أن يعود لزوجته بعد هذا الطلاق فإن كانت لا تزال على حملها وكان الطلاق مرة أو مرتين فهي زوجته شرعا لأن عدتها لم تنته لقوله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فله أن يراجعها ويشهد رجلين على أنه راجعها وبذلك تعود زوجة له، وإن كانت قد وضعت حملها وكانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فإن له أن يعود إليها بعقد جديد مكتمل الشروط، وليحذر من مثل هذه الأخبار وليحرص على صون زوجته وحمايتها من مواطن الرَّيَب. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1463)
طلاق الغضبان
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن حادثة حدثت وهي أن أخاً مسلماً قال لامرأته إنه قد طلقها ثلاثاً. ولكن بعد ساعات رجع وقال إنه قد قال ذلك في ساعة غضب. سؤالي يا شيخ: هل من حق هذا الأخ الرجوع إلى زوجته؟ وأريد قراراً مدعماً بالأدلة من الشريعة الإسلامية، علماً بأننا قد سمعنا عدة وجهات نظر في ذلك، ولكن من غير أدلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(الغضب له ثلاثة أحوال:
إحداها: إذا اشتد الغضب حتى يفقد الشعور، ويكون كالمجنون والمعتوه، فهذا لا يقع طلاقه عند جميع أهل العلم، لأنه بمثابة المجنون والمعتوه، زائل العقل.
الحال الثانية: أن يشتد معه الغضب ولكنه يفهم ما يقول ويعقل، إلا أنه اشتد معه الغضب كثيراً، ولم يستطع أن يملك نفسه لطول النزاع أو المسابة والمشاتمة أو المضاربة وقد اشتد الغضب لأجل ذلك، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، والأرجح أنه لا يقع أيضاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في الإرواء (2047) . والإغلاق فسره العلماء بأنه الإكراه والغضب الشديد.
الحال الثالثة: وهي الغضب الخفيف، وهو الذي يحصل منه تكدر من الزوج، وكراهة لما وقع من المرأة، ولكنه لم يشتد معه شدة كثيرة تمنعه من التعقل، والنظر لنفسه، بل هو غضب عادي خفيف فهذا يقع منه الطلاق عند جميع أهل العلم.
هذا هو الصواب في مسألة طلاق الغضبان، بهذا التفصيل، كما حرر ذلك ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما) .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز ص 15-27(6/1464)
يريد مساعدة مطلقة تعقدت بسبب طلاقها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ذنب النساء اللاتي أجبرهم أولياءهن على الزواج بأشخاص دون موافقتهن وهن الآن مطلقات؟
أعرف امرأة وأنا أريد الزواج بها حسب الشريعة، لكن عليها أن تحارب أفكارا سلبية مثل أنها الآن نصف امرأة وأنها امرأة من الدرجة الثانية لأنها مطلقة. تعاملها عائلتها على أنها أمة، وهي لا تستطيع الوثوق في أي رجل بعد ما حدث، فقد كان الخطأ من والديها لأنها لم تكن تريد هذا الزواج أبدا. أنا أريد مساعدتها والزواج بها متى ما منحني الله المساعدة والمقدرة على ذلك. أنا لا أعرف كيف أتصرف حيث أنها تمانع. وأنا أرجو منك مساعدتي لأعينها على التخلص من هذه الأفكار السلبية. لقد أخبرتها بأن ما حدث لها في الماضي لا يسبب مشكلة بالنسبة لي، لكنها تنظر إلى أن والداي قد يعترضان لماضيها. هل يحق لوالدي منعي من الزواج بامرأة مطلقة، وهي الآن طاهرة ومستقيمة وعفيفة؟ أعلم بضرورة موافقتهما على من سأتزوج بها، لكن القرآن لا يعلمنا عن هذه الحالة.
كيف أتمكن من مساعدتها، فأنا مستعد لعمل كل شيء يساعدها على التغلب على ما تعاني منه. أرجو منك المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فلا شك أن الأفضل لك أن تتزوج امرأة يرتضيها أبواك، فإذا أردت مساعدة هذه المرأة بالزواج منها فحاول أن تقنع والديك وتكون مأجوراُ إن شاء الله، وإذا لم يقتنعا فابحث لها عن أخ مسلم يتزوجها ويسترها.
وأما بالنسبة للمطلقة فإنها إذا كانت ذات دين وخلق فهي من الدرجة الأولى وطلاقها لا يؤثر على رتبتها ولا ينقص من قدرها عند الله. فعليها أن تستقيم ولا تتأثر بمثل هذه الظنون الواهية، ونريد أن نلفت نظرك إلى عدم جواز إقامة علاقة مع امرأة أجنبية واتصالك بها حتى لا يكون ذلك سبب لفتنة لها أو لك. ونسأل الله لك ولها التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1465)
مجموعة أسئلة عن الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل ما يعرف في الغرب بالفراق يجوز في الإسلام؟ رجل وزوجته مسلمان ويعيشان في الغرب مع أطفالهم ويفكران جدياً بالطلاق، اقترح عليهما شخص بأن يفترقا أولاً، يذهب الزوج ليسكن في مكان قريب وبما أنهما لا زالا متزوجين فليس هناك مشكلة في حضوره للبيت في أي وقت، وسيبقى يصرف على العائلة من جميع النواحي.
2- متى تنتهي العدة للطلاق الأول؟ هل هي بعد انتهاء الدورة للشهر الثالث أو عند بداية الرابعة؟
3- ما هي الأشياء التي يجوز فعلها أثناء العدة والتي لا تؤثر على عملية الطلاق؟ أعلم أن المعاشرة الجنسية تؤثر ولكن ماذا عن التقبيل والضم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد:
أما السؤال الأول: فالجواب يختلف باختلاف الحال: فإذا كان المقصود من هذا الفعل أن تخف حدة التوتر في العلاقة، ثم يرجعا بعد ذلك معاً، أو أن يجربا الابتعاد، وما سينتج عنه من آثار عليهما وعلى الأولاد حتى يكون ذلك أعون على اتخاذ القرار، وتراضيا على هذا الابتعاد المؤقت؛ فلا بأس بذلك.
وأما إن كان هذا قراراً اتخذاه واقتنعا بانفصال أحدهما عن الآخر بغير طلاق، فيقال: إن أسقطت المرأة حقها الذي يفوت عليها بهذا الانفصال، وتنازل هو أيضا عن حقوقه عليها، ورأيا أن مصلحتهما ومصلحة أولادهما في هذا، وكان المكان الذي تجلس فيه المرأة وأولادها مكانا مأمونا ليس فيه تضييع لهم، جاز ذلك بهذه الشروط. وأما إن احتاجت إلى المعاشرة الزوجية، ولم يكن يريد فعل ذلك، أو خشي أن يحدث منها ما يريب وهي في عصمته، ونحو هذا من الأسباب فليطلقها، ويستمر في النفقة على أولاده. والله أعلم.
وأما السؤال الثاني: فإن عدة المطلقة التي تحيض، وقد دخل بها زوجها وليست حاملا؛ اختلف فيها العلماء قديما وحديثا؛ والذي يرجحه جمع من أهل العلم المعاصرين كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهم أن العدة تنتهي بانتهاء ثلاث حيض، فبمجرد ما تنتهي الحيضة الثالثة تنتهي العدة، وهو قول جمع من كبار الصحابة كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، ونقله ابن القيم عن أبي بكر وأبي موسى وغيرهم. رضي الله عنهم أجمعين. (ينظر فتاوى إسلامية 3 / 310) و (فتاوى الطلاق لسماحة الشيخ ابن باز 193) و (جامع أحكام النساء 4 / 243) .
وأما السؤال الثالث: " فالمطلقة الرجعية لها أن تكشف لزوجها وأن تتزين وتتجمل وتتطيب، ولها أن تكلمه ويكلمها وتجلس معه وتفعل معه كل شيء ما عدا الاستمتاع بالجماع أو مقدماته فإن هذا إنما يكون عند الرجعة " (الشيخ ابن عثيمين: فتاوى إسلامية 3 / 310)
فلو قَبَّل وضَمَّ زوجته وهو ينوي الرجعة صحت الرجعة بلا خلاف بين أهل العلم، وإن لم ينوها فبعض العلماء يرون جوازه باعتبار أنها زوجته ولكن لا تحصل به الرجعة، ومنهم من يرى أن الضم والتقبيل ونحوه من مقدمات الجماع يأثم فاعله إذا لم ينو به الرجعة. فالأحوط عدم فعل ذلك إلا بعد التصريح بالرجعة كأن يقول لزوجته راجعتك، ويشهد اثنين من المسلمين على رجعتها بقوله أمامهما أشهدكم أني أرجعت زوجتي فلانة، ونحو ذلك، ثم يفعل ما يريد من المباح. والله أعلم.
(انظر سبل السلام 2 / 267) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1466)
هل يجوز العيش مع زوج يقترض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعبر الزوجة مذنبة إذا عاشت مع زوجها الذي يأخذ قرضاً ربوياً ليبدأ مشروعاً جديداً؟
هل يعتبر هذا سبباً لطلب الطلاق؟
سأكون ممتنة لك إذا أرشدتني للطريقة التي أقنعه بها بأن ما يفعله خطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن كان القرض الذي يطلبه قرضا حلالاً أي ليس ربويا،وهو ينوي أن يسدد لصاحب الدين حقه، فهذا لا بأس به، ولا يعدُّ بهذا القرض عاصيا.
وأما إن كان هذا القرض قرضا ربويا فهو محرم،لا يجوز أن يأخذه، ولا يجوز له أن يبدأ مشروعه بهذا المال الحرام، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب) و (من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه) وإذا أردت نصحه فستجدين في السؤال رقم (9054) كلاما يتعلق بهذا الموضوع فأوصليه إليه لعل الله أن ينفعه به، وأن يصرف عنكم الحرام.
وأما أكله للربا فهو يبيح لك طلب الطلاق منه أو طلب الخلع، لكن لا يجب عليك ذلك بل تصح معاشرته، والسكنى معه مع مداومة نصحه بالتي هي أحسن خاصة إذا رجي صلاحه.
وأما الأكل من ماله، فإن كان له مصدر مباح غير هذا المصدر، فلا حرج عليك، ولا على أبنائك من الأكل من هذا المال. وأما إذا كان كل كسبه محرمأَ ولم تجدوا نفقة إلا من هذا المال، وليس لكم مصدر حلال آخر، فيجوز لكم الأخذ منه حسب الحاجة دون توسع لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله: (لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها) . وأخذكم للمال منه في هذه الحالة هو أخذ للنفقة الواجبة عليه لكم، هذا مع الاستمرار في نصحه ووعظه للكف عن القرض المحرم والبحث عن طريقة شرعية يمارس فيها أعمالا ويكسب منها رزقه. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1467)
كيف يُراجع المطلق زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الشخص عند زواجه فإنه يحتاج لمباركة والديه وموافقتهما، لكن ماذا إذا كان الزوجان قد تفرقا، وهما الآن يفكران في الرجوع إلى بعضهما، فهل يحتاجان أيضا إلى مباركة عائلتيهما والمرور بكل تلك الأمور مرة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته، وكانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية ولم تخرج من العدة [بأن تضع حملها إن كانت حاملاً، أو تمر عليها ثلاث حِيَضات] ، فيمكن أن يراجع زوجته بقوله: راجعتك أو أمسكتك، فتصح الرجعة، أو بفعل ينوي به الرجعة كما لو جامعها بنيّة الرجعة فتحصل الرجعة أيضاً.
والسنة في ذلك الإشهاد على الرجعة، بأن يُشهد شاهدين لقول الله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الطلاق: من الآية2، وبذلك تحصل الرجعة.
أما إذا خرجت الزوجة من العدة بعد الطلقة الأولى أو الثانية، فلا بد من عقد جديد، وهو في ذلك مثل باقي الرجال يخطبها إلى وليها وإلى نفسها، ومتى وافقت ووافق وليها تراضيا على المهر الذي يرضيها ثم يتم العقد، وذلك بحضرة شاهدين عدلين
أما إذا طلقها الطلقة الأخيرة ـ أي الثالثة ـ حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره نكاحا شرعيا ويدخل بها أي يطأها ثم يفارقها إما بطلاق أو وفاة، لقوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) البقرة/230، ولا يحل أن يتفق مع شخص ينكحها ثم يفارقها فهذا منكر من كبائر الذنوب، ولا يحلها هذا النكاح لزوجها السابق بل قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِل والمحَلَل له.
[الْمَصْدَرُ]
انظر كتاب فتاوى الطلاق للشيخ عبد العزيز بن باز 1/195-210.(6/1468)
زوج لا يقوم بمسئولية زوجته منذ خمس سنين
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الزوج لا يقوم بمسؤوليته تجاه زوجتة منذ أن تزوجا قبل 5 سنوات،
فماذا على الزوجة أن تفعل في مثل هذه الحالة؟ هل لها نفقة عليه؟ وإذا قررت الانفصال، فما هي إجراءات الطلاق وفقا للكتاب والسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الواجب على الزوج أن ينفق على الزوجة، وأن يقوم بحقها، ويعطيها حقوقها كاملة، فإن قصّر عليها، ونقص في حقها، أو أضرّ بها فلها طلب الإنفصال وهو الطلاق، ولها قبل ذلك أن تطالب بالنفقة والسكنى لقوله تعالى: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) وقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) . فعليه أن يعاشرها بالمعروف، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) .
وإذا كان زوجها يعطيها حقوقها الشرعية، فحرام عليها طلب الطلاق لقوله عليه الصلاة والسلام: " أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة "، أما إذا تضررت، واشتدت عليها الحال وقصّر عليها في نفقة أو لم يعطها حقها فلها أن تطلب الطلاق، وترفع إلى القاضي وتشرح له الأمر وهو بدوره يطالب الزوج بأداء حقوقها أو أن يطلقها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين.(6/1469)
هل ترك الزوجة مدة طويلة يعتبر طلاقاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الزوجة الثانية لرجل من الهند وقد أسلمت قريباً ولي 3 أبناء. والسؤال: أن زوجة زوجي في الهند باقية بدونه لمدة 14 شهراً وهو لا يعطيها نصيبها وأصبحت متضايقة، وقد عرفت أن الزوج الذي يبقى بعيداً عن زوجته لمدة 4 شهور فإنها تطلق تلقائياً فهل هذا صحيح؟ وهو يريد أن يظل متزوجاً بها لأجل بناته وأعتقد أنه من الخطأ بقاؤه على اتصال بها ولا أعتقد أنها تعرف أنه يخطط لبقائها في أمريكا ويزور الهند فترة بسيطة في السنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام أنّ الزوج لم يوقع عليها الطلاق، ولم تلجأ الزوجة إلى القضاء بطلب الطلاق، ولم يحدث طلاق فتكون زوجته ولا تَطْلُقُ تلقائياً، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن متى تعتبر المرأة طالقاً فقال:
تعتبر المرأة طالقاً إذا أوقع زوجها عليها الطلاق، وهو عاقل مختار ليس به مانع من موانع الطلاق كالجنون والسكر، ونحو ذلك. وكانت المرأة طاهرة طهراً لم يجامعها فيه أو حاملاً أو آيسة. أهـ
فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/35.
ويحرم على هذا الزوج فعل ذلك من ترك زوجته الأولى، وعدم العدل في معاملتها، وهو يعرض نفسه بذلك للوعيد الشديد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ مَعَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ " رواه ابن ماجة (النكاح/1959) ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم 1603.
والزوجة الأولى إذا كانت تتضرر بذلك فلها أن ترفع ذلك للقضاء، حتى يلزمه إما الطلاق وإما الفسخ، لأن العلماء يعتبرون من ترك وطء الزوجة إضراراً بها بلا يمين في حكم المؤلي، وفي هذه الحالة إن لم يرجع إلى زوجته، وأبى كذلك أن يطلق فإن الحاكم يطلق عليه أو يفسخ. والله أعلم.
انظر الملخص الفقهي للفوزان 2/321
ويراجع سؤال رقم 9021.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1470)
طلاق المرأة وهي حامل
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقني زوجي وأنا حامل، وبعد ذلك، وقبل أن أضع حملي، رجع وقال بأننا لسنا مطلقين حيث أن الحامل لا يمكن أن تطلق. وعليه فأنا أريد أن أعرف ما إذا كنت قد تطلقت منه حقا أم لا. زوجي يحبني كثيرا وأنا كذلك، وعندنا الآن طفل صغير. أرجو أن ترد علي في أقرب فرصة ممكنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله هل يقع طلاق الحامل فقال:
هذه المسألة تتردد بين بعض العامة، فبعض العوام يظن أن الحامل لا يقع عليها طلاق، ولا أدري من أين جاءهم هذا الظن، فهو لا أصل له في كلام العلماء، بل الذي عليه أهل العلم قاطبة أن الحامل يقع عليها الطلاق، وهذا عليه إجماع بين أهل العلم وليس فيه خلاف، وطلاق السنة هو تطلق المرأة في حالين:
أحدهما: أن تكون حبلى يعني حامل، فطلاقها سني لا بدعي.
الثانية: أن تكون طاهراً لم يمسّها الزوج، أي طهرت من حيضها أو نفاسها وقبل أن يمسّها، فإن الطلاق سنِّي في هذه الحال.
فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/45-46
، وما دام أنه راجعها في العدة فإنها تصير زوجته لأن عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، وزوجها راجعها قبل وضع الحمل. قال تعالى: (وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق /4. وهذه عدة الحامل سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها. وعلى الزوج أن يحتسب هذه تطليقة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1471)
هل الأفضل أن يُطلِّق زوجته الثانية التي يتشاجر معها لترتاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج أن يطلق زوجته (الثانية) دون أن تفعل شيئا خاطئا؟ هذا رجل وجد أنه ليس بينه وبين زوجته أمور مشتركة/متفق عليها، وغالبا ما يتشاجر معها ويكره منها أشياء ليست بخطأ منها/دون قصد منها. أليس الأفضل أن يجعلها حرة فتتزوج من رجل آخر يحبها ويعزها بدلا من أن يُبقيها في وضع أقل من أن يكون مثاليا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل أن يعدل بين زوجتيه، وأن يتقي الله فيهما، وينبغي على المرأة أن تُقاوم غيْرَتَها وتجاهد نفسها ولا تؤذي زوجها بسبب وجود زوجة أخرى
((والأصل في الطلاق أنه مكروه، ولو قيل الأصل أنه محرم لم يبعد، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى في الذي يُؤْلُون من نسائهم، قال: (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم)
وختم الآية بهذين الاسمين (سميع عليم) إذا عزموا الطلاق يُشعر بأن الله جل وعلا لا يحب هذا، لأن الفيئة ـ وهي الرجوع ـ للمرأة بعد أن حلف أن لا يُجامعها ـ قال فيها: (فإن الله غفور رحيم)
وهذا واضح في أن الله تعالى يحب أن يرجع هذا الذي آلى، وأما من عزم الطلاق فإنه يُشعر بأن الله تعالى يكره ذلك لقوله: (فإن الله سميع عليم) ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وهذا الحديث ليس بصحيح، لكن معناه صحيح، أن الله يكره الطلاق، ولكنه لم يحرّمه على عباده للتوسعة لهم، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة، إن كان بقاؤها يؤدي إلى محذور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بعد طلاقها فإنه يطلقها كما لو كانت المرأة ناقصة الدين، أو ناقصة العفة، وعجز عن إصلاحها، فهاهنا نقول: الأفضل أن تطلق، أما بدون سبب شرعي أو سبب عادي، فإن الأفضل ألا يُطلق بل إن الطلاق حينئذٍ مكروه)) .
أسئلة الباب المفتوح لابن عثيمين ص/113
فهذه المرأة المذكورة في السؤال إن أمكن لها أن تعيش مع زوجها بِعِشْرةٍ حسنة ويتحمَّل كلُّ واحد منهما ما يكون من الآخر في حال غضبه العابر الذي لا يطول فإن ذلك هو الأفضل والأحسن لها وله ولأولادهما ولأهل كلِّ واحد منهما، وإن لم يكن استمرار العشرة الحسنة بينهما لِعِلَّة في أحدهما أو كليهما وَوُجِد أن الفراق أفضل لها أو له أو كليهما فإن الله قد قال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ) النساء/130
فقد يغنيها الله بزوج أفضل منه أقوم سبيلاً وأحسن عِشْرَةً. وفَّق الله الجميع لما يحبُّه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1472)
هل القذف المبكر سبب يبيح طلب الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القذف المبكر عند الجماع سبب يبيح للزوجة أن تطلب به الطلاق؟
أعلم بأن العجز الجنسي سبب لهذا ولكن إذا كان الرجل ينزل بعد 10 أو 20 ثانية فكيف هو في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال السابق على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجابنا أنه إذا كانت تتأثر بذلك ويفوت عليها نصيب من الاستمتاع فلا بأس بطلب الطلاق، وإذا كان لديها أولاد فلا تتعجل. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1473)
أمثلة من الأعذار المبيحة لطلب الخلع من الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن للزوجة أن تطلب الخلع حتى ولو لم يكن الزوج موافقا؟ هل يمكن ذكر بعض الأسباب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد وجهت هذا السؤال لشيخنا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين فأجابني عنه بما يلي:
إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل والعتاب على أدنى نقص فلها الخلع.
ثانياً: إذا كرهت خلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع.
ثالثاً: إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع.
رابعاً: إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع.
خامساً: إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لعُنّة (عيب يمنع القدرة على الوطء) فيه أو زهد فيها أو صدود إلى غيرها، او لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(6/1474)
هل تطلب الطلاق لأنه يضربها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تطلب زوجة الطلاق رغم أنها متزوجة منذ أشهر قليلة وحامل. السبب هو معاملة زوجها لها حيث أنه يضربها ويهينها ولا ينفق عليها ويرفض السماح لها بالذهاب إلى المسجد للصلاة كل هذا لأنها رفضت السماح له بالزواج من أمريكية أسلمت قريباً بعد زواجه من هذه المرأة التركية. هو أمريكي وقد أنجب طفلاً من تلك المرأة الأمريكية -بدون زواج-.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمرأة أن تطلب الطلاق متى ما أساء معاملتها بما لا تحتمله ولا تصبر عليه، أو أخلّ بالنفقة الواجبة، أو كان ممن يتعاطى مثل هذه المنكرات إذا رأت أن المصلحة في فراقه محافظة على دينها وعفتها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ وليد الفريان(6/1475)
مطلقة هل تعود لبلد أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم عاملة (موظفة) في الولايات المتحدة الأمريكية، لقد طلقني زوجي منذ فترة قريبة وأنا في حيرة من أمري. لقد هددني زوجي أنني إذا حاولت العودة إلى بلدي للإقامة مع عائلتي أن يأخذ منّي ابني، وهو يستطيع تنفيذ تهديده؛ حيث أن زوجي وابني يحملون الجنسية الأمريكية، أمّا أنا فلست أمريكية الجنسية. وسؤالي هو: هل أنا أُغضب الله حال إقامتي من غير محرم؟ وما عساي أن أفعل؟ إنه من الصعب بمكان على أي فرد من أسرتي أن يحضر إلى الولايات المتحدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا بأس أن تبقى إذا كانت تأمن على نفسها. لأن هذا بلدها الآن وهي تسكن فيه، فهي ليست مسافرة الآن. ولعلها يأتيها زوج وتتزوج. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1476)
هل يجب على الزوج أن يتحمّل زوجته دائما ولا يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن زوجة نوح عليه السلام وزوجة لوط عليه السلام ذهبتا إلى جهنم نسأل الله أن يعصمنا من غضبه آمين، فهل في ذلك دليل على وجوب أن يصبر الرجال على زوجاتهم في كل الأوقات وألا يطلقوهن لقد سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق بعض النساء ما هو الفرق بين الإبقاء على زوجة سيئة السلوك ونصحها وبين التخلص منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن زوجتي نوح ولوط عليهما السلام ستدخلان النار مع الداخلين لكن لم يظهر لزوجيهما منهما ذنب يؤدي إلى الكفر وإلا فالكافرة لا يجوز إبقاؤها لقوله تعالى {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فلعلّ زوجة نوح عليه السلام كانت تبطن الكفر أو أنها مع كون نوح قد طالت مدة دعوته أنها تأثرت بدعوة قومها لما رأت أن قومها كلهم على الكفر فشكّت في ذلك وقالت كيف يكون هذا مؤمناً وحده ويكون هؤلاء كلهم كفار وهم جمهور الأمة؛ فقد يكون كفرها خفيا وكذلك امرأة لوط ما ذكروا لها ذنباً إلا أنها كانت تدل على أضيافه أي تدعوا قومها إلى أضيافه ليفعلوا بهم الفاحشة فكان هذا ذنبها ويمكن أيضاً أن تكون كافرة في الباطن ولذلك قال الله {إلا امرأته كانت من الغابرين} .
هذا ملخّص ما أجاب به الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
ويجوز للزوج أن يطلّق زوجته ما دام هناك سبب شرعي يدعو إلى ذلك من سوء دين أو سوء خلق أو نقص عفة أو إهمال خدمة ونحو ذلك ولو لم تكن كافرة وأما إذا كانت مؤمنة صالحة فليمسكها ولو كره منها بعض الخصال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر رواه مسلم عن أبي هريرة 1469
َولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلّق حفصة أُوحِيَ إِليه: رَاجِعْ حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَهِيَ زَوْجَتك فِي الْجَنَّة. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ. عون المعبود شرح سنن ابي داود حديث رقم 2283
وعلى الزوج أن يسعى في إصلاح زوجته ويدعو الله أن يصلحها والله عزّ وجلّ يصلح الزوجة المعوجّة إذا أراد كما قال عن عبده زكريا: (وأصلحنا له زوجه) ، قال بعض المفسّرين كان في لسانها طول، أي تتطاول على زوجها بالكلام، فأصلحها الله.
والإنسان قد يتحمّل مرارة بقاء الزوجة درءا لمرارة أكبر وهي مرارة تفرّق الأولاد وتشتت الأسرة، فإذا صارت مضرّة بقاء الزوجة أكبر من مضرّة فراقها فلا حرج عليه في طلاقها، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1477)
قالت لزوجها طلقني فقال أنا موافق
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت شيخنا محمد بن صالح العثيمين السؤال التالي: قالت لزوجها طلقني، فقال: أنا موافق. أو قالت لزوجها: أريد الطلاق فقال: أنا موافق. فهل يقع الطلاق بهذه الصيغة.]ـ
[الْجَوَابُ]
فأجاب حفظه الله:
الحمد لله
لا يقع بها طلاق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1478)
الوصاية على أموال اليتامى إذا تزوجت أمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد ثلاثة أيتام قصر، ولديهم مال وهو موجود عند أمهم، وتزوجت الأم الآن من شخص لا يقرب لهم، علما بوجود جدهم لأبيهم، وجدتهم لأبيهم، وجدتهم لأمهم، وأعمام وأخوال؛ فمن يكون المسؤول عن مالهم في هذه الحالة؟ علما بأن المال كان لمدة خمس سنوات مع أمهم ولم تستثمره في شيء، ونقص من الزكاة في هذه المدة. أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
الأصل في هذا أن يتولى أموال اليتامى: الوصي الذي أوصى له الأب، سواء كان الوصي من الأقارب كالأم أو العم أو الجد أو غيرهم.
فإن لم يوص الأب لإنسان معين بالولاية على مال أبنائه، فيكون الجد (أبو الأب) هو القائم والمسئول عن أموالهم.
فإن لم يكن الجد موجوداً، فتكون الولاية للأم، أو للأقرب من العصبات كالأخ والعم ونحوهم، فإذا تصدى لها أكثر من واحد من العصبات، وهم في درجة واحدة، اختار الحاكم أصلحهم لهذه الولاية، من حيث الأمانة والقوة على حفظ المال وصيانته.
قال شيخ الإسلام: " والولاية على الصبي والمجنون والسفيه تكون لسائر الأقارب ... ، وتكون الولاية لغير الأب والجد والحاكم، وهو مذهب أبي حنيفة، ومنصوص أحمد في الأم؛ وأما تخصيص الولاية بالأب والجد والحاكم فضعيف جدا ". انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5/397) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " الولاية تكون لأولى الناس به، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره.
وهذا هو الحق ـ إن شاء الله تعالى ـ، وعليه فالجد أو الأب يكون ولياً لأولاد ابنه، والأخ الشقيق ولياً لأخيه الصغير، والأم إذا عدم العصبة تكون ولية لابنها، نعم إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة والحب والعطف، فحينئذٍ نلجأ إلى الحاكم ليولي من هو أولى ". انتهى "الشرح الممتع" (9/86) .
ثانياً:
بناء على ما سبق فإن الولاية على أموال هؤلاء اليتامى تكون لجدهم، فإن كان الجد عاجزاً أو لا يستطيع القيام بإدارة أموالهم، فتنتقل الولاية للأم.
ولا تأثير لزواج الأم في ولايتها على أبنائها، ففرق بين الحضانة والولاية على المال، فالحضانة تسقط بالزواج، وأما الولاية على المال فلا تسقط بالزواج.
ثالثا:
والواجب على ولي مال اليتيم سواء كان الجد أو الأم أو غيرها العناية بأموالهم وتنميتها، والحرص على استعماله بما يحقق لهم المصلحة ويعود عليهم بالنفع.
لقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي: لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بما فيه مصلحة وتنمية له.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ، وَأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ يُضَارِبُ لَهُ بِهِ، وَيَجْعَلُ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ، أَباً كَانَ، أَوْ وَصِيًّا، أَوْ حَاكِمًا، أَوْ أَمِينَ حَاكِمٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ.
وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ: ابْنُ عُمَرَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. ويُرْوَى إبَاحَةُ التِّجَارَةِ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالضَّحَّاكِ.
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ اجْتِنَابَ الْمُخَاطَرَةِ بِهِ، وَلِأَنَّ خَزْنَهُ أَحْفَظُ لَهُ.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْلَى لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ} . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْمَرْفُوعِ.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، لِتَكُونَ نَفَقَتُهُ مِنْ فَاضِلِهِ وَرِبْحِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْبَالِغُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَّجِرُ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْآمِنَةِ، وَلَا يَدْفَعُهُ إلَّا لِأُمَّيْنِ وَلَا يُغَرِّرُ بِمَالِهِ " انتهى. "المغني" (6/338-339) .
وإذا كانت الأم، أو القائم على مالهم عاجزا عن إدارة أمولهم بما يعود عليهم بالخير والنفع، فإن الولاية تنتقل لمن بعده، ممن هو أهل لهذه المسئولية.
قال شيخ الإسلام: " لا يجوز أن يُولَّى على مال اليتامى إلا من كان قوياً، خبيراً بما وُلي عليه، أمينا عليه، والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يُستبدل به من يَصلح ". انتهى "مجموع الفتاوى" (30/44) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1479)
الأم أحق بحضانة ابنها المعتوه ولو كان كبيرا ما لم تتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[طُلقت منذ ما يقارب سنتين ولدي ثلاثة أولاد: الأول عمره 19 سنة والثانية عمرها 17 سنة والثالث عمره 16 سنة، الحمد لله الاثنان الأولان مختلان عقلياً وقد أمضيت حياتي أعتني بهم طوال الوقت حتى اللحظة، لديهم دعم مالي حكومي بما يعني أنهم مكفيون مالياً والحمد لله. الآن بعد أن تطلقت يجلسون عند أبيهم طوال الشهر ما عدا عشرة أيام يأتون ليجلسوا معي، خلال بقية المدة أذهب إلى بيت أبيهم والذي يذهب إلى العمل فأقوم برعايتهم. سؤالي هو: هل لي حق كفالة أو حضانة هؤلاء الأولاد وأن يبقوا معي طوال الوقت؟ وما الحكم لو تزوجت، فأنا أعلم أن الأم إذا تزوجت فإن الحضانة تنتقل إلى الأب لكن هؤلاء معاقون وأنا الوحيدة القادرة على رعايتهم كما ينبغي، فهل لي الحق والحالة هذه أن يبقوا معي؟ وهل يجوز لي أن أتصرف في بعض المال الذي يحصلون عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المقصود بالحضانة حفظ المحضون والقيام بمصالحه.
والمحضون: هو من لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل، وكبير مجنون أو معتوه.
جاء في الموسوعة الفقهية (17/301) :
" تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ عَلَى الصَّغِيرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ " انتهى.
وقال الحجاوي في "زاد المستقنع" (ص 206) في باب الحضانة:
" تجب لحفظ صغير ومعتوه ومجنون " انتهى.
والأم أحق بحضانة ولدها الصغير والمجنون من الأب.
قال المرداوي في "الإنصاف" (9/416) :
" وأحق الناس بحضانة الطفل والمعتوه أمه بلا نزاع " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (8/192) :
" إِنَّمَا يُخَيَّرُ الْغُلَامُ [يعني: يخير بين أبويه إذا بلغ سبع سنوات] بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ , فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَضَانَةِ , كَانَ كَالْمَعْدُومِ , وَيُعَيَّنُ الْآخَرُ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الْغُلَامُ مَعْتُوهًا , فَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ , وَلَمْ يُخَيَّرْ ; لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ بِمَنْزِلَةِ الطِّفْلِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا , وَلِذَلِكَ كَانَتْ الْأُمُّ أَحَقَّ بِكَفَالَةِ وَلَدِهَا الْمَعْتُوهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَلَوْ خُيِّرَ الصَّبِيُّ , فَاخْتَارَ أَبَاهُ , ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ , رُدَّ إلَى الْأُمِّ , وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا خُيِّرَ حِينَ اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ , فَإِذَا زَالَ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ , كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى ; لِأَنَّهَا أَشْفَقُ عَلَيْهِ , وَأَقْوَمُ بِمَصَالِحِهِ , كَمَا فِي حَالِ طُفُولِيَّتِهِ " انتهى.
فعلى هذا، أنت أحق من زوجك بحضانة أولادك المرضى عقلياً، ما لم تتزوجي، أما إذا تزوجت، فالأب أحق بحضانة أولاده.
قال ابن قدامة في "المغني" (8/194) :
" الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ... لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ , مَا لَمْ تَنْكِحِي) وَلِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ , اشْتَغَلَتْ حُقُوقُ الزَّوْجِ عَنْ الْحَضَانَةِ " انتهى.
فإذا سقط حق الأم في الحضانة بزواجها، فإنه ينتقل لمن بعدها، وفي تعيين الأحق بعد الأم خلاف بين الفقهاء، والصحيح أن الأب هو الأحق بعد الأم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
انظر: "الشرح الممتع" (13/535) .
ولا بد قبل ذلك كله من مراعاة المقصود من الحضانة، وهو القيام على شؤون المحضون، وحفظه ورعايته، فإذا كان الأب سيضيع أولاده وكان بقاؤهم مع الأم أصلح لهم بقوا مع الأم، والذي يحكم في ذلك هو القاضي الشرعي، وما دام لا وجود للمحاكم الشرعية في بلادكم، فليس أمامك إلا الاتفاق مع أبيهم على ذلك، أو رفع الأمر إلى المركز الإسلامي في مدينتكم وهم يقومون بما يستطيعون لحل هذه المشكلة.
ثانياً:
أما تصرفك في المال الذي يحصلون عليه.
فإن كنت محتاجة، فلا حرج عليك في ذلك، أما إذا كانت أموالك تكفيك ولست بحاجة إلى أموالهم، فالأولى لك الاستعفاف عن أموالهم، لقول الله تعالى في أكل ولي اليتيم من مال اليتيم: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/6.
ولأنك إذا كنت فقيرة فنفقتك واجبة عليهم في أموالهم.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1480)
الأم أحق بحضانة ابنتها إذا كان الأب مقصرا في حضانتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن من له الحق في رعاية وحضانة بنتي، فقد طلقني زوجي السابق حينما كنت حاملاً منذ حوالي أربعة أعوام، وبعدما ولدت ابنتي هذه وهي تعيش معي حتى الآن، ومنذ حوالي شهرين تزوجت والحمد لله من أخ طيب، وعلى الرغم من أن زوجي السابق دائماً ما يتحدث مع زوجي الحالي في الهاتف بخصوص ابنتي هذه، فإني أتساءل هل أقوم بإعطاء ابنتي لأبيها على الرغم من أنه غير مهتم بحضانتها؟ أم أستمر في حضانتي لابنتي بصرف النظر عن أني قد تزوجت مرة أخرى؟ فقد قرأت فتوى أخرى تفيد بأنه طالما أن المرأة قد تزوجت فإن حضانة الأولاد تكون من حق الزوج. فضلاً التكرم وإفادتي بخصوص هذا الأمر. وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرص الإسلام على الأطفال وحسن تربيتهم، وخاصة في فترة الحضانة، ويتأكد هذا عند انفصال الزوجين، فلا بد من مراعاة مصلحة الطفل، وهذا أمر تدعو إليه الفطرة الإنسانية السليمة، فضلا عن الشريعة الإسلامية السمحة، التي تدعو إلى كل خير، وتنهى عن كل شر.
والأصل: أنه إذا حصل الطلاق فالأم أولى بحضانة أولادها الصغار من الأب، فإن تزوجت سقط حقها في الحضانة.
قال ابن المنذر رحمه الله:
" أجمعوا أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أن الأم أحق به ما لم تنكح، وأجمعوا على أن لا حق للأم في الولد إذا تزوجت " انتهى.
"الإجماع" (ص24) .
ودليل هذا من السنة: ما رواه أبو داود (2276) أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي) . وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1968) .
قال ابن القيم رحمه الله:
" والولاية على الطفل نوعان: نوع يقدم فيه الأب على الأم ومن في جهتها وهي ولاية المال والنكاح، ونوع تقدم فيه الأم على الأب وهي ولاية الحضانة والرضاع، وقدم كل من الأبوين فيما جعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد وتوقف مصلحته على من يلي ذلك من أبويه وتحصل به كفايته.
ولما كان النساء أعرف بالتربية وأقدر عليها وأصبر وأرأف وأفرغ لها لذلك قدمت الأم فيها على الأب.
ولما كان الرجال أقوم بتحصيل مصلحة الولد والاحتياط له في البضع [الزواج] قدم الأب فيها على الأم. فتقديم الأم في الحضانة من محاسن الشريعة والاحتياط للأطفال والنظر لهم، وتقديم الأب في ولاية المال والتزويج كذلك " انتهى.
"زاد المعاد" (5/392) .
ولكن إذا من له الحق في الحضانة -الأم أو الأب- مضيعا للولد سقط حقه في الحضانة، وانتقلت الحضانة إلى من يقوم بمصالح الطف ويحفظه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأحمد وأصحابه إنما يقدمون الأب إذا لم يكن عليها في ذلك ضرر، فلو قدر أنه عاجز عن حفظها وصيانتها، أو مهمل لحفظها وصيانتها فإنه يقدم الأم في هذه الحالة.
فكل من قدمناه من الأبوين إنما نقدمه إذا حصل به مصلحتها أو اندفعت به مفسدتها، فأما مع وجود فساد أمرها مع أحدهما فالآخر أولى بها بلا ريب " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (34/131) .
وقال رحمه الله:
" وإذا قدر أن الأب تزوج ضرة، وهى تترك عند ضرة أمها لا تعمل مصلحتها بل تؤذيها أو تقصر في مصلحتها وأمها تعمل مصلحتها ولا تؤذيها فالحضانة هنا للأم.
ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا، بل مع العدوان والتفريط لا يقدم من يكون كذلك على البَرّ العادل المحسن القائم بالواجب " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (34/132) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"أحق الناس بحضانة الطفل أمه إذا افترق الزوجان، وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان عند من اختار منهما، وإذا بلغت البنت سبعا فأبوها أحق بها؛ لأنها تحتاج إلى الحفظ والصيانة، والأم تحتاج إلى من يصونها، ولا يقر المحضون ذكرا كان أو أنثى بيد من لا يصونه ولا يصلحه هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله" انتهى مختصراً.
"فتاوى اللجنة" (21/194-195) .
وقال الشيخ صالح الفوزان:
"الأنثى إذا بلغت سبع سنين؛ فإنها تكون عند أبيها إلى أن يتسلمها زوجها؛ لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره، ولا تمنع الأم من زيارتها مع عدم المحذور، فإن كان الأب عاجزا عن حفظ البنت أو لا يبالي بها لشغله أو قلة دينه، والأم تصلح لحفظها؛ فإنها تكون عند أمها" انتهى.
"من موقع الشيخ الفوزان".
فالمقصود من الحضانة هو مصلحة الطفل، فإذا كانت الأم لا تقوم بذلك انتقل الحق إلى الأب، وإذا كان الأب لا يقوم بذلك انتقل الحق إلى الأم...... وهكذا.
ولكن ينبغي على الوالدين أن يتعاونا فيما بينهما لمصلحة الولد، حتى لا يكون نزاعهما سبباً لانحراف الولد أو ضياعه.
وانظري جواب السؤال رقم (20705) .
وعند التنازع لابد من رفع الأمر إلى الحاكم ليفصل بينهما، أو يتفق الوالدان على تحكيم رجل ذي عقل ودين، فيحكم بينهما حسب ما يرى من مصلحة الطفل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1481)
حق الأب في رؤية ابنه وزيارته إذا كان في حضانة أمه المطلقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدكم أن زوجي تركنا أنا وصغيري، لأنه يقول: إنه أتى لهذه الدولة من أجل العمل، وليس ليرعى عائلة؛ (بوضوح، استخدمتك، وليس لي فيك حاجة بعد الآن!!) . ومنذ 4 سنوات ولم يحاول ولا لمرة واحدة أن يرى ابنه. وفي مرة خشيت من إصابة الصغير بالتهاب السحايا فاتصلت به، وقال بأنه سيأتي لكنه لم يفعل ذلك. وقد أجبرته بأن يدفع مصاريف ولدنا بالرجوع إلى المحكمة لأنه كان يرفض ذلك. وفي العام الخامس بعد طلاقي، سافر الرجل إلى وطنه وتزوج من ابنة عمه. وقد عاد إلى بريطانيا وزوجته لا تزال في بلدها. وقد حصل على رقمي من 6 أشهر، وبدأ يضايقني ويتحدث إلى وكأنه لا يزال زوجي، وأخذ يتابعني أينما ذهبت، قائلا إنه لا يزال يرغب في إرجاعي.. وما إلى ذلك. أنا ما كنت لأصدق أن هذا الرجل الذي ظننت أنه مسلم صالح كان يتحدث بهذه الطريقة، وهو قد تخلى عنا، وطلقني، وتزوج من أخرى، ومع ذلك يقول بطريقة ما إنها كانت غلطتي أنا (يظهر أنه حتى زواجه الثاني كان غلطتي) . على أية حال، وللاختصار، ولأني قد رفضت خطواته للمصالحة، واتصلت بالشرطة ليمنعوه، فقد بدأ الآن يسحبني من خلال المحاكم بقصد الوصول إلى ابننا، وذلك لأنه يحس بأني أرفضه. أعلم أنه لا يهتم بابنه وأنه لم يتخذ تلك الخطوات إلا لأني رفضت مصالحته، إلا أني خائفة حقا من الذهاب للمحاكم، وذلك لأني سأجبر على الدفع.. الخ كما أن عندي محاميا لكني خائفة جدا من كل ذلك. وسؤالي هو: ما هو قول الإسلام حول ما يفعله؟ هل أنا مخطئة في منعه من رؤية ابنه، مع أنه يخيف الصغير ويخيفني أيضا، عندما كنا متزوجين ولخمسة سنوات (فابني يبلغ من العمر الآن 5 أعوام والحمد لله) فلم يظهر أي اهتمام بابنه؟ أنا لا أعرف كيف أتصرف، كما أني لا أريد أن أقع في أي محظور إسلامي، لكني أريد أن أعمل ما يكون في مصلحة ولدي في نفس الوقت، أي عدم الاتصال بأبيه، لأنه شخص عنيف ولم يظهر أي اهتمام في الصغير أبدا، وهو الآن يستغله كسلاح للإيقاع بي. ومع أنه فعل كل ذلك، فهل لي أي حق، شرعا، لأحاول وأمنعه من الوصول للصغير؟ فهو لا يمثل قدوة جيدة لابنه في أخلاقة ولا في تمسكه بالدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن ما ذكرته عن حال هذا الرجل يدل على أنه لا يمثل قدوة لابنه في الخلق والدين، وأنه ليس أهلا لحضانة الطفل وتربيته، لكن هذا لا يحرمه من حق رؤيته والاطمئنان عليه بين الحين والآخر، كما لا يسقط عن الابن لزوم بره والإحسان إليه.
فكون الأب مقصرا مفرطا، أو ظالما جائرا، لا يعني أن يهجره الابن ويتخلى عنه، ولا أن نشجعه على ذلك، فإن حق الأب عظيم، كما أن حق الأم أيضا عظيم.
وقد قرر الفقهاء أن من حق الأب رؤية ابنه حال كونه في حضانة الأم، وأنه لا يمنع من زيارته. واختلفوا في المدة التي يزوره فيها، وأرجعها الحنابلة إلى العرف، كأن يزوره كل أسبوع مرة، ونبه الفقهاء على أن الزوج بعد فراق زوجته أجنبي عن زوجته، فلا بد من مراعاة ذلك، فإن زار الطفلَ في بيت أمه لم يُطل الجلوس، واشتُرط عدم خلوته بمطلقته، ولها أن تمنعه من دخول بيتها، لكن تخرج الولد إليه.
وإن مرض الولد لم يمنع أبوه من عيادته، وهكذا يعطى كل ذي حق حقه. "الموسوعة الفقهية" (17/317) ، "المغني" (8/193) .
وينبغي أن تتفهمي هذا الأمر، وألا تسعي في التفريق بين الولد وأبيه، أو في شحن الابن بالبغض والكراهية، فإن هذا – مع كونه محرما – فيه مضرة على نفس الطفل وأخلاقه وسلوكه.
وإن كنت تخشين من تأثر الولد ببعض أخلاق أبيه غير الصالحة، فهذا يعالج بحسن التربية والتوجيه والتقويم، من غير أن يُساء إلى الأب أو تشوَّه صورته في ذهن الابن.
والحاصل أنه لا يجوز لك أن تحرمي الأب من رؤية ابنه أو العكس، بل يجب أن تمكنيه من رؤيته وزيارته إما في بيتك، إن كان عندك محرم تأمنين معه على دخوله بيتك، أو خارج البيت، وأن تتفقا على مدة مناسبة كأسبوع أو أسبوعين أو غير ذلك، مع الاجتهاد في تربية ابنك، وتنشئته على الأخلاق الحميدة، مع أبيه ومع غيره، وتجنب إثارة الولد على أبيه أو حمله على كراهيته، فإن ذلك محرم لما فيه من الدعوة إلى قطيعة الرحم. قال الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22، 23
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ) رواه مسلم (4637) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (21/205) : " إذا خرجت الزوجة من بيت الزوجية أو حصلت فرقة بين الزوجين بطلاق مثلا، وبينهما مولود أو أكثر، فإنه لا يجوز في الشريعة الإسلامية أن يمنع أحدهما الآخر من رؤية المولود بينهما وزيارته. فإذا كان المولود مثلا في حضانة أمه فلا يجوز لها منع والده من رؤيته وزيارته؛ لأن الله سبحانه أوجب صلة الأرحام بقوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) النساء/36، وفي الحديث: (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) " انتهى. والحديث رواه الترمذي (1204) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وحيث قد علمتِ حكم الشريعة في هذه المسألة فالحذر الحذر من اللجوء للمحاكم الوضعية لمنع الأب من حقه في رؤية ابنه وزيارته، وإن كان لك الحق في اللجوء إلى المحاكم لمنعه من ظلمك أو العدوان عليك، أو حرمانك من ابنك.
ونسأل الله تعالى أن يعينك على تربيته، وأن يوفقك لما فيه الخير والفلاح والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1482)
حضانة الأولاد لمن مات زوجها ورغبت في الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[مات زوجي، فمع من يعيش أبناؤنا، معي أم مع أهل زوجي؟ وماذا إذا أردت أن أعود إلى بلدي، فهل لي أن أصطحب أبنائي معي أم أن الواجب تركهم مع أهل زوجي؟ هل لأهل زوجي الحق في تربية أبنائي؟ هل للزوجة الحق في تربية الأبناء حتى لو رغبت في الزواج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حضانة الأولاد الصغار، هي حفظهم وتربيتهم والقيام على مصالحهم، وحمايتهم مما يضرهم أو يؤذيهم.
وقد اتفق الفقهاء على أن الأم هي أحق الناس بحضانة أولادها قبل سن التمييز إذا حصل طلاق بينها وبين زوجها، أو حصلت له وفاة.
ففي "الموسوعة الفقهية" (17/301، 302) :
وحضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما، فإن افترقا: فالحضانة لأم الطفل باتفاق؛ لما ورد أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: (أنت أحق به ما لم تنكحي) . انتهى.
والواجب في الحضانة أن ينظر إلى مصلحة الطفل، فقد يكون الأحق بالحضانة فاسقاً أو عاجزاً عن تربية الولد والقيام على مصالحه، أو مهملاً مضيعاً للولد، فهنا تنتقل الحضانة إلى من بعده.
قال ابن القيم رحمه الله:
ودل الحديث – أي: حديث (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) - على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد: فالأم أحق به من الأب، ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها، أو بالولد وصف يقتضي تخييره، وهذا ما لا يُعرف فيه نزاع.
"زاد المعاد" (5/435) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
واعلم أن هذه المسائل يجب فيها مراعاة المحضون قبل كل شيء، فإذا كان لو ذهب مع أحدهما، أو بقي مع أحدهما: كان عليه ضرر في دينه، أو دنياه: فإنه لا يُقرُّ في يد من لا يصونه، ولا يُصلحه؛ لأن الغرض الأساسي من الحضانة هو حماية الطفل عما يضره، والقيام بمصالحه.
"الشرح الممتع" (13/545) .
وانظري جواب السؤال رقم (20473) .
وإذا تزوجت الأم سقط حقها في حضانة أولادها، بإجماع العلماء.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20705) .
وقد اختلف الفقهاء في تحديد من ينتقل إليه حق الحضانة بعد الأم، فذهب جمهورهم إلى أنها تنتقل إلى أم الأم، وخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، فقالا بانتقالها إلى الأب، ثم إذا استويا اثنان في القرب من الولد فجهة الأب هي المقدمة، فأم الأب تقدم على أم الأم، والعمة تقدم على الخالة.. وهكذا.
فقال رحمه الله: ... بخلاف الصغير، فإن الأم أصلح له من الأب؛ لأن النساء أرفق بالصغير، وأخبر بتغذيته، وحمله، وأصبر على ذلك، وأرحم به، فهي أقدر، وأخبر، وأرحم، وأصبر، في هذا الموضع، فعينت الأم في حق الطفل غير المميز بالشرع.
ولكن يبقى " تنقيح المناط ": هل عينهن الشارع؛ لكون قرابة الأم مقدمة على قرابة الأب في الحضانة؟ أو لكون النساء أقوم بمقصود الحضانة من الرجال فقط؟ وهذا فيه قولان للعلماء. يظهر أمرهما في تقديم نساء العصبة على أقارب الأم: مثل أم الأم، وأم الأب، والأخت من الأم، والأخت من الأب، ومثل العمة، والخالة، ونحو ذلك، هذا فيه قولان، هما روايتان عن أحمد، وأرجح القولين في الحجة: تقديم نساء العصبة، وهو الذي ذكره " الخرقي " في " مختصره " في العمة والخالة، وعلى هذا: أم الأب مقدَّمة على أم الأم، والأخت من الأب مقدمة على الأخت من الأم، والعمة مقدمة على الخالة، كما تقدم، وأقارب الأب من الرجال على أقارب الأم، والأخ للأب أولى من الأخ للأم، والعم أولى من الخال ... .
ولم يقدِّم الشارع قرابة الأم في حكم من الأحكام، فمن قدمهن في الحضانة: فقد خالف أصول الشريعة، ولكن قدَّم الأم لأنها امرأة، وجنس النساء في الحضانة مقدمات على الرجال، وهذا يقتضي تقديم الجدة أم الأب على الجد، كما قدَّم الأم على الأب، وتقديم أخواته على إخوته، وعماته على أعمامه، وخالاته على أخواله، هذا هو القياس والاعتبار الصحيح، وأما تقديم جنس نساء الأم على نساء الأب: فمخالف للأصول، والعقول.
"مجموع الفتاوى" (34/122، 123) .
وأما سفرك بأبنائك: فقد سبق في جواب السؤال رقم (21612) أنه إذا لم يكن عليهم مضرة في هذا السفر، فالحضانة حق لك ولا تسقط بالسفر.
وخلاصة ما سبق:
1. أنتِ أحق بأولادك من أهل زوجك، حضانةً، ورعاية، وتربية.
2. تسقط عنك حضانة أولادك إن تزوجتِ، وينتقل الأولاد إلى أم أبيهم، فإن لم توجد: فأم الأم.
3. لا حرج في سفرك مع أولادك إذا لم يكن في هذا السفر ضرر عليهم.
والذي ننصحك به:
هو حسن التربية والعناية بأولادك، والإحسان لأهل زوجك وعدم قطيعتهم، وعدم قطع أولادك عنهم، وأن تفكري جديّاً بالزواج؛ لأن فيه إعفافاً لك، ولن تنقطع صلتك بأولادك، ولعل الله تعالى أن يرزقك ذرية أخرى طيبة صالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1483)
هل يترك ابنته لمطلقته المرتدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأفضل لي، أن أتخلى عن تربية ابنتي البالغة من العمر عاماً واحداً، والتي لم أنجح حتى الآن في أن أجعل منها طفلة مسلمة. لقد طلقت والدتها لأنها مرتدة عن الدين، وقد بينت (والدتها) معارضتها للمحاولات التي بذلتها لتربية ابنتي على الإسلام أثناء الفترة التي سمحت مطلقتي وسمح نظام المحكمة الكافر في أمريكا لي أثناءها بإبقاء ابنتي معي أسبوعياً، والتي تمتد من يوم إلى 3 أيام؛ أم أن الأفضل لي أن أترك كل ذلك، كما فعل بعض الإخوة عندما تعرضوا لظروف مشابهة، وأهاجر إلى بلد إسلامية وأطلب العلم هناك، وأترك ابنتي لتواجه مستقبل ضياع غالباً بين يدي نظام كافر لتربية الأطفال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنصحك أن تحرص على تربية ابنتك وأن لا تتخلى عنها أبداً، فإنك مسؤول عنها يوم القيامة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ، وأمر آخر وهو أن لك مثل أجرها إذا اهتدت وعملت صالحاً بسبب تربيتك، وكيف تترك فلذة كبدك لمن يهديها إلى عذاب السعير، قال تعالى عن الكفار: (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) سورة البقرة، فاحرص على ابنتك، وسيعينك الله تعالى، وييسر أمرك، وفقك الله تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1484)
اكتشف أن زوجته على علاقة بآخر ويشك في نسب الطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجتي على علاقة محرمة بشاب آخر، وبعد ما اكتشفت خيانتها صار عندي شك بأن يكون الجنين الذي تحمله ليس من صلبي، فماذا إن كتبت الحياة لهذا الجنين، هل أستطيع أن أعتمد التحاليل الطبية لإثبات النسب؟ وإن كان غير ذلك: فما هو الحل الشرعي لهذه الحالة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الأصل أن ما تلده الزوجة أنه لزوجها، ولا يحل لك أخي السائل قذفها – كما سبق – من غير رؤيتك لزناها، كما لا يحل لك نفي الحمل أو الولد عنك إلا ببينة، كرؤيتك لزناها، أو استحالة أن يكون الحمل منك كأن تكون غائبا عنها، أو لم تجامعها في طهرها، وما يشبه هذه الحالات، وما لم يكن من ذلك شيء: فلا يحل لك نفي الحمل، أو الولد بمجرد الشك والوهم، وكما قلنا سابقاً لا يعني وجود علاقة محرمة أنه يحصل زنا، ونضيف هنا: أنه لا يعني حصول زنا، أنها حملت من ذلك الزنا.
وعليه: فلو أنك رأيتها تزني: لكان لك وجه في نفي الحمل، ونفي الولد، أما وقد بنيت ذلك على الشك: فلا يجوز لك نفي الجنين الذي تحمله امرأتك عنك، ولا تستسلم لوساوس الشيطان، واحذر أن يجعلك تعيش في عالم الاتهامات والخيانات والوساوس، وإلا أفسد عليك دينك ودنياك.
ولا ينبغي لك اللجوء إلى التحليل لإثبات نسب ولدك، وهذا باب وسوسة وريبة، ولو فتح الباب لاعتمد الناس على هذه التحاليل القابلة للخطأ والوهم على ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم من عفاف نسائهم، ولذا فإن الشريعة المطهرة تعتمد أدنى الأدلة لإثبات النسب، وأقواها في نفيه.
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -:
" النسب يُحتاط لإثباته، ويَثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه، وإنه لا يُنتفى إلا بأقوى الأدلة ".
" المغني " (6 / 420) .
واعلم أن تشريع اللعان لا يقوم مقامه التحاليل الطبية؛ لأن المرأة تستطيع دفع تهمة زوجها والستر على نفسها باللعان، والله تعالى يعلم أن أحد الزوجين كاذب، ومع ذلك شرع اللعان، فلا يجوز إعطاء الحق للزوج بتلك التحاليل، وحرمان المرأة منه، وقد أصدر " مجلس المجمع الفقهي " التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة قراراً بشأن البصمة الوراثية (DNA) ، ومجالات الاستفادة منها، يؤكد ما قلناه من عدم جواز التحاليل لمثل حالتك، ولا كونه يقوم مقام اللعان، وهذا نص القرار:
القرار السابع
بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21 – 26 / 10 / 1422 هـ الذي يوافقه 5 – 10 / 1 / 2002 م، وبعد النظر في التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشر، ونصه " البصمة الوراثية هي البُنية الجينية، (نسبة إلي الجينات أي المورثات) التي تدل علي هوية كل إنسان بعينه، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي، ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) من الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره ".
وبعد الإطلاع على ما أشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشر بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة والإطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء، والاستماع إلي المناقشات التي دارت حوله: تبيَّن من ذلك كله:
أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من المني أو الدم أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوي بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع) ، وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث، ونحو ذلك، وبناء على ما سبق قرر ما يأتي:
أولاً:
لا مانع شرعاً من الاعتماد علي البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلي نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.
ثانياً:
أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهي الحذر والحيطة السرية، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
ثالثاً:
لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
رابعاً:
لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم.
خامساً:
يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
1. حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
2. حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
3. حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.... .انتهى
وهو قرار قوي واضح، ونأمل أن يكون ما ذكرناه لك كافياً للامتناع عن نفي نسب ولدك عنك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقها للتوبة الصادقة، وأن ييسر لك الخير حيث كان، وأن يصبرك على ابتلائك، ونوصيك بنفسك خيراً، فلا توبقها، ولا توردها المهالك، ويسعك أن تطلقها وتعطيها حقوقها، ويسعك أن تبقيها في ذمتك إن رأيت صدق توبتها، ونرجو التأمل فيما فصلناه لك في النقاط السابقة، واستعن بالله تعالى على تيسير أمورك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1485)
سؤال عن حضانة الأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الزوجين إذا تطلقا فإن المرأة لها الحق الأكبر في حضانة الأطفال الغير بالغين، ولكنها إذا تزوجت فإن حق الزوج يكون أكبر. سؤالي أن الأب إذا لم يؤد حق النفقة على أولاده فهل لا يزال له الحق بأن يأخذ الأولاد من أمهم؟ أنا أتحدث عن رجل يقول بأنه قادر على النفقة، تزوج امرأة أخرى وله منها ولد وهو ينفق على هذا الولد ولكنه لا ينفق على ولديه من زوجته الأولى. يقول لزوجته الأولى بأنها لو تزوجت مرة أخرى فإنه سيأخذ منها الأولاد، هل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المجمع عليه بين العلماء أن المرأة أحق بحضانة الطفل ما لم يبلغ سن التمييز، حيث إن الطفل في هذه المرحلة من العمر بحاجة إلى الحنان ونوع من الرعاية لا يقدر عليها إلا النساء، ولكن هذا الحق يسقط إذا تزوجت، لأنها تنشغل بزوجها عن القيام بخدمة ولدها، ولتعارض المصالح مصلحة المحضون ومصلحة الزوج، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على سقوط حق الأم في الحضانة بالزواج.
ينظر: "الكافي" لابن عبد البر (1/296) ، "المغني" (8/194) .
ويدل على هذا حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي) رواه أحمد (6707) وأبو داود (2276) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، وصححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/250) .
ثانياً:
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء، سواء أمسك زوجته أو طلقها، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد مع وجود الأب.
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد، فإن نفقة الأولاد على أبيهم، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل.
والنفقة على الأولاد، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم.... وكل ما يحتاجون إليه، وتقدر بالمعروف، ويراعى فيها حال الزوج؛ لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق/7، وهذا يختلف من بلد لآخر، ومن شخص لآخر.
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال، قليلاً كان أو كثيراً، فالأمر لهما، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي.
ويجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " رضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني" (11/430) بتصرف.
وقال أيضاً: " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/347) .
ثالثاً:
باعتبار أن الحضانة - كما عرفها جمعٌ من العلماء - " القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه" "روضة الطالبين " (9/98) ، وأن المقصود بها رعاية الصغير والقيام بشؤونه فالمراعى في الحضانة هو مصلحة المحضون، لذا فإن الأب إذا امتنع عن القيام بهذا الواجب- ومنه النفقة - تجاه طفله فهو آثم بذلك، ويسقط حقه في الحضانة، قال في الروض المربع " ولا يقر محضون بيد من لا يَصونه ويصلحه لفوات المقصود من الحضانة ". " الروض المربع " (3/251) .
وقال ابن قدامة المقدسي: " والحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه". " المغني" (8/190) ، وقال ابن القيم: " على أنا إذا قدمنا أحد الأبوين فلا بد أن نُراعي صيانته وحفظَه للطفل، ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تكن الأم في موضع حرزٍ وتحصين، أو كانَتْ غيرَ مرضية، فللأب أخذُ البنت منها، وكذلك الإِمامُ أحمد رحمه الله في الرواية المشهورة عنه، فإنه يعتبر قدرتَه على الحفظ والصيانة. فإن كان مهملاً لذلك، أو عاجزاً عنه، أو غيرَ مرضي، أو ذا دِياثة والأم بخلافه، فهي أحقُّ بالبنتِ بلا ريب، قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه الله عليه، فهو عاصٍ، ولا وِلاية له عليه، بل كُلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته، فلا ولاية له، بل إما أن تُرفع يدُه عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه مَنْ يقومُ معه بالواجب، إذ المقصودُ طاعةُ الله ورسوله بحسب الإِمكان..... فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة للأم قطعاً ". "زاد المعاد" (5/424) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " فأما إذا أهمل أحدها ما يجب عليه من حضانة ولده وأهمله عما يصلحه فإن ولايته تسقط ويتعين الآخر". " الفتاوى السعدية " (ص 535) .
فعلى هذا، إذا امتنع الأب من النفقة على أولاده سقط حقه في حضانتهم، حتى ولو كان امتناعه من أجل الإضرار بالأم، فهذا يدل على أنه غير مؤتمن على مصالح أولاده، وللأم مطالبته عند القاضي بالنفقة على أولاده.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1486)
الأحق بالحضانة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج لمدة أكثر من أربع سنوات من زوجتي وهي تسكن مع أهلها لظروف الدراسة ورزقني الله ثلاث بنات وأنا في خلاف مع زوجتي حيث إنه خلال السنة الأولى من الزواج حدث خطأ من زوجتي باكتشافي لشخص غريب يحادثها عبر الهاتف وتم إنهاء الموضوع باعتبار أن الشخص لا علاقة له بها وأنه كان يضايقها وكانت تخشى أن أعلم فأسيء الظن بها ولكن الأمر أخذ مني وأصبح هاجسا في وقتها وأقدمت على الزواج أثناء سفري للخارج بزواج عرفي ومن بعدها أصبحت الزوجة الأولى تعاني من أمراض جنسية تصيب النساء فقررت الانفصال عن الزوجة الثانية لما رأيت من زوجتي الأولى من حسن أخلاق مع العلم أن الزوجة الثانية كانت تسكن في بلدها خارج المملكة وكنت أراها بين فترات متباعدة ولم يكن عقد الزواج العرفي موثقا في المحكمة فقمت بتمزيق الورقة التي بيننا وأنهيت العلاقة معها وكنت أيضا مبتلى بشرب البيرة التي تحتوي على الخمر وكنت أشربها لما أسافر للخارج ومرت الأيام وهداني الله وفي لحظة صدق مع الله على ترك المعاصي أعلمت زوجتي طوعا بأمر زواجي الثاني وأنني أشرب البيرة وأن الله تاب علي وأنني عازم على الثبات ولكن زوجتي لم تحتمل الأمر وهي الآن مصرة على الانفصال مع أنني لا أرغب بذلك ولكن كل الجهود باءت بالفشل، وأسأل: هل يحق لي إمساكها بالمعروف وطلبها في بيت الطاعة على أن أعيشها حياة كريمة كما يحب الله ويرضى؟ وهل يحق لها طلب الخلع مني فيما لو قدمت تقارير طبية تثبت تضررها من الزوجة الثانية؟ وما هو مصير البنات الثلاث فيما لو حدث الطلاق لا قدر الله حيث إن أعمارهن ستة أشهر وثلاث سنوات وأربع سنوات وهل يحق لي حضانتهن ومتى؟ لأني عازم بإذن الله سبحانه وتعالى على تربيتهن كما يحب الله ويرضى]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة وهداك، وصرف عنك السوء، ونسأله سبحانه لك المزيد والثبات.
ثانيا:
ينبغي أن تختار من صالح أهلك أو أهل زوجتك من يسعى للصلح بينكما وإقناع الزوجة بالعدول عن طلب الطلاق، لمصلحة بيتها وبناتها.
ولك أن تتمسك بها، وأن ترفض طلاقها، وأن تعلن رغبتك في استمرار الحياة بينكما.
وأما الزوجة فليس لها أن تطلب الطلاق أو الخلع إلا إذا وجد ما يدعو إلى ذلك، كحصول الضرر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) رواه أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأما كون القاضي يحكم بالطلاق أو بالخلع، فهذا يعتمد على ما تقدمه الزوجة من أعذار.
ثالثا:
في حال الطلاق، فإن حضانة الأولاد تبقى لأمهم إلى سبع سنوات، ما لم تتزوج؛ لما روى أحمد (6707) وأبو داود (2276) عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت أحق به ما لم تنكحي) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا بلغ الطفل سبع سنين، فإن كان ذكراً فإنه يخير بين أبويه، فيختار أحبهما إليه ويكون عنده، وأما الأنثى، فقد اختلف العلماء في ذلك.
فقال الشافعي: إنها تخير أيضا.
وقال أبو حنيفة: الأم أحق بها حتى تُزوج أو تحيض.
وقال مالك: الأم أحق بها حتى تزوج ويدخل بها الزوج.
وقال أحمد: الأب أحق بها؛ لأن الأب أولى بحفظها.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (17/314- 317) .
ونظرا لهذا الاختلاف، وليس هناك نص من السنة يفصل في هذه المسألة، فالمرجع في ذلك إلى القاضي الشرعي هو الذي يحدد عند من تكون البنت إذا بلغت سبع سنين.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1487)
مقدار نفقة الأولاد إذا كانوا في حضانة أمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث الطلاق بيني وبين زوجتي ولدي أربعة أطفال: ولد 8 سنوات , بنت 4.5 سنة , بنت 3 سنوات ورضيع عمره تسعة أشهر، ما هو مقدار النفقة؟ علما أن الأم ميسورة الحال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء، سواء أمسك زوجته أو طلقها، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد مع وجود الأب.
والمطلقة الرجعية تجب لها النفقة والسكنى حال العدة، فإذا انقضت عدتها، ولم تكن حاملا، لم يجب لها ذلك.
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد، فإن نفقة الأولاد على أبيهم، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل.
والنفقة على الأولاد، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم.... وكل ما يحتاجون إليه، وتقدر بالمعروف، ويراعى فيها حال الزوج؛ لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق/7، وهذا يختلف من بلد لآخر، ومن شخص لآخر.
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال، قليلاً كان أو كثيراً، فالأمر لهما، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي.
ثانيا ً:
يجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " رضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني" (11/430) بتصرف.
وقال أيضاً: " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/347) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1488)
من أحق بابنها هي أم زوجها الذي تتهمه بالسحر؟ وما هي علامات الساحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدي عمره 11 سنة تقريبا، وأصبح عدوانيّاً كثيراً، ومرات لا يحترمني ويعلي صوته عليَ، وأيضا يمد يده فجأة من دون مبررات بعد أن أهدى إليه والده جهاز كمبيوتر، مع العلم أن أباه يتعامل بالشعوذة، ولا أعلم أو أجزم أنه ساحر، فعلا الله هو العالم، وهو يريد أن يأخذ الولد مني (نحن مطلقان) . ما هي الطريقة لأن أحمي ولدي ونفسي، وأن يرجع ولدي لما كان من قبل؟ وكيف أعرف حقيقة هذا الأب؟ وهل لي أن أمنع أباه إن أراد أن يراه، إن تأكدت أنه ساحر وأنه يريد بي وبابني شرّاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوصت الشريعة المطهرة الوالدين بالعناية بأولادهما والقيام على حسن تربيتهم، ويتربى الأولاد على ما يسمعونه ويقرؤونه ويرونه في بيتهم وشارعهم ومدارسهم، وما يحصل من خلل في تربيتهم إنما هو بسبب الخلل في أحد تلك الجوانب، أو كلها.
وما حصل من ولدك من سوء خلُق تجاهكِ قد يكون سببه ما رآه وسمعه في البيت من مشكلات بينك وبين زوجك، والتي أدت للطلاق، وقد يكون بسبب ما تأثر به مما سمعه وقرأه في جهاز " الكمبيوتر "، وقد يكون نتيجة " سحر كراهية " قام عليه والده ليأخذه منكِ، وكل ذلك محتمل، وقد تكون الأسباب كلها مجتمعة هي التي أدَّت لتلك التصرفات السيئة من قبَل ابنكِ تجاهك.
وعلى كل حال: فيجب عليك لإصلاح حاله أن تبحثي عن الأسباب التي أدَّت به لتلك التصرفات لكي تعالجي الأمر بمعالجة السبب، فإن كان بسبب مشاكلك مع والده: فلا بدَّ من تفهيمه لحقيقة الحال التي آلت إليه بينكما بطريقة لبقة تناسب سنَّه وعقله، وإن كان بسبب ما يسمعه ويشاهده ويقرؤه في جهاز " الكمبيوتر "، فلا بدَّ لك من مراقبة المواد التي يطلع عليها، ولا بدَّ من توجيهه نحو حسن الاستفادة من الجهاز، فإن لم يستجب فيمكنك منعه منه بالكلية.
وإن كان بسبب سحر والده له: فيمكنك البدء بعلاجه بالرقية الشرعية من القرآن والأذكار النبوية الصحيحة، ولا مانع من عرضه على من يوثق بدينه ممن يقوم على العلاج الشرعي لمثل هذه الحالات.
ثانياً:
يمكنك معرفة حقيقة والده إن كان يشتغل بالسحر، وذلك بمعرفة طريقة علاجه للآخرين، أو معرفة حقيقية ما يقوله لزائريه ومراجعيه.
وقد ذكر بعض أهل العلم علامات للساحر يمكن لأي أحدٍ تمييزه عن غيره من أهل الخير والصلاح، وهذه العلامات هي:
1. أنه يطلب من المريض اسم الأم، وبعض الأشياء الخاصة من المراد علاجه مثل الشعر أو اللباس.
2. أنه يتمتم بكلمات ليس لها معنى، ولا يفهمها السامع، وهذه التمتمات قد تكون نداءات للجن والشياطين ليقوموا بخدمته.
3. ومن العلامات: أن هذا الساحر لا يحضر صلاة الجمعة، ولا الصلوات الخمس في المسجد.
4. أنه يكون رث الثياب كريه الرائحة، يحب الظلام والوحدة.
5. أنه يعطي المريض حجاباً يحتوي على طلاسم ومربعات وأرقام.
ولمعرفة حقيقته لا بدَّ من أن يكون متصفاً بتلك الصفات مجتمعة أو ببعضها، وبذلك تعرفين حقيقته، مع التنبيه أنك قد تكونين مبالغة في اتهامه بالسحر، فيجب عليكِ العدل في الحكم عليه، وتحقيق تقوى الله قبل الاتهام والادعاء بما هو منه براء.
على أنك، ما دمت قد انفصلت عنه، فلا نرى لك أن تشغلي نفسك كثيرا بحال طليقِك؛ هل هو ساحر أو لا، وإنما الذي ينبغي عليك أن تشغلي نفسك به هو كيفية المحافظة على نفسك، وابنك، وكيف تؤدين واجب الرعاية والتربية الواجبة لهذا الولد عليك.
ثالثاً:
وأما حضانة الولد: فليعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده، أو لإهماله وتضييعه، أو لكثرة أسفاره، بما يضر بمصلحة أولاده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك [يعني: من يكون معتديا أو مفرطا من الأبوين] على البَر العادل المحسن القائم بالواجب.
" مجموع الفتاوى " (34 / 132) .
وليُعلم أن مدة الحضانة هي إلى سن التمييز والاستغناء، أي: أنه تستمر الحضانة إلى أن يميِّز المحضون ويستغني عن حاضنه، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك.
وبما أنه قد بلغ سن (11) فإنه يخيَّر بين العيش مع والده أو معكِ؛ على أن يكون الاختيار نابعاً من اختياره دون ضغط أو إكراه، وعلى أن لا يكون سبب الاختيار هو أنه لن يُلزم بصلاة أو طاعة لله تعالى، أو ما فيه مصلحة دينه ودنياه؛ لأن اختياره – والحالة هذه – فيها مضرة له، وكثير من الأطفال يكون همه في اختياره من يبالغ في تدليله، أو إعطائه ما يريده من اللهو واللعب؛ فلا يمكن أن يمكَّن له ـ حينئذ ـ ما يريد.
وإن ثبت أن والده يتعامل بالسحر فلا يحل له أن يأخذ ولده، بل يُمنع منه إلى أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة.
فإذا لم يثبت على الوالد أنه يتعامل بالسحر: فينبغي أن يتعاون الأبوان في رعاية ابنهما، مراعاةً لمصلحته، وحتى لا يكون تنازعها سبباً لفشل الأبناء وضياعهم.
وانظري أجوبة الأسئلة: (8189) و (20705) و (21516) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح شأنكِ كله، وأن يهدي ابنك لما يحب ربنا ويرضى، وأن يصلح والده ويحفظ عليه دينه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1489)
أسلما بعد طلاقهما ولهما طفلة، فما هي حقوق كل منهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل وامرأة كانا كافرين، وعلمت المرأة أنها حامل، وطلب منها الرجل أن تجهض حملها، فرفضت ولم تأبه باقتراحاته، إلى أن وضعت مولودها، وكانت طفلة، ثم أسلم الرجل والمرأة سويًا، لكنهما كانا قد تطلقا.
هل ما يزال للأب حقوقٌ تزيد على ما للأم، مع أنه أوضح بجلاء أنه لا يرغب في أن تولد هذه الطفلة في المقام الأول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن هداكما لدين الحق. وهذه أعظم نعم الله تعالى على عبده، إذ بها يسعد في الدنيا والآخرة، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما إلى ما يحب ويرضى ويرزقكما الاستقامة والثبات على دينه.
ثانياً:
لقد أحسنت برفضك إجهاض الحمل، وذلك أن إجهاض الحمل معصية، سواء كان ذلك قبل نفخ الروح أو بعده، وإن كان الإثم يعظم بعد نفخ الروح.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (40269) (42321) .
ثالثاً:
إذا طلق الرجل زوجته، وتم الانفصال وبينهما طفل، فالمقرر في الشريعة أن حق الأم في حضانة هذا الطفل أعظم من حق الأب، ما لم يكن هناك مانع كزواجها أو قلة دينها أو تقصيرها في الرعاية.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (8189) (20705) (21516) .
رابعاً:
وإساءة الأب بطلب إجهاض الحمل لا يسقط حقه الثابت له، كحق النسب والرعاية والإنفاق والتسمية والزيارة أثناء فترة حضانة أمها لها، كما له حق حضانتها إذا وجد مانع من حضانة الأم كالزواج.
ونرجو أن يكون قد غفر الله له بإسلامه، فإن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب.
خامساً:
قول السائلة: "هل ما يزال للأب حقوق تزيد عن ما للأم؟ "
فليُعلم أن حقوق الأب ليست أكثر من حقوق الأم دائما، بل حقها مقدم عليه في الحضانة كما سبق، وحقها مقدم عليه أيضا في البر، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: الْحَثّ عَلَى بِرّ الأَقَارِب , وَأَنَّ الأُمّ أَحَقّهمْ بِذَلِكَ , ثُمَّ بَعْدهَا الأَب , ثُمَّ الأَقْرَب فَالأَقْرَب. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب تَقْدِيم الأُمّ كَثْرَة تَعَبهَا عَلَيْهِ , وَشَفَقَتهَا , وَخِدْمَتهَا , وَمُعَانَاة الْمَشَاقّ فِي حَمْله , ثُمَّ وَضْعه , ثُمَّ إِرْضَاعه , ثُمَّ تَرْبِيَته وَخِدْمَته وَتَمْرِيضه , وَغَيْر ذَلِكَ. وَنَقَلَ الْحَارِث الْمُحَاسِبِيّ إِجْمَاع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الأُمّ تُفَضَّل فِي الْبِرّ عَلَى الأَب , وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض خِلافًا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ الْجُمْهُور بِتَفْضِيلِهَا , وَقَالَ بَعْضهمْ: يَكُون بِرّهمَا سَوَاء. قَالَ: وَنَسَبَ بَعْضهمْ هَذَا إِلَى مَالِك , وَالصَّوَاب الأَوَّل لِصَرِيحِ هَذِهِ الأَحَادِيث فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُور " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1490)
حكم إجهاض وحضانة الطفل المصابة أمه بالإيدز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للأم المصابة بهذا المرض الإجهاض إذا حملت، وهل لها حقّ في حضانة الولد، وهل يجوز لأحد الزوجين فسخ النكاح إذا اكتشف إصابة الطّرف الآخر بالمرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
نظراً لأن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى جنينها لا تحدث غالباً إلا بعد تقدم الحمل - نفخ الروح في الجنين - أو أثناء الولادة، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعاً.
ثانياً: حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم وإرضاعه:
لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم، وإرضاعه له، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية، فإنه لا مانع شرعاً من أن تقوم الأم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي.
ثالثاً: حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 204-206(6/1491)
من أحقّ بالطفل عند الطّلاق؟ الأب أم الأم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت امرأة مطلقة وعندها ولد من زوجها الأول، الطفل عمره 3 سنوات، منذ زواجنا لم يسمح والد الطفل له بأن يبيت مع أمه ولا يسمح له بالكثير من الزيارات، طلبنا منه أن نحتكم لأهل العلم ولكنه يريد الاستفادة من رعاية الطفل ومع الأسف فهو لا يتمسك بالقران والسنة.
الطفل يبكي وتنتابه نوبات عصبية من الغضب إذا حان موعد ذهابه.
قال بفمه وعمره ثلاث سنوات "سبحان الله أنا لا أريد أن أذهب مع أبي" هذا التصرف يزداد يومياً. بدأنا نفكر بالتحاكم للقضاء للحصول على حق الزوجة (أعاذنا الله من ذلك) .
إذا كان هناك أي دليل يري بوضوح حق الأم بالزيارة أو قصصاً عن الصحابة وكيف تصرفوا عندما يكون لهم حق الرعاية تجاه مطلقاتهم وحقهم في أطفالهم.
أرجو أن تساعدنا فنحن نشعر بحزن شديد. جزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن أسمى لون من ألوان التربية هو تربية الطفل في أحضان والديه إذ ينال من رعايتهما وحسن قيامها عليه ما يبني جسمه وينمي عقله ويزكي نفسه ويعده للحياة.
فإذا حدث أن افترق الوالدان وبينهما طفل فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم مانع تقديمها أو بالولد وصف يقتضي تخيره.
وسبب تقديم الأم أن لها ولاية الحضانة والرضاع لأنها أعرف بالتربية وأقدر عليها ولها من الصبر في هذه الناحية ما ليس للرجل وعندها من الوقت ما ليس عنده، لهذا قدمت الأم رعاية لمصلحة الطفل.
فعن عبد الله بن عمرو أن امرأة قال يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثدي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي " أخرجه أحمد 2/182 وأبو داود 2276 والحاكم 2/225 وصححه.
وعن يحي بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد يقول كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم إن عمر فارقها فجاء عمر قباء - فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق.
فقال عمر: ابني وقالت المرأة: ابني فقال أبو بكر: خلّ بينها وبينه فما راجعه عمر الكلام رواه مالك في الموطأ2/767 والبيهقي 8/5 قال ابن عبد البر هذا الحديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه اهل العلم بالقبول.
وفي بعض الروايات أنه قال له: الأم أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأخير وأرأف وهي أحق بولدها ما لم تتزوج.
وهذا الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه من كون الأم أعطف وألطف هو العلة في أحقية الأم بولدها الصغير. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
انظر فقه السنة 2/289-290(6/1492)
من أحق بحضانة الطفل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد زواج دام عدة سنوات، طلق الرجل زوجته وحاول أخذ طفلها منها، وهي تسأل من أحق بحضانة الطفل هي أم طليقها، خصوصا أنها ستسافر للعيش مع أهلها في بلد آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النساء أحق بحضانة الطفل من الرجال، وهن الأصل في ذلك، لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار، وأصبر على تحمل المشاق في هذا المجال، وأن الأم أحق بحضانة ولدها ذكراً كان أو أنثى ما لم تنكح وتوفرت فيها شروط الحاضنة باتفاق.
ويشترط في الحاضن: التكليف، والحرية، والعدالة، والإسلام إذا كان المحضون مسلماً، والقدرة على القيام بواجبات المحضون، وأن لا تكون متزوجة بأجنبي من المحضون، وإذا فقد شرط من الشروط وطرأ المانع كالجنون أو الزواج ونحو ذلك سقط حق الحضانة، ثم إذا زال المانع رجع الحاضن في حقه، ولكن الأولى مراعاة مصلحة المحضون، لأن حقه مقدم.
ومدة الحضانة إلى سن التمييز والاستغناء، أي تستمر الحضانة إلى أن يميز المحضون ويستغني، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك.
وإذا بلغ هذا الحد انتهت مدة الحضانة ذكراً كان أو أنثى، وذلك في سبع سنين أو ثمان سنين.
أما عن أثر السفر في انتقال الحضانة: فإذا افترق الأبوان واختلفا في حضانة الولد فيكون لسفرهما صور:
1- إذا أراد أحد الأبوين السفر غير نقلة، بأنه يريد أن يرجع فالمقيم أحق بالولد.
2- وإذا أراد أحدهما سفراً لقصد الاستيطان والإقامة وكان البلد أو الطريق مخوفاُ فالمقيم أحق به.
3- وإذا أراد أحدهما سفراً للانتقال والإقامة في البلد، وكان البلد والطريق آمنين فالأب أولى به من الأم، سواء كان المنتقل أباً أو أماً.
4- وإذا أراد الأبوان السفر جميعاً إلى بلدة واحدة فالأم باقية على حضانتها.
5- لو كان السفر قريباً بحيث يراهم الأب ويرونه كل يوم فتكون الأم على حضانتها.
عند بلوغ الولد حد الاستغناء تنتهي مدة الحضانة، وتبدأ مدة كفالة الصغار إلى أن يبلغ الحلم أو تحيض البنت، فتنتهي مدة الكفالة، ويكون الولد حراً في تصرفه.
حق المرأة في كفالة الصغار: يظهر من مذاهب الفقهاء أن للنساء حقاً في كفالة الولد في الجملة ولا سيما الأم والجدة، إلا أن الخلاف واقع بينهم فيمن هو أحق بالكفالة إذا تنازع الأبوان، وكانا أهلاً للكفالة، فيرى المالكية والظاهرية أن الأم أحق بكفالة الولد ذكراً أو أنثى، ويرى الحنابلة التخيير في الذكر، وأما الأنثى فالأب أحق بها، ويرى الحنفية أن الأب أحق بالغلام، والأم أحق بالجارية، ولعل الراجح هو التخيير إذا تنازعا وتوفرت فيهما شروط الكفالة.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 692.(6/1493)
حضانة أطفال المسلم من زوجته الكافرة بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات الرجل المسلم فمن يكون له حق رعاية الأطفال إذا كانت زوجته نصرانية وأقارب الرجل المسلمون بعيدون جدّاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رعاية الأطفال وحضانتهم لا تكون لكافرٍ – وهو قول مالك والشافعي وأحمد. المغني (11/412) ، فإذا كان أقرباء الرجل المسلمون بعيدين جدّاً فإنه ينبغي إرسال الأطفال إليهم، فإن لم يُتمكن من ذلك فليُدفع الأطفال إلى أسرةٍ مسلمة لتتولى رعايتهم وحضانتهم.
فمن شروط الحاضن:
الإسلام: فلا حضانة لكافر.
والعقل: فلا حضانة لمجنون ولا معتوه.
والبلوغ: فلا حضانة لصغير.
وحسن التربية: فلا حضانة لمفرِّط فيها.
قال ابن القيم:
لا حضانة لكافرٍ على مسلم لوجهين:
أحدهما: أن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه وأن ينشأ عليه ويتربى عليه فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه، وقد يغيِّره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده فلا يراجعها أبداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه "، فلا يُؤمن تهويدُ الحاضن وتنصيره للطفل المسلم.
فإن قيل: الحديث إنما جاء في الأبوين خاصة، قيل: الحديث خرج مخرج الغالب، إذ الغالب المعتاد نشوء الطفل بين أبويه فإن فقد أو أحدهما قام ولي الطفل من أقاربه مقامهما.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه قطع الموالاة بين المسلمين والكفار، وجعل المسلمين بعضَهم أولياء بعض، والكفار بعضهم مِن بعض، والحضانة من أقوى أسباب الموالاة التي قطعها الله بين الفريقين.
" زاد المعاد " (5 / 459) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1494)
إذا تزوجت المطلقة فليس لها حقٌ في الحضانة
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي ولدينا 4 أبناء أعمارهم 1و3 و5 و7 سنوات، ثم تزوجت مطلقتي من رجل مسلم، فطلبت حق رعاية أبنائي ولكنها رفضت وجعلت من الصعب جداً أن أزور أبنائي، فما هي حقوقي وواجباتي في هذا الحال؟
وهل هناك دليل من القرآن أو السنة يدعم قول أن الأب له حق رعاية الأبناء، زوجتي تقول بأنه لو لم يكن هناك آية قرآنية صريحة في هذا، فإن الأمر يرجع للاجتهاد، واجتهادها هي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأم أحق بحضانة أبنائها قبل سن السابعة، ما لم تتزوج، فينتقل الحق لمن يليها، لما روى أحمد (6707) وأبو داود (2276) عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت أحق به ما لم تنكحي" والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ويجب تمكين الأب من رؤية أبنائه، والسؤال عن أحوالهم، سواء كانوا في حضانة الأم أو غيرها.
وحيث إن حق الأم في الحضانة قد سقط بزواجها، فإنه ينتقل لمن بعدها، وفي تعيين الأحق بعد الأم خلاف بين الفقهاء، فذهب بعض العلماء إلى أنه ينتقل إلى أم الأم، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأب أولى من أم الأم، وعليه فتنتقل الحضانة إليك. (الشرح الممتع 6/26 الطبعة الكاملة) .
وكذلك لو كانت أم الأم كافرة أو فاسقة، فإن الحضانة تنتقل إلى الأب حتى عند القائلين بأن أم الأم أحق من الأب.
وينبغي أن يعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده، أو لإهماله وتضييعه، أو لكثرة أسفاره التي تضر بمصلحة أولاده.
وينبغي أن يتعاون الأبوان في هذا الأمر، مراعاةً لمصلحة أولادهما، وحتى لا يكون تنازعهما سبباً لفشل الأبناء وضياعهم.
وليس في المسألة آية قرآنية تحدد الأحق بالحضانة، لكن حسب المسلم قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر / 7
وقوله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء / 65.
وقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب / 36
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بسقوط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت، كما سبق في الحديث، فعلى المؤمنة أن ترضى بذلك وتسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1495)
إذا طلبت الطلاق ثم تزوجت فهل لها الحق في حضانة أولادها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول السائلة إنها على وشك الطلاق أو الخلع من زوجها لأنه يسيء إليها وعندها ثلاثة أطفال وسوف تحصل على حضانتهم.
لكن تحب أن تسأل هذا السؤال رغم أن عدتها لم تبدأ:
هل إذا تقدم إليها شخص وتزوجته يصبح لها حق الحضانة على الأطفال بموجب القانون؟ لكنها تخاف الله ولا تريد أن تخالف الشريعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأولى أن تصبر المرأة على زوجها وخصوصا إذا كان هناك أطفال بينهم، ولا يخلو بيت من خلافات؛ إلا إن كان زوجها يسيء إليها إساءة بالغة، ولا تستطيع العيش معه.
ثانياً:
إذا طلقت المرأة فإن عدتها ثلاث حيض، وأما إذا اختلعت من زوجها فإن عدتها حيضة واحدة، وتحرم خطبتها في حال العدة.
ثالثاً:
بينت الشريعة أنه إذا حصلت الفرقة بين الزوجين فالأم أحق بحضانة الأولاد من الأب، فإن تزوجت سقط حقها في الحضانة، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتلك المرأة التي طلبت حضانة ولدها من زوجها – بعد أن طلقها -: " أنت أحق به ما لم تنكحي ".
رواه أبو داود (2276) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1991) .
فدل الحديث أن المرأة أحق بحضانة أولادها من زوجها إلا إن تزوجت فهو أحق منها.
فالنصيحة للأخت السائلة أن تفكر جيدا قبل طلب الطلاق أو الخلع، فإن كنتِ تستطيعين أن تصبري على أذى زوجك، وما بينكما قد يزول بالتفاهم والاتفاق: فهذا أفضل، أما إن كنت لا تستطيعين العيش معه، فهذا أمر يرجع تقديره إليكِ.
وإن حصلت الفرقة فعلى المرأة أن تختار بين أولادها أو زوج آخر وتستخير الله في ذلك وتستعين به وتلجأ إليه بالدعاء والتضرع أن يهديها الصواب في ذلك، وهذا هو حكم الإسلام في هذه المسألة.
وأما إن كان القانون في بلادكم يحكم بحضانة الأولاد للأم حتى لو تزوجت فهذا مخالف لحكم الشرع ولا يجوز ذلك، قال الله تعالى: (أفحكم الجاهلية ييغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة / 50
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1496)
إذا قررت المرأة السفر من بلد زوجها السابق، فلمن تكون حضانة ابنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قررت الزوجة أن تنتقل للعيش في مدينة أخرى بعد الطلاق فسيكون من الصعب على الزوج أن يذهب لرؤية ولده حيث يجب عليه طلب إجازة والسفر بالطائرة للمدينة التي ستنتقل إليها الزوجة فهل يكون للزوج الحق في رعاية الطفل ما دام أنه سيبقى في نفس المدينة؟
وهل يجوز الاحتكام للمحاكم في البلاد غير الإسلامية للبت في حق الرعاية للطفل حيث إن الوالدين يعيشان في بلد غير مسلم وكلاهما يقول إن حق الرعاية له؟ وإذا تزوجت المرأة فهل تفقد حقها في الرعاية تلقائياً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للحضانة إذا اختلف بلد الزوجين الأصل في الحضانة - ما دام أن الطفل لم يبلغ السابعة - فهي للأم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت أحق به ما لم تنكحي) أخرجه أبو داود 1938، هذا من حيث الأصل.
ولكن هناك أصلاً آخر وقاعدة أخرى، وهي أن أمر الحضانة مبني على مصلحة الطفل، فإذا كان في سفر الطفل مع أمه أو مع والده ضرر عليه، فإنه تنتقل الحضانة إلى الوالد الذي لا يتضرر الولد بسفره، فإذا كان سفر الأم إلى بلد آخر لا يترتب عليه مضرة للطفل، فالأصل أن الحضانة تكون لها.
أما الاحتكام إلى المحاكم في البلاد غير الإسلامية للبت في مسائل الحضانة فإن هذا لا يجوز؛ لأن هذا احتكام إلى الطاغوت، والله عز جل يقول: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة / 44، وقوله تعالى: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) المائدة / 48.
فعلى الزوجين أن يذهبا إلى المراكز الإسلامية، وأن يسألا أهل العلم، ويحتكما إليهم.
وإذا تزوجت المرأة سقط حقها من الحضانة؛ للحديث المتقدم. انظر السؤال رقم (9463) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الدكتور / خالد بن علي المشيقح(6/1497)
يعيش في مشاكل بسبب زوجته الثانية ويخشى على ابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[سأقدر لك كثيرا إرشادي فيما يتعلق بالموضوع أدناه وفقا لأحكام الشريعة وقيمها:
إذا كانت الزوجة (الثانية) تتلاعب في وثائق وترفع على زوجها القضية تلو القضية فيما يتعلق بالمهر والنفقة.. الخ، وتسئ إليه خلف ظهره وهي تعيش مع والدتها. فما هو الحكم في هذه الزوجة؟ (لقد حاولت التصالح معها لكن ذلك لم يفد، وطلاقي لها هذه المرة ستكون الثالثة لكنها لا تبالي. فهي لا تريد غير المال.) لقد رفعت قضية طلاق في المحكمة. فهل يعتبر ذلك خلعا. وإن لم يكن كذلك، فلمن تكون الحضانة على الطفلة؟ أنا لا أريد أن أذكر مساوئها، لكني أشرح بعض الحقائق. فهي لا تهتم وتعيش بطريقة غير جيدة بما يتناسب مع قيامها بتربية الطفلة. فمستوى تعليمها الرسمي وغير الرسمي منخفض. وستؤثر طريقتها على شخصية الصغيرة مستقبلا. والأهم من ذلك، أنها أخبرتني في اتصال لها عبر الهاتف أنها ستجعل من طفلتي شخصا سيئا. وحتى ننقذ الصغيرة، فمن الذي يجب أن تكون عنده حضانتها؟ ومع أنها تعمل وتكتسب المال، فإن المال ليس كل شيء في الحياة، فالحياة تعني القيم، كالعيش بقيم اجتماعية وأخلاقية ودينية عالية. ومن وجهة النظر المتعلقة بالقيم الواردة أعلاه، فإن والدتها ليست قوية جدا.
وعندما تذهب للعمل، فإن والدة زوجتي ستقوم بالاعتناء بالصغيرة. وأمها أمية، وقد سمعتها مصادفة تتلفظ بكلمات سيئة على طفلتنا. فكيف يمكنها تربيتها.. الخ؟ وحسب التعاليم الإسلامية، فهل يجوز أن يسمح لشخص آخر في العائلة أن يعتني بالصغير بدلا عن الوالد؟ من هو الشخص الأكثر تعليما وعنده معايير عالية للدين والقيم الأخرى. ومن هو الأكثر مسؤولية في المجتمع؟ أظن أنه يمكنني أن أجعل من طفلتي إنسانة صالحة صاحبة قيم اجتماعية وأخلاقية ودينية عالية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الطلاق أنه مكروه، ويدل لذلك قوله تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} فقال في الفيئة {غفور رحيم} وقال في الطلاق {سميع عليم} وهذا فيه شيء من التهديد، فدل هذا على أن الطلاق مكروه عند الله تعالى.
ولكن قد تعرض حالات أخرى تجعل الطلاق أمرا لابد منه، بل قد يصل الأمر إلى وجوب الطلاق، وفي مثل الحالة التي ذكرتها أيها الأخ الكريم، فإن الطلاق ربما يكون حلا مناسبا، إذ لا يعقل أن تكون الزوجة بهذه الإساءة لزوجها – على ما ذكرته في سؤالك -، فإن المرأة قد تخطيء على زوجها، لكن أن تكفر العشير المرة تلو الأخرى، فهذا مما يستغرب.
ولكن قبل الطلاق لابد من محاولة الإصلاح أولاً، والصبر على المرأة، فإذا كان فيها بعض الإخلاق السيئة فستجد منها أيضاً بعض الصفات الحميدة، والأخلاق الحسنة فلتتحمّل سيئاتها مقابل حسناتها.
يراجع السؤال رقم (20044) و (2076)
وإن استطعت أن تدخل بعض الأقارب لحل الموضوع فافعل، رحمة بتلك البنت المسكينة، التي ستعاني – مهما كان الأمر – من مرارة الفراق، وتفكك الأسرة.
فإن كان الطلاق هو الحل النهائي، واستفرغت كل الحلول، فاستخر ثم استشر، وتوكل على الله.
أما ما رفعته هي للقضاء فهذا قد يكون طلبا من القضاء لإلزام الزوج بالطلاق، أو خلعا، على حسب الحال، فإن كانت ستدفع للزوج مالاً أو ترد إليه المهر مقابل حصولها على الطلاق فهذا خلع، وإن كانت لن تدفع شيئاً فهذا سيكون طلاقاً إذا وقع.
وأما بالنسبة للحضانة، فالأصل أن الأم هي الأحق بالحضانة، ما لم يكن هناك مانع من ذلك، فإن كان هناك مانع كزواج الأم بزوج أجنبي عن الولد، أو سوء خلق الأم، فإن الحضانة تنتقل إلى أم الأم عند الجمهور، فإن كانت هي كذلك – أي أم الأم -، انتقلت إلى الأب، واختار شيخ الإسلام أنه عند تنازع أم الأم والأب فإن الحضانة تكون للأب، لأنه أقرب للولد، وهذا القول رجحه الشيخ ابن عثيمين في شرحه كتاب الحضانة من زاد المستقنع، وقد سبق تفصيل ذلك في السؤال رقم (5234، 9463، 8189، 21516) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1498)
أرضعت طفلاً تظنه ابنها فهل يثبت التحريم بالرضاعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل سنوات خالتي (زوجة أبي) أرضعت ولد جارتها على كلا الجانبين حتى ارتوى ونام من ليلة حتى الصباح، دليل تمام الشبع، السؤال: خالتي عندما أرضعت الولد كانت تظن أنه ولدها، لأنهم في نفس العمر أربع أشهر، وبنفس الحجم، يعني رضاعة بالخطأ، لكن كانت رضعات أكثر من عشر مشبعات أكيدة، وبشهود، هل هناك اعتبار للخطأ؟ أرجو التوضيح علما أن المودة قوية بيننا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أرضعت المرأة طفلاً دون الحولين خمس رضعات ثبت بذلك أحكام الرضاعة، فتصير أمه من الرضاعة، ويصير زوجها أباً له من الرضاعة، وجميع أولادها وأولاد زوجها من النسب أو الرضاعة يكونون إخوة لهذا الرضيع.
ولا يشترط لإثبات هذا التحريم حصول القصد من المرأة أو من الطفل أو علمها بأنه ليس ابنها، وقد ذكر العلماء في أحكام الرضاعة مسائل يستفاد منها هذا الحكم.
فذكروا لو أن طفلة رضيعة دبَّت إلى كبيرة نائمة فارتضعت منها ثبتت الأمومة، وثبتت أحكام الرضاعة.
وانظري: "المغني" (11/333) ، و "تحفة المحتاج" (3/492) .
وعلى هذا، تكون زوجة أبيك أمًّا لهذا الولد من الرضاعة، ويكون أبوك أباً له، وتكونين أختاً له.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1499)
هل يتزوج من بنت عمته وقد رضع أخوه من أمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن خمسة إخوة، وإن عمتي قد أرضعت أخي الأكبر، وإن والدتي لم ترضع من أولادها أحداً، وأنا أصغر إخوتي، فهل يجوز لي أن أتزوج من بنت عمتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، لا حرج في هذا، ولكن تحرم بناتها على من رضع منها، وأما باقي الإخوة الذين لم يرضعوا فإنهم لا يحرم عليهم أن يتزوجوا من بنات العمة، لأن الزواج يختص بالرضاع فقط، فإذا كانت بنات العمة لم يرضعن من أمك أيها السائل ولا من أخواتك ولا من زوجة أبيك ـ يعني لم يرضعن من امرأة تحرم عليك بنتها ـ فلا حرج عليك من الزواج بهن، وكون أخيك الأكبر رضع من عمتك لا يمنع تزويج البقية من بنات العمة" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1553)(6/1500)
لا مانع من إرضاع الطفل أثناء فترة الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي ترضع في ابنها عمره الآن تسعة أشهر وهي الآن حامل في شهرها الأول تقريبا فهل يمكن لها أن تكمل رضاعة ابنها بدون مشاكل صحية لأن هناك أحاديث نبوية تمنع ذلك، ولا أعرف صحتها من عدمها؟ علما بأن الولد متعلق بالرضاعة من أمه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك، وإنما الذي ورد في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهى عنه، خوفا من أن يكون فيه ضرر، ثم لم يفعل، كما رواه مسلم (1442) عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ) .
قال النووي رحمه الله:
" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْغِيلَةِ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهِيَ الْغَيْل , فَقَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ وَالْأَصْمَعِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة: أَنْ يُجَامِع اِمْرَأَته وَهِيَ مُرْضِع. وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت: هُوَ أَنْ تُرْضِع الْمَرْأَة وَهِيَ حَامِل.
قَالَ الْعُلَمَاء رحمهم الله: سَبَب هَمّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهُ يَخَاف مِنْهُ ضَرَر الْوَلَد الرَّضِيع.
قَالُوا: وَالْأَطِبَّاء يَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ اللَّبَن دَاء وَالْعَرَب تَكْرَههُ وَتَتَّقِيه.
وَفِي الْحَدِيث جَوَاز الْغِيلَة فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا , وَبَيَّنَ سَبَب تَرْك النَّهْي " انتهى مختصرا.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أنا متزوج، وأنجبت زوجتي ولدا ولكن قبل أن يكمل السنة الثانية من عمره، أنجبت أيضاً مرة ثانية، فهل علينا إثم في ذلك؛ لأن الآية الكريمة تقول (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) ؟
فأجاب:
" ليس عليكم إثم إذا تواصل الأولاد، بل لكم أجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تزوجوا الودود الولود) يعني كثيرة الولادة، وأما قوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) البقرة /233، فلا ينافي كثرة الولد، يعني من الممكن أن يرضع الطفل السابق بعد أن تحمل الأم بالولد اللاحق، وقد هم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينهى عن الغيلة، وهي إرضاع الحامل الطفلَ، قال: ثم رأيت فارس والروم يغيلون ولا يضرُّ أولادهم شيئاً فلم ينهَ عنها " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/495) .
وبناء عليه:
يجوز إرضاع الطفل أثناء فترة الحمل، ما لم تستدع الدواعي الصحية منعه، برأي الطبيب الثقة الحاذق، فيرجع في ذلك إلى قوله، في الحالة الخاصة.
والله أعلم.
وينظر إجابة السؤال رقم: (21203) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1501)
أولاد الزوجة من زوجها الأول لا محرمية بينهم وبين أولاد الزوج الثاني من غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي متزوج بامرأتين، أنجبت كل واحدة منهن طفلا، الأولى بنتا، والثانية ولدا، وكل واحدة منهن أرضعت ابن الثانية، والزوج له بنات وأولاد كبار، والزوجة الثانية لديها أولاد من زوجها الأول، وإخوة، هل يجوز لبنات وأولاد الزوج الكشف على أولاد الزوجة الثانية وإخوانها، علماً بأن الزوجة الأولى أرضعت ابن الثانية، والزوجة الثانية أرضعت بنت الأولى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
متى رضع الطفل أو الطفلة من امرأة فقد صارت تلك المرأة أما له أو لها من الرضاعة، وصار كل أبنائها إخوة له أو إخوة لها من الرضاعة، وصار زوج المرأة أبا له أو لها من الرضاعة.
وصار إخوة المرأة أخوالا له أو لها من الرضاعة، وصارت أخوات المرأة خالات له أو لها من الرضاعة، ويجمع ذلك كله قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) متفق عليه.
فالمحارم من الرضاع نظير المحارم من القرابة.
قال شيخ الإسلام:
" إذا ارتضع الطفل من امرأة خمس رضعات في الحولين قبل الفطام صار ولدها باتفاق الأئمة وصار الرجل الذي در اللبن بوطئه أبا لهذا المرتضع باتفاق الأئمة المشهورين، وهذا يسمى
" لبن الفحل ".
وإذا صار الرجل والمرأة والدي المرتضع، صار كل من أولادهما إخوة المرتضع , سواء كانوا من الأب فقط، أو من المرأة، أو منهما، أو كانوا أولادا لهما من الرضاعة؛ فإنهم يصيرون إخوة لهذا المرتضع من الرضاعة؛ حتى لو كان لرجل امرأتان فأرضعت هذه طفلا وهذه طفلة: كانا أخوين؛ ولم يجز لأحدهما التزوج بالآخر، باتفاق الأئمة الأربعة وجمهور علماء المسلمين. وهذه " المسألة " سئل عنها ابن عباس فقال: اللقاح واحد يعني الرجل الذي وطئ المرأتين حتى در اللبن واحد. ولا فرق باتفاق المسلمين بين أولاد المرأة الذين رضعوا مع الطفل وبين من ولد لها قبل الرضاعة وبعد الرضاعة: باتفاق المسلمين.
وإذا كان كذلك فجميع " أقارب المرأة أقارب للمرتضع من الرضاعة " أولادها إخوته، وأولاد أولادها أولاد إخوته وآباؤها وأمهاتها أجداده، وأخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وكل هؤلاء حرام عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (34 / 31-32) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" إذا رضع إنسان من امرأة رضاعا محرما فيعتبر ابنا لها من الرضاع، وأخا لجميع أولادها الذكور والإناث، سواء منهم من كان موجودا وقت الرضاع، أو ولد بعد رضاعه؛ لعموم قوله تعالى: (وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) .
وإذا رضع إنسان من إحدى زوجتي رجل رضاعا محرما فجميع أولاد ذلك الرجل إخوان من الرضاعة لهذا الراضع، سواء كان رضاعه من إحدى زوجاته أو من جميعهن؛ لأن اللبن منسوب للرجل، والرضاع المحرم ما كان خمس رضعات فأكثر وكان في الحولين، مع العلم أن الرضعة الواحدة هي أن يمتص الطفل الثدي ثم يتركه لتنفس أو انتقال " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/ 7) .
وبناء على ما تقدم:
فأولاد الزوج وبناته الكبار، الذين لم يرضعوا من الزوجة الثانية: لا يحل لهم أن يكشفوا أمام أولاد الزوجة الثانية، من زوجها الأول، ولا إخوانها؛ لأنه ليس بينهم أخوة نسب، ولا أخوة رضاع، وليس بينهم وبين إخوان الزوجة محرمية نسب ولا رضاع.
وأما البنت التي رضعت من الزوجة الثانية، فهي أخت لجميع أبناء الزوجة من الرضاع، وهي أخت لولد هذه الزوجة المذكور، من النسب أيضا، كما هو واضح.
والله تعالى أعلم.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (112875) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1502)
رضع من زوجة خاله، فهل يتزوج هو أو أخوه من بناتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رضعت من زوجة خالي مع إحدى بناتها، فأصبحت شقيقاً لهذه البنت من الرضاعة، فهل يجوز لي أن أتزوج من أخواتها الأخريات بأي حال من الأحوال؟ وهل يجوز لإخواني الزواج من البنت التي رضعت معها أو من شقيقاتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما أنت أيها الراضع فليس لك أن تنكح منهن أحداً، لا من بنات المرأة ولا من بنات زوجها، ولو من زوجة أخرى؛ لأنك صرت ولداً لهما إذا كان الرضاع خمس مرات معلومات أو أكثر حال كونك في الحولين، فإنك تكون ولداً للمرأة المرضعة، وولداً لزوجها صاحب اللبن، وأخاً لأولادهما جميعاً، أخاً لأولاد المرأة من هذا الزوج ومن غيره، وأخاً لأولاد الرجل صاحب اللبن من هذه الزوجة أو من غيرها، فصار هو أباك، وصارت هي أمك، وليس لك أن تنكح من أولادهما أحداً.
أما إخوتك فلا بأس أن يتزوجوا من بنات هذا الرجل إذا لم يرضعوا؛ لأنهم ليسوا إخوة لهن، إنما التحريم عليك أنت لأنك الذي رضعت من أمهن فأنت أخ لهن، وأما إخوانك فلا بأس عليهم ولا حرج، إذا لم يكن بينهم وبين هؤلاء البنات رضاع، ولا إرضاع للبنات من أمك ولا من زوجة أبيك ولا من أخواتك. المحرَّم هو نكاحك أنت؛ لأنك صرت أخاً لهن، وأما إخوتك فأجانب ليسوا إخوة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1553) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/1503)
هل يجوز أن يزيد رضاع الطفل على الحولين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن على علم بأن الرضاع مدته عامين، فهل يمكن لطفل أن يظل يرضع أكثر من عامين وإن كان ذلك جائزا، فكم هي المدة المتاحة بعد انتهاء العامين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الله تعالى تمام الرضاعة حولين كاملين، فقال: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) البقرة /233.
قال ابن كثير:
" هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1 / 633-634) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وقَوْله تَعَالَى (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا تَمَامُ الرَّضَاعَةِ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غِذَاءٌ مِنْ الْأَغْذِيَةِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (34 / 63) .
وجاء في "مجلة البحوث الإسلامية" (37 / 329) :
" وقد ثبت طبيا أن الرضاعة في الحولين الأولين هي وحدها السبب في تكوين الطفل، وأن الرضاعة بعد الحولين لا تكون وحدها غذاء للطفل " انتهى.
واستمرار الرضاع بعد السنتين لا حرج فيه، لا سيما إذا كان ذلك لمصلحة الطفل.
قال القرطبي:
" والزيادة على الحولين أو النقصان إنما يكون عند عدم الإضرار بالمولود وعند رضا الوالدين " انتهى.
"تفسير القرطبي" (3/162) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" إذا علم أن الرضاعة حق للرضيع ومصلحته، وأنه لا يجوز فطامه قبل السنتين إذا أضر به، فإنه يجوز للأم أن تستمر على إرضاع ولدها بعد السنتين إذا كان لمصلحته ودفع الضرر عنه، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (تحفة المودود في أحكام المولود) : ويجوز أن تستمر الأم في إرضاعه بعد الحولين إلى نصف الحول الثالث أو أكثره " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21 / 60) .
وجاء في كتاب: "الفقه الإسلامي وأدلته" (10 / 36) للدكتور وهبه الزحيلي:
" فإن استمر الرضاع بعد الحولين لضعف الطفل، فلا مانع منه للحاجة، ولكن لا يترتب عليه أحكامه من التحريم وأخذ الأم المطلقة أجراً عليه " انتهى.
وقال في "الجوهرة النيرة" (2/27) :
" فِي الذَّخِيرَةِ: مُدَّتُهُ – أي الرضاع - ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: أَدْنَى، وَوَسَطٌ، وَأَقْصَى، فَالْأَدْنَى حَوْلٌ وَنِصْفٌ، وَالْوَسَطُ حَوْلَانِ، وَالْأَقْصَى حَوْلَانِ وَنِصْفٌ، حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ شَطَطًا، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا " انتهى.
وعلى هذا، فلا حرج من زيادة الرضاعة عن سنتين، ولكن ينظر في ذلك إلى مصلحة الطفل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1504)
هل للأم أن تطلب من الأب أجرة إرضاعها لأولادها منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حق الزوجة مقابل مادي من الزوج إذا كانت ترضع أولاده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب بعض العلماء إلى أن الزوجة إذا طلبت من زوجها أجرة على إرضاعها أولادها منه وجب عليه ذلك، واستدلوا بقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وانظر "المغني" (11/431) .
ولكن الصحيح في ذلك أن الزوجة إذا كانت في عصمة الزوج، فلا يجوز لها أن تطلب أجرة مقابل إرضاعها لأولادها، لأن ذلك واجب عليها، وليس لها حينئذ إلا النفقة فقط، لقول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233.
وأما إذا كانت مطلقة، وليست في عصمة زوجها، فلها أن تطلب أجرة على إرضاعها أولادها منه، وذلك لقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق/6، فهذه الآية في حق المطلقة، والآية الأولى في حق الزوجة.
وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإرضاع الطفل واجب على الأم، بشرط أن تكون مع الزوج، وهو قول ابن أبي ليلى وغيره من السلف. ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها، وهو اختيار القاضي وقول الحنفية؛ لأن الله تعالى يقول: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233. فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف، وهو الواجب بالزوجية، أو ما عساه يتجدد من زيادة خاصة للمرتضع، كما قال في الحامل: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/6، فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه؛ لأنه يتغذى بغذائها وكذلك المرتضع، وتكون النفقة هنا واجبة بشيئين، حتى لو سقط الوجوب بأحدهما ثبت بالآخر، كما لو نشزت وأرضعت ولدها فلها النفقة للإرضاع لا للزوجية، فإما إذا كانت بائناً منه وأرضعت له ولده فإنها تستحق أجرها بلا ريب، كما قال الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6" انتهى.
"الاختيارات" (ص 412، 413) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وظاهر كلام المؤلف أن عليه أن يؤدي الأجرة سواء كانت الأم معه، أو بائناً منه، فإذا طلبت الأم من زوجها أن يؤدي الأجرة عن إرضاع الولد، ولو كانت تحته، فعليه أن يؤدي الأجرة، نأخذ ذلك من قول المؤلف " (وعلى الأب أن يسترضع لولده) ولم يقيده بما إذا كانت الأم بائناً، والدليل على ذلك عموم قوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو المشهور من المذهب [يعني: مذهب الإمام أحمد] ، وأن الأجرة حق لها.
واختار شيخ الإسلام: أنه إذا كانت المرأة تحت الزوج فليس لها إلا الإنفاق فقط، وليس لها طلب الأجرة، وما قاله الشيخ أصح؛ لأن الله قال: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، وهذا في المطلقات، والمطلقة ليست مع الزوج، وأما التي مع زوجها فقال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233، فإن قلت: إذا كانت زوجة فعلى الزوج النفقة والكسوة بالزوجية، سواء أرضعت أم لم ترضع؟ قلنا: لا مانع من أن يكون للإنفاق سببان، فإذا تخلف أحدهما بقي الآخر، فلو كانت الزوجة في هذه الحال ناشزاً، فليس لها الإنفاق بمقتضى الزوجية، لكن بمقتضى الإرضاع لها نفقة، ومن المعلوم أنك لو استقرأت أحوال الناس من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم ما وجدت امرأة من النساء تطالب زوجها بأجرة إرضاع الولد، وهذا هو القول الصحيح" انتهى.
"الشرح الممتع" (13/515، 516) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1505)
إذا كان الزوج قد رضع من جدة زوجته فهو خالها من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تزوج رجل امرأة ثم ثبت أن جدتها أم أمها أرضعته سنة كاملة بلبن خفيف وهي عجوز قد مات زوجها لمدة طويلة. فهل يبطل هذا النكاح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ثبت بالكتاب العزيز والسنة المطهرة أن الرضاع يحرم به ما يحرم من النسب، وبين الله في كتابه الكريم تحريم الأمهات من الرضاع والأخوات من الرضاع، وثبت في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) ؛ فعم ذلك جميع المحرمات من النسب؛ الأم من الرضاع والبنت من الرضاع والأخت من الرضاع وبنت الأخ من الرضاع وبنت الأخت من الرضاع والعمة من الرضاع والخالة من الرضاع كلهن محرمات، كما أنهن من المحرمات من النسب بنص رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فهذه المسألة التي ارتضع فيها إنسان من جدة زوجته أم أمها يكون بذلك خالاً لها، أخاً لأمها، إذا كانت أرضعته العجوز سنة كاملة، بل يكفي أنها أرضعته خمس رضعات، إذا أرضعته خمس رضعات ولو في مجلس واحد فإنه يكون بذلك خالاً لزوجته، أخًا لأمها فتحرم عليه؛ لأن بنت الأخت حرام من النسب، فهكذا تكون حراماً من الرضاع بنص الرسول عليه الصلاة والسلام وبإجماع أهل العلم، ولو أنها عجوز كبيرة، ولو أنها ليست ذات بعل وقد مات بعلها لمدة طويلة؛ فإن ظهور اللبن فيها يحرِّم من أرضعته به.
فتكون هذه الزوجة بنت أخت الزوج، ويكون خالها، فتحرم عليه بذلك، وتكون العجوز أماً لهذا الزوج وجدة لأولاده من هذه الزوجة أو غيرها، لأنه صار ولداً لها بهذا الرضاع، ولو أنه خفيف ما دام لبناً يغذيه فإنه يحرم به ما يحرم من النسب.
ولو أنها ليست ذات بعل في الوقت الحاضر حتى ولو كانت شابة على الصحيح لم توطأ ولم تحمل إذا دَرَّت باللبن وأرضعته صارت أماً للرضيع، وصار إخوتها أخوالاً له، وأخواتها خالات له، واشتراط أن تكون امرأة قد حملت ليس بجيد؛ أو وطئت ليس بجيد، أما هذه التي حملت وولد لها ومات بعلها من قديم فهذه تامة الشروط عند أهل العلم، فقد حملت وقد ولدت فهي على كل حال لبنها مؤثر، ولو أنها مات زوجها من مدة طويلة، فهذا اللبن الذي أرضعت به هذا الرجل يكون به خالاً لزوجته فتحرم عليه زوجته" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1554) .(6/1506)
لا يثبت التحريم إذا حصل شك غي عدد الرضعات
[السُّؤَالُ]
ـ[عمتي زوجة أبي وقد أرضعت ابن شقيقي وعندها شك في عدد الرضعات ولكنها شاكة في هذه الرضعة هل هي تحرم أم لا حيث إن ابن شقيقي هذا تقدم للزواج من ابنتي. أفتونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حيث إن الشك موجود، فلا تدري هل هي خمس رضعات أم أربع أم أقل فالأصل عدم التحريم، وذلك لأن الأصل عدم الرضاع المحرّم، فلا بأس والحال هذه من الزواج، ولا يعتبر هذا الرضاع المشكوك فيه محرّماً.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(6/1507)
أولاد أبيك من الرضاع من زوجته الثانية التي لم ترضع منها إخوة لك
[السُّؤَالُ]
ـ[رضعت من امرأة ثم تزوج زوجها من أخرى، وأنجبت زوجته أبناء، فهل هم إخوة لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان اللبن منسوبا للزوج لكونها أنجبت منه فهم إخوة لك من أبيك وأمك من الرضاع، وأما أولاده من الزوجة الثانية فهم إخوة لك من أبيك من الرضاع.
والرضعة هي أن يمسك الطفل الثدي ويمص اللبن حتى يصل إلى جوفه ثم يترك الثدي لأي سبب من الأسباب ثم يعود ويمص الثدي حتى يصل اللبن إلى جوفه، ثم يترك الرضاع ثم يعود وهكذا حتى يكمل الخمس أو أكثر سواء كان ذلك في مجلس أو مجالس، وسواء كان ذلك في يوم أو أيام بشرط أن يكون ذلك حال كون الطفل في الحولين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم، لسهلة بنت سهيل: (أرضعي سالما خمس رضعات تحرمي عليه) .
ولما ثبت في صحيح مسلم وجامع الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك) ، وهذا لفظ رواية الترمذي.
وفق الله الجميع لما يرضيه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/307) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1508)
من رضع من أم زوجتك فهو خال لأبنائك وبناتك
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجة ولي منها ثماني بنات، ولها أخت أصغر منها بخمس عشرة سنة وقد رضع من أمها شخص فصار أخا لها، ولكن مشكلتي أن بناتي يقلن إنه خالهن من الرضاع ويكشفن له الحجاب، وأنا أنهاهن عن ذلك وهن يرفضن، فأرجو الإفادة جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الرجل المذكور قد ارتضع من أم زوجتك أو من زوجة أبيها حال كونها في عصمة أبيها خمس رضعات أو أكثر حال كونه في الحولين، فإنه يكون خالا لبناتك من الرضاعة، ويحل لهن الكشف له كسائر المحارم والخلوة به. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) متفق على صحته، وهذا ما لم تكن هناك ريبة تمنع من الخلوة بإحداهن" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/307) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1509)
إذا ارتضع من جدته صار أخاً لأخواله وخالاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ابني رضع من جدته لأمه، فهل يجوز له أن يتزوج من بنات خالاته أو بنات أخواله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الطفل المذكور ارتضع من جدته لأمه خمس رضعات أو أكثر حال كونه في الحولين صار بذلك أخا لأخواله وخالاته، وعمًّا لأولاد أخواله، وخالاً لأولاد خالاته، فلا يجوز له أن يتزوج من بنات أخواله، لأنه صار عماً لهن من الرضاع، ولا من بنات خالاته، لأنه صار خالاً لهن من الرضاع ما تناسلوا، وبالله التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/306) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1510)
أرضعت أختها، ولزوجها أبناء، فهل تحرم تلك الأخت على أولئك الأبناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجتْ امرأةٌ من رجل لديه ولدان، وأرضعت أختَها، هل يعتبر أولاد زوجها إخوة لأختها التي أرضعتها؟ مع العلم أنها لم تفصح عن عدد الرضعات، غير أنها قالت: إنها أرضعتها حتى شبعت، ومع العلم أيضاً أن أختها زوَّجتْها من ولد زوجها، وقد أنجبوا الأولاد، والبنات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فإن الذي يظهر لنا من السؤال:
أن المرأة تزوجت الرجل وعنده ابنان من غيرها، فهما على هذا ليسا ابنين لها، ولا هي قامت بإرضاعهما، فلا يكونان أيضاً ابنين لها بالرضاعة.
وعليه:
فإنها إن قامت بإرضاع أختها بعد زواجها من هذا الرجل، وكانت الرضعات: خمس رضعات فما فوق: فتكون أمّاً لأختها بالرضاعة، ويكون زوج الأخت: أباً لأختها في الرضاعة.
وعلى ذلك: يكون ابنا هذا الرجل: أخوين للأخت التي رضعت من أختها؛ لاشتراكهما جميعاً في أب واحد، وتكون أخت الزوجة قد دخلت في أسرة هذا الرجل، فزوجته أمٌّ لتلك الأخت، وهو أب لها، ويكون أبناؤها إخوةً لها، ووالداه أجداداً لها، وأشقاؤه أعماماً لها، وهكذا، يكون لها ما لأولاده من أحكام التحريم في النكاح، وهو معنى الحديث الصحيح " يَحرُمُ من الرَّضَاع مَا يَحْرُمُ من النَّسَب ".
وعليه: يكون حراماً على أخت الزوجة – والتي صارت بنتاً للرجل في الرضاعة – أن تتزوج من أبناء زوج أختها؛ لأنهم صاروا بذلك: إخوةً لها في الرضاعة.
ثانياً:
وهذا الحكم السابق هو في حالين:
1. في حال كانت الرضاعة لتلك الأخت في سن الرضاعة، وهو سنتان من أول عمرها، فإن أرضعتها وكان عمرها قد تجاوز السنتين: فلا يثبت تحريم الرضاع.
2. وفي حال كانت الرضعات خمسا فما فوق، وأما إن كانت الرضعات أقل من ذلك يقيناً، أو كان العدد مشكوكاً فيه هل يصل للخمس أم لا: فلا يثبت التحريم، ولا يكون أبناء الرجل إخوة لها في الرضاعة، ولا تكون أختها أمّاً لها في الرضاعة في الأصل.
وانظر أدلة هذين الحالين بتفصيل في جواب السؤال رقم: (804) .
ونضيف شرطاً مهمّاً هنا لثبوت التحريم - سبقت الإشارة إليه -: وهو أن تكون المرأة أرضعت أختها بلبن زوجها الحالي، لا بلبنٍ سابقٍ من زوجٍ سابقٍ، فالسؤال ليس فيه توضيح لهذا الجانب.
فإن كان لبن هذه المرأة موجوداً في الأصل من زوج سابق: فلا يكون أبناء الزوج الثاني إخوةً لتلك الأخت المرتضعة؛ لعدم وجود علاقة تربطهم بها.
وينظر في بيان هذا الشرط: جواب السؤال رقم: (45620) .
وعلى أصحاب هذا السؤال التأكد من حقيقة الحال، ومن عدد الرضعات، ثم عرض قضيتهم على محكمة شرعية، للبت بها، والحكم بما يتناسب مع الحكم الشرعي لها، وقد يترتب على توضيح الحال فسخ النكاح بين تلك الأخت وبين أحد أبناء الزوج، وقد يُقرّان عليه، إن تبين أنه لا تحريم بينهما، ويجب على أصحاب السؤال العجلة في ذلك، وعدم التأخر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1511)
جميع أولاد مرضعتك إخوة لك من جميع أزواجها
[السُّؤَالُ]
ـ[رضعت من امرأة مع أحد أبنائها، ثم توفي زوجها فأكملت العدة وتزوجت من رجل آخر، وأنجبت منه أبناء، فهل أبناؤها من الرجل الأخير إخوان لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر في السؤال، وكنت قد رضعت منها خمس رضعات أو أكثر حال كونك في الحولين فأولادها من الزوج الأول إخوة لك من أبيك وأمك من الرضاعة، وأولادها من الزوج الثاني إخوة لك من الأم فقط من الرضاعة، لقول الله سبحانه لما ذكر المحرمات في سورة النساء في قوله سبحانه: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) ثم قال بعد ذلك: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) النساء/23، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) متفق على صحته" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/301) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1512)
لا يشترط في التحريم بالرضاعة أن تكون الرضاعة بالمص من الثدي مباشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مولود وعند أختي مولودة وأريد أن أرضع ابني من حليب أختي حتى يكونوا إخوة من الرضاع ويسهل الدخول والاختلاط بدون حرج مستقبلاً، فهل يشترط الرضاع مباشرة من ثدي المرضعة، أو يمكن جمع الحليب، ونقله إلى الطفل حتى لو كان في بلد آخر بعد حفظه في الثلاجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج في إرضاع ابن الأخ أو الأخت أو غيره؛ ليكون محرماً للمرضعة وأولادها ويسهل دخوله عليهم، وقد كانت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا) رواه أبو داود (2061) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ثانياً:
الرضاع المحرِّم لا يتوقف على مص اللبن من الثدي، بل لو وضع في إناء وشرب منه الطفل، كان ذلك رضاعاً معتبراً في قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال: الشافعي: (والسعوط كالرضاع , وكذلك الوَجُور) معنى السعوط: أن يصب اللبن في أنفه من إناء أو غيره، والوَجُور: أن يصب في حلقه صباً من غير الثدي. واختلفت الرواية في التحريم بهما , فأصح الروايتين أن التحريم يثبت بذلك , كما يثبت بالرضاع، وهو قول الشعبي والثوري , وأصحاب الرأي، وبه قال مالك في الوجور. والثانية: لا يثبت بهما التحريم. وهو اختيار أبي بكر , ومذهب داود، وقول عطاء الخراساني في السعوط ; لأن هذا ليس برضاع , وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع.
ويدل على ثبوت التحريم بذلك: ما روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع , إلا ما أنشز العظم , وأنبت اللحم) رواه أبو داود، ولأن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع , ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع , فيجب أن يساويه في التحريم " انتهى بتصرف يسير من "المغني" (8/139) .
ثالثاً:
الرضاع المحرم يشترط فيه أن يكون خمس رضعات، وأن يكون الولد لم يتجاوز الحولين.
وحساب الخمس رضعات هنا، يكون بجعل اللبن في إناء، ثم سقيه للصبي في خمسة أوقات متفرقة.
قال ابن قدامة في "الكافي" (5/65) : " إذا حلبت في إناء دفعة واحدة، أو في دفعات، ثم سقته صبياً في خمسة أوقات، فهو خمس رضعات، وإن سقته في وقت واحد، فهو رضعة واحدة، لأن الاعتبار بشرب الصبي، فإن التحريم يثبت به، فاعتبر تفرّقه واجتماعه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1513)
حليب المرأة غير المتزوجة هل ينشر المحرمية؟ وكيف تربي لقيطاً؟ وما معنى "العرق دسّاس"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أفكر أنا وزوجي بكفالة طفل يتيم، خاصة أنه لم يرزقنا الله بالذرية، ولديّ في هذا الموضوع سؤالان: الأول: ما حكم أخذ حبوب لدر الحليب؛ وذلك لإرضاع الطفل، وحتى يصبح ابننا بالرضاعة؟ (مع العلم أنني سمعت بوجود هذا النوع من الحبوب، وسأحاول التأكد من وجوده، ولكن يهمني الحكم الشرعي أولاً) ، وهل يصبح الطفل ابننا بالرضاعة؟ ، مع العلم أن الحليب لم يكن نتاج حمل. الثاني: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (العرق دساس) ؟ . وأريد استشارة فضيلتكم في هذا الموضوع في أخذنا لطفل يتيم لتربيته وخاصة أن معظم اليتامى في دور الأطفال في السعودية هم لقطاء، وأنا أعرف ومقتنعة أن الطفل لا ذنب له، ولكني أفكر في مستقبل الطفل وكيف يكون شعوره عندما نخبره بأنه كان طفلاً لقيطاً، وكيف يكون تعامل الناس معه والزواج ومثل هذه الأمور، أعرف أنه وهو طفل لن يكون هناك مشاكل بإذن الله لأننا سنحسن معاملته بما يرضي الله، ولكن أفكر في مستقبله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يرزقكِ وزوجك الذرية الصالحة، وأن يجزيكما خير الجزاء على وقوفكما عند أحكام الشرع، وعلى اهتمامكما بالأيتام، وحب رعايتهم والعناية بهم، ونحن ندعو من يقرأ جوابنا هذا أن يخصكما بدعوة في ظهر الغيب، لعلَّ الله أن ينفعكما بها في الدنيا والآخرة.
ثانياً:
بخصوص تناول الحبوب التي تدر الحليب: فبالإضافة إلى تأكدكما من وجودها: نرجو التأكد من عدم ظهور أثرها في الحليب، حتى لا يكون له تأثير سيئ على من يتناوله من أولئك الأيتام.
وأما من حيث الحكم الشرعي: فقد اختلف العلماء في حكم الحليب الذي يدر من امرأة غير متزوجة، أو من غير جماع وحمل، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا ينشر المحرمية، وقال آخرون إن العبرة بوجوده، لا بوجوده من زوج، فقالوا بأنه ينشر المحرمية، وهذا هو الراجح، وهو قول الجمهور، ويكاد يتفق عليه الأئمة الأربعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " ولو قدر أن هذا اللبن ثاب لامرأة لم تتزوج قط: فهذا ينشر الحرمة في مذهب أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وهي رواية عن أحمد، وظاهر مذهبه: أنه لا ينشر الحرمة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (34 /51) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
" وإن ثاب لامرأة لبن من غير وطء، فأرضعت به طفلاً: نشر الحرمة في أظهر الروايتين، وهو قول ابن حامد، ومذهب مالك، والثوري، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وكل من يحفظ عنه ابنُ المنذر؛ لقول الله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) ؛ ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم، كما لو ثاب بوطء؛ ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال، فإن كان هذا نادراً: فجنسه معتاد.
والرواية الثانية: لا تنشر الحرمة؛ لأنه نادر، لم تجر العادة به لتغذية الأطفال فأشبه لبن الرجال.
والأول: أصح " انتهى.
"المغني" (9 /207) .
وقال الماوردي الشافعي – رحمه الله -: " لبن النساء مخلوق للاغتذاء، وليس جماع الرجل شرطاً فيه، وإن كان سبباً لنزوله في الأغلب، فصار كالبكر إذا نزل لها لبن فأرضعت به طفلاً: انتشرت به حرمة الرضاع، وإن كان من غير جماع " انتهى.
"الحاوي في فقه الشافعي" (11/413) .
وينبغي التنبيه على أمرين مهمين في هذا الباب:
الأول: أن يكون الطفل الرضيع دون السنتين، فإن كان عمره أكثر من ذلك: لم ينشر لبن المرأة التحريم.
الثاني: أن يرتضع خمس رضعات مشبعات، فإن ارتضع أقل من ذلك: لم يصر ولداً في الرضاع لمن أرضعته.
عن عائشة أنها قالت: (كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن، ثم نُسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنَّ فيما يُقرأ من القرآن) رواه مسلم (1452) .
وانظر أدلة هذين الأمرين، وبعض تفاصيل مهمة في جوابي السؤالين: (804) و (40226) .
ثالثاً: أما لفظ " العرق دسَّاس ": فقد جاء في روايات، لكنها بين ضعيف جدّاً، وموضوع، ومنها:
1. (أقلَّ من الدَّيْن تعش حرّاً، وأقلَّ من الذنوب يهن عليك الموت، وانظر في أي نصاب
تضع ولدك؛ فإن العِرق دسَّاس) .
وهو حديث ضعيف جدّاً، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (2023) .
2. (تزوجوا في الحجر الصالح؛ فإن العرق دساس) .
وهو حديث موضوع، انظر "السلسلة الضعيفة" (3401) .
وأما معنى الحديث: فباطل كذلك، وهو أنه إن كان ثمة خبث وسوء في أصول الزوجة فإنه قد يسري ذلك في الفروع! ، وهذا ليس على إطلاقه، والحديث ليس صحيحاً أصلاً.
رابعاً:
تربية الأيتام والقيام على العناية بهم من أجلّ الأعمال، ونحن نعلم حاجة الطفل اللقيط ليكون جزءاً من المجتمع بعد أن يكبر، ولا يتأثر سلباً بسبب حاله، لكن هذا لا يجيز أن يُنسب لشخص بعينه، ويدخل في أسرة حاملاً اسمها؛ لأن في هذا اختلاطاً في الأنساب، وتحريم ما أحل الله، وإباحة ما حرَّم الله، ويمكن أن تعطيه الدولة اسماً عامّاً لا يرجع لشخص بعينه، ويتربى عندكم على أنه ابنكم في الرضاعة، ويمكن التورية عليه بأن أهله حصل لهم " حادث " – مثلاً – وبقي وحيداً، أو ما يشبه ذلك من الأسباب والتي تختلف من بلد لآخر، ومن بيئة لأخرى.
وتجدون تفصيل هذه المسألة في أجوبة الأسئلة: (100147) و (10010) و (4696) و (5201) و (95216) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1514)
رضع من امرأة عمه فهل تحرم عليه بنات عمه من زوجته الأخرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي عم متزوج من زوجتين إحداهما أرضعتني، هل من الممكن أن أتزوج ببنات المرأة الأخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أرضعتك امرأة عمك خمس رضعات في الحولين، صارت أما لك من الرضاع، وصار عمك أبا لك، وصار جميع أبنائه وبناته من هذه الزوجة ومن جميع زوجاته إخوة لك.
وعليه؛ فالبنات المسؤول عنهن إن كن من عمك، فهن محرمات عليك، وإن كنّ من زوج آخر غير عمك، فلا حرج عليك في الزواج منهن.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا أرضعت امرأة طفلا خمس رضعات معلومات في الحولين أو أكثر من الخمس، صار الرضيع ولدا لها ولزوجها صاحب اللبن، وصار جميع أولاد المرأة من زوجها صاحب اللبن ومن غيره إخوة لهذا الرضيع، وصار أولاد الزوج صاحب اللبن من المرضعة وغيرها إخوة للرضيع " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (22/274) .
وسئل رحمه الله: رضعتُ من امرأة ثم تزوج زوجها من أخرى، وأنجبت زوجته أبناء، فهل هم إخوة لي؟
فأجاب: "إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان اللبن منسوباً للزوج لكونها أنجبت منه فهم إخوة لك من أبيك وأمك من الرضاع، وأما أولاده من الزوجة الثانية فهم إخوة لك من أبيك من الرضاع" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (22/305) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1515)
هل للمرأة أن ترضع ولدها أمام محارمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تبدي ثديها أمام محارمها لكي ترضع طفلها إذا أمنت الفتنة أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
عورة المرأة أمام محارمها كالأب والأخ وابن الأخ هي بدنها كله إلا ما يظهر غالبا كالوجه والشعر والرقبة والذراعين والقدمين، قال الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) النور/31.
فأباح الله للمرأة أن تبدي زينتها أمام بعلها (زوجها) ومحارمها، والمقصود بالزينة مواضعها، فالخاتم موضعه الكف، والسوار موضعه الذراع، والقرط موضعه الأذن، والقلادة موضعها العنق والصدر، والخلخال موضعه الساق.
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في تفسيره: " ظاهره يقتضي إباحة إبداء الزينة للزوج ولمن ذكر معه من الآباء وغيرهم، ومعلوم أن المراد موضع الزينة وهو الوجه واليد والذراع.....، فاقتضى ذلك إباحة النظر للمذكورين في الآية إلى هذه المواضع، وهي مواضع الزينة الباطنة؛ لأنه خص في أول الآية إباحة الزينة الظاهرة للأجنبيين، وأباح للزوج وذوي المحارم النظر إلى الزينة الباطنة. وروي عن ابن مسعود والزبير: القرط والقلادة والسوار والخلخال ...
وقد سوى في ذلك بين الزوج وبين من ذكر معه، فاقتضى عمومه إباحة النظر إلى مواضع الزينة لهؤلاء المذكورين كما اقتضى إباحتها للزوج، ولما ذكر الله تعالى مع الآباء ذوي المحارم الذين يحرم عليهم نكاحهن تحريما مؤبدا، دل ذلك على أن من كان في التحريم بمثابتهم فحكمه حكمهم، مثل زوج الابنة، وأم المرأة، والمحرمات من الرضاع ونحوهن " انتهى.
وقال البغوي رحمه الله: " قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن) أي لا يظهرن زينتهن لغير محرم، وأراد بها الزينة الخفية، وهما زينتان خفية وظاهرة، فالخفية: مثل الخلخال، والخضاب في الرِّجْل، والسوار في المعصم، والقرط والقلائد، فلا يجوز لها إظهارها، ولا للأجنبي النظر إليها، والمراد من الزينة موضع الزينة " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (5/11) : "ولرجل نظر وجه ورقبة ويد وقدم ورأس وساق ذات محارمه. قال القاضي على هذه الرواية: يباح ما يظهر غالبا كالرأس واليدين إلى المرفقين " انتهى بتصرف.
وهؤلاء المحارم متفاوتون في القرب وأمن الفتنة، ولهذا تبدي المرأة لأبيها ما لا تبديه لولد زوجها، قال القرطبي رحمه الله: " لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنّى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها. وتختلف مراتب ما يُبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج " انتهى.
وبناء على ذلك فيلزم المرأة ستر ثدييها إذا أرادت أن ترضع ولدها في وجود أحد محارمها، فتلقم ابنها الثدي من تحت غطاء ونحوه، وهذا من حيائها وحرصها على الستر.
ولمزيد من الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (34745) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1516)
أرضعت طفلا ثم طُلقت وتزوجت من آخر فهل يكون أولادها إخوة للرضيع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تزوجت من رجل وأنجبت له ولداً هذا الولد رضع معه ولد أكثر من رضعة حسب قول الأم المرضعة في الحولين ثم طلقها زوجها وتزوجت من رجل آخر وأنجبت له أولاد وبنات وزجها الأول أيضا تزوج من امرأة أخرى وأنجبت له أولادا وبنات. سؤال 1/ إذا صح الرضاع هذا مَنْ يكون إخوان الولد الذي رضع مع ولد المرأة المرضعة هل هم أبناء المرأة من زوجها الثاني أم أبناء زوجها الأول من المرأة الثانية؟ سؤال 2/ الأم المرضعة لها إخوان وأخوات من الأب فقط هل يعتبرون أخوالا وخالات من الرضاع لهذا الولد؟ وبالتالي يجوز له أن يسلم عليهن ويصافحن ويقابلهن؟ سؤال 3/ الأم المرضعة لها أم هل تعتبر جدة من الرضاع لهذا الولد الذي رضع مع ولد المرضعة؟ ويجوز له أن يسلم عليها ويصافحها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا ارتضع الطفل أو الطفلة من امرأةٍ خمس رضعات في الحولين قبل الفطام: صار ولدا لها من الرضاعة، وصار زوجها الذي درَّ هذا اللبن بوطئه أباً لهذا الرضيع من الرضاعة باتفاق الأئمَّة المشهورين.
وإذا صار الرجل أبا للرضيع من الرضاع، صار كلُّ أولاده إخوة للرضيع، سواء ولدوا قبل الرضاعة أم بعدها، وسواء كانوا من الزوجة المرضعة أو من غيرها.
وكذلك إذا صارت المرأة أماً للرضيع، صار جميع أولادها إخوة له، سواء ولدوا قبل الرضاعة أم بعدها، وسواء كانوا من الزوج صاحب اللبن أو من زوج بعده.
وبهذا تعلم أن أولاد المرأة من زوجها الثاني، وأولاد زوجها الأول من المرأة الثانية، كلهم إخوة لهذا الرضيع.
ثانيا:
إخوان المرضعة وأخواتها، يعتبرن أخولا وخالات للرضيع، سواء كانوا إخوة للمرضعة أشقاء أم من جهة الأب فقط أم من جهة الأم فقط.
ثالثا:
أم المرضعة تصير جدة للرضيع.
ولا حرج على إخوان الرضيع وخالاته وأخواله وجدته في لقائه ومصافحته والكشف عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وإذا صار الرجل والمرأة والدي المرتضع صار كلٌّ من أولادهما إخوة للمرضَع، سواء كانوا من الأب فقط، أو من المرأة، أو منهما، أو كانوا أولادا لهما من الرضاعة، فإنهم يصيرون إخوة لهذا المرتضع من الرضاعة، حتى لو كان لرجل امرأتان فأرضعت هذه طفلا وهذه طفلة كانا أخوين، ولم يجز لأحدهما التزوج بالآخر باتفاق الأئمة الأربعة وجمهور علماء المسلمين، وهذه المسألة سئل عنها ابن عباس فقال: اللقاح واحد. يعنى الرجل الذي وطئ المرأتين حتى درَّ اللبن واحد.
ولا فرق باتفاق المسلمين بين أولاد المرأة الذين رضعوا مع الطفل وبين من وُلد لها قبل الرضاعة وبعد الرضاعة باتفاق المسلمين.
وإذا كان كذلك فجميع أقارب المرأة أقارب للمرتضع من الرضاعة، أولادها إخوته، وأولاد أولادها أولاد إخوته، وآباؤها وأمهاتها أجداده، وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وكل هؤلاء حرام عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (34/32) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1517)
إذا شك في عدد الرضعات فالأحوط ألا يتزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج من بنت خالتي، وأمي تقول إنها أرضعتها، ولكن لا تدري هل خمس رضعات أم أقل؟ فهل يجوز لي أن أتزوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يثبت التحريم بالرضاع إلا إذا توفر شرطان:
الأول: أن يكون الرضاع في الحولين، قبل الفطام.
الثاني: أن يكون عدد الرضعات خمس رضعات فأكثر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (804) .
فإن كان الرضاع أقل من خمس رضعات لم يثبت التحريم.
وإذا حصل الشك في عدد الرضعات، هل بلغت خمساً أم لا؟ لم يثبت التحريم أيضاً.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (11/321) :
"وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرم، هل كملها أو لا؟ لم يثبت التحريم، لأن الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك" انتهى.
ومع أن التحريم لا يثبت إلا إذا تيقنت حصول خمس رضعات، إلا أن الأولى والأحوط ألا تتزوجها، لأن من العلماء من ذهبوا إلى أن الرضاع يثبت به التحريم قليلاً كان أم كثيراً، ولم يشترطوا خمس رضعات، وهو مذهب الإمامين: أبي حنيفة ومالك، ورواية عن الإمام أحمد وانظر: "المغني" (11/310) .
وقد قال الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله:
"إذا لم يجزم بعدد الرضعات مع اليقين بحصول الرضاع فإن الأحوط ألا يتزوجها تجنباً للشبهة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) " انتهى.
" فتاوى المرأة المسلمة" (2/856، 857) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1518)
رضاع الزوج من زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجل يمسك بثدي امرأته بفيه وذلك من باب المداعبة، فهل عليه في ذلك حرج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا لم يرضع منه لبناً فلا شيء فيه، وإن رضع فلا ينبغي له، ولا يحرمها عليه قَلَّ أو أكثر، لقوله عليه السلام: (لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ) أخرجه الترمذي" انتهى.
سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (11/188) .
وانظر جواب السؤال رقم (47721) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1519)
الميراث لا يثبت بالرضاع
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت امرأة وليس لها أحد يرثها من أقاربها، ولكن لها ابن من الرضاع، فهل له نصيب من الميراث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسباب الإرث معلومة محددة في الشرع، منها ما أجمع عليه العلماء وهي ثلاثة: عقد الزوجية، القرابة، الولاء (العتق) .
وهناك أسباب أخرى اختلف فيها العلماء وهي: المولاة والمعاقدة، إسلامه على يديه، الالتقاط، جهة الإسلام [بمعنى أن بيت المال يرث من ليس له وإرث] .
وقد فصَّل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان القول في هذه الأسباب في كتابه "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" (ص 31- 44) .
وليس من هذه الأسباب: الرضاع.
فمن ماتت وليس لها وارث فإن مالها يذهب إلى بيت مال المسلمين، ولا يستحق ميراثها ابنها من الرضاع.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
إذا توفيت امرأة ولها مال وليس بعدها وارث وأقرب شخص إليها هو من قامت بإرضاعه رجلاً كان أو امرأة فهل هو أحق بتركتها أم تؤول إلى بيت مال المسلمين؟
فأجاب:
"ليست الصلة بالرضاع من أسباب الإرث، فأخوه من الرضاع وأبوه من الرضاع ليس له إرث ولا ولاية ولا نفقة ولا شيء من حقوق القرابات، ولكن لا شك أن له شيئاً من الحقوق التي ينبغي أن يكرم بها، وأما الإرث فلا حق له في الإرث، وذلك لأن أسباب الإرث ثلاثة: القرابة والزوجية والولاء [العتق] ؛ وليس الرضاع من أسبابها.
وعلى هذا فالمرأة المذكورة يكون ميراثها لبيت مال المسلمين، يصرف إلى بيت المال، ولا يستحقه هذا الابن من الرضاع" انتهى.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص334) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1520)
رضع من زوجة جاره الأولى فهل يصح أن يتزوج من بنت زوجته الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل متزوج من امرأتين وله أولاد من الزوجتين، قامت زوجته الأولى بإرضاع ابن جارهم في صغره، والآن بعد أن كبر الأولاد قام الأب بتزويج هذا الولد الذي أرضعته زوجته الأولى من ابنته من زوجته الثانية، ويقول: هذه ليست أخته، لأن أم البنت (الزوجة الثانية) لم ترضعه. ما العمل في هذه الحالة؟ (علماً أن الزوجة الأولى -التي أرضعت الولد- غير متأكدة أنها أرضعت الولد خمس رضعات مشبعات فهي تتذكر أنها أرضعته ولكن لا تتذكر كم مرة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أرضعت المرأة طفلا، صار ابنا لها ولزوجها من الرضاع، وأخاً لجميع أبنائها وأبناء زوجها صاحب اللبن، ولو كانوا من زوجاته الأخر.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا أرضعت امرأة طفلا خمس رضعات معلومات في الحولين أو أكثر من الخمس، صار الرضيع ولدا لها ولزوجها صاحب اللبن، وصار جميع أولاد المرأة من زوجها صاحب اللبن ومن غيره إخوة لهذا الرضيع، وصار أولاد الزوج صاحب اللبن من المرضعة وغيرها إخوة للرضيع " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (22/274) .
وسئل رحمه الله: رضعتُ من امرأة ثم تزوج زوجها من أخرى، وأنجبت زوجته أبناء، فهل هم إخوة لي؟
فأجاب: "إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان اللبن منسوباً للزوج لكونها أنجبت منه، فهم إخوة لك من أبيك وأمك من الرضاع، وأما أولاده من الزوجة الثانية فهم إخوة لك من أبيك من الرضاع.
والرضعة هي أن يمسك الطفل الثدي ويمص اللبن حتى يصل إلى جوفه ثم يترك الثدي لأي سبب من الأسباب ثم يعود ويمص الثدي حتى يصل اللبن إلى جوفه، ثم يترك الرضاع ثم يعود وهكذا حتى يكمل الخمس أو أكثر سواء كان ذلك في مجلس أو مجالس، وسواء كان ذلك في يوم أو أيام بشرط أن يكون ذلك حال كون الطفل في الحولين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم، لسهلة بنت سهيل: (أرضعي سالما خمس رضعات تحرمي عليه) ، ولما ثبت في صحيح مسلم وجامع الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك) . وهذا لفظ رواية الترمذي. وفق الله الجميع لما يرضيه" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (22/305) .
ثانيا:
الرّضاع المُحَرِّم له شرطان:
الأول: أن يكون خمس رضعات فأكثر لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ.. رواه مسلم (1452) .
الثاني: أن يكون ذلك في الحولين (أي السنتين الأوليين من عمر الطّفل) . لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا رَضَاعَ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ) رواه ابن ماجة (1946) وهو في صحيح الجامع رقم (7495) ، وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: بَاب مَنْ قَالَ لا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) .
وتعريف الرّضعة: أن يُمسك الطّفل الثدي ويَرضع منه لبنا ثم يتركه، ولا يشترط أن تكون مشبعة، بل إذا مص أي كمية من اللبن ودخلت إلى معدته فهي رضعة.
فإذا حصل ذلك ثبتت أحكام الرّضاع من تحريم النّكاح وغير ذلك.
ثالثا:
إذا حصل الشكّ في عدد الرّضعات، ولم يقع الجزم بحصول خمس رضعات، فإن التحريم لا يثبت. قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا وقع الشكّ في وجود الرّضاع أو في عدد الرّضاع المُحَرِّم هل كمل أو لا، لم يثبت التّحريم، لأنّ الأصل عدمه، فلا نَزول عن اليقين بالشكّ
" انتهى من "المغني" (11/312) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (13/454) :
"إذا شُك في كمال الرضاع، بأن قالوا: نعم، الطفل رضع من هذه المرأة عدة مرات، لكن لا ندري أرضع خمساً أم دون ذلك؟
فلا تحريم، لأن الأصل الحل، وهنا لم نتيقن إلا ما دون الخمس، وهذا من أكثر ما يقع، فدائماً الذين يسألون عن الرضاع، نقول: كم رضع؟ فيقولون: ما ندري، فالجواب: لا تحريم، والولد ليس ولداً لها حتى نتيقن أنه رضع خمس مرات" انتهى.
وإذا حصل الجزم بوجود خمس رضعات، فإنه يفرق بين الزوج وزوجته؛ لأنها لا تحل له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1521)
رضع معظم أولاد خالته من أمه ورضع هو من خالته فما حكم أخيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رضعت من خالتي، وأمي أرضعت معظم أولادها، فهل يجوز لأخي الزواج من ابنة خالتي مع العلم أنه لم يرضع من خالتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من رضع من امرأة خمس رضعات معلومات، صار ابنا لها من الرضاع، وأخا لجميع أبنائها الذكور والإناث.
ودليل ذلك ما رواه مسلم (1452) عَنْ عَائِشَة َرضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ) .
وحد الرضعة كما قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (5/575) : " الرضعة مرة من الرضاع بلا شك، كضربة وجلسة وأكلة، فمتى التقم الثدي فامتص منه ثم تركه من غير عارض كان ذلك رضعة، لأن الشرع ورد بذلك مطلقا فحمل على العرف، والعرف هذا. والقطع العارض لتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود عن قرب لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الآكل إذا قطع أكلته بذلك ثم عاد عن قريب لم يكن أكلتين بل واحدة، هذا مذهب الشافعي. . . ولو انتقل من ثدي المرأة إلى ثديها الآخر كانا رضعة واحدة " انتهى.
وعليه: فإذا كنت رضعت من خالتك خمس رضعات، فأنت أخ لجميع أبنائها وبناتها، ولا يجوز لك أن تتزوج واحد منهن.
وحكم الرضاع يتعلق بالشخص الذي رضع وأولاده، أما إخوته فلا يشملهم حكم الرضاع.
وعلى هذا؛ فإذا كانت ابنة خالتك التي يريد أخوك أن يتزوجها رضعت من أمك، فهي أخته من الرضاع، فلا يجوز له أن يتزوجها، وإذا لم تكن رضعت من أمك فلا حرج عليهما في النكاح، لعدم وجود ما يمنع منه، ولا يؤثر على ذلك رضاعك من أمها، ولا رضاع إخوتها من أمك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1522)
بنات الأب من الرضاع من زوجته الثانية إخوة للرضيع
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتي (والدة أمي) حفظها الله أرضعت إخوانها وأخواتها من والدها مع أولادها وبناتها بعد ذلك تزوج جدي (زوجها) بأخرى وأنجبت منه ولداً وبنتاً والآن خالاتي وأمي لا يتحجبن أمام أولاد أخوالهم وخالاتهم باعتبارهن عماتهم. ولكن السؤال هنا: هل لا تتحجب بنت جدي من زوجته الثانية من أخوال أمي (إخوان جدتي الذين أرضعتهم) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، لبنت جدك من زوجته الثانية ألا تتحجب أمام أخوال أمك، لأنهم إخوة لها من الرضاعة، ولكنها أخوة من الأب فقط.
وبيان ذلك أنه: " إذا رضع طفل من امرأة الرضاع المعتبر شرعاً بأن يكون في الحولين وأن يكون خمس رضعات فأكثر فإنه يكون ابنًا للمرضعة، وتكون بنات المرضعة كلهن أخوات له، وكذلك يكون ابنًا لمن له اللبن وهو زوجها، وتكون بنات الزوج كلهن أخوات لهذا المرتضع سواء كن من المرضعة أو من غيرها كما عليه جمهور أهل العلم وهذا ما يسمى بلبن الفحل ". المنتقى للشيخ الفوزان.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: رضعتُ من امرأة ثم تزوج زوجها من أخرى، وأنجبت زوجته أبناء، فهل هم إخوة لي؟
فأجاب: "إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان اللبن منسوباً للزوج لكونها أنجبت منه فهم إخوة لك من أبيك وأمك من الرضاع، وأما أولاده من الزوجة الثانية فهم إخوة لك من أبيك من الرضاع.
والرضعة هي أن يمسك الطفل الثدي ويمص اللبن حتى يصل إلى جوفه ثم يترك الثدي لأي سبب من الأسباب ثم يعود ويمص الثدي حتى يصل اللبن إلى جوفه، ثم يترك الرضاع ثم يعود وهكذا حتى يكمل الخمس أو أكثر سواء كان ذلك في مجلس أو مجالس، وسواء كان ذلك في يوم أو أيام بشرط أن يكون ذلك حال كون الطفل في الحولين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم، لسهلة بنت سهيل: (أرضعي سالما خمس رضعات تحرمي عليه) ، ولما ثبت في صحيح مسلم وجامع الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك) . وهذا لفظ رواية الترمذي. وفق الله الجميع لما يرضيه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (22/305)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1523)
رضع مع خالها خمس رضعات فهل تحرم عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الأيام القادمة سيُقبل أحد الشباب على خطبة فتاة, علما أنه رضع مع خالها خمس رضعات مشبعات متفرقات في الحولين. فهل يحرم في هذه الحالة عقد القران بينهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الشاب قد رضع من جدة الفتاة التي هي أم خالها، خمس رضعات في الحولين، فهو ابن لها (الجدة) من الرضاعة، وأخ لخال الفتاة من الرضاعة ويكون خالاً للفتاة من الرضاعة، فلا يحل له أن يتزوجها.
وأما إن كان رضاعه مع خالها من امرأة أخرى، كأم الشاب، فإنه يكون أخا لخالها من الرضاعة، لكن لا محرمية بينه وبين الفتاة، وله أن يتزوجها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1524)
وجدت لقيطا وتريد من بناتها إرضاعه حتى تكون محرما له
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جارة لنا وجدت طفلا رضيعا عمره لا يتعدى الساعات القليلة وهي تخاف عليه من معاملة الملاجئ للأطفال وتريد تربيته ولكن عندما يكبر الطفل يحرم عليها جلوسه معها في البيت وهي تقول إنها إن ربته ستحبه مثل أولادها ويصعب عليها تركه ولها أولاد بنات متزوجات ولهم أولاد رضع فهل لها أن تجعل أولادها يرضعن هذا الطفل وتصبح جدة له عن طريق الرضاع وبذلك لا يكون هناك حرج من جلوسه معها في البيت أم أن هذا يعتبر حيلة مذمومة؟ أرضعت أمي ابنة جارتنا مع أخ كبير لي مرات عديدة وبهذا أصبحت أختا لأخي في الرضاعة فهل هي وأخواتها الأشقاء أصبحوا إخوة لي أنا أيضا أم إخوة لأخي الذي رضع معها فقط وهذا السؤال لتحديد مدى حدود التعامل معهن هل ستكون معاملة إخوة أم أجانب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أرضعت إحدى بنات جارتك هذا الطفل خمس رضعات، صار ابنا لها من الرضاعة، وصارت جارتك جدةً له من الرضاعة، وصار جميع بناتها –بنات الجارة- خالات له من الرضاعة، وبهذا تتمكن من تربيته صغيراً وكبيراً دون حرج؛ لأنه محرم لها.
وهذا لا يعد حيلة، بل هو مخرج شرعي لرفع الحرج، وبه تتمكن المرأة من تربية هذا الطفل ورعايته، ويرجى لها بذلك الأجر والمثوبة من الله تعالى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة في شأن سالم مولى أبي حذيفة: (أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ) رواه مسلم (1453) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1525)
هل يعتبر أخوها من الرضاع محرما لأختها من أبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ من الرضاع (يعتبر أخي من والدتي) ولي أخت أخرى من أبي (من زوجة أخرى تزوجها قبل والدتي) وللعلم فإنها لم ترضع من أمي ولم تعش معنا بتاتاً. هل أخي من الرضاع يعد محرما لأختي التي من أبي؟ وهل عماتي يعتبرن عماتاً له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الأخ رضع من والدتك خمس رضعات، فإنها تصير أما له، ويكون زوجها (والدك) أباً له، وجميع بنات أبيك من أي زوجة أخواتٍ له، وجميع عماتك عماتٍ له، وهذه المسألة تعرف عند أهل العلم بلبن الفحل، أي لبن الزوج، لأن الزوج هو صاحب اللبن أو المتسبب فيه، فيثبت التحريم من جهته كما يثبت من جهة المرضعة.
ولهذا يكون للرضيع أبٌ من الرضاعة، وعمٌّ من الرضاعة، وعمة من الرضاعة الخ.
وقد روى البخاري (6156) ومسلم (3315) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ قَالَ: ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ)
وفي هذا إثبات الأبوة من الرضاعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه كون (أفلح) عمّاً لعائشة من الرضاع؛ لأنه أخو أبيها من الرضاعة.
والحاصل: أن هذا الأخ الذي رضع من والدتك يعتبر أخا من الرضاعة لأختك من جهة أبيك، كما أن عماتك من النسب، يعتبرن عماتٍ له من الرضاع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1526)
مقدار نفقة الأولاد إذا كانوا في حضانة أمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث الطلاق بيني وبين زوجتي ولدي أربعة أطفال: ولد 8 سنوات , بنت 4.5 سنة , بنت 3 سنوات ورضيع عمره تسعة أشهر، ما هو مقدار النفقة؟ علما أن الأم ميسورة الحال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء، سواء أمسك زوجته أو طلقها، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد مع وجود الأب.
والمطلقة الرجعية تجب لها النفقة والسكنى حال العدة، فإذا انقضت عدتها، ولم تكن حاملا، لم يجب لها ذلك.
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد، فإن نفقة الأولاد على أبيهم، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل.
والنفقة على الأولاد، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم.... وكل ما يحتاجون إليه، وتقدر بالمعروف، ويراعى فيها حال الزوج؛ لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق/7، وهذا يختلف من بلد لآخر، ومن شخص لآخر.
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال، قليلاً كان أو كثيراً، فالأمر لهما، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي.
ثانيا ً:
يجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " رضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني" (11/430) بتصرف.
وقال أيضاً: " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/347) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1527)
الخلاف في رضاع الكبير هل يحرِّم أو لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إرضاع الكبير غير المحرم؟ وكيف مع أن المصافحة أو حتى النظر حرام؟ وما معنى هذا الحديث سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة: والله! ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة. فقالت: لم؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! والله! إني لا أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرضعيه" فقالت: إنه ذو لحية. فقال "أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ". هل هذه كانت حالة خاصة بسالم؟ سمعت أن بعض العلماء قالوا إنها حلبت له في إناء, ولكن الرضاع معناه التقام الثدي ومما يؤيد ذلك أنها استغربت الأمر فقالت إنه ذو لحية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الرضاع المحرِّم لا يتوقف على مص اللبن من الثدي، بل لو وضع في إناء وشرب منه الطفل، كان ذلك رضاعا معتبرا في قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال الشافعي: (والسَّعُوط كالرضاع , وكذلك الوَجُور) .
معنى السعوط: أن يصب اللبن في أنفه من إناء أو غيره. والوجور: أن يصب في حلقه صبا من غير الثدي. واختلفت الرواية في التحريم بهما , فأصح الروايتين أن التحريم يثبت بذلك , كما يثبت بالرضاع. وهو قول الشعبي والثوري , وأصحاب الرأي. وبه قال مالك في الوجور. والثانية: لا يثبت بهما التحريم. وهو اختيار أبي بكر , ومذهب داود وقول عطاء الخراساني في السعوط ; لأن هذا ليس برضاع , وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع.
ويدل على ثبوت التحريم بهما ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا ما أنشز العظم , وأنبت اللحم) رواه أبو داود. ولأن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع , ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع , فيجب أن يساويه في التحريم " انتهى من "المغني" (8/139) بتصرف.
وقال في "الكافي" (5/65) : " إذا حلبت في إناء دفعة واحدة، أو في دفعات، ثم سقته صبيا في خمسة أوقات، فهو خمس رضعات، وإن سقته في وقت واحد، فهو رضعة واحدة، لأن الاعتبار بشرب الصبي، فإن التحريم يثبت به، فاعتبر تفرقه واجتماعه " انتهى.
ثانيا:
لا يثبت التحريم برضاع الكبير، في قول جمهور الفقهاء، وإنما الرضاع المعتبر ما كان في الحولين.
وقد روى الترمذي (1072) وابن ماجه (1936) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ) قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا. والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى البخاري (2453) ومسلم (1455) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. قَالَ: (يَا عَائِشَةُ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " وَالْمَعْنَى: تَأَمَّلْن مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ رَضَاع صَحِيح بِشَرْطِهِ: مِنْ وُقُوعه فِي زَمَن الرَّضَاعَة , وَمِقْدَار الِارْتِضَاع، فَإِنَّ الْحُكْم الَّذِي يَنْشَأ مِنْ الرَّضَاع إِنَّمَا يَكُون إِذَا وَقَعَ الرَّضَاع الْمُشْتَرَط.
قَالَ الْمُهَلَّب: مَعْنَاهُ: اُنْظُرْنَ مَا سَبَب هَذِهِ الْأُخُوَّة , فَإِنَّ حُرْمَة الرَّضَاع إِنَّمَا هِيَ فِي الصِّغَر حَتَّى تَسُدّ الرَّضَاعَة الْمَجَاعَة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جَاعَ كَانَ طَعَامه الَّذِي يُشْبِعهُ اللَّبَن مِنْ الرَّضَاع لَا حَيْثُ يَكُون الْغِذَاء بِغَيْرِ الرَّضَاع.
قَوْله (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة) فِيهِ تَعْلِيل الْبَاعِث عَلَى إِمْعَان النَّظَر وَالْفِكْر , لِأَنَّ الرَّضَاعَة تُثْبِت النَّسَب وَتَجْعَل الرَّضِيع مُحَرَّمًا. وَقَوْله " مِنْ الْمَجَاعَة " أَيْ الرَّضَاعَة الَّتِي تَثْبُت بِهَا الْحُرْمَة وَتَحِلّ بِهَا الْخَلْوَة هِيَ حَيْثُ يَكُون الرَّضِيع طِفْلًا لِسَدِّ اللَّبَن جَوْعَته , لِأَنَّ مَعِدَته ضَعِيفَة يَكْفِيهَا اللَّبَن، وَيَنْبُت بِذَلِكَ لَحْمه فَيَصِير كَجُزْءٍ مِنْ الْمُرْضِعَة، فَيَشْتَرِك فِي الْحُرْمَة مَعَ أَوْلَادهَا , فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا رَضَاعَة مُعْتَبَرَة إِلَّا الْمُغْنِيَة عَنْ الْمَجَاعَة، أَوْ الْمُطْعِمَة مِنْ الْمَجَاعَة " انتهى.
وقد جاءت ثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن رضاع الكبير لا يؤثر، فمن ذلك:
1- ما جاء عن أبي عطية الوادعي قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجُّه فأتيت أبا موسى فسألته، فقال: حرمت عليك. قال: فقام وقمنا معه حتى انتهى إلى أبي موسى فقال: ما أفتيت هذا؟ فأخبره بالذي أفتاه فقال ابن مسعود، وأخذ بيد الرجل: أرضيعاً ترى هذا؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم. رواه عبد الرزاق في المصنف (7/463 رقم13895) .
ورواه أبو داود (2059) عن ابن مسعود بلفظ: (لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم. فقال أبو موسى: لا تسألونا وهذا الحَبْر فيكم) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- وروى مالك في الموطأ (2/603) عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال: (لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر، ولا رضاعة لكبير) .
3- وروى مالك أيضا في الموطأ عن عبد الله بن دينار أنه قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير، فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني لي وليدة [جارية] وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها، فدخلت عليها فقالت: دونك، فقد والله أرضعتها. فقال عمر: أوْجِعْها وأْتِ جاريتك، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير. وإسناده صحيح.
ولهذا قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (8/142) : "من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين. وهذا قول أكثر أهل العلم , روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة. وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة وإليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور ورواية عن مالك وروي عنه: إن زاد شهرا جاز , وروي شهران.
وقال أبو حنيفة: يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا ; لقوله سبحانه: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) . ولم يرد بالحمل حمل الأحشاء ; لأنه يكون سنتين فعلم أنه أراد الحمل في الفصال.
وقال زفر: مدة الرضاع ثلاث سنين.
وكانت عائشة ترى رضاعة الكبير تحرِّم. ويروى هذا عن عطاء والليث , وداود " انتهى.
وقد ذهب إلى القول الآخر، وهو تأثير الرضاعة في الكبر: عائشة وحفصة رضي الله عنهما، وروي عن علي رضي الله عنه وفي إسناده ضعف. ونسبه الطبري إلى: عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، والقاسم بن محمد وعروة. وهو قول عطاء والليث بن سعد وابن حزم، وينسب إلى داود الظاهري أيضا، ومال إليه ابن المواز من المالكية.
انظر: "فتح الباري" (9/148) .
ثالثا:
استدل القائلون بتأثير الرضاع في الكبر بما روى مسلم (1453) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ.
وفي رواية لمسلم أيضا: (فقالت: إنه ذو لحية. فقال: أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة) .
وكان أبو حذيفة قد تبنى سالما، قبل أن ينزل تحريم التبني.
ولم يبين الحديث كيف ارتضع سالم، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قوله صلى الله عليه وسلم (أرضعيه) قال القاضي: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما. وهذا الذي قاله القاضي حسن، ويحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خُص بالرضاعة مع الكبر والله أعلم " انتهى.
وقد أخذت عائشة رضي الله عنها – وحفصة أيضا - بهذا الحديث، ولم تره خاصا بسالم، وأبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
فقد روى مسلم (1454) عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ، وَلَا رَائِينَا.
وروى أبو داود (2061) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوُرِّثَ مِيرَاثَهُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ: (ادْعُوهمْ لِآبَائِهِمْ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَكَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَيَرَانِي فُضْلًا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْضِعِيهِ، فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ.
والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد أجاب الجمهور عن هذا حديث سالم بأن ذلك كان خاصاً به، كما هو قول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه منسوخ.
وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين القولين، واختار أن رضاع الكبير لا يؤثر ولا يعتبر، إلا عند الحاجة إليه.
قال الصنعاني رحمه الله في "سبل السلام" (2/313) : " والأحسن في الجمع بين حديث سهلة وما عارضه: كلام ابن تيمية , فإنه قال: إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله على المرأة وشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثّر رضاعه. وأما من عداه , فلا بد من الصغر. انتهى. فإنه جمع بين الأحاديث حسن، وإعمال لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاص , ولا نسخ , ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الأحاديث " انتهى.
وإلى هذا الجمع، ذهب ابن القيم أيضا رحمه الله، وقال: " وهذا أولى من النسخ، ودعوى التخصيص بشخص بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين. وقواعد الشرع تشهد له والله الموفق " انتهى من "زاد المعاد" (5/593) .
رابعا:
الذي عليه الفتوى عند كثير من أهل العلم المعاصرين، أن رضاع الكبير لا يفيد التحريم. وبهذا أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء، ورأوا أن حديث سالم خاص به.
انظر: "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (22/264) ، "فتاوى اللجنة" (21/41، 102) .
واختار الشيخ ابن عثيمين أن حديث سالم ليس خاصاً به، ولكنه ينطبق على مَنْ حاله تشبه حال سالم، وهذا لا يمكن الآن، لأن التبني قد حرمه الله تعالى، وبهذا يتفق هذا القول مع قول جماهير العلماء بأن رضاع الكبير لا يثبت به التحريم الآن.
قال رحمه الله في "الشرح الممتع" (13/435، 436) :
"وعندي: أن رضاع الكبير لا يؤثر مطلقاً، إلا إذا وجدنا حالاً تشبه حال أبي حذيفة من كل وجه.. وهذا غير ممكن، لأن التبني أُبطل..
والخلاصة: أنه بعد انتهاء التبني نقول: لا يؤثر إرضاع الكبير، بل لابد أن يكون في الحولين، وإما أن يكون قبل الفطام، وهو الراجح" انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1528)
الشك في حصول الرضاع
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت خالتي بإرضاع أخي وهو أكبر مني وهو الآن أخ لأولاد خالتي وكانت خالتي تضعنا على صدرها للرضاعة وحسب أقوالها رحمها الله إنه لم يخرج حليب، ومنذ أن كنا صغارا لغاية الآن ونحن نتعامل معهم على أساس أنهم إخوة لنا. والآن بدأت أسمع أنهم ليسوا بإخوتنا، مع أن هناك شيوخا قالوا إنهم إخوة لنا، فلم يتم بيننا أي رابط زواج بسبب أننا نعتبر إخوة. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرضاع الذي يثبت به التحريم يشترط فيه شرطان:
1- أن يكون خمس رضعات فأكثر.
2- أن يكون في الحولين وقبل الفطام.
انظر لبيان هذين الشرطين جواب السؤال (40226) .
ولا يشترط في الرضعة أن تكون مشبعة، بل مجرد التقام الثدي ومص اللبن منه يعتبر رضعة.
وإذا التقم الصبي الثدي فتعتبر رضعة إلا أن لم يخرج لبن فلا يكون ذلك رضاعاً، ولا يترتب عليه شيء.
قال في "الفتاوى الهندية" (1/104) : " لأنه متى خرج اللبن يكون إرضاعا وبدونه لا " انتهى. وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/52) : " ... وإن كان إلقام أمك لعمّك الثدي للتسكيت، ولم تدرّ عليه لبنا من ثديها فلا تحريم، وجاز الزواج " انتهى.
ثانياً:
إذا حصل شك في عدد الرضعات، أو في حصول الرضاع فإنه لا يثبت بذلك تحريم.
سئل علماء اللجنة الدائمة: إن لي ابنة خالة، وأريد الزواج منها، ولكن المشكلة أن فيه شك في رضاع بيني وبينها من جدتي أم أمي وأمها، ولكن هذه الجدة ليست متأكدة من هذا الرضاع، وسألناها وتقول: ما أدري لقد نسيت، وإذا كان رضعت مني هذه البنت فذاك الوقت تقول: إن ما فيه حليب، هذا قول الجدة. أرجو من فضيلتكم أن تجدوا لي الحل المناسب هل يجوز الزواج منها أم لا على حسب ما ورد من كلام الجدة؟
فأجابوا:
" إذا كان الواقع كما ذكر، فلك أن تتزوج بنت خالتك المذكورة؛ لأن الرضاع المشكوك فيه لا تأثير له، وإنما ينتشر التحريم بالرضاع المعلوم إذا كان خمس رضعات أو أكثر، في الحولين، فإذا لم يكن معلوما فالأصل الجواز " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/133) .
وانظر السؤال (804) .
وعلى هذا، فأخوك الذي ثبت رضاعه من خالتك يكون ابناً لها من الرضاعة، وأخاً لجميع أولادها.
أما أنتم فلا يثبت في حقكم تحريم لحصول الشك والتردد في الرضاعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1529)
ما حكم الغِيلة في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الغيلة في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الغِيلة " قيل هي: وطء الزوجة المرضع، وقيل هي: إرضاع الحامل لطفلها.
وقد ثبت في صحيح مسلم (1442) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ) .
قال النووي:
" اختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث , فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة: أن يجامع امرأته وهي مرضع، وقال ابن السكيت: هو أن ترضع المرأة وهي حامل.
قال العلماء: سبب همِّه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع، قالوا: والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء، والعرب تكرهه وتتقيه.
وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها , وبين سبب ترك النهي " " شرح مسلم " (10 / 17، 18) .
وروى مسلم (1443) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنِّي أَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ) .
ولم يأتِ ما يخالف هذه الإباحة إلا حديث ضعيف رواه أبو داود (3881) وابن ماجه (2012) عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، فيه: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيلة.
والحديث: ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف سنن أبي داود ".
وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن الأحاديث الدالة على الإباحة ثم قال: " وهذه الأحاديث أصح من حديث أسماء بنت يزيد، وإن صح حديثها فإنه يحمل على الإرشاد والأفضلية، لا التحريم " انتهى بتصرف.
وقال أيضاً في " زاد المعاد " (5 / 147، 148) :
" ولا ريب أن وطء المراضع مما تعم به البلوى، ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع، ولو كان وطؤهن حراماً لكان معلوماً من الدين، وكان بيانه من أهم الأمور، ولم تهمله الأمة، وخير القرون، ولا يصرح أحد منهم بتحريمه، فعلم أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد، وأن لا يعرضه لفساد اللبن بالحمل الطارئ عليه " انتهى.
والحاصل: أن الغيلة ليست حراما ولا مكروهة، حيث لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ومَنْ تركها على سبيل الاحتياط للولد فلا حرج عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1530)
رضع أخوها من زوجة خالها، فهل يكون أولاد خالها محارماً لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الذي يصغرني بعامين رضع من زوجة خالي مع ابنها، فهل يجوز لي أن أكشف أمام أولاد خالي، أي لا أحتجب أمامهم، وما حكم أخواتي اللاتي يصغرن أخي الذي رضع من زوجة خالي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا ثبت الرضاع المذكور وكان خمس رضعات أو أكثر حال كون الرضيع في الحولين، صار أخوك المرتضع ابنا لخالك من الرضاعة وابنا لزوجته المرضعة من الرضاعة، وصار أولادهما إخوة له وصار إخوان خالك أعماما له وأخواته عمات له، وصار إخوان المرضعة أخوالا له وأخواتها خالات له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) متفق على صحته.
أما أنت فلا تعلق لك بالرضاع المذكور، ولا يجوز لك ولا لأخواتك أن تكشفن لأبناء خالكن بسبب رضاعة أخيكن من زوجة خالكن لأنهم بالنسبة إليكن ليسوا محارم لكُنَّ.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز.(6/1531)
حكم بنوك الحليب
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في أمريكا بنوك أسمها بنوك الحليب، يشترون الحليب من الأمهات الحوامل ثم يبيعونها على النساء اللواتي يحتجن إلى إرضاع الأولاد أو حليبها ناقص أو مريضة أو مشغولة بالعمل.. إلخ، فما حكم شراء الحليب من هذه البنوك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
حرام، ولا يجوز أن يوضع بنك على هذا الوجه ما دام أنه حليب آدميات؛ لأنه ستختلط الأمهات، ولا يدرى من الأم، والشريعة الإسلامية يحرم فيها بالرضاع ما يحرم بالنسب، أما إذا كان اللبن من غير الآدميات فلا بأس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1532)
إرضاع الطفل أثناء فترة الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أُرضع طفلي البالغ عشر شهور وأنا الآن حامل. فهل أتوقف عن إرضاع طفلي الرضيع بسبب الحمل؟ أو أستمر في الرضاعة بالرغم من أني حامل؟ وهل إرضاع الطفل أثناء الحمل حرام أم حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إرضاع الطفل أثناء فترة الحمل يرجع إلى رأي الطبيب الثقة الحاذق فإن قال بأن إرضاع الطفل غير مضر بالجنين، والرضيع فلا مانع منه، وهو جائز.
أما إن كان مضراً برضيعك أو جنينك فلا ترضعيه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1533)
يجوز للمرأة إرضاع طفلها قبل أن تغتسل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بامكان المرأة إرضاع طفلها من ثديها إذا لم تغتسل بعد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة إرضاع طفلها قبل أن تغتسل سواء من النفاس أو الحيض أو الجماع ولا دليل على إيجاب الغسل في هذه الحالات من أجل إرضاع ولدها، وإنما يجب الغسل عليها من الجنابة لأجل الصلاة وكذا لكل عبادة تجب لها الطهارة، وعلى الحائض والنفساء الغسل بعد انتهاء الحيض والنفاس لأجل تلك العبادات أيضاً ولكي يحل للزوج وطئها، ولا يحرم على الحائض والنفساء مس الأشياء حال الحيض والنفاس إلا المصحف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1534)
الشكّ في عدد الرّضعات
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الزواج من ابنة عمي فأنا أحبها جداً وهي كذلك، ولكن المشكلة أن أمها قد أرضعتني وأنا صغير، وعندما سألنا أمها عن عدد الرضعات أجابت بأنها لا تتذكر عددها بسبب طول المدة، هل يجوز لي الزواج من ابنة عمي في مثل هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الرّضاع المُحَرِّم له شرطان:
الأول: أن يكون خمس رضعات فأكثر لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ.. رواه مسلم رقم 1452
الثاني: أن يكون ذلك في الحولين (أي السنتين الأوليين من عمر الطّفل) . لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا رَضَاعَ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ " رواه ابن ماجة رقم 1946 وهو في صحيح الجامع رقم 7495 وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: بَاب مَنْ قَالَ لا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) .
وتعريف الرّضعة: أن يُمسك الطّفل الثدي ويَرضع منه لبنا ثم يتركه من تلقاء نفسه للتنفس أو الانتقال ونحو ذلك.
فإذا حصل ذلك ثبتت أحكام الرّضاع من تحريم النّكاح وغير ذلك.
أما الشكّ في عدد الرّضعات فقد قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: وإذا وقع الشكّ في وجود الرّضاع أو في عدد الرّضاع المُحَرِّم هل كمل أو لا، لم يثبت التّحريم لأنّ الأصل عدمه فلا نَزول عن اليقين بالشكّ. المغني 11/312
وبناء على ذلك يجوز الزّواج إذا لم يثبت الرّضاع المُحَرِّم.
ولا يفوتني أن أذكّرك أيها السائل بأنّنا يجب أن ندور مع الشريعة حيث دارت ولا يصدّنا الهوى أو العاطفة عن اتّباع الحقّ ويجب أن يكون المسلم عفيفا بعيدا عن علاقات العشق والغرام وأن يسعى في إعفاف نفسه بالزواج الصحيح حسب ما جاء في شريعة الإسلام.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1535)
للمرأة المسلمة أن ترضع طفلاً نصرانياً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق لامرأة مسلمة أن ترضع طفلاً نصرانياً، وهل يحق لامرأة نصرانية أن ترضع طفلاً مسلماً، وما حكم هذا الطفل بالإسلام إذا تم إرضاعه فعلاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمسلمة أن ترضع طفلاً نصرانياً، ويجوز للنصرانية أن ترضع طفلاً مسلماًَ، لأن الأصل في مثل ذلك الإباحة، ولم يوجد دليل ينقل عنها، بل ذلك من باب الإحسان، وقد كتب الله الإحسان على كل شيء، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في كل ذي كبد رطبة أجر)
ثانياً: إذا تم إرضاعهما فحكم كل منهما في الإسلام لم يتغير عما كان عليه بهذا الإرضاع، فمن كان منهما محكوماً له بالإسلام قبل الإرضاع فهو مسلم بعده، ومن كان محكوماً له بالنصرانية قبل الإرضاع فهو محكوم له بها بعده.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (21/61) .(6/1536)
حكم الرضاعة الطبيعية وحكمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الواجب إعطاء حليب الأم للرضيع الذي لا يستطيع أن يأكل الطعام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم إذا احتاج الطفل إلى الرضاعة وجب إرضاعه.
جاء في الموسوعة الفقهية (22/239) : " لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه، وفي سن الرضاع ".
والرضاعة حقٌّ ثابت للرضيع بحكم الشرع يلزم إيصاله إليه من قِبَلِ من وجب عليه هذا الحق، وقد صرح الفقهاء بأن الرضاعة " حقٌّ للولد ".
وعللوا ذلك بقولهم: " لأن الرضاع في حقِّ الصغير كالنفقة في حق الكبير ".
وما قالوه حقٌ دلَّ عليه القرآن الكريم، فقد قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} ، فأوجب الله تعالى على الأب الإنفاق على مرضعة ولده؛ لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع، فالإنفاق على المرضعة في الحقيقة نفقةٌ له، جاء في شرح منتهى الإرادات: " وعلى من تلزمه نفقة صغيرٍ ذكراً كان أو أنثى نفقة مرضعته؛ لأن الطفل إنما يتغذى بما يتولد في المرضعة من اللبن وذلك إنما يحصل بالغذاء، فوجبت النفقة للمرضعة لأنها في الحقيقة له " المفصل في أحكام المرأة 9/464
وأجمع العلماء على أثر الرضاع في تحريم التناكح والمحرمية، وجواز النظر والخلوة، لا وجوب النفقة والتوارث وولاية النكاح.
وحكمة هذه المحرمية والصلة ظاهرة، فإنه حين تغذى الرضيع بلبن هذه المرأة نبت لحمه عليه، فكان كالنسب له منها.
ولذا كره العلماء استرضاع الكافرة والفاسقة وسيئة الخلق، أو من بها مرض معدٍ لأنه يسري إلى الولد.
واستحبوا أن يختار المرضعةَ الحسنة الخَلْق والخُلُق، فإن الرضاع يُغير الطِبَاع.
والأحسن أن لا يرضعه إلا أمه، لأنه أنفع وأمرأ، وقد يكون ذلك واجباً عليها إذا لم يقبل الطفل ثدي غيرها.
وقد حث الأطباء على لبن الأم لا سيما في الأشهر الأولى.
وقد ظهرت لنا حكمة الله الكونية حين جعل غذاء الطفل من لبن أمه بالتجارب وبتقارير الأطباء ونصائحهم.
الفوائد الطبية للرضاعة الطبيعية
وللرضاعة الطبيعية فوائد عظيمة، وقد أمر الله به في كتابه بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة} .
فيقرر الله تعالى حق الطفل في الرضاعة.
وبعد مضي أربعة عشر قرناً من نزول الآية الكريمة نادت المنظمات الدولية والهيئات العالمية، مثل هيئة الصحة العالمية التي تصدر البيان تلو البيان تنادي الأمهات أن يرضعن أولادهن، بينما أمر الإسلام به منذ أربعة عشر قرناً من الزمان.
ومن فوائد الرضاعة للوليد:
1- لبن الأم معقم جاهز ليس به مكروبات.
2- لبن الأم لا يماثله أي لبن محضَّر من البقر أو الغنم أو الإبل، فقد صُمِّم ورُكب ليفي بحاجات الطفل يوماً بعد يوم، منذ ولادته حتى سن الفطام.
3- يحتوي لبن الأم على كميات كافية من البروتين والسكر بنسب تناسب الطفل تماماً، بينما البروتينات الموجودة في لبن الأبقار والأغنام والجواميس عسيرة الهضم على معدة الطفل لأنها أُعدت لتناسب أولاد تلك الحيوانات.
4- نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أسرع وأكمل من نمو أولئك الأطفال الذين يُعطون القارورة.
5- الارتباط النفسي والعاطفي بين الأم وطفلها.
6- يحتوي لبن الأم على العناصر المختلفة الضرورية لتغذية الطفل وفق الكمية والكيفية التي يحتاجها جسمه، والتي تناسب قدرته على الهضم والامتصاص. وعناصر التغذية غير ثابتة، وتتغير يوماً بعد يوم وفق حاجات الطفل.
7- يُحفظ لبن الأم تحت درجة من الحرارة معقوله يستجيب تلقائياً لحاجيات الطفل، ويمكن الحصول عليه في أي وقت.
8- الإرضاع من الثدي هو أحد العوامل الطبيعية لمنع حمل الأم، وهي سليمة من المضاعفات التي تصحب استعمال حبوب منع الحمل أو اللولب أو الحقن. انتهى من كتاب توضيح الأحكام 5/107.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1537)
متزوج بخالته من الرضاع
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى وقت ليس ببعيد كان يوجد في بلدنا إماء وقد حدثت هذه المسألة ونريد معرفة حكمها في الشرع. رجل له زوجة اسمها آمنة، وله أَمَة اسمها سعدية. أرضعت آمنة (الزوجة) بنتاً اسمها زينب، وأنجبت الأمة (سعدية) بنتاً اسمها حليمة. تزوجت البنت (حليمة) وأنجبت ولداً اسمه علي، وكبر وتزوج من زينب (التي رضعت من آمنة) . مرَّ على زواجهم سنين، وله منها أولاد وبنات.
السؤال: ما حكم هذا الزواج؟ وهل يجوز لي عدم إخبارهم إذا كان هذا الزواج غير شرعي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن من أحكام الرضاعة أن لبن المرضعة يؤثر في الرضيع وأولاده، فلو رضع زيدٌ من فاطمة فإن زيد وأولاده يعتبرون أولاداً للمرضعة (فاطمة) أما إخوانه فلا علاقة لهم بالمرضعة.
وأما من جهة المرضعة فإن الرضاع ينتشر من جهتها فكل من له قرابة بالمرضعة فإنه يكون قريباً لمن رضع منها، فزوج المرضعة يعتبر أباً من الرضاعة للرضيع، وإخوانها أخواله من الرضاعة وأبواها أجدادٌ للرضيع، وإذا كان زوجها متزوجاً بأخرى فهذه المرأة تعتبر زوجة والدهم بالرضاعة وأولاده منها إخوانه من الأب بالرضاعة ... وهكذا؛ لما روى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي؟ .. عَمُّكِ.
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ.
فَقَالَ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ.
قَالَ عُرْوَةُ فَلِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنْ النَّسَبِ " رواه البخاري 4796 ومسلم 1445
فهذا الحديث دليل على ثبوت الأبوة من الرضاعة وأن زوج المرضعة يعتبر أباً للرضيع من الرضاعة، ووجهه: أن زوجة أبي القعيس أرضعت عائشة، فصارت أماً لها وصار زوجها أباً لها من الرضاعة وإخوانه أعمام عائشة من الرضاعة ولهذا قال أخو أبي القعيس لعائشة: " أتحتجبين عني وأنا عمك " رواه البخاري 3644. فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على أنه عمٌ لعائشة بقوله: " ائذني له فإنه عمك تربت يمينك ".
انظر المغني مع الشرح الكبير (9/199) والموسوعة الفقهية (22/248)
وفيما يتعلق بالمسألة المذكورة في السؤال فبيانها كالتالي:
البنت (زينب) التي رضعت من الزوجة (آمنة) تعتبر بنتاً لها من الرضاعة، وكذلك بنتاً للزوج من الرضاعة، فالزوج والدها من الرضاعة إذا كانت الرضاعة خمس رضعات أو أكثر حال كون الرضيعة عمرها أقل من سنتين، وبناءً عليه فإن بنت الزوج (حليمة) من أمته (سعدية) هي أختٌ لزينب من الأب من الرضاعة، وأولاد حليمة – ومنهم علي – محارم لزينب لأنها خالتهم من الرضاعة، فلا يصح زواجهم منها.
وكونك ذكرت في السؤال أن علي قد تزوج من زينب فإن هذا باطل ويجب أن يفارقها مباشرة لأنه يُعتبر متزوجاً بخالته من الرضاعة.
وأما الأولاد الذين ولدوا بسبب هذا الزواج فهم أولاد شرعيون ينسبون إلى والدهم (علي) . لأن هذا الوطء يعتبر وطء شبهة والوطء بشبهة يلحق به النسب كما قال بذلك أهل العلم.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز سؤالاً نصه: " رضعت من امرأة ثم تزوج زوجها من أخرى وأنجبت زوجته الثانية أبناء فهل هم إخوة لي؟
فأجاب: " إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان اللبن منسوباً للزوج لكونها أنجبت منه فهم إخوة لك من أبيك من الرضاع ". فتاوى إسلامية 3/323
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله مسألة مشابهة هذا نصها:
" السؤال: ظهر لي بعد الدخول بزوجتي أنها أختي من الرضاع، لأني رضعت مع أختها، فهل تحرم علي في مثل هذه الحالة؟
الجواب: نعم.. إذا كان الأمر كما قلت، وأنك رضعت مع أخت الزوجة من أمها بمعنى أنك رضعت من أم الزوجة أو من زوجة أبيها فإنك في هذه الحالة تكون أخاً، ويكون العقد باطلاً، لكن يجب أن تعرف أن الرضاع لا أثر له إلا أن يكون خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام، فإذا كان أقل من ذلك فلا أثر له ولا يحصل به التحريم.
فإذا تيقنت أنك رضعت من أم المرأة التي تزوجتها خمس رضعات فأكثر في الحولين فإنه يجب الفراق بينكما لعدم صحة النكاح، وما حصل من الأولاد قبل العلم فإنهم ينسبون إليك شرعاً، لأن هؤلاء الأولاد خلقوا من ماء بوطء في شبهة والوطء بشبهة يلحق به النسب كما قال بذلك أهل العلم." أ. هـ فتاوى إسلامية 3/329
ويجب عليك إخبارهم بذلك قياماً بحقهما عليك في النصح، وإنكاراً للمنكر، لأن إقراراهم على هذا الزواج الباطل من المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ... ) رواه مسلم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1538)
تحريم بنت الأخت من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجتي أرضعت ولد ولدها (أي ولد أخي زوجتي) أكثر من خمس رضعات، حسب كلام أم زوجتي (المرضعة وهي جدته) هل هذا الولد يصير أخاً لزوجتي من الرضاعة؟
وهل يصير محرماً لابنتي؟ ويجوز أن تكشف عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هذا الولد أصبح أخاً لزوجتك من الرضاعة، ويكون خالاً من الرضاعة لأولادك من هذه الزوجة، فيجوز لابنتك – من هذه الزوجة وليس من زوجة أخرى - أن تظهر له ما تظهر لمحارمها.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) . رواه البخاري (2645) ومسلم (1447) .
وبنت الأخت من النسب محرمة، لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) النساء/23.
فتكون بنت الأخت من الرضاعة محرمة كذلك.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/116) :
" الرضاع المحرم ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين، فإذا كان رضاع الأخوين كذلك فهما أخوان من الرضاعة، وأولاد كل منهما أولاد أخيه من الرضاعة، سواء كان اللبن من الأب والأم معا، أم من الأم فقط، أو الأب فقط، ولا يحل لأحدهما الزواج من بنات الآخر؛ لأنهن بنات أخيه من الرضاعة " انتهى.
وانظر سؤال رقم (45819) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1539)
بركة الرضاعة الطبيعية
[السُّؤَالُ]
ـ[نمى إلى علمي أن الله يبارك الرضاعة الطبيعية، وأن القرآن ينص على: "أن كل قطرة من الحليب الطبيعي" هي مباركة. أرجو أن تخبرني أين ورد ذلك في القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن البركة تحلّ حيث شاء الله عز وجل، وتحلّ إذا دعا اللهَ العبد أن يبارك له في ماله أو رزقه فيجعله مباركا، أو يجعل شخصه مباركا كما قال عيسى عليه السلام، قال تعالى: (واجعلني مباركا أينما كنت) مريم/31 فتكون البركة حيث يجعلها الله تعالى كما قال تعالى عن المطر: (وأنزلنا من السماء ماء مباركا) سورة ق/9
أي تحصل البركة بنزوله حيث تنمو الأشجار والنباتات، وأما الرضاعة فلا أذكر آية وردت بخصوصه.
الشيخ عبد الله بن جبرين.
وقد ورد الحث في القرآن الكريم على الرضاعة الطبيعية من الوالدة لولدها، فقال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) البقرة/233
وهذا خبر بمعنى الأمر كما قال العلماء أي على الوالدات أن يرضعن أولادهن وذكروا أن جزءاً من الرضاع واجب لابد منه وهو اللبأ الأصفر الذي يكون في أول الرضاع ومعلوم طبياً أن له فوائد عظيمة في بناء مناعة الولد وغيرها، ولا شك أن في تنفيذ أمر الله والاستجابة له بركة عظيمة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1540)
حدود الاستمتاع بين الزوجين وحكم رضاع الرجل من زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مص صدر المرأة عند الجماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوج أن يستمتع بزوجته بما يشاء، ولم يحرم عليه إلا الإيلاج في الدبر، والجماع في الحيض والنفاس، وما عدا ذلك فله أن يستمتع بزوجته بما يشاء كالتقبيل والمس والنظر وغير ذلك.
وحتى لو رضع من ثديها، فهو داخل في الاستمتاع المباح، ولا يقال بتأثير اللبن عليه؛ لأن رضاع الكبير غير مؤثر في التحريم، وإنما الرضاع المؤثر هو ما كان في الحولين.
قال علماء اللجنة الدائمة:
يجوز للزوج أن يستمتع من زوجته بجميع جسدها، ما عدا الدبر والجماع في الحيض والنفاس والإحرام للحج والعمرة حتى يتحلل التحلل الكامل.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 351، 352) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
يجوز للزوج أن يمص ثدي زوجته، ولا يقع تحريم بوصول اللبن إلى المعدة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله الغديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
رضاع الكبير لا يؤثر؛ لأن الرضاع المؤثر ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام، وأما رضاع الكبير فلا يؤثر، وعلى هذا فلو قدِّر أن أحداً رضع من زوجته أو شرب من لبنها: فإنه لا يكون ابناً لها. " فتاوى إسلامية " (3 / 338) .
وأما من جهة حل الاستمتاع في غير ما جاء النهي عنه: فإليك أقوال أهل العلم فيه:
قال ابن قدامة:
لا بأس بالتلذذ بها بين الأليتين من غير إيلاج ; لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر , فهو مخصوص بذلك , ولأنه حرم لأجل الأذى , وذلك مخصوص بالدبر , فاختص التحريم به. " المغني " (7 / 226) .
وقال الكاساني:
من أحكام النكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها إلى قدميها حالة الحياة ; لأن الوطء فوق النظر والمس , فكان إحلاله إحلالا للمس والنظر من طريق الأولى. " بدائع الصنائع " (2 / 231) .
وقال ابن عابدين:
سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليها هل ترى بذلك بأسا؟ قال: لا , وأرجو أن يعظم الأجر. " رد المحتار " (6 / 367) .
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المباح بمنع الجماع للحائض في الفرج وإباحة ما عداه من جسدها، وهو في غير الحائض أوضح في الإباحة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قوله: " ويستمتعُ منها بما دُونه " أي: يستمتعُ الرَّجل من الحائض بما دون الفَرْج.
فيجوز أن يستمتعَ بما فوق الإزار وبما دون الإزار، إلا أنَّه ينبغي أن تكون متَّزرة؛ لأنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان يأمر عائشة رضي الله عنها أن تَتَّزِرَ فيباشرها وهي حائض، وأَمْرُه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لها بأن تتَّزِرَ لئلا َّيَرى منها ما يكره من أثر الدَّم، وإذا شاء أن يستمتع بها بين الفخذين مثلاً: فلا بأس.
فإن قيل: كيف تجيب عن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لما سُئِلَ ماذا يَحِلُّ للرَّجُل من امرأته وهي حائض قال: " لك ما فوق الإزار "، وهذا يدلُّ على أن الاستمتاع يكون بما فوق الإزار؟ .
فالجواب عن هذا بما يلي:
1. أنَّه على سبيل التنزُّه، والبعد عن المحذور.
2. أنه يُحمَلُ على اختلاف الحال، فقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ " اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح ": هذا فيمن يملك نفسه، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: " لك ما فوق الإزار ": هذا فيمن لا يملك نفسه إما لقلِّة دينه أو قوَّة شهوته. " الشرح الممتع " (1 / 417) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1541)
أرضعت كل منهما طفل صاحبتها، فما يترتب على ذلك من أحكام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إيضاح أحكام الرضاعة كاملة مثلا في حالة إرضاعي لابن أخي زوجي الذي يصغر ابني بشهر، مع العلم أن ابني قد أرضعته زوجة أخي زوجي. ولدي ابنة وابن يكبران من أرضعته زوجة أخي زوجي، وأيضا هي لديها ولدان قبل الطفل الذي أرضعته أنا.
أرجو إيضاح نوعية وكمية الرضاعة المحرمة وما الأحكام التي تجري على باقي الإخوان لهم؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ارتضع من امرأة خمس رضعات، وهو في سن الحولين، فقد صار ابنا لها من الرضاعة، وصارت هي أما له، كما أن زوجها (صاحب اللبن) يصير أبا له من الرضاعة، وكل من رضع من هذه المرأة فهو أخ أو أخت له من الرضاعة، وهكذا.
وذلك لما روى مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ.
ولما روى الترمذي (1152) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ) . صححه الألباني في "الإرواء" (2150) .
ومعنى "في الثدي" أي: في زمن الرضاع. تقول العرب: مات فلان في الثدي أي: في زمن الرضاع قبل الفطام. قاله الشوكاني.
قَالَ الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لا تُحَرِّمُ إِلا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لا يُحَرِّمُ شَيْئًا" اهـ.
وروى البخاري (2645) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: (لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ) .
وحد الرضعة:
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (5/575) :
"الرضعة مرة من الرضاع بلا شك، كضربة وجلسة وأكلة، فمتى التقم الثدي فامتص منه ثم تركه من غير عارض كان ذلك رضعة لأن الشرع ورد بذلك مطلقا فحمل على العرف، والعرف هذا. والقطع العارض لتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود عن قرب لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الآكل إذا قطع أكلته بذلك ثم عاد عن قريب لم يكن أكلتين بل واحدة، هذا مذهب الشافعي. . . ولو انتقل من ثدي المرأة إلى ثديها الآخر كانا رضعة واحدة" اهـ. راجع السؤال (2864) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
(إذا أرضعت امرأة طفلا خمس رضعات معلومات في الحولين أو أكثر من الخمس، صار الرضيع ولدا لها ولزوجها صاحب اللبن، وصار جميع أولاد المرأة من زوجها صاحب اللبن ومن غيره إخوة لهذا الرضيع، وصار أولاد الزوج صاحب اللبن، من المرضعة وغيرها إخوة للرضيع. فصار إخوتها أخوالا له، وإخوة الزوج صاحب اللبن أعماما له، وصار أبو المرأة جدا للرضيع، وصار أبو الزوج صاحب اللبن جدا للرضيع، وأمه جدة للرضيع؛ لقول الله جل وعلا في المحرمات من سورة النساء: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) النساء /23. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين) ، ولما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك) . أخرجه الترمذي بهذا اللفظ وأصله في صحيح مسلم) انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/333) .
والحاصل: أن ابنك إذا كان قد رضع خمس رضعات في الحولين من زوجة أخي زوجك، فهو أخ لجميع أولادها وبناتها.
وكذلك ابن هذه المرأة الذي رضع منك، يصبح ابنا لك، وأخاً لجميع أولادك وبناتك، سواء كانوا أصغر أو أكبر من الرضيع، وسواء في ذلك من كان موجودا الآن، ومن سيولد لك بعد.
ولأولادك – عدا الابن الذي رضع من زوجة عمه- أن يتزوجوا من بنات عمهم، لأنه لا محرمية بينهم.
ولبناتك أن يتزوجن من أبناء عمهم إلا من الابن الذي رضع منك لأنهم أخ لهن، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1542)
هل يتزوج ببنت امرأة رضعت من أمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة رضعت من أمي مرتين، والتي رضعت مع هذه المرأة كانت أختي الكبرى وأنا حينها لم أولد بعد. تزوجت المرأة التي رضعت من أمي، والآن لديها بنت، فهل يحل لي الزواج بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أرضعت المرأة طفلاً فإن هذا الطفل يصير ولداً لها من الرضاعة، ويصير أخاً من الرضاعة لجميع أولادها، سواء أولادها الذين وجدوا قبله أو بعده.
وعلى هذا، فأي امرأة رضعت من أمك تصير أختك من الرضاعة، وتصير أنت خالاً لجميع أولادها، فيحرم عليك الزواج ببنتها لأنك خالها من الرضاعة، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه البخاري (2645) ومسلم (1447) . والخال من النسب يحرم زواجه ببنت أخته، فكذلك الخال من الرضاعة.
ولكن ينبغي أن يعلم أن التحريم في الرضاع لا يثبت إلا بخمس رضعات معلومات. لما رواه مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ) . رواه مسلم (1452) .
وقد ذكرت في سؤالك أن هذه المرأة رضعت من أمك مرتين، فينبغي أن نعرف ما هي الرضعة التي يثبت التحريم بخمس منها.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (5/575) :
"الرضعة مرة من الرضاع بلا شك، كضربة وجلسة وأكلة، فمتى التقم الثدي فامتص منه ثم تركه من غير عارض كان ذلك رضعة لأن الشرع ورد بذلك مطلقا فحمل على العرف، والعرف هذا. والقطع العارض لتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود عن قرب لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الآكل إذا قطع أكلته بذلك ثم عاد عن قريب لم يكن أكلتين بل واحدة، هذا مذهب الشافعي. . . ولو انتقل من ثدي المرأة إلى ثديها الآخر كانا رضعة واحدة" اهـ.
راجع السؤال (2864) .
وبهذا يتبين أن الرضعات الخمس قد تحصل جميعاً في مجلس واحد.
فإن كانت هذه المرأة قد رضعت من أمك خمس رضعات بهذا المعنى لم يحل لك الزواج بابنتها لأنك تكون خالاً لها من الرضاعة. وإذا كانت قد رضعت أقل من خمس رضعات لم يثبت بذلك التحريم، فيجوز لك أن تتزوج ببنتها.
وإذا حصل شك في عدد الرضعات هل يبلغ خمساً أم لا؟ لم يثبت التحريم مع الشك.
قال ابن قدامة رحمه الله:
وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ , أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ , هَلْ كَمُلا أَوْ لا؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ ; لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُهُ , فَلا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ اهـ.
انظر سؤال رقم (13357) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1543)
هل لأولادها من الرضاع علاقة بزوجها الآخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ولد رضع من امرأة مع ابن لها، ثم طلقت هذه المرأة وتزوجت من رجل آخر وأنجبت أولاداً وبنات، وكذلك زوجها الأول تزوج من امرأة أخرى وأنجبت له أولاداً وبنات.
سؤالي:
أرجو إفادتي عن إخوة هذا الولد من الرضاع هل هم أولاد وبنات المرأة أم أولاد وبنات الرجل؟ مع العلم بأن هذه المرأة تقول إنها أرضعت هذا الولد عدة أيام وكان ابنها يرضع من ثدي وهذا الولد يرضع من الثدي الآخر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. إذا ارتضع الطفل أو الطفلة من امرأةٍ خمس رضعات في الحولين قبل الفطام: صار ولدها من الرضاعة باتفاق الأئمة، في التحريم والحرمة، وصار الرجل الذي درَّ هذا اللبن بوطئه أباً لهذا المرتضع من الرضاعة باتفاق الأئمَّة المشهورين، وهذا يسمى " لبن الفحل "، وقد ثبت ذلك بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. وإذا صار الرجل والمرأة والدي المرتضع صار كلٌّ من أولادهما إخوة المرضع، سواء كانوا من الأب فقط، أو من المرأة، أو منهما، أو كانوا أولاداً لهما من الرضاعة؛ فإنهم يصيرون إخوة لهذا المرتضع من الرضاعة، حتى لو كان لرجل امرأتان فأرضعت هذه طفلا وهذه طفلة كانا أخوين ولم يجز لأحدهما التزوج بالآخر باتفاق الأئمة الأربعة وجمهور علماء المسلمين، وهذه المسألة سئل عنها ابن عباس فقال: " اللقاح واحد " يعنى: الرجل الذي وطىء المرأتين حتى درَّ اللبن واحد.
3. ولا فرق باتفاق المسلمين بين أولاد المرأة الذين رضعوا مع الطفل وبين من ولد لها قبل الرضاعة وبعد الرضاعة باتفاق المسلمين.
انظر: " مجموع الفتاوى " (34 / 31، 32) .
4. ولا علاقة بين أولاد المرأة وبناتها بالنسب أو بالرضاعة بزوجها الثاني من حيث الأبوة في الرضاعة، فاللبن هو لبن زوجها الأول وهو والدهم جميعاً، إلا أن زوجها الثاني هو زوج أمهم، وبزواجه منها تحرم عليه بناتها بالنسب لأنهن ربائب له وهو قد دخل بأمهن فأصبحن محرمات عليه، لقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النساء/23، أما علاقة بنات المرأة من الرضاعة بزوج هذه المرأة الأخر غير صاحب اللبن، هل هن محرّمات عليه لكونه زوجاً لأمهنّ من الرضاعة أو لسن محرمات عليه، فهذا محل خلاف معتبر بين العلماء.
فالجمهور يرون أن بنات المرأة من الرضاع محرمات على زوجها الثاني لأنه زوج أمهن.
ورجّح شيخ الإسلام ابن تيمية وتابعه الشيخ ابن عثيمين أنهنّ لا يحرمن عليه.
لأن الحديث: " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " البخاري 2645 وتحريم هؤلاء البنات على زوج من أرضعتهن الذي اعتبره الجمهور ليس تحريماً من جهة النسب وإنما من جهة المصاهرة فلا يدخل في الحديث.
وعلى هذا القول فإنه يجب على من أرضعتهن هذه المرأة أن يحتجبن من زوجها الثاني لأنه ليس محرماً لهن.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله (ولو ذهب ذاهب إلى حالة وسط في هذه المسألة فقال بقول الجمهور في أنه لا يحل له نكاحها، وإلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية بأنها ليست من محارمه وعمل بالاحتياط لكان هذا له وجه لأن الاحتياط على هذا الوجه جاءت به السنة وهو أَنَّ َسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تنازع هو وعَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ فِي عبد لزَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هذا ابن أَخِي عتبة بن أبي وقاص عهد به إليَّ فهو ابنه وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ هذا أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ثم قال لسودة بنت زمعة وهي إحدى أمهات المؤمنين: َاحْتَجِبِي عنْهُ يَا سَوْدَةُ) البخاري 2053 ومسلم 1457، مع أنه قضى بأنه أخ لها وقال احتجبي منه لأنه رأى شبها بينا بعتبة. فهذا حكم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحكم مبني على الاحتياط. فأمر بالاحتجاب من أجل الشبهة وقضى بأنه أخوها لأنه وُلد على فراش أبيها) دروس الحرم المكي ج3ص245.
والله تعالى أعلم.
وللمزيد: انظر جواب السؤال: (40226) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1544)
رضع من خالته مرتين فهل له أن يتزوج من ابنتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبتُ بنت خالتي وعندما اقترب الزواج قالت لي خالتي إنها أرضعتني مرتين وأنا صغير ولم أشبع بهما. فهل يجوز أن أتزوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لك أن تتزوج ابنة خالتك في الحالة هذه، وذلك لأن الرضاع الذي يثبت به التحريم هو خمس رضعات. ودليل ذلك ما رواه مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ.
قال النووي رحمه الله:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْقَدْر الَّذِي يَثْبُت بِهِ حُكْم الرَّضَاع , فَقَالَتْ عَائِشَة وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: لا يَثْبُت بِأَقَلّ مِنْ خَمْس رَضَعَات , وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء: يَثْبُت بِرَضْعَةٍ وَاحِدَة. حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَطَاوُسٍ وَابْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَمَالِك وَالأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد وَابْن الْمُنْذِر وَدَاوُد: يَثْبُت بِثَلاثِ رَضَعَات وَلا يَثْبُت بِأَقَلّ. فَأَمَّا الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَة خَمْس رَضَعَات مَعْلُومَات اهـ.
وأما حد الرضعة التي يثبت بها التحريم فانظر السؤال رقم (804)
وسئل الشيخ ابن باز عمن رضع من امرأة ثلاث رضعات هل يثبت بذلك التحريم؟
فأجاب: هذه الرضعات الثلاث لا يحصل بها تحريم الرضاع، وإنما يحصل التحريم بخمس رضعات أو أكثر اهـ. ثم استدل بحديث عائشة المتقدم.
فتاوى إسلامية (3/326) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
الرضعة الواحدة لا تؤثر، بل لا بد من خمس رضعات، وتكون قبل الفطام، وقبل تمام الحولين، فلا يصير الإنسان ولداً للمرأة إذا رضع مرة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وكذلك فلا بد أن تكون خمس رضعات معلومات، فإن شكّ هل رضع أربعاً أو خمساً فالأصل أنها أربع، لأننا كلما شككنا في عدد أخذنا بالأنقص. وعلى ذلك فلو قالت امرأة: أنا أرضعت هذا الطفل ولا أدري مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً. قلنا: ليس هذا الطفل بولدها، لأنها لا بد أن تكون خمس رضعات معلومات بلا شك اهـ. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (2/768) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1545)
زوجة والدهم أرضعت طفلة فهل تكون أختهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي تزوج من امرأة في الماضي، ورزق بأولاد من هذه المرأة، توفيت هذه المرأة بعد أن أرضعت فتاة أخرى لا تقربها بل على سبيل الشفقة، هل نحن إخوة لهذه الفتاة، حيث إن أباها قد منعها من الكشف أمامنا، إلا بفتوى شرعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه المرأة قد أرضعت الفتاة خمس رضعات معلومات في الحولين (أي في مدة الرضاع) صارت الفتاة بنتا لها ولزوجها صاحب اللبن – الذي هو والدك -، وصار جميع أولاد المرأة من زوجها صاحب اللبن أو غيره إخوة لهذه الفتاة، وصار أولاد الزوج صاحب اللبن، من المرضعة وغيرها إخوة لهذه الفتاة.
فأنتم وجميع إخوتكم من أبيكم من أي زوجة كانت، إخوة لهذه الفتاة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (إذا أرضعت امرأة طفلا خمس رضعات معلومات في الحولين أو أكثر من الخمس، صار الرضيع ولداً لها ولزوجها صاحب اللبن، وصار جميع أولاد المرأة من زوجها صاحب اللبن ومن غيره إخوة لهذا الرضيع، وصار أولاد الزوج صاحب اللبن، من المرضعة وغيرها إخوة للرضيع. فصار إخوتها أخوالا له، وإخوة الزوج صاحب اللبن أعماما له، وصار أبو المرأة جدا للرضيع، وصار أبو الزوج صاحب اللبن جدا للرضيع، وأمه جدة للرضيع؛ لقول الله جل وعلا في المحرمات من سورة النساء: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) النساء / 23
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا رضاع إلا في الحولين"، ولما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك " أخرجه الترمذي بهذا اللفظ وأصله في صحيح مسلم)
انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 3/333
وأما حد الرضعة فسبق الكلام عليه في السؤال رقم (27280) فراجعه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1546)
لا تحل له لأنها خالته من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مسألة مهمة جداً وحساسة جدا كذلك وهي تتعلق بالرضاع وهي ممثلة بالمخطط التالي
- آمنة (جدة) أخت زينب أرضعت فاطمة بنت زينب.
- ثم أرضعت آمنة أم كلثوم (بنت بنتها) .
- المسألة: تقدم أحد أبناء فاطمة للزواج من أم كلثوم فهل يجوز هذا الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خلاصة السؤال أن (آمنة) أرضعت كلاً من فاطمة وأم كلثوم وبهذا تكون فاطمة وأم كلثوم أختين من الرضاعة، فلا يجوز لأحد أبناء فاطمة أن يتزوج من أم كلثوم لأنها خالته من الرضاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاة ما يحرم من النسب) رواه البخاري (2645) ومسلم (1445) .
والخالة من النسب محرمة فكذلك الخالة من الرضاعة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/87) :
كُلُّ امْرَأَةٍ حَرُمَتْ مِنْ النَّسَبِ حَرُمَ مِثْلُهَا مِنْ الرَّضَاعِ , وَهُنَّ الأُمَّهَاتُ , وَالْبَنَاتُ , وَالأَخَوَاتُ , وَالْعَمَّاتُ , وَالْخَالاتُ , وَبَنَاتُ الأَخِ , وَبَنَاتُ الأُخْتِ. . . لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. . . وَلا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلافًا اهـ.
والتحريم في الرضاع يتوقف على أمرين:
الأول: حصول خمس رضعات، والرضعة أن يمسك الصبي الثدي ثم يدعه.
والثاني: أن يكون رضاع الطفل قبل تمامه الحولين.
وانظر السؤال رقم 27280 و 804
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1547)
الحكمة من زيادة عدّة المتوفّى عنها زوجها عن عدّة المطلّقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من زيادة عدة المتوفى عنها زوجها عن عدة المطلقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فرض الله تعالى العدة على المطلّقات، والمتوفّى عنهنّ أزواجهنّ بقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) البقرة/228، وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) البقرة/234.
والواجب على المسلم السّمع والطّاعة، والتّسليم لنصوص الوحي، والأحكام الشّرعيّة، وإن لم يعرف الحكمة منها، قال الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65، وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الأحزاب/36.
وهذا لا يمنع من ذكر العلّة للأحكام، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله للعدّة عللاً منها:
1- التّعبّد بامتثال أمر الله عزّ وجلّ حيث أمر بها النّساء المؤمنات.
2- معرفة براءة الرّحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.
3- تهيئة فرصة للزّوجين في الطّلاق؛ لإعادة الحياة الزّوجيّة عن طريق المراجعة.
4- التّنويه بفخامة أمر النّكاح؛ حيث لا يتمّ الطلاق إلاّ بانتظار طويل، ولولا ذلك لأصبح النكاح بمنزلة لعب الصّبيان، يتمّ ثمّ ينفكّ في السّاعة.
5- إظهار الحزن والتّفجّع على الزّوج بعد الوفاة؛ اعترافاً بالفضل والجميل.
وزادت عدّة المتوفّى عنها زوجها لما يلي:
1- إنّ الفراق لمّا كان في الوفاة أعظم؛ لأنّه لم يكن باختيار، كانت مدّة الوفاء له أطول.
2- إنّ العدّة في المتوفّى عنها زوجها أنيطت بالأمد الذي يتحرّك فيه الجنين تحرّكاً بيّناً؛ محافظة على أنساب الأموات، ففي الطّلاق جعل ما يدلّ على براءة الرّحم دلالة ظنيّة؛ لأنّ المطلّق يعلم حال مطلّقته من طهر وعدمه، ومن قربانه إيّاها قبل الطّلاق وعدمه، بخلاف الميت. وزيدت العشرة الأيام على أربعة الأشهر؛ لتحقّق تحرّك الجنين احتياطاً؛ لاختلاف حركات الأجنّة قوّة وضعفاً.
3- إنّ ما يحصل من الحزن والكآبة عظيم، يمتدّ إلى أكثر من مدّة ثلاثة قروء، فبراءة الرّحم إن كانت تعرف في هذه المدّة، فإنّ براءة النّفس من الحزن والكآبة تحتاج إلى مدّة أكثر منها.
4- إنّ تعجّل المرأة المتوفّى عنها زوجها بالزّواج ممّا يسيء أهل الزّوج، ويفضي إلى الخوض في المرأة بالنّسبة إلى ما ينبغي أن تكون عليه من عدم التهافت على الزّواج، وما يليق بها من الوفاء للزّوج، والحزن عليه.
5- إنّ المطلقة إذا أتت بولد يمكن للزّوج تكذيبها ونفيه باللّعان، وهذا ممتنع في حق الميت، فلا يؤمن أن تأتي بولد فيلحق الميتَ نسبُه، فاحتيط بإيجاب العدة على المتوفّى عنها زوجها
ثمّ هذه المدّة قليلة بالنسبة للمدّة التي كانت المتوفّى عنها زوجها تمكث فيها في الجاهليّة. قال الشّيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع على زاد امستقنع" (13 / 348-349) : "والحكمة في أنها أربعة أشهر وعشر ـ والله أعلم ـ أنها حماية لحق الزوج الأول، ولهذا لما عظم حق الرسول عليه الصلاة والسلام صارت نساؤه حراماً على الأمة كل الحياة، أما غيره فيكتفى بأربعة أشهر وعشرة أيام، ولماذا كانت أربعة أشهر وعشرة؟
الجواب: أن الأربعة ثلث الحول، والعشرة ثلث الشهر، وقد جاء في الحديث: (الثلث والثلث كثير) ، وكانت النساء في الجاهلية يبقين في العدة سنة في أكره بيت، يضعون لها خباء صغيراً في البيت، وتقعد به بالليل والنهار، ولا تغتسل ولا تتنظف، وتبقى سنة كاملة، يمر عليها الصيف والشتاء، فإذا خرجت أَتَوْا لها بعصفور أو دجاجة أو غير ذلك لتتمسح به، ثم تخرج من هذا الخباء المنتن الخبيث، وتأخذ بعرة من الأرض وترمي بها، كأنها تقول بلسان الحال: كل الذي مَرَّ عليَّ ما يساوي هذه البعرة! لكن الإسلام ـ الحمد لله ـ جاء بهذه المدة الوجيزة، أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم مع ذلك هل منعها من التنظف؟ لا، تتنظف كما شاءت، وتلبس ما شاءت غير أن لا تتبرج بزينة" انتهى.
وينظر: "المغني" (11/224) ، و"المجموع" (19/433) ، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (2/421-422) ، و"تفسير المنار" (2/416-417) ، و"روائع البيان في تفسير آيات الأحكام" (1/343) .
وينظر: جواب السّؤال رقم (81139) .
والله اعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1548)
هل للمعتدة من طلاق أن تخرج من البيت للحاجة والمصلحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بإمكان المطلقة أن تخرج في فترة العدة لدروس الدين وللتسوق وللسير للتنفيس عن نفسها خصوصا في الغربة حيث لا أهل يساعدونها مع حفاظها على نفسها وأيضًا الخروج لتدريس الأطفال اللغة العربية أرجوكم ساعدوني أريد شرحاً أكثر مفصلاً عن العدة إذ من الصعب البقاء وحيدة في البيت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المطلقة طلاقا رجعيا يلزمها الاعتداد في بيت زوجها، ولا يجوز للزوج إخراجها منه؛ إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، ولا يحل لها الخروج إلا إذا أخرجها؛ لقوله تعالى: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الطلاق/1.
وأما المطلقة البائن وهي من طلقت الطلقة الثالثة، فلها أن تعتد في بيت أهلها، ولها أن تعتد في بيت زوجها إن انتفت الخلوة بينهما.
ثانيا:
اختلف الفقهاء في لزوم المعتدة من طلاق لبيتها، فقال الجمهور: هي كالمعتدة من وفاة لا تخرج منه في الليل إلا لضرورة، وتخرج في النهار للحاجة، وقال آخرون: لا يلزمها ذلك، فلها أن تخرج كبقية الزوجات.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (3/206) : "ورجعية في لزوم منزلِ مطلِّقها - لا في الإحداد - كمتوفى عنها زوجها؛ لقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) وسواء أذن لها المطلق في الخروج أو لا ; لأنه من حقوق العدة، وهي حق لله تعالى، فلا يملك الزوج إسقاط شيء من حقوقها، كما لا يملك إسقاطها، أي: العدة" انتهى.
وينظر: "فتح القدير" (4/343) ، "مواهب الجليل" (4/164) ، "مغني المحتاج" (5/106) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأيضا: تفارق غيرها [أي من الزوجات] في مسائل أخرى، منها: أنه يلزمها لزوم المسكن، فيجب عليها لزوم المسكن كالمتوفى عنها، فلا تخرج إلا للضرورة في الليل، أو الحاجة في النهار، أما الزوجات الأخر فلا يجب عليهن لزوم المسكن، فتخرج المرأة لزيارة قريبها، لزيارة صديقتها، وما أشبه ذلك، إذن هي في لزوم المسكن أشد من الزوجات المعتادات، والعرف: أنها من حين تطلق تذهب إلى أهلها،
فهذا حرام ولا يجوز، والدليل قوله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الطلاق/1، فلا تخرج حتى تنتهي العدة، ولو بإذنه لحاجة في النهار، أو ضرورة في الليل، هذا هو المذهب.
والقول الثاني: أنها لا يلزمها لزوم المسكن، بل هي كالزوجات الأخر؛ لأن الله تعالى سماه بعلا ـ أي: زوجا ـ فهي إذاً زوجة، وما دامت زوجة فهي كغيرها من الزوجات، تخرج من البيت ليلا ونهارا، ولا يلزمها السكنى.
وأما ما استدلوا به من قوله تعالى: (وَلَا يَخْرُجْنَ) ، فالمراد: خروج مفارقة ليس المراد خروجا لأي سبب، وهذا القول هو الصحيح " انتهى من" الشرح الممتع" (13/187) .
ويدل لمذهب الجمهور: ما روى مسلم (1483) عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال: طُلِّقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلَى، فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا.
قال في "سبل السلام" (2/296) : "والحديث دليل على جواز خروج المعتدة من طلاق بائن من منزلها في النهار للحاجة إلى ذلك , ولا يجوز لغير حاجة , وقد ذهب لى ذلك طائفة من العلماء , وقالوا: يجوز الخروج للحاجة والعذر ليلا ونهارا كالخوف وخشية انهدام المنزل ويجوز إخراجها إذا تأذت بالجيران , أو تأذوا بها أذى شديدا، لقوله تعالى (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، وفُسّر الفاحشة بالبذاءة على الأحماء وغيرهم.
وذهبت طائفة منهم إلى جواز خروجها نهارا مطلقا دون الليل للحديث المذكور، وقياسا على عدة الوفاة , ولا يخفى أن الحديث المذكور علل فيه جواز الخروج برجاء أن تصدق , أو تفعل معروفا , وهذا عذر في الخروج. وأما لغير عذر , فلا يدل عليه" انتهى.
والحاصل: أنه يجوز لك الخروج نهارا للحاجة، كشراء سلع تحتاجين إليها، أو الذهاب للعمل والوظيفة من تدريس ونحوه، وحضور الدروس التي لابد من حضورها، وأما الخروج للنزهة فلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1549)
خروج المعتدة من وفاة زوجها لزيارة أولادها
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي رحمه الله وترك والدتي وهي امرأة كبيرة ولها أولاد في الرياض وخارجها وهي الآن في عدتها وتريد أن تزورهم أو تزور غيرهم فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المحادة التي توفي عنها زوجها تلزم بيتها ولا تخرج؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للمتوفى عنها: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله) ، فالمحادة تلزم بيتها ولا تلبس الملابس الجميلة ولا تتطيب، ولا تكتحل ولا تلبس الحلي، خمسة أمور تلزم المحادة:
الأول: لزوم البيت حتى تنتهي العدة.
الثاني: عدم لبس الثياب الجميلة، ولكن تلبس الثياب غير الجميلة من أسود وأخضر وأزرق لكن غير جميلة.
الثالث: عدم الحلي من الذهب والفضة والماس واللؤلؤ وغير ذلك، فلا تلبس الحلي، والساعة من الحلي؛ لأنها للجمال والزينة.
الرابع: عدم الكحل، فلا تكتحل ولا تجعل في وجهها من الزينات التي يعتادها النساء اليوم غير الماء والصابون ونحو ذلك.
الخامس: الطيب، فعليها ترك الطيب بأنواعه إلا عند الطهر من حيضها.
ولها الخروج لحاجتها كالمحكمة والمستشفى أو السوق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/199) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1550)
طلق الرابعة ويريد أن يتزوج غيرها وهي في العدة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تزوج من أربع نساء، وطلق إحداهن الطلقة الأولى، وفي أثناء عدتها أراد الزوج الزواج من امرأة أخرى تمام الرابعة فهل يسمح له الشرع في الزواج قبل انتهاء عدة المطلقة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز له الزواج بامرأة رابعة قبل انتهاء عدة الزوجة الرابعة التي طلقها إذا كان الطلاق رجعيا بإجماع المسلمين؛ لأن المطلقة الرجعية لها حكم الزوجات، أما إذا كان الطلاق بائنا ففي جواز نكاح الخامسة خلاف بين العلماء والأحوط تركه حتى تنتهي عدة المطلقة.
وأسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دينه والثبات عليه إنه خير مسؤول" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/178) .
وانظر جواب السؤال رقم (104777)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1551)
خروج المعتدة من وفاة زوجها إلى السوق ومجالس العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحادة أن تخرج إلى السوق لقضاء حاجاتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز للمحادة أن تخرج إلى السوق لقضاء حاجتها، وإلى المستشفى للعلاج، وهكذا يجوز لها الخروج للتدريس وطلب العلم؛ لأن ذلك من أهم الحاجات مع تجنب الزينة والطيب والحلي من الذهب والفضة والماس ونحو ذلك وعلى المحادة أن تراعي خمسة أمور:
الأول: بقاؤها في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه إذا تيسر ذلك.
الثاني: اجتناب الملابس الجملية.
الثالث: اجتناب الطيب إلا إذا كانت تحيض فلها استعمال البخور عند طهرها من الحيض.
الرابع: عدم لبس الحلي من الذهب والفضة والماس ونحو ذلك.
الخامس: عدم الكحل والحناء؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما ذكرنا. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/200) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1552)
المرأة الموظفة كيف تعتد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توفي عن المرأة المسلمة الموظفة زوجها وهي في دولة لا تعطي لأي إنسان توفي عنه قريبه إجازة أكثر من ثلاثة أيام، فكيف تعتد في مثل هذه الظروف، لأنها إن قررت أن تعتد المدة المشروعة تفصل من العمل، فهل تترك الواجب الديني من أجل اكتساب المعيشة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عليها أن تعتد العدة الشرعية وتلزم الإحداد الشرعي في جميع مدة العدة، ولها الخروج نهارا لعملها؛ لأنه من جملة الحاجات المهمة، وقد نص العلماء على جواز خروج المعتدة للوفاة في النهار لحاجتها، والعمل من أهم الحاجات، وإن احتاجت لذلك ليلا جاز لها الخروج من أجل الضرورة خشية أن تفصل، ولا يخفى ما يترتب على الفصل من المضار إذا كانت محتاجة لهذا العمل، وقد ذكر العلماء أسبابا كثيرة في جواز خروجها من منزل زوجها الذي وجب أن تعتد فيه، بعضها أسهل من خروجها للعمل إذا كانت مضطرة إلى ذلك العمل، والأصل في هذا قوله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) متفق على صحته، والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/201) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1553)
متى تبدأ عدة من فُقد زوجها ثم وجد ميتا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة فُقد زوجها وبعد أسبوع وُجد ميتا، ويُعتقد أنه توفي قبل ثلاثة أيام، فمتى تبدأ عدتها؟ هل من تاريخ فقده، أم من التاريخ الذي يظن أنه مات فيه، أم من تاريخ العثور عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عليها أن تبتدئ العدة من حين وُجد ميتا؛ لأن هذا هو المتيقن، وهي أربعة أشهر وعشر، وعليها الإحداد أيضا إلا أن تكون حاملا فمدتها تنتهي بوضع الحمل، لقول الله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) البقرة/234.
وقوله عز وجل: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/4، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفتى سبيعة الأسلمية بخروجها من العدة بوضع الحمل. متفق على صحته، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/218) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1554)
أين تعتد المطلقة ثلاثا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[1 - مطلقة ثلاثاً لها أبناء وبنات، أين تقضي عدتها؟ هل في بيت أهلها أم في بيت الزوجية مع أبنائها وبناتها؛ علما هي ترغب في قضاء عدتها مع أبنائها وبناتها؟ 2 - كانت هناك زوجة مطلقة ثلاثا، وأثناء عدتها حزنت، وعندما التقت زوجها (أثناء العدة) عانقته، وحدثت أمور، لكن لم يحدث إي تقبيل أو جماع. ما هو السبيل للتكفير عن هذا الذنب من الطرفين. علما بأنه لم يحدث تقبيل أو جماع والسلام]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا طلق الرجل زوجته طلاقا بائنا، فليس لها نفقة ولا سكنى زمن العدة، إلا أن تكون حاملا.
والبينونة نوعان: بينونة صغرى، وتكون بالطلاق قبل الدخول، وبالطلاق على عوض
[يعني: مقابل مال يأخذه الزوج] .
وبينونة كبرى: وتكون بتمام ثلاث طلقات.
قال ابن قدامة رحمه الله: " (وإذا طلق الرجل زوجته طلاقا لا يملك فيه الرجعة , فلا سكنى لها , ولا نفقة , إلا أن تكون حاملا) .
وجملة الأمر , أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا , فإما أن يكون ثلاثا , أو بخلع , أو بانت بفسخ , وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى , بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى:
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق /6، وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا) ولأن الحمل ولده , فيلزمه الإنفاق عليه , ولا يمكنه النفقة عليه , إلا بالإنفاق عليها , فوجب , كما وجبت أجرة الرضاع.
وإن كانت حائلا [ليست حاملا] , فلا نفقة لها.
وفي السكنى روايتان: إحداهما: لها ذلك وهو قول عمر , وابنه وابن مسعود , وعائشة , وفقهاء المدينة السبعة ومالك , والشافعي ; للآية.
والرواية الثانية , لا سكنى لها , ولا نفقة، وهي ظاهر المذهب , وقول علي , وابن عباس , وجابر , وعطاء , وطاوس , والحسن وعكرمة , وميمون بن مهران , وإسحاق , وأبي ثور , وداود.
وقال أكثر الفقهاء العراقيين: لها السكنى والنفقة وبه قال ابن شبرمة , وابن أبي ليلى , والثوري , والحسن بن صالح , وأبو حنيفة وأصحابه , والبتي , والعنبري " انتهى من "المغني" (8/185) .
والدليل على أن المطلقة طلاقا بائنا لا نفقة لها ولا سكنى: ما رواه مسلم (1480) عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ، فَقَالَتْ: فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.
وفي رواية لمسلم أيضا: قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى) .
وفي رواية لأبي داود: (لَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا) .
قال ابن عبد البر رحمه الله: " لكن من طريق الحجة وما يلزم منها قول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأحج؛ لأنه لو وجب السكنى عليها، وكانت عبادة تعبدها الله بها، لألزمها ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرجها عن بيت زوجها إلى بيت أم شريك، ولا إلى بيت ابن أم مكتوم ... وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس وقد طلقت طلاقا باتا: (لا سكنى لك ولا نفقة وإنما السكنى والنفقة لمن عليها رجعة) ؛ فأي شيء يعارَض به هذا؟ هل يعارَض إلا بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو المبين عن الله مراده من كتابه. ولا شيء عنه عليه السلام يدفع ذلك، ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله عز وجل: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) من غيره " انتهى من "التمهيد" (19/151) .
فإن سمح الزوج ببقائها في بيته زمن العدة، فلا بأس ببقائها، بشرط أن تحتجب منه، لأنه بالبينونة صار أجنبيا عنها، والأولى أن تعتد في بيت أهلها، سدا لباب الفتنة، كما حدث في السؤال المذكور؛ فالشيطان زينها في عينه، وزينه في عينها، حتى وقعا في عمل محرم، وقد كان جاهدا في تقبيح كل منهما للآخر، حتى وقع بينهما الطلاق ثلاثا؛ (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) الحشر /2.
ثانيا:
معانقة المطلقة البائن لزوجها عمل محرم، وكذلك ما وقع بعده من لمس ذكره الخ، والواجب عليهما التوبة إلى الله تعالى، والندم على هذا الفعل المنكر، ولا يخفى أنهما بالطلاق الثلاث صارا أجنبيين، فلا يحل النظر أو اللمس، فضلا عن المعانقة وما ذكرت، ولا يحل أن يرجع لها حتى تنكح زوجا غيره، نكاحَ رغبة [يعني: أن تكون راغبة هي وزوجها الجديد في النكاح الثاني] ، لا نكاحَ تحليل، ثم يموت عنها أو يفارقها.
وينظر: سؤال رقم 14038
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1555)
لا تعتد المطلقة الرجعية في بيت أهلها إلا لضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت الطلاق في المحكمة للضرر.. من الضرب والإهانات والتقصير، وقد مكثت أشهرا في بيت أهلي، ولم يأت (زوجي السابق) للتفاهم مع أهلي، ولم يرسل أحدا للصلح. أنا رفضت العودة له بدون أن يتفاهم مع أهلي ويعطي وعدا بعدم ضربي، لكنه رفض التفاهم مع أهلي، والمحكمة حكمت لي بالطلاق للضرر، وسألوني إن كنت أريد التنازل له عن حقوقي المالية، لكني رفضت التنازل، وتم الطلاق بطلقة واحدة (رجعي) . وقد دفع لي المؤخر ونفقة العدة. سؤالي: هل يعتبر هذا طلاقا أم خلعا لأني أنا من طلب الطلاق؟ وكم فترة العدة؟ وخلال فترة العدة: هل يلزم أن أمكث في بيت الزوجية؟ أنا لا أستطيع أن أمكث معه، لأني لا أريده، وهو لا يريدني، وكذلك أهلي لن يوافقوا، لأنه أهانني وأهانهم؟ وإذا رجعت له أخاف على نفسي من الضرب المبرح. هل ما أفعله حرام، بمكوثي فترة العدة في بيت أهلي؟ أرجوكم أفيدوني. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا حكمت المحكمة بالطلاق لأجل الضرر وأوقعت طلقة واحدة رجعية كما ذكرت، فهذا طلاق وليس خلعا، ولا يؤثر في الحكم كونك من طلب الطلاق.
ثانيا:
الأصل أن تعتد المطلقة في بيت زوجها، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1
لكن إن كان اعتداد المطلقة في بيت زوجها يخشى منه حصول الضرر المحقق لها، جاز أن تعتد في بيت أهلها.
قال القرطبي رحمه الله: " (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضا لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة. والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن؛ كقوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) ، وقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك. وقوله: (لا تُخْرِجُوهُنَّ) يقتضي أن يكون حقا في الأزواج. ويقتضي قوله: (وَلا يَخْرُجْنَ) أنه حق على الزوجات " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/224) : " في قوله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، إذا خرجت من دون إخراج عرضا أو صراحة ومن دون إذن من الزوج ما الحكم المتعلق فيه، لا يتناول حكم الخلعة إلا أن الطلاق قد تم وبقيت العدة؟
الجواب: تأثم المعتدة من طلاق رجعي إذا خرجت من بيت مطلقها من غير إخراج لها، إلا إذا دعت إلى خروجها ضرورة، أو حاجة تبيح لها ذلك " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجب على المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً أن تبقى في بيت زوجها، ويحرم على زوجها أن يخرجها منه لقوله - تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) . وما كان الناس عليه الآن من كون المرأة إذا طلقت طلاقاً رجعياً تنصرف إلى بيت أهلها فوراً، هذا خطأ ومحرم. لأن الله قال: " لا تخرجوهن - ولا يخرجن " ولم يستثن من ذلك، إلا إذا أتين بفاحشة مبينة، ثم قال بعد ذلك " وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ". ثم بين الحكمة من وجوب بقائها في بيت زوجها بقوله " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ". فالواجب على المسلمين مراعاة حدود الله والتمسك بما أمرهم الله به، وأن لا يتخذوا من العادات سبيلاً لمخالفة الأمور المشروعة.
المهم أنه يجب علينا أن نراعي هذه المسألة وأن المطلقة الرجعية يجب أن تبقى في بيت زوجها حتى تنتهي عدتها وفي هذه الحال في بقائها في بيت زوجها لها أن تكشف له وأن تتزين وأن تتجمل وأن تتطيب وأن تكلمه ويكلمها وتجلس معه وتفعل كل شيء ما عدا الاستمتاع بالجماع أو المباشرة فإن هذا إنما يكون عند الرجعة وله أن يرجعها بالقول فيقول راجعت زوجتى وله أن يراجعها بالفعل فيجامعها بنية المراجعة " انتهى من "فتاوى إسلامية".
وقد ذكرنا أن هذا انتقال المرأة عن مسكن زوجها، أثناء عدتها، وإن كان ممنوعا من حيث الأصل، فأنه يباح للضرورة، أو لعذر يقتضي خروجها منه.
قال أبو الوليد الباجي، رحمه الله:
" وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إِذَا كَثُرَ مِثْلُ هَذَا مِنْ النُّشُوزِ بَيْنَهُمَا، وَالْأَذَى وَلَمْ يَطْمَعْ فِي إصْلَاحِهِ انْتَقَلَتْ الْمَرْأَةُ إِلَى مَسْكَنٍ غَيْرِهِ "
ثم قال، بعد الإشارة إلى بعض ما قيل من أسباب انتقال المرأة عن بيت زوجها:
" هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِقَالُ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْعُذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ ".انتهى. " المنتقى، شرح الموطأ".
وعليه: فإذا كنت تخافين من ضرب زوجك، وأذاه لك، في حال اعتدادك في بيته: فيجوز لك أن تعتدي في بيت أهلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1556)
هل يلزم المغتصبة عدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بنت اغتصبت بالقوة هل عليها العدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في المرأة إذا زنت- ولو بالإكراه- هل يلزمها العدة أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا عدة عليها، وهو مذهب الحنفية والشافعية.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (29/337) .
الثاني: أنها تعتد بثلاث حيضات، وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
قال ابن قدامة رحمه الله معللا لهذا القول: " أنه وطء يقتضي شغل الرحم , فوجبت العدة منه , كوطء الشبهة، وأما وجوبها كعدة المطلقة , فلأنها حرة فوجب استبراؤها بعدة كاملة , كالموطوءة بشبهة " انتهى.
"المغني" (8/80) .
وقال الدسوقي في حاشيته (2/471) : " قال في الجلاب: وإذا زنت المرأة أو غصبت وجب عليها الاستبراء من وطئها بثلاث حيض، وإن كانت أمة استبرئت بحيضة، كانت ذات زوج أو غير ذات زوج " انتهى.
الثالث: أنها تستبرئ بحيضة واحدة، وهو قولٌ للمالكية، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال المرداوي في "الإنصاف": " وعنه [يعني الإمام أحمد] : تُستبرأ بحيضة، اختارها الحلواني , وابن رزين , والشيخ تقي الدين [يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية] " انتهى.
"الإنصاف" (9/295) .
ورَجَّح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنها إن كانت ذات زوج، فلا يلزمها عدة ولا استبراء، وإن كانت غير مزوجة فإنها تستبرئ بحيضة.
قال رحمه الله: " القول الثالث: أنها لا عدة عليها ولا استبراء، وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وهو مذهب الشافعي، وهذا القول أصح الأقوال، لكن إن حملت على هذا القول لم يصح العقد عليها حتى تضع الحمل؛ لأنه لا يمكن أن توطأ في هذه الحال؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم (نهى أن توطأ ذات حمل حتى تضع) .
والفائدة من ذلك: أنها إذا كانت ذات زوج ما نقول للزوج: تجنبها إذا زنت مثلاً، بل نقول: لك أن تجامعها، ولا يجب عليك أن تتجنبها، إلا إن ظهر بها حمل فلا تجامعها، أما إذا لم يظهر بها فإنها لك.
فلو قال قائل: ألا يحتمل أن تكون نشأت بحمل من وطء الزنا؟
نقول: هذا الاحتمال وارد، لكن قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر) ، فما دمنا ما تيقّنا أنها حملت من الزاني فإن الولد يحكم بأنه للفراش، وإذا حملت من الزاني وقلنا لزوجها: لا تطأها، فإنه يجوز أن يستمتع بها بغير الوطء؛ لأنها زوجته، وإنما مُنع من الوطء من أجل أن لا يسقي ماءه زرع غيره " انتهى.
"الشرح الممتع" (13/232) .
وقال أيضاً - رحمه الله -: في (13/382) : " بل إن القول المروي عن أبي بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أن المزني بها لا عدة عليها إطلاقاً ولا تستبرأ، لا سيما إذا كانت ذات زوج؛ لقول الرسول عليه الصلاة السلام: (الولد للفراش) ، بل ينبغي للإنسان إذا علم أن زوجته زنت ـ والعياذ بالله ـ وتابت أن يجامعها في الحال، حتى لا يبقى في قلبه شك في المستقبل، هل حملت من جماع الزنا أو لم تحمل؟ فإذا جامعها في الحال حُمِلَ الولد على أنه للزوج، وليس للزاني، أما إذا كانت المرأة الزانية ليس لها زوج فلا بد أن تستبرئ بحيضة على القول الراجح " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1557)
هل يجوز للطالبة التي توفي زوجها أن تخرج من أجل الدراسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي زوجها وتلزمها العدة، وهي طالبة في المدرسة، فهل يجوز لها مواصلة الدراسة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجب على الزوجة المتوفى عنها زوجها أن تعتد وتحد في بيتها الذي مات زوجها وهي فيه أربعة أشهر وعشراً، وألا تبيت إلا فيه، وعليها أن تجتنب ما يحسنها، ويدعو النظر إليها من الطيب والاكتحال وملابس الزينة وتزيين بدنها ونحو ذلك، مما يجملها، ويجوز لها أن تخرج نهاراً لحاجة تدعو إلى ذلك.
وعلى هذا؛ للطالبة المسؤول عنها أن تذهب إلى المدرسة لحاجتها إلى تلقي الدروس، وفهم المسائل وتحصيلها مع التزامها اجتناب ما يجب على المعتدة عدة الوفاة اجتنابه " انتهى.
اللجنة الدائمة للإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"مجلة البحوث الإسلامية" (16/131) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1558)
طلقها زوجها بعد الزفاف ولم تزل عذراء فهل عليها عدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كتب عقدي على شخص مدة سنة وبعدها تم حفل الزفاف وبقيت عنده مدة أسبوعين، ولكنني لم أزل عذراء، وطلقني، علمت أنه ليس لي عدة، ولي الآن خمس سنوات تقريباً، ولكن سمعت أنه لا بد لي من عدة وأنا لم أتزوج إلى الآن بعد أفيدوني عن التباس أمري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا خلاف بين أهل العلم في أن عدة الطلاق تثبت بالوطء؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب/49، إذ المسيس هاهنا كناية عن الوطء بإجماع الفقهاء.
ولا خلاف بينهم في أن المطلقة قبل الدخول والخلوة لا عدة عليها، للآية السابقة.
قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في "أحكام القرآن": " هذه الآية نص في أنه لا عدة على مطلقة قبل الدخول، وهو إجماع الأمة لهذه الآية، وإذا دخل بها فعليها العدة إجماعا؛ لقوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ، وقوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) " انتهى.
واختلفوا فيما إذا خلا بها، ثم طلقها، فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه يلزمها العدة؛ لأن الخلوة أقيمت مقام الدخول.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/80) : " ولا خلاف بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس , فأما إن خلا بها ولم يصبها , ثم طلقها , فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها، وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد , وابن عمر، وبه قال عروة , وعلي بن الحسين , وعطاء , والزهري , والثوري , والأوزاعي , وإسحاق , وأصحاب الرأي , والشافعي في قديم قوليه.
ويدل على ذلك: إجماع الصحابة , روى الإمام أحمد والأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى , قال: (قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترا , أو أغلق بابا , فقد وجب المهر , ووجبت العدة) ، ورواه الأثرم أيضا عن الأحنف , عن عمر وعلي , وعن سعيد بن المسيب , عن عمر وزيد بن ثابت، وهذه قضايا اشتهرت , فلم تنكر , فصارت إجماعا. وضعف أحمد ما روي في خلاف ذلك " انتهى بتصرف واختصار.
وفي "الموسوعة الفقهية" (19/273) : " ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه تجب العدة على المطلقة بالخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح....
ووجوب العدة عند المالكية بالخلوة الصحيحة حتى ولو نفى الزوجان الوطء فيها؛ لأن العدة حق الله تعالى فلا تسقط باتفاقهما على نفي الوطء " انتهى باختصار.
وعليه؛ فبقاؤك عند زوجك مدة أسبوعين، يعني تحقق الخلوة الموجبة للعدة عند الجمهور، وقد أخطأت في عدم الاعتداد، ولا يلزمك شيء الآن؛ لفوات وقت العدة.
قال الشيخ ابن عثيمين في "اللقاء الشهري" (77/21) : " لكن إذا تركت العدة أو تركت الإحداد جهلاً منها فلا شيء عليها، والعدة تنتهي بانتهاء وقتها " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1559)
هل يجوز إطلاق اسم "العرَّاب" على منتدى إسلامي؟ والتنبيه على لفظ "إخواننا المسيحيين"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية منتدى إسلامي باسم " العرّاب "؟ ، مع العلم أن " العرّاب " هو الأب الروحي للأخوة المسيحيين، أو الأشبين الذي يحضر مراسيم الزفاف، كذلك للأخوة المسيحيين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هناك ملاحظتان على ما ورد في السؤال، يحسن التنبيه عليهما أولا، ثم نثني بالجواب على أصل السؤال:
1. قولك " مسيحيين " الأولى الالتزام بتسميتهم بما سماهم الله ورسوله به، فنقول عنهم: نصارى، وهو اللقب الذي لا يدل على تزكية أولئك الكفار، أو نسبتهم للمسيح الذي كفروا به في واقع أمرهم، وادعوا أنه إله، أو ابن إله؟!
وقد سماهم الله تعالى في كتابه الكريم " أهل الكتاب "، و " النصارى " نسبة لقرية " الناصرة " في فلسطين، أو لأنهم نصر بعضهم بعضاً.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -: " سمُّوا " نصارى " لنصرة بعضهم بعضاً، وتناصرهم بينهم، وقد قيل: إنهم سمُّوا " نصارى " مِن أجل أنَّهم نزلوا أرضاً يقال لها ناصرة " انتهى.
" تفسير الطبري " (2 / 144) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" وكان المسيح من ساعير أرض الخليل، بقرية تدعى " ناصرة "، وباسمها يسمَّى من اتبعه نصارى " انتهى.
"الجواب الصحيح" (5 /200) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: شاع منذ زمن استخدام كلمة " مسيحي "، فهل الصحيح أن يقال: " مسيحي "، أو " نصراني "؟ .
فأجاب: " معنى " مسيحي " نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه، وهو بريء منهم، وقد كذبوا؛ فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله، فالأولى أن يقال لهم: " نصارى "، كما سماهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) البقرة/ 113 " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (5/387) .
2. قولك عنهم " إخوة "، فهذا لا يجوز.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " الكافر ليس أخاً للمسلم، والله سبحانه يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) .
فليس الكافر - يهوديّاً، أو نصرانيّاً، أو وثنيّاً، أو مجوسيّاً، أو شيوعيّاً، أو غيرهم - أخاً للمسلم، ولا يجوز اتخاذه صاحباً، وصديقاً " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (6/392) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن وصف الكافر بأنه " أخ "؟
فأجاب: " لا يحل للمسلم أن يصف الكافر- أيا كان نوع كفره، سواء كان نصرانيّاً، أم يهوديّاً، أم مجوسيّاً، أم ملحداً -: لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبداً، فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير؛ فإنه لا أخوَّة بين المسلمين وبين الكفار أبداً، الأخوة هي الأخوة الإيمانية، كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/43) ..
ثانياً:
لا ننصحك أن تسمِّي منتداك الإسلامي باسم " العرَّاب "؛ فهو اسم قبيح، وأنتَ ذكرتَ سبباً كافياً للامتناع عن تلك التسمية، وهي تسمية دينية عندهم، وتعني " الأب الروحي " – أب في العِماد " godfather " - وثمة سبب ثانٍ وهو أن هذا الاسم هو لبرنامج فيه فسق ومجون في إحدى قنوات الفساد العربية، وهو – كذلك – يطلق على زعيم عصابات المخدرات في بعض الدول الغربية، وبه يسمَّى الفيلم الأجنبي المشهور الذي يتكلم عن أحوال تلك العصابات.
فلهذه الأسباب جميعاً ننصحك بترك هذا الاسم، واختيار الاسم اللائق بدينك، ولغة قرآنك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: نحن مجموعة من الشباب ملتزمون والحمد لله، ونعمل سويّاً في مكان واحد، ونسكن أيضاً في مكانٍ واحدٍ، ونقوم في وقت الدعابة بمناداة بعضنا البعض بأسماء غير أسمائنا، مثل (جرجس، بطرس، حنَّا، ميخائيل، بنيامين) علماً أنه لا تسبب هذه الأسماء لأحدٍ منَّا شيئا من الغضب أو الزعل، ولكن هذه الأسماء هي أسماء منتشرة بين المسيحيين، فهل هذا حرام؟ علماً بأننا لا ننادي بعضنا بها إلا على سبيل الدعابة.
فأجابت: " هذا العمل لا يجوز؛ لأنه من التشبه بالكفار في أسمائهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، فالواجب: تجنب المناداة بهذه الأسماء الأجنبية، ولو كان ذلك من قبيل المزاح.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26 /32) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1560)
كيفية حساب الشهور في عدة الوفاة والطلاق وصيام الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي معتدة وصادفت الثلاث شهور بعد وفاة والدي تحوي 29 يوما فقط والشهر الرابع كاملاً ثلاثين يوما.. هل تزيد عليها عشرة أيام فقط فتصبح 4 أشهر وعشر أم تضيف 13 يوما ثلاث أيام تكملة للشهور الناقصة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) البقرة/234.
وهذه المدة تبدأ من وفاة الزوج، وتنتهي بنهاية المدة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/93) : " أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر , مدخولا بها , أو غير مدخول بها , سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ ; وذلك لقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث , إلا على زوج , أربعة أشهر وعشرا) متفق عليه " انتهى.
وتحسب بالشهور القمرية العربية، لا بالأيام، في قول جمهور الفقهاء، سواء كان الشهر كاملا أو ناقصا، فإذا أتمت أربعة أشهر، زادت عليها عشرة أيام من الشهر الخامس، وبهذا تنتهي عدتها.
هذا إن كانت الوفاة في أول الشهر، وأما إن كانت في أثنائه، فإنها تعتد بقية الشهر الأول، وثلاثة شهور بالأهلة – كاملة أو ناقصة- , وعشرة أيام، وما فاتها من الشهر الأول لها في حسابه طريقتان لأهل العلم:
الأولى: أن يحسب ثلاثين يوما، سواء كان الشهر تاما أم ناقصا.
الثانية: أن تعتد من الشهر الخامس بقدر ما فاتها من الأول، فإن كان تاما أتمته ثلاثين يوما، وإن كان ناقصا أتمته تسعة وعشرين.
وينظر: المغني (8/85) ، كشاف القناع (5/418) ، الموسوعة الفقهية (29/315) .
وقد اختار القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه من علمائنا المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
فقد ذكر الشيخ ابن عثيمين فيمن صام شهرين متتابعين ابتداء من يوم 15 جمادى الأولى، وكان كل من جمادى الأولى والآخرة تسعة وعشرين يوما، أنه ينتهي صيامه بصوم اليوم الخامس عشر من رجب، على القول بأنه يتم الشهر الأول ثلاثين يوما.
وعلى القول الراجح يعتبر الشهرين بالهلال، فينتهي صومه بصوم اليوم الرابع عشر من رجب.
"الشرح الممتع" (6/413، 414) .
وكذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه " لا حاجة إلى أن نقول بالعدد، بل ننظر اليوم الذي هو المبدأ من الشهر الأول، فتكون النهاية مثله من الشهر الآخر" انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/144) .
مثال ذلك في عدة الوفاة: لو توفي الرجل في يوم 12 من محرم، فتعتد امرأته إلى 12 جمادى الآخرة، فهذه أربعة أشهر، سواء كانت كاملة أم ناقصة، ثم تزيد عشرة أيام، فتنتهي عدتها يوم 22 جمادى الآخرة في الساعة التي مات فيها زوجها.
وعلى هذا، فليس على أمك إلا أن تزيد عشرة أيام فقط، وليس عليها أن تكمل الأشهر الناقصة ثلاثين يوما.
وما قلناه هنا في عدة الوفاة ينطبق على من صام شهرين متتابعين، وينطبق أيضا على عدة الطلاق إذا حسبت بالشهور، وذلك في حال كون المطلقة صغيرة أو يائسة لا تحيض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1561)
سفر المرأة أثناء العدة لدفن زوجها في بلده الأصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة المغتربة المتوفى زوجها في الغربة العودة إلى نفس المكان بعد أربعين يوما من وفاة زوجها ودفنه في بلده، وذلك لتصفية الالتزامات المالية، حيث كانت هي موكلة عن زوجها بتصفية وإدارة جميع الأمور المالية والحياتية، مع العلم أن عمرها ستون عاماُ؟ . وما حكم الشرع بالنسبة للعدة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم المرأة أن تعتد في البيت الذي جاءها نعي زوجها وهي تسكنه، لما روى أصحاب السنن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفريعة بنت مالك رضي الله عنها: (امْكُثِي فِي بَيْتِكِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) أبو داود (2300) والترمذي (1204) والنسائي (200) وابن ماجه (2031) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
والظاهر من سؤالك أنك كنت مع زوجك في بلد الاغتراب حين توفي، ثم انتقلت إلى بلدك الأصلي لدفن زوجك وتريدين العودة إلى بلد الاغتراب لتصفية الأمور المالية، فإذا كان الأمر كذلك فقد أخطأت بسفرك إلى بلدك الأصلي، وكان عليك البقاء في البلد الذي كنت فيه عند وفاة زوجك، إذ لا يجوز لك الانتقال منه إلا لضرورة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (98193) .
ويلزمك الآن العودة إلى بلد الاغتراب لتكملي العدة هناك، مع الالتزام بأمور الحداد إلى نهاية أربعة أشهر وعشرة أيام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1562)
هل تثبت براءة الرحم عن طريق الفحص الطبي والتحليل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعينوني من فضلكم في حل المشكلة التي تواجه عائلة مسلمة فقيرة هنا في إندونيسيا، إنها عن ابنتهم الأرملة ولديها 3 أطفال، بعدها تزوجت ثانية في عام 2007 بمسلم رزقت منه طفلا في 8 ديسمبر 2007، لكن زوجها كان يضربها، وكذلك لديه بعض الأعمال الخاطئة، وحتى إنه لا يصلي ويلاحق البنات (طبعا هو لا يزال صغيرا) . بسبب تدهور حالتها، حاولت عائلتها حل مشكلتها، وعلى أقل تقدير قرروا أن يبحثوا لها عن زوج آخر، الحمد لله، وجدوا واحدا أفضل بكثير من الحالي، وهو مستعد أن يعتني بهذه المرأة وأولادها، وهو أفضل أيضا دينيا واجتماعيا، أقصد أنه يستطيع أن يتحمل نفقة منزل وتعليم للأطفال، وعليه فقد طلبت المرأة الخلع؛ لأنه فعليا الحل الوحيد، لقد وافق الزوج عليه بدون مشاكل في 18 فبراير، الآن العائلة ترجو العون من الله من خلال برنامج الزواج، لكن هناك ابتلاء آخر، وهو أن الرجل الذي تقدم لها يتوسل أن يكون العقد في بداية مارس على أعلى تقدير (حتى 4 مارس) ، لأنه طلب فترة أسبوع كإجازة زواج، والآن يقول إن تأجيل الزواج لفترة جديدة سيسبب إزعاجا لموظِفه، حتى إنه قال إن الزواج لو تأخر فإنه قد يغير رأيه ويلغي التفكير بالزواج، هو بنفسه طلق زوجته التي ذهبت لزوج آخر وكان حزينا بسببها، هو شعر برغبة في الزواج ثانية فقط بعد ما سمع قصة هذه الأرملة وأطفالها الأيتام، لأنه يعتقد أن المؤمنة فقط تستطيع بناء بيت إسلامي، الأسئلة هي: 1. مع العلم أن عدة الخلع هي شهر واحد، لكن هذه الأرملة لم تحض منذ وضعت ذلك الطفل الأخير في 8 ديسمبر 2007 (انتهت من فترة النفاس بعد 40 يوما) ، فكيف نحسب فترة عدتها؟ 2. نعرف أن الحكمة من العدة لمدة حيضة واحدة هي التأكد أن المرأة ليست حاملاً (كما يقول سيد سابق في فقه السنة) ، هل يجوز التأكد من عدم الحمل بفحص الحمل المخبري بدون الانتظار للحيضة التي قد لن تحصل في هذه الحالة إلا بعد عدة أشهر؟ 3. أرجو أن تضعوا في اعتباركم أن الزواج المرجو هو لأجل الدين والصالح الاجتماعي لهذه العائلة أولهم الأرملة وأطفالها. نأمل أن علماءنا الكرام يجدون حلا لهذه المشكلة بحسب الشريعة، يجب أن أؤكد أنني شخصيا أعرف هؤلاء الناس والمعلومات أعلاه صحيحة، والقضية ليست مسألة تزويج المرأة بأي أسلوب والحصول على فتوى من خلال معلومات خاطئة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المختلعة يلزمها الاستبراء بحيضة واحدة على الراجح، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (5163) .
ثانياً:
إذا ارتفع الحيض بسبب معلوم كالرضاع، فالواجب انتظار رجوع الحيض لتعتد المرأة به وإن طالت المدة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (11/216) :
"أَمَّا إذَا عَرَفَتْ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِعَارِضٍ ; مِنْ مَرَضٍ , أَوْ نِفَاسٍ , أَوْ رَضَاعٍ , فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ زَوَالَ الْعَارِضِ , وَعَوْدَ الدَّمِ وَإِنْ طَالَ , إلَّا أَنْ تَصِيرَ فِي سِنِّ الْإِيَاسِ , فَعِنْدَ ذَلِكَ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْآيِسَاتِ. وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ , فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً , وَكَانَتْ لَهَا مِنْهُ بُنَيَّةً تُرْضِعُهَا , فَتَبَاعَدَ حَيْضُهَا , وَمَرِضَ حِبَّانُ , فَقِيلَ لَهُ: إنَّك إنْ مِتَّ وَرِثَتْك. فَمَضَى إلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ وَزَيْدٍ مَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَا: نَرَى أَنَّهَا إنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا , وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ , وَلَا مِنْ الْأَبْكَارِ اللَّائِي لَمْ يَبْلُغْنَ الْمَحِيضَ. فَرَجَعَ حِبَّانُ إلَى أَهْلِهِ , فَانْتَزَعَ الْبِنْتَ مِنْهَا , فَعَادَ إلَيْهَا الْحَيْضُ , فَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ , وَمَاتَ حِبَّانُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّالِثَةِ , فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه" انتهى.
ولا يجوز الاكتفاء بالكشف الطبي الدال على براءة الرحم من الرحم، بل لا بد من الاستبراء بحيضة.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما رأيكم في الاستبراء عن طريق الكشف الطبي بالوسائل الحديثة؟
فأجابوا:
"الله تعالى هو الذي شرع الشرائع في العبادات والأنكحة والمعاملات، وله سبحانه كمال العلم بما كان وما سيكون، ولم يشرع الاستبراء بطريق الكشف الطبي بالآلات الحديثة (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ، فلا يجزئ الاستبراء بذلك بدلا من الاستبراء أو الاعتداد بما عرف شرعا بالقرآن والسنة وشرحته كتب الفقه الإسلامي. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ...
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/487) .
وعليه، فإن هذه المرأة لا يجوز أن يعقد أحد نكاحها حتى تحيض حيضة، ولو كان ذلك سيؤخر زواجها أشهرا؛ والإنسان لا يعلم ما كتب له، فقد يكون من الخير لها أن تتزوج هذا الرجل، وقد لا يكون من الخير لها ذلك.
على أننا ننبه هنا إلى أنه لا يجوز الاتفاق مع هذا الرجل أو غيره ليتزوج بتلك المرأة وهي لا تزال في عصمة زوجها، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب المسلم على خطبة أخيه، فكيف يجوز له أن يخطب امرأة في عصمة رجل آخر؟!
فهذه المرأة تسعى في الطلاق أو الخلع من زوجها – إن شاءت – ثم إذا انقضت عدتها بحثت عن زوج، أو تقدم لها من يريد الزواج منها.
ونسأل الله تعالى أن يوفقها لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1563)
ميراث المطلقة الرجعية والبائن وانتقالها إلى عدة الوفاة إذا مات زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة مطلقة طلاقا عرفيا (بدون عقد) وعندما توفي زوجها لم تعتد بحجة أنها مطلقة منه إلا أنها ورثت منه. ما الحكم في ذلك?]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
قولك: " هناك امرأة مطلقة طلاقا عرفيا (بدون عقد) " لعلك تعني به أن طلاقها لم يسجل في الأوراق الرسمية، وعدم تسجيل الطلاق لا يؤثر في الحكم، فليس من شرط وقوع الطلاق أن يتم تسجيله.
ثانيا:
إذا طلقت الزوجة طلاقا رجعيا وانقضت عدتها، ثم مات زوجها فإنه لا تلزمها عدة الوفاة؛ ولا ترث منه؛ لأنها قد بانت من زوجها بانقضاء عدتها.
ثالثا:
إذا طلقت الزوجة طلاقا رجعيا، ومات زوجها أثناء عدة الطلاق، فإنها ترث منه، وتنتقل إلى عدة الوفاة، فتعتد أربعة أشهر وعشرا من يوم وفاته؛ لأن الرجعية لا تزال زوجة ما دامت في العدة.
رابعا:
إذا طلقت الزوجة طلاقا بائنا كالطلقة الثالثة، ثم مات زوجها، وهي في العدة أو بعد انقضاء عدتها، فلا ترث ولا تعتد للوفاة، إلا أن يكون الزوج قد طلقها في مرض موته وكان متهما بقصد حرمانها من الميراث كما سيأتي.
هذا حاصل ما قرره أهل العلم في ميراث المطلقة، وفي اعتدادها لوفاة زوجها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/94) : " وإذا مات زوج الرجعية , استأنفت عدة الوفاة , أربعة أشهر وعشرا , بلا خلاف. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه , وينالها ميراثه , فاعتدت للوفاة , كغير المطلقة.
وإن مات مطلق البائن في عدتها , بنت على عدة الطلاق [أي: لا تعتد للوفاة] , إلا أن يطلقها في مرض موته , فإنها تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء. نص على هذا أحمد وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن , وقال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر: تبني على عدة الطلاق ; لأنه مات وليست زوجة له , لأنها بائن من النكاح , فلا تكون منكوحة ...
وإن مات المريض المطلّق بعد انقضاء عدتها بالحيض , أو بالشهور , أو بوضع الحمل , أو كان طلاقه قبل الدخول , فليس عليها عدة لموته ...
وأما المطلقة في الصحة إذا كانت بائنا , فمات زوجها , فإنها تبني على عدة الطلاق , ولا تعتد للوفاة. وهذا قول مالك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر " انتهى.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (10/291) ، (29/325) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ترث المرأة المطلقة التي توفي زوجها فجأة وكان قد طلقها وهي في فترة العدة أو بعد انقضاء العدة؟
فأجاب: "المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة فإما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي.
فإذا كان الطلاق رجعياً فهي في حكم الزوجة، وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة. والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها بغير عوض، وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة، فإذا مات زوجها فإنها ترثه؛ لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) . وقوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبنية وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) فقد أمر الله سبحانه وتعالى الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة، وقال: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) يعني به الرجعة.
أما إذا كانت المطلقة التي مات زوجها فجأة مطلقة طلاقا بائناً مثل أن يكون الطلقة الثالثة، أو أعطت الزوج عوضا ليطلقها، أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة.
ولكن هناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقا بائنا مثل إذا طلقها الزوج في مرض موته متهماً بقصد حرمانها، فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج، فإن تزوجت فلا إرث لها " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/53) .
وبهذا بالتفصيل الذي ذكرناه يعلم الجواب.
وفي حال أخذها ميراثا لا تستحقه فإنه يلزمها رده إلى الورثة، ولا يحل لها التمسك به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1564)
يريد الزواج من كافرة أسلمت ولم يطلقها زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم يريد الزواج من كافرة أسلمت قبل سنة ولم يطلقها زوجها الكافر، فما العمل؟ وإن طلقها الكافر هل تحسب العدة من يوم طلاقها أو عدة إسلامها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أسلمت الزوجة التي دخل بها زوجها وبقي زوجها كافراً، حرمت عليه، ولم يجز لها أن تمكنه من نفسها، لكن تتوقف الفرقة والبينونة على انقضاء العدة من وقت إسلامها، فإن أسلم قبل انقضاء العدة فالنكاح باق على حاله، وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها، ملكت أمر نفسها وحل لها أن تتزوج من غيره.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/117) : "إذا كان إسلام أحدهما بعد الدخول , ففيه عن أحمد روايتان ; إحداهما: يقف على انقضاء العدة , فإن أسلم الآخر قبل انقضائها , فهما على النكاح , وإن لم يسلم حتى انقضت العدة , وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان , فلا يحتاج إلى استئناف العدة، وهذا قول الزهري , والليث , والحسن بن صالح , والأوزاعي , والشافعي , وإسحاق، ونحوه عن مجاهد , وعبد الله بن عمر , ومحمد بن الحسن" انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكم إذا أسلمت امرأة مسيحية وهي متزوجة برجل مسيحي، وبعد أن أشهرت إسلامها تريد أن تتزوج برجل مسلم، فما حكم الشرع في هذا؟
فأجابوا:
"إذا أسلمت المرأة تحت رجل كافر فإنها تحرم عليه، ويفرق بينهما، ويراعى خروجها من العدة، فإن خرجت من العدة قبل أن يسلم بانت منه بينونة صغرى؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ، وإن أسلم قبل انتهاء عدتها ردت إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد المهاجرات إلى أزواجهن لما أسلموا وهن في العدة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/20) .
وبهذا تعلم أنه يجوز لهذه المرأة أن تتزوج بعد انقضاء عدتها، ولا تحتاج إلى طلاق من زوجها الكافر.
ولكن نظرا لزواجها في الأوراق الرسمية، ولكونها في بلد غير إسلامي، فقد تحتاج إلى ما يثبت انفصالها عن زوجها الأول، منعا للمفاسد التي قد تترتب على زواجها بدون هذا الإثبات، وحينئذ ينبغي إقناع الزوج (الكافر) بتقديم ما يثبت حصول الفرقة بينهما، أو الحصول على وثيقة الفرقة بأي وسيلة ممكنة، ولو بدفع مال للزوج.
ولا تحتاج إلى عدة بعد الحصول على هذه الوثيقة، فقد بانت منه بمجرد انقضاء عدتها التي تحسب من وقت إسلامها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1565)
شرب المرأة المتوفى عنها زوجها لقهوة فيها زعفران في فترة الحداد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شرب القهوة بالزعفران للمرأة في فترة الحداد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة التي توفي عنها زوجها يجب عليها أن تجتنب الزينة والطيب في فترة الحداد، وهي فترة العدة، والزعفران نوع من الطيب، فإن كان إضافته إلى القهوة تُذهب رائحته فلا حرج فيه، أما إذا كانت رائحته باقية، فيجب على المرأة اجتنابه في فترة الحداد.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن ذلك، فقال:
"إذا كانت رائحته باقية أي رائحة الزعفران باقية فإنه لا يجوز لها أن تشرب ذلك، لأنه سيظهر ريحه على فمها، وأما إذا كانت الرائحة قد زالت بطبخه فلا حرج عليها" انتهى.
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8804.shtml
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1566)
هل يلزمه فراق زوجته إذا لم تسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم المسلم الجديد فراق زوجته إذا لم تسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ينظر في ذلك: إن كانت يهودية أو نصرانية فإنه لا يلزمه فراقها، لأن المسلم يحل له أن يتزوج من اليهودية والنصرانية ابتداءاً، وكذلك استدامةً، وأما إذا كانت غير يهودية ولا نصرانية فإنه إذا أسلم ينفسخ النكاح، لأنه صار لا يحل لها، ولا تحل له، لكن يعطى مهلة إلى أن تنقضي العدة، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة فهي زوجته، وإن لم تسلم فقد تبين انفساخ النكاح من حين إسلام الزوج" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/9،10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1567)
هل تخرج المعتدة من وفاة زوجها لصلاة التراويح والعمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي زوجي منذ 45 يوما وقد اعتدت للذهاب لصلاة التراويح في شهر رمضان، فهل يجوز الذهاب للمسجد لأداء الصلاة دون أن أكمل عدتي؟ وهل يجوز أن أمارس عملي في البقالة؟ للعلم: البقالة في نفس المنزل. هل يجوز لزائر المقابر أن يأكل من أي شجرة مزروعة داخل المقبرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله أن يأجركم في مصيبتك، وأن يخلف لك خيراً منها.
ثانيا: المعتدة من وفاة لا تخرج ليلا إلا لضرورة، وليس خروجك لصلاة التراويح ضرورة، فعلى هذا، تصلين التراويح في بيتك.
ثالثا:
يجوز للمعتدة من وفاة أن تخرج نهاراً للعمل، فإذا جاء الليل لزمها البقاء في بيتها.
فلا حرج عليك من العمل في البقالة، على أن يكون ذلك نهاراً فقط.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها. لما روى جابر قال: طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا) رواه النسائي وأبو داود. وروى مجاهد قال: (استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) : "الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك " انتهى.
وأما الأكل من الأشجار المزروعة في المقابر فلا حرج فيه، ولكن ينبغي أن تعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن زيارة القبور، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8198) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1568)
الحمل الذي تنقضي العدة بوضعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أفادني فضيلتكم ردا على سؤال رقم 106328 أنه لا يقع علي شيء من الطلاق، لأنه وقع في طهر جامعت فيه زوجتي، ولكن بعد شهر من الطلاق علمت أن زوجتي حامل، وسقط هذا الحمل قبل أن يتم شهران، وأنا وزوجتي لم نعلم بالحمل إلا بعد الطلاق، هل يقع الطلاق أو لا يقع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق إذا كان في الحمل فإنه يقع ولو كان الزوجان لا يعلمان بالحمل، لكن إن وقع الشك في الطلاق هل كان مع وجود الحمل أو قبله، فإن الأصل عدم وجود الحمل، فلا يقع الطلاق، على القول الذي سبق بيانه، وهو أن الطلاق لا يقع إذا كان في طهر جامع الرجل أهله فيه.
ثانيا:
إذا حصل الجزم بوجود الحمل أثناء التلفظ بالطلاق، فإن الطلاق يقع.
ثالثا:
عدة الحامل إلى وضع الحمل، فإن وضعت سقطا، وتبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل، فإن العدة تنتهي بذلك، ولا يملك الرجل أن يرجع زوجته إلا بعقد جديد ومهر جديد.
قال في "كشاف القناع" (5/413) : "والحمل الذي تنقضي به العدة هو ما تبين فيه شيء من خلق الإنسان كرأس ورجل فتنقضي به العدة إجماعا، حكاه ابن المنذر، لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص ... لكن لو وضعت مضغة لم يظهر فيها الخلق فشهدت ثقات من القوابل أن فيها صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي انقضت به العدة؛ لأنه حمل فيدخل في عموم النص " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان ثمانون يوما من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً " انتهى من رسالة "أحكام الدماء الطبيعية".
وما دامت زوجتك وضعت حملها بعد شهرين من الحمل، فالعدة لا تنقضي بذلك، بل تعتد بثلاث حيضات، ولك مراجعتها ما دامت في العدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1569)
رفض أبوها عودتها إلى زوجها الذي خالعها.
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل سبق وأن طلق زوجته طلقة واحدة بالمحكمة بضغوط من أبي الزوجة عليه وكان الطلاق بتاريخ 8-2-1428هـ والآن التاريخ 28-6-1428هـ وبه عوض، وفي الحقيقة أن الزوج يريد زوجته، وأن الزوجة تريد زوجها، لأن فترة زواجهم كانت 14سنة، وكان يعالجها بمستشفيات المملكة، وخارج المملكة، والآن لا يوجد أحد من أهلها يقوم بعلاجها وحالتها الصحية في تدهور وهي تريد الرجوع لزوجها..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كانت الطلاق قد تم بعوض، فهذا خلع، تبينُ به الزوجة بينونة صغرى، وإذا رغب الزوج والزوجة في النكاح مرة أخرى، فإنه يعقد عليها عقدا جديدا.
وإذا تزوجها فإنها ترجع إليه على ما بقى من طلاقها، فيبقى له طلقتان، ولا يحسب الخلع طلقة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، بأن قال مثلا: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال، فنقول: هذا خلع، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أي أنه فسخٌ بأي لفظ كان، ولا يحسب من الطلاق.
ويترتب على هذا مسألة مهمة، لو طلق الإنسان زوجته مرتين متفرقتين، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق، تحل له بعقد جديد حتى في العدة، وهذا القول هو الراجح. لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا، بل يقولوا: خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا؛ لأن أكثر الحكام (القضاة) عندنا وأظن حتى عند غيرنا يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقا، ويكون في هذا ضرر على المرأة، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت، وإن كانت غير الأخيرة حسبت عليه " انتهى من الشرح الممتع (12/450) .
ثانيا:
إذا رفض وليها (أبوها) تزويجها، وكان الزوج كفؤا له، وقد رضيت به، فإنه يكون عاضلاً لها، وتنتقل الولاية إلى من بعده من الأولياء، وللمرأة أن ترفع أمرها للقاضي ليأمر الولي بتزويجها أو ليزوجها بنفسه في حال امتناع الأولياء.
وينبغي أن تحل هذه المسألة أولا عن طريق أهل الخير والإصلاح، ليقنعوا الولي بالموافقة، ما دام الزوج مرضي الدين والخلق.
وفي مثل هذه الحالة نزل قوله تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/232.
روى البخاري (5130) عن مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ، وَفَرَشْتُكَ، وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) فَقُلْتُ: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ.
فالنصيحة لوالد هذه المرأة أن يوافق على رجوعها إلى زوجها، حتى لا يقع فيما حرم الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1570)
إذا مات الزوج قبل الدخول فعلى الزوجة العدة ولها الميراث
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها، ومات أحدهما عن الآخر فهل يرث أحدهما الآخر أم لا؟ وما الحكم من ناحية العدة، لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة، فهل عليها عدة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا تم عقد الزواج مستوفياً لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول، فإن عقد الزواج يكون باقياً، ويقع به التوارث بين الزوجين، لعموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12، والآية عامة فيمن توفي عنها أو عامة في الوفاة قبل الدخول أو بعد الدخول، فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول، فإن الزوجية باقية، والتوارث بينهما مشروع، لعموم الآية الكريمة.
وأما من ناحية العدة، كذلك تلزمها عدة الوفاة لو تُوفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول، لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) البقرة/234، هذه تعم من تُوفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول، ولها الميراث كما ذكرنا " انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/628) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1571)
هل تجب على الرجل عدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تكون للرجل عدة؟ وما الحكمة من ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس على الرجل عدة، وإنما العدة يختص بها النساء، سواء كان العدة للطلاق أو للوفاة.
والرجل يمنع من الزواج بالخامسة حتى تنتهي عدة مطلقته الرابعة، كما يمنع من الزواج بأخت زوجته أو عمتها أو خالتها، حتى تنتهي عدة زوجته، لكن هذا لا ينبغي أن يسمى عدة.
قال الحطاب رحمه الله في "مواهب الجليل" (4/140) : " أما تسمية مدة منع الزوج من النكاح إذا طلق الرابعة أو طلق أخت زوجه أو من يحرم الجمع بينهما عدة فلا شك أنه مجاز، فلا ينبغي إدخاله في حقيقة العدة الشرعية، والله أعلم " انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية (29/306) : " انتظار الرجل مدة العدة: ذهب الفقهاء إلى أن العدة لا تجب على الرجل، حيث يجوز له بعد فراق زوجته أن يتزوج غيرها دون انتظار مضي مدة عدتها إلا إذا كان هناك مانع يمنعه من ذلك، كما لو أراد الزواج بعمتها أو خالتها أو أختها أو غيرها ممن لا يحل له الجمع بينهما، أو طلق رابعة ويريد الزواج بأخرى، فيجب عليه الانتظار في عدة الطلاق الرجعي بالاتفاق، أو البائن عند الحنفية، خلافا لجمهور الفقهاء فإنه لا يجب عليه الانتظار. ومنع الرجل من الزواج هنا لا يطلق عليه عدة، لا بالمعنى اللغوي ولا بالمعنى الاصطلاحي، وإن كان يحمل معنى العدة، قال النفراوي: المراد من حقيقة العدة منع المرأة؛ لأن مدة منع من طلق رابعة من نكاح غيرها لا يقال له عدة، لا لغة، ولا شرعا، لأنه لا يمكّن من النكاح في مواطن كثيرة، كزمن الإحرام أو المرض ولا يقال فيه إنه معتد " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1572)
خروج المعتدة من وفاة لقضاء حوائجها
[السُّؤَالُ]
ـ[قتل والدي في بغداد وتم تهجيرنا من سكننا وذهبنا إلى تركيا، والدتي التزمت بالعدة لمدة شهر ونصف ثم قطعتها بسبب المراجعات للإقامة، والآن التزمت مرة أخرى، فهل تحسب لها المدة السابقة أي الشهر والنصف أم لا؟ علما أن والدي توفي منذ أربعة شهور.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يأجركم في مصابكم، وأن يعوضكم خيراً، وأن يكفي المؤمنين شر المعتدين والمنافقين.
ثانياً:
عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر أيام بلياليها؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) البقرة/234.
وهذه المدة تبدأ من وفاة الزوج، وتنتهي بنهاية المدة، سواء التزمت الزوجة بأحكام الحداد أو لا، وسواء علمت بوفاة الزوج أو لا، فإذا مضت أربعة أشهر وعشر أيام من وقت وفاته فقد انتهت عدتها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/93) : " أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر , مدخولا بها , أو غير مدخول بها , سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ ; وذلك لقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث , إلا على زوج , أربعة أشهر وعشرا) متفق عليه " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/421) : " يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا إذا لم تكن حاملا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) وذلك من تاريخ الوفاة، وإذا تعمدت المرأة ترك الإحداد فهي آثمة، وعليها التوبة والاستغفار " انتهى.
وجاء فيها أيضا (20/481) : " عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر بعد الوفاة مباشرة، ووضع الحمل إذا كانت حاملا، وما دام أن والدتك لم تحد في الوقت المحدد إما جهلا وإما لغير ذلك فلا كفارة عليها، وعليها التوبة والاستغفار وكثرة الذكر ".
ثالثاً:
المرأة في عدة الوفاة لها أن تخرج من بيتها في النهار لقضاء حوائجها، كمتابعة الإجراءات الحكومية إذا لم يوجد من يقوم بها بدلا عنها، وأما الليل فلا تخرج فيه إلا لضرورة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها. لما روى جابر قال: طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا) . رواه النسائي , وأبو داود. وروى مجاهد , قال: (استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) ": الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك " انتهى.
والحاصل أن خروج والدتك من أجل الإجراءات الحكومية، لا حرج فيه إن شاء الله، ولا يعتبر قطعاً للعدة، لأنه خروج للحاجة أو الضرورة. وإذا كان والدك قد توفي من أربعة أشهر، فقد بقي من العدة عشرة أيام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1573)
الطلاق قبل الدخول طلاق بائن لا رجعة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة كنت مخطوبة لشاب بعقد شرعي، ولم يتم الدخول، ولكن أراد تبارك وتعالى أن ينتهي ما بيننا، وقد طلقني، ولفظ قوله: " أنت طالق ".. أريد أن أسأل إن أراد خطيبي أن يراجعني، هل يكون عليه مهر وعقد جديدان، أم تكفي كلمة راجعتك؟ مع العلم أنه طلقني من مدة شهرين فقط، ودفع لي نصف المهر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول بها، فليس له رجعة عليها، لأن الرجعة إنما تكون في فترة العدة، والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب/49.
قال ابن قدامة في "المغني" (7/397) :
" أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تَبِينُ بطلقة واحدة، ولا يستحق مطلقُها رجعتَها؛ وذلك لأن الرجعة لا تكون إلا في العدة، ولا عدة قبل الدخول، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب/49 " انتهى.
وعليه؛ فإذا أراد زوجك السابق مراجعتك فليس أمامه إلا أن يعقد عليك عقداً جديداً بمهر جديد.
ونسأل الله لكما التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1574)
الأشياء التي يحرم على المرأة فعلها في زمن الحداد
[السُّؤَالُ]
ـ[المرأة التي توفي زوجها تبقى مدة العدة في حداد، فما هي الأشياء التي تمنع منها المرأة في زمن الحداد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحظور على المرأة زمن الحداد:
أولاً: ألا تخرج من بيتها إلا لحاجة مثل أن تكون مريضة تحتاج لمراجعة المستشفى، وتراجعه بالنهار، أو ضرورة مثل أن يكون بيتها آيلاً للسقوط فتخشى أن يسقط عليها، أو تشتعل فيه نار، أو ما أشبه ذلك..
قال أهل العلم: وتخرج في النهار للحاجة، وأما في الليل فلا تخرج إلا للضرورة.
ثانياً: الطيب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحادّة أن تتطيب إلا إذا طهرت فإنها تأخذ نبذة من أظفار (نوع من الطيب) تتطيب به بعد المحيض ليزول عنها أثر الحيض.
ثالثاً: ألا تلبس ثياباً جميلة تعتبر تزيناً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وإنما تلبس ثياباً عادية كالثياب التي تلبسها في بيتها بدون أن تتجمل.
رابعاً: ألا تكتحل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فإن اضطرت إلى هذا فإنها تكتحل بما لا يظهر لونه ليلاً وتمسحه بالنهار.
خامساً: ألا تتحلى، أي لا تلبس حلياً، لأنه إذا نهي عن الثياب الجميلة فالحلي أولى بالنهي.
ويجوز لها أن تكلم الرجال، وأن تتكلم بالهاتف، وأن تأذن لمن يدخل بالبيت ممن يمكن دخوله، وأن تخرج إلى سطح البيت في الليل وفي النهار، ولا يلزمها أن تغتسل كل جمعة كما يظنه بعض العامة، ولا أن تنقض شعرها كل أسبوع.
وكذلك أيضاً لا يلزمها بل لا يشرع لها إذا انتهت العدة أن تخرج معها بشيء تتصدق به على أول من يلاقيها فإن هذا من البدع.
[الْمَصْدَرُ]
(70 سؤالاً في أحكام الجنائز ص 35) لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين.(6/1575)
انتقال المرأة للاعتداد في بلد آخر خوفا على نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة ببغداد قتلوا زوجها لأن اسمه " عمر " واستولوا على منزله، وأهل زوجها يريدون السفر بأولادها إلى سوريا ن فهل يجوز لها أن تذهب معهم أو يجب عليها أن تكمل فترة العدة في بغداد، مع العلم أنها تخشى على نفسها وعلى أولادها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يعز الإسلام وأهله، وأن يخفف عن إخواننا في العراق، ويلطف بهم، ويجبر كسرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونسأل الله تعالى أن يكف شر أولئك المنافقين المجرمين عن إخواننا المسلمين وأن يجعل الدائرة عليهم، وأن ينزل بهم بأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
ثانيا:
الأصل أن تعتد المرأة في البيت الذي جاءها فيه نعي زوجها، لما روى أصحاب السنن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفريعة بنت مالك رضي الله عنها: (امْكُثِي فِي بَيْتِكِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) أبو داود (2300) والترمذي (1204) والنسائي (200) وابن ماجه (2031) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
لكن إن خشيت على نفسها من البقاء فيه، لوجود عدو ونحوه، جاز لها الانتقال للاعتداد في مكان آخر أو بلدة أخرى.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها: عمر وعثمان رضي الله عنهما، وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، وبه يقول: مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق. وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ".
ثم قال: " فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو نحو ذلك ... فلها أن تنتقل؛ لأنها حال عذر،....ولها أن تسكن حيث شاءت ". انتهى من "المغني" (8/127) باختصار.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المرأة التي مات زوجها في مسكنها وهي تريد أن تكمل العدة في مدينة أخرى نظرا لعدم وجود من يقوم بمسئوليتها في المدينة التي مات فيها زوجها؟
فأجابوا:: إذا كان الواقع كما ذكر من أنها لا يوجد في البلد الذي مات فيه زوجها من يقوم بمسئولياتها وشئونها، ولا تستطيع أن تقوم هي بشئون نفسها شرعا جاز لها أن تنتقل إلى بلد آخر تأمن فيه على نفسها، وتجد فيه من يقوم بشئونها شرعا " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/463) .
وجاء فيها أيضا (20/473) : " إذا كان تحول أختك المتوفى عنها زوجها من بيت الزوجية إلى بيت آخر في أثناء عدة الوفاة للضرورة، كأن تخاف على نفسها من البقاء فيه وحدها، فلا بأس بذلك، وتكمل عدتها في البيت الذي انتقلت إليه " انتهى.
وعليه فلا حرج على هذه المرأة في الانتقال إلى سوريا، وتكمل عدتها هناك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1576)
أرجع زوجته في عدتها بفتوى وجاءت بفتوى مضادة وتزوجت غيره!
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت متزوجاً بامرأة، ولي منها ابن، وحصل بيني وبينها خلاف، فطلقتها، وأثناء فترة العدة حصلتْ مشادة كلامية بيني وبين أخيها، فأقسمت وقلت " إن لم تعد فلانة إلى بيتي قبل الفجر فهي طالق بالثلاثة "، فمنعها أخوها، ولم تعد، ولم أكن حينها قد راجعتها، وبعد فترة قليلة استفتيتُ فأُخبرت أني يجوز أن أراجعها، ولم أستقص هل وقعت الطلقة الثانية أم لا، وبعد فترة سنتين وقعت إشكالية كبيرة كان للأهل دور كبير فيها، فطلقتها، إلا أني وأثناء فترة العدة التقيت بطليقتي، ووقع بيننا ما يقع بين الأزواج، فاستفتيت أحد العلماء العاملين في القضاء في بلدي فأفتاني كتابيّاً أن الطلقة التي لم أستقص عنها لا تقع حيث إن طلاق المطلقة لا يقع، وأن الرجعة بمواقعتي لها صحيحة، وأشهدت بذلك اثنين من الزملاء، وأعلمت بذلك زوجتي، ولم أُعلم أهلها بسبب حدة الخلاف العائلي، وغضب أهلي مني إن علموا أني أرجعتها، إلا أني طلبت منها أن تصبر على ذلك ويستمر أمر الرجعة سرّاً حتى أتمكن من الاستقلال عن أهلي، وبعد مرور عام كنت ألتقي فيه بها سرّاً ويحصل بيننا أحيانا ما يكون بين الأزواج، أنعم الله عليَّ بفرصة السفر إلى الخارج لإكمال الدراسة، فاتصلت بها قبل سفري ب 10 أيام وأخبرتها أن مشكلتنا جعل الله لها حلاًّ، وطلبت منها الانتظار شهراً أو شهرين، وسأخبرها كيف فتح الله عليَّ، وسافرت ولم أخبرها، وبعد سفري بأسبوع تفاجأت بأهلي يخبرونني أن طليقتي (كما يظنون) تزوجت! فأسقط عليَّ ولم أدر كيف أتصرف وأنا في الغربة، ولم أصدِّق، فحاولت الاتصال بزوجتي فأخبرتني أنها ظنت أنني كنت أخدعها طول الفترة، وأني غدرت بها؛ لأنها علمت أن فترة السفر لن تقل عن 5 سنوات، وادَّعت أنها استفتت عالماً في الراديو هل تعتبر مواقعة الزوجة بغير نية الرجعة رجعة أم لا فأفتاها بوجوب النية. فاستفتيت وأُخبرتُ أنه من حقي أن أرفع قضية التفريق، أو أن أطلقها، على أن أبلغهم لكي تعتد من الطلاق، مع العلم أنهم زوجوها من غير أن يأخذوا مني ورقة الطلاق، وهو الشيء الذي كنت أعتمد عليه أن أبلغهم حين يطلبون ورقة الطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن أحب أعمال جنود إبليس عنده هي التفريق بين الزوجين، ولا تزال الشياطين تتنافس بينها للحصول على شرف التقرب من إبليس والحوز على المكانة العالية عنده.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ - وَيَلْتَزِمُهُ - وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) رواه مسلم (2813) .
وما نراه ونسمعه ونقرؤه من أفعال الأزواج يدل على نجاح الشياطين في مهامها، فنِسَب الطلاق في البلدان الإسلامية مهولة، ولو رجعت إلى أسبابها لرأيت القليل منها بسبب الدين! وأكثرها على أشياء تافهة من الدنيا، فيتعجل الزوج ويغضب ويطلق، ثم يكون تفريق الأسرة وتشتيتها، وضياع الأولاد ودمارهم.
فلعلَّ من يقرأ هذا أن يتأنى في طلاقه، وأن يحرص على لم شمل أسرته وإسعادهم، وأن يتجنب الطلاق، حتى لا يُدخل الشقاء على نفسه وأسرته.
ثانياً:
ومن حيث العموم: فكثير من مسائل الطلاق فيها خلاف بين العلماء، وما يعلمه الزوج من الأحكام قبل تلفظه بالطلاق: فإنه يلزمه العمل بما يعلم، وما كان جاهلاً به: فإنه إن سأل من يثق بدينه وعلمه وأفتاه بشيء: فإنه يلزمه الأخذ به، ولا يحل له التنقل بين العلماء للحصول على فتوى أخرى، ولا ينبغي له التشكك في أثرها، فهو قد أدى ما أمره الله تعالى به من سؤال أهل الذِّكر، وأوجب عليه الاستجابة للحكم، وبخاصة إن كان ذلك الحكم صادراً من قاضٍ شرعي، فحكم القضاء يفصل في مسائل الخلاف، وجواب العالم الموثوق للسائل يلزمه الأخذ به.
ثالثاً:
وما قاله له ذلك العالم من أن الطلاق لا يقع على المطلقة، قد اختاره جماعة من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين.
رابعاً:
وما قاله لك العالِم من أن جماعك لزوجتك يُعتبر إرجاعاً لها هو مذهب الحنفية والحنابلة، ولا حرج عليك من الأخذ بهذا القول لأنك فعلت ما أمرت به وهو سؤال أهل العلم، والمسألة من مسائل الاجتهاد التي اختلف فيها العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد.
والرواية الثانية: تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، اختارها ابن حامد والقاضي، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي" انتهى.
" المغني " (8 / 482) .
ونرى أن إعلامك زوجتك بالفتوى وإرجاعك لها، وإشهادك شاهدين على الإرجاع: قد يكون طريقاً منفصلاً عن الجماع في كونه إرجاعاً، فإعلامك لها وللشاهدين هو تصريح منك بإرجاعها.
وعلى كل حال فأنتَ قد استفيتَ وأُفتيت بكونها راجعة، وإعلامك لها وإشهادك مقوٍّ للإرجاع إن لم يكن مستقلاًّ.
وعليه: فلا عبرة بما ادعته زوجتك من كونها استفتت أحداً من أهل العلم فأفتاها بعدم الرجعة لكون الجماع كان بغير نية الإرجاع، لأنك قد استفتيت وأعلمتها بالفتوى وأشهدت على ذلك، وبهذا تكون قد تمت الرجعة في كامل صورتها، وليس من سبيل للزوجة لمخالفة هذا.
خامساً:
إخبار أهلك أو أهل زوجتك ليس شرطاً في الإرجاع، بل إن إخبار الزوجة نفسها ليس شرطاً، فقد يُرجع الزوج زوجته الرجعية وهي بعيدة عنه، فلا يشترط إخبارها ولا رضاها.
قال تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/228.
قال القرطبي رحمه الله:
وأجمع العلماء على أن الحُرَّ إذا طلق زوجته الحرة، وكانت مدخولاً بها، تطليقة، أو تطليقتنين: أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها، وإن كرهت المرأة.
" تفسير القرطبي " (3 / 120) .
وكان الأولى إخبار أهلها بكونك أرجعتَ زوجتك لعصمتك، وعدم إعلامك قد تسبب في فعل منكر شنيع، وهو قيامهم بتزويجها، ظانين أن طلاقك وغيابك يجعل ابنتهم مطلقة طلاقاً تملك فيه النكاح.
وقد أمر الله تعالى بالإشهاد على الرجعة بقوله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الطلاق/2، من أجل قطع النزاع وتذكير الناسي، وتنبيه الغافل عن عدد الطلقات.
وقد أشار الفقهاء في حالة عدم الإشهاد على الرجعة أنه قد يحصل نزاع وشقاق بحصول الرجعة من عدمها، وأن المرأة قد تتزوج من آخر مدعية أنه لم تحصل رجعة.
ففي " الموسوعة الفقهية " (22 / 114) :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إعلام الزّوجة بالرّجعة مستحبّ، لما فيه من قطع المنازعة الّتي قد تنشأ بين الرّجل والمرأة.
قال العينيّ ما نصّه: " ويستحبّ أن يعلمها " أي يعلم المرأة بالرّجعة، فربّما تتزوّج على زعمها أنّ زوجها لم يراجعها وقد انقضت عدّتها ويطؤها الزّوج، فكانت عاصيةً بترك سؤال زوجها وهو يكون مسيئاً بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحّت الرّجعة، لأنّها استدامة النّكاح القائم وليست بإنشاءٍ، فكان الزّوج متصرّفاً في خالص حقّه، وتصرّف الإنسان في خالص حقّه لا يتوقّف على علم الغير " انتهى.
وعليك الآن: رفع قضيتك للمحكمة الشرعية، مع إبراز الفتوى الكتابية من ذلك العالم، وإحضار الشاهدين، لتثبت من خلال ذلك إرجاع زوجتك لعصمتك.
وإن استطعت إفهام الجميع هذا الأمر، دون اللجوء للمحكمة الشرعية: فحسنٌ.
وننبهك إلى أنك لو لم تكن تريد الرجوع إليها فإنه لا يحل لك السكوت عن الأمر، فيمكنك بعد تسوية الأمر تطليقها إن أردت، لكن اعلم أن سكوتك يعني بقاء نكاحها الثاني غير الشرعي مستمرّاً، وهذا أمر منكر شنيع.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن ييسر لك الخير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1577)
خروج المرأة من بيتها أثناء عدة الوفاة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مات زوجها، فهل تخرج من بيتها لضرورة مثل الذهاب للدكتور أو إجراءات حكومية وخلافه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة في عدة الوفاة لها أن تخرج من بيتها في النهار لقضاء حوائجها، كالذهاب للطبيب، ومتابعة الإجراءات الحكومية إذا لم يوجد من يقوم بها بدلا عنها، وأما الليل فلا تخرج فيه إلا لضرورة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها. لما روى جابر قال: طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا) رواه النسائي وأبو داود. وروى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد، فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) : "الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1578)
يتوارث الزوجان بمجرد العقد ولا يشترط الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها ومات أحدهما عن الآخر فهل يرث أحدهما الآخر أم لا؟ وما الحكم من ناحية العدة لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة فهل عليها عدة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد الزواج مستوفيًا لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول فإن عقد الزواج يكون باقيًا، ويقع به التوارث بين الزوجين لعموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) سورة النساء /12.
الآية عامة فيمن توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول، فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول فإن الزوجية باقية، والتوارث بينهما مشروع لعموم الآية الكريمة.
وأما من ناحية العدة فكذلك تلزمها عدة الوفاة لو توفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول فإنها تلزمها عدة الوفاة لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) سورة البقرة /234، هذه تعم من توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول ولها الميراث كما ذكرنا.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 135)
وقد روى أبو داود (2114) أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن امْرَأَةٍ َمَاتَ زوجها قبل أن يدخل بها وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ. فَقَالَ: (لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، كصداق نسائها، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ) فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امرأةٍ منا، كما قضيت.
صححه الألباني في " إرواء الغليل" (1939)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1579)
لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة من وفاة أو طلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[عمتي منفصلة عن زوجها لها أربع سنوات ومعاملة طلاق شغالة وتقدم لها شاب لخطبتها هل يجوز لها قراءة فاتحة وجلوس معه دون خلوة خلال أشهر العدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي نفهمه من سؤالك أن طلاق عمتك من زوجها لم يتم بعد، لأنك تقولين: (ومعاملة الطلاق شغالة) ، فإذا كان الأمر كذلك فعمتك ما زالت في عصمة زوجها، فلا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها ولا يتفق معها على الزواج بعد طلاقها، حتى يتم الطلاق بالفعل.
ثانياً:
إذا تم الطلاق وكان طلاقاً رجعيا، فلا يجوز أيضاً في فترة العدة أن يتقدم أحد لخطبتها، لا تصريحاً ولا تعريضاً، لأن المرأة الرجعية في حكم الزوجة، لزوجها أن يراجعها في أي وقت شاء ما دامت في العدة.
ثالثاً:
أما إذا كان الطلاق غير رجعي (كالطلقة الثالثة أو الطلاق مقابل عوض تدفعه المرأة) فيجوز التعريض بخطبتها في فترة العدة، ولا يجوز التصريح، لقول الله تعالى: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) (البقرة/235) .
وهذه الآية في المرأة المعتدة من وفاة زوجها، وقاس عليها العلماء كل من اعتدت وليس لزوجها عليها رجعة.
والفرق بين التصريح والتعريض: أن التصريح هو اللفظ الذي لا يحتمل إلا النكاح، مثل: أريد أن أتزوجك، أو سأتقدم لخطبتك ... ونحو ذلك.
وأما التعريض فهو اللفظ المحتمل للزواج ولغيره، مثل: إني أبحث عن زوجة ونحو ذلك.
ومعلوم أن الناس يعتبرون قراءة الفاتحة خطبة صريحة، وعلى هذا فلا يجوز أن يتقدم أحد لعمتك ويقرأ الفاتحة وتجلس معه إلى انتهاء العدة.
مع التنبيه على أن قراءة الفاتحة عند الخطبة أو العقد لم ترد به السنة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل قراءة الفاتحة عند خطبة الرجل للمرأة بدعة؟
فأجابت: " قراءة الفاتحة عند خِطبة الرجل امرأة، أو عَقْدِ نكاحِه عليها بدعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/146) .
وينظر: "الشرح الممتع": (10/124-127) ، "الموسوعة الفقهية" (19/191) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1580)
الحكمة من جعل عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من كون عدة المرأة أربعة أشهر وعشرا عند وفاة زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
معرفة الحكمة من أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم له طريقان:
الأول: أن تكون الحكمة قد ورد النص عليها في الكتاب أو السنة كقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) البقرة/143، وقوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/165. وكقوله صلى الله عليه وسلم: (فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ) رواه مسلم (976) .
فهذا وأمثاله كثير مما جاءت فيه الحكمة منصوصا عليها.
والثاني: أن يستخرجها العلماء عن طريق الاستنباط والاجتهاد، وهذا قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ، وقد تخفى الحكمة على كثير من الناس، والمطلوب من المؤمن التسليم لأمر الله تعالى وامتثاله في جميع الأحوال، مع الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى حكيم، له الحكمة التامة والحجة البالغة، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
ثانيا:
أمر الله تعالى المرأة أن تعتد لوفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا، فقال: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) البقرة/234، ولم ينص سبحانه على الحكمة من ذلك نصا صريحا، فاستنبط أهل العلم ما رأوه حكمة تتناسب مع قواعد الشريعة العامة في حفظ الأنساب والأعراض.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " وقد ذكر سعيد بن المسيب، وأبو العالية وغيرهما، أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، لاحتمال اشتمال الرحم على حمل، فإذا انتُظر به هذه المدة، ظهر إن كان موجوداً، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح) فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه، والله أعلم.
قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الروح، وقال الربيع بن أنس: قلت لأبي العالية: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنه ينفخ فيه الروح، رواهما ابن جرير " انتهى.
وقال الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير": " ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر، والأنثى لأربعة، فزاد الله سبحانه على ذلك عشراً، لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلاً ولا تتأخر عن هذا الأجل " انتهى.
وينظر: زاد المسير لابن الجوزي (1/275) ، إعلام الموقعين (2/52) .
وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز الخروج عن الحكم الشرعي استنادا للحكمة المستنبطة، فليس لقائل أن يقول: إذا كانت الحكمة من العدة هي التأكد من وجود الحمل أو عدمه، فإن الطب الحديث يمكنه معرفة ذلك في بداية الحمل فلا حاجة لاعتداد المرأة هذه المدة. ليس له ذلك، لأن الحكمة المذكورة أمر أخذه العلماء بالاستنباط والاجتهاد، وقد يكون خطأ، أو يكون جزءا من الحكمة لا تمامها، فلا يجوز ترك الأمر المقطوع به، المجمع عليه، لحكمة مستنبطة يعتريها الخطأ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1581)
قبول قول المرأة في حصول الحيض وارتفاعه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلق الرجل امرأته، وهو لا يدري أنها حائض، وبعد الطلاق قالت المرأة: إنها كانت حائضاً وقت الطلاق، فهل يقبل قولها في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال (72417) بيان اختلاف العلماء في وقوع طلاق الحائض، وأن الصحيح أنه لا يقع.
ثانياً:
يقبل قول المرأة في حصول حيضها وفي انقضائه، ونحو ذلك مما لا يطلع عليه الرجال؛ لأنها مؤتمنة على ذلك، قال الشافعي رحمه الله: " أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: ائتمنت المرأة على فرجها ". انتهى من "الأم" (5/225) .
وقد دل على قبول قول المرأة في ذلك، قوله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) البقرة/ 228.
قال الجصاص رحمه الله: " لما وعظها بترك الكتمان دل على أن القول قولها في وجود الحيض أو عدمه. وكذلك في الحَبَل؛ لأنهما جميعا مما خلق الله في رحمها، ولولا أن قولها فيه مقبول، لما وُعظت بترك الكتمان، فثبت بذلك أن المرأة إذا قالت: " أنا حائض " لم يحل لزوجها وطؤها، وأنها إذا قالت " قد طهرت " حل له وطؤها. وكذلك قال أصحابنا أنه إذا قال لها: " أنت طالق إن حضت " فقالت: " قد حضت " طلقت وكان قولها كالبينة " انتهى من "أحكام القرآن" (1/506) .
وقال السعدي رحمه الله (ص 102) :
" وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة عما تخبر به عن نفسها من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها، كالحمل والحيض ونحوهما " انتهى.
وقال في "معين الحكام" ص95: " في القضاء بقول امرأة بانفرادها: وذلك فيما لا يطلع عليه إلا النساء كالولادة والبكارة والثيوبة والحيض والحمل والسقط والاستهلال وعيوب الحرائر والإماء، وفي كل ما تحت ثيابهن، ووجه ذلك أنه لما كانت هذه الأمور مما لا يحضرها الرجال ولا يطلعون عليها أقيم فيها النساء مقام الرجال للضرورة " انتهى.
ويشترط لقبول قول المرأة في هذا أن تدعي الحيض أو انقضاءه في وقت يمكن فيه ذلك، فإن ادعته في وقت لا يمكن فيه ذلك فلا يقبل قولها.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ومن فوائد الآية الكريمة:
أنه يرجع إلى قول المرأة في عدتها؛ لقوله تعالى: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) ؛ وجه ذلك: أن الله جعل قولها معتبراً؛ ولو لم يكن معتبراً لم يكن لكتمها أيّ تأثير؛ فإذا ادعت أن عدتها انقضت، وكان ذلك في زمن ممكن فإنها تصدق؛ وهي مؤتمنة على ذلك؛ أما إذا ادعت أن عدتها انقضت في زمن لا يمكن فإن قولها مردود؛ لأن من شروط سماع الدعوى أن تكون ممكنة؛ ودعوى المستحيل غير مسموعة أصلاً " انتهى. "تفسير سورة البقرة" (ص 102) .
وينظر: "المغني" (7/158) ، "الفواكه الدواني" (2/34) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1582)
أحكام ما قبل الدخول على الزوجة وهل يحرم الجماع بعد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الناس وقد سأله شاب: ما هي حقوق العاقد؟ فأجاب: قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) , فهنا فرَّق الله بين التي دخلتم بها والتي لم تدخلوا بها، فلا يحل للعاقد أي شئ من جماع ولمس.
وقد اطلعت أنا من قبل على أنه يجوز للعاقد فعل كل شئ لأنها زوجته وأيضا إذا حملت الزوجة قبل الزفاف يكون الطفل شرعيّاً وله حق الميراث. فهل استدلال هذا المجيب صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يُصب ذلك المتحدث الذي ذكرتَه لا في الحكم ولا في الاستدلال، فالآية التي استدل بها هي في بيان المحرمات في النكاح على الرجل، وقد ذكر الله تعالى أنه يحرم التزوج بالأمهات والبنات والعمات، وممن ذكر الله تعالى في المحرمات: بنات الزوجة المدخول بها، وأن الرجل إذا عقد على امرأة وعندها ابنة ثم فارقها قبل الدخول فإنه يحل له الزواج بابنتها، أما إن فارق الأم بعد الدخول عليها فإنه لا تحل له ابنتها، بل هي حرام عليه حرمة أبدية.
هذا هو معنى الآية، ولا علاقة للآية بما يجوز وما لا يجوز للزوج من زوجته المعقود عليها، بل الآية في بيان المحرمات في النكاح، وأن تحريم الربيبة – ابنة الزوجة – مشروط بالدخول بأمها، وأنه إن لم يدخل بها فإنها تحل له في النكاح.
والواجب على كل من سئل عن شيء لا يعلمه أن يقول " لا أدري "، ولا يحل لأحدٍ أن يتقول على الشرع ما لم يقل، ولا أن يحرم ما أحل الله، ولا يحل ما حرَّم.
قال الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) الإسراء/36، وقال عز وجل: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
ثانياً:
وأما العاقد على زوجته فإنه يحل له منها كل شيء، فهي زوجته، وهو زوجها، إن ماتت ورثها، وإن مات ورثته واستحقت المهر كاملاً، لكن الأفضل لمن عقد أن لا يدخل حتى يُعلن ذلك , لما قد يترتب على الدخول قبل الإعلان من مفاسد كبيرة، فقد تكون الزوجة بكراً فتفض بكارتها، وقد تحمل من هذا الجماع ثم يحصل طلاق أو وفاة، وسيكون هذا مقلقاً لها ولأهلها، وسيسبب حرجاً بالغاً، لذا فإن للعاقد أن يلمس ويقبل زوجته، لكن يمنع من الجماع لا لحرمته , بل لما يترتب عليه من مفاسد.
ولمزيد فائدة يرجى النظر في جواب السؤال رقم: (3215) .
ثالثاً:
وعدم الدخول بالزوجة يتعلق به بعض الأحكام العملية.
منها: العدة، فمن طلَّق زوجته قبل الدخول فلا عدة عليها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا) الأحزاب/49.
ومنها: المهر، فمن طلَّق امرأته قبل الدخول بها فإنها تستحق نصف المهر المسمّى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) البقرة/237، وفي حال عدم تحديد المهر فإنها تستحق متعة على قدر سعته؛ لقوله تعالى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) البقرة/236، وأما في حال الوفاة: فإنها تستحق المهر كاملاً إن كان محدداً , وتستحق مهر المثل إن لم يكن تم الاتفاق على مهر محدد.
فعن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات , فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها , لا وكس ولا شطط , وعليها العدة , ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق - امرأة منَّا - مثل الذي قضيتَ، ففرح بها ابن مسعود. رواه أبو داود (2114) والترمذي (1145) والنسائي (3355) وابن ماجه (1891) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1939) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1583)
لا يشترط رضا الزوجة في إرجاعها بعد طلاقها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلَّق الرجل زوجته في حالة عصبية وجاء بعد أسبوعين من تركهِ لها لإرجاعها , ولم تقبل بالرجوع له , لأنه إنسان غير معتدل ومزواج - أي: يعدد في الزوجات – وعنده عدم عدل بينهم , وأصبح على هجره لها أكثر من سنة , هل تحرم عليه وتعتبر مطلقة أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طلاق الغضبان الذي لا يدري ما يقول بسبب غضبه أو عصبيته: لا يقع، وأما إن كان غضبه لم يؤثر على عقله، وكان يدري ما يقول فإن طلاقه يقع، وقد سبق بيان القول في طلاق الغضبان في أجوبة الأسئلة (45174) و (22034) .
ثانياً:
يملك الزوج رجعة زوجته ولا يشترط رضاها بذلك، على أن يكون إرجاعها في عدة الطلقة الأولى أو الثانية؛ لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228.
وفي هذه الآية تنبيه للزوج على شروط الرجعة، وهي:
1. أن يكون في طلاق، فإن كان في فسخٍ للنكاح فلا رجعة له عليها، لقوله تعالى: (والمطلقات) .
2. أن يكون الطلاق رجعيّاً، ولا يكون كذلك إلا إن كانت الطلقة أولى أو ثانية، وقوله تعالى (الطلاق مرتان) يعني: الذي يحصل به الرجعة، فإن وقعت الطلقة الثالثة فلا رجعة له عليها إلا أن تنكح زوجاً آخر , نكاحَ رغبة , ويفارقها فراقاً حقيقيّاً بعد الدخول.
3. أن تكون في العدة لقوله: (أحق بردهن في ذلك) أي: العدة، فإن انتهت العدة وأراد إرجاعها لم يمكنه ذلك إلا بعقد ومهر جديدين.
4. أن لا يقصد برجعتها الإضرار بها، بل يقصد إرجاعها للإصلاح , لقوله تعالى: (إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/228؛ فإن كان يريد الإضرار بها. فعليها أن تثبت ذلك للقاضي الشرعي حتى يحكم بما يظهر له.
والآية دليل واضح على أنه لا خيار للزوجة في الرجعة إن اختار زوجها إرجاعها، وليس لها أن تمتنع من الرجعة، لقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردتهن) ، وحتى لو لم ترجع لبيته فإنه إن أرجعها وأشهد على ذلك وقعت الرجعة.
ثالثاً:
والعدة التي يملك فيها الزوج الرجعة هي " ثلاثة قروء " أي: خلال ثلاث حيضات عند جمهور أهل العلم، أو قبل وضع حملها إن كانت حاملاً.
وعليه: فما جاء في السؤال أنه أراد إرجاعها بعد أسبوعين موافق لكون إرجاعه لها في العدة، إلا أن تكون حاملاً ووضعت حملها قبل إرجاعه لها.
رابعاً:
ولا يقع الطلاق لمجرد الابتعاد عن الزوج ووقوع الهجر، وقد سبق جواب السؤال رقم (11681) بيان أن طول غياب الزوج لا يعد طلاقاً إلا بطلاق الزوج أو القاضي.
خامساً:
ويجب على الزوج المعدد أن يتقي الله تعالى في نسائه، وأن يقوم بالعدل الذي أوجبه الله عليه، ولمعرفة الواجب في العدل بين الزوجات: ينظر جواب السؤال رقم (10091) و (13740) .
سادساً:
وهجر الرجل زوجته من غير سبب شرعي حرام، فإذا كان الهجر لإصلاح حالها لتفعل واجباً تركته، أو تترك إثماً فعلتْه: جاز له هجرها.
ولا شك أن هجر الرجل لامرأته هذه المدة الطويلة (سنة) يدل على استفحال المشكلة، وأنهما لا يستطيعان حلها , وفي هذه الحالة أمر الله تعالى بإرسال حكمين: أحدهما من أهله , والأخر من أهلها , لينظرا في الأمر ويحكما بما يريان في المصلحة للزوجين ودفع الضرر عن المتضرر منهما.
قال الله تعالى:) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) النساء/35.
وعلى الزوج أن يعلم أنه مأمور بأحد أمرين:
إما أن يمسك امرأته ويحسن إليها ويعاشرها بالمعروف , وإما أن يطلقها بإحسان ويعطيها حقها ولا يظلمها , قال تعالى:) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229.
ولزيادة البيان: ينظر جواب السؤالين: (45600) (11971) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1584)
ماذا تجتنب المطلقة في طلاقها الرجعي والبائن بينونة كبرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدكم أني طلقت زوجي للتو وأريد أن أعرف الواجبات المحددة عليّ خلال فترة الانتظار هذه التي تبلغ 3 أشهر، وهل يعني ذلك أنه لا يمكنني حتى التحدث إلى الرجال عبر الشبكة الإلكترونية؟ وهل يجوز أن يحضر أصدقاء والدي أو والدتي ليأخذوني ثم يعيدوني مرة أخرى إلى البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس للمرأة أن تطلِّق زوجها، والطلاق إنما يكون من الزوج، والخطاب في كتاب الله تعالى في مسائل الطلاق وأحكامه كان للأزواج وليس للزوجات قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) البقرة/231، وقال تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) البقرة/236، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب/49، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ) الطلاق/1.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ) .
رواه ابن ماجه (2081) وحسَّنه الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 108) .
وما يحصل من مفارقة الزوج برغبة من المرأة ودفعها مالاً مقابل ذلك يسمى " الخلع "، وهو أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها بمهرها أو بما يطلبه الزوج، فيفارقها إذا رغب بذلك، وهو " فسخ " للنكاح وليس طلاقاً، وعدة المرأة فيه حيضة واحدة.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (14569)
ثانياً:
إذا تمَّ الخلع فإنها تصير أجنبية عنه مباشرة، لا يحل له أن يخلو بها، وليس له عليها رجعة إلا بعقد ومهرٍ جديدين.
فإذا انتهت عدتها وهي: حيضة واحدة – أو وضع الحمل إن كانت حاملاً – يجوز لها أن تتزوج بمن تشاء وفق الشروط الشرعية بولي وشاهديْ عدل.
أما إن كان الزوج قد طلَّق زوجته طلقة أولى أو ثانية فلا يجوز لها الخروج من بيتها في عدتها , ولا يجوز له إخراجها إلا أن تنتهي عدتها فتصير أجنبية عنه، والحكمة في ذلك أنه ربما يميل إليها فيرجعها، وهو ما تحث عليه الشريعة، قال تعالى: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1.
وفي أثناء عدتها يجوز لها أن تكشف لزوجها وأن تتزين له، وأن يكلمها ويخلو بها، لكن ليس له أن يجامعها إلا بعد إرجاعها، أو يكون جماعها بنية الإرجاع.
فإذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها، فإنها تصبح أجنبية عنه، ولا يحل له الخلوة بها، ولا لمسها، ولا النظر إليها.
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (21413) و (36548) فلينظرا.
وسبق في جواب السؤال (12667) بيان لجميع أنواع العدات.
ويجب التنبه إلى أن عدة المطلقة التي تحيض ثلاث حيضات وليس ثلاث أشهر , الثلاثة أشهر هي عدة الصغيرة التي لم تحض، والكبيرة التي أيست من المحيض، وفي الجواب المشار إليه مزيد تفصيل.
ثالثاً:
ولا يجوز خروج المرأة مع الرجال الأجانب عنها , ولا محادثتها لهم عبر الشبكة الإلكترونية، وقد سبق بيان الأدلة على ذلك وفتاوى أهل العلم في أجوبة الأسئلة (34841) و (6453) و (10221) .
وعليه: لا تمنع المرأة من لباس الزينة ولا من الطيب ولا من الحلي وغيرها من الأشياء التي تُمنع منها المعتدة من وفاة زوجها، وإنما المحرَّم عليها أثناء عدتها الرجعية أن تخرج من بيت زوجها وأما خروجها مع الرجال ومحادثتها لهم فحرام في كل الأحوال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1585)
غاب عن زوجته مدة سنة ثم طلقها فهل يلزمها عدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في طلاق امرأة وقد مضى عليها سنة كاملة في بيت أهلها وبعد سنة تحصلت على ورقة الطلاق؟ وهل لها عدة؟ مع العلم بأنها بقيت سنة كاملة لم تقابل زوجها أو تعاشره فهل لها عدة أو لا؟ أو هل تعتبر عدتها انتهت في مدة وجودها ببيت أهلها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم هذه المرأة أن تعتد من طلاق زوجها، وتبدأ في حساب العدة من أول حصول الطلاق.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: رجل تغيب عن زوجته في السفر لمدة عشرين سنة، وبعد هذه المدة أرسل لها طلاقها بالخلع طلاقاً صحيحاً، وتريد هذه المرأة أن تتزوج فهل عليها عدة؟ حيث إن زوجها سافر عنها من مدة عشرين سنة ولم يباشرها. وهل العدة لاستبراء الرحم أم لغير ذلك؟
فأجاب: " إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا ريب أن عليها العدة؛ لأن العدة لا تكون إلا بعد الطلاق ولو طالت غيبة الزوج عن المطلقة؛ لقول الله سبحانه: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) .
أما الحكمة في ذلك فقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب " إعلام الموقعين " بحثاً نفيساً في هذا الموضوع، كما ذكر أن الحكمة لا تختص بقصد براءة الرحم بل هناك حِكَمٌ أخرى؛ ولهذا وجبت العدة على المتوفى عنها زوجها وإن لم يدخل بها، وإن كانت صغيرة ليست ممن يُظن بها الحمل، وهكذا الآيسة؛ وبذلك يُعلم أن لله سبحانه حِكماً في العِدد سوى براءة الرحم، لكن إذا كانت المرأة التي ذكرتم قد بذلت له مالاً فطلقها على ذلك فإنها تكون بذلك مختلعة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المختلعة يكفيها حيضة واحدة، وقد أفتى بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وجماعة من السلف والخلف، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما وهو الصواب إن شاء الله، ولاسيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك خوفاً من فوات الكفؤ إذا طُلِب منه الانتظار إلى مضي ثلاث حِيض أو ثلاثة أشهر في حق الآيسة ونحوها، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه إنه جواد كريم "
انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (22/174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1586)
انتقال المعتدة إلى بيت أهلها خوفا من البقاء وحدها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة توفي زوجها وتسكن بيت إيجار في نفس المنطقة لكن بعيد عن أهلها، ولا يوجد إلا أخ واحد لا يمكنه ترك أعماله والبقاء عندها، وتخاف أن تبقى وحدها، ولا تستطيع دفع إيجار البيت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المرأة المحادة على زوجها أن تمكث في البيت الذي كانت تسكن فيه عند موت زوجها؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد روى أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفريعة بنت مالك: (امكثي في بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا) رواه أبو داود (2300) والترمذي (1204) والنسائي (200) وابن ماجه (2031) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم، عملا بهذا الحديث، إلا أنهم رخصوا للمرأة إن خافت على نفسها، أو لم يوجد عندها من يقوم بمصالحها ولم تستطع هي أن تقوم بها أن تعتد في غير منزلها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها: عمر وعثمان رضي الله عنهما، وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق. وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ".
ثم قال: " فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو نحو ذلك، أو حوّلها صاحب المنزل لكونه بإجارة انقضت مدتها، أو منعها السكنى تعدّيا، أو امتنع من إجارته، أو طلب به أكثر من أجرة المثل، أو لم تجد ما تكتري به، [أي لم تجد أجرة البيت] فلها أن تنتقل؛ لأنها حال عذر. . . وإذا تعذرت السكنى، سقطت، ولها أن تسكن حيث شاءت ". انتهى من "المغني" (8/127) بتصرف.
وسئل علماء اللجنة الدائمة عن امرأة مات زوجها وليس في مدينتهم أحد يقوم بمسئوليتها، فهل لها أن تعتد في مدينة أخرى؟
فأجابوا:
" إذا كان الواقع كما ذكر من أنها لا يوجد في البلد الذي مات فيه زوجها من يقوم بمسئولياتها وشئونها، ولا تستطيع أن تقوم هي بشئون نفسها شرعا جاز لها أن تنتقل إلى بلد آخر تأمن فيه على نفسها، وتجد فيه من يقوم بشئونها شرعا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/463) .
وجاء فيها أيضا (20/473) :
" إذا كان تحول أختك المتوفى عنها زوجها من بيت الزوجية إلى بيت آخر في أثناء عدة الوفاة للضرورة، كأن تخاف على نفسها من البقاء فيه وحدها، فلا بأس بذلك، وتكمل عدتها في البيت الذي انتقلت إليه " انتهى.
وبناء على ذلك: فإذا كانت هذه المرأة تخاف من البقاء وحدها، أو لا تستطيع دفع أجرة البيت، فلا حرج عليها أن تنتقل إلى بيت أهلها وتكمل عدتها فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1587)
الطلاق في الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[في أول يوم من أيام الحيض نسيتْ أن تخبر زوجها وطلبت منه الطلاق وقام بإيقاع الطلاق (الثالث) ثم تذكرت ذلك وأخبرته؟ ما هو الموقف الشرعي المترتب على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء، خلافاً لقول الجمهور. فجمهور العلماء يرون أنه يقع، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع؛ لأنه خلاف شرع الله، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها، فهذا هو الطلاق الشرعي، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء، لقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطلاق/1.
والمعنى: طاهرات من غير جماع، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع، أو حوامل. هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى.
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به، وتظل المرأة في عصمة زوجها.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله عن رجل طلق امرأته وهي حائض، وكان لا يدري أنها حائض، فهل يقع هذا الطلاق؟
فأجاب:
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم، وطال فيه النقاش، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا، ويحسب على المرء طلقة، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة: الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، أن الطلاق في الحيض لا يقع، ولا يكون ماضيا، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة: حديث عبد الله بن عمر حيث طلق زوجته وهي حائض، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله، فيكون مردوداً، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة، نعم، لا عبرة بعلمه، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم، وعدم الوقوع، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق، ولا إثم على الزوج " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/268) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1588)
المطلقة طلاقاً رجعياً تبقى في بيت زوجها حتى تنقضي عدتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المطلقة طلاقاً رجعياً تبقى في بيت زوجها أم تذهب إلى منزل والدها حتى يراجعها زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجب على المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً أن تبقى في بيت زوجها، ويحرم على زوجها أن يخرجها منه، لقوله تعالى: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ، وما عليه الناس الآن من كون المرأة إذا طلقت طلاقاً رجعياً تنصرف إلى بيت أهلها فوراً هذا خطأ ومحرم، لأن الله قال: (لا تُخْرِجُوهُنَّ) ، (وَلا يَخْرُجْنَ) ، ولم يستثن من ذلك إلا إذا أتين بفاحشة مبيّنة، ثم قال بعد ذلك: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) . ثم بيّن الحكمة من وجوب بقائها في بيت زوجها بقوله: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً)
(فقد يكون بقاؤها في البيت سبباً لتراجع الزوج عن الطلاق، فيراجعها، وهذا أمر مقصود ومحبوب للشرع) .
فالواجب على المسلمين مراعاة حدود الله، والتمسك بما أمرهم الله به، وأن لا يتخذوا من العادات سبيلاً لمخالفة الأمور المشروعة، المهم أنه يجب علينا أن نراعي هذه المسألة وأن المطلقة الرجعية يجب أن تبقى في بيت زوجها حتى تنتهي عدتها، وفي هذه الحال في بقائها في بيت زوجها لها أن تكشف له، وأن تتزين، وأن تتجمل، وأن تتطيب، وأن تكلمه ويكلمها وتجلس معه، وتفعل كل شيء ما عدا الاستمتاع بالجماع أو المباشرة، فإن هذا يكون عند الرجعة، وله أن يراجعها بالقول، فيقول: راجعت زوجتي، وله أن يراجعها بالفعل، فيجامعها بنيّة المراجعة " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص 61.(6/1589)
هل له أن يراجع زوجته بعد انتهاء عدتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل والمرأة أن يرجعا إلى زواجهما مرة أخرى إذا كانا قد انفصلا بالطلاق منذ فترة طويلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية، فإن كانت قد انتهت عدّتها فإنها تَبِين منه، وتصير أجنبية عنه ولا تعود إليه إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية (انظر سؤال رقم 2127) ،
وأما إذا طلق زوجته الطلقة الثالثة فإنها تصير محرَّمة على زوجها الأول حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة شرعي بوطء، والدليل على ذلك من القرآن قول الله عز وجل: {الطلاق مرَّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} البقرة / 229 إلى قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} البقرة /230، والطلاق الأخير المقصود به الطلقة الثالثة عند أهل العلم كافة.
ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيَّ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ.
رواه البخاري (4856) ومسلم (2587) .
ومعنى " بَتَّ طلاقي ": أي: طلقني طلاقاً حصل معه قطع عصمتي منه، وهي الطلقة الثالثة.
وقوله عليه الصلاة والسلام " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ": كناية عن الجماع.
قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْمُطَلَّقَة ثَلاثًا لا تَحِلّ لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره , وَيَطَأهَا ثُمَّ يُفَارِقهَا , وَتَنْقَضِي عِدَّتهَا. فَأَمَّا مُجَرَّد عَقْده عَلَيْهَا فَلا يُبِيحهَا لِلأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ جَمِيع الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ.
" شرح مسلم " (10 / 3) .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1590)
حكم امرأة المفقود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الهجر من الزوج لمدة تسعة أشهر بدون أن تراه أو أن تعرف أين هو يبرر طلب الطلاق والخلع؟
إذا كان الجواب نعم فهل يجب على المرأة أن تعتد قبل الزواج مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود بالسؤال أن هذه المرأة لا تعرف خبراً عن زوجها بمعنى انّه مفقود، فهذه المسألة هي التي يسميها الفقهاء رحمهم الله " امرأة المفقود " وهو الذي انقطع خبره، وللفقهاء رحمهم الله أقوال كثيرة في المدة التي تتربصها حتى يحكم بموته، والذي يرجحه المحققون من العلماء أن تقدير المدة يرجع إلى اجتهاد الحاكم، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأزمان وقرائن الأحوال، فيُحدّد القاضي باجتهاده مدّة يغلب على الظن موته بعدها، ثم يحكم بموته إذا مضت هذه المدة، وتعتد بعدها امرأته عدة الوفاة أربعة اشهر وعشراً وبعد ذلك تحلّ للأزواج.
أما إذا كانت تعلم مكانه وهجرها هذه المدة فإن حكمه حكم المؤلي، فتراسله المرأة أو وليها أو ترفع الأمر للحاكم ويُجبر على أن يعود إليها فإن أبى طلق عليه الحاكم تطليقة أو فسخ النكاح والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1591)
الأشياء التي تمتنع عنها المحادَّة
[السُّؤَالُ]
ـ[مات زوجي فماذا عليّ أن أفعل. ما هي الأشياء التي أمتنع عنها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحادة جاء في الأحاديث ما ينبغي أن تمتنع عنه، وهي مطالبة بأمور خمسة:
الأمر الأول: لزوم بيتها الذي مات زوجها، وهي ساكنة فيه تقيم فيه حتى تنتهي العدة، وهي أربعة أشهر وعشراً، إلا أن تكون حبلى، فإنها تخرج من العدة بوضع الحمل، كما قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) . ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض وشراء حاجتها من السوق كالطعام ونحو ذلك، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك، وكذلك لو انهدم البيت، فإنها تخرج منه إلى غيره، أو إن لم يكن لديها من يؤنسها وتخشى على نفسها، لا بأس بذلك عند الحاجة.
الأمر الثاني: ليس لها لبس الجميل من الثياب لا أصفر ولا أخضر ولا غيره، بل تلبس من الثياب غير الجميل، سواء كان أسود أو أخضر أو غير ذلك، المهم أن تكون الثياب غير جميلة، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: تجنُّب الحليّ من الذهب والفضة والماس واللؤلؤ، وما أشبه ذلك سواء كان ذلك قلائد أو أساور أو خواتم، وما أشبه ذلك حتى تنتهي العدة.
الأمر الرابع: تجنُّب الطِّيب، فلا تتطيب لا بالبخور ولا بغيره من الأطياب، إلا إذا طهرت من الحيض خاصة، فلا بأس أن تتبَخَّر ببعض البخور.
الأمر الخامس: تجنُّب الكحل، فليس لها أن تكتحل ولا ما يكون في معنى الكحل من التجميل للوجه، التجميل الخاص الذي قد يفتن الناس بها، أما التجميل العادي بالماء والصابون فلا بأس بذلك، لكن الكحل الذي يجمِّل العينين وما أشبه الكحل من الأشياء التي يفعلها بعض النساء في الوجه، فهذا لا تفعله.
فهذه الأمور الخمسة يجب أن تُحفظ في أمر من مات عنها زوجها.
أما ما قد يظنه بعض العامة ويفترونه، من كونها لا تكلِّم أحداً، ومن كونها لا تُكلِّم بالهاتف، ومن كونها لا تغتسل في الأسبوع إلا مرة , ومن كونها لا تمشي في بيتها حافية، ومن كونها لا تخرج في نور القمر، وما أشبه هذه الخرافات، فلا أصل لها بل لها أن تمشي في بيتها حافية ومنتعلة، تقضي حاجتها في البيت تطبخ طعامها وطعام ضيوفها، تمشي في ضوء القمر، في السطح وفي حديقة البيت، تغتسل متى شاءت، تكلِّم من شاءت كلاماً ليس فيه ريبة، تصافح النساء، وكذلك محارمها، أما غير المحارم فلا، ولها طرح خمارها عن رأسها إذا لم يكن عندها غير محرم، ولا تستعمل الحناء ولا الزعفران ولا الطيب لا في الثياب ولا في القهوة، لأن الزعفران نوع من أنواع الطِّيب، ولا يجوز أن تُخطَب، ولكن لا بأس بالتعريض، أما التصريح بالخطبة فلا، وبالله التوفيق.
فتوى الشيخ ابن باز من كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/315-316
وللمزيد يُنظر كتاب الإمداد بأحكام الإحداد لفيحان المطيري، وكتاب أحكام الإحداد لخالد المصلح.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1592)
عودة المتوفّى عنها زوجها إلى بلدها الأصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بعدة والدتي،
كان والداي في زيارة لأمريكا، ومرض والدي مرضا شديدا ثم مات هناك. ومنذ الوفاة، ووالدتي ما تزال تقيم في أمريكا في البيت الذي كانت تقيم فيه مع والدي، وتعود ملكية هذا البيت لأحد أقاربنا.
والسؤال هو: هل يجب على والدتي أن تقضي مدة عدتها هناك، أم أنه يجوز له أن تعود إلى وطنها، باكستان؟ إن رجوعها لباكستان مهم جدا لمتابعة أمور كثيرة مثل الأملاك. . الخ. سأكون ممتنا لك إجابتك على سؤالي هذا وفقا للشريعة الإسلامية.
وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في لزوم المعتدَّة مِن وفاة زوجها بيتها على قولين:
أشهرهما وأقواهما: وجوب لزوم بيت الزوجيَّة.
وإليه ذهب عامَّة العلماء، ومنهم الأئمَّة الأربعة.
وقد استدلوا على ذلك مِن السُنَّة بحديث فريعة بنت مالك رضي الله عنها قالت: إنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وإن زوجها خرج في طلب أَعْبُد له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه! فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه! قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة، أو في المسجد دعاني - أو أمرني - … فرددتُ عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله.
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً.
فلما كان عثمان أرسل إليَّ فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتَّبعه وقضى به.
رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والذهبي وابن القيم وغيرهم.
قال ابن القيم رحمه الله: ليس في هذا ما يوجب ردَّ هذه السنَّة الصحيحة الصريحة التي تلقاها عثمان بن عفان وأكابر الصحابة بالقبول. أ. هـ " زاد المعاد " (5 / 691) .
فائدة:
وقد يطرأ على المرأة المعتدَّة أو على سكنها طارئ كخوف هدمٍ، أو غرق، أو خوف مِن عدو، أو وحشة، أو أنها تكون بين فسقة، أو أراد الورثة إخراجها، أو أن بقاءها يضيع أولادها أو مالها..الخ: فإنه يسوغ لها الانتقال إلى ما شاءت من المساكن، ولا يلزمها الانتقال إلى أقرب مسكن، وهذا قول الجمهور مِن الحنفية والحنابلة والمالكية.
على أن يثبت لها في مسكنها الجديد الأحكام المتربة عليها في مسكنها الأول.
ومن كانت تستطيع تسيير أمورها وهي في بيت الزوجية: فلا عذر لها في الانتقال، كأن توكِّل ثقة بمتابعة الميراث، أو الأملاك. فإذا كانت والدتك متمكنة من الاعتداد في البيت الذي كانت تسكن فيه مع زوجها لما مات فإنها تمكث فيه والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1593)
عدة من لم تعلم بوفاة زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة يعمل زوجها في دولة أجنبية، توفي الزوج ولم تعلم الزوجة بوفاته إلا بعد ستة أشهر من الوفاة، فهل على الزوجة أن تعتد في هذه الحالة؟ وما هو الدليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عدة المتوفى عنها تعتبر من حين الوفاة حسب حالها، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل وهي حرة فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت أمة فعدتها شهران وخمسة أيام، وإذا لم تعلم بوفاته إلا بعد ستة أشهر فقد انتهت عدتها قبل أن تعلم.
أجاب عليه: عبد الرحمن العجلان.
انظر الموسوعة الفقهية (2 / 105) وأحكام الإحداد للمصلح (ص 90)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1594)
هل على المختلعة عدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجب العدة إذا كانت المرأة هي التي طلبت الخلع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الخلع – أصلاً – لا يكون إلا بطَلب من الزوجة، ورضى الزوج بعده على الفراق.
2. والعدَّة واجبة على كل امرأة فارقت زوجها، أو فارقها زوجها بطلاق أو فسخ أو وفاة، إلا إن كان الطلاق قبل الدخول فلا عدَّة على المرأة، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهنَّ من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب / 49.
3. أما عدَّة الخلع: فالصحيح من أقوال العلماء أنها حيضة واحدة، وعليه تدل السنة.
عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة. رواه الترمذي (1185) وأبو داود (2229) . ورواه النسائي (3497) من حديث الربيِّع بنت عفراء. والحديثان: صححهما ابن القيم – كما سيأتي -.
قال ابن القيم رحمه الله:
وفي أمره صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين:
أحدهما: أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة، وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل؟ فقال عثمان: لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل، فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا.
وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال من نصر هذا القول: هو مقتضى قواعد الشريعة؛ فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء، قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثا؛ فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحداً بائنةً ورجعيةً.
" زاد المعاد " (5 / 196، 197)
هذا، وقد قال بعض أهل العلم أن عدَّة المختلعة ثلاث حِيَض كعدَّة المطلَّقة، وقد ردَّ عليهم الإمام ابن القيم أحسن ردٍّ فقال:
والذي يدل على أنه – أي: الخلع - ليس بطلاق أن الله سبحانه وتعالى رتب على الطلاق بعد الدخول الذي لم يستوف عدده ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع:
أحدها: أن الزوج أحق بالرجعية فيه.
الثاني: أنه محسوب من الثلاث فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد زوج وإصابة.
الثالث: أن العدة فيه ثلاثة قروء.
وعليه فإن عدة المختلعة تبقى على ما دلت عليه السنة من أنها حيضة واحدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1595)
هل للمتوفى عنها زوجها أن تسافر للحج في فترة العدة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة توفي زوجها، وتريد أن تسافر للحج وهي في فترة العدة، فهل يجوز لها ذلك؟ مع العلم أنها قد حجت حجة الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من توفي زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) البقرة/234.
وخلال فترة العدة يلزمها الإحداد على زوجها.
روى البخاري (1280) ومسلم (1486) عن أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .
وقد سبق في جواب السؤال (13966) بيان الأشياء التي يجب على المتوفى عنها زوجها أن تتجنبها في فترة العدة.
ومنها: الخروج من البيت.
فإنها لا تخرج بالنهار إلا لحاجة، ولا تخرج ليلاً إلا لضرورة.
وخروجها للحج لا يعتبر ضرورة، لا سيما والمرأة المسئول عنها قد حجت الفريضة.
بل ذكر العلماء رحمهم الله أنها لا يجوز لها الخروج لحج الفريضة.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني" (11/303-305) :
" الْمُعْتَدَّة مِنْ الْوَفَاةِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ , وَلا إلَى غَيْرِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , رضي الله عنهما. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَالْقَاسِمُ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ , وَالثَّوْرِيُّ.
وَإِنْ خَرَجَتْ , فَمَاتَ زَوْجُهَا فِي الطَّرِيقِ , رَجَعَتْ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً ; لأَنَّهَا فِي حُكْمِ الإِقَامَةِ , وَإِنْ تَبَاعَدَتْ , مَضَتْ فِي سَفَرِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ مَا لَمْ تُحْرِمْ.
ويدل عَلَى وُجُوبِ الرُّجُوعِ إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً , مَا رَوَى سَعِيدٌ بن منصور عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تُوُفِّيَ أَزْوَاجٌ , نِسَاؤُهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ , فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ , حَتَّى يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ. . .
وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهَا حِجَّةُ الإِسْلامِ , فَمَاتَ زَوْجُهَا , لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهَا وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ ; لأَنَّ الْعِدَّةَ فِي الْمَنْزِلِ تَفُوتُ , وَلا بَدَلَ لَهَا , وَالْحَجُّ يُمْكِنُ الإِتْيَانُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْعَامِ " انتهى باختصار وتصرف يسير.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (29/352) :
" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ خُرُوجُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ إلَى الْحَجِّ , لأَنَّ الْحَجَّ لا يَفُوتُ , وَالْعِدَّةُ تَفُوتُ " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة توفي عنها زوجها وأدركها حج الفريضة، وهي في الحداد وهي مستطيعة وقادرة وعندها محرم هل تحج أو لا؟
فأجاب:
" لا تحج، بل تبقى في بيتها، وفي هذه الحال لا يجب عليها الحج، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97. وهذه المرأة لا تستطيع شرعاً، وإن كان معها محرم، وتؤجل إلى السنة الثانية، أو الثالثة حسب استطاعتها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/68) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1596)
هل تذهب للحج في عدة وفاة زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مات عنها زوجها، وظهر اسمها في قرعة الحج ولم تكمل العدة، فهل يجوز لها السفر إلى الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق الأئمة على أنه لا يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تسافر إلى الحج في فترة العدة (الحداد) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها، فمات زوجها فى شعبان، فهل يجوز لها أن تحج؟ .
فأجاب:
" ليس لها أن تسافر فى العدة عن الوفاة إلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (34 / 29) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" ليس للمرأة التي في الحداد السفر للحج، كما هو مذهب الأئمة الأربعة، أما ما ذكرتَ من أنه لا يحصل لك إجازة إلا في هذا الوقت: فليس بمسوغ شرعي يجيز السفر بالمرأة التي في عدة الوفاة " انتهى.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 899، 900) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1597)
خرجت من بيت زوجها في وقت الإحداد إلى بيت ابنتها وبقيت فيه أسبوعين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة في الحداد، وقد بتُّ في منزل ابنتي النفساء أكثر من أسبوعين إلى الآن. فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك العودة فوراً إلى بيت الزوجية للمبيت فيه، وهذا حق للزوج.
لما رواه الترمذي (2300) عن الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنِّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ قَالَتْ فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي قَالَتْ فَقَالَ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعليك التوبة والاستغفار من التقصير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1598)
هل يجوز وطء الزوجة أثناء عدّة الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للرجل أن يستمر في مجامعة زوجته أثناء فترة العدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية وصارت في العدّة فإنها تعتدّ عنده في بيته وتكون معه لأنها لا تزال زوجته وفي عصمته فإذا أراد وقاعها فقال بعض العلماء إنّ وطأها حينئذ يكون إرجاعا لها وإنهاء لعدتها وقال بعضهم بوجوب المراجعة قبل الوطء وذلك بأن يتلفّظ بالمراجعة كأن يقول راجعتكِ أو راجَعْت فلانة ويُشهد على ذلك اثنين من المسلمين وبذلك تنقطع العدّة ويعود إلى وطئها متى شاء وهذه هي الطريقة السّليمة إذا أراد وطأها، أمّا الطلقة الثالثة فإنّه لا تكون عنده في عدّتها وتخرج من بيته ولا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره فإذا طلّقها الثاني جاز أن تعود إلى الأوّل بعقد جديد. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1599)
توفي زوجها أثناء عدة الطلاق البائن فهل تعتد للوفاة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي زوجها في حادث سيارة أثناء عدة الطلاق البائن (طلقها ثلاثا وفي أثناء العدة توفي في حادث) كم تعتد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
تكمل عدة الطلاق.
سؤال:
هل عليها عدّة الوفاة؟
جواب:
لا ما عليها، لأنّ (العلاقة الزوجية قد) انقطعت (بالطلاق البائن) . انتهى والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1600)
ارتدت وتزوجت نصرانياً ثم رجعت إلى الإسلام ففارقت النصراني فكم عدتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتدت وتزوجت نصرانياً ثم رجعت إلى الإسلام ففارقته، كم تكون العدة حتى تتزوج بآخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
سؤال: هل جامعها؟
جواب: نعم. جامعها.
الجواب من فضيلة الشيخ: حيضة واحدة - على القول الراجح -، وقيل أنه يلزمها ثلاث حِيَض، لكن القول الراجح أنها حيضة واحدة. لأن زواج النصراني بها صحيح وهي مرتدة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1601)
مجموعة أسئلة عن الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل ما يعرف في الغرب بالفراق يجوز في الإسلام؟ رجل وزوجته مسلمان ويعيشان في الغرب مع أطفالهم ويفكران جدياً بالطلاق، اقترح عليهما شخص بأن يفترقا أولاً، يذهب الزوج ليسكن في مكان قريب وبما أنهما لا زالا متزوجين فليس هناك مشكلة في حضوره للبيت في أي وقت، وسيبقى يصرف على العائلة من جميع النواحي.
2- متى تنتهي العدة للطلاق الأول؟ هل هي بعد انتهاء الدورة للشهر الثالث أو عند بداية الرابعة؟
3- ما هي الأشياء التي يجوز فعلها أثناء العدة والتي لا تؤثر على عملية الطلاق؟ أعلم أن المعاشرة الجنسية تؤثر ولكن ماذا عن التقبيل والضم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد:
أما السؤال الأول: فالجواب يختلف باختلاف الحال: فإذا كان المقصود من هذا الفعل أن تخف حدة التوتر في العلاقة، ثم يرجعا بعد ذلك معاً، أو أن يجربا الابتعاد، وما سينتج عنه من آثار عليهما وعلى الأولاد حتى يكون ذلك أعون على اتخاذ القرار، وتراضيا على هذا الابتعاد المؤقت؛ فلا بأس بذلك.
وأما إن كان هذا قراراً اتخذاه واقتنعا بانفصال أحدهما عن الآخر بغير طلاق، فيقال: إن أسقطت المرأة حقها الذي يفوت عليها بهذا الانفصال، وتنازل هو أيضا عن حقوقه عليها، ورأيا أن مصلحتهما ومصلحة أولادهما في هذا، وكان المكان الذي تجلس فيه المرأة وأولادها مكانا مأمونا ليس فيه تضييع لهم، جاز ذلك بهذه الشروط. وأما إن احتاجت إلى المعاشرة الزوجية، ولم يكن يريد فعل ذلك، أو خشي أن يحدث منها ما يريب وهي في عصمته، ونحو هذا من الأسباب فليطلقها، ويستمر في النفقة على أولاده. والله أعلم.
وأما السؤال الثاني: فإن عدة المطلقة التي تحيض، وقد دخل بها زوجها وليست حاملا؛ اختلف فيها العلماء قديما وحديثا؛ والذي يرجحه جمع من أهل العلم المعاصرين كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهم أن العدة تنتهي بانتهاء ثلاث حيض، فبمجرد ما تنتهي الحيضة الثالثة تنتهي العدة، وهو قول جمع من كبار الصحابة كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، ونقله ابن القيم عن أبي بكر وأبي موسى وغيرهم. رضي الله عنهم أجمعين. (ينظر فتاوى إسلامية 3 / 310) و (فتاوى الطلاق لسماحة الشيخ ابن باز 193) و (جامع أحكام النساء 4 / 243) .
وأما السؤال الثالث: " فالمطلقة الرجعية لها أن تكشف لزوجها وأن تتزين وتتجمل وتتطيب، ولها أن تكلمه ويكلمها وتجلس معه وتفعل معه كل شيء ما عدا الاستمتاع بالجماع أو مقدماته فإن هذا إنما يكون عند الرجعة " (الشيخ ابن عثيمين: فتاوى إسلامية 3 / 310)
فلو قَبَّل وضَمَّ زوجته وهو ينوي الرجعة صحت الرجعة بلا خلاف بين أهل العلم، وإن لم ينوها فبعض العلماء يرون جوازه باعتبار أنها زوجته ولكن لا تحصل به الرجعة، ومنهم من يرى أن الضم والتقبيل ونحوه من مقدمات الجماع يأثم فاعله إذا لم ينو به الرجعة. فالأحوط عدم فعل ذلك إلا بعد التصريح بالرجعة كأن يقول لزوجته راجعتك، ويشهد اثنين من المسلمين على رجعتها بقوله أمامهما أشهدكم أني أرجعت زوجتي فلانة، ونحو ذلك، ثم يفعل ما يريد من المباح. والله أعلم.
(انظر سبل السلام 2 / 267) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1602)
أسلمت بعد زنا فهل تعتدّ للزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تسأل وتقول إنها قد أسلمت وكانت على علاقة محرمة مع شخص أجنبي، فهل تعتد إذا أرادت أن تتزوج أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طرحت السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
فأجاب حفظه الله:
يكفيها حيضة واحدة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1603)
هل لها أن لا ترد إلى زوجها وديعة له عندها لظلمه وعدم إنفاقه على ابنته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أودع رجل لدى زوجته مبلغاً من المال قدره 800$ وبعد أن انفصلا أي تطلقت الزوجة أرجعت للزوج 700$ وبقى في ذمتها 100$ ولكن للعلم أن الزوج لم يعط للزوجة حقوقها وسرق الكثير من الأموال التي هي من حقها ولم ينفق على ابنته التي تعيش لدى الأم ولكن بالعكس سرق حتى ملابس ابنته....فماذا تفعل الأم بال100$ هل تنفقها على ابنته أم ترجعها إلى الزوج؟ علما أنه مر على الطلاق سنتان تقريباً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان له حق عند شخص، ولا يستطيع أن يأخذ حقه منه، ثم ظفر بشيء من ماله، فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه يجوز له أن يأخذ من ماله بقدر حقه.
ويتأكد جواز ذلك إذا كان سبب الحق ظاهراً كنفقة الزوجة والأولاد.
وقد ورد في السنة ما يدل على ذلك، روى البخاري (5364) ومسلم (1714) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ؟ فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) .
فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال زوجها نفقتها ونفقة أولاده بدون علمه.
وهذه المسألة تُسَمَّى عند العلماء بمسألة الظَّفَر.
قال ابن القيم رحمه الله:
"مَسْأَلَةُ الظَّفَرِ , وَقَدْ تَوَسَّعَ فِيهَا قَوْمٌ ... ومنعها قوم بالكلية ... وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ وَقَالُوا: إنْ كَانَ سَبَبُ الْحَقِّ ظَاهِرًا كَالزَّوْجِيَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ الْمُوجِبِ لِلْإِنْفَاقِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِإِعْلَامِهِ , وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ , وَعَلَيْهِ تَدُلُّ السُّنَّةُ دَلَالَةً صَرِيحَةً ; وَالْقَائِلُونَ بِهِ أَسْعَدُ بِهَا" انتهى.
"إعلام الموقعين" (4/21) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
حارس يعمل عند صاحب عمارة ويقول إن صاحب العمارة لم يعطه راتبه، ووجد لصاحب العمارة ثلاثمائة ريال فأخذها، فهل يجوز له أخذها أم لا؟
فأجاب:
"هذه المسألة يعبر عنها أهل العلم بعنوان "مسألة الظفر" وهي على القول الراجح لا تجوز بمعنى أن الإنسان إذا كان له حق على شخص وهذا الإنسان لم يؤده حقه فهل يجوز أن يأخذ شيئاً من ماله إن قدر عليه بمقدار حقه؟ نقول: الصحيح أنه لا يجوز، إلا إذا كان سبب الحق ظاهراً، مثل لو كان الحق نفقةً، مثل الزوجة تأخذ من مال زوجها إذا لم يقم بواجب النفقة، وكالقريب يأخذ من مال قريبه إذا لم يقم بواجب النفقة، فهذا لا بأس به، وكذلك الضيف يأخذ من مال من استضافه إذا لم يقم بواجب الضيافة فهذا لا بأس به، لكن بشرط أن لا يكون في ذلك فتنة، وألا يكون في ذلك سببٌ للعداوة والبغضاء والشجار" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (9/322-323) .
فعلى هذا إن كان ما تقول الزوجة حقاً، في أن زوجها لم يعطها حقوقها، ولا ينفق على ابنته، فلا حرج عليها أن تأخذ هذه الأموال وتنفق منها على ابنتها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1604)
هل يلزمه مصاريف سفر زوجته إلى عملها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الزوجة مدرسة وتدرس خارج المنطقة، هل مصاريف ذهابها وعودة وشراء التذاكر هل تعتبر من واجبات الزوج؟ ومصاريفها الأخرى هل هي واجبة عليه؟ ودخل الزوج محدود ما له إلا راتبه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، لقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233، وقوله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/6.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه مسلم (1218) .
وقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364) .
إلى غير ذلك من الأدلة المقررة لهذا الأصل وهو وجوب إنفاق الزوج على زوجته، وهذا يشمل الطعام واللباس والمسكن وما به قوام البدن من دواء ونحوه.
وهذه النفقة مقيدة بـ (المعروف) فتختلف باختلاف حال الزوج ويساره وإعساره.
وينظر جواب سؤال رقم (3054) ورقم (126316) .
وأما نفقة سفرها إلى عملها فلا تلزم الزوج إلا في حالتين:
الأولى: أن يأمرها بهذا العمل، فيتحمل ما تترتب عليه من نفقة.
والثانية: أن تكون قد اشترطت عليه ذلك في عقدها فيلزمه الوفاء؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1، ولقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2572) ومسلم (1418) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وننبه إلى أنه لا يحل للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، وينظر جواب السؤال رقم (26258) ورقم (127076) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1605)
زوجته تعترض على نفقاته على أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تطلب مني أشياء كثيرة، ودائما أنفذ لها ما تريد، وأحيانا تطلب مبالغ مالية كبيرة، وتقول لي: إنها سلف، برغم أني أعلم أنها لن تستطع رد كل هذه المبالغ، وذلك إما لشراء سيارة حديثة، أو لمساعدة أخي الأصغر. مع العلم أني أدفع مبلغاً شهرياً لعلاج أبي، وأعطي أمي كل ما تطلبه. زوجتي غير راضية عن ذلك، وهذا الأمر يسبب لي عددا من المشاكل معها. هل أنا مخطئ في استمراري على إعطاء أمي ما تطلبه مني، خاصة وأن أوجه إنفاقه غير مقنعة لي ولزوجتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
نشكر لك برك بأمك وأبيك، وحرصك على تلبية طلباتهم، ونُذكرك بأنَّ حقَّ الوالدين على الإنسان عظيم، فقد قرن سبحانه وتعالى حقهما بحقه فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23.
وأوصى بالإحسان إليهما فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) الأحقاف/15.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "وصى الأولاد وعهد إليهم أن يُحسنوا إلى والديهم، بالقول اللطيف والكلام اللين، وبذل المال والنفقة، وغير ذلك من وجوه الإحسان" انتهى من "تفسير السعدي" (1 /781) .
وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) البقرة/215.
فنفقة الإنسان على والديه وأقاربه من أولى النفقات وأعظمها أجراً.
وعَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ: (يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) . رواه النسائي (2532) وحسنه الألباني في "الإرواء" (2171) .
وإذا كان والداك فقيرين، فمن الواجب عليك النفقة عليهما، وبذل كل ما يحتاجان إليه من غذاء وملابس ودواء ونحو ذلك.
وقد سبق بيان وجوب النفقة على الوالدين في جواب السؤال (111892) ، (129344) .
وأمَّا شراء الكماليات للوالدين فليس من النفقة الواجبة على الابن، إلا أنَّ بذل المال لهما في ذلك من الإحسان الذي تُؤجر عليه.
وبما أن الله قد أنعم عليك وفتح لك من أبواب رزقه، فأهلك هم أولى الناس ببرك وإحسانك.
وليس من حق زوجتك أن تعترض على ما تقدمه لأهلك من نفقات ومعروف وبر، إذا كنت تقوم بأداء النفقة الواجبة عليك تجاه زوجتك وأولادك.
ولكن لزوجتك الحق في الاعتراض إذا كنت تساعد أمك على الإسراف وتضييع المال وشراء ما لا تحتاج إليه، فإن الله تعالى نهانا عن الإسراف، وأخبرنا أنه لا يحب المسرفين، فقال عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
فإذا طلبت منك والدتك شيئاً من المال لتنفقه فيما لا تحتاج إليه فينبغي لك أن لا تساعدها على ذلك، بل تلطف معها وأرشدها إلى أهمية الحفاظ على المال وعدم تضييعه.
والحقيقة التي ينبغي أن تعلمها زوجتك ويعلمها جميع المسلمين أن الإنسان كلما أنفق ماله في مرضات الله فإن الله تعالى يخلف عليه، ويوسع عليه رزقه، قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/39.
وروى البخاري (1442) ومسلم (1010) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ الَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) .
قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان ونحو ذلك بحيث لا يذم ولا يسمى إسرافاً، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا" انتهى.
وقال الله تعالى في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك) رواه البخاري (4684) ومسلم (993) .
ففي هذا الحديث: الحث على الإنفاق في مرضات الله تعالى، وأن الله يخلف على من أنفق، ويوسع عليه من رزقه وخزائنه لا تنفذ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1606)
هل تنفق المرأة على نفسها من تركة زوجها المتوفى أيام الحداد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي توفي وترك مبلغا من المال، هل يجوز لي أن أصرف منه شيئا أثناء مدة الحداد والعدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"جميع ما صرفت من المال يكون من إرثك إلا أن يسمح باقي الورثة بذلك. وفق الله الجميع لما يرضيه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (20/244) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1607)
نفقة الزوجة مقدَّمة على نفقة الوالدين.
[السُّؤَالُ]
ـ[من له الحظ الأوفر في مال الزوج، هل الزوجة والأولاد أم أمه؟ قد قرأت أن القران يشير إلى أن زوجة الرجل وأولاده هم أولى الناس بماله. وهل يجوز للرجل إذا كان دخله قليلاً أن يقدم حاجات أسرته على حاجات زوجته وأولاده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
لا شك أن الزوج ملزم بالنفقة على زوجته، ومطالب بالإنفاق على أبنائه وآبائه إذا كانوا فقراء لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن غيرهم.
وقد سبق بيان ذلك في السؤال (10552) ، (111892) ، (6026) .
فإن استطاع أن ينفق عليهم جميعاً وجب عليه ذلك.
وإن لم يستطع ذلك لقلة ماله، وضعف دخله الشهري، فإن الواجب عليه أن يُقدِّم نفقة زوجته وأولاده على غيرهم من أقاربه.
وليس في القرآن ما يشير إلى تقديم نفقة الزوجة على غيرها، وإنما ثبت ذلك في السنة النبوية.
ففي صحيح مسلم (997) عَنْ جَابِرٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا، بَيْنَ يَدَيْكَ، وَعَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَصَدَّقُوا.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ.
فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ.
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ.
قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ.
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ.
قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ.
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ.
قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ.
قَالَ: عِنْدِي آخَرُ.
قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ.
رواه أبو داود في سننه (1691) والنسائي واللفظ له، وحسنه الألباني في الإرواء (895) .
وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم النفقة على الأهل صدقة لا يعني أنها مستحبة فقط.
قَالَ الْمُهَلَّب: " النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل وَاجِبَة بِالْإِجْمَاعِ , وَإِنَّمَا سَمَّاهَا الشَّارِع صَدَقَة خَشْيَة أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ قِيَامهمْ بِالْوَاجِبِ لَا أَجْر لَهُمْ فِيهِ , وَقَدْ عَرَفُوا مَا فِي الصَّدَقَة مِنْ الْأَجْر فَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا لَهُمْ صَدَقَة , حَتَّى لَا يُخْرِجُوهَا إِلَى غَيْر الْأَهْل إِلَّا بَعْد أَنْ يَكْفُوهُمْ ; تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي تَقْدِيم الصَّدَقَة الْوَاجِبَة قَبْل صَدَقَة التَّطَوُّع ". نقله عنه في " فتح الباري" (9/623) .
قال الْخَطَّابِيُّ: " هَذَا التَّرْتِيب إِذَا تَأَمَّلْته عَلِمْت أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ". نقله عنه في " عون المعبود" (5/ 76)
وقال النووي: " إذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم، نظرَ: إن وفَّى ماله أو كسبه بنفقتهم فعليه نفقة الجميع قريبهم وبعيدهم.
وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد، قدَّم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب ... لأن نفقتها آكد، فإنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالإعسار ". انتهى "روضة الطالبين" (9/ 93) .
قال المرداوي: " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا بِالْمَعْرُوفِ ... إذَا فَضَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ ". انتهى " الإنصاف" (9/ 392) .
قال الشوكاني: " وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فعلى ذوي قرابته ". انتهى " نيل الأوطار" (6 /381) .
فلم يختلف العلماء في تقديم الزوجة على الوالدين في النفقة، وإنما اختلفوا في الزوجة والولد أيهما يقدم؟
قال الشيخ ابن عثيمين: " فالصواب أنه يبدأ بنفسه، ثم بالزوجة، ثم بالولد، ثم بالوالدين، ثم بقية الأقارب ". انتهى من " فتح ذي الجلال والإكرام (5/194) .
وبناء على ما سبق فالواجب على الزوج أن يبدأ بكفاية زوجته وأولاده من النفقة الواجبة عليه بالمعروف، فإن بقي معه بعد ذلك شيء من المال فالواجب عليه أن ينفقه على والديه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1608)
هل يجب على الزوج النفقة على زوجته العاملة؟ وهل له أن يأخذ من راتبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بدوام كامل يوميّاً , لذلك فإنَّ كل المال الذي أحصل عليه أنفقه على الملابس، والأحذية، وأدوات النظافة , بينما زوجي يدفع إيجار المنزل، والفواتير، وبعض الأمور الأخرى، أريد أن أعرف ما هي الأمور التي يجب على زوجي أن ينفقها عليَّ؟ على سبيل المثال , هل يجب عليه أن يكسوني فقط في حالة أن تكون ملابسي كلها ممزقة، أو بالية؟ ويقول زوجي لي أيضاً: " إذا أردت مني أن أنفق عليك بكل تلك الأمور: فإن عليك أن تجلسي، ولا تعملي ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد بينَّا في جواب السؤال رقم (3054) بما يكفي من الأدلة من الكتاب والسنَّة وإجماع العلماء على وجوب نفقة الزوج على زوجته، وذلك بحسب وُسْعِه ومقدرته، وأنه ليس له أن يحملها نفقة نفسها، ولو كانت غنية، إلا برضاها.
وهذه النفقة على الزوجة منها ما يتعلق بكسوتها، صيفاً وشتاءً، وليس الأمر أن يفعل ذلك كل عام، وكل موسم، حتى مع وجود ملابس عندها، قد لا تكون لبست بعضها، وليس الأمر أنه لا يفعل إلا أن تتمزق ملابسها، بل الكسوة تكون بحسب حاجة زوجته لها، وبحسب قدرته على كسوتها، دون أن يؤثر على التزاماته الأخرى، وبعتبير القرآن: أن ذلك بالمعروف: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/233.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أي: بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهنّ، من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره، وتوسطه وإقتاره " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1/634) .
وننبه هنا إلى أن المرأة العاملة قد تحتاج من الكسوة ما لا تحتاجه غير العاملة؛ لأنها تريد أن تلبس جديداً أمام زميلاتها في العمل، وهذا ليس من حقها على زوجها، بل حقها عليه كسوتها بما تلبسه في بيتها، وبما تخرج به من مناسبات شرعية، أو مباحة، بإذنه، وهو أمر لا يقدَّر بقدرٍ معين، بل يختلف باختلاف طبيعة الزوجة، وبيئتها.
ثانياً:
إذا كانت الزوجة قد اشترطت على زوجها، عند الزواج، أنها ستعمل: فيجب عليه السماح لها بالاستمرار في عملها، إلا أن تتغير طبيعة عملها، فتصير محرمة، كأن تعمل مع رجال أجانب، أو تكون طبيعة العمل محرَّمة، كالعمل في البنوك الربوية، أو مجالات التأمين، أو ما يشبه ذلك، وكذا لو أن عملها صار محتاجاً منها لأن تسافر، وليس معها محرم، فمثل هذه الأشياء لو حصلت: فإنها توجب على الزوج التدخل لمنعها من متابعة عملها، وهو لا يخالف الشرط هنا، بل يعمل بمقتضى الشرع الذي جعله مسئولاً عن زوجته: (مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ) متفق عليه.
وأما إن لم يكن شيء من ذلك موجوداً في عملها: فليس له منعها منه، بل عليه الوفاء بالشرط الذي وافق عليه عند زواجه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/ من الآية 1.
عَنْ عُقْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
رواه البخاري (2572) ومسلم (1418) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وأما بخصوص راتب الزوجة العاملة: فإنه من حقها، وليس للزوج أن أخذ منه شيئاً إلا بطِيب نفسٍ منها، وهذا كله: في حال أن يكون العمل مشترَطاً عليه عند عقد الزواج، كما سبق أن نبهنا.
ثالثا:
إن لم يكن عمل الزوجة مشترطاً عليه عند الزواج: فله أن يسمح لها بالعمل، مقابل أن تساهم معه في النفقات، بما يتفقان عليه؛ لأن الوقت الذي تبذله في عملها هو من حقه، فله أن يستوفي مقابله بالمعروف.
قال البهوتي رحمه الله:
" ولا تؤجر المرأة نفسها، بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها، لتفويت حق الزوج "
انتهى. " الروض المربع " (271) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" يجب على الإنسان أن ينفق على أهله، على زوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإنه يجب على الزوج أن ينفق، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرِّس، وقد شُرط على الزوج تمكينُها من تدريسها، فإنه لا حقَّ له فيما تأخذه من راتب، لا نصف، ولا أكثر، ولا أقل، الراتب لها، مادام قد شُرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس، وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها، أي: من راتبها شيئاً، هو لها.
أما إذا لم يُشترط عليه أن يمكِّنها من التدريس، ثم لما تزوج قال: لا تدرِّسي: فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني: مثلاً له أن يقول: أمكِّنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب أو ثلثاه، أو ثلاثة أرباعه، أو ربعه، وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه، وأما إذا شُرط عليه أن تدرِّس، وقبِلَ: فليس له الحق أن يمنعها، وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (6 / 143، 144) .
رابعاً:
ونوصي الزوجين ألا يكدرا بمثل تلك المحاسبات التي من شأنها أن تجعل منهما شريكين في تجارة! وإنما هما شريكان في تأسيس أسرة، وبناء بيت، ولا يصلح مثل هذه الخلافات أن تكون بين زوجين، فلتبذل المرأة من طيب نفسها ما تعين به زوجها على مصاعب الحياة، وليتعفف الزوج قدر استطاعته عن أخذه المال منها؛ لأن هذا مؤثِّرٌ سلباً في قوامته، والتي جعل الله تعالى من مقوماتها إنفاقه عليها، كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ من الآية 34.
ويجب أن يفرِّق الزوج بين ما تبذله الزوجة مساهمة في نفقات الأسرة والبيت، وبين ما تعطيه إياه ديْناً، فالأول: لا يجوز للزوجة المطالبة به؛ لأنه مبذول بطيب نفس، ولا يحل لها الرجوع فيه، بخلاف الثاني فهو من حقها.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" لا حرج عليك في أخذ راتب زوجتك برضاها، إذا كانت رشيدة، وهكذا كل شيء تدفعه إليك من باب المساعدة، لا حرج عليك في قبضه، إذا طابت نفسها بذلك، وكانت رشيدة؛ لقول الله عز وجل في أول سورة النساء: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) ، ولو كان ذلك بدون سند، لكن إذا أعطتك سنداً بذلك: فهو أحوط، إذا كنت تخشى شيئاً من أهلها، وقراباتها، أو تخشى رجوعها " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 44) .
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، حفظه الله:
" لا تؤجر نفسها لخدمة أو عمل أو نحو ذلك إلا بإذن زوجها، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) النساء /34، فمما جعله الله عز وجل على الرجل أنه يقوم على أمر امرأته.
فعلى الزوج أن ينتبه؛ لأن الزوج راع ومسئول عن رعيته، والمرأة من رعيته، فإذا نظر أن المصلحة في خروجها للعمل أذن لها وأعانها، وخاصة في هذا الزمان، فكم من صالحة ينفع الله بخروجها للتعليم أو التوجيه أو نحو ذلك مما فيه خير لها وللأمة! ولا ينبغي للرجال أن يجحفوا بحقوق النساء أو يظلموهن أو يضيقوا عليهن.
وإذا رأى أن الخير لها أن تمتنع فأوصي المرأة أن تحمد الله عز وجل، وأن تطيع زوجها، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما من امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسمع وتطيع لبعلها، إيماناً بالله، وخاصة إذا وجدت منه غيرة وحب الخير لها، واحتساباً للثواب عند الله عز وجل: إلا أقر الله عينها في الدنيا والآخرة، وعليها أن تسلم وترضى، وألا تتعالى على حكم الله عز وجل، بل ترضى بذلك وتقنع به، بنفس مطمئنة، فمن رضي فله الرضا، والله عز وجل قد وعد من سمع وأطاع بالفلاح والفوز، وهذا شامل لفلاح الدين والدنيا والآخرة، وفوز الدين والدنيا والآخرة.
وعلى المرأة أن تنظر في حالها، فإنه ما من ساعة وما من يوم يمر عليها وهي تسمع لزوجها وتطيع بالمعروف، إلا وجدت في سمعها وطاعتها له من الخير ما الله به عليم!
وكم من الحوادث والقصص رأيناها في النساء الصالحات اللاتي أمرهن أزواجهن فأتمرن، ونهاهن أزواجهن فانتهين؛ فجعل الله لهن في ذلك الأمر والنهي من الخير ما الله به عليم! وكم من فتنة تنتظر المرأة في خروجها، فيسلط الله زوجها فيمنعها من الخروج، فإذا اتقت حبسها الله عن فتنة، ربما لو أنها خرجت لضلت وأضلت، ولكن الله لطف بها بالسمع والطاعة، وهذا مجرب.. " انتهى. "شرح زاد المستقنع للشيخ الشنقيطي".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1609)
أعطى لزوجته مالاً لتحج ثم مات فهل لها أن تصرفه في غير الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن شخصاً دفع لزوجته مبلغاً لكي تحج، ثم مات قبل أن يأتي موسم الحج، فهل يجب على المرأة أن تحج بهذا المبلغ؟ أم إنها تستطيع أن تستخدم هذا المبلغ في أشياء أخرى، آمل بيان السبب في كلا الحالين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يلزم المرأة أن تحج بهذا المال متى استطاعت ووجدت محرما، لأن الزوج إنما أعطاها المال لتحج به، فالظاهر أنه لو كان يعلم منها أنها لن تحج بالمال لم يعطها إياه. والأصل في أموال التبرعات أن تنفق فيما حدده المنفق من أوجه البر، فلا تتعدى إلى غيرها؛ بخلاف التبرعات العامة التي لم يقصد بها غرض معين، فإنها تصرف في كافة أعمال البر.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله:
" (وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك) بِهَا (عِمَامَةً أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (تَعَيَّنَتْ) لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ هَذَا (إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ) بِالْعِمَامَةِ (وَتَنْظِيفَهُ) بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ (فَلَا) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ " انتهى.
""أسنى المطالب شرح روض الطالب" (2/479-480) .
وقال الشيخ سليمان بن عمر الجمل رحمه الله:
" لَوْ دَفَعَ لَهُ تَمْرًا لِيُفْطِرَ عَلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ نَظَرًا لِغَرَضِ الدَّافِعِ " انتهى.
"حاشية الجمل على شرح المنهج" (2/328) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1610)
معنى أنَّ مِن حقوق الزوجة على زوجها أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى الحديث (يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى) أن لو اشترى لنفسه ثوباً بمبلغ (500) ريال فعليه أن يعطيها هذا المبلغ، أو يشتري لها ثوبًا بنفس المبلغ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) رواه أبو داود (2142) وقال: (ولا تُقَبِّحْ) : أن تقول: " قبحك الله ".
هذا الحديث يدل على أن النفقة حق واجب من حقوق الزوجة، وأن الواجب في هذه النفقة تحقيق كفاية الزوجة من الطعام والشراب والكساء، فإذا تحققت الكفاية لم يجب ما زاد عليها، ولا يجب على الزوج حينئذ أن يشتري لها ثوبا كلما اشترى لنفسه، ولا أن يعطيها بدله مالا.
والقيد الوارد في الحديث: (تطعمها إذا طعمت) المقصود به الحث على بذل النفقة على الزوجة كما ينفق الرجل على نفسه، وليس المقصود أنه يجب على الزوج كلما اشترى لنفسه ثوباً أن يشتري مثله للزوجة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"يعني: لا تخص نفسك بالكسوة دونها، ولا بالطعام دونها، بل هي شريكة لك، يجب عليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك، حتى إن كثيرا من العلماء يقول: إذا لم ينفق الرجل على زوجته وطالبت بالفسخ عند القاضي، فللقاضي أن يفسخ النكاح؛ لأنه قصَّر بحقها الواجب لها" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (3/131) .
وانظر جواب السؤال رقم: (103422)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1611)
حكم إدخال الابن المعاق لدور المعاقين
[السُّؤَالُ]
ـ[ينهج بعض آباء الأطفال المعاقين نهجاً معيناً، وذلك بإيواء أطفالهم بمراكز المعوقين الداخلية، ما موقف الدين من هذا التصرف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا بأس بذلك، وحيث إن الحكومة أيدها الله تعالى قد أولت المعاقين عناية كبيرة، وهيأت لهم مراكز لتربيتهم وتغذيتهم وحضانتهم، والقيام بشؤونهم وحاجاتهم، فإن على الآباء أن يسجلوا أولادهم المعاقين في المراكز الحكومية، وذلك لراحتهم وإيوائهم ورعايتهم، وحتى لا يتكلفوا بنفقة الحضانة والعلاج ونحو ذلك، ومن اختار منهم أن يؤوي ولده في مراكز أخرى، أو يتولى علاجهم بنفسه فلا حرج عليه في ذلك، والدين الإسلامي لا يمنع من إيواء الطفل في مراكز داخليه أو خارجية " انتهى.
"من فتاوى الشيخ عبد الله بن جبرين" (مجلة الدعوة /46) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1612)
أجر النفقة على الأهل والأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أجر الإنسان إذا أنفق على أولاده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في الكتاب والسنة أدلة كثيرة تحث على النفقة على الأولاد وتبين فضلها ومن ذلك:
أولا: أدلة القرآن:
قال الله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233. وقال سبحانه: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ً) الطلاق/7. وقال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/39.
ثانيا: السنة:
لقد تَظَافَرَتْ الْأَخْبَار عن النبي صلى الله عليه وسلمُ فِي فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْعِيَالِ لَا سِيَّمَا الْبَنَاتِ , فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (995) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: {دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ , وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك , أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك} .
وعند مُسْلِمٍ (994) وغيره عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعًا {أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: بَدَأَ بِالْعِيَالِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمُ اللَّهُ أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ.
وَفِي صحيح البخاري (1295) وصحيح مسلم (1628) ِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك} أَيْ فِي فَمِهَا.
وَفِي البخاري أيضا (55) ومسلم (1002) (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً} . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ البخاري (1442) ومسلم (1010) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا , وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ البخاري (1418) ومسلم (2629) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتهَا إيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتِهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ , فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا فَأَخْبَرْته فَقَالَ مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ} .
وَفِي مُسْلِمٍ (2630) عَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ {جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً , وَرَفَعَتْ إلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلْهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْت الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ} .
وَفِيهِ (2631) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا , وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ} . وَفِي الْبَابِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. إ. هـ من غذاء الألباب (2/ 437) بتصرف
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ رحمه الله: يُنْفِق عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُقَتِّرٍ عَمَّا يَجِبُ لَهُمْ وَلَا مُسْرِفٍ فِي ذلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} وَهَذِهِ النَّفَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ جَمِيعِ النَّفَقَاتِ. طرح التثريب (2 /74)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1613)
ما هو الحد الذي ينتهي به وجوب النفقة على الأولاد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النفقة على الأبناء، وما هو الحد الذي تنتهي عنده النفقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فقد اتفق العلماء على أن الوالد تجب عليه نفقة أولاده الصغار الذين لا مال لهم حتى يبلغوا الحلم.
قال ابن المنذر رحمه الله: " وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ نَفَقَةَ أَوْلادِهِ الأَطْفَالِ الَّذِينَ لا مَالَ لَهُمْ. وَلأَنَّ وَلَدَ الإِنْسَانِ بَعْضُهُ , وَهُوَ بَعْضُ وَالِدِهِ , فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ كَذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِه " المغني (8/171)
والأَصْلُ فِي وُجُوبِ النَفَقَةِ على الولد الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ:
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الطلاق /6. فأَوْجَبَ أَجْرَ رَضَاعِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ , وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة/233.
وَمِنْ السُّنَّةِ {قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ} . البخاري (5364) ومسلم (1714) .
وأما الإجماع فقد تقدمت حكايته.
واتفقوا على أن الوالد يلزمه نفقة أبنائه العجزة من الذكور والإناث حتى يستغنوا كبارا كانوا أو صغارا.
واتفقوا على أن الوالد لا تلزمه نفقة ولده الذي له مال يستغني به ولو كان هذا الولد صغيرا.
واتفقوا على أن الوالد لا تلزمه نفقة ابنه الذكر إذا بلغ الحلم وكان قادرا على التكسب.
واختلفوا في لزوم النفقة على الوالد لابنه البالغ الفقير القادر على الكسب، فأكثر العلماء يرون أنه لا تلزمه نفقته، لقدرته على الكسب.
وذهب بعضهم إلى أن الوالد يجب عليه نفقة ولده البالغ الفقير ولو كان قادرا على الكسب مستدلين بقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ: " خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ " لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ بَالِغًا وَلا صَحِيحًا.
وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فَقِيرٌ , فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ عَلَى وَالِدِهِ الْغَنِيِّ , كَمَا لَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَكْفُوفًا "
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن والد غني وله ولد معسر فهل يلزم الوالد الغني أن ينفق على ابنه المعسر؟
فأجاب رحمه اللهُ: نَعَمْ. عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَالْوَالِدُ مُوسِرًا. إ.هـ مختصراً من الفتاوى الكبرى (3 / 363) ومجموع الفتاوى (34 /105) .
واختلفوا أيضا في البنت التي بلغت الحلم هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا؟
فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج.وهو الأقرب والله أعلم لعجزها عن الكسب.
هذا مجمل ما يفهم من كلام العلماء، وتجد بعض نصوصهم مع ذكر أدلتهم التي استدلوا بها في الكتب التالية:
الحنفية: (َ في المبسوط 5 /223) ، المالكية: (في المدونة (2 /263) وانظر تبيين المسالك شرح تدريب السالك (3 / 244) ،الشافعية: (ُّ في الأم 8 /340) ،الحنابلة:
(في المغني: (8/171) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1614)
تطالبه زوجته بملابس وذهب مثل الذي عند صاحباتها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تحضر حفلات وترى ما تلبسه بقية النساء ثم تطالبني بملابس وذهب مثل التي رأتها، ومدخولي الشهري ليس كمدخول أزواج أولئك النساء، فماذا أفعل معها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد جاء حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين هذا الأمر وأنه من أسباب الهلاك، وفيما يلي نص الحديث لعلك تعظ زوجتك به، روى الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبة فأطالها، وذكر فيها أمر الدنيا والآخرة، فذكر أن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ أو قال: من الصيغة ما تكلف امرأة الغني ...
السلسة الصحيحة للألباني رقم 591
وقال هذا إسناد صحيح على شرط مسلم
وعليك أخي المسلم أن تذكرها بأهمية القناعة والزهد في الدنيا وعِدها بأنك ستوسع عليها إذا وسع الله عليك، وذكرها بقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله سيجعل الله بعد عسر يسراً) الطلاق/7.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1615)
شروط إعطاء أحد الأولاد عطية دون باقيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أب ميسور، والحمد لله، لي ستة أبناء: ثلاثة ذكور، وثلاث إناث , كل الأبناء ميسورون والحمد لله , إلا الصغير، فهو معسر , وأردت أنا أنقل إلى ملكه متجرا يتّجر فيه , واستشرت في ذلك جميع إخوته فقالوا لي: لك ما تريد يا أبي، افعل ما تشاء، بل سوف نعينه شهريّاً إن شاء الله تعالى من مالنا الخاص , وملّكته المتجر، وبعد أيام وقع نقاش بين الأخ الصغير وأخت من أخواته، فقالت لي: ليس لك الحق أن تملِّكه المتجر، هذا ظلم، ثم بعد ذلك ندمت على ما قالته لي، واعتذرت. أرجو منكم أن تجيبوني جواباً شافياً، فأنا في حيرة من أمري، هل أترك المتجر في ملك ابني الصغير، أم أنقله لملكي كي لا أظلم أبنائي الآخرين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الوالد يعدل في العطية بين أولاده جميعاً، ولا يحل له أن يعطي بعضهم ويمنع آخرين، والعدل بين الأولاد: أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22169) .
وإذا أراد الأب تخصيص أحد أولاده بمتجر أو سيارة، لكونه محتاجاً إليه، فلابد أن يكون ذلك برضا باقي أولاده البالغين الراشدين، وأما غير الراشدين فإنهم يُعطون كما يعطى أخوهم.
ويجب أن يكون رضاهم عن طيب نفسٍ حقيقي منهم، فلا يحل للوالد أن يجعلهم يوافقون بإكراهٍ، أو خوفٍ، أو إحراج، فإن وافقوا مكرهين أو حياءً: لم يحل لوالد أن يعطي أخاهم شيئاً.
وعليه: فإن ثبت رضى أولادك – الأبناء والبنات - عن عطيتك لولدك المعسر دونهم: فلا حرج عليك بتلك العطية، وذلك التفضيل.
وإذا كانت البنت التي اعترضت على ذلك ثم اعتذرت قد رضيت عن طيب نفس فلا حرج عليك، أما إذا كان رضاها حياءً أو تجنباً لوقوع مشاكل أسرية ونحو ذلك، فإن حقها لا يسقط، ويجب عليك أن تعطيها نصف ما أعطيت لابنك هذا.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
رجل له أربعة أولاد، منهم واحد موظف، ومتزوج، وله خمسة أولاد، وجزء من المال الذي بيد والده توفير من رواتب الولد المذكور، مع العلم بأن هذا الولد قائم بنفقة أولاده ووالديه وإخوانه؛ لأنهم في بيت واحد، فأحب والده أن يتبرع لابنه المذكور بخمس المال الذي بيده مقابل عن عمله ودخله.
فأجاب:
"قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) متفق على صحته، فليس للوالد أن يخص بعض أولاده بشيء إلا برضا الباقين، المكلفين، المرشدين في أصح قولي العلماء؛ لكن إذا أحب أن يجعل ما قبضه من رواتبه في المستقبل قرضاً عليه، أو أمانة عنده: فلا بأس , وعليه أن يوضح ذلك في وثيقة معتمدة , وبذلك يكون قد حفظ له حقه الذي دخل عليه، أو بعضه, ولا يكون أعطاه شيئاً , وإنما هو ماله حفظه له" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 49، 50) .
وسئل الشيخ رحمه الله – أيضاً -:
هل يجوز لي أن أعطي أحد أبنائي ما لا أعطيه لآخر لكون الآخر غنيّاً؟ .
فأجاب:
"ليس لكِ أن تخصي أحد أولادك الذكور والإناث بشيء دون الآخر، بل الواجب العدل بينهم حسب الميراث، أو تركهم جميعا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) متفق على صحته.
لكن إذا رضوا بتخصيص أحد منهم بشيء: فلا بأس، إذا كان الراضون بالغين، مرشدين، وهكذا إن كان في أولادك من هو مقصِّر، عاجز عن الكسب، لمرض، أو علة مانعة من الكسب، وليس له والد، ولا أخ ينفق عليه، وليس له مرتب من الدولة يقوم بحاجته: فإنه يلزمك أن تنفقي عليه قدر حاجته، حتى يغنيه الله عن ذلك" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 50، 51) .
وسئل الشيخ – أيضاً -:
والدي لديه بيت قديم جدّاً في موقع ممتاز، ويريد والدي تسجيل هذا البيت باسم شقيقي، وأنا راض عن ذلك، ولكن لي أخوات، وقد سألت الوالد عن نصيبهن فقال: ما عليك منهن! وقد استأذنتهن في ذلك، وأخشى أن تكون موافقتهن وسماحهن بذلك خجلا من الوالد، أفيدونا ما حكم الشرع في ذلك؟
فأجاب:
"يجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين، إذا كانوا مرشدين، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم، بل عن نفس طيبة، ليس في ذلك تهديد، ولا خوف من الوالد، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال، وأطيب للقلوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) متفق على صحته" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 452) و (20 / 51، 52) .
وإذا كان ابنك هذا فقيرا محتاجا إلى المال، فلا حرج عليك أن تساعده في النفقة، وهذا لا يحتاج إلى استئذان من إخوانه، أو طلب رضاهم، لأن من العدل بين الأولاد: أن ينفق على من يحتاج منهم إلى نفقة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10332) و (83984) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1616)
وجوب النفقة على الأولاد والأحفاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الرجل أن ينفق على أحفاده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل أن ينفق على أولاده وأحفاده.
أما الأولاد، فلقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، فأوجب أجر رضاع الولد على أبيه.
وقال النبي لهند امرأة أبي سفيان لما شكت إليه أن أبا سفيان رجل شحيح، قال: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ – يعني: من ماله - وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) .
فأوجب نفقة الولد في مال الأب.
وقال ابن المنذر رحمه الله: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. انتهى.
وفي حال وجود الأب وغناه فالنفقة واجبه عليه وحده، ولا تجب على الأم.
فإن كان الأب فقيراً أو ميتاً، فالنفقة واجبة على الأم لأولادها إذا كانت غنية وهم فقراء.
قال ابن قدامة في "المغني" (11/373) :
"فإن أعسر الأب - أي: كان فقيراً – وجبت النفقة على الأم" انتهى.
وأما الأحفاد، فتجب النفقة عليهم عند جمهور العلماء، لأن الحفيد يسمى "ابنا" و "ولداً".
قال الله تعالى: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) النساء/11.
ولفظ "الأولاد" في الآية يشمل أولاد الابن باتفاق العلماء، وهم أحفاد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ) رواه البخاري (2704) .
والحسن هو ابن بنت النبي صلى الله عليه وسلم، حفيده من جهة البنت.
فلما سُمِّي الحفيد "ولداً" و "ابنا" دخل في الأدلة الدالة على وجوب النفقة على الأولاد.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (13/498-499) في باب نفقة الأقارب:
"الأصول: مَنْ تفرعت منهم من آباء وأمهات.
والفروع: مَنْ تفرعوا منك من أبناء وبنات".
ثم قال:
"واعلم أن هذا الباب كباب تحريم النكاح، لا يفرق فيه بين جهة الأبوة وجهة الأمومة، فالأصول والفروع سواء كانوا من ذوي الأرحام، أو عصبة، أو أصحاب فروض، تجب النفقة لهم، لكن بشروط" انتهى.
ويشترط لوجوب النفقة للأحفاد أن يكونوا فقراء، وليس عندهم من المال ما يكفيهم، وأن يكون الجد غنياً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ) رواه مسلم (997) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1617)
وجوب النفقة على الآباء والأجداد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علي أن أنفق على أبي وجدي؟ مع العلم أني أنثى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الولد – ذكراً كان أو أنثى – أن ينفق على والديه إذا كانوا فقراء وهو غني، وقد دل على وجوب النفقة لهما الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23.
ومن الإحسان: الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ) رواه أبو داود (3528) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات، من جهة الأب ومن جهة الأم وهو مذهب جمهور العلماء (منهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد) ، لأن الجد يسمي "أباً"، قال الله تعالى: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) الحج/78.
وقال تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) النساء/22، والأب هنا: يشمل الأب والجد من جهة الأب ومن جهة الأم.
وقال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11، وهذا يشمل الجد والجدة.
والجدة تسمى "أماً"، قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) النساء/23، وهذا يشمل الأم والجدة باتفاق العلماء.
فإذا كان الجد يسمى "أباً"، والجدة تسمى "أمَّاً" دخلا في الأدلة الدالة على وجوب الإحسان إلى الوالدين والإنفاق عليهما.
وانظر: "المغني" (11/372) .
وقال ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (13/498-499) في باب نفقة الأقارب:
"الأصول: مَنْ تفرعت منهم من آباء وأمهات.
والفروع: مَنْ تفرعوا منك من أبناء وبنات"
ثم قال:
"واعلم أن هذا الباب كباب تحريم النكاح، لا يفرق فيه بين جهة الأبوة وجهة الأمومة، فالأصول والفروع سواء كانوا من ذوي الأرحام، أو عصبة، أو أصحاب فروض، تجب النفقة لهم، لكن بشروط" انتهى.
ويشترط لوجوب النفقة للآباء والأجداد أن يكونوا فقراء، ويكون الولد غنياً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ) رواه مسلم (997) .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " وإذا افتقر الوالدان وعند البنت مال زائد عن حاجتها فيلزمها أن تنفق على والديها قدر حاجتهما دون أن تنقص من حاجاتها " انتهى.
فعلى هذا، يلزم المرأة أن تنفق على والديها إذا كانت غنية وهم فقراء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1618)
هل تلزم النفقة للزوجة الناشز إذا كانت حاملاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خرجت زوجتي من بيتي بغير إذني وذهبت إلى بيت أهلها، وهي هناك منذ عدة شهور، وهي حامل، هل يلزمني أن أدفع نفقة الحمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه، فإن فعلت ذلك كانت ناشزاً، ولا حق لها في النفقة حتى تعود إلى طاعة زوجها.
ولكن.. يجب معرفة سبب خروجها هذه المدة الطويلة، فقد تكون فعلت ذلك فراراً من الزوج الذي يسيء عشرتها أو يضربها أو يظلمها ونحو ذلك. فيكون التقصير والاعتداء منه هو وليس منها.
ثانيا:
إذا نشزت المرأة وهي حامل، فهل يلزم الزوج نفقة الحمل، أم لا؟ فيه خلاف بين الفقهاء، وهو مبني على اختلافهم في نفقة الحامل، هل هي للحمل أم للحامل؟ وجمهور العلماء على أن الناشز الحامل لها النفقة، وهو مذهب المالكية والحنابلة، وقول للشافعية.
قال ابن قدامة رحمه الله: "هل تجب نفقة الحمل للحامل من أجل الحمل أو للحمل؟ فيه روايتان ; إحداهما: تجب للحمل، اختارها أبو بكر ; لأنها تجب بوجوده , وتسقط عند انفصاله, فدل على أنها له. والثانية: تجب لها من أجله ; لأنها تجب مع اليسار والإعسار , فكانت له كنفقة الزوجات , ولأنها لا تسقط بمضي الزمان , فأشبهت نفقتها في حياته، وللشافعي قولان , كالروايتين، وينبني على هذا الاختلاف فروع ; منها: ... إن نشزت امرأة إنسان , وهي حامل , وقلنا: النفقة للحمل لم تسقط نفقتها ; لأن نفقة ولده لا تسقط بنشوز أمه وإن قلنا: لها، فلا نفقة لها ; لأنها ناشز" انتهى من "المغني" (8/187) باختصار.
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/627) : "والنفقة على الحامل للحمل نفسه , لا لها من أجله; لأنها تجب بوجوده، وتسقط عند انقضائه ; فتجب النفقة لناشز حامل ; لأن النفقة للحمل، فلا تسقط بنشوز أمه" انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يقول:
إن النفقة للحامل من أجل الحمل.
ومنهم من يقول: إن النفقة للحمل، لا للحامل من أجله....وهذا القول الثاني أرجح، لكنه لما كان لا طريق لنا إلى إيصال النفقة إلى الحمل إلا عن طريق تغذيته بالأم، صار الإنفاق على هذه الأم من أجل الحمل.
ينبني على هذا الخلاف: لو كانت الزوجة ناشزاً وهي حامل، فهل لها نفقة؟
إن قلنا: النفقة للحمل [وهو الأرجح كما سبق] ، وجب لها النفقة، لأن الحمل ليس بناشز، وإن قلنا: إن النفقة لها، سقطت نفقتها، لأنها ناشز" انتهى باختصار من "الشرح الممتع" (13/470) .
وعلى هذا؛ فنفقة الحمل واجبة على الأب، حتى ولو كانت أمه ناشزاً.
فإذا تنازعوا في قدر هذه النفقة فيرجع في ذلك إلى القاضي، ليحسم النزاع، ويحكم بما يظهر له أنه العدل.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1619)
هل يُلزم كل من الولد والوالد بنفقة حج الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الأب نفقة حج الفريضة لولده الفقير وهل يجب على الولد نفقة حج الفريضة لأبيه الفقير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد عرضت هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بما يلي: لا يجب، لأنّ العبادات مشروطة بالاستطاعة، والاستطاعة لا تتأتّى من الغير، فلا يجب على أي من الطرفين شيء في هذا للآخر، لكن إن طلب الوالد من الولد القادر نفقة الحجّ كانت إجابته من باب البر المأمور به فيكون واجبا بهذا الاعتبار. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1620)
هل تخرج زكاتها لابنها الذي يعيش معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لامرأة أن تخرج زكاة مالها إلى ابنها البالغ 21 سنة، والذي يعيش معها، ولا يزال في دراسته، ولا يرغب في الاقتراض لإكمال دراسته؟ هو يعمل في الإجازات الأسبوعية، ولكن دخله لا يكفي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمزكي أن يدفع زكاته لمن تلزمه نفقته.
وعلى هذا، فينظر في حال هذه الأم، إن كان يلزمها شرعاً أن تنفق على ولدها فلا يجوز أن تعطيه من الزكاة، وإن كان لا يلزمها شرعاً أن تنفق عليه فلا حرج عليها من إعطائه الزكاة، بل ذلك أفضل من إعطاء شخص آخر.
ولا يجب على الأم أن تنفق على ولدها إلا إذا توفرت شروط:
1- عدم وجود الأب.
فإذا وُجد الأب، فالنفقة واجبة عليه وحده.
قال ابن قدامه في "المغني":
"يجب على الأم أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي" انتهى.
2- أن تكون الأم غنية عندها من المال ما يزيد عن حاجتها.
3- أن يكون الولد فقيراً محتاجاً إلى المال.
فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثة وجب على الأم أن تنفق على ولدها، ولا يجوز أن تعطيه من الزكاة.
فإذا كان الأب موجوداً جاز للأم أن تعطي زكاتها لولدها، لأن نفقته لا تجب عليها.
قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري":
"نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن الولد لا يُعطى من الزكاة الواجبة.
قال الحافظ: وفيه نظر، لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة مَنْ يلزم المعطي نفقته، والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود الأب" انتهى بتصرف.
وإذا كانت الأم غير قادرة على النفقة ولدها فلا حرج عليها أن تعطيه من الزكاة، لأن نفقته غير واجبة عليها في هذه الحال.
قال ابن تيمية في "الاختيارات الفقهية" (ص/104) :
" ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وإلى الولد وإن سفل، إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن نفقتهم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد" انتهى باختصار.
وقال في "مجموع الفتاوى" (25/92) :
" إذا كان – أي الولد - محتاجًا إلى النفقة، وليس لأبيه ما ينفق عليه، ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه؛ وأما إن كان مستغنيًا بنفقة أبيه فلا حاجة به إلى زكاته " انتهى.
وكذلك يجوز للأم أن تدفع زكاتها لولدها إذا كان مديناً ليسدد ديونه.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (20278) و (50739) و (85088) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1621)
نشوز الزوجة لا يسقط نفقة الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أرسلت إليكم السؤال رقم (106150) المتعلق بطلاق زوجتي، وتفضلتم بالإجابة علي، ولكن بقي عندي إشكال وهو: أني لا أتذكر بالضبط إذا كانت نيتي عامة أم على بيتي في منتريال وفي العموم أنا أستخدم هذا للتخويف لأنه يجدي معها في كثير من الأحيان ولا أريد الطلاق، وإذا كنت أريد الطلاق لأوقعته عليها عندما تعصيني وتخرج من البيت بدون إذني، ولا داعي لتعليق الطلاق. ولكن تحدث لي وسوسة ولا أتذكر النية في حالة معينة كما هو في السؤال، ويبدو من سؤالي أنه ليس في نيتي الطلاق في كل حال، والله أعلم. وادعوا الله لي أن يعصم لساني من مثل هذه التعليقات. وماذا عن نفقة الأولاد الذين هم معها الآن وماذا عن نفقة الحمل الذي في بطنها؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا لم تكن نيتك الطلاق في الأصل، أي تكلمت بهذا الكلام وأنت تريد مجرد التهديد والتخويف ولا تريد إيقاع الطلاق في حال مخالفتها، فإن الطلاق لا يقع في حال خروجها بدون إذنك في منتريال أو في بلدها، ويلزمك كفارة يمين فقط.
ثانيا:
نفقة الأولاد واجبة على الأب، ولو كانت المرأة ناشزاً، أو طلقت، وكذلك نفقة الحمل.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (3/231) : "والنفقة على الحامل للحمل نفسه ; لأنها من أجله فتجب بوجوده، وتسقط عند انقضائه ... فلو مات ببطنها انقطعت ; لأنها [أي: النفقة] لا تجب لميت، فتجب النفقة لناشز حامل ; لأن النفقة للحمل، فلا تسقط بنشوز أمه" انتهى بتصرف.
ونسأل الله تعالى أن يحفظ لسانك، ويوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(6/1622)
هل يجب على الأخ أن ينفق على أخته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الأخ الإنفاق على أخته؟ وهل يجوز عليها زكاة مال أخيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الأخ أن ينفق على أخته إذا كانت فقيرة، وهو غني، وكان يرثها إذا ماتت، فإن كان لا يرثها لوجود ابن لها أو لوجود الأب أو الجد (أبو الأب) ، لم تلزمه نفقتها، ويجوز أن يعطيها زكاة ماله حينئذ.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/169) : " ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط: أحدها: أن يكونوا فقراء , لا مال لهم , ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم , فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به , فلا نفقة لهم.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم , فاضلا عن نفقة نفسه , إما من ماله , وإما من كسبه. فأما من لا يفضل عنه شيء , فليس عليه شيء ; لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم فقيرا , فليبدأ بنفسه , فإن فضل , فعلى عياله , فإن كان فضل , فعلى قرابته) .
الثالث: أن يكون المنفق وارثا ; لقول الله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) . ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس , فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم , فإن لم يكن وارثا , لم تجب عليه النفقة" انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (13/503) :
"القاعدة عندنا: أنه يشترط أن يكون المنفق وارثاً للمنفق عليه، إلا عمودي النسب [الأصول والفروع] فلا يشترط الإرث " انتهى.
وعلى هذا؛ فإذا كان الأخ يجب عليه أن ينفق على أخته فلا يجوز أن يدفع زكاة ماله إليها.
وإذا كان لا يجب عليه أن ينفق عليها، جاز له أن يدفع زكاة ماله إليها، بل ذلك أفضل من دفعها إلى غيرها ممن ليس من أقاربه، لأنه بذلك ينال ثواب الصدقة وصلة الرحم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1623)
عليها دين لجدتها فهل يجوز أن تنفق على علاجها منه
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتي أقرضتني مبلغا من المال وبعدها مرضت وشلت شللا نصفيا، وهي بحاجة لنفقة من لباس وحفاظات وغيرها، هل أستطيع إرجاع المال لها بالتكلف بكل ما يلزمها من أطباء وحفاظات وغيرها، وأكون قد رددت لها دينها هكذا، وأمي تقوم بالإدارة عليها هل لي أن أعطيها من فلوس جدتي على أنها مديرة لها، وأحسبه من الدين؟ وشكرا لكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أقرض الإنسان غيره قرضا، فليس له أن يأخذ منه - قبل سداد الدين - هديةً أو يقبل منه نفعا، إلا في حالات ثلاث:
1- أن يكون مما جرت به عادتهما قبل القرض.
2- أن يأخذ الهدية بنية رد مثلها.
3- أن يأخذها ويحتسبها من دينه.
فلو أن لجدتك ألف ريال مثلا، وقدمتِ لها شيئا ب 100 ريال، ولم تكن هذه عادتك من قبل معها، فليس لها أن تأخذها منك إلا بنية أن ترد هدية مثلها، أو أن تحتسبها من الدين، فيصبح الدين الذي لها 900 ريال فقط.
قال في زاد المستقنع: " وإن تبرع لمقرضه قبل وفائه بشيء لم تجر عادته به، لم يجز، إلا أن ينوي [أي المقرض] مكافأته [أي رد مثله] أو احتسابه من دينه] .
وقال في "كشاف القناع" (3/318) : " (وإن فعل) المقترض شيئا (مما فيه نفعٌ) للمقرض من هدية ونحوها (قبل الوفاء لم يجز) كما تقدم (ما لم ينو) المقرضُ (احتسابه من دينه , أو مكافأته عليه) أي: ما فعله مما فيه نفع فيجوز، نص عليه (إلا أن تكون العادة جارية بينهما) أي: بين المقرض والمقترض (به) أي: بما ذكر من الإهداء ونحوه (قبل القرض) فإن كانت جارية به جاز؛ لحديث أنس مرفوعا قال: إذا أقرض أحدكم قرضا , فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله , إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك رواه ابن ماجه بسند فيه كلام " انتهى.
ثانيا:
إذا كانت جدتك لا تعلم أنه يلزمها الامتناع عن قبول هديتك ونفقتك، أو كانت تظن أن ما تقومين به هو من الإحسان وصلة الرحم، فليس لك أن تحسبي هذه النفقة من الدين من دون علمها، بل لا بد من إخبارها واستئذانها، فإن أذنت ووكلتك في شراء ما تحتاجه فلا بأس، وإن لم تأذن فالدين باق كما هو، وأنت مخيرة بين الإحسان إليها أو ترك ذلك.
وينبغي أن تعلمي أنه ليس من مكارم الأخلاق أن يبدو الإنسان في صورة المتبرع المحسن، وهو إنما ينفق من مال المتبرع له، كما أن هذا العمل في نوع خداع وتغرير، فقد لا ترضى الجدة بدفع مالها في نفقات العلاج، وقد تختار التقليل من مراجعة الأطباء، وإيثار الاحتفاظ بالمال.
فالصواب، والأحوط لك، أن تردي مالها إليها، لا سيما وهي في هذه الحالة التي تحتاج فيها إلى المال والنفقة، فإن عجزت عن ذلك، أو كان الدين كبيرا، فيمكنك أن ترديه على دفعات، لتفعل به ما تشاء، أو أن تستأذنيها في الصرف عليها منه.
على أننا ننبهك هنا ـ أيتها السائلة الكريمة ـ إلى أن نفقة الجدة، إن لم يكن لها مال يكفي حاجتها، واجبة على القادر من أحفادها، إن لم يكن لها من هو أقرب نسبا إليها منهم، أو كان لها أقرب نسبا، لكنه فقير يعجز عن نفقتها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن علوا وولد الولد وإن سفلوا وبذلك قال الشافعي والثوري وأصحاب الرأي ".
ثم قال: " ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط أحدها: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، ...
الثاني: أن تكون لمن تجب عليه النفقة، ما ينفق عليهم، فاضلا عن نفقة نفسه ...
الثالث: أن يكون المنفق وارثا، لقول الله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) البقرة /233
ثم ذكر أن للقرابة التي لا ترث أحوال، يعنينا منها هنا:
" أن يكون القريب محجوبا عن الميراث بمن هو أقرب منه، فينظر: فإن كان الأقرب موسرا، فالنفقة عليه، ولا شيء على المحجوب به، لأن الأقرب أولى بالميراث منه، فيكون أولى بالإنفاق، وإن كان الأقرب معسرا، وكان من ينفق عليه من عمودي النسب [يعني: الأصول والفروع] : وجبت نفقته على الموسر " انتهى.
انظر: المغني، لابن قدامة (11/374-376) ط هجر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الاسلام سؤال وجواب(6/1624)
تقتني الأثاث قبل الزواج فهل يجوز ذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد دأبت الفتيات في مجتمعنا ـ ومنذ حصول إحداهن على عمل أو كانت من عائلة ميسورة ـ دأبن على تجهيز أنفسهن باقتناء المفروشات وهو عبارة عن كل ما يحتاجه البيت من أغطية وسجاجيد وأيضا أواني الطبخ وآلات كهربائية إلخ.....علما بأن ذلك يحدث دون أن يكون قد تقدم لإحداهن عريس ولكنهن يفعلن ذلك من باب العادة والحث من قبل الأم والقريبات وكانت نفسي تأبى ذلك ولكن لم تكن لدي معلومات دينية عن ذلك ومن خلال متابعتي للبرامج الدينية سمعت من بعض الشيوخ قال كلاما استراحت له نفسي لقد قال: كيف تفعل الفتيات ذلك وإحداهن لا تعلم إن كانت ستعيش أم لا؟ وإذا عاشت فهي ليست بضامنة إن كانت ستتزوج أم لا؟ لأن الزواج رزق من عند الله يرزق به من يشاء من عباده، فكيف تجهز الفتيات أنفسهن لشيء في علم الله وحده لا يعلم حدوثه من عدمه إلا هو سبحانه وتعالى، وكيف يشجع الأهل بناتهم على ذلك؟ وكنت اشتريت بعض الأشياء إثر إلحاح زوجة عمي والتي أحترمها كثيرا ثم توقفت، فما حكم هذه الأشياء؟ وماذا أفعل فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
اقتناء ما قد يحتاجه الإنسان في حياته جائز، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله قوت سنتهم، من تمر وغيره، ففي صحيح البخاري (5357) عن عمر رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (9/503) : "التقييد بالسنة إنما جاء من ضرورة الواقع، لأن الذي كان يُدَّخَر لم يكن يحصل إلا من السنة إلى السنة، لأنه كان إما تمرا وإما شعيرا، فلو قُدِّر أن شيئا مما يُدَّخَر كان لا يحصل إلا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادخار لأجل ذلك. والله أعلم" انتهى.
ولكن ينبغي للمسلم أن لا يتوسع في النفقات، فلا يشتري من الأثاث ما لا يحتاج إليه، فقد روى مسلم (2084) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم": "قال العلماء: معناه: أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويوسوس به ويحسنه ويساعد عليه، وقيل: إنه على ظاهره، وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل، كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله تعالى صاحبه عند دخوله عَشاءً، وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به، لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه وغير ذلك" انتهى.
فلا حرج على المسلم في ادخار ما يحتاج إليه من طعام أو أثاث أو غير ذلك، ما لم يصل إلى حد الإسراف، وتضييع الأموال.
وأما كون المسلم قد يموت ولا ينتفع بما اشتراه، فإن هذا لا يضره، فيستنفع به غيره من ورثته، وهو صدقة على الوارث، لا سيما إذا كانوا محتاجين.
وأما كون المرأة قد لا تتزوج فإن هذا من سوء الظن الذي لا يليق بالمسلم، فعلى العبد أن يحسن ظنه بالله تعالى، وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) رواه البخاري (6856) ومسلم (4832) .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين على الله، وسيد الزهاد في الدنيا وأفضلهم، ومع ذلك كان يدخر قوت أهله سنة، كما سبق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1625)
نفقة الزوجة هل تلزم بالعقد أو بالتمكين
[السُّؤَالُ]
ـ[سوف أعقد قراني على بنت عمي هذا الصيف وبعد سنة سوف أدخل بها. هل علي لها نفقة قبل الدخلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نفقة الزوجة واجبة على زوجها بالمعروف؛ لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/7، وقوله: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه مسلم (1218) .
وقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364) ومسلم (3233) .
وهذه النفقة تجب إذا استلم الزوج زوجته، لا بمجرد العقد، في قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
فإذا سلمت المرأة نفسها ومكنت زوجها من الاستمتاع بها، وجبت النفقة.
وكذلك لو بذلت نفسها، وكان التأخير من الزوج، فإنه تلزمه النفقة، كما لو عقد عليها، وقالت أو قال أهلها: متى ما شئت أن تأخذها فخذها، لكنه أخر الدخول لسبب من جهته، فتلزمه النفقة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وجملة الأمر: أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج , على الوجه الواجب عليها , فلها عليه جميع حاجتها ; من مأكول , ومشروب , وملبوس , ومسكن" انتهى.
وقال في "روض الطالب" مع شرحه "أسنى المطالب" (3/432) : " لا تجب النفقة بالعقد بل بالتمكين " انتهى.
وقال الحجاوي في "زاد المستقنع": " ومن تسلّم زوجته، أو بذلت نفسها، ومثلها يوطأ، وجبت نفقتها ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " وقوله: " أو بذلت نفسها " يعني قالت: لا مانع لدينا من الدخول، ولكن الزوج قال: أنا لا أريدها الآن، عندي اختبارات لمدة شهر، وسآخذها بعد هذا الشهر، فمدة هذا الشهر تجب فيه النفقة على الزوج؛ لأن الامتناع من قِبله " انتهى من "الشرح الممتع" (13/487) .
وبناء على ذلك؛ فإذا كان اتفاقك معهم على أن الدخول سوف يكون بعد سنة، فلا تجب عليك نفقتها في هذه السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1626)
مشكلة في النفقة بينه وبين زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ سنتين ولدي طفلة ولله الحمد، ومشكلتي الأساسية مع زوجتي هي في المصروف، وأريد الإنصاف منكم حتى لا أظلمها أو أظلم نفسي؟ أنا موظف، وراتبي 8360 ريالا، وزوجتي موظفة وراتبها 1880 ريالا. طبعا أخذت عهدا مع نفسي أن أوفر 3000 من راتبي كل شهر لتأمين المستقبل بعد الله من منزل وخلافه , وأصرف الباقي (5360) ، ولا يتبقى منه شيء غالبا، نحن من أوساط الناس , وأتكفل بمصروف البيت ومصروف ابنتي، زوجتي فقط متكلفة بمصروفها الشخصي من ملابس وهدايا لها ولأهلها، ولا يلبث أن يمضي أسبوعان بعد الراتب إلا وهو منتهٍ، وأعطيها فوق الراتب، مع أنه من المفروض أن يكفيها راتبها إلى نهاية الشهر، بحكم عدم التزامها بأية مصاريف في البيت. ابنتي الصغيرة تتطلب حضانة، نظرا لانشغال والدتها بالعمل صباحا، والحضانة تطلب حدود 500 ريال شهريا , هل من الواجب علي دفع هذا المبلغ أم والدتها؟ وإذا كان واجبا علي دفع المبلغ، هل يجب علي أن أعطي والدتها مصروفا شهريا بالإضافة إلى راتبها من غير مصاريف البيت؟ وعلى افتراض أن الزوجة استقالت من عملها، وجلست بالبيت، كم يجب علي إعطاؤها مصروفا شخصيا شهريا، متضمن الملابس والهدايا، مع العلم أن بإمكانها إنفاق من 1000 – 4000 شهريا لو فتح الأمر؟ أرجو منكم الإجابة بالأرقام لكي يتضح الأمر]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
النفقة على الزوجة من الواجبات المترتبة على النكاح باتفاق أهل العلم، وهي من المعروف الذي ينبغي بذله، ومن الإحسان الذي أمر الله سبحانه وتعالى به.
يقول الله عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
ويقول سبحانه: (ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) الطلاق/7.
ويقول عز من قائل: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233.
وللمنفق عند الله الأجر العظيم والثواب الجزيل أن كفى أهله وأولاده حاجاتهم وقام على رعايتهم وأحسن إليهم.
وانظر جواب السؤال رقم: (22063) .
ثانيا:
يجب على الزوجة طاعة زوجها، والقيام على شؤون بيته وأبنائه بالتربية والرعاية، وهذا من حقوق الزوج عليها، يجب عليها أداؤه لزوجها بالمعروف، فإن أخلَّت به - بحكم عملها خارج المنزل ووظيفتها - فحينئذ تنبني بعض الأحكام الشرعية المهمة:
1- إن كانت اشترطت على زوجها حين العقد الاحتفاظ بعملها، والسماح لها بالخروج إليه، ووافق على ذلك، فلا حرج عليها حينئذ من الخروج لعملها، ومالُها الذي تكتسبه من وظيفتها حقٌّ خالصٌ لها، لا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا منه بغير رضاها، ولها أن تنفق منه كما تشاء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (4037) ، (21684)
وتبقى نفقتها واجبة على الزوج، يتكفل بتدبير معاشها من مأكل ومسكن وملبس بالمعروف.
وهو حين رضي بعملها يدرك أنه سيضطر إلى اللجوء إلى الحضانات المتخصصة لرعاية أبنائه وأطفاله في وقت عملها، وأنه سيترتب عليه مزيد نفقة وكلفة مالية، والمسلمون عند شروطهم.
2- أما إن لم تكن شرطت عليه في العقد الاحتفاظ بعملها، فله أن يمنعها من الخروج، ولا يجوز لها أن ترفض قراره، فإن رفضت فقد نشزت عن طاعته وسقط حقها في النفقة، وله أيضا أن يشترط عليها إن خرجت إلى عملها أن تتكفل بمصاريف الحضانة أو المساعدة في مصاريف المنزل أو تنفق على نفسها من راتبها، ويجب عليها أن تلتزم بشرطه إن أصرت على الخروج.
وفي كتاب "البحر الرائق" (4/212) :
" وللزوج أن يمنع القابلة والغاسلة من الخروج؛ لأن في الخروج إضرارا به، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب؛ لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه " انتهى باختصار.
ثالثا:
أما تقدير النفقة فضابطه: " الكفاية "، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) البخاري (5364) ومسلم (1714) .
ويراعى في ذلك حال الزوج من غنى أو فقر، لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) الطلاق/7.
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (41/39) .
والكفاية تتفاوت من بلد لآخر، ومن زمان لزمان، لكن تقديرها بالضبط يرجع إلى أهل الخبرة ومتوسط حال الناس، فإن تنازع الزوجان فيها فللقاضي الفصل بينهما بتحديد المبلغ الذي يسد الكفاية.
والمعتبر في " الكفاية " هو الطعام والسكن بمرافقه واللباس والعلاج، ولا يعتبر ما يزيد عن ذلك من المصاريف الزائدة من هدايا وكماليات، ولا يجب دفع مصروف للزوجة.
ولا نستطيع تحديد مبلغ معين، فإما أن يتفق الزوجان على مبلغ ما، وإما أن ترفع القضية إلى القاضي ليحدد هو ما يراه مناسبا.
غير أننا نحثك وننصحك بالتسامح والمعاملة بالمعروف، دون اللجوء إلى المحاسبة والمساءلة على الريال والريالين، بل ليكن السخاء والجود هديك وخلقك، فأنت تنفق على أهلك وولدك وهم أقرب الناس إليك، ولا يلجئك التوفير إلى التضييق عليهم أو إيقاع الشقاق بينك وبينهم، فسعادة المنزل أولى من التوفير لتأمين المستقبل المجهول، ولعل كسبك ود زوجتك بإكرامها والتسامح معها يذكرها هي أيضا بضرورة مبادلتك الإحسان إحسانا، فيعود ذلك عليك سعادة وطمأنينة في بيتك، ورضا واقتصادا في نفقتك.
وانظر جواب السؤال رقم (3054) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1627)
أهلها كفار وهجرها زوجها وهي حامل فلم ينفق عليها!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى سؤال يتعلق بقضية شائعة، ما هي مسئولية المجتمع عندما يعلم بقيام زوج بهجر زوجته الحامل تماما، فهو لا يقوم بإعالة زوجته ماديّاً على الإطلاق، وليس هناك وكيل للزوجة؛ لأنها تنحدر من أسرة كافرة، فهل يجوز للمجتمع الذي ينتمي إليه كلا من الزوج والزوجة عند علمه بتلك الظروف أن يدير رأسه ويقول ليس بوسعنا القيام بشيء لأننا نعيش ببلد كافر؟ فقد سمعت بمجتمعات تقوم بإبعاد المسلمين الذين يداومون على ارتكاب المعاصي والابتعاد عنهم، أليست هي مسئولية الأمة أيضا أن تحمل الرجال (الحافظين والعائلين) مسئولية تصرفاتهم عندما يذنبون أو يظلمون نساءهم وأطفالهم؟ ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها، وما الذي يجب القيام به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نأسف أن يوجد في المسلمين من لا يتخلق بأخلاق الإسلام، ونأسف أن يكون هؤلاء في دول الكفر، فتتعدى إساءتهم إلى أن تصل للإسلام نفسه، ورحم الله من مات من تجار المسلمين، والذين أدخلوا بأخلاقهم الإسلامية العالية أمماً في الإسلام، فكانوا أنموذجاً يُفتخر به في التاريخ.
وما أكثر المسلمين اليوم في دول الكفر، ولو أن كل واحد من هؤلاء كان يحمل الإسلام بتعاليمه الصحيحة، وكان أنموذجاً للمسلم التقي النقي: لرأيت تحولاً عظيماً في الأرض، فلو أدخل كل واحد من أولئك المسلمين شخصاً واحداً في الإسلام كل عام: لرأيت أثر ذلك على الأرض بما لم يُسمع به في تاريخ الأديان، ولكن أنَّى ذلك وهم يجهلون تعاليم الإسلام نظراً، ومَن عَلِمَها منهم فإنه لا يقوم به عملاً، إلا من رحم الله منهم.
والزوج المسلم بدلاً من أن يكون متصفاً بالأخلاق الإسلامية العالية، ويكون سبباً في دخول زوجته وأسرتها في الإسلام: أصبح كثير منهم منفِّراً عن الإسلام بأخلاقه وسلوكه، فمنهم من يتزوج بنية الطلاق، حتى إذا شبع منها وانتهت دراسته ألقى زوجته، ومنهم من يتزوج بقصد الحصول على إقامة أو منحة دراسية، فإذا حصَّل ذلك هجرها، وأما عن معاملاتهم لزوجاتهم فحدِّث عن ذلك ولا حرج، وليته كان زوجاً صالحاً، يقوم بما أوجبه الله عليه من الفرائض، ويتخلق بأخلاق الإسلام: إذاً لكان خيراً له دنيا وأخرى.
ثانياً:
وإن مِن أعظم حقوق الزوجة على زوجها النفقة عليها، وبذلك استحق القوامة.
قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ 34.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
يعني بقوله جل ثناؤه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) : الرجال، أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم.
(بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ، ولذلك صارُوا قُوّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن.
" تفسير الطبري " (8 / 290) .
وعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ.
رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال ابن رشد القرطبي - رحمه الله -:
واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج: النفقة، والكسوة؛ لقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) الآية؛ ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ؛ ولقوله لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فأما النفقة: فاتفقوا على وجوبها.
" بداية المجتهد ونهاية المقتصد " (2 / 44) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (16 / 274) :
تجب النّفقة والسّكنى للحامل المطلّقة طلاقا رجعيّا أو بائنا حتّى تضع حملها، وذلك باتّفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .
انتهى
والزوجة الحامل تتأكد نفقتها على زوجها حتى لو طلقها! فكيف وهي زوجة لم تُطلَّق؟! .
قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ 6.
بل حتى لو أبرأت زوجها من حقوقها ثم تبين حملها: فإن الإنفاق عليها لا يدخل في الإبراء!
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
في امرأة طلَّقها زوجها ثلاثاً، وأبرأت الزوج من حقوق الزوجة قبل عِلمها بالحمل، فلما بانَ الحمل: طالبت الزوج بفرض الحمل، فهل يجوز لها ذلك أم لا؟ .
فأجاب:
إذا كان الأمر كما ذكر: لم تدخل نفقة الحمل في الإبراء، وكان لها أن تطلب نفقة الحمل.
" مجموع الفتاوى " (32 / 361) .
وعليه: فإن للزوجة حق النفقة على زوجها، لها ولحملها، وما تنفقه على نفسها أثناء قطع زوجها النفقة عليها: يبقى دينا في ذمته، وعلى من بيده الأمر أن يجبره على دفع المال لزوجته بما أنفقته وبما يأتي، ويجوز لمن تمكَّن من ماله أن يأخذه منه للنفقة ولو من غير إذنه أو من غير اختياره؛ لأن هذا حق زوجته في ماله، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للزوجة أن تأخذ من مال لزوجها دون علمه للإنفاق على نفسها وعلى أولادها.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) .
رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
ثالثاً:
هجر هذا الزوج لزوجته لا يُعرف سببه، والهجر مشروع إذا وُجدت أسبابه من المرأة كفعل معصية أو ترك واجب، أو لنشوزها على زوجها، على أن يكون الهجر بعد وعظها وتذكيرها بحكم فعلها.
قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/ من الآية 34.
ومن العلماء من يرى أن الهجر لا يكون بخروجه من البيت، بل يهجر في المضجع، وقد سبق الدليل على ذلك من حديث معاوية القشيري، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بخروجه من البيت، وذلك يختلف تبعاً لما يراه الزوج مؤثراً في زوجته.
وقد نقل الخلاف في هذه المسألة: الحافظ ابن حجر رحمه الله، ثم قال:
والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، فربما كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها، وبالعكس، بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم للنفوس، وخصوصا النساء لضعف نفوسهن.
" فتح الباري " (9 / 301) .
وفي كل الأحوال: لا يقطع الزوج النفقة عنها وهي في بيته تمكنه من نفسها، أما إن نشزت وخرجت من بيته، فتلك التي لا تستحق النفقة، وأما ما في بطنها من حمل فإن له نفقة على أبيه، ولو كانت الزوجة ناشزا؛ لأن نفقة الحامل لحملها لا لها، وهو قول المالكية، وقول عند الشافعية، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، كما في " الموسوعة الفقهية " (16 / 274) .
وها نحن بينَّا للناس جميعاً أن الشرع قد كفل حق الزوجة، وأمر زوجها بمعاشرتها بالمعروف، وأنها إن قصرت في واجب، أو فعلت معصية: فإن زوجها يعظها قبل أن يهجرها، وأنه لو هجرها فلا يحل له ترك النفقة عليها، إلا أن تنشز وتخرج من بيته، وإن كانت حاملاً وهي في بيت الزوجية فتتأكد نفقتها، وإن كانت في غير بيته لنشوزها فلا تنقطع نفقة ما في بطنها.
وعلى من قدر أن يكلم الزوج وينصحه أن لا يقصِّر في ذلك، ويطالب الزوج إما بإمساكها بمعروف، أو تسريحها بإحسان، ولا يحل له أن يجعلها معلَّقة، لا هي متزوجة ولا هي مطلَّقة.
ويجب في ماله نفقة زوجته، ولو أخذ المال منه بالإجبار والإكراه، فتؤخذ النفقة التي بذلتها الزوجة من وقت قطعها عنها، ويلزم بالاستمرار في الإنفاق عليها.
ولا يحل لأحدٍ يستطيع وضع الأمور في نصابها أن يتخلى عن الزوجة، وبما أن أهلها من الكفار: فإنه يتحتم على المسلمين حولها الاهتمام بها أكثر، حفاظاً على دينها، ونصرة للمظلوم.
إن اهتمام المجتمع بأزمة المأزوم، وحاجة المحتاج، وشكوى المضطر، ليس جزءا كماليا، إن قام به فقد أحسن صنعا، وإن لم يقم لم يستحق اللوم؛ بل إنه جزء من حقيقة إسلام المسلم، وصبغة المجتمع السليم في الإسلام. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: الَّذِي يَظْهَر أَنَّ التَّرَاحُم وَالتَّوَادُد وَالتَّعَاطُف وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَة فِي الْمَعْنَى لَكِنْ بَيْنَهَا فَرْق لَطِيف , فَأَمَّا التَّرَاحُم فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَرْحَم بَعْضهمْ بَعْضًا بِأُخُوَّةِ الْإِيمَان لَا بِسَبَبِ شَيْء آخَر , وَأَمَّا التَّوَادُد فَالْمُرَاد بِهِ التَّوَاصُل الْجَالِب الْمَحَبَّة كَالتَّزَاوُرِ وَالتَّهَادِي , وَأَمَّا التَّعَاطُف فَالْمُرَاد بِهِ إِعَانَة بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَا يَعْطِف الثَّوْب عَلَيْهِ لِيُقَوِّيَهُ اهـ مُلَخَّصًا.
وقَوْله: (كَمَثَلِ الْجَسَد) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع أَعْضَائِهِ , وَوَجْه التَّشْبِيه فِيهِ التَّوَافُق فِي التَّعَب وَالرَّاحَة.
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: شَبَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَان بِالْجَسَدِ وَأَهْله بِالْأَعْضَاءِ , لِأَنَّ الْإِيمَان أَصْل وَفُرُوعه التَّكَالِيف , فَإِذَا أَخَلَّ الْمَرْء بِشَيْءٍ مِنْ التَّكَالِيف شَانَ ذَلِكَ الْإِخْلَالُ الْأَصْلَ , وَكَذَلِكَ الْجَسَد أَصْل كَالشَّجَرَةِ وَأَعْضَاؤُهُ كَالْأَغْصَانِ , فَإِذَا اِشْتَكَى عُضْو مِنْ الْأَعْضَاء اِشْتَكَتْ الْأَعْضَاء كُلّهَا كَالشَّجَرَةِ إِذَا ضُرِبَ غُصْن مِنْ أَغْصَانهَا اِهْتَزَّتْ الْأَغْصَان كُلّهَا بِالتَّحَرُّكِ وَالِاضْطِرَاب. " انتهى من فتح الباري.
إن إعالة الفقير والمسكين وذي الحاجة، هي حصة أساسية في مال المسلم، وهي فريضة واجبة على المجمتع الذي يعيش فيه. قال الله تعالى، في صفات المؤمنين التي مدحهم بها:
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} .
وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) رواه البخاري في الأدب المفرد (112) وصححه الألباني.
فنسأل الله تعالى أن يهديه لما فيه صلاحه وصلاح بيته، وأن يصبر الأخت على ما ابتلاها ربها بها، ولتبشر بالأجور الوافرة إن هي صبرت واحتسبت مصيبتها، ولتدع ربها تعالى أن يفرج عنها، وأن يختار لها الأصلح لدينها ودنياها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1628)
زكاة الفطر عن الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة، فهل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زكاة الفطر تجب على الإنسان، وعلى من تلزمه نفقته، كالزوجة، والابن، وغيرهما؛ لما روى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) ، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم.
انظر: "المجموع" (6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" (2 / 771) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 367) .
ثانياً:
المرأة إذا طُلقت طلاقاً رجعياً، فهي في حكم الزوجات لها ما لهن من النفقة والسكنى، ما دامت في العدة، والفطرة تتبع النفقة، فما دام أن نفقة الرجعية على الزوج، فكذلك الفطرة عليه.
قال النووي في " المجموع " (6 / 74) : " قَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا " انتهى.
وقال ابن يوسف المواق من المالكية في " التاج والإكليل " (3 / 265) : " لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا " انتهى بتصرف.
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج لا يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته، بل ذلك واجب عليها هي، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين، وانظر جواب السؤال (99353) .
وينبغي للزوج أن يأخذ بالأحوط والأبرأ لذمته، فيخرج زكاة الفطر عن مطلقته الرجعية، ولا سيما وزكاة الفطر شيء يسير، لا يشق على الزوج إخراجه في الغالب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1629)
تدهورت صحته وساءت أحواله المادية ويريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من اكتئاب شديد؛ فقد كنت أتمتع بصحة جيدة، وحياة مستقرة، ولكن فجأة تغير كل شيء؛ فأنا الآن مريض، وليس لدي عمل جيد، وقد كنت أعتني بوالدَيَّ جيدا، ولكني الآن لا أستطيع أن أرسل إليهم أية أموال، وقد شرع والدي المسن في القيام بعمل شاق حتى يحصل على الرزق!! صدقني يا أخي؛ فلدي مخاوف عديدة من الناحية الصحية الآن، وأنا متأكد من أن صحتي ليست على ما يرام، ولكن قبل أن أذهب للطبيب أود أن أدعو الله أن يحفظني من الأمراض الخطيرة. وعموما، فإنني أفقد كل شيء، وأمر بوقت عصيب؛ فرجاء أمدوني ببعض النصائح الإسلامية التي من الممكن أن تساعدني في التغلب على مشكلاتي. أنا أداوم على استغفار الله عن ذنوبي وأخطائي، جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يذهب عنك أخي السائل ما تجده من مرض، ويوسع عليك ما أنت فيه من الضيق، ويبدلك من همك وغمك فرحا ونعيما وسرورا وقرة عين!!
وقد أحسنت غاية الإحسان في مداومتك على الاستغفار، فإنه من أعظم الأسباب لجلب المحبوب ودفع المكروه، كما قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح /10-12
ونحن نوصيك بجملة من الوصايا:
أولها: التوجه إلى الله تعالى والتضرع بين يديه سبحانه ليرفع عنك ما نزل بك من مكروه فهو سبحانه وحده القادر على ذلك، كما قال جل شأنه: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ) الأنعام/17، والدعاء شأنه عظيم وربما كانت المصائب سبباً لفتح باب المناجاة بين العبد وربه، حتى إن العبد ربما استغرق في مناجاته لربه، وأنس بها، وذاق حلاوتها، حتى نسي كل ما يجده من الآلام، وهذا من لطف الله الخفي بعبده، وهو الرحيم الودود سبحانه.
ثانيها: أحسن الظن بربك سبحانه، فهو أهل لكل جميل، وبدلا من أن تتوقع الشر، وتنتظر البلاء، علق رجاءك بربك أن يلطف بك، ويصلح شأنك. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) واللفظ له.
وإذا كنت قد ذكرت أنك تكثر الاستغفار من ذنوبك وأخطائك، فننبهك إلى أن من هذه الأخطاء التي تحتاج إلى الاستغفار والتوبة منها: ظن السوء برب العالمين، الرحيم الودود.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فمثل هذه الحال تعرض لمن تعرض له، فيبقى فيه نوع مغاضبة للقدر ومعارضة له، فى خلقه وأمره، ووساوس فى حكمته ورحمته، فيحتاج العبد أن ينفى عنه شيئين: الآراء الفاسدة، والآهواء الفاسدة؛ فيعلم أن الحكمة والعدل فيما اقتضاه علمه وحكمته، لا فيما اقتضاه علم العبد وحكمته، ويكون هواه تبعا لما أمرالله به، فلا يكون له مع أمر الله وحكمه هوى يخالف ذلك " انتهى، مجموع الفتاوى (10/288) .
ثالثها: الأخذ بالأسباب المادية لدفع ما تعانيه، فتتداوى من المرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) رواه أبو داود (3874) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1633) .
وتحاول دفع الاكتئاب عن نفسك بشغلها بما ينفعك من أمر الدين والدنيا؛ فنظم أوقاتك وحاول ملأها بالنافع، بجعل جزءٍ من وقتك للبحث عن الرزق، وآخر لممارسة الرياضة، وثالث للمطالعة والقراءة، ورابع لحضور مجالس الذكر والعلم، وهكذا.
رابعها: نقول: لا تحمل هم الرزق، فإن الله عز وجل قد قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فليس همك بمغير شيئاً من أقدار الله، وما قد كتبه الله لك سيأتيك، وما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب المباحة شرعاً، والتي في مقدورك القيام بها؛ وتذكر دائماً قول الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6) ، وقوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذريات:22) وقوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق:2-3) خامساً: نوصيك بأن تنظر إلى من هو دونك، فقلب بصرك وبصيرتك في أحوال المصابين لترى قدر نعمة الله عليك، إذ لو فعلت ذلك فإنك ستعلم أنك مهما أصبت فإنك في عافية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَلَيْكُمْ)
رواه البخاري (6490) ومسلم (2963) واللفظ له.
سادساً: نقول لك أيها الأخ الكريم: لقد أحسنت غاية الإحسان باعتنائك بوالديك والإحسان إليهما، وهذا من حقهما عليك، والله لا يضيع أجر المحسنين، وإن عجزت عن نفقتهما في حال مرضك أو ضيق رزقك، فليس عليك في ذلك حرج، والله عز وجل سيأجرك بنيتك، وسيديم عليك ـ في أثناء مرضك ـ أجر العمل الذي كنت تعمله حال الصحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) ، رواه البخاري (2996)
وعليك أن تبر والديك الآن بما تقدر عليه، ولا تحقرن من المعروف شيئا، فإن لم تجد فداوم الاتصال بهما، والاعتناء بشأنهما، واعتذر لهما بما أنت فيه من الحال.
والوالد سيجعل الله له فرجاً وسيتولى عونه فأكثر من الدعاء له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1630)
والده يرفض تزويجه إلا بعد إكمال الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 20 عاما أعمل وأدرس وحالتي المادية جيدة جدا والحمد لله وأريد الزواج ولكن والدي لا يريد مني أن أتزوج بحجة إكمال الدراسة ولا أدري ما أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يستحب التعجيل بالزواج لمن كان قادرا عليه؛ لقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) النور/32.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذا أمر بالتزويج، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من قدر عليه. واحتجوا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود.
وقد جاء في السنن من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا توالدوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) .
الأيامى: جمع أيِّم، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها، وللرجل الذي لا زوجة له، سواء كان قد تزوج ثم فارق أو لم يتزوج واحد منهما " انتهى بتصرف.
ثانياً:
ينبغي للولد أن يصارح أباه برغبته في الزواج، وينبغي للأب أن يقدّر ذلك، وأن يعين ابنه عليه، بل ذهب كثير من الفقهاء إلى أن ذلك واجب عليه عند القدرة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته، وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي " انتهى من "المغني" (8/172) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم: إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له: تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/410) .
ومن الأخطاء الشائعة: إعراض الأب عن الاستماع إلى ابنه في هذه القضية، وتجاهله لحاجة الولد، وقد تكون حاجته إلى الزواج ملحّة، مما يترتب على تأخير زواجه وقوعه في نوع من الانحراف، ومعلوم أن الناس يتفاوتون في هذه الحاجة، وفي مدى ضبط النفس تجاهها، وقد يأثم الأب بامتناعه عن تزويج ابنه المحتاج لذلك، كما سبق.
ومن الآباء من يقدم أمر الدراسة والوظيفة على الزواج مطلقا، فليس لديه مجال للنظر أو التفكير في زواج ابنه قبل ذلك، وهذا خطأ أيضا، بل ينبغي أن يدرس الأمر، وأن يقارن بين المصالح والمفاسد، وأن يتعرف على مدى حاجة ابنه للزواج، ومدى قدرته على الجمع بينه وبين الدراسة، وأيهما أولى بالتقديم عند تعذر الجمع، فإنّ حفظ الدين معتبر، بل مقدم على حفظ البدن والمال، ومن باب أولى يقدم على الدراسة.
ثالثا:
قد يكون الأب معذورا في رفضه تزويج ابنه قبل إكمال الدراسة، إما لأنه يرى الابن غير منضبط في تصرفاته، لا يتحمل مسئولية نفسه، فضلا عن تحمل مسئولية غيره، أو يراه مهملا في دراسته، ويغلب على ظنه أنه بعد الزواج سيزداد إهمالا، أو لا يرى حاجته الماسة للزواج، وإنما هي مجرد رغبة عابرة، أو تقليد لغيره، فعلى الابن أن يلتمس العذر لأبيه، وأن يسعى لإقناعه، وأن يبين له مدى حاجته للزواج، ومدى قدرته على رعاية أهله بعد ذلك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1631)
هل يلزم الزوج أجرة سكن ولده المحضون عند مطلقته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق زوجته ناشز وعادت إلى بيت أهلها وبقيت هناك مدة سنة أو أكثر حيث أنجبت خلالها طفلة كانت بها حاملا ساعة خروجها من البيت , وخلال تلك السنة رفعت على صديقي قضية في المحاكم الشرعية هنا لتثبت أنها تضررت وهي في ذمته ولكن لم تصل إلى نتيجة حيث إنها وجدت غير متضررة حتى من قبل آخر محامي لديها، والذي أقنعها بخلع نفسها عوضا عن ذلك، مع محاولة ثني عزم صديقي عن المطالبة بالمهر ومصاريف الزواج، وإلزامه بدفع نفقة الطفلة ما قيمته 90 دينارا ليبيا، وهو مبلغ كبير بالنسبة لصديقي العاطل عن العمل حاليا. سؤالي: هل يوجد من ضمن نفقة الطفلة ما يسمى بأجرة السكن والتي يجب أن تدفع للأم مع باقي قيمة النفقة؟ أفيدونا أفادكم الله حيث إن الأمر متوقف على مدى شرعية هذه المسألة، وما يدخل تحت اسم النفقة تحديدا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نفقة الولد واجبة على أبيه، ولا تسقط بنشوز أمه أو طلاقها، فإن كان الولد في حضانة أمه فالنفقة تعطى لها.
وكذلك للأم الحاضنة أن تطالب بأجر رضاعها للولد، لقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق/6.
وانظر: "المغني" (11/411، 432) .
ويدخل في النفقة: الطعام والكسوة وما يحتاج إليه الولد من نفقات أخرى كالتعليم، ويراعى في ذلك حال الأب، من الغنى أو الفقر، لقول الله تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق/7.
واختلف العلماء في الطفل الصغير الذي في حضانة أمه. هل يدخل في النفقة الواجبة له: السكن أم لا؟
فذهب بعض العلماء إلى أنه يلزم الأب نفقات سكن ولده، لأنه لابد له من السكن.
وذهب آخرون إلى أنه لا يحتاج إلى السكن اكتفاءً بسكن أمه، فإنه في حضانتها.
واختار ابن عابدين رحمه الله قولاً وسطاً بين القولين، وهو قول حسن، وهو: وجوب أجرة السكن للولد إذا كانت الأم ليس لها سكن، فإن كان لها سكن فلا يلزم الأب أجرة سكنه. فقال: "والحاصل: أن الأوجه لزوم السكن للولد، لكن هذا إنما يظهر لو لم يكن للأم مسكن، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعاً لها فلا، لعدم احتياجه إليه ... ولا يخفى أن هذا هو الأرفق بالجانبين، فليكن عليه العمل " انتهى بتصرف.
"حاشية ابن عابدين" (3/562) .
ونظراً لاختلاف العلماء في هذه المسألة، فالمرجع في ذلك إلى القاضي، فيحكم بما ظهر له أنه الحق، ويلزم الطرفين الانقياد له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1632)
هل يجب على الزوج علاج زوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مرضت الزوجة سواء مرضا عارضا أو مزمنا فهل تجب على الزوج نفقة علاجها؟ أو مثلا أرادت الإنجاب وتعاني من مشاكل في ذلك فهل يجب عليه شرعا أن يسعى معها في علاجها بما في ذلك من النفقات؟ وإذا لا يجب شرعا - لأني سمعت ذلك - فماذا تفعل المرأة -التي ليس لها مال ولا يعطيها زوجها مالا تدخره لها- إذا مرضت وأرادت العلاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى أن الزوج لا يجب عليه نفقة العلاج والدواء لزوجته. ومنهم من علل ذلك بأنه ليس من الحاجات الضرورية المعتادة، بل هو أمر طارئ.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (8/337) : " وليس على رجل أن يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام " انتهى.
وقال في "شرح منتهى الإرادات" (3/227) : " ولا يلزمه دواء ولا أجرة طبيب إن مرضت ; لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة بل لعارض فلا يلزمه " انتهى.
وينظر: "حاشية ابن عابدين" (3/575) ، "شرح الخرشي على مختصر خليل" (4/187) .
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" (21/169) عن علاج الرجل لزوجته، فأجابت:
" وردت الأدلة من الكتاب والسنة بالأمر بالإحسان وفعل المعروف إلى الناس عموما وإلى الأقربين خاصة، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) النحل/90، وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء/36، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) فالواجب على المسلم إحسان عشرته لأهل بيته وصنع المعروف إليهم. وأما نفقة العلاج ومصاريفه فليست واجبة على الزوج، كالنفقة والسكنى، ولكن يشرع له بذلها مع القدرة؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، ولعموم الحديث السابق " انتهى. وذهب بعض العلماء إلى وجوب نفقة العلاج على الزوج؛ لأن ذلك داخل في المعاشرة بالمعروف، ولأن الحاجة إلى الدواء قد لا تقل عن الحاجة للطعام والشراب.
قال الدكتور وهبة الزحيلي: " قرر فقهاء المذاهب الأربعة أن الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد وثمن دواء، وإنما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها [كالابن والأب ومن يرثها من أقاربها] لأن التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة، كعمارة الدار المستأجرة، تجب على المالك لا على المستأجر ... ويظهر لي أن المداواة لم تكن في الماضي حاجة أساسية، فلا يحتاج الإنسان غالبا إلى العلاج، لأنه يلتزم قواعد الصحة والوقاية، فاجتهاد الفقهاء مبني على عرف قائم في عصرهم. أما الآن فقد أصبحت الحاجة إلى العلاج كالحاجة إلى الطعام والغذاء، بل أهم؛ لأن المريض يفضل غالبا ما يتداوى به على كل شيء، وهل يمكنه تناول الطعام وهو يشكو ويتوجع من الآلام والأوجاع التي تبرح به وتجهده وتهدده بالموت؟! لذا فإني أرى وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من النفقات الضرورية ... وهل من حسن العشرة أن يستمتع الزوج بزوجته حال الصحة، ثم يردها إلى أهلها لمعالجتها حال المرض؟! " انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" (10/7380) .
وقال الشيخ حمد بن عبد الله الحمد في "شرح زاد المستقنع": " والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب: وجوب ذلك على الزوج وهو أظهر؛ لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف وقد قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) فليس في المعاشرة بالمعروف أن تمرض المرأة فلا يأتي لها بطبيب ولا يدفع له أجرة، وقد قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) فالصحيح وجوب ذلك عليه " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال(6/1633)
إذا خالع زوجته الحامل فمن يتحمل مصاريف الولادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا انفصل الزوجان بخلع وكانت الزوجة حاملا، فهل يتحمل الزوج مصاريف الولادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا خالع الرجل زوجته أو طلقها طلاقاً بائناً وهي حامل فإنه يلزمه نفقتها ونفقة الحمل بإجماع العلماء، ويدخل في ذلك مصاريف الولادة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا , فإما أن يكون ثلاثا , أو بخلع , أو بانت بفسخ , وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى , بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) ، وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا) ، ولأن الحمل ولده , فيلزمه الإنفاق عليه , ولا يمكنه النفقة عليه , إلا بالإنفاق عليها , فوجب , كما وجبت أجرة الرضاع " انتهى من "المغني" (8/185) .
فحيث كانت الزوجة حاملا، فلها النفقة، إلا أن تبرئ زوجها من النفقة، كأن تخالعه على أن تتحمل هي النفقة على نفسها أثناء الحمل، أو النفقة على الحمل حتى يولد، أو حتى يفطم. قال ابن قدامة: "وإذا خالعت المرأة زوجها , وأبرأته من حملها , لم يكن لها نفقة , ولا للولد , حتى تفطمه، أما إذا خالعته ولم تبرئه من حملها , فلها النفقة , كما لو طلقها ثلاثا، وهي حامل ; لأن الحمل ولده , فعليه نفقته" انتهى من "المغني" (8/188) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1634)
هل تجب طاعة زوجها إذا أمرها بالعمل خارج البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت قبل 15 سنة بعد أن سمعت عن حقوق المرأة في الإسلام.
وسؤالي هو:
يجب على الرجال أن ينفقوا على زوجاتهم، والمرأة ليست ممنوعة من بعض الأشياء المعينة إذا أذن زوجها، فكيف للمرأة أن تحمي نفسها من أن تُستغل من قبل زوجها؟
مثلا يريد منها أن تعمل في تجارته وأن ترعى الأطفال وأن تنجب أطفالاً أكثر وأن أحضر الرضيع معي للعمل بعد الولادة بأسبوع، تكون مسئوليتي بيع الأشياء في البقالة وتوصيل الولد الأكبر للحضانة والعمل معه وتجهيز وجبات الأكل في البيت وتنظيف البيت، يساعدني أحياناً ولكن لا يعمل دون أن يذكرني بأن هذا عملي وواجب علي فعله.
هل أستطيع أن أرفض الخروج للعمل وأن أبقى في البيت وأن يقوم هو بالإنفاق علي؟ أم يجب أن أطيع زوجي بما أنه لم يطلب مني أن أفعل شيئاً محرماً؟
تعبت من محاولة إقناعه بأن مكاني في البيت وأنه يجب أن يراعي احتياجاتي ولكنه دائما غير راض عن عملها.
آسف على الإطالة، ولكن هذه مشكلة عامة عند كثير من الأخوات وهي سلبهم حقوقهم التي أعطاهم الله إياها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الله تعالى القِوامة للرجل على المرأة لأمرين: إحداهما موهبة من الله والآخر مكتسب من قِبَل الرجل، قال الله تعالى: (الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء/34.
وتفضيل الله تعالى جنس الرجل على جنس المرأة بالعقل والتدبير والقوة مما لا يُجادل فيه، وهو الأمر الوهبي، وأما الكسبي فهو نفقة الزوج على الزوجة وهو من الواجبات، وهو دليل على قوامته عليها.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". رواه مسلم (1218) .
قال النووي رحمه الله: فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع. " شرح مسلم " (8 / 184) .
ومن أسباب وجوب النفقة على الزوج أن الزوجة محبوسة عن التكسب بسبب ما عليها من واجبات تجاه زوجها وأولادها وبيتها.
قال البخاري رحمه الله: وجوب النفقة على الأهل والعيال.
وروى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول " البخاري (1426) ومسلم (1034) .
قال الحافظ ابن حجر:
الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة … ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج، وانعقد الإجماع على الوجوب. " الفتح " (9 / 625) .
فالواجب على الزوج أن يتقي الله ربه، وأن يحافظ على من ائتمنه الله عليه من الزوجة والأبناء، ولا يحل له أن يحمِّل زوجته ما لا طاقة لها به، وليس عليها العمل والنفقة على البيت وعليه، بل النفقة واجبة عليه هو حتى لو كانت غنية.
ودور المرأة في بيتها دور عظيم فهي التي تقوم على حفظه والعناية به، وتقوم بحق الزوج من تجهيز البيت من حيث النظافة والترتيب، وعمل الطعام، والقيام على الأبناء وغير ذلك من الأعمال الكثيرة والكبيرة.
ولا يجب على المرأة العمل خارج البيت وخاصة إذا كان في خروجها تعريض لها للخلطة بالأجانب والتفريط أو التقصير في واجبات المنزل والأبناء.
فالنفقة واجبة بالإجماع – كما سبق – على الزوج، فعليه أن يعلم هذا، وأن يجعل المرأة مصونة محفوظة في بيتها لتقوم بما أوجبه الله تعالى عليها.
وانظري جواب السؤال رقم (5591) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1635)
يعطي أهله ليشتروا كماليات ويقترض من زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الشرع في الزوج الذي يعطي من أمواله لأهله ليشتروا أشياء غير أساسية وهو عليه ديون ويقترض من زوجته ليسدد ديونه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يتكرر كثيراً في أسئلة الناس قول " رأي الشرع " و " رأي الدين "، وهذه الألفاظ غير صحيحة المعنى، فالأولى للمسلم اجتنابها.
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:
"ومن المصطلحات المولدة الفاسدة:
"رأي الدين": الرأي في أساسه مبني على التدبر والتفكر، ومنها قولهم: " رأي الدين "، " رأي الإسلام "، " رأي الشرع "، وهي من الألفاظ الشائعة في أُخريات القرن الرابع عشر الهجري، وهو إطلاق مرفوض شرعاً؛ لأن الرأي يتردد بين الخطأ والصواب فصار من الواضح منع إطلاقها على ما قضى الله به في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا يقال فيه: " دين الإسلام "، (إِنَّ الدِّينَ عنْدَ الله الإِسلام) والله سبحانه يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الأحزاب/36.
فتشريع الله لعباده يقال فيه: حكم الله، وأمره، ونهيه وقضاؤه، وهكذا، وما كان كذلك فلا يقال فيه " رأي "، والرأي مدرجة الظن والخطأ والصواب.
أما إذا كان بحكمٍ صادر عن اجتهاد فلا يقال فيه: " رأي الدين "، ولكن يقال: " رأي المجتهد " أو " العالم "؛ لأن المختلف فيه بحق يكون الحق فيه في أحد القولين أو الأقوال.
وانظر بحثاً مهماً في كتاب " تنوير الأفهام لبعض مفاهيم الإسلام " للشيخ محمد بن إبراهيم شقرة ص / 61 – 73" انتهى باختصار يسير.
" معجم المناهي اللفظية " (ص 223، 224) الطبعة الأولى.
ثانياً:
يجب على الأولاد أن ينفقوا على والديهم، وهذا الوجوب ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وانظر جواب السؤال رقم (111892) .
وهذه النفقة الواجبة للوالدين لها شروط، منها: أن يكون الولد قادراً على الإنفاق، والوالد محتاجاً لعجزه أو فقره أو عدم استطاعته للكسب.
وليعلم هذا الزوج أن أجره عند الله تعالى عظيم إن كان ينفق على والديه المحتاجين للنفقة الضرورية، حتى لو أدى ذلك لاستلافه للمال، أما إن كان والداه غير محتاجين للنفقة الضرورية، وهو ينفق عليهم من أجل شراء سلع كمالية: فالواجب عليه أن ينتبه لنفسه، ولا ينبغي له أن يحمل نفسه ديونا من غير ضرورة أو حاجة ملحة؛ لأن شأن الدين عند الله عظيم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدَّين) فكيف بمن لقي الله تعالى غير مقتول في سبيله؟!
نعم، لو كان عنده فضل مال وأراد أن يوسع على والديه بالنفقة لشراء حاجات مباحة غير ضرورية لكان محسناً لهما غير مسيء لنفسه، أما أن يفعل ذلك بأموال غيره – زوجته أو غيرها – فإنه يكون مسيئاً لنفسه لأنه حمَّلها ما لا طاقة لها به.
وعليه أن يعتذر لهما بألطف عبارة أنه غير قادر على إعطائهم ما يريدون، ويعدهم أنه إن تيسر له مال فائض عن حاجة أبنائه وزوجته الضرورية أنه سيعطيهم.
قال الله تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) الإسراء/28.
قال ابن كثير رحمه الله:
"أي: إذا سألك أقاربك ومَن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة (فقل لهم قولاً ميسوراً) أي: عِدْهم وعداً بسهولة ولين إذا جاء رزق الله: فسنصلكم إن شاء الله" انتهى.
" تفسير ابن كثير " (3 / 52) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1636)
هل يجوز للزوجة أن تدخر من مالها ومال زوجها دون علمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة عاملة، وأدخر بعضاً من راتبي دون علم زوجي، وأيضا أدخر بعضاً يسيراً من مصروف البيت الذي يعطيني إياه، وأنا أفعل هذا لصالحنا، وبِنِيَّة استخدامها في المستقبل، فهل أنا أخادع زوجي بهذه الطريقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الرجل يعطي زوجته مبلغا معينا من المال لتنفقه على البيت، واستطاعت بحسن تدبيرها أن توفر جزء من هذا المال للاستفادة منه في المستقبل، فإن هذا التصرف لا حرج فيه، بل هي مشكورة على هذا، ولكن بشرط:
1- ألا يكون في هذا مخادعة أو كذب على الزوج، كما لو طلبت منه أشياء لا تريدها، ثم لا تشتريها وتدخر ثمنها، أو تبالغ في طلب الكميات التي تطلبها ثم تشتري جزء منها وتدخر باقي الأموال، فهذا كذب وخداع لا يجوز.
2- ألا تُضيّق بسبب ذلك الادخار على الزوج أو الأولاد، لأن الزوج إنما أعطاها هذا المال لتنفق منه على البيت ما يحتاجون إليه.
3- أن يكون هذا الادخار لمصلحة البيت عموماً، لا لمصلحتها الشخصية، أو لتنفق هذا المال في أشياء لا يرضاها الزوج.
4- ألا يمنعها الزوج من هذا الادخار، لأن المال ملك له، وهو حر التصرف فيه.
فإذا توفرت هذه الشروط فلا حرج عليها فيما فعلت، بل ذلك من حسن التدبير.
وأما ادخارها من راتبها فهذا لا حرج فيه لأن الراتب ملك لها وليس ملكاً للزوج، فلها التصرف فيه كما تشاء.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (21684) و (48952) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1637)
حكم أخذ الوصي من أموال الأيتام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الوكيل لورثة أخي وأقوم بمراجعة مستحقاتهم ومصالحهم كما أقوم بزيارتهم أسبوعيّاً وذلك لإسعاد أولاده مع أولادي، والسؤال عن طلباتهم (راتبهم 15000 ألف، وحقوقهم 400000) وأنا لدي ديون مؤقتة 4 سنوات بسبب البنيان، فأيهما أفضل أن أضغط على نفسي وأولادي قليلا أو أن آخذ من دون علمهم مصاريف البنزين وغيره (بسبب العادات) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الشرع أكل مال اليتيم بالباطل من السبع الموبقات المهلكات – كما روى ذلك البخاري (2615) ومسلم (89) عن النبي صلى الله عليه وسلم: ولكونه أمانة عظيمة قد يعجز عنها كثيرون قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – ضمن نصائح له –: (ولا تولينَّ مال يتيم) رواه مسلم (1826) .
وقد أوجب الشرع على من قام بالوصاية على الأيتام أن يحسن رعايتهم وتربيتهم، وإذا كان لهم أموال أن يحسن حفظها وتنميتها، وأن يؤدي زكاتها، وإن كان غنيّاً فالأولى له أن يستعفف عن أموالهم، وإن كان فقيراً أن يأكل بالمعروف، وإن كان عاملاً بأموالهم أن يأخذ أجرة المثل، هذه أحكام الشرع، وهي غايةٌ في الحكمة والعدل.
قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء /5،6.
قال ابن كثير:
وقوله: (ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا) ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية (إسرافاً وبداراً) أي: مبادرة قبل بلوغهم، ثم قال تعالى: (ومن كان غنيّاً فليستعفف) عنه ولا يأكل منه شيئاً، وقال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم، (ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجاً أن يأكل منه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في والي اليتيم (ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) بقدر قيامه عليه.
قال الفقهاء: له أن يأكل من أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته، واختلفوا هل يرد إذا أيسر؟ على قولين: أحدهما: لا؛ لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي؛ لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل ... .
والثاني: نعم؛ لأن مال اليتيم على الحظر، وإنما أبيح للحاجة، فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة ... .
(ومن كان غنياً فليستعفف) يعني: من الأولياء، (ومن كان فقيراً) أي: منهم، (فليأكل بالمعروف) أي: بالتي هي أحسن، كما قال في الآية الأخرى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) أي: لا تقربوه إلا مصلحين له، فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف.
" تفسير ابن كثير " (1 / 454، 455) باختصار.
وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير، ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: كُل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل ".
رواه أبو داود (2872) والنسائي (3668) وابن ماجه (2718) . والحديث: حسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (4497) .
مباذر: مسرف للمال تبذيراً له.
متأثل: آخذ من أصل المال.
فإن أردت أن تأخذ مالا مقابل ما تعمله لهم، من مراعاة مصالحهم، وكان عملك هذا يستحق أجرة فلا حرج عليك في ذلك، أما إن أردت أن تأخذ أجرة الزيارة فلا، لأنه لم تجرِ العادة بجعل مصاريف زيارة الأيتام عليهم من أموالهم، وهذا بخلاف ما تنفقه عليهم من لباس وأثاث وطعام لهم، فإنه يكون من أموالهم.
وحيث إنك في بلد يوجد بها قضاء شرعي فلا بد من مراجعة المحكمة الشرعية في ذلك، حتى يحكم القاضي بما يراه من مصلحة الأيتام، والله أعلم.
ونرجو منك التأمل كثيراً في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري (1400) ومسلم (1053) : (من يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبِّره الله وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر) لتعلم أن الطريق إلى قضاء دينك هو الاستعفاف والاستغناء والصبر.
قال المباركفوري:
(ومن يستغن) أي: يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس، والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا من التعفف.
(يغنه الله) أي: يجعله غنيّاً أي: بالقلب ففي الحديث: (ليس الغني عن كثرة العرَض إنما الغني غنى النفس) ، أو يعطيه ما يغنيه عن الخلق.
(ومن يستعفف) الاستعفاف: طلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس , أي: من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها.
(يعفه الله) : أي يجعله عفيفا، فيحفظه عن الوقوع في المناهي، يعني: من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز ل يفنى.
(ومن يتصبَّر) أي: يطلب توفيق الصبر من الله؛ لأنه قال تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله) ، أو: يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه.
" يصبِّره الله ": أي يسهل عليه الصبر.
"تحفة الأحوذي" (6/143، 144) باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1638)
هل يجوز قضاء دين الولد المحتاج وعنده أولاد آخرون
[السُّؤَالُ]
ـ[اعرف أن العدل بين الأولاد واجب ولكن أحد أولادي فقير وعليه ديون، هل يجوز أن أقضي بعض ديونه من أموالي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب العدل بين الأولاد انظر سؤال رقم 22169
ويجب العدل بين الأولاد في الهبة ويحرم التخصيص أو التفضيل ما لم يكن ثِمّ سبب موجب لذلك.
فإن كان هناك ما يدعو إلى التفضيل أو التخصيص فلا بأس كأن يكون أحدهم مريضاً أو أعمى أو زمناً (ذو عاهة) ، أو كان ذا أسرة كبيرة أو طالب علم ونحو ذلك من الأسباب فلا بأس بتفضيله لشيء من هذه المقاصد.
وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد بقوله _ في تخصيص بعضهم بالوقف _: لا بأس إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والحديث والآثار تدل على وجوب العدل ... ثم هنا نوعان:
1- نوع يحتاجون إليه من النفقة في الصحة، والمرض، ونحو ذلك، فالعدل فيه أن يُعطي كل واحد ما يحتاج إليه، ولا فرق بين محتاج قليل أو كثير.
2- ونوع تشترك حاجتهم إليه، من عطية أو نفقة أو تزويج فهذا لا ريب في تحريم التفاضل فيه.
وينشأ من بينهما نوع ثالث، وهو أن ينفرد أحدهم بحاجة غير معتادة، مثل أن يقضي عن أحدهم ديناً وجب عليه من أرش جناية (وهي عقوبة مالية تدفع مقابل كل جناية بدنية) أو يعطي عنه المهر، أو يعطيه نفقة الزوجة، ونحو ذلك، ففي وجوب إعطاء الآخر مثل ذلك نظر) ا. هـ من " الاختيارات.
[الْمَصْدَرُ]
تسير العلام شرح عمدة الأحكام ص 767(6/1639)
هل للوالدين حق في مال البنت المتزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مال البنت يعود لوالديها كمال الولد؟ وهل يجب عليها أن تنفق على والديها بنفس الطريقة؟
العديد من الناس يعتقدون بأنه بمجرد أن تتزوج الفتاة، فإنه لا يجب عليها أن تنفق على والديها إذا كان اخوتها يستطيعون الإنفاق عليهما. وهل للزوج حق في مال زوجته؟ ليس ليصرف على نفسه، لكن ليكون ذلك للزوجة تنفقه حيثما شاءت، وإذا رأى الزوج أن مال زوجته يجب ألا يصرف على والديها، فهل للزوجة أن تطيع زوجها في ذلك؟
وإذا كان الوالدان فقيرين ولم يكن عند الزوجة مال يخصها، فهل على زوجها أن ينفق عليهما، حيث أنه يجوز لهما أخذ الزكاة من ابنتهما، لكن لا يجوز ذلك من الزوج لوالديه، لأنه يجب عليه أن ينفق على والديه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأولاد اسم يعمّ الذكور والإناث، والوالد له حقّ التصرف بأموال أولاده لقوله عليه الصلاة والسلام: " أنت ومالك لأبيك "، فإذا أراد الوالد أن يأخذ من أموالهم فله ذلك على أن لا يكون فيه ضررٌ عليهم، ولا يجوز أن يأخذ من مال أحدهم ويعطيه الآخر.
وإذا افتقر الوالدان وعند البنت مال زائد عن حاجتها فيلزمها أن تنفق على والديها قدر حاجتهما دون أن تنقص من حاجاتها. ونفقة المرأة على زوجها، فيجب على الزوج أن يقوم بنفقتها الواجبة. وفي حالة إذا كان لها وظيفة فمالها لها، ويختص بها، إلا إذا اشترط الزوج الحصول على المال أو بعضه مقابل الخروج من البيت وفوات شيء من حقه، وإذا توفر لها المال فتحتفظ به لحاجتها أو لحاجة أولادها أو والديها.
وإذا كان معها اخوة ذكور وإناث وقام أحدهم بالنفقة على الوالدين سقط ذلك الواجب عن الباقين وله الأجر أو أن يتفق الجميع على كل منهم مبلغ معين.
وأما زوج المرأة فلا يلزمه أن ينفق على والديها إلا من زكاة أمواله، أما هي فلا تنفق عليهم من مال الزكاة لأنه واجب عليها فتعطيهم من غير مال الزكاة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين.(6/1640)
لا نفقة للزوجة إذا رفضت العودة إلى بيت زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل خلاف بينه وبين زوجته فقالت: اذهب بي إلى أهلي لا أريد البقاء معك فذهب بها إلى أهلها فمكثت عندهم شهورا. فهل تجب عليه نفقتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس عليه نفقتها لأن النفقة مقابل تمكينه من نفسها وقد فات بإصرارها على الذهاب وعدم البقاء معه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن جبرين(6/1641)
تصرف الزوجة في مالها بدون علم زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تعمل في السعودية وتريد أن تستثمر جزءاً من راتبها في مشروع على أن هذا المال مالي أنا وتعطيني الربح ولها رأس المال على أساس أني اقترضت منها هذا المال واستثمرته ولكن بدون علم زوجها، فهل هناك حرمة عليها أو علي؟ نرجو الإفادة..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على أختك أن تعطيك مالاً قرضاً تستثمره وتستفيد من ناتجه على أن يبقى رأس المال لأختك، لكن لو أرادت أختك أن تشاركك في الربح مع الحفاظ على رأس المال فلا يجوز، لأن هذا يكون من باب " كل قرض جر نفعاً فهو ربا "، ولا يشترط علم زوجها بإعطائك المال، لأن المال مالها ولا يحل له منه شيء إلا عن طيب نفس منها، قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) النساء/4، لكن من باب العشرة بالمعروف ولكون الرجل أكثر خبرة وحنكة في أمور التجارة فإننا ننصح أن يكون الزوج على علم بما تفعله الزوجة من التصرف بمالها.
قال الشيخ عبد الله الجبرين:
تملك الزوجة مالها، ولها حق التصرف فيه، فتهدي منه وتتصدق وتبرئ غريمها، وتتنازل عن حق لها كدين وميراث لمن تشاء من قريب أو من بعيد، وليس لزوجها حق الاعتراض عليها إذا كانت رشيدة عاقلة، ولا يملك زوجها حق التصرف في مالها إلا برضاها. (فتاوى المرأة المسلمة 2/674) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1642)
الاستفادة من مال الأب المرابي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم والحمد لله، أبي لديه مبلغ من المال وقد سمع فتوى الشيخ طنطاوي بتحليل فوائد البنك ووضع أمواله في البنك وبدأ يأخذ الفوائد، وأنا مقتنع أن هذه الفوائد حرام، وحاولت كثيراً إقناعه بالعدول عن هذه الفكرة ولكن دون جدوى.
فهل علي وعلى إخوتي وأمي أي ذنب حيث أني قد استحلفت أبي قبل ذلك ألا ينفق علينا من هذا المال الذي هو من الفوائد؟ وماذا يجب علينا أن نفعل؟ وإذا عاد إلينا هذا المال ماذا يجب أن نفعل؟ لقد رزقني الله بعمل في السعودية وقد دفع لي أبي تكاليف السفر ولا أعلم هل هذا المال من الفوائد أم لا؟ فهل ما يرزقني به الله من هذا العمل حرام أم لا؟ نرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس على أولاد المرابي إثم إذا أكلوا من ماله الربوي البحت أو لبسوا منه أو سافروا به إذا لم يوجد لهم طريق آخر يتكسبون منه، وعليهم نصح والدهم بالطريق التي يغلب على ظنهم نفعها، فإذا تيسرت طرق أخرى للكسب أو لم يتحاجوا إلى هذا المال في ضروريات حياتها: وجب عليهم الاستغناء عنه.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
إذا كان مكسب الوالد حراماً، فإن الواجب نصحه، فإما أن تقوموا بنصحه بأنفسكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً، أو تستعينوا بأهل العلم ممن يمكنهم إقناعه أو بأصحابه لعلهم يقنعونه حتى يتجنب هذا الكسب الحرام، فإذا لم يتيسر ذلك فلكم أن تأكلوا بقدر الحاجة ولا إثم عليكم في هذه الحالة، لكن لا ينبغي أن تأخذوا أكثر من حاجتكم للشبهة في جواز الأكل ممن كسبه حرام. (فتاوى إسلامية 3/452) .
وإذا مات الوالد المرابي وجب على ورثته التخلص من المال الربوي بإرجاعه إلى أهله إن عرفوهم وإلا فعليهم التخلص منه بتوزيعه في المصارف العامة والخاصة، فإن تعسر عليهم تحديد المبلغ الربوي في مال والدهم: قسموه نصفين فيأخذون النصف ويوزعون النصف الآخر.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل مرابٍ خلف مالاً وولداً، وهو يعلم بحاله، فهل يكون المال حلالاً للولد بالميراث أم لا؟
فأجاب: أما القدْر الذي يعلم الولد أنه ربا: فيخرجه، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به، والباقي لا يحرم عليه، لكن القدْر المشتبه يستحب له تركه إذا لم يجب صرفه في قضاء دين أو نفقة عيال، وإن كان الأب قبضه بالمعاملات الربوية التي يرخص فيها بعض الفقهاء، جاز للوارث الانتفاع به، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما، جعل ذلك نصفين. (مجموع الفتاوى 29/307) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1643)
هل يلزم الزوج نفقة حج زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المسلم أن يرسل زوجته للحج إذا كان يملك من المال ما يكفي لذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الزوج أن يتحمل عن زوجته نفقة الحج ولو كان غنياً، وإنما ذلك مستحب يؤجر عليه ولا يأثم بتركه.
إذ لم يوجب ذلك كتاب ولا سنة، والزوجة جعل الإسلام لها المهر حقّاً خالصاً لها، وأباح لها التصرف في مالها.
وإنما أوجب الشرع على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، ولم يوجب عليه قضاء ديْنها، ولا دفع الزكاة عنها، ولا دفع ما تتكلفه في الحج وغيره.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يؤجر الزوج إذا وكل من يحج عن زوجته وقد توفيت ولم تحج ……..؟ .
فقال: الأفضل أن يقوم هو بالحج عنها من أجل أن يقوم بالنسك على الوجه الأكمل الذي يحب ….. ثم قال: أما الوجوب فلا يجب عليه.
" اللقاء الشهري " (34) رقم السؤال (579) .
فما دام أنه لا يجب القضاء عنها بعد موتها فكذلك لا يجب عليه حجها في حياتها.
هذا من حيث الوجوب، أما من حيث البر بها والعشرة بالمعروف: فإنه إن فعل فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، ويكتب الله تعالى له أجر حجها.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يجب على الزوج نفقة زوجته في حالة أن يتعمد إفساد حجها كمن أكرهها على الجماع قبل التحلل الأول – مثلاً -.
قال الشيخ عبد الكريم زيدان:
وليس من حقوق الزوجة على زوجها أن يتحمل نفقة حجها، أو يشاركها في هذه النفقة.
" المفصل في أحكام المرأة " (2 / 177) .
وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن هذه المسألة بعينها فأجاب: أنه لا يجب على الزوج دفع نفقات حج زوجته. هذا بالنسبة للرجل أما المرأة فإن كان عندها من الأموال ما يكفيها للحج وجب عليها الحج، وإن لم يكن عندها لم يجب عليها الحج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1644)
هل تتبرع المرأة بشيء من مالها بدون إذن زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أساعد أهلي أبي وأمي وإخوتي بالمال، فأنا أعمل وعندي أموال كثيرة والحمد لله وأستطيع أن أساعدهم، ولكن زوجي يمنعني من ذلك بشدة، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان أهلك فقراء (أبوك وأمك وإخوتك) وتستطيعين أن تنفقي عليهم فيجب عليك ذلك، ولا يجوز لك أن تطيعي زوجك في ترك النفقة عليهم.
انظر السؤال رقم (44995) .
ثانياً:
إذا كانت نفقتك على أهلك من باب التبرع أي أنهم غير محتاجين لهذه الأموال منك وإنما تريدين أنت الإحسان إليهم وصلتهم بهذه الأموال، فقد اختلف أهل العلم في حكم تبرع المرأة بشيء من مالها بدون إذن زوجها.
فذهب جمهور العلماء إلى أنه لا تمنع الزوجة من التبرع من مالها، فلها أن تتصرف فيه كما شاءت دون إذن زوجها. واستدلوا بعدة أدلة، منها:
1- ما ثبت أَنَّ أم المؤمنين مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً (أي جارية) وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي؟ قَالَ: أَوَفَعَلْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ. رواه البخاري (2592) ومسلم (999) .
قال النووي:
فِيهِ: جَوَاز تَبَرُّع الْمَرْأَة بِمَالِهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا اهـ.
2- وروى البخاري (978) ومسلم (885)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلالٍ وَبِلالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ. وفي رواية: (قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ) .
قال الحافظ:
فِي هَذَا الْحَدِيث صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا اهـ.
وقال النووي:
فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا وَلا يَتَوَقَّف ذَلِكَ عَلَى ثُلُث مَالهَا , هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور , وَقَالَ مَالِك: لا يَجُوز الزِّيَادَة عَلَى ثُلُث مَالهَا إِلا بِرِضَاءِ زَوْجهَا. وَدَلِيلنَا مِنْ الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلهُنَّ أَسْتَأْذَنَّ أَزْوَاجهنَّ فِي ذَلِكَ أَمْ لا؟ وَهَلْ هُوَ خَارِج مِنْ الثُّلُث أَمْ لا؟ وَلَوْ اِخْتَلَفَ الْحُكْم بِذَلِكَ لَسَأَلَ اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوجة لا تتبرع بشيء من مالها إلا بإذن زوجها واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) رواه الإمام أحمد في مسنده (6643) وأبو داود (3547) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وحمل جمهور العلماء هذا الحديث إما على السفيهة التي لا تحسن التصرف في المال، أو أن استئذان المرأة زوجها في ذلك على سبيل الاستحباب لا الوجوب وهو من حسن العشرة.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ:
عِنْد أَكْثَرِ الْفُقَهَاء هَذَا عَلَى مَعْنَى حُسْن الْعِشْرَة وَاسْتِطَابَة نَفْس الزَّوْج بِذَلِكَ , إِلا أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي غَيْر الرَّشِيدَة. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ , فَجَعَلَتْ الْمَرْأَة تُلْقِي الْقُرْط وَالْخَاتَم وَبِلال يَتَلَقَّاهَا بِكِسَائِهِ , وَهَذِهِ عَطِيَّة بِغَيْرِ إِذْن أَزْوَاجهنَّ اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/414) :
"وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها، ولو كانت رشيدة. وقد اختلف في ذلك، فقال الليث: لا يجوز ذلك مطلقا، لا في الثلث ولا فيما دونه، إلا في الشيء التافه، وقال طاوس ومالك: إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث، لا فيما فوقه، فلا يجوز إلا بإذنه، وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة، فإن كانت سفيهة لم يجز. قال في الفتح: وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة" اهـ.
وعلى هذا فلا تمنع المرأة من التصدق بشيء من مالها ولو لم يرض زوجها.
والأحسن في هذا أن تستأذنه تطييبا لخاطره، ودفعا لما قد يحدث في نفسه من كراهة لتصرف زوجته، وعليه أن يأذن لها ولا يكون مانعاً لزوجته من فعل الخير والإحسان إلى الناس.
والله تعالى أعلم.
انظر السؤال رقم (21684) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1645)
ماذا يفعل إذا طلب أبوه الكافر منه مالا
[السُّؤَالُ]
ـ[ (لقد أسلمت حديثا) ، لكن بدأت أفكر لاحقا في العلاقة المالية بيني وبين والدي، فهل علي إعطائه ما أملك إذا طلب مني ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
أسلمت حديثا وأفكر في العلاقة المالية بيني وبين والدي، هل يجب علي إعطاؤه لحديث أنت ومالك لأبيك؟
فأجاب حفظه الله:
نفقة أم ماذا؟
- يقول يطلب أشياء مختلفة ليست فقط نفقة، ما يزيد عن النفقة.
جواب: ما يزيد عن النفقة لا يلزمه.
فلا يجب عليه إلا النفقة وأما الصدقة فليست مشكلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1646)
محتاج وأخوه يعمل في تلحين الأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يشتغل ملحنا للأغاني وليس له مصدر إلا هذا العمل، ولا أستطيع الكسب وأبي متوفى هل يجوز أن آكل من ماله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
نعم يجوز أن تأكل من ماله مادمت في حاجة، فهو يجب عليه أن ينفق عليك. انتهى
فأنت تأخذ بقدر حاجتك ولا تزيد، وعليك أن تنصحه بترك هذا العمل المحرّم والبحث عن عمل آخر وتبيّن له حكم الشريعة في الغناء والموسيقى وحرمة التعاون والمشاركة في الإثم والعدوان والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1647)
من يفضل الأم أم الزوجة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان له زوجة وأم، هل له تفضيل الزوجة على الأم في النفقة وغيرها من المؤن والكسوة، وهل يأثم بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يأثم بذلك إذا قام بكفاية الأم إن كانت ممن يلزمه كفايتها بالمعروف، لكن الأفضل أن يستطيب قلب الأم، وأن يفضلها، وإن كان لا بد من ترجيح الزوجة فينبغي له أن يخفيه عن الأم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي ص 212(6/1648)
زوجها مقتدر ويأمرها بالعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت قبل 8 أشهر، أحب زوجي وأحترمه كثيراً، ولم أعصه أبداً، قبل أن نتزوج أعطاني الخيار إذا كنت أريد الخروج للعمل أو لا.
بعد أن تزوجنا يعتقد الآن بأنني يجب أن أعمل وأحصل على المال، أنا لا أريد أن أعمل ولسنا بحاجة للمال فهو يحصل على المال الكافي لنا، لست أؤمن بأن المال هو الحل لكل شيء.
أرجو أن تساعدني، كيف أتصرف في مثل هذه الحالة؟ هل يجب أن أطيعه وأخرج للعمل؟ نحن نعيش في الغرب وعملي سيتطلب الاختلاط بالعامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
إذا أمرها زوجها بالعمل خارج البيت في وظيفة لتحصل على راتب، فهل يلزمها أن تطيعه؟
فأجاب حفظه الله:
لا يلزمها، لأن الإنفاق عليه هو، (و) لا يلزمها أن تنفق على نفسها. انتهى
فكيف إذا كان هذا العمل يتضمّن أمرا محرّما وهو الاختلاط بالرجال، فلا تطيعيه فيما يأمر به إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وذكّريه بأنّه هو الرجل وأنّه قوام عليك بما أنفق من ماله، وأنّه لا يصحّ أن يحمله الطّمع في الدنيا وطلب المزيد من المال على أن يكلّف زوجته بعمل لا يجب عليها شرعا ويعرّضها للفتنة من أجل مزيد من متاع الدنيا الفاني، نسأل الله له الهداية وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1649)
حكم النفقة على الأقارب
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي راتبه 10 آلاف ريال في الشهر ولا نصرف منه على أنفسنا إلا القليل وتدخر والدتي البقية لأن أختي لم تتزوج بعد وأنا وأخي لم نكمل دراستنا بعد، جدتي أرملة وتعيش مع أحد أعمامي في بيت جدي مع عماتي الثلاث (أرملة واثنتان لم يتزوجا) ، تعيش في مستوى معيشة جيد كما نعيش نحن هنا، والدي يدفع لهم معونة شهرية، مزرعة والدي تحت رعاية عمي ويأخذون جميع المال الناتج منها، أود أن أعرف كم يجب على والدي أن يدفع لهم شهرياً علماً بأنهم يعيشون حياة مرفهة وجميع أخواته وأمه لهم كمية معتبرة من الذهب وأملاك خاصة بكل منهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النفقة على الأقارب تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يسمى بعمودي النسب وهم الأباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا فالنفقة تجب لهم عند شرطين:
الأول: أن يكون المنفَق عليه منهم فقيراً لا يملك شيئاً أولا يملك ما يكفيه ولا يقدر على التكسب.
الثاني: أن يكون المنفِق غنياً عنده ما يكفيه ويفضل عن قوته وقوت زوجته.
وشرط ثالث: أن يكون الدّين واحداً (أي الكل مسلمون مثلاً) .
القسم الثاني: بقية الأقارب غير عمودي النسب المذكورين ويشترط لوجوب الإنفاق عليهم زيادة على الشرطين السابقين شرط ثالث وهو أن يكون المنفِق وارثاً للمنفَق عليه، أي يمكن أن يرثه.
وبناء عليه فإذا كان أبوك وأعمامك قادرين على الإنفاق فالإنفاق على جدتك وعمتيك واجب عليهم جميعاً.
ولكن لا تنس باب الإحسان، وأن الصدقة على القريب صدقة وصلة ففيها أجران، ولا تنس قول الله عز وجل: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) فالإنفاق على القريب لا سيما الوالدة من أعظم أسباب الرزق ومن أعظم أسباب البركة فيه مع الثواب الجزيل عند الله عز وجل.
إذاً فيجب أن تفرح بإنفاق أبيك على والدته وأختيه وأن تشجعه على ذلك، وأن تُسابق أعمامك على هذه الفضيلة.
وأما مقدار النفقة فهي بحسب قدرة المنفِق وحاجة المنفَق عليه، قال تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين بالمعروف حق على المتقين) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1650)
الابن صاحب عائلة وأبوه يرهقه بكثرة الطلبات المالية
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يطلب مني مالا باستمرار ويرهقني بكثرة طلباته وأنا صاحب عائلة وعليّ التزامات فإلى أي حدّ يجب عليّ أن أعطيه وما معنى حديث (أنت ومالك بأبيك) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث أنت ومالك لأبيك رواه ابن ماجة رحمه الله تعالى في سننه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك. " سنن ابن ماجة رقم 2282، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري.
ومعنى قوله (يجتاح) أي يستأصله أي يصرفه في حوائجه بحيث لا يبقى شيء.
وقال الإمام عبد الرزاق رحمه الله في مصنفه باب:
فِي الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ , وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ} .
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ {رَجُلا خَاصَمَ أَبَاهُ فِي مَالٍ كَانَ أَصَابَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ} .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ , وَلا يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إلا بِإِذْنِهِ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: يَأْكُلُ الْوَالِدُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ , وَلا يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إلا بِطِيبِ نَفْسِهِ.
وعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ لا يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
ثم قال رحمه الله
مَنْ قَالَ: لا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلا بِإِذْنِهِ.
عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَهُ , وَكُلُّ إنْسَانٍ أَحَقُّ بِاَلَّذِي لَهُ
عَنْ سَالِمٍ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحَرَ جَزُورًا فَجَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا هِيَ لِي؟ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: يَا أَبَتَاهُ، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ، فَأَطْعِمْ مِنْهَا مَا شِئْتَ.
وقال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني شارحا هذه المسألة: وَلأَبٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَيَتَمَلَّكَهُ، مَعَ حَاجَةِ الأَبِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ، وَمَعَ عَدَمِهَا، صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا، بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لا يُجْحِفَ بِالابْنِ، وَلا يَضُرَّ بِهِ، وَلا يَأْخُذَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. الثَّانِي أَنْ لا يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَيُعْطِيَهُ الآخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.. وَذَلِكَ لأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الآخَرِ أَوْلَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {: لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ} . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلأَنَّ مِلْكَ الابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسهِ فَلَمْ يَجُزْ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ كَاَلَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. وَلَنَا (أي ودليلنا) مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {: إنَّ أَطْيَبِ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ , وَإِنَّ أَوْلادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ} . أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ , وَالتِّرْمِذِيُّ , وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , قَالَ {: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ أَبِي اجتاح مَالِي. فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك} . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " مُطَوَّلا , وَرَوَاهُ غَيْرُهُ , وَزَادَ {: إنَّ أَوْلادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ , فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَالْمُطْلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ، قَالَ: {جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ لِي مَالا وَعِيَالا، وَلأَبِي مَالٌ وَعِيَالٌ، وَأَبِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِيَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك} . أَخْرُجَهُ سَعِيدٌ، فِي " سُنَنِهِ " وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَلَدَ مَوْهُوبًا لأَبِيهِ , فَقَالَ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} . وَقَالَ: {وَوَهَبنَا لَهُ يَحْيَى} . وَقَالَ زَكَرِيَّا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّا} . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} . وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ، كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ.. المغني ج5
وفي رسائل وفتاوى الشيخ المفتي محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ما يلي:
يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت مالك لأبيك) أخرجه الخمسة وصححه الترمذي.وقوله: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة. ويشترط للأخذ من ماله (ستة شروط) : أحدهما: أن يأخذ ما لا يضر الوالد ولا يحتاجه. (والثاني) : أن لا يعطيه لولد آخر. (والثالث) : أن لا يكون في مرض موت أحدهما. (والرابع) : أن لا يكون الأب كافراً والابن مسلماً. (والخامس) : أن يكون عيناً موجوداً، (والسادس) : تملكه ما يأخذه من مال الولد بقبض مع قول أو نية. هذا معنى كلام فقهائنا رحمهم الله. وعليه الفتوى. أ. هـ
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ص: 220
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1651)
هل تتصدق من نفقة بيتها دون علم زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعطيني مصروفاً لي ولبناتي كل شهر، فأُخرج منه مبلغاً معيَّناً صدقة دون الرجوع إليه، فهل يجوز هذا العمل أم يجب أن أرجع له وأسأله إن كان يوافق أن أخرج من هذا المال صدقة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا أذن لها بذلك، وهذا الإذن قد يكون لفظياً (بالكلام) كما لو قال لها: لك أن تتصدقي من مالي بكذا أو بما شئت.
وقد يكون الإذن عرفياً، بمعنى أنه قد جَرَت عادة الناس الرضى بهذا، أو تعلم من خُلُق زوجها أنه يرضى بهذا ولا يمنعه.
فلا حرج عليها في هذه الحال أن تتصدق من مال زوجها، ولها أجر الصدقة، ولزوجها أيضاً.
أما إذا منعها، أو كانت تعلم أنه لا يرضى بهذا فلا يجوز لها حينئذ الصدقة من ماله بشيء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4 / 301) :
"وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ , بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ; إحْدَاهُمَا , الْجَوَازُ ; لأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا , غَيْرَ مُفْسِدَةٍ , كَانَ لَهَا أَجْرُهَا , وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ , وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ , وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) . وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا.
وَعَنْ أَسْمَاءَ , أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ , فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: (ارْضَخِي مَا اسْتطَعْتِ) والرضخ هو العطاء. وفي رواية للبخاري: قال: (تَصَدَّقِي) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَلأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ بِذَلِكَ , وَطِيبُ النَّفْسِ , فَجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الإِذْنِ.
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة , لا يَجُوزُ. . . . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. . .
فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ , وَقَالَ: لا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ , وَلا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ , وَلا كَثِيرٍ. لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ اهـ بتصرف واختصار.
ويدل على عدم جواز تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه ما رواه أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الطَّعَامَ؟ قَالَ: ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
(إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) أي الإذن الصريح، أو بدلالة الحال. قاله في عون المعبود.
وسئلت اللجنة الدائمة عن امرأة تتصدق من مال زوجها بدون إذنه
فأجابت: " الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها، والأجر بينهما؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.. ثم ذكرت حديث عائشة المتقدّم " اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (10/81)
وسئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها؟
فأجاب: " من المعلوم أن مال الزوج للزوج، ولا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد إلا بإذنه، فإذا أذن الزوج لها أن تتصدق به لنفسها، أو لمن شاءت من أمواتها فلا حرج عليها، فإن لم يأذن فإنه لا يحل له أن تتصدق بشيء، لأنه ماله، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/472)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1652)
لا يعمل وزوجته تنفق عليه فهل يعتبر دينا عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الزوج لا يعمل والزوجة تعمل وهي تنفق كل نفقات المنزل، مثلا: (تشتري الطعام، تشتري الأشياء وتسدد الفواتير) هل تكون هذه النفقات دين على الزوج إذا لم يكن هناك اتفاق على أنها صدقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله قائلا:
إذا لم يكن هناك اتفاق فتعتبر هبة وتبرعا فليس لها أن تطالبه بها وقد بذلته باختيارها، أما إذا كان هناك شرط بالرجوع عليه فالمسلمون على شروطهم فلها مطالبته إذا أيْسر بكلّ ما أنفقت على بيته وعلى أولاده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(6/1653)
نفقة الولد من كسب أبيه المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت صغيرا وأبواك يدخل عليهم أموال قد تكون حراما، مثلا يعملون في أعمال منها البارات ويتعاملون بالربا عند دفع تأمين على البيت الذي يستأجرونه. سؤالي هو: حسب علمي فإن هناك مجموعة من الأحاديث التي تذكر أن الله لا يقبل أدعية وصلوات الذين يتحصلون على أموالهم من مصادر محرمة. إذا كان قليل من المال من مصدر محرم وأنت مازلت صغيرا فهل ينطبق هذا الحديث عليك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب النفقة للولد على أبيه شرعا فيما يحتاجه من مسكن وملبس ومطعم ومشرب ونحو ذلك وإذا احتاج الولد جاز له أن يأخذ نفقته الواجبة من مال الأب ولو كان كسبه حراما ولا يتأثّر دعاء الولد حينئذ لأنّه لا حول له ولا قوّة وعلى الولد أن يراعي في هذه الحالة ما يلي:
1- أن لا يتوسّع في الأخذ من مال أبيه المحرّم
2- أن يحاول إذا استطاع الاستغناء بكسب حلال يستقلّ به ويستغني عن نفقة أبيه
3- أن يسعى جاهدا في النصح والموعظة لعل الله أن يهدي والديه فيتوبا من الكسب الحرام. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1654)
أكل الزوجة والأولاد من كسب أبيهم المحرّم
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من العائلات المسلمة يعمل رجالها في بيع الخمور والخنزير وما شابه ذلك، وزوجاتهم وأولادهم كارهون لذلك علماً بأنهم يعيشون بمال الرجل، فهل عليهم من حرج في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال عزّ وجلّ: (لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها) ، فللزوجة والأولاد غير القادرين على الكسب الحلال أن يأكلوا للضرورة من كسب الزوج المحرم شرعاً، كبيع الخمر والخنزير وغيرهما من المكاسب الحرام بعد بذل الجهد في إقناعه بالكسب الحلال والبحث عن عمل آخر. فلهم أن يأخذوا النفقة الواجبة لهم على أبيهم وأن يكون ذلك بقدر الحاجة والكفاية دون توسّع والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1655)
متى يجب على الإنسان أن ينفق على والديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يجب على الإنسان أن ينفق على والديه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في النفقة على الأقارب - كالوالدين والأبناء - الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) البقرة / 233، وقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) الإسراء / 23، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
وأما الإجماع فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد.
ويشترط لوجوب النفقة يسار المنفق، وإعسار المنفق عليه، واحتياجه إلى النفقة، وهذا باتفاق في الجملة.
[الْمَصْدَرُ]
الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 22.(6/1656)
ارتد زوجها فهل لها نفقة في وقت العدة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت شخصاً كان نصرانياً ثم ادَّعى الإسلام وصار يصلي فعشت معه فترة ثم خرج من الإسلام وترك الصلاة ففسخت النكاح وبدأت في العدة فهل أستحق نفقة منه في زمن العدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم تستحقين النفقة وقت العدة لأن الفرقة إنما كانت بسبب الزوج لأنه ارتد عن الإسلام. قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم ج6: " وإن ارتد هو ـ أي الزوج ـ أنفق عليها ـ أي على زوجته ـ في عدتها لأنها لم تبن منه إلا بمضي عدتها " أ. هـ
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1657)
إذا كانت المرأة تعمل فهل يلزمها دفع مصاريف البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على المرأة الموظفة أن تتحمل مصاريف البيت لأن زوجها يقول إذا لم تدفعي مصاريف البيت فلا عمل لك مطلقا؟ وهل لزوجها حق في مرتبها الذي تتقاضاه مقابل عملها، وإذا كان عليها أن تتحمل مصاريف البيت فما هي النسبة بينها وبين زوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فهذه المسألة وهي مصاريف البيت بين الزوج والزوجة الذين تغربا للعمل وطلب الرزق ينبغي فيها المصالحة بينهما وعدم النزاع.
أما من حيث الواجب فهذا يختلف وفيه تفصيل:
1- إن كان الزوج قد شرط عليك أن المصاريف بينك وبينه وإلا لم يسمح لك بالعمل فالمسلمون على شروطهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم {المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالا، أو أحل حراما} ويقول صلى الله عليه وسلم {إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج} فأنتما على شروطكما إن كان بينكما شروط.
2- أما إذا لم يكن بينكما شروط فالمصاريف كلها على الزوج، وليس على الزوجة مصاريف البيت، فهو الذي ينفق؛ قال الله جل وعلا {لينفق ذو سعة من سعته} وقال النبي صلى الله عليه وسلم " وعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ".
فالإنفاق على الزوج، فهو الذي يقوم بحاجات البيت وشؤون البيت له ولزوجته وأولاده. ومعاشها لها وراتبها لها؛ لأنه في مقابل عملها وتعبها، وقد دخل على هذا ولم يشرط عليها أن المصاريف عليها أو نصفها أو نحو ذلك، إلا إذا سمحت بشيء من الراتب عن طيب نفس قال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} .
أما إن كان دخل على شيء مثل ما تقدم فالمسلمون على شروطهم.
وأنا أنصحك أن تسمحي ببعض الراتب لزوجك تطيبا لنفسه وحلاً للنزاع، وإزالة للإشكال حتى تعيشا في هدوء وراحة وطمأنينة، فاتفقا على شيء بينكما كنصف الراتب أو ثلثه أو ربعه أو نحو ذلك حتى تزول المشاكل وحتى يحل الوئام والراحة والطمأنينة محل النزاع، أو يسمح هو وأن يرضى بما قسمه الله له ويقوم بالنفقة حسب طاقته ويسمح عن راتبك كله ويترفع عن ذلك، أما إذا لم يتيسر ذلك فلا مانع من التحاكم إلى المحكمة في البلد التي أنتم فيها وفيما تراه المحكمة الشرعية كفاية إن شاء الله. وفق الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز.(6/1658)
هل يؤجر المسلم على ما ينفق في البنيان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يؤجر المرء على نفقة البناء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما إنَّ كل بناءٍ وبالٌ على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا، يعني: ما لا بد منه.
رواه أبو داود (5237) وابن ماجه (4161) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2830) .
عن خبَّاب بن الأرت قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب - أو قال: في البناء -.
رواه الترمذي (2483) وابن ماجه (4163) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2831) .
قال الشيخ الألباني:
واعلم أن المراد من هذا الحديث والذي قبله - والله أعلم - إنما هو صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء وتشييده فوق حاجته، وإن مما لا شكَّ فيه أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني قلَّة وكثرة، ومَن يكون مضيافاً، ومن ليس كذلك، فهو مِن هذه الحيثية يلتقي تماماً مع الحديث الصحيح " فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف، والرابع للشيطان ".
رواه مسلم (6 / 146) وغيره، وهو مخرَّج في " صحيح أبي داود ".
ولذلك قال الحافظ بعد أن ساق حديث الترجمة وغيره:
" وهذا كله محمول على ما لا تمسّ الحاجة إليه مما لا بدَّ منه للتوطن، وما يقي الحرَّ والبرد ".
ثم حكى عن بعضهم ما يوهم أنَّ في البناء كله الإثم! فعقَّب عليه الحافظ بقوله:
" وليس كذلك، بل فيه التفصيل، وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الإثم.. فإن في بعض البناء ما يحصل به الأجر، مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني؛ فإنه يحصل للباني به الثواب، والله - سبحانه وتعالى - أعلم ".
" السلسلة الصحيحة " (حديث رقم 2831) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1659)
هل تجب نفقة الابن على أبيه ولو كان غنياً
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجي ساعد زوجي في الزواج، ثم سافر زوجي للعمل في إحدى دول الخليج، ولأن عليه ديوناً كثيرة يريد سدادها لم يرسل لوالده نقوداً.
الآن يطالبه والده بالنقود التي أنفقها على زواجه، مع أن والد زوجي طبيب ودخله جيد بما فيه الكفاية.
سؤالي:
أليس من الواجب على الأب أن يزوج ابنه، وما هو الواجب عمله في مثل هذه الظروف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوالد ملزم بتزويج ابنه إذا كان الوالد غنياً والابن فقيراً لا يستطيع الزواج؛ لان الزواج من النفقة الواجبة لقوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة / 233، فيجب على الأب أن يزوج أبناءه إذا كان مستطيعاً وهم لا قدرة لهم، وأن ينفق عليهم فيما يتعلق بالطعام والشراب والدراسة ونحو ذلك لان النفقة واجبه على الأب.
ثانياً:
لا يجب على الابن أن يُنفق على أبيه إلا إذا توفر شرطان:
1- أن يكون الولد غنيا. (بأن يكون عنده ما يحتاج وزيادة)
2- أن يكون الأب فقيرا.
فإذا توفر هذان الشرطان فإنه يجب عليه أن ينفق على والده؛ وهنا ذكرت السائلة أن والد زوجها طبيب وان دخله جيد؛ فإذا كان كذلك فإنه لا يجب عليه أن ينفق عليه، ولكن إذا طلب الوالد من ولده شيئا حتى لو كان غنياً؛ وكان الابن لا يحتاج إلى هذا المال ولا يتضرر بإعطاء والده؛ فإنه يعطي أباه لئلا يكون عاقاً لأبيه؛ وأما إن كان الابن محتاجاً للمال فلا يلزمه أن يعطي والده، وليبين لوالده ما يمرّ به من أزمة مالية، وأنه بعد سداد ديونه واستقراره المادي فإن سيقوم بإرسال المال لوالده بقدر استطاعته (ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1660)
هل تنفق على والديها الفقراء بدون رضى زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي بحاجة إلى مساعدة مالية لأن راتبه ضعيف ليصرف على نفسه وعلى والدتي، وأنا أعمل ووضعي المادي جيد جدا وأستطيع أن أصرف وأساعد والدي. لكن زوجي يمنعني من مساعدتهم ماديا بحجة أن لي إخواناً ذكوراً، وهم المسؤولون عن مصروف والديهم وليست مسؤولية البنات. علما بأن إخواني الثلاثة أوضاعهم المادية مستورة ولكنهم لا يستطيعون أن ينفقوا على والديّ. ونحن أربع بنات وأنا الوحيدة التي تعمل وتستطيع مساعدة أهلي ولكن زوجي يمنعني بشدة. ماذا علي أن أعمل هل أطيع زوجي وأسمع كلامه؟ أم أطيع أهلي وأساعدهم حتى لو كان هذا من دون علم زوجي؟ أرجو منكم أن تنصحوني، وهل يجب علي الزوجة إن كانت تريد أن تصرف على أهلها أن تستأذن زوجها في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الولد المستطيع – ذكراً كان أم أنثى – أن ينفق على والديه الفقراء المحتاجين لما يكفيهم.
قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الإسراء/23. ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
وقال ابن المنذر رحمه الله:
أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد اهـ.
ووجود إخوة لك لا يمنع وجوب نفقة الوالدين عليك لأن إخوتك لا يستطيعون أن ينفقوا على والديك كما ذكرت.
انظر: "المغني" (11/375-376)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" ص 487:
وعلى الولد الموسر (أي الغني) أن ينفق على أبيه المعسر (أي الفقير) وزوجة أبيه، وعلى إخوته الصغار اهـ.
وعلى هذا فقول زوجك إن ذلك مسؤولية إخوانك الذكور ليس بصحيح.
وإذا كانت نفقتك عليهم واجبة فلا يجوز لك أن تطيعي زوجك في هذا لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) . رواه البخاري (4340) ومسلم (1840) .
ومع ذلك. . فعليك أن تتلطفي مع زوجك وتحاولي إقناعه بذلك، وأن ذلك أمر فرضه الله عليك، وأن عليه أن يعينك على بر الوالدين والإحسان إليهما.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1661)
نفقة الوالد على ولده إلى متى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابن أختي انتقل إلى السكن معي بعد أن كان يعيش في كنف أبيه، وقبلت ذلك على أن يرسل مبلغاً شهريّاً وقدره 500 ريال، وبعد فترة قطع إرسال المبلغ واحتج أن ابنه لا يقوم بخدمته بحكم البعد عنه وأن علينا أن نتكلف بجميع احتياجاته من أكل وشرب وملبس وزواج وسيارة ووو ... وقد رفض والده أن يرسل ملف ابنه ليتعالج بالمجان على حساب الشركة التي يعمل بها، فهل يحق لنا المطالبة شرعا بالنفقة على ابنه الذي يبلغ من العمر 16 عاما وهو يدرس بالمرحلة الثانوية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل أن ينفق على والديه وأولاده إذا احتاجوا وكانوا فقراء.
قال الخرقي – رحمه الله -:
(ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم) .
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع؛ أما الكتاب فقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، أوجب أجر رضاع الولد على أبيه، وقال سبحانه: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وقال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) متفق عليه.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) رواه أبو داود (3528) وصححه الألباني في إرواء الغليل.
وأما الإجماع: فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.
" المغني " (8 / 169، 170) .
وهذه النفقة الواجبة على الأب لها شروط، منها: أن يكون الابن محتاجاً إلى المال ولا يستطيع الاكتساب عاجزاً عن الكسب لصغره أو مرضه أو غير ذلك، وأن يكون الأب قادراً على الإنفاق.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكونوا فقراء , لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به: فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم , فاضلا عن نفقة نفسه، إما من ماله وإما من كسبه، فأما من لا يفضل عنه شيء , فليس عليه شيء لما روى جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه , فإن فضل فعلى عياله فإن كان فضل , فعلى قرابته) وفي لفظ: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) حديث صحيح، وروى أبو هريرة (أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر قال: أنت أبصر) رواه أبو داود (1691) قال الشيخ الألباني: حسن في سنن أبي داود.
ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة.
الثالث: أن يكون المنفِق وارثا لقول الله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) ؛ ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضى كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم.
" المغني " (8 / 168، 169) .
فالواجب على الأب أن ينفق على ابنه ما يحتاجه حتى يستغنى وقد نص العلماء رحمهم الله على أن من النفقة الواجبة للابن على أبيه أن يزوجه إذا احتاج إلى الزواج.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته , وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي.
" المغني " (8 / 172) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه، إذا كبر واستطاع أن يكتسب لنفسه وأن يستغني بكسبه: فإنه ينتهي حقه على والده في الإنفاق، أما مادام أنه صغير أو كبير ولكنه لم يستغن ولم يقدر على الاكتساب: فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه حتى يستغني، وذلك بموجب القرابة.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 240) .
فالخلاصة: أنه يجب على الوالد أن يتقي الله فيما استرعاه من رعية، فإن كان قادراً على نفقة ولده في التعليم والعلاج وغير ذلك مما يحتاجه الابن فلا يجوز له التقصير فيها.
والنصيحة لكم قبل رفع القضية إلى المحكمة أن توسطوا أهل الخير والصلاح ليقوموا بنصح الأب ووعظه، والإصلاح بينه وبين ولده، فبذله للنفقة عن طيب نفسي بعيداً عن المحاكم أقرب إلى سلامة قلب الأب ورضاه عن ولده.
والنصيحة كذلك للابن أن يبحث عن عمل يستغني به عن نفقة والده – لاسيما وقد بلغ الابن مبلغ الرجال – ويحاول الجمع بين العمل والدراسة، وهو أمر يسير، قد فعله من قبل كثيرون، ومن يستغن يغنه الله.
فإن تعذر ذلك وأصر الأب على موقفه، فلا بأس في هذه الحال من رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليقوم بإلزام الأب بما يجب عليه شرعاً. وكلما كان الأمر أبعد عن المحاكم والخصومات كان أولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1662)
هل يردُّ السلام على طائر الببغاء؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[في بيت جدِّي " ببغاء " حقيقي، إذا مررتُ بجانبه يلقي عليك السلام، فيقول: " السلام عليكم "، ففي هذه الحالة هل يجب عليَّ رد السلام على هذا الطائر؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قال الفيومي رحمه الله:
البَبْغَاءُ:
طائر معروف، والتأنيث للفظ لا للمسمَّى، كالهاء في حمامة، ونعامة، ويقع على الذكر والأنثى، فيقال: " بَبْغَاءُ " ذكر، و" ببْغَاءُ " أنثى، والجمع: " بَبْغَاوَاتٌ "، مثل صحراء وصحراوات.
" المصباح المنير في غريب الشرح الكبير " (1 / 35) .
ثانياً:
الذي يظهر: أنه لا يشرع رد السلام على " الببْغاء " - وقد تُشَدَّدُ الباءُ الثانيةُ - التي تعلَّم إلقاء السلام؛ لأن السلام عبادة، ودعاء، يحتاج لقصد من قائله، ولا قصد لذلك الحيوان المعلَّم، فيمتنع الرد عليه، وحكمه حكم الشريط الذي يسجَّل عليه سلام قائله، فيُسمع، فهو حكاية صوت، وليس له حكم السلام إن كان من صاحبه على الهواء مباشرة؛ فإنه يردُّ عليه وجوباً كفائيّاً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
أحياناً يكون - أي: السلام - مسجَّلاً، ويضعونه على الشريط، ويسحبون عليه، إن كان مسجَّلاً: فلا يجب أن ترد؛ لأن هذا حكاية صوت ... .
" لقاء الباب المفتوح " (229 / 28) .
وانظر تتمة الفتوى، وتفصيل المسألة في جواب السؤال رقم: (128737) .
وعليه: فطائر " الببغاء " لا يقصد السلام؛ لأنه لا عقل له، وما يقوله من ألفاظ فهي ترداد مجرد لما يتعلمه، غير مراد منه، وفيه يقول الشاعر:
ملأ الأرض هتافًا بحياة قاتليه ... يا له من ببغاء عقله في أذنيه
وقد صرح بعض أهل العلم بعدم مشروعية السجود، في حال سُمعت الآية من " ببغاء "، أو سمعت من شريط تسجيل.
وفي نتائج كتاب " بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي " للأستاذ علي بن ذريان بن فارس الحسن العنزي - طبعة دار المنار في الكويت -:
" لا يسجد السامع بسماع سجدة التلاوة من غير الآدمي، كالطيور المعلَّمة، مثل " الببغاء "، وكسماعها مِن الصدى ". انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/1)
التعليق على مقولة " أعذرُ ربي يوم أن فعل بي كذا وكذا "!!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قول الرجل: (بعذر الله بي يوم أنه سوى بي كذا وكذا) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الإسلام عظَّم شأن الكلمة التي يتكلم بها المرء , ولذلك جاء التحذير من إلقاء الكلام على عواهنه، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
قال النووي رحمه الله:
إذا أراد أن يتكلم: فإن كان ما يتكلم به خيراً محقّقاً يثاب عليه، واجباً، أو مندوباً: فليتكلم , وإن لم يظهر له أنه خيرٌ يثاب عليه: فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام، أو مكروه، أو مباح مستوي الطرفين، فعلى هذا: يكون الكلام المباح مأموراً بتركه، مندوباً إلى الإمساك عنه، مخافة من انجراره إلى المحرم، أو المكروه , وهذا يقع في العادة كثيراً، أو غالباً، وقد قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
"شرح مسلم" (2/19) .
وهذه الجملة الوارد ذِكرها في السؤال: قبيحة اللفظ، سيئة المعنى، وهي تحتمل في طياتها معنى لا يليق بالله سبحانه , وكأن العبد له أن يعذر الله، أو لا يعذره! أو ربما لا يعذره في بعض الأمور؛ لأن الله – في ظنه – يظلمه - والعياذ بالله- , والله تعالى يقول: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23، وذلك لكمال حكمته وعلمه وعدله ومشيئته، ويقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/44.
قال ابن كثير رحمه الله في بيان حكمة الله فيما يشرع:
فهو الحاكم، المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون؛ لعلمه، وحكمته، وعدله، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس/ 44، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ربه عز وجل: (يَا عِبَادي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمُ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا) – رواه مسلم -
"تفسير ابن كثير" (4/271) .
ومن اعتقد في ربه تعالى أن له كمال العلم، وكمال العدل، وكمال الحكمة: لم تصدر منه هذه الكلمة، ولا مثيلاتها، وليعلم كل عبدٍ أن الله تعالى لا يؤاخذه على كل ما يعمل، وأنه لو آخذ تعالى الناس بكل ما عملوا ما ترك على ظهر الأرض أحداً، ولذا فإنه تعالى يعفو عن كثير، وما يؤاخذ به فهو القليل من أفعال العباد، قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل/61، وقال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) فاطر/ 45.
والصحيح في هذه الآيات ومثيلاتها أنها عامة في الكفار والمسلمين، كما حققه العلاَّمة الشنقيطي في "أضواء البيان" (2/390 – 393) .
وبه يعلم المسلم أن ما أصابه من مصائب وعقوبات إنما هو بسبب ذنوبه، وما اكتسبته يداه، ولم يظلمه ربه تعالى، بل قد عفا عن كثيرٍ من زلاته، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30.
قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب: فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم، (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) فاطر/ 45.
"تفسير ابن كثير" (4/433) .
فالله تعالى لا يحتاج أن يعذره عباده، فهم الظالمون لأنفسهم، والمقصرون في شكر نعمه، والقيام بحقه.
فعلى المسلم ألا يتلفظ بهذه الكلمة، ومن تلفظ بها فعليه أن يتوب منها ويستغفر، ويندم على قولها، ويعزم على عدم العود لها.
وهذا الذي قلناه إنما هو بحسب ما ظهر لنا من معنى الكلمة، فإن كان المتكلم بها يريد معنىً آخر، فالله أعلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/2)
حديث: (لا تكونوا إمعة) لا يصح سندا، ومعناه صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحّة حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا يكون المؤمن إمّعة، ذا أساء النّاس أساء معهم، وإذا أحسنوا أحسن معهم) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث روي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا) رواه الترمذي (2007) بإسناد ضعيف.
وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "ضعيف الترمذي" غير أنه صححه من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ولا شك أن المعنى الذي تضمنه الحديث صحيح، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحسن اعتقاداته وأقواله وأعماله، سواء أحسن الناس أم أساؤوا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق، بل ينبغي أن يُكَوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعا لا تابعا، وحتى يكون أسوة لا متأسيا، لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) المائدة/3" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/301) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/3)
حكم التلقب في المنتديات بمثل " القرآن والسنَّة " أو " الله ربي " أو القرآن منهجي "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في امرأة، أو رجل يتسمَّى بـ " القرآن والسنَّة " في المنتديات، ويطلب دليلاً من القرآن والسنَّة على تحريم التسمِّي للبشر بالقرآن والسنَّة؟ . وهل يصح مناداته بـ " أخي "، ثم يتبعها بالقرآن والسنَّة؟ . وما حكم الشرع في التسمِّي بأسماء تبدأ بلفظ الجلالة مثل: " الله المستعان "، " الله أعلم "، " الله ربي "، " الله كريم "؟ . ومثل " القرآن طريقي "، " القرآن حياة القلوب "، " القرآن منهجي ". وهل يجوز مناداتهم بـ " أخي "، ثم يتبعونها بهذه الأسماء؟ . أفيدونا جزاكم الله تعالى كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن التسمية من المطالب الشرعية التي عمل الشرع على ضبطها، ووضع القواعد لها؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن التسمية بالأسماء القبيحة , وبالأسماء التي تقتضي تزكية، ومدحاً، كـ " برَّة "، و " تقية "، وغيرها , وحث على التسمية ببعض الأسماء كـ " عبد الله " و " عبد الرحمن "، وكره التسمية ببعض الأسماء، كـ " حرب "، و " مُرَّة ".
وسبب هذا الاهتمام من الشرع أن المسلم مطلوب منه التميز في كل الأمور، حتى في مثل هذه الأمور التي قد يستقلها بعض الناس.
وينظر أجوبة الأسئلة: (7180) و (1692) و (101401) ففيها ضوابط تسمية الذكور، والإناث، وإطلاق الألقاب، وفيها بيان الأسماء المحرَّمة، والمكروهة.
ثانياً:
الذي يظهر: أن التسمية بـ " القرآن والسنَّة "، أو " القرآن طريقي "، أو " القرآن حياة القلوب"، أو " القرآن منهجي ": لا يصح، وذلك لأسباب:
1. سبق في الأجوبة المحال عليها أنه من الأسماء المكروهة التي تشتهر في بعض بلاد المسلمين، الأسماء المضافة إلى لفظ " الدين "، أو " الإسلام "، مثل: نور الدين، أو عماد الدين، أو نور الإسلام، ونحو ذلك فقد كرهها أهل العلم للذكور والإناث، لما فيها من تزكية صاحبها تزكية عظيمة
قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -:
وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين - " الدين "، و " الإسلام " -، فالإضافة إليهما على وجه التسمية: فيها دعوى فجَّة تُطل على الكذب.
" تسمية المولود " (ص 22) .
فهذا الكاتب، وذاك: ليسا هما الكتاب، ولا السنَّة، لا حقيقة ولا حالا.
ومثله، بل أشد منه في المنع، التلقب بـ " سبحان الله "! ، أو " سبحان الله وبحمده "!
سئل علماء اللجنة الدائمة:
مقدَّم لسعادتكم السيد " سبحان الله ميانقل "، باكستاني الجنسية، والمقيم بالمملكة العربية السعودية، بمدينة جدة، وأعمل مؤذناً في وزارة الأوقاف، ولقد تم الاعتراض من قبل إدارة الحج والأوقاف بخصوص اسمي، وكل ما أرجوه من سعادتكم هو إفتاؤنا عن هذا الاسم من الناحية الإسلامية والشرعية، هل هو اسم جائز أم لا؟ وإن كان غير جائز: فالرجاء إفادتنا بمعروض من قبلكم حتى يتسنى لي تغيير الاسم من الجوازات، ولكم جزيل الشكر، والعرفان.
فأجابوا:
يجب عليك تغيير هذا الاسم؛ لأن شخصك ليس هو سبحان الله، وإنما " سبحان الله " ذِكر من الأذكار الشرعية.
ويجب أن يغيَّر إلى اسم جائزٍ شرعاً، كعبد الله، ومحمد، وأحمد، ونحوها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 477، 478) .
2. أن في تلك الأسماء تزكية للمتسمي، أو المتلقب بها، وقد نهى الله تبارك وتعالى عن تزكية النفس، وقد ذكرنا التفصيل في الأجوبة المحال عليها.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ما حكم هذه الألقاب " حجة الله "، " حجة الإسلام "، " آية الله "؟ .
فأجاب:
هذه الألقاب " حجة الله "، " حجة الإسلام ": ألقاب حادثة، لا تنبغي؛ لأنه لا حجة لله على عباده إلا الرسل ... .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 88) .
3. أن فيها منافاة لأسلوب لغة العرب؛ فإن هذه العبارات قد وضعت لمعان مقصودة شرعا، معروفة في لغة العرب، ولا يعرف في لغة العرب التسمي، أو التلقب بـ " الله المستعان "، أو " الله أعلم "، أو " الله ربي "، أو " الله كريم "، ومثيلاتها.
4. أنه ربما يترتب على أولئك الأعضاء الذين تسموا، وتلقبوا بتلك الأسماء، والألقاب: ردودٌ، وتعقبات، فيها إنقاص لقدر القرآن، والسنَّة، والرب تبارك وتعالى، كقولهم لهم: (أخطأت يا " الكتاب والسنة "!) ، و (لم تصب يا " القرآن طريقي "!) ، هذا عدا عما يمكن أن يكون من سب، وشتم، مما يؤدي إلى امتهان هذه المسمَّيات , والقدح بها.
5. أنه قد يُذكر وفاة من تسمى أو تلقب بتلك الألقاب! فماذا سيقال في ذلك المنتدى، وغيره؟! سيقال: وفاة " الله ربي!! "، وسيقال: توفي اليوم "القرآن والسنَّة!! "، ولا شك أن هذا قبيح أشد القبح، ومحرَّم أشد التحريم.
والخلاصة:
أنه يحرم التسمية والتلقب، بتلك الأسماء والألقاب الوارد ذِكرها في السؤال، والنصيحة لأولئك، بل الواجب الشرعي: أن يجتنبوا هذه التسميات والألقاب، وعليهم أن يقتصروا على ما هو صحيح ومباح من الأسماء والألقاب، ويخلو من المخالفة الشرعية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/4)
متابعة أخبار الممثلين فراغ وضياع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم متابعة أخبار الممثلين والممثلات والفساق وإن لم يقلدهم، وخاصة إن كانوا من الكفار أيضا، لكن لا يتأثر بهم، فقط للتسلية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثمة كثير من الأمور التي يتجاوز خطرها الفرد إلى خطورة كامنة على المجتمع كله: على ثقافته، وأخلاقه، وقيمه، وعلى مستقبله المرهون بحاضره وماضيه، ولكنَّ كُمونَ خطورتها تغرُّ بعض الناس حين يقيسها على مستواه الشخصي، وهي في الحقيقة تؤثر فيه أوَّلًا، ثم في غيره ثانيا.
ولعل من أخطر الجوانب الثقافية التي تواجهها مجتمعاتنا اليوم هي " الفن والتمثيل "، فقد غدت البيوت اليوم رهينةَ تلك الشاشات الفضائية المشبعة بالمسلسلات، والأفلام، والمسرحيات، وأبطال السينما والغناء والطرب، ولا يكاد ينجو أحد من هذه البؤر المظلمة إلا القليل، فلكِ أن تتخيلي أختي السائلة حجم الضخ الثقافي الهائل الذي يتدفق من هذه الفئة من الناس!
ولو سألنا أنفسنا من أين وفدت علينا ثقافة الغرب الكافر بل الملحد، ومن أين وفدت إلينا فنون العلاقات المحرمة بين الجنسين، وما الذي أوقد سعار الشهوة والفتنة، وكيف تسلَّلت إلينا عادات أمم تخبطت في الجهل واللذة والشهوة، بل من أين تعلَّمَ أبناؤُنا الجريمة والقطيعة والتيه والضياع، وما الذي حوَّلَ عقول وقلوب كثير من الناس إلى مسرحٍ للأوهام والأحلام الضائعة والأماني الكاذبة.
ولو سألنا أنفسنا أين ذهبت طاقات الشباب، وفي أي شيء صرفت الأعمار، ولماذا ضعف البناء، وكثر الهدم، وماتت الهمم، وطغى سلطان الغفلة، ما الذي تربى أبناؤنا عليه، وشغل فكر فتياتنا، بل وحتى كهولنا، وما الذي خدَّر أمتنا عن العمل والإنتاج والريادة، وساقها إلى واقعٍ مليئ بالحسرات والضعف والهوان، لو بحثنا عن أجوبة تلك الأسئلة لوجدنا الجواب متمثلا وشاخصا في أقبح صوره في الملايين من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات والأغاني التي استحوذت على عقول كثير من الناس اليوم.
أليس لهذه الشاشات الدور الأكبر في طغيان هذا السلطان، وهو طغيان يتضاعف مع الأيام نتيجة سيطرة النظرة المادية للكون كله، حيث تقرر المفاهيم الغربية السائدة اليوم، أن العالم مادة استعمالية للشهوة واللذة، فينبغي استيفاء أكبر قدر من اللذة قبل الموت، ولن يكون ذلك إلا بتفجير طاقات العالم لابتكار الفجور في أبشع وأشنع صوره التي عرفها التاريخ.
هل يريد المتابع لهذه الفئة من الناس أن يساهم في المسخ لكرامة الإنسان، فضلا عن قيمه ودينه ومبادئه.
أليس لنا – ونحن المسلمون الموحدون لله عز وجل - من الطموح والأماني ما يشغل علينا أوقاتنا وجهودنا وأفكارنا عن متابعة أمثال هؤلاء؟!
ألم يفتح الله لنا أبواب الحلال الكثيرة التي تبهج أنفسنا، وتسعدنا وأهلينا السعادة الحقيقية البعيدة عن غضب الله وسخطه؟!
أين هي الغيرة على محارم الله أن تنتهك؟! وأين هي الحمية للفضيلة التي أصبح كثير منا مشاركا في حربها تحت أعذار التسلية وقطع الأوقات؟!!
من يصدق زعم من يزعم من المتابعين أنه لا يحب هؤلاء الممثلين ولا يتشبه بهم، أو لا يتأثر بهم، وإنما يبحث عن التسلية فقط!!
إن كان المتابع شابا فأين سيذهب ببصره عن الصور شبه العارية، وإن كانت المتابعة فتاة فأين ستذهب بنظرها، وقلبها عن صور الرجال الفاتنة ومناظر العلاقات المحرَّمة؟!
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ. لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر/18-21.
ألا نعلم جميعا أننا محاسبون على أعمارنا، مسؤولون أمام الله عن أوقاتنا وسني شبابنا، فكيف سيجيبه من قضى الساعات الطوال منها في متابعة الساقطين من البشر، وكيف سيكون موقف المسلم بين يدي الله تعالى حين يسأله عن قلبه كيف امتلأ بحب أصحاب المعاصي، وخلا من حب الله عز وجل.
هل يبحث هؤلاء الذين يلهثون وراء أخبار الممثلين والممثلات عن السعادة في جنبات كلامهم وعاداتهم، فإن كان كذلك فليشفق على نفسه، وليوقن أنه لن يرجع إلا بالضيق والهم والنكد، كحال هؤلاء الممثلين الذين نسمع عن انتحار بعضهم، وغرق آخرين في المخدرات، وتفكك أسرهم وأمراض آخرين منهم أمراضا نفسية، وهم يتسترون بالابتسامات العريضة أمام شاشات التلفاز.
ولسنا نقول هذا من عند أنفسنا، بل هي الحقائق تتحدث، والقرآن يقرر ذلك في قوله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/124.
إن المحسنين والمصلحين والمخلصين ينتظرون اليوم الذي تقبل فيه الأمة بأغلبيتها على البناء والعمل، وتنتشر بينهم الديانة والفضيلة، وتستتر فيه المعصية أو تنعدم، فلنكن جميعا عونا على قرب ذلك اليوم، ولا نسخر أنفسنا في نصرة الشيطان وجنوده.
وننقل هنا بيانا كتبته اللجنة الدائمة للفتوى (17/117) في شأن خطر المجلات الخليعة، رأيناه مناسبا ومنطبقا تماما على شأن متابعة أخبار الممثلين، ننقله هنا، ونرجو أن يستفيد القارئ منه:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد أصيب المسلمون في هذا العصر بمحن عظيمة، وأحاطت بهم الفتن من كل جانب، ووقع كثير من المسلمين فيها، وظهرت المنكرات، واستعلن الناس بالمعاصي بلا خوف ولا حياء، وسبب ذلك كله: التهاون بدين الله، وعدم تعظيم حدوده وشريعته، وغفلة كثير من المصلحين عن القيام بشرع الله، والأمر المعروف والنهي عن المنكر، وإنه لا خلاص للمسلمين، ولا نجاة لهم من هذه المصائب والفتن إلا بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى، وتعظيم أوامره ونواهيه، والأخذ على أيدي السفهاء، وأطرهم على الحق أطرا.
وإن من أعظم الفتن التي ظهرت في عصرنا هذا ما يقوم به تجار الفساد، وسماسرة الرذيلة، ومحبو إشاعة الفاحشة في المؤمنين: من إصدار مجلات خبيثة تحاد الله ورسوله في أمره ونهيه، فتحمل بين صفحاتها أنواعا من الصور العارية، والوجوه الفاتنة المثيرة للشهوات، الجالبة للفساد، وقد ثبت بالاستقراء: أن هذه المجلات مشتملة على أساليب عديدة في الدعاية إلى الفسوق والفجور، وإثارة الشهوات، وتفريغها فيما حرمه الله ورسوله، ومن ذلك أن فيها:
1- الصور الفاتنة على أغلفة تلك المجلات وفي باطنها.
2- النساء في كامل زينتهن يحملن الفتنة ويغرين بها.
3- الأقوال الساقطة الماجنة، والكلمات المنظومة والمنثورة، البعيدة عن الحياء والفضيلة الهادمة للأخلاق المفسدة للأمة.
4- القصص الغرامية المخزية، وأخبار الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات، من الفاسقين والفاسقات.
5- في هذه المجلات الدعوة الصريحة إلى التبرج والسفور، واختلاط الجنسين، وتمزيق الحجاب.
6- عرض الألبسة الفاتنة الكاسية العارية على نساء المؤمنين؛ لإغرائهن بالعري والخلاعة، والتشبه بالبغايا والفاجرات.
7- في هذه المجلات العناق والضم والقبلات بين الرجال والنساء.
8- في هذه المجلات المقالات الملتهبة، التي تثير موات الغريزة الجنسية قي نفوس الشباب والشابات، فتدفعهم بقوة ليسلكوا طريق الغواية والانحراف، والوقوع في الفواحش والآثام
والعشق والغرام.
فكم شغف بهذه المجلات السامة من شباب وشابات، فهلكوا بسببها، وخرجوا عن حدود الفطرة والدين.
ولقد غيرت هذه المجلات في أذهان كثير من الناس كثيرا من أحكام الشريعة، ومبادئ الفطرة السليمة بسبب ما تبثه من مقالات ومطارحات، فاستمرأ كثير من الناس المعاصي والفواحش، وتعدى حدود الله بسبب الركون إلى هذه المجلات، واستيلائها على عقولهم وأفكارهم. والحاصل: أن هذه المجلات قوامها التجارة بجسد المرأة، التي أسعفها الشيطان بجميع أسباب الإغراء ووسائل الفتنة؛ للوصول إلى نشر الإباحية، وهتك الحرمات، وإفساد نساء المؤمنين، وتحويل المجتمعات الإسلامية إلى قطعان بهيمية، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، ولا تقيم لشرع الله المطهر وزنا، ولا ترفع به رأسا، كما هو الحال في كثير من المجتمعات، بل وصل الأمر ببعضها إلى التمتع بالجنسين عن طريق العري الكامل فيما يسمونه: (مدن العراة) عياذا بالله من انتكاس الفطرة، والوقوع فيما حرمه الله ورسوله.
هذا وإنه بناء على ما تقدم ذكره من واقع هذه المجلات، ومعرفة آثارها وأهدافها السيئة، وكثرة ما يرد إلى اللجنة من تذمر الغيورين من العلماء وطلبة العلم، وعامة المسلمين من انتشار عرض هذه المجلات في المكتبات والبقالات والأسواق التجارية - فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ترى ما يلي:
أولا: يحرم إصدار مثل هذه المجلات الهابطة، سواء كانت مجلات عامة، أو خاصة بالأزياء النسائية، ومن فعل ذلك، فله نصيب من قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) .
ثانيا: يحرم العمل في هذه المجلات على أي وجه كان، سواء كان العمل في إدارتها، أو تحريرها، أو طباعتها، أو توزيعها؛ لأن ذلك من الإعانة على الإثم والباطل والفساد، والله -جل وعلا- يقول: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
ثالثا: تحرم الدعاية لهذه المجلات وترويجها بأية وسيلة؛ لأن ذلك من الدلالة على الشر والدعوة إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) أخرجه مسلم في صحيحه. رابعا: يحرم بيع هذه المجلات، والكسب الحاصل من ورائها كسب حرام، ومن وقع في شيء من ذلك وجب عليه التوبة إلى الله تعالى، والتخلص من هذا الكسب الخبيث.
خامسا: يحرم على المسلم شراء هذه المجلات واقتناؤها؛ لما فيها من الفتنة والمنكرات، كما أن في شرائها تقوية لنفوذ أصحاب هذه المجلات، ورفعا لرصيدهم المالي، وتشجيعا لهم على الإنتاج والترويج، وعلى المسلم أيضا أن يحذر من تمين أهل بيته - ذكورا وإناثا - من هذه المجلات؛ حفظا لهم من الفتنة والافتتان بها، وليعلم المسلم أنه راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة.
سادسا: على المسلم أن يغض بصره عن النظر في تلك المجلات الفاسدة؛ طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبعدا عن الفتنة ومواقعها، وعلى الإنسان ألا يدعي العصمة لنفسه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء، فمن تعلق بما في تلك المجلات من صور وغيرها أفسدت عليه قلبه وحياته، وصرفته إلى ما لا ينفعه في دنياه وآخرته؛ لأن صلاح القلب وحياته إنما هو في التعلق بالله جل جلاله، وعبادته وحلاوة مناجاته، والإخلاص له، وامتلاؤه بحبه سبحانه.
سابعا: يجب على من ولاه الله على أي من بلاد الإسلام أن ينصح للمسلمين، وأن يجنبهم الفساد وأهله، ويباعدهم عن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم، ومن ذلك منع هذه المجلات المفسدة من النشر والتوزيع، وكف شرها عنهم، وهذا من نصر الله ودينه، ومن أسباب الفلاح والنجاح والتمكين في الأرض، كما قال الله سبحانه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) .
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/5)
أمه نصرانية وأبوه مسلم سيء فهل يهاجر من بلده دون إذنهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي مسيحية، وأبي مسلم سيئ، وأريد - إن شاء الله - أن أهاجر - فقط – إن شاء الله ـ لبلد مسلم، فهل من الجائز، أو من الواجب عليَّ تركهما حتى أقوم بواجباتى تجاه الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كل من يعيش في بلاد لا يستطيع فيها القيام بشعائر الإسلام، وبما أوجبه الله عليه: فلا يحل له البقاء فيها، مع توفر بلاد أخرى يستطيع فيها القيام بذلك، ويتحتم ذلك إن كان البدل الذي يعيش فيه من بلاد الكفر، ورأس مال المسلم هو دينه، فيجب الحفاظ عليه، وعدم التفريط فيه، وإذا اختار البقاء في البلاد التي لا يستطيع إظهار دينه والقيام بما أوجبه الله عليه، مع استطاعته الخروج منها إلى بلاد المسلمين: فهو آثم على بقائه، وعلى تفريطه في الواجبات الشرعية، ولن يكون من المعذورين يوم الحساب فيما فرط فيه من دينه.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97.
قال القرطبي – رحمه الله -:
والمراد بقوله (ألم تكن أرض الله واسعة) : المدينة، أي: ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم؟ وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يُعمل فيها بالمعاصي.
" تفسير القرطبي " (5 / 346) .
وقال ابن كثير – رحمه الله -:
وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وخرجوا مع المشركين يوم بدر، فأصيبوا فيمن أصيب، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية، حيث يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي: بترك الهجرة، (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ) أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض (قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 389) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كنتَ تستطيع الانتقال إلى بلاد المسلمين: فإنه يجب عليك ذلك؛ فراراً بدينك؛ لأن الله سبحانه قد أوجب على المسلم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وتوعد من لم يفعل ذلك، وهو قادر عليه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
وأما إذا كنت لا تستطيع الهجرة: فإنك معذور، بشرط التمسك بدين الإسلام، والثبات عليه؛ لقوله تعالى بعد الآية السابقة: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً) النساء/ 98، 99.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 57، 58) .
وقالوا – أيضاً -:
لا تجوز الإقامة في بلد يحال فيه بين المسلم وإظهاره شعائر الإسلام وإعلانها، فعلى من يستطيع الهجرة أن يهاجر منه إلى بلد يتمكن فيها من إقامة شعائر دين الإسلام وإعلانها، ويتم له التعاون مع المسلمين على البر والتقوى، ويكثر به سواد المسلمين، وسوف لا يعدم رزقاً؛ فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً، ومن بقي في تلك الأماكن وأمثالها مما فيه حجر على المسلمين في إعلان شعائر دينه، بعد قدرته على الهجرة منه: فهو آثم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 54، 55) .
ومن هاجر في سبيل الله تعالى فراراً من الفتن، وإقامة لشعائر الدين: فإن الله قد وعده بالهداية والتوفيق والرزق.
قال تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) النساء/100.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال/74.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) النحل/41.
وقال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/110.
وانظر جواب السؤال رقم: (3225) ففيه بيان المواصفات الواجب توافرها في البلاد المهاجر إليها.
ثانياً:
بالنسبة لوالديك: فإنه إن كان وجودك عندهما يمنعك من إقامة شعائر دينك، والقيام بما أوجبه الله تعالى عليك: فإنه لا يجب عليه الاستئذان منهما، وبخاصة أن والدتك كافرة، ووالدك إن كان لا يصلي ـ البتة ـ فهو يلحق بها في الحكم؛ لأنه يكون بتركه للصلاة مرتداً، وقد نصَّ العلماء أن الذي يُستأذن هما الأبوان المسلمان، وحتى لو كانا مسلميْن: فإنه لا ينبغي اختيار البقاء معهما على حساب القيام بالواجبات الشرعية؛ لأن الهجرة تصير في حقك واجبة.
عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا.
رواه البخاري (1671) ومسلم (2549) .
قال الخطابي – رحمه الله -:
إن كان الخارج فيه متطوعاً: فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين، فأما إذا تعيَّن عليه فرض الجهاد: فلا حاجة إلى إذنهما، هذا إذا كانا مسلميْن، فإن كانا كافريْن: يخرج بدون إذنهما، فرضاً كان الجهاد، أو تطوعا.
انظر " عون المعبود " (5 / 424) .
وفي " دليل الفالحين لطرُق رياض الصالحين " (2 / 463) لمحمد بن علان الصديقي – رحمه الله -:
أسقط الشارع عنه وجوب الهجرة تقديماً لحق أبويه، فإن الهجرة إن كانت واجبة عليه: فقد عارضها ما هو أوجب منها، وهو حق الوالدين، وإن لم تكن واجبة: فالواجب أولى، لكن هذا إنما يصح ممن يسلم له دينه في موضعهما، أما لو خاف على دينه: وجب عليه الفرار به، وترك آبائه، وأبنائه، كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من العباد.
انتهى.
ولا ننسى في النهاية أن نذكرك بدعوة والديك للحق، فهما أحوج ما يكون لذلك؛ إنقاذاً لهما من الكفر والإثم، وعليك سلوك الطرق الحكيمة في دعوتهما، وبما أنك تحتاج للهجرة من أجل دينك، ولا يظهر أن والديك يحتاجانك، وهما على ما هما عليه من الكفر والضلال: فلا تتحرج من الهجرة لبلاد تنقذ بها نفسك، مع ضرورة التنبه لدعوة أهلك، والإحسان إليهم، وحتى لو سافرت وهاجرت فلا تقطع الصلة بهما، وداوم على دعوتهما، فلعل الله أن ينقذهما بك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/6)
خلافات أدت إلى قطيعة الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك خلافات عائلية بين أبي وعمتي مما جعل صلة الرحم تنقطع بيننا، هل في ذلك إثم؟ علما أن العمة تقوم بزيارتنا من جهتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، والنصوص الكثيرة في الكتاب والسنة التي جاءت في الأمر بصلة الرحم تدل على عظم شأن هذا الموضوع في شريعتنا السمحة، فإن من أعظم مقاصد الشريعة التأليف بين الناس، وحفظ روابط الأخوة والصلة بينهم.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) الرعد/21
ومما جاء في السنة النبوية من التشديد في قطيعة الرحم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) رواه البخاري (5987) ومسلم (2554)
ولو تأمل الناس فيما يسبب قطيعة الرحم بينهم لوجدوه شيئا من حطام الدنيا الزائل، مما لا يغني عند الله شيئا يوم القيامة، أو يكون بسبب ما ينزغ الشيطان بينهم، فيوقع بينهم العداوة والبغضاء بأسباب تافهة لا تستحق الالتفات إليها أصلا.
وذلك مع أن الشريعة تأمر بالصلة ولو كان ثمة سبب معتبر للقطيعة، وتحث المؤمنين على تجاوز الأخطاء والتعامل بالعفو والصفح والمسامحة، وليس بتصيد الأخطاء واكتناز الحقد والبغض والحسد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
(أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟
فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) رواه مسلم (2558)
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/115) :
" المَل: الرماد الحار. ويجهلون أي يسيئون. ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه. وقيل: معناه أنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم والله أعلم " انتهى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)
رواه البخاي (5991)
هذه هي الأخلاق التي يدعو لها الإسلام أخي الكريم، ولا ينبغي لأحد أن يتردد في الإنكار على من يقطع أخته أو أمه من صلته، ولا يجوز لك أخي السائل أن توافق والدك في قطيعته لأخته، بل يجب عليك صلتها والإحسان إليها، ومحاولة الإصلاح بينها وبين والدك، وبذل كل الجهود في ذلك.
ويمكنك مراجعة موقعنا في جواب السؤال رقم (4631) ، (7571) ، (75411)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/7)
فسخ الخطبة بسبب رؤيا منام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز فسخ الخطوبة بعد سنتين لأن الخطيب رؤي في حلم سيء بعد الاستخارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم ينطلق في أحكامه وفهمه لواقعه ومعايشته لتجارب زمانه من منطلقات العقل والحكمة، والأسباب التي أمر الله سبحانه وتعالى بمراعاتها والأخذ بها، وبذلك جاءت الشريعة الإسلامية، تأمر بالنظر والتفكر واستعمال موازين العقل والتجربة، ثم الحكم بعد ذلك على الأشخاص أو الأعمال.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة/242
وليس في شريعتنا أبدا الركون إلى الرؤى والأحلام والمنامات، لا في معايش الدنيا ولا في أحكام الدين، فإن المعرفة المتحصلة عن طريق الرؤى والمنامات غير منضبطة ولا متيقنة، بل يداخلها الشك والريبة، ولا يمكن أن تُرجع الشريعة الناس في معارفهم إلى مصادر موهومة لا تحقق أدنى مستويات العلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ) رواه مسلم (2263)
فالشيطان له نصيب مما يراه الإنسان في منامه، كما للنفس نصيب أيضا، وتمييز ذلك قد لا يكون واضحا في جميع الأحيان، فكيف يطمئن المسلم إلى منام رآه ثم يبني عليه اختياره وهو يعلم أن الشيطان قد يكون له منه أوفر حظ ونصيب؟!
ومن ذلك أمر الزواج أيضا، فقد حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصفات التي ينبغي أن ينبني عليها الحكم بالقبول أو الرفض فيمن يتقدم للخطبة فقال:
(إذا جاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
رواه الترمذي (1085) وقال حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فجعل الخلق والدين هو المقياس الذي ينبغي أن يتحاكم إليه الناس في رفضهم أو قبولهم، وينبغي للسائلة الكريمة ألا تلتفت إلا إليه، ولا تستجيب لما تراه في منامها من أمور قد يكون للشيطان فيها نصيب، يريد بها التفريق بين الزوجين وإحداث الشقاق والنزاع.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 5/سؤال رقم 17) ما يلي:
خطب رجل امرأة، فرأته في المنام حالق اللحية، فهل توافق عليه أم لا؟ وفي اليقظة ظاهره طيب، لم يحلق اللحية، وهو شخص ملتزم ولا نزكي على الله أحدا ً.
فأجاب رحمه الله:
" المرأة التي رأت الرجل الذي خطبها في المنام حالق اللحية وهو في الواقع ليس بحالق لها لا يضرها ما رأت في المنام، ولا ينبغي أن يمنعها من التزوج به ما دام مستقيماً في دينه وخلقه " انتهى.
ثم يجب التنبه إلى أن الاستخارة لا علاقة لها برؤيا المنام – كما يظن كثير من الناس -، فإن المقصود من الاستخارة هو سؤال الله تعالى تيسير خير الأمرين، والالتجاء إليه سبحانه في الإرشاد إلى أحسن الأمور، والاستخارة دعاء إذا استجاب الله له يسر الأمر الذي اختاره المستخير – بعد التفكير والتأمل – ولا يرتبط الدعاء من قريب أو بعيد برؤيا المنام.
فالنصيحة للأخت السائلة الكريمة أن تراجع أمرها، ولا تسعى في خراب رابطتها الزوجية بمجرد رؤيا منامية، بل ينبغي أن تحكم الدين والعقل في أمر خطيبها، ثم تتخذ بعد ذلك الموقف المناسب.
وانظري جواب السؤال رقم (25793) ، (34726)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/8)
هل يجوز الدعاء لعموم المسلمين بالمغفرة مع علمنا بحصول العذاب لبعضهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أستفسر عن بعض الأدعية، مثلاً: " اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات "، " اللهم اغفر لنا جميعاً "، هل تجوز مثل تلك الأدعية مع أن تحققها مخالف لإرادة الله؟ وكيف نرد على من يشكك في مثل تلك الدعوات عند صدورها في أوقات الإجابة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدعاء بالمغفرة للمسلمين والمسلمات على سبيل العموم: لا حرج فيه، ويدل على هذا الجواز بضعة أدلة، منها:
1. قوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) محمد/ 19.
عن عاصِم الأحول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا - أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا - قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .
رواه مسلم (2346) .
وفي تفسير قوله تعالى (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) أقوال، وأحد هذه الأقوال فيه إيجاب الاستغفار لجميع المسلمين.
قال القرطبي – رحمه الله -:
وقيل: الخطاب له، والمراد به: الأمَّة، وعلى هذا القول توجب الآية استغفار الإنسان لجميع المسلمين.
" تفسير القرطبي " (16 / 242) .
وعن ابن جريج قال: قلتُ لعطاء: أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات؟ قال: نعم، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) ، قلتُ: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً؟ قال: لا، قلت: فبِمَن تبدأ، بنفسك أم بالمؤمنين؟ قال: بل بنفسي، كما قال الله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) .
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ.
رواه الترمذي (1024) وأبو داود (3201) النسائي (1986) .
قال ابن علان الصدِّيقي – رحمه الله -:
(اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا) أي: لجميع أحيائنا، وأمواتنا، معشر المسلمين، لأن المفرد المضاف حيث لا عهد: للعموم.
" دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين " (6 / 240) .
3. وهو فعل الملائكة عليهم السلام، كما قال تعالى عنهم: (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ) الشورى/ 5.
4. وهو فعل الأنبياء، والصحابة، والتابعين، وجماهير العلماء، من المتقدمين، والمتأخرين.
أ. قال نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/ 28.
ب. وقال إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/ 41.
ج. وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
روى عبد الرزاق في " المصنف " (3 / 111) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يأثر عن عر بن الخطاب في القنوت أنه كان يقول: " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم ... ".
رَوَاهُ البَيْهَقِيّ في " السنن الكبرى " (2 / 210) وَقَالَ: صَحِيح مَوْصُول.
" تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج " (1 / 410) .
د. وهو وصية ابن عباس رضي الله عنهما:
ففي " فضل الصلاة على النبي " لإسماعيل القاضي (ص 67) - وصححه الشيخ الألباني - عن ابن عباس أنه قال: لا تصلوا صلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار.
هـ. وهو قول عموم المؤمنين، كما أخبر الله عنهم في قوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/ 10.
وفي جواب السؤال رقم (104460) نص في جواز ذلك الدعاء – بل والحث عليه – عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وفي الجواب نفسه تخريج لأحاديث مرفوعة ضعيفة في الباب.
ثانياً:
أما قول من عارض هذا الدعاء بأن الله تعالى قد قدَّر أن لا تكون مغفرة لعموم المسلمين، وأنه لا شك سيدخل منهم طائفة النار: فهي معارضة لا تسلم لقائلها؛ لأنه خلط " القدر " بـ " الشرع "، فنحن مأمورون – أو يستحب لنا – بالشرع: الدعاء لعموم المسلمين بالمغفرة، وهو لا يتعارض مع ما ليس لنا به تعلق مما قدَّره الله تعالى على طائفة من المسلمين، ومما يدل على ذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد علَّمنا أدعية الاستغفار، وأوصى المسلمين بذكرها وقولها، ونحن على علم أنه لن يستجاب لطائفة من قائليها، وما ذكرناه من أدلة – أيضاً - يؤكد خطأ من منع منها، ويؤكد سلامة الدعاء بعموم المغفرة للمسلمين والمسلمات.
وأقدم من رأيناه يعترض على هذا الدعاء هو أبو العباس القرافي – توفي 684 هـ - حيث جعل الدعاء بذلك من المحرمات! فقال:
الفروق مع هوامشه - (4 / 463)
القسم الخامس في المحرم الذي ليس بكفر: أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل السمع الوارد بطريق الآحاد على ثبوته، وقولي " بطريق الآحاد ": احتراز من المتواتر؛ فإن طلب نفي ذلك من قبيل الكفر - كما تقدم -، وله أمثلة:
الأول: أن يقول " اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم "، وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا بدَّ من دخول طائفة من المسلمين النار، وخروجهم منها، بشفاعة وبغير شفاعة، ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم، فلو غفر للمسلمين كلِّهم ذنوبَهم كلها: لم يدخل أحد النار، فيكون هذا الدعاء مستلزماً لتكذيب تلك الأحاديث الصحيحة! فيكون معصية، ولا يكون كفراً؛ لأنها أخبار آحاد والتكفير إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة أو بالتواتر ... .
طلب الملائكة المغفرة للمؤمن بقولهم (فاغفر للذين تابوا) وقوله تعالى (ويستغفرون لمن في الأرض) : لا عموم في تلك الألفاظ؛ لكونها أفعالاً في سياق الثبوت، فلا تعم، إجماعاً، ولو كانت للعموم: لوجب أن يُعتقد أنهم أرادوا بها الخصوص، وهو المغفرة من حيث الجملة؛ للقواعد الدالة على ذلك ... .
" الفروق مع هوامشه " (4 / 463 - 465) .
وقد تعقبه " أبو القاسم بن الشاط المالكي " رحمه الله – توفي 723 هـ - فقال – كما في هامش " الفروق " المسمى " إدرار الشروق " (4 / 488) -:
وما قاله من الدعاء بهذه الأدعية ونحوها معصية: مجرد دعوى، ومِن أين يلزم أن لا يُدعى إلا بما يجوز وقوعه؟! لا أعرف لذلك وجهاً، ولا دليلاً.
وما المانع من أن يكلِّف الله خلقه أن يطلبوا منه المغفرة لذنوب كلِّ واحدٍ من المؤمنين، مع أنه قد قضى بأن منهم من لا يغفر له؟! ومِن أين يلزم المنافاة بين طلب المغفرة ووجوب نقيضها؟! هذا أمر لا أعرف له وجهاً إلا مجرد التحكم بمحض التوهم.
وما قاله من أنه لا عموم في قوله تعالى (فاغفر للذين تابوا) ، وقوله تعالى (ويستغفرون لمن في الأرض) لكونها أفعالاً في سياق الثبوت: خطأ فاحش؛ لأنه التفت إلى الأفعال دون ما بعدها من معمولاتها، والمعمولات في الآيتن لفظاً: عموم.
وبالجملة: فقد كلَّف هذا الإنسان نفسَه شططاً، وادَّعى دعوى لا دليل عليها، ولا حاجة إليها؛ وهماً منه وغلطاً.
انتهى
وسئل الشيخ عبد الكريم الخضير – حفظه الله -:
ما وجهة من يقول: إن الدعاء على الكافرين فيه تعدي؛ لأن في علم الله أنهم موجودون إلى يوم القيامة؟ .
فأجاب:
المسلم مطالب بأن يدور مع الإرادة الشرعية، أما الإرادة الكونية القدرية: ليس مطالباً بها، لقائل أن يقول: لماذا تدعو لعموم المسلمين والله يعلم أن منهم من يموت وهو مرتكب كبيرة؟ نعم، وُجد مَن يمنع حتى هذا من أهل العلم، من يقول: لا يجوز الدعاء لعموم المسلمين، وُجد مَن يمنع الدعاء لعموم المسلمين لأن في علم الله أن من يموت وهو مرتكب كبيرة، هذا مخالف الإرادة الكونية! إذاً لا تدعو لنفسك، الله أعلم بما يختم لك به! ولا تدعو لولدك، الله أعلم بما يستمر عليه! أنت مطالب بالدعاء، وهذه المطالبة إرادة شرعية، إما الإرادة الكونية: فهي لله جل وعلا ليست لك.
" شرح الموطأ " كتاب الجنائز، بَاب: " النَّهْيِ عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ ".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/9)
هل قلب المسلم يُطبع عليه كما يطبع على قلب الكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الله يطبع على قلب الكافر فلا يرى الحق , أو يرى الباطل حقا , ولكن هل يمكن أن يطبع الله عز وجل على قلب مسلم , وكيف يكون ذلك , وما دلالاته , وهل لذلك علاج. بارك الله فيكم ونفعنا بكم وبعلمكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الطبع على القلوب يكون على قلوب الكفار، وعلى قلوب المسلمين العاصين، فأما الطبع على قلوب الكفار: فهو طبعٌ على القلب كله، وأما الطبع على قلوب المسلمين العاصين: فيكون طبعاً جزئيّاً، بحسب معصيته، وفي كل الأحوال ليس الطبع ابتداء من الرب تعالى، بل هو عقوبة لأولئك المطبوع على قلوبهم، أولئك بما كفروا، والآخرون بما عصوا، كما قال تعالى في حق الكفار: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء/ 155.
ثانياً:
من الطبع الوارد في الشرع في حق عصاة المسلمين:
1. الطبع بسبب كثرة الذنوب والمعاصي على العموم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .
رواه الترمذي (3334) وقال: حسن صحيح، وحسَّنه الألباني.
والريْن هو الطبع.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
عن مجاهد في قوله (بل ران على قلوبهم) قال: ثبتت على قلوبهم الخطايا حتى غمرتها.
انتهى
والران، والرين: الغشاوة، وهو كالصدأ على الشيء الصقيل.
... .
عن مجاهد قال: كانوا يرون الرين هو الطبع.
" فتح الباري " (8 / 696) .
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
الذنوب إذا تكاثرت: طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) قال: هو الذنب بعد الذنب، وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب، حتى قال: وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية، فاذا زادت: غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طبْعاً، وقفلاً، وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فاذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة: انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه، ويسوقه حيث أراد.
" الجواب الكافي " (ص 139) .
2. التعرض لفتن الشهوات، والشبهات.
عن حُذَيْفَة قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) .
رواه مسلم (144) .
مرباداً: الذي في لون رُبدة، وهي بين السواد والغبرة.
كالكوز مجخياً: كالإناء المائل عن الاستقامة والاعتدال.
قال النووي – رحمه الله -:
قال القاضي رحمه الله – أي: القاضي عياض -: شبَّه القلب الذى لا يعي خيراً: بالكوز المنحرف الذي لا يثبت الماء فيه.
وقال " صاحب التحرير " – وهو محمد بن إسماعيل الأصبهاني -: معنى الحديث: أن الرجل إذا تبع هواه، وارتكب المعاصي: دخل قلبَه بكل معصية يتعاطاها: ظلمةٌ، وإذا صار كذلك: افتُتن، وزال عنه نور الإسلام، والقلب مثل الكوز، فإذا انكب: انصب ما فيه، ولم يدخله شيء بعد ذلك.
" شرح مسلم " (2 / 173) .
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
والفتن التي تُعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي فتن الشهوات، وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل، فالأولى: توجب فساد القصد والإرادة، والثانية: توجب فساد العلم والاعتقاد.
" إغاثة اللهفان " (1 / 12) .
3. الطبع بسبب التخلف عن صلاة الجمعة.
أ. عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) .
رواه الترمذي (500) وأبو داود (1052) والنسائي (1369) وابن ماجه (1126) .
قال ابن الجوزي – رحمه الله -:
أَصْلُ الطَّبْعِ: الوَسَخُ، والدَّرَنُ، ويحتمل أَنْ يُراد به: الخَتْمُ عَلَى القَلْبِ، حَتَّى لاَ يَفْهَمَ الصَّوابَ.
" غريب الحديث " (2 / 26، 27) .
والمعني الثاني هو الأظهر عند عامة الشرَّاح.
قال السيوطي:
قال الباجي: معنى الطبع على القلب: أن يُجعل بمنزلة المختوم عليه، لا يصل إليه شيء من الخير.
" تنوير الحوالك شرح موطأ مالك " (1 / 102) .
وقال المباركفوري – رحمه الله -:
قوله (تهاوناً بها) قال العراقي: المراد بالتهاون: الترك عن غير عذر، والمراد بالطبع: أنه يصير قلبُه قلبَ منافق. انتهى.
" تحفة الأحوذي " (3 / 11) .
ب. وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) .
رواه مسلم (865) .
قال الصنعاني – رحمه الله -:
(لينتهين أقوام عن وَدْعهم) بفتح الواو وسكون الدال المهملة وكسر العين المهملة أي: تركهم الجمعات.
(أو ليختمن الله على قلوبهم) الختم: الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه؛ كتماً له، وتغطية؛ لئلا يتوصل إليه، ولا يطلع عليه، شبهت القلوب بسبب إعراضهم عن الحق واستكبارهم عن قبوله وعدم نفوذ الحق إليها: بالأشياء التي استوثق عليها بالختم، فلا ينفذ إلى باطنها شيء، وهذه عقوبة على عدم الامتثال لأمر الله، وعدم إتيان الجمعة من باب تيسير العسرى.
(ثم ليكونن من الغافلين) بعد ختمه تعالى على قلوبهم، فيغفلون عن اكتساب ما ينفعهم من الأعمال، وعن ترك ما يضرهم منها.
وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن ترك الجمعة والتساهل فيها.
وفيه إخبار بأن تركها من أعظم أسباب الخذلان بالكلية.
" سبل السلام " (2 / 45) .
ومعنى " من باب تيسير العسرى ": من بخل بطاعة ربه، وتأخر عنها: صار ذلك الكسل والتأخر عن الطاعة عادة ملازمة له، يسهل عليه إتيانها، ويشق عليه تركها، وهي طريق موصلة للعسرى. قال ابن كثير رحمه الله:
" {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي: لطريق الشر، كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 11] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يُجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشر بالخذلان. وكل ذلك بقدر مُقدّر. " انتهى. "تفسير ابن كثير" (8/417) .
والخلاصة:
أن الناس أربعة أصناف: كافر، ومنافق، ومؤمن، ومسلم عاصٍ، ولكل واحدٍ من أولئك قلبه الخاص به، ومن طبع عليه من الكفار والمنافقين: فهو طبع كلي، لا يدخل إليهم نور الإسلام، ولا يخرج منهم ظلمة الكفر، وأما الطبع على قلب المسلم العاصي: فهو بحسب ما ارتكب من ذنوب يكون حاله، وهو دائر بين قلبين، وقد يصل حاله لقلب المنافق - أو الكافر -، وذلك بحسب زيادة المعاصي تأثير المعاصي في قلبه، وتكاثرها عليه.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وقد قسَّم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوبَ إلى أربعة، كما صح عن حذيفة بن اليمان: " القلوب أربعة: قلب أجرد، فيه سراج يُزهِر، فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق، عَرفَ ثم أنكر، وأبصر ثم عمى، وقلبٌ تُمِدُّه مادتان: مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما ".
فقوله: " قلب أجرد " أي: متجرد مما سوى الله ورسوله، فقد تجرد وسلِم مما سوى الحق، و " فيه سراج يزهر " وهو مصباح الإيمان، فأشار بتجرده إلى سلامته من شبهات الباطل، وشهوات الغي، وبحصول السراج فيه إلى إشراقه، واستنارته بنور العلم، والإيمان.
وأشار بالقلب الأغلف: إلى قلب الكافر؛ لأنه داخل في غلافه، وغشائه، فلا يصل إليه نور العلم والإيمان، كما قال تعالى حاكياً عن اليهود: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) البقرة/ 88، وهو جمع أغلف، وهو الداخل في غلافه، كقُلف وأقلف، وهذه الغشاوة هي الأكِنَّة التي ضربها الله على قلوبهم عقوبة لهم على رد الحق، والتكبر عن قبوله، فهي أكنة على القلوب، ووقْر في الأسماع، وعمًى في الأبصار، وهي الحجاب المستور عن العيون في قوله تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً. وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً) الإسراء/ 45، 46، فإذا ذكر لهذه القلوب تجريد التوحيد وتجريد المتابعة ولى أصحابها على أدبارهم نفورا
وأشار بالقلب المنكوس، وهو المكبوب: إلى قلب المنافق، كما قال تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) النساء/ 88، أي: نكسهم، وردهم في الباطل الذي كانوا فيه بسبب كسبهم، وأعمالهم الباطلة، وهذا شر القلوب، وأخبثها؛ فإنه يعتقد الباطل حقّاً، ويوالي أصحابه، والحقَّ باطلاً، ويعادي أهله، فالله المستعان.
وأشار بالقلب الذي له مادتان: إلى القلب الذي لم يتمكن فيه الإيمان، ولم يزهر فيه سراجه، حيث لم يتجرد للحق المحض الذي بعث الله به رسوله، بل فيه مادة منه، ومادة من خلافه، فتارة يكون للكفر أقرب منه للإيمان، وتارة يكون للإيمان أقرب منه للكفر، والحكم للغالب، وإليه يرجع.
" إغاثة اللهفان " (1 / 12، 13) .
ثالثا:
ليعلم أن معرفة أسباب النجاة من ذلك البلاء، وفك قفل القلوب، وفتحها لأسباب الهدى: ليعلم أن ذلك هو أهم ما ينبغي للعبد أن يصرف همته إليه، فإن ذلك هو نجاته في الدنيا والآخرة.
وقد مر معنا في حديث أبي هريرة: (فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ) ؛ فهذا أول ما يعمل العبد إذا أراد لنفسه النجاة: أن يعلم الذنب الذي أتي من قبله، والباب الذي دخل عليه البلاء منه، ثم يطهر نفسه من رجس ذلك الذنب، ويغلق عن نفسه باب ذلك البلاء.
وفي الحديث الآخر، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا: نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) رواه مسلم (144) .
فقد بين أن صمود القلب أمام ما يطرقه من فتن الشبهات والشهوات، وثباته في مواقف الفتن: هو من أعظم أسباب هدايته، وحفظ صحته، وأن تعرضه للفتن، واستجابته لها: هو من أعظم أسباب ضلاله وفساد حاله.
وفوق ذلك كله، وقبل ذلك كله، وأيضا: بعد ذلك كله: أن يلازم الافتقار إلى من بيده مقاليد كل شيء: أن يزيل عنه ما أصابه، وأن يفتح قلبه للهدى والنور.
قال ابن القيم رحمه الله:
" ومما ينبغي أن يعلم: أنه لا يمتنع مع الطبع والختم والقفل حصول الإيمان؛ بأن يفَك الذي ختم على القلب وطبع عليه وضرب عليه القفلَ، ذلك الختمَ والطابع والقفل، ويهديه بعد ضلاله، ويعلمه بعد جهله، ويرشده بعد غيه، ويفتح قفل قلبه بمفاتيح توفيقه التي هي بيده، حتى لو كتب على جبينه الشقاوة والكفر: لم يمتنع أن يمحوها ويكتب عليه السعادة والإيمان. وقرا قارئ عند عمر بن الخطاب: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وعنده شاب فقال: (اللهم عليها أقفالها، ومفاتيحها بيدك لا يفتحها سواك) ، فعرفها له عمر وزادته عنده خيرا. وكان عمر يقول في دعائه: (اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت) ...
والمقصود: أنه مع الطبع والختم والقفل، لو تعرض العبد أمكنه فك ذلك الختم والطابع وفتح ذلك القفل؛ يفتحه من بيده مفاتيح كل شيء.
وأسباب الفتح مقدورة للعبد غير ممتنعة عليه، وإن كان فك الختم وفتح القفل غير مقدور له؛ كما أن شرب الدواء مقدور له، وزوال العلة وحصول العافية غير مقدور، فإذا استحكم به المرض وصار صفة لازمة له، لم يكن له عذر في تعاطي ما إليه من أسباب الشفاء، وإن كان غير مقدور له، ولكن لما ألف العلة وساكنها، ولم يحب زوالها ولا آثر ضدها عليها، مع معرفته بما بينها وبين ضدها من التفاوت: فقد سد على نفسه باب الشفاء بالكلية ...
فإذا عرف الهدى فلم يحبه ولم يرض به، وآثر عليه الضلال مع تكرار تعريفه منفعة هذا وخيره، ومضرة هذا وشره: فقد سد على نفسه باب الهدى بالكلية.
فلو أنه في هذه الحال تعرض وافتقر إلى من بيده هداه، وعلم أنه ليس إليه هدى نفسه، وأنه إن لم يهده الله فهو ضال، وسأل الله أن يُقبِل بقلبه، وأن يقيه شر نفسه: وفَّقَه وهداه، بل لو علم الله منه كراهيةً لما هو عليه من الضلال، وأنه مرض قاتل، إن لم يشفه منه أهلكه: لكانت كراهته وبغضه إياه، مع كونه مبتلي به، من أسباب الشفاء والهداية؛ ولكن من أعظم أسباب الشقاء والضلال: محبته له ورضاه به، وكراهته الهدى والحق.
فلو أن المطبوع على قلبه، المختوم عليه، كره ذلك ورغب إلى الله في فك ذلك عنه، وفعل مقدوره: لكان هداه أقرب شيء إليه، ولكن إذا استحكم الطبع والختم حال بينه وبين كراهة ذلك، وسؤال الرب فكه وفتح قلبه ". انتهى.
" شفاء العليل"، لابن القيم (192-193) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/10)
ما هو مقدار " الساعة " الواردة في الآيات والأحاديث؟ وهل هو ستون دقيقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر أن هناك ساعة في يوم الجمعة الدعاء فيها مستجاب، وأن هذه الساعة تكون قبل المغرب على الرأي الأرجح، فهل معنى الساعة هو المعنى المتعارف عليه 60 دقيقة؟ أم أن المقصود مدة زمنية فقط؟ وهل يصح أن أنظر إلى وقت أذان المغرب فأحسب ساعة من قبلها فأبدأ الدعاء؟ أم أنه يلزم الجلوس بين العصر والمغرب آملاً في أن أوافق هذه الساعة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت لفظة " ساعة " في كتاب الله تعالى، وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كلام الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم، والأئمة من بعدهم، وليس المراد بها قطعا الساعة بمعناها العرفي الحديث، وهي " ستون دقيقة "؛ لأن الساعة بهذا المقدار لم تكن تُعرف في زمانهم، والساعة في وضعها الحالي لم تكن مصنوعة أصلاً، فلا اليوم كان مقسَّماً على أربع وعشرين ساعة، ولا الساعة كانت محسوبة بالدقائق، بل إن معنى " الساعة " في أكثر استعمالاتها هي بمعنى " الجزء من النهار "، أو " الجزء من الليل "، وقد تطول أو تقصر، بحسب السياق والمراد في استعمالها، كما أنها تطلق تلك اللفظة على " القيامة "، وقد جمع المعنيان في سياق واحد، وذلك في قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) الروم/ 55، فلفظة " الساعة " الأولى بمعنى: " القيامة "، والآخر بمعنى: " الجزء من الزمان ".
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
يُخبر تعالى عن يوم القيامة، وسرعة مجيئه، وأنه إذا قامت الساعة: (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) بالله أنهم (مَا لَبِثُوا) في الدنيا إلا (سَاعَة) ؛ وذلك اعتذار منهم، لعله ينفعهم العذر، واستقصار لمدة الدنيا.
" تفسير السعدي " (ص 645) .
وتطلق – أيضاً – ويراد بها: " الوقت الحاضر ".
قال الفيروزآبادي – رحمه الله -:
والساعَةُ: جُزْءٌ من أجْزاءِ الجَديدَيْنِ، والوَقْتُ الحاضِرُ، (والجمع) : ساعاتٌ، وساعٌ، والقيامَةُ، أو الوَقْتُ الذي تقومُ فيه القيامةُ.
" القاموس المحيط " (ص 944) .
والجديدان هما: الليل والنهار.
ثانياً:
بناء على ذلك يتبين أن " الساعة " المقصودة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة، وما يشبهه: أن المراد بها: جزء من الوقت، وقد يقصر ذلك الجزء، أو يطول، ويُعرف ذلك من خلال سياق الحديث، فساعة الاستجابة يوم الجمعة قصيرة الزمن، ووقت ساعة الاستجابة كل ليلة أطول منه.
والأحاديث بنصوصها، وفهمها يدلان على ذلك:
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) .
رواه البخاري (893) ومسلم (852) .
وزاد مسلم في لفظ عنده (وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ) .
قال الشيخ محمد بن علان الصديقي – رحمه الله -:
(بيده يقللها) أي: يبين أنها لحظة، لطيفة، خفيفة، وزاد مسلم: (وهي ساعة خفيفة) .
" دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين " (6 / 479) .
ب. عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) .
رواه مسلم (757) .
قال الشيخ محمد بن علان الصديقي – رحمه الله -:
وفيه على كل وجه: إيماء إلى اتساع زمنها، بخلاف ساعة الإجابة يوم الجمعة، ويؤيد ذلك: أنه أشار لضيق ساعة الجمعة بقول الصحابي (وأشار) - أي النبي صلى الله عليه وسلم – (بيده يقللها) ، ولم يقل مثل ذلك في الساعة التي في الليل.
" دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين " (7 / 4) .
وهكذا يُعرف قصر الزمان وطوله في معنى لفظ " الساعة "، ففي آية سورة " الروم " يدل معناها على سنوات! ، وفي بعض الأحاديث والآثار تدل على زمان يسير جدّاً، نحو: " فسكت ساعة "، و " فأطرق ساعة "، و " فلبث ساعة "، وما يشبه ذلك من السياقات.
ثالثاً:
ورد تقسيم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ - يُرِيدُ: سَاعَةً - لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ) .
رواه أبو داود (1048) والنسائي (1389) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
والمراد بالحديث: تقسيم نهار الجمعة – من الفجر إلى الغروب – إلى اثني عشر جزءً، حزء واحد منها هو الساعة التي يستجاب فيها الدعاء.
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله -:
وظاهر الحديث: يدل على تقسيم نهار الجمعة إلى اثنتي عشرة ساعةً، مع طول النهار، وقصره، فلا يكون المراد به الساعات المعروفة من تقسيم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين ساعة؛ فإن ذَلِكَ يختلف باختلاف طول النهار، وقصره.
" فتح الباري " لابن رجب (5 / 356) .
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله – وقد شرح الحديث فأوعب -:
وقوله: (ثنتا عشرة ساعة) : يدل على أن النهار مقداره اثنتا عشرة ساعة، ومعلوم أن النهار في اصطلاح الشرع: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وليس من طلوع الشمس إلى غروبها؛ ولهذا فإن صيام الأيام إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل أيضاً اثنتا عشرة ساعة، لكن الساعات ليست مستقرة، ثابتة، على طول الأيام، وإنما هي تزيد وتنقص بطول اليوم وقصَره، فمعنى هذا: أن الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقسَّم إلى اثني عشر جزءاً، وجزء من هذه الاثني عشر هو مقدار الساعة التي جاء ذكرها في هذا الحديث، فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنَة - كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة -، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة، وأحياناً يكون العكس، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره، لكن في هذا الحديث: (النهار اثنتا عشرة ساعة) سواءً في الشتاء، أو في الصيف، سواء طال النهار أو قصر، فتقسم اليوم في كل وقت على اثنتي عشرة ساعة، فتنقص الساعة وتزيد، وبالتوزيع عليهما يختلف مقدار الساعة من وقت لآخر، فمقدار الساعة في الصيف حيث يطول النهار: أطول من الساعة في الشتاء حيث يقصر النهار، وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة، والليل اثنتا عشرة ساعة، وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه " فقه اللغة " (ص 468) ، فذكر ساعات الليل، وساعات النهار، وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس، وينتهي بغروبها، ولكن في اصطلاح الشرع: النهار يبدأ بطلوع الفجر، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه أبي داود أنه ذكر عند غسل الجمعة: أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة: أجزأه عن غسل الجمعة؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر.
فعلى هذا: تكون ساعة الإجابة آخر جزء من اثنتي عشر جزءاً، وقد تطول في الصيف، وتقصر في الشتاء، على حسب توزيع مجمل الساعات.
" شرح سنن أبي داود " (شريط رقم 89) ، (6 / 244، 245) – ترقيم الشاملة -.
وأما بخصوص حديث الذهاب إلى الجمعة في الساعة الأولى، والثانية، إلى الخامسة، وأجر كل واحدة منها: فيقسَّم الزمان من طلوع الشمس إلى الزوال خمسة أجزاء، ويكون كل جزء هو المراد بالساعة، وقد تطول مدتها عن الستين دقيقة، وقد تقصر، بحسب طول النهار، وقصره، كما سبق توضيحه، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (60318) .
وفي مسألة ساعة الإجابة يوم الجمعة انظر جوابي السؤالين: (82609) و (21748) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/11)
من هو الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في القرآن الكريم نجد الآية الكريمة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45، بينما أجد الكثير من المصلين من يملك أسوأ الأخلاق , نجده مرتشيا، وحراميا، ولصا، وكذابا، وكل شيء من هذا القبيل , فاستغربت لهذا. أود منكم الإيضاح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نجد داعيا لاستغرابك أخي السائل، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة الحقيقية التي يقبل صاحبها إليها بقلبه وروحه ونفسه، يتذلل بها بين يدي الله، إظهارا للعبودية واعترافا بالفقر بين يديه، وهو في ذلك راغب فيما عنده عز وجل، صادق التوبة والإنابة، مخلص السريرة له سبحانه.
فمن لم تقم في قلبه هذه المعاني حين يقف بين يدي الله للصلاة، لم تثمر صلاته الثمار الحقيقية المرجوة، التي من أهمها التذكير بالله والنهي عن الفحشاء والمنكر، ولم يكتب له من أجرها إلا بقدر ما حققه من معانيها ومقاصدها.
يقول الله عز وجل فيها: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ)
رواه أحمد في "المسند" (2/440) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/321) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/190)
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
" في الآية تأويل ثالث، وهو الذي ارتضاه المحققون، وقال به المشيخة الصوفية، وذكره المفسرون، فقيل المراد بـ (أقم الصلاة) : إدامتها، والقيام بحدودها.
ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر، وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة، والصلاة تشغل كل بدن المصلي، فإذا دخل المصلي في محرابه، وخشع، وأخبت لربه، وادكر أنه واقف بين يديه، وأنه مطلع عليه ويراه: صلحت لذلك نفسه، وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تعالى، وظهرت على جوارحه هيبتها، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة.
فهذا معنى هذه الأخبار؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون.
قلت – أي القرطبي -: لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله، وهذا أبلغ في المقصود، وأتم في المراد، فإن الموت ليس له سن محدود، ولا زمن مخصوص، ولا مرض معلوم، وهذا مما لا خلاف فيه.
وروي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكُلم في ذلك فقال: إني واقف بين يدي الله تعالى، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك؟!
فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر.
ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء، لا خشوع فيها، ولا تذكر، ولا فضائل – كصلاتنا، وليتها تجزي - فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى: تركته الصلاة يتمادى على بعده، وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن والأعمش قولهم: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا) " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (13/348) .
والحديث المشار إليه في آخر كلامه: ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم (2) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر، وإذا لم تنهه: دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعاً، وقد قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) مريم/59، وإضاعتها: التفريط في واجباتها وإن كان يصليها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (22/6)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" فإن قال قائل: كيف تكون الصلاة عوناً للإنسان؟
فالجواب: تكون عوناً إذا أتى بها على وجه كامل، وهي التي يكون فيها حضور القلب، والقيام بما يجب فيها.
أما صلاة غالب الناس اليوم فهي صلاة جوارح لا صلاة قلب؛ ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبِّر ينفتح عليه أبواب واسعة عظيمة من الهواجس التي لا فائدة منها؛ ولذلك من حين أن يسلِّم تنجلي عنه وتذهب.
لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله، وأنها روضة فيها من كل ثمرات العبادة: لا بد أن يَسلوَ بها عن كل همّ؛ لأنه اتصل بالله عزّ وجلّ الذي هو محبوبه، وأحب شيء إليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت قرة عيني في الصلاة) .
أما الإنسان الذي يصلي ليتسلى بها، لكن قلبه مشغول بغيرها: فهذا لا تكون الصلاة عوناً له؛ لأنها صلاة ناقصة؛ فيفوت من آثارها بقدر ما نقص فيها، كما قال الله تعالى: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت/45، وكثير من الناس يدخل في الصلاة ويخرج منها لا يجد أن قلبه تغير من حيث الفحشاء والمنكر، هو على ما هو عليه،؛ لا لانَ قلبه لذكر، ولا تحول إلى محبة العبادة" انتهى.
" تفسير سورة البقرة " (1 / 164، 165) .
وينظر: " اللقاء الشهري "، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (1/سؤال رقم/17) .
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" للصلاة الصحيحة تأثير في سلوك العبد وأعماله الأخرى، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) العنكبوت/45.
فالذي يصلي بحضور قلبه وخشوع واستحضار لعظمة الله؛ هذا يخرج بصلاة مفيدة نافعة، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ويحصل بها على الفلاح.
أما الذي يصلي صلاة صورية؛ من غير حضور قلب، ومن غير خشوع، قلبه في واد وجسمه في واد آخر؛ فهذا لا يحصل من صلاته على طائل " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 53، 54) .
وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (26/86) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/12)
هل يصح حديث (لن يغلب عسر يسرين) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في قوله تعالى: (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) قال الرسول صلى الله عليه وسلم - بما معناه-: (اصبروا فلا يهزم عسر يسرين) ، هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان، فما هو نص الحديث الصحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد هذا الحديث من طريقين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ـ فيما نعلم ـ وكلاهما ضعيف.
الأول: من مراسيل الحسن البصري، ومراسيله ـ كما هو معلوم ـ ضعيفة، بل من أضعف المراسيل.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"ضعيف: أخرجه الحاكم (2/ 528) عن إسحاق بن إبراهيم الصنعاني: أنبأ عبد الرزاق: أنبأ معمر، عن أيوب، عن الحسن: في قول الله عز وجل: (إن مع العسر يسراً) قال: خرج النبي صلي الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً، وهو يضحك وهو يقول: (لن يغلب عسر يسرين)
وقال هو والذهبي: مرسل. فعلة الحديث الإرسال.
كذلك أخرجه ابن جرير في "التفسير" (30/ 151) من مرسل الحسن وقتادة، ولا يقوي أحدهما الآخر؛ لاحتمال أن يكونا تلقياه من شيخ واحد، واحتمال أن يكون تابعياً مثلهما، واحتمال أن يكون ضعيفاً أو مجهولاً، وهو السبب في عدم الاحتجاج بالحديث المرسل وجعلهم إياه من أقسام الحديث الضعيف، كما هو مقرر في علم المصطلح " انتهى باختصار.
"السلسلة الضعيفة" (4342) .
الثاني: من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه الزيلعي في " تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف " (4/236) – قال:
" فيه مرفوع آخر رواه ابن مردويه في تفسيره فقال:
حدثنا أحمد بن محمد بن السري، ثنا المنذر بن محمد بن المنذر، ثني أبي، ثنا يحيى بن محمد بن هانئ، عن محمد بن إسحاق، ثني الحسن بن عطية العوفي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: (لما نزلت: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابشروا لن يغلب عسر يسرين) " انتهى.
وهذا إسناد ضعيف بسبب الحسن بن عطية العوفي، فقد اتفق أهل العلم على تضعيفه. انظر: "تهذيب التهذيب" (2/294) ، ولذلك ضعف الحافظ ابن حجر حديث جابر هذا في "فتح الباري" (8/712) .
ثانيا:
ثبت هذا من كلام بعض الصحابة رضوان الله عليهم، أصحها ما رواه الحاكم في "المستدرك" (2/329) بسند صحيح، قال فيه الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي في "التلخيص"، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد: فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا، ولن يغلب عسر يسرين، و (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) قال: فكتب إليه أبو عبيدة: سلام عليك. وأما بعد: فإن الله يقول في كتابه: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) إلى آخرها. قال: فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة ثم قال: يا أهل المدينة! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) فالعسر - وإن تكرر مرتين - فتكرر بلفظ المعرفة، فهو واحد، واليسر تكرر بلفظ النكرة، فهو يسران، فالعسر محفوف بيسرين، يسر قبله، ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين " انتهى.
" بدائع الفوائد " (2/155) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قال ابن عباس عند هذه الآية: (لن يغلب عسر يسرين) قال أهل البلاغة: توجيه كلامه: أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة، (فإن مع العسر يسراً) ، (إن مع العسر يسرا) العسر الأول أعيد في الثانية بأل، فأل هنا للعهد الذكري، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، إذاً: في الآيتين الكريمتين يسران، وفيهما عسر واحد؛ لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف.
(فإن مع العسر يسرا) هذا الكلام خبر من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر فنتظر التيسير " انتهى باختصار.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/80)
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (5/19) طبعة مؤسسة الرسالة وصححه المحققون، وقال ابن رجب: حسن جيد. " جامع العلوم والحكم " (1/459) .
فينبغي للعبد أن يحسن ظنه بالله، وأن يقوى يقينه بفرج من عنده سبحانه، فهو عز وجل عند حسن ظن عبده به، وأن يبذل أسباب الفرج من الصبر والتقوى وحمد الله على كل حال، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) الطلاق/4- 5.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج - فإن الله يكفي مَن توكل عليه، كما قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) " انتهى.
" جامع العلوم والحكم " (ص/197) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/13)
هل يجوز لي أن أدعو على نفسي بالوفاة قبل بلوغ الأجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أدعو ربي أن يتوفني قبل أجلي، وأنا في شهر رمضان، وفي سجودي، فهل يجوز لي أن أدعو بذلك أم لا يجوز؟ وجزاكم الله خيرا، وبارك فيكم، وكثر من أمثالكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من دعا على نفسه بالموت قبل حلول الأجل فقد اعتدى في دعائه من جهتين:
من جهة عدم الإيمان بمضمون قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل/61،
عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نفث روح القدس في روعي: أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته) . رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/166) ، وصححه الألباني.
فكل شيء عند الله بأجل معلوم محدود، وإذا دعا أحد على نفسه بالموت قبل الأجل دل على وجود الخلل في إيمانه بالقضاء والقدر وفهمه له.
ومن جهة الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نهى أن يدعو المسلم بالموت على نفسه في أحاديث كثيرة، اتفق على صحتها أهل العلم جميعا.
هذا وإن كان أهل العلم يذكرون لتمني الموت حالات كثيرة، ولكل حالة حكمها، إلا أن الغالب في تمني الناس الموت إنما هو في الجانب المحظور الممنوع، ونحن ننقل هنا كلام أهل العلم في أقسام وحالات تمني الموت.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" خرج الإمام أحمد من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ) – " مسند أحمد " (22/426) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة -.
فتمني الموت يقع على وجوه:
1- منها: تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد: فينهى حينئذ عن تمني الموت، وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) - رواه البخاري (6351) ، ومسلم (2680) -. ووجه كراهيته في هذا الحال أن المتمني للموت لضر نزل به إنما يتمناه تعجيلا للاستراحة من ضره، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت، فلعله يصير إلى ضر أعظم من ضره، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يستريح من غفر له) – صحيح بطرقه، انظر " السلسلة الصحيحة " (1710) -، فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت، إلا أن يشترط أن يكون خيرا له عند الله عز وجل، فكذلك كل ما يعلم العبد فيه الخيرة له، كالغنى والفقر وغيرهما، كما يشرع له استخارة الله تعالى فيما يريد أن يعمله مما لا يعلم وجه الخيرة فيه، وإنما يسأل الله عز وجل على وجه الجزم والقطع مما يعلم أنه خير محض، كالمغفرة والرحمة والعفو والعافية والتقى والهدى ونحو ذلك.
2- ومنها: تمنيه خوفَ الفتنة في الدين: فيجوز حينئذ، وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام، وفي حديث المنام: (وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) .
3- ومنها: تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحضورها: فيجوز ذلك أيضا، وسؤال الصحابة الشهادة وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور، وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام.
4- ومنها: تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز وجل: فهذا يجوز أيضا، وقد فعله كثير من السلف: قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي. وقال بو عنبسة الخولاني: كان مَنْ قَبْلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد. وقال بعضهم: طال شوقي إليك فعجِّل قدومي عليك. وقد دل على جواز ذلك قول الله عز وجل: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) البقرة/94، وقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) الجمعة/6، فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت، بل يتمنونه، ثم أخبر أنهم: (لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) الجمعة/7 فدل على أنه يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها، كما قال بعض السلف: ما يكره الموت إلا مُريب. وفي حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أسألك لذة النظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) فالشوق إلى لقاء الله تعالى إنما يكون بمحبة الموت، وذلك لا يقع غالبا إلا عند خوف ضراء مضرة في الدنيا، أو فتنة مضلة في الدين، فأما إذا خلا عن ذلك كان شوقا إلى لقاء الله عز وجل، وهو المسؤول في هذا الحديث، فالمطيع لله مستأنس بربه، فهو يحب لقاء الله، والله يحب لقاءه، والعاصي مستوحش، بينه وبين مولاه وحشة الذنوب، فهو يكره لقاء ربه، ولا بد له منه. قال ذو النون: كل مطيع مستأنس، وكل عاص مستوحش.
قال أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما في وصيته له عند الموت: إن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت ولا بد لك منه، وإن ضيَّعتها لم يكن غائب أكره إليك من الموت ولن تعجزه. قال أبو حازم: كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى مت.
5- ومنها: تمني الموت على غير الوجوه المتقدمة: فقد اختلف العلماء في كراهيته واستحبابه، وقد رخص فيه جماعة من السلف، وكرهه آخرون.
وقد علل النهي عن تمني الموت في حديث جابر بعلتين:
إحداهما: أن هول المطلع شديد، وهول المطلع: هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من الأهوال التي لا عهد له بشيء منها في الدنيا، من رؤية الملائكة، ورؤية أعماله من خير أو شر، وما يبشر به عند ذلك من الجنة والنار، هذا مع ما يلقاه من شدة الموت وكربه وغصصه. قال الحسن: لو أعلم ابن آدم أن له في الموت راحة وفرحا لشق عليه أن يأتيه الموت، لما يعلم من فظاعته وشدته وهوله، فكيف وهو لا يعلم ما له في الموت: نعيم دائم، أو عذب مقيم. فالمتمني للموت كأنه يستعجل حلول البلاء، وإنما أمرنا بسؤال العافية.
وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت فقال: لا تتمنى الموت فإنك ميت ولكن سل الله العافية.
قال إبراهيم بن أدهم: إن للموت كأسا، لا يقوى عليها إلا خائف وجل مطيع لله، كان يتوقعها.
حتى قال عمر عند موته: لو أن لي ما في الأرض لافتديت به من هول المُطَّلع.
والعلة الثانية: أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا، فمن سعادته أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة إليه، والتوبة من ذنوبه السالفة، والاجتهاد في العمل الصالح، فإذا تمنى الموت فقد تمنى انقطاع عمله الصالح، فلا ينبغي له ذلك.
وفي المعنى أحاديث كثيرة، وكلها تدل على النهي عن تمني الموت بكل حال، وأن طول عمر المؤمن خير له، فإنه يزداد فيه خيرا.
" انتهى باختصار.
" لطائف المعارف " (295-305) ، وينظر: "شرح حديث عمار بن ياسر"، للحافظ ابن رجب الحنبلي، رحمه الله.
وقد سبق التوسع في الجواب على هذا السؤال تحت الرقم: (46592)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/14)
يخبر زوجته بما يعمله من عمل صالح لتقتدي به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وعندما أقوم بعمل صالح مثل التصدق أو مساعدة الآخرين أرغب بإخبار زوجتي بذلك وذلك لكي أشجعها على مثل هذه الأعمال، فهل يجوز ذلك؟ أم إنني بهذا الشيء أفسد الأجر ويعتبر ذلك رياءً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلما كان عمل العبد في السر كان أقرب للإخلاص، وأبعد عن آفات القلوب من طلب الرياء والسمعة والجاه ونحو ذلك.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه:
" بَاب صَدَقَةِ السِّرِّ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) وَقَوْلِهِ: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) الْآيَةَ " انتهى.
وروى الطبراني في "الكبير" (1018) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن صدقة السر تطفئ غضب الرب) وصححه الألباني في "الصحيحة" (1908)
وروى الترمذي (2919) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قَالَ الترمذي: "وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الَّذِي يُسِرُّ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي يَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِكَيْ يَأْمَنَ الرَّجُلُ مِنْ الْعُجْبِ، لِأَنَّ الَّذِي يُسِرُّ الْعَمَلَ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْعُجْبُ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَانِيَتِهِ " انتهى.
ولكن.. متى كان في إظهار العمل مصلحة شرعية كاقتداء الناس به، وتشجيعهم على الخير، وخلا عن طلب الرياء والشهرة فلا حرج من الجهر به.
قال ابن كثير رحمه الله:
" قوله: (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم) فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية......
والأصل أن الإسرار أفضل، لهذه الآية ... " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1/701)
وقال الحافظ في الفتح (11/337) :
" قَدْ يُسْتَحَبّ إِظْهَاره – يعني العمل - مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى إِرَادَته الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَة. قَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام: يُسْتَثْنَى مِنْ اِسْتِحْبَاب إِخْفَاء الْعَمَل مَنْ يُظْهِرُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ أَوْ لِيُنْتَفَعَ بِهِ كَكِتَابَةِ الْعِلْمِ، " قَالَ الطَّبَرِيُّ: كَانَ اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ يَتَهَجَّدُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَيَتَظَاهَرُونَ بِمَحَاسِنِ أَعْمَالِهِمْ لِيُقْتَدَى بِهِمْ، قَالَ: فَمَنْ كَانَ إِمَامًا يُسْتَنُّ بِعَمَلِهِ عَالِمًا بِمَا لِلَّهِ عَلَيْهِ قَاهِرًا لِشَيْطَانِهِ اِسْتَوَى مَا ظَهَرَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَا خَفِيَ لِصِحَّةِ قَصْدِهِ، وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالْإِخْفَاءُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عَمَل السَّلَف " انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى:
" فِي كَتْمِ الْعَمَلِ فَائِدَةَ الْإِخْلَاصِ وَالنَّجَاةَ مِنْ الرِّيَاءِ، وَفِي إظْهَارِهِ فَائِدَةَ الِاقْتِدَاءِ وَتَرْغِيبَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَكِنْ فيهِ آفَةُ الرِّيَاءِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ فَقَالَ - عَزَّ قَائِلًا -: (إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لَكِنَّهُ مَدَحَ الْإِسْرَارَ لِسَلَامَتِهِ مِنْ تِلْكَ الْآفَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا.
وَقَدْ يُمْدَحُ الْإِظْهَارُ فِيمَا يَتَعَذَّرُ الْإِسْرَارُ فِيهِ كَالْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالْإِظْهَارُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ، وَإِظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيهِ لِلتَّحْرِيضِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَائِبَةُ رِيَاءٍ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَتَى خَلَصَ الْعَمَلُ مِنْ تِلْكَ الشَّوَائِبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي إظْهَارِهِ إيذَاءٌ لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَمْلٌ لِلنَّاسِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ وَالتَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ الْخَيْرَ وَالْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الصُّلَحَاءِ الَّذِينَ تُبَادِرُ الْكَافَّةُ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَالْإِظْهَارُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَوُرَّاثِهِمْ وَلَا يُخَصُّونَ إلَّا بِالْأَكْمَلِ، وَلِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ" انتهى.
"الزواجر" (1/118)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"من تمام الإخلاص: أن يحرص الإنسان على ألا يراه الناس في عبادته، وأن تكون عبادته مع ربه سراً، إلا إذا كان في إعلان ذلك مصلحة للمسلمين أو للإسلام، مثل أن يكون رجلاً متبوعاً يقتدى به، وأحب أن يبين عبادته للناس ليأخذوا من ذلك نبراساً يسيرون عليه، أو كان هو يحب أن يظهر العبادة ليقتدي بها زملاؤه وقرناؤه وأصحابه ففي هذا خير، وهذه المصلحة التي يلتفت إليها قد تكون أفضل وأعلى من مصلحة الإخفاء، لهذا يثني الله عز وجل على الذين ينفقون سراً وعلانية، فإذا كان السر أصلح وأنفع للقلب وأخشع وأشد إنابة إلى الله أسروا، وإذا كان في الإعلان مصلحة للإسلام بظهور شرائعه، وللمسلمين يقتدون بهذا الفاعل وهذا العامل أعلنوه.
والمؤمن ينظر ما هو الأصلح، كلما كان أصلح وأنفع في العبادة فهو أكمل وأفضل " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (3/ 165) .
وعلى هذا، فلا حرج من إخبار زوجتك ببعض أعمالك الصالحة حتى تنشطها إلى الاقتداء بك، واجتهد في إخلاص العمل لله تعالى، وتنقيه من الرياء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/15)
هل ثمة دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد دعاء يحفظك من موت الفجأة ? وما هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
موت الفجأة من أقدار الله التي يقضي بها في عباده، بأن يصيب الموتُ العبدَ مفاجأة من غير إمهال ولا إخطار، وإنما هجوما تنسل به الروح من غير معاناة سكرات الموت ومقدماته.
وهو صورة من صور الموت التي وجدت قديما، وزاد انتشارها حديثا بسبب حوادث السير المعروفة اليوم، والعدوان على الشعوب والأفراد بآلات القتل الحديثة الفاتكة.
وقد جاء في بعض الآثار والأحاديث أن انتشار موت الفجأة من علامات الساعة، حسَّن هذه الآثار الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص/506) وقال: له طرق يقوي بعضها بعضا، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (5/370) ، ويمكن الاطلاع عليها في كتاب: "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/236) للشيخ حمود التويجري.
ثانيا:
ثم إن موت الفجأة يحتمل أن يكون خيرا، ويحتمل أن يكون شرا، وذلك بحسب اختلاف حال المتوفى، وما له عند الله عز وجل:
1- فإذا كان المتوفَّى من أهل الصلاح والخير، وله عند الله من الحسنات والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون نورا بين يديه يوم القيامة: فجميع صور الموت بالنسبة له من الخير، سواء موت الفجأة، أو بعد معاناة سكرات الموت: موت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من رب العباد، فلا يجد من ألم الموت وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئا يذكر، وإن وقع له ذلك ولم يكن موته فجأة كان تكفيرا لسيئاته، ورفعة لدرجاته عند الله، وذلك تصديق لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله له خير، وأن موت المؤمن راحة له من نصب الدنيا وعذابها، إلى نعيم الآخرة.
2- أما إذا كان المتوفَّى من المقصرين أو الفسقة الظلمة أو الكفرة: فموت الفجأة بالنسبة له نقمة وغضب، إذ عوجل بالموت قبل التوبة، ولم يمهل كي يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ) رواه أبو داود (رقم/3110) .
ولما كان الجزم بصلاح النفس أو تقصيرها من الأمور العسرة، وتتفاوت فيها القلوب، وتتنازعها أسباب الورع والخوف أو الثبات واليقين، وجدنا في الآثار عن السلف بعض الاختلاف في نظرتهم لموت الفجأة، فمَن غَلَّبَ جانب الخوف من الله، وظنَّ في نفسه التقصير: كان يستعيذ من موت الفجأة، ويرجو أن يكفر الله خطاياه بمعالجة سكرات الموت، ومَن غَلَّب جانب الرجاء، وسعة رحمة الله: رأى في موت الفجأة فرجا ورحمة وعفوا من الله عز وجل.
فإذا قرأنا عن السلف كلاما عن موت الفجأة ظاهره التعارض، فهو في الحقيقة والباطن ليس اختلاف تعارض، وإنما اختلاف تنوع.
عن عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهما قالا:
" أسف على الفاجر وراحة للمؤمن: يعني الفجأة " انتهى.
" مصنف ابن أبي شيبة " (3/370) ، " السنن الكبرى " للبيهقي (3/379) .
وعن تميم بن سلمة، قال: مات منا رجل بغتة، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذة غضب , فذكرته لإبراهيم - وقل ما كنا نذكر لإبراهيم حديثا إلا وجدنا عنده فيه - فقال: كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف.
" مصنف ابن أبي شيبة " (3/370)
ثالثا:
أما الأحاديث المرفوعة فلم يصح منها شيء سوى الحديث المذكور سابقا: (موت الفجأة أخذة أسف) ، مع أن بعض أهل العلم تكلم فيه، وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى أنه روي مرفوعا وموقوفا، وذكر أنه الإمام البخاري رحمه الله أشار بترجمته إلى أنه في إسناده مقالا.
ينظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر (3/254) .
أما غيره من الأحاديث المتعلقة بموت الفجأة مدحا أو ذما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ منها: فلم يصح منه شيء.
ولذلك قال الفيروزأبادي رحمه الله:
" ما ثبت فيه شيء " انتهى.
" سفر السعادة " (ص/353)
رابعاً:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة، وما ينتشر في المنتديات عن ذلك الدعاء الذي يكتب لمن قاله أجر (360) حجة، ويحفظ من موت الفجأة وغير ذلك، إنما هو كذب موضوع لا أصل له في كتب السنة، وقد سبق أن بينا ذلك في جواب السؤال رقم: (126635) ، (127615) .
والأولى أن يدعو الإنسان بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ)
رواه مسلم (2739)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/16)
كيف يتخلص الإنسان من ذنوب الخلَوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بـ " ذنوب الخلوات "؟ وكيف يستطيع الإنسان التخلص منها؟ . ولدي استفسار: حديث (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) المفهوم من الحديث: أن الإنسان بفطرته يخجل من الإثم، ويخفيه عن الناس، فكيف الرابط بين كون الإثم مجرد إثم يرتكبه الإنسان وهو غير معصوم، وكون هذا الإثم يعدُّ من ذنوب الخلوات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المسلم في هذه الدنيا معرَّض للوقوع في الذنب، والمعصية , والواجب عليه – إن وقع فيهما - أن يسارع إلى التوبة، والاستغفار، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) النساء/ 110، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/ 68 – 71.
والله تعالى يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه، كما جاء في الحديث عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) رواه البخاري (5950) ومسلم (2747) - واللفظ له -.
وانظر جواب السؤال رقم: (20661) للوقوف على شروط التوبة.
ثانياً:
الواجب على المسلم أن يحذر من ذنوب الخلوات , فالله تعالى قد ذم من يستخفي بذنبه من الناس، ولا يستخفي من الله، قال تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/108.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذنوب الخلوة والسر، كما جاء في الحديث عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه (4245) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
ثالثاً:
أما كيف يتخلص الإنسان من ذنوب الخلوات، فيكون ذلك بـ:
1- الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء , والتضرع إليه، أن يصرف عنه الذنوب والمعاصي، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/ 186.
2- مجاهدة النفس، ودفع وسوستها، ومحاولة تزكيتها بطاعة الله، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/7 – 10، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69.
3- تأمل الوعيد الشديد الوارد في حديث ثَوْبَانَ السابق ذِكره، وخشية انطباقه على فاعل تلك الذنوب في خلواته.
4- استشعار مراقبة الله تعالى، وأنه رقيب، ومطلع على المسلم في كل حال.
قال ابن كثير رحمه الله:
وقد ذُكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان ينشد هذين البيتين، إما له، أو لغيره:
إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا َقُل ... خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب
وَلا تَحْسَبَن الله يَغْفُل ساعةً ... وَلا أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب
"تفسير ابن كثير" (6 / 219) .
5- أن يتخيل المسلم من يجلهم، ويحترمهم، ينظرون إليه وهو يفعل ذلك الذنب!
ويستشعر استحياءه من الله أكثر من استحيائه من الخلق , وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (واستحي من الله استحياءك رجلاً مِنْ أهلكَ) صححه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (3559) ، وعزاه للبزار، والمروزي في "الإيمان".
6- تذكر الموت لو أنه جاءه وهو في حال فعل المعصية، وارتكاب الذنب , فكيف يقابل ربه وهو في تلك الحال؟! .
7- تذكر ما أعده الله لعباده الصالحين من جنة عرضها السموات والأرض , والتفكر في عذاب الله تعالى، قال تعالى: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فصلت/40.
رابعاً:
أما حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِىِّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) : فقد رواه مسلم (2553) ، وهو ميزان يدل على معرفة الذنب، والمعصية، عند الاشتباه في أمرهما.
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث:
وَمَعنَى (حَاكَ فِي صَدْرك) أَي: تَحَرَّكَ فِيه، وَتَرَدَّدَ، وَلَمْ يَنشَرح لَهُ الصَّدر، وَحَصَل في القَلب مِنه الشَّكّ، وَخَوْف كَونه ذَنبًا.
"شرح مسلم" (16/111) .
وقال ابن رجب رحمه الله:
إشارةٌ إلى أنَّ الإثم: ما أثَّر في الصدر حرجاً، وضيقاً، وقلقاً، واضطراباً، فلم ينشرح له الصَّدرُ، ومع هذا: فهو عندَ النَّاسِ مستنكرٌ، بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عندَ الاشتباه.
"جامع العلوم والحكَم" (ص 254) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"وهذه الجملة (الْإِثْمُ مَا حَاك فِي صَدْرك) إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً، ويكره أن يطلع عليه الناس.
أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون ـ بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً، فإنه إذا هم بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قِبَلِ الشرع تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه، وهذا ضابط وليس بقاعدة، أي علامة على الإثم في قلب المؤمن" انتهى.
شرح الأربعين النووية" (ص294) .
وعلى هذا، فليس في الحديث إقرار العبد على فعل المعصية في الخلوة، وإنما هذا الميزان الدقيق لما يشتبه أمره على المسلم بالقلب هل هو معصية أم لا؟
فإن كان يستحي من فعله أمام الناس فهو معصية، وإن كان لا يستحي منه فهو جائز ولا حرج فيه.
ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الذنوب والمعاصي، وأن يعيننا على أنفسنا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/17)
مواضع استحباب قول لا إله إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المواضع التي سن فيها قول لا إله إلا الله؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلمة التوحيد أعظم كلمة في الوجود، لأجلها خُلقت الخليقةُ، وأُرسلت الرسلُ، وأُنزلت الكتبُ، وهي كلمة التقوى وأساس الملة وركن الإيمان، وهي العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن مات عليها سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدين فوق ما يصفُه الواصفون ويعرفه العارفون.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(أَفْضَلُ الذِّكْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ)
رواه الترمذي (3383) وقال: حسن غريب. ورواه النسائي في " السنن الكبرى " (6/208) وبوب عليه بقوله: (باب أفضل الذكر وأفضل الدعاء) ، ورواه ابن حبان في صحيحه (3/126) وبوب عليه بقوله: ذكر البيان بأن الحمد لله جل وعلا من أفضل الدعاء، والتهليل له من أفضل الذكر. وحسنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/63) والشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
يقول المباركفوري رحمه الله:
" لأنها كلمة التوحيد، والتوحيد لا يماثله شيء، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، ولأنها أجمع للقلب مع الله، وأنفى للغير، وأشد تزكية للنفس، وتصفية للباطن، وتنقية للخاطر من خبث النفس، وأطرد للشيطان " انتهى.
" تحفة الأحوذي " (9/325)
ولذلك فالفائز من أهل الدنيا من يكثر من هذه الكلمة في كل زمان ومكان، ولا يفتر لسانه ولا يكلُّ قلبه عن اللهج بها، وتذكر معانيها، واستحضار مقاصدها، وهي من الأذكار التي لم يرد تخصيص استحباب الذكر بها في مكان معين أو زمان، بل جاءت مطلقة ليذهب المسلم في الذكر بها كل مذهب قريب وبعيد، في حال شغله وفراغه، وعند نومه ويقظته، وفي حال حله وترحاله، في صلاته وقيامه وصيامه وحجه وعمرته، في قعوده وقيامه، ولو استطاع أن يأتي به مع كل نفس من أنفاسه فهو الرابح الفائز.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" أفضل الأذكار التي لم يخصها الشارع بحال أو زمن القرآن، وبعده التهليل لخبر: (أفضل الذكر لا إله إلا الله) " انتهى.
" الفتاوى الحديثية " (ص/109) .
ومع ذلك فقد وردت أحاديث عديدة في الحث على هذا الذكر في أحوال أو أوقات مخصوصة، فمن ذلك:
1- بعد الوضوء: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) . رواه مسلم (234) من حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه.
2- إذا استيقظ من نومه، أثناء الليل: (مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ) . رواه البخاري (1154) من حديث عبادة بن الصامت، رضي الله عنه.
3- في أول النهار [عند الصباح] : (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) . رواه البخاري (3293) ومسلم (2691) ، واللفظ له، من حديث أبي هريرة.
4- بعد السلام من الصلاة: (كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) رواه البخاري (6330) ومسلم (593) .
5- عند الكرب والضيق: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) . رواه البخاري (6345) ومسلم (2730) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
6- يوم عرفة: (أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) . رواه الطبراني في فضل عشر ذي الحجة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1503) .
وقد ورد ـ أيضا ـ الحث على الإكثار من قول لا إله إلا الله في بعض الأحاديث التي فيها ضعف، ويحسنها بعض أهل العلم؛ فمن ذلك:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)
" مسند أحمد " (2/359) وصححه الحاكم في " المستدرك " (4/285) ، وحسنه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/342) ، وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/896) .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها) .
رواه أبو يعلى في " المسند " (11/8) ، قال الحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية " (4/110) -: حسن غريب. وحسنه الشيخ الألباني في " السلسة الصحيحة " (رقم/467)
وقد جمع الأحاديث الواردة في فضائلها الإمام المنذري في كتابه " الترغيب والترهيب " (2/265-271)
وانظر: " فتح الباري " (11/207) ، ورسالة بعنوان " كلمة الإخلاص وتحقيق معناها " للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله، وكتاب " فقه الأدعية والأذكار " (1/167-179) ، ورسالة بعنوان: " معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع " لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وهو بحث منشور في " مجلة البحوث الإسلامية " العدد (13)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/18)
قول العامة: ما أحد صلى إلا نال الغفران
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي دوما تستخدم مقولة: ما أحد مصلي إلا طال الغفران، وأنا أعتقد أن هذا من أقوال النصارى، أو الكفار، وأنه لا يجوز استخدام هذا القول بحكم أن الصلاة واجبه على العبد، وليس لطلب مقابل. فما حكم استخدام هذه الأقوال أو نحوها، مما يتداوله الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يظهر لنا مانع من إطلاق هذه العبارة، فهي حث على الصلاة وإخبار بأن فاعلها ينال الغفران، ولا يتعارض هذا مع كونها واجبة، وأن العبد يفعلها امتثالا لأمر ربه، فهي واجبة وركن عظيم من أركان الإسلام، وهي سبب لغفران الذنوب، وتكفير السيئات، ورفع الدرجات، وقد جاءت النصوص بجميع ذلك.
روى البخاري (528) ومسلم (667) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا.
وروى مسلم (666) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ
اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً , وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) .
فقول والدتك: ما أحد مصلي إلا طال الغفران، لا يخرج عن هذا، لكن هذا الوعد مشروط بالقبول، فمن صلى صلاة مقبولة كانت سببا لغفران ذنوبه؛ ولذلك لا يجوز تعيين شخص صلى الصلوات الخمس، مثلا، والقطع بأنه قد نال مغفرة ذنبه من الله تعالى؛ فإن القبول من الغيب الذي لا يطلع عليه أحد من البشر، وإنما الشأن في مثل ذلك، أن نقول ما يقول أهل السنة: " ونرجو لمحسنهم، ونخاف على مسيئهم "؛ فمن حافظ على الصلوات الخمس، وصلى الجمعة بعد الجمعة، فهو على رجاء أن يتقبل الله منه عمله ذلك، وأن يكافئه عليه مغفرة لذنبه، كما وعد سبحانه.
ولا يضر استعمال النصارى أو غيرهم لمثل هذا، إن كانوا يقولون ذلك فعلا ويعتقدونه؛ فإن أتباع الملل المؤمنين بالمعاد يعتقدون أن عباداتهم لربهم سبب للغفران، وهذا حق لو كانوا يعبدون الإله الحق، ويتعبدون له بما شرع، لا بالبدع والمحدثات.
ومن تعبد لله تعالى مريدا تكفير سيئاته ورفع درجاته، لا يعتبر طالبا لمقابل ممنوع، فهذا مما أثنى الله به على عباده، أنهم يعبدونه، ويرجون رحمته ويخافون عذابه.
قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الإسراء/57
وقال سبحانه: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/89، 90
قال سفيان الثوري رحمه الله: " (رَغَبًا) فيما عندنا، (وَرَهَبًا) مما عندنا " انتهى من تفسير ابن كثير (5/370) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/19)
أي الصدقتين أفضل: تفطير الصائم أم كفالة اليتيم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو معي من المال لأتصدق به في رمضان ففي أي باب أتصدق: إفطار الصائمين، أم كفالة اليتيم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المفاضلة بين العبادات من أدق أبواب الفقه التي ينبغي أن يتأمل فيها الفقيه؛ لأن العبادات طاعات لله تعالى، والمفاضلة بين الطاعات مفاضلة في درجات ما يحبه الله عز وجل، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالنص الصحيح الصريح، أو القياس المستقيم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض؛ فإنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه، وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد، لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره: أن ملازمة ذكر الله دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (10/660)
ويقول ابن القيم رحمه الله:
" تفاضل الأعمال ليس بكثرتها وعددها، وإنما بإكمالها وإتمامها وموافقتها لرضا الرب وشرعه " انتهى.
" المنار المنيف " (ص/41)
ويقول العلامة المقبلي رحمه الله:
" إن الخوض في المفاضلة من دون توقيف مجازفة وتخمين، إذ مواقع الأعمال متركبة من عدة أمور، وملاحظة جهات وكيفيات بعيدة عن إحاطة العقول بها " انتهى.
" العلم الشامخ " (ص/50)
ثانيا:
وقد بين العلماء مسائل وأوجه دقيقة في مسائل المفاضلة بين العبادات، من أهمها قاعدة المفاضلة بحسب المنفعة المتعدية المتحققة من هذه العبادة، فالعبادة الأكثر نفعا هي العبادة الأعظم أجرا وفضلا، وهذا ما ينبغي على العامل المتعبد أن يراعيه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
" ولو قيل: (الأجر على قدر منفعة العمل وفائدته) لكان صحيحا " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (10/621)
ثالثا:
ولذلك، فالذي نراه في مسألة المفاضلة بين تفطير الصائم، وكفالة اليتيم: أن ينظر الأخ السائل في الظرف والحال من حوله:
فقد يكون أكثر توجه الناس نحو كفالة الأيتام ونسيان سد جوعة الفقراء الصائمين، أو قد تقوم مؤسسات كبرى على رعاية الأيتام ولكن الصائمين الفقراء لا يجدون من يطعمهم، أو قد يكون الفقير الصائم من قرابته أو جيرانه أو أصحابه، أو يتعرض له السائل الصائم لحاجة عاجلة من طعام أو شراب يسد به رمقه ورمق عياله، ففي كل هذه الحالات ينبغي تقديم تفطير الصائم على كفالة اليتيم.
أما إذا كان الحال عكس الظروف السابقة، كأن يكثر الأيتام، وخاصة في أيام الجهاد حيث يكثر أبناء الشهداء، وتصيب المسغبة الصغار والأطفال، فهم أولى حينئذ من الصدقة على الصائمين الكبار.
وهذا التفصيل بناء على أن تفطير الصائم وكفالة اليتيم يشتملان على إطعام الطعام، بل إن كفالة اليتيم تتضمن أمرا زائدا على ذلك: وهي الرعاية والتربية:
يقول النووي رحمه الله:
" كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربيه وغير ذلك " انتهى.
" شرح مسلم " (13/118) .
يقول ابن العربي رحمه الله:
" إطعام الطعام مع السغب، الذي هو الجوع: أفضل من إطعامه لمجرد الحاجة، أو على مقتضى الشهوة، وإطعام اليتيم الذي لا كافل له: أفضل من إطعام ذي الأبوين لوجود الكافل وقيام الناصر " انتهى.
" أحكام القرآن " (4/370)
ويقول ابن القيم رحمه الله:
" أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه وكانت دائمة مستمرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة سقي الماء) – رواه أبو داود بإسناد حسن -، وهذا في موضع يقل فيه الماء ويكثر فيه العطش، وإلا فسقي الماء على الأنهار والقنى لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة " انتهى.
" الروح " (ص/142)
ويقول الشيخ سليمان النجران:
" والصدقة من العبادات الفاضلة، وأفضل الصدقات ما اجتمع فيها أكثر أسباب التفضيل، فتزداد فضيلتها مع شدة الحاجة للمتصدق عليه، وتكون أفضل مع كونه قريبا، وتكون أفضل مع كون القريب مبطنا للعداوة، وتكون أفضل مع كون المتصدق صحيحا شحيحا، وتكون أفضل إذا كانت عن ظهر غنى، وتكون أفضل مع كون الصدقة في زمان ومكان فاضلين ... فبحسب استطاعة المكلف تكميل أسباب التفضيل يكون علو منزلة العمل عند الله عز وجل "
" المفاضلة بين العبادات " (ص/162)
رابعا:
ينبغي أن نعلم أن من أهم أسباب تفاضل الأعمال في الأجور ما يقوم في قلب العامل من إقبال على الله، وصدق في سؤاله عز وجل، واستسلام وانقياد تامَّيْن لأمره، فمن قام في قلبه استشعار العبادة كان أعظم أجرا من غيره.
يقول ابن القيم رحمه الله:
" تفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها " انتهى.
" الوابل الصيب " (ص/15) .
وانظر جواب السؤال رقم: (12598) ، (67280)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/20)
هل هناك آية معينة تبعث النور في وجه قارئها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال التي إذا أداها الشخص يظهر النور على وجهه؟ قرأت أنه إذا قرأ الشخص آية/28 من سورة " الطور " إحدى عشرة مرة، فإن وجهه يُشرِق إلى يوم القيامة. أرجو إخباري هل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طاعة الله تعالى نور يضيء باطن العبد وظاهره، وذلك من نور الله الذي ملأ السماوات والأرض، فقد أحب سبحانه الخير والعبادة والاستقامة، وألقى عليها من نوره وضيائه الذي يظهر في وجوه العباد بهجة وسرورا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة لنورا في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب، وغبرة في الوجه، وضعفا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
وهذا يوم القيامة يكمل حتى يظهر لكل أحد، كما قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آل عمران/106-107 ...
وهذا أمر محسوس لمن له قلب، فإن ما في القلب من النور والظلمة والخير والشر يسري كثيرا إلى الوجه والعين، وهما أعظم الأشياء ارتباطا بالقلب.
ولهذا يروى عن عثمان أو غيره أنه قال: ما أسر أحد بسريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
وقد يقوى السواد حتى يظهر لجمهور الناس، وربما مسخ قردا أو خنزيرا كما في الأمم قبلنا، وكما في هذه الأمة أيضا، وهذا كالصوت المطرب إذا كان مشتملا على كذب وفجور، فإنه موصوف بالقبح والسوء الغالب على ما فيه من حلاوة الصوت " انتهى.
"الاستقامة" (1/351-352)
ولعل من أكثر الأعمال تأثيرا في نضارة الوجه ونوره قيام الليل وقراءة القرآن، وتعليم الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما قيام الليل وقراءة القرآن فتجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى - واصفا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتح/29
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) يعني: السمت الحسن.
وقال السدي: الصلاة تحسن وجوههم.
وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
وقال أمير المؤمنين عثمان: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صَفَحَات وجهه، وفَلتَات لسانه.
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته.
وقال مالك رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: " والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا "
وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" (7/361-362)
أما تعليم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فتجد ذلك في دعائه صلى الله عليه وسلم لمن يبلغ الناس كلامه بالنضارة، يقول صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ) رواه أبو داود (3660) والترمذي (2656) وقال: حديث حسن.
يقول سفيان بن عيينة رحمه الله:
" ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللهُ امرأً سمع منا حديثا فبلَّغه) " انتهى.
رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم/22)
وبالجملة فالحسنة والطاعة هي التي تنير الوجه، وتضيء القلب، وتشرح الصدر، وليست آية معينة، ولا سورة مخصوصة، بل القرآن الكريم والعمل الصالح بعمومه، ولا يجوز تخصيص شيء من الدين بفضل خاص إلا بدليل، وإلا أصاب العبدَ نصيبٌ من الابتداع المذموم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/21)
هل الفتور معصية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قولنا: إذا لم يكن المسلم في زيادة فهو في نقصان، وبين أن المسلم يفتر أوقاتا عن الطاعات؟ وأيضا هل الفتور معصية؟ وإذا مات وهو في فتور هل يعتبر كمن يعمل ويجتهد ثم يختم له بسوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفتور هو الكسل والتراخي بعد الجد والنشاط، ولا شك أنه من الآفات التي تعرض للنفس بين الحين والآخر، سواء في شؤون الدين، أم في شؤون الدنيا، وذلك من طبيعتها التي خلقها الله تعالى عليها.
وكل مسلم – بل كل إنسان – يجد ذلك في نفسه تراه مجتهدا في العبادة والتأدب بالأخلاق الحسنة وفي طلب العلم والدعوة إليه، ثم بعدَ حينٍ يَدِب إليه الفتور، فتضعف همته عن الخير الذي كان فيه إلى مغريات الكسل والراحة.
وكل امرئ بقدر فترته محاسب.
فمن أداه فتوره إلى ترك الفرائض والوقوع في المحرمات، فهو على خطر عظيم، وفتوره حينئذ معصية تستوجب الخوف من سوء الخاتمة نسأل الله العافية.
أما من كان فتوره في الفضائل والنوافل، وهو مع ذلك محافظ على الفرائض والواجبات، مجتنب للكبائر والمحرمات، ولكن قلَّ نصاب الساعات التي كان يقضيها في طلب العلم مثلا، أو في قيام الليل، أو في قراءة القرآن الكريم، فمِثلُه يُرجَى له أن تكون فترته عَرضا زائلا، وآفةً مؤقتة، تنتهي بعد مدة قصيرة إن شاء الله، ولكن تحتاج إلى شيء من السياسة الحكيمة في العلاج والمداواة.
وهذا هو معنى ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا فَقَالَ: (تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ؛ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ، فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ: فَلِأُمٍّ مَا هُوَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي: فَذَلِكَ الْهَالِكُ) رواه أحمد (2/165) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2850) .
قوله: (فَلِأُمٍّ مَا هُوَ) أي: قد رجع في فترته إلى أصل عظيم، يعني: السنة، أو: إنه ما زال على الصراط المستقيم، ما دام متمسكاً بالكتاب والسنة، وفي بعض الروايات: (فقد أفلح) .
يقول أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله: " ومن عيوبها – أي النفس - فَتَرٌ فيها في حقوق كان يقوم بها قبل ذلك، وأتم منه عيبا من لا يهتم بتقصيره وفترته، وأكثر من ذلك عيبا من لا يرى فترته وتقصيره، ثم أكثر منه عيبا من يظن أنه متوفر [يعني: مجتهد] مع فترته وتقصيره، وهذا من قلة شكره في وقت توفيقه للقيام بهذه الحقوق، فلما قل شكره أزيل عن مقام التوفر إلى مقام التقصير، ويستر عليه نقصانه، واستحسن قبايحه، قال الله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) .
والخلاص من ذلك داوم الالتجاء إلى الله تعالى، وملازمة ذكره، وقراءة كتابه، وتعظيم حرمة المسلمين، وسؤال أولياء الله الدعاء له بالرد إلى الحالة الأولى، لعل الله تعالى أن يمن عليه بأن يفتح عليه سبيل خدمته وطاعته " انتهى "عيوب النفس" (ص/8) .
والمسلم القائم بحقوق الله تعالى، المبتعد عن نواهيه، هو على خير إن شاء الله تعالى، وإن جاءه ملك الموت على ذلك الحال فليستبشر بفضل الله ورحمته، ويكفيه أنه يحمل في قلبه كلمة التوحيد متحققا بها عمله أيضا.
وما ورد عن شقيق بن عبد الله رحمه الله قال: (مَرِضَ عبدُ الله بن مسعود، فعدناهُ، فجعل يَبكي، فعوتب، فقال: إني لا أبكي لأجل المرض، لأني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: المرض كفارة.
وإنما أبكي أنه أصابَني على حال فترة، ولم يُصِبْني في حال اجتهاد، لأنه يُكتَب لِلْعبد من الأجر إذا مَرِض ما كان يُكتب له قبل أن يَمرض فَمَنَعَهُ منه المرض " انتهى.
عزاه ابن الأثير في "جامع الأصول" لـ "رزين".
فلا يفسر ذلك على أن الموت في حال الفتور يعني سوء الخاتمة، وإنما هي رغبة في الكمال، وحرص على أفضل الأحوال، ولكن قد لا يتيسر لكل مسلم أن يموت على الحال التي يتمنى.
وعلى كل حال فقد بشر الله تعالى المؤمنين المقتصدين بالأجر والخير، فقال سبحانه:
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/277، وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأحقاف/13-14.
قال ابن القيم رحمه الله: " فتخلل الفترات للسالكين أمرٌ لازمٌ لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تُخرجه من فرض، ولم تدخله في محرَّم، رُجي له أن يعود خيرا مما كان.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض. وفي هذه الفترات والغيوم والحجب التي تعرض للسالكين مِن الحَِم ما لا يعلم تفصيله إلا الله، وبها يتبين الصادق من الكاذب:
فالكاذب ينقلب على عقبيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه.
والصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله، ويُلقي نفسه بالباب طريحا ذليلا مسكينا مستكينا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتة، ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يصلح له، لا بسبب من العبد - وإن كان هذا الافتقار من أعظم الأسباب - لكن ليس هو منك، بل هو الذي مَنَّ عليك به، وجرَّدَك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام فاعلم أنه يريد أن يرحمك ويملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع فاعلم أنه قلبٌ مضيَّع، فسل ربه ومن هو بين أصابعه أن يرده عليك، ويجمع شملك به، ولقد أحسن القائل:
إذا ما وضعت القلب في غير موضع ... بغير إناء فهو قلب مضيع " انتهى "مدارج السالكين" (3/126) .
وليس ثمة تعارض بين تأخر منزلة مَن فَتَرَ عن الكمالات، وبين تعرُّضِ المؤمنين للفتور، من وجهين اثنين:
1- أن المؤمن الذي يكون فتوره إلى اقتصاد والتزام، يرجى له أن يرجع بعده أنشط على الخير، وأحرص على الأجر، فيعوض ما فاته من درجات المعالي وأسباب الكمال.
2- أنه إن بقي بعد ذلك تفاوت بين المؤمنين بسبب فتور بعضهم وَهِمَّةِ آخرين، فذلك فضل الله تعالى، يفاضل به بين درجات المؤمنين في الجنة.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: " إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة، إذ صاحب حفظه مترق على درجات الكمال، فإذا أضاعه لم يقف موضعه، بل ينزل إلى درجات من النقص، فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد، فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام، وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي، إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف ألبتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء، قال تعالى: (إنها لإحدى الكبر. نذيرا للبشر. لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) ، ولم يذكر واقفا، إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين ألبتة، فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة، فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة.
فإن قلت: كل مُجِدٍّ في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور ثم ينهض إلى طلبه؟
قلت: لا بد من ذلك، ولكن صاحب الوقفة له حالان:
إما أن يقف ليجم نفسه، ويعدها للسير: فهذا وقفته سير، ولا تضره الوقفة، فإن لكل عمل شرَّة، ولكل شرَّة فترة.
وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه، وجاذب جذبه من خلفه، فإن أجابه أخره ولا بد، فإن تداركه الله برحمته، وأطلعه على سبق الركب له وعلى تأخره: نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع، ووثب، وجمز – أي: [قفز] ، واشتد سعيا ليلحق الركب.
وإن استمر مع داعي التأخر، وأصغى إليه، لم يُرض برده إلى حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى، حتى يرده إلى أسوأ منها، وأنزل دركا، وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب الإبلال من المرض، فإنها أخطر منه وأصعب.
وبالجملة: فإن تدارك الله سبحانه وتعالى هذا العبد بجذبة منه مِن يَدِ عدوِّه وتخليصه، وإلا فهو في تأخر إلى الممات، راجع القهقرى، ناكص على عقيبه، أو مُوَلٍّ ظهره، ولا قوة إلا بالله، والمعصوم من عصمه الله " انتهى.
"مدارج السالكين" (1/267-268) .
وانظر جواب السؤال رقم: (47565) ، (20059)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/22)
هل يظهر أنه حافظ للقرآن لتشجيع الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حافظ للقرآن ولله الحمد. فهل التحدث بذلك لمصلحة تشجيعية جائز , أما أنها خبيئة بين الإنسان وربه؟ أي أن كتمان ذلك أفضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإنسان أن يتحدث بما أنعم الله عليه من علم أو حفظ إذا كان ذلك لدفع الضر عنه، أو لجلب المصلحة للناس كما لو كان يريد تشجيعهم إلى الحفظ وطلب العلم، ولا يعد ذلك من تزكية النفس المنهي عنها، فقد قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) يوسف/55.
وقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُود رضي الله عنه: (لَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ) رواه مسلم (4502) .
قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان نَفْسه بِالْفَضِيلَةِ وَالْعِلْم وَنَحْوه لِلْحَاجَةِ.
وَأَمَّا النَّهْي عَنْ تَزْكِيَة النَّفْس فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ زَكَّاهَا وَمَدَحَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، بَلْ لِلْفَخْرِ وَالْإِعْجَاب، وَقَدْ كَثُرَتْ تَزْكِيَة النَّفْس مِنْ الْأَمَاثِل عِنْد الْحَاجَة كَدَفْعِ شَرٍّ عَنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ تَحْصِيل مَصْلَحَة لِلنَّاسِ، أَوْ تَرْغِيب فِي أَخْذ الْعِلْم عَنْهُ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ. فَمِنْ الْمَصْلَحَةِ قَوْل يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) وَمِنْ دَفْع الشَّرّ قَوْل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي وَقْت حِصَاره إنَّهُ جَهَّزَ جَيْش الْعُسْرَة، وَحَفَرَ بِئْر رُومَة. وَمِنْ التَّرْغِيب قَوْل اِبْن مَسْعُود هَذَا، وَقَوْل سَهْل بْن سَعْد: مَا بَقِيَ أَحَد أَعْلَم بِذَلِكَ مِنِّي، وَقَوْل غَيْره: عَلَى الْخَبِير سَقَطْت، وَأَشْبَاهه" انتهى.
ولكن.. كلما أمكن للإنسان أن يخفي عمله فهو أفضل، فقد يكون إظهاره والتحدث به باباً من أبواب الشيطان، ليوقع الإنسان في الفخر والإعجاب بعمله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/23)
حكم من نوى بالصدقة والزكاة نماء ماله فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقول: إني لا أزكي مالي أو لا أتصدق إلا بقصد نماء هذا المال والبركة فيه فما توجيهكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس بذلك، وقد نبه الله على مثل ذلك في قول نوح عليه السلام لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مُدْرَاراً) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يُنسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه فليصل رحمه) ، ولم يجعل الله عز وجل هذه الفوائد الدنيوية إلا ترغيباً للناس، وإذا كانوا يرغبون فيها فسوف يقصدونها، لكن من قصد الآخرة حصلت له الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) الشورى/20، يعني نعطيه الدنيا والآخرة، أما الاقتصار في أداء العبادة على رجاء الفوائد الدنيوية فقط فلا شك أن هذا قصور في النية سببه تعظيم الدنيا ومحبتها في قلب من يفعل ذلك" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/505) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/24)
ما المقصود بـ " محارم الله "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما المقصود بمحارم الله، وما هو انتهاك محارم الله الواردة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جَلِّهِم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) هل المقصود بانتهاك محارم الله الزنا، وهل انتهاك محارم الله يستلزم الحد عملا بقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) ؟ هل من ينتهك محارم الله ومات ولم يتب جزاؤه النار؟ هل الخلوة والوقوع بالفاحشة هي انتهاك لمحارم الله؟ هل الشخص الذي لا يغض البصر هو منتهك لمحارم الله؟ وهل المرأة غير المتحجبة والمبتذلة في لبسها والمتعطرة التي تفتن شباب المسلمين هي منتهكه لمحارم الله؟ هل انتهاك محارم الله المقصود به الخيانة الزوجية أخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد برئت منها ذمة الله ورسوله) وقوله أيضا: (أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله) ؟ هل من ينتهك محارم الله هو خائن لله وللرسول وللأمانة؟ هل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) المقصود به هم الأقارب فقط، أم أنه مصطلح عام يشمل المسلم والكافر؟ هل محارم الله هي اقتراف السيئات وعدم التناهي عنها، وهذا نجده في قول الله تعالى: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) ؟ هل محارم الله اتباع الشهوات وترك العبادات، وهذا نجده في قول الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
محارم الله: هي كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر، كالنظر والاختلاط والتبرج المحرم، ومثله الزنا والربا والرشوة والظلم والسرقة والغيبة والنميمة، ونقض ما أمر الله بالوفاء به، وقطع ما أمر الله به أن يوصل؛ فهو لفظ عام تدخل فيه المعاصي بجميع أنواعها. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد:25.
وقد جاء استعمال لفظ " محارم الله " في أحاديث كثيرة، منها:
ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (2328) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
(مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)
ومنها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (4/182) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَفَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ! فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ) .
صححه الحاكم في "المستدرك" (1/144) على شرط مسلم، وكذا الذهبي في التلخيص، وحسنه محققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (3887) .
وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ!
فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ:
اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ) .
رواه أحمد (2/310) والترمذي (2305) والطبراني في "الأوسط" (7/125) وغيرهم من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة.
قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا أبو طارق، تفرد به جعفر بن سليمان " انتهى.
وقال الترمذي: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا، هكذا روي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله، ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وفيه علة أخرى هي جهالة أبي طارق السعدي، إذ لم يرد فيه توثيق ولا تجريح عن أحد من أهل العلم، فقال فيه الذهبي في "الميزان" (4/540) : " لا يعرف " انتهى.
ولبعض جمل هذا الحديث شواهد اقتضت تصحيح الحديث عند بعض أهل العلم، كالشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (برقم/930) ، غير أن جملة الشاهد وهي (اتق المحارم تكن أعبد الناس) لم يرد ما يشهد لها، والله أعلم بالصواب.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/161) :
" أي: احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك تكن أعبد الناس، أي: مِن أعبدهم، لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض، فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات، فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته، فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد، وقال الذهبي: هنا والله تسكب العبرات، فيلزم أن يكون بصيرا بكل واجب فيقوم به، وعارفا بكل محرم فيجتنبه " انتهى بتصرف يسير.
وقد جاء في الكتاب الكريم من التحذير والترهيب من الوقوع في محارم الله ما يغني ويكفي،
يقول الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229
ويقول عز وجل: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/14
على أننا ننبه أخانا الكريم على أن حديث (اتق المحارم تكن أعبد الناس) ليس له علاقة بالأقارب أو الأهل، أو المسلم والكافر؛ وإنما اختلط عليك المحارم المشار إليها في هذه الأحاديث وأمثالها، والتي يقصد بها: ما حرمه الله على عباده، والمحارم في باب النكاح، كالأم والأخت ونحو ذلك؛ وهذا لا علاقة له بما نحن فيه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/25)
توفيت والدته وهو غير متخيل بُعدها عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت أمي رحمة الله عليها، ولكني غير قادر أتخيل أنها بعدت عني، فهل هذا اعتراض على أمر الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يتغمد والدتك بواسع رحمته، وأن يعاملها بعظيم لطفه ومغفرته، وأن يجمعك بها في جنة الخلد عند مليك مقتدر.
ونوصيك - أخانا السائل - بالتصبر والتحلم، وأنت المؤمن بالله العظيم، المسلِّمُ بقضائه وقدره، تعلم أن الدنيا دار ممر وليست دار مقر، وتدرك أن الموت حق، والساعة حق، والله حق، والنبي صلى الله عليه وسلم حق، فأي شيء يطلب الإنسان وراء ذلك اليقين الذي قامت عليه السماوات والأرض ومن فيهن.
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) الإنشقاق/6
ويقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185
فمن آمن بهذه المعاني، وصدق بأن القدر محتوم، والأجل مكتوب، لم يضره ما تعانيه نفسه من تقلب أو تردد في احتمال المصائب والبلايا، ما لم ينقض إيمانه هذا، أو ينطق بما يسخط الله عز وجل.
وقد قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التغابن/11.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله ـ تفسير السعدي (876) ـ:
" هذا عام لجميع المصائب، في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم، فجميع ما أصاب العباد، فبقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله تعالى، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها، فله الثواب الجزيل، والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك، وسلم لأمره، هدى الله قلبه، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري لمن لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها، والقيام بموجب الصبر، فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وعلم من هذا أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره، بل وقف مع مجرد الأسباب، أنه يخذل، ويكله الله إلى نفسه، وإذا وكل العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد، قبل عقوبة الآخرة، على ما فرط في واجب الصبر.
هذا ما يتعلق بقوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} في مقام المصائب الخاص، وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي، فإن الله أخبر أن كل من آمن أي: الإيمان المأمور به، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وصدَّق إيمانَه بما يقتضيه الإيمان من القيام بلوازمه وواجباته، أن هذا السبب الذي قام به العبد أكبر سبب لهداية الله له في أحواله وأقواله وأفعاله، وفي علمه وعمله.
وهذا أفضل جزاء يعطيه الله لأهل الإيمان، كما قال تعالى في الأخبار: أن المؤمنين يثبتهم الله في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وأصل الثبات: ثبات القلب وصبره، ويقينه عند ورود كل فتنة، فقال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبًا، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات، وذلك لما معهم من الإيمان ". انتهى كلامه رحمه الله.
ويقول العلامة محمد ابن عاصم الغرناطي الأندلسي في كتابه "جنة الرضا في التسليم لما قدَّر الله وقضى" (3/20-29) :
" إن كان المفقود الوالدين، فَقَدْ فَقَدَ هو صلى الله عليه وسلم والِدَيه في حال الطفولة، وكم منا من تمتع بهما إلى زمن الكهولة! وفي الله عِوضٌ مِن كل ذاهب، وما وهب الله من عظيم الأجر أفضل هبة من أكرم واهب.
قال المتنبي:
وقد فارق الناسُ الأحبةَ قبلنا وأعيا دواءُ الموت كلَّ طبيب
وقال أبو نواس:
وما الناس إلا هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريض " انتهى.
والقضية ليست في أن تتخيل وجود أمك معك، أو أن يصعب عليك نسيان حياتها، وذكراها معك، فمع الأيام تعتاد النفس الصبر والسلوان:
والعهد في الليالي تُنَسّي
والذكي من خرج من مصابه بأجر الصابرين، فمن لم يصبر صبر الكرام، سلا سلو البهائم.
وإنما عليك أن ترقب قلبك وتحفظه: ألا يكون فيه شيء من الجزع والهلع، أو الاعتراض والتسخط على ما قدر الله وقضى، وأن يحفظ لسانه فلا ينطق بما يغضب الرب سبحانه:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقَالَ: أَقَدْ قَضَى؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا، فَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، أَوْ يَرْحَمُ.
رواه البخاري (1034) ومسلم (924) واللفظ له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/26)
فوائد الشدائد
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد شاهدت على شاشات التلفاز الكثير من المصائب والمآسي التي تمر بها الأمة الإسلامية، في فلسطين جراحنا تنزف، وفي الشيشان أجسادنا تقطع، وفي أفغانستان بيوتنا تهدم، وفي الفلبين وكشمير.. واليوم في العراق..
وغداً الله أعلم بمن سيلاقي هذا المصير..
فهل هذه المصائب والمآسي التي نراها خيرٌ أم شر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خلق المصائب والآلام فيه من الحكم ما لا يحيط بعلمه إلا الله، ومما أطلعنا الله عليه مما هو دال على ذلك:
1- أن في الآلام والمصائب امتحاناً لصبر المؤمن قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة / 214.
2- أن فيها دليلاً على ضعف الإنسان، وافتقاره الذاتي إلى ربه، ولا فلاح له إلا بافتقاره إلى ربه، وانطراحه بين يديه.
3- المصائب سبب لتكفير الذنوب ورفعة الدرجات قال صلى الله عليه وسلم: " ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطّت عنه بها خطيئة " رواه مسلم (2572)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2280) .
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ. رواه الترمذي (2402) انظر: السلسلة الصحيحة برقم (2206) .
4- ومن حكم المصائب عدم الركون إلى الدنيا، فلو خلت الدنيا من المصائب لأحبها الإنسان أكثر ولركن إليها وغفل عن الآخرة، ولكن المصائب توقظه من غفلته وتجعله يعمل لدار لا مصائب فيها ولا ابتلاءات.
5- ومن أعظم حكم المصائب والإبتلاءات: التنبيه والتحذير عن التقصير في بعض الأمور ليتدارك الإنسان ما قصر فيه، وهذا كالإنذار الذي يصدر إلى الموظف أو الطالب المقصر، والهدف منه تدارك التقصير، فإن فعل فبها ونعمت، وإلا فإنه يستحق العقاب، ولعل من الأدلة على ذلك قوله تعالى: (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون. فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) .
ومن الحكم المترتبة على سابقتها الإهلاك عقاباً لمن جاءته النذر، ولكنه لم يستفد منها ولم يغير من سلوكه، واستمر على ذنوبه قال تعالى: {فأهلكناهم بذنوبهم} .
وقال تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين) ، وقال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)
قال ابن تيمية رحمة الله: " قد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه، فيكون محموداً من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموماً، فهذا يثاب على ما في قلبه، من حب الخير وبغض الشر، وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة، نهي عنه، وإلا كان حسب صاحبه رفع الإثم عنه "
فافهم هذا يا من تتمنى أن يغير الله الأحوال بلا عمل منك ومن أمثالك.
6- قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) الأنعام / 42
قال السعدي رحمه الله: لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك من الأمم السالفين والقرون المتقدمين فكذبوا رسلنا وجحدوا بآياتنا. فأخذناهم بالبأساء والضراء أي بالفقر والمرض والآفات والمصائب رحمة منا بهم. لعلهم يتضرعون إلينا ويلجأون عند الشدة إلينا.
وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم / 41.
أي استعلن الفساد في البر والبحر، أي فساد معايشهم ونقصانها وحلول الآفات بها.
وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك. وذلك بسبب ما قدمت أيديهم، من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.
هذه المذكورة (ليذيقهم بعض الذي عملوا) أي ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجاً من جزاء أعمالهم في الدنيا (لعلهم يرجعون) عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت. فتصلح أحوالهم، ويستقيم أمرهم.
فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته، وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.
7- والعبادة في الشدائد والفتن لها طعم خاص وأجر خاص:
عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) . رواه مسلم (2948) .
قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعِبَادَة فِي الْهَرْج كَهِجْرَةِ إِلَيَّ) الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس. وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا , وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا , وَلا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلا أَفْرَاد.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَنَّ الْفِتَن وَالْمَشَقَّة الْبَالِغَة سَتَقَعُ حَتَّى يَخِفّ أَمْر الدِّين وَيَقِلّ الاعْتِنَاء بِأَمْرِهِ وَلَا يَبْقَى لأَحَدٍ اِعْتِنَاء إِلا بِأَمْرِ دُنْيَاهُ وَمَعَاش نَفْسه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ , وَمِنْ ثَمَّ عَظُمَ قَدْر الْعِبَادَة أَيَّام الْفِتْنَة كَمَا أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث مَعْقِل بْن يَسَار رَفَعَهُ " الْعِبَادَة فِي الْهَرْج كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ "
8- أن حصول النعمة بعد ألم ومشقة ومصيبة أعظم قدراً عند الإنسان.
فيعرف الإنسان قدر نعمة الله عليه في الصحة والعافية، ويقدرها حق قدرها.
فمن فوائد المصائب: التذكير بنعم الله تعالى على الإنسان، لأن الإنسان الذي خلق مبصراً – مثلاً – ينسى نعمة البصر ولا يقدرها حق قدرها، فإن ابتلاه الله بعمى مؤقت ثم عاد إليه بصره أحس بكل مشاعره بقيمة هذه النعمة، فدوام النعم قد ينسي الإنسان هذه النعم فلا يشكرها، فيقبضها الله ثم يعيدها إليه تذكيراً له بها ليشكرها.
بل إن في المصائب تذكيراً للإنسان المصاب ولغيره بنعم الله، فإذا رأى الإنسان مجنوناً أحس بنعمة العقل، وإن رأى مريضاً أحس بالصحة، وإن رأى كافراً يعيش كالأنعام أحس بنعمة الإيمان، وإن رأى جاهلاً أحس بنعمة العلم، هكذا يشعر من كان له قلب متفتح يقظ، أما الذين لا قلوب لهم فلا يشكرون نعم الله بل يبطرون، ويتكبرون على خلق الله.
9- فوائد المصيبة أنها تنقذ الإنسان من الغفلة، وتنبه العبد على تقصيره في حق الله تعالى، حتى لا يظن في نفسه الكمال فيكون سبباً لقسوة القلب والغفلة قال تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام / 43.
10- ومن حكم الابتلاءات والشدائد: التمحيص
فالشدائد تكشف حقائق الناس وتميز الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، يقول الله الباري جلا شانه عن غزوة أحد وما نال المسلمين فيها، مبيناً جانباً من الحكمة في هذا الابتلاء: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)
فينكشف كلٌ على حقيقته:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي
11- وليقوم المسلمون بإغاثة من تصيبهم المصائب من المسلمين فيؤجرون على ذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) . رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) وقال: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
12- وفي الشدائد والحروب يظهر الأثر الحقيقي لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)
فمن صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين: جهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله عز وجل، ومشاركة أهل الدعوة الإسلامية في الحروب ضد أهل الكفر والضلال، وتهيئة جميع الوسائل والعدة والعتاد من أجل الجهاد في سبيل الله.
ومن صور التعاون في نصرة الدين التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: التعاون على قتل مدعي النبوة، وقتل رؤوس أهل الشرك والمرتدين ومنهم الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/27)
طريق التقرب إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تدلوني على الطريق الصحيح للتقرب إلى الله عز وجل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
طريق التقرب إلى الله قد بينه الله عز وجل لنا في كتابه أوضح بيان، وبعث إلينا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، فلم يترك خيرا إلا ودلنا عليه، ولا ترك شرا إلا وحذرنا منه، ونحن نذكر هنا حديثا واحدا من الأحاديث الجامعة النافعة التي بَيَّن فيها النبي صلى الله عليه وسلم الطريق التي تقربنا إلى الله جل شأنه بأوجز عبارة، وأحسن أسلوب وأبينه، فقد روى البخاري (6502) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) .
فهذا الحديث بيان شافٍ وكافٍ لطريق ولاية الله تعالى لمن أراد أن يكون من أولياء الله تعالى.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" (2/335) : "ذكر في هذا الحديث ما يتقرب به إليه، وأصل الولاية القرب، وأصل العداوة البعد، فأولياء الله هم اللذين يتقربون إليه بما يقربهم منه" انتهى بتصرف.
فهذا الحديث بيان للطريق التي تقرب من الله تعالى، وما على المؤمن إلا أن يتدبر هذا الحديث جيدا، ويتفهمه ثم يتبع ذلك بالعمل بما فيه، وهو بإذن الله بعد ذلك صائر إلى ولاية الله تعالى، والقرب منه بقدر ما عمل مبتغيا بعمله وجه الله تعالى، متبعاً سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي بيان ما تضمنه الحديث يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في الموضع السابق من كتابه "جامع العلوم والحكم": "فَقَسَّم أولياءه المقربين قسمين: أحدهما: من تقرب إليه بأداء الفرائض، ويشمل ذلك فعل الواجبات، وترك المحرمات، لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده. والثاني: من تقرب إليه بعد الفرائض بالنوافل" انتهى.
فالمسلم عليه أن يجاهد نفسه أولا للقيام بالفرائض التي افترضها الله عليه، كالصلوات الخمس، وهي أعظم الفرائض العملية، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت إن كان مستطيعا، وكذا باقي الفرائض العملية الأخرى كبر الوالدين، وصلة الأرحام، وأداء حق الزوجة، والأبناء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما يقدر عليه، ونحو ذلك من العبادات الجليلة التي لا تزيده من الله إلا قربا، وكذا العبادات القلبية من الإخلاص لله تعالى وحبه، وحب رسوله وشرعه وحب المؤمنين والتوكل على الله والخوف منه إلى غير ذلك من عبادات القلب المفروضة عليه.
وعليه أن يجاهد نفسه أيضا للقيام بحق الله تعالى في النوع الثاني من الفرائض، وهي فرائض الترك، أي: التي فرض الله علينا فيها الترك، كترك الزنى، والربا وشرب الخمر والسرقة والظلم والغيبة والنميمة إلى غير ذلك من المحرمات، فإذا فعل شيئا من ذلك بادر بالتوبة والإصلاح.
وهو في كل ذلك محتاج إلى العلم الشرعي ليعبد الله على بصيرة.
ثم ينبغي للمؤمن بعد ذلك أن يكثر من نوافل الأعمال، فإنه بها ينال الدرجة الرفيعة عند الله، ويحصل بذلك محبة الله تعالى كما سبق في الحديث.
وهذه النوافل كثيرة ينبغي للمسلم أن يبدأ بالأهم فالأهم منها، وأفضلها وأجلها تعلم العلم الشرعي وتعليمه للناس.
ومن ذلك: النوافل المؤكدة من الصلوات كالرواتب وقيام الليل وصلاة الوتر.
وكذا الإكثار من ذكر الله تعالى والصدقات، ومما يعين المسلم على القيام بهذا أن يرتب ساعات يومه وليلته فيجعل للفريضة وقتها وللنافلة وقتها ويستعين على ذلك بمجالسة الصالحين والأخيار. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/28)
حديث (مَن استغفر للمؤمنين كتب له بكل مؤمن حسنة)
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الحديث (مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة) ما المقصود بالحديث؟ وهل هو على ظاهره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يصح حديث في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وما ورد في ذلك لا يثبت، وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع العمل، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك:
1- عن عبادة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (3/234) من طريق بكر بن خنيس عن عتبة بن حميد عن عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت.
وعيسى بن سنان: ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية. انظر "تهذيب التهذيب" (8/212)
وعتبة بن حميد: قال فيه أحمد: ضعيف ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/428)
فلا وجه لقول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : إسناده جيد. وعليه اعتمد الشيخ الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026) لأنه لم يطلع على سنده في "مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد.
2- عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من قال كل يوم اللهم اغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات ألحق به من كل مؤمن حسنة)
رواه الطبراني في الكبير (23/370) وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/255) : " قال يحيى: ضعيف، ليس حديثه بشيء، وقال مرة: متروك الحديث.
وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقد مشاه شعبة، وقال: اكتبوا عنه، فإنه شريف. وقال البخاري: سكتوا عنه. وذكره ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة، لكنها منكرة الاسناد " انتهى.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف " انتهى.
3- عن أنس رضي الله عنه، جاء عنه من طريقين:
- من طريق عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:
(من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز وجل عليه من آدم فما دونه) .
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في "الضعفاء" (2/182) وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم.
قلت: فيه علتان: الأولى: ضعف شعيب بن كيسان، والثاني: الانقطاع بينه وبين أنس، فقد قال البخاري عقب إخراجه له: " لا يعرف له سماع من أنس، ولا يتابع عليه "
لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321) : وسنده ضعيف.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976) : " منكر " انتهى.
- من طريق معمر عن أبان عن أنس مرفوعا بلفظ:
(ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل ما دعا به)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (2/217)
قلت: وأبان الذي يروي عنه معمر بن راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه وتركه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/99)
4- عن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة أحد العددين كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم أهل الأرض)
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) :
" رواه الطبراني وفيه عثمان بن أبى العاتكة، وقال فيه حدثت عن أم الدرداء، وعثمان هذا وثقه غير واحد وضعفه الجمهور، وبقية رجاله المسمين ثقات " انتهى.
5- عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من لم يكن عنده مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/128) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه من لم أعرفهم " انتهى.
6- عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها زكاة)
رواه ابن حبان (3/185) في صحيحه، وإسناده ضعيف؛ لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم، وقد ضعفها أحمد وأبو داود وغيرهما، انظر "تهذيب التهذيب" (3/209)
ثانيا:
الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام، فقد دعا به نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/28
ودعا به إبراهيم عليه السلام فقال: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/41
وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يدعو به فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ) محمد/19
وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10
فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفر لإخوانهم المسلمين، الأحياء منهم والميتين، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به.
روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217) :
" عن ابن جريج قال: قلتُ لعطاء: أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات؟
قال: نعم، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ)
قلتُ: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً؟ قال: لا.
قلت: فبِمَن تبدأ، بنفسك أم بالمؤمنين؟
قال: بل بنفسي، كما قال الله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) " انتهى.
يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299) :
" والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم، فيصير هِجِّيراه: ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم سبعين مرَّة، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به.
وسمعتُ شيخَنا - أي ابن تيمية – يذكرُه، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه، وربَّما كان مِن جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها، وسمعتُه يقول: إنَّ جعلَه بين السجدتين جائزٌ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به، محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله بمغفرة الله وفضلِه، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل " انتهى.
فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولخصوص الأجور المذكورة فيها، وذلك لا يعني عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/29)
طاعة الله مجلبة للرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري ثلاثون سنة، قبل خمسة سنوات كنت أعيش مع المعاصي ويا للخيبة، إلا أنني كنت محافظاً على الصلاة، ثم تزوجت وسافرت للعيش في فرنسا، وحصلت لي بعض المشاكل فلم أجد الحل إلا في العودة إلى الله، فتبت والحمد لله، وبدأت بحفظ القرآن، وتعلم العلم، وأصبحت أصوم النافلة طوال العام، ولا أضيع الصلاة في المسجد إلا نادرا حتى إني لا تفوتني تكبيرة الإحرام أكثر من أربعين يوماً، والحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وكان من نتائج ذلك أن تحسنت أحوالي المادية، والمعنوية، وكلما زدت في الطاعات زادت الخيرات والله على ما أقول شهيد، المشكلة هي أنني الآن لا أدري لماذا أجتهد في الطاعات هل من أجل الآخرة أم من أجل الدنيا؟ مثلاً: إذا تصدقت أرجو أجر الصدقة، ولكن كذلك لعلمي بأن الله سيخلفها لي مضاعفة وهكذا حتى بدأت أشك في نفسي هل أنا منافق أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهنئك أخي على أن وُفِّقت للتوبة إلى الله، والرجوع إلى الصواب، فتلك نعمة أسبغت عليك، ومِنَّة أسديت لك، ينبغي عليك شكرها، لأنها غاية كل مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "لم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواصُّ الخلق لديه، ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم" انتهى.
"مدارج السالكين" (1/343) .
وكونك كلما اجتهدت في الطاعات كثرت عليك أسباب الرزق الحلال، فلأن تقوى الله وطاعته مجلبة للرزق، كما قال جل وعلا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3. كما أن المعصية مجلبة للفقر، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، وما استُجْلب الرزق بمثل فعل الطاعات وترك المعاصي، ولكن ينبغي عليك أن تراقب إخلاصك قبل الشروع في العمل بحيث يكون الباعث على فعل الخير ابتداء وجه الله تعالى، وأن تراقب إخلاصك وتحفظه مما يفسده أثناء العمل وبعده فتخلِّصَه من العُجْب والرياء ورؤية النفس وطلب المحمدة والمنزلة في قلوب الخلق من أجله أو أن تعمله لما يدر عليك من الخيرات، بحيث لو ضُيِّق عليك الرزق لتركته، فهذه أمور منافية للإخلاص، مفسدة للطاعات.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه" انتهى.
"الوابل الصيب" (ص20) .
ويجب أن يُعلم أن الإنسان إذا قصد بعبادته وجه الله تعالى، وثوابه في الدار الآخرة، وقصد مع ذلك ثواب الطاعة العاجل في الدنيا، كسعة الرزق والحياة الطيبة ونحو ذلك أنه لا حرج عليه.
وقد رغَّبنا الله تعالى في طاعته والابتعاد عن معصيته، بذكر ثواب ذلك في الدنيا، مما يدل على أنه لا حرج على المؤمن إذا قصد ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا أراد الإنسان بعمله الحسنيين: حسن الدنيا، وحسن الآخرة، فلا شيء في ذلك. [أي لا حرج عليه ولا إثم] لأن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3" انتهى.
"القول المفيد" (2/244) .
فلا يلقينَّ الشيطان في نفسك أنك منافق أو غير مخلص، فإن قصده صرفك عن أعمال البر وتثبيطك عن سبل الخير، ولا يَكُن الحامل لك على فعل الطاعة ما يجره لك من الرزق بحيث لو جفَّت منابعه لتركته، ولكن أخلص لربك أعمالك، واشكره على ما يتفضل به عليك من الخيرات: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/7.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/30)
يحب الهداية ولكن نفسه تغلبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الهداية وطريق الصلاح ولا أعرف. أحاول ولا أستطيع. كلما أحاول نفسي الأمارة بالسوء تغلبني، والشيطان يُذَلِّلُ لِيَ المعصية. ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصدقك القول – أخي السائل – أنني أحسست بالمشاعر التي يكنها قلبك من خلال كلماتك المعدودة في السؤال، رأيت فيها صدقا ورغبة ورهبة، ولمست فيها حرصا وحبا وخوفا، كما سمعت لها أنينا أحدثته قيود الهوى والشيطان.
ولكنني سرعان ما تعجبتُ من هذه النفس، وتساءلتُ إن كانت تنتظر اللحظة الفاصلة التي تنتقل بها فجأة نحو الهداية، من غير أن تسعى أنت أو تتعب في هذه السبيل؟!!
أو كانت تتنظر اللحظة الفاصلة حقا، بين وقت الإمهال، ووقت النهاية، وضياع الفرصة بهجمة الموت:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) رواه الترمذي (2306) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وضعفه الألباني.
والحقيقة التي يجب عليك إدراكُها، والإيمانُ بها، والتأملُ فيها أولا وأخيرا، هي أن التغيير يبدأ منك، ومنك فقط، من أعماق نفسك، وإرادتك وسعيك، وليس بكلمات يكتبها لك المفتي، ولا بتعليمات يرسلها إليك ناصح، بل ولا بعزيمةٍ مترددةٍ فاترةٍ على الهداية، تحركها العاطفة المؤقتة، فلا تلبث أن تنطفئ وترجع إلى عهدها الأول.
فإذا وعيت ذلك أدرَكتَ أنك تعيشُ في هذه الحياة في معركةٍ واحدةٍ، أو لِنَقُل في تحدٍّ واحد، يُحَتِّمُ عليك أن تجمع له همَّكَ وفكرَك وجهدَك، وتبذلَ في سبيل الفوز فيه كلَّ حيلةٍ ووسيلةٍ، وستجد نفسك مضطرةً إلى السؤال كثيرا، والبحث كثيرا، والقراءة كثيرا، كي تصل إلى السر الذي تتحكم فيه بداخلك، فتطفئ َمن خلاله نوازعَ الشر والكسل والفشل، وتوقظَ به قيم الخير والنجاح والعطاء.
وملخص ذلك في جملة سهلةٍ يسيرةٍ على من يسَّرها الله عليه، بل في كلمة واحدة، هي:
" القوة " القوة في العزيمة، والقوة في الضبط والسيطرة، والقوة في الاحتمال.
وأكاد أجزم لك أخي السائل أنك إن تفكرت في هذا المعنى " قوة النفس " ملكت به مفاتح الخير كلَّها إن شاء الله.
والموعظة إنما يقصد بها بعث هذا المعنى مِن جديد، كي يتخلَّصَ القلب من أغلال الوهن والضعف التي تحول بينه وبين الهدى والنجاة، ولعلي هنا أرسل لك ببعض الكلمات التي تخاطب بها نفسك، لعلها تبث فيها روح الهداية والثبات:
" يا نفس! أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار، وأنك صائرةٌ إلى إحداهما على القرب؟! فما لك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو، وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم!؟ وعساك اليوم تُختطفين أو غدا، فأراك تَرَينَ الموت بعيدا، ويراه الله قريبا.
أما تعلمين أنَّ كلَّ آتٍ قريب، وأن البعيدَ ما ليس بآت؟!
أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير تقديم رسول، ومن غير مواعدة ومواطأة؟ وأن كلَّ نَفَسٍ من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة، فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة، ثم يفضي إلى الموت، فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب؟!
أما تتدبرين قوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) الأنبياء/1-3
فإن كنتِ يا نفسُ قد عرفت ذاك وآمنتِ به، فما لك تُسوِّفين العمل، والموتُ لك بالمرصاد؟!
أرأيتِ لو سافر رجل لِيتفَقَّهَ في الغربة، فأقام فيها سنين متعطِّلاً بَطَّالاً، يَعِدُ نفسَه بالتفقه في السنة الأخيرة عند رجوعه إلى وطنه، هل كنت تضحكين من عقله؟!
ثم هبي أن الجهد في آخر العمر نافع، وأنه موصل إلى الدرجات العلا، فلعل اليوم آخر عمرك، فلم لا تشتغلين فيه بذلك؟
أفتنتظرين يوما يأتيك لا تعسُرُ فيه مخالفةُ الشهوات؟ هذا يومٌ لم يخلقه الله قَطُّ، ولا يخلقه، فلا تكون الجنةُ قَطُّ إلا محفوفةً بالمكاره، ولا تكون المكارهُ قَطُّ خفيفةً على النفوس، وهذا محالٌ وجوده.
أما تتأملين مذ كم تَعِدين نفسك وتقولين: غدًا، غدًا؟ فقد جاء الغد وصار يوما، فكيف وجدتِهِ؟ أما علمتِ أن الغد الذي جاء وصار يوما كان له حكم الأمس، لا بل الذي تعجزين عنه اليوم، فأنت غدا عنه أعجز وأعجز، لأنَّ الشهوةَ كالشجرة الراسخة التي تعب العبد بقلعها، فإذا عجز العبد عن قلعها للضعف وأخَّرها، كان كمن عجز عن قلع شجرة وهو شاب قوي، فأخرها إلى سنة أخرى، مع العلم بأن طول المدة يزيد الشجرة قوة ورسوخا، ويزد القالع ضعفا ووهنا.
ويحكِ يا نفسُ! لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور، فانظري لنفسك، فما أمرُك بمهمٍّ لغيرِك، ولا تُضيِّعي أوقاتك، فالأنفاسُ معدودة، فإذا مضى منك نَفَسٌ فقد ذهب بعضك، فاغتنمي الصحة قبل السقم، والفراغَ قبل الشغل، والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم، والحياةَ قبل الموت، واستعدي للآخرة على قدرِ بقائِك فيها.
ويحكِ يا نفسُ! ما أراكِ إلا ألفت الدنيا وأنست بها، فعسُرَ عليكِ مفارقتُها وأنت مقبلة على مقاربتها، وتؤكدين في نفسك مودتها، فحسبي أنك غافلةٌ عن عقاب الله وثوابه، وعن أهوال القيامة وأحوالِها، فما أنت مؤمنةٌ بالموت المفرِّق بينك وبين محابِّكِ.
ويحكِ يا نفسُ! أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذ الدنيا ويأنس بها مع أن الموت من ورائه، فإنما يستكثر من الحسرة عند المفارقة، وإنما يتزود من السم المهلك وهو لا يدري؟
أوَمَا تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا وخلوا؟ وكيف أورث الله أرضهم وديارهم أعداءهم؟ أما ترينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويؤملون ما لا يدركون؟ فهل في الدنيا حمق وانتكاس أعظم من هذا؟ يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينا، ويخرب آخرته وهو صائر إليها قطعا؟
ويحكِ يا نفسُ! ما لك إلا أيامٌ معدودة، هي بضاعتك إن اتجرت فيها، وقد ضيعتِ أكثرَها، فلو بكيت بقيةَ عمرك على ما ضيعت منها لكنت مقصرة في حق نفسك، فكيف إذا ضيعت البقية وأصررت على عادتك؟ أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدُك، والقبرَ بيتُك، والترابَ فراشُك، والدودَ أنيسُك، والفزعَ الأكبرَ بين يديك؟
فاحذري أيتها النفس المسكينة يوما آلى الله فيه على نفسه أن لا يترك عبدا أَمَرَه في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله دقيقه وجليله، سره وعلانيته، فانظري يا نفس بأي بدن تقفين بين يدي الله، بأي لسان تجيبين، وأعدي للسؤال جوابا، وللجواب صوابا، واعملي بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال، وفي دارِ زوالٍ لدار مقامة، وفي دار حزن ونَصَبٍ لدار نعيم وخلود، اعملي قبل أن لا تعملي، اخرجي من الدنيا اختيارا خروج الأحرار، قبل أن تخرجي منها على الاضطرار، ولا تفرحي بما يساعدك من زهرات الدنيا، فرب مسرور مغبون، ورب مغبون لا يشعر، فويل لمن له الويل ثم لا يشعر، يضحك ويفرح ويلهو ويمرح ويأكل ويشرب، وقد حق له في كتاب الله أنه من وقود النار.
فليكن نظرك يا نفس إلى الدنيا اعتبارا، وسعيك لها اضطرارا، ورفضك لها اختيارا، وطلبك للآخرة ابتداءا، ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أُتِي، ويبتغي الزيادةَ فيما بَقي.
واعلمي يا نفس أنه ليس للدين عِوض، ولا للإيمان بَدَل، ولا للجسد خلف، ومن كانت مطيته الليل والنهار، فإنه يُسار به وإن لم يسر.
فاتعظي يا نفس بهذه الموعظة، واقبلي هذه النصيحة، فإن من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار، وما أراك بها راضية، ولا لهذه الموعظة واعية.
فإن كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة فاستعيني عليها بدوام التهجد والقيام، فإن لم تزل فبالمواظبة على الصيام، فإن لم يزل فبقلة المخالطة والكلام، فإن لم يزل فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام، واستعيني بأرحم الراحمين، واشتكي إلى أكرم الأكرمين، وأدمني الاستغاثة، ولا تملي طول الشكاية، لعله أن يرحم ضعفك ويغيثك، فإنَّ مصيبَتَك قد عظمت، وبليتَك قد تفاقمت، وتماديك قد طال، وقد انقطعت منك الحيل، وراحت عنك العلل، فلا مذهب ولا مطلب، ولا مستغاثَ ولا مهرب، ولا ملجأَ ولا منجا إلا إلى مولاكِ، فافزعي إليه بالتضرع، واخشعي في تضرعك على قدر عظم جهلك وكثرة ذنوبك؛ لأنه يرحم المتضرع الذليل، ويغيث الطالب المتلهف، ويجيب دعوة المضطر، وقد أصبحت اليوم مضطرة، وإلى رحمته محتاجة، وقد ضاقت بك السبل، وانسدت عليك الطرق، وانقطعت منك الحيل، والمطلوب كريم، والمسؤول جواد، والمستغاث به بر رؤوف، والرحمة واسعة، والكرم فائض، والعفو شامل." اختصارا من "إحياء علوم الدين" (4/416-422)
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكلام الصالحين، وموعظة الصادقين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/31)
الأذكار بين الأذان والإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف الدعاء الذي نقوله قبل الأذان وقبل الإقامة وبعد الأذان وبعد الإقامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أما عن الدعاء قبل الأذان فليس هناك دعاء قبل الأذان - فيما أعلم - ولو خصص ذلك بقول خاص أو غير خاص في ذلك الوقت فهو بدعة منكرة ولكن إن جاء اتفاقاً وصدفة فلا بأس به.
2. أما قبل الإقامة عندما يهم المؤذن بالإقامة بالذات فهذا أيضاً لا نعلم فيه قولاً مخصوصاً ففعله مع عدم ثبوت دليل عليه بدعة منكرة.
3. أما ما بين الأذان والإقامة فالدعاء عندئذٍ مرغّب فيه ومستحب.
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ". رواه الترمذي (212) وأبو داود (437) وأحمد (12174) – واللفظ له – وصححه الألباني في صحيح أبي داود 489.
والدعاء بعد الأذان مباشرة له صيغ مخصوصة:
- منها: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ". رواه البخاري (589) .
4. وأما الدعاء بعد الإقامة فلا نعلم له دليلاً، وإن خصص الدعاء بشيء من غير دليل صحيح كان بدعة.
5. وأما الدعاء حين الأذان فإنه يسن لك أن تقول كما يقول المؤذن إلا عند قوله: حي على الصلاة – حي على الفلاح. فإنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ". رواه مسلم (385) .
6- أما الدعاء حين الإقامة: فبعض العلماء أجراه على العموم باعتباره أذاناً فاستحب الترديد، ولم يستحبه علماء آخرون لضعف الحديث الوارد في الترديد مع الإقامة الذي سيأتي تخريجه، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (2/136) والشيخ العثيمين في الشرح الممتع (2/84)
ـ ومن الخطأ قول: أقامها الله وأدامها الله عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف.
عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان ". رواه أبو داود (528) . والحديث: ضعفه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/32)
حكم دخول غرف المحادثة على شبكة (الإنترنت) للتسلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدني بحكم دخولي لـ (الشات) وصفحات (الدردشة) ، حيث إن دخولي لها هو فقط للتسلية والنظر في بعض الموضوعات المطروحة ومناقشتها، ولا يخفاكم شيخنا ما يتخلل هذه الأماكن من كلام فاحش وبذيء ... أفدني حفظك الله بهذا الخصوص، ولك مني جلّ محبتي ودعائي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مما ينبغي على العبد المسلم: الحرص على تقويم النفس وتهذيبها، والارتقاء بها إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وذلك يعني منه طول المجاهدة وحسن السياسة، وأهم ما يمكن أن يعينه على ذلك: تجنب أماكن الفساد، وموارد الهلاك، فقد اتفق علماء السلوك على أن النفس مجبولة على الضعف والميل في أصل تكوينها، وأن العقل هو الذي يضبطها ويوجه طاقتها، فإذا أسلم العقلُ النفسَ إلى مراتع الفساد والهوى: فقد لا يملك بعد ذلك أن يعيدها إلى حياض النجاة والخلاص.
وهكذا هي مجالس اللهو والعبث – أخي السائل - فقد كانت – وما زالت بصورتها المعاصرة على الإنترنت – مصارف لاستنفاد الطاقات وتضييع المواهب وإهدار الإنجازات، يجتمع عليها أهل البطالة ممن لا يحملون رسالة العمل والنجاح في حياتهم، فيهدرون فيها أوقاتهم وأعمارهم التي هي أغلى ما يملكون، ويقضون أيامهم في القيل والقال، فلا هم أقاموا دنيا ولا التزموا بدين.
والمسلم حين يستشعر نعمة الفراغ التي أكرمه الله بها لا يملك إلا أن يبحث عن أفضل عمل يملأ به أيامه وساعاته، وليس فقط عن عمل حسن يسد عنه ذلك، ولذلك تجد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن أفضل الأعمال التي ينالون بها أرقى المراتب عند الله تعالى، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يسألون.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) .
رواه البخاري (6412) .
مغبون: أي: ذو خسران فيهما كثير من الناس.
قال ابن القيم - رحمه الله - وهو يتحدث عن الغيرة على الوقت -:
غيْرة على وقت فات! وهي غيرة قاتلة، فإن الوقت وَحِيُّ التقضي – أي: سريع الانقضاء – أبيُّ الجانب، بطيء الرجوع ...
والوقت عند العابد: هو وقت العبادة والأوراد، وعند المريد هو وقت الإقبال على الله، والجمعية عليه، والعكوف عليه بالقلب كله.
والوقت أعز شيء عليه، يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك، فإذا فاته الوقت: لا يمكنه استدراكه البتة؛ لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص، فإذا فاته وقت: فلا سبيل له إلى تداركه.
" مدارج السالكين " (3 / 49) .
وإن أهم ما يساعد على اغتنام الأوقات الهروب من المجالس الخاوية، وترك فضول الكلام، والنأي عن أهل الكسل والبطالة، ومصاحبة المجدين النبهاء الأذكياء المتيقظين للوقت والدقائق، والانغماس في متعة المطالعة والاستزادة من المعرفة.
فالعاقل الموفق من يملأ حاضر عمره ووقته بفائدة وعمل صالح نافع، فيترقى في مدارج السمو والرفعة، يطلب علما أو يكتب درسا أو يتعلم صنعة أو يزور رحما أو يعود مريضا أو ينصح ضالا أو يتكسب رزقا يقوم به على عياله يكفهم عما في أيدي الناس.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا – أي: فارغا – لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة.
ذكره أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في " الأمثال " (48) .
وليس في حياة المسلم تسلية في سماع المعاصي ورؤية المنكرات، وأنت تعلم أن هذه المحادثات فيها ما يخالف الشرع من الفحش في القول، والسوء في الخلق، فهل الدخول في هذه المستنقعات الآسنة هو مما ينفع المسلم، ومن الذي يحرص عليه في حياته.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) . رواه مسلم (2664) .
ولو سألك الله تعالى يوم القيامة عن هذه الأوقات التي أضعتها في القيل والقال، والكتابة والمحادثة فيما لا ينفعه، بل هو يضرك: فماذا سيكون جوابك؟ .
عن أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفيمَ أَنْفَقَهُ، وعن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ) . رواه الترمذي (2417) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (126) .
واعلم – أخي – أخيراً:
أن هذه غرف المحادثة قد أفسدت أخلاق كثيرين، وقد فرَّقت بين أحبة، وطلَّق رجال زوجاتهم بسببها، وخسرت نساء شرفهن بسببها، واغتر ضعاف الإيمان وقليلو العلم بما فيها من شبهات وانحرافات فزلت أقدامهم، والواجب على المسلم إذا سمع عن بيئة فتنة أو معصية أن ينكر على أهلها ويصلح حالهم – إن كان على ذلك من القادرين -، أو ينأى بنفسه عن تلك البيئات ولا يغتر بقوة إيمانه، أو أنه عارف بأحوالهم، وإنما هو يتسلى!
فحذار أخي السائل الكريم من الانغماس في مجالس المحادثة على شبكة (الإنترنت) ، وانأ بنفسك عما فيها من الفحش والبذاءة، فهي مجالس قليلة النفع كثيرة الضرر، لا تنفع في دنيا ولا تنجي في الآخرة.
وإذا وجدت في نفسك انجراراً نحو الفتنة والمعصية، من محادثة النساء من غير حاجة، وتوسع في الحديث مع هذه وتلك: فاعلم أنك على خطر عظيم، نرجو أن تنجو بنفسك منه
وتعتقها من قيود الشيطان الرجيم.
وقد سبق في موقعنا التنبيه على خطر مجالس المحادثة هذه في أجوبة كثيرة، منها:
(34841) و (78375) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/33)
يبكي لسماع القرآن ويمارس العادة السرية ويسيء لوالديه فهل هذا نفاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد المواقع الإسلامية عن صفات الحبيب المصطفى، وقد أدى ذلك إلى بكائي بعض الشيء، وهذا يقع لي - أي البكاء - حتى في بعض الصلوات في المسجد، خصوصا إذا كان للإمام صوت شجي، ولكن على الرغم من هذا فإني أقع في بعض المعاصي كالعادة السرية، ورفع صوتي شيئاً ما على والداي، وقد قرأت في موقعكم أسباب هذه المعاصي وكيفية التخلص منها، وسؤالي هل ما أقوم به من أعمال قبيحة أُعدُّ منافقا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نرى – أخي الفاضل – أن سؤالك عن نفسك إن كنت منافقاً أم لا: يدل على خيرٍ عظيم عندك إن شاء الله؛ وذلك أن خوف المسلم على نفسه من أن يكون واقعاً في النفاق يدل على حياة قلبه، وعلى حرصه على إيمانه أن يُخدش، َقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا، وقال الحسن البصري – عن النفاق -: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ.
قال ابن القيم رحمه الله:
وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة، ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقيها على أنفسهم أن يكونوا منهم، فكان عمر يقول لحذيفة: ناشدتك الله هل سماني رسول الله مع القوم؟ فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحداً، يعني: لا أفتح عليّ هذا الباب في تزكية الناس، وليس معناه أنه لم يَبرأ من النفاق غيرك.
" طريق الهجرتين " (ص 604) .
وقد خاف كبار الأولياء على أنفسهم من هذا:
1. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلِّهم: عائشة، وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث، والمسور بن مخرمة , فهؤلاء ممن سمع منهم , وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء: كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص , وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال , ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع؛ وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم , بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم.
" فتح الباري " لابن حجر (1 / 110، 111) .
2. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وقال الجعد أبو عثمان: قلت لأبي رجاء العطاردي: هل أدركت من أدركت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ قال: نعم، إني أدركت بحمد الله منهم صدراً حسناً، نعم، شديداً، نعم، شديداً، وكان قد أدرك عمر.
3. وقال – رحمه الله -:
وممن كان يتعوذ من النفاق من الصحابة: حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري، وأما التابعون: فكثير، قال ابن سيرين: ما علي شيء أخوف من هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) البقرة/ 8، وقال أيوب: كل آية في القرآن فيها ذكر النفاق أخافها على نفسي، وقال معاوية بن قرة: كان عمر يخشاه وآمنه أنا؟ ، وكلام الحسن في هذا المعنى كثير جدّاً، وكذلك كلام أئمة الإسلام بعدهم.
وقال الإمام أحمد - في رواية ابن هانيء وسئل: ما تقول فيمن لا يخاف النفاق على نفسه؟ ، - فقال: ومن يأمن على نفسه النفاق؟ .
" فتح الباري " لابن رجب (1 / 178، 179) .
وانتبه – أخي الفاضل – إلى أمرين مهمين:
الأول: أن أولئك الأئمة من الصحابة ومن بعدهم كان النفاق الذين يخشونه هو نفاق العمل، وهو الطريق إلى نفاق القلب الذي يودي بصاحبه إلى النار – والعياذ بالله -، وهذا النفاق هو الوارد في جملة من الأحاديث تحذر المسلم من التخلق بأخلاقهم، ومنها:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خََصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.
رواه البخاري (34) ومسلم (58) .
ورواه الترمذي – رحمه الله - (2632) وقال بعده:
وإنما معنى هذا عند أهل العلم: نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي عن الحسن البصري شيء من هذا أنه قال: النفاق نفاقان: نفاق العمل، ونفاق التكذيب.
انتهى
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وأصل هذا يرجع إلى ما سبق ذكره: أن النفاق أصغر، وأكبر؛ فالنفاق الأصغر: هو نفاق العمل، وهو الذي خافه هؤلاء على أنفسهم؛ وهو باب النفاق الأكبر، فيُخشى على من غلب عليه خصال النفاق الأصغر في حياته أن يخرجه ذلك إلى النفاق الأكبر حتى ينسلخ من الإيمان بلكلية، كما قال تعالى (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) الصف/ 5، وقال: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّة) الأنعام/ 110.
" فتح الباري " لابن رجب (1 / 179) .
وللإمام النووي شرح مستوفى لهذا الحديث لا يخرج عن هذا، فلينظر في " شرح مسلم " له (2 / 46 – 48) .
والأمر الثاني: أن هؤلاء الكبار كانوا أبر الناس قلوباً، وأشدهم تعظيماً لحرمات، وأبعدهم عن انتهاك حدوده، لكن الواحد منهم لكمال علمه بربه، وخوفه من مقامه، يرى الذنب الصغير – إن وقع فيه – كبيراً، بل كان بعضهم يخاف من الرياء، وآخر يخاف أن يكون مقصراً في العمل فيكون قوله مخالفاً لفعله، وآخرون ظنوا أن اشتغالهم بالمباح في بيوتهم مع زوجاتهم، وأولادهم مع وجود الخشوع والرقة في مجالس الذكر ظنوا ذلك من النفاق.
عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
رواه مسلم (2750) .
قال النووي – رحمه الله -:
قوله: (عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات)
قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به , أي: عالجنا معايشنا وحظوظنا , والضيعات: وهي: معاش الرجل من مال، أو حرفة، أو صناعة.
قوله: (نافق حنظلة) معناه: أنه خاف أنه منافق , حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم , ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر , والإقبال على الآخرة , فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا , وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر , فخاف أن يكون ذلك نفاقا , فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق , وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك , (ساعة وساعة) أي: ساعة كذا وساعة كذا.
" شرح مسلم " (17 / 66، 67) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية: خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل، والأولاد، والأموال أن يكون ذلك منه نفاقاً، كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي ... – وساق الحديث -.
" فتح الباري " لابن رجب (1 / 111) .
وأما بالنسبة لحالك: فإنك يجب عليك أن تخاف أكثر من خوف أولئك الأولياء الأطهار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ وذلك لأنك تعصي الله تعالى بفعل العادة السرية، وبإساءتك لوالديك، وقولك " ورفع صوتي شيئاً ما على والداي "! : لا ينجيك من التوعد بالعقوبة، وأنت قد نهيت أن تقول لوالديك " أف " فكيف برفع الصوت عليهما؟! فالواجب عليك الحذر من أن تؤدي معاصيك لخاتمة سوء! .
والبخاري – رحمه الله – بوَّب على ما رواه عن إبراهيم التيمي وابن أبي مليكة والحسن البصري – مما ذكرناه عنهم آنفاً – بقوله " قال البخاري – رحمه الله -: " بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ".
وختم تبويبه بقوله:
" وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ".
انتهى
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وقول البخاري بعد ذلك: " وما يحذر من الإصرار عل النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون) : فمراده: أن الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة يُخشى منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص، وإلى سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك، كما يقال: " إن المعاصي بريد الكفر ".
" فتح الباري " لابن رجب (1 / 181) .
ثانياً:
إننا ندعوك للاستمرار على رقة القلب والبكاء عند سماع القرآن، وسماع المواعظ، وفي الوقت نفه ندعوك للتوبة من فعل المعاصي، وندعوك للكف عن العادة السيئة، وندعوك للكف عن الإساءة لوالديك، والمسارعة للتأسف منهما، والبر بهما، والإحسان إليهما بالقول والفعل، واحذر من الاستمرار على المعاصي دون توبة، واعلم أنه ليس الخائف من بكى وعصر عينيه، ولكن الخائف من ترك الأمر الذي يخاف أن يعاقب عليه.
وما نقلناه لك من الوعيد على ذلك كافٍ لك – إن شاء الله – لأن تبادر إلى التوبة والإنابة إلى الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/34)
ينسى استحضار النية في معظم الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنسى أن أنوي في معظم أعمالي، ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النية أمرها عظيم، وهي روح الأعمال، وبها صلاح الأعمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
والنية تحِّول المباحات إلى طاعات وقربات، فلهذا ينبغي العناية والاهتمام بها، وجعلها لله تعالى، خالصة من شوائب الرياء والسمعة.
واعلم أن النية نوعان:
1- نية مفروضة، ولا تصح العبادة إلا بها، كالنية في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج، وهذه النية لا يكاد يغفل عنها أحد، فإذا توضأ الإنسان ليصلي أو ليمس المصحف أو ليكون طاهرا، فقد أتى بالنية. فقصد الصلاة، أو قصد رفع الحدث، هذا هو النية في الوضوء.
وإذا قام المرء للصلاة، وهو يعلم أنها صلاة الظهر مثلا، فقصدَ أن يصليها وأقبل عليها، فقد أتى بالنية، ولا يجب – بل ولا يشرع – أن يقول بلسانه نويت أن أصلي صلاة الظهر حاضرة ... إلخ، كما يفعله بعض الناس، فإن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل النية محلها القلب.
وهكذا إذا عزم الإنسان من الليل على أنه سيصوم غدا، فقد نوى الصوم، بل تناوله طعام السحور، يدل على قصده الصوم وإرادته له.
فالنية بهذا المعنى يصعب أن ينساها الإنسان.
2- والنوع الثاني: نية مستحبة، لتحصيل الأجر والثواب، وهذه التي يغفل عنها بعض الناس، وهي استحضار النية في المباحات، لتكون طاعاتٍ وقربات، كأن يأكل ويشرب وينام بنية التقوي على الطاعة، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ) رواه البخاري (56) .
وقال معاذ رضي الله عنه: (أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) رواه البخاري (4088) .
فكان رضي الله عنه يحتسب الأجر في النوم، كما يحتسبه في قيام الليل، لأنه أراد بالنوم التقوّي على العبادة والطاعة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب؛ لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب " انتهى.
والذي يعين على استحضار هذه النية: التأني والتدبر وعدم العجلة، فيفكر الإنسان فيما يأتي ويذر، ويحاسب نفسه قبل العمل، فينظر هل هو حلال أو حرام، ثم ينظر في نيته: ماذا أراد بذلك؟ فكلما حاسب نفسه، وعودها النظر قبل العمل، كلما كان ذلك أدعى لتذكره أمر النية، حتى يصير ذلك ملكةً له، وعادة يعتادها، فلا يخرج ولا يدخل، ولا يأكل ولا يشرب، ولا يعطي ولا يمنع، إلا وله نية في ذلك، وبهذا تتحول عامة أوقاته إلى أوقات عبادة وقربة.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/35)
يتصدق بثيابه الشتوية بعد انتهاء الشتاء، ويشتري غيرها في العام القادم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما ينتهي الشتاء أقوم بالتصدق بثيابي الشتوية، حيث إني لا أعلم إن كنت أعيش للعام المقبل، وعندما يحل الشتاء المقبل أقوم بالشراء مرة أخرى، حيث إني ميسور ولله الحمد، فهل فعلي صحيح؟ وهل يوجد ما هو أصح منه؟ وهل يعد ذلك إسرافاً بحيث أني ألبس دائما الجديد كل شتاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
لا بأس أن يتصدق المسلم بثيابه كل عام، ويشتري غيرها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، ولا يدخل هذا في الإسراف، ولا التبذير إن كان الله تعالى قد وسَّع عليه في المال، بل هذا أمر حسن ممدوح من صاحبه. قال الله تعالى: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26-27.
" قال ابن مسعود رضي الله عنه: التبذير: الإنفاق في غير حق، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مُدًا في غير حقه كان تبذيرًا.
وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق، وفي الفساد ".
تفسير ابن كثير (5/68) .
وفي صحيح البخاري (73) ومسلم (816) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (أَيْ: إِهْلَاكه , وَعَبَّرَ بِذَلِكَ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا. وَكَمَّلَهُ بِقَوْلِهِ: " فِي الْحَقّ "، أَيْ: فِي الطَّاعَات لِيُزِيلَ عَنْهُ إِيهَام الْإِسْرَاف الْمَذْمُوم."
وقال القرطبي – رحمه الله -:
وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - شيخ مالك - رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خزٍّ بخمسين ديناراً، يلبسه في الشتاء، فإذا كان في الصيف: تصدَّق به، أو باعه فتصدق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع بمصر ممشقين – أي: مصبوغيْن بـ " المشق "، وهو صبغ أحمر - ويقول: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) .
" تفسير القرطبي " (7 / 195، 196) .
ثم إن ما ذكرته في سؤالك من أنك لا تعلم أنك لا تعيش إلى العام المقبل، هو أمر تحمد عليه؛ أعني: إذا عودت نفسك قِصَر الأمل في الدنيا، وترك التعلق بها.
وفي صحيح البخاري (6416) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. ٍ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/36)
طرق النجاح في الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أحصل على النجاح والتوفيق "أو الازدهار أو الرخاء" في الدنيا والآخرة.. وما نوع النجاح والازدهار الذي يريده الإسلام للأمة الإسلامية في هذا العالم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن راحة القلب وطمأنينته، وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم فإنها وإن حصلت لهم من وجه فاتتهم من وجوه أخرى.
وبين يديك - أيها القارئ – جملة من الأسباب لهذا المطلب الأعلى الذي يسعى له كل أحد، فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة، وحيي حياةً طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التُعساء، ومنهم من هو بين بين، بحسب ما وفق له. فمن تلك الأسباب والوسائل:
1- الإيمان والعمل الصالح....
وهو أعظم الأسباب وأصلها وأُسها؛ قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل/ 97 فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة والجزاء الحسن في الدنيا والآخرة.
وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين بالله – الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة – معهم أصول وأُسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان..
فيتلقون المحاب والمسارّ بقبولٍ لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركاتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرَّات التي هذه ثمراتها، ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بُدٌّ، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمورٌ عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح فقال: " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن " رواه مسلم رقم (2999) .
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره.
2- الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف ... وهذا من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق، وبها يدفع الله عن البَرِّ والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيُهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) النساء/114 ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.
3- ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، وبعمل الخير الذي يعمله.
وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن هذا أدعى لحصول المقصود النافع والله أعلم.
4- ومما يُدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فيكون العبد ابن يومه، يجمع جِدَّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جم القلب على ذلك يُوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء، فهو يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله، والتخلي عما كان يدعو لدفعه؛ لأن الدعاء مقارنٌ للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده، ويستعينه على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم. جمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره، وجعل الأمور قسمين:
1- قسم يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبذل فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده.
2- وقسم لا يمكن فيه ذلك فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويُسلم.
ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
5- ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد/28 فلذكر الله أثرٌ عظيمٌ في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
6- ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم، السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيه من باب العبث والمحال، فيُجاهد قلبه عن التفكر فيها، وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته، فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهولٌ ما يقع فيها من خير وشر، وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله وزال عنه همه وقلقه.
ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كلِّ شر " رواه مسلم (2720) .
وكذلك قوله: " اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت " رواه أبو داود بإسناد صحيح رقم 5090 وحسنه الألباني في صحيح الكلم الطيب ص 49. فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونيةٍ صادقة، مع اجتهاده فيما يُحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً.
7- إذا حصل لإنسان قلق وهموم بسبب النكبات، فإن من أنفع الأسباب لزوالها أن يسعى في تخفيفها عن نفسه بأن يُقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر , ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليَسْعَ إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع، وفي رفع المضار الميسورة للعبد، فإذا حلت به أسباب الخوف , وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره يهونها ويزيل شدتها، وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، ويُجاهد نفسه على تجديد قوته المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله، وحسن الثقة به، ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل، وهذا مُشاهد مُجرب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جداً.
8- قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة؛ لأن الإنسان متى استسلم للخيالات، وانفعل قلبه للمؤثرات، من الخوف من الأمراض وغيرها، ومن الغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة، ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة، التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة، ومتى اعتمد القلب على الله وتوكل عليه، ولم يستسلم لأوهام , ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله، وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثير من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون.
واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.
والمُعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق/3. أي كافيه جميع ما يُهمه من أمر دينه ودنياه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تُزعجه الحوادث، لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عُسره يُسرا، وترحه فرحا، وخوفه أمنا، فنسأله تعالى العافية، وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير.
وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره.
أنظر كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
* وقد لخص ابن القيم خمسة عشر نوعاً من الدواء يذهب الله بها الهم والحزن وهي:
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الإلهية.
الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي (وهو توحيد الأسماء والصفات) .
الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء، وهو أسماؤه وصفاته، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.
السابع: الاستعانة به وحده.
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.
التاسع: تحقيق التوكل عليه، والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الاستغفار.
الثاني عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة.
الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.
نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم.
أنظر للأهمية رسالة علاج الهموم – وهي موجودة في الموقع – قسم الكتب.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/37)
لا يجد مكاناً نظيفاً للوضوء والصلاة فهل يؤخر الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة جميع من فيها غير مسلمين وأنا المسلم الوحيد فيها، ولا يوجد مكان نظيف وملائم للوضوء خلال النهار، ولا يوجد مكان خاص للصلاة، هل يجوز أن أنتظر حتى أصل للبيت وأصلي الظهر والعصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن يعلم المسلم أهمية الصلاة، وضرورة المحافظة عليها من حيث أوقاتها وشروطها وأركانها وواجباتها، قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} النساء / 103.
عن عبد الله بن مسعود قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.
رواه البخاري (504) ومسلم (85) .
فلا يحل لمسلم أن يؤخر الصلاة عن وقتها، والوضوء لا يحتاج إلى مكانٍ نظيف ليفعله، ولو فرضنا أنه يحتاج له فإن على الأخ السائل أن يحتاط قبل مجيئه للعمل ويكون على وضوء ليصلي الصلاة في وقتها.
ويجب عليه أن يصلي الصلاة في وقتها، والبحث عن مكان نظيف ليؤدي الصلاة فيه ليس أمراً صعباً ولا متعسِّراً، والصلاة تصح في أي مكان من الأرض ما دام طاهراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) رواه البخاري (335) ومسلم (521) ، ولم يستثن الشرع إلا أماكن معينة لا تصح الصلاة فيها، منها المقبرة والحمام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه أبو داود (492) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فمكان عمله الذي يعمل فيه هو مكان الصلاة إن كان طاهراً، فإن لم يتيسر فليبحث عن غيره، ولو أن يطلب من أصحاب العمل تخصيص زاوية يصلي بها فهو ليس من الأمور الصعبة والمتعذرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وإذا تعمَّد تأخير الصلاة حتى ضاق الوقت عن فعل شروطها وأركانها مثل أن تكون عليه نجاسة أو هو جنب وأخَّر الصلاة بحيث متى اشتغل بالطهارة خرج الوقت: فعليه أن يشتغل بالطهارة أيضاً، وهو آثم بفعلها في غير الوقت؛ لأنه كان يجب عليه الطهارة قبل ضيق الوقت والصلاة فيه، فمتى أخَّر ذلك: فعليه أن يفعله كما وجب عليه مع إثمه بالتأخير.
" شرح العمدة " (4 / 58) .
وإذا عجز عن شرط من شروط صحة الصلاة - كالطهارة - فإنه يصلي في الوقت ويسقط عنه هذا الشرط، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها من أجل أن يحصل هذا الشرط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
... لأن من خوطب بالصلاة في أول الوقت وهو عاجز عن شرط أو ركن في الحال، ويقدر على تحصيله بعد الوقت: لم يجز له تأخير الصلاة عن وقتها، ولو جاز هذا لكان من عجز عن الطهارة أو السترة أو الركوع أو السجود وغير ذلك من الشرائط والأركان يؤخر الصلاة إلى أن يقدر على ذلك إذا علم أو غلب على ظنه أنه يقدر على ذلك، وهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع؛ فإن رعاية الشرع للوقت أعظم من رعايته لجميع الشرائط والأركان المعجوز عنها، ولهذا لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها البتة للعجز عن بعض الأركان، ومتى ضاق وقت الوجوب عن تحصيل الشرط والفعل: قدم الفعل في الوقت بدون الشرط، وإنما تكون المحافظة على الشرط أولى إذا كان الوجوب في آخر الوقت، مثل نائم يستيقظ آخر الوقت فإن الصلاة واجب عليه حينئذ فعلها بشروطها كما لو استيقظ بعد الوقت.
" شرح العمدة " (4 / 347، 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/38)
شروط قبول الأعمال عند الله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشروط التي تجعل العمل الذي يقوم به المسلم مقبولا، ومن ثَم يأجره الله عليه؟ هل الجواب ببساطة هو أن ينوي المسلم اتباع القرآن والسنة، وذلك يؤهله للحصول على الأجر، مع أنه ربما يكون قد أخطأ في عمله ذاك؟ أم أن عليه أن تكون عنده النية، وبالإضافة إلى ذلك فإن عليه أن يتبع السنة الصحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط في العبادات حتى تقبل عند الله عز وجل ويؤجر عليها العبد أن يتوفر فيها شرطان:
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل، قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) سورة البينة/5، ومعنى الإخلاص هو: أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى، قال تعالى: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) سورة الليل/19
وقال تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) الإنسان/9
وقال تعالى: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) سورة الشورى/20
وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة هود/15-16
وعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " رواه البخاري (بدء الوحي/1)
وجاء عند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " رواه مسلم (الزهد والرقائق/5300)
الشرط الثاني: موافقة العمل للشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يُعبد إلا به وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الشرائع فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم (الأقضية/3243) ،
قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث " إنما الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء. جامع العلوم والحكم ج 1 ص 176. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وهديه ولزومهما قال عليه الصلاة والسلام: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " وحذَّر من البدع فقال: " وإياكم ومحدثات الأمور فإن كلَّ بدعة ضلالة " رواه الترمذي (العلم /2600) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 2157
قال ابن القيم: فإن الله جعل الإخلاص والمتابعة سببا لقبول الأعمال فإذا فقد لم تقبل الأعمال.
الروح 1/135
قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) قال الفُضَيْل: أحسن عملاً، أخلصه وأصوبه. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/39)
يريد أن يعمل بعض أيام الأسبوع والباقي في العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أخا في الإسلام، ترك وظيفته المحرمة-والحمد لله- بعد أن علم أن طبيعة العمل محرمة.
هذا الأخ الآن يبحث عن عمل يدر عليه ما يكفي لإطعام عائلته وكسوتهم. إنه متحمس للعمل من أيام الأسبوع ما يكفي لحصوله على ذلك الدخل المذكور وحسب. وهو يريد أن يقضي باقي أيام الأسبوع في المسجد يقرأ القرآن ويصلي.. الخ.
هل سلوكه هذا جائز؟ ألا يقول الإسلام بأن النهار هو لكسب العيش والليل للصلوات؟ أليس من الأفضل بالنسبة لهذا الأخ أن يبحث عن عمل جيد يدر عليه مالا ويتصدق بما زاد عن حاجته للفقراء؟ أليس لأهله حقوق عليه فيما يتعلق بالوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على المسلم القادر على الكسب أن يسعى في كسب ما يعفّه ومن تحت يده من زوجة وأولاد، وسائر من تلزمه نفقتهم، فإذا حصل على ذلك فشغل باقي الوقت سواء كان في الليل أو النهار في عبادة الله سبحانه وتعالى من صلاة وصيام وتلاوة قرآن كان أفضل. وليس للعبادة المطلقة وقت مخصص، لكن نعم قيام الليل أفضل من الصلاة في النهار، ولا يعني هذا أن نوافل العبادة في النهار لا أجر فيها. فعليه أن يبدأ بفعل الواجبات سواء منها ما كان لله وما كان لخلقه، ثم يصرف باقي الوقت في المستحب، وإن زاول بعض المباحات للاستجمام والراحة فلا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(7/40)
لماذا النساء في النار أكثر من الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا عدد النساء أكبر من عدد الرجال في جهنم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء هن أكثر أهل النار فعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء) َ. رواه البخاري 3241 ومسلم 2737.
أما سبب ذلك فقد سُئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبَيَّن الجواب:
فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (َأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (بِكُفْرِهِنَّ) قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، قَالَ: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) رواه البخاري 1052.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ) قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ) قُلْن َ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) رواه البخاري 304.
وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ: (تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ) فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ. رواه مسلم 885.
وينبغي على الأخوات المؤمنات اللاتي يعلمن بهذا الحديث أن يكون تصرفهن كتصرف هؤلاء الصحابيات اللاتي لما علمن بهذا عملن من الخير ما يكون بإذن الله سبباً في إبعادهن من أن يدخلن ضمن هؤلاء الأكثر.
فنصيحتنا للأخوات الحرص على التمسك بشعائر الإسلام وفرائضه لاسيما الصلاة والبعد عما حرمه الله سبحانه وتعالى وبخاصة الشرك بصوره المتعددة التي تنتشر في أوساط النساء مثل طلب الحاجات من غير الله وإتيان السحرة والعرافين ونحو ذلك.
نسأل الله أن يبعدنا وجميع إخواننا وأخواتنا عن النار وما قرّب إليها من قول أو عمل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/41)
يصلي ويعبد الله، لكنه مفتتن بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العمل فيمن يصلي ويصوم ويعبد الله كثيراً ويخافه ويتقيه (قدر المستطاع) ولا يقوى على كبح جماح غرائزه، ومنع نفسه من العلاقات النسائية المتعددة، وإن كانت لا تخلو من ارتكاب المعاصي، أحيانا، مع أنه كثيرا ما يقاوم ذلك، في حين أنه متزوج وله ثلاثة أبناء؛ منهم بنتان، وعلاقته طيبة مع زوجته؟! .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن أصل الأصول الذي تنبني عليه حياة العبد: إيمانه بالله، وما يستلزمه من العمل الصالح؛ فهذا فقط هو العصمة من الخسران في هذه الحياة، قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر. وهذا أيضا هو سبب الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97.
غير أن عبادة العبد لربه ليست موسمية، أو آنية؛ بحيث يطيع ربه في وقت أو موسم، ثم هو يحيا بعد ذلك كيفما شاء أو شاء له هواه، وإنما هي عبادة شاملة لحياته كلها، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/162-163. ولأجل ذلك ينبغي أن يظهر أثر هذا الإيمان وتلك الطاعات في سلوك العبد وحياته؛ فالمؤمن لا يكون كذابا، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، فالإيمان الصادق حاجز عن ذلك، والصلاة الحقيقية تنهى صاحبها عن القاذورات؛ قال الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45.
ثم إنني أدعوك أخي الكريم لتشاركنا ساعة صدق وهدوء، لنتأمل سويا ما رواه أبو أُمَامَةَ رضي الله عنه أنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا!!
فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ؛ قَالُوا: مَهْ مَهْ!!
فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا. قَالَ: فَجَلَسَ.
قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ.
قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ.
قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ.
قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟!
قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟! قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ.
فَلَمْ يَكُنْ الْفَتَى بَعْدَ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ) مسند أحمد 21705 وصحح الألباني إسناده في الصحيحة 370.
وأسألك في هذه الوقفة الهادئة الصادقة بالله: أتحب ذلك لابنتيك؟! أم تحبه لزوجتك؟
فلم ترضاه في بنت غيرك، أو زوجته، أو ... ؟؟
لا تقل: إن معصيتك التي أقررت بها لم تصل بك إلى حد الزنا، لأن السؤال باق عليك أيضا: أترضاه لنسائك وأهل بيتك؟! ولتعلم أن من حام حول الحمى، أوشك أن يواقعه؛ كذا قال الصادق المصدوق!!
فإن كنت فتيا ففي الناس غيرك فتيان، وإن كنت رجلا، ففي الناس أيضا رجال:
جاء شقيقٌ عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح
ولئن ظننت أن عندك غيرة على عرضك، وغيرك لا يغار، فأنت غالط واهم، وهب أنك صادق، وهذا ما لا يكون، فأين منك غيرة الله على حرماته؛ لقدْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ ذكر الحديث، وفيه: ... ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال: ... َ (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) البخاري 1044 ومسلم 901
ألا تحمد الله على زوجتك التي تحيا معك حياة طيبة؟! ألا تخشى..؟! ألا تخشى ... ؟!
أعرفت الآن أنك لم تتق الله، ولا قدر المستطاع؟
نعم، فالله تعالى حد لك الحلال في أمرين: زوجتك أو ما ملكت يمينك، لمن عنده ملك اليمين، وقال لك: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) (7) المؤمنون، وها قد ابتغيت ما وراء ذلك!! ثم تسأل عن العمل؟!
هل غضضت من بصرك كما أمرك الله؟!
وهل ابتعدت عن الخلوة بالنساء، والدخول عليهن، كما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم؟!
وهل حميت نفسك عن مصافحة النساء، وأن تمس امرأة لا تحل لك، كما أمرك النبي، صلى الله عليه وسلم؟!
أعرفت أنك لم تتق الله، ولا قدر المستطاع؟!
فإن فعلت ما أمرك الله ورسوله، واتقيت ربك، واتقيت فتن النساء، ففي الطهر الحلال من زوجك ما يكفيك.
فإن احتجت، فقد أحل الله لك أن تنكح ما طاب لك من النساء؛ مثنى وثلاث ورباع.
فإن لم تقنع، فعليك بالصوم، فإنه لك وجاء!!
ولا يهلك على الله إلا هالك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/42)
هل يصلِّي المسلم ويصوم لأجل الدعاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشخص أن يذهب للحرم للصلاة لكي يدعو الله أن يحقق له شيئاً معيناً يريده، كأن يدعو الله أن يشفي مريضه أو أن يرزقه الله أولاداً؟
وهل يجوز له أن يصوم بعض الأيام لنفس الغرض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع أن يذهب المسلم لأداء الصلاة في المسجد الحرام من أجل الدعاء، ولكن الأفضل أن لا يقتصر قصده على الصلاة من أجل الدعاء، بل يكون قصده التعبد لله تعالى بهذه الصلاة، ورجاء ثواب الآخرة، ثم الصلاة مشتملة على الذكر وقراءة قرآن والركوع والسجود والدعاء فيكون الدعاء وتابعاً للصلاة وليس هو المقصود الأعظم؛ والمسجد الحرام من الأماكن المباركة المعظمة، فإذا صلَّى ودعا الله تعالى في سجوده – مثلاً - فيكون قد جمع بين فضل المكان وفضل الهيئة، فإذا كان هذا في الثلث الأخير من الليل فيكون أضاف إليه شرف الزمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم " أما الركوع فعظِّموا فيه الربَّ، وأمَّا السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ (أي: حقيق وجدير) أنْ يستجاب لكم " – رواه مسلم (479) من حديث ابن عباس -: ففيه الأمر في الركوع بالتعظيم، وأمره بالدعاء في السجود بيانٌ منه أنَّ الدعاء في السجود أحق بالإجابة من الركوع، ولهذا قال: " فقمِنٌ أنْ يُستجاب لكم " كما قال: " أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجدٌ " – رواه مسلم (482) من حديث أبي هريرة - فهو أمرٌ بأنْ يكون الدعاء في السجود.
" مجموع الفتاوى " (22 / 378) .
وقال – رحمه الله -:
والدعاء مستجاب عند نزول المطر، وعند التحام الحرب، وعند الأذان والإقامة، وفي أدبار الصلوات، وفي حال السجود، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم، وأمثال ذلك، فهذا كله مما جاءت به الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن، والدعاء بالمشاعر كعرفة ومزدلفة ومنى والملتزم ونحو ذلك من مشاعر مكة، والدعاء بالمساجد مطلقاً، وكلما فضل المسجد كالمساجد الثلاثة: كانت الصلاة والدعاء فيه أفضل.
" مجموع الفتاوى " (27 / 129 – 130) .
ومن باب آخر يقال:
التوسل بالأعمال الصالحة مشروع، ولذا يمكن جعل الوضوء والصلاة في المسجد الحرام من الأعمال الصالحة التي يتوسل بها بين يدي الدعاء.
عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني فقال: إن شئتَ أخرت لك وهو خير وإن شئتَ دعوت، فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم شفعه في ".
رواه الترمذي (3578) وابن ماجه (1385) – واللفظ له -.
والحديث: صححه الترمذي والألباني في " صحيح الجامع " (1279) .
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يدعو، فدل ذلك على أن الصلاة من الأعمال الصالحة التي يتوسل بها إلى الله بين يدي الدعاء، ويكون ذلك من أسباب إجابة الدعاء.
وأما الصيام: فما قيل في الصلاة يقال في الصيام، فينبغي أن يكون قصده التعبد لله تعالى بهذه العبادة العظيمة، وتحصيل الثواب الأخروي والوصول إلى تقوى الله ومرضاته، ثم إذا صام فإن الصائم يستحب له الإكثار من الدعاء فإن دعوة الصائم مستجابة لاسيما عند فطره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/43)
مواجهة فتنة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ " رواه البخاري (5096) ومسلم (2740) .
سؤالي كيف لي أن أنجو بنفسي من هذه الفتنة، وأنا أراها في كل مكان: الشارع.. التلفاز.. الانترنت.. العمل..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الله خلق الإنسان في دار ابتلاء وامتحان، وجعل الجنة مقراً لأوليائه وأحبابه – الذين يؤثرون رضاه على رضى أنفسهم، وطاعته على راحة أبدانهم – وجعل النار مستقراً لمن عصاه من عباده , وآثر هوى النفس على رضى الرب سبحانه وتعالى، قال تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا} مريم / 63، وقال: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} النازعات / 40-41، وقال عن أهل النار {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} مريم / 59 وقال: {ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا} الكهف / 106، وقال: {فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى} النازعات / 37- 39.
فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في عبادة الله، والابتعاد عما يغضب الله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} العنكبوت / 39
وإن من الفتن التي ابتلينا بها فتنة النساء بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء "، وهذه بعض الطرق التي تعين على تجنب هذه الفتنة نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين..
1- الإيمان بالله عز وجل:
إن الإيمان بالله والخوف من الله صمام الأمان والعاصم للعبد من مواقعة الحرام والانسياق وراء شهوة عارضة.
فالمؤمن إذا تربى على مراقبة الله ومطالعة أسرار أسمائه وصفاته كالعليم والسميع والبصير والرقيب والشهيد والحسيب والحفيظ والمحيط، أثمر ذلك خوفاً منه سبحانه في السر والعلن، وانتهاءً عن معصية الله، وصدوداً عن داعي الشهوة الذي يؤز كثيراً من العباد إلى الحرام أزاًّ.
2- غض البصر عن المحرمات:
إن النظر يثمر في القلب خواطر سيئة رديئة ثم تتطور تلك الخواطر إلى فكرة ثم إلى شهوة وهو بيت القصيد ثم إلى إرادة فعزيمة ففعل للحرام ولا بد.. وتأمل في هذه الآية التي ربطت بين أول خطوات الحرام وآخرها يقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .
يقول ابن كثير: " هذا أمر الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا ".
3- مدافعة الخواطر:
إن الخاطرة السيئة في القلب خطر.. ومتى انساق العبد معها ولم يدافعها تطورت إلى فكرةٍ، فَهَمٍّ وإرادةٍ، فعزيمةٍ فإقدامٍ وفعلٍ للحرام.. فحذار من الاسترسال مع الخطرة بل الواجب مدافعتها ومزاحمتها بالخواطر الطيبة.
فالعلاج إذاً هو مدافعة الخطرات، وإشغال النفس بالفكر فيما ينفعها.
4- النكاح:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ رواه البخاري 5065
5- الصيام لمن لم يستطع الزواج؛ للحديث السابق وفيه: " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ". رواه البخاري 5065
وقال القرطبي:
كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي اهـ.
6- البعد عن رفقاء السوء:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " رواه أبو داوود 8433 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 4046
7- البعد عن أماكن الفتن
فلا يخفى أننا نعيش اليوم في مجتمع قد ملئ بالفتن –إعلانات من جميع الأشكال – مجلات – معاكسات في الأسواق – فضائيات –إنترنت ... الخ، فعليك بالفرار منها جميعا ليسلم لك دينك.
8- لا تجعلوا بيوتكم قبورا:
اجعل من بيتك مذكرا لك بالطاعة لا بالمعصية، فإن ارتباط الغرفة بالمعصية مثلا يجعل العبد يقع في المعصية مراراً، إذ إنه كلما دخلها تذكر المعصية فلعله يستثار فيقع المحظور فليجعل من غرفته ومن بيته مذكرا للطاعة فإذا دخل رأى المصحف الذي يقرأ منه وتذكر قيامه بالليل لله وسننه الرواتب التي أداها في هذه الحجرة، إن تكثير الطاعات في بيتك يربطه في نفسك بالخير وبفعل الخير فتستزيد من ذلك ويقل ورود المعصية على ذهنك، ويخف نداء الشهوة.
9- الحرص على استغلال الوقت في طاعة الله عز وجل:
إن الوقت نعمة عظيمة من نعم الله على العبد، لكن المغبون فيها ومنقوص الحظ منها كثير فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري 6412.
أنظر السؤال (3234)
10- تذكر نعيم الآخرة: ومن أخصها في هذا المقام تذكر الحور العين وأوصافهن التي أعدها الله لمن صبر عن معاصيه بما يعين المسلم على الزهد في هذا الفاني المحرم الذي لا يورث إلا الندم والحسرات.
نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.. والحمد لله رب العالمين ...
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/44)
حكم الاشتياق للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نشتاق لشخص ميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى مانعاً من الاشتياق للميت، وإن كان الذي يشتاق لشيء يتمنى لقاءه والقرب منه، وهذا حي وذاك ميت فماذا يريد باشتياقه؟ لكن قد نقول إننا نشتاق لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم والتابعين والعلماء، وهذا الشوق هو شوق للقائهم في الجنة، وعليه: فمن اشتاق لرؤية أولئك العِظام فإن عليه أن يعمل حتى يرضى ربُّه عنه ويدخله الجنة معهم فيترجم شوقه إلى واقع يكون فيه مشاهدة ومحادثة وهو المقصود من ثمرة الاشتياق، ومن هذا النوع من الاشتياق اشتياق الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ومن أمثلته ما رواه مسلم عن أَنَسٍ قَالَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ فَقَالا لَهَا مَا يُبْكِيكِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا) مسلم 2454
أما إن كان هذا الاشتياق للميت من صديق أو قريب مما يبعث في الإنسان الحزن والكآبة – والجزع أحياناً – والاعتراض على قضاء الله وقدره فإن هذا مما يُمنع وينهى عنه لما يؤدي إليه من هذه الأخلاق التي يسعى الإسلام لإبعادها عن أتباعه حتى يعيش المسلم بروح منشرحة مطمئنة مؤمنة بقضاء الله وقدره وحكمه وشرعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/45)
يشعر بالحزن الدائم لحادث سقوط طائرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد هُديت إلى الدين الإسلامي منذ فترة قصيرة وأنا في راحة عظيمة عندما أعرف الله وأعرف أن الله معنا دائماً،على الرغم من ذلك لقد اندهشت جداً عندما سمعت اصطدام الطائرة JFK jr.,، لم أستطع التوقف عن البكاء، إنني لم أفهم لما يجعل الله الأشياء بذلك الغموض. إنني أشعر بأننا كبشر بالفعل لا نملك السيطرة على حياتنا " (معيشتنا) عندما أكون في موقف صعب غالباً أدعو الله حتى يساعدني لاجتياز هذا الوقت العصيب، أحياناً أشعر أن دعواتي مستجابة وأن الله قريب مني جداً في حين أن أوقاتاً أخرى أشعر أنه (عز وجل) بعيد عنا كثيراً إن الدعوات إلى الله هى الطريقة الوحيدة لي حتى أشعر بالراحة من (العظيم) ولكنني لا زلت لا أفهم لما تلك الحادثة المحزنة التي حدثت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله على إسلامك وهذا من فضل الله عليك أن جعلك مسلما، ثم الحمد لله على شعورك بمعية الله تعالى التي بها تطمئن القلوب وتستقيم الأعمال.
اعلم أن البلاء يُنْزله الله تعالى على الناس ليميزهم فيعْلم الصابر المحتسب ويعْلم القانط الذي يسخط على قضاء الله تعالى فيجزي الصابرين الجنة ويجزي القانطين عذاباً وهمّاً وألماً في الدنيا قبل الآخرة.
وما اصطدام الطائرة التي سميتَ إلا مِن هذا، فالذين على متنها إما يكونوا من أهل الدين فيكون هذا المصاب كفّارة لذنوبهم ورفعة لدرجاتهم ونوعا من أنواع الشهادة ينالون أجره وكذلك ينال أهلوهم الأجر العظيم إذا صبروا على مصابهم فيهم، وإما أن يكون فيهم الكافر والفاسق غير المطيع لربه فتكون الحادثة عقاباً لهم وانتقاما من الله.
والمسلم يجب عليه أن لا يحزن لهلاك من ليس بمسلم، لأن من ليس بمسلم فمصيره النار، فليس موته سببا للحزن عليه، لأن كل حي مصيره الموت، لكن كونه مات على الكفر قبل أن نتمكن نحن المسلمين من إرشاده إلى دين الحق هو الذي ينبغي أن يكون مصدر حزننا.
وليس في الأمر غموض كما قلتَ، بل هو قَدَرُ الله واقع في كل لحظة وساعة يجب علينا أن نصبر عليه وألا يذهب بنا الحُزن كلَّ مذهب؛ لأن في سقوط هذه الطائرة آية للناس ليتفكروا في عظيم قدرة الله.
كما قال تعالى عن السّفن: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام، إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور، أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير، ويعلم الذين يجادلون في ءاياتنا مالهم من محيص، فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون} [الشورى / 32-36] .
وفي سقوط الطائرات وغيرها تذكير للبشر أنهم مهما بلغوا من التقدّم والتطوّر الدنيوي وحصّلوا من أسباب القوة ما حصّلوا فإنّ الله أقوى منهم وأقدر، وليس ما يصنعونه ويطوّرونه بمنجيهم من بأس الله وقدره إن جاء وحلّ بهم، فيرجع العباد إلى أنفسهم ويرون الحقيقة في عجزهم وضعفهم وقوّة الله تعالى وبطشه وقدرته.
واعلم أن الله قريب يجيب دعوة المضطر، والله تعالى لا يبعد عن الإنسان إلا إذا أبعد هو عن الله تعالى ونأى بجانبه.
قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة / 186] .
ولا يشعر أحد ببعد الله تعالى عنه إلا لأنه خرّب ما بينه وبين الله، فإن أصلح ما بينه وبين ربه فإنه لا يشعر بتلك المحزنة ولا بذلك البعد.
وإنَّ الحزن الذي أحل بك والوحشة التي غشت قلبك هي من الشيطان الرجيم الذي يريد أن يُحزن الذين آمنوا، ولا يحب أن يراهم نشيطين للطاعة طيبي النفوس.
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -:
قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} ، وقال تعالى: {خذ العفو وأْمُر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} ، وقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون، وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} ، وقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها، وهو أن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ليردعه طبعه الطيب الأصل إلى الموالاة والمصافاة، ويأمر بالاستعاذة من العدو الشيطاني لا محالة إذ لا يقبل مصانعة ولا إحساناً ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل، كما قال تعالى: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} ، وقال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} ، وقال: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} ، وقد أقسم للوالد آدم عليه السلام أنه له لمن الناصحين وكذب فكيف معاملته لنا وقد قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين} ، وقال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} .
" تفسير ابن كثير " (1 / 14) .
فارجع إلى الله وأقبل على ذِكْره واجتهد في عبادته لعل نفسك تصفو وتثبت محبته في قلبك وترتاح من الهمّ والحزن وتذكّر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا رواه الإمام أحمد 3704 وهو حديث صحيح، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/46)
حكم استخدام المسبحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استخدام المسبحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب بعض العلماء في مسألة السبحة إلى جواز استعمالها مع قولهم بأنّ التسبيح باليد أفضل وعدّها بعضهم من البدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (22/187) : وربما تظاهر أحدهم بوضع السجادة على منكبه وإظهار المسابح في يده وجعله من شعار الدين والصلاة. وقد علم بالنقل المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكن هذا شعارهم وكانوا يسبحون ويعقدون على أصابعهم كما جاء في الحديث " اعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات، مستنطقات " وربما عقد أحدهم التسبيح بحصى أو نوى. والتسبيح بالمسابح من الناس من كرهه ومنهم من رخّص فيه لكن لم يقل أحد: أن التسبيح به أفضل من التسبيح بالأصابع وغيرها.ا. هـ. ثمّ تكلّم رحمه الله عن مدخل الرياء في التسبيح بالمسبحة وأنّه رياء بأمر ليس بمشروع وهو أسوأ من الرياء بالأمر المشروع.
وفي سؤال لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (اللقاء المفتوح 3/30) عن التسبيح بالمسبحة هل هي بدعة فأجاب: التسبيح بالمسبحة تركه أولى وليس ببدعة لأن له أصلا وهو تسبيح بعض الصحابة بالحصى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن التسبيح بالأصابع أفضل وقال " اعقدن - يخاطب النساء - بالأنامل فإنهن مستنطقات " فالتسبيح بالمسبحة ليس حراما ولا بدعة لكن تركه أولى لأن الذي يسبح بالمسبحة ترك الأولى وربما يشوب تسبيحه شيء من الرياء لأننا نشاهد بعض الناس يتقلد مسبحة فيها ألف خرزة كأنما يقول للناس: انظروني إني أسبح ألف تسبيحة، ثالثا: أن الذي يسبح بالمسبحة في الغالب يكون غافل القلب ولهذا تجده يسبح بالمسبحة وعيونه في السماء وعلى اليمين وعلى الشمال مما يدل على غفلة قلبه فالأولى أن يسبح الإنسان بأصابعه والأولى أن يسبح باليد اليمنى دون اليسرى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه ولو سبح بيديه جميعا فلا بأس لكن الأفضل أن يسبح بيده اليمنى فقط.ا. هـ.
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الضعيفة (1/110) عند تخريجه لحديث " نعم المذكّر السبحة": ثم إن الحديث من حيث معناه باطل عندي لأمور:
الأول أن السبحة بدعة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثت بعده صلى الله عليه وسلم فكيف يعقل أن يحض صلى الله عليه وسلم أصحابه على أمر لا يعرفونه؟ والدليل على ما ذكرت ما روى ابن وضاح في " البدع والنهي عنها" عن الصلت بن بهرام قال: مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه، ثم مر برجل يسبح بحصا فضربه برجله ثم قال: لقد سَبقتم، ركبتم بدعة ظلما، ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما، وسنده صحيح إلى الصلت، وهو ثقة من اتباع التابعين.
الثاني: أنه مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن عمرو: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه. وقال أيضا (1/117) : ولو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة وهي أنها قضت على سنة العد بالأصابع أو كادت مع اتفاقهم على أنها أفضل لكفى فإني قلما أرى شيخا يعقد التسبيح بالأنامل!
ثم إن الناس قد تفننوا في الابتداع بهذه البدعة، فترى بعض المنتمين لإحدى الطرق يطوق عنقه بالسبحة! وبعضهم يعدُّ بها وهو يحدثك أو يستمع لحديثك! وآخِر ما وقعت عيني عليه من ذلك منذ أيام أنني رأيت رجلا على دراجة عادية يسير بها في بعض الطرق المزدحمة بالناس وفي إحدى يديه سبحة! يتظاهرون للناس بأنهم لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين وكثيرا ما تكون هذه البدعة سببا لإضاعة ما هو واجب فقد اتفق لي مرارا - وكذا لغيري - أنني سلمت على أحدهم فرد عليّ السلام بالتلويح دون أن يتلفظ بالسلام ومفاسد هذه البدعة لا تحصى فما أحسن ما قال الشاعر:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/47)
الهداية بيد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت) وبين قوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خلق الله الإنسان وزوده بالعقل وأنزل لأجله الوحي وأرسل إليه الرسل ودعاه إلى الحق وحذره من الباطل ثم تركه يختار ما يريد (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف/29.
وقد أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبين الحق للناس كافة ولهم الخيار فيما يرغبون فمن أطاع نفع نفسه ومن عصى ضر نفسه كما قال سبحانه: (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل) يونس/108.
والإسلام دين الفطرة دين العقل والفكر وقد بين الله الحق من الباطل وأمر بكل خير وحذر من كل شر وأحل الطيبات وحرم الخبائث ولا إكراه في الدين لأن المصلحة أو المفسدة تعود إلى الخلق لا إلى الخالق، قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) البقرة/256.
وقال سبحانه (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت/46.
والهداية بيد الله ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً , فإنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض , ولا في السماء ولا يجري في ملكه إلاّ ما يريد (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) الأنعام/149، ولكن حكمته سبحانه , اقتضت أن يخلقنا مختارين وينزل علينا الهدى والفرقان فمن أطاع الله ورسوله دخل الجنة ومن عصى الله ورسوله دخل النار كما قال سبحانه: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ) الأنعام/104.
وليس للرسول صلى الله عليه وسلم من الهداية شيء وإنما عليه وعلى المسلمين البيان البلاغ والدلالة على الهدي وعدم الإكراه عليه كما قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس/99.
وقال سبحانه (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) العنكبوت/18.
والهداية إلى الحق بيد الله وحده وليس لأحد من البشر فيها من نصيب كما قال سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) القصص/56.
والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وقد أخبرنا سبحانه أنه يهدي من أطاعه , وأقبل عليه كما قال سبحانه: (والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم) محمد/17.
ومن عصى الله , وأعرض عنه , فإن الله لا يهديه كما قال سبحانه: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) الزمر/3.
والله بكل شيء عليم يعلم ما كان , وما يكون , وما سيكون وقد علم الله المؤمنين والكافرين وأعمالهم , ومصيرهم في الآخرة وكتب ذلك كله في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه: (وكل شيء أحصيناه كتاباً) النبأ/29.
وقد خلق الله الإنسان مختاراً وخلقه صالحاً للعمليتين الإيمان أو الكفر كما قال سبحانه: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) الإنسان/3.
والإنسان يكون مختاراً في دائرة العقل فقط فإذا فقد العقل الذي يميز به البدائل بين الخير والشر بين الحق والباطل , ارتفع التكليف ولذلك رفع القلم في الشريعة الإسلامية عن المجنون حتى يفيق , وعن الصبي حتى يدرك , وعن النائم حتى يستيقظ فلا تكليف على أحد من هؤلاء حتى يجد العقل الذي يميز به البدائل كالإيمان والكفر والحق والباطل وهكذا.
وحيثما اتجهت النفس كان الثواب والعقاب فإن أطاعت فلها الجنة (قد أفلح من زكاها) الشمس/9.
وإن عصت فلها النار (وقد خاب من دساها) الشمس/10.
والتوجه إلى أحد الطريقين هو محل الحساب عند رب العالمين، وبهذا يتبين أن الإيمان والكفر والطاعة والمعصية باختيار العبد وقد جعل الله الثواب والعقاب على هذا الاختيار: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت/46.
فمن أحب الله ورسوله ورغب في السعادة في الدنيا والآخرة فليدخل في الإسلام ومن رغب عن ذلك ورضى بالدنيا عن الآخرة ولم يسلم فمأواه جهنم فالمنفعة للإنسان والمضرة عليه ولا إكراه على أحدهما كما قال سبحانه: (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً) الإنسان/29.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(7/48)
كان يحرم بعض الموظفين من الزيادة أو الترقية فكيف يتوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو عن رد المظالم إلى أهلها وهو الشرط الرابع من شروط التوبة , إذا كان الشخص الظالم لا يستطيع رد المظالم إلى أهلها مثلا كأن يكون رئيسا على موظفين وظلم أحدهم بحيث قلل الزيادة أو لم يمنحه الدرجة التي يستحقها وبعد ذلك تقاعد هذا الرئيس فهل له من توبة وإذا تاب كيف يرد إلى هذا الموظف حقه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لقبول التوبة من الذنوب المتعلق بحقوق العباد: رد المظالم لأهلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) رواه البخاري (6534) .
فإن كان أخذ منه مالا غصبا أو حيلة، تحلل منه واستسمحه، أو رده إليه بأي وسيلة ممكنة، ولا يشترط إعلامه بذلك، فإن مات دفعه إلى ورثته.
وإن عجز عن الوصول إلى المظلوم، تصدق بالمال عنه.
وإن عجز عن دفع المال، ولم يمكنه التحلل من المظلوم، فليتب فيما بينه وبين ربه، ولعل الله أن يؤدي عنه يوم القيامة.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (11/ 246) : " وإن تعلق بها – أي: بالمعصية - حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس: وجب مع ذلك –أي: مع التوبة - تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت ويغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل المستحق فيبرئه.
ويجب أن يُعلم المستحق إن لم يعلم به وأن يُوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك، فإن مات سلَّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره: دفعه إلى قاضٍ تُرضى سيرته وديانته، فإن تعذر: تصدَّق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ...
وإن كان معسراً: نوى الغرامة إذا قدر فإن مات قبل القدرة: فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة.
قال النووي: قلت: ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها.
فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات أو أتلف شيئاً خطأ وعجز عن غرامته حتى مات: فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه، والمرجو أن الله تعالى يعوِّض صاحب الحق ...
وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب: فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار، وإن بلغته … فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة: استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة، هكذا ذكره الحناطي " انتهى.
فالحقوق المادية يلزم ردها للمظلوم، والحقوق المعنوية يكفي فيها الندم والاستغفار إذا لم تبلغ المظلوم.
وما ذكرت من " تقليل زياة الموظف " أو عدم منحه الدرجة التي يستحقها فيه اعتداء مادي وهو حرمانه من مال كان يستحقه، وفيه اعتداء معنوي بتأخيره عن درجته.
وعليه؛ فيلزمك تجاه الحق المادي: التحلل من صاحبه، أو دفع المال إليه، وهو مقدار ما حرم منه بسبب ظلمك له.
ولك أن تستعين بمن يشفع لك عند المظلوم ويطلب العفو منه.
فإن عجزت عن الأمرين فأكْثِرْ من الندم والاستغفار، وسل الله تعالى أن يؤدي عنك يوم القيامة.
وأما الحق المعنوي، فإن كان لم يعلم بظلمك له، فيكفيك الندم والاستغفار، وإن كان قد علم به لزمك التحلل منه، ما لم تخش حدوث مفسدة أكبر إذا علم.
ونسأل الله أن يتقبل توبتك ويبرئ ذمتك ويعينك على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/49)
يعترض على مغفرة الله لسيئات الكافر إن هو أسلم، ومحاسبة الله للمسلم العاصي!
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني قد ولدت مسلماً - والحمد لله -، أريد أن أسأل سؤالاً أزعجني كثيراً في الآونة الأخيرة، كنت أتناقش وزميل لي في العمل حول مغفرة الله للكافر إذا ما أسلم عند موته، فقال زميلي: بأن الله يغفر للكافر إذا ما نطق بالشهادة عند موته، وقد قلت له: كيف يغفر الله له كل هذه الآثام؟ وأقصد بقولي أنه قد جمع جميع الملذات أيام كفره، فلا حصر لما مارسه من زنا، مع نساء، أو رجال، وقد كان يشرب الخمر، ويقتل، ثم إنه بعد ذلك يسلم عند موته؟ فلماذا يغفر الله له؟! فهذا ليس عدلاً في منظور أي فرد وخاصة المسلمين، أليس كذلك؟ وإنني أعني أنه لو قال كافر: " إنني سوف أشرب الخمر، وأزني بالنساء دونما زواج، وإذا ما قرُبت منيتي: أسلمت لله "، أو إنه حتى لم يفكر في ذلك، ولكنه أسلم في النهاية، على أية حال (وكان إسلامه صادقاً) ، فلماذا يغفر الله له؟ كما أنني مسلم صادق، وأعبد الله وحده، وقد قال زميلي: إن الله سوف يغفر له لأنه لم يكن على معرفة بالإسلام، ولكنني لم أصدق مثل هذا القول، ولا أرضى به؛ لأنه لو غفر الله له فماذا عن سيئاتي أنا وهل يغفرها الله؟ وإذا ما كان الله يغفر للكافر في آخر لحظات حياته: فإن هذا غير عادل تماماً بأن لا يحاسبه على جميع أعماله، ولماذا أُسأل أنا (المسلم) عن سيئاتي بينما يغفر للكافر؟ . برجاء الإجابة على هذا السؤال؛ حيث إنه أقضَّ مضجعي، ليلاً، ونهاراً، ولا أريد أن تجيبني بأنه ليس لنا أن نحكم في هذا، لأن هذه كانت ضمن الإجابات التي قيلت لي كثيراً، ولكنني أريد إجابة أفضل، وأكثر إيضاحاً. جزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة لا بد من التنبيه على أمرٍ جلل، وهو أنه يحرم الكلام في دين الله تعالى بغير علم وهدى.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/ 33.
كما أنه يحرم الاعتراض على شرع الله في أحكامه، بل يجب التسليم، ولا مانع من السؤال عما خفي حكمه، أو حكمته، لكن ليس أن يبدأ بالاعتراض والرد، فيقول القائل: كيف هذا، وأنا لا أرضى به؟! حتى لكأنه يتحكم في أمر من ملكه، أو يحكم على صبي من بني جنسه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/ 65.
فنحن وإن كنا فرحين بمراسلتك لنا، واستفسارك عن المسألة، لكن قد أحزننا، بل أفزعنا، ذلك الكلام، وذلك الحوار بينك وبين صاحبك، فهلا سألتما ـ قبل الاعتراض، والرد والتكذيب ـ عما جهلتما؛ فإنما شفاء العيّ السؤال؟!
وهل علمتما خطر الرد والتكذيب بأمر، لم تحيطا به علماً؟! قال الله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) يونس/39.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" والذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على الحق الذي لا حق فوقه، أنهم لم يحيطوا به علمًا؛ فلو أحاطوا به علمًا وفهموه حق فهمه، لأذعنوا بالتصديق به ... وهذا التكذيب الصادر منهم، من جنس تكذيب من قبلهم، ولهذا قال: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} وهو الهلاك الذي لم يبق منهم أحدًا.
فليحذر هؤلاء أن يستمروا على تكذيبهم، فيحل بهم ما أحل بالأمم المكذبين والقرون المهلكين.
وفي هذا دليل على التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء أو رده، قبل أن يحيط به علمًا ".
ثانياً:
أيها الأخ السائل:
لنا مع كلامك الذي سطرته آنفاً وقفات، نرجو تأملها، والتفكر بها:
1. ما كان ينبغي لك الاعتراض على رحمة الله، وفضله، وكرمه، وأنت أحوج ما تكون لذلك؛ لأنه لا بدَّ أن يقع منك تقصير في حق الله، ما تحتاج معه لرحمة ربك تعالى، واعلم أن ما تقدمه من أعمال لا يؤهلك لدخول الجنة به، ولا يدخل أحدٌ الجنَّة – حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم – إلا برحمته عز وجل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ. قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ) . رواه البخاري (6098) .
2. اعلم أن مقارنتك المذكورة ليست أكثر من مغالطة، أو وسوسة لفظية من وسوسات الشيطان؛ فالله جل جلاله لا يغفر للكافر حين كفره: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء/48. وإنما يغفر الله تعالى للكافر إذا أسلم وآمن، يعني: أنه حين كفره قد صار مسلماً، تائباً من أعمال الجاهلية والكفر، قد بدأ صفحة جديدة مع ربه، وعفا الله له عما سلف، لأجل إسلامه؛ فأنت توازن في حقيقة الأمر بين مسلم تاب من ذنب سابق، ومسلم آخر مقيم على ذنب في الحاضر!!
3. اعلم أن فضل الله تعالى على الناس عظيم، فهو يغفر الذنب مهما عظم، ويقبل التوب من التائب، بل ويفرح بتوبة عبده - مع استغنائه عز وجل عن جميع خلقه -، ليس هذا فحسب، بل ويبدل سيئاته حسنات! ولا فرق في هذا بين كافر أسلم، وبين عاصٍ تاب.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ 68 – 70.
ومما لا شك فيه أن أمر التوبة من المعصية أهون من إسلام الكافر، فأنت تتقلب في نعم الله تعالى، والتوفيق للتوبة والاستغفار توجد له أسبابه الكثيرة وأنت في دائرة الإسلام، وأنَّى يكون مثل هذا لكافر يحتاج أولاً أن يتخلى عن دينه، ثم يدخل في الإسلام؟! ولعظم أمر التخلي عن التدين بغير الإسلام، وعظم التخلي عن المعصية: وعد الله تعالى جميع هؤلاء بمغفرة ذنوبهم، وإبدالها حسنات إن هم فعلوا الصواب، فأسلم الكافر، وتاب العاصي، وهذا من عظيم فضل الله تعالى ورحمته.
فاعتراضك على أن الله يسألك عن ذنوبك، ولا يسأل الكافر إذا أسلم: في غير محله؛ لأنه جاء بما يمحو ذنوبه كلها، فبماذا جئت أنت؟ وما هو مطلوب منك أنت أيسر مما هو مطلوب منه، فمن يقال له: دع دينك الذي أنت عليه: يُغفر لك ذنبك: أتساويه بمن يقال له من المسلمين: تب من معصيتك: يُغفر لك ذنبك؟! فمن جاء بما يمحو به ذنبه من إسلام، أو هجرة، أو توبة، أو حد يقام عليه: غفر له ذنبه، ومن لم يأت من ذلك بشيء فهو إلى الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه، إلا أن يلقى الله تعالى بالكفر، فمثله لا يغفر الله له.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء/ 48.
وهذا وجه آخر في الرد على كلامك: وهو أن لقاء المسلم ربه بذنوبه لا يعني الجزم بتعذيبه عليها، بل قد يغفرها الله له، بخلاف الكافر فإنه محروم من المغفرة حرماناً أبدياً، ومخلد في النار أبد الآبدين، إذا لم يتب من شركه.
4. وهل تظن الأمر بهذه السهولة حتى تعترض عليه؟! فهل كل من جاء بالكفر، والمعاصي الكبيرة والصغيرة هل تظن مثل هؤلاء يوفق للإسلام قبل وفاته، حتى تظن أنه سوف يقول: أنا أزني، وأقتل..، ثم أتوب قبل أن أموت؟ وهل يعلم أحد متى تأتيه منيته؟ وهل يجزم أحد بتوبته قبل لقاء ربه؟ هذا أبو طالب مثال، فقد كان مدافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومقتنعاً بصدقه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو بنفسه الداعي له للدخول في الإسلام بكلمة واحدة، فهل قالها؟ هل وُفِّق لقولها؟ وهل انتفع والد إبراهيم بدعوة ابنه عليه السلام؟ وهل انتفعت امرأة نوح وولدها بدعوة نبي الله نوح عليه السلام؟ ليس الأمر كما ظننته أخي السائل بهذه السهولة، أن يكفر الكافر ثم يسلم وقتما شاء، أو يعصي العاصي ثم يتوب وقتما شاء، إن المسألة متعلقة بتوفيق الله، وهدايته، وبما تكنه صدورهم من حب الخير لأنفسهم، والبحث عن الحق، فاجعل قلبك معلقا بربك أن يوفقك، ويحسن ختامك، ويصلح لك شأنك.
5. وكما أن الله تعالى يقبل توبة العاصي، وإسلام الكافر، قبل موتهما – ما لم يغرغرا -: فإنه يُحبط عمل المسلم إذا ختم حياته بردة، ولو قضى عمره كله في الطاعة، فعاد الأمر إلى صدق الباطن وكذبه عند الطرفين، ولا علاقة لحياة الأول المليئة بالكفر والمعاصي، ولا حياة الثاني المليئة بالطاعة، بل العبرة بالخواتيم، ولا تغتر بما يظهر لك من نفسك، ومن الناس، واحرص على صلاح الباطن، فالأمر بما يعلمه الله بما في بواطن الناس لا بما ظهر لنا منها.
عَنْ سَهْل بنِ سَعْد رَضِيَ الله عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) .
رواه البخاري (2742) ومسلم (112) .
وفي رواية للبخاري (6233) بزيادة في آخره: (وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ) .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وقوله (فيما يبدو للناس) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد، لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سييء، ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره، فتوجب له حسن الخاتمة.
" جامع العلوم والحِكََم " (1 / 57) .
فتأمل أخي السائل حكمة الرب الجليل من هذا التشريع، فالطائع لا ينبغي له أن يغتر بعمله، فإنه لا يدري بم يُختم له، والعاصي لا يقنط من رحمة ربه؛ فإنه لعله أن يوفق للتوبة.
قال النووي – رحمه الله – في فوائد الحديث الأخير -:
ففيه التحذير من الاغترار بالأعمال، وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها، ولا يركن إليها؛ مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق، وكذا ينبغى للعاصي أن لا يَقنَط، ولغيره أن لا يقنِّطه من رحمة الله تعالى.
" شرح مسلم " (2 / 126، 127) .
6. واعلم أخيراً: أن ما ذكرناه من قبول الله تعالى لإسلام الكافر، وتوبة العاصي: إنما هو في حال أن يكون ذلك منهم قبل حضور الموت، وقبل الغرغرة.
قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) النساء/ 18.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.
رواه الترمذي (3537) وابن ماجه (4253) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه يقبل التوبة حتى ممن جُهزت الحجارة لرجمه، وجهز السيف للقصاص منه، وأصيب بمرضٍ أيس من شفائه - كما بيناه في جواب السؤال رقم: (1807) - وكل ذلك لا يصدق عليه أنه في حال الغرغرة، ولا حضره الموت، وهذا من لطف الله تعالى، ورحمته، وعظيم فضله، وبالغ كرمه، وقد سبقت رحمته تعالى غضبه، وادخر تعالى للخلق تسعاً وتسعين رحمة في الآخرة، فهذا الرب تعالى الذي آمنَّا به، وعلمنا أسماءه وصفاته، ونرجوه أن يغفر لنا زلاتنا، ويستر علينا ذنوبنا، ويتجاوز عنها، ونرجوه عظيم فضله، وواسع جنانه يوم نلقاه.
ولتعلم يا عبد الله أن أمر الله في عباده دائر بين العدل والفضل؛ فالله حكم قسط، لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) النساء/40؛ فتأمل كيف أن الله جل جلاله وعد، وهو جل جلاله لا يخلف الميعاد، ألا يظلم مثقال ذرة، وهذا عدله سبحانه، وأما فضله: فيضاعف الحسنات: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. فتعرض لنفحات ربك، وتعرض لرحمته وفضله، ودع عنك الوساوس ومغاليط الكلام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/50)
هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصح التوبة من ذنب معيّن دون آخر؟ وهل تقبل توبة العبد من ذنب معيّن، إذا كان يعمل ذنباً آخر أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) التحريم/8.
وأمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم بالتوبة فقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم (2702) .
ولهذا اتفق العلماء رحمهم الله على أن التوبة من المعاصي واجبة.
قال ابن جزي في "التسهيل" (1232) :
" التوبة واجبة على كل مؤمن مكلف بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة " انتهى.
وقال النووي رحمه الله:
" وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّوْبَة مِنْ جَمِيع الْمَعَاصِي وَاجِبَة , وَأَنَّهَا وَاجِبَة عَلَى الْفَوْر , لَا يَجُوز تَأْخِيرهَا , سَوَاء كَانَتْ الْمَعْصِيَة صَغِيرَة أَوْ كَبِيرَة. وَالتَّوْبَة مِنْ مُهِمَّات الْإِسْلَام وَقَوَاعِده الْمُتَأَكِّدَة " انتهى.
"شرح مسلم" (17/59) .
أما التوبة من ذنب مع الإقامة على غيره فتصح على الراجح من أقوال أهل العلم، وإن كانت توبة قاصرة غير كاملة.
قال النووي رحمه الله:
"وَتَصِحّ التَّوْبَة مِنْ ذَنْب , وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْب آخَر , وَإِذَا تَابَ تَوْبَة صَحِيحَة بِشُرُوطِهَا , ثُمَّ عَاوَدَ ذَلِكَ الذَّنْب , كُتِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الذَّنْب الثَّانِي , وَلَمْ تَبْطُل تَوْبَته , هَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ" انتهى.
"شرح مسلم" (17/59-60) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟ فيه قولان لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد رضي الله عنه.
والذي عندي في هذه المسألة: أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه. وأما التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلق له به ولا هو من نوعه فتصح، كما إذا تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر مثلا فإن توبته من الربا صحيحة، وأما إذا تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النسيئة وأصر عليه أو بالعكس، أو تاب من تناول الحشيشة وأصر على شرب الخمر أو بالعكس: فهذا لا تصح توبته، وهو كمن يتوب عن الزنا بامرأة وهو مصر على الزنا بغيرها غير تائب منها، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر وهو مصر على شرب غيره من الأشربة المسكرة. فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر، بخلاف من عدل عن معصية إلى معصية أخرى غيرها في الجنس " انتهى مختصرا.
"مدارج السالكين" (1/273-275) .
وقال القرطبي:
"اتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين؛ لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) . وتصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه، خلافاً للمعتزلة في قولهم: لا يكون تائباً من أقام على ذنب. ولا فرق بين معصية ومعصية - هذا مذهب أهل السنة" انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (5/90) .
وقال في "غذاء الألباب" (4/207) :
" وَتَصِحُّ مِنْ بَعْضِ ذُنُوبِهِ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
نَعَمْ، لَا تَصِحُّ التَّْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ أَصَرَّ عَلَى مِثْلِهِ، مِثْلُ: أَنْ يَتُوبَ مِنْ زِنَاهُ يَوْمَ كَذَا أَوْ فِي فُلَانَةَ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزِّنَا بِغَيْرِهَا أَوْ بِهَا، وَإِنَّمَا تَابَ مِنْ الزِّنَا الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ أَوَّلًا دُونَ مَا يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى أَصْلِ فِعْلِ الزِّنَا، فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنْهُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وهل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟ للعلماء في هذا ثلاثة أقوال: الأول: أنها تصح، والثاني: أنها تصح إن كان الذنب من غير الجنس، والثالث: لا تصح.
والصحيح: أنها تصح من ذنب مع الإصرار على غيره، لكن لا يستحق اسم التائبين على سبيل الإطلاق؛ فلا يستحق وصف التائب، ولا يدخل في مدح التائبين؛ لأن توبته مقيدة من هذا الذنب المعين. ومثال ذلك: إذا تاب رجل من الزنا لكنه يتتبع النساء بالنظر المحرم فإن توبته من الزنا تصح على القول الراجح؛ لكن لا يستحق وصف التائب على سبيل الإطلاق. وعلى القول بأنها تصح إذا كانت من غير الجنس: فإنها لا تصح.
وإذا تاب من الزنا مع الإصرار على الربا فإنها تصح؛ لأن الربا ليس من جنسه" انتهى.
"تفسير القرآن للعثيمين" (4/161) .
فهذا من حيث صحة التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، والواجب على المسلم أن يتوب من جميع ذنوبه، وأن يستقيم على أمر الله، لينجو من عذاب الله.
أما التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره فهي وإن كانت توبة صحيحة من ذلك الذنب، لكنها توبة ناقصة، وقاصرة، وليست هي التوبة النصوح التي وعد الله تعالى أهلها بالمغفرة والجنة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التحريم/4.
قال ابن القيم رحمه الله:
"النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:
الأول: تعميم جميع الذنوب بحيث لا تدع ذنبا إلا تناولته.
والثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرا بها.
الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله أو لحفظ قوته وماله أو استدعاء حمد الناس أو الهرب من ذمهم أو لئلا يتسلط عليه السفهاء أو لقضاء نهمته من الدنيا أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل" انتهى.
"مدارج السالكين" (1/377) .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للتوبة النصوح وأن يتقبل منا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/51)
هل يجوز للزاني الزواج من مؤمنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبرني ما إذا كان يجوز لي أن أتزوج بمؤمنة إن أنا مارست الجنس مع امرأة غير مسلمة في الماضي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تاب الزاني توبة نصوحاً، فإن الله يتوب عليه، لأن الله تعالى قال: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابا (71) الفرقان.
يراجع سؤال 728، وإذا تاب فله أن يتزوج بمؤمنة، وينبغي على الزاني إذا تاب أن يستر على نفسه، ولا ينشر ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/52)
لم يكن يعلم أن العمل في البنك حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أكن أعلم أن العمل في البنك حرام، وقد تبت إلى الله تعالى وتركت العمل، فما حكم الأموال التي جمعتها من عملي في البنك؟ هل هو مال حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت لم تكن تعلم أن هذا العمل حرام، وقد تركت العمل بمجرد علمك بأنه حرام، فلا يلزمك التخلص من هذه الأموال، ولا حرج عليك من الانتفاع بها، لقول الله تعالى بعد ما بَيَّن تحريم الربا: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) البقرة/275.
قال الشيخ ابن عثيمين: "من فوائد الآية: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم بالتحريم فهو حلال له، بشرط أن يتوب وينتهي" انتهى.
"تفسير سورة البقرة" (3/377) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"المدة التي جلستها في البنك للعمل فيها: نرجو من الله أن يغفر إثمها عنك، وما جمعتَه من نقود وقبضتها بسبب العمل في البنك عن المدة الماضية: لا إثم عليك فيها؛ إذا كنت تجهل الحكم في ذلك".
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 46) .
وقالوا أيضاً:
"إذا كان الواقع كما ذكرت، من أنك تركت العمل به بعد أن أخبرت أنه لا يجوز العمل في البنك: فلا حرج عليك فيما قبضته من البنك مقابل عملك لديه مدة الأشهر المذكورة، ولا يلزمك التصدق بها، وتكفي التوبة عن ذلك، عفا الله عنا وعنك؛ لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 50، 51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/53)
تابت من العمل في البنك ويريد أهلها وزوجها أن تبقى فيه!
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة عمرها 43 سنة، متزوجة، وأم لثلاثة أطفال، تعمل في بنك ربوي مند 20 سنة، في السنة الأخيرة - والحمد لله - هداها الله سبحانه وتعالى إلى الاقتناع بأن هذا العمل حرام شرعاً؛ لما فيه من تعاملات ربوية، ومساعدة على نشرها، واتخذت قرارها بتركه، لكن الأمور لم تجرِ بهذه السهولة، اصطدمت بمعارضة قوية من عائلتها، من جهة أولى زوجها، حاول المستحيل لمنعها لدرجة أن الأمر وصل للتهديد بالطلاق إن هي أصرت على موقفها، فهو لا يريدها أن تترك العمل؛ لأنها تساهم – تقريباً- بنصف راتبها في مستلزمات البيت، وما يعزز أكثر رفضه - في نظره - أنه يتحجج بأن عملها يمنح لأطفالهما تأميناً صحيّاً لا يمكنه أن يوفره من خلال عمله (يعمل في عمل مند أكثر من 15 سنة بعقد قابل للتجديد كل سنة) تخبره بأنها ستقنع بما يجنيه هو، وأن الله هو المؤمن وكل شيء بيده، لكن لا فائدة، ومن جهة أخرى والدها الذي وصل به الأمر بتخييرها بين رضاه، وسخطه إن تركت العمل، يقول لها: يمكنك تركه ولكن بشرط أن تجدي عملا آخر قبل ذلك، وهذا نراه شرطاً تعجيزيّاً، وذلك لسببين: أولاً: مشكلة السن، عمرها 43 سنة، ثانياً: استفحال مشكلة البطالة في بلادنا، هناك صعوبة في إيجاد عمل آخر، كما أنه عمل على إقناع شقيقيها على عدم مساعدتها سواء ماديّاً، أو معنوياً. مع العلم: أسرتها أسرة ملتزمة بتعاليم ديننا الإسلامي، لكن عملها هو نقطة خلافهم، هي الآن حائرة، لا تدري ما تفعل، زوجها يخبرها أن الله سبحانه وتعالى أمر الزوجة بطاعة زوجها، وهذا هو فوزها الأكبر أكثر من أي شيء، وبين والدها الذي يهدد إن لم تطعه سيسخط عليها دنيا وآخرة، وبأن بر الوالدين وطاعتهما فوق كل ما تريد أن تفعله، وأنها يجب عليها المحافظة على عملها لأنه هو مستقبلها، وأنها يمكن أن تمر بظروف قاسية إن تركته. نرجو من فضيلتكم أن تنصحوها، وأن تضعوها على الطريق الصحيح، وأن تبينوا لها حكم ما يقول زوجها، وأبوها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقها للتوبة من الكسب المحرَّم، ومن الإعانة على ما يسخط الرب تعالى من العمل في الربا، وهو من كبائر الذنوب التي توعد الله أصحابها بالمحق والعذاب، إلا أن يتوبوا ويعودوا لربهم بصدق وإخلاص.
ثانياً:
لا تخلو هذه الدنيا من ابتلاء، فيبتلى المسلم فيها بأنواع شتى من الابتلاءات، وقد يُبتلى التائب من ذنبه، والمقبل على ربه تعالى فعليه أن يصبر ويثبت فإنه الآن في محطة الاختبار ليُرى صدقه في توبته وإقباله على ربه تعالى من عدمه، لذا فإنه يجب على صديقتك أن تعلم أن ابتلاءها هو في صالحها إن صبرت عليه وتحملته، وأنه أمرٌ يعرض للتائبين من ذنوبهم، والمقبلين على ربهم تعالى، فلا تجزع، ولا تفزع، ولا تضجر، ولتكن مع ربها تعالى بالإنابة، والدعاء، والعمل الصالح، وستجد ما يسرها إن شاء الله، من التثبيت على الطاعة، والتوفيق للعمل الصالح.
وطريق الجنة محفوف بالمكاره، ومن صبر على قطع هذا الطريق فإن نهايته ستكون سعيدة، وطريق النار محفوف بالشهوات، ولو استمتع العاصي بدنياه بتلك الشهوات فإنه سيندم على ذلك أشد الندم، وسيجد من الحسرة والسخط والعذاب ما يُنسيه استمتاعه ذاك.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ) . رواه البخاري (6122) ومسلم (2823) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) . رواه مسلم (2822) .
قال النووي رحمه الله:
"قال العلماء: هذا من بديع الكلام، وفصيحه، وجوامعه، التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، من التمثيل الحسن، ومعناه: لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب: وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة: باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار: بارتكاب الشهوات، فأما المكاره: فيدخل فيها: الاجتهاد في العبادات، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة، والإحسان إلى المسيء، والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك.
وأما الشهوات التي النار محفوفة بها: فالظاهر أنها: الشهوات المحرمة، كالخمر، والزنا، والنظر إلى الأجنبية، والغيبة، واستعمال الملاهي، ونحو ذلك.
وأما الشهوات المباحة: فلا تدخل في هذه، لكن يكره الإكثار منها؛ مخافة أن يجر إلى المحرمة، أو يقسي القلب، أو يشغل عن الطاعات، أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا للصرف فيها، ونحو ذلك" انتهى.
" شرح مسلم " (17 / 165، 166) .
ثالثاً:
من الواجب على هذه الأخت أن تلتزم الصدق في توبتها، فتندم على ما فات من عمرها الذي قضته في العمل المحرَّم، وتعزم عزماً مؤكداً على عدم العود للعمل في البنوك الربوية، ولا في غيرها من الأماكن المحرَّمة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإتاء:
"العمل في البنوك التي تتعامل بالربا: من الأمور المحرمة، ولا يجوز لك أن تستمر فيه؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكلَ الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه) ، وعليك التوبة إلى الله من ذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 45، 46) .
وقالوا أيضاً:
"ثبت تحريم الربا بالكتاب، والسنَّة، والإجماع، وثبت أن التعاون عليه بالكتابة، والشهادة، ونحوهما: حرام، وعلى هذا: فالعمل في البنوك الربوية محرم؛ لما فيه من التعاون على الإجراءات الربوية من حساب، وصرف، وقبض، وتقييد، وكتابة، وحراسة، ونحو ذلك، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 46، 47) .
رابعاً:
أما ما قاله زوجها ووالدها من أن الله تعالى أمر بطاعة الزوج، وطاعة الوالدين وبرهما، فهو حق، قد أمر الله تعالى بذلك، لكن. . إذا تعارض أمر الله تعالى مع أمر الزوج أو الوالد بحيث أمرا بما يخالف أمر الله، فلا يشك مؤمن في أن الواجب هو تقديم أمر الله تعالى، ومن قال غير ذلك فهو على خطر عظيم، وعليه أن يراجع إيمانه.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 327) :
"طاعة المخلوقين - ممّن تجب طاعتهم – كالوالدين، والزّوج، وولاة الأمر: فإنّ وجوب طاعتهم مقيّد بأن لا يكون في معصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" انتهى.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
"المرأة مأمورة بطاعة الله سبحانه وتعالى، ومأمورة بطاعة زوجها، وبطاعة والديها، ضمن طاعة الله عز وجل.
أمَّا إذا كان في طاعة المخلوق: من والد، أو زوج، معصية للخالق: فهذا لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) - رواه البخاري -؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق) - رواه أحمد – " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 265، 266، سؤال 161) .
فأعلمي صديقتك بحرمة طاعتها لوالديها وزوجها في الرجوع للعمل في البنك الربوي، وأن غضب والدها عليها لا وزن له عند الله تعالى؛ لأنه والحالة هذه يكون هو الآثم الظالم لها، وإن أمكنها أن تتقاعد مبكراً، وتحصل على راتب شهري بعد تقاعدها، فذلك خير، ولا حرج عليها من أخذ هذا الراتب إن شاء الله.
وإن وُفِّقَت إلى الجمع بين إرضاء الله تعالى وعدم إسخاط الوالدين والزوج بالعمل في مكان مباح: فذلك أفضل، وأجمع للشمل، وإن عجزت عن التوفيق بين الأمرين: فلتقدم مرضاة الله على رضا أي أحدٍ سواه، وإن أصابها سوء أو أذى أو ضرر: فلتصبر، ولتحتسب.
وعليها أن تلين مع زوجها وأبيها وتحاول إقناعهما بأن الحرام مهما كان كثيرا فإنه لا بركة فيه، وعاقبته إلى زوال.
ونسأل الله أن ييسر لها أمرها ويهدي أهلها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/54)
هل تتخلص من المال الذي أخذته من العمل الحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طوال عملي في المصانع التابعة لشركات أجنبية، طوال 6 سنوات تقريبا، والمختلطة من حيث التوقيت في العمل، ومن حيث الجنسين وما يتبع ذلك من محادثات ومزح وما إلى ذلك ومشاهدة أشياء محرمة وفواحش تقع بين بعض الشبان وبعض الفتيات، وذلك على سبيل الصدفة، خصوصا عند العمل ليلا، وطبعا كنت أحصل على أجري كل شهر، والآن وقد تركت العمل منذ سنتين بقي لدي أشياء كنت قد اشتريتها من تلك الرواتب التي كنت أتقاضاها، منها آلة خياطة كنت أيضا أخيط عليها الملابس للفتيات، وقد كنت لا أهتم لاحتشام هذه الملابس، بل كنت أخيط كل ما تريده زبوناتي، ولكن الآن تبت إلى الله عز وجل، ولم أعد أفعل ذلك. سؤالي هو: ما حكم تلك الأموال التي كنت أتقاضاها، وما حكم ما بقي من الأشياء التي اشتريتها بذاك المال، وكيف أتصرف فيها، ومنها آلة الخياطة، وبعض الذهب، وبعض الأثاث والمفروشات؟ أفيدوني لما فيه مرضات الله سبحانه وتعالى عني؛ لأني أريد أن تكون توبتي خالصة لله، ونقية من كل شائبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أَنْ مَنَّ عليك بالتوبة، ورزقك الإنابة، فوالله إن خير ما يكسبه المرء في دنياه صدق الرجوع إلى الله، ومن أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار والافتقار، وأراه عيوب نفسه وجهلها وظلمها وتعديها حدوده، وألان قلبه إلى التوبة والاستغفار والندم على الذنب والتفريط.
فقد كان عملك في الأماكن المختلطة وفي صنع وإنتاج ما يستعمل على الوجه الحرام من المحرمات التي تمنعها الشريعة الإسلامية، حفظا للدين، وصيانة لمجتمعات المسلمين، والتزاماً بحدود الله، وتعظيماً لشرعه، ومعرفةً لقدره عز وجل.
قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (ص/32) :
" وأما علامات تعظيم المناهي: فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها، وأن يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس، وأن يجانب الفضول من المباحات حشية الوقوع في المكروهات، ومجانبة مَن يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته " انتهى.
ثانيا:
خياطة الملابس النسائية الفاضحة - لمن تلبسها في المعصية وتستعملها في الفتنة – من الأعمال المحرمة؛ لما فيها من الإعانة على المنكر، والواجب على المسلم تعظيم حدود الله فلا يرضى أن يعصى الرب تعالى من طريقه، ولا يقبل أن يكون من أعوان الشيطان وحزبه.
قال ابن تيمية في "شرح العمدة" (4/387) :
" وكل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية " انتهى.
وقال أيضا – كما في "مجموع الفتاوى" (22/141) -:
" إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبى صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها.
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال فى الفتنة " انتهى.
وقال ابن حزم في "المحلى" (7/522) :
" ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا:
كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن بها أنه يعمله خمرا. وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته. أو كبيع السلاح أو الخيل: ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين. أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى.
فإن لم يوقن بشيء من ذلك فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/73) :
" لا يجوز احتراف ما يؤدي إلى الحرام أو ما يكون فيه إعانة عليه , كالوشم: لما فيه من تغيير خلق الله، وككتابة الربا: لما فيه من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل، ونحو ذلك " انتهى.
ثالثا:
التوبة من المال الحرام شرطها التخلص منه، وذلك بصرفه في مصالح المسلمين، وفي أوجه البر المختلفة.
قال ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (22/142) :
" ومن أخذ عِوضًا (أجرة) عن عين محرمة، أو نفع استوفاه، مثل: أجرة حَمَّال الخمر، وأجرة صانع الصليب، وأجرة البَغِيّ، ونحو ذلك، فليتصدق بها، وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث " انتهى.
وجاء في "الفروع" (2/666) لابن مفلح:
" والواجب في المال الحام التوبة وإخراجه على الفور " انتهى.
فالواجب عليكِ تقدير ما حصلته من أجرة خياطة ثياب النساء المتبرجات، ثم إخراجه للفقراء والمساكين رجاء تكفير الإثم والمعصية السابقة.
أما الأموال التي حصلتِها من العمل في المصنع – ومنها آلة الخياطة - فلا يجب عليك إخراجها ولا التخلص منها؛ لأن الحرام لم يتعلق بأصل العمل، بل بالاختلاط الذي صاحبَه، وهو أمر خارجٌ عن أصله، اللهم إلا إذا كان عمل المصنع في الحرام، كمصانع الخمور والدخان والآلات المحرمة، فيجب عليك حينذ إخراج الأجرة التي أخذتها منه.
وإن ضاق عليك الحال، ولم تتمكني من إخراج جميع المال الذي حصلته من خياطة الملابس المحرمة، فلا حرج عليك من إبقاء ما تحتاجين إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (29/308) :
" فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار وكانوا فقراء، جاز أن يُصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/55)
كفارة الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[في كفارة الغيبة، هل يجزئ قول: (رب اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات) عن الاستغفار لمن اغتبته، أم يجب الدعاء له بالاسم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغيبة من كبائر الذنوب، ولا شك أن جميع المسلمين يدركون هذا، ويعلمون ما للمغتاب من عذاب عند الله تعالى، والخطورة في هذا الذنب تأتي من وجهين اثنين:
1- أنه متعلق بحقوق العباد، فهي لذلك أشد خطرا، إذ يتعدى فيها الظلم إلى الناس.
2- أنها معصية سهلة ينقاد إليها غالب الناس إلا من رحم الله، والشيء السهل يحسبه الناس – في العادة – هينا وهو عند الله عظيم.
وفي أمر كفارة الغيبة لا بد من التنبيه إلى بعض الجوانب المهمة:
أولا: سبق في موقعنا في العديد من الفتاوى بيان أن كفارة الغيبة هي الاستغفار لمن اغتبته، والدعاء له، والثناء عليه في غيبته. وللتذكير بهذه الفتاوى وقراءة كلام أهل العلم يرجى من القارئ الكريم مراجعة الأرقام الآتية: (6308) ، (23328) ، (52807) ، (65649)
ثانيا: إلا أن تقرير كون الاستغفار كفارة للغيبة لا يعني وقوعها كافيةً في ذلك، فإن الأصل أن الذنوب لا تُمحى إلا بالتوبة الصادقة التي يصحبها الإقلاع، والندم، وعدم العود، وصدق القلب في معاملة الخالق سبحانه، ثم يُرجى لمن جاء بهذه التوبة أن يغفر الله له ذنبه، ويعفو عنه خطيئته.
أما حقوق العباد، ومظالم الخلق، فلا يكفرها إلا عفوُ أصحابها عنها ومغفرتهم لها، دليل ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول:
(مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري (2449)
فقد جاء الأمر بالتحلل من المظالم قبل أن يوافيَ الناسُ يومَ الحساب، فيكون التحلل يومئذ بالحسنات والسيئات، وتكون الخسارة الحقيقية على من ظلم الناس في أموالهم أو أعراضهم أو دمائهم.
ثالثا: فالواجب على من أراد أن يستبرئ لنفسه من إثم الغيبة أن يسعى جاهدا في التحلل ممن اغتابه، فيطلب منه العفو والصفح، ويعتذر إليه بالكلام اللين والحسن، ويبذل في ذلك ما يستطيع، حتى إن اضطر إلى شراء الهدايا القيمة الغالية، أو تقديم المساعدة المالية، فقد نص العلماء على جواز ذلك كله في سبيل التحلل من حقوق العباد.
ولما رأى أهل العلم من السلف الصالحين والفقهاء الربانيين أن التحلل من العباد في أمر الغيبة قد يؤدي – في بعض الحالات - إلى مفسدة أعظم، فيوغر الصدور، ويقطع الصلات، وقد يُحمِّلُ القلوب من الأحقاد والأضغان ما الله به عليم، رخص أكثر أهل العلم في ترك التحلل، ورجوا أن يكفي في ذلك الاستغفار للمغتاب والدعاء له والثناء عليه في غيبته.
وإن كان آخرون من أهل العلم ذهبوا إلى أن الغيبة لا يكفرها إلا عفو صاحب المظلمة عنها.
لكن الصواب أنه إذا صدقت توبة مرتكب الغيبة، لم يلزمه أن يخبر بذلك من اغتابه، لاسيما إن خاف مفسدة ذلك، كما هو الغالب.
إذا فالاستغفار لمن اغتبته إنما هو عذر طارئ، وحالة ضرورة اقتضتها الشريعة التي تقدم درء المفاسد على جلب المصالح.
وفهم ما سبق يبين خطأ من يتساهل في إثم الغيبة معتمدا على أن الاستغفار كافٍ في تكفير تلك المعصية، ولم يدرِ أنه أخطأ في ذلك من ثلاثة وجوه:
1- أنه نسي أن شرط التوبة الأساسي هو الندم والإقلاع وصدق الإنابة إلى الله تعالى، وهذا الشرط قد لا يوفق لتحقيقه كثير من الناس.
2- أن الأصل في تكفير حقوق العباد السعي في طلب العفو منهم، فإن كان التقدير أن إخباره بالغيبة سيؤدي إلى مفسدة أعظم، فيلجأ إلى الاستغفار حينئذ، وإلا فالأصل أنه يذهب ليطلب الصفح ممن ظلمه.
3- وذلك يدلك على أن المغتاب إن كان قد بلغه ما اغتابه به رجل آخر، فإنه - والحالة هذه - لا بد من طلب العفو منه مباشرة، كي يزيل ما أصاب قلب المغتاب من أذى، وما حمله من كره أو حقد عليه، فإن لم يعف ولم يصفح، فليس ثمة حيلة بعد ذلك إلا الاستغفار والدعاء.
رابعا:
ثم بعد ذلك كله، هل يظن السائل أن الاستغفار بصيغةٍ عموميةٍ (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) كافٍ في تكفير إثم الغيبة؟!!
نحن نقول إننا حين نرجو من الله أن يكون الدعاء والاستغفار مكفرا للسيئات، لا بد أن نصدق الله في هذا الدعاء، فنخلص فيه المسألة، ونبتغي إليه الوسيلة فيه، ونكرره في مواطن الإجابة، وندعو فيه بكل خير وبركة له في الدنيا والآخرة، ولا شك أن هذه الحالة من الدعاء تقتضي تخصيص المدعو له: إما بذكر اسمه، أو بذكر وصفه فتقول: اللهم اغفر لي ولمن اغتبته وظلمته، اللهم تجاوز عنا وعنه..إلى آخر ما يمكن أن تدعو به.
أما الصيغ العامة فلا تبدو كافية في تحقيق ما ترجو من الله تعالى، فكما أنك اغتبته باسمه أو وصفه، وخصصته بالأذى، فكذلك ينبغي أن يكون الاستغفار والدعاء مخصصا حتى تقابل السيئات بالحسنات.
خامسا:
ينبغي التنبه إلى أن المقصد من الاستغفار والدعاء هو دفع السيئة بالحسنة، ومقابلتها بها، ولذلك فلا يتحتم الاستغفار دون غيره من الأعمال، بل يمكن أن تعمل العمل الصالح ليكون ثوابُه مقدَّما لمن اغتبته، كأن تتصدق عنه أو تقدم له المساعدة، وتقف معه في محنه، فتحاول تعويضه عن ذلك الأذى بما تستطيع.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في "مجموع الفتاوى" (18/187-189) :
" وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة، وهذا حق، ولا فرق فى ذلك بين القاتل وسائر الظالمين، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه فى الدنيا فلا بد له من العوض فى الآخرة، فينبغى للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا راد لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، ولهذا فى حديث القصاص الذى ركب فيه جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس شهرا حتى شافهه به، وقد رواه الإمام أحمد – (3/495) - وغيره، واستشهد به البخارى فى صحيحه، وهو من جنس حديث الترمذى صحاحه أو حسانه، قال فيه: (إذا كان يوم القيامة فإن الله يجمع الخلائق فى صعيد واحد، يسمعهم الداعى وينفذهم البصر، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه)
وفى صحيح مسلم من حديث أبى سعيد: (أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة) وقد قال سبحانه وتعالى لما قال (ولا يغتب بعضكم بعضا) - والإغتياب من ظلم الأعراض - قال: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم)
فقد نبههم على التوبة من الاغتياب، وهو من الظلم.
وهذا فيما علمه المظلوم من العوض، فأما إذا اغتابه أو قذفه ولم يعلم بذلك، فقد قيل: مِن شرط توبته إعلامه. وقيل: لا يشترط ذلك. وهذا قول الأكثرين، وهما روايتان عن أحمد، لكن قوله مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات: كالدعاء له، والاستغفار، وعمل صالح يهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه. قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/56)
إذا تاب المرتد قبلت توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[أتاني أحد الإخوة في أحد الأيام نادماً خجلاً من نفسه على ما بدر منه من سوء أدب مع الله - وهذا أفضل ما استطاع أن يسميه هو نفسه - حيث أقدم في أحد الأيام في ثورة غضب من خطيبته على سب الله! نسأل الله العفو والعافية، وقد أتاني في وضع يرثى له من الندم، وأخبرني أنه خجل من نفسه، وخجل الآن من أداء صلاته، فهو إنسان - والحمد لله - ملتزم بأمور دينه وشرعه الحنيف.
فأرجو من فضيلتكم أن تفيدونا بشأنه بالنصيحة، وبيان الحكم الشرعي لما حدث معه، وكفارة ذلك - إن وجد -.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعله صاحبك هو سوء أدب مع ربه عز وجل، فربه تعالى الذي خلقه في أحسن صورة، وهداه للدين الصحيح، وأكرمه بالعقل والسمع والبصر، ثم يسبه ويشتمه؟! إن هذا الأمر لو فُعل مع واحدٍ من الخلق ممن أكرمه بتفاهات الدنيا أو سقط متاعها لعدَّ منقصة له، وسوء أدب، فكيف والأمر مع الله تعالى، ولا مقارنة – أصلاً – بين إكرام الخلق وإكرام الخالق تعالى له؟! .
وهذا السب يخرج صاحبه من الإسلام، ويجعله مرتدّاً، وليس بين العلماء خلاف في هذا الحكم.
قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -:
ومَن سب الله تعالى: كفر، سواءَ كان مازحاً أو جادّاً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/65.
" المغني " (12 / 298) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهراً وباطناً، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.
" الصارم المسلول " (1 / 513) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (22 / 184) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جادّاً أو مستهزئاً.
وفي (24 / 139) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ ملّة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافراً.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
سب الدين من أعظم الكبائر، ومن أعظم المنكرات، وهكذا سب الرب عز وجل، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان مَن سبَّ الرب سبحانه وتعالى أو سب الدين ينتسب إلى الإسلام: فإنه يكون بذلك مرتدّاً عن الإسلام، ويكون كافراً، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يستتاب، بل يقتل؛ لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أنه يستتاب لعل الله يمنُّ عليه بالهداية فيلزم الحق، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة، وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ فإنَّ سبَّ الدين أو سب الرسول أو سب الرب عز وجل من نواقض الإسلام، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة والزكاة، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/66،65، نسأل الله العافية.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 387) .
وقال – رحمه الله -:
كلُّ مَن سبَّ الله سبحانه بأي نوع من أنواع السب، أو سب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الرسل بأي نوع من أنواع السب أو سب الإسلام، أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم: فهو كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدَّعي الإسلام، بإجماع المسلمين؛ لقول الله عز وجل: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) الآية.
وقد بسط العلامة الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله الأدلة في هذه المسألة في كتابه " الصارم المسلول على شاتم الرسول "، فمن أراد الوقوف على الكثير من الأدلة في ذلك فليراجع هذا الكتاب لعظم فائدته ولجلالة مؤلفه، واتساع علمه بالأدلة الشرعية رحمه الله.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 77، 87) .
وفي جواب السؤال رقم (42505) تجد فتوى الشيخ العثيمين في حكم سب الله ورسوله وسب الدين.
ثانياً:
ومع عِظم الذنب الذي فعله صاحبك، ومع شدة ما يترتب عليه من أحكام إلا أن الله تعالى قد فتح باب التوبة لمن رغب بالرجوع عن ذنبه، وأراد أن يتوب ويستغفر، ولا ينبغي له أن يستبعد عفو الله تعالى ومغفرته، وودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من العاصي والمرتد.
نعم، يجب أن يندم وأن يؤرقه ذنبه، لكن لا ينبغي أن يجعل بينه وبين الله تعالى حائلا يمنعه من التوبة والاستغفار.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) .
رواه مسلم (2759) .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
قيل للحسن – أي: البصري -: ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار.
وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين - يعني: أن المؤمن كلما أذنب: تاب -.
" جامع العلوم والحكم " (1 / 165) .
فالنصيحة له بالتوبة والندم على ما فعل، والإكثار من الأعمال الصالحة، وليحرص أن يكون حاله بعد التوبة خيرا من حاله قبل ارتكاب هذه المعصية الكبيرة، والله تعالى يتوب على من تاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/57)
ماذا يفعل التائب إذا اختلطت أمواله الحرام بأمواله الحلال
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل بالمال الذي ربحه من تجارة الدخان، وكذلك إذا احتفظ بأمواله الأخرى الحلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من تاجر بالمحرمات كبيع آلات اللهو والأشرطة المحرمة والدخان وهو يعلم حكمها ثم تاب يصرف أرباح هذه التجارة المحرمة في وجوه الخير تخلصاً لا صدقة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
وإذا اختلط هذا المال الحرام بأموال أخرى حلال كصاحب البقالة الذي يبيع الدخان مع السلع المباحة، فإنه يقدر هذا المال الحرام تقديراً باجتهاده، ويخرجه بحيث يغلب على ظنه أنه نقى أمواله من الكسب الحرام، والله يعوضه خيراً وهو الواسع الكريم.
وعلى وجه العموم فإن من لديه أموالاً من كسب حرام، وأراد أن يتوب فإن كان:
1- كافراً عند كسبها فلا يُلزم عند التوبة بإخراجها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة لما أسلموا.
2- وأما إن كان عند كسبه للحرام مسلماً عالماً بالتحريم فإنه يُخرج ما لديه من الحرام إذا تاب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/58)
هل تصح التوبة ممن أصيب بمرض لا يرجى شفاؤه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل له ذنوب كثيرة، أصيب بمرض خطير وحاول العلاج فلم يستفيد وقال له الأطباء إنه لا علاج لديهم لحالته، وهو الآن نادم ويريد التوبة فهل تصح توبته وهو مصاب بهذا المرض القاتل الذي لا يرجى شفاؤه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم تصح التوبة من إنسان أيس من حياته، إما بمرض لا يرجى شفاؤه كمرض السرطان مثلاً، وإما بتقديمه للقتل كرجل قدم ليقتص منه، حتى ولو كان السياف على رأسه، وإما من إنسان محصن زنى واستحق الرجم، وحتى لو كانت الحجارة قد جمعت لرجمه، فإنه تصح توبته، لأن الله تعالى يقبل توبة الإنسان ما لم يغرغر بروحه، لقوله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً) ومعنى قوله: يتوبون من قريب: أي يتوبون قبل الموت، لقوله تعالى بعد هذه الآية: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) ، ولكن التوبة لابد لها من شروط خمسة: الإخلاص، والندم على ما فعل، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعود في المستقبل، وأن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه، أي بأن تكون قبل الموت أو قبل طلوع الشمس من مغربها.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 53/73(7/59)
هل يجزم التائب النادم بأنّ توبته قد قُبلت
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استكمل التائب شروط التوبة بينه وبين نفسه، فهل يجزم أن توبته قد قبلت أم يرجو فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
لا، يرجو فقط، ولا أحد يجزم بقبول التوبة. انتهى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(7/60)
هل القسم شرط في التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أمل في أن يُغفر لنا إذا لم نقسم أو ننذر بأننا لن نفعل هذا الذنب مرة ثانية أبداً؟
أنا أسأل هذا لأنك إذا كنت تعلم أنك يمكن أن تفعل نفس الذنب ثانية فهل هناك فائدة من القسم أو النذر على أنك لن تفعل الذنب مرة أخرى؟ مع العلم أن الحنث باليمن مع الله يتطلب صيام 3 أيام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن المولى جلت قدرته، وعظم سلطانه، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره مهما كان هذا الذنب، ما دام أن العبد قد تاب منه , قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر / 53
فباب التوبة مفتوح ما لم يعاين المرء الموت، وما لم تطلع الشمس من مغربها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أخرجه أحمد (2 / 132، 153) والترمذي (3537) وحسنه، وحسنه أيضا الألباني في صحيح الترغيب (3 / 318) (3413) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " أخرجه مسلم (3073) .
فعلى المسلم أن يغتنم هذه الفرصة وهذا الفضل العظيم من الله جل جلاله ويعجل بالتوبة ما دام في زمن الإمهال ولا يسوف بالتوبة.
ولكن يجب أن تكون هذه التوبة توبة نصوحا , كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التحريم / 8.
وذكر العلماء أن التوبة النصوح هي التي جمعت خمسة شروط:
1- أن تكون خالصة لله عز وجل.
2- أن يكون نادماً حزنا على ما سلف من ذنبه , يتمنى أنه لم يحصل منه.
3- أن يقلع عن المعصية فوراً، فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال , وإن كانت المعصية بترك واجب فعله في الحال , وإذا كانت المعصية فيما يتعلق بحقوق الخلق لم تصح التوبة منها حتى يتخلص من تلك الحقوق.
4- أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل إلى المعصية.
5- أن لا تكون بعد انتهاء وقت قبول التوبة , كما سبق. [ينظر: مجالس شهر رمضان لابن عثيمين 143] .
وبهذا يعلم أنه ليس من شرط التوبة عدم العود إلى الذنب , وإنما شرطه العزم الجازم الصادق على أن لا يعود،
فإن تاب العبد من الذنب الذي هو عليه ثم لعب به الشيطان ونكص على عقبيه ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ فلا ييأس من روح الله، وليجدّ في التوبة مرة أخرى فإن الله يقبله، فهو سبحانه واسع الفضل عظيم المغفرة.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من مغربها " أخرجه مسلم (2759) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي. فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. . . الحديث. رواه البخاري (7505) ومسلم (2753) .
ولكن ينبغي على المسلم العاقل أن يكون صادق التوبة مع الله، صادق العزم على عدم العودة مرة أخرى، نادمًا على ما قد جناه، ولا تكون توبته بلسانه فقط دون جوارحه، فهذه توبة الكذابين.
وأما القسم أو النذر بأن لا يفعل العبد هذا الذنب مرة أخرى , فلا حاجة إليه , فالتوبة النصوح تحصل باجتماع الشروط السابقة.
بقي أن يشار إلى ما ذكره السائل من أن من حنث في يمينه فعليه صيام ثلاثة أيام , فهذا ليس على إطلاقه , وإنما الواجب على من حنث في يمينه هو: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم , فإن لم يجد صام ثلاثة أيام , فالصيام يكون عند تعذر الأمور الثلاثة الأولى , أما مع إمكان الإتيان بأحدها فإنه لا يجوز له الانتقال إلى الصيام، كما دل عليه قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89.
هذا والله تعالى أعلم , وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/61)
اشترى شقة بالربا فكيف يتوب من فعله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد اشتريت شقة قبل عامين عن طريق أحد البنوك الربوية، فدفعت خمسة آلآف دينار أردني والباقي دفعهم البنك، وكان سعر الشقة 27 ألف دينار، وتم الاتفاق على دفع أقساط شهرية لمدة (92) شهراً، وقيمة القسط الواحد (208) دينار أردني، والآن أريد أن أتخلص من البنك وأتوب إلى الله، مع العلم أن الأقساط المدفوعة حتى الآن (13000) دينار أردني. فما هو الحل الأنسب للتخلص من هذا الذنب؟ مع العلم أني لا أملك أن أدفع باقي سعر الشقة، وأن سعر الشقق في الأردن تضاعف هذه الأيام، أي: أني لو عرضت شقتي للبيع ستباع بسعر مضاعف -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يوفقك للتوبة من التعامل بالربا؛ فإن الربا من كبائر الذنوب، والمتعامل به مستحق للوعيد الشديد.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/ 278،279.
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) .
ثانياً:
ومن تمام توبتك أن تتخلص من الفوائد الربوية التي تدفعها للبنك، فإن كانت تلك الفوائد يمكن أن تزول عنك أو يزول بعضها: فينبغي أن تعجل دفع أقساطهم ولو ببيع بيتك، أما إن كانت الفوائد الربوية قد لزمتك ولم يعد بإمكانك الفكاك منها، ولا تقليلها، فلا حرج عليك من الانتفاع بالبيت، إما بالسكن فيه، أو تأجيره، أو غير ذلك من أوجه الانتفاع.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ويوفقك لما يجبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/62)
الحكم في من سب دين رجل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجب الكفارة على من سب مسلما.كالقول لمسلم: لعن دين أمك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سب الدين أو الملة أو الإسلام كفر أكبر، بإجماع أهل العلم، يُستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل، عياذا بالله من ذلك. وانظر السؤال رقم (42505) ، (65551)
وأما سب دينِ شخصٍ مسلمٍ معين، كقوله: يلعن دينك، أو دين أمك – والحال أن أمّه مسلمة - فظاهره سب الدين أيضا، وهو كفر كما سبق، وأبدى بعض أهل العلم احتمالا، وهو أن يكون مراده حالة الشخص وتدينه، وهذا قد يؤخذ من القرائن المحيطة، فحينئذ يعزر ويؤدب، وبكل حال فإنه يستتاب ويراجع.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/139) : " اتفق الفقهاء على أن من سب ملة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافرا , أما من شتم دين مسلم، فقد قال الحنفية كما جاء في جامع الفصولين: ينبغي أن يكفر من شتم دين مسلم , ولكن يمكن التأويل بأن المراد أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الإسلام فينبغي أن لا يكفر حينئذ " انتهى.
وقال الشيخ عليش المالكي: " وفيه أيضا [أي البرزلي] نزلت مسألة وهي أن رجلا كان يزدري الصلاة وربما ازدرى المصلين وشهد عليه ملأ كثير من الناس منهم من زكي ومنهم من لم يزك، فمن حمله على الازدراء بالمصلين لقلة اعتقاده فيهم فهو من سباب المسلم فيلزمه الأدب على قدر اجتهاد الحاكم، ومن يحمله على ازدراء العبادة فالأصوب أنه ردة لإظهاره إياه وشهرته به كهذه المسألة المذكورة، لا زندقة ويجرى على أحكام المرتد اهـ.
قلت: يؤخذ من هذا الحكم فيمن سب الدين أو الملة أو المذهب وهو يقع كثيرا من بعض سفلة العوام كالحمّارة والجمّالة والخدامين وربما وقع من غيرهم وذلك أنه إن قصد الشريعة المطهرة والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو كافر قطعا، ثم إن أظهر ذلك فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن لم يظهره فهو زنديق يقتل ولو تاب.
وإن قصد حالة شخص وتديّنه فهو سب المسلم ففيه الأدب باجتهاد الحاكم، ويفرق بين القصدين بالإقرار والقرائن، وبعضهم يجعل القصد الثاني كالأول في الحكم، ففي البدر عن بهرام في مبحث الردة: إذا قال تارك الصلاة لمن قال له صل: إذا دخلت الجنة فأغلق الباب خلفك، فإن أراد أن الصلاة لا تأثير لها في الدين فقد ارتد اتفاقا، وإن أراد أن صلاة القائل لا تأثير لها لكونها لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ففي ردته قولان اهـ. ومن المعلوم أن من الدين والملة القرآن العزيز، وسبه كفر كما ذكره البرزلي في مواضع " انتهى من "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (2/346) .
والاحتمال الذي ذكره، ربما وقع نادرا، وإلا فالأصل أن لعن دين الشخص هو لعن للإسلام، ولا يقدم على هذا إلا متهور مجترئ على حدود الله، مقتحم لهذه المهلكة العظيمة، ولندرة هذا الاحتمال فإن الشيخ عليش رحمه الله لم يذكره في موضع آخر، حيث سئل ما نصه: " (ما قولكم) في رجل لعن دين آخر، وفي آخر لعن مذهبه، وفي آخر قال له: يلعن مذهبك مذهب القطط، هل يرتدون أفيدوا الجواب.
فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، نعم قد ارتدوا بذلك، واستحقوا القتل إن لم يتوبوا اتفاقا؛ لأن سب الدين أو المذهب لا يقع إلا من كافر، ولأنه أشد من الاستخفاف به الموجب للكفر، ولأنه داخل في القسم الثاني المتقدم عن ابن عبد السلام والقرافي وابن رشد وغيرهم، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ". انتهى من "فتح العلي المالك" (2/355) .
ثانيا:
كفارة السب، سواء كان سبا للدين أو للشخص، هي التوبة النصوح، فمن تاب تاب الله عليه، إلا أن الساب يستحق التعزير والتأديب. سئل النووي رحمه الله: " ماذا يجب على من يقول للمسلم: يا كلب، أو يا خنزير، ونحوه من الألفاظ القبيحة هل يأثم؟.
فأجاب: الحمد لله، يأثم ويعزر، وعليه التوبة. والله أعلم ". انتهى من "فتاوى النووي" ص 224
وانظر السؤال رقم (42505) ففيه تفصيل الكلام في توبة من سب الدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/63)
من تاب وعليه حقوق مالية ولم يستطع أداءها كيف يكون مصيره في الآخرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتاب " التوابين " جاء في توبة شاب وامرأته أنه عندما قال لسري: عليّ مظالم. قال سري في الخبر: " إنه يؤتى بالتائب يوم القيامة معه خصومه فيقال لهم: خلوا عنه فإن الله تعالى يعوضكم ".
السؤال هو:
إذا تاب شخص بصدق ويريد رد المظالم سواء المالية وغيرها ولم يستطع لسبب أو لآخر فهل يردها الله عنه ولا يعذبه أبداً لا في القبر ولا في الآخرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوبة هي الرجوع إلى الله تعالى من المعصية إلى الطاعة، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، ويجب أن نَعلم أن التوبة واجبة على كل مسلم لقوله تعالى: (يَا أيُّها الذين آمَنوا تُوبُوا إِلى الله توبةً نصوحاً) التحريم/8، وأن الله تعالى يفرح بتوبة التائبين مع غناه عن طاعتهم، وأخبر أنه يحب التوابين , فقال تعالى: (إِنَّ الله يُحبُّ التَّوابين وَيُحبُّ المتطَهِّرين) البقرة/222.
والمعتدي على الناس إما أن يكون اعتداؤه على حقوقهم المادية وإما على حقوقهم المعنوية، وفي كلتا الحالتين هو متعدٍّ على أحكام الشرع.
وعليه: فيحتاج لتوبة صادقة فيما بينه وبين ربه تعالى، ويحتاج لإرجاع الحقوق إلى أهلها، أما المعنوية فيكفيه – مع التوبة الصادقة – أن يستغفر لهم ويدعو لهم بخير إن كانوا لم يعلموا بظله لهم , كما لو اغتابهم , فإن وصلت إليهم فعليه الاعتذار لهم وطلب العفو.
وأما الحقوق المادية فلا تكفي التوبة بينه وبين ربه ولا يكفي معها الدعاء له، بل يجب إرجاع هذه الحقوق المادية لأصحابها، فإن لم يجدهم ردها لورثتهم.
فإن عجز عن إرجاعها لعدم معرفته بصاحب هذه الحقوق فليتصدق بها عنه، وإن كان عجزه لفقرٍ فيُرجى إن كانت توبته صادقة أن يؤدي الله تعالى، ويرضي صاحب الحق، وإن شاء الله ذلك لم يعاقبه لا في القبر ولا في الآخرة.
وأما مع عدم التوبة فإن الله تعالى يعطي صاحب الحق من حسنات المعتدي، فإن فنيت حسناته أُخذ من سيئات المظلوم وألقيت على المعتدي، وهذا هو الإفلاس الحقيقي، مع ما قد يعاقبه الله تعالى به بسبب تعديه على الشرع.
جاء في "روضة الطالبين" (11/247,246) :
" وإن تعلق بها – أي: بالمعصية - حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس: وجب مع ذلك –أي: مع التوبة - تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت ويغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل المستحق فيبرئه.
ويجب أن يَعلم المستحق إن لم يعلم به وأن يُوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك، فإن مات سلَّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره: دفعه إلى قاضٍ تُرضى سيرته وديانته، فإن تعذر: تصدَّق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ...
وإن كان معسراً: نوى الغرامة إذا قدر فإن مات قبل القدرة: فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة.
قال النووي: قلت: ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة، وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها.
فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات أو أتلف شيئاً خطأ وعجز عن غرامته حتى مات: فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه، والمرجو أن الله تعالى يعوِّض صاحب الحق ...
وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب: فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار، وإن بلغته … فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة: استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة، هكذا ذكره الحناطي " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/64)
تاب من الذهاب إلى النوادي الليلة وعليه فاتورة حساب فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قام شخص بالذهاب إلى نادي ليلي ولم يدفع الحساب – الفاتورة - حيث إنه خرج من هذا المكان فجأة نتيجة حدوث " هوشة " في هذا المكان فماذا يفعل الآن وقد تاب ولم يعد يذهب إلى تلك الأماكن الآن إطلاقاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، ونسأل الله أن تكون توبة صادقة، يحصل بها الندم على ما فعلتَ، وتعزم بها على عدم العوْدة له.
ولو كان الحق الذي في ذمتك مباح الكسب كشرائك لطعام أو استئجارك لمنزل لوجب عليك رد الثمن والمال المترتب في ذمتك لأصحابه، لكن لمَّا كان ما فعلتَه محرماً لم يكن لصاحب النادي الليلي الحق في مالك، وليس لك أن تنتفع بالمال الذي ترتب عليك.
لذا فإن الواجب عليك أن تتصدق بهذا المال الذي في ذمتك للناس.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (4642) عن الشيخ ابن عثيمين أنه أفتى بذلك من حلق لحيته – وهو أمر محرم – ولم يدفع للحلاق ثمن حلاقته.
وهذا الأمر تفعله إذا لم يترتب عليك ضرر، فإن علموا بك ورفعوا أمرك للمحكمة، وألزموك بالدفع لهم: فادفع لهم وهم الذين يأثمون بالأخذ منك، ولا يلزمك التصدق إن دفعت لهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/65)
في خِصامٍ حادٍّ، أخبر عن نفسِه أنَّه كفر، فما الحُكمُ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حينَما ازدادَ نقاشِي مع أحدِ أقاربي لفظت بقولِ: "أنا كفرت "، ولطمتُ على وجهي، مع العِلمِ أَنِّي نادمٌ على ما حدث، فأريدُ التوجيهَ والإرشادَ، وما حكمُ الدينِ في ذلك؟ وهل عليَّ كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، ونسألُ الله العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة، ونسألُه حسنَ الختامِ والوفاةَ على الإيمان.
اعلم - أخي السائل - بأنَّك وقعتَ في أعظمِ ذنبٍ وأقبحِ معصيةٍ، وهي معصيةُ الكفرِ والردَّةِ، والعياذ بالله تعالى.
وهذه الكلمةُ التي ذكرتَ عن نفسِك، صريحةٌ في الكفرِ والردةِ، والعلماءُ يقولون:
عندَ ظهورِ لفظِ الكفرِ يُحكَمُ بالردةِ (إن كان يعلم معنى الكلمة) ، ولا يُسأل عن نيته، كما قالَ تعالى:
(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/65.
فأخبرَ سبحانَه أنهم كفروا بعدَ إيمانهم، مع قولِهم: إنا تكلمنا من غيرِ اعتقاد، بل كنَّا نخوض ونلعب.
قال ابنُ نُجَيم:
" إنَّ من تكلَّمَ بكلمةِ الكفرِ هازلا أو لاعبًا كفرَ عند الكلِّ، ولا اعتبارَ باعتقادِه " انتهى.
"البحر الرائق" (5/134) ، وانظر: "نواقض الإيمان القولية والعملية" (ص95) .
وقال الشيخُ ابنُ عثيمين:
" وإن أتى بقولٍ يُخرجُه عن الإسلامِ، مثلَ أن يقول: هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو مجوسيٌّ أو بريءٌ من الإسلام، أو من القرآنِ أو النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ فهو كافرٌ مرتدٌ، نأخذه بقولِه هذا " انتهى.
"الشرح الممتع" (6/279) .
والردُّة أمرُها خطيرٌ وشأنُها عظيم، فقد اختلفَ العلماءُ فيمن ارتدَّ ثم تاب، هل يبقى له من ثوابِ أعمالِه السابقةِ شيءٌ، أم تحبط كلُّها بالردة؟
وقد سئلَ الشيخُ الفوزانُ السؤالَ التالي:
ما الحكمُ فيمن ارتدَّ عن الإسلامِ ثم عاد إليه، هل يعيدُ ما فاتُه من أعمالٍ من أركانِ الإسلامِ، كالحجِّ والصومِ والصلاةِ، أم تكفي توبتُه وعودتُه إلى الإسلامِ؟
فأجابَ:
" الصحيحُ من قولي العلماء: أن المرتدَّ إذا عادَ إلى الإسلامِ، ودخلَ في الإسلامِ مرةً أخرى تائبًا منيبًا للهِ تعالى، فإنه لا يعيدُ الأعمالَ التي أدَّاها قبلَ الردةِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى اشترطَ لحبوطِ الأعمالِ بالردَّةِ أن يموتَ الإنسانُ عليها.
قالَ تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217.
فَشَرَطَ لحبوطِ الأعمالِ استمرارَ الإنسانِ على الردةِ حتى يموتَ الإنسانُ عليها، فدلت الآيةُ بمفهومِها على أنَّ الإنسانَ لو تابَ فإنَّ أعمالَه التي أدَّاها قبلَ الردةِ تكونُ صحيحةً ومُجزيةً إن شاءَ الله تعالى " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (5/429) .
وأما لطم الوجه فهو من أعمال الجاهلية التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم , وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله فقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) رواه البخاري (1294) , وهذا يدل على أن لطم الخدود كبيرة من كبائر الذنوب.
وحيث قد ندمت على ما فعلت فنرجو من الله تعالى أن يقبل توبتك , فعليك أن تنطق الشهادتين لتدخل بذلك في الإسلام بعد أن خرجت منه , ولْتحسن العمل , وعليك بحفظ اللسان , فإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوى بها في النار سبعين خريفاً.
وأما الكفارة، فليس هناك كفارة لما بدر منك إلا التوبة والندم والعزم على عدم العودة إلى ذلك.
ونسأل الله أن يتقبل توبتك , ويرزقك الاستقامة على دينه.
والله اعلم.
راجع الأسئلة التالية: (1079) (5733) (42505) .
واللهُ أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/66)
حصل بينها وبين خطيبها بعض المنكرات فهل بزواجهما تغتفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنة تقريبا قد تمت خطبتي من شاب صالح، والآن قد عقد قراننا، ولكن كان قبل عقد القران كان يمسك يدي ويقبلني، وأنا أعلم أنه حرام شرعاً، فهل الآن قد غفر الله لي من بعد عقد قراننا أم سيظل ذنبا ويجب الاستغفار منه والتكفير عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يطلق لفظ " الخطوبة " عند كثير من الناس على ما بعد العقد وقبل الدخول، فإن كان هذا هو المراد في السؤال، فلا حرج عليكما مما حدث بينكما، لأنه بمجرد العقد تصير المرأة زوجة للرجل، فلا حرج على كل منهما أن يستمتع بصاحبه.
وإن كان قصدكِ بالخطبة مجرد الوعد بالزواج والاتفاق عليه من غير حصول للعقد، فإنَّ ما حصل بينكما محرَّم، ولم تُبِح الشريعة في تلك الفترة أكثر من النظر حتى يعزم كل من الرجل والمرأة على الخطبة.
والواجب عليكما – في هذه الحال – التوبة والاستغفار والندم على هذه الأفعال، ولا يكفي عقد القران بينكما لتكفير هذه السيئات، بل الواجب التوبة والاستغفار.
وأما الكفارة؛ فليس هناك كفارة معينة لما حصل بينكما، غير أنه من المشروع لمن تاب أن يكثر من الأعمال الصالحة من صلاة النافلة والصيام والصدقة ونحو ذلك، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وللاستزادة: يمكن الرجوع إلى أجوبة الأسئلة: (3215) و (12182) و (2572) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/67)
هل فعل الكبائر يمنع قبول التوبة والطاعات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة، ولكن تملَّكني الشيطان فترة، وارتكبت الكبائر، ولكني الآن نادمة، ولجأت إلى الله، وتبت إليه، ولكن سمعت أنه لا ينفع لي صوم ولا صلاة لأني فعلت أكبر الكبائر، فهل هذا صحيح؟ وهل فعلاً أن الله لن يقبل توبتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقكِ للتوبة، ونسأله عز وجل أن يثبتكِ على دينه، وأن يحسن عاقبتكِ، واعلمي أنك في نعمة عظيمة تحتاج إلى شكر الله تعالى، فكم من عاصٍ مات ولم يتب، وكم من ضال هلك قبل أن يرجع إلى ربه، ولا شك أن توفيق الله لك للتوبة أمر عظيم في حياتك فينبغي أن يكون هذا الوقت وقت انطلاق في الطاعة، وبذل لمزيد من الجهد في العبادة.
واعلمي أن ما سمعتيه من عدم قبول التوبة والصلاة والصيام لمن عمل الكبائر قول منكر، وهو قول على الله بغير علم، فقد دلت الأدلة الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن الله تعالى يقبل من عبده التوبة من جميع الذنوب مهما عظمت، وأنه لا يجوز لأحدٍ أن يحول بين العبد وبين التوبة مهما بلغت ذنوبه كثرة وقبحاً.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وقال عز وجل – في بيان مغفرته لأعظم الذنوب -: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68– 70.
وهي واضحة الدلالة على مغفرة الله تعالى للذنوب جميعاً – ولو كانت شركاً – بل إن فيها بياناً لفضل عظيم وهو تبديل السيئات حسنات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب بل يغفر الشرك وغيره للتائبين كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، وهذه الآية عامَّة مطلقة لأنَّها للتائبين " انتهى. "مجموع الفتاوى" (2/358) .
وروى البخاري ومسلم (2766) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ (يعني حكماً) فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ.
وروى الترمذي (3540) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى ابن ماجه (4250) عَنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) . حسنه الألباني في صحي ابن ماجه.
فهذه الآيات والأحاديث تدل على ن الله تعالى يغفر جميع الذنوب مهما عظمت وكثرت لمن تاب إليه.
فاحرصي على العبادة والطاعة، واندمي على ما فات من تفريط ومعاص، واعلمي أن الله تعالى غني عن عباده ومع ذلك يفرح بتوبتهم، بل ويبدل سيئاتهم حسنات.
ونسأل الله تعالى أن يعينكِ على ذِكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/68)
فضائل الأعمال لا تكفر حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) هل يدخل في ذلك الذنوب التي ارتكبها المرء متعمداً في حق إخوانه المسلمين وندم عليها أشد الندم ولكنه لا يستطيع أن يعترف لهم بما فعله معهم لأن ذلك سيؤدي إلى الكثير من المشاكل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مكفرات الذنوب كثيرة، منها: التوبة والاستغفار والقيام بالطاعات، وإقامة الحدود على من فعل ما يوجب حدّاً، وغير ذلك.
وفضائل الأعمال كالصلاة الصيام والحج وغيرها لا تكفر إلا الصغائر عند جمهور أهل العلم، وتكفر حقوق الله فقط.
أما المعاصي المتعلقة بحقوق العباد فإنها لا تُكَفَّر إلا بالتوبة منها، ومن شروط التوبة منها: رَدُّ المظلم إلى أهلها.
روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلا الدَّيْن) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لا يُكَفِّر حُقُوق الآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى.
وقال ابن مفلح في "الفروع" (6/193) :
" وتكفر الشهادة غيرَ الدين. قال شيخنا (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله) : وغير مظالم العباد كقتل وظلم " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/129) :
" التوبة بمعنى الندم على ما مضى والعزم على عدم العود لمثله لا تكفي لإسقاط حق من حقوق العباد، فمن سرق مال أحد أو غصبه أو أساء إليه بطريقة أخرى لا يتخلص من المسائلة بمجرد الندم والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود , بل لا بد من رد المظالم , وهذا الأصل متفق عليه بين الفقهاء " انتهى.
هذا فيما يتعلق بالحقوق المادية كالمال المأخوذ غصباً أو باحتيال، أما الحقوق المعنوية كالقذف والغيبة فإن كان المظلوم قد علم بالظلم فلا بد من الاعتذار إليه وطلب المسامحة، وإن لم يكن علم بذلك فإنه لا يُعْلِمُه، بل يدعو ويستغفر له، لأن إخباره بذلك قد يسبب نفوراً ويوقع بينهما العداوة والبغضاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وفي الحديث الصحيح: (من كان عنده لأخيه مظلمة في دم أو مال أو عرض فليأته فليستحل منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار إلا الحسنات والسيئات. فإن كان له حسنات وإلا أُخِذَ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم يلقى في النار) أو كما قال. وهذا فيما علمه المظلوم، فأما إذا اغتابه أو قذفه ولم يعلم بذلك فقد قيل: من شرط توبته إعلامه. وقيل: لا يشترط ذلك، وهذا قول الأكثرين وهما روايتان عن أحمد. لكن قوله (في) مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات كالدعاء له والاستغفار وعمل صالح يُهدى إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه. قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (18/189) .
وقال علماء اللجنة الدائمة في رجل سرق مالا من عبدٍ:
إن كان يعرف العبدَ أو يعرف من يعرفه: فيتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه: فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده: ضمنها له وصارت له الصدقة، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها. "فتاوى إسلاميَّة" (4/165) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/69)
التوبة من الاقتراض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بأخذ قرض من بنك وذلك لظروف مادية شديدة لأني أردت أن أجهز شقة الزوجية مع العلم بأن هذه الشقة لا يوجد بها أدنى أنواع التظاهر فهي شقة بسيطة جدا. وأنا مدرس وتم تحويل راتبي إلي هناك علي أن يخصم منه مبلغ كل شهر وذلك خلال 5 سنوات حتى ينتهي القرض ومر عامان ونصف وعزمت على أن أذهب إلي البنك وأغلق هذا القرض لأني أشعر أن كل ما يحدث أي شئ أشعر أنه بسب هذا القرض. ولكن اكتشفت أن المبلغ المراد سداده ما زال فوق قدراتي بالإضافة إلي أني كنت أنوي العمرة هذا العام أنا وزوجتي وابني وابنتي فهل يجوز أن أسافر لأداء العمرة متمنيا من الله شفاء ابني المريض وأعود لأنهي ذلك القرض في شهر 11 القادم إن شاء الله أم ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الاقتراض بالربا، من البنك أو غيره، ولو كان ذلك لتجهيز منزل الزوجية؛ لما ورد في الربا من التحريم المؤكد، والوعيد الشديد، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ , وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا " انتهى من "المغني" (6/436) .
والواجب على من اقترض بالربا أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما فات، ويعزم عزما أكيدا على عدم العود إلى هذا الذنب العظيم، والجرم الخطير، الذي ورد فيه من الوعيد ما لم يرد في غيره، نسأل الله العافية.
ثم إنه لا يلزمك شرعا إلا سداد رأس المال، أما الزيادة المحرمة فلا تلزمك، ولا يجوز للمقرض أخذها منك؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) . لكن إن خشيت الضرر والمساءلة بعدم دفع الفائدة، فادفعها، مع توبتك إلى الله تعالى وكراهتك لهذا المنكر العظيم.
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ما نصه: اقترضت من أحد الأصدقاء مبلغ مائة جنيه على أن أوفيه بعد سنة مائة وخمسين، وحينما حان وقت الوفاء حاولت إعطاءه مائة فقط ولكنه أصر على أخذ زيادةٍ قدرها خمسون جنيهًا مقابل التأجيل، فما الحكم في هذه الزيادة؟ وإن كان هذا من قبيل الربا فهل علي أنا إثم وكيف أتخلص من ذلك علمًا أن تلك النقود التي اقترضتها منه قد اختلطت مع مالي فماذا عليَّ أن أفعل؟
فأجاب: " الله سبحانه وتعالى حرم الربا وشدد الوعيد فيه، قال سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة/275 , إلى أن قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/ 278، 279.
والربا له صور وأنواع ومن أنواعه هذا الذي ذكرته في السؤال وهو القرض بالفائدة؛ لأن القرض الشرعي هو القرض الحسن الذي تقرض به أخاك لينتفع بالقرض ثم يرد عليك بدله من غير زيادة مشترطة ولا نقص , هذا هو القرض الحسن، أما القرض الذي يجر نفعًا أو القرض الذي يقصد من وراءه الزيادة الربوية فهذا حرام بإجماع المسلمين، حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وعلى فاعله الوعيد الشديد، فالواجب هو رد مثل المبلغ الذي اقترضه أما الزيادة التي اشترطها عليك وأخذها منك فهي حرام وربًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، فلعن صلى الله عليه وسلم من أكل الربا ومن أعانه على أكله من هؤلاء، فهذا الذي فعلتموه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وعليكم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعليه هو أن يرد عليك هذه الزيادة التي أخذها منك لأنها لا تحل له، وأنت فعلت محرمًا بإعطائه الزيادة، وكان الواجب عليك أن تمتنع من إعطائه الزيادة. . . . فهذا الذي أقدمتما عليه هو صريح الربا، فعليكما جميعًا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وعدم الرجوع إلى هذا التعامل، وعلى الآخر أن يرد الزيادة التي أخذها، والله أعلم " انتهى من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5/210) .
واعلم أنه كلما عجلت بالتخلص من هذا القرض كان ذلك أفضل وأحسن وأبرأ؛ لتتخلص من الربا وآثاره.
ولذلك فالأولى لك أن تبادر بسداده، وأن توفر الأموال التي ستنفقها لأداء العمرة للتخلص من هذا الدين.
نسأل الله أن يشفي ولدك، ويفرج كربك، ويغنيك بالحلال عن الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/70)
زنا ويؤنبه ضميره ويريد التخلص من الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أعزب، لكني أعيش في أمريكا. لقد وقعت في الزنا عدة مرات مع نفس المرأة. والآن، فإنها حامل. وأريد أن أعرف إن كان علي أن أتزوج بها كي أحل المشكلة (أعني أغطي الفضيحة) وحتى يجد المولود أبا يعطيه اسمه. الواقع أني أفضل أن تتخلص المرأة من الحمل، للأسف، وأتمنى أن أقنعها بذلك، لكني لا أعرف إن كان ذلك يعتبر قتلا للنفس. وإذا كان كذلك، فسأشعر بالذنب من جرائه. أنا أظن أن الجنين في أسبوعه السادس إلى الثامن تقريبا. أرجوك، فأنا أحتاج إلى مساعدتك في هذا الخصوص في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أخي المسلم، أحسن الله عزاءك في إيمانك الذي فقدته حال ارتكابك للزنا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري رقم (2475) .
ألم يمر بك قول ربك سبحانه وتعالى في كتابه: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
ألم تعلم بأن الله يراك حيث كنت.. ويسمعك إن تكلمت..
ألا تتذكر نعم الله العظيمة عليك فهو الذي يشفيك إن مرضت.. ويُطعمك إن جعت.. ويسقيك إن ظَمِئْت ووفقك لأعظم نعمة أنعم بها على الناس، نعمة الإسلام. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
أخي.. تأمل في نفسك.. تعيش في مُلْكِ مَنْ؟.. تأكل مِنْ رزق مَنْ؟ .. تعيش بأمر مَنْ؟
أليس مُلك الله؟ أليس رزق الله؟ أليس أمر الله؟ .. فكيف تعصي الله؟
لعلك غفلت عن الحديث العظيم والذي فيه: ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ قَالَ قَالا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ... قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) .
فعليك يا أخي أن تبادر بالتوبة النصوح قبل أن يَحِلَّ بك الموت، فإن باب التوبة مفتوح إلى طلوع الشمس من مغربها أو بلوغ الروح الحلقوم.وإن الله ليفرح بتوبة عبده، ويبدل سيئاته إلى حسنات قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) سورة الفرقان/68-71.
ثانياً: أما قولك " هل يجب علي أن أتزوجها "
فهذه مسألة: (زواج الزاني بالمزني بها) والجواب: أنه لا يجوز زواجه منها ولا زواجها منه حتى يرتفع وصف الزنا عن كل منهما ولا يرتفع إلا بالتوبة.
فلا يجوز لك نكاحها ولو كانت يهودية أو نصرانية لأنها زانية، وإن كانت مسلمة فلا يجوز لك نكاحها أيضاً لأنها زانية، ولا يجوز لها أن تقبلك زوجاً؛ لأنك زانٍ؛ وقد قال الله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) سورة النور/3.
فقوله تعالى (وَحُرِّمَ ذلك على المؤمنين) دليل على حرمة هذا النكاح.
" والواجب على كل منكما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة ويندم على ما حصل من فعل الفاحشة، ويعزم على ألا يعود إليها، ويكثر من الأعمال الصالحة، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَاَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) سورة الفرقان/68-71.
وإذا أردت أن تتزوجها وجب عليك أن تستبرئها بحيضة قبل أن تعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز لك العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها عملاً بحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الإنسان ماءه زرع غيره." ا. هـ. فتاوى اللجنة الدائمة في مجلة البحوث الإسلامية (ج/9، ص/72) .
ثالثاً: قولك "حتى يجد الولد أباً يعطيه اسمه " هذه مسألة نسب ولد الزنى بمن يُلحق؟
والجواب:
ذهب جمهور العلماء إلى أن ولد الزنا لا يلحق الزاني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) متفق عليه (البخاري 2053 - مسلم 1457) المغني لابن قدامة (ج/7، ص/129) .
رابعاً: قولك "أُفضل أن تتخلص المرأة من الحمل" هذه مسألة الإجهاض وحكمه كما قرر مجلس هيئة كبار العلماء رقم/140، وتاريخ 20/6/1407هـ ما يلي:
1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاءً بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز.
3- لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أُمه بأن يُخشى عليها الهلاك من استمراره جاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
بعد الطور الثالث وبعد إكمال الأربعة أشهر لا يحل لك إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإبقاء حياته، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلباً لعظمى المصلحتين." ا. هـ. نقلاً من الفتاوى الجامعة (ج/3، ص/1055) .
نسأل الله السلامة والعافية وأن يتوب علينا، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(7/71)
حكم أخذ أموال الكفار غدراً
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش في إحدى الدول الغربية، وكان أحد الإخوة يتلقى مالاً من قبل الحكومة تحت نظام يسمى " الخدمة الاجتماعية "، وقد تعاقد معهم على شروط معينة منها: أن يخبرهم بأي مبلغ يدخل عليه من أي جهة، ولكنه بعد مدة تحصل على عمل ولم يستلم أي مبلغ من صاحب العمل إلا بعد أربعة أشهر، وفي خلال هذه الأربعة أشهر لم يبلغهم بشيء لأنه لم يستلم شيئاً، ولكنه في الشهر الخامس استلم ماله من صاحب العمل كاملاً، ولكنه أنفقه كله في سداد ديْن عليه، ثم بعد ذلك أخبر المسئول عليه في " الخدمة الاجتماعية " أنه تحصل على عمل وترك الخدمة، فما حكم المال الذي استلمه في الأربعة الأشهر؟ هل عليه رده للحكومة - علما بأنه كان مشروطا عليه أن يخبرهم عن ديْنه ولم يفعل -؟ والأمر الآخر أنه لا يملك المبلغ الذي أخذه كاملاً، والثالث: أنه إذا أخبرهم الآن قد يصل الأمر إلى الشرطة ويكون في مشكلة كبيرة وقد يعفى عنه، وذلك حسب الشخص الذي يكون مسئولا على ذلك، علما بأن الأخ نادمٌ على ذلك ويريد الخلاص.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخذ أموال الكفار على سبيل الغدر والخيانة محرَّم؛ لأن الغدر محرم في الإسلام سواء مع المسلم أم مع الكافر.
والواجب على المسلم احترام العقد الذي بينه وبين تلك البلاد، حتى لو كانت كافرة، فإن كفرها لا يبيح نقض عهدها ولا خيانتها وأكل أموالها بالباطل.
وكان الواجب على الأخ أن يعترف بعمله بغض النظر عن ديْنه الذي كتمه عنهم.
وإذا وفق اللهُ المسلمَ للتوبة من أخذ أموال الناس بغير حق، فمن شروط هذه التوبة إرجاع الحقوق إلى صاحبها وإن كان كافراً، فإن كان هناك خوف من الفضيحة أو مضايقات جنائية في رد الحق إلى مكتب الخدمة الاجتماعية: فإنه يجوز له أن يبحث عن الطريقة المناسبة التي تحفظ له كرامته ويُرجع فيه الحق لأهله من غير أن يحرج نفسه بأن يرسل له المبلغ بالبريد أو يوكل أحداً بإبلاغها دون أي يذكر اسمه وما فعله معهم؛ وذلك لأنه لا يشترط على من أراد أن يرجع الحقوق لأهلها أن يكشف عن نفسه وهويته؛ إذ المقصود هو رجوع الحق إلى صاحبه.
ولمعرفة الأدلة على هذا الحكم، وأقوال العلماء، وما يجب عليه بعد التوبة: انظر أجوبة الأسئلة: (47086) و (7545) و (14367) و (31234) .
وكونه لا يملك هذا المبلغ كاملاً، فإنه يرد ما معه الآن ويكون الباقي دَيْناً لذمته يلزمه رده متى استطاع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/72)
كان يأخذ أغراضاً من العمل فكيف يتصرف بعد التوبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف بمؤسسة حكومية، وكنت آخذ بعض الأقلام والورق الأبيض الفارغ وبعض الدباسات والطامس الأبيض وأذهب بها إلى المنزل، وبعد ذلك منَّ الله عليَّ بالتوبة والاستقامة والحمد لله، ولكن كيف أعمل بهذه الأدوات حتى يرتاح ضميري، علماً أني لا أتذكر من أي مكتب أخذتها. فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى حفظ الأمانة، وحرَّم أخذ أموال الناس بغير حق.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58
وعن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " … والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول اللهم هل بلغت؟ ". رواه البخاري (6578) ومسلم (1832) .
والحمد لله الذي منّ عليك ووفقك للتوبة، وهذا من نِعم الله تعالى عليك التي يستحق الشكر عليها، فاحمد الله تعالى واسأله المزيد من فضله وتوفيقه.
ولا يلزمك أن تكشف نفسك للمؤسسة، بل يكفيك أن تُعيد الأغراض نفسها أو ما يُماثلها بأي طريقة كانت، فإن لم تتمكّن من ردّها فإنك تتصدق بقيمتها في أعمال البر.
وعليك تحرّي المكتب الذي أخذتها منه، فإن لم يمكنك معرفته فيكفيك – إن شاء الله تعالى – إعادتها إلى المؤسسة نفسها.
سئلت اللجنة الدائمة عن رجل كان يعمل بالقوات المسلّحة وأخذ معطفاً بدون إذن المسؤول. فأجابت:
يجب عليك ردّ مثيل للمعطف الذي أخذت أو قيمته إلى الجهة التي أخذت منها، وإذا لم تستطع فتصدّق بذلك على فقير. اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (23/430)
وانظر- للاستزادة - أجوبة الأسئلة: (43100) و (40019) و (33858) و (20062) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/73)
هل يقبل الله توبة العبد كلما أذنب وتاب حتى لو عاد مرات كثيرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى متى يغفر الله تعالى لعبده الذنب، فإذا تاب واستغفر من ذنبه وعاد وفعل نفس الذنب مرة أخرى ثم عاد واستغفر وأذنب بعد فترة نفس الذنب وهكذا، أقصد هل الله تعالى يغفر له أم أن ذلك يعد أنه لم يصدق الله تعالى، خصوصا إذا عاد للذنب بعد فترة بسيطة لكنه لا يترك الاستغفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران/135، 136
قال ابن كثير:
وقوله {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} أي: تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ولم يستمروا على المعصية ويصروا مقلعين عنها ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه.
" تفسير ابن كثير " (1 / 408) .
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا....الحديث)
رواه البخاري (7507) ومسلم (2758) .
وقد بوَّب النووي – رحمه الله – على هذا الحديث قوله: باب " قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة ".
وقال في شرحه:
هذه المسألة تقدمت في أول كتاب التوبة , وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها , وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر , وتاب في كل مرة: قبلت توبته , وسقطت ذنوبه , ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها: صحت توبته.
" شرح مسلم " (17 / 75) .
وقال ابن رجب الحنبلي:
قال [عمر بن عبد العزيز] : " أيها الناس مَن ألمَّ بذنبٍ فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوَّقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك في الإصرار عليها ".
ومعنى هذا: أن العبد لا بد أن يفعل ما قدِّر عليه من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة ... " ولكن الله جعل للعبد مخرجاً مما وقع فيه من الذنوب، ومحاه بالتوبة والاستغفار، فإن فعل فقد تخلص من شر الذنوب، وإن أصر على الذنب هلك.
" جامع العلوم الحِكَم " (1 / 165) .
وكما يُبغض الله تعالى المعصية ويتوعد عليها بالذنب: فإنه لا يحب أن يقنط عباده من رحمته عز وجل، وهو يحب أن يستغفره العاصي ويتوب إليه، ويود الشيطان أن لو يقع يأس وقنوط من العبد العاصي حتى يصده عن التوبة والإنابة.
قيل للحسن البصري: ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملُّوا من الاستغفار.
انظر جواب السؤال: (9231) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/74)
سب الدين وهو في حالة غضب شديد
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل سب الدين هو في حالة غضب شديد، فما حكمه؟ وما هي شروط التوبة من هذا الفعل؟ وهل ينفسح نكاح زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحكم فيمن سب الدين الإسلامي أنه يكفر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله عز وجل وبدينه، وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عز وجل أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله، وأنهم كفروا به فقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66.
فالاستهزاء بدين الله، أو سب دين الله، أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة
ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه، لقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت توبةً نصوحاً استوفت شروط التوبة الخمسة، فإن الله يقبل توبته. وشروط التوبة الخمسة هي:
الشرط الأول: الإخلاص لله بتوبته، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة، أو خوفاً من مخلوق، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه ورجاء ثوابه، فقد أخلص لله تعالى فيها.
الشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى، ويراه أمراً كبيراً يجب عليه أن يتخلص منه.
الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه؛ فإن كان ذنبه تَرْكَ واجبٍ قام بفعله وتَدَارَكَه إن أمكن، وإن كان ذنبُه بإتيانِ محرمٍ أقلع عنه، وابتعد عنه، ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين، فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها.
الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد ألا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل، وفوات وقت القبول عام وخاص:
أما العام؛ فإنه طلوع الشمس من مغربها، فالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل، لقول الله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) الأنعام/158.
وأما الخاص؛ فهو حضور الأجل، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع لقول الله تعالى: (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18.
أقول: إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب - ولو كان ذلك سب الدين - فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها.
ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة، ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها، لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب، نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ماذا تقول، ولا تدري حينئذ أأنت في سماء أم في أرض، وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه، فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم عليك بالردة، لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به، يقول: الله تعالى في الأيمان: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) المائدة/89.
فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول، ولا يعلم ماذا خرج منه، فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه، بل هي باقية في عصمته.
ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأله رجل، فقال له: يا رسول الله، أوصني قال: (لا تغضب) فردد مراراً، قال: (لا تغضب) . فلْيُحْكِم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب غضبه. وما أكثرَ الذين ندموا ندماً عظيماً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم، ولكن بعد فوات الأوان" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/152) .(7/75)
مدمن مخدرات ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج أختي يتعاطى المخدرات ويريد أن يتوقف ولكنه لا يستطيع لأنه مدمن ولكنه والحمد لله يخشى الله سبحانه وتعالى.
أختي تريد أن تعرف ما تفعل فلديها 3 أبناء منه وتخشى أن تتركه فقد يسوء الحال ويتعاطى أكثر أو ينتحر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصح أختك أن تقف بجانب زوجها في توبته ومحاولته التخلص من إدمان المخدرات، وأن لا تتركه للذئاب البشرية التي تدمر كيانه وتحطم أركانه، فهو أحوج ما يكون إليها الآن.
ولا بدَّ من أن تستعين بالمراكز الطبيَّة المتخصصة في معالجة الإدمان، ولن يؤثر ذلك عليه، بل سيعينه على التخلص مما هو فيه من بلاء وشر.
فينبغي لها أن لا تتردد في هذا، وأن تسارع للاتصال بالمختصين في معالجة هذه القضايا، مع تذكيرها الدائم له بتقوى الله والخوف منه، وتذكيره بالموت ولقاء الله تعالى، مع ترغيبه بترك ما هو عليه، وإعطائه الأمل بالشفاء وقبول توبته من ربه تبارك وتعالى.
ونرجو مراجعة جواب السؤال (6540) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/76)
لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخافون من ربهم مع تبشيرهم بالجنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كان الصحابة المبشَّرون بالجنة يخافون الله أشد الخوف، على الرغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرهم بالجنة، بل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان أخوفهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ومِن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنَّة , وما اتفق عليه أهل السنَّة والجماعة من جميع الطوائف: أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال، والأقوال، والاعتقاد , وغيرها من كل فضيلة: أن خيرها: القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه , وأنهم أفضل من الخلَف في كل فضيلة، من علم وعمل، وإيمان، وعقل، ودين، وبيان، وعبادة , وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل، هذا لا يدفعه إلا مَن كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام , وأضله الله على علم، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " مَن كان منكم مستنّاً فليستنَّ بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد أبرُّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ".
وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته: " هم فوقنا في كل علم، وعقل، ودين، وفضل، وكل سبب ينال به علم، أو يدرك به هدى ".
" مجموع الفتاوى " (4 / 157، 158) .
ثانياً:
عبادة الله تعالى تتضمن الخوف، والرجاء، والمحبة له سبحانه تعالى؛ وهذا هو كمال الإيمان.
قال ابن القيم رحمه الله:
وسبب هذا: اقتران الخوف من الله تعالى بحبِّه، وإرادته , ولهذا قال بعض السلف: " مَن عبد الله تعالى بالحب وحده: فهو زنديق , ومن عبده بالخوف وحده: فهو حروري – أي: من الخوارج - , ومن عبده بالرجاء وحده: فهو مرجئ , ومن عبده بالحب والخوف والرجاء: فهو مؤمن.
وقد جمع الله تعالى هذه المقامات الثلاثة بقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه) الإسراء/ 57، فابتغاء الوسيلة هو محبته، الداعية إلى التقرب إليه، ثم ذكر بعدها الرجاء والخوف , فهذه طريقة عباده، وأوليائه.
" بدائع الفوائد " (3 / 522) .
ثالثاً:
لا يستغرب أن يكون الصحابة أشد الناس خوفاً من الله، فكلما ازداد العبد إيماناً: ازداد خوفه من الله، ألا ترى أن الله تعالى أثنى على أنبيائه، ورسله بهذه الصفة، قال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) الأحزاب/ 39،
وقال عن الملائكة الكرام: (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/ 28، وقال: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل/ 50.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالمَلإ الأَعْلَى وَجِبْريلُ كَالحِلْسِ البَالِي ِنْ خَشْيَةِ الله عزَّ وَجَلَّ) رواه الطبراني في " الأوسط " (5 / 64) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2289) .
والحلس البالي: الثوب البالي.
وهكذا كان حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال عن نفسه: (إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا) رواه البخاري (20) ومسلم (1108) .
قال ابن القيم رحمه الله:
والمقصود: أن الخوف من لوازم الإيمان، وموجباته، فلا يتخلف عنه، وقال تعالى: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) المائدة/ 44 , وقد أثنى سبحانه على أقرب عباده إليه بالخوف منه، فقال عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) الأنبياء/ 90، فالرغَب: الرجاء , والرغبة، والرهَب: الخوف، والخشية.
وقال عن ملائكته الذين قد أمَّنهم من عذابه: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل/ 50، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية) ، وفي لفظ آخر: (إني أخوفكم لله وأعلمكم بما أتقي) – رواه مسلم -، وكان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء – رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -.
وقد قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر/ 28، فكلما كان العبد بالله أعلم: كان له أخوف، قال ابن مسعود: وكفى بخشية الله علماً.
ونقصان الخوف من الله: إنما هو لنقصان معرفة العبد به؛ فأعرف الناس: أخشاهم لله , ومن عرف الله: اشتد حياؤه منه، وخوفه له، وحبه له , وكلما ازداد معرفة: ازداد حياء، وخوفاً، وحبّاً، فالخوف من أجلِّ منازل الطريق , وخوف الخاصة: أعظم من خوف العامَّة , وهم إليه أحوج، وهم بهم أليق، ولهم ألزم.
" طريق الهجرتين " (423، 424) .
فعلى ذلك فلما كان الصحابة أعلم، وأتقى لله، وأعرف به: استلزم ذلك عظم خوفهم منه تعالى، مع الرجاء، والمحبة، وهكذا حال الأنبياء الذين هم أعرف، وأعلم، وأتقى لله تعالى من غيرهم من الناس.
ويمكن تلخيص أسباب خوف النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام ممن بشِّر بالجنة، بما يلي:
1. أنهم عرفوا معنى عبادة ربهم تعالى، وكان خوفهم من الله تعالى هو تحقيق لركن من أركانها، مع تحقيق ركني الرجاء، والمحبة.
2. أنهم كانوا علماء بالله تعالى، ومن كان بالله أعلم كان منه أخوف.
3. بحثاً عن مزيد ثواب، وعظيم أجر، من ربهم تعالى، قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/ 46.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الخوف، والرجاء، والمحبة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/77)
كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه تعالى على نعمِه الكثيرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أفضل شيء يقوم به الإنسان لشكر الله على نعمه التي منّ بها علينا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الشكر هو: المجازاة على الإحسان، والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان، وأجل من يستحق الشكر والثناء على العباد هو الله جل جلاله؛ لما له من عظيم النعَم والمنن على عباده في الدِّين والدنيا، وقد أمرنا الله تعالى بشكره على تلك النعم، وعدم جحودها، فقال: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) البقرة/ 152.
ثانياً:
أعظم من قام بهذا الأمر، فشكر ربَّه، حتى استحق وصف " الشاكر " و " الشكور " هم الأنبياء والمرسلون عليهم السلام:
قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) النحل/ 120، 121.
وقال تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) الإسراء:/ 3.
ثالثاً:
ذكر الله تعالى بعض نعمه على عباده، وأمرهم بشكرها، وأخبرنا تعالى أن القليل من عباده من قام بشكره عز وجل.
1. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/ 172.
2. وقال تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) الأعراف/ 10.
3. وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الروم/ 46.
4. ومن النعم الدينية: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/ 6.
وغير ذلك كثير، وإنما ذكرنا هنا بعض تلك النِّعَم، وأما حصرها: فيستحيل، كما قال الله تعالى: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم/ 34، ثم منَّ الله علينا فغفر لنا تقصيرها في شكر تلك النعم، فقال: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/ 18.
والمسلم دائم الطلب من ربِّه تعالى أن يعينه على شكره تعالى؛ إذ لولا توفيق الله لعبده، وإعانته: لما حصل الشكر، ولذا شرع في السنَّة الصحيحة طلب الإعانة من الله على شكره تعالى.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) .
رواه أبو داود (1522) والنسائي (1303) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وكان الشكر على النِّعَم سبباً في زيادتها، كما قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/ 7.
رابعاً:
كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة؟ يكون الشكر بتحقيق أركانه، وهي شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الجوارح.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
الشكر يكون: بالقلب: خضوعاً واستكانةً، وباللسان: ثناءً واعترافاً، وبالجوارح: طاعةً وانقياداً.
" مدارج السالكين " (2 / 246) .
وتفصيل ذلك:
1. أما شكر القلب: فمعناه: أن يستشعر القلب قيمة النعم التي أنعمها الله على عبده، وأن ينعقد على الاعتراف بأن المنعم بهذه النعَم الجليلة هو الله وحده لا شريك له، قال تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) النحل/ 53.
وليس هذا الاعتراف من باب الاستحباب، بل هو واجب، ومن نسب هذه النعم لغيره تعالى: كفر.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولاً، واعترافاً، وبذلك يتم التوحيد، فمن أنكر نعَم الله بقلبه، ولسانه: فذلك كافر، ليس معه من ادين شيء.
ومَن أقر بقلبه أن النعَم كلها من الله وحده، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله، وتارة يضيفها إلى نفسه، وعمله، وإلى سعي غيره - كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس -: فهذا يجب على العبد أن يتوب منه، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها، وأن يجاهد نفسه على ذلك، ولا يتحقق الإيمان، والتوحيد إلا بإضافة النعَم إلى الله، قولاً، واعترافاً.
فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان: اعتراف القلب بنعَم الله كلها عليه، وعلى غيره، والتحدث بها، والثناء على الله بها، والاستعانة بها على طاعة المنعم، وعبادته.
" القول السديد في مقاصد التوحيد " (ص 140) .
وقال تعالى مبيناً حال من يجحد نسبة النعم لله تعالى: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) النحل/ 83.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
أي: يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك، وهو المتفضل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك، ويعبدون معه غيره، ويسندون النصر والرزق إلى غيره.
" تفسير ابن كثير " (4 / 592) .
2. وأما شكر اللسان: فهو الاعتراف لفظاً – بعد عقد القلب اعتقاداً – بأن المنعَم على الحقيقة هو الله تعالى، واشتغال اللسان بالثناء على الله عز وجل.
قال تعالى في سياق بيان نعمه على عبد محمد صلى الله عليه وسلم: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) الضحى/ 8، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى/ 11.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
أي: وكما كنت عائلا فقيراً فأغناك الله: فحدِّث بنعمة الله عليك.
" تفسير ابن كثير " (8 / 427) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا) .
رواه مسلم (2734) .
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
والحمد هنا بمعنى الشكر، وقد قدمنا: أن الحمد يوضع موضع الشكر، ولا يوضع الشكر موضع الحمد، وفيه دلالة على أن شكر النعمة - وإن قلَّت -: سببُ نيل رضا الله تعالى، الذي هو أشرف أحوال أهل الجنة، وسيأتي قول الله عز وجل لأهل الجنة حين يقولون: " أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: (ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟) فيقولون: ما هو؟ ألم تبيض وجوهنا، وتدخلنا الجنة، وتزحزحنا عن النار؟ ، فيقول: (أحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً) .
وإنما كان الشكر سبباً لذلك الإكرام العظيم لأنَّه يتضمَّن معرفة المنْعِم، وانفراده بخلق تلك النعمة، وبإيصالها إلى المنعَم عليه، تفضلاًّ من المنعِم، وكرماً، ومنَّة، وأن المنعَم عليه فقيرٌ، محتاجٌ إلى تلك النعَم، ولا غنى به عنها، فقد تضمَّن ذلك معرفة حق الله وفضله، وحقّ العبد وفاقته، وفقره، فجعل الله تعالى جزاء تلك المعرفة: تلك الكرامة الشريفة.
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (7 / 60، 61) .
ومن هنا قال بعض السلف: " مَن كتم النعمة: فقد كفَرها، ومن أظهرها ونشرها: فقد شكرها ".
قال ابن القيم – تعليقاً على هذا -:
وهذا مأخوذ من قوله: (إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة: أحب أن يَرى أثر نعمته على عبده) .
" مدارج السالكين " (2 / 246) .
ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله: تذاكروا النِّعَم، فإنَّ ذِكرها شكرٌ.
3. وأما شكر الجوارح: فهو أن يسخِّر جوارحه في طاعة الله، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام.
وقد قال الله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً) سبأ/ من الآية 13.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) .
رواه البخاري (4557) ومسلم (2820) .
قال ابن بطَّال – رحمه الله -:
قال الطبري: والصّواب في ذلك: أن شكر العبد هو: إقراره بأن ذلك من الله دون غيره، وإقرار الحقيقة: الفعل، ويصدقه العمل، فأما الإقرار الذي يكذبه العمل، فإن صاحبه لا يستحق اسم الشاكر بالإطلاق، ولكنه يقال شكر باللسان، والدليل على صحة ذلك: قوله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) سبأ/ 13، ومعلوم أنه لم يأمرهم، إذ قال لهم ذلك، بالإقرار بنعمه؛ لأنهم كانوا لا يجحدون أن يكون ذلك تفضلاًّ منه عليهم، وإنما أمرهم بالشكر على نعمه بالطاعة له بالعمل، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم حين تفطرت قدماه في قيام الليل: (أفلا أكون عبدًا شكوراً) .
" شرح صحيح البخارى " (10 / 183، 184) .
وقال أبو هارون: دخلتُ على أبي حازم، فقلت له: يرحمك الله، ما شكرُ العينين؟ قال: إذا رأيتَ بهما خيراً: ذكرته، وإذا رأيتَ بهما شرّاً: سترته، قلت: فما شكر الأذنين؟ قال: إذا سمعتَ بهما خيراً: حفظته، وإذا سمعتَ بهما شرّاً: نسيتَه.
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
الشكر على درجتين: إحداهما واجب، وهو أن يأتي بالواجبات، ويتجنب المحرمات، فهذا لا بد منه، ويكفي في شكر هذه النعم، ... .
ومن هنا قال بعض السلف:
" الشكر: ترك المعاصي ".
وقال بعضهم: " الشكر أن لا يُستعان بشيءٍ من النعَم على معصيته ".
وذكر أبو حازم الزاهد شكرَ الجوارح كلها: " أن تكف عن المعاصي، وتستعمل في الطاعات "، ثم قال: " وأما مَن شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه: فمثَلُه كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه، فلم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من البرد، والحر، والثلج، والمطر ".
الدرجة الثانية من الشكر: الشكر المستحب، وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض، واجتناب المحارم: بنوافل الطاعات، وهذه درجة السابقين المقربين ... .
" جامع العلوم والحكم " (ص 245، 246) .
والخلاصة:
أنه حتى تكون شاكراً لربك تعالى على ما أنعم عليك: فإنه يجب عليك الاعتراف بقلبك أن واهب هذه النعم، ومسديها هو الله تعالى، فتعظمه، وتنسبها إليه، وأن تعترف بذلك بلسانك، فتشكره بعد الاستيقاظ من النوم أن وهب لك الحياة، وبعد الطعام والشراب أن رزقك إياهما وتفضل بهما عليك، وهكذا في كل نعمة تراها على نفسك.
وتشكره بجوارك بأن لا تجعلها ترى، ولا تسمع، معصية، أو منكراً، كغناء، أو غيبة، ولا تمش برجليك إلى أماكن محرَّمة، ولا تستعمل يديك في منكر، ككتابة محرمة في علاقة مع نساء أجنبيات، أو كتابة عقود محرمة، أو القيام بصنعة أو عمل محرَّم،
ومن شكر النعم بالجوارح: تسخيرها في طاعة الله تعالى، بقراءة القرآن، وكتب العلم، وسماع النافع والمفيد، وهكذا باقي الجوارح تسخرها في الطاعات المختلفة.
واعلم أن شكر النعَم نعمة تحتاج لشكر، وهكذا يبقى العبد متقلباً في نعَم ربِّه، وهو يشكر ربه على تلك النعم، ويحمده أن وفقه إلى أن يكون من الشاكرين.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/78)
كيف تبكي من خشية الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل لي عين لا تدمع فكيف أجعلها تدمع من خشيه الله تحقيقا للحديث " عينان لا تمسهما النار - وذكر " عين بكت من خشية الله "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أخي السائل أن هذا الشعور منك بالتأسف على فوات هذا الخير علامة ومؤشر على خير كبير، وأعلم ـ أخي ـ أن المسلم يستطيع أن يعوِّد نفسه على البكاء من خشية الله، وذلك من خلال هذه المحطات:
1. استشعار الخوف من الله تعالى.
إن هذا البكاءُ ثمرةُ العلمِ النافع، كما قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ) الإسراء/109:
" هذه مبالغةٌ في صفتهم ومدحٌ لهم؛ وحُقَّ لكلّ من توسّم بالعلم وحصّل منه شيئاً أن يجري إلى هذه المرتبة؛ فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذلّ، وفي مسند الدّارميّ عن أبي محمد عن التَّيْميّ قال: من أُوتيَ من العلم ما لم يبُْكِهِ لخليقٌ ألا يكون أُوتي علماً؛ لأن الله تعالى نعت العلماء، ثم تلا هذه الآية، ... ". " الجامع لأحكام القرآن " 10/341-342.
2. قراءة القرآن وتدبر معانيه.
قال تعالى: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) الاسراء/107-109 وقال عز وجل: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) مريم/58 عَن ابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ: قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ ، قالَ: " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً) قال: " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ. رواه البخاري (5050) ومسلم (800) .
3. معرفة عظيم الأجر على البكاء وخاصة في الخلوة.
عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه – قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " لا َيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ ". رواه الترمذي (1633) والنسائي (3108) . وصححه الألباني.
وقوله " حتى يعود اللبن في الضرع ": هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) "تحفة الأحوذي "
وعنه قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ فَقَالَ: إِنّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ". رواه البخاري (660) ومسلم (1031) .
ويمتاز البكاء في الخلوة على غيره، لأن الخلوة مدعاة إلى قسوة القلب، والجرأة على المعصية، وبعيدة عن احتمال الرياء، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها، واستشعر عظمة الله فاضت عيناه، فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
4. التفكر في حالك وتجرؤك على المعصية والخوف من لقاء الله على هذه الحال.
كان بعض الصالحين يبكي ليلاً ونهاراً، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف أن الله تعالى رآني على معصية، فيقول: مُرَّ عنى فإني غضبان عليك، ولهذا كان سفيان يبكي ويقول أخاف أن أسلب الأيمان عند الموت.
وهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد - وكان جاراً له – يقول: كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه، فأتيت أهله، فقلت: ما شأنه؟ يبكي إذا أمسى، ويبكي إذا أصبح؟! قال: فقالت لي: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسي.
لقد كان السلف كثيري البكاء والحزن، فحين عوتب يزيد الرقاشى على كثرة بكائه، وقيل له: لو كانت النار خُلِقتْ لك ما زدت على هذا؟! قال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن والإنس؟ وحين سئل عطاء السليمي: ما هذا الحزن؟ قال: ويحك، الموت في عنقي، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي، وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي.
وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته: ما شأنه؟ قالت: زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد.
وانتبه الحسن ليلة فبكى، فضج أهل الدار بالبكاء، فسألوه عن حاله فقال: ذكرت ذنبا لي فبكيت.
وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي.
وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً، فقيل له: ما بكاؤك؟ فقال: لا أدري على ما أقدم، أعلى رضا أم على سخط؟ .
وقال سعد بن الأخرم: كنت أمشي مع ابن مسعود فمَّر بالحدَّادين وقد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي.
5. استشعار الندم والشعور بالتفريط في جنب الله.
فدموعُ التائبين في جُنْحِ الليلِ تروي الغليل، وتشفي العليل، كما قال شيخ المفسِّرين أبو جعفر الطبري في تأويل قوله تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ) النجم/59 – 61:
" لا تبكون مما فيه من الوعيد لأهل معاصي الله؛ وأنتم من أهل معاصيه، (وأنْتُمْ سامِدُونَ) يقول: وأنتم لاهون عما فيه من العِبَر والذِّكْر، مُعْرِضُون عن آياته! ". " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " 27/82.
6. البكاء من الشفقة من سوء الخاتمة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحِجْر قال: " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسَهم أن يُصيبكم ما أصابهم؛ إلا أن تكونوا باكين "، ثم قنّع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وأسرع المشيَ حتى أجاز الوادي) . رواه البخاري (3380) ومسلم (2980) .
وقد ترجم النووي لهذا الحديث بقوله: (باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتحذير من الغفلة عن ذلك) . " رياض الصالحين " ص373.
7. سماع المواعظ المؤثرة والمحاضرات المرققة للقلب.
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ـ وهو أحد البكّائين ـ قال: (وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب) . رواه الترمذي (2676) وأبو داود (4607) وابن ماجه (42) .وصححها الألباني
وفقنا الله وإياك لما يحب ربنا ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/79)
ما هي علامات حب الله للعبد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علامات حب الله للعبد؟ . وكيف يكون العبد على يقين تام بأن الله جل وعلا يحبه وعلى رضا تام لهذا العبد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد سألت عن عظيم.. وأمرٍ جسيم.. لا يبلغه إلا القلائل من عباد الله الصالحين..
فمحبة الله " هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون.. وإليها شخص العاملون.. إلى عَلَمها شمر السابقون.. وعليها تفانى المحبون.. وبِرَوحِ نسيمها تروَّح العابدون.. فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح.. وقرة العيون..
وهي الحياة التي من حُرِمها فهو من جملة الأموات.. والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات.. والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه الأسقام.. واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام..
وهي روح الإيمان والأعمال.. والمقامات والأحوال.. التي متى خَلَت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه "
فاللهم اجعلنا من أحبابك
ومحبة الله لها علامات وأسباب كالمفتاح للباب، ومن تلك الأسباب:
1 - اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى في كتابه الكريم {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} .
2 – 5 - الذل للمؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه.
وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} .
ففي هذه الآية ذكر الله تعالى صفات القوم الذين يحبهم، وكانت أولى هذه الصفات: التواضع وعدم التكبر على المسلمين، وأنهم أعزة على الكافرين: فلا يذل لهم ولا يخضع، وأنهم يجاهدون في سبيل الله: جهاد الشيطان، والكفار، والمنافقين والفساق، وجهاد النفس، وأنهم لا يخافون لومة لائم: فإذا ما قام باتباع أوامر دينه فلا يهمه بعدها من يسخر منه أو يلومه.
6 - القيام بالنوافل: قال الله عز وجل – في الحديث القدسي -: " وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه "، ومن النوافل: نوافل الصلاة والصدقات والعمرة والحج والصيام.
8 - 12 - الحبّ، والتزاور، والتباذل، والتناصح في الله.
وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: " حقَّت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ ". رواه أحمد (4 / 386) و (5 / 236) و " التناصح " عند ابن حبان (3 / 338) وصحح الحديثين الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (3019 و 3020 و 3021) .
ومعنى " َالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ " أي أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي ذَاتِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ مِنْ مَحَبَّةٍ لِوَجْهِهِ أَوْ تَعَاوُنٍ عَلَى طَاعَتِهِ.
وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ " أي يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ." انتهى من المنتقى شرح الموطأ حديث 1779
13- الابتلاء، فالمصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة على حب الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرّاً إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح: " إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الشيخ الألباني.
ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة، كيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة " رواه الترمذي (2396) ، وصححه الشيخ الألباني.
وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة.
فاللهم اجعلنا من أحبابك
فإذا أحبك الله فلا تسل عن الخير الذي سيصيبك.. والفضل الذي سينالك.. فيكفي أن تعلم بأنك " حبيب الله ".. فمن الثمرات العظيمة لمحبة الله لعبده ما يلي:
أولاً: حبُّ الناسِ له والقبول في الأرض، كما في حديث البخاري (3209) : " إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ".
ثانياً: ما ذكره الله سبحانه في الحديث القدسي من فضائل عظيمة تلحق أحبابه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رواه البخاري 6502
فقد اشتمل هذا الحديث القدسي على عدة فوائد لمحبة الله لعبده:
1- " كنت سمعه الذي يسمع به " أي أنه لا يسمع إلا ما يُحبه الله..
2- " وبصره الذي يبصر به " فلا يرى إلا ما يُحبه الله..
3- " ويده التي يبطش بها " فلا يعمل بيده إلا ما يرضاه الله..
4- " ورجله التي يمشي بها " فلا يذهب إلا إلى ما يحبه الله..
5- " وإن سألني لأعطينه " فدعاءه مسموع وسؤاله مجاب..
6- " وإن استعاذني لأعيذنه " فهو محفوظٌ بحفظ الله له من كل سوء..
نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته.......
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/80)
اللجوء إلى المدينة من الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف اللجوء إلى المدينة النبوية للنجاة من الفتن التي ظهرت واستفحلت ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد ثبت في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها " رواه البخاري برقم 6785، ومسلم برقم 1383
قال النووي:
وَمَعْنَى الْحَدِيث: " أَنَّهُ يَخْرُج مِنْ الْمَدِينَة مَنْ لَمْ يَخْلُص إِيمَانه , وَيَبْقَى فِيهَا مَنْ خَلَصَ إِيمَانه "
وثبت في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق) رواه البخاري برقم 1782، ومسلم برقم 160، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان يدعو الرجل بن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد) رواه مسلم برقم 1381
فهذه الأحاديث تبين أن المدينة لا يبقى فيها الخبث، وأنها تنفي خبثها، وأن الدجال لا يدخلها، وأنها خير لأصحابها الذين يخرجون منها رغبة عنها.
لكن لا يعني هذا أن من كان خارج المدينة فإنه مفتون، فإن الله عز وجل جعل أسبابا للثبات على الحق والهدى، كما جعل أسبابا للضلالة والغي، والأمر كله أولا وأخيرا بيد الله، إلا أن الله جعل لكل شيء سببا.
فمن أسباب الثبات على الهداية ما يلي:
1- كثرة ذكر الله تعالى، والصلاة وقراءة القرآن.
2- المداومة على الدعاء وسؤال الله الثبات.
3- مصاحبة الأخيار، ومجالسة الصالحين.
4- البعد عن مواطن الشبهات والفتن.
5- التسلح بالعلم الشرعي.
6- الدعوة إلى الله تعالى، وبذل الغالي والنفيس في سبيل الله تعالى.
وعليك بمراجعة كتاب وسائل الثبات على دين الله في مكتبة الموقع، وكتاب 33 سببا للخشوع، وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/81)
متى تكون محبّة الله منجية من العذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يحبّ الله سيدخل النار يوجد كثير من الكفار كاليهود والنصارى يحبون الله وكذلك المسلم الفاسق يحبّ الله ولا يقول أبدا إنه يبغض ربه، هل من إيضاح للقضية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم رحمه الله موضّحا هذه المسألة:
ها هنا أربعة أنواع من الحب يجب التفريق بينها وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينهما:
أحدهما: محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحب الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث: الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله وهى المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه ندا من دون الله وهذه محبة المشركين.
وبقى قسم خامس ليس مما نحن فيه وهى المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم إلا إن ألهت عن ذكر الله وشغلته عن محبته كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) وقال تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) الجواب الكافي 1/134.
وقال رحمه الله تعالى: والفرق بين الحب في الله والحب مع الله وهذا من أهم الفروق وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا، فالحب في الله هو من كمال الإيمان، والحب مع الله هو عين الشرك، والفرق بينهما أن المحب في الحب تابع لمحبة الله فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة، أن يحب ما يحبه الله فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأولياءه لكونه تعالى يحبهم ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى يبغضهم، وعلامة هذا الحب والبغض في الله أنه لا ينقلب بغضه لبغيض الله حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه ولا ينقلب حبه لحبيب الله بغضا إذا وصل إليه من جهته من يكرهه ويؤلمه، إما خطأ وإما عمدا مطيعا لله فيه أو متأولا أو مجتهدا أو باغيا نازعا تائبا.
والدين كله يدور على أربع قواعد حب وبغض ويترتب عليهما فعل وترك فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه لله فقد استكمل الإيمان بحيث إذا أحب أحب لله، وإذا أبغض أبغض لله، وإذا فعل فعل لله، وإذا ترك ترك لله، وما نقص من أصناف هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه بحسبه.
وهذا بخلاف الحب مع الله فهو نوعان: نوع يقدح في أصل التوحيد وهو شرك، ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله ولا يخرج من الإسلام.
فالأول: كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم قال تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مع الله كما يحبون الله فهذه محبة تأله وموالاة يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم وبذلك أرسل الله جميع رسله وأنزل جميع كتبه وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعاداهم فيه وفي مرضاته فكل من عبد شيئا من لدن عرشه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون الله إلها ووليا وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه.
والنوع الثاني: محبة ما زينه الله للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء فهذه المحبة ثلاثة أنواع:
فإن أحبها لله توصلا بها إليه واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عليها وكانت من قسم الحب لله توصلا بها إليه ويلتذ بالتمتع بها وهذا حالة أكمل الخلق الذي حبب إليه من الدنيا النساء والطيب وكانت محبته لهما عونا له على محبة الله وتبليغ رسالته والقيام بأمره.
وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته ولم يؤثرها على ما يحبه الله ويرضاه بل نالها بحكم الميل الطبيعي كانت من قسم المباحات ولم يعاقب على ذلك ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه.
وإن كانت هي مقصودة ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها وقدمها على ما يحبه الله ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه.
فالأولى محبة السابقين، والثانية محبة المقتصدين، والثالثة محبة الظالمين. الروح لابن القيم 1/254، وصلى الله على نبينا محمد، والله تعالى اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(7/82)
حكم تسخط زوجها على القدَر، وتنقيصه من قدْر الله تعالى، وما يترتب على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة غريبة جدّاً، زوجي الذي يتميز بطبعه الحريص جدّاً، لديه طابع سيء جدّاً، فعندما تواجهنا بعض الصعوبات: يقول أشياء مثل: " لماذا يفعل الله معنا نحن هكذا من دون الناس؟ "، و " إن الله تعالى يستهزئ بنا، وهو الآن يضحك علينا!! " (أستغفر الله) ، ولكنني أرى هذه الصعوبات كفارة لسيئاتنا، أما هو فليس عنده سوى هذه الكلمات، وإنني في هذه الحالة أظل صامتة؛ لأنني من خلال تجربتي معه: رأيت أن محاولة إسكاته تزيد الطين بلة، أما إن بقيت صامتة: فإنه يسكت بعد جملة، أو جملتين. وسؤالي هو: هل أفعل الصواب؟ أشعر أنه عليَّ إسكاته بطريقة ما، وأن أجعله يظل صامتاً، ولكنني بالفعل لا أدري ماذا أفعل؟ أسأل الله تعالي أن يغفر لزوجي، ولكن ماذا ترى أني فاعلة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما قاله الزوج عظيم في حق الله، يبعث على الأسى، ويصيب القلب بالكمد، فكيف لمسلم أنعم الله تعالى بخير دين، وأنعم الله بنعَم لا يمكنه إحصاءها، ثم يأتي ويعترض على قدر الله تعالى، ويطعن بحكمته؟! إنها لإحدى الكُبَر، ثم لا يكتفي بهذا حتى يجعل ربه تعالى في موقف الساخر منه، المستهزئ به، الضاحك عليه! فكيف يجرؤ من أنعم الله عليه بلسان يتكلم أن ينطق بهذا؟! وكيف لمنتسب للإسلام أن يتفوه بذلك الكلام العظيم في حق ربه عز وجل؟! .
إن ما قاله الزوج من الاعتراض على قدر الله تعالى، والطعن بحكمته، وسؤاله لماذا يفعل الله معنا هكذا ": فهو من التسخط على قدر الله، وهو من كبائر الذنوب، وقد يؤدي به إلى الكفر المخرج من الملة؛ فهو طريق موصل إلى الردة، والله تعالى له الحكمة البالغة فيما يفعل ويقدِّر، وهو تعالى (لاً يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلونَ) الأنبياء/ 23.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) .
رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الناس حال المصيبة على مراتب أربع:
المرتبة الأولى: التسخط وهو على أنواع:
النوع الأول: أن يكون بالقلب، كأن يتسخط على ربه، يغتاظ مما قدَّره الله عليه: فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) .
النوع الثاني: أن يكون باللسان، كالدعاء بالويل، والثبور، وما أشبه ذلك، وهذا حرام.
النوع الثالث: أن يكون بالجوارح، كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (2 / 110) .
ثانيا:
إذا ابتلى الله عبده بالمصائب لم يكن ذلك علامة على أنه غير مرضي عند الله، وقد صحح الله تعالى هذا الظن الخاطئ عند الناس، فقال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر/15-20.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا {قدر عَلَيْهِ رِزْقهُ} أي: ضيقه، فصار بقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله {كَلا} أي: ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ، ولا كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق: ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل " انتهى. " تفسير السعدي" (924) .
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الناس، وأعلم الناس، وأخشاهم، وأتقاهم، قد ابتلي كثيراً، فاتهم في عقله، وطعن في عرضه، وجُرح وكُسرت رَباعيته، مع ما لاقاه صلى الله عليه وسلم من الأذى من كفار قريش، وسفهاء الطائف، وغيرهم، بل إنه صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنه قال (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه أحمد.
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – تعليقاً على الحديث السابق وما في معناه -:
وفي هذه الأحاديث: دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً: ازداد ابتلاء، وامتحاناً، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام، الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء، كالحبس، أو الطرد، أو الإقالة من الوظيفة، ونحوها: أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى! وهو ظن باطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر: كان أشد الناس - حتى الأنبياء - بلاءً، فالبلاء – غالباً - دليل خير، وليس نذير شر.
" السلسلة الصحيحة " (1 / 144) .
وينظر جواب السؤال رقم (71236) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء.
وينظر جواب السؤال رقم (112905) ففيه بيان كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته.
ثالثا:
إن تصوير زوجكِ الربَّ تعالى بما قاله في حقه: من استهزائه به، وضحكه عليه: من ظن السوء بالله جل جلاله، الذي هو أولى بكل جميل؛ بل ذلك من الكفر المخرج من الملة؛ لدخوله في تنقص قدر الرب تعالى، ولدخوله في حكم الاستهزاء به عز وجل، ولتشبيه الله تعالى بأفعال الناقصين من البشر، وكل ذلك كفر بالله تعالى، لا يُختلف فيه.
قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) التوبة/ 65.
وليس شرطاً أن يكون ذلك الزوج عالماً أنه قد جاء بالكفر المخرج من الملة، فالحكم على فعله وقوله هو للشرع، وليس له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في شرح الآيات السابقة -:
فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفرٍ، فبيَّن أن الاستهزاء بالله، وآياته، ورسوله: كفرٌ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدلَّ على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرَفوا أنَّه محرم، ولكن لم يظنوه كفراً، وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه.
" مجموع الفتاوى " (7 / 273) .
رابعا:
على الأخت السائلة أن تعلم هذا، وأن تُخبر به زوجها، وعليها أن تطلب منه أن يتلفظ بالشهادتين، ويتوب على ما صدر منه من كلمات، ويندم عليها، ويعزم على عدم العود لها، أو لمثلها.
وإذا كان زوجك بهذه الحال التي وردت في السؤال، من الجهل والتمادي في غيه عند نصحك له: فحاولي أن تكلميه في وقت هدوئه وراحة باله، وبيني له عاقبة ما يقول ويفعل، وإذا كان في إمكانك أن تستعيني عليه بشيخ ثقة، يبين له سوء ما هو عليه: فهو حسن إن شاء الله، ولعل احتشامه من شخص غريب له هيئة ومنزلة: لعل ذلك أن يمنعه عن المبالغة في غيه وضلاله عند نصحه.
بل لا تمكنيه من نفسك حتى يتوب، وأعلميه أنه لا يحل لك البقاء مع زوج يقول مثل ذلك في حق الله تعالى.
فإن أصر على ما هو فيه من سوء الطباع، ورذيل الأقوال والأفعال، ولم يبد ندما على ما بدر منه، ولا توبة إلى الله عز وجل، وانتهاء عما يقول ويفعل: فلا خير لك في البقاء مع زوج هذه حاله، فاتركيه وما هو فيه، واحفظي ـ أنت عليك ـ دينك، وعرضك.
وانظري أجوبة الأسئلة: (103082) و (21690) و (89722) .
(126019) كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله، وطعن في حكمته، وعدله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/83)
حكم ما يُسمى بـ " حرية الكلام "، و " حرية الرأي "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الإسلام في حرية الكلام وحرية الرأي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
معرفة الحكمة من وجود الإنسان فيه الجواب على هذا السؤال , فإنَّ مَن علم المقصد من خلقه ووجوده: يعلم أنَّ فعله، وكلامه، ورأيه، منضبط بما أراده الله، ورضيه , وأما الماديون، ودعاة التفسخ والانحلال: فينطلقون من مبدأ: قل ما تشاء، وافعل ما تشاء، واعبد ما تشاء.
فالحكمة من خلق الإنسان ووجوده على الأرض: أن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن يستسلم لأوامر الله تعالى، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/ 56 – 58، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/ 115،116.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: (أَفَحَسِبْتُمْ) أيها الخلق، (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) أي: سدى، وباطلا، تأكلون، وتشربون، وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ونترككم لا نأمركم، ولا ننهاكم، ولا نثيبكم، ولا نعاقبكم؟ ولهذا قال: (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) لا يخطر هذا ببالكم، (فَتَعَالَى اللَّهُ) أي: تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل، الذي يرجع إلى القدح في حكمته (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)
" تفسير السعدي " (ص 560) .
فمن علم أنه عبد لله: فلا بد أن يتقيد بما أمر الله به، وينتهي عما نهى الله عنه , وهذا ينافي دعوة حرية الكلام، والرأي، والأفعال , فالله لا يرضى من العبد التكلم بكلمة الكفر , أو أن يتكلم بالفسق، والفجور , أو أن يدعو إليها , وأما دعاة الحرية: فالأمر سيان عندهم، تكلم بما شئت، واعمل ما شئت , في حق الله، وفي حق الدين.
ثانياً:
لا شك أن الإسلام عظَّم خطورة الكلمة التي يتكلم بها المرء , قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (5672) ومسلم (47) .
قال النووي رحمه الله:
وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات؛ لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات، أو المكروهات , وقد أخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه معنى الحديث فقال: " إذا أراد أن يتكلم: فليفكر , فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه: تكلم , وإن ظهر له فيه ضرر، أوشك فيه: أمسك ".
" شرح مسلم " (2 / 19) .
ثالثاً:
إن حرية الكلام ليست مطلقة ـ حتى عند دعاتها ـ بل مقيدة بأمور، منها:
1. القانون.
ومن العجب أن ترى اجتماع دول الغرب على تجريم من يشكك في محرقة اليهود، بل يحاكمون من يثبتها لكن يشكك في أرقام قتلاها! دون أن يسمحوا لأهل التاريخ، ولأهل الفكر، أن يبحثوا القضية، ويتم مناقشتها وفق الأدلة والبراهين، ولا يزال بعض الكتَّاب والمفكرين قابعين في سجون تل البلدان بسبب موقفهم من ثبوت المحرقة، أو موقفهم من المبالغة في عدد قتلاها من اليهود.
ومنها: العرف، والذوق العام، والاصطدام بحرية الآخرين.
فإن كنا قد اتفقنا على تقيد حرية الكلام والتعبير عن الرأي، فليكن الحكم في ذلك، لحكم الله، الذي هو أعدل الأحكام وأحسنها، ولا يكون الحكم لقانون من وضع البشر، يعتيريه ما يعتري غيره من أنظمة البشر من الهوى والظلم والجهل.
وإنه لتناقض عند هؤلاء أن يكون القانون يُلجم أفواههم عن الكلام عن محرقة اليهود، وأخبار جنودهم القتلى في أرض المسلمين – بينما يستنكرون علينا أن نمنع من يسب الله أو رسوله أو دينه أو يقذف المحصنات المؤمنات أو غير ذلك مما حرم الله النطق به؛ لما يترتب عليه من مفاسد ومضار.
إن المسلم مطلوب منه أن لا يسكت على الخطأ والزلل، وعليه واجب التذكير والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر , وهذا منافٍ لدعوة حرية الكلام , فمن تكلم بكلام محرم، فالواجب منعه من هذا الكلام، ونهيه عن هذا المنكر.
والإسلام لا يمنع الناس من التعبير عن آرائهم فيما يجري حولهم في السياسة والاقتصاد، والمسائل الاجتماعية، ولا يمنع من الكلام في نقد الأخطاء، ونصح المخطئين، وكل ذلك ينبغي أن يكون مقيَّداً بشروط الشرع، وآدابه، فلا تهييج للعامة، ولا دعوة للفوضى، ولا اتهام للأبرياء، ولا قذف للأعراض، وغير ذلك مما هو معروف من أحكام الشرع التي تضبط هذه المسائل.
وقد وجدنا أن أكثر أصحاب دعاوى حرية الكلام، والرأي: مقصدهم من ذلك: حرية التطاول على الدِّين الإسلامي، وشرائعه , فيصلون إلى مقصدهم من خلال ـ حرية الرأي ـ.
فتطاولوا على حكم الله بدعوى حرية الكلام , وطعنوا في القرآن والسنَّة بدعوى حرية الكلام , ودعوا إلى الزنا والفجور والخنا بدعوى حرية الكلام.
وقد تبع هؤلاء بعض المنافقين في بلاد الإسلام، الذين يطعنون في أحكام الشريعة الإسلامية، ويطعنون في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة.
والواجب على حكام المسلمين الأخذ على أيدي هؤلاء، ومنعهم من هذا المنكر، حفاظاً على دين الأمة، وقياماً بما أوجب الله عليهم من حماية الدين والدفاع عنه.
والحاصل: أننا ـ نحن المسلمين ـ ليس عندنا ما يسمى بـ "حرية الرأي" أو "حرية التعبير" وإنما عندنا الخضوع لحكم الله تعالى، وعدم الخروج عن شرعه، فمن تكلم بالحق وجب أن يعان، ومن تكلم بالباطل وجب أن يمنع.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز أن يكون هناك ما يسمَّى بـ " حرية الرأي "، أي: يُفتح المجال لأهل الخير، وأهل الشر، كلٌّ يدلي بدلوه في المجتمع؟ .
فأجاب:
"هذا باطل، لا أصل له في الإسلام، بل يجب أن يُمنع الباطل، ويُسمح للحق، ولا يجوز أن يُسمح لأحد يدعو إلي الشيوعية، أو الوثنية، أو يدعو إلى الزنا، أو القمار، أو غير ذلك، سواء بالأسلوب المباشر، أم غير المباشر، بل يُمنع، ويؤدب، بل إن هذه هي: " الإباحية المحرمة " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 367، 368) .
وانظر لمزيد الفائدة جوابي السؤالين: (98134) و (9410) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/84)
حكم الشتم في السر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أشتم أحدا، ولكن أشتم في قلبي وفي السر، لا أحد يعلم أني شتمت فلانا، مثلا أن أقول في نفسي يا فلان يا ... لماذا فعلت بي كذا. وهل أنا آثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السب والشتم إما أن يكون بوجه حق، أو بغير وجه حق:
أولا:
إن كان بحق: كأن يقع على المسلم ظُلمٌ ظاهر، وأذى بالغ لا يمتري فيه أحد: فليس على مَن دفع عن نفسه الظلم والعدوان بالسب والشتم مِن حرج، سرا كان الشتم أو جهرا، من غير اعتداء ولا تجاوز، وإن كان الأولى والأفضل ألا يفعل ذلك.
يقول الله تعالى:
(لَاْ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا) النساء/148
يقول السعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك، ويمقته، ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن: كالشتم، والقذف، والسب ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله.
ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول: كالذكر، والكلام الطيب الليِّن.
وقوله: (إِلا مَن ظُلِمَ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه، ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/212) .
وقال تعالى:
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيْلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىْ الّذِيْنَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِيْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ، أُوْلئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/ 41-42
وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(الْمُسْْتَبّانِ: مَا قَالَاْ فَعَلَىْ البَادِئِ مِنْهُمَا، مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ) رواه مسلم (2587)
وخير ما دعا به المظلوم على الظالم، هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جابرٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي)
رواه البخاري في الأدب المفرد (1/226) ، وصححه الألباني، وانظر الدعاء للطبراني (1/421، 426)
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله:
" إذا سب إنسانٌ إنسانا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه، لقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ، ولا يجوز أن يسب أباه ولا أمه، وروي أن زينب لما سبت عائشة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم – كما في سنن ابن ماجة وصححه الألباني -: (دونك فانتصري) فأقبلت عليها حتى يبس ريقها في فيها، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما يجوز السب بما ليس كذبا ولا قذفا، كقوله: يا ظالم، يا أحمق، لأن أحدا لا يكاد ينفك عن ذلك، وإذا انتصر بسبه فقد استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم لحق الله تعالى " انتهى.
" مغني المحتاج " (4/157)
والأولى والأكمل والأفضل هو العفو والصفح والتجاوز، لعل الله أن يتجاوز عنا يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل.
يقول الله عز وجل:
(وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى/40
وقال صلى الله عليه وسلم:
(يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ)
رواه أحمد (4/158) وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة/891)
وعنْ عائشة رضي الله عنْها قالت:
(سُرِقَتْ مِلْحفةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَن سَرَقَهَا، فَجَعَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: لَاْ تُسَبِّخِي عَنْهُ) قال أبو داود: لا تسبخي: أي: لا تخففي عنه.
رواه أبو داود برقم (1497) وصححه الألباني في (صحيح الترغيب/2468)
كما جاء من الآثار عن التابعين ما يدلّ على فضيلة العفو والصفح في الدنيا:
قال الهيثم بن معاوية:
" من ظُلِمَ فلمْ ينتصرْ بيدٍ ولا لسانٍ، ولم يحقدْ بقلبٍ، فذاك يضيء نوره في الناس " انتهى.
رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/264)
ثانيا:
أما إن وقع السب والشتم بغير وجه حق، وإنما كرها شخصيا أو بغضا يدفع إليه الحسد، أو استقباح الهيئة أو النسب أو التصرف أو غير ذلك مما يقع بسببه الناسُ في السب والشتم: فذلك من المحرمات الظاهرة، ومن سقطات اللسان التي تأكل الحسنات، وتأتي بالسيئات، سواء كان في السر أو في العلن.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) رواه البخاري (رقم/48) ، ومسلم (64)
وعنه أيضا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ)
رواه الترمذي (1977) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني في صحيح الترمذي
يقول المباركفوري رحمه الله:
" قوله: (ليس المؤمن) أي: الكامل.
(بالطعان) أي: عيَّاباً الناس.
(ولا اللعان) ولعل اختيار صيغة المبالغة فيها لأن الكامل قل أن يخلو عن المنقصة بالكلية.
(ولا الفاحش) أي: فاعل الفحش أو قائله. وفي " النهاية ": أي: من له الفحش في كلامه وفعاله، قيل: أي: الشاتم، والظاهر أن المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره.
(ولا البذيء) قال القاري: هو الذي لا حياء له." انتهى باختصار.
" تحفة الأحوذي " (6/111)
ثالثا:
فإذا وقع السب في القلب كحديث نفس، ولم يقصده صاحبه، ولم ينطق به، إنما هي بعض الوساوس التي تراوده في شتم فلان وعلان، ولكنه لا يمتثل لها ولا يعقد العزم عليها، فتلك أحاديث نفس وخواطر معفو عنها بإذن الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) .
رواه البخاري (4968) ومسلم (127) .
على أنه يُخْشى من إضمار ذلك: أن يتحرك القلب بما استقر فيه، رغبة فيه، وحرصا عليه، ومحبة له، وهذا من أعمال القلب التي يؤاخذ العبد بمثلها.
قال القاسمي رحمه الله:
" وأما أثره ـ أي: الغضب ـ في القلب: فالحقد والحسد، وإضمار السوء، والشماتة بالمساءات، والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر، وهتك الستر، والاستهزاء، وغير ذلك من القبائح؛ فهذه ثمرة الغضب المفرط " انتهى من "تهذيب موعظة المؤمنين" (312) .
وقال الغزالي رحمه الله:
" اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول؛ فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساويء الغير، فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك. ولست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه ... ، والظن عبارة عما تركن إليه النفس، ويميل إليه القلب ". انتهى.
"إحياء علوم الدين" (3/150) ، وانظر: الأذكار للنووي (344) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/85)
تفصيل القول في هجاء المسلم والكافر والمبتدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم هجاء المشركين والفسَّاق؟ أرجو التفصيل، فقد أعجبني تفصيلكم في سؤال عن حكم الرثاء في الإسلام، فقد كانت إجابة شافية، ومؤصلة، ومعزوة. وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" الهجاء " ضد " المدح "، وقد اتفق الفقهاء على أن الأصل في عرض المسلم أنه مصون، وأنه لا يجوز هجوه من غير أن يكون مستحقّاً لذلك.
ففي " الموسوعة الفقهية " (42 / 159، 160) :
"وقد استدل الفقهاء على عدم جواز هجو المسلم بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/ 58، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات/ 11، وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) – متفق عليه -، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ بِاللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ) – رواه الترمذي، وصححه الألباني –" انتهى.
ثانياً:
ذهب الشافعية إلى جواز هجو المبتدع، والمعلن بفسقه، وذهب الحنفية إلى جواز هجو المنافق.
قال الشربيني الشافعي رحمه الله:
"ومثله في جواز الهجو: المبتدع، كما ذكره الغزالي في " الإحياء "، والفاسق المعلِن، كما قاله العمراني، وبحَثه الإسنوي" انتهى.
"مغني المحتاج" (4/430) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (42/159) :
"ذهب الفقهاء إلى عدم جواز هجو المسلم، واستثنى الشافعية المبتدع، والفاسق المعلِن بفسقه، فيجوز هجوهم، وعند الحنفية: يجوز هجو المسلم المنافق" انتهى.
وكلما ازداد قبح البدعة، وبُعدها عن الصراط المستقيم: تحتم على أهل السنَّة كشف عوارها، وتبيين ضلالها، وهو من الجهاد في سبيل الله باللسان.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان شرِّ بدعة التعطيل، والتأويل، وذم أهليهما -:
"فكشْف عورات هؤلاء، وبيان فضائحهم، وفساد قواعدهم: مِن أفضل الجهاد في سبيل الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: (إِنَّ رُوحَ القُدُسِ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رَسُولِهِ) ، وقال: (أُهْجُهُم - أَوْ هَاجِهِم - وَجِبْرِيلُ معك) ، وقال: (اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ مَا دَامَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِكَ) ، وقال عن هجائه لهم: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ فِيهم من النَّبْل) ، وكيف لا يكون بيان ذلك من الجهاد في سبيل الله: وأكثر هذه التأويلات المخالفة للسلف الصالح من الصحابة، والتابعين، وأهل الحديث قاطبة، وأئمة الإسلام الذين لهم في الأمَّة لسان صدق: يتضمن من عبث المتكلم بالنصوص، وسوء الظن بها من جنس ما تضمنه طعن الذين يلمزون الرسول، ودينه، وأهل النفاق، والإلحاد؛ لما فيه من دعوى أن ظاهر كلامه إفك، ومحال، وكفر، وضلال، وتشبيه، وتمثيل، أو تخييل، ثم صرْفها إلى معانٍ يعلم أن إرادتها بتلك الألفاظ من نوع الأحاجي، والألغاز، لا يصدر ممن قصْدُه نصح، وبيان، فالمدافعة عن كلام الله ورسوله، والذب عنه: من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، وأنفعها للعبد" انتهى.
"الصواعق الرسلة" (1/301، 302) .
ثالثاً:
أما الكافر، والمشرك، والمرتد: فظاهر النصوص تدل على جواز هجائهم، بل قد دلَّت سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك من الجهاد في سبيل الله.
عَنْ أَنَس بن مالك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) والنسائي (3069) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"عيب ديننا، وشتم نبيِّنا: مجاهدة لنا، ومحاربة، فكان نقضاً للعهد، كالمجاهدة، والمحاربة بالأَوْلى.
يبين ذلك: أن الله سبحانه قال في كتابه: (وَجَاهِدُوا بِأَمْوالِكم وَأَنْفِسكم فِي سَبيلِ الله) التوبة/41، والجهاد بالنفس: يكون باللسان، كما يكون باليد، بل قد يكون أقوى منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جَاهِدُوا المُشْرِكين بِأَيْدِيكُم وَأَلْسِنَتِكُم وَأَمْوالِكُم) رواه النسائي وغيره، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: (أهْجُهُم وَهَاجِهِم) ، (وكان يُنصب له منبر في المسجد ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره، وهجائه للمشركين) – رواه البخاري تعليقا، ورواه أبو داود والترمذي متصلاً، وحسنه الألباني -، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوح القُدُس) – متفق عليه -، وقال: (إِنَّ جِبرائيلَ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم) – وهو الحديث قبل السابق -، وقال: (هِيَ أَنْكَى فِيهُم مِن النَّبْل) – رواه مسلم – " انتهى.
"الصارم المسلول" (1/213) .
وينبغي أن يكون ذلك ردّاً على هجاء أولئك الكفار للإسلام، أو لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وقد دلَّ النص القرآني على عدم جواز ابتدائهم بالسب، والهجاء؛ خشيةً من تعرضهم لله تعالى، أو لدينه، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم، بالسب والشتم، فقال الله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 108.
ومما يدل على جواز هجاء الكفار والمشركين ردّاً عليهم: ما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت رضي الله عنه: (اهْجُهُمْ - أَوْ قَالَ: هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (5801) ومسلم (2486) .
قال العيني رحمه الله:
"قوله (اهجهم) : أمرٌ مِن هجا، يهجو، هجواً، وهو نقيض المدح.
قوله (أو هاجهم) : شك من الراوي، من المهاجاة، ومعناه: جازهم بهجوهم.
قوله (وجبريل معك) : يعني: يؤيدك، ويعينك عليه" انتهى.
"عمدة القاري" (15/134) .
وفي "مغني المحتاج" (4/430) :
"محل تحريم الهجاء إذا كان لمسلم فإن كان لكافر أي غير معصوم جاز، كما صرح به الروياني وغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر حسَّان بهجو الكفار، بل صرح الشيخ أبو حامد بأنه مندوب.
وظاهر كلامهم: جواز هجو الكافر غير المحترم [يعني غير المعصوم] المعين" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (42/160) :
"ذهب الفقهاء إلى جواز هجو الكافر غير المعصوم، وكذا المرتد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسان بن ثابت رضي الله عنه بهجو الكفار" انتهى.
وفي ذِكر جبريل عليه السلام في الحديث دون غيره من الملائكة حكمة بالغة.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
"وإنما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل، وهو روح القدس، بنصرة من نصره، ونافح عنه؛ لأن جبريل صاحب وحي الله إلى رسله، وَهُوَ يتولى نصر رسله، وإهلاك أعدائهم المكذبين لهم، كما تولى إهلاك قوم لوط، وفرعون، في البحر.
فمَن نصر رسول الله، وذب عنه أعداءه، ونافح عنه: كان جبريل معه، ومؤيِّداً له، كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) التحريم/4" انتهى.
"فتح الباري" لابن رجب (2/509) .
وبالتأمل في سبب ورود الحديث: يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسان بن ثابت بهجاء المشركين ردّاً على طعنهم، لا أن ذلك كان ابتداءً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وفي الحديث: جواز سب المشرك، جواباً عن سبه للمسلمين , ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين: لأنه محمول على البداءة به , لا على من أجاب منتصراً" انتهى.
"فتح الباري" (10/547) .
وفي "حاشية السندى على صحيح البخارى" (4/141) :
"وقوله: (بِرُوحِ القُدُس) هو جبريل، في ذلك إشارة إلى أن هجو الكفار من أفضل الأعمال، ومحله: إذا كان جواباً، كما هنا، وإلا فهو منهي عنه لآية: (وَلاَ تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دِونِ اللهِ) " انتهى.
فالخلاصة:
1. تحريم هجاء المسلم من حيث الأصل.
2. جواز هجاء الكافر، والمشرك، والمرتد.
3. مراعاة أن يكون هجاء الكافر ردّاً عليه، لا ابتداء من المسلم.
4. أن يكون الناظم للهجاء على قدر من البلاغة والفصاحة؛ لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت دون غيره، ولما قد يسببه نظم الجاهل والضعيف من سخرية الشعراء والفصحاء.
5. جواز ابتداء المبتدع، والمعلِن بفسقه، بالهجاء.
6. مراعاة عدم الشطط في الهجاء، وعدم التعدي على العرض، وعدم القذف.
7. من هجا مسلماً بغير حق: فإنه يستحق التعزير.
ففي "الموسوعة الفقهية" (42/162) :
"للإمام أن يعزِّر مَن يهجو الناس بغير حق؛ وذلك لأن هذا النوع من الهجاء محرم، وفعله معصية، وكل معصية ليس فيها حد: وجب فيها التعزير" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/86)
هل يجوز للطالب أن ينظر إلى المدرسة وهي تشرح الدرس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في مدرسة مختلطة والسبب في ذلك إصرار والدي، وكثيراً ما أتغيب بسبب المعاصي التي أواجهها هناك يومياً فأقوم بتلفيق بعض الأعذار لوالدي كأن أقول ذهبت المستشفى وأقصد بذلك أني ذهبت يوما ما في الماضي وليس اليوم.. فهل هذا جائز؟ وإذا كان هناك في طاقم التدريس بعض المدرسات فكيف يمكن غض البصر في هذه الحالة؟ أم أنه يجوز النظر بقدر الحاجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن العمل والدراسة وغيرها، وهو أشد تحريماً في الدراسة، لما يحتاج إليه الشاب في تلك الفترة من مزيد عناية بدينه والوقاية من الفتن.
وانظر جواب السؤال رقم (1200) .
فالذي ينبغي عليك فعله أن تقنع والدك بضرورة الانتقال من هذه المدرسة إلى مدرسة أخرى لا اختلاط فيها، وتستعين في ذلك بعد الله تعالى بالعقلاء من أهلك: أعمامك وأخوالك، لعل الله أن يشرح صدر والدك ويوافق على ذلك.
ثانياً:
لا بأس باستعمال التورية والمعاريض في الكلام للتخلص مما قد تقع فيه من حرج، ولكن بمقدار الحاجة أو المصلحة، وخاصة مع والدك، الذي يجب أن يكون ما بينك وبينه قائما على أساس الصدق والمصارحة.
وقد ذهب بعض العلماء إلى تحريم التعريض لغير حاجة أو مصلحة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
انظر جواب السؤال رقم: (27261) .
وقال النووي رحمه الله:
" قال العلماء: فإن دعَت إلى ذلك مصلحة شرعيَّة راجحة على خداع المخاطب، أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب: فلا بأس بالتعريض" انتهى.
" الأذكار " (ص 380) .
وليعلم والدك أنه هو الذي أوقعك في هذا الحرج، وألجأك إلى خداعه لإصراره على بقائك في هذه المدرسة المختلطة.
ثالثاً:
لا يجوز للرجل أن ينظر إلى امرأة أجنبية إلا للحاجة أو الضرورة، كالنظر إلى المخطوبة،
ونظر الطبيب إلى المريضة عند الحاجة، ونحو ذلك.
فعلى الطالب أن يجتهد في غض البصر، ويشغل نفسه بالنظر إلى الكتاب أو السبورة، ولا ينظر إلى المدرسة، ويتأكد المنع إذا كانت المدرسة متبرجة، تظهر محاسنها وتتزين بأدوات التجميل، وإذا رأى الطالب من نفسه انزلاقا أو بداية انحراف، فالواجب عليه الامتناع من الحضور، فإن سلامة دينه أولى وأهم من الدراسة، ولا يمكن لعاقل أن يقدم الدراسة على الدين.
وقد سألنا الشيخ عبد الله بن جبرين: ماذا يفعل طلاب الطب في محاضرات المدرسات من النساء؟
فأجاب: " مثل هؤلاء لا مفّر لهم من هذا، وعليهم أن يحرصوا على غضّ البصر، وعلى تحصين أنفسهم والبعد عن المغريات التي توقع في الحرام، وإذا لاحظ أن نفسه بدأت تنزلق في محرم امتنع عن الحضور " انتهى.
راجع السؤال رقم: (6118) .
وينبغي نصح مثل هؤلاء المدرسات بتقوى الله، والتزام الحجاب الشرعي.
أعاذنا الله والمسلمين من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/87)
حكم التمادح برسائل الجوال المبالغ فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[الرسائل المبالغ فيها التي نرسلها لمجرد الإرسال وللرد على رسائلهن برسائل شعرية وتكون فيها مبالغة في الكلام هل يعد من النفاق؟ وهل إذا أكثرت من الرسائل وصرف رصيد جوالي لدرجة ينقضي شحن الجوال بسبب الرسائل يعد إسرافاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
دين الله عز وجل دين وسط، لا إفراط فيه ولا تفريط، والاعتدال في كل شيء خير.
وقد وصف الله تعالى عباده بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/67، وقال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29.
فتجاوز الحد في الرسائل هو من الإسراف المذموم المنهي عنه، ومن تأمل كثيراً من الرسائل المتداولة لوجدها لا فائدة منها، وكثير من المرسل إليهم لا يقرؤونها، بل يحذفونها بمجرد أن تقع أعينهم عليها.
ثانياً:
أما رسائل المدح المبالغ فيها، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مدح الشخص، وذم المداحين، فكيف بالمبالغة في مدحه!
وسبب هذا النهي: أنه قد يكون سبباً في إعجاب الممدوح بنفسه، أو تكبره، فيهلك بسبب ذلك.
روى مسلم (3002) عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ) .
وروى البخاري (6061) ومسلم (3000) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ - يَقُولُهُ مِرَارًا - إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ، وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا) .
قال الحافظ:
" قَالَ اِبْن بَطَّال: حَاصِل النَّهْي: أَنَّ مَنْ أَفْرَطَ فِي مَدْح آخَر بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَمْ يَأْمَن عَلَى الْمَمْدُوح الْعُجْب لِظَنِّهِ أَنَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة , فَرُبَّمَا ضَيَّعَ الْعَمَل وَالِازْدِيَاد مِنْ الْخَيْر اِتِّكَالًا عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ
وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي " الْإِحْيَاء ": آفَة الْمَدْح فِي الْمَادِح أَنَّهُ قَدْ يَكْذِب، وَقَدْ يُرَائِي الْمَمْدُوح بِمَدْحِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا " انتهى.
وروى الإمام أحمد (16395) وابن ماجه (3743) عن مُعَاوِيَة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (َإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.
قال المناوي:
" لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح، وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه، وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى، وفي رواية: (فإنه من الذبح) وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور، أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح، فلذلك شبه به. قال الغزالي رحمه الله: فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه؛ لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم، وطلبه للشكر ظلم، وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير " انتهى.
"فيض القدير" (3/129) .
أما قولك: هل يعد ذلك من النفاق؟
فالجواب: إذا كان المدح فيه شيء من الكذب فهو من صفات المنافقين، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) متفق عليه.
وروى الترمذي (2027) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال المناوي:
" البيان: فصاحة اللسان، والمراد: ما فيه إثم منها كهجو أو مدح بغير حق.
(شعبتان من النفاق) أي: هما خصلتان منشؤهما النفاق أو مؤديان إليه. وأراد بالبيان هنا كثرة الكلام والتكلف للناس بكثرة التملُّق والثناء عليهم وإظهار التفصُّح، وذلك ليس من شأن أهل الإيمان. وقد يتملق الإنسان إلى حد يخرجه إلى صريح النفاق وحقيقته " انتهى.
"التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 1036) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/88)
كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله وطعن في حكمته وعدله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ربنا يعطي الذي ليس محتاجاً، والمحتاج لحاجه لا تأتي له؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله تعالى بحفظ اللسان، وأن لا يتكلم العبد بالكلمة إلا وهو يعلم أنه ليس فيها إثم، وأخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه الناس يُكبون في جهنم بحصائد ألسنتهم، وما أكثر ما يخترع الناس أمثالاً، أو تجري ألسنتهم بكلمات تكون فيها مهلكتهم، إن لم يتداركهم ربهم تعالى برحمته.
وإن العبد الموفَّق ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يثيبه الله عليها أعظم الثواب، وإن العبد المخذول ليتكلم بالكلمة لا يظن أنها تبلغ به شيئاً تهوي به في نار جهنم.
قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) .
رواه البخاري (6113) .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) .
رواه البخاري (6109) .
وقال بعض السلف: " ما على وجه الأرض شيء أَحوج إلى طول حَبْس من اللسان "! .
ثانياً:
مثل هذا الكلام القبيح يدرج في أمثال بعض البلاد، وتتناقله الألسن، دون أن يعي أحدهم أنه وقع بقوله في مخالفات شرعية، تتعلق بصفات الله تعالى، وأسمائه، وأفعاله، ففي هذا القول الوارد في السؤال اعتراض على أفعال الله تعالى، وتقديراته، وعلمه، وحكمته، وعدله.
ومن تلك الأمثال الدارجة " يعطي الحلَق للذي ليس له أُذُن! " و " يعطي اللحم للذي ليس له أسنان "، ويعنون به: الله تعالى.
وفي هذا الكلام ما لا يخفى من سوء الأدب مع الله تعالى، وسوء الظن به، فيقال فيه:
1. في كلام السوء هذا يعني أن الله تعالى أعطى النعمة من لا يستحقها، وأن هناك مَن هو أولى بهذه النعمة مِن هذا المُعطَى! وهذا من أعظم الطعن في حكمة الله، وعدله.
وليس أحدٌ في غنى عن فضل الله وعطائه، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر/ 15.
والله تعالى يقدِّر ما يشاء لحكَم جليلة، فمن أغناه الله فلحكمة، ومن أفقره الله فلحكمة، فهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لحكَمة، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/من الآية 28، وقال تعالى: (فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحجرات/ 8.
ولله خزائن السموات والأرض، وما يهبه تعالى لخلقه: فهو بقدَرٍ معلومٍ، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الحِجر/ 21.
2. وما يظنه الإنسان القاصر في فهمه وإدراكه أن الخير له هو في غناه، وسلطانه، وجاهه: خطأ، وقصور، يتناسب مع طبيعة الإنسان القاصرة، فقد يكون الخير في نزع تلك الأشياء منه، كما قد يكون الذل خيراً له! نعم، فلربما ذلُّه قاده إلى إسلام بعد كفر، أو طاعة بعد معصية، كما أن المال، والملك، والجاه، والعز قد يكون شرّاً له، فيكون هذا المسكين يعترض على قدر الله وحكمته، ويسعى لما فيه تلفه، وهلاكه.
قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران/ 26.
ومن تأمل حديث الأقرع والأبرص والأعمى: علم أن القَرَعَ والبَرَصَ كانا خيراً لصاحبيهما من المال الذي طلباه، فلما طلب الأول شعراً حسناً فأُعطيه، وطلب الثاني جلداً حسناً فأُعطيه، بل وأُعطي كل واحد منهما مالاً وفيراً: كان ذلك سبباً في فتنتهما، وسخط الله عليهما، حيث أنكرا نعمة الله عليهما، وبخلا بما أعُطيا من مال.
والحديث رواه البخاري (3277) ومسلم (2964) .
3. ثم إن الله تعالى هو المتفرد بالملك، والخلق، والرزق، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولم يحصل الاعتراض على هبة النعمة من الله إلا من المشركين وإخوانهم.
قال ابن كثير – رحمه الله – تعليقاً على آية (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) -:
أي: أنت المتصرف في خلقك، الفعَّال لما تريد، كما ردَّ تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره، حيث قال: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) الزخرف / 31، قال الله تعالى ردّاً عليهم: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) الآية، الزخرف/ 32، أي: نحن نتصرف في خلقنا كما نريد، بلا ممانع، ولا مدافع، ولنا الحكمة، والحجة في ذلك، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد، كما قال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام/ 124، وقال تعالى: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 29) .
ولما ذكر الله تعالى اعتراض بعض الناس على مُلكٍ آتاه الله بعض خلقه: أرجع الله تعالى الأمر إلى علمه، وحكمته، وفضله، وأن الأمر لا يرجع إلا إليه عز وجل، وذلك في قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ 247.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قوله تعالى: (والله يؤتي ملكه من يشاء) أي: يُعطي ملكَه من يشاء، على حسب ما تقتضيه حكمته، كما قال تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) آل عمران/ 26.
قوله تعالى: (والله واسع) أي: ذو سعة في جميع صفاته: واسع في علمه، وفضله، وكرمه، وقدرته، وقوته، وإحاطته بكل شيء، وجميع صفاته وأفعاله.
و (عليم) أي: ذو علم بكل شيء، ومنه: العلم بمن يستحق أن يكون ملِكاً، أو غيرَه من الفضل الذي يؤتيه الله سبحانه وتعالى من يشاء.
" تفسير سورة البقرة " (3 / 213، 214) .
4. أن قائل مثل هذه العبارات وقع في الفتنة من حيث يشعر أو لا يشعر، فالله تعالى جعل الناس بعضهم لبعض فتنة، منهم الغني، ومنهم الفقير، ومنهم الشريف، ومنهم الوضيع، فمن رضي بما قسم الله، ولم يسخطه: نجا من الفتنة، ومن اعترض وسخط: فله السخط، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) الفرقان/ من الآية 20، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) الأنعام/ 53.
قال القرطبي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) أي: إن الدنيا دار بلاء، وامتحان، فأراد سبحانه أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس، مؤمن، وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الصابر فتنة للغني، ومعنى هذا أن كل واحد مختبر بصاحبه؛ فالغني ممتحن بالفقير، عليه أن يواسيه ولا يسخر منه، والفقير ممتحن بالغني، عليه ألا يحسده، ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق، كما قال الضحاك في معنى (أَتَصْبِرُونَ) : أي: على الحق.
وأصحاب البلايا يقولون: ِلمَ لمْ نُعَافَ؟ والأعمى يقول: لمَ لمْ أُجعل كالبصير؟ وهكذا صاحب كل آفة، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس من الكفار في عصره، وكذلك العلماء، وحكام العدل، ألا ترى إلى قولهم (لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الزخرف/ 31، فالفتنة: أن يَحسد المبتلى المعافى، ويَحقر المعافى المبتلى، والصبر: أن يحبس كلاهما نفسه، هذا عن البطر، وذاك عن الضجر. (أَتَصْبِرُونَ) محذوف الجواب، يعني: أم لا تصبرون؟ .
" تفسير القرطبي " (13 / 18) .
5. أن مثل هذه الكلمات الدارجة على الألسنة فيها سوء ظن بالله تعالى، وهي فتنة لم يَنج منها كثير من الناس، فيظن الواحد منهم أنه يستحق أكثر مما قدِّر له، وأنه أولى بكثرة الخير والصرف عن السوء والشر من غيره، وفي ذلك من الاعتراض على قدر الله تعالى ما يخلخل به المرء ركناً من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالقدر شرِّه وخيره، وأنه كله من عند الله، قدَّره، وكتبه، وشاءه، ثم خلقه، بحكمته تعالى، وعدله.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فأكثر الخلق، بل كلهم، إلا مَن شاء الله: يظنون باللهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوْءِ، فإن غالبَ بني آدم يعتقد أنه مبخوسُ الحق، ناقصُ الحظ، وأنه يستحق فوقَ ما أعطاهُ اللهُ، ولِسان حاله يقول: ظلمني ربِّي، ومنعني ما أستحقُه، ونفسُه تشهدُ عليه بذلك، وهو بلسانه يُنكره، ولا يتجاسرُ على التصريح به، ومَن فتَّش نفسَه، وتغلغل في معرفة دفائِنها، وطواياها: رأى ذلك فيها كامِناً كُمونَ النار في الزِّناد، فاقدح زنادَ مَن شئت: يُنبئك شَرَارُه عما في زِناده، ولو فتَّشت مَن فتشته: لرأيت عنده تعتُّباً على القدر، وملامة له، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقِلٌّ، ومستكثِر، وفَتِّشْ نفسَك هل أنت سالم مِن ذلك؟ .
فَإنْ تَنجُ مِنْهَا تنج مِنْ ذِى عَظِيمَةٍ ... وَإلاَّ فَإنِّى لاَ إخَالُكَ نَاجِيَاً
فليعتنِ اللبيبُ الناصحُ لنفسه بهذا الموضعِ، وليتُبْ إلى الله تعالى، وليستغفِرْه كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السَّوْءِ، وليظنَّ السَّوْءَ بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبعُ كل شرٍّ، المركَّبة على الجهل، والظلم، فهي أولى بظن السَّوْءِ من أحكم الحاكمين، وأعدلِ العادلين، الراحمين، الغنيِّ الحميد، الذي له الغنى التام، والحمدُ التام، والحكمةُ التامة، المنزّهُ عن كل سوءٍ في ذاته، وصفاتِهِ، وأفعالِه، وأسمائه، فذاتُه لها الكمالُ المطلقُ مِن كل وجه، وصفاتُه كذلك، وأفعالُه كذلك، كُلُّها حِكمة، ومصلحة، ورحمة، وعدل، وأسماؤه كُلُّها حُسْنَى.
فَلا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ ظَنّ سَؤْءِ ... فَإنَّ اللهَ أَوْلَى بِالجَمِيلِ
وَلا تَظْنُنْ بِنَفْسِكَ قَطُّ خَيْراً ... وَكَيْفَ بِظَالِمٍ جَانٍ جَهُولِ
وَقُلْ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلِّ سُوءِ ... أَيُرجَى الخَيْرُ مِنْ مَيْتٍ بَخيلِ
وظُنَّ بِنَفّسِكَ السُّوآى تَجِدْهَا ... كَذَاكَ وخَيْرُهَا كَالمُسْتَحِيلِ
وَمَا بِكَ مِنْ تُقىً فِيهَا وَخَيْرٍ ... فَتِلْكَ مَوَاهِبُ الرَّبِّ الجَلِيلِ
وَلَيْسَ بِهَا وَلاَ مِنْهَا وَلَكِنْ ... مِنَ الرَّحْمن فَاشْكُرْ لِلدَّلِيلِ
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 235، 236) .
وبنصيحة ابن القيم الرائعة نختم كلامنا، فلعلَّ كلَّ واحدٍ منَّا أن يفتِّش نفسه، ويتأمل في حالها، ونرجو الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يسدد أقولنا، وأعمالنا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(7/89)
حكم من تلفظ بكلمة الكفر غير مدرك معناها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال: " أنا شيوعي "، غير مدرك له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للكلمة شأن في دين الله عظيم؛ إذ بكلمة يقولها العبد يرفعه الله بها درجات، وبكلمة أيضا يهوي بها في جهنم.
قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/18.
وروى البخاري (5996) ومسلم (5304) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) .
وروى الترمذي (2241) وصححه، عن بِلَال بْن الْحَارِثِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) .
وروى النسائي (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا) .
صححه الألباني في الإرواء (2576)
والشيوعية مذهب إلحادي قائم على إنكار وجود الله، وتقديس المادة، واعتبارها أساسا لكل شيء. ولا يقيم وزنا للدين، بصفة عامة، أي دين؛ بل يعتبرون الدين آفة من آفات الشعوب، أو ـ على حد قولهم: مخدرا للشعوب؛ يعني: أنه يلهيها عن مقاصدها المادية التي هي أساس مذهبهم.
ولا شك أن هذا أحد أخطر المذاهب الكفرية في العصر الحديث، والتي فتنت بها أناسا كثيرين، واضطهدت كثيرا من أهل الدين والإيمان.
ولا شك أن الواجب على من سمع بهذا المذهب، وعلم حاله: أن يكفر به، ويبرأ إلى الله منه، ومن أهله؛ فلا يجتمع تعظيم هذا المذهب، والإيمان به، أو الدعوة إليه، أو محبته ومحبة أهله: مع الإيمان في قلب عبد.
فالمنتسب إليهم وهو على معرفة بأمرهم، وما هم عليه من الضلال: كافر بالله العظيم.
فإن كان قائل هذا الكلام قد جهل أصل مذهبهم، أو اغتر بدعايتهم في النواحي الاجتماعية والاقتصادية، إلى مراعاة الفقراء، أو العناية بهم، وكفالة حقوقهم: فالواجب تعريفه بحقيقة المذهب، وخطره على الدين والإيمان، وأن الله عز وجل قد أغنى عباده، بما أوحى إليهم من شرعه، عن كل دين وملة، ومذهب سواه.
وننصح أن يكون توجيه من اغتر بمذهب القوم برفق ولين، وحسن حوار وبيان لأدلة ذلك من الشرع الحنيف. وينبغي أن يكون من يتعرض لذلك على إلمام كاف بذلك المذهب الكفري، وقدرة على الحوار والنقاش؛ لأن أكثر المفتونين بذلك المذهب ذوو جدل وخصومة.
فإن كان حقا، جاهلا بذلك المذهب وأصوله، أو جاهلا بمصادمته للإيمان الواجب على العبيد، فهو معذور بجهله. وإن أصر ـ بعد البيان والتعريف ـ فهو كافر مرتد.
نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/90)
حكم شعر الغزل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شعر الغزل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الشعر في أصله مباح، فهو كلام موزون، والأصل في الكلام الإباحة والجواز، ولكن تجري فيه الأحكام الفقهية الخمسة بحسب موضوعه ومقصوده والغاية منه. ولذلك قال الإمام الشافعي كلمته المشهورة: " الشعر كلام، حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام " انتهى.
"الأم" (6/224) ، ورويت هذه الكلمة مرفوعة مرسلة، ورويت عن بعض السلف أيضا.
ثانيا:
لا حرج في شعر الغزل بالضوابط الآتية:
1- ألا يكون تشبيبا بامرأة معينة، ينتهك فيها الشاعر حرمة من حرمات المسلمين، ويعتدي على عرض مصون من أعراضهم، فإذا كان تغزلا معروفا بامرأة معينة كان من كبائر الذنوب، فقد قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/58.
2- ألا يكون من الغزل الفاحش الذي يشتمل على وصف جسد المرأة بما يثير شهوة السامع والقارئ، أو يصف فيه الشاعر شيئا من علاقته الآثمة مع تلك المرأة، فهذا كله من فاحش الكلام الذي جاء الإسلام لصيانة ألسنة الناس وأسماعهم عنه، حفظا للمجتمعات من انتشار الرذيلة والافتخار بها كما هي عادة أهل الجاهلية القديمة والمعاصرة.
3- ألا يرافقه الغناء والمعازف على الطريقة المعروفة اليوم مما يعتاده أهل المعاصي والشهوات.
4- وإذا كان الشاعر يتغزل بمن يحل له التغزل بها كالزوجة: فلا حرج إذا كان الشعر محصورا بينه وبينها ولا يطلع عليه أحد، فإذا أراد نشره فلا يجوز أن ينشر منه ما يصف فيه جمال زوجته، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها، فمن باب أولى عدم جواز نعت الرجل زوجته للسامعين.
فإذا عرفت هذه الضوابط تبين أن الكثير مما ينتشر اليوم من أشعار الغزل الفاحش، كأشعار نزار قباني وغيره، هو من قبيح الكلام الذي لا ينشر في المجتمعات إلا لغة الشهوة والرذيلة، وأنه من الشعر الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا) رواه البخاري (6154) ومسلم (2257) .
قال ابن القيم رحمه الله: " غالب التغزل والتشبيب إنما هو في الصور المحرمة، ومن أندر النادر تغزل الشاعر وتشبيبه فى امرأته وأمَته وأُمُّ ولده، مع أن هذا واقع، لكنه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود " انتهى.
"مدارج السالكين" (1/486) .
ثالثا:
ننقل هنا بعض نصوص الفقهاء الدالة على التفصيل السابق:
قال ابن قدامة رحمه الله: " التشبيب بامرأة بعينها والإفراط في وصفها ذكر أصحابنا أنه محرم، وهذا إن أريد به أنه محرم على قائله فهو صحيح، وأما على راويه فلا يصح، فإن المغازي تروى فيها قصائد الكفار الذين هاجوا بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينكر ذلك أحد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يوم بدر وأحد وغيرهما، إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت الحائية، وكذلك يروى شعر قيس بن الحطيم في التشبيب بعمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة، وأم النعمان بن بشير، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير، وفيها التشبيب بسعاد، ولم يزل الناس يروون أمثال هذا ولا ينكر، وروينا أن النعمان بن بشير دخل مجلسا فيه رجل يغنيهم بقصيدة قيس بن الحطيم، فلما دخل النعمان سكتوه من قبل أن فيها ذكر أمه، فقال النعمان: دعوه، فإنه لم يقل بأسا، إنما قال:
وعمرة من سروات النساءِ تنفح بالمسك أردانها
وكان عمران بن طلحة في مجلس، فغناهم رجل بشعر فيه ذكر أمه، فسكتوه من أجله، فقال: دعوه، فإن قائل هذا الشعر كان زوجها " انتهى.
"المغني" (12/44) .
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله – في ذكر صور من الشعر المحرم المستثنى من الجواز الأصلي -: " (أو) إلا أن (يُعَرِّض) وفي " المحرر " وغيره: يُشَبِّب (بامرأة معينة) غير زوجته وأمته، وهو ذكر صفاتها من طول وقصر وصدغ وغيرها، فيحرم، وترد به الشهادة، لما فيه من الإيذاء.
واحترز بالمعينة عن التشبيب بمبهمة، فلا ترد شهادته بذلك، كذا نص عليه، ذكره البيهقي في سننه، ثم استشهد بحديث كعب بن زهير وإنشاده قصيدته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن التشبيب صنعته، وغرض الشاعر تحسين الكلام، لا تخصيص المذكور.
أما حليلته من زوجته أو أمته فلا يحرم التشبيب بها، كما نص عليه في " الأم "، خلافا لما بحثه الرافعي، وهو قضية إطلاق المصنف، ونقل في " البحر " عدم رد الشهادة عن الجمهور، ويشترط أن لا يكثر من ذلك، وإلا ردت شهادته، قاله الجرجاني.
ولو شبب بزوجته أو أمته مما حقه الإخفاء ردت شهادته لسقوط مروءته، وكذا لو وصف زوجته أو أمته بأعضائها الباطنة، كما جرى عليه ابن المقري تبعا لأصله، وإن نوزع في ذلك " انتهى.
"مغني المحتاج" (4/431)
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (12/14) : " يحرم التشبيب بامرأة معينة محمة على المشبب أو بغلام أمرد، ولا يعرف خلاف بين الفقهاء في حرمة ذكر المثير على الفحش من الصفات الحسية والمعنوية لامرأة أجنبية محرمة عليه، ويستوي في ذلك ذكر الصفات الظاهرة والباطنة، لما في ذلك من الإيذاء لها ولذويها، وهتك الستر والتشهير بمسلمة.
أما التشبب بزوجته أو جاريته فهو جائز، ما لم يصف أعضاءها الباطنة، أو يذكر ما من حقه الإخفاء، فإنه يسقط مروءته، ويكون حراما أو مكروها، على خلاف في ذلك.
وكذا يجوز التشبيب بامرأة غير معينة، ما لم يقل فحشا أو ينصب قرينة تدل على التعيين؛ لأن الغرض من ذلك هو تحسين الكلام وترقيقه لا تحقيق المذكور، فإن نصب قرينة تدل على التعيين فهو في حكم التعيين.
وليس ذكر اسم امرأة مجهولة كليلى وسعاد تعيينا، لحديث: كعب بن زهير: وإنشاده قصيدته المشهورة " بانت سعاد. . بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (101720) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/91)
حكم وصف الممرضات بملائكة الرحمة
[السُّؤَالُ]
ـ[نقرأ ونسمع كثيراً من عامة الناس وكتابهم وشعرائهم من يصف في كتابه أو شعره الممرضات بأنهن ملائكة الرحمة؟ هل يجوز ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الوصف لا يجوز إطلاقه على الممرضات، لأن الملائكة ذكور وليسوا إناثاً، وقد أنكر الله سبحانه على المشركين وصفهم الملائكة بالأنوثية، ولأن ملائكة الرحمة لهم وصف خاص لا ينطبق على الممرضات ولأن الممرضات فيهن الطيب والخبيث , فلا يجوز إطلاق هذا الوصف عليهن. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 423.(7/92)
شروح صحيح البخاري المختصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن كتاب شرح صحيح البخاري، أريد أسهل كتاب لشرح الصحيح، ومختصر، وسهل لغير طالب العلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شروح صحيح البخاري كثيرة ومتنوعة، وهي في أغلبها متخصصة يصعب استيعابها على غير المتخصصين في دراسة العلوم الشرعية، سبب ذلك صعوبة الطريقة التي كتب فيها البخاري صحيحه، حيث اهتم كثيرا بتعدد الطرق وتكرار الحديث وكثرة التبويبات، مما فرق على القارئ أو الحافظ ذهنه وشتت عليه فكره.
ولذلك جاء العلامة أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي (893هـ) فاختصر صحيح البخاري من الأسانيد والمكررات، وسمى مختصره "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، وقد طبع بتحقيق إبراهيم بركة طبعة جيدة فيها شرح مختصر لهذه الأحاديث.
فمن أراد أن يقرأ صحيح البخاري من غير المتخصصين فعليه بمختصر الزبيدي له، وليحرص على قراءته والاستفادة منه، ثم ليحاول تفهم الأحاديث الموجودة فيه من كتب الشروح المختلفة، ومن أيسرها:
1- كتاب "أعلام السنن" للعلامة الخطابي (388هـ) ، وهو شرح مختصر للصحيح.
2- حاشية العلامة السندي، على صحيح البخاري، وهي حاشية مختصرة جدا، وفيها فوائد نافعة.
3- "عون الباري شرح التجريد الصريح" لصديق حسن خان (1307هـ) ، وهو شرح لمختصر الزبيدي، اعتمد فيه على فتح الباري، فهو كالملخص له.
وهذه الشروح من أخصر شروح الصحيح وأسهلها، فهي تعتني بمعاني الألفاظ والعبارات والفوائد المستنبطة من الحديث، ولا تعرج على الأسانيد ومشكلات المسائل والدقائق، ولا يصعب قراءتها على عامة الناس في الأغلب، وإن كانت أحيانا تخوض في بعض التفصيلات اللغوية وغيرها، فعلى القارئ أن يتجاوز ما يصعب فهمه عليه.
على أنه الأقرب من هذه الشروح، لغير المتخصص، أن يستعين ببعض الشروح الصوتية لهذه الكتب، ومنها شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، للصحيح.
وشرح الشيخ عبد الكريم الخضير، حفظه الله، لمختصر الزبيدي.
نسأل الله أن ييسر للكتاب من يقربه إلى عامة الأمة، ويزيد نفع الناس به.
وانظر عن صحيح الإمام البخاري ومؤلفه (20153) ، (21523)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/93)
حكم الكذب الذي لا يوقع أحداً في مضرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الكذب الذي لا يوقع أحداً في مضرة أبداً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحرم الكذب مطلقاً، إلا ما استثناه الشارع، وليس ما ذكر منها؛ لعموم الأدلة، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119، وفي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) . وعن عبد الله بن مسعود أيضاً أنه قال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، اقرأوا إن شئتم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119، ثم قال: هل تجدون لأحد فيه رخصة؟
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/94)
هل يجوز إطلاق لفظ " الجاهلية " على المجتمعات بعد البعثة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إطلاق لفظ الجاهلية على مجتمعات بعد البعثة سواء منها الكافرة أو المسلمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يُطلق لفظ " الجاهلية " ويُراد به فترة ما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي نسبة لأمرين اثنين يجتمعان في هذه الحقبة، وهما: الجهل، والجهالة – أي: السفاهة -.
ولفظ الجاهلية لفظ مذموم، ويكفي الجهل والجهالة سوءً أن يتبرأ منهما الإنسان ولو كان من أهلهما، ويكفي العلم والرشد فخراً أن ينتسب إليهما أهلهما، ولو كان من غير أهلهما.
وفي " المعجم الوسيط " (1 / 300) :
" الجاهلية ": ما كان عليه العرب قبل الإسلام من الجهالة، والضلالة.
انتهى
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
والجاهلية: ما كان قبل الإسلام.
" فتح الباري " (10 / 468) .
وقال المنَّاوي – رحمه الله -:
والجاهلية: ما قبل البعثة، سُمُّوا به لفرط جهلهم.
" فيض القدير " (1 / 462) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
المراد بالجاهلية ما قبل البعثة؛ لأن الناس كانوا فيها على جهل عظيم، فجهلهم شامل للجهل في حقوق الله، وحقوق عباده.
" القول المفيد على كتاب التوحيد " (2 / 146) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (10 / ص 601) .
وقال:
والنياحة من أمر الجاهلية، ولابد أن تكون في هذه الأمة، وإنما كانت من أمر الجاهلية:
إما من الجهل الذي هو ضد العلم.
أو من الجهالة التي هي السفه، وهي ضد الحكمة.
" القول المفيد على كتاب التوحيد " (2 / 149) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (10 / ص 603) .
ثانياً:
وقد أرسل الله تعالى نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فأنار الله تعالى به الكون، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فبدَّد الله به ظلمات الجهل والكفر، وانتهى ببعثته صلى الله عليه وسلم عهد الجاهلية، ولكن هل رُفعت الجاهلية عن الأمكنة كلها، وفي جميع الأزمنة؟! بالطبع لا، ولذا فإنه لا يجوز وصف جميع المجتمعات بالجاهلية بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، ولا نزعها عن جميع المجتمعات ـ أيضا ـ، فما تزال بعض المجتمعات تعيش في مستنقعات الجاهلية، فلا يرفع عنها هذا الوصف، وأما من استنار بنور الإسلام من المجتمعات فلا يجوز وصفها بهذا اللفظ، ولو حصل تقصير في بعض جوانب الإسلام منها فهذا لا يبيح وصفها بالجاهلية، وعلى هذا التفصيل اتفقت كلمة العلماء المحققين.
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فالناس قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في حال جاهلية منسوبة إلى الجهل، فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل، وإنما يفعله جاهل.
وكذلك كل ما يخالف ما جاءت به المرسلون من يهودية، ونصرانية: فهي جاهلية، وتلك كانت الجاهلية العامة، فأما بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكون في مصر دون مصر - كما هي في دار الكفار -، وقد تكون في شخص دون شخص، كالرجل قبل أن يسلم فإنه في جاهلية وإن كان في دار الإسلام.
فأما في زمان مطلق: فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.
والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين، وفي كثير من الأشخاص المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) وقال لأبي ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ، ونحو ذلك.
فقوله في هذا الحديث: (ومبتغ في الإسلام سنَّة جاهلية) : يندرج فيه كل جاهلية مطلقة، أو مقيدة، يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، أو صابئة، أو وثنية، أو مركبة من ذلك، أو بعضه، أو منتزعة من بعض هذه الملل الجاهلية فإنها جميعها مبتدعها ومنسوخها صارت جاهلية بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان لفظ الجاهلية لا يقال غالباً إلا على حال العرب التي كانوا عليها فإن المعنى واحد.
اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 78، 79) .
2. وفي بيان خطأ مصطلح " جاهلية القرن العشرين " قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله -: بيَّن العلامة الألباني ما في هذا التعبير منْ تسمُّحٍ، وغضٍّ من ظهور الإسلام على الدِّين كله، فجاء في كتاب: " حياة الألباني " ما نصه:
مصطلح " جاهلية القرن العشرين " في نظر الألباني:
السؤال: تناول الداعية " سيد قطب " - رحمه الله - مصطلحاً متداولاً بكثرة في إحدى المدارس الإسلامية التي يمثلها، ألا وهو مصطلح " جاهلية القرن العشرين " فما مدى الدقة والصواب في هذه العبارة؟ وما مدى التقائها مع الجاهلية القديمة وفقاً لتصوركم؟ .
فأجاب العلامة الألباني:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد: الذي أراه أن هذه الكلمة " جاهلية القرن العشرين " لا تخلو من مبالغة في وصف القرن الحالي - القرن العشرين - فوجود الدِّين الإسلامي في هذا القرن وإن كان قد دخل فيه ما ليس منه: يمنعنا من القول بأن هذا القرن يمثل جاهليةً كالجاهلية الأُولى، فنحن نعلم أن الجاهلية الأولى إن كان المعني بها العرب فقط: فهم كانوا وثنيين، وكانوا في ضلال مبين، وإن كان المعني بها ما كان حول العرب من أديان كاليهودية والنصرانية: فهي أديان محرفة، فلم يبق في ذلك الزمان دين خالص منزه عن التغيير والتبديل، فلا شك في أن وصف الجاهلية على ذلك العهد وصف صحيح، وليس الأمر كذلك في قرننا هذا، ما دام أن الله تبارك وتعالى قد منَّ على العرب أولاً، ثم على سائر الناس ثانياً، بأن أرسل إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأنزل عليه دين الإسلام، وهو خاتم الأديان، وتعهد الله عز وجل بحفظ شريعته هذه بقوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ونبيه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الأُمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأُمم من قبلهم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سَنَن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: من هم يا رسول الله؟ اليهود والنصارى؟ فقال عليه الصلاة والسلام فمنِ الناس؟!) أقول: وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف، لكن عليه الصلاة والسلام في الوقت نفسه قد بشَّر أتباعه بأنهم سيبقون على خطه الذي رسمه لهم، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث التفرقة: (وستفترق أُمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) ، قال عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار إلا واحدة) ، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: (هي الجماعة) وفي رواية قال: (هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي) .
وأكد ذلك عليه الصلاة والسلام في قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين: (لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) .
فإذن لا تزال في هذه الأُمة جماعة مباركة طيبة قائمة على هدي الكتاب والسنة، فهي أبعد ما تكون عن الجاهلية القديمة أو الحديثة؛ ولذلك فإن الذي أراه: أن إطلاق " الجاهلية " على القرن العشرين فيه تسامح، قد يُوهم الناس بأن الإسلام كله قد انحرف عن التوحيد وعن الإخلاص في عبادة الله عز وجل انحرافاً كليّاً، فصار هذا القرن - القرن العشرون - كقرن الجاهلية الذي بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخراجه من الظلمات إلى النور، حينئذ: هذا الاستعمال، أو هذا الإطلاق يحسن تقييده في الكفَّار أولاً، الذين كما قال تعالى في شأنهم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
وصْف القرن العشرين بـ " الجاهلية " إنما ينطبق على غير المسلمين الذين لم يتبعوا الكتاب والسنَّة، ففي هذا الإطلاق إيهام بأنه لم يبق في المسلمين خير، وهذا خلاف ما سبق بيانه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المبشرة ببقاء طائفة من الأُمة على الحق، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبي للغرباء ... ) قالوا: من هم يا رسول الله؟ جاء الحديث على روايات عدة في بعضها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم - واصفاً الغرباء -: (هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنَّتي من بعدي) ، وفي رواية أُخرى قال عليه الصلاة والسلام: (هم أُناس قليلون صالحون بين أُناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) فلذلك لا يجوز هذا الإطلاق في العصر الحاضر على القرن كله؛ لأنَّ فيه - والحمد لله - بقية طيبة لا تزال على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى سنته، وستظل كذلك حتى تقوم الساعة، ثم إن في كلام سيد قطب - رحمه الله - وفي بعض تصانيفه ما يشعر الباحث أنه كان قد أصابه شيء من التحمس الزائد للإسلام في سبيل توضيحه للناس، ولعل عذره في ذلك أنه كان يكتب بلغة أدبية؛ ففي بعض المسائل الفقهية كحديثه عن حق العمال في كتابه: " العدالة الاجتماعية " أخذ يكتب بالتوحيد، وبعبارات كلها قوية تحيي في نفوس المؤمنين الثقة بدينهم وإيمانهم، فهو من هذه الخلفية في الواقع قد جدّد دعوة الإسلام في قلوب الشباب، وإن كنَّا نلمس أحياناً أن له بعض الكلمات تدل على أنه لم يساعده وقته على أن يحرر فكره من بعض المسائل التي كان يكتب حولها أو يتحدث فيها، فخلاصة القول أن إطلاق هذه الكلمة في العصر الحاضر لا يخلو من شيء من المبالغة التي تدعو إلى هضم حق الطائفة المنصورة، وهذا ما عنَّ في البال فذكرته.انتهى.
" معجم المناهي اللفظية " (ص 212 – 215) .
3. وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
هل يجوز إطلاق لفظ " الجاهلية " على المجتمعات الإسلامية المعاصرة؟ .
فأجاب:
الجاهلية العامة قد زالت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز إطلاقها على المجتمعات الإسلامية بصفة العموم، وأما إطلاق شيء من أمورها على بعض الأفراد، أو بعض الفِرق، أو بعض المجتمعات: فهذا ممكن، وجائز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: (إنك امرؤٌ فيك جاهلية) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) .
" الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة " (86، رقم السؤال: 31) .
ثالثاً:
لا يجوز للمسلم أن ينظر للمجتمعات الإسلامية بعين الكبر في نفسه، والاحتقار لهم، ومن ذلك: تعميم الحكم بالجهل والانحراف والهلاك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) رواه مسلم (2623) .
قال الأمام ابن عبد البر – رحمه الله -:
معناه عند أهل العلم: أن يقولها الرجل احتقاراً للناس، وإزراء عليهم، وإعجاباً بنفسه، وأما إذا قال ذلك تأسفاً، وتحزناً، وخوفاً عليهم لقبح ما يرى من أعمالهم: فليس ممن عني بهذا الحديث، والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضياً عن نفسه، معجباً بها، حاسداً لمن فوقه، محتقراً لمن دونه، ويكون في الوجه الثاني ماقتاً لنفسه، موبخاً لها، غير راضٍ عنها.
" التمهيد " (21 / 242) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(7/95)