رجل أراد الزواج على زوجته فهل تأثم الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وابن عمي أحب أحدنا الآخر وتقدم لخطبتي لكن والدتي رفضت فتزوج وأنجب طفلتين وبعد ثلاث سنوات من زواجه عاد ويريد أن يرتبط بي على سنة الله ورسوله ويطلق زوجته لمشاكل وخلافات بينهما لا دخل لي أنا فيها وأنا أحبه ولكني أخشى أن أظلم زوجته ولا أريد أن أحمل ذنباً أو وزراً لارتباطي به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من زواجه بك، سواءً طلق زوجته أم لم يطلقها، ولا يُعد زواجك منه ظلماً لزوجته الأولى لأن تعدد الزوجات محمودٌ شرعاً لمن استطاع العدل بين زوجاته، وأما المشاكل التي بينه وبين زوجته الأولى وتفكيره بفراقها فلا علاقة لك بها، ولا تأثمين بذلك بشرط أن لا تطلبي منه أن يطلقها أو يكون منك تشجيع له على طلاقها بطريقة ما.
وإذا لم يُطلقها وأراد نكاحك فيجب عليه العدل بينكما، فإن خشي ألا يعدل فلا يجوز له التعدد لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) النساء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1049)
ضرتها تتعدى عليها بالكلام ولا تسلم عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العمل إذا كانت المرأة هي الزوجة الثانية، وبدأت الزوجة الأولى في تهديدها ولعنها، وكانت لا تسلم عليها إلا إذا كانت أمام الناس لتحفظ ماء وجهها، لكنها لا تكلمها إذا كانتا بمفردهما ولم يكن أحد معهما. أنا متزوجة منذ 9 سنوات بالرجل، أما الأولى فقد أمضت معه فترة أطول مني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليها أن تصبر قدر الإمكان، ولا ترد السيئة بالسيئة، وتتعامل مع استفزازات جارتها بالسكوت والهدوء، وإن أمكن أن تكتبين لها رسالة مؤثرة فهذا حسن، ثم بعد ذلك لست مسؤولة عما تفعله هي حين تؤدين ما عليك.
الشيخ محمد الدويش.
وامتثلي قول الله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) ، وقوله عز وجل: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) . واعلمي أنك لا تكافئينها بأحسن من أن تتقي الله فيها إذا عصت الله فيك.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1050)
ليس هناك حديث في استئذان الزوجة في التعدد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث يقرر أنه يجب على الرجل أن يطلب إذن زوجته للزواج بأخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ليس هناك حديث يقرر ذلك، ولا يشترط إذن الزوجة للزواج بأخرى، لكن من المصلحة أن يحاول الرجل في جعلها تأذن، فإن أمكن فهو أدعى في التقليل من مشاكل ذلك الزواج.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(6/1051)
تنازل الزوجة عن النفقة، وهل يجب استرضاؤها قبل الزواج الثاني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الزواج بزوجة ثانية تقول إنها لا تحتاج إلى أي نفقة أو دعم مادي؟ إذا كان كذلك: فماذا يكون الحكم لو لم ترض الزوجة الأولى بهذا الزواج؟ هل يجوز للرجل أن يتزوج والحال هذه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
النفقة من الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34، فإن تنازلت المرأة عن هذا الحق الواجب لها ـ وهو النفقة ـ سقط عن الزوج.
قال ابن قدامة: وَمَتَى صَالَحَتْهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ قَسْمِهَا أَوْ نَفَقَتِهَا , أَوْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جاز. المغني ج/7 ص/244.
أما إذن الزوجة الأولى ورضاها بالتعدد فلا يُشترط ولا يجب على الزوج استئذان زوجته الأولى للزواج بثانية. ولكن المشروع له أن يطيِّب خاطرها ويراضيها ويبذل لها من ماله وكلامه ما يهدِّئ من روعها ويخفف غيْرتها.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رضا الزوجة الأولى لمن أراد الزواج بأخرى فأجابت:
ليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى، لكن من مكارم الأخلاق وحسن العشرة أن يطيِّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر، وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول وبما تيسّر من المال إن احتاج الرضى إلى ذلك.
انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/204.
[الْمَصْدَرُ]
لإسلام سؤال وجواب(6/1052)
له زوجتان ولا يعدل في القسم بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الرجل المتزوج من اثنتين أن يخصص أياما معينة لكل زوجة منهما؟ وهل يجوز له أن يقسم الأيام بينهما؟ زوجي لم يعين لنا أياما إلى الآن. وهو يأتي إلى بيتي عندما ينتهي من ذهابه إلى بيت زوجته الأخرى. ثم يأتي لبيتي من أجل المواقعة. وأنا لا أقبل بهذا الترتيب. كما أننا على حافة الطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على من له أكثر من زوجة العدل بين نسائه. ومن الأمور التي يجب العدل فيها القَسم وهو ـ العدل في أن يقسم لكل زوجة يوماً وليلة ـ ويجب أن يبقى معها في تلك الليلة.
قال الشافعي رحمه الله: ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك ... "الأم" (5/158) . وقال: ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن.أ. هـ."الأم" (5/280) .
وقال البغوي رحمه الله: إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر، سواء كن مسلمات أو كتابيات.. فإن ترك التسوية في فعل القَسْم: عصى الله سبحانه وتعالى، وعليه القضاء للمظلومة، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " وفي إسناده نظر - (رواه: أبو داود (2/242) والترمذي (3/447) والنسائي (7/64) وابن ماجه (1/633) وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (3/310) والألباني "إرواء الغليل " (7/80)) -
وأراد بهذا الميل: الميل بالفعل، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم. قال الله سبحانه وتعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) معناه: لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب، فلا تميلوا كل الميل، أي: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم.. .أ. هـ. "شرح السنة" (9/150-151) .
وقال ابن حزم رحمه الله: والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليالي.أ. هـ. "المحلى" (9/175) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له امرأتان.." فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا: بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم.أ. هـ "مجموع الفتاوى" (32/269) .
وقال العيني - شارحا حديث " من كانت له امرأتان.." -: قيل: المراد سقوط شقه حقيقة. أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى، والظاهر: الحقيقة، تدل عليها رواية أبي داود "شقه مائل " والجزاء من جنس العمل، ولما لم يعدل، أو حاد عن الحق، والجور والميل: كان عذابه أن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل.أ. هـ. "عمدة القارئ" (20/199) وانظر "المبسوط" (5/217) وبه استدل الشوكاني على الوجوب، انظر "السيل الجرار" (2/301) ، و"نيل الأوطار" (6/216) .
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} ، وليس مع الميل معروف.أ. هـ. "المغني" (8/138) .
فعلى هذا الزوج أن يتقي الله وأن يعدل في القسمة، وعلى الزوجة أن تعلمه بحكم الشرع في فعله وبوعيد الظُّلم وتذكرّه بالله واليوم الآخر فلعله أن يراجع نفسه ويعدل في القسمة وهذا خير من الفراق إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1053)
ما هي شروط تعدد الزوجات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشروط التي (إذا توفرت) جاز للرجل أن يتزوج بأكثر من زوجة واحدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج بأكثر من زوجة واحدة أمر مطلوب بشرط: أن يكون الإنسان عنده قدرة مالية، وقدرة بدنية، وقدرة على العدل بين الزواجات.
فإنَّ تعدُّد الزوجات يحصل به من الخير تحصين فروج النساء اللاتي تزوجهن، وتوسيع اتصال الناس بعضهم ببعض، وكثرة الأولاد، التي أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليها في قوله: (تزوجوا الودود الولود) ، وغير ذلك من المصالح الكثيرة، وأما أن يتزوج الإنسان أكثر من واحدة من باب المفاخرة والتحدّي، فإنه أمر داخل في الإسراف المنهي عنه، قال تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/205.(6/1054)
كيف يبدأ العدل بين زوجتيه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تزوج الرجل امرأة ثانية فكيف يبدأ العدل بين زوجتيه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة: (وإذا عرس عند بكر أقام عندها سبعاً ثم دار، وإذا عرس عند ثيب أقام عندها ثلاثاً) وذلك لما روى أبو قلابة عن أنس رضي الله عنه قال: (من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم) قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه متفق عليه. (وإذا أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل ثم قضاهن للبواقي) لما روي أم سلمة أن رسول الله عليه وسلم أقام عندها ثلاثاً، وقال: (إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي) رواه مسلم. وفي لفظ: (وإن شئت ثلثت ثم درت) وفي لفظ (إن شئت أقمت عندك ثلاثاً خالصة لك) .
[الْمَصْدَرُ]
العدة شرح العمدة لابن قدامة المقدسي ص 479.(6/1055)
لا يشترط رضى الزوجة الأولى للزواج من الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تساعدني في التعرف على الحديث أو على رأي الشريعة الإسلامية حول الموضوع التالي:
إذا كانت المرأة متزوجة برجل، وكان ذلك الرجل متزوج من غيرها دون أن تعلم الأخيرة بأنه متزوج. لا داعي للقول بأن هذا وضع صعب وأنه استثنائي إلى حد بعيد، لكنه يبدو أنه الأفضل فيما يتعلق بالظروف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس رضى الزوجة شرطاً للتعدد، وليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى، لكن من مكارم الأخلاق، وحسن العشرة أن يطيِّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر، وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول وبما تيسر من المال إن احتاج الرضى إلى ذلك. فتاوى إسلامية 3/204
ويجب على الزوج إذا تزوج امرأة ثانية أن يعدل بين زوجاته بقدر ما يستطيع، فإنه إذا لم يعدل فإنه يعرض نفسه للوعيد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ " رواه النسائي (عشرة النساء/3881) ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم 3682.
لأن الله لما أباح لنا أن نتزوج بأكثر من واحدة قال: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) النساء/3، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يقتصر الإنسان على واحدة إذا عرف من نفسه عدم العدل. والله الموفق.
انظر فتاوى منار الإسلام 2/570.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1056)
له زوجتان ويصعب عليه العدل بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل له زوجتان كل واحدة منهما في مكان يبعد عن الأخرى فلا يتسنى له العدل في المبيت، مع العلم أن مقر عمله وتجارته عند إحدى الزوجتين مما يحتم عليه أن يقضي وقتاً أطول عند إحداهما دون الأخرى، فهل هذا الزوج آثم أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينظر هل الزوجتان راضيتان على هذا الوضع أم لا؟ إن كانتا راضيتين فالأمر واضح لأن الحق لهما، فإذا رضيتا بما يفعل الزوج فلا إشكال، فإن طالبت كل واحدة بحقها من تصحيح الوضع، فعليه أن يعدل بينهما، فيجلس عند هذه يوماً وعند هذه يوماً، فإن كان يشق عليه التردد بينهما كل يوم، فليجلس عند هذه ثلاثة أيام أو أسبوعاً، وعند الأخرى ثلاثة أيام أو أسبوعاً، وذلك حسب ما يتفق عليه معهما، المهم أن يعدل بينهما في النفقة والمبيت وكل ما يمكن العدل فيه.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين. "لقاءات الباب المفتوح" (3/447) .
وليحاول أن يكون سكنهما متقارباً، حتى يتمكن من العدل بينهما، ومن مباشرة عمله وتجارته.
الله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1057)
تعدد الزوجات مستحب للقادر عليه وليس بواجب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعدد الزوجات واجب على كل مسلم عنده مقدرته على هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: تعدد الزوجات سنة للقادر عليه. وليس بواجب باتفاق العلماء. انظر المغني (9 / 340)
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (هل تعدد الزوجات مباح في الإسلام أو مسنون؟)
فأجاب: (تعدد الزوجات مسنون مع القدرة لقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) النساء/3، ولفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه قد جمع تسع نسوة ونفع الله بهن الأمة، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أما غيره فليس له أن يجمع أكثر من أربع، ولما في تعدد الزوجات من المصالح العظيمة للرجال والنساء وللأمة الإسلامية جمعاء، فإن تعدد الزوجات يحصل به للجميع غض الأبصار وحفظ الفروج، وكثرة النسل، وقيام الرجال على العدد الكثير من النساء بما يصلحهن ويحميهن من أسباب الشر والانحراف.
أما من عجز عن ذلك وخاف ألا يعدل فإنه يكتفي بواحدة؛ لقوله سبحانه (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 3/202
ثانياً: اعلم أن النكاح في أصله يكون واجبا أو مستحبا، أو خلاف الأولى، حسب حال الإنسان وحاجته له، قال ابن قدامة رحمه الله:
والناس في النكاح على ثلاثة أقسام:
الأول: من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح , فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء ; لأنه يلزمه إعفاف نفسه , وصونها عن الحرام.
الثاني: من يستحب له , وهو من له شهوة ولكنه يأمن الوقوع في محظور , فهذا النكاح له أولى من التخلي لنوافل العبادة. لأن الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرا بالنكاح وحثا عليه , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج , وفعل ذلك أصحابه , ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل , ولأن مصالح النكاح أكثر , فإنه يشتمل على تحصين الدين , وإحرازه , وتحصين المرأة وحفظها , والقيام بها , وإيجاد النسل , وتكثير الأمة , وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة , فمجموعها أولى.
القسم الثالث: من لا شهوة له , إما لأنه لم يخلق له شهوة , أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مرض ونحوه , ففيه وجهان: أحدهما , يستحب له النكاح ; لعموم الأدلة التي فيها الأمر بالنكاح. والثاني: التفرغ للعبادة أفضل ; لأنه لا يحصل مصالح النكاح , ويمنع زوجته من التحصين بغيره , ويضر بها , ويحبسها على نفسه , ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها , ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه، والأدلة التي فيها الأمر بالنكاح تحمل على من له شهوة ; لما فيها من القرائن الدالة عليها. باختصار
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1058)
هل يجوز أن يذهب لزوجته الثانية إذا هجر الأولى لسبب شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يذهب لزوجته الثانية إذا هجر الأولى لسبب شرعي؟ أم لا بد أن يبقى مع المهجورة في البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
من أجل القسْم (وهو العدل في أن يقسم لكل زوجة يوما وليلة) يجب أن يبقى معها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1059)
وافقتْ على شرطِه بسكنى قريبته معها وحصل منها إيذاء فهل يسقط شرطُه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ سنَة، وقد اشترط زوجي عليَّ قبل الزواج أن ابنة خالة أمه سوف تقيم معنا، وهي امرأة كبيرة في السن، ووافقتُ، وبعد الزواج اكتشفتُ أن أثاث البيت نصفه يعود لها، لا أستطيع أن أحرك شيئاً من مكانه، بالإضافة إلى أنها توجه إليَّ كافة أنواع الشتائم، تسبني، وتسب أهلي، وزوجي لا يرد عليها، وبعد ذلك قالت لي: إن أبي حرامي! وإني أنا قليلة أدب! لأني أوصل زوجي للباب وهو خارج، فاتصلت على أهلي، وأخذوني. هل يحق لي أن أطلب منه سكناً مستقلاًّ؟ وما حكم إقامة هذه المرأة معنا؟ . وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوج توفير إسكان زوجته بمسكن شرعي، تتوفر فيه المرافق الضرورية لقيام حياتها فيه، ومن أهم شروط هذا السكن: عدم إسكان أحدٍ من أهله معها.
وانظري تفصيل هذه المسائل في جواب السؤال رقم (7653) .
ثانياً:
يسقط حق الزوجة في سكن تنفرد به وحدها، وعدم سكن أحدٍ من أهل زوجها معها: بالشرط، فإن اشترط عليها سكنى أحدٍ من أهله معها، ورضيت به: لزمها الشرط، وسقط حقها في الانفراد، ووجب عليها الوفاء بالشرط.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
الأصل في الشروط: الحل، والصحة، سواءً في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف، وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة: أنه يجب الوفاء بها، في النكاح، وغيره؛ لعموم قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/ 1، فإن الوفاء بالعقد يتضمن: الوفاء به، وبما تضمنه من شروط، وصفات؛ لأنه كله داخل في العقد.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 164) .
وعليه:
فالواجب عليكِ – أيتها السائلة – تحقيق الشرط، والرضى بسكنى ابنة خالة أم زوجك؛ لأنك رضيتِ بالشرط قبل العقد.
ثالثا:
يسقط اعتبار هذا الشرط، ولا يلزم الوفاء به في حال:
1. أن يُسقطه المشترط، وهو زوجك، فإذا أسقطه: صار كعدمه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
شروط الشيء موضوعة من قبل الشرع، فلا يمكن لأحد إسقاطها، والشروط في الشيء موضوعة من قبل العبد فيجوز لمن هي له أن يسقطها.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (5 / 25) .
2. أن يتحقق ضرر عليكِ من سكنى من رضيت به، كقريب له يصير بالغاً، أو كسيء الأخلاق يطلع على عورتك، أو كمن يؤذيك بالسب، والشتم، والتحقير، أو يضرك بالضرب، وغيره.
وبما أن زوجك لم يُسقط شرطه: فليس أمامك إلا الأمر الآخر، ولكن يحتاج إثباته لبيِّنة، فإن ثبت: فلك الحق في إخراجها من بيتكم، أو إخراجك لبيت آخر تنفردين به عنها.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (25 / 109) :
الجمع بين الأبوين والزوجة في مسكن واحد: لا يجوز (وكذا غيرهما من الأقارب) ولذلك يكون للزوجة الامتناع عن السكنى مع واحد منهما؛ لأن الانفراد بمسكن تأمن فيه على نفسها ومالها حقها، وليس لأحد جبرها على ذلك.
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
وإذا اشترط الزوج على زوجته السكنى مع الأبوين فسكنت، ثم طلبت الانفراد بمسكن: فليس لها ذلك عند المالكية، إلا إذا أثبتت الضرر من السكن مع الوالدين.
انتهى
وهذا الذي سبق إنما هو بيان لأصل المسألة، وما العمل في مثل حالكم، غير أن حل المشكلة التي بينكما لا يكون بمجرد الكلام النظري، وإنما يحتاج إلى سعي جاد من الطرفين للخروج منها، ومتى عجز الزوج عن الإصلاح بينكما، وتوفير السكن اللازم للحياة الطبيعية بين الزوجين، وجب عليه أن يفرق بينكما في المسكن، فإن لم يفعل فحاولي أن توسطي من يصلح بينكما، ويقنعه بالحفاظ على بيته، وأن بإمكانه أن يستأجر لك، أو لقريبته مسكنا ميسرا، يكون قريبا من المسكن الآخر، حتى يتمكن من مراعاة قريبته العجوز، ويتمكن أيضا من القيام بحق بيته وأهله. فإن لم يفعل، ولم تتمكني من تحمل الوضع القائم: فلك أن ترفعي أمرك للقضاء الشرعي، كحل أخير للمشكلة بينكما.
نسأل الله أن يصلح ذات بينكما، وأن يلهمكما رشدكما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1060)
تغضب أمه إذا سافر بزوجته دونها، فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متزوج منذ أربع سنوات ومشكلتي مع زوجتي والوالدة في بداية الأمر عندما أخذ إجازة لمدة أسبوعين كانت زوجتي لا تقول شيء عندما أقول له سنصطحب معنا والدتي (كانت تقول أشيله في عيوني) مع العلم أن إجازتي محدودة بعد فترة طويلة أصبحت تقول أريد أن أخذ راحتي معك يا زوجي فسافرت أسبوع مع زوجتي والوالدة وسافرت الأسبوع الثاني مع زوجتي وتركت الوالدة مع العلم ليس أنا الوحيد لها يوجد لدي ثلاث أخوان فغضبت مني أمي كيف تسافر وتركنا محبوسين وذكرت الكلام لزوجتي فقالت أمك تقول لأختك عندما تسافرين لا تقولي لأحد من أهلك زوجك كي لا يذهبوا معك فتعجبت من كلام زوجتي فضنت منها ظن السوء أنها تحاول أن تتحجج إلي بأي طريقة حتى أني غضبت منها ولكن بعد فترة تأكدت من كلام زوجتي بنفسي في حديث دار بيني وبين والداتي وأختي.. فماذا أفعل؟؟ سؤالي: هل أنا أعتبر غير بار بأمي عندما اخذ أنا وزوجتي أسبوع بمفردنا؟؟ ومن حق أمي تعرف أين نذهب في هذا اليوم أو نخرج (مثل السوق نزهة مطعم) مع أننا في بيت مستقل بنا؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق معنا في أجوبة عديدة التأكيد على حق الوالدين، وخاصة الأم، وبيان أنه من الواجبات الشرعية المقررة المعلومة بالضرورة من دين الله.
وقد روى مسلم (2551) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ) قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ) .
والأحاديث في الباب كثيرة معلومة.
ثانيا:
إن تأكد حق الوالدة على ولدها: لا يعني أنه ليس للآخرين حقوق عليه، ولا يعني: أنه يهدر حقوق الآخرين، لأجل حق الوالدة.
وفي حديث سلمان المعروف مع أبي الدرداء: ( ... فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) .
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(صَدَقَ سَلْمَانُ) . رواه البخاري (1968) .
فكما لأمك عليك حق أكيد عظيم، فكذلك لزوجتك عليك حق: فأعط كل ذي حق حقه.
وهذه الموازنة بين الحقوق تتطلب منك قدرا من الحكمة والتعقل عند معالجة أمورك؛ فأرض زوجك، ولا تغضب أمك. وبر أمك، ولا تجفُ أهلك. وهكذا فليكن أمرك معهما.
ثالثا:
ليس من الواجب عليك أن تعلم أمك بكل ما تحضره لزوجتك، أو تفعله معها من إحسان العشرة، والرفق بها، والإلطاف إليها. وليس واجبا عليك أن تخرج بأمك، أو تسافر بها، كلما فعلت ذلك مع زوجتك، وإنما الواجب عليك ألا توحش أمك، ولا توغر صدرها عليك؛ وهذا كما قلنا يحتاج إلى حكمة وحسن تقدير للموقف؛ فبإمكانك مثلا أن تجعل خروجك بأهلك في وقت تنشغل أمك فيه بغيرك من إخوانك، إما أنهم يأتون إليها، أو تذهب هي إليهم.
وبإمكانك أن تجلب لها ـ إذا علمت بسفرك ـ من الهدايا: ما يزيل وحشتها، أو يخففها.
وإذا أمكنك أن تتعاون أنت وإخوانك في هذا الأمر: لكان أرفق بالجميع؛ فيكون على كل واحد منكم أن يخرج بأمه مرة، أو يسافر بها مرة..، وهكذا سوف تجد نفسها تخرج، أو تسافر، أو تنال من اللطف والترويح، من مجموع أولادها، ما لا تناله زوجة كل واحد منهم.
فاجتهد في الموازنة في أداء الحقوق، والبر وحسن العشرة مع الجميع.
واستعن بدعاء ربك أن يوفقك في ذلك، وأن يصلح لك أمك وزجك ويعينك على الإحسان إليهما.
والله الموفق.
للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (6388) ، (82453) ، (117957) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1061)
نصرانية والزواج من مسلم، الشروط، وما يملك الزوج منع الزوجة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[تفكر صديقتي المسيحية! في الزواج من رجل مسلم، ولكنها في شك من مطالبه، إنه يعرف أنها مسيحية! ولكنه يريد أن يجبرها على ارتداء النقاب، وأن لا تذهب إلى الكنيسة , ولا تعمل , وأن تتوقف عن الحديث مع أهلها , وأن ترتدي ما يريده هو - ليس ما يريده الإسلام، ولكنه قال بالحرف الواحد " ما أريده أنا " -، كما أنه يغضب عندما تخالفه الرأي , ويقول: إن الزوجة يجب أن تكون مطيعة، وليس لها أن تتبني رأيها الخاص. هل للزوج المسلم أن يطلب هذه المطالب من زوجته؟ أما بالنسبة للأمر الثاني: فهو أن صديقتي فتاة جيدة، ولكنها ليست عذراء , وقد سمعت أن زواج المسلم من زانية لا يجوز، فهل هذا صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم اتخاذ الكفار أصدقاء له؛ لما في الصداقة من معاني المودة، والمحبة، وهو مما نهينا عنه تجاه من كفر بالله تعالى ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ 22.
وانظري جواب السؤال رقم: (13730) .
ولا يعني ذلك عدم البر بها، والإحسان إليها، وخاصة إن كان ذلك منكِ بقصد دعوتها إلى الإسلام، وتعريفها بأخلاقه، وأحكامه.
ولا حرج في أن يكون أمر زواجها من ذلك الرجل المسلم سبباً في تعرفها على دين الإسلام، ودخولها فيه.
ويمكنك في سبيل ما يجب عليك تجاهها: الاستفادة من المراكز الإسلامية , والكتب التي تعرف بالإسلام , والمواقع الإسلامية الكثيرة على الإنترنت، والتي تقدم الإسلام الصافي، وبعدها يمكنك أن تجيبيها على تساؤلاتها حول الإسلام، وأحكامه.
وأطلعيها على جوابي السؤالين: (6581) و (40405) ففيهما فوائد مهمة.
ثانياً:
أباح الله تعالى للمسلم الزواج من الكتابيات (اليهودية أو النصرانية) ، بشرط أن تكون محصنة – أي: عفيفة عن الزنا -.
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) المائدة/ 5.
والمراد بالإحصان: العفة من الزنا.
قال ابن كثير رحمه الله:
وهو قول الجمهور ها هنا، وهو الأشبه؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية: أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا.
" تفسير ابن كثير " (3 / 55) .
وفي فتاوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية - يهودية أو نصرانية - إذا كانت محصنة، وهي الحرة العفيفة؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) ... " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 314 , 315) .
ولكن لتعلم هذه المرأة وغيرها أن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب، قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/38.
فإذا أسلمت الكتابية، والتزمت العفاف: جاز للمسلم أن يتزوجها، ولو سبق منها الزنا، ما دامت قد تابت منه، وعزمت على تركه وعدم العودة إليه.
ثالثاً:
الواجب على الزوج والزوجة وجميع الناس أن يطيعوا الله تعالى، فيمتثلوا أوامره، ويجتنبوا نهيه، فلا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بكل ما يريده هو، ولو كان مخالفاً لأمر الله، ولا يجوز للزوجة أن تعصي الزوج إذا أمرها بما أمر الله به.
وعلى هذا، فللزوج أن يمنع زوجته من معصية الله، فله أن يلزمها بالحجاب، ويمنعها من العمل، ما دام ينفق عليها فيما تحتاج إليه.
قال ابن قدامة رحمه الله:
قال الإمام أحمد في الرجل له المرأة النصرانية: لا يؤذَن لها أن تخرج إلى عيد، أو تذهب إلى بِيعة، وله أن يمنعها ذلك.
"المغني" (10/620) .
وقال ابن قدامة رحمه الله أيضاً:
وإن كانت زوجته ذميَّة: فله منعها من الخروج إلى الكنيسة؛ لأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع.
"المغني" (8/130) .
وبوَّب ابن القيم رحمه الله في كتابه " أحكام أهل الذمة " (2/821) بـ "فصل منع الزوجة الكتابية من السُّكر".
وذكر ابن نُجيم الحنفي رحمه الله أن المسلم إذا تزوج كتابية فله منعها من شرب الخمر لأن رائحتها تضره، كما أن له أن يمنع زوجته المسلمة من أكل الثوم والبصل إذا كان يكره رائحتهما.
"البحر الرائق" (3/111) .
والمرجع في هذه الأوامر والنواهي هو: الشرع، وليس هوى النفس.
وأما منع الزوج زوجته من التحدث مع أهلها، ومن زيارتهم: فلا وجه له فيه، ولا يجوز له منعها من غير سبب شرعي يدعوه لذلك، كأن يكون أهلها يدعونها إلى الانحراف، أو يوقعون بين الزوجة وزوجها، فمثل هذه تكون أعذاراً لمنع الزوج زوجته من زيارة أهلها، حتى لو كانت الزوجة مسلمة.
رابعاً:
القوامة في الإسلام هي للرجل على المرأة، وليس العكس، قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.
ولا تعني القوامة أن الرجل مستقل بإدارة بيته , وأن المرأة لا رأي لها , ولا حُكم , ولا نظر؛ فقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أن نساءهم كنَّ يراجعنهم في الأمر، بل كان هذا فعل أمهات المؤمنين مع نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، كما قالت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه) رواه البخاري (4895) ومسلم (1479) .
بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ برأي ومشورة زوجته في أمر عظيم، كما في حادثة "صلح الحديبية" عندما أخذ برأي أم سلمة رضي الله عنها، في أن يحلق شعره، ويذبح هديه، لمّا مُنع من الدخول إلى مكة لأداء العمرة، وأمر أصحابه بالتحلل فتأخروا في امتثال أمره.
والإسلام لم يجعل أمر الحياة الزوجية للزوج وحده، بل هناك ما أُمر أن يشاور امرأته في فعله أو تركه، كرضاع أولادهم، كما في قوله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة/233، وهناك أمر عام، وهو المعاشرة بالمعروف، كما في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
وانظري جواب السؤال رقم: (10680) ففيه تفصيل حقوق الزوجين بعضهما على بعض.
والذي ينبغي أن تكون الحياة الزوجية مبنية على طاعة الله وطاعة رسوله، وعلى اتفاهم بين الزوجين والمعاشرة بالمعروف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1062)
تفسير قوله تعالى (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ) ، أرجو الإجابة بالتفصيل إن أمكنكم ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد الله
أولا:
يقول الله تعالى:
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) البقرة/228
في هذه الآية بيان لعدة المطلقة المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء (أي يأتيها الحيض وليست من ذوات الحمل) ، فتتربص وتقعد عدتها ثلاثة قروء، أي حيضات أو أطهار، على خلاف بين أهل العلم، ولما كانت مستأمنة على أمر حيضها وطهارتها وانقضاء عدتها، حذرها الله تعالى من محاولة كتم ذلك أو تحريفه رغبة في تطويل العدة أو تقصيرها، فقال سبحانه وتعالى: (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)
ثم أعطى الله تعالى الزوج حق إرجاع زوجته أثناء العدة إن لم تكن قد بانت، فقال سبحانه:
(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً)
هذا تفسير موجز لسياق الآية السابقة، كان لا بد من بيانه، حتى يفهم السياق كاملا.
ثانيا:
بعد ذلك قرر سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة من قواعد الحياة الزوجية، وتعتبر أساسا من أسس التعامل بين الزوجين، ومن الأركان العظيمة في قيام الأسر على العدل والرحمة.
فقال سبحانه وتعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
يقول ابن كثير رحمه الله "تفسير القرآن العظيم" (1/363) :
" أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف.
كما ثبت في صحيح مسلم [1218] عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكم عَلَيهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ)
وفي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال:
يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا؟
قال: (أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ، وَلا تُقَبِّح، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيتِ) [2142، وصححه الألباني] .
وقال وكيع عن بشير بن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس قال:
(إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم " انتهى.
ثالثا:
هذا هو المعنى العام للآية، أن للنساء من الحقوق مثل ما للرجال عليهن من الحقوق، ولكن ما معنى هذه المثلية (وَلَهُنَّ مِثلُ) ، هل تعني التماثل التام بين الأزواج في الحقوق؟
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/642) :
" والمثل أصله النظير والمشابه: وقد يكون الشيء مثلا لشيء في جميع صفاته، وقد يكون مثلا له في بعض صفاته، وهي وجه الشبه.
وقد ظهر هنا أنه لا يستقيم معنى المماثلة في سائر الأحوال والحقوق: أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا؛ لأن مقتضى الخلقة، ومقتضى المقصد من المرأة والرجل، ومقتضى الشريعة، التخالف بين كثير من أحوال الرجال والنساء في نظام العمران والمعاشرة.
فتعين صرفها إلى معنى المماثلة في أنواع الحقوق على إجمال تُبَيِّنُهُ تفاصيل الشريعة:
فلا يُتَوَهَّم أنه إذا وجب على المرأة أن تَقُمَّ – أي تنظف - بيت زوجها وأن تجهز طعامه أنه يجب عليه مثل ذلك، كما لا يُتَوَهم أنه كما يجب عليه الإنفاق على امرأته أنه يجب على المرأة الإنفاق على زوجها، بل كما تقم بيته وتجهز طعامه، يجب عليه هو أن يحرس البيت وأن يحضر لها المعجنة والغربال، وكما تحضن ولده يجب عليه أن يكفيها مؤنة الارتزاق كي لا تهمل ولده، وأن يتعهده بتعليمه وتأديبه، وعلى هذا القياس " انتهى.
رابعا:
بناء على ما ذكرناه في معنى المثلية، فالحقوق والوجبات التي على الزوجين تنقسم إلى قسمين:
1- حقوق وواجبات يتساوى فيها كل من الزوجين تساويا تاما: مثل إحسان المعاشرة، وقصر الطرف عن غير ما أحل الله لهما، والمماثلة في وجوب الرعاية (الرجل راع على أهله والمرأة راعية في بيت زوجها) ، والتشاور في الرضاع، ونحو ذلك.
2- وحقوق وواجبات تكون بين الزوجين على وجه المقابلة، كل بحسب ما قضاه الله عليه بمقتضى الفطرة والخلقة والشرع والحكمة، ومرجع ذلك إلى الشريعة وتفاصيلها، كما تقرره السنة المطهرة، وبحسب أنظار المجتهدين.
ويدل على هذا التقسيم قوله تعالى في الآية (وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ)
يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله، في "التحرير والتنوير" (1/643) :
" وفي هذا الاهتمام مقصدان:
أحدهما: دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق، توهما من قوله آنفا (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) .
وثانيهما: تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص؛ لإبطال إيثارهم المطلق الذي كان متَّبَعا في الجاهلية.
وهذه الدرجة هي ما فضل به الأزواج على زوجاتهم:
من الإذن بتعدد الزوجة للرجل دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى، وذلك اقتضاه التزيد في القوة الجسمية، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر.
ومن جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة والمراجعة في العدة كذلك، وذلك اقتضاه التزيد في القوة العقلية وصدق التأمل.
وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شئون المنزل؛ لأن كل اجتماع يتوقع حصول تعارض المصالح فيه يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي واحد معين من ذلك الجمع، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعا عند الخلاف، ورجح جانب الرجل لأن به تأسست العائلة؛ ولأنه مظنة الصواب غالبا، ولذلك إذا لم يمكن التراجع واشتد بين الزوجين النزاع لزم تدخل القضاء في شأنهما، وترتب على ذلك بعث الحكمين كما في آية (وإن خفتم شقاق بينهما) " انتهى.
وللاطلاع على تفاصيل هذه الحقوق والوجبات، انظر سؤال رقم (10680) فستجد فيه تفصيلا مفيدا إن شاء الله.
خامسا:
المرجع في تحديد هذه الحقوق والواجبات هو (المعروف) كما ذكرت الآية، وفي هذه الكلمة دلالات عظيمة، وإشارات إلى أمور كثيرة:
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة.
ومرجع الحقوق بين الزوجين ويرجع إلى المعروف وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص والعوائد.
وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف فهذا موجب العقد المطلق، وأما مع الشرط فعلى شرطهما، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " انتهى.
ويقول ابن عاشور (1/643) : " وقوله (بالمعروف) الباء للملابسة، والمراد به: ما تعرفه العقول السالمة المجردة من الانحياز إلى الأهواء أو العادات أو التعاليم الضالة، وذلك هو الحسن، وهو ما جاء به الشرع نصا أو قياسا أو اقتضته المقاصد الشرعية أو المصلحة العامة التي ليس في الشرع ما يعارضها، والعرب تطلق المعروف على ما قابل المنكر.
أي: وللنساء من الحقوق مثل الذي عليهن ملابسا ذلك دائما للوجه غير المنكر شرعا وعقلا، وتحت هذا تفاصيل كبيرة تؤخذ من الشريعة، وهي مجال لأنظار المجتهدين في مختلف العصور والأقطار.." انتهى.
سادسا:
دين الإسلام حري بالعناية بإصلاح شأن المرأة، وكيف لا وهي شقيقة الرجل، والمربية الأولى في المجتمع، فلذلك شرع من قواعد العدالة ما لم يكن معروفا على وجه الأرض في شريعة ولا في قانون، فسبق إليه الإسلام الحنيف، وجاء بإصلاح حال المرأة ورفع شأنها؛ وارتقى بها من متاع يرثه الرجال، كما يرثون سائر المال والمتاع، فجعلهن شقائق الرجال، لهن مثل الذي عليهن من الحقوق والواجبات، لا يضيع لهن عمل ولا سعي، ودروهن في النهوض بالأمة، عامة، وببيتها خاصة لا يقل عن دور الرجل بحال!!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1063)
زوجها يهجرها لأدنى مشكلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولم أكمل السنة بعد، ومشكلتي أنه تحصل بعض المشاكل المتفاوتة منها الكبيرة ومنها الصغيرة والتافهة، وتكون دائماً منّي، ولكنّها ردّة فعل لما يكون من زوجي من تقصير، أو تجاهل، أو رفض طلب، أو عدم تحمل مسؤولية. فإذا حصلت أدنى مشكلة يبدأ زوجي بعدها مباشرة في السكوت، ولا يردّ بكلمة، ويهجرني حتى في إلقاء السلام، ويستمر ليومين أو ثلاثة.. وأنا أحاول محادثته، ترضيته، رجائه أن يسامحني، لأنه عندما يهجرني أكاد أموت. في نظره أنه يؤدبني بهذا الهجر والسكوت، ولكن في الحقيقة أنا أمتثل له حتى لا أموت من الهجر، لأن هذا جداً يتعبني. أخشى أن يستمر ويأخذها عادة وأنا والله لا أتحمل، حتى أنني صرت أتخلى عن كثير من حقوقي حتى لا تُفتعل مشكلة يهجرني بعدها، فكيف أعامله؟. أحاول دوماً البحث في الكتب وفي المواقع عن كيفية التعامل معه.. لكن أجد من ناحيته عدم الاهتمام لإنجاح هذا الزواج، بل يلقي بكل أخطائه عليّ. اضطر زوجي للسفر وأخبرته إن كان يرغب باستمرار الزواج ذهبت معه أو أذهب لأهلي، فقال لي: اذهبي لأهلك. ولكن قبل رجوعه ذهبت لتنظيف البيت، وترتيبه بأحسن حال، وأرسلت له رسالة شوق تُعبّر عن أنني رغم كل الجفا أرغب في الاستمرار، لكنه لم يتصل بي، أو يرسل لي رسالة، ولم يأت ليأخذني بعد عودته من السفر، ماذا أفعل الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحياة الزوجية لا تخلو من منغصات تحدث بين الحين والآخر، والزوجان الناجحان من يمكنهما التغلب على هذه المشاكل ومعرفة أسبابها، وعلاجها قبل أن تتفاقم.
وما ذكرت من بحثك عن العلاج في الكتب والمواقع وكراهتك للهجر وحرصك على إصلاح العلاقة مع زوجك كل ذلك دليل على ما لديك من صفات الخير والبر، وتمام ذلك بأمور:
الأول: أن تجتهدي في منع حدوث المشاكل ابتداء، وأن تغيري انطباع زوجك عنك، وهذا يحتاج إلى صبر ومصابرة.
الثاني: أن تحرصي على معرفة الأسباب الحقيقية التي تدعو زوجك للنفور عنك، أو قلة الاهتمام بك، فقد يقع من المرأة تقصير في الاهتمام بزينتها أو بيتها ونحو ذلك تكون سبباً في حصول النفرة بينها وبين زوجها.
الثالث: ينبغي أن يتم التفاهم بينك وبين زوجك على المصارحة، والاعتذار عند الخطأ، وسرعة الأوبة والرجوع، حتى لا تدعا للشيطان سبيلاً عليكما، وأن يعلم الزوج أن الهجر إنما يشرع إذا لم تُجْد النصيحة والوعظ، وأن للهجر آداباً، كما قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
قال السعدي رحمه الله:
"فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر" انتهى.
فإذا أخطأت الزوجة ثم اعتذرت وأقرت بخطئها، فليس للزوج أن يعاقبها، بل الواجب عليه أن يعفو ويصفح، وكثرة العتاب والعقاب من أسباب فساد العلاقة وليس من أسباب إصلاحها.
الرابع: أن تصلحي علاقتك مع الله تعالى، فإن هذا من أعظم أسباب صلاح العلاقة مع زوجك، فإن الله تعالى وعد أهل الإيمان والصلاح بالحياة الطيبة، والسعادة الدنيوية والأخروية، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
فأكثري من لذكر والصلاة والدعاء، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
واعلمي أن الصبر عاقبته الفرج، والزوج العاقل إذا رأى من زوجته الصبر والتحمل والرغبة في الحياة معه أحبها وأكرمها وحفظ لها هذا الخلق.
نسأل الله تعالى أن يصلح حالكما، وأن يديم المحبة والألفة بينكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1064)
سيتزوجان ثم تسافر بعيداً عنه لمدة عامين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لامرأة الزواج برجل من بلد آخر ثم العودة لبلدها لمدة عامين لترتيب الأوراق لزوجها ليأتي ويعيش ببلدها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الجواب:
الحمد لله:
ليس في الشرع ما يمنع المرأة من الزواج من رجل يعيش في بلد غير بلدها.
وينظر جواب السؤال (130596) .
وأما ترك المرأة بلد زوجها والغياب عنه مدة عامين، فالأصل في مثل هذه الأمور الرجوع إلى ما تم الاتفاق والتراضي عليه بين الزوجين؛ لأن من حق الزوج أن تكون زوجته معه حيثما كان، فإن رضي بغيابها عنه هذه الفترة الطويلة، فلا حرج في ذلك.
والذي ننصح به أن لا تغيب المرأة عن زوجها هذه الفترة الطويلة - حتى لو وافق الزوج - لما يترتب على ذلك من مفاسد ومشاكل كثيرة، قد لا تظهر إلا بعد الزواج.
قال الشيخ ابن باز مبيناً خطورة التباعد بين الزوجين: "طول المدة فيه خطر عظيم عليك وعليها، فينبغي لك أن تذهب إليها بين وقت وآخر، وأن تقيم عندها بعض الوقت وترجع إلى عملك كل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، وعلى الأكثر ستة أشهر ثم ترجع إلى عملك.. وكلما قصرت المدة فهو أولى؛ لأن الموضوع خطير والشر كثير، والفتن متنوعة في هذا العصر، فينبغي للزوج أن يراعي هذه الأمور، وأن يحرص على سلامة عرضه وعرض أهله، وأن يبتعد عن أسباب الفتنة". انتهى "فتاوى ابن باز" (21 /234) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1065)
ما هي المعايير لزواج الرجل بثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يكون الزوج على علاقة أخرى، هل (ينبغي عليه) أن يُرضي زوجته، وأن تعبر هي عن موافقتها على زواجه بأخرى؟ ما هي المعايير لزواج الرجل بثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت تلك العلاقة محرمة فلا يجوز للمرأة أن توافق زوجها على إقامة تلك العلاقة، بل تنصحه وتنهاه عن هذه العلاقة مع غيرها مما يؤدي إلى فعل الفواحش. ولا يجوز له أن يُرضي زوجته حتى تقرّه على ذلك فإن هذا محرم.
أما إذا كان قد أعجب بامرأة أخرى وأراد أن يتزوجها، وكانت صالحة ومناسبة فله أن يقنع زوجته ويخبرها بأنه زواج حلال مباح، وعليها أن توافق على ذلك.
بالنسبة لمعايير الزواج بأخرى فلا بد أن يجد من نفسه القدرة على القيام بحقوق الزوجتين وأن يعدل بينهن دون الميل إلى إحداهن على حساب الأخرى كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط) . فعليه بالعدل في الحقوق كالنفقة وغيرها.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(6/1066)
اتفاق الزوجين على تأجيل الإنجاب حتى ينهيا دراستهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيبة في بداية (فترة) التدريب. لقد تزوجت وأنا أدرس، لكني لم أنجب إلى الآن. وأنا أنوي بدراستي للطب وممارسته، إن شاء الله، أن أساعد المسلمات. وعملي يشمل بالإضافة إلى فحص النساء وعلاجهن فحص الرجال وعلاجهم أيضا (أثناء فترة التدريب) . فهل يجوز لنا، أنا وزوجي، أن نؤخر إنجاب الأطفال لأتمكن من إنهاء التدريب العالي (بعد التخرج) إلى أن أنهي دراستي تلك فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس إذا اتفق الزوجان على استعمال مانع من موانع الحمل لمدة مؤقتة معروفة لديهم أو تراضيا على ذلك فإن الحق لهما وإن كنا لا نجيز ذلك مطلقاً لقوله تعالى: (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) فإذا كان هناك غرض أو أمر مهم يحملهما على ترك الإنجاب في هذه المدة فلا مانع من ذلك.
وأنا أنصحها بألا تعالج الرجال إذا كان العلاج يتعلق بالعورات أو تتعلق بالباطنية أو الذي بها مماسة الرجل وكشف عورته، أما إذا كان شيئاً يسيراً كعلاج عين أو أذن أو سن فلعل ذلك جائز.
والله أعلم
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(6/1067)
يريد زوجها الانتقال قريبا من أهله في محل تكثر فيه البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ 5 سنوات من شخص ملتزم جداً وتقي والحمد لله مشكلتي معه في مكان السكن الذي نفكر فيه في المستقبل، فنحن الآن في بريطانيا ليكمل زوجي دراسته وبسبب الأوضاع في العراق لا نستطيع الرجوع، ولكن دوماً يحدث بيننا مشاكل في مكان السكن فهو يريد السكن بجوار أهله وبسكن مستقل، وأريد أنا أن اسكن في العاصمة التي تبعد ساعة عن أهله، وقد قلت له ولأهله في بداية الخطبة لن أعيش لأني لا أستطيع التعود والعيش في مثل هذه المناطق، ولم يعترض أحد على ذلك، بالعكس رحبوا ولكن الآن تغير زوجي بسبب كثرة البعد عن أهله، واشتياقه لهم، ولكني لا أستطيع نهائياً أن أتحمل ولو بتفكير أن أعيش في تلك المناطق، كونها شيعية على الأغلب ونحن سنة، وزوجي سني، وبسبب ذلك وبسبب الأوضاع في العراق أصبح التعايش مع هذه الطائفة الشيعية تسبب المشاكل، فقلت له: أصبحت قناعتي في العاصمة وبمنطقة سنية ازدادت أكثر وأكثر، فلا أستطيع تحمل خسارة زوجي ونشوب المشاكل دوماً، وكذلك بسبب أن هذه المناطق لا تناسبني كمعيشة فإني متعودة على حياة المدينة التي تتوفر فيها معيشة افضل له كطبيب، ولي ولأطفالي وكحرية في تطبيق الدين، وسبل الدعوة إلى الله تكون أكبر وأفضل كوننا نكون في منطقة سنية، وبسبب عناد زوجي اضطر أن أقول له لن أذهب إلى منطقة أهلك لا أتحمل العيش فيها لأنه يحتد النقاش بيننا وهو عندما يراني يصر يقول عندما أرى الأنسب لنا عليك أن تذهبي معي وتطيعيني ولكنه في قرارة نفسه يرى أن العاصمة افضل له كمذهبه السني فهل إذا عصيته في هذا الأمر أكون عاصية أو مذنبة فو الله، إني أعيش هنا في بريطانيا ولم أتحمل العيش فيها بالرغم ما فيها من ترف وراحة بسبب كونها دولة كفر وهذه نفس مشاعري في منطقة أهله فهي تعتبر ريفية ومنذ كنا صغار لم أرها ولا نستطيع حتى التعايش مع أهلها فهل أنا مخطئة أم لا؟ وما هي الطريقة السليمة لإقناع زوجي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يلزم الزوجة السكن والانتقال مع زوجها إلى حيث يريد، ما لم يكن في ذلك ضرر معتبر عليها، أو كانت قد اشترطت عند زواجها ألا تسكن في مكان معين أو لا ينقلها من بلدها، فيلزم الوفاء بالشرط؛ لما روى البخاري (2721) ومسلم (1418) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
ولقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك: أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة , أحدها: ما يلزم الوفاء به , وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته , مثل: أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها , أو لا يتزوج عليها , فهذا يلزمه الوفاء لها به , فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح. يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص , ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح , وعمر بن عبد العزيز , وجابر بن زيد , وطاوس , والأوزاعي , وإسحاق " انتهى من "المغني" (9/483) .
فإذا كنت عند الخطبة قد صرحت بأنك لن تعيشي في قرية زوجك وقد قَبِلَ ذلك، فليس له أن يجبرك على الانتقال إليها.
ثانياً:
ينبغي أن يتعاون الزوجان في اختيار المكان المناسب لهما ولأولادهما، وأن ينظرا في المصالح والمفاسد، وأن يتطاوعا في ذلك؛ لما في ذلك من سعادتهما وراحة بالهما.
وينبغي أن تقدري ما ذكرت من اشتياق زوجك لأهله، فربما كان كلامه مجرد خواطر يبعث عليها هذا الشوق، فلا ينبغي أن تجادليه في هذه المسألة حتى يعزم فعلا على الانتقال ويتهيأ لذلك.
ولاشك أن الزوج يحب أن تكون زوجته مستعدة للبقاء معه في أي مكان يختاره، وقد يكون نسي كلامك عند الخطبة، أو لم يره ملزما له، وقد يكون جدالك معه سبباً لتمسكه برأيه، فاحرصي على تجنب لخلاف حول هذه المسألة؛ لأنه لا جدوى من ذلك الآن، وقد تتغير الأمور في المستقبل، وينصرف زوجك عن رأيه من تلقاء نفسه.
ثالثاً:
لا شك أن السكن في مناطق الأمن، وبين أهل السنة مرجّح على السكن في أماكن الخوف والقلق أو بين أهل البدعة، لما في ذلك من آثار على الإنسان ودعوته وعمله ثم على أهله وأولاده في مدارسهم وعلاقاتهم ومعايشهم.
وقد أوجب بعض أهل العلم الهجرة من المكان الذي توجد فيه البدعة ويُسب فيه السلف.
قال الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله في أنواع الهجرة: " الثاني: الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يُسب فيها السلف. وهذا صحيح، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه، قال الله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام /68" انتهى من "أحكام القرآن لابن العربي" (1/612) ونقله القرطبي في تفسيره (5/330) .
وإذا تعارضت مصلحة القرب من الأهل، مع مصلحة الأمن وإظهار الدين وسلامة الأبناء، اختار الإنسان ما فيه المصلحة الكبرى؛ لأن قاعدة الشريعة: جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
ونحمد الله أنكما تنطلقان معا لتحقيق ما تريانه من الخير والمصلحة، ولهذا ينبغي أن تحذرا كيد الشيطان ومكره وحرصه على إيجاد الخلاف والشحناء.
نسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير وطاعة وبر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1068)
مرضت ورفضت زوجة ابنها أن تخدمها وطلبت أن تسكن بعيداً عن أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم لولدين، تزوَّج الأول، وسكن في شقة، وبقيتُ مع زوجي وولدي الثاني في الشقة المجاورة، وتزوج ولدي الثاني في نفس الشقة التي نسكن فيها، بابنة عمته - شقيقة زوجي -، وكانت علاقتي بالبنت، وبأمها، علاقة قويَّة جدّاً، وبعد الزواج بفترة قصيرة: أُصبت بانزلاق غضروفي في العمود الفقري، الأمر الذي منعني من القيام بأي عمل مهما كان بسيطاً، وبعد مكوثنا مع ولدي وزوجته بسنتين تقريباً: فوجئت بأن زوجة ولدي تركت البيت، وذهبت إلى بيت أهلها، وتطالب ببيت مستقل لها ولزوجها، بدون أي سبب يستدعي ذلك، خاصة وأنه لا يوجد لدي سوى ولديّ المذكوريْن، وليس لديَّ بنات، وأنا غير قادرة على رعاية نفسي وزوجي، ولم يصدر منِّي تجاهها أي شيْ يستدعي غضبها، بل كنت أعاملها كابنتي، كما أني غير قادرة على فراق أولادي، ولا أتحمل غيابهم عني ولو ليوم واحد، وحاولنا معها ومع أهلها لإصلاح الأمر والعودة إلى ما كنَّا عليه، لكننا قوبلنا بالإصرار الشديد من الجميع على أن تخرج هي وولدي في بيت آخر، وأنها لا تستطيع البقاء معنا، ورعايتنا، وبالإمكان - كوضع مؤقت - أن نظل معها شهراً أنا وزوجي، ثم نعيش مع ولدي الأكبر شهراً، وهكذا بالتناوب، مع العلم أن زوجة ولدي الأكبر موظفة، وعندها ثلاثة أبناء، بينما الأخرى ليست موظفة، وليس لديها أبناء، وكانت تقضي معظم وقتها - صباحاً مساءً - في بيت أهلها؛ لقربه من منزلنا، وكنا نتحمل تقصيرها في رعايتها لنا، وإهمالها لنا، ولم نُظهر شيئاً سوى الرضى، والحب، وكنَّا نُخفي ذلك عن ولدي؛ خشية المشاكل، وقد شكّل هذا التصرف منها ومن أهلها صدمة عنيفة لنا؛ لأنه غير مبرر، ولأن العلاقة بيننا كانت قويَّة جدّاً، ولأنني غير قادرة على فراق ابني: تركتُ لها البيت أنا وزوجي، وسكنَّا مع ولدي الأكبر في الشقة الأخرى، وخرجتُ من بيتي وأنا منهارة، وأبكي بكاءً شديداً، وبأعلى صوتي؛ لأني لم أكن متوقعة أنني سأتعرض في حياتي لمثل هذا الموقف، وبعدها وافق أبوها على إعادتها إلى البيت بعد خروجنا منه، بشرط: أن لا يدخل منَّا أحدٌ عند ابنته، وبعد فترة: أظهرت هي وأهلها استياءهم لعدم دخولنا عندهم - وذلك حرجاً من الناس فقط - ولكنني بعد ما حدث لم أستطع الدخول، لا عندها، ولا عند أهلها، وتحوَّل حبِّي لها ولأمها إلى كرهٍ، وأدعو عليهما، ولي على هذا الحال حوالي عشرة أشهر، وفي المقابل: هناك قطيعة من قبَلهم، والتواصل بيننا عدمٌ، وأنا في حالة قلق، وخوف من الحرام؛ بسبب هذه القطيعة، ومما أجده في نفسي، من كرهٍ لم أستطع التغلب عليه. لذا أفيدونا - جزاكم الله عنا خير الجزاء - بما يتوجب علينا عمله؛ وقاية من الوقوع في الحرام، واتقاءً لغضب الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي – أختنا السائلة – أنه من حق زوجة ابنك أن يكون لها مسكن مستقل، يحتوي على ضرورات المسكن، ويختلف الأمر سعة وضيقاً باختلاف قدرة الزوج، وحال الزوجة، وهذا من حقوق الزوجة التي يصح لها التنازل عنه لتسكن مع أهله؛ فإن تنازلت عن ذلك، أو شرط لها أن يسكنها مع أبويه، أو علمت ذلك من حال زوجها، وقبلته: لم يكن لها أن تعود فتكلفه أن يستقل لها بسكناها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ومَنْ شرط لها: أن يسكنها منزل أبيه، فسكنت، ثم طلبت سكنى منفردة، وهو عاجز: لم يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادراً فليس لها عند مالك، وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره، غير ما شرط لها ". "الاختيارات الفقهية" (541) .
ثانياً:
مما يجب عليك علمه – أختنا السائلة – أن زوجات أبنائك لا يجب عليهن خدمتكِ أنتِ وزوجكِ، إلا أن يكون ذلك بطيب نفسٍ منهنَّ، وليس من حق الزوج على زوجته خدمة أمِّه وأبيه، ولا على مثل هذا تمَّ العقد الشرعي بينهما، بل الواجب عليها خدمة زوجها، والعناية بأولادها، وأما تكليف الزوجات بالعناية بأهل الزوج، والرعاية لهم: فهذا مما لا توجبه الشريعة على إحداهنَّ، إلا أن تتبرع واحدة منهنَّ عن طيب نفسٍ منها؛ احتساباً للأجر الأخروي، وإرضاء لزوجها، فالبحث عما يُرضي الزوج من الأعمال المباحة وفعله من قبَل الزوجة: مما يدل على رجاحة عقلها، ومتانة دينها، ومن لا تفعل: فلا حرج عليها.
وانظري في ذلك: جواب السؤال رقم: (120282) .
ثالثاً:
إذا كانت خدمتك ليست واجبة على زوجات أبنائك بأصل الشرع، فقد قال الله تعالى: (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/237، وقال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة /195. وقد جرت عادة أهل المروءات بمثل ذلك، لا سيما مع وجود القرابة والرحم بينكم، وفراغها من الشغل بأولادها، أو العمل خارج البيت.
لكن يجب على ولديك أن يساعدا زوجتيهما على ذلك، فإن تثاقلت إحداهما ساعدتها الأخرى، وليحاول الأبناء المساعدة في ذلك من قبلهن، فإن كان عندهما قدرة على استئجار خادمة لكما، وكان ذلك متاحا عندكم: فعليهما أن يعيناكم بتلك الخادمة، وإلا فبإمكانهما أن يعينا زوجتيهما على تلك الخدمة بما يقدران عليه، والكلمة الطيبة صدقة!! .
رابعاً:
ما حصل منك من تغير ناحية هذه المرأة وأهلها أمر طبيعي؛ فقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها. لكن أهل الفضل لا يسترسلون وراء ذلك، بل يجاهدون أنفسهم على التخلص من تلك الآثار، والعفو والصفح عمن أساء. قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى/40. فإن ارتقى المرء إلى منزلة الإحسان إلى من أساء إليه، فذلك الفضل العظيم من الله جل جلاله. قال تعالى:
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت /34-36.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصِلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان حصل فائدة عظيمة.
{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي: كأنه قريب شفيق.
{وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته، وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟!
فإذا صبر الإنسان نفسَه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذًا مستحليًا له.
{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق. " انتهى.
"تفسير السعدي" (749) .
وفي صحيح مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) .
نسأل الله أن يصلح ذات بينكم، وأن يهدينا سواء السبيل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1069)
زوجها لا يريد تكثير الأولاد وهي تريد الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[منّ الله علينا بولدين وأرغب بالثالث ولكن زوجي يرفض هذه الفكرة ويقول أن هذا الزمان صعب وانه يكفينا طفلان، لذلك هو يستخدم العازل لكي لا أنجب طفلاً ثالثاً. كلما اخبره في هذا الموضوع يغضب مني. فهل يجوز لي أن أرفض أن أنام معه والحالة هذه؟ وهل يجوز لي أيضا أن أطلب منه الطلاق؟ أم أن الأفضل أن أتخلى عن رغبتي هذه وانصاع لما يريد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تكثير الأولاد أمر رغَّبت فيه الشريعة، وحثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أبو داود (2050) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ) . وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1784) .
ولهذا ينبغي أن يحرص الزوجان على تكثير الذرية، وأن يفرحا بذلك، ويشكرا نعمة الله عليهما.
ثانيا:
يجوز تأخير الإنجاب زمنا معينا للمصلحة، كضعف المرأة ومرضها، ولا يجوز ذلك خوفا من الفقر أو خوفا من تربية الأولاد؛ لما في ذلك من سوء الظن بالله تعالى.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي: " إن المجمع الفقهي الإسلامي يقرر بالإجماع أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق، لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، أو كان ذلك لأسباب أخرى غير معتبرة شرعاً.
أما تعاطي أسباب منع الحمل أو تأخيره في حالات فردية لضرر محقق، لكون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين، فإنه لا مانع من ذلك شرعاً، وهكذا إذا كان تأخيره لأسباب أخرى شرعية أو صحية يقرها طبيب مسلم ثقة، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرر المحقق على أمه إذا كان يُخشى على حياتها منه بتقرير من يوثق به من الأطباء المسلمين " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/200) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تنظيم النسل بحيث يجعله كل خمس سنين، لأنه يرى فساد المجتمع ولا قدرة له على السيطرة على تربية الأولاد المتتابعين في هذا الفساد الغامر للمجتمع؟
فأجاب: " أما ما دام هذه النية فإنه لا يجوز، لأنه إساءة ظن بالله عز وجل فيما يرغبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (تزوجوا الودود الولود..) .
أما إذا كان تنظيم النسل من أجل حال المرأة - أنها لا تتحمل - فهذا قد نقول بجوازه، وإن كان الأولى تركه " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (7205) .
ثالثا:
يجوز استخدام الواقي والعزل، أي: الإنزال خارج الفرج، بشرط أن تأذن الزوجة بذلك، لأن لها الحق في الاستمتاع وفي الولد.
ودليل جواز العزل حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا) رواه البخاري (5209) ومسلم (1440) واللفظ له.
وليس للزوج أن يفعل ذلك بغير رضا زوجته لما سبق.
فإن أصر على موقفه مع رغبتك في الولد، فقد أساء وأخطأ، لكن لا ينبغي أن يقابل عمله بالامتناع عن فراشه، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية، وقد روى البخاري (3237) ومسلم (1736) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
فأدي الحق الذي عليك، وسلي الله الحق الذي لك، واصبري واحتسبي، واستمري في النصيحة، ولا تطلبي الطلاق، بل حافظي على بيتك وأسرتك، واهتمي بتربية أبنائك، وسلي الله الذرية الصالحة، فإن الله إذا قدر وجود الولد لم يمنعه عزل ولا واقٍ ولا غيره.
وقد روى أحمد عن جابر رضي الله عنه في حديث العزل قال: وَإِنِّي كُنْتُ أَعْزِلُ عَنْهَا – أي الجارية - وَأُصِيبُ مِنْهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا قَدَّرَ اللَّهُ لِنَفْسٍ أَنْ يَخْلُقَهَا إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ) .
وروى البخاري (5210) ومسلم (1438) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَصَبْنَا سَبْيًا فَكُنَّا نَعْزِلُ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ! قَالَهَا ثَلَاثًا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1070)
تخاف من إهمال زوجها لها لأنه يقضي معظم وقته في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في العشرين من عمري، تم عقد قراني منذ أشهر قليلة، واتفقنا على إعلان الدخول بعد سنة ونصف، وأنا أشعر بالضيق الشديد والملل بسبب إهمال زوجي لي وعدم اهتمامه بشؤوني، بسبب أنه يقضي معظم أو كل وقته في العمل، وأنا أشعر بالخوف الشديد من هذا الزواج، وخصوصا أني في مقتبل عمري ولازلت في بيت أهلي، لا أعلم ما سيحدث عند انتقالي إلى بيته، وشعوري بالوحدة والأفكار السيئة تعصف بي، وخصوصا أني مرغوبة من كثير من الناس، وأشعر بأني أضيع نفسي وحياتي في هذا الزواج، فماذا تنصحني أن أفعل؟ وما هي حقوقي على زوجي ودليل من السنة والقران على ذالك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان زوجك مرضيَّ الدين والخلق، فلتحمدي الله تعالى على نعمة تيسير الزواج، واتركي الخوف والقلق، وإن كنا نرى هذه الهواجس أمراً متوقعاً ممن هي في مثل سنك وحالك؛ بل كثير من الناس يشعرون بنوع من الفتور بعد إتمام الخطبة أو عقد القران؛ لكن على الإنسان أن يغلّب جانب التفاؤل، وحسن الظن، ما دام الأهل على معرفة سابقة به، أو استفرغوا وسعهم في التحري عن حاله، من حيث الدين والخلق والأمانة، والجدية في الحياة.
وكون الزوج لديه عمل يأخذ الكثير من وقته لا يعتبر أمراً شاذاً في هذا العصر؛ لغلاء المعيشة وضعف موارد الكسب، والزوج العاقل الحريص على أهله: يوازن بين ذلك وبين القيام بحقوق أهله، فيعطيهم من عطفه ورعايته وملاطفته ما يستطيع عند عودته إليهم، ويستغل أوقات راحته في إشاعة جو من المودة والرحمة تنسيهم بعده عنهم. وهو أمر نأمل أن تجديه مع زوجك، إن شاء الله، متى أتمتم البناء.
وللزوجة حقوق على زوجها، كما أنه له حقوقاً عليها، فمن حقها: أن يقوم بكفايتها في المسكن والمطعم والملبس، وأن يحسن عشرتها، وأن يقوم على صلاح دينها بإعانتها على الطاعة، وحجزها عن المعصية، ووقايتها من النار. وله عليها أن تطيعه، وتحسن عشرته، وتحفظه في نفسها وعرضها.
وينظر تفصيل هذه الحقوق وأدلتها في جواب السؤال رقم (10680) .
وننبهك، أيتها الأخت السائلة، إلى أن المرأة وإن كانت مرغوبة من كثير من الناس، فإنها إذا قبلت برجل زوجاً، فعليها أن تقنع بذلك وترضى به، وتسعى لإسعاده، وترجو الخير في عيشها معه، وتسأل الله العون على أداء حقه، وبهذا تؤهل نفسها للحياة السعيدة معه.
وأما من تنظر لحالها، وتعجب بنفسها، وتغتر بإقبال الناس عليها: فهذه قد لا يحالفها التوفيق مع زوجها، ولا تصل إلى القناعة بوضعها، فتخسر سعادتها وراحة نفسها، عافاك الله من ذلك.
والحاصل أنا نوصيك بترك الخوف والقلق، وتغليب الرجاء وحسن الظن، وسؤال الله تعالى التوفيق والسداد.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (قُلْ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي) رواه مسلم (2725) .
وفي رواية: (قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، وله حاجة، فأبطأت عليه، قال: (يا عائشة؛ عليك بجُمَلِ الدعاء وجوامِعِه) .
فلما انصرفت قلت: يا رسول الله وما جمل الدعاء وجوامعه؟
قال قولي: (اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم. وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك مما سألك به محمد، وأعوذ بك مما تعوذ منه محمد، وما قضيتَ لي من قضاء فاجعل عاقبته رشداً) رواه البخاري في الأدب المفرد (639) وصححه الألباني.
فأكثري من هذا الدعاء، وأحسني صلتك بالله، وأمّلي فيما عنده خيراً، واستعيني بالناصح الأمين، صاحب الخبرة، من أهلك وأوليائك، إذا أشكل عليك أمر من ذلك.
نسأل الله تعالى أن يصلح حالك وحال زوجك وأن يكتب لكما التوفيق والسعادة والهناء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1071)
اشترط عليه عند الخطبة أن تكمل زوجته تعليمها فهل يلزمه دفع المصاريف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبني رجل ذو خلق ودين وعند الرؤية الشرعية قال له والدي أني أريد أن أكمل تعليمي بعد الثانوية، وقال أنه لا يمانع إذا كان تعليما شرعيا.. ولكن عند كتابة عقد النكاح لم أشترط شيئا لأنه ليس من عادتنا أن نكتب شروطا.. وأن ما اتفقنا عليه قد تم ولا داعي لذكر ذلك..وبعد الزواج لم يتيسر لي جامعة إسلامية غير مختلطة.. والآن بعد مضي عدة سنوات وجدت جامعة إسلامية وفق الشروط الشرعية وأريد أن أنتسب إليها.. هل يجوز لزوجي منعي من الدراسة وهل يلزمه مصاريف الدراسة؟ وهل يلزمه إن قمت بدفع المصاريف أن يكون المسئول عن توصيلي لمقر الامتحان الذي يبعد حوالي نصف ساعة عن مكان سكني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم الزوج أن يفي بما اشترطته المرأة عليه عند عقد النكاح أو قبله، وفيه نفع لها؛ لما روى البخاري (2721) ومسلم (1418) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
ولقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك: أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة , أحدها: ما يلزم الوفاء به , وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته , مثل: أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها , أو لا يتزوج عليها ... فهذا يلزمه الوفاء لها به , فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح. يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص , ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم" انتهى من "المغني" (9/483) .
وعليه؛ فإذا أُخبر الخاطب بأنك تريدين إكمال التعليم بعد الثانوية، فإن كان المراد بذلك أن يسمح ولا يمانع، فيلزمه الوفاء، وإن كان المراد أن يسمح ويتحمل التكاليف أيضا، فإنه يصير ملزما بذلك، لكن هذا يعتريه النظر في كونه وافق على الدراسة لكونها مجانية، أو لكونها ذات تكاليف معينة في ذلك الوقت.
ولهذا فنصيحتنا أن يتفاهم الزوجان في ذلك، وأن يتطاوعا ويتعاونا على ما فيه الخير والنفع، مع وجوب الوفاء بالشرط بحسب ما اتُّفق عليه في ذلك الوقت.
وأما إيصال الزوج لزوجته إلى مقر الدراسة، فإذا لم يكن قد دخل هذا في الشرط، فإنه لا يلزمه، ويمكنها الذهاب مع أخيها أو أبيها أو غيرهما من محارمها، أو تذهب مع بعض صديقاتها.
ولكننا ننصح الزوج بعدم التشدد في الأمر، وأن يحسن عشرة زوجته، ليكون ذلك سبباً لدوام المحبة والمودة بينهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1072)
ادعت أن زوجها لا ينفق عليها وحكمت المحكمة بطلاقها
[السُّؤَالُ]
ـ[سافر زوجي إلى خارج البلد ولا أعرف مكانه ولا يتصل بي ولي منه ولد وبنت وقد رفعت عليه قضية طلاق في المحكمة وتطلقت منه غيابيا وتركت أولادي عند أهل زوجي فهل يحق لي نفقة ومواخر صداق مع العلم بأني لم أتنازل عن حقوقي في المحكمة هذه هي قصتي التي أخبرت بها المحكمة حسب ما أشار علي المحامي أما قصتي في الحقيقة فهي أن زوجي قد سافر إلى العمل في الخارج وبقيت أنا والأولاد عند أهله على أمل أن يرسل في طلبنا في أقرب وقت وبعد ثلاث سنوات لم يتمكن زوجي من أن يجمع شمل العائلة مع العلم بأنه كان يرسل لنا النقود بما يكفي سد حاجاتنا الضرورية وقد كان أهل زوجي يتكفلون بكافه مصاريف المعيشة وأنا عندما طلبت الطلاق من زوجي لم يقبل بل أخبرني بأنه يريد العودة إذا كان هذا يغير رأيي في طلب الطلاق وأنا أخبرته بأني مصرة على الطلاق في كل الأحوال ورفض هو الطلاق ورفض ترك أولادي معي وقال لي إذا أردت الطلاق فيجب أن ألجئ إلى المحكمة لأنه لن يطلق سؤالي هو: ما هو موقفي؟ وهل استحق نفقه شرعاً وقانونا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق لغير عذر شرعي؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومن الأعذار المبيحة لطلب الطلاق: سوء عشرة الزوج، وامتناعه عن النفقة، وغيابه عن زوجته أكثر من ستة أشهر دون موافقتها، وكراهة الزوجة لزوجها بحيث يشق عليها البقاء معه.
ثانيا:
تطليق المحكمة لك، إن كان مبنيا على ما ذكرت من الأمور الكاذبة، فلا عبرة به في حقيقة الأمر، وعليك أن تذكري للمحكمة الأمر الواقع وتبيني سبب رغبتك في الطلاق، أو تتفاهمي مع زوجك ليطلقك، أو تلجئي للخلع، فتتنازلي عن مؤخر صداقك أو غيره مما تتفقان عليه.
ثالثا:
لا يحل لك شرعا مطالبة الزوج بالنفقة عن مدة غيابه، والواقع أنه كان ينفق عليك كما ذكرت.
وأما المحكمة فقد تقضي لك بنفقة هذه المدة بناء على كذبك، فإن قضت به، فلا يحل لك شيء منه؛ لأن حكم القضاء لا يبيح الحرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (6967) ومسلم (1713) .
وأما النفقة بعد الطلاق، ففيها تفصيل: فالمطلقة الرجعية لها النفقة ما دامت في العدة.
والمطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملا، وينظر جواب السؤال رقم (82641) .
رابعا:
مؤخر الصداق حق للمرأة لا يجوز الاعتداء عليه، سواء طلقت أو بقيت مع زوجها، إلا أن تتنازل عنه برضاها، أو في مقابل خلعها من زوجها.
ونصيحتنا لك أن تتقي الله تعالى، وأن لا تطلبي الطلاق إلا عند وجود العذر المبيح لطلبه، وأن تحذري أشد الحذر من أخذ ما لا يحل لك، فإن الظلم وأكل المال الحرام عاقبتهما إلى خسران وبوار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1073)
زوجته تعصيه وتغضبه وترفع صوتها عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج وزوجتي لا تطيعني ولا تحترمني وترفع صوتها علي. وعندما أمنعها من زيارة أهلها بحجة انشغالي بصلاة التراويح أو بالعمل تقيم الدنيا وتغضب لأتفه الأسباب وأهلها يشجعونها على ذلك بحجة أنني معقد لسبب بسيط هو أنني ألزمتها ارتداء الحجاب وأمنعها من التبرج والتعطر عند الخروج ... إلخ من المحرمات وعندما أهجرها أو أغضب تشتكي لأهلها الذين يزيدون الطين بلة وتذهب إليهم مرارا وتكرارا وتبيت دون إذني بحجة أنها غاضبة.. فهل أطلقها أم أمسكها واصبر وهل أنا مأجور على صبري أم أنه انتقل من الصبر إلى الذل والمساس بالكرامة؟ وهل الطلاق في هذه الحالة مستحب أم واجب؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على كل من الزوجين معاملة الآخر بالمعروف، كما قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19
، وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ) البقرة/228،
ويجب على الزوجة خاصة أن تطيع زوجها وأن تمتثل أمره، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه، وأن تعلم أن حق الزوج عليها عظيم، وأن طاعته مقدمة على طاعة أبيها وأمها.
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقِّه، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على ظهر قَتَب) .
قال الهيثمي: رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح. "مجمع الزوائد" (4/309) .
و (القَتَب) هو ما يوضع على البعير تحت الراكب.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 660.
فقرن صلى الله عليه وسلم بين طاعة الزوج وأداء الصلاة والصوم وحفظ الفرج، وهذا دليل على عظم شأن طاعة المرأة زوجها.
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في الخروج حتى لزيارة الأهل: ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتأذن لي أن آتي أبوي) رواه البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها: (أتأذن لي أن آتي أبوي) فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها " انتهى.
ثانيا:
إذا كانت الزوجة تعصي زوجها، ولا تحترمه، وترفع صوتها عليه، فهي عاصية لربها، ناشزة عن حق زوجها، وقد أرشد الله تعالى إلى علاج النشوز بقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/34، 35.
فعليك أن تبدأ بوعظها ونصحها، وبيان خطئها، وإن استعنت بمن يبين ذلك من امرأة صالحة، أو بواسطة شريط ونحوه، فحسن.
فإن لم يُجد الوعظ، كان الهجر، ثم الضرب غير المبرح، ثم الاستعانة بصالحي أهلك وأهلها، ليحكموا بينكما.
ثالثا:
إذا أصرت الزوجة على النشوز، فإن القول في طلاقها أو إمساكها، يتوقف على المصالح والمفاسد التي تنتج عن ذلك، ويختلف باختلاف حال الزوج وحال أولاده إن وجدوا، وعلى الزوج أن يفكر في ذلك مليا، وأن يستشير من أهل الصلاح والرشد من يعرف حاله معرفة جيدة ليشير عليه بما ينفعه.
رابعا:
إذا اخترت إمساك زوجتك، وصبرت عليها فأنت مأجور إن شاء الله، قال الله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/ 19، ولن تجني من الصبر إلا خيرا، فإن الله تعالى مع الصابرين، وقد وعدهم بأحسن الجزاء، مع حسن العاقبة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة/153، وقال سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10، وقال: (فَاصْبِْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود/49، وقال: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف/90
ولكن ينبغي أن تعلم أن الصبر وكظم الغيظ والعفو عن المسيء، لا يعني الذل والضعف، والفرق بين المقامين لا يخفى على كثير من الناس، فينبغي أن ترى الزوجة من زوجها قدرته على فراقها والاستغناء عنها، وعلى مقابلة السيئة بالسيئة، إلا أنه يدع ذلك لله تعالى رغبة فيما عنده من الأجر. فسكوته ليس سكوت العاجز، وتمسكه بها ليس تمسك الضعيف، وهذا ينبغي أن يصحبه الوصية بتقوى الله تعالى، والحذر من اتباع خطوات الشيطان الحريص على التفريق والإفساد، فيقول الزوج لزوجته: اتقي الله تعالى، ولا تكوني عونا للشيطان علي، فربما فارقتُ حلمي فرددت إساءتك بمثلها، وربما خرجتِ دون إذني فدعاني ذلك إلى تركك بالكلية، ونحو هذا الكلام الذي تعلم منه الزوجة أن الزوج قادر على تنفيذ ما يتكلم به، لولا حرصه على زوجته وعلى بيته وأسرته.
ونوصيك بالدعاء أن يهدي الله زوجتك ويصلح حالها.
نسأل الله تعالى لكما التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1074)
أفسد عليها أهلها حياتها الزوجية، وتريد " الخلع "، فكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج لي سنة، وحياتي - أنا وزوجتي - سعيدة أحياناً، فأنا أعطيها أي شيء تريده من حاجيات، ولكن المشكلة هي أهلها، وأمها بالذات، لا تريدني، وتخرب عليَّ حياتي إلى أن أثَّرت على زوجتي، وخربت علينا حياتنا، وأنا أحب زوجتي، ولا أريد أن أطلقها. وفي يوم من الأيام بعد الإفطار عند بيت أهل زوجتي: رفض أبوها أن ترجع زوجتي معي إلى البيت؛ لأسباب واهية، وأُشهد الله أني لم ألمسها بشرٍّ قط، ولم أقصر في أي من حقوقها، وأني لا أجعلها تطبخ؛ لكي لا تتعب، وكل شيء تريده آتي لها به، ولكن تأثير أمها كان كبيراً عليها؛ لأنها البنت الوحيدة لهم، طلب مني أبوها الخلع، وأنا أريد زوجتي، وقد منعني أن أكلمها، أو أن أراها. والآن مضى شهر بدون أن استطيع محادثتها، فماذا أفعل؟ . إن طلبت الخلع من غير سبب شرعي: فقد دفعتُ مهراً 50000 الف ريال، وعملت فرحاً بقيمة 60000 الف ريال غير ما أعطيتها هي من هدايا، وشراء أثاث، واستأجرت شقة بقيمة 30000 ألف ريال أو اكثر، وأنا طالب، وهم يدركون ذلك، فهل لي أن أطلب ما دفعته بحكم القاضي؟ . وهل أستطيع محاكمتها بأنها هجرتني بدون سبب، أو محاكمة أبيها بأنه قد منعني من حقي الشرعي بدون مسبب؟ . فأنا - والله لا أستطيع إلا التفكير بزوجتي، ومقدار الحب الذي زال بسبب أمها، وأريد أن أتزوج بأخرى لكي تستقر حالي، ونفسيتي التي أصبحت مريضة بسبب حبي لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إفساد الزوجة على زوجها من كبائر الذنوب، ويقبح بأهل الزوجة أن يكونوا هم من يقوم بهذا الفعل الشيطاني، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم أعمال جنود إبليس عنده.
قال تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/ من الآية 102.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ) .
رواه أبو داود (2175) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
" خبَّبَ ": بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي: خدع وأفسد.
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: (فَيَلْتَزِمُهُ) .
رواه مسلم (2813) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فسعي الرجل فى التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين.
" مجموع الفتاوى " (23 / 363) .
وقال الشيخ صالح الفوزان- وفقه الله -:
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها، ويخببها عليه؛ فقد جاء في الحديث: " ملعون من خبَّب امرأة على زوجها " ومعناه: أفسد أخلاقها عليه، وتسبب في نشوزها عنه.
والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 248، 249) .
فالواجب على أهل الزوجة أن يتقوا الله تعالى ربَّهم، وأن يعلموا أنهم قد وقعوا في كبيرة من كبائر الذنوب، فعليهم واجب إصلاح ما أفسدوا، وإرجاع الزوجة – ابنتهم – إلى زوجها، وهو في مصلحتهم، ومصلحتها.
كما يجب على الزوجة أن تتقي الله تعالى ربَّها، وأن لا تلتفت إلى من يريد إيقاع الفساد في بيتها، وهدم أركان بيت الزوجية، وها هو زوجها يعلن حبَّه لها، وعدم صدور شيء منه يسبِّب هجرها له، فليس أمامها إلا التوبة من فعلها، وطلب الصفح من زوجها، والعودة إلى عش الزوجية، وهي نعمة حرمها ملايين النساء في العالَم، فلا تشتري شقاءها بثمن تدفعه، وقد بُذلت لها الأموال لإسعادها.
ولتعلم الزوجة أنه قد ورد وعيد شديد فيمن تطلب الطلاق من غير بأسٍ، وهي الشدة الملجئة لهذا الطلاق.
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
الأخبار الواردة في ترهيب المرأةِ من طلب طلاقِ زوجها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك.
" فتح الباري " (9 / 402) .
فإن كان في زوجها من العيوب ما يدعوها لطلب الطلاق، وعدم القدرة للصبر على زواجها: فلا حرج حينئذٍ من طلبها للطلاق، فإن لم يرضَ زوجها تطليقها: فلها طلب " الخلع "، فتفتدي نفسها منه بما يطلبه منها.
وينظر تفصيل هذا ي جواب السؤال رقم: (101423) .
ثانياً:
ونقول للزوج في نهاية المطاف:
إذا كانت زوجتك قد طلبت الطلاق لما تراه منك من ارتكاب معاصٍ، أو سلوك لا يطاق، كضربها، وإهانتها، وشتمها: فإن طلبها للطلاق لا تأثم عليه، ولها حق مهرها كاملاً، المقدَّم منه والمؤخر.
وإذا كان طلبها للطلاق لغير سبب يستحق ذلك، كما ذكرته أنت في قصتك معها: فهي آثمة، ولك أن تصر على عدم تطليقها، وتحاول إدخال العقلاء من الناس للإصلاح بينك وبينها، وبينك وبين أهلها، فإن لم يُجدِ هذا الأمر نفعاً: فلك أن ترفع قضية " هجر " عليها، وقضية " تخبيب " على أهلها، إن رأيت ذلك، ولا ننصحك بمثل ذلك، بل ننصحك - إذا لم ينفع الإصلاح من الشفعاء -: أن تقبل " الخلع "، وأن تطلب منها ومن أهلها مهرها الذي دفعته لها، وما بذلتَه من مصاريف على الزواج، كما لك أن تطلب تنازلها عن حضانة أولادها – إن كان بينكما أولاد.
وانظر تفصيل الخلع في جوابي السؤالين: (26247) و (99881) ، وانظر في عدة الخلع، ورجوع المختلعة لزوجها: جوابي السؤالين: (5163) و (14569) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح بينكما، وأن يهدي زوجتك لما يحب تعالى ويرضى، وأن يجمع بينكما على خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1075)
هل يجب على الزوجة أن تخدم أم زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لأم الزوج حق على الزوجة بالنسبة للخدمة وغيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أم الزوج ليس لها حق واجب على الزوجة بالنسبة للخدمة، لكن لها حق من المعروف
والإحسان، وهذا مما يجلب مودة الزوج لزوجته أن تراعي أمه في مصالحها، وتخدمها
في الأمر اليسير، وأن تزورها من حين لآخر، وأن تستشيرها في بعض الأمور، أما وجوب الخدمة فلا تجب" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/488) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1076)
اختلافات شديدة بين زوجين، فهل ننصحه بالطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متأهل، ولديَّ أولاد وزوجة، ولكن دائم الاختلاف مع زوجتي، وقد حاولت مراراً أن أحل مشكلتي معها ولكن دون فائدة، وهي ليست راضية بالطلاق، ولا ترضيني من الناحية الجنسية، وعرفاً ليس مسموحاً عندنا أن نتزوج بالزوجة الثانية، أو لا يزوجون بناتهم بالرجل المتأهل، وأنا خائف إن استمر الوضع هكذا أن أرتكب المحذور، فأفيدوني، وأرشدوني، وأرجو منكم النصيحة، وكيفية الخلاص من مشكلتي هذه، وماذا هو الحل الأمثل؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تخلو بيوت الناس من مشكلات، وبعضها يسهل حلها، وبعضها يصعب، ولا بدَّ لمن أراد حل مشكلاته، أو مشكلات غيره أن يكون على علم بالأسباب التي أدت إلى ذلك الاختلاف، والتخاصم، والتنافر، سواء بين الزوجين، أو بين الصديقين، أو بين الأب وابنه، وعموم أطراف النزاع.
ونحن لا ندري عن سبب الاختلاف بينك وبين زوجتك، لذا فلن يكون منَّا إلا الإرشاد العام الذي يصلح لك ولغيرك.
ابحث – أخي السائل – عن سبب تلك الاختلافات بينك وبين زوجتك، فقد تكون أنت سبباً رئيساً وكبيراً فيها، بطبعٍ لك لا تستطيع تغييره، أو بسبب سوء معاملة منك لزوجتك، أو لقلة اهتمامك بها وبأولادك، أو لغير ذلك مما لا يحصى كثرة، فعليك معالجة أخطائك، وعليك أن تقضي على تلك الاختلافات بالقضاء على أسبابها إن كانت من طرفك، ولا يخفى عليك أن حسن العشرة للزوجة، وجميل الاهتمام بها، والثناء عليها بأعمالها، وحسن الرعاية للأولاد، مع الحرص على الإتيان بلوازم البيت: كل ذلك يجعل في قلب الزوجة رضا عن زوجها، وهو مما يجلب المودة بينهما، وينشر الرحمة في أرجاء البيت.
وأما إن كانت أسباب المشكلات والاختلافات بينكما هو: الزوجة، فعليك أيضاً معالجة ذلك عندها بالحكمة والموعظة الحسنة، وأسهل شيء على الزوج – في الأصل والغالب – أن يطوِّع زوجته لطرفه، وأن يجعلها تحب ما تبغض، وتبغض ما تحب؛ لأن الزوجة عندما ترضى برجل لها زوجاً فهي ترضى بأن تعيش وفق رغباته، واهتماماته، وليس شرطاً أن تكون محبة لذلك راضية عنه، وهذا طبع الزوجات في الأصل، لذا فإن المرأة تكون تابعةً لزوجها، ومن هنا كان تحريم تزويج المرأة المسلمة لكافر، ومن هنا أيضاً كانت الوصية بحسن اختيار الزوج، وأنه يكون صاحب خلُق ودِين؛ لئلاَّ تتأثر المرأة سلباً بدينه، وخلقه.
ثانياً:
وقد لا يتوافق زوجة مع زوجته في طبعهما، فلا هو بالقادر على تحسين تعامله مع زوجته، ولا هي بالراضخة لرغبات زوجها المباحة، وهنا تكون محطة الفراق بينهما، ويكون بقاؤهما زوجين تضييعاً للوقت، وتكثيراً للمشكلات، والآثام، وليعلم كلا الطرفين أنه لن يكون ناجحاً في زواجه الثاني إن كان الأول فاشلاً بسببه، ولعدم تغيير طباعه وسلوكه.
وبحسب ما جاء في السؤال: فإننا نقول: إذا لم ير الزوج إصلاحاً من الزوجة لنفسها تجاهه، وليس هو السبب في تلك المشكلات: فليس أمامه إلا الطلاق، وآخر الدواء الكي! ، وليس شرطاً أن ترضى الزوجة به حلاًّ، فرضاها ليس معتبراً لوقوع الطلاق، وإنما قلنا إن حل تلك المشكلات هو الطلاق لأسباب – من خلال سؤالك -:
الأول: تعذر صلاح حال زوجتك، وطول المدة التي استمرت بها تلك الاختلافات بينكما.
الثاني: عدم قدرتك على التزوج من أخرى، بسبب بيئتك.
الثالث: خشية وقوعك في الحرام بسبب عدم تلبيتها رغبتك الجنسية.
فأعطها فرصة أخيرة، وحدد لها وقتاً لتصلح نفسها، وحالها، فإن لم يحدث تغيير من طرفها: فلا تتردد في إيقاع الطلاق، واحذر من الوقوع في الحرام، فأنت الآن في شرع الله محصن، وحدُّك الرجم إن وقعت – لا قدر الله – في الحرام، وقد كثر الوعيد في الإسلام للمتعدي على حرمات غيره، وللواقع فيما حرَّم الله عليه من الفواحش، فاحذر أشد الحذر.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1077)
أمها مريضة بالمستشفى وزوجها لا يسمح لها بالمبيت معها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف امرأة أمها مريضة في المستشفى وزوجها لا يريدها أن تذهب للمبيت مع أمها، فهل تطيع زوجها وتجلس في البيت؟ وملحوظة: حيث إنه قام بتهديدها بالطلاق إذا ذهبت إلى أمها. وملحوظة أخرى حيث إن بعض أقاربها يقولون لها: أتركي البيت واذهبي إلى أمك. السؤال هل لها الأجر في طاعتها لزوجها أم لا؟ وهل يغضب الله عليها لعدم ذهابها لزيارة أمها والمبيت معها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا منع الرجل زوجته من زيارة والديها، لزمها طاعته، على الراجح من قولي أهل العلم، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم 87834.
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين: ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتأذن لي أن آتي أبوي) . البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها: (أتأذن لي أن آتي أبوي) فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها" انتهى.
ومن كلام أهل العلم في هذه المسألة:
قال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها؟
فأجابوا: "لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، لا لوالديها ولا لغيرهم؛ لأن ذلك من حقوقه عليها، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165) .
والذي ينبغي للزوج أن يأذن لزوجته في رعاية أمها والمبيت معها إن احتاجت ذلك، لما فيه من البر والصلة والإحسان.
لكن إن أصر على عدم ذهابها، فإنها تطيعه، وهي مأجورة على ذلك إن شاء الله، ولا تعتبر عاصية أو عاقة لأمها، لأن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الأم والأب، وقد تركت الذهاب إلى أمها والمبيت معها معذورة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1078)
يؤذيها زوجها، ويضيق عليها في النفقة، فهل تطلب الطلاق منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزوج الذي لا يصرف على زوجته، وابنه الرضيع إلا القليل جدّاً، حتى لا يكفي أسبوعاً، ويدَّعي الديون، وأعطال السيارة، وكل مرة يأخذ إضافة على قروضه التي عنده، ويقول لزوجته: خذي من أهلك، أو اصرفي من معاشك، وهو دائم الشتم، ومن جهة ثانية يصرف، ويخدم أهله غير المحتاجين، الذين يستغلونه في خدمتهم، ويشوشون، ويعطونه أفلاماً خليعة، ليترك زوجته، ويغيظها، مِن أمامها يعاتبونه، ويضحكون، ودائماً يهددها " سوف آخذ ولدي منك إذا طلبتِ الطلاق، وأعطيه لأهلي وما تشوفينه إلا مرة في الأسبوع بحكم القانون، وسوف أماطل بإعطائك الطفل كذالك ". أفتوني يا أهل العلم ما حكم الشرع في هذه الحالة، وطلب الزوجة الطلاق؟ . وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في الموقع بتفصيل حقوق الزوجين بعضهم على بعض في جواب السؤال رقم: (10680) فالاطلاع عليه يغني عن تكرار الكلام.
والحياة الزوجية لا تقوم على القهر، والهموم، والغموم، بل على المحبة، والمودة، ومن أجل ذلك كان الزواج من آيات الله تعالى، ولن تكتب السعادة لبيت زوجية لا يقوم الزوجان فيه بالعشرة بالمعروف، ويؤدي الذي أوجبه الله عليه، قبل أن يطلب الذي له.
وهذا الزوج الوارد السؤال من أجله واضح أنه مقصر في حق نفسه، وفي حق ربه تعالى، وفي حق زوجته وابنه، ولسنا نقضي بين الطرفين؛ إذ لسنا دار قضاء، بل نحن نجيب بحسب ما يأتينا من مسائل، وما يذكره السائل عن ذلك الزوج لا يشك عاقل أنه مخطئ، وأنه يحتاج من ينصحه، ويذكره بربه تعالى، وبما أوجب عليه من العناية والرعاية بأسرته جميعها، وبأنه يحرم عليه الشتم والسب، ويحرم عليه قبول الأفلام الخليعة من أحد، فضلاً عن حرمة مشاهدتها، وأنه يحرم عليه أخذ القروض الربوية، وأنه لا يحل له التضييق على زوجته، وحرمانها من حقوقها، ومن ذلك: حقها في نفقته عليها، فالإسلام أوجب النفقة على الزوج، ولو كانت الزوجة غنية.
وينظر حول عمل الزوجة وما يتعلق به: جواب السؤال رقم: (103422) والأرقام المحال عليها فيه.
ثانياً:
بخصوص طلب الطلاق منه: فإنه يجوز للزوجة التي تتضرر من زوجها، جراء سوء أخلاقه، أو بسبب امتناعه عن النفقة عليها، أو التقصير في حق الزوجية: أن تطلب الطلاق منه، ولها أن تستوفي كامل حقوقها منه، ومن طلبت الطلاق من بأس، وشدة، وأسباب تبيح لها طلب الطلاق: لم تدخل في الوعيد الوارد في هذه المسألة.
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الحافظُ ابنُ حجر - رحمه الله -:
الأخبارُ الواردةُ في ترهيبِ المرأةِ من طلبِ طلاقِ زوجِها: محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك.
" فتح الباري " (9 / 402) .
وينظر في الأسباب المبيحة للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها: (20002) و (101912) و (13243) و (13803) .
ثالثاً:
بخصوص حضانة ابنها: فالشرع يحكم به لها، ما لم تتزوج.
وانظر جوابي السؤالين: (8189) و (9463) .
والخلاصة:
إما أن تصبر الزوجة على أذى زوجها، مع السعي في إصلاحه، وكفه عن غيِّه، بالحديث المباشر معه، أو بتوسيط أهل العقل، والعلم، والحكمة، بينها وبينه، أو أن تطلب الطلاق منه إذا لم ينتفع بشيء من هذا، ولم يغيِّر من سلوكه معها، ولها ـ حينئذ ـ حقوقها كاملة، ويكون ابنها في حضانتها، فإن رفض التطليق، ولم تحتمل معاملته لها: فلها أن تخالعه، بأن تتنازل عن مهرها، فداء لنفسها.
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (101423) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1079)
هل يجب على المرأة خدمة زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما نسمع عن حوادث طلاق أو ضرب للزوجة من قبل الزوج بسبب أمور تافهة مثل (عدم طبخ الغداء) أو (تأخير الغداء) أو (حرق الغداء) ، وعندما تسألهم عن سبب ذلك التصرف يكون القول: (لأنها أهملت في واجباتها الشرعية) ، ولكن هل فكر أحدكم يوماً من الأيام عن الحكم في خدمة الزوجة لزوجها من الناحية الشرعية؟ هل يجب على المرأة (شرعاً) الطبخ لزوجها؟ أو تنظيف البيت أو الملابس؟ جمهور العلماء يقولون إنه لا حق للزوج على زوجته في هذه الأمور، إلا أن تقوم بها مختارة دون إلزام، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها، فذهب الجمهور إلى أنه لا يجب عليها ذلك، وذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19/44) : " لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت، سواء أكانت ممن تخدم نفسها أو ممن لا تخدم نفسها.
إلا أنهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة:
فذهب الجمهور (الشافعية والحنابلة وبعض المالكية) إلى أن خدمة الزوج لا تجب عليها لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به.
وذهب الحنفية إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانةً لا قضاءً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَسَّم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فجعل عمل الداخل على فاطمة، وعمل الخارج على علي، ولهذا فلا يجوز للزوجة - عندهم - أن تأخذ من زوجها أجرا من أجل خدمتها له.
وذهب جمهور المالكية وأبو ثور، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني، إلى أن على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها؛ لقصة علي وفاطمة رضي الله عنها، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وعلى علي بما كان خارج البيت من الأعمال، ولحديث: (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها [حقها] أن تفعل) . قال الجوزجاني: فهذه طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه بخدمته فيقول: يا عائشة أطعمينا، يا عائشة هلمي المدية واشحذيها بحجر.
وقال الطبري: إن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز، أو طحن، أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج، إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه " انتهى.
وجاء فيها (30/126) أيضاً في بيان مذهب المالكية السابق: " ... إلا أن تكون من أشراف الناس فلا تجب عليها الخدمة، إلا أن يكون زوجها فقير الحال " انتهى.
ويتأكد القول بلزوم الخدمة على المرأة إذا جرت العادة به، وتزوجت دون أن تشترط ترك الخدمة، لأن زواجها كذلك يعني قبولها الخدمة؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وقد رجح جماعة من أهل العلم القول بوجوب خدمة الزوجة لزوجها وذكروا أدلة ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة. وقاله الجوزجاني من أصحابنا وأبو بكر بن أبي شيبة" انتهى.
"الاختيارات" ص 352.
وقال ابن القيم رحمه الله: " فصل: في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها:
قال ابن حبيب في "الواضحة": حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين على بن أبى طالب رضي الله عنه، وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله.
في الصحيحين: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: (مكانكما، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم. قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين) .
وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه.
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقى الماء، وتخرز الدلو وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.
فاختلف الفقهاء في ذلك، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت، وقال أبو ثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء.
ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء، وممن ذهب إلى ذلك مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأهل الظاهر، قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع، لا الاستخدام وبذل المنافع، قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟
واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأما ترفيه المرأة، وخدمة الزوج، وكنسه، وطحنه، وعجنه، وغسيله، وفرشه، وقيامه بخدمة البيت، فمن المنكر، والله تعالى يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) البقرة/228، وقال: (الرجال قوامون على النساء) النساء/34، وإذا لم تخدمه المرأة، بل يكون هو الخادم لها، فهي القوامة عليه.
وأيضا: فإن المهر في مقابلة البضع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها، وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضا: فإن العقود المطلقة إنما تنزّل على العرف، والعرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلة، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعا وإحسانا يردّه أن فاطمة كانت تشتكى ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعلى: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابى في الحكم أحدا، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها، والزبير معه، لم يقل له: لا خدمة عليها، وإن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانية، فقال: (اتقوا الله في النساء، فإنهن عوانٍ عندكم) ، والعانى: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوع من الرق، كما قال بعض السلف: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين، والأقوى من الدليلين " انتهى من "زاد المعاد" (5/186) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما خدمتها لزوجها فهذا يرجع إلى العرف، فما جرى العرف بأنها تخدم زوجها فيه وجب عليها خدمته فيه، وما لم يجرِ به العرف لم يجب عليها، ولا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بخدمة أمه أو أبيه أو أن يغضب عليها إذا لم تقم بذلك، وعليه أن يتقي الله ولا يستعمل قوته، فإن الله تعالى فوقه، وهو العلي الكبير عز وجل، قال الله تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وقال في "الشرح الممتع" (12/441) : " والصحيح أنه يلزمها أن تخدم زوجها بالمعروف " انتهى.
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: هل من الواجب على الزوجة أن تطبخ الطعام لزوجها؟ وإن هي لم تفعل، فهل تكون عاصية بذلك؟
فأجاب: "لم يزل عُرْف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور ونحوه، كلٌّ بما يناسبه، وهذا عرف جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير، ولكن لا ينبغي تكليف الزوجة بما فيه مشقَّة وصعوبة، وإنما ذلك حسب القدرة والعادة، والله الموفق " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" ص 20.
وبهذا يتبين أن الراجح وجوب الخدمة بالمعروف، وأن المرأة مطالبة بالعمل في البيت، كما أن الرجل مطالب بالعمل والكسب خارجه.
ومن تمسك بقول الجمهور في نفي وجوب الخدمة، قيل له: والجمهور لا يوجبون على الزوج علاج زوجته إذا مرضت، وعللوا ذلك بأن العلاج ليس حاجة أساسية، أو بأن النفقة إنما تكون فيما يقابل المنفعة، والتداوي إنما هو لحفظ أصل الجسم.
ولكن من نظر إلى كون العلاج أصبح حاجة أسياسية في هذا العصر، تبين له رجحان القول بوجوب معالجة الزوج لزوجته. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (83815) .
وإذا لم تقم الزوجة بأعمال البيت، فمن الذي سيقوم بها؟ والزوج مشغول سائر يومه بالكسب، وأكثر الناس لا يستطيع دفع أجرة للخادمة.
ولو أن النساء امتنعن عن الخدمة، لأعرض الرجال عن الزواج منهن، أو اشترطوا عليهن الخدمة في عقد النكاح، ليزول الإشكال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1080)
هل يلزم المرأة استئذان زوجها وطاعته وهي في بيت أبيها قبل الدخول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ماذا يقول الشرع عن الزوجة التي تم عقد نكاحها، ولكن لم يتم الدخول الذي هو مقرر بعد سنة إن شاء الله، في هده الفترة هل يجب أن تأخذ الإذن من زوجها لفعل أي شيء (مثل الخروج أو الذهاب إلى أماكن لا يحبها الزوج) ، أو يكفي أن تأخذ الإذن من أبيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم الزوجة طاعة زوجها واستئذانه إذا انتقلت إليه، كما يلزمه أن ينفق عليها، وأما إذا كانت في بيت أبيها، ولم يدخل بها الزوج، فلا يجب على الزوج أن ينفق عليها ما دامت في بيت أبيها، وليس عليها طاعته، وإنما تستأذن أباها، وتطيعه، فإذا انتقلت إلى زوجها كانت طاعته أوجب.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل للمرأة المعقود عليها ولم يدخل بها الزوج يكون للزوج الحق في أن يقول لها: افعلي كذا ولا تفعلي كذا وهي في بيت والدها؟ أم ذلك في بعض الأمور يكون له الحق؟
فأجاب: " ما دامت عند أهلها لا حق له عليها حتى تنتقل عنده وتصير في بيته، ما دامت عند أهلها فهي في حكم أهلها يدبرها أهلها، وليس له حقٌ عليها بهذه الحال حتى تنتقل، إنما هي زوجة ليس لها أن تتزوج عليه، بل زواجه ثبت، وهو زوجها، ومتى تيسر دخولها عليه أدخلت عليه , وعليها أن تخاف الله وتراقبه وأن تبتعد عما حرم الله، لكن ليس له حق أنها تستأذن إذا أرادت الخروج، أو يكون له حق أن يمنعها من الخروج، هذا هي عند والديها الآن، فالأمر عند والديها حتى تنتقل إليه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" من موقع الشيخ رحمه الله.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: في امرأة تزوجت وخرجت عن حكم والديها , فأيهما أفضل: برها لوالديها؟ أم مطاوعة زوجها؟
فأجاب: " المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها , وطاعة زوجها عليها أوجب " - إلى أن قال -: " فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/147) .
وبهذا يتبين أن الزوجة يلزمها طاعة زوجها واستئذانه إذا انتقلت إلى بيت الزوجية.
وأما إذا كان الاتفاق على أن الدخول سيكون بعد سنة مثلا، فالزوجة في هذه الفترة في حكم والدها، تطيعه وتستأذنه، لكن الأولى بها ألا تفعل شيئا تعلم كراهة زوجها له، فهذا دليل على رجاحة عقلها، واستعدادها لتلبية رغبات زوجها مستقبلا، وعلى الزوج ألا يشدد في ذلك إذا سلم الأمر من المحاذير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1081)
يرغب بالسهر ويزعج زوجته وهي تشتكي من فعله، فهل يطلقها؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لا تسمع كلامي، أنا دائماً أعمل خارج المنزل، من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة الواحدة صباحاً، حينما أرجع إلى البيت أقول لها: اصنعي لي طعاماً، فتصنع، ولكن نظراً أني أسكن أنا وإياها في غرفة واحدة مع العيال، وهم اثنان، وحين أجلس على الكمبيوتر، أو التلفاز تقعد تصرخ بحجة أنها تريد أن تنام، وأنا خارج البيت لم لا تنام وتأخذ راحتها؟! ، يوميّاً على هده الحالة ماذا أفعل أطلقها أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
على الزوجين أن يعلما أن الحياة الزوجية عمادها التفاهم، وقوامها المودة والرحمة، ولذا فإن حياتهما الزوجية لا تكتمل إلا بالمعاشرة بالمعروف من كلا الطرفين.
قال تبارك وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" يجب على كلٍّ من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف؛ لقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، ولقوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228،وإذا حصلت المعاشرة بين الزوجين بالمعروف: فإن ذلك أبقى للمودة بينهما، وأتم للنعمة، وكم من فراق حصل بسبب عدم المعاشرة بالمعروف، فإذا اتقى الله كل واحد منهما، وعاشر الآخر بالمعروف، وأعطاه حقه الواجب عليه: حصل بذلك الخير، والبركة، وإذا كثرت النزاعات بين الزوجين: فإنك تجد أكثر أسبابها هو عدم المعاشرة بالمعروف، فالزوج يضرب زوجته على أتفه شيء، وهي تعانده وتخاصمه في أدنى شيء، لذلك يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، كما أمر الله تعالى بذلك " انتهى من "اللقاء الشهري".
وبخصوص حالتك أخي السائل فإن هناك ما ينبغي التنبيه عليه، فنرجو أن توفقا لما فيه الخير لكما ولأولادكما:
1. نرى أنه لا بدَّ لك من فصل الأولاد عن غرفتكما ـ إن استطعت ـ، واجعل غرفة نومكما لها خصوصية خاصة.
2. احذر من قضاء الليل في غير ما يرضي الله تعالى، فعملك فيه سهر، ثم إذا رجعت وتعشيت: صرتَ – تقريباً – في الثلث الأخير من الليل، وليس من الخير لك أن تقضي هذا الوقت على " التلفاز " أو " الكمبيوتر " بما ليس فيه نفع، أو بما فيه محرَّم، كما أن هذا الوقت هو للنوم لمن قضى ليله في انتظارك وخدمتك، فمن حق زوجتك أن تقضي هذا الوقت في النوم لتقوم في نهارها لخدمتك، وخدمة أولادك، وليس لك أن تزعجها، وتعكِّر عليها صفو نومها، فمن حقها عليك العشرة بالمعروف، وأنت لم تفعل من ذلك شيئاً فيما تخبرنا به، بينما نراها تنتظرك، وتجهز لك العشاء، وما تنكره عليها لا نراه منكراً، بل الصواب معها.
فكما أن الواجب على الزوجة مراعاة عمل زوجها، وتعبه: فعلى الزوج مراعاة عمل زوجته في بيتها، وفي خدمته، والعناية بأولاده، وما تقوم به الزوجة أضعاف ما يقوم به الزوج، وإذا كنتَ تعمل من الخامسة عصراً إلى الواحدة ليلاً: فإن زوجتك تعمل على مدار الساعة، وحتى في نومها فإنها لا تهنأ به، فإذا صرخ أحد أولادها، أو احتاج شيئاً: فإنها هي من تقوم بخدمته والعناية به ليس أنتَ، فهل يليق بعد هذا أن تحرمها قسطاً من النوم ترتاح فيه من عناء عمل البيت؟! وكيف تريدها أن تنام في غير وقت نومها؟! وإذا كنت تريدها أن تسهر معك فهل تظن أن باستطاعها القيام بأعباء البيت في النهار؟! في ظننا أنك تقضي نهارك إلى الظهر نائماً، بسبب عملك وسهرك، فهل يوجد امرأة ربة بيت يمكن أن تفعل فعلك؟! إن ما تطلبه لا يوافق الشرع، ولا العقل، وما تفعله زوجتك هو الموافق لهما.
3. نوصي الزوجة بضرورة التلطف مع زوجها، وعدم رفع صوتها، أو الصراخ، لطلب حقها، فهذا ليس مما يليق بالمرأة المسلمة العاقلة أن تفعله.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " المشروع: أن يتخاطب الزوجان بما يجلب المودة، ويقوي الروابط الزوجية، وأن يجتنب كل منهما رفع الصوت على صاحبه، أو مخاطبته بما يكرهه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
ولا ينبغي لها رفع الصوت عليه؛ لقوله سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228.
ولكن ينبغي للزوج أن يعالج ذلك بالتي هي أحسن، حتى لا يشتد النزاع.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/247، 248) .
وأخيراً:
نوصيك بتقوى الله، والمعاشرة لزوجتك بالمعروف، ونوصيك بأن تمسك عليك زوجك، وأن تعطيها حقها من المودة والرحمة.
ونسأل الله أن يؤلِّف بين قلوبكم، وأن يصلح حالكم، وأولادكم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1082)
اعتراض زوجة على أحكام شرعية كثيرة تتعلق بالحياة الزوجية!
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى أن تردوا على هذه المرأة، حيث إن لديها كثيراً من الشبهات صادفتها في أحد المنتديات، وجزاكم الله خيراً. تقول هذه المرأة: كثيرة هي الأحاديث التي تقدِّس الزوج، وحقوقه، أذكر بما معناها: 1- تلعن الملائكةُ المرأةَ التي يدعوها زوجها للفراش، وترفض حتى تصبح. 2- لو أُمر أحد بالسجود لغير الله لأُمرت المرأة بالسجود لزوجها - ترى أيّاً كان هذا الزوج؛ قائماً على عشرتها بالمعروف أم على مزاجه!! -. 3- المرأة التي تصلِّي خمسها، وتحفظ فرجها، وتطيع زوجها تدخل الجنة. 4- المرأة إذا ماتت وزوجها عنها راضٍ تدخل الجنة. 5- للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ لأن ذلك أفضل من الزنا، لكن ماذا عن المرأة التي يهجرها زوجها؟! تطالب بالخلع وتدفع له المال، ثم تتحمل ما بعد ذلك من المعاناة! . 6- لم يسمح رجل لزوجته بالخروج من المنزل، وسافر، ومرض والدها، فاستأذنت الرسول عليه السلام، فقال لها: أطيعي زوجك، فمات والدها، ولم تره! . 7- تربي المرأة الطفل في حالة الطلاق، وتسهر وتتعب في أصعب المراحل، ثم يأتي الأب ليأخذه وقد أصبح الطفل قادراً على إطعام نفسه، وتنظيف نفسه! . 8- حتى في العلاقة الحميمة يمكن للرجل أن يستمتع بقذفه، لكن لن تستمتع المرأة ما لم يمتعها زوجها ويداعبها، ماذا تفعل من همُّ زوجها إشباع نفسه فقط؟!!! . صححوا لي إن كنت أخطأت في هذه الأحاديث التي لا أحفظ نصها. ولكن ماذا عن المرأة وحقوقها؟ يقال لها الجئي للقضاء لنيل حقوقك، ونحن في مجتمع ذكوري يقف مع الرجل حتى وإن أخطأ وظلم، يطالب المرأة بالصبر والتنازل عن بعض حقوقها حتى ترضي زوجها لتستمر الحياة، لأن ما ينتظرها بعد الطلاق أقسى وأصعب؛ من نظرة المجتمع، وحضانة أطفالها، وحقها في الزواج ثانية، تتعرض المرأة لقسوة شديدة في بعض المجتمعات. أنا أعاني معاناة واقعية؛ هجرني زوجي بعد شهرين من الزواج بسبب مناسبة لإحدى قريباته لم أحضرها، لأني غضبت منه حين أهملني يومين في بيت أهلي، ليتركني 3 أشهر كعقاب لي وأنا حامل في شهري الأول حينها , هو الآن مسافر في إحدى الدول يقضي إجازته وقد تركني معلقة، أعاني متاعب الحمل، أذهب للمستشفيات وحدي، عانيت من بخله العاطفي والمادي، وتركني في دوامة، هل أطلب الطلاق؟ ، ماذا سيحدث للطفل؟ ، هل سيأخذه أم أتركه له؟ ، هل أتصل وأتوسل إليه أن يسامحني على ذنب لم أفعله؟! ، ليس له رصيد من المعاملة الحسنة، عاملني بجفاء منذ الليلة الأولى، لا أعلم ما السبب! ، لكن والدته تؤثر عليه كثيراً، وقاعدتها في التعامل " لا تعطي أحداً وجهاً يتعود عليك ويطالبك بما لا تريد "، ماذا أفعل؟ ، هل هناك جانب في الدين ساوى بين الرجل والمرأة لا أعرفه؟ وضحوا لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الواضح أن هذه المرأة الكاتبة لذلك المقال – إن صح أنها امرأة، وكاتبة له، ومسلمة أصلاً – عانت من ظرفٍ نفسيٍّ بسبب سوء معاملة زوجها لها، لكنها لم تحسن التصرف معه، ولم تحسن القول في الشكوى، فتعدى الأمر من شكوى زوجها إلى شكوى دينها! ولا ندري أي نظم وقوانين وأديان رأت أنها تعطي المرأة ما يعطيه الإسلام! وعلى كل حال: فهذا الكلام المكرر كثيراً أصبح واضحاً بطلانه عند عقلاء الناس، وبالأخص العاقلات من المسلمات، فالمرأة تعرف أنها ملكة في بيتها، وأنها درة مصونة، وقد أمر الله تعالى زوجها بإحسان عشرتها، والنفقة عليها، لا لأنها مُلك له، ولا لأنها سِلعة تباع وتشترى، بل لأنها شريكته في إنشاء البيت المسلم؛ ولأنها تقوم بأعمالٍ جبَّارة في بيتها، فهي تربي ولدها، وتصون بيتها، وتحفظ مال زوجها، وفي الوقت نفسه، تعفه، وتمنعه من النظر المحرم، والفاحشة المحرَّمة، ولذا جاءت الوصية في كتاب الله تعالى بالنساء، وجاءت السنَّة بذلك أيضاً، والوصية بهنَّ هي آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
ثانياً:
من نسب الظلم لشرع الله تعالى، أو ظن أن ذلك في الشرع: أمراً به، أو إقراراً وقبولاً له: فقد كفر كفراً أكبر، خرج به من ملة الإسلام؛ لأن نسبة ذلك للشرع يعني نسبته لمُشَرّعه، وعلى المسلم الذي يريد النجاة في الآخرة أن يحفظ لسانه عن القول بغير علم، وأن يحذر من كلمة توبق دنياه وآخرته، ومن رضي غير الإسلام ديناً له فليرحل غير مأسوفٍ عليه، ولينظر حوله ماذا يفعل الكفار بنسائهم، ها هم النصارى أمامه، وها هم اليهود حوله، وها هم الهندوس، والبوذيون ملئوا آسيا، فلتختر المرأة ديناً لها يكرم أهله المرأة أحسن من إكرام الإسلام لها، ولتكف لسانها عن الشرع ومشرِّعه.
وينظر جواب السؤال رقم: (21010) ليعلم تكريم الإسلام للمرأة، وإهانة الجاهلية لها.
ومثله: جواب السؤال رقم: (70042) .
ونحن لا ننكر أنه ثمة أخطاء وجرائم تحدث من الزوج المسلم، لكننا ننبه هنا على أمرين:
1- لا تنسبوا أخطاء أزواجكم لشرع الله المطهَّر، فالزوج الظالم متوعد بالعقوبة من رب العالمين، والظم والبغي لم يبحهما رب العزة للزوج تجاه زوجته، وقد أمره ربه تعالى بحسن العشرة لزوجته، فإن لم توافقه، ولم ير مجالاً لاستمرار العيش بينهما فقد أمره بتسريحها بإحسان، وأن يعطيها كافة حقوقها.
2- لا تنس المرأة المسلمة أنه يحدث من الزوجات تقصير شديد في حق الزوج، فهذه مهملة في بيتها، وتلك مقصرة في حق زوجها، والثالثة عنيدة، والرابعة تَحكُمُها أمُها، والخامسة تريد زوجها خادماً سائقاً لا زوجاً مسئولاً عن البيت والأولاد، وكم من بيت زوجية دمَّرته الزوجة بسوء خلقها، وبقبح عشرتها لزوجها، فهي لا تراعي ظرفاً ماديّاً صعباً يعيشه، ولا يهمها ما تعانيه الأمم من غلاء معيشة، ولا يقلقها كثرة ساعات عمل زوجها حتى يحصل لقمة العيش الصعبة، ومع هذا كله فهي تريد الشراء من الأسواق لكماليات تافهة، وهي تريد السفر والسياحة، وهي تخون زوجها بمراسلات ومحادثات مع أجانب في الجوال والإنترنت، وغير ذلك مما يصلنا أخباره، ونعرف أحواله، ومع هذا فإننا ننسب الأخطاء لفاعلها، لا لشرع الله تعالى المطهَّر الذي جاء بالفضائل، وحلَّى أتباعه بالقلائد الحسان من السلوك الرائق.
ثالثاً:
ما ذكرته الكاتبة في مقالها: يدل على جهلها، وجهل من استدل بتلك الأحاديث على ما رأى أنه ظلم للمرأة، وقدسية للزوج! فالأحاديث المذكورة: منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو ضعيف جدّاً! ، ومنها ما هو صحيح.
1) حديث: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ) رواه الترمذي (1161) وابن ماجه (1854) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
وهو حديث ضعيف، لا يصح.
أ. قال الإمام الذهبي: مساور الحميرى عن أمه، عن أم سلمة: فيه جهالة، والخبر منكر.
" ميزان الاعتدال " (4 / 95) .
ب. وقال ابن الجوزي: مساور مجهول، وأمه مجهولة.
" العلل المتناهية " (2 / 630) .
ج. وقال الألباني: منكر.
" السلسلة الضعيفة " (1426) .
2) حديث أَنَس رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ فَمَرِضَ أَبُوهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبِي مَرِيضٌ، وَزَوْجِي يَأْبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي أَنْ أُمَرِّضَهُ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (أَطِيعِي زَوْجَكِ) فَمَاتَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتْ زَوْجَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهَ، فَأَبَى زَوْجُهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الصَّلاَةِ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، فَقَالَ: (أَطِيعِي زَوْجَكِ) فَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، فَلَمْ تُصَلِّ عَلَى أَبِيهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (قَدْ غَفَرَ الله لأَبِيكِ، بِطَوَاعِيَّتِكِ زَوْجَكِ) .
رواه الطبراني في " الأوسط " (7 / 332) .
وهو حديث ضعيف جدّاً، أو موضوع! .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 169 / 2) من طريق عصمة بن المتوكل نا زافر عن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك به، وقال: " لم يروه عن زافر إلا عصمة ".
قلت: وهو ضعيف، قال العقيلى في " الضعفاء " (ص 325) : " قليل الضبط للحديث، يهم وهماً، وقال أبو عبد الله – يعني: البخاري -: " لا أعرفه ".
ثم ساق له حديثاً مما أخطا في متنه.
وقال الذهبي: " هذا كذب على شعبة ".
وشيخه " زافر " - وهو ابن سليمان القهستاني -: ضعيف أيضا، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، كثير الأوهام ".
وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 313) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عصمة بن المتوكل، وهو ضعيف.
" إرواء الغليل " (7 / 76، 77) .
فها قد سقط من قائمتها حديثان، فلنر باقي أحاديثها وشبهاتها؛ لنعلم حقيقة ما تستدل به من السنَّة، وتنسبه لدين الله تعالى.
رابعاً:
قولها:
" تلعن الملائكة المرأة التي يدعوها زوجها للفراش، وترفض حتى تصبح ".
نعم، هو كذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
رواه البخاري (3065) ومسلم (1736)
ولا يمكن للملائكة إلا أن تفعل ما أمرها الله تعالى به، وهي لا تفعل محرَّماً، ولا تأتي منكراً، والمرأة التي يدعوها زوجها للفراش فتأبى تستحق اللعنة؛ لأنها خالفت أمر ربها، وأمر زوجها، والزوج هو أعظم من له حق على المرأة بعد حق ربها عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها) .
" مجموع الفتاوى " (32 / 275) .
وهذا الذي قلناه مما هو في شرع الله ليس على إطلاقه، بل للمرأة أن ترفض الجماع في حال أن تكون مريضة مرضاً يشق عليها معه الجماع، أو أن تكون حائضاً، أو نفساء، أو تكون صائمة صيام فرض، ومع هذا فليس لها أن تمنع زوجها من الاستمتاع، لكن دون الولوج؛ لحرمة ذلك في حال الحيض والنفاس، وأما ما عدا كونها معذرة: فليس لها منعه حقَّه في الجماع، وهي وإن لم تكن راغبة بالجماع: فإنها تستطيع تلبية حاجته، وتمكينه من قضاء شهوته، فهي كالأرض التي لا تمتنع من إلقاء أحد بذره فيها، وهو تشبيه رب العالمين حين قال: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/ من الآية 223.
ويختلف الأمر لو أنها هي كانت الداعية له؛ لأنها لا يمكنها قضاء شهوتها مع عدم شهوته، وهو أمر لا يخفى، ولا يحتاج لتفصيل، لكنه لا يحل له ترك ذلك بقصد الإضرار بها.
وينظر زيادة تفصيل لهذه المسائل في أجوبة الأسئلة: (33597) و (9602) و (5971) .
خامساً:
قولها: " لو أُمر أحد بالسجود لغير الله لأُمرت المرأة بالسجود لزوجها - ترى أيّاً كان هذا الزوج؛ قائماً على عشرتها بالمعروف أم على مزاجه!! – ".
عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قال: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ) .
رواه أبو داود (2140) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وليس هذا سجود التعظيم؛ فإن ذاك لا يكون إلا لله تعالى، والمقصود به: سجود التحية عند اللقاء والمواجهة، ولكن لما في هذا من تشبه بما يفعله الأعاجم مع ملوكهم: لم يشرعه لنا ربنا تعالى، وهذا الحديث دلَّ على عظيم حق الزوج على زوجته، كما في آخره بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس يعني سلب المرأة حقوقها، ولا نزع واجبات الزوج تجاه زوجته، وكل النساء العاقلات يعلمن ما في الزواج نفسه من نعمة عظيمة، ويعلمن أثر وجود الزوج في حياتها، وما قبول المرأة أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة، بل رابعة! إلا لما تعلمه من حسنات الزوج، وأهميته في حياتها، ومن هنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعظيم حق الزوج حتى تؤدي ما عليها من واجبات، وهو بالمقابل لا يحل له التفريط فيما أوجب الله تعالى تجاهها، ومن ضلَّ فإنما يضل على نفسه، فلتؤد هي ما أمرها الله به، ولتطلب منه ما أوجب الله عليه.
وينظر جواب السؤال رقم: (43252) ففيه السبب في تفضيل الزوج، وجعل القوامة بيده.
وجواب السؤال رقم: (43123) ففيه بيان أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة.
وفي جواب السؤال رقم: (10680) تفصيل واف في بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة.
سادساً:
قولها:
" للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ لأن ذلك أفضل من الزنا، لكن ماذا عن المرأة التي يهجرها زوجها؟! تطالب بالخلع وتدفع له المال، ثم تتحمل ما بعد ذلك من المعاناة! ".
وهل تريد هذه القائلة أن تنكح مثل الرجل في آن واحد مثنى وثلاث ورباع من الأزواج؟!! وهل هذا إلا انتكاس في الفطرة، وخبل في العقل؟! إن أهل الفسق والفجور، لا يقبل أحد لزوجته – بل ولا لعشيقته – أن تكون له ولغيره يشترك فيها الرجال، وكم من حوادث قتل حصلت في مثل هذه الأحوال، لا عند المسلمين، بل عند الكفار، بل حتى الحيوانات لا تقبل مثل هذا الأمر! فقليلاً من العقل، يا هذه! .
و" الخلع " الذي شرعه الله تعالى: غاية في الحكمة، فالمرأة قد يعرض لها بسببها، أو بسبب زوجها ما لا تستطيع العيش معه، وهو لا ذنب له فيما حصل عندها من تغير في حالها، وهو قد دفع مهراً لها، فمن حقه أن يستردَّ مهره – إن طلبه منها – وهي لا ترغب بالبقاء معه، ومن العلماء من أوجب عليه قبول تطليقها، ومنهم من استحب له ذلك، ولا يحل لها طلب الخلع من غير بأسٍ شرعي، وإلا تعرضت للوعيد الشديد.
وفي بعض الحالات: يُجبر الزوج من قبَل القاضي الشرعي على التطليق، كأن يكون مسيئاً لها بضرب أو شتم، ويستمر على ذلك، ولا يريد إصلاح حاله، وغير ذلك من الحالات، كما أن القاضي يملك أن يطلِّقها في حال رفض الزوج ذلك، أو في حال غيابه، وتضررها من ذلك، ولها بعد ذلك كامل حقوقها.
وينظر في تفصيل الحالات وأحكامها: أجوبة الأسئلة: (34579) و (5288) و (9021) و (12179) .
ولا يحل للزوج أن يضيق على زوجته كي يضطرها إلى التنازل عن حقوقها، أو شيء منها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (42532) .
وتنظر أحكام الخلع في أجوبة الأسئلة: (1859) و (26247) و (34579) .
سابعاً:
" تربي المرأة الطفل في حالة الطلاق، وتسهر وتتعب في أصعب المراحل، ثم يأتي الأب ليأخذه وقد أصبح الطفل قادراً على إطعام نفسه، وتنظيف نفسه! ".
هذا غير صحيح على إطلاقه:
أ. حضانة الأم لولدها الرضيع والصغير من محاسن دين الإسلام؛ لأن الطفل في هذه السن يحتاج لما عند الأم من رحمة وحنان! فهل صار في هذا الحكم ما يعاب به الإسلام؟! ثم إن الأمر ليس على إطلاقه، بل هو كذلك حتى تنكح زوجاً آخر، فإن نكحت زوجاً غير والد الطفل: انتقلت حضانته إلى غيرها، على تفصيلات في كتب أهل العلم.
ب. ثم إن الأب لا يأخذ ولده عندما يكون قادراً على تنظيف نفسه، وعلى إطعام نفسه، بل يُخيَّر الطفل الذكر بين أبويه عندما يصل سن التمييز، دون الأنثى؛ فإن والدها أحق بها؛ لما تحتاجه البنت من ولاية، ورعاية، الرجل أولى بها وأقدر من المرأة.
وليُعلم أن الحكم إنما هو حيث يتساوى دين الوالدان وعدالتهما، فإن ثبت فسق أحدهما، أو أنه يدل الولد على السوء، ويعلمه الشر: لم يكن له حضانته، ولا يخيَّر الابن إذا صار من أهل التمييز، ولا تُدفع البنت لوالدها إن كان هو صاحب الشر والسوء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه: فهو عاص، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته: فلا ولاية له عليه، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود: طاعة الله ورسوله بحسب.
قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان.
قال: فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة: فالحضانة هنا للأم قطعاً.
قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن، والله أعلم.
" زاد المعاد " (5 / 475، 476) .
ثامناً:
قولها:
" حتى في العلاقة الحميمة يمكن للرجل أن يستمتع بقذفه، لكن لن تستمتع المرأة ما لم يمتعها زوجها ويداعبها، ماذا تفعل من همُّ زوجها إشباع نفسه فقط؟!!! ".
وهذا الفعل خطأ من الزوج، ولطالما نبَّه العلماء الأزواج على ضرورة الانتباه لهذا الأمر، وأن من حق الزوجة أن تستمتع بالجماع، كما يستمتع هو، وأنه إن استطاع أن يؤخر القذف حتى تنزل هي: فهو الأفضل، وإن قذف قبلها: أن يبقى معها حتى تقضي وطرها، ومن خالف في ذلك: فإنما هو خطؤه، وإنما هو سلوكه الذي يدفعه لحب الذات، وأما الشرع فهو بريء من فعله هذا.
قال الشيخ محمد العبدري - ابن الحاج - رحمه الله -:
وينبغي له إذا قضى وطره أن لا يَعجل بالقيام؛ لأن ذلك مما يشوش عليها، بل يبقى هنيهة؛ حتى يَعلم أنها قد انقضت حاجتُها، والمقصود: مراعاة أمرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُوصي عليهن، ويحض على الإحسان إليهن، وهذا موضع لا يمكن الإحسان إليها من غيره، فليجتهد في ذلك جهده، والله المسئول في التجاوز عما يعجز المرء عنه.
" المدخل " (2 / 188) .
بل قد رجَّح الشيخ العثيمين رحمه الله حرمة هذا الفعل من الزوج، خلافاً للحنابلة الذين قالوا بالكراهة.
قال رحمه الله:
قوله: " والنزع قبل فراغها " أي: يكره - أيضاً - أن ينزع قبل فراغها؛ لحديث: (إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها) ، والنزع معناه: أن ينهي الإنسان جماعه، فيُخرج ذكرَه من فرج امرأته قبل فراغها من الشهوة، أي: قبل إنزالها، والفراغ من الشهوة يكون بالإنزال، فالمؤلف يقول: يُكره، وهذا فيه نظر، والصحيح أنه يحرم أن ينزع قبل أن تنزل هي؛ وذلك لأنه يفوِّت عليها كمال اللذة، ويحرمها من كمال الاستمتاع، وربما يحصل عليها ضررٌ من كون الماء متهيأً للخروج ثم لا يخرج إذا انقضى الجماع.
وأما الحديث الذي ذكروه فهو - أيضاً – ضعيف، ولكنه من حيث النظر صحيح، فكما أنك أنت لا تحب أن تنزع قبل أن تنزل: فكذلك هي ينبغي أن لا تعجلها.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 417) .
تاسعاً:
قولها:
" ولكن ماذا عن المرأة وحقوقها؟ يقال لها الجئي للقضاء لنيل حقوقك، ونحن في مجتمع ذكوري يقف مع الرجل حتى وإن أخطأ وظلم، يطالب المرأة بالصبر والتنازل عن بعض حقوقها حتى ترضي زوجها لتستمر الحياة؛ لأن ما ينتظرها بعد الطلاق أقسى وأصعب؛ من نظرة المجتمع، وحضانة أطفالها، وحقها في الزواج ثانية، تتعرض المرأة لقسوة شديدة في بعض المجتمعات ".
القضاء الشرعي لا يقف مع الرجل لأنه ذكَر، والحكَّام الذين يفصلون في القضايا الزوجية كذلك، والذي يقف مع المخطئ والظالم فينصره ويؤيده: فهو شريكه فيما ظلم وأخطأ به، سواء كان رجلاً أم امرأة، وفي العادة يكون للمرأة أهل، كالأب، والأخ، والعم، وهؤلاء لا يتركونها في حال احتاجت لنصرتهم، أو لوضع الأمور في نصابها، أو لإرجاع حقوقها، وإذا لم يوجد من أهلها من يقف معها، ووجد في المجتمع من يظلمها، أو ينصر من يظلمها: فلها أن ترفع أمرها للقضاء الشرعي؛ ليعطيها حقوقها، ولكننا نجد في كثير من الأحيان أن المرأة هي التي تخذل أهلها! فيقفون معها، وينصرونها، ثم تستمع لكلام معسول من زوجها – وقد يكون في ليلة الخصام نفسها! – فتسارع للخروج من بيت أهلها سرّاً لتلحق به! ومع أن عقلاء الآباء لا يغضبون من هذا – في الغالب – لعلمهم بتعلق الزوجة بزوجها وأولادها وبيتها، ولكنهم يعجبون منها حينما تطلب نصرتهم، وتبدأ بسيل الشكاوى من حياتها مع زوجها، وتصر على طلب الطلاق، ثم يزول كل هذا في وقت قصير لتلحق بزوجها، وفي كثير من الأحيان لا يغير الزوج من طبعه، والحقيقة أننا نجد عند المرأة – غالباً – من التحمل ما لا نجده عند الأزواج، ولعلَّ هذا ما يجعل العلماء يوصونها بالصبر والتحمل، وليس هذا فحسب، بل يوصونها بالدعاء، وبذل الأسباب في هداية زوجها، وإعانته على نفسه، كما يوصونها بتقدير ظروفه النفسية، وضغط العمل والحياة والذي جعل الكثيرين يفقدون صوابهم وأعصابهم في كثير من مواقفهم، نعم، هذا ليس بعذر لهم، لكنه واقع.
عاشراً:
نحن نختم ردنا على رسالة تلك المرأة بتذكير الزوجين أن يتقيا الله تعالى ربهم في حياتهم الزوجية، وأن يعلما أن الله تعالى قد أمرهما بأن يحسن كل واحدٍ منهم عشرة صاحبه، ولتعلم المرأة الكاتبة أن هذا الأمر من أمور كثيرة في الشرع تساوت فيها الأحكام بين الزوجين، ودليل ذلك: قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة/ 228.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
ولهنّ من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهنّ لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها.
" تفسير الطبري " (4 / 531) .
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –:
أي: ولهنَّ على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف، كما ثبت في " صحيح مسلم " عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك: فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ، وفي حديث بهز بن حكيم، عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّح، ولا تهجر إلا في البيت) .
وقال وَكِيع عن بشير بن سليمان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ".
" تفسير ابن كثير " (1 / 609 – 610) .
ونوصي الزوجين أن يعرضا خلافاتهما على أهل العلم والعقل، وأن لا يتعجلا الشكاوى في المحاكم، وأن يعلما أنهما مسئولان عن تربية أولادهما، فليحذرا من التفرق وإفشال هذا المشروع، وليحذرا من الاختلاف على ذلك؛ لئلا يخرج للمجتمع من يزيده سوءً على سوء من الأولاد الذين خرجوا من بيوت الفرقة والطلاق.
ولعلَّ كلامنا هذا يصل لزوج تلك الكاتبة، فيتقي الله ربَّه فيها، ويصلح ما أفسده بُعده وغيابه عنها، كما نوصيها بتقوى الله، والاستغفار عما بدا منها من ألفاظ وأفعال، مما لا يحل لها قوله، ولا يجوز لها فعله، ونسأل الله تعالى أن يحفظ على المسلمين بيوتهم، وأن يهدي الآباء والأمهات لما فيه صلاحهم، وصلاح ذريتهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1083)
زوجها يدخن وتمتنع عن فراشه أحيانا ليترك الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي كثيراً ما يشرب الدخان، وتنبعث رائحة خبيثة منه من فمه وشعره وملابسه، وأنا امرأة أخاف ربي، ولكن في لحظات حينما يقرب مني بالفراش أنفر منه، وأخبره أن رائحته كريهة، وأن هذا لا يرضي الله، وأن الوضع لا يعجبني، وأخليه ينام زعلان علي، أنا في قصدي لا بد أن أضع حداً له ولست أنفر منه، أنا أحبه، ولكن أخاف عليه من النار ومن المرض، لا بد أن أتخذ موقفاً حازماً، وفي نفس الوقت أجد الرهبة من الموضوع، أخاف أن الملائكة تلعنني لأنه نام زعلان، فما الحكم في حالتي تلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم شرب الدخان؛ لما فيه من الخبث والضرر وإضاعة المال، وينظر جواب السؤال رقم (70305) .
ولا شك أن للدخان رائحة خبيثة، يبقى أثرها في فم المدخن وجسده وملابسه، كما تكون في بيته ومجلسه، ولولا ما فيه من البلاء لأدرك ذلك، ولعجب من نفسه كيف يرضى أن تكون رائحته بهذا الخبث والسوء.
ثانيا:
وكما أن للزوج منع زوجته " من أكل ما يتأذى من رائحته، كبصل وثوم، ومن أكل ما يُخاف منه حدوث المرض " [ينظر: مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (3/189) ] ، فلها ـ أيضا ـ أن تطالبه بالامتناع من مثل ذلك، كالدخان ونحوه؛ لما يلحقها من التأذي برائحته المنتنة، أو التضرر من دخانه، إذا شربه بحضرتها. قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة /228، قال ابن كثير رحمه الله: " ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف " انتهى.
تفسير ابن كثير (1/609) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة، كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، كما في تفسير ابن كثير (1/610) .
ثالثا:
إن امتنع الزوج من ترك ذلك، فلها أن تطلب فراق زوجها المدخن؛ لما في عشرته والبقاء معه من الضرر والأذى لها ولأولادها.
لكن إذا اختارت الصبر، ورجت أن يهديه الله على يديها، لزمها أن تعطيه حقوقه، ومنها: حقه في الاستمتاع، فلا يجوز أن تمتنع منه إذا أرادها؛ لما روى البخاري (3237) ومسلم (1736) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
وأما الامتناع من فراشه، بغرض حمله على ترك التدخين، فهذا نوع من ولاية التأديب والقوامة التي للزوج على زوجته، وليس العكس، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكر أن للزوجة أن تؤدب زوجها، أو أعطاها شيئا من هذه الولاية.
انظر: الموسوعة الفقهية (1/21-22) ، مصطلح: " تأديب ".
فاحرصي على أداء حقه، واستمري في نصحه، ولا تعيني الشيطان عليه، فإن الرجل إذا منعته الزوجة حقه قد يفكر في طرق الحرام.
على أنه من الممكن أن تظهري التكره لذلك، والتأفف من الرائحة الكريهة، ومطالبته بإزالتها وتنظيف فمه، وإظهار التغضب ـ بقدر ـ أحيانا، مع الاستمرار في نصحه، وإظهار الشفقة عليه، لكن مع أداء حقه، وألا يصل الأمر إلى حد الهجر، أو الامتناع من الفراش، ما دمت قد رضيت بالبقاء معه، وتحمل ما تجدينه من الأذى، وإياك أن تعيني الشيطان عليه، أو تضجريه بحيث ينفر منك ومن فراشك، فإن مثل ذلك غير مأمون العاقبة في حقه، وربما أحدث ضررا ومفسدة، فوق ما تطلبينه من امتناعه من التدخين.
نسأل الله أن يوفقك ويعينك ويهدي زوجك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1084)
خالها الشاب كلما رآها قبلها وعانقها فمنعها زوجها من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لها خال شاب 25 عاماً اعتاد أن يقبلها ويحتضنها كلما قابلها، فطلبت منها ألا تقبله أو تحتضنه أو تدخله بيتي في غيابي، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقبيل المحارم، كتقبيل الرجل أمه أو أخته أو بنته، لا حرج فيه، وكذلك تقبيل عمته وخالته إن أمنت الفتنة، وكان التقبيل تقبيل رحمة ومودة لا تقبيل مزاح ولعب فضلا عن التقبيل بشهوة.
وتقبيل الرجل لابنة أخيه أو ابنة أخته الصغيرة لا حرج فيه أيضا، وأما الشابة والمتزوجة، فلا ينبغي ذلك، إلا أن تكون كبيرة لا يخشى من تقبيلها؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويخشى من التقبيل أن تثور الشهوة، أو يوسوس له الشيطان ما لا يجوز.
وإذا كان الرجل شابا، وابنة أخته شابة أيضا، فتقبيلها واحتضانها عمل قبيح، وهو مظنة إثارة الشهوة وحصول الشر والفساد، ولهذا فقد أحسنت في منعها من ذلك، ويلزمها طاعتك، وعدم استقباله في البيت حال غيابك، والتساهل في هذا الأمر دليل ضعف الغيرة، وكم جر من مفاسد وآلام وأحزان، لا سيما في هذا الزمان، مع ضعف التدين، وقلة الاحتياط، وليس هذا اتهاما للمَحرم، بل إعانة له على الخير، وحماية له من المفسدة والشر، وقد جاءت الشريعة بدرء المفاسد، وجلب المصالح، وسد الطرق المفضية إلى الفتنة.
ومما ينبغي إنكاره ما شاع في بعض المجتمعات من تقبيل الشباب بعضهم بعضا إذا التقوا، وزاد بعضهم فجعل يقبل محارمه كلما رآهم، وأسوأ من ذلك كله تقبيل ابنة العم والعمة، وابنة الخال والخالة، وهذا أثر من العادات الدخيلة التي وفدت على المسلمين، وإلا فالمسلمون لا يعرفون التقبيل على هذا النحو، وتقبيل بنت العم والعمة والخال والخالة محرم ظاهر؛ لأنهن أجنبيات لا تحل مصافحتهن فضلا عن تقبيلهن.
وقد روى الترمذي (2728) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) ، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك ظاهرة تقبيل الشباب بعضهم البعض على الخدود في كل ملتقى، وفي كل يوم، وانتشرت هذه الظاهرة مع الشيوخ وفي المسجد وفي الصف، هل هذا مخالف للسنة أم لا حرج فيه أم بدعة أم معصية أم جائزة؟
فأجابت: " المشروع عند اللقاء: السلام والمصافحة بالأيدي، وإن كان اللقاء بعد سفر فيشرع كذلك المعانقة؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) ، وأما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/128) .
وينظر جواب السؤال رقم (60351) ورقم (114193) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1085)
ترفض مبيت أم زوجها في بيتها ولو ليلة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في امرأة ترفض إقامة أم الزوج في بيت ولدها ولو لليلة واحدة؟ علما بأن: 1- الزوجة تحسن معاملة زوجها وهو يحسن معاملتها. 2- أم الزوج مريضة بالقلب والابن من باب البر بأمه يريد أن تقيم أمه معه ليلة أو ليلتين.. ولكن الزوجة ترفض ذلك. 3- قد تأتى أم الزوج مع ابنتها البكر لزيارة ولدها في بيته فيتأخر بهم الوقت ويريد الابن أن يبر أمه ويدعوها للمبيت حتى الصباح، ولكن الزوجة تظهر أنها غير راضية عن هذا الأمر فتحرج الأم وتصمم الأم على العودة لمنزلها مهما كانت الظروف مما يحرج الزوج مع أمه وأخته. 4- الزوجة تقول إنها ترحب بأهل زوجها في أي وقت ولكن زيارة فقط وتشترط على الزوج بأن لا يبيت أحد في بيتها وتقول إنها لا تأخذ حريتها في بيتها في هذه الليلة. 5- يقول الزوج إنه لا يريد إقامة دائمة للأم؛ لأنه يعلم أنه ينبغي أن يكون لزوجته مسكن خاص تشعر فيه بالاستقلال، ولكنه قد يضطر لاستضافة أمه ولو ليلة واحدة.. ولكن ذلك ترفضه الزوجة وبشدة وإذا لم يوافق الزوج أحرجته وأحرجت أهله لمنعهم من هذا الأمر. 6- الزوج لا يلزم الزوجة بأعمال منزلية زائدة بل في حالة عدم إكرام الزوجة لأهله كأن أحضرت لهم الغداء، ولا تريد تحضير العشاء؛ لكي لا يبيتوا عندها، فيقوم الزوج بتحضير الطعام وإطعام أهله دون أن يكلف امرأته ما لا تريد عمله. خلاصة الأمر: - صبر الزوج على زوجته 4 سنوات وهى مدة الزواج وحاول أن يقنعها بأنه هو صاحب البيت وله الحق في أن يقبل أو يرفض من يبيت عند في بيته دون اعتراض من الزوجة وأن هذا يهدم البيت ويشرد الأبناء - حيث إن لديهم طفلين صغيرين، ولكن الزوجة قالت بأن ذلك شرط على الزوج وإن لم يقبل فالانفصال هو الحل النهائي ومما وجده الزوج من عناد الزوجة على هذا الأمر فهو يرى أيضاً أن الانفصال قد يكون هو الحل، لعل الله أن يبدله زوجة تعينه على بره بأهله. ما هو الرأي الشرعي في هذا الأمر؟ وهل تأثم الزوجة على ما تفعله؟ وهل يأثم الزوج إذا طلقها لإصرارها على هذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لكل من الزوجين حقوق على الآخر يلزمه الوفاء بها، وقد سبق بيان هذه الحقوق في جواب السؤال رقم (10680) .
ومن حقوق الزوجة: المسكن الخاص الذي تستقر فيه، ولا ينازعها فيه أحد، فلا تجبر على السكن مع والدي الزوج أو أحدهما، أو مع ضرتها، ويفرض لها المسكن الذي يناسبها ويناسب حال زوجها ومقدرته، كما قال تعالى: (أَسْكنوهنَّ من حيثُ سكنتم مِن وُجْدِكُمْ) الطلاق/6.
وقد سبق بيان المسكن الذي يلزم للزوجة وما يكفي فيه، وينظر جواب السؤال رقم (7653) .
ثانيا:
من الحقوق الزوجية التي أمر الله بها: حسن العشرة من الجانبين، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19، وقال سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة / 228.
ومن العشرة بالمعروف: إكرام الزوجة أهل زوجها، وإكرام الزوج أهل زوجته، ولا شك أن هذا قد يقتضي استضافة واحد منهم يوما أو أياما، بحسب ما تقتضيه الحاجة، فقد ترغب الزوجة في مبيت أمها أو أحد محارمها في بيتها، وقد ينزل بعض أقاربها ضيوفا عليها أياما، وكذلك العكس بالنسبة للزوج، ولا ينازع في هذا أحد من الناس، ولو فرض أن الزوج رفض شيئا من ذلك عد هذا من الدناءة وعدم المروءة ومخالفة العشرة الحسنة لزوجته.
وكذلك رفض الزوجة لشيء من ذلك أمر قبيح لا يصدر من صاحبة الدين والخلق والمروءة، وفيه شيء من الإساءة الظاهرة للزوج.
وليس هذا الأمر خاصا بأهالي الزوجين، فقد يستضيف الزوج بعض إخوانه وأصحابه يوما أو أياما، فليس للزوجة أن تعارض ذلك؛ ما لم يتكرر ذلك ويسبب ضررا واضحا، وهذا يختلف باختلاف البيوت وسعتها وضيقها.
والمقصود أن استضافة الزوج لمن يبيت في بيته أمر لا غرابة فيها، ولا مانع منه شرعا ولا عرفا، بل هذا من مكارم الأخلاق، ومما تدعو إليه الحاجة غالباً.
وقد روى مسلم (2084) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ) .
ففي هذا الحديث: أنه لا حرج على الرجل أن يكون قد أعد فراشاً لمن نزل ضيفاً عليه.
والذي يظهر لنا أن الزوجة المسؤول عنها ربما تخاف من تكرار مبيت والدة الزوج أو من إقامتها معها إن سمحت ببياتها ولو مرة واحدة، ولكن إذا كان الزوج يؤكد لها أنه مدرك لحقها في المسكن، وأنه لا يقبل سكن أحد معها، فلا وجه للخوف والقلق.
ولتعلم الزوجة أنها بتصرفها هذا تسيء لزوجها ولأهله، بل تسيء لنفسها؛ إذ ليس لها الحق في منع زوجها من استضافة من يريد، ما دام في البيت متسع لذلك.
وكونها تختار الطلاق على ذلك أمر مستغرب جدا، إلا أن تكون في المسألة ملابسات وأمور أخرى لم يذكرها السائل؛ إذ يبعد أن ترغب امرأة ي الطلاق والانفصال – ولها أولاد – لمجرد مبيت أم الزوج أو أخته مرة أو مرات.
ولهذا نحن نجيب على السؤال الوارد بحسب المعطيات المذكورة كما يلي:
1- ليس للزوجة أن ترفض استضافة زوجها لمن يشاء في بيته، إذا لم يلحقها ضرر معتبر.
2- تأثم الزوجة بعصيانها لزوجها، وإغضابها له، وإهانتها له أو لأهله، كما تأثم بطلب الطلاق والانفصال إذا كان هذا لمجرد استضافته لوالدته ليلة أو ليالٍ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
3- لا حرج على الرجل في طلاق امرأته، إذا حالت بينه وبين برّ أمه، ومنعته من إكرامها الذي يقتضي استضافتها أو دعوتها للمبيت عنده في بعض الليالي؛ لأن ذلك من البر والمعروف ومكارم الأخلاق التي لا يختلف فيها.
ونصيحتنا أن يسلك الزوج مع زوجته ما أرشد الله إليه بقوله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
فإن لم يُجد ذلك، وساء الحال بينهما فيبعثان حكما من أهله وحكما من أهلها، ينظران في أمرهما، ويقضيان بما يريانه من الجمع أو التفريق، كما قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/35.
قال ابن كثير رحمه الله: " ذكر تعالى الحال الأول، وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة، ثم ذكر الحال الثاني وهو: إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) .
قال الفقهاء: إذا وقع الشقاق بين الزوجين، وتفاقم أمرهما وطالت خصومتهما، بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة، وثقة من قوم الرجل، ليجتمعا وينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق، وتَشَوف الشارع إلى التوفيق؛ ولهذا قال: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) " انتهى باختصار.
ونصيحتنا للزوجة أن تتقي الله تعالى، وأن تسعى في إرضاء زوجها وإعانته على بره بأهله، وأن تشكر نعمة الله في وجود الأسرة والزوج والأولاد وألا تسعى في ذهاب هذه النعمة، وأن تعرض مشكلتها وأمرها على أهل العلم والعقل والتجربة ليبينوا لها صوابها من خطئها.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1086)
زوجها يمزح معها بالضرب
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي أحيانا يمزح معي بالضرب وهو لا يرى في ذلك شيئاً ولكن هذا يؤذيني، وأشعر أحياناً بالألم وعندما أشتكي له يقول: إنه يمزح، واختلفنا إن كان هذا الفعل حراماً أم لا؟ واتفقنا على أن نسألكم في ذلك. فأفتونا جزاكم الله خيرا. علماً أن زوجي يتقى الله قدر ما يستطيع، وأعلم أنه يحبني ولكني أتضايق من مثل هذا المزاح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز هذا النوع من المزاح الذي يشتمل على إيذاء الزوجة، وضرب الزوجة لا يرخص فيه إلا في حالة النشوز، وبشرط أن يكون غير مبرح، قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
وقال صلى الله عليه وسلم مبينا نوع هذا الضرب المرخص فيه: (فاضربوهن غير مبرح) رواه مسلم (2137) .
والمزاح الذي يؤذي يتنافى مع المعاشرة بالمعروف المأمور بها في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
فمن المعاشرة بالمعروف، أن يتجنب كل واحد من الزوجين ما يؤذي الآخر أو يضره.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1087)
هل يلزم الزوجة أن تخبر زوجها بوجوه إنفاق راتبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ خمسة أشهر من امرأة تعمل معلمة وفي ليلة الملكة تم وضع وكتابة بعض الشروط بعقد النكاح من قبل ولي أمرها وكان أحد هذه الشروط عدم قيامي بأخذ أي مبلغ من راتب زوجتي وقد وافقت على ذلك الشرط ولكن قمت أنا بوضع شرط من قبلي بهذا الخصوص وهو طلبي بأن تقوم زوجتي بإبلاغي بجهة أو جهات إنفاق راتبها وذلك من باب العلم بالشيء وقد وافق والدها واثنان من إخوانها كانوا هم الشهود على العقد إضافة إلى المأذون الشرعي الذي قام بكتابة العقد وقد كان رد الجميع بأن ذلك من حقي، وعند سماعي لذلك وبسبب عدم وجود أي اعتراض على طلبي فإني لم أحرص على كتابة شرطي هذا بالعقد نظرا لتفهم الجميع، ولكن أنا أواجه مشكلة مع زوجتي الآن فعندما أسألها عن جهات إنفاق راتبها فهي ترفض ذلك مطلقا وتقول بأن ذلك ليس من حقي، حتى إنه وعند قيامي بسؤالها عن مقدار راتبها رفضت أيضا الإجابة وبنفس المبرر السابق وعندما أخبرتها بأن ذلك هو ما اشترط فأجابت بأن أحدا من إخوتها أو والدها لم يخبرها بذلك، كما تضيف بأنه حتى وإن كان الأمر كذلك فهي تصر على موقفها الرافض بخصوص اطلاعي على ما تملك من مال– راتبها الشهري والجهات التي يتم إنفاقه فيها وتصر على أنها لا تحتاج إذناً مني في ذلك، علما بأن ما طلبته ولا أزال أطالب به هو من باب العلم وليس طلبها بأخذ الإذن مني. أرجو التكرم بالرد على تساءلي حيال موقف زوجتي فيما تقدم مع رجائي التفضل بذكر الأدلة الموجبة والداعمة لطلبي بالعلم كما سبق ذكره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل أن للمرأة الرشيدة أن تتصرف في مالها بما تحب، ولا يلزمها إعلام زوجها ولا استئذانه في ذلك، في قول جمهور الفقهاء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم 4037
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشرة بدبي 30 صفر - 5 ربيع الأول 1426هـ، الموافق 9 – 14 نيسان (إبريل) 2005م ما يلي:
" أولاً: انفصال الذمة المالية بين الزوجين:
للزوجة الأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة التامة، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع بما تكسبه من عملها، ولها ثرواتها الخاصة، ولها حق التملك وحق التصرف بما تملك ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها.
...
خامساً: اشتراط العمل:
1- يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج أن تعمل خارج البيت فإن رضى الزوج بذلك ألزم به، ويكون الاشتراط عند العقد صراحة.
2- يجوز للزوج أن يطلب من الزوجة ترك العمل بعد إذنه به إذا كان الترك في مصلحة الأسرة والأولاد" انتهى.
لكن يستحب للزوجة أن تستأذن زوجها، وأن تشاوره في تصرفها وألا تخالفه؛ لما روى النسائي (3231) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا، وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَه) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
لكن إذا شرط الزوج عند عقد النكاح إعلامه بجهات إنفاق زوجته، وجب الوفاء بهذا الشرط؛ لما روى البخاري (2721) ومسلم (1418) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
وإنما تُلزم الزوجة بالشرط إذا كانت قد علمت به ورضيت، أو كانت فوضت وليها تفويضا مطلقا في اشتراط ما يراه مناسبا، وأما إذا لم تفوضه في ذلك، ولم تعلم بالشرط، فلا يلزمها الوفاء به، والخطأ هنا يكون من وليها الذي وافق على هذا الشرط بدون أن يعلمها به.
ثانياً:
الذي يظهر لنا أن الأمر يسير، وما دام غرضك هو مجرد العلم بتصرفها، فلا ينبغي أن تتشدد في ذلك، ولا أن تفتح بابا للخلاف والشقاق، فإذا لم تعلم الزوجة بالشرط فإن لها التصرف في مالها بمقتضى حقها الشرعي، ولا يلزمها إعلامك، ومعرفة الزوجين بما يجب على كل منهما للآخر أساس في حصول الألفة والسعادة بينهما، ثم تبقى دائرة الفضل والمعروف، وذلك بتبادل الثقة بينهما، ومشاورة كل منهما للآخر ومشاركته في همومه ومشاغله.
وكما أن الزوجة لا يلزمها إعلام زوجها بتصرفاتها المالية، فإنه لا يلزمه أيضا إعلامها، لا بقدر راتبه، ولا بجهات إنفاقه، لكن هذا السلوك لا يرضي الزوجة، ولا يبني حياة مستقرة سعيدة في الغالب، ولهذا نقول: كما تحب الزوجة أن تعلم تفاصيل أمور زوجها، فإنه يحب ذلك، وبهذا تبنى الحياة الزوجية السعيدة التي لا ينبغي أن يكون فيها مجال للأسرار والأمور الخاصة.
فالخطاب هنا يوجه إلى الزوجين معاً: لا ينبغي أن تصل العلاقة بينكما إلى هذا الحد من التكتم والخصوصية، فما يحصل بين الزوجين ينبغي أن يزيل ما بينهما من تكلف وحواجز، حتى تدوم العشرة بينهما، ويحصل ما أراده الله تعالى من المودة والرحمة والسكن.
والنصيحة للزوجة أن تحسن عشرة زوجها، وتترك هذه التصرفات التي تشعر الزوج بأنه شخص غريب عن زوجته، بينهما من الحواجز وفَقْد الثقة الشيء الكثير، مما يؤثر سلبا – ولا بد - على ثقته بها، ومعاملته لها، ثم تتطور الأمور ويحصل ما لا يحمد عقباه، ويندم الجميع حيث تشددوا في أمور كانت لا تستحق هذا التشدد.
نسأل الله تعالى أن يؤلف بينكما وأن يقيكما شرور النفس ونزغات الشيطان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1088)
لا يجوز للزوج أن يلزم زوجته أن تعيش مع والده
[السُّؤَالُ]
ـ[أقمت أنا وزوجتي في بيت مستقل عن بيت أهلي، وذلك لكثرة المشاكل، وعاهدت زوجتي على عدم فراقها، وبعد مدة طلب مني والدي أن أرجع إلى البيت لأعيش معه أنا وزوجتي، ولكن زوجتي رفضت؛ فماذا أفعل؟ هل أطيع والدي وأنقض العهد الذي بيننا؟ وهل أدخل تحت قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الإسراء/34؟]ـ
[الْجَوَابُ]
"لا شك أن حق الوالد على الولد عظيم، وما دام أن زوجتك لا ترغب في السكن في بيته؛ فإنك لا تلزمها، وبإمكانك أن تقنع والدك في ذلك، وتجعلها في بيت مستقل، مع اتصالك بوالدك وبره وإرضائه والإحسان إليه بما تستطيع.
وأما الطلاق فيباح لك إذا احتجت إليه وتكفر عن يمينك، ولا يخالف قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الإسراء/34، لأن المراد به العهد الذي لا يحرم حلالاً" انتهى.
فضيلة الشيخ صالح الفوزان.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/660) . ترتيب أشرف بن عبد المقصود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1089)
كيف يفعل من ابتلي بالنظر إلى النساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني كثيراً من النظر إلى النساء المتبرجات، وفي كثير من الأوقات لا أستطيع أن أتغلب على نفسي وأصرف بصري، فأرجو النصيحة، ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السم، ويبرئ الجرح، بالترياق والمرهم، وذلك بأمور، منها: أن يتزوج , فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنما معها مثل ما معها) . وهذا مما ينقص الشهوة ويضعف العشق.
الثاني: أن يداوم على الصلوات الخمس والدعاء والتضرع وقت السحر، وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع، وليكثر من الدعاء بقوله: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك) . (يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك) , فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف/24" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/77) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الثالث: أن يبعد نفسه عن الأماكن التي توجد بها نساء متبرجات، وعن القنوات وغيرها مما تعرض الصور التي تؤثر في القلب وتضعفه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1090)
ألجأته أمه إلى التقصير في حق إحدى زوجتيه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان لرجل زوجتان، فألجأته أمه إلى التقصير في حق إحداهما، فخير زوجته بين أن تبقى عنده، وتصبر على التقصير، وبين الفراق، فاختارت البقاء، فهل يجوز له ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا لا حرج عليه إذا خيرها واختارت البقاء، ولا إثم عليه، وإنما الإثم والحرج على أمه التي ألجأته إلى هذه الحال، فإن تمكن من نصيحة أمه بنفسه، أو بواسطة من تقبل منه، وأنه لا يحل لها هذا، ويخشى عليها من العقوبة الدنيوية والأخروية، فهو اللازم، وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/656) . ترتيب أشرف بن عبد المقصود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1091)
حكم قطع الإنجاب خوفا على الأولاد من الأمراض الوراثية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مرض نفسي منذ سنوات، وأخشى أن يصاب أولادي بنفس المرض، فهل يجوز لي أن أعقم نفسي، أو أن أتفق مع من يتقدم لي على عدم الإنجاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك التسبب في عقم نفسك، ولو بالاتفاق مع زوجك، والحالات التي يجوز فيها تحديد النسل، أو قطعه، أو منع الإنجاب قليلة؛ لأن الأصل هو التكاثر والتناسل، وليس من هذه الحالات خشية إعاقة الأولاد، بل يكون ذلك جائزاً في حال يسبب الحمل ضرراً بالغاً على الأم، وقد أفتت المجامع الفقهية، واللجان العلمية، وعامة العلماء بتحريم تحديد النسل، وقطع الإنجاب إلا لضرورة يقدِّرها أطباء ثقات.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ولا يجوز منع الإنجاب خوفاً من الإعاقة [يعني: أن يكون الولد معاقاً] ، بل يجب التوكل على الله سبحانه، وإحسان الظن به" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 14) .
وجاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي:
"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء، والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب، والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها:
قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.
ثانياً: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل، أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام، أو التعقيم، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.
ثالثاً: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين، عن تشاور بينهما وتراضٍ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم" انتهى.
والله أعلم.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (30 / 268) :
"يحرم على الرّجل تناول دواء يقطع الشّهوة بالكلّيّة، كما يحرم على المرأة تناول ما يقطع الحبل" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1092)
هل تلزم النفقة للزوجة الناشز إذا كانت حاملاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خرجت زوجتي من بيتي بغير إذني وذهبت إلى بيت أهلها، وهي هناك منذ عدة شهور، وهي حامل، هل يلزمني أن أدفع نفقة الحمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه، فإن فعلت ذلك كانت ناشزاً، ولا حق لها في النفقة حتى تعود إلى طاعة زوجها.
ولكن.. يجب معرفة سبب خروجها هذه المدة الطويلة، فقد تكون فعلت ذلك فراراً من الزوج الذي يسيء عشرتها أو يضربها أو يظلمها ونحو ذلك. فيكون التقصير والاعتداء منه هو وليس منها.
ثانيا:
إذا نشزت المرأة وهي حامل، فهل يلزم الزوج نفقة الحمل، أم لا؟ فيه خلاف بين الفقهاء، وهو مبني على اختلافهم في نفقة الحامل، هل هي للحمل أم للحامل؟ وجمهور العلماء على أن الناشز الحامل لها النفقة، وهو مذهب المالكية والحنابلة، وقول للشافعية.
قال ابن قدامة رحمه الله: "هل تجب نفقة الحمل للحامل من أجل الحمل أو للحمل؟ فيه روايتان ; إحداهما: تجب للحمل، اختارها أبو بكر ; لأنها تجب بوجوده , وتسقط عند انفصاله, فدل على أنها له. والثانية: تجب لها من أجله ; لأنها تجب مع اليسار والإعسار , فكانت له كنفقة الزوجات , ولأنها لا تسقط بمضي الزمان , فأشبهت نفقتها في حياته، وللشافعي قولان , كالروايتين، وينبني على هذا الاختلاف فروع ; منها: ... إن نشزت امرأة إنسان , وهي حامل , وقلنا: النفقة للحمل لم تسقط نفقتها ; لأن نفقة ولده لا تسقط بنشوز أمه وإن قلنا: لها، فلا نفقة لها ; لأنها ناشز" انتهى من "المغني" (8/187) باختصار.
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/627) : "والنفقة على الحامل للحمل نفسه , لا لها من أجله; لأنها تجب بوجوده، وتسقط عند انقضائه ; فتجب النفقة لناشز حامل ; لأن النفقة للحمل، فلا تسقط بنشوز أمه" انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يقول:
إن النفقة للحامل من أجل الحمل.
ومنهم من يقول: إن النفقة للحمل، لا للحامل من أجله....وهذا القول الثاني أرجح، لكنه لما كان لا طريق لنا إلى إيصال النفقة إلى الحمل إلا عن طريق تغذيته بالأم، صار الإنفاق على هذه الأم من أجل الحمل.
ينبني على هذا الخلاف: لو كانت الزوجة ناشزاً وهي حامل، فهل لها نفقة؟
إن قلنا: النفقة للحمل [وهو الأرجح كما سبق] ، وجب لها النفقة، لأن الحمل ليس بناشز، وإن قلنا: إن النفقة لها، سقطت نفقتها، لأنها ناشز" انتهى باختصار من "الشرح الممتع" (13/470) .
وعلى هذا؛ فنفقة الحمل واجبة على الأب، حتى ولو كانت أمه ناشزاً.
فإذا تنازعوا في قدر هذه النفقة فيرجع في ذلك إلى القاضي، ليحسم النزاع، ويحكم بما يظهر له أنه العدل.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1093)
ولا تأذن في بيته إلا بإذنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحالات التي يجب على الزوجين مراعاتها في الاستئذان على دخول، أو عدم دخول، المحارم أو غير المحارم في منزل الزوجية؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
منزل الزوجية منزل مشرف مكرم، أمر الله تعالى كلا من الزوجين بحفظه، وخص الزوجة بما أمرها به من حفظ أمانة هذا المنزل، فإنها ربة البيت وصاحبته.
عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُم عَلَيهِنَّ أَلَّا يُوطِئنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلنَ ذَلك فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيكُم رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ) رواه مسلم (1218) .
ويمكن تقرير مسألة الإذن في بيت الزوجية من خلال التفصيل التالي:
أولا:
إذا أذن الزوج إذنا صريحا لزوجته بإدخال شخص معين من محارمها، أو بعض النساء، أو كان إذنه عاما، فيجوز للزوجة حينئذ أن تأذن في بيته لهم، باتفاق أهل العلم.
ثانيا:
إذا سكت الزوج عن الإذن، فإنها تعمل بما يغلب على ظنها، فتأذن في بيته لمن يغلب على ظنها أن زوجها لا يمانع من دخوله بيته، ممن يجوز له أن يدخل على الزوجة في غياب الزوج، من المحارم والنساء، أما إن غلب على ظنها أن زوجها يكره دخول شخص معين في غيابه، فلا يجوز لها أن تدخله، وذلك باتفاق أهل العلم.
جاء في الموسوعة الفقهية (30/125) :
" من حقّ الزّوج على زوجته ألاّ تأذن في بيته لأحد إلاّ بإذنه، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ لِلْمَرأَةِ أَن تَصُومَ وَزَوجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذنِهِ، وَلَاْ تَأْذَن فِي بَيتِهِ إِلاّ بِإِذنِهِ) رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) .
ونقل ابن حجر عن النّوويّ قوله: "في هذا الحديث إشارة إلى أنّه لا يُفتأت على الزّوج بالإذن في بيته إلاّ بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزّوج به، أمّا لو علمت رضا الزّوج بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضّيفان موضعاً معدّاً لهم سواء كان حاضراً أم غائباً، فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاصّ لذلك.
وحاصله أنّه لا بدّ من اعتبار إذنه تفصيلاً أو إجمالاً " انتهى.
ثالثا:
إذا صرح الزوج بكراهيته دخول شخص معين، أو أي أحد بيته في غيابه، فيحرم عليها أن تأذن له في دخول بيت زوجها.
ولكن هل للزوج أن يمنع زوجته من إدخال والديها أو محارمها لزيارتها؟
في المسألة خلاف بين أهل العلم على قولين: الجواز والمنع.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/82) :
" الصحيح من مذهب الحنفية وهو مذهب المالكية: أن الزوج لا يمنع أبوي الزوجة من الدخول عليها في كل جمعة، ولا يمنع غيرهما من المحارم في كل سنة، وكذا بالنسبة لأولادها من غيره إن كانوا صغارا، لا يمنعهم الزوج من الدخول إليها كل يوم مرة، وإن اتَّهَمَ والدَيها بإفسادها، فيُقضَى لهما بالدخول مع امرأة أمينة من جهة الزوج، وعليه أجرتها.
وذهب الشافعية وهو قول للحنفية: إلى أن له المنع من الدخول، معلَّلًا بأن المنزل ملكه، وله حق المنع من دخول ملكه.
وذهب الحنابلة إلى أنه: ليس للزوج منع أبوها من زيارتها، لما فيه من قطيعة الرحم، لكن إن علم بقرائن الحال حدوث ضرر بزيارتهما أو زيارة أحدهما، فله المنع " انتهى.
والراجح من هذه الأقوال هو أنه لا يحق للزوج منع الوالدين والمحارم من زيارة زوجته، لما في ذلك من قطيعة الرحم، والقطيعة محرمة على كل حال، فلا يجوز للزوج أن يسعى في محرم، بل الواجب عليه أن يسعى في إصلاح ذات البين، وصلة الأرحام، ومعلوم أن إكرام أرحام الزوجة هو من إكرام الزوجة وإحسان صحبتها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(خَيرُكُم خَيرُكُم لِأَهلِهِ) رواه الترمذي (3895) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1174)
فإن وجد ريبة من بعض أرحام الزوجة، أو غلب على ظنه أن أحدا منهم أو من والديها يسعى للإفساد بين الزوجين، فيجوز له حينئذ منعهم من زيارتها درءا للمفسدة، ولا إثم عليه في ذلك.
انظر سؤال رقم (10680)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1094)
عقد عليها وباشرها دون جماع في رمضان، وجامعها قبل إعلان الدخول!
[السُّؤَالُ]
ـ[تمَّت خطبتي منذ شهرين على أخ ملتزم، وأراد أن تكون عِوض هذه الخطبة عقد شرعي، ولكن عائلتي رفضت بعلة أنه لا سبب للتسرع. وبسبب أننا كنا نخلو ببعضنا دون رقيب: وقع المحظور (مداعبة دون جماع) في أفضل الشهور (رمضان) ، وأنا منذ ذلك الوقت في غمٍّ شديد، فكيف أستطيع صيام خمسة أشهر كفارة لما حدث (شهر عن كل يوم) ؟ هذه أول مشكلة، فأرشدوني لحلها، فهي تؤرق منامي. أما بعد: فقد تم قبل أسبوعين عقد قراني على هذا الشخص، وقد بنى بي قبل إعلان الدخول المقرر العام المقبل، وقد اطلعت على أجوبة في موقعكم حول حقوق العاقد، فوجدت أنه درءاً للمفاسد فعلى العاقد انتظار إعلان الدخول للبناء بالزوجة، وبناء على هذا أعلمته أني سأمتنع عنه حتى موعد الزفاف، فرفض، وأصر على التمتع بحقه، والآن ما العمل؟ فأهلي ليسوا على علم بأني لم أعد عذراء، وأنا أخاف أن أحمل قبل الزفاف؟ كيف أتصرف في مثل هذا الوضع؟ هل عليَّ طاعة زوجي إذا دعاني؟ هل عليَّ إعلام أهلي أنه قد بنى بي مع علمي أنهم لن يتقبلوا الأمر أبداً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا تمَّت أركان العقد الشرعي وشروطه من الإيجاب والقبول وموافقة ولي المرأة، بحضور شاهدين، أو بإعلان هذا العقد: صارت المرأة زوجة للرجل، وجاز لكل واحد منهما أن يستمتع بالآخر.
فيجوز للزوجين قبل إعلان الدخول الاستمتاع بالتقبيل.. وغيره، ولو أدَّى ذلك إلى إنزال المني، على أن لا يكون جماع.
ثانياً:
لا تجب الكفارة على من أفطر في رمضان بدون عذر إلا إذا كان الإفطار بالجماع، فلا تجب الكفارة على من أفطر بشيء آخر سوى الجماع.
وعلى هذا، فالمداعبة التي حصلت في رمضان - ما دمت تقولين دون جماع - لا كفارة فيها وإذا حصل بسببها إنزال المني، فقد فسد صوم ذلك اليوم، وتجب التوبة من ذلك والندم على ما حصل، وصوم يوم واحد فقط مكان ذلك اليوم.
أما إذا لم ينزل المني، فالصيام صحيح، ولا شيء عليك.
وانظري أجوبة الأسئلة: (71213) و (14315) و (49614) و (37887) .
ثالثاً:
أما حصل من زوجك من جماع قبل إعلان الدخول: فقد أخطأ فيه خطأً بيِّناً، ولما فعله عواقب كثيرة، ويكون ملتزماً ولا يلتزم بتحذيرات أهل العلم وتنبيهاتهم ونصحهم للعاقدين بعدم استعجال الدخول؟ وما يدَّعيه بأن هذا حق له: غير صحيح، فبينه وبين أهلك اتفاق بأنه سيؤجل الدخول إلى الموعد الذي تم الاتفاق عليه، فيجب عليه الوفاء بهذا الاتفاق، والالتزام بهذا الشرط الذي وافق عليه، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ماذا يجوز للرجل من زوجته بعد عقد النكاح، وقبل الدخول، والبناء بها؟ .
فأجاب:
"يجوز له منها ما يجوز للرجال مع زوجاتهم، لكن ينبغي أن يصبر حتى يتيسر الدخول، فإن احتاج إلى زيارتها والاتصال بها بإذن أهلها لأمر واضح: فلا حرج في ذلك، إذا اجتمع بها وخلا بها بإذن أهلها: فلا حرج في ذلك، أما على وجه سرِّي لا يُعرف: فهذا فيه خطر، فإنها قد تحمل منه، ثم يظن بها السوء، أو ينكر اتصاله بها، فيكون فتنة، وشرٌّ كبير.
فالواجب عليه أن يمتنع، ويصبر، حتى يتيسر الدخول، والبناء بها، وإذا دعت الحاجة إلى اتصاله بها، والاجتماع بها: فليكن ذلك مع أبيها، أو أمها، أو أخيها، حتى لا يقع شيء يخشى منه العاقبة الوخيمة" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (21/208، 209) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"إذا عقد الإنسان على المرأة: فهو زوجها، له أن يكلمها في الهاتف، وله أن يرسل إليها الرسائل ... لا بأس أن يتصل بها، لكن بدون جماع؛ لأنها زوجته، فإذا اتصل بها، وتمتع بالجلوس معها وتقبيلها: فلا بأس، لكن الجماع لا يجاب؛ لأن الجماع فيه خطر، ويؤدي إلى سوء الظن، قد تحمِل من هذا الجماع، وتلد قبل وقت الدخول المحدد، فتتهم المرأة" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (175 / السؤال رقم 12) .
رابعاً:
أما ما يجب عليكم فعله: فهو ما يلي:
1. الكف الفوري عن أي اتصال بينكما يؤدي إلى جماع.
2. حث الزوج أن يتقي الله تعالى ويسارع في إعلان الدخول، ولو تحمَّل ديوناً، أو بذل جهوداً شاقَّة، وليس الأمر متعلقاً باحتمال الحمل، بل إنه يتعلق بيقين فض البكارة، وهذا الأمر له مساوئ كبيرة إن حصل – لا قدَّر الله – وفاة له، أو طلاق منه.
3. إن لم يستطع الزوج تعجيل الزواج: فلا بدَّ من إخبار أهلك بهذا الأمر، وعدم كتمانه عنهم، وفي هذا مصلحة عظيمة لكِ، فهو إن اعترف بفعله: كان ذلك أهون بكثير فيما لو حصل طلاق منه ثم إنكار، أو لو حصلت وفاة له.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1095)
أذن لزوجته في العمل بدون أجر فهل لها أن تأخذ أجرا وتخفيه عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الزوج غير مقصر ولكنه لا يعطي زوجته مالاً وقد سمح لها أن تعمل ولكنه يصر على معرفة إذا كانت تحصل على أجر من عملها ويرفض أن تحصل على أي مقابل نهائياً ويهددها بمنعها منه إن أخذت، فما حكم إخفاء الأمر عنه بالتورية وأخذ الراتب؟ علما بأنه رمزي جداً، ولكن يعني لها الكثير، وتنفقه في الكثير من وجوه الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للزوجة أن تعمل خارج بيتها إلا بإذن زوجها، ما لم تكن اشترطت عليه ذلك في عقد النكاح، فإن أذن لها في العمل التطوعي ومنعها من أخذ الراتب ولو كان يسيراً – وهو غير مقصر في نفقتها - لزمها طاعته في ذلك، ولم يجز لها مخالفته ولا التورية عليه.
والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه؛ لما في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتأذن لي أن آتي أبوي) . البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : "وقولها: (أتأذن لي أن آتي أبوي) فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها " انتهى.
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/271) : "ويحرم خروج الزوجة: بلا إذن الزوج أو بلا ضرورة كإتيانٍ بنحو مأكلٍ لعدم من يأتيها به " انتهى بتصرف.
وينظر في وجوب طاعة الزوجة لزوجها جواب السؤال رقم (70222) .
هذا إذا كان العمل خارج البيت، وأما إذا كان العمل داخل بيتها كطبخ أو خياطة ونحوها بما لا يضر الزوج ولا يعطل الزوجة عن القيام بأمره، فلا يشترط إذنه في ذلك.
وقد يكون سبب منع الزوج لها في أخذ الأجرة أن ذلك يلحق به شيئاً من النقص أو المعرة.
وقد سئل الدكتور خالد المشيقح حفظه الله: ما حكم من تعمل بالمنزل وتخفي عن زوجها المال الذي تكتسبه؟ مع العلم أنه عمل شريف من طبخ وما شابهه.
فأجاب: "تأجير الزوجة نفسها ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إجارة خاصة: وهي التي قُدِّرَ نفعُها بالزمن، هذا لا يصح إلا بإذن الزوج، إلا إذا كان الزوج قد شُرِط عليه ذلك في العقد.
القسم الثاني: إجارة مشتركة وهي التي قُدِّرَ نفعُها بالعمل، وهذا مثل عمل هذه المرأة كأن تتقبل أعمالاً في بيتها، من خياطة وطبخ ونحو ذلك، فهذا لا بأس به، ويجوز للمرأة هذا الأجر بشرط ألا يُلحِق ذلك ضرراً على الزوج، ولا يشترط إذن الزوج في ذلك، فإذا لم يُلحِق ضرراً على الزوج، ولم يكن فيه أخذ من ماله أو من طعامه دون إذنه ورضاه، فإن هذا جائز ولا بأس به، والمال يكون للمرأة " انتهى من "فتاوى الإسلام اليوم".
والذي ننصح به مناقشة الأمر مع الزوج، فلعل أحدكما يقنع الآخر برأيه، بدلاً من إخفاء الأمر عنه مما قد يسبب مشاكل فيما بعد، إذا علم الزوج ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1096)
الأم لها حقوق عظيمة في الشرع على ابنتها لكن الزوج حقه على زوجته أعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي لحوحة، وذات مطالب لا تنتهي، وتتشاجر معي طوال الوقت حول زوجي الذي يعاملني وأولادي وإياها معاملة طيبة، فتريد منه أخذها في رحلات، وتريد منه أشياء أخرى، تنفق مصروفات كبيرة، وهو لا يحب ذلك؛ لأن عمله كطبيب لا يترك له الوقت لهذا؛ ولأنه يشعر أنهما لن ينسجما معاً، وهي تزورنا في بيتنا على الأقل 4 أو 5 مرات سنويّاً، وتجعلني أصطحبها يوميّاً في نزهة خارجيَّة، لا يهمها في ذلك أن أهمل بيتي، وأطفالي، وهي مشغولة جدّاً بأعمالها التجارية الخاصة، بل حاولت معي، وتشاجرت كي تترك لي أخي، أو أختي يعيشان معي أنا (عمرهما 16 و 18 سنة) وترى أن هذا واجب عليَّ، ولا يستلزم مني أخذ إذن من زوجي، ورفضت دفع قرض جعلتني هي ووالدي (المتوفى من سنتين) أقترضه حين كنت في الجامعة للدراسة، وكان عمري وقتها 16 عاماً، هذا القرض الذي شوه اسمي وسمعتي، وجعل من المستحيل أن أشتري أي شيء تحت اسمي الخاص، وقد كررتْ هي ذلك مع عديد من الذين تدين لهم بفلوس، وفوق هذا كله: قبل رحيل أبي كتب كل أملاكه، وأمواله باسمها؛ لتسهيل توزيعها علينا (نحن أربع بنات وولد واحد) بدلاً من إدخال جهة خارجية في التوزيع، وبعد وفاته قالت: إن كل شيء باسمها، وإنها دفعت كثيراً في الماضي لسداد ديون أعماله التجارية قبل أن يصلا إلى النجاح الذي حققاه معاً، وبالتالي فإنها ستحتفظ بكافة الأموال لها وحدها حتى تموت، بل إني أعطيتها حوالي 100 ألف دولار (كل المال الذي ادخرته وعملت به) ؛ لأنها تظاهرت أنها سوف تستخدم هذا القرض في سداد ديون أبي المتوفى، ثم استخدمته في شراء منزل صيفي لها، بدلاً من سداد الديون، وأنكرت أني أعطيتها فلساً واحداً؛ لأني لم أخبر أحداً سوانا، فقد أردت جعل هذا العمل سرّاً بيني وبينها، والله سبحانه وتعالى؛ رغم علمي بأن لديها الكثير من المال، وقد سئم زوجي كل هذه التصرفات (ولم أذكر لكم العديد من مواقفها الأخرى السيئة) ولذا واجهها بأقل هذه المشكلات: وهي مشكلة قرض الدراسة القديم، الذي تم أخذه من 6 سنوات قبل زواجنا، وظل هذا الدين يتراكم، ويتضاعف باسمي أنا، ثم واجهها بأفعالها الخطأ الكثيرة التي ورطت أسرتي فيها، فغضبتْ غضباً شديداً، وخاصمتنا جميعاً أنا وزوجي، وطبيعي أردت أن ألتزم بحقها نحوي كأمي، فنجحتُ في استمرار العلاقات المتبادلة بيني وبينها على نحو طيب حتى لا تنقطع صلة الرحم، وساد بيننا معظم الأوقات الكلام الحسن، لكن بعد أسبوعين عادت إلى سبِّ زوجي، وأخبرتني أن أتحداه وأعصي كلامه؛ كي أجبره على الاعتذار لها، بل أخذت تسبُّني، وزوجي، بألفاظ محرجة جدّاً ومخزية، وهذه العلاقة تؤثر على زواجي سلباً، ووقتي في بيتي وسط أولادي، فلا أستطيع التفكير في أي شيء آخر، ولا يريد زوجي الاعتذار؛ لأنه على صواب، ويشعر أن أمي لم تغير أساليبها السيئة، ولن تسدد القرض القديم، وفي نفس الوقت من الصعب للغاية الوصول معها إلى حل وسط يوفق الأمور، نحن نعيش في بلدين مختلفين (مصر وأمريكا) ، وهي تقول لي أني إذا كنت فعلا أحبها ولا أريد معصية الله سبحانه وتعالى: فينبغي لي إحضار أولادي الثلاثة، وزيارتها، لكن زوجي لا يوافق أن أتركه وحده، وهي تعلم هذا، وتصر وتقول لي أني بذلك مسلمة عاصية، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يعاقبني لمعصيتي أمي، وكلما حاولت نصحها أن تخشى الله سبحانه وتعالى جنَّ جنونها، وتقول: بل الواجب ألا أسمع أنا كلام الزوج، وأسمع كلام الأم، وزوجي يخبرني أن أظل على علاقة طيبة معها قدر المستطاع، وفي الحقيقة هو زوج صالح جدّاً، وفي نفس الوقت أب ناجح جدّاً، الحمد لله أحيا معه حياة زوجية سعيدة جدّاً في وجود 3 من الأبناء الأصحاء ما شاء الله. وسؤالي الآن: 1. ما واجباتي نحو أمي في مثل هذا الموقف المزعج؟ مع العلم أنها تسب زوجي باستمرار في مكالماتنا الهاتفية (نحن نعيش في بلدين مختلفين بعيدين) ، وتطلب مني معصيته، وتحديه، وافتعال المشكلات معه كي يعتذر لها، وهذه المكالمات أثرت على نفسيتي بالغ الأثر، فصار هذا الأمر كل ما يشغل بالي، ويعوقني عن الدراسة، أو الاعتناء ببيتي، فما الحد الأدنى بخصوص زيارة أمي والتحدث معها حتى لا يغضب الله سبحانه وتعالى عليَّ، وفي نفس الوقت ألتزم بحقها عليَّ، وبالتالي لا أقلق من كلمتها لي دومًا أن الله سبحانه وتعالى غير راضٍ عني بسبب معصيتي لها؟ . 2. من المسئول عن هذا القرض؟ مع العلم أني أجبرت على حضور الدراسة في هذه الجامعة، فقد كان عمري فقط من 16 إلى 18 عاماً، ولم يعلم زوجي عن هذا القرض شيئاً قبل الزواج، وكذلك تملك أمي من المال ما يكفي وزيادة لسداد هذا القرض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن للأم منزلة في شرع الله تعالى لا تُنكر، وقد أوجب الله على أولادها برَّها، وحرَّم عقوقها، وجعلها أولى الناس بحسن الصحبة، كما في الحديث المعروف، لما قال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: (أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) رواه مسلم (2548) .
وهذا الحق للأم، وتلك المنزلة التي لها: لا تبيح لها أكل مال أولادها بغير حق، بل يجب عليها أداء الحقوق لأصحابها، وتقسيم التركة وفق شرع الله تعالى، كما لا يبيح للأم أن تخبب ابنتها على زوجها، وتفسد ما بينهما من حسن عشرة، وهذه الأفعال من تلك الأم منكرة يأباها الشرع المطهر، ويتوعدها عليها بالإثم والعقوبة.
ولعلَّ من أعظم البر الذي تقدمينه لأمك هو ردعها عن أكل الحرام وفعله، والأخذ على يدها أن تظلم الناس بغير حق، وأن تذكريها بإثم الإفساد بين الزوجين، وإثم الغيبة، والسب والشتم، وغير ذلك مما تفعله من المحرمات، كالتبرج، والسفر من غير محرم – إن وُجدا منها -.
وبخصوص أشقائك الذين ترغب والدتك بأن يسكنا معكِ وزوجك: فإنكِ لستِ مكلفة بهذا شرعاً، بل التكليف لازم لوالدتك، والحق هنا لزوجك، فإن وافق على ذلك: فذاك، وإلا فليس الأمر يلزمك، بل إننا لا ننصح زوجك بقبول هذا الوضع، لأنهم ليسوا ضياعا يضطرون إلى مثل ذلك، وليسوا فقراء يحتاجون من ينفق عليهم، وليست أمك عاجزة عن القيام بشأنهم، ففي حملهم عنها: إعانة لها على ما هي فيه من المخالفات الشرعية، والإهمال لواجبها، وتحميل لزوجك، وإرهاق لك ولبيتك بأمر لا يلزمكم أصلا، فضلا عما يترتب من عيش أختك في بيت واحد مع رجل أجنبي عنها (زوجك) من المخالفات الشرعية؛ إننا لا ننصحكم بقبول هذا الوضع بأي حال!!
ثانياً:
تلك المنزلة للأم، وذلك الحق الذي لها: لا يفوق حق زوجك، بل إن حق زوجك أعظم، وهو يقدم على حق والدتك، وطاعتك له تقدَّم على طاعتها، والزوجة العاقلة تحاول إرضاء زوجها بما يرغب به مما لا يخالف الشرع، وتسعى إلى بر والدتها بما لا يخالف أمر زوجها، فإذا تعارض الأمران والإرادتان: فإنها تقدم أمر وإرادة زوجها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
في امرأة تزوجت، وخرجت عن حكم والديها، فأيهما أفضل: برها لوالديها؟ أم مطاوعة زوجها؟ .
فأجاب: " المرأة إذا تزوجت: كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب، قال الله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) ، وفي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) ، وفي الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة) أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، وأخرجه أبو داود ولفظه: (لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحقوق) ، وفي المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحه تجري بالقيح والصديد ثم استقبله فلحسته ما أدت حقه) ... .
– وساق رحمه الله أحاديث في فضل طاعة الزوج -.
والأحاديث في ذلك كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن ثابت: الزوج سيِّدٌ في كتاب الله، وقرأ قوله تعالى: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوانٍ) .
فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق، والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها، أو أمها، أو غير أبويها، باتفاق الأئمة.
وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه، وحفظ حدود الله فيها، ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك: فعليها أن تطيع زوجها، دون أبويها؛ فإن الأبوين هما ظالمان، ليس لهما أن ينهياها عن طاعة مثل هذا الزوج، وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه، أو مضاجرته حتى يطلقها، مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما تطلبه ليطلقها، فلا يحل لها أن تطيع واحداً من أبويها في طلاقه إذا كان متقيّاً لله فيها.
ففي السن الأربعة وصحيح ابن أبي حاتم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وفي حديث آخر: (المختلعات والمتبرعات هن المنافقات) .
وأما إذا أمرها أبواها أو أحدهما بما فيه طاعة لله، مثل المحافظة على الصلوات، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، ونهوها عن تبذير مالها، وإضاعته، ونحو ذلك مما أمرها الله ورسوله، أو نهاها الله ورسوله عنه: فعليها أن تطيعهما في ذلك، ولو كان الأمر من غير أبويها، فكيف إذا كان من أبويها؟ .
وإذا نهاها الزوج عما أمر الله، أو أمرها بما نهى الله عنه: لم يكن لها أن تطيعه في ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، بل المالك لو أمر مملوكه بما فيه معصية لله: لم يجز له أن يطيعه في معصيته، فكيف يجبر أن تطيع المرأة زوجها أو أحد أبويها في معصية؛ فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله، والشر كله في معصية الله ورسوله " اتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 261 – 264) .
وهذا جواب علمي متين، كافٍ لبيان المقصود، وهو أنه لا يحل لوالدتك الإفساد بينك وبين زوجك، وأنه لا يحل لك طاعتها في هذا، وأن حق الزوج وطاعته أعظم من حق والدتك وطاعتها.
ثالثاً:
وكما أنك لستِ ملزمة بأحدٍ من أشقائك بسبب حبسك على زوجك، واشتراط موافقته: فإن الأمر كذلك في زيارتك لوالدتك مع أوالدك، فإن هذا لا يجوز أن يتم إلا بأمر الزوج وموافقته، وقد أحسنتِ في رفضك طلب والدتك، ونحن نؤكد على أنه رفض شرعي، وخاصة إن لم يكن معك محرَم في سفرك.
وأما بخصوص تقدير عدد زيارات والدتك لكم: فهذا أمر يرجع كذلك إلى زوجك، ويمكنك التفاهم معه على تحديد ذلك لوالدتك، وللزوج حق في منع دخول بيته لكل من يراه مفسداً لبيته، حتى لو كان هؤلاء أهلك، وبما أنكما متوافقان، وبينكما من حسن العشرة الشيء الكثير: فالأمر سهل يسير، فما عليكما إلا الاتفاق على تحديد عدد معيَّن، ووقت محدد لزيارتها لكم، وتشترطون ذلك عليها، ولزوجك الحق كل الحق في هذا، بل نرى أنه لو منعها بالكلية كان مصيباً، ولكن يرجى أن زياراتها إن كانت قليلة محدودة، وغير مؤثرة على سعادتكم الأسرية: أنه لا مانع منها، ولا بأس بالسماح بها، ويكون تحديد ذلك راجعاً إليكما عن تشاور وتراض.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " (لا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون) يعني: لا يدخلْنَّ أحداً البيت وأنت تكره أن يدخل حتى، لو كانت أمها، أو أباها، فلا يحل لها أن تُدخل أمَّها، أو أباها، أو أختها، أو أخاها، أو عمها، أو خالها، أو عمتها، أو خالتها إلى بيت زوجها، إذا كان يكره ذلك، وإنما نبهت على هذا: لأن بعض النساء - والعياذ بالله - شرٌّ حتى على ابنتها، إذا رأت حياة ابنتها مستقرة وسعيدة مع زوجها: أصابتها الغيْرة - والعياذ بالله - وهي الأم، ثم حاولت أن تفسد ما بين ابنتها وزوجها، فللزوج أن يمنع هذه الأم من دخول بيته، وله أن يقول لزوجته: لا تدخل بيتي، له أن يمنعها شرعاً، وله أن يمنع زوجته من الذهاب إليها؛ لأنها نمَّامة، تفسد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتَّات) أي: نمام " انتهى. " شرح رياض الصالحين " (2 / 91 الحديث رقم: 276) ط البصيرة.
رابعاً:
الذي يظهر أن القرض الربوي الذي جاء في سؤالك: إنما إثمه ورده عليك؛ لأنك كنتِ بالغة، ومسئولة عن تصرفاتك، فاحرصي على إرجاع حقك من والدتك، وأوقفي مضاعفة المبالغ الربوية المترتبة على تأخير إرجاع المبلغ، وحاولي أن لا ترجعي إلا أصل المبلغ دون زيادته الربوية، فإن عجزتِ: فلا حرج عليك فيما زاد، مع ضرورة التوبة الصادقة؛ لأن الربا من كبائر الذنوب.
ونسأل الله أن يهدي والدتك، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير.
وانظري جواب السؤال رقم: (96665) ففيه بيان أسباب تدخل الأم في حياة ابنتها المتزوجة، وطريقة علاج ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1097)
هل للزوجة رفض طلاق زوجها لها؟ وما حكم امتناع الزوج عن جماعها وعن الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤالان: السؤال الأول: هل يجوز للمرأة أن ترفض الطلاق؟ السؤال الثاني: ما حكم الشرع في رفض الزوج معاشرة زوجته، خاصة وأنها ترغب بشدة في حصول حمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا رغب الزوج بطلاق امرأته فليس لرفضها له اعتبار من حيث وقوعه، بل هو واقع إذا أنفذه الزوج، والأصل في الطلاق الكراهة، ولذا لم يكن مرغبّاً به ابتداء، لكن قد يحصل في الحياة الزوجية ما تستحيل معه العشرة بين الزوجين، فشرع الله تعالى الطلاق، حكمةً بالغة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأصل في الطلاق: الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن إبليس ينصب عرشه على البحر ويبعث سراياه فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة فيأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فعل كذا، حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت، أنت ويلتزمه "، وقد قال تعالى في ذم السحر: (ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) " انتهى. " مجموع الفتاوى " (33 / 81) .
وقال رحمه الله أيضاً: " ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق: لكان الدليل يقتضي تحريمه، كما دلَّت عليه الآثار والأصول، ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعبادة، لحاجتهم إليه أحياناً " انتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 89) .
وإذا ما شعرت الزوجة بأن زوجها سيطلقها: فيمكنها توسيط أهل الخير والعقل ليحولوا دون إيقاع زوجها الطلاق، كما يمكنها مصالحته على إسقاط النفقة أو جزءٍ منها، أو إسقاط حقها أو جزءٍ منه في المبيت، كما صنعت سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين شعرت بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيطلقها، فوهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها؛ لما تعلمه من حب النبي صلى الله عليه وسلم لها، ومهما بذلت سودة أو غيرها لتكون زوجةً للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فليس بكثير.
قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء/ 128.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ.
رواه الترمذي (3040) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهكذا فسَّرت عائشةُ رضي الله عنها الآيةَ:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِى وَلاَ تُطَلِّقْنِى، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِى، فَأَنْتَ فِى حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ، وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) .
رواه البخاري (4910) ومسلم (3021) .
قال ابن كثير رحمه الله: " إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يطلقها: فلها أن تسقط حقها، أو بعضه، من نفقة، أو كسوة، أو مبيت، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها؛ ولهذا قال تعالى: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) ، ثُمَّ قَالَ: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ، أي: من الفراق " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (2 / 426) .
فالطلاق بيد الزوج، وليس لرفض الزوجة ما يمنع من إيقاعه، وعليها إن أرادته زوجاً أن توسِّط أهل الخير للصلح، ولها أن تسقط بعض حقوقها في مقابل ذلك، فإن أبى الزوج إلا الطلاق: فيُرجى أن يكون ذلك خيرا لها وله، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء/ 130.
ثانياً:
يجب على الزوجين إعفاف بعضهما بعضاً، ويحرم لأحدهما الامتناع عن الجماع إضراراً بالآخر، ولا شك أن ثمة فرقاً بين الزوج والزوجة في هذه الحال، فالمرأة لو لم يكن لها شهوة: فإن زوجها يقضي شهوته معها، ولا عكس؛ لأن رغبة الزوج لها تعلق بالانتشار والانتصاب عنده، وهو ما لا يتم الجماع إلا به، لكن من قدر على إعفاف زوجته ولم يفعل: فقد إثم؛ لأن حق الاستمتاع مشترك بين الزوجين، إلا أن يكون هجره لها من أجل تركها لما أوجب الله عليها، أو لفعلها معصية، وإلا أن يكون تركه للجماع بسبب مرضه أو إرهاقه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر، والشهرين، لا يطؤها، فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟ .
فأجاب: " يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها، والوطء الواجب، قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدَر حاجتها وقُدْرته، كما يطعمها بقدَر حاجتها وقُدْرته، وهذا أصح القولين " انتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 271) .
وقال علماء اللجنة الدائمة: " مَن هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر: فإن كان ذلك لنشوزها، أي: لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى، وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها: فإنه يهجرها في المضجع ما شاء؛ تأديبا لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً، أما في الكلام: فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد في مسنده.
أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر إضراراً بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها: فإنه كمُولٍ وإن لم يحلف بذلك، تُضرب له مدة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع إن لم تكن في حيض أو نفاس: فإنه يؤمر بالطلاق، فإن أبى الرجوع لزوجته، وأبى الطلاق: طلَّق عليه القاضي، أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 261 – 263) .
كما أننا ننبه إلى أن حق الإنجاب مشترك بين الزوجين، وليس لأحدهما أن يختص لنفسه بهذا الحق دون الطرف الآخر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " أهل العلم يقولون إنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، أي: لا يعزل عن زوجته الحرَّة إلا بإذنها؛ لأن لها حقّاً في الأولاد، ثم إن في عزله بدون إذنها نقصاً في استمتاعها، فاستمتاع المرأة لا يتم إلا بعد الإنزال، وعلى هذا ففي عدم استئذانها تفويت لكمال استمتاعها، وتفويت لما يكون من الأولاد، ولهذا اشترطنا أن يكون بإذنها " انتهى. " فتاوى إسلامية " (3 / 190) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (5971) و (10680) و (93230) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1098)
تزوج من ثانية وتغيرت معاملته لها فأبغضته
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أعيش حياة سعيدة مع زوجي وأبنائي، إلى أن تزوج زوجة ثانية، فبدأ في معاملتي بشكل زرع في نفسي مشاعر البغض كلما رأيته، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مشاعر البغض التي تجدينها في نفسك كلما رأيت زوجك لا ندري هل هي بسبب نقمتك عليه لزواجه بأخرى، أم بسبب معاملته السيئة لك، وتفضيل الزوجة الجديدة عليك.
فإن كانت الأولى فنقول: ليس في زواج الرجل بامرأة ثانية ذنب، أو إثم، بل قد يجب على الزوج، وكل ذلك مشروط بإقامة العدل بين زوجاته، فقد أباح الله للرجل أن يجمع أربع نسوة إن استطاع أن يعدل بينهن، بالنفقة، والكسوة، والمبيت، فإن لم يستطع ذلك: فيحرم عليه التعدد، وليكتفِ بزوجة واحدة.
قال الله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) النساء/ 3.
ولا يتزوج الرجل عادة من أخرى إلا وهو محتاج له؛ لأن إقامة بيت آخر يعني زيادة عبء على هذا الزوج، ولا يريد الرجل تحميل نفسه عبئاً آخر من غير حاجة، أو قد يصادف امرأة يتعلق قلبه بها، ويريد الاجتماع معها على شرع الله تعالى، وليس ذلك بممكن من غير الزواج بها، وحكم التعدد لمن تأملها جليلة، ولذلك لا ينبغي للمعدد أن يكون قدوة سيئة عند الناس بظلمه وتجنيه وسلبه لحقوق بعض نسائه.
ونقول للأخت الفاضلة إن ما يحدث من غيرة بين النساء، أو مشكلات في الحياة الزوجية عند المعدد يحصل أضعافه عند غير المعدد، بل إن نسبة الطلاق المهولة في العالم الإسلامي ليست من معددين، والمشكلات تحصل في كل بيت، حتى لو لم يكن فيه ضرائر.
وإن كان السبب في تغير زوجك نحوك: ميله للثانية؛ لجمالها؛ أو لصغر سنِّها – مثلاً -: فهو ظالم آثم، ويجب عليه الالتزام بشرع الله تعالى الذي أمره بالعدل بين الزوجات، وأن يعطي كل واحدة حقَّها الذي أوجبه الله عليه.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق، وأعدلها، هي: إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كلُّ العُقَلاء
منها: أن المرأة الواحدة تحيض، وتمرض، وتنفَس، إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأُمة، فلو حبس عليها في أحوال أعذارها: لعطلت منافعه باطلاً في غير ذنب.
ومنها: أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عدداً من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضاً لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة، فلو قصر الرجل على واحدة: لبقي عدد ضخم من النساء محروماً من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة، فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف، والمروءة، والأخلاق، فسبحان الحكيم الخبير، كتاب حكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
ومنها: أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج؛ لفقرهم، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر، وعدم القدرة على لوازم النكاح، فلو قصر الواحد على الواحدة: لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضاً بعدم وجود أزواج، فيكون ذلك سبباً لضياع الفضيلة، وتفشي الرزيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية، كما هو واضح.
فإن خاف الرجل ألا يعدل بينهن: وجب عليه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمينه؛ لأن الله يقول: (إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان) النحل/ 90، والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن: لا يجوز؛ لقوله تعالى: (فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل فَتَذَرُوهَا كالمعلقة) النساء/ 129، أما الميل الطبيعي بمحبة بعضهن أكثر من بعض: فهو غير مستطاع دفعه للبشر؛ لأنه انفعال، وتأثر نفساني، لا فعل، وهو المراد بقوله: (وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء) النساء/ 129، كما أوضحناه في غير هذا الموضع.
وما يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام، من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام، والشغب الدائم، المفضي إلى نكد الحياة؛ لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين: سَخطت الأخرى، فهو بين سخطتين دائماً، وأن هذا ليس من الحكمة: فهو كلام ساقط، يظهر سقوطه لكل عاقل؛ لأن الخصام، والمشاغبة بين أفراد أهل البيت: لا انفكاك عنه ألبتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة، فهو أمر عادي، ليس له كبير شأن، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من صيانة النساء، وتيسير التزويج لجميعهن، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه الإسلام: كلا شيء؛ لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى.
فلو فرضنا أن المشاغَبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة: لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا، كما هو معروف في الأصول " انتهى. " أضواء البيان " (3 / 114، 115) .
ثانياً:
ونوصي الزوجة التي تغير زوجها عليها بالبحث عن أسباب تغيره، فإن كان بسبب تقصيرها في حقه: فلتعالج نفسها، ولتنتبه لحقوق زوجها التي قصَّرت بها، فبعض النساء لا تلتفت لأهمية تجملها، وحسن منطقها، وجمال هندامها، وتعيش مع زوجها " روتيناً " قاتلاً، ولا شك أن الرجال يرون ما تشيب له الرؤوس من النساء في الطرقات، والعمل، والفضائيات، وعموم وسائل الإعلام، والمرأة العاقلة تعي هذا وتنتبه له، فهي تتجمل، وتتعطر، وتحسن من خدمة زوجها والعناية به، وهي تكفيه عن الأسباب التي قد تؤدي به للزواج من غيرها، كما أن بعض النساء تنشغل بأولادها انشغالاً كاملاً، ويكون ذلك على حساب حقوق زوجها، وحاجته لها، وهو ما يؤدي به للتفكير في نفسه، وفي بناء بيت آخر، فلتعقل الزوجات هذا، ولينتبهن له.
وإن كان تغير زوجها لهوى في نفسه: فهو بحاجة لوعظ وتذكير، وإن كان بسبب حسدٍ، أو عين، أو سحر: فهو بحاجة لرقية شرعية؛ لأن مثل هذا يحدث، ولا ينبغي إنكاره، كما لا ينبغي توهمه، واعتقاده، وليس الأمر كذلك في حقيقة الحال.
والحاصل: أن الواجب أن تبحث المرأة في نفسها أولا، فإن وجدت تقصيرا أو خللا سبب ذلك، فلتبادر بإصلاح نفسها، وإكمال ما عندها.
وإن كان التقصير من ناحية الزوج: فلتصبر على ذلك البلاء، وليس لها أن تعينه على التمادي في تقصيره وظلمه وإساءته، بما يحصل من ردود الأفعال، بل الواجب أن تعينه على الكف عن ظلمه، أو التقليل منه، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
ولتعلم أن بيتها، وكنف زوجها، مع كل ذلك التقصير والتفريط: خير لها من هدم البيت، وتشريد الأولاد.
وكثير من الأزواج يقع في ذلك الظلم فترة معينة، ربما لانبهاره بالزوجة الصغيرة الجديدة، التي لم يشن جمالها الحمل والرضاع، ولم يشغلها عنه البيت والأولاد، وسرعان ما تلحق الثانية بحال الأولى، وتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي.
وتذكري ـ يا أمة الله ـ وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس، وهو غلام، وهي وصية معروفة مشهورة، وفي آخرها: (.. يَا غُلَامُ ... احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ؛ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (2800) ، وصححه محققو المسند.
ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكما على خير، وأن يجعل ما أصابك سبباً لتكفير سيئاته، وتغيير حالك إلى ما هو أفضل لك عند ربك تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1099)
إذا كرهت زوجها، فهل يكون زوجا لها في الجنة؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أكره زوجي ولا أصبر على أذيته إياي إلا لله، ثم لأجل مصلحة أطفالي، فهل سوف يكون زوجي في الجنَّة؟ حيث إن مما يهون عليَّ أن الدنيا مهما حصل فهي أيام قليلة وزائلة، وأنا لا أريده زوجاً في الجنَّة مهما حصل فيه من تغيير أو صلاح حاله. أرجو أن لا تقولوا إنه لا بد أن يكون زوجي في الجنَّة! أرجو الرد، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر على صبرك على أذى زوجك، وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدل على، أصل طيب، وخلقٍ عالٍ.
ونسأل الله أن يهدي زوجك، ويصلحه لك، ويعينه على إحسان عشرتك، ويأخذ بناصيته إليه.
ثانياً:
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/ 22 – 24.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين، والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من الله وإحساناً.
" تفسير ابن كثير " (4 / 451) .
وانظري جواب السؤال رقم: (5981) .
ثالثاً:
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن دخول الناس الجنة لن يكون وهم على حالهم التي كانوا عليها في الدنيا، وقد ثبت في النصوص الواضحة البيِّنة أنه لا يدخل الجنة أحد وفي صدره غلٌّ، ولا يدخل الجنة أحد إلا ويهذَّب وينقَّى من كل سوء وشرٍّ.
قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) الحِجر/ 47.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد، وغِمْرٍ، وعَداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة.
" تفسير الطبري " (12 / 437، 438) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا) .
رواه البخاري (2308) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -:
(بقنطرة) الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة.
وقوله (فيتقاصُّون) بتشديد المهملة: يتفاعلون، من القِصاص، والمراد به: تتبع ما بينهم من المظالم، وإسقاط بعضها ببعض.
وقوله (حتى إذا نُقوا) بضم النون، بعدها قاف، من التنقية، ووقع للمستملي هنا " تَقَصُّوا بفتح المثناة والقاف وتشديد المهملة، أي: أكملوا التقاص.
قوله (وهذبوا) أي: خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض.
" فتح الباري " (5 / 96) .
فاطمئني أختنا الفاضلة، فلن تكون أخلاق زوجك ما كانت عليه في الدنيا، ولن تكون حالكِ أنتِ – كذلك – على ما هي عليه، فكما سينقَّى زوجك ويُهذَّب: فإن الأمر نفسه سيحصل معك، فإذا قضى الله وجمعكما في الجنة، فسوف يكون اجتماعك به في الجنة على غير اجتماع الدنيا، بل اجتماع تشتهيه نفسك، ويريح بالك، ويقر عينك. قال الله تعالى:
(يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف:71، وقال تعالى: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت:31، وقال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة:17.
فليكن همك يا أمة الله أن تعملي ما يوصلك إلى الجنة، ويرفع فيها منزلتك، وثقي أن الجنة لا تعب فيها ولا نصب، ولا هم فيها ولا حزن!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1100)
جامع زوجته وهي صائمة صوم التطوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من جامع زوجته وهي صائمة صيام الست من شوال وهو غير صائم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصائم المتطوع أمير نفسه، فله أن يتم صومه، وله أن يفطر، إلا أن الإتمام أولى.
روى أحمد (26353) عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (3854) .
وينظر جواب السؤال رقم (49610) .
فمن صام يوما من الست، وأحب أن يفطر فله ذلك، سواء أفطر بالأكل أو بالجماع أو بغيره.
وهذه المرأة إذا كانت قد صامت بدون إذن زوجها، فله أن يدعوها إلى الفراش، ويلزمها الاستجابة لذلك.
وإن كانت صامت بإذنه فليس له أن يفسد عليها صومها، لكن إن أراد ذلك، فالأفضل لها أن تستجيب له.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا صامت نفلاً بإذنه، فإنه لا يحل له أن يفسد صومها؛ لأنه أذن لها. ولكن في هذه الحال وهي صائمة صيام نفل بإذنه لو طلب منها أن تأتي للفراش فهل الأفضل أن تستمر في الصوم وتمتنع أو أن تجيب الزوج؟ الثاني أفضل: أن تجيب الزوج؛ لأن إجابتها الزوج من باب المفروضات في الأصل، والصوم تطوع من باب المستحبات، ولأنه ربما لو أبت مع شدة رغبته، ربما يكون في قلبه شيءٌ عليها فتسوء العشرة بسبب ذلك " "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1101)
انقطعت علاقته مع زوجته منذ زمن فهل يلزمه طلاقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج من امرأتين ولي أولاد في سن العشرين وفوق من زوجتي الأولى ولكنني تزوجت الثانية على أساس أنني لا تربطني أي علاقة مع الأولى ومنذ أن تزوجت الثانية وحتى قبل زواجي منها لا يوجد لي علاقة بالزوجة الأولى أقصد أنني لا أبيت معها لأنني لا أشعر بالانسجام معها ولكنني لم أطلقها وذلك تنفيذا لرغبة أولادي حيث إنهم طلبوا مني أن لا أطلق أمهم حرصا على سمعتهم أمام أصدقائهم وأنا قمت بتنفيذ هذه الرغبة فأريد أن أعرف هل أرتكب إثما بذلك؟ وما هو الحل؟ هل أستطيع أن أبقيها على ذمتي وأنا لا أعاشرها أو يجب علي أن أطلقها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوجة حق في المبيت والمعاشرة والاستمتاع، ولها أن تطلب الطلاق في حال امتناع زوجها عن أداء هذا الحق، لكن إذا رضيت بالبقاء وتنازلت عن حقها، فلها ذلك، ولا يلزمك طلاقها حينئذ.
فقد روى مسلم (1463) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ لَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا، وَيَوْمَ سَوْدَةَ.
ففيه جواز إسقاط المرأة حقها في القسم، وهبة ليلتها لضرتها.
وإذا لم تكن الزوجة راضية بهذا الحال، وهي تكره الطلاق أيضا، فإنه ينبغي أن تنظر في أمرك، وأن تحاول علاج المشكلة، وإعطاءها حقها، والإحسان إليها، والوفاء لها، فإنها أم أولادك، وقد عاشت معك هذه المدة.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا أجمعين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1102)
ذهبت إلى بيت أهلها وأصبحت تخرج بدون إذن زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي في زيارة لبيت أهلها في بلدنا الأصلي، وقد طلبت منها أن لا تخرج من البيت إلا بإذني وهي ترفض أن تأخذ الإذن مني وتخرج أين ما تريد وبعلم أهلها وبتشجيع منهم وهم الذين يوصلونها، وتقول بأني ليس لي عليها سلطان، فهل لكم من كلمة توجهونها لها ولأسرتها لعل الله يوصلها لقلوبهم. وللعلم فهي ذهبت زيارة لأهلها مغاضبة مع أطفالها الأربع وهي حامل بالخامس، فما الحل هل أطلقها وأرتاح أم ماذا؟ أيضاً: عندما كانت معي في بيتي في مدينة منتريال (كندا) ، فكانت تخرج من البيت بإذني، وفي مرة من المرات خرجت بدون إذني وفعلت أشياء بدون معرفتي، وعندما علمت غضبت لذلك وقلت لها: أنت طالق إذا تخرجي من البيت بدون إذني، والحقيقة: أني عندما علقت الطلاق على الخروج لم يكن يدور في بالي بيت أهلها ولم يكن في حسباني أنها سوف تكون في بيت أهلها بعد سنة، فهل يقع خروجها من بيت أهلها تحت تعليقي الطلاق على الخروج من البيت بدون إذن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، فإن خرجت دون إذنه، كانت عاصية ناشزا، تسقط نفقتها، وتأثم بذلك. لكن يستثنى حالات الاضطرار، وقد مثّل لها الفقهاء بأمثلة، منها: إذا خرجت لشراء ما لا بد منه، أو خافت من انهدام المنزل، ونحو ذلك.
انظر: "أسنى المطالب مع حاشيته" (3/239) .
قال في "مطالب أولي النهى" (5/271) : "ويحرم خروج الزوجة بلا إذن الزوج أو بلا ضرورة، كإتيانٍ بنحو مأكل ; لعدم من يأتيها به" انتهى.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون الزوجة في بيت زوجها أو بيت أهلها، فليس لها أن تخرج إلا بإذنه، فإذا منعها وجب عليها امتثال ذلك، لأنها مأمورة بطاعة زوجها في غير المعصية، وقد جعل الله تعالى له القوامة عليها، وهو مسئول عنها.
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في الخروج حتى لزيارة أهلها: ما جاء في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتأذن لي أن آتي أبوي) رواه البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : "فيه: أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها " انتهى.
ولهذا نوصي الزوجة بتقوى الله تعالى، ومعرفة حق زوجها، ووجوب طاعته، وترك التمرد عليه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقِّه، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قَتَب) .
قال الهيثمي: رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح. "مجمع الزوائد" (4/309) .
والقَتَب هو ما يوضع على البعير تحت الراكب.
كما نوصي أهلها بإعانتها على الطاعة، وتحذيرها من المعصية، وليحذروا من إعانتها على مخالفة زوجها، وعصيان أمره، فإن ذلك من إفسادها عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أفسد امرأة على زوجها فليس منا) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (324) .
ثانيا:
لا ينبغي أن تتسرع في الطلاق، لا سيما مع وجود ما ذكرت من الأولاد، بل حاول أن تعالج هذه المشاكل في جو من الود والتفاهم، وأن تراعي حق زوجتك، وما لها من طول الصحبة معك، ولا يخفى عليك أن البيوت لا تسلم من مثل هذه المنغصات.
ثالثا:
قولك لزوجتك: أنت طالق إذا تخرجي من البيت بدون إذني، إذا كانت نيتك فيه منعها من الخروج في منتريال بدون إذنك، فلا يقع الطلاق إذا خرجت في بلدك الأصلي. وإن كانت نيتك عامة، وتريد منعها من أي خروج إلا بإذنك، فإن خرجت ولو في بلدك الأصلي بلا إذن، وقعت عليها طلقة واحدة.
وينظر جواب السؤال رقم (82400) للفائدة.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حالكما، ويوفق بينكما، وأن يذهب عنكما نزغات الشيطان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1103)
هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها بلا إذنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها بدون إذنه، وإذا حدث ما كفارة ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها شيئاً إلا بإذنه، إلا إذا كان يقصر في الإنفاق عليها، فإنه يجوز لها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي أولادها بالمعروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة لما شكت عليه تقصير زوجها أبي سفيان في الإنفاق عليها وعلى أولادها فقال لها: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) وليس لذلك كفارة إذا كان الواقع هو ما ذكرنا، أما إن كان الأخذ بغير تقصير منه فعليها أن ترد ما أخذت إلى ماله ولو بغير علمه، إذا كانت تخشى إذا أعلمته أن يتكدر أو يغضب عليها.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (21/ 167) .(6/1104)
طاعة الزوج في قطيعة الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للزوجة أن تُطيع زوجها في قطيعة أهلها، كأمها وأبيها وأخواتها وأقاربها؟ وعلى من يكون الإثم هنا؟ علماً أن الزوج يستشهد على إرغام زوجته بقطيعة أهلها بقصة امرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أطاعت زوجها في مثل ذلك إلى أن مات أبوها، ولم تره، طاعةً لزوجها، وأيدها الرسول في ذلك وقال: (إن أباها دخل الجنة أو غفر له بسبب طاعتها لزوجها) ، فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما الحكم في هذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الله سبحانه وتعالى أوجب حق الوالدين وحق الأقارب ونهى عن قطيعة الوالدين والأقارب، فقطيعة الوالدين هذا عقوق، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك، وكذلك قطيعة الرحم كبيرة من الكبائر، لقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/22، 23.
ولا يجوز للزوج أن يحمل زوجته على قطيعة أرحامها بغير حق، لأنه بذلك يحملها على المعصية، وعلى مقاطعة أرحامها، وفي ذلك من الإثم، والمفاسد الشيء الكثير، وطاعة الزوج وطاعة كل ذي حق إنما تجب بالمعروف، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة بالمعروف) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فلا يجوز لهذا الزوج أن يمنع زوجته من صلة أرحامها في حدود المشروع، في حدود المصلحة، بل عليه أن يعينها على ذلك، وأن يُشجعها على ذلك، لأن في هذا الخير الكثير لها وله، وأما الحديث الذي أشار إليه السائل، فهذا لم أسمع به، ولم أره، ولا أدري ما حاله" انتهى.
الله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/548) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1105)
هل إنفاقه على زوجته القريبة يعتبر برا وإحسانا إلى أهلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من ابنة خالتي فهل يعتبر إنفاقي عليها صدقة وصلة وتعتبر حسن معاملتي لها براً بأمي وخالتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نفقة الزوج على زوجته منها ما هو واجب، ومنها ما هو صدقة ومعروف وإحسان، وإذا كانت الزوجة قريبة له كبنت خالته، فلا شك أن الإحسان إليها يعتبر إحسانا إلى أمها، وإلى أم الزوج أيضا.
والنفقة الواجبة تتعلق بالسكنى والطعام والكسوة، كما قال الله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) الطلاق/6، وقال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه مسلم (1218) .
والرجل يثاب على نفقته على زوجته، كما روى البخاري (1295) ومسلم (1628) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: (إِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك) أَيْ: فِي فَمِهَا.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " َفِيهِ: أَنَّ الْإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال يُثَاب عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى" انتهى.
وروى البخاري (55) ومسلم (1002) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً) .
وروى مُسْلِمٍ (994) عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: بَدَأَ بِالْعِيَالِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمُ اللَّهُ أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ.
فما ينفقه الرجل على زوجته وعياله، له أجره عند الله، بشرط أن يحتسب ذلك، فينوي التقرب إلى الله تعالى بأداء الواجب، أو إدخال السرور عليهم، أو البر والإحسان إلى قرابته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1106)
خدمة الزوجة لوالد زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[حضر والد زوجي ليعيش معنا وهو مريض بالزهايمر وهذا يسبب الكثير من المشاكل والتوتر فما واجباتي نحوه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجب على المرأة أن تخدم والد زوجها أو أمه أو أحداً من أقاربه , وإنما هذا من باب المروءة إذا كانت في البيت أن تخدم والديه , أما أن تُلزم بذلك فلا يجوز لزوجها أن يلزمها بذلك، وليس واجبا عليها، والذي أدعو إليه أن تكون الزوجة صبورة في خدمة والد زوجها، ولتعلم أن ذلك لا يضرها بل يزيدها شرفا وتحببا إلى زوجها. والله الموفق" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1107)
والده يريد منه السفر للعمل وزوجته تصر على بقائه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من حيرة من أمري فقد تزوجت من تسعة شهور ومكثت مع زوجتي منذ تاريخ الزواج حتى سفري إلى الخارج حوالي 4 شهور، وقد اعترضت زوجتي على سفري، وحاولت منعي من السفر بكل الطرق، ولكن دون جدوى، فالحمد لله بيننا الحب والتفاهم، وحاولت إقناعها أنني عندما أسافر ثم أستقر سوف أبحث عن سكن لأرسل لها وتمكث معي، ولكن لم أجد السكن المناسب، فالإيجارات هنا غالية الثمن حتى لا يكفي مرتبي سداد نصف الشهر، وعندما علمت بذلك أخذت ترسل الرسائل والتي ترسل معها دموعها وقلبها الذي يحترق على سرعة نزولي، هذا من ناحية، من ناحية أخرى: والدي يشجع سفري لكي أساعده في زواج أخي، فزوجتي يوميا تطلبني بالنزول فلا تستطيع العيش لوحدها، ووالدي يريد البقاء والعمل. هل أقوم بالنزول حتى لا أظلم زوجتي؟ أم أقوم بمساعدة والدي في زواج أخي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوج أن يسافر ويتغيب عن أهله، لأجل العمل ونحوه من المصالح المشروعة، مدة لا تزيد على ستة أشهر، فإن زاد على ذلك فلا بد من استئذان زوجته.
والأصل في ذلك أن عمر بن الخطاب سأل ابنته حفصة رضي الله عنهما: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله! مثلك يسأل مثلي عن هذا! فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك. قالت: خمسة أشهر. ستة أشهر. فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر ; يسيرون شهرا , ويقيمون أربعة , ويسيرون شهرا راجعين.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله: كم للرجل أن يغيب عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهر.
وانظر: "المغني" (7/232، 416) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سفر الرجل عن زوجته إذا كانت في محل آمن: لا بأس به، وإذا سمحت له بالبقاء أكثر من ستة أشهر فلا حرج عليه، أما إذا طالبت بحقوقها، وطلبت منه أن يحضر إليها فإنه لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، إلا إذا كان هناك عذر كمريض يعالج وما أشبه ذلك، فإن الضرورة لها أحكام خاصة. وعلى كل حال فالحق في ذلك للزوجة، ومتى ما سمحت بذلك وكانت في مأمن فإنه لا إثم عليه، ولو غاب الزوج عنها كثيرا " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" (ص 106) .
وعليه؛ فمن حق أهلك عليك أن تعود إليهم، لا سيما وأن راتبك لا يكفي للسكن كما ذكرت، وهذا يعني تأخرك عن أهلك، مع حاجتهم إليك.
ولا يخفى أن أداء الحق، وحفظ الأهل، والقيام على رعايتهم، مع دوام الحب واستمراره، كل ذلك مقدم على جمع المال.
ولا يجب طاعة الأب فيما لو أمرك بالبقاء في الخارج، لما يترتب على هذا من تضييع حق زوجتك، ومعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن ينبغي أن تتلطف في إقناعه، وبيان عدم جدوى الاغتراب والبعد عن الأهل.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1108)
إذا لم ترض زوجته بغيابه عنها أكثر من ستة أشهر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أرسلت إليكم سؤالي وقصتي عن غيابي عن زوجتي لمدة أكثر من 6 أشهر وقلتم لي إذا رضيت الزوجة فلا حرج. فما الحال إن لم ترض زوجتي؟ ولكن هي مغلوبة على أمرها نظرا لسوء الظروف وأنا ما بيدي حيلة حيث إنني إذا رجعت إليها للعمل في بلادي بجوارها فالعمل لا يكفى لسد المأكل فما بالك بباقي الأشياء التي نحتاجها. فليس أمامي إلا العمل بعيدا عنها، والفترة ربما تطول إلى 7سنوات أو أكثر وأنا لا أراها إلا شهراً واحداً في العام. فما حكم الإسلام في هذا الموضوع إن لم ترض زوجتي في حالتي الصعبة هذه؟ وما حكم الإسلام في حالة عدم رضا الزوجة، والزوج قادر على العودة بجوارها ولكن هو لا يريد العودة لها إلا كل فترات طويلة حبا في المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم ترض الزوجة بغياب زوجها أكثر من ستة أشهر رفعت أمرها إلى القاضي ليقوم بمراسلة زوجها وإلزامه بالعودة، فإن لم يرجع حكم القاضي بما يراه من الطلاق أو الفسخ.
سواء كان سفر الزوج وغيابه بعذر كحاجته إلى المال وعدم وجود عمل له في بلده، أو كان لغير عذر. بل حبّاً في المال – كما ذكرت في سؤالك.
ولكن الفرق بين حال العذر وعدمه: أن الزوج في حال العذر لا يلزمه الرجوع، ولا يأثم إذا لم يرجع.
أما في حال عدم العذر فيجب عليه العودة، ويأثم إذا لم يرجع.
وفي الحالتين للمرأة طلب الطلاق، دفعاً للضرر الواقع عليها.
ولا يجوز للزوج أن يمسك امرأته مع حصول الضرر عليها. قال الله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) البقرة/231، وقال تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق/2.
قال في "كشاف القناع" (5/193) : " ولو سافر الزوج عنها لعذر وحاجةٍ سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره، للعذر ... وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك، لما روى أبو حفص بإسناده عن يزيد بن أسلم قال: بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا خشية الله والحيا لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها فقيل له: فلانة زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة تكون معها، وبعث إلى زوجها فأقفله (أي أرجعه) ثم دخل على حفصة فقال: بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله! مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك. فقالت: خمسة أشهر ستة أشهر، فوقّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرا، ويقيمون أربعة أشهر، ويرجعون في شهر.
ومحل لزوم قدومه إن لم يكن له عذر في سفره كطلب علم أو كان في غزو أو حج واجبين أو في طلب رزقٍ يحتاج إليه فلا يلزمه القدوم , لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره، فيكتب إليه الحاكم ليقدُم. فإن أبى أن يقدم من غير عذرٍ بعد مراسلة الحاكم إليه فسخ الحاكم نكاحه لأنه ترك حقا عليه تتضرر به المرأة " انتهى بتصرف.
وفي "الموسوعة الفقهية" (29/63) : " فإذا غاب الزوج عن زوجته مدة بغير عذر , كان لها طلب التفريق منه , فإذا كان تركه بعذر لم يكن لها ذلك [هذا مذهب الحنابلة] .
أما المالكية , فقد ذهبوا إلى أن الرجل إذا غاب عن زوجته مدة , كان لها طلب التفريق منه , سواء أكان سفره هذا لعذر أم لغير عذر , لأن حقها في الوطء واجب " انتهى بتصرف.
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: أنا شاب متغرب ومتزوج والحمد لله، لكن البلد التي أعمل بها لا تسمح أنظمتها بقدوم الزوجة إلا لبعض الوظائف والرتب، فما حكم الدين الحنيف في ذلك حيث أن الإجازة تكون بعد كل سنة أو 14 شهر بالضبط؟
فأجاب: " قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر وبعضهم بنصف سنة ولكن ذلك بعد طلب الزوجة قدوم زوجها، فإذا مضى عليه نصف سنة وطلبت قدومه وتمكّن لزمه ذلك، فإن امتنع فلها الرفع إلى القاضي ليفسخ النكاح، فأما إن سمحت له زوجته بالبقاء ولو طالت المدة وزادت عن السنة أو السنتين فلا بأس بذلك فإن الحق لها وقد أسقطته فليس لها طلب الفسخ ما دامت قد رضيت بغيابه، وما دام قد أمّن لها رزقها وكسوتها وما تحتاجه، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/212) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل متزوج وله أبناء من زوجته يقول سافرت من وطني لأحسن وضعي وكانت فترة غيابي تقارب ثلاث سنوات مع العلم أني لم أقطع عن زوجتي المصاريف والمراسلة باستمرار فضيلة الشيخ هل لها في الشرع حق وما هو؟ وهل علي إثم في هذا؟
فأجاب رحمه الله: " أقول إن المرأة لها حق على زوجها أن يستمتع بها وتستمتع به كما جرت به العادة، وإذا غاب عنها لطلب العيش برضاها وكانت في مكان آمن لا يخشى عليها شيء فإن ذلك لا بأس به، لأن الحق لها فمتى رضيت بإسقاطها مع كمال الأمن والطمأنينة فلا حرج في تغيبه لمدة ثلاث سنوات أو أقل أو أكثر، أما إذا طالبت بحضوره فإن هذا يرجع إلى ما لديهم من القضاة يحكمون بما يرونه من شريعة الله عز وجل " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والحاصل: أن غياب الزوج عن زوجته أكثر من ستة أشهر، إن رضيت به زوجته، وكان قد تركها في مكان آمن، فلا إشكال، وإن لم ترض بذلك، فلها رفع أمرها للقضاء الشرعي، ليُنظر في أمرها: هل يعذر زوجها أو يلزم بالعودة، أو يفسخ النكاح.
وينبغي للزوج أن يدرك أثر غيابه على زوجته وأولاده، وأن يؤثر صلاحهم ورعايتهم على جمع المال، إن كان يجد كفايته في بلده، فإن مصيبة الدين لا يجبرها شيء، ولا يعوضها مال ولا متاع، وكم من البيوت قد فسد شبابها وبناتها بسبب غياب الأب وسفره، نسأل الله العافية.
ولهذا نوصيك بتقوى الله تعالى، والحرص على أهلك وأولادك، وبذل الوسع في توفير شيء من المال لتعود وتستقر في بلدك، أو تحملهم إليك، فإن للزوجة حقا، وللأولاد حقا، وأنت غدا مسئول أمام الله عن هذه الرعية.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1109)
زوجته تتهاون في أمر الصلاة فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ولي بنتان وزوجتي تقوم بأعمالها المنزلية على أكمل وجه وتحافظ على بيتي في غيابي وتحفظه! لكن في أمورها الدينية ناقصة وهي كسلانة في صلاتها وتحدثت معها كثيرا جدا وتقول لي حاضر حاضر لكنها على كسلها وأنا متضايق جدا وفكرت كثيرا في الطلاق منها لكن عندما أفكر في حال بناتي أتراجع. ما هي مسؤوليتي تجاهها وهل أستمر معها أم أنفصل؟ أنا تعبان جدا جدا أرجو أن تدلوني بالحل]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة شأنها عظيم، فهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، ولا حظ في الإسلام لتاركها كما قال عمر رضي الله عنه، ودلت الأدلة الكثيرة على أن تركها كفر مخرج عن الملة، وينظر جواب السؤال رقم (5208) .
وإذا كان الإنسان يحب ربه، ويحب نبيه، ودينه وكتابه، فكيف يضيع أعظم فريضة كتبت عليه؟! مع أنها فريضة سهلة، جميلة، فيها راحة القلوب، ولذة الأرواح، وطهارة الأبدان.
والمتهاون في الصلاة الذي يؤخرها عن وقتها متوعد بالعقاب كذلك، كما قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
فالواجب عليك أن تستمر في نصح أهلك، والتشديد عليها في أمر الصلاة، ومتابعتها في كل صلاة حتى تستقيم عليها، والحذر من أن تترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
وينبغي إعلامها بحكم تارك الصلاة، وبالقول الذاهب إلى تكفير من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها من غير عذر، وما يترتب على ذلك من بطلان النكاح عند بعض الفقهاء، حتى يكون ذلك رادعا ومخوفا لها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
ولتجتهد في ترغيبها وترهيبها بالوسائل الممكنة، وليكن نصحك لها بالرفق واللين، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه. وكافئها وشجّعها إذا صلت، وذكِّرها بأن الصلاة هي مفتاح السعادة والتوفيق، وسبب من أسباب سعة الرزق وهناءة العيش، فإذا أثمر ذلك وأنتج صلاح حالها، فهذا هو المطلوب، وهو ما نرجوه ونحبه لها، وإذا استمرت في تقصيرها، فلا مانع من اللجوء إلى الشدة في الإنكار أحياناً، حسب ما يحقق المصلحة.
قسا ليزدجروا ومن يكن حازماً ... فليقس أحياناً على من يرحم
فاهجرها، وهددها بالطلاق، حتى تعلم بأن الأمر جد لا تراخي فيه، وتعلم أنه لا يمكنك العيش مع امرأة تتهاون في أعظم فرائض الإسلام، مهما كانت مطيعة مجتهدة في أمر دنياها.
والمقصود من ذلك كله هو إصلاحها، ولذلك نوصيك بالصبر عليها، وعدم الضجر، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) طه/132.
وأكثر من الدعاء أن يهدي الله زوجتك ويصلح حالها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1110)
زوجها يسبها ويقذفها ويهددها بالقتل فهل طلبها الطلاق منه شرعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الطلاق من زوجي لعدة أسباب: 1. توفيت ابنتي منذ ستة أشهر عمرها 6 سنوات في حادث سيارة، وكانت بصحبتي، وهو يتهمني بقتلها. 2. يسبني بألفاظ لا ترضى بها زوجة من زوجها. 3. يتهمني بأن هناك علاقة بيني وبين زوج أختي! على العلم بأن زوج أختي في لندن، وأنا في مصر. 4. يذمني في كل مكان بكلام بذيء. 5. أنا تحملت ما لا يتحمله بشر، وهو أكبر مني بأكثر من عشرين سنة، وكنت أبحث عن رجل كبير في السن لعقله، وعلمت بعد الزواج أنه يعاني من مرض نفسي، وظللت معه حتى شفيَ من مرضه النفسي، والآن عاد إليه المرض، ويريد قتلي؛ لاعتقاده بأني قتلتُ ابنته، وأنا لدي طفلة أخرى، وطفل، ويتمنى لهم الموت بدلاً من التي توفيت؛ لأنه كان يحبها هي فقط. سؤالي: هل يحق لي الطلاق في هذه الحالة - مع العلم بأنه لا يريد أن يطلقني، ويريد قتلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يُعظم أجرك في وفاة ابنتك، وأن يجعلها شافعة لأهلها يوم القيامة، وأعظم الله أجرك في زوجك الذي قال وفعل ما أدخل الهم والحزن عليك.
واعلمي أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأن المسلم يصيبه فيها الهم والغم والحزن والمرض، وأنه لا ينبغي له تفويت ذلك من غير فوزٍ بالأجور الوافرة، فاحتسبي ما أصابك عند ربك تعالى، واسأليه أن يصبرك، وأن يثبت قلبك على دينه.
وأما طلب الطلاق: فإن بعض ما صدر من زوجك يبيح لك طلب الطلاق، فكيف بتلك الأسباب مجتمعة؟! .
فالقذف كبيرة من كبائر الذنوب، ولا يحل له فعل ذلك، والسب والشتم والتهديد بالقتل أمور لا يطيقها المرء من غريب بعيد، فكيف بها تصدر من شريك الحياة الزوجية، والذي يعيش وإياه في بيتٍ واحدٍ؟! .
وطلب المرأة الطلاق من زوجها إن كان من غير سببٍ: فهو الذي ورد فيه الوعيد، وأما ما كان بسبب: فلا شك أن الوعيد لا يشمل تلك المرأة الطالبة للطلاق.
قال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: (أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا مِن غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْها رَائِحَةُ الجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الحافظُ ابنُ حجر – رحمه الله -:
الأخبارُ الواردةُ في ترهيبِ المرأةِ من طلبِ طلاقِ زوجِها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك.
" فتح الباري " (9 / 402) .
وقالَ المُبارَكفورِي – رحمه الله -:
أَيْ: من غيرِ شدةٍ تُلجِئُها إلى سؤالِ المفارقَة.
" تحفة الأحوذي " (4 / 410) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (29 / 11) :
تملك الزّوجة طلب إنهاء علاقتها الزّوجيّة إذا وجد ما يبرّر ذلك، كإعسار الزّوج بالنّفقة، وغيبة الزّوج، وما إلى ذلك من أسباب اختلف الفقهاء فيها توسعةً وتضييقاً، ولكنّ ذلك لا يكون بعبارتها، وإنّما بقضاء القاضي، إلاّ أن يفوّضها الزّوج بالطّلاق، فإنّها في هذه الحال تملكه بقولها أيضاً.
فإذا اتّفق الزّوجان على الفراق: جاز ذلك، وهو يتمّ من غير حاجة إلى قضاء، وكذلك القاضي، فإنّ له التّفريق بين الزّوجين إذا قام من الأسباب ما يدعوه لذلك، حمايةً لحقّ الله تعالى، كما في ردّة أحد الزّوجين المسلمين - والعياذ بالله تعالى - أو إسلام أحد الزّوجين المجوسيّين وامتناع الآخر عن الإسلام وغير ذلك.
إلاّ أنّ ذلك كلّه لا يسمّى طلاقاً، سوى الأوّل الّذي يكون بإرادة الزّوج الخاصّة وعبارته، والدّليل على أنّ الطّلاق هذا حقّ الزّوج خاصّةً قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّما الطّلاق لمن أخذ بالسّاق) - رواه ابن ماجه (2072) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " – انتهى.
فالخلاصة:
أنه يجب على الزوج أن يتقي الله في نفسه، وأن يكف لسانه عن الولوغ في الحرام، وعلى من يستطيع منعه من أهله أو ولاة الأمر أن يبادروا لذلك، والزوجة إن شاءت صبرت وتحملت الأذى والضرر من زوجها، وإن شاءت طلبت الطلاق، فإن تفاهمت مع زوجها على الطلاق، وإلا رفعت أمرهما للقاضي الشرعي ليلزمه بالطلاق إن ثبت لديه الضرر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1111)
تريد المبيت في بيت أهلها وزوجها يريده في بيت أهله هو
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا هنا في غربتي مع زوجي، ولنا إجازة لمدة شهر في العام، نقضيها مع أهلنا، يطلب مني زوجي أن أقضي هذا الشهر في بيت أهله، والذهاب لأهلي في زيارات، في حين أنا أريد أن أذهب هناك يوميا، والمبيت هناك، فهو شهر واحد، فلو صممت على ذلك ولم يقبل زوجي فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك بالالتزام بما يطلبه زوجك، ففي ذلك الخير والفضل من وجوه كثيرة:
- ففي طاعة الزوج طاعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الأجر الكبير عند الله تعالى، وأجر طاعة المرأة زوجها لا يكاد يَعدِلُه عمل آخر.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)
رواه أحمد (1/191) حسنه السخاوي في "البلدانيات" (161) والألباني في "صحيح الترغيب" (1932)
وعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ)
رواه أحمد (4/341) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/97) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1933)
- وفي طاعتك زوجك في هذا الأمر خلاصٌ من المنازعات والخصومات التي قد تحصل بعصيانك لزوجك.
- ونذكرك أيضا بأن الزوجة الصالحة هي التي لا تفارق زوجها، تحرص على خدمته وراحته وتسعى في إسعاده.
- واعلمي أن في طاعتك له في هذا الأمر حفظا للسعادة بينكما، وتأكيدا لرابطة المحبة والمودة، وأن في مخالفتك له فتحا لسبيل الشيطان، وإثارة لما في النفوس من النزاع والشقاق، وإن لم يظهر أثرها العاجل، فلا بد أن أثر المخالفة سيظهر عن قريب، وخاصة إذا تراكمت المخالفات والمنازعات.
ويمكنك التفاهم مع زوجك بهدوء في هذا الأمر، ولو أن تبقي عند أهله نصف المدة وعند أهلك نصفها الآخر، أو تذهبي إليهم عدة أيام.
والذي ينبغي للزوج أن يكون رفيقاً بأهله فلا يضيّق عليهم ولا يتعسف، فإن الزوجة من أحق الناس بالرفق واللين معها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1112)
زوجها مشغول بكرة القدم لعبا ومشاهدة فهل تدخل التلفاز في بيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت طيبة وملتزمة زوجها مبتلى بكرة القدم فيقضي وقته معظمه بين لعبها أو مشاهدتها، وهي والحمد لله ليس عندها جهاز التلفاز في البيت، لذا يمكث جل وقته في الخارج متعذرا بمشاهدته، وهي ليس لها أطفال. سؤالي يا شيخ:هل لها أن تدخل هذا التلفاز والله المستعان حتى يمكث زوجها في البيت معها فهي يا شيخ تبقى لوحدها في البيت طوال وقت غيابه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللعب بكرة القدم يكون مباحا ويكون حراما بحسب انضباط اللاعب بالضوابط الشرعية أو إخلاله بها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (3633) ورقم (84291) ورقم (75644) .
ولا ينبغي للعاقل أن ينشغل باللعب ومشاهدته – ولو كان مما يباح – لأن الوقت رأس مال الإنسان، ولاشك أن انشغال الزوج بذلك، وبقاءه خارج البيت لأجله، تقصير وتفريط؛ إذ الوقت أنفس ما ينبغي أن يعتني به الإنسان، فكيف يضيعه فيما لا يعود عليه بالنفع والفائدة، وكان الأولى به أن يقوم بحق أهله، وأن يحرص على مؤانستهم وإسعادهم.
وأما إدخال التلفاز في البيت فلا ننصح به؛ لما له من آثار سيئة لا تخفى. وينظر السؤال رقم (3633) .
والذي يظهر أن هذا الزوج لا تنحصر مشكلته في عدم وجود التلفاز، فهو بحاجة إلى وجود مرغِّبات كثيرة تدعوه للبقاء في بيته، وعلى الزوجة العاقلة أن تبحث عن الوسائل التي تحبِّبُ لزوجها البقاء في بيته، من حسن المعاملة، والاهتمام، والتزين، والتفتيش عن الاهتمامات المشتركة، ونحو ذلك.
وينبغي نصح هذه الأخت بالاستفادة من وقتها فيما ينفعها في دينها ودنياها، كالاهتمام بحفظ القرآن الكريم، والمشاركة في حلقات العلم، وحضور المحاضرات، وتعلم بعض الحرف والأعمال المنزلية، فهذا خير لها من إدخال التلفاز الذي قد يجرها إلى ما حرم الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1113)
الخلع في مقابل إسقاط حقوق الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد خمسة وعشرين عاما، وبعد إصابتي بالمرض الخبيث قامت زوجتي بالحصول على حكم بالخلع مني ولم أعلم بالقضية إلا قبل الحكم بأسبوع، وكان الحكم بالخلع على أن تتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية. أرجو معرفتي ما هي الحقوق المالية وما هي الحقوق الشرعية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
ثانياً:
يصح الخلع على أن تسقط المرأة حقوقها عن الزوج عند جمهور العلماء.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "الفتاوى الكبرى" (3/336) : عن رجل قالت له زوجته: طلقني وأنا أبرأتك من جميع حقوقي عليك وآخذ البنت بكفايتها.
فقال رحمه الله: " إذا خالعها على أن تبرئه من حقوقها وتأخذ الولد بكفالته ولا تطالبه بنفقة صح ذلك عند جماهير العلماء" انتهى.
وقال العلامة ابن مفلح في "الفروع" (5/350) : " وإن خالع حاملاً فأبرأته من نفقة حملها صح، فلا نفقة لها ولا له حتى تفطمه " انتهى.
وأما ما هي حقوق المرأة على الزوج؟
فالحقوق المالية للمرأة على زوجها منحصرة في المهر والنفقة، فإذا كان المهر لا يزال ديناً في ذمة الزوج أو بعضه (وهو المؤخر) أو كان عليه نفقات سابقة فإنها تتنازل عن ذلك في مقابل الخلع، فلا تطالب بالمهر المؤخر ولا بالنفقات التي كان زوجها قد قصَّر فيها فيما مضى،
وقد يدخل في هذا أيضاً: المهر الذي استلمته، كالنقود أو الذهب أو ما يسمى بـ "القائمة " في كثير من البلدان، وهذا يحتاج إلى مراجعة المحكمة التي حكمت بهذا الحكم حتى تعلم ماذا يقصدون بذلك تحديداً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1114)
هل يمنع زوجته من الاستماع إلى دعاة الضلالة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدمت لفتاة وهي ملتزمة بما تعرفه من الدين لكن المشكلة أني وجدت أن هناك أموراً تجهلها وأن بعض العلماء والدعاة الذين تريد أن تستمع لهم منهم من هو من دعاة الفضائيات وقد حذر أكثر من عالم من هذا الشخص ومنهم علماء ولكن يفتون بما تريد الدولة فأحياناً يقول إن للمرأة تولي القضاء والرئاسة وأحياناً يهاجم أهل السنة والجماعة، فأقول لها إني لا أستطيع أن أسمح لها أن تستمع لمبتدع أو لشخص غير متعلم، وذلك ?نها ستكون مسؤولة مني أمام الله. لكن هي ترى ذلك نوعاً من التحكم مني وأني لا أثق في أنها ستستطيع أن تميز بين الخطأ والصواب وأن هؤلاء الذين تريد الاستماع لهم أيضاً يقولون كلاماً طيباً، فهل أنا فعلاً مخطئ؟ أم أن الرقابة التي أريد تنفيذها هي فعلاً حق لي بل أيضاً واجب عليّ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على الرجل أن يجتهد في إصلاح زوجته وحثها على القيام بفرائض الله ما استطاع، لأن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) التحريم/6، قال العلامة أبو بكر الجصاص رحمه الله في "أحكام القرآن" (3/697) : " وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الآداب.
ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) ، ومعلوم أن الراعي كما عليه حفظ من استرعي وحمايته والتماس مصالحه فكذلك عليه تأديبه وتعليمه " انتهى باختصار.
وقال العلامة ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: " قال قتادة: يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصية الله، وأن يقوم عليهم بأمر الله ويأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية زجرتهم عنها " انتهى.
فإذا كان الأخ السائل قد عقد على هذه المرأة فإنها زوجته وعليه أن يسعى لتعليمها أمر دينها ويعينها على ذلك، وليكن الرفق واللين هو الأداة التي يستعين بها في تحصيل هذا المقصود، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق.) رواه أحمد وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/219) .
وعليه أن يمنعها مما يضر دينها من الاستماع إلى دعاة الضلالة، إن كان ما يدعون إليه ضلالة، وقد حذر منهم من يوثق بعلمه ودينه من أهل العلم، هذا إن كانت لا تميز بين الحق والباطل، أما إن علمت الحق ولم يخش عليها التأثر بما يقوله دعاة الضلالة، فلا بأس بالاستماع إلى ما عندهم ليؤخذ الحق ويترك الباطل، وهذا كله في البدع التي أنكرها أهل العلم وحذروا منها، أما مسائل الخلاف التي يسوغ فيها الاجتهاد واختلفت فيها أنظار العلماء فلا تثريب على العامي إن اتبع واحداً منهم.
والخلاصة: أن عليك أخي السائل أن تحفظ زوجتك من مضلات الأهواء، ولكن ينبغي أن تكون رفيقاً بها، وتحاول إقناعها بأن الباطل لا يقبله الناس إلا عندما يختلط بالحق فيلتبس عليهم الأمر، فإنها إن فهمت هذا اقتنعت إن شاء الله، ثم اجتهد في توفير البديل المناسب من كلام الدعاة والعلماء الموثوق بعلمهم ودينهم والذين يحسنون جذب قلوب الناس إليهم بحسن طرحهم وستجد من هذا النوع الشيء الكثير ولله الحمد.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1115)
زوجها مريض نفسيّاً ويؤذي زوجته فكيف تتصرف معه؟ وهل له حقوق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تسأل عن حق زوجها، حيث إن زوجها مريض نفسيّاً، ومختل، وهو لا يتدخل في أمور الحياة المنزلية، ودائماً يتهمها بالإثم، وهي بعيدةٌ عنه، وهو أب لـ 10 أفراد، تزوج أولاده من دون معاونته لهم، مما يؤدي ذلك لانفعال زوجته من هذا الأمر، ولا تطيقه في الكلام معه. راجين منكم حكم الشرع في هذا الأمر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي زوجك عاجلاً غير آجل، ونسأل الله أن يُعظم لك الأجر على صبرك وتحملك، وهذه المصيبة التي ابتلاكم الله تعالى بها تؤجرون عليها لو أنكم صبرتم واحتسبتم الأجر عليها.
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) .
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ أَذى وَلاَ غمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكَها إِلاَّ كفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاه ". رواه البخاري (5318) ومسلم (2573) .
ثانياً:
مرض زوجكِ إما أن يكون معه مُدرِكاً لأفعاله وتصرفاته، أو لا يكون مُدرِكاً، فإن كان مدركاً: فهو مؤاخذ بما يقول، وبما يفعل، ولا يحل له قذفك، ولا التخلي عن تربية أولاده، ويجب عليه القيام بما أوجبه الله تعالى عليه من الطاعات، وعدم فعل ما نهاه الله تعالى عن فعله.
وفي هذه الحال يجب عليكِ أداء حقوقه الزوجية، ولا يحل لك التهاون بها.
وإن كان مرضه لا يُدرِك معه تصرفاته وأفعاله: فقد سقط عنه التكليف، ولا يؤاخذ بما يقول، ولا بما يفعل، إلا إن تعلق فعله بحق غيره، فلصاحب الحق أن يأخذ حقه من مال زوجك، أو من أوليائه، كما لو تعدى على غيره بالقتل، أو حطَّم له سيارته، أو ما يشبه ذلك من الأفعال.
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعَن الصبِيِّ حَتى يَحتلمَ، وعَن المجنونِ حتى يَعْقل - أو يفيق -) .
رواه أبو داود (4398) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) .
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال ابن حزم – رحمه الله -:
وأما من لم يبلغ , أو بلغ وهو لا يميز، ولا يعقل، أو ذهب تمييزه بعد أن بلغ مميزاً: فهؤلاء غير مخاطَبين، ولا ينفذ لهم أمر في شيءٍ من مالهم؛ لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث , - فذكر: - الصبي حتى يبلغ , والمجنون حتى يبرأ) .
" المحلى " (7 / 200) .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
وأما العاقل فضده: المجنون الذي لا عقل له، ومنه الرجل الكبير، أو المرأة الكبيرة إذا بلغ به الكبر إلى حد: فقد التمييز، وهو ما يًعرف عندنا بـ " المهذري ": فإنه لا تجب عليه الصلاة حينئذ لعدم وجود العقل في حقه.
" مجموع الفتاوى " (12 / السؤال الأول) .
وينظر كلام أهل العلم في تصرفاته وأثرها في جواب السؤال رقم (73412) .
وبالنسبة لاتهامك بالإثم: فإن كنتِ تعنين " الزنا ": ففي حاله الثانية: لا يقع منه قذف؛ لتخلف شرط مهم وهو العقل، ومثله – أيضاً – لا يمكن أن يلاعن.
وفي " الموسوعة الفقهية " (33 / 11) :
اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في القاذف: البلوغ والعقل والاختيار، وسواء أكان ذكراً أم أنثى، حرّاً أو عبداً، مسلماً أو غير مسلم.
انتهى
والخلاصة:
إما أن تتحملي ما يجري منه إن كان غير مدرك لتصرفاته وأفعاله بسبب مرضه واختلال عقله، وإما أن ترفعي أمرك للقضاء الشرعي ليحكم القاضي بأهليته للبقاء لك زوجاً، أو يحكم بفسخ النكاح.
وإن كان مدرِكاً لتصرفاته: فإما أن تتحملي ما يجري منه، وإما أن تطلبي منه الطلاق، فإن أبى: فترفعين أمرك للقضاء الشرعي ليفصل بينكما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1116)
ليس للزوج أن يجبر زوجته على السكن مع أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أقمت أنا وزوجتي في بيت مستقل عن بيت أهلي، وذلك لكثرة المشاكل، وعاهدت زوجتي على عدم فراقها، وبعد مدة طلب مني والدي أن أرجع إلى البيت لأعيش معه أنا وزوجتي، ولكن زوجتي رفضت؛ فماذا أفعل؟ هل أطيع والدي وأنقض العهد الذي بيننا؟ وهل أدخل تحت قوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) سورة الإسراء/34.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لاشك أن حق الوالد على الولد عظيم، ومادام أن زوجتك لا ترغب في السكن في بيته؛ فإنك لا تلزمها، وبإمكانك أن تقنع والدك في ذلك، وتجعلها في بيت مستقل، مع اتصالك بوالدك وبره وإرضائه والإحسان إليه بما تستطيع ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 405) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1117)
تأخذ من مال زوجها وتتصدق به دون علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي ميسور الحال كثيرا والحمد لله كثيرا، ولله الحمد فأنا وزوجي نسعى نحو الاستقامة في حياتنا كلها ونرجو من الله السداد، وأحتاج للحكم الشرعي في تصرفي الآتي: آخذ من مال زوجي قدرا محددا من حين لآخر لفترات متباعدة وأجعلها في صالح الأعمال بالسر دون علم زوجي بالمال الذي آخذه منه سرا ودون علمه أيضا فيما جعلت ماله، علما أني في مرات عديدة أسأله الإذن لي في التصرف في القليل من ماله في وجوه الخير ولا يمانع ويقول لي لا تخبريني أين صرفت وذلك ولله الحمد من ثقته في بأني لا أفعل إلا خيرا بعون الله، فهل تصرفي هذا أأثم به شرعا؟ ثم هل يكون لازما علي سؤاله في كل مرة مع إعلامه بموضع التصرف في ماله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا أذن لها بذلك، إذنا صريحا، أو علمت من خلقه وحاله رضاه بذلك.
أما إذا منعها، أو كانت تعلم أنه لا يرضى بهذا فلا يجوز لها حينئذ الصدقة من ماله بشيء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4 / 301) :
"وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ , بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ; إحْدَاهُمَا , الْجَوَازُ ; لأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا , غَيْرَ مُفْسِدَةٍ , كَانَ لَهَا أَجْرُهَا , وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ , وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ,
وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) . وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا.
وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ , فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟
فَقَالَ: (ارْضَخِي مَا اسْتطَعْتِ) والرضخ هو العطاء. وفي رواية للبخاري: قال: (تَصَدَّقِي) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ بِذَلِكَ , وَطِيبُ النَّفْسِ , فَجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الإِذْنِ.
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة , لا يَجُوزُ. . . . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. . .
فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ , وَقَالَ: لا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ , وَلا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ , وَلا كَثِيرٍ. لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ " انتهى بتصرف واختصار.
ويدل على عدم جواز تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه ما رواه أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الطَّعَامَ؟ قَالَ: ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
(إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) أي الإذن الصريح، أو بدلالة الحال. قاله في عون المعبود.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة تتصدق من مال زوجها بدون إذنه، فأجابت: "الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها، والأجر بينهما؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.. ثم ذكرت حديث عائشة المتقدّم" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/81) .
فما دام زوجك قد أذن لك بذلك فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما ويتقبل منكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1118)
أهلها يعترضون على سكنها مع عائلة زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ 4 أشهر، ولقد وعدت زوجتي بأن أسكنها لوحدها، لكن لصعوبة العثور على سكن لائق في مدينتي، طلبت منها أن نسكن مؤقتا مع أهلي. فهل يجوز لوالديها أن يعترضا على انتقالها السكن مع أهلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السكن حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها اتفاقا؛ لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها فقال سبحانه: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى؛ ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بين الأزواج بالمعروف فقال: (وعاشروهن بالمعروف) ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها , كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن ; للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع، فلذلك كانت السكنى حقا لها على زوجها.
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن للزوجة الحق في سكن مستقل عن أقارب الزوج، وأن لها الامتناع من السكن مع أبيه وأمه أو أحدهما.
وذهب المالكية إلى التفريق بين الزوجة الشريفة والوضيعة , وقالوا بعدم جواز الجمع بين الزوجة الشريفة والوالدين , وبجواز ذلك مع الزوجة الوضيعة , إلا إذا كان في الجمع بين الوضيعة والوالدين ضرر عليها. ينظر: الموسوعة الفقهية (25/109) ، الشرح الصغير على مختصر خليل (2/737) .
لكن المقصود بالسكن عند الفقهاء، يتحقق بغرفة لها باب وقفل، مع كنيف (بيت الخلاء) ومطبخ، إلا أن يكونوا من الفقراء الذي يرضون بالاشتراك في المطبخ وبيت الخلاء.
قال ابن عابدين في حاشيته (3/600) : ((قوله وبيت منفرد) أي ما يبات فيه ; وهو محل منفرد معين ... والظاهر أن المراد بالمنفرد ما كان مختصا بها ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار (قوله له غَلَق) بالتحريك: ما يغلق ويفتح بالمفتاح ... (قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ) أي بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت أو في الدار، لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار. قلت: وينبغي أن يكون هذا في غير الفقراء الذين يسكنون في الربوع والأحواش؛ بحيث يكون لكل واحد بيت يخصه وبعض المرافق مشتركة كالخلاء والتنور وبئر الماء) .
وانظر السؤال رقم (7653)
ثانيا:
إذا قبلت الزوجة السكن مع أهلك، فلا حرج في ذلك، لأنه تنازل منها عن حقها، وليس لوالديها الاعتراض على ذلك، ما دامت بالغة رشيدة.
ولها أن ترجع عن هذه الموافقة، لأن حقها في السكن المستقل لا يسقط بتنازلها.
ثالثا:
إسكان الزوجة مع أهل الزوج ينبغي أن يقيد بالسلامة من المحظور، كالخلوة والاطلاع عليها من قبل أحماء الزوج، كإخوانه وأعمامه ونحوهم.
ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تخلو أو تصافح أو تكشف شيئا من عورتها لإخوان زوجها، لأنهم أجانب عنها كسائر الأجانب، بل الاحتياط منهم أولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله فرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد: الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه. رواه مسلم.
وينبغي ـ أيضا ـ أن يقيد بحال كل من الزوجة وأهل الزوج، وما إذا كان كل من الطرفين يحتمل المشاركة في السكن، والخلطة في المعيشة، فقد دل واقع الناس اليوم على أن الحياة الزوجية تتأثر كثيرا بمثل هذه الظروف في السكن، وأن كثيرا من المشاكل بين الطرفين يكون سببه هذه الخلطة، حتى لقد أصبحت استقامة الحياة الزوجية وهدوؤها، مع الاشتراك في السكن مع أهل الزوج أمرا عزيزا نادر الحدوث؛ ولعله ـ لما يرى الناس جميعا من ذلك ـ اعترض أهل زوجتك على انتقالك للسكن مع أهلك، حفاظا على استقامة حياتكما الزوجية، وليس تعنتا أو تحكما فيما يخصك ويخص زوجك.
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح، وأن يصلحك ويصلح لك أهلك وزوجك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1119)
زوجته تتطاول عليه بالسب والشتم فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة سيئة الخلق تسب زوجها بكثير من الشتائم وحذرها أكثر من مرة وهى مصرة على التطاول والغلط وليس له طاقة على التحمل وله ابنة يخاف عليها من الفراق فما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الزوجة تتطاول على زوجها بالسب والشتم والإساءة، فعليه أن ينصحها، ويحذرها، ويبين لها ما يترتب على كلامها السيئ من الإثم، لا سيما والزوج أحق الناس بصلتها ومعروفها وإحسانها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) رواه أبو داود (2140) والترمذي (1159) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينبغي أن يسلك معها ما ذكره الله تعالى في كتابه من الوعظ والهجر والضرب غير المبرح، فإن لم يُجد شيء من ذلك، فينبغي أن يستعين على نصحها بالصالح من أهلها، وذلك حفاظا على الأسرة، ومراعاة لحق الأولاد إن وجدوا، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
ومن الموعظة التي تقدم لها: أن يبيّن لها ما عليها من الإثم في معصيتها لزوجها، وما لها من ثواب وأجر جزيل إذا أطاعته.
وأيضاً: يبين لها ما عليها وعلى زوجها وعلى ابنتها من الضرر في حال حصول الطلاق أو استمرار العشرة على هذا النحو.
فإن استجابت المرأة للنصح، وأثّرت فيها الموعظة، وعدلت عن المخالفة، فهذا هو المطلوب، وإن استمرت في غيها وسفهها، فلا حرج على الزوج من طلاقها.
فقد ذكر العلماء أن الطلاق يكون مباحاً " عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها، من غير حصول الغرض بها "
" المغني" (10/324)
وما ذكرته من خوفك على ابنتك فيما لو حدث الفراق، أمر ينبغي اعتباره، فإن كنت تخشى ألا تستطيع القيام بتربيتها، وأن تتضرر البنت بهذا الطلاق، فينبغي أن توازن بين المفسدتين، مفسدة بقائك مع امرأة سيئة الخلق، تسيء إليك، ومفسدة ما قد يحصل لابنتك بعد إيقاع الطلاق، ومن قواعد الشريعة: "ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما ".
وينبغي أن تستخير الله تعالى قبل اتخاذ قرارك، وأن تسعى للإصلاح ما أمكنك، فإن تعذر ذلك فاجتهد أن تحتاط لابنتك، وأن تؤمن حضانتها عندك، ولا تتركها لهذه المرأة تربيها على أخلاقها.
ونوصيك بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وملازمة التقوى، فإن الله وعد أهل التقوى بالرزق والفرج، قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3.
كما نوصيك بالتوبة إلى الله تعالى من سائر الذنوب، فإن سوء خلق الزوجة قد يكون عقابا للعبد على ذنوب يرتكبها، كما ذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1120)
تطلب سكنا مستقلا فهل يعد ذلك تفريقا بين الزوج وأهله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت بنت خالي منذ شهر ونصف ولم أشعر بالسعادة في هذا الزواج فهي قليلة الاحترام لي كثيرة الخروج من البيت لزيارة أهلها، ولا تطيعني في بعض الأمور وجاء يوم وقالت فيه: أريد بيتاً مستقلاً، مع العلم أني أسكن مع أخي وزوجته وأختي والكل راضٍ باجتماعنا وبقائنا أسرة واحدة فحلفت يميناً لها بأن طلبها سينفذ ولكن اصبري بعض الوقت، فرفضت ثم ذهبت إلى بيت أهلها. بلغ الخبر والدتي وعرفت أن زوجتي تريد أن تفرق بيني وبين أخي بالمسكن، فقالت إن سكنت مع زوجتك في بيت مستقل فلن أدخل منزلك أبداً ولا أخوك ولا جميع أفراد عائلتك. وأنا الآن في حالة سيئة 1- هل أعصي والدتي وأطيع زوجتي، أم أخسر زوجتي وأطيع أمي؟ علماً أنها لم تشترط علي في عقد الزواج المسكن بل شرطت فقط إكمال الدراسة. 2- عائلتي تريدني أن أطلقها وأسترد مالي لأنها ناشز. 3- عائلتي وجماعتي يعتبرون خروجي عن البيت الذي أسكن فيه مع أخي عيباً - سؤالي هو هل زوجتي ناشز حقاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقةَ محبة ومودة وصلةٍ وبر، لا سيما إذا كان بينهما قرابة، فيجتمع حق القرابة مع حق الزوجية، وينبغي أن يسعى الطرفان إلى تحقيق هذه العلاقة.
وما يقع من سوء العشرة بين الزوجين، قد يكون مردّه إلى الزوج أو الزوجة أو كليهما، وعليه فينبغي أن تبحث في أسباب قلة احترامها لك، أو عدم طاعتها لأوامرك، وتسعى في علاج ذلك.
وبعض النساء حديثات العهد بالزواج لا يدركن أهمية طاعة الزوج، ولا مفهوم القوامة التي يختص بها، ولهذا يحتجن شيئا من الوقت لإدراك ذلك، وربما احتجن إلى من ينبههن ويعلمهن، ولعلك تستعين ببعض الأشرطة والكتب النافعة التي تتحدث عن العلاقة الزوجية وأسس نجاحها.
وفي الوقت ذاته يبالغ بعض الرجال حيث يريد من زوجته أن تسمع وتطيع له طاعة مطلقة في كل شيء، فلو ناقشته أو اقترحت أو تأخرت قليلا في تنفيذ ما يأمر به، اتهمها بالنشوز والعصيان ومخالفة أمر الله، وعدم احترامه.
ولا ينبغي أبدا أن يعامل الرجل زوجته كما يعامل خادمته، فللزوجة ما تستحق من احترام ومشورة وإبداء رأي ونقاش للوصول إلى ما هو خير وأصلح.
ثانيا:
من حق الزوجة أن يكون لها مسكن خاص مع زوجها وأولادها، لا يشاركها فيه أحد، لا أب ولا أم ولا قريب.
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وأن لها الامتناع من السكن مع أبيه وأمه وإخوته.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (4/24) : " ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك ; عليه أن يسكنها في منزل مفرد ; لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة، وإباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث " انتهى.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا كان الزوج فقيراً وعاجزا عن إيجاد سكن مستقل لزوجته، فليس لها أن تطالب بما يعجز عنه. نقله عنه في "مطالب أولي النهى" (5/122) . بل تصبر حتى يغنيه الله.
والحاصل أن السكن المستقل حق للزوجة، ولو لم تشترطه في العقد، ولها أن تطالب به الآن، ولا تعد ناشزا بذلك، وما يشيع عند بعض الناس من أن ذلك يعني التفريق بين الإخوة، كلام لا يعوّل عليه؛ لأن هذا حق شرعي للزوجة، وفيه مصلحة للزوجين أيضا، من جهة عدم الاختلاط، وأمن النظر والاطلاعِ على ما لا يحل، ومما يؤسف له أن كثيرا من البيوت العائلية المشتركة، يطلع فيها الرجل على زوجة أخيه، وربما حصلت المصافحة والخلوة، وما يتبع ذلك من الغيرة، والحسد، والخلاف والشقاق، مع ما قد ينشأ من الخلافات بسبب الأولاد، ولا شك أن الرجل أجنبي عن زوجة أخيه، فلا يجوز له أن يصافحها أو يخلو بها أو يتعمد النظر إليها، إلا أن يكون محرما لها من جهة أخرى كالرضاع.
والذي ينظر إلى البيوت العائلية المشتركة يجزم أن الحكمة والمصلحة فيما قاله العلماء، من إفراد الزوجة بسكن مستقل، حيث يكثر في هذه البيوت المشاكل والخلافات بين الزوجين، وبين الرجل وأخيه، وبين الزوجة وأم زوجها. . . وهكذا، مع فيها من منكرات ومخالفات للشرع كثيرة.
والذي ننصحك به في ختام هذا الجواب أن تسعى للتوفيق بين زوجتك ووالدتك وعائلتك، وأن تعطي كل ذي حق حقه، فتعطي الزوجة حقها في السكن المستقل، ولا يضرك أن يغضب أحد منهم لانفرادك بالسكن، لأنك لم تخطئ في ذلك، ولكن عليك الاستمرار في صلة أقاربك وأمك وإخوانك.
وإذا كنت لا تستطيع في الوقت الحالي أن توفر سكنا مستقلا لزوجته، فيمكنك أن تعدها وعدا حسنا، وتوصيها بالصبر والتحمل حتى يغنيكم الله من فضله.
نسأل الله تعالى أن يصلح حالكم، ويجمع كلمتكم، ويزيدكم ألفة ومحبة وبرا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1121)
يتوارث الزوجان بمجرد العقد ولا يشترط الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها ومات أحدهما عن الآخر فهل يرث أحدهما الآخر أم لا؟ وما الحكم من ناحية العدة لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة فهل عليها عدة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد الزواج مستوفيًا لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول فإن عقد الزواج يكون باقيًا، ويقع به التوارث بين الزوجين لعموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) سورة النساء /12.
الآية عامة فيمن توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول، فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول فإن الزوجية باقية، والتوارث بينهما مشروع لعموم الآية الكريمة.
وأما من ناحية العدة فكذلك تلزمها عدة الوفاة لو توفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول فإنها تلزمها عدة الوفاة لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) سورة البقرة /234، هذه تعم من توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول ولها الميراث كما ذكرنا.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 135)
وقد روى أبو داود (2114) أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن امْرَأَةٍ َمَاتَ زوجها قبل أن يدخل بها وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ. فَقَالَ: (لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، كصداق نسائها، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ) فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امرأةٍ منا، كما قضيت.
صححه الألباني في " إرواء الغليل" (1939)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1122)
والدتها تطلبها لرؤيتها وهي لا تستطيع السفر إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في بلد غربي منذ 11 عاما بعيدا عن والديّ، وقد توفي أبي، وأمي وأخواتي الأربع يقمن في العراق، ولدي 8 أطفال سنهم يتراوح بين سنتين وثلاث عشرة سنة، وأمي مسنة ومريضة وهي تتصل بي دائما وتطلب مني أن أعود لبلدي لأراها قبل أن تموت، والعودة صعبة لأني لا أستطيع أن أترك أطفالي وحدهم، وزوجي لا يوافق على عودتي وتركي أولادي وحدهم، وليس لي محرم أسافر معه، وأنا أرسل لأمي نقودا، وأتصل بها كثيرا وأبكي دائما، وأنا أعلم أن عليّ أن أرضي أمي، ولكني لا أستطيع أن أترك أطفالي في بلد كافر، وزوجي يعمل بالنهار والليل، وليس لي أقارب هنا، ولا أدري ماذا أفعل، هل أطيع أمي وأترك أولادي وأعود إلى بلدي دون إذن زوجي؟ أم أطيع زوجي وأبقى مع أولادي؟ أرجو الإجابة بأسرع ما يمكن والسلام عليكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى المعافاة التامة لوالدتك، وأن يجمع بينكما على الخير والسعادة والعافية في الدنيا والآخرة.
وأبشرك – أختي الكريمة – بأن الله سبحانه وتعالى حين يعلم منك حب الوفاء لوالدتك والسعي لتحقيق مرضاتها وطلب رضاها والعمل على برها سيكتب لك ثواب ذلك كله بمنه وكرمه وفضله.
ومفتاح الأمر الصبر، إذ به تنال الرغبات وتفرج الكربات، فلعل الله سبحانه وتعالى ابتلاكم بهذا الفراق كي يرى منكم الصبر والتصبر، ثم يكون فرجه بأن ييسر أمر اجتماعكم من حيث لم تحتسبوا، وينعم عليك بقرب والدتك ولو بعد حين.
إلا أنه لا يفوتني تنبيهك على بعض الأحكام الشرعية المهمة في هذا الشأن:
1- التذكير والتأكيد على حرمة سفر المرأة من غير محرم.
قال البغوي:
" لم يختلفوا في أنَّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم " انتهى.
نقله في "فتح الباري" (4/76)
وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في أجوبة الأسئلة الآتية:
(9370) ، (25841) ، (47029) ، (52703) ، (82392)
2- من حق الزوج أن يمنع زوجته من السفر لزيارة والديها إذا كان يترتب على سفرها بعض المفاسد، مثل الخوف على الأبناء، أو الخوف على حياة الزوجة إذا عدم الأمان في البلد الذي ستسافر إليه، أو عدم توفر محرم وانشغال الزوج بعمله، وحينئذ لا يجوز للمرأة أن تخالف زوجها فتسافر من غير إذنه، وقد نقل ابن المنذر الإجماع: على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها. وإنما اختلفوا في السفر لحج الفريضة. انظر "فتح الباري" (4/77) ، هذا في الأسفار التي يترتب عليها المفاسد السابقة.
فإن أمنت جميع هذه المفاسد، وتوفر المحرم، فلا يجوز للزوج حينئذ أن يمنعها من بر والديها وزيارتهم بما يحقق المقصود، فإن بر الوالدين من أوجب الواجبات، ولا شك أن من البر زيارة الوالدة المريضة التي تسأل ابنتها أن تراها قبل أن يحل أجلها وقد طال غيابها عنها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (19/110) :
" ولا ينبغي للزّوج منع زوجته من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأنّ في منعها من ذلك قطيعةً لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/387) :
" يجب على الزوج أن يحسن عشرة زوجته، امتثالا لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف الإذن للزوجة بزيارة أهلها وإيصالها إليهم، ولا يكون سوء التفاهم لا سيما في الأمور الدنيوية حائلا دون ذلك، أما إذا كان يترتب على زيارة الزوجة لأهلها مفسدة فإن للزوج أن يمنع الزوجة من الزيارة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " انتهى.
فإن أصر الزوج على منع زوجته من زيارة الوالدين، فهل يجوز لها أن تخالفه وتخرج لزيارتهم؟ اختلف في ذلك أهل العلم على قولين سبق ذكرهما في موقعنا في جواب السؤال رقم (83360) .
ونحن لا نختار للمرأة أن تخالف زوجها فتخرج من بيته بغير إذنه، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على البيت والأسرة والعلاقة بين الزوجين، ودرء هذه المفسدة أولى من جلب المصلحة في زيارة الوالدين، خاصة وأن التأني ومحاولة التفاهم مع الزوج كي يسمح ويساعد في سفر المرأة لرؤية والدتها أمر قريب ممكن، ومع حسن الأدب والحوار والخطاب بالخير والحسنى يلين الله القلوب بإذنه، ويعطفها إلى الوفاق إن شاء الله تعالى.
وانظري سؤال رقم (1426) (10680)
3- ونذكركم أيضا بما سبق تقريره في موقعنا تحت رقم (11793) ، (14235) ، (27211) من التحذير من الإقامة في بلاد الكفار، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على الدين والأخلاق، نرجو الاطلاع عليها والاستفادة منها، فإن دين المسلم رأس ماله، ولا يجوز له أن يفرط فيه فيضيع نفسه وأبناءه مقابل دراهم يتلقاها من بلاد الكفر والرذيلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1123)
ما هو أجر إحسان الزوجين لبعضهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أجر الزوجة الصالحة في دينها عند الله إذا كانت تسعد زوجها، وتحبه، وتصونه، وتدلِّلُه، وتعامله وكأنه طفلها الصغير بكل حنان، وتعمل كل شيء في سبيل سعادته، وتطيعه في كل شيء، ويكون هو سعيدا منها كثيرا، ودائما يدعو لها برضى الله عليها. وما أجر الرجل كذلك إن كان يعاملها نفس المعاملة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى أن يديم عليكما الود والمحبة والسعادة، وأن يملأ بيوت المسلمين بما ملأ به بيتكما من حسن الصحبة والمعاشرة، وأبشرك – أختي السائلة – بالبشارات الكثيرة التي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في بيان أجر الزوجة التي حالها ما ذكرت:
فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفظتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيْلَ لَهَا ادخُلِي مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)
رواه أحمد (1/191) وقال محققو المسند: حسن لغيره. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1932)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلَا أُخبِرُكُم بِرِجَالِكُم فِي الجَنَّةِ؟ قُلنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قال: النَّبِيُّ فِي الجَنَّةِ، وَالصِّدِّيقُ فِي الجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ يَزُورُ أَخَاهُ فِي نَاحِيَةِ المِصرِ لَا يَزُورُهُ إِلاَّ لِلَّهِ فِي الجَنَّةِ، أَلَا أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ؟ قُلنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَدُودٌ وَلُودٌ إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا قَالَت: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ، لَا أَكتَحِلُ بِغِمضٍ حَتَّى تَرضَى)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/206) وقد جاء عن جماعة من الصحابة آخرين، لذلك حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3380) وفي صحيح الترغيب (1942)
وعن حصين بن محصن رضي الله عنه عن عمته:
(أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَقَضَى لَهَا حَاجَتَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوَهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي كَيْفَ أَنْتِ لَهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ)
رواه أحمد (4/341) وقال محققو المسند: إسناده محتمل للتحسين. وقال المنذري: إسناد جيد. وصححه الحاكم في المستدرك (6/383) والألباني في "صحيح الترغيب" (1933)
يقول المناوي في "فيض القدير" (3/60) :
" أي: هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك، وسبب لدخولك النار بسخطه عليك، فأحسني عشرته، ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية " انتهى.
أما البشارة التي جاءت للزوج الذي يحسن صحبة زوجته، فهي أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بكمال الإيمان الموجب لدخول الجنة، وبالأفضلية على سائر الناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا)
رواه الترمذي (1162) وقال حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وانظري جواب السؤال رقم (43123)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1124)
إذا منعها من زيارة أهلها فهل تطيعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز طاعة الزوج في عدم رغبته في زيارة الزوجة لبيت أهلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، ولو كان ذلك لزيارة والديها، وينبغي له أن يأذن لها، حتى تتمكن من صلة رحمها، لكن إن منعها من الزيارة لزمها طاعته، وليس له أن يمنع والديها من زيارتها أو الكلام معها.
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، وما ذكرناه هو الراجح من أقوالهم.
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من زيارة والديها.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر.
قال ابن نجيم (حنفي) : " ولو كان أبوها زمِنا مثلا، وهو يحتاج إلى خدمتها، والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه، مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير. وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/212) .
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/549) : " وفي العُتْبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها، ويُقضى عليه بذلك، خلافا لابن حبيب. ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى.
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها. "الموسوعة الفقهية" (29/294) .
وقال ابن حجر المكي (شافعي) : " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ، أو حمام، خرجت بإذن زوجها غير متبهرجة، في مِلْحفة وثياب بذلة، وتغض طرفها في مشيتها، ولا تنظر يمينا ولا شمالا، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/78) .
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/239) : " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه " انتهى.
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47) .
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/362) : " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق ".
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء": " ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها؟
ج: لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، لا لوالديها ولا لغيرهم؛ لأن ذلك من حقوقه عليها، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165) .
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين: ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: " أتأذن لي أن آتي أبوي ". البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها: أتأذن لي أن آتي أبوي: فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها، بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان فلا تحتاج فيه إلى إذنه، كما وقع في هذا الحديث " انتهى.
ومع ذلك فإن الأولى للزوج أن يسمح لزوجته بزيارة والديها ومحارمها، وألا يمنعها من ذلك إلا عند تحقق الضرر بزيارة أحدهم، لما في منعها من قطيعة الرحم، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته، ولما في زيارة أهلها وأرحامها من تطييب خاطرها، وإدخال السرور عليها، وعلى أولادها، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1125)
تسكن مع عائلة زوجها رغم وجود شقة منفصلة!
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه ليست حالتي وحدي ولكنها تخص كثيراً من النساء الذين يُردن الحجاب الشرعي "النقاب"، نحن نعيش مع أزواجنا مع عائلاتهم في منزل واحد، أي: يوجد إخوة رجال معنا في نفس المنزل، ولا يوجد خادمة، فنحن من نقوم بالأعمال المنزلية، وهي كثيرة وشاقة، ولا مانع من أن يدخل أحد أقارب أزواجنا كالعم والخال بدون إذن، فالبيت مفتوح، وإذا قمنا بتنظيف البلكون يرانا الجيران وجميع من في الشارع.
فهل يصح لنا ارتداء النقاب عند الخروج فقط؟ أم نرتديه في المنزل من الصباح وحتى المساء؟ علما بأن هذا سيكون شاقّاً جدّاً علينا، وأنا لي شقتي الخاصة، ولا ندخلها إلا عند النوم، فنحن نقيم مع عائلة زوجي المكونة من أخ واحد وأمه، مع العلم أننا بإمكاننا أن نستقل بأنفسنا في المعيشة، ولكن زوجي لا يريد ذلك، ماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يتأكد وجوب الحجاب في الحالات التي تكون مظنة وقوع الفتنة، واجتماع الأسرة الكبيرة في بيت واحد، تجتمع فيه الزوجة مع إخوة زوجها، أو مع أبناء العم أو الخال، كل ذلك مدعاة لانكسار حاجز الحياء، وطمع النفوس فيما يمليه الشيطان ويزينه، فحينئذ لا بد من محافظة المرأة على ستر وجهها أمام غير المحارم، وتحمل المشقة في سبيل ذلك.
وفي موقعنا مجموعة من الأسئلة التي هي شبيهة بهذا السؤال، وقد سبق فيها التأكيد على وجوب الحجاب والستر، فيمكنك مراجعتها والاستفادة منها، ومنها: (6408) ، (13261) ، (40618) ، (47764) ، (52814) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
" أما أخو الزوج، أو زوج الأخت، أو أبناء العم، وأبناء الخال، والخالة، ونحوهم: فليسوا من المحارم، وليس لهم النظر إلى وجه المرأة، ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم؛ لما في ذلك من افتتانهم بها، فعن عقبه بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) متفق عليه،
والمراد بالحمو: أخو الزوج، وعمه، ونحوهما؛ وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة، ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها، وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها، ولو كانوا صالحين موثوقاً بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في المحارم فقط، وليس أخو الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) والمراد بـ " ذي المحرم " مَنْ يحرم عليه نكاحها على التأبيد لنسب، أو مصاهرة، أو رضاع: كالأب، والابن، والأخ، والعم، ومن يجري مجراهم، وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية ويمشي بينهم بالفساد ويوسوس لهم ويزين لهم المعصية، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة، وأن يتعاونوا في القضاء عليها والتخلص من شرها، محافظة على الأعراض، وتعاوناً على البر والتقوى، وتنفيذاً لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها، وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه، ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم، ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس، فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف من عقابه، ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 256 - 258) .
والنصيحة للزوج أن يسعى جاهدا للاستقلال بالمسكن عن أسرته، ولا يتساهل في مثل هذه الأمور، فقد استرعاه الله رعية يجب أن يحافظ عليها، وليس في الإصرار على العيش مع أسرته وإخوانه في مكان واحد محافظة عليها.
وليس من حقوق الزوج على زوجته أن يجبرها على المعيشة مع أهله، بل يجب عليه أن يجهز له سكناً مستقلاً متى طلبت ذلك، وقد سبق تفصيل ذلك بأدلته وأقوال العلماء في جواب السؤال رقم (7653) .
ومثل هذه الحال التي ذكرتيها لا تخلو من منكرات، فإنه يشق على المرأة أن تلبس حجابها الكامل ـ حتى في البيت ـ من الصباح إلى المساء، ولا يمكنها أن تقوم بأعمال المنزل وهي بحجابها الكامل، فلابد من كشفها لوجهها ويديها.....وغير ذلك، وحينئذ يراها أخو زوجها وغيره ممن لا يجوز لهم رؤيتها، ولا يجوز لها أن تخلع حجابها أمامهم.
فلا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بذلك، فينقص إيمانها، وينتزع منها الحياء شيئاً فشيئاً، فإنه راع ومسئول عن رعيته.
وقد ذكرت في سؤالك أن لك شقة خاصة، فما الذي يمنع زوجك من إحسان عشرتك والمحافظ عليك، في شقتك الخاصة، بدلاً من الإقامة الدائمة ـ طوال النهار ـ مع أهل زوجك، مع ما فيها من مشقة عليك ووقوع فيما حرم الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يهدي زوجك لما فيه خيركما في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1126)
زوجها لا ينجب ويدمن ممارسة الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة من 8 أشهر واكتشفت بعد الزواج بعجز زوجي عن الإنجاب ومرضه من الدوالي في الساقين كثير، وطبعا هذا يؤثر عليه من ناحية المعاشرة والحقوق الزوجية ومع ذلك يحاول أن يجعل العيب فيّ دائما، يوبخني ويحاول يعجزني في كل شيء مع أنى والحمد لله رب العالمين غير ذلك.
المهم ومصيبتي كبيرة جدا أني اكتشفت من شهر تقريباً أنه يمارس المعصية (الزنا) على الشات مصيبتي أكبر لما عرفت أنه مثل قوم لوط، ماذا أفعل؟ علما بأني كل ما أتكلم في أي موضوع يغلطني، وهو بس اللي صح، وأنا كلامي وتفكيري غلط، أرجوكم ردوا علي، ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الزوج عقيما لا ينجب فمن حق المرأة أن تطلب فسخ النكاح، لوجود هذا العيب بالزوج، لأن لها حقاً في حصول الولد، بل قد يكون ذلك من أعظم مقاصد النكاح، وإذا لم يمكن الفسخ فلها طلب الطلاق، ويجب عليه حينئذ أن يطلقها، ويعطيها حقوقها كاملة، كالمؤخر وغيره.
ثانياً:
حق هذا الزوج عليك أن تقومي بنصحه أولاً، وفي جواب السؤال رقم (7669) بيان كيفية نصح هذا الزوج.
ثالثاً:
إذا لم يستجب للنصح، واستمر على ما هو فيه من المحرمات، فلا خير لك في البقاء مع هذا الزوج؛ لعدم أدائه حقك، ولكونه يرتكب هذا العمل القبيح.
وأنت الآن في بداية الطريق، ولم تبتل منه بولد، فعجلي بطلب الطلاق، فإن أبى، فخالعيه، لعل الله أن يعوضك خيرا منه، وأن يرزقك زوجا صالحا وذرية صالحة تقر بها عينك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1127)
طلقها مقابل نصف المهر بعد أن قذفها فهل له الحق في هذا المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني فتاه ملتزمة، ولله الحمد، ولقد حدثت بيني وبين زوجي - الذي لي منه ابنة - مشكلة ذهبت بسببها إلى بيت والدي؛ حيث إنه شك فيَّ واتهمني في عرضي وشرفي بدون أي أسباب مقنعة، ثم يعتذر، ويرجع مرة أخرى للاتهامات، وتكرر ذلك منه عدة مرات؛ مما أكد لي أن به مرض الوسواس، فلم أعد أحتمل، فذهبت إلى أهلي، وبعد ذهابي إليهم مكثت عندهم أربعة أشهر، لم يزدد فيها زوجي إلا عناداً وإصراراً على موقفه بدون إثبات أي دليل ضدي، وبعدما ذهب إليه أخي للتفاهم معه وجده مصرّاً على موقفة، وأنه يطلب مني أن أستتاب، وازداد الموقف سوءًا بينهما، وأساء إلى والدي وإلى تربيته لي، عندها أصرَّ أخي ووالدي على طلاقي منه، وإلا فسوف يحيل مشكلتنا للقضاء، وعليه أن يثبت ما لديه من اتهامات ضدي، فطلب زوجي مقابل طلاقه لي نصف المهر، ولكن بعد فترة طلقني من غير أن نعطيه أي مبلغ، وسكت هو عن ذلك، ولم يعد يطالب مرة أخرى بالمال.
والآن، قد عوضني الله بزوج آخر ملتزم، ولله الحمد، وقد نبهني زوجي الثاني إلى أنه قد يكون لزوجي الأول مال لدي، وبسبب خشيتي من الحرام وأكل مال الناس وحقوقهم، أرجو إفتائي في هذا الأمر، مع العلم أنني لا أملك ذلك المال، وأنني لم أطالبه بأي مصاريف لابنته، وهو أحيانا يرسلها، وأحيانا لا يرسل، فهل له أي حق مالي عندي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قذف الزوج زوجتَه واتهامها بشرفها من كبائر الذنوب، وهو موجب للحدِّ ورد شهادته، ولا بدَّ له من بينة شرعية لإثبات الفاحشة، أو يلاعن.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ...
[ويدل لذلك] : قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: (عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي. " المغني " (9 / 30) .
وعليه: فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي زوجته، وعليه أن يكف عن الكلام المسيء، والكلام على زوجته طعن في شرفه وعرضه هو، وعليه أن يكذِّب نفسه ويبرئ زوجته مما افتراه عليها، فإن لم يفعل فإنه مستحق لما رَّتبه الله تعالى على فعله من الحد ورد الشهادة والفسق، ولها حق طلب الطلاق منه، وعليه أن يؤدي لها حقوقها كاملة.
ثانياً:
التضييق على الزوجة باتهامها بالباطل وإيذائها وضربها لتتنازل عن مهرها أو عن شيء منه يسمى " العضل "، وهو محرَّم إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، فإن فعل الزوج فإنه غير مستحق لما تتنازل عنه زوجته، ويجب عليه أن يرجعه لها، وإن رفض تطليقها فلها أن تفتدي نفسها منه وتتنازل عن مهرها أو أقل أو أكثر، فإن كان كاذبا ظالماً فما أخذه منها سحت وحرام، وإن كان صادقاً فما أخذه حلال له، على أن يُثبت ما يستوجب الحد بشهود أربعة أو ملاعنة، وهذا في حال أنه يشهر بها ويقذفها علانية، أما إذا رأى فاحشة عليها فيما بينه وبين ربه، فإن له أن يعضلها ليضيق عليها لتفتدي نفسها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن رجل اتهم زوجته بفاحشة؛ بحيث إنه لم ير عندها ما ينكره الشرع، إلا ادَّعى أنه أرسلها إلى عرس ثم تجسس عليها فلم يجدها في العرس، فأنكرت ذلك، ثم إنه أتى إلى أوليائها وذكر لهم الواقعة، فاستدعوا بها لتقابل زوجها على ما ذكر، فامتنعت خوفا من الضرب فخرجت إلى بيت خالها، ثم إن الزوج بعد ذلك جعل ذلك مستندا في إبطال، حقها وادعى أنها خرجت بغير إذنه، فهل يكون ذلك مبطلا لحقها، والإنكار الذي أنكرته عليه يستوجب إنكارا في الشرع؟ .
فأجاب:
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله.
وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو، فيعينونه عليه فإن تبين لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه، فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه، وإذا قال إنه أرسلها لى عرس ولم تذهب إلى العرس فليسأل إلى أين ذهبت، فإن ذكر أنها ذهبت إلى قوم لا ريبة عندهم وصدقها أولئك القوم، أو قالوا لم تأت إلينا، وإلى العرس لم تذهب؛ كان هذا ريبة ن وبهذا يقوى قول الزوج.
وأما الجهاز الذي جاءت به من بيت أبيها، فعليه أن يرده عليها بكل حال، وإن اصطلحوا فالصلح خير.
ومتى تابت المرأة جاز لزوجها أن يمسكها ولا حرج في ذلك، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وإذا لم يتفقا على رجوعها إليه فلتبرئه من الصداق وليخلعها الزوج؛ فإن الخلع جائز بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى (فان خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) .
" مجموع الفتاوى " (32 / 283، 284) .
ثالثاً:
والذي يظهر لنا أنه لا حق له عندكِ، وأن ما طلبه من نصف المهر ليس حقّاً شرعيّاً له، ويبدو أنه راجع نفسه أو أن أحداً أخبره بذلك، ولذلك لم يطالب به، كما أنه قد يكون جعل نصف المهر مقابل رعايتك لابنته ونفقتك عليها.
وبكل حال: فهو لم يأتِ بشهود على ما قذفك به، ولم يلاعن، ولم يرَ شيئاً يجعله غير آثم بينه وبين ربه، وكل ذلك يجعل الحق لكِ لا له – بحسب سؤالك وما جاء فيه -، فليس له ما اشترطه من نصف المهر.
وبارك الله لك في زوجك الجديد الذي يسره الله لكِ؛ وجزاه خيرا على ما وجهك للسؤال والاستفسار عن حقوق زوجك الأول، وهو يدل على خلق عظيم ودين متين.
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يجعله خير خلَفٍ لك ولابنتك، وأن يجمع بينكما في خير، وأن يرزقكما ذرية طيبة.
ونسأل الله تعالى أن يوفق زوجك الأول للتوبة الصادقة، وأن يشفيه إن كان مريضاً، وأن يخلف عليه خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1128)
زوجها ضربها وأخذ مالها فهل تدعو عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ 43 عاماً، وزوجي لم يكن عنده أي طموح، وكنت دائماً أعمل معه، وكان عصبيّاً، ويضربني ضرباً لا أستطيع حتى الآن أن أسامحه؛ كان يمسك رأسي ويضربه بالحائط، ويحضر على التلفزيون حلقات المصارعة فتكون النتيجة أن أتلقى ما تعلمه، وبقيت كذلك حتى سافرنا للهجرة على أساس أني أنا النحس وسنصير أغنياء، المهم خلال تحضيرنا للسفر توفى والدي، وكان قبلها قد كتب لي زوجي نصف البيت الذي نعيش به؛ لأنه كان يأخذ مني بطريق الحيلة كل ما كان أبي يعطيني إياه، ولم أستطع أن أبوح لأهلي لأني حاولت مرة، وأمي ضربتني وأرجعتني إليه لأن البنت قبرها عند زوجها، والمهم بعد سنة رجع للبلاد بعد أن خسر كل شيء مما أخذه من البلاد، وفضلت أن أعمل حتى وفيت ثمن البيت، وفي بلادي استغل الوكالة التي أجبرني أن أعملها له وأخذ كل المال وصرفه في تجارة لا يفهمها، مع العلم أن أخواتي اشتروا بيوتاً لأولادهم من أرباح أموالهم لأن والدي توفى منذ 20 عاماً، والآن هو لا يعترف بهم ويقول: إن نصف البيت كتبه لي لقاء أموالي، مع أنني لا أريده، فماذا أفعل به - وأنا قضيت شبابي وحياتي في العمل - الآن؟ . أرجو أن تساعدوني، أحس أن الله ليس معي، مع أن الله مع المظلومين. دائما أتعرض إلى إهانته، مع العلم أن والدي كان من كبار التجار وهو تاجر، ولكن زوجي كان مع إخوته شركاء وافترقوا، ومن وقتها لا يعرف يشتغل، والآن لا أستطيع مسامحته، ودائما أدعو عليه، فهل هذا حرام؟ وهل لا يجوز الدعاء؟ وهل ربنا سبحانه وتعالى يحاسبنا - مع أنني لم أقصر -؟ وتعرض لحادث سيارة، ومدة ثلاث سنوات خدمته ولما عرف أنني أريد مالي قال إنه لم يعد يتحملني ويريد أن يطلقني، أفيدوني، ووالله لم أذكر إلا بعض قليل مما جرى معي، ولكم الأجر والثواب، زوجي أمام الناس يصلي ويصوم ويعبد الله والكل يحترمه، ولكن أي مشكلة بيننا يحاربني عدة أيام، أكاد أجن، ولم أعد أحتمل حتى وجوده، مع العلم أننا نسكن لوحدنا، وكل الأولاد تركونا، لم أعد أتحمل الصمت، أرجوكم أفيدوني بإجابة تساعدوني فيها أن لا أفقد إيماني فأنا أحس أني بحاجة إلى شحنة إيمان أستعيد بها توازني، والله الموفق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جعل الله تعالى خَلْق الزوجة من آياته العظيمة، وأخبر أن من عظيم حِكَم اقتران الأزواج المودة والرحمة والسكن بينهما، وأوجب عز وجل معاشرتهن بالمعروف، وكل ذلك مسطَّر في القرآن الكريم يعرفه المسلمون جميعاً.
قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وقال عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً) النساء/19.
وقد أذن الله تعالى بضرب الزوجة كما في قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) النساء/ 34، وكما في قوله عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع -: (وَلَكُم عَلَيْهنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ، فَإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضْرِبُوهنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّح) رواه مسلم (1218) .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) .
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا تُقَبِّحْ: أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ.
رواه أبو داود (2142) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي الآية والحديثين بيان لشروط ضرب الزوجة، فهو يكون بعد فشل الوعظ والهجر، ويكون غير مبرِّح، فلا يكسر عظماً ولا يُحدث عاهة، بل القصد منه التأديب، كما لا يجوز أن يضرب الوجه، ولا أن يصاحب الضربَ شتم وقذف وسب للزوجة أو أهلها، وهذا كله في حال أن يكون سبب الضرب شرعيّاً كأن تترك الزوجة واجباً أو تفعل محرَّماً.
ولا شك أن ما فعله الزوج هو الغاية في السفه والحمق – إن كان ما تقولينه حقّاً – كما أنه مخالف للشرع مسبِّب للإثم، فمن ذا الذي يقول بجواز ضرب رأس الزوجة بالحائط، أو تطبيق فنون المصارعة عليها؟! .
ثانياً:
ويتحمَّل أهلك – وخاصة أمك - كثيراً من المسئولية تجاه ما حدث لك من زوجك، إذ الواجب أن يكون بينهم وبينكِ ثقة ومصارحة، وكان الواجب عليهم أن يسمعوا منكِ ولا يرجعونك لزوجك إلا بعد أخذ العهود والمواثيق عليه أن لا يسيء معاملتك، وأن يعطيك حقوقكِ كافة.
ثالثاً:
وأما دعاؤك على زوجك: فقد شُرع لنا الدعاء على الظالم، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتسبب أحد بدعوة مظلوم عليه، وأخبر أن دعوة المظلوم مستجابة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) رواه البخاري (1425) ومسلم (19) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) . رواه الترمذي (1905) وابن ماجه (3862) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1655) .
أخيراً:
فإننا نسأل الله تعالى أن يُعظمَ لك الأجر على صبرك واحتسابك، واعلمي أن الله تعالى ينصر المظلوم ويستجيب دعاءهم، ولك الحق في طلب مالكِ منه، ولك الحق في طلب الخلع؛ لما تسببه الحياة معه من ضرر وأذى لكِ، لكن هذا لا يكون بفتوى إنما بحكم قاضٍ شرعيٍّ يسمع منك ومنه، فإن ثبت له بعض ما تقولين فإنه يرجع الحق لك، ويعطيك الخيار في مخالعته مع إعطائك كامل حقوقك، لذا لا تترددي في رفع أمرك للقضاء الشرعي.
نعم، إن الطلاق والفرقة آخر ما يفكر المرء فيه في حل المشكلات الزوجية، والكيّ آخر الدواء، لكن استعمال الكي خير من الهلاك، أو استفحال الداء.
ورجل – كهذا – بعد رحلة العمر، وكثرة البذل، ولم ينصلح حاله، فمتى ينصلح!!
فلتكن راحة قلبك واجتماع شملك على الله هو شغلك الأول، وعلى أساسه تقررين ما يصلحك مع الله.
ونحن لا نملك إلا أن نسدي لك النصح ونبين لك عظيم الأجر على الصبر والتحمل، ونملك أن ندعو الله تعالى لكِ أن ييسر أمرك ويفرِّج كربك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1129)
زوجها لا يشبع رغبتها الجنسية فتلجأ للاستمناء
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الجماع لا يحدث إشباع للشهوة بيني وبين زوجي وفي بعض الأحيان بعد انتهاء الجماع أستمني بيدي دون علم الزوج وهذا يحصل في بعض الأحيان فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاستمناء باليد وغيرها، على الرجل والمرأة، لأدلة تجدينها في جواب السؤال رقم (329) .
وللزوجين أن يستمتع كل منهما بالآخر، كيفما شاءا إذا اتقيا الحيضة والدبر، فلا حرج أن تستمني بيده، أو العكس.
ثانيا:
ما ذكرت من عدم حدوث الإشباع لك، علاجه هو المصارحة والتفاهم مع الزوج، والتهيؤ النفسي من الطرفين، وشعورهما بالمسئولية والرغبة في تحقيق السعادة والسكن والمودة. وكثير من الأزواج يغفلون عن حق المرأة في الاستمتاع وقضاء الوطر، وهذا ينشأ غالبا عن الجهل بحال المرأة واختلافها عن الرجل في هذه العملية، والمصارحة، ومحاولة العلاج، وقراءة الكتب المختصة في هذا الجانب، لها دور كبير في التصحيح إن شاء الله، كما أن المرأة إذا اعتادت الاستمناء قد يصدها ذلك عن زوجها، ولا تشعر بالرغبة في الجماع، أو لا يكون كافيا في إشباعها، وهذا أحد مضار الاستمناء التي يذكرها أهل الاختصاص.
وراجعي السؤال رقم (23390) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1130)
خروج المرأة لزيارة والديها وأقاربها بدون إذن الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي في زوجة تركت بيت الزوجية لتعيش في بيت بالإيجار مع بعض أولادها تفاديا لضرب الزوج لها بسبب مرضه النفسي الشديد؟ مع العلم بأن تأجير البيت كان بعلم الزوج، وقد مضى على هذا الحال سنة وخمسة أشهر؟!!
وما حكم خروج الزوجة للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب، وعادة ما يكون خروجها للمناسبات برفقة أحد بناتها أو أولادها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان خروج الزوجة من بيتها، وسكنها في بيت آخر بإذن زوجها، فلا حرج في ذلك، إذا انتقلت إلى مكان تأمن فيه على نفسها وأولادها، وكذلك إذا كان خروجها اضطرارا، تفاديا لضرب زوجها الناتج عن مرضه النفسي الشديد.
والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، فإن خرجت دون إذنه، كانت عاصية ناشزا، تسقط نفقتها، وتأثم بذلك. لكن يستثنى حالات الاضطرار، وقد مثّل لها الفقهاء بأمثلة، منها إذا خرجت للطحن أو الخبز أو شراء ما لا بد منه، أو خافت من انهدام المنزل، ونحو ذلك. "أسنى المطالب مع حاشيته" (3/239) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/271) : " (ويحرم خروجها) أي الزوجة: (بلا إذنه) أي: الزوج (أو) بلا ضرورة كإتيانٍ بنحو مأكل ; لعدم من يأتيها به " انتهى.
ومن هذا يعلم حكم خروجها للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب، فلا تفعل ذلك إلا بإذنه، سواء كانت تسكن معه، أو في بيت مستقل.
واختلف الفقهاء في زيارة الزوجة لوالديها خاصة، هل للزوج أن يمنعها من ذلك، وهل يلزمها طاعته.
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من ذلك.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر.
قال ابن نجيم (حنفي) : " ولو كان أبوها زمِنا مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير. وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/212) .
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/549) : " وفي العُتْبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها، ويُقضى عليه بذلك، خلافا لابن حبيب. ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى.
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها. "الموسوعة الفقهية" (29/294) .
وقال ابن حجر المكي (شافعي) : " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ أو حمام خرجت بإذن زوجها غير متبرجة، في ملحفة وثياب بذلة، وتغض طرفها في مشيتها، ولا تنظر يمينا ولا شمالا، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/78) .
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/239) : " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه " انتهى.
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47) .
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/362) : " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق ".
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء": " ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها؟
فأجابت: لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، لا لوالديها ولا لغيرهم؛ لأن ذلك من حقوقه عليها، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165) .
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين: ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: " أتأذن لي أن آتي أبوي ". البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها: {أتأذن لي أن آتي أبوي:} فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان فلا تحتاج فيه إلى إذنه كما وقع في هذا الحديث " انتهى.
ومع ذلك فإن الأولى للزوج أن يسمح لزوجته بزيارة والديها ومحارمها، وألا يمنعها من ذلك إلا عند تحقق الضرر بزيارة أحدهم، لما في منعها من قطيعة الرحم، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته، ولما في زيارة أهلها وأرحامها من تطييب خاطرها، وإدخال السرور عليها، وعلى أولادها، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة.
وأما ما جاء في السؤال من أن خروجها يكون برفقة أحد بناتها أو أولادها، فننبه هنا إلى أن المكان الذي تحتاج في وجودها فيه إلى محرم، لا يكفي فيه مجرد وجود الولد أو البنت الصغيرين، بل لا بد من محرم تتحقق بوجوده المصلحة الشرعية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(ذكر أهل العلم أن من شرط المحرم أن يكون بالغا عاقلا؛ فإذا بلغ الرجل خمسة عشر عاما، أو نبت له شعر العانة، أو أنزل المني باحتلام أو غيره، فقد بلغ، وصح أن يكون محرما إذا كان عاقلا..) [فتاوى علماء البلد الحرام ص (1121) ] .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1131)
حكم الإجهاض وطلاق الحامل والتضييق على الزوجة لتتنازل عن حقها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في: زوج حاول إجهاض زوجته في شهرها الثاني لرغبته في تطليقها بإعطائها دواء لذلك رغماً عنها إلا أنه لم يتم إجهاضها؟ وهل ذلك حلال أم حرام؟ وما هي كفارة ذلك العمل؟ وهل يجوز تطليق الزوجة وهى حامل؟ وما الحكم أيضاً في إجبار الزوجة في التنازل عن حقوقها قبل طلاقها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز سواء نفخت في الروح أم لا، غير أنه بعد نفخ الروح فيه تحريمه أشد ومن أمرها زوجها بالإجهاض فلا يحل لها أن تطيعه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
أما السعي لإسقاط الحمل فلا يجوز ذلك ما لم يتحقق موته فإن تحقق ذلك جاز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (11 / 151) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه. والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل.
وكونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذراً لإسقاط الحمل.
ثانيًا: إذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضته بعد ذلك ومات: فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية: فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها.
" المنتقى " (5 / 301، 302) . باختصار.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحمه الله -:
عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإثم عليَّ، فإذا فعلتْ هذا وسمعتْ منه، فما يجب عليهما من الكفارة؟ .
فأجاب:
إن فعلتْ ذلك: فعليهما كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين وعليهما غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ لوارثه الذي لم يقتله، لا للأب فإن الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئًا.
وقوله (غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ) هذه هي دية الجنين، قيمة عبدٍ أو أمة ٍ. ويقدرها العلماء بعشر دية الأم.
وقد سبق ذِكر حكم الإجهاض في أكثر من جواب فانظر: (13317) و (42321) و (12733)
ثانياً:
وأما طلاق الحامل فهو طلاق سنة، وقد انتشر بين كثير من العامة أنه مخالف للسنة، وقولهم لا أصل له ولا دليل عليه.
وقد روى مسلم (1471) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) .
قال ابن عبد البر:
وأما الحامل فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنة من أول الحمل إلى آخره لأن عدتها أن تضع حملها وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهرا أو حاملا ولم يخص أول الحمل من آخره.
" التمهيد " (15 / 80) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم (12287) .
ثالثاً:
لا يحل للزوج أن يأخذ شيئًا من مال زوجته شيئاً إلا إذا طابت به نفسها ومنه مال مهرها إلا إن جاءت بفاحشة مبينة؛ لقول الله عز وجل: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا) [النساء / 4] ؛ ولقوله عز وجل: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] .
قال ابن قدامة:
وأجمعوا على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قِبَلها، وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قِبَله وخالعتْه: فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل له ما صنع ولا يجبر على رد ما أخذه!
قال ابن المنذر: وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أجمع عليه عامة أهل العلم.
" المغني " (3 / 137) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/283) :
فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيِّق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة: كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله، وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو فيعينونه عليه، فإن تبيَّن لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه: فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه. اهـ.
ومعنى الفاحشة المبينة المذكورة في قوله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] الزنا وعدم الفقه، وسوء العشرة، كالكلام الفاحش وأذيتها لزوجها.
انظر تفسير السعدي ص242ـ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1132)
هل من حقوق الزوجة أن يكون لها مسكن خاص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سكنى الزوجة مع والدي الزوج مع وجود مكان كافٍ وعدم وجود غير المحارم ينافي حقوق الزوجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من حق الزوجة على زوجها توفير مسكن آمنٍ لها، ويختلف هذا المسكن باختلاف قدرة الزوج وسعته، فالغني يوفِّر ما يليق به، والفقير لا يجب عليه إلا بقدر ما أعطاه الله تعالى.
ولا يجوز للزوج أن يُسكن مع زوجته أحداً تتضرر بوجوده معها كأمِّه أو أبيه أو أبنائه من غيرها، فإن كان أحد والديه محتاجاً له، وهي لا تتضرر بوجوده: فننصح الزوجة بأن تتقي الله في هذا المحتاج، وعليها أن تعلم أن برَّها بوالدي زوجها هو من حسن عشرتها له، والزوج العاقل يحفظ هذا لزوجته، ويؤدي بعلاقتهما إلى مزيد من الارتباط والمودة والمحبة.
وإن أمكن الزوج أن يجعل بيتاً لوالديه، وبيتاً لزوجته، ويقربهما من بعضهما: فهو فعل حسنٌ، ويكون بذلك قد أعطى كل ذي حق حقَّه، ولم يتسبب في قطيعة ولا خلافات.
وقد فصَّلنا القول في حق المرأة في المسكن في جواب السؤال رقم (7653) فلينظر.
ومن رأى المشاكل والخلافات التي تدب في البيوت وبين الزوجين بسبب سكن المرأة مع أهل زوجها أو العكس، علم أن الحكمة فيما قال العلماء، من حق المرأة في السكن المنفرد، ولكن إذا رضيت المرأة بالسكن مع أهل زوجها إحساناً لعشرة زوجها، وبراًّ بوالديه لاسيما مع حاجتهما للخدمة، فلا حرج عليها ولها الثواب والأجر من الله تعالى على هذا الإحسان إن شاء الله، ولكن لتوطن نفسها على الصبر والتحمل. والله المستعان، وعليه التكلان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1133)
ماذا يحل للزوج بعد عقده على زوجته وقبل إعلان الدخول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فهمت من الإجابات الموجودة في موقعكم أنه لا توجد أية قيود بين الرجل والمرأة عقب إتمام النكاح، مع أن الزواج لم يتحقق بعد، وقد قرأت بعض الإجابات حول هذا الموضوع في موقعكم، لكني لم أتمكن من الوصول لإجابة شافية للعبارة العامة التي تقضي استنتاج البعض أن على المسلم أن يتبع طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الرجل والمرأة يجب ألا يلتقيان بمفردهما، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلتق بعائشة رضي الله عنها إلا بعد إتمام زواجهما بعد عدة سنوات من النكاح، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتق بها بمفرده خلال الفترة ما بين النكاح إلى إتمام الزواج: فما هو الدليل الذي بنى عليه العلماء تبريرهم الذي يجيز أن يلتقي الرجل بالمرأة بعد النكاح وقبل إتمام الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكون الرجل أجنبيّاً عن المرأة ولا يحل له أن ينظر إليها ولا أن يصافحها ولا أن يختلي بها، فإذا رغب في نكاحها فإنه يذهب لخطبتها، وفي هذه الحال يباح له – فقط – النظر إليها، دون مصافحتها أو الخلوة بها، فإن هم رضوا وزوجوه صار زوجاً، وصارت المرأة زوجةً له , فيحل له منها كل شيء من النظر والخلوة واللمس والمصافحة والاستماع , لقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) والزوجية تثبت بمجرد العقد. ولذلك إذا مات أحد الزوجين بعد العقد ورثه الآخر، ولو كان ذلك قبل الدخول.
فهذا هو الدليل الذي استدل به العلماء على هذه المسألة.
وقد تعارف الناس فيما بينهم أن يكون إعلان عقد الزواج مغايراً لإعلان الدخول، ليس لأن الدخول محرم بعد العقد بل لأن ظروف الزوج قد لا تكون موائمة لأخذ زوجته لبيت الزوجية، فصار هناك ما يعرف بـ " إعلان الدخول " أو " ليلة الدخلة "، فإذا كان الأمر كذلك فعلى الزوج أن لا يدخل بزوجته إلا بعد إعلان الدخول , لأن دخوله بها قبل ذلك قد يوقعه وإياها في حرج شديد، فقد يطلقها أو يتوفى عنها، وقد تكون بِكراً فضَّ بكارتها، وقد تصير حاملاً، فتعرض المرأة نفسها لشبهات وتدخل هي وأهلها في متاهات قد لا يكون لها ما يوقفها، وانظر جواب السؤال رقم (52806) .
وأما قول السائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتق بعائشة بمفرده في الفترة ما بين العقد إلى الدخول , فهذه مجرد دعوى , فمن الذي يستطيع أن يجزم بهذا النفي , وقد كانت تلك الفترة ثلاث سنوات , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أبا بكر في بيته كل يوم مرتين: بكرة وعشيا , كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (476) .
فمن يستطيع بعد ذلك أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلُ بعائشة طوال هذه الفترة؟
ثم هب أن هذا النفي صحيح , فإن هذا لا يعني تحريم ذلك , لأنه قد ثبت جوازه بدليل من القرآن - كما سبق بيانه -.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1134)
منع المسلم زوجته غير المسلمة من الاحتفال بأعيادها الدينية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يسمح للفتاة الكاثوليكية المتزوجة من مسلم الاحتفال بأعيادها الدينية؟ مع أنها متزوجة من مسلم وهي باقية على عقيدتها. هل يمكنها أن تتعبد حسب اعتقادها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا رضيت الفتاة النصرانية بالزواج من مسلم، فإنه ينبغي أن تعلم أمورا:
1- أن الزوجة مأمورة بطاعة زوجها، في غير المعصية، لا فرق في ذلك بين الزوجة المسلمة وغيرها، فإذا أمرها زوجها بغير معصية لزمها طاعته. وقد جعل الله هذا الحق للرجل، لأنه قوّام على الأسرة ومسئول عنها، ولا تستقيم الحياة الأسرية إلا بأن تكون هناك كلمة مسموعة مطاعة من فرد من أفرادها، لكن هذا لا يعني أن يتسلط الرجل أو يستغل هذا الحق للإساءة إلى زوجته وأولاده، بل يجتهد في الصلاح والإصلاح، والنصح والتشاور، لكن لا تخلو الحياة من مواقف تحتاج إلى حسم، وكلمة فاصلة، لابد منها، ومن الاستجابة لها. فينبغي للفتاة النصرانية أن تتفهم هذا المبدأ قبل إقدامها على الزواج من مسلم.
2- أن إباحة الإسلام الزواج من نصرانية أو يهودية، يعني الزواج بها مع بقائها على دينها، فليس للزوج أن يكرهها على الإسلام، ولا أن يمنعها من عبادتها الخاصة بها، لكن له الحق في منعها من الخروج من المنزل، ولو كان خروجها للكنيسة، لأنها مأمورة بطاعته، وله الحق في منعها من إعلان المنكر في المنزل، كنصب التماثيل، وضرب الناقوس.
ومن ذلك: الاحتفال بالأعياد المبتدعة، كعيد قيامة المسيح، لأن ذلك منكر في الإسلام، من جهتين: من جهة كونه بدعة لا أصل لها - ومثله الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعيد الأم -، ومن جهة ما يتضمنه من الاعتقاد الفاسد، من أن المسيح قتل وصلب وأدخل القبر ثم قام منه.
والحق أن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وإنما رفع إلى السماء حياًّ.
انظري السؤال (10277) ، (43148) .
والزوج ليس له أن يجبر زوجته النصرانية على ترك اعتقادها هذا، ولكنه ينكر إشاعتها للمنكر وإظهارها له، فيجب التفريق بين حقها في الاستمرار على دينها، وبين إظهارها للمنكرات في بيته. ومثل هذا: ما لو كانت الزوجة مسلمة، وتعتقد إباحة شيء، وزوجها يعتقد تحريمه، فإن له منعها منه، لأنه قوّام الأسرة، وعليه أن ينكر ما يعتقد أنه منكر.
3- الذي عليه جمهور أهل العلم أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، إضافة إلى مخاطبتهم بالإيمان، وهذا يعني أنه يحرم عليهم ما يحرم على المسلمين من شرب الخمر، وأكل الخنزير، وإحداث البدع، أو الاحتفال بها. وعلى الزوج أن يمنع زوجته من ارتكاب شيء من ذلك، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/6، ولا يستثنى من ذلك إلا اعتقادها وعبادتها المشروعة في دينها، كصلاتها وصومها الواجب، فإن الزوج لا يتعرض لها في ذلك، وليس من دينها شرب الخمر ولا أكل الخنزير ولا الاحتفال بالأعياد المحدثة، التي اخترعها الأحبار والرهبان.
قال ابن القيم رحمه الله: " وأما الخروج إلى الكنيسة والبيعة فله منعها منه، نص عليه الإمام أحمد في الرجل تكون له المرأة النصرانية، قال: لا يأذن لها في الخروج إلى عيد النصارى أو البيعة.
وقال في الرجل تكون له الجارية النصرانية تسأله الخروج إلى أعيادهم وكنائسهم وجموعهم: لا يأذن لها في ذلك ".
قال ابن القيم: " وإنما وجه ذلك أنه لا يعينها على أسباب الكفر وشعائره ولا يأذن لها فيه ".
وقال: " وليس له منعها من صيامها الذي تعتقد وجوبه وإن فوت عليه الاستمتاع في وقته ولا من صلاتها في بيته إلى الشرق وقد مكن النبي وفد نصارى نجران من صلاتهم في مسجده إلى قبلتهم " انتهى من "أحكام أهل الذمة" (2/819- 823) .
وصلاة وفد نصارى نجران في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها ابن القيم رحمه الله أيضاً في "زاد المعاد" (3/629) قال المحقق: "رجاله ثقات، لكنه منقطع " انتهى. يعني: أن سنده ضعيف.
وينظر السؤال (3320)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1135)
هل يلزم أهله بالسفر بعيدا عنه حتى لا يعيشوا في بلاد الكفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم متزوج من مسلمة من إحدى الدول الإسلامية. ولا أريدها أن تعيش هي وأطفالي خارج بلاد المسلمين. أنا أعيش وأعمل الآن في أمريكا، حيث ولدت. ولا يزال أمامي أن أعمل 3 سنوات تقريبا وأخطط بعد ذلك أن أعيش وأدرس في البلد الإسلامي الذي تتبع له زوجتي وأهلها إن شاء الله. وأسأل إن أنا أجبرتها على العودة وأمرتها بالبقاء في ذلك البلد الإسلامي (ومنعتها من الرجوع لزيارتي هنا) وتربية أطفالنا هناك في فترة بقائي هنا فقط بحيث أبقى أنا هنا وأزورهم (مدة 8 أسابيع في العام) فهل يعد هذا العمل محرما؟ وهل يجب علي السماح لها بالبقاء معي مع العلم أن البلد دار كفر وأنها سيئة جدا؟ هل يجب لها قبول الموقف الذي قررته؟ ثم ما هي الأدلة من الكتاب والسنة حول الموضوع فلربما تفهمت الموضوع بشكل أفضل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا ينبغي التساهل في الإقامة في بلاد الكفر، فإن ذلك له آثاره السيئة على دين المسلم وعقيدته، ولذلك حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الإقامة بين الكفار، فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهناك حالات يجوز فيها إقامة المسلم في بلاد الكفر، لكن بشروط معينة، يقصد منها ألا يتضرر المسلم في دينه بالإقامة بينهم، ولمعرفة ذلك راجع الأسئلة (13363) و (27211) .
ثانياً:
ينبغي أن تقارن بين المصلحة في بقاء أهلك إلى جوارك، تقوم على رعايتهم وخدمتهم، وتربيتهم، وتتحصن بهم من الفتن، وبين مفسدة بقائهم في هذه البلاد (بلاد الكفر) ، وما يمكن أن يصيبهم في دينهم وأخلاقهم، ومفسدة بقائك بمفردك أيضا، بعيدا عنهم، وينبغي أن يكون هذا بالمشاورة مع أهلك، والرغبة منكما جميعا في تقوى الله تعالى، واختيار ما يرضيه. فإذا ترجح لديك أن الأفضل هو إبعادهم عن هذه البلاد، وإرجاعهم إلى بلدهم الإسلامي، فلا حرج عليك في ذلك، وتلزم الزوجة طاعتُك وتنفيذُ أمرك.
وقد دل على وجوب طاعة الزوجة لزوجها – في غير المعصية – أدلة منها: ما رواه أحمد (18233) والحاكم عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ (أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؟ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) والحديث جَوَّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1933) .
ومعنى: ما آلوه: أي لا أقصّر في حقه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري (5195)
قال الألباني رحمه الله معلقا على هذا الحديث: " فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات " انتهى من "آداب الزفاف" ص 282، وانظر السؤال (43123) .
ثانيا:
للزوج أن يسافر ويتغيب عن أهله، لأجل الدراسة أو العمل ونحوه من المصالح المشروعة، مدة لا تزيد على ستة أشهر، فإن زاد على ذلك فلا بد من استئذان زوجته، والأصل في ذلك أن عمر رضي الله عنه سأل النساء: (كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن: شهرين، وفي الثالث يقل الصبر، وفي الرابع ينفد الصبر. فكتب إلى أمراء الأجناد أن لا تحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر) ، وفي رواية (فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرا، ويقيمون أربعة، ويسيرون شهرا) . ينظر: "المغني" (7/232، 416) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سفر الرجل عن زوجته إذا كانت في محل آمن: لا بأس به، وإذا سمحت له بالبقاء أكثر من ستة أشهر فلا حرج عليه، أما إذا طالبت بحقوقها، وطلبت منه أن يحضر إليها فإنه لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، إلا إذا كان هناك عذر كمريض يعالج وما أشبه ذلك، فإن الضرورة لها أحكام خاصة. وعلى كل حال فالحق في ذلك للزوجة، ومتى ما سمحت بذلك وكانت في مأمن فإنه لا إثم عليه، ولو غاب الزوج عنها كثيرا " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" (ص 106) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1136)
حكم خروجها من البيت دون إذن زوجها وسفرها دون محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل إلى أي درجة تصل واجبات الزوج تجاه أهل زوجته؟ سؤالي هذا لأنني عانيت مشكلة كبيرة مع زوجي نظراً إلى تعامله السيئ جدّاً مع أمي عندما قامت بزيارتنا (نتيجة لمشاجرة حدثت بين حماتي وأمي) وانتهت بأن زوجي طرد أمي أو ما شابه، وأنا نتيجة إلى هذا اضطررت أن أغادر مع أمي البيت ضد رغبة زوجي في البقاء معه (علما بأنني كنت أقطن في بلد آخر وسافرت مع أمي إلى بلادنا) ومعاملة زوجي لي جيدة غير أنى غضبت من معاملته لها بهذا الشكل، مع أنه تأسف لها في اليوم التالي , لكنها لم تسامحه، فهل تصرفي كان صحيحاً، أم أنني لم أطع زوجي كما وصى الله سبحانه وتعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي للزوج أن يصل أهل زوجته، ويحسن إليهم، فإن هذا من حسن معاشرة زوجته، وفعله هذا يُدخل السرور إلى قلبها، ويجعله محل احترامها وتقديرها، ويزيد في المحبة والمودة بينهما.
قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) النساء/19.
قال ابن كثير:
" أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ ?لَّذِى عَلَيْهِنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (285) " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1/477) .
ثانياً:
وأما طرد زوجكِ لأمكِ من بيته فقد اعتذر عن ذلك، وينبغي لمن اعتذر له أخوه أن يقبل اعتذاره ويتجاوز عن زلته.
ولتعلم المرأة المتزوجة أن طاعة زوجها مقدمة على طاعة والديها، فالرجل لا يقدِّم أحداً على أمه في البرِّ، والزوجة لا ينبغي لها أن تقدِّم أحداً على زوجها في الطاعة؛ وذلك لعِظَم حقه عليها، ومن عظم حق الرجل على المرأة أن الشرع كاد يأمرها بالسجود له لولا أنه لا يجوز لأحد أن يسجد لأحد من البشر.
ولا يحق للزوج منع أهل زوجته من زيارة ابنتهم، إلا إن كان يخشى منهم إفساداً لها أو تحريضاً على النشوز، فله – حينئذٍ – منعهم.
ثالثاً:
وأنتِ قد أخطأتِ مرتين ووقعتِ في مخالفة الشرع فيهما، أما الأولى فهي خروجكِ من البيت من غير إذن زوجك، والثانية هي سفركِ من غير محرَم.
أما الخروج من البيت دون إذن الزوج فهو من المحرمات، بل إن الله تعالى منع المرأة المطلقة رجعيّاً أن تخرج من بيتها فكيف إن لم تكن كذلك؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق/1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله , وقرأ قوله تعالى: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) يوسف/25، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق , فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ – أي: أسيرات-) ، فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير , فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/148) .
قال ابن مفلح الحنبلي:
" ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة، أو واجب شرعي " انتهى.
"الآداب الشرعيَّة" (3/375) .
وأما سفر المرأة من غير محرم، فهو حرام، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي:
" فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، والله أعلم " انتهى بتصرف من "شرح مسلم" (9/103) .
والبريد: مسافة تقدر بنحو عشرين كيلو متر تقريباً.
ونرجو النظر في جواب السؤال (10680) ففيه بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1137)
هل تطلب الطلاق من زوجها الذي لا يحافظ على الصلاة ويقصر في حقوقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تقدم لخطبتي شاب أقل مني في المستوى التعليمي فلم يحصل إلا على الثانوية، وأنا جامعية فرفضت، فادعت أمه أنه معه دبلوم في اللغة الإنجليزية ثم تبين لي بعد ذلك أنه لا يعرف شيئا عن اللغة الإنجليزية، وقالت إنه موظف وراتبه 4000 ريال وهذا الراتب يكفي لأن جده سيعطيه شقة له على سبيل الهدية، وتم الزواج فعلا ولكن ظهر لي بعد ذلك أن عليه ديونا للبنوك تخصم من راتبه، ولا يعطيني في الشهر إلا 100 ريال فقط، ومنذ ثلاثة أشهر ترك العمل ولم يجد غيره، ولم ننتقل إلى الشقة التي أعطاها له جده مع أنه مضى من الوقت الآن سنة وأربعة أشهر على زواجنا. لأنه لا يستطيع أن ينفق علي، بل نقيم مع أهله. وهو مع ذلك متهاون في الصلاة، لا يصلي إلا إذا طلبت منه ذلك، وهو أيضا بدين جدا مما يمنعني من الحصول على اللذة معه، ولا يهتم بنظافته الشخصية، حتى بدأت أنفر منه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج آية من آيات الله، ونعمة من نعمه، يجد فيها الزوجان السكن والأنس، والمودة والرحمة، مع العفة والإحصان، وإنجاب الذرية الصالحة التي تعمر الأرض وفق منهج الله. كما قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وهذه مقاصد الزواج التي شرع من أجلها، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد، كان الطلاق سبيلا مشروعا، يمهّد للانتقال لحياة زوجية أخرى، تتحقق فيها أهداف النكاح ومقاصده.
وما ذكرتِه من الأسباب، يبيح لك سؤال الطلاق؛ وقد روى الترمذي (1187) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
فقوله: "من غير بأس" أي: من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فالواجب على المرأة أن تعاشر بالمعروف، وأن تسمع وتطيع لزوجها بالمعروف، وألا تطلب الطلاق إلا من علة، فإذا كان هناك علة، فلا بأس، مثل أن يكون بخيلا لا يؤدي حقها، أو كان كثير المعاصي، كالسُّكر ونحو ذلك، أو كان يسهر كثيرا ويعضلها، أو ما أشبه ذلك من الأسباب فهذا عذر معتبر " انتهى، نقلا عن "فتاوى الطلاق" ص 264.
وهذه الأسباب التي ذكرت وإن كانت تبيح لك سؤال الطلاق، إلا أنه ينبغي أن تفكري في هذا الأمر تفكيرا كثيرا قبل الإقدام عليه، مراعية عدة أمور:
الأول: الأمل في صلاح حاله، لاسيما إذا انتقلتما إلى شقة خاصة، ولعله بتشجيعك يلتزم بصلاته، ويفتح الله عليه برزق حسن، ويسعى لإرضائك والتخلص مما يؤذيك، ويكون لك أجر الصبر والإحسان إليه، وإعانته على تغيير حاله. فراجعي نفسك، وتدبري في حال زوجك، فإن رجوت منه صلاحا وتغيرا، فاصبري واحتسبي، واعلمي أن الصبر عاقبته الفرج والظفر، وكم من امرأة صبرت على زوجها وسوء خلقه، ثم غير الله حاله، وصار من أحسن الأزواج، لا ينسى صبرها ومعروفها وإحسانها، وقد قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34، 35.
والمرأة لها دور عظيم يمكن أن تقوم به في مجال إصلاح زوجها، ودعوته إلى الخير والفلاح، إذا أوتيت الحكمة والرفق والأسلوب الحسن. وينبغي أن يتجه الإصلاح أولا إلى الدين، قبل الجسم والمادة، فإنه إن صلح دينه جاءه التوفيق والتسديد في أموره كلها بإذن الله وفضله.
الثاني: أن تنظري في أمرك فيما لو وقع الطلاق، وكيف سيكون حالك، وهذا أمر لا يُحكم عليه في وجود الغضب أو النفور من الزوج، بل يحتاج إلى روية ونظر وتأمل، والعاقلة قد ترضى بالحياة المنغّصة مع زوج فيه خير وشر، وصلاح وفساد، وتفضل ذلك على أن تكون مطلقة، تعاني من الوحدة والقلق والبحث عن الزوج، في زمان انتشرت فيه العنوسة، وصعب فيه أمر الزواج من الأبكار، فضلا عن المطلقات.
وهذا يختلف من امرأة لأخرى، فربما كانت المطلقة مرغوبة لدينها أو لجمالها أو مالها أو نسبها.
الثالث: ينبغي أن تكثري من اللجوء إلى الله تعالى، وسؤاله أن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك، وألا تتخذي قرارا إلا بعد أن تستخيري ربك جل وعلا.
ولمعرفة صلاة الاستخارة ينظر السؤال رقم (11981) ، (2217)
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير والهدى والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1138)
تشرب الخمر أمامه ويخشى إن طلقها أن تأخذ الأولاد وهي كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من امرأة نصرانية ولي منها ولدان. حدث ذات مرة في شهر رمضان وأنا أتناول طعام الإفطار أن قامت بشرب الخمر أثناء تناولها الطعام، ولا أستطيع أن أمنعها من ذلك، لأني إن حاولت فربما تطلب الطلاق وتحصل على حق حضانة الولدين فيصبح بعد ذلك من الصعب أن أجعلهما يدينان بدين الإسلام. هل يحرم علي الجلوس معها ومع عائلتها وهم يشربون الخمر في رمضان مع أني لا أشرب الخمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج بالكتابية – يهودية أو نصرانية- وإن كان جائزا، إلا أنه محفوف بعدة مخاطر، أعظمها: الخطر على دين الأولاد والذرية، فإنها قد تسعى لإفساد دينهم، لا سيما إذا كانت تقيم في غير بلاد المسلمين.
وكيف تستطيع أن تقنع أولادك بأن شرب الخمر حرام , وهم يرون أمهم تشربها!
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن المسلم إذا تزوج كتابية فله منعها من شرب الخمر , وأكل لحم الخنزير , وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة، وهو قول جماعة من الحنفية.
قال في "البحر الرائق" –حنفي- (3/111) ناقلا عن بعض الحنفية: " إن المسلم له أن يمنع زوجته الذمية من شرب الخمر كالمسلمة لو أكلت الثوم والبصل وكان زوجها يكره ذلك، له أن يمنعها. وهذا هو الحق كما لا يخفى " انتهى.
وقال في "مغني المحتاج" –شافعي- (4/314) : " الكتابية المنكوحة كمسلمة في نفقة وقسم وطلاقٍ، وتجبر على غسل حيض ونفاس وجنابة، وترك أكل خنزير في الأظهر، وتجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها " انتهى.
وقال في "الإنصاف" –حنبلي- (8/352) : " تمنع الذمية من شربها مسكرا إلى أن تسكر. وليس له منعها من شربها منه ما لم يسكرها على الصحيح من المذهب. نص عليه [أي الإمام أحمد] . وعنه: تمنع منه مطلقا. وقال في "الترغيب": ومثله: أكل لحم خنزير " انتهى.
وذهب المالكية إلى أنه ليس له منعها من شرب الخمر وأكل الخنزير كما في "التاج والإكليل" (5/134) .
وإذا لم يكن بإمكانك منعها، لما ذكرت من أنها قد تطلب الطلاق وتأخذ الأولاد، فإنه ينبغي أن تبين لزوجتك أنه من حسن العشرة وطيب المعاملة بين الزوجين ألا تجهر أمامك بشرب الخمر، فإن أبت، فينبغي أن تعتزل مجلسهم حال مقارفتهم هذا المنكر العظيم. وهذا من إنكار المنكر، كما قال تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) النساء/140.
فهذه قاعدة عامة فيمن عجز عن إنكار المنكر بيده أنه يلزمه مفارقة مكان المنكر، إن قدر على ذلك، وإلا كان شريكا لصاحبه في الإثم.
وينبغي أن تتحلى بالصبر، وتبذل كل سبيل ممكن لدعوة هذه الزوجة، وتحبيبها في الإسلام بأخلاقك وأعمالك. ونوصيك بالدعاء فإنه أعظم سلاح، فلعل الله أن يهديها وأهلها على يديك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1139)
شكوى زوجة يضربها زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة تزوجت رجلا منذ خمس سنين ولديّ منه أطفال صغار، ولكن منذ زواجي ومحبتي لزوجي في نقص مستمر بسبب سلوكه، فهو رجل ذو طبيعة عصبية جدا لدرجة أنّه يفقد أعصابه إذا ثار حتى يُصبح كالمجنون فيعتدي عليّ بالضرب، وضربه شديد لدرجة أنّه يترك آثارا وعلامات على جلدي، ولكنّه بالرغم من ذلك لم يضربني يوما على وجهي.
وقد حدثت هذه المواقف مرات عديدة في فترة زواجي ولكنها ليست يومية، وقد نصحته باتّباع الخطوات الثلاث التي ذكرها الله في كتابه على الترتيب الذي أمر به ولكنّ زوجي لم يستجب بسبب فقدانه للسيطرة على نفسه عند الغضب، وقد تعاملت مع مشكلة زوجي بالصّبر حتى الآن ولكن دون محبّة له أحيانا، ولكن بسبب امتداد وقت المشكلة صرت أشعر بالخوف منه ثمّ صار عندي شعور بالاستياء منه وساءت معاملته لي بسبب كراهيته لأسلوبي في الحديث معه الذي تغيّر بفعل فقدي للصبر وبسبب معاملته غير العادلة، فهو يقوم بضربي في كثير من الأوقات أمام أطفالنا، حتى أن ولدنا الأكبر أصبح يقلده ويقوم بضربي أيضاً.
كيف يمكنني أن أوقف سلوك زوجي واعتدائه علي؟ (ولكن رجائي أن لا تقول لي أن لا أغضب منه وأن أصبر عليه، فقد فقدت الكثير من صبري) ، وكيف يمكنني أن أُبعد حالة الكراهية التي أحس بها نحوه؟ فقد حاولت أن أسامحه ولكنه آذاني كثيراً، فسلوكه العدائي يحطم زواجنا، ولا يعرف أحد غير الله ما إذا كان زواجنا سيستمر أم لا، ولكن إذا بقينا متزوجين فبماذا تنصحني كي أخلصه من هذا السلوك العدائي وهذا التصرف المشين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شكّ أنّ المشكلة التي وصفتيها أيتها الأخت المسلمة تثير الحزن وتبعث على الألم ولكن أولا وأخيرا لا بدّ من اللجوء إلى الله عزّ وجلّ فهو الذي سيجعل لك من كلّ ضيق فرجا ومن كلّ همّ مخرجا وفيما يلي بعض النصائح:
ـ زوجك بحاجة إلى من ينصحه فابحثي حولك عن الشخص المناسب.
ـ تجنبي إغضابه (رغم رجاؤك بعدم إسداء هذه النصيحة ولكن ألا ترين أنّه لابدّ منها في علاج الموقف) فأكرَر النصيحة: تجنّبي إغضابه قدر الإمكان.
ـ من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، فهناك أزواج آخرون يضربون زوجاتهم على الوجه ويحدثون جراحات وكسورا مضاعفة، ويطردون زوجاتهم خارج البيت في نصف الليل ويغلقون الباب ولا يعطون زوجاتهم قرشا بل يأخذون أموالهن وحليهن، ويأكلون خارج البيت ولا يجلبون أكلا لا للزوجة ولا للأطفال وزوجاتهم يشحذن من الجيران، وبعضهم يعاقرون الخمور والمخدرات ويدخلون المومسات إلى بيوتهم، وبعضهم لا يعرف الله أصلا ولا يعرف جهة القبلة وغير ذلك من المصائب التي وقفت عليها بنفسي في مآسي الزوجات وليست شطحا من الخيال، فلعلك لو تأمّلت مصائب غيرك تهون عليك مصيبتك وفي هذا عزاء وتسرية.
ـ تأمّلي في الجوانب الإيجابية لهذا الزوج من جهة دينه أو صلاته أو نفقته أو عدم التمادي في الضرب إلى الوجه ونحو ذلك فربما يخفّف ذلك عندك شيئا من الشّعور السّلبي نحوه.
ـ اعتبري أن ما أصابك هو ابتلاء من ابتلاءات الحياة الدنيا التي يقدّرها الله عزّ وجل على من يشاء لينظر كيف يعملون، فاستقبليها بالصبر واحتساب الأجر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " رواه مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 2999.
ـ فكّري في مأساة الطلاق وماذا سيلحق الأسرة بعده، والمرأة العاقلة قد تتحمّل مفسدة لتجنّب مفسدة أعظم منها وإنّ بعض الشرّ أهون من بعض.
ـ اكتبي له رسالة تذكّريه فيها بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء كقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.. أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ رواه الترمذي رقم 1163 وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ يَعْنِي أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ *
وقوله عليه الصلاة والسلام لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ رواه أبو داود رقم 2146
ـ إذا ثار مرّة وضربك ضربا موجعا ومؤثّرا فانتظري حتّى تهدأ أعصابه ثمّ استثيري شفقته ببعض الكلمات المؤثرة كقولك: أهكذا تفعل بأمّ أولادك وأقرب النّاس إليك؟ ، مع كشف مواضع اضرب ليرى بعينيه ماذا جنت يداه بالإضافة إلى تذكيره بتحريم الظّلم وقدرة الله عليه، ثمّ تتوارين عن ناظريه تاركة له الفرصة لكي يتدبّر الموقف ويُراجع نفسه والغالب أنّ الزوج إذا كان فيه شهامة ورجولة وشيء من الدّين فإنّه سيتراجع ويعتذر.
ـ بعض المشكلات الزوجية قد لا يحلّها إلا مرور الوقت حيث يزداد تعلّق الرجل بأولاده إذا كثروا وكبروا وتزداد قيمة زوجته في عينيه كمربية وحافظة لأولاده ويزداد هو كذلك نضجا وإدراكا لأبعاد الأمور ومفاسد ما يفعله فتتحسّن تصرفاته ويتراجع عن بعض ما يفعل. فترٌقب التحسّن أمر طيب وإنّما يعيش النّاس بالأمل.
ـ الدعاء ملجأ المؤمن فكم مرة يا تُرى دعوتِ الله تعالى أن يُصلح زوجك؟ مع الإلحاح في الدعاء وتحرّي أسباب الإجابة.
أسأل الله أن يصلح حالك وحال زوجكِ ويجعل لكما من أمركما رشدا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1140)
شكوى من زوجة عن معاشرة زوجها في الفراش
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي محرج جدا ولكني لا أستطيع أن اسأل أحدا عن هذا:
زوجي كريم تقي لا أتهمه بشيء إلا أنّه لا يُعطيني حقّي في الفراش فهل يجوز لي طلب الطّلاق منه أم أكون من الذين لا يشمون رائحة الجنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الزوج قائما بواجباته الشرعية تجاه زوجته فلا يجوز لها طلب الطلاق لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه الإمام أحمد 21874 وابن ماجة 2055، ومعنى قوله: " في غير ما بأس ": أي الشدّة المُلْجِئة إلى الطلاق. (شرح السندي على ابن ماجة) .
وأمّا الإتيان في الفراش فإن كان طلب الزوجة له فوق العادة فلا يجوز لها ذلك (وكلمة العادة ترجع إلى العرف كمرة في الأسبوع أو كل عشرة أيام وما أشبه ذلك وهذه قضية تختلف فيها القُدرات) . وللمزيد يُراجع سؤال: 1078
وأمّا إن كان بالزوج عيب يمنع الوطء أو مرض يعيقه عنه جاز لزوجته طلب الطّلاق، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1141)
تريد السفر خمسة أشهر بعيدة عن زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تسافر بعيداً عن زوجها لمدة خمسة أشهر أو أكثر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا رضي الزوجان بهذا فلا بأس به إلا إذا كان يترتب على بقاء أحد الزوجين بعيدا عن الآخر محذور شرعي كالوقوع في الحرام أو ضياع الأولاد فلا يجوز هذا الفصل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1142)
حكم البقاء مع زوج لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي مستهتر بدينه فهو لا يصوم رمضان ولا يصلي، بل إنه يمنعني من فعل كل خير، كما أنه بدأ يشك فيّ حتى إنه ترك عمله ليبقى في المنزل لمراقبتي فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الزوج لا يجوز البقاء معه، لأنه بتركه الصلاة كان كافراً والكافر لا يحل للمسلمة أن تبقى معه قال تعالى: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) فالنكاح بينك وبينه منفسخ، لا نكاح بينكما إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب ويرجع إلى الإسلام فحينئذ تبقى الزوجية، وأما بالنسبة للزوج فإن تصرفه تصرف خاطئ وعندي أن فيه نوعاً من المرض وهو مرض الشك والوسواس الذي يعتري بعض الناس في أمور عباداتهم ومعاملاتهم مع غيرهم، وهذا المرض لا شيء يزيله إلا ذكر الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه والتوكل عليه في القضاء عليه.. والمهم أنه بالنسبة إليك يجب عليك أن تفارقي الزوج وألا تبقي معه لأنه كافر وأنت مؤمنة، وأما بالنسبة للزوج فإننا ننصحه أن يرجع لدينه ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يحرص على الأذكار النافعة التي تطرد هذه الوساوس من قلبه، ونسأل الله له التوفيق والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين في مجلة الدعوة العدد 1709ص34(6/1143)
هل يمنع الإنجاب من زوجته المسيحية
[السُّؤَالُ]
ـ[: لقد تحولت من الهندوسية إلى الإسلام، وأنا متزوج من مسيحية. وأسأل هل يجوز أن أبذل قصارى جهدي لمنع الإنجاب من هذه المرأة المسيحية، خصوصا وأنه لم يتم الاتفاق بيننا على تنشئة الطفل تنشئة إسلامية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نهنئ الأخ السائل على ما أنعم الله عليه من الدخول في الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يثبته ويميته عليه.
ثانياً: لا ننصح الأخ السائل بمنع الإنجاب من زوجته النصرانية، وذلك لسببين:
1. أن الإكثار من التناسل مطلوب شرعاً، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " رواه أبو داود (1754) ، والنسائي (3175) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " آداب الزفاف " (ص 132) .
2. أن بقاء الزوجة على الكفر هو أمر ظني لا قطعي، فقد يمنُّ الله تعالى عليها بالإسلام كما منَّ على زوجها، وبعده سيحصل الندم على تقدم العمر دون ذرية تربى على الدين والخلق.
وعليه: فإننا ننصح الأخ السائل أن لا يمتنع من الإنجاب، وأن يحاول مع زوجته فلعل الله أن يرزقها الدخول في الإسلام.
= وإذا منَّ الله عليك بالذرية، فإن الواجب عليك أن تربيهم على الدين والخلق منذ نشأتهم الأولى، وهذا من الواجبات التي أوجبها الله عليك، ولا دخل للزوجة الكافرة في هذا الأمر، قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} [التحريم /6] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته.. والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته …". رواه البخاري (844) ، ومسلم (3408) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1144)
مشكلة ترك الزوجة في غياب الزوج الطويل في عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الخطأ ترك الزوجة في البيت؟ وعدم السماح لها بمغادرة البيت إلا وأنا معها؟
سوف تمل فأنا أعمل 15 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع وأحصل على يوم راحة كل 3 أسابيع إذا كنت محظوظاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لاشك أن المغريات في هذه الحياة كثيرة، وطرق إضلال الشيطان لابن آدم متنوعة ومتعددة، لذا يجب على الزوج أن يحتاط لهذا، وقد أوكل الله إليه مهمة عظيمة وهي رعاية زوجته وأبنائه، وجعل مسئولية تربيتهم وحفظهم عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.. وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا.. " رواه البخاري 893
2. والزوجة بشر من لحم ودم، تتأثر بما ترى وما تسمع من أهل الفتنة والسوء، لذا ينبغي أن يكون هذا في حسبان الزوج. فيمنع عنها المؤّثرات المُفْسدة ويجنّبها الذّهاب إلى أماكن الشرّ.
3. وعلى الزّوج المسلم أن لا يعيش لدنياه فقط ويعمل كالآلة الصماء، ولئن كان المال مغرياً: فما عند الله خير وأبقى، فليحاول أن يجد عملا بوقت أقلّ ولو كانت الأجرة أقلّ ما دامت تكفيه وتسدّ حاجته وبذلك يوفّر وقتا لرعاية أهله وتربية أولاده.
4. ليس من المناسب ترك الزوجة هذا المقدار من الزمن، اللهم إلا إن كان هناك ما يعوض المرأة في غياب زوجها، كدراسة شرعية، أو اجتماع مع من يخاف الله ويدلها على الخير، وما أشبه ذلك. أما أن يكون تركاً مجرداً أو تركا مع جهاز لهو وبرامج تلفزيونية سيئة أو جيران السوء، وصحبة فاسدة: فهو تفريط مذموم وكثيرا ما يرى المفرِّط جزاءه في الدنيا قبل لقاء ربه.
5. أما بالنسبة لخروج المرأة من بيتها فلا يُشترط شرعا أن يكون مع زوج أو محرم ما دامت موثوقة وتذهب إلى مكان لا يُخشى عليها فيه والطّريق مأمونة، ووجود المَحْرم شرط في السفر ولا يجب أن يُرافق المرأة في البلد في كلّ مكان، اللهم إلا أن يكون هناك سوءٌ أو فتنة في خروجها المسافة القصيرة، فحينها لا تخرج المرأة وحدها، بل عليها أن تحتاط فلا تخرج إلا مع زوج أو مع من يحافظ عليها ويحميها.
6. إن وجود المسلم في بلاد الكفار يفرض نوعا من السعي لحماية نفسه وأهله مثل أن يجتمع عدد من العائلات المسلمة ويستأجرون عمارة أو يكونون بجانب بعضهم البعض ليوفّر ذلك نوعا من الحماية والبيئة الطّيبة للأهل والأولاد وفي الوقت نفسه تجد المرأة المسلمة من الصالحات والطيّببات من تسلّي نفسها معهن في غياب الزوج.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إمام وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1145)
الغياب عن الزوجة أكثر من ستة أشهر
[السُّؤَالُ]
ـ[أجهز الآن للزواج من بلدي، ولكني لن أستطيع أن أحضر زوجتي معي إلى هذه البلاد لأني طالب. ولأني أعرف أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إنه لا يجوز للزوج أن يبعد عن زوجته لأكثر من ثلاثة (3) أشهر. ولسوء الحظ فإني لن أتمكن من العودة إلى بلدي إلا بعد سنة كاملة على الأقل. فهل يمكنني الزواج والبقاء بعيدا عن زوجتي عملا بالمبدأ الإسلامي: "الضرورات تبيح المحظورات"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا رضيت زوجتك بغيابك عنها هذه المدّة فلا حرج عليك، والله يوفقنا وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1146)
خروجها لمجالس الذكر دون استئذان
[السُّؤَالُ]
ـ[السائلة تقول ما حكم ذهابي إلى المسجد أو مجلس الذكر في بيت مسلم للدعوة أو التلقي بغير إذن الوالد، إذ لو علم بذلك لمنعني، ولكن الإيمان يبلى كما يبلى الثوب، وأحتاج إلى تجديد إيماني لأني في وسط مليء بالمنكرات، فهل يجوز لي الذهاب خفية أم ماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة قبل زواجها تحت ولاية أبيها، فلا يجوز لها الخروج من البيت إلا بإذنه، سواء كان للمسجد أو لغيره لأن طاعة الأب واجبة في غير معصية الله، ونوصيك بالاستماع لإذاعة القرآن الكريم، لأن فيها علماً كثيراً، وتوجيهات سديدة وفيها برنامج نور على الدرب الذي يجيب فيه جماعة من العلماء أسئلة المستمعين، وفقك الله لكل خير، ومنحك الفقه في الدين.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12/101.(6/1147)
إذا دعت زوجها إلى الفراش فامتنع
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأخوات سألوا هذا السؤال:
سمعنا الحديث أن الرجل إذا دعا زوجته للفراش فامتنعت لعنتها الملائكة حتى تصبح، والسؤال هو: ماذا لو دعت المرأة زوجها للفراش فامتنع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يجوز للرجل أن يهجر امرأته إضراراً بها إلا إذا ظهر منها النشوز والعصيان، ولكن لا يأثم إذا ترك الاضطجاع معها غير مُضارٍّ بها لأن الحاجة له وترجع إلى شهوته ولا يملك إثارة الشهوة فإن هجرها فهو آثم بذلك لأنه لا ضرر ولا ضرار، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: ابن جبرين.(6/1148)
لا تريد أن تسكن مع أهل زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش مع أهل زوجي منذ 7 سنوات ولا أتوافق مع والد زوجي وطلبت من زوجي أن ننتقل من هذه الشقة وهذا الأمر يؤلمه جداً فإنه يقول إنه لا يمكن أن يعيش بدون والديه وأنا لا يمكنني أن أعيش مع والديه وأخيه الأصغر فهل ما أطلبه كثير؟ وماذا يقول الإسلام في هذا الأمر أجيبوني بأسرع ما يمكن أرجوكم فأنا لا أتحمل وأريد أن يحيا زوجي معي في سعادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: لقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة كما جاء عن عقبة بن عامر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت ". رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) .
فلا يجوز لها الخلوة بأحد من أحمائها اللهم إلا إذا كانوا صغاراً لا يُخشى منهم ولا يُخشى عليهم.
ثانيا: يجب على الزوج أن يؤمن لزوجته مسكناً يسترها عن عيون الناس ويحميها من البرد والحر بحيث تستكن وتستقر وتستقل به ويكفي من ذلك ما يلبي حاجتها كغرفة جيدة الحال مع مطبخ وبيت خلاء إلا أن تكون الزوجة اشترطت سكناً أكبر من ذلك حال العقد، وليس له أن يوجب عليها أن تأكل مع أحدٍ من أحمائها. وتوفير المسكن يكون على قدر طاقة الزوج بحيث يليق عُرفا بحال الزوجة ومستواها الاجتماعي.
أ. قال ابن حزم رحمه الله:
ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [سورة الطلاق / 6] . أ. هـ. " المحلى " (9/ 253) .
ب. وقال ابن قدامة رحمه الله:
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى {أسكنوهن …} ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى، قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع. أ. هـ. " المغني " (9 / 237) .
ج. قال الكاساني رحمه الله:
ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربها، فأبت ذلك عليه: فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا … ولكن لو أسكنها في بيت من الدار _ (أي في غرفة) _ وجعل لهذا البيت غِلقاً على حدة كفاها ذلك وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال أ. هـ "بدائع الصنائع " (4 / 23) .
د. قال ابن قدامة أيضاً:
وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً لأن عليهما ضرراً، لما بينهما من العداوة والغيرة، واجتماعهما يثير المخاصمة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى (أي: جامعها) أو ترى ذلك. فإن رضيتا بذلك (أي بالسكن في مسكن واحد) جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه. أ. هـ. " المغني " (8 / 137) .
وليس مراده رحمه الله أن يعاشر الواحدة تحت بصر الأخرى وسمعها الأخرى وإنما قصده بيان جواز سكنهما في بيت واحد، بحيث يأتي كل واحدة منهما في ليلتها في مكان من المسكن لا تراهما الأخرى.
وإذا جعل كل زوجة في جناح من البيت فيه مكان للنوم والخلاء والطّبخ كان ذلك كافيا وكذلك لو جعل كلّ واحدة في دور مستقل أو شقة مستقلة.
قال الحصكفي رحمه الله - من الأحناف -: وكذا تجب لها السكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها بقدر حالهما كطعام وكسوة وبيت منفرد من دار له غلق ومرافق ومراده لزوم كنيف (أي: بيت خلاء) ومطبخ كفاها لحصول المقصود.أ. هـ.
وعلق ابن عابدين فقال: والمراد من (الكنيف والمطبخ) أي: بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت (أي: الغرفة) أو في الدار لا يشاركهما فيهما أحد من أهل الدار.أ. هـ
"الدر المختار " (3 / 599 - 600) .
قلت: ومما يدل على أن المراد بالبيت: "الغرفة " قول الكاساني رحمه الله: ولو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا: إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر.أ. هـ.
"بدائع الصنائع " (4 / 34) .) .
وعلى هذا فيجوز له أن يسكنك في غرفة من البيت يتبعها مرافقها إذا لم تكن هناك فتنة أو خلوة بأحد ممن لا تحرمين عليهم وكانوا في سن البلوغ، وليس له أن يجبرك على العمل لهم في المنزل أو أن تأكلي وتشربي معهم، وإذا استطاع أن يوفّر لك سكنا منفصلا عن سكن أهله تمام فهذا أحسن بالنسبة لكِ ولكن وإذا كان والداه كبيرين يحتاجان إليه وليس لهما من يخدمهما ولا يُمكن خدمتهما إلا بالسّكن بجوارهما فيجب عليه ذلك.
وأخيراً: ندعوك أيتها الأخت المسلمة إلى التحلّي بالصبر والعمل على إرضاء الزوج ومساعدته ما أمكن في برّ أهله حتى يأتي الله بالفرج والسّعة، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1149)
طلبت منه أن يطلقها إذا تزوج عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي وأنا تناقشنا حول موضوع رغبتي في الزواج مرة أخرى، وقد طلبت مني زوجتي أن أطلقها إذا أقدمت على فعل ذلك ونحن مسلمان وقد تزوجنا بعقد اسلامي ولم تشترط عليّ في العقد عدم الزواج بأخرى فهل يجوز لها أن ترفض وتحرم ما حلله الله وأباحه، إن زوجتي مسلمة ملتزمة وهي ترغب في إجابة مقرونة بالدليل من الشرع والسنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الرجل قادراً على الزواج من أخرى بدنياً ومالياً واستطاعة للعدل وله رغبة فإنه يشرع له ذلك لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع..) ، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولكن غير النبي لا يجوز له أن يزيد على أربع.
ومعلوم أن من طبيعة المرأة الغيرة من أن يشاركها في زوجها غيرها من النساء، وهي غير ملومة على وجود هذه الغيرة، فإن الغيرة موجودة في خيار النساء الصالحات من الصحابيات بل ومن أمهات المؤمنين، لكن يجب ألا تحملها الغيرة على الاعتراض على ما شرعه الله تعالى، بل يشرع لها أن لا تمانع في ذلك، وأن تسمح لزوجها بالزواج فإن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، وفي الحديث المتفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)
وليس رضا الزوجة الأولى شرطاً في جواز التعدد، وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن ذلك فأجابت بما نصه: (ليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى، لكن من مكارم الأخلاق وحسن العشرة أن يطيّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول، وبما تيسر من المال إن احتاج الرضى إلى ذلك) أ. هـ
وأما طلبها الطلاق إذا أقدمت على الزواج فخطأ لكن يُنظر فإن كانت لا تطيق بحال العيش مع زوجة أخرى فلها أن تختلع، وإن كانت تستطيع العيش لكنها تجد ألماً وتضيق بذلك فالواجب عليها أن تصبر ابتغاء وجه الله، روى ثوبان رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني رحمه الله.
فإن صبرت فإن الله تعالى يعينها ويشرح صدرها ويعوضها خيراً، وعلى الزوج أن يكون عوناً لها بحسن عشرته وجميل معاملته ويشاركها بالصبر بصبره على ما يصدر منها والعفو عن زلاتها، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الله الحيدري.(6/1150)
هل يجوز للرجل أن يرى زوجته وهي تلد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يحضر الرجل ويشاهد زوجته وهي تلد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
نعم يجوز له حضور ولادتها لأن الزوج يجوز له رؤية جسد زوجته كله دون استثناء لما رواه أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلانِ مِنْ إِنَاءٍ واحد مِنْ الْجَنَابَة رواه البخاري 264
فلا بأس للرجل من حضورة ولادة زوجته ما لم يكن هناك تكشّف من نساء أجنبيات أخريات في المكان والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1151)
هددها زوجها بالطلاق إذا غطت وجهها أو شعرها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجها يريد أن يطلقها لأنها تغطي الوجه، وأخرى هددها حقيقة بإيقاع الطلاق إذا غطت الشعر، ويعيشون في الخارج، فهل هذا إكراه يبيح لها الكشف في الحالة الأولى أو الثانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
إن كانت هذه الطلقة هي الثالثة فنعم لأنه ليس فيها رجعة فتكون الزوجة حينئذ مكرهة، وأما إن كانت الأولى أو الثانية فلا تستجيب له وسيكون هو أول من يندم، ولتستمر بتغطية الوجه والشعر، ونسأل الله لها الثبات وللزوج الهداية. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1152)
يصعب عليها أن تطلب منه الاقتراب منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وزوجي رجل عظيم والحمد لله لكن أعتقد أنه لا يعطيني كل حقوقي فأنا الآن مريضة وطلبت منه أن يأخذني إلى الطبيب وأخبرته أنني ربما أكون حاملاً وربما يتضرر الطفل فقال: إن هذا بيد الله (وأوافق على هذا) لكن أليس علينا أن نفعل ما ينبغي علينا فعله؟ وهناك شيء آخر أنه لا يجوز أن أخرج بدونه مما يعني أنني لا أستطيع الذهاب إلى الطبيب بمفردي. وبعد 8 أيام من فترة عجيبة كنت أشعر فيها بالألم أخذني -أخيراً- إلى الطبيب.
أمر آخر: وهو أنني عندما أقترب منه على السرير لحاجتي إليه يغضب ويقول إن امرأة من الوطن (يعني دولة عربية) لا يمكن أن تفعل هذا. أردت أن أسأل عن هذا في حلقة علم عندنا لكن أخشى أن يعرف زوجي. فأرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الزوج ان يراعي هذه الأمور عند زوجته، لكن ينبغي أن نكون دائما واقعيين وأن يتحمل كل منا سلبيات وأخطاء صاحبه، كما قال عليه الصلاة والسلام: " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر ".
أما ما يتعلق بالشق الثاني: فليس هناك من حرج شرعي في ما تذكرينه، بل من حق الزوجين جميعا ان يستمتع كل منهما بالآخر، وينبغي أن يراعي كل منهما هذا عند صاحبه، لكن جرت العادة أن المبادرة تكون من الزوج في مجتمعاتنا العربية لغلبة الحياء على النساء، وهذا أمر محمود. أرى أن تحاولي إقناع زوجك بأن العادات إذا لم يكن لها أصل شرعي فليس هناك من ضرورة للتمسك بها، لكن إذا لم تستطيعي إقناعه فمن مصلحتكما جميعا أن يراعي كل طرف صاحبه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(6/1153)
واجبات المرأة تجاه والد زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[حضر والد زوجي ليعيش معنا وهو مريض بالزهايمر وهذا يسبب الكثير من المشاكل والتوتر فما واجباتي نحوه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على المرأة أن تخدم والد زوجها أو أمه أو أحداً من أقاربه , وإنما هذا من باب المروءة إذا كانت في البيت أن تخدم والديه , أما أن تُلزم بذلك فلا يجوز لزوجها أن يلزمها بذلك، وليس واجبا عليها، والذي أدعو إليه أن تكون الزوجة صبورة في خدمة والد زوجها، ولتعلم أن ذلك لا يضرها بل يزيدها شرفا وتحببا إلى زوجها. والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين / فتاوى العلماء في عشرة النساء وحل المشكلات الزوجية/128.(6/1154)
ما هي حقوق الزوج وما هي حقوق الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق الزوجة على زوجها وفقا للكتاب والسنة؟ أو بمعنى آخر، ما هي مسؤوليات الزوج تجاه زوجته وبالعكس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته، وكذا العكس، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين.
وسنذكر - بحول الله - ما يتعلق بحقوق الزوجين بعضهما على بعض في الكتاب والسنة مستأنسين بشرح وأقوال أهل العلم.
أولاً:
حقوق الزوجة الخاصة بها:
للزوجة على زوجها حقوق مالية وهي: المهر، والنفقة، والسكنى.
وحقوق غير مالية: كالعدل في القسم بين الزوجات، والمعاشرة بالمعروف، وعدم الإضرار بالزوجة.
1. الحقوق الماليَّة:
أ - المهر: هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها، وهو حق واجب للمرأة على الرجل، قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} ، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته، وإعزاز للمرأة وإكراما لها.
والمهر ليس شرطا في عقد الزواج ولا ركنا عند جمهور الفقهاء، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه، فإذا تم العقد بدون ذكر مهر صح باتفاق الجمهور لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} فإباحة الطلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدل على جواز عدم تسمية المهر في العقد.
فإن سمِّي العقد: وجب على الزوج، وإن لم يسمَّ: وجب عليه مهر " المِثل " - أي مثيلاتها من النساء -.
ب - النفقة: وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة.
والحكمة في وجوب النفقة لها: أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب، فكان عليه أن ينفق عليها، وعليه كفايتها، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له.
والمقصود بالنفقة: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية، لقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) البقرة/233، وقال عز وجل: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) الطلاق/7.
وفي السنة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة - زوج أبي سفيان وقد اشتكت عدم نفقته عليها - " خذي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروف ".
عن عائشة قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". رواه مسلم (1218) .
ج. السكنى: وهو من حقوق الزوجة، وهو أن يهيىء لها زوجُها مسكناً على قدر سعته وقدرته، قال الله تعالى: (أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم) الطلاق/6.
2. الحقوق غير الماليَّة:
أ. العدل بين الزوجات: من حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته، إن كان له زوجات، في المبيت والنفقة والكسوة.
ب. حسن العشرة: ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها، لقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء/19، وقوله: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) البقرة/228.
وفي السنَّة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء ". رواه البخاري (3153) ومسلم (1468) .
وهذه نماذج من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم مع نسائه - وهو القدوة والأسوة -:
1. عن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة قالت حضت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفستِ؟ قلت: نعم، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة.
قالت: وحدثتني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة. رواه البخاري (316) ومسلم (296) .
2. عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو. رواه البخاري (443) ومسلم (892) .
3. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم يركع ثم سجد يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي وإن كنت نائمة اضطجع. رواه البخاري (1068) .
ج. عدم الإضرار بالزوجة: وهذا من أصول الإسلام، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى " أن لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه (2340) . والحديث: صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم.
انظر: " خلاصة البدر المنير " (2 / 438) .
ومن الأشياء التي نبَّه عليها الشارع في هذه المسألة: عدم جواز الضرب المبرح.
عن جابر بن عبد الله قال: قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ".
رواه مسلم (1218) .
ثانياً:
حقوق الزوج على زوجته:
وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) البقرة/228.
قال الجصاص: أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه.
وقال ابن العربي: هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها.
ومن هذه الحقوق:
أ - وجوب الطاعة: جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية، كما يقوم الولاة على الرعية، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية، وبما أوجب عليه من واجبات مالية، قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء/34.
قال ابن كثير:
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {الرجال قوامون على النساء} يعني: أمراء عليهن، أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.
وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك. " تفسير ابن كثير " (1 / 492) .
ب - تمكين الزوج من الاستمتاع: مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب، وذلك أن يسلمها مهرها المعجل وتمهل مدة حسب العادة لإصلاح أمرها كاليومين والثلاثة إذا طلبت ذلك لأنه من حاجتها، ولأن ذلك يسير جرت العادة بمثله.
وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري (3065) ومسلم (1436) .
ج - عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله: ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه،....". رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) .
وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن.
رواه الترمذي (1163) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (1851) .
وعن جابر قال: قال صلى الله عليه وسلم: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". رواه مسلم (1218) .
د - عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج: من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه.
وقال الشافعية والحنابلة: ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج، وله منعها من ذلك..؛ لأن طاعة الزوج واجبة، فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب.
هـ - التأديب: للزوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية؛ لأن الله تعالى أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن.
وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب، منها: ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها: ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة، ومنها: ترك الصلاة، ومنها: الخروج من البيت بغير إذنه.
ومن الأدلة على جواز التأديب:
قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) النساء/34.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) التحريم/6.
قال ابن كثير:
وقال قتادة: تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيتَ لله معصية قذعتهم عنها (كففتهم) ، وزجرتهم عنها.
وهكذا قال الضحاك ومقاتل: حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه.
" تفسير ابن كثير " (4 / 392) .
و خدمة الزوجة لزوجها: والأدلة في ذلك كثيرة، وقد سبق بعضها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.
" الفتاوى الكبرى " (4 / 561) .
ز - تسليم المرأة نفسها: إذا استوفى عقد النكاح شروطه ووقع صحيحا فإنه يجب على المرأة تسليم نفسها إلى الزوج وتمكينه من الاستمتاع بها ; لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض وهو الاستمتاع بها كما تستحق المرأة العوض وهو المهر.
ح- معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف: وذلك لقوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) البقرة/228.
قال القرطبي:
وعنه - أي: عن ابن عباس - أيضا أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن.
وقيل: إن لهن على أزواجهن ترك مضارتهن كما كان ذلك عليهن لأزواجهن قاله الطبري.
وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم.
والمعنى متقارب والآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية.
" تفسير القرطبي " (3 / 123، 124) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1155)
منع الحمل باستخدام اللولب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استعمال اللولب لمنع الحمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تركيب اللولب جائز بشرطين:
الشرط الأول: ألاَّ يكون فيه ضرر على المرأة.
الشرط الثاني: أن يأذن بذلك زوجها
ونودّ أن نذكِّر النساء أنه لا ينبغي للمرأة أن تفعل ما يمنع الحمل، لأن هذا خلاف المقصود الشرعي، بل الأولى أن تبقى على ما خلقها الله عليه من كثرة النسل، فإن في كثرة النسل مصالح عظيمة، ولا يضير الإنسان شيئاً لا في الرزق ولا في التربية ولا في الصحة.
أما لو أنها امرأة ضعيفة الجسم كثيرة الأمراض يضرها أن تحمل كل سنة ففي هذه الحالة تكون معذورة إذا تناولت ما يمنع الحمل ولا بد من إذن الزوج في استعمال ما يمنعه. وأن لا يكون في تناوله ضرر.
ولهذا كان المشروع أن يتزوج الإنسان المرأة الودود الولود، أي أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة حتى تتحقق بذلك مضاهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، ويحصل بذلك كثرة المسلمين ".
اختصار من فتوى الشيخ ابن عثيمين انظر فتاوى منار الإسلام ج/3 ص/784.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1156)
هل يجب على المرأة أن تطبخ الطعام لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الواجب على الزوجة أن تطبخ الطعام لزوجها؟ وإن هي لم تفعل، فهل تكون عاصية بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن جبرين: لم يزل عُرْف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور ونحوه كلٌّ بما يناسبه، وهذا عرف جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير، ولكن لا ينبغي تكليف الزوجة بما فيه مشقَّة وصعوبة، وإنما ذلك حسب القدرة والعادة، والله الموفق
انظر فتاوى العلماء في عشرة النساء ص 20
ويراجع جواب سؤال رقم 10680.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1157)
حكم منع الحمل بالربط
[السُّؤَالُ]
ـ[سوف ألد طفلي الرابع قريباً بولادة قيصرية بسبب مشاكلي الصحية وقد ولدت أطفالي الثلاثة السابقين قيصرياً وهناك مخاطر على صحتي وقد نصحني أهلي والأطباء بعمل ربط للأنابيب لكي لا أنجب ثانية. زوجي ليس لديه مانع إذا كان هذا يجوز شرعاً وأنا كذلك. فهل هذا جائز؟ أرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله قريبا من هذا السؤال فأجاب:
لا حرج في هذه العملية المذكورة، إذا قرَّر الأطباء أن الإنْجَاب يضرها، بعد سماح زوجها بذلك
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى المراة المسلمة 2/978.(6/1158)
الإجراءات الشرعية عند تمرد الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل الزوج إذا تمردت زوجته عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة: (وإن خاف الرجل نشوز امرأته) بأن تظهر منها أمارات النشوز بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة فإنه (يعظها) ويخوفها الله سبحانه ويذكر لها ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها بذلك من الإثم وما يسقط عنها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها فهجرها لقوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) سورة النساء/34، (فإن أصرت وأظهرت النشوز والامتناع من فراشه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء) لقوله سبحانه: (وأهجروهن في المضاجع) النساء/35، (فإن أصرت فله أن يضربها ضرباً غير مبرح) لقوله سبحانه: (واضربوهن) ، (فإن خيف الشقاق بينهما) يعني علم (بعث الحاكم حكماً من أهله وحكماً من أهلها مأمونين يجمعان إن رأيا أو يفرقان، فما فعلا من ذلك لزمهما) وذلك أن الزوجين إذا خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين، والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما وتوكيلهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع، فما فعلا من ذلك لزمهما، والأصل فيه قوله سبحانه: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) .
[الْمَصْدَرُ]
العدة في شرح العمدة لابن قدامة للمقدسي ص 481.(6/1159)
هل يلزمها أن تطيع والدة زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدا زوجي دائما يتدخلان في حياتنا الخاصة، خصوصا والدته وأخواته. وزوجي رجل راشد لكنه لا يملك استقلالا في شخصيته مطلقا؟ أرجو أن تخبرني عن حقوق والدته وأخواته علي. فقد أخبرتني والدته بأن لها الآن مزيدا من الحقوق، وأن أهلي ليس لهم أي حقوق علي. وأن علي أن أحصل على موافقتها على أي شيء أو للذهاب إلى إي مكان. أنا أعلم أن علي أن استأذن زوجي، وأنا أفعل ذلك. لكني لا أظن أن لها الحق في إخباري كيف أسير أمور بيتي. أرجو أن توضح لي هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما عن حق والدة زوجك وأخواته، فلهم حق المعاملة الحسنة، بصلتهم وبرهم والإحسان إليهم بقدر الطاقة.
أما ما تزعمه أم زوجك من أنك يجب عليك أخذ موافقتها في كل شيء فهذا ليس بصحيح، ولم يذكره العلماء في حقوق الزوج على زوجته، وإنما الواجب عليك هو ما ذكرتِ من طاعة زوجك، واستئذانه، ما لم يأمر بمعصية. على أنه لا يمتنع أن تستفيدي من تجربة أم زوجك، وتستفيدي من نصائحها إذا كانت مفيدة، كما أنك لو صبرت على بعض ما ينالك من الضيق إكراماً لزوجك، فهذا فعل حسن تؤجرين عليه إن شاء الله.
وأما قولها أن أهلك ليس لهم حقوق عليك فهذا ليس بصحيح، بل لا يزال لهم حق الصلة والبر والإحسان، والزيارة بين الفينة والأخرى خصوصا الوالدين. فحقهم يلي حق زوجك عليك.
نسأل الله أن يؤلف بين قلوبكم، ويلهمكم رشدكم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1160)
مسؤولية الرجل في تربية زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تزوج مسلم بمسلمة، لكنه لم يقم تجاهها بما أوجبه الله عليه وما ورد في القرآن، ونتج عن ذلك أن تركت المذكورة الدين، وهي الآن لا تتحجب وقد تكون قد تخلت عن تطبيق شعائر الدين بالكلية.
وسؤالي هو: ما هي نتائج أعمالهما، ومن سيتحمل نتائجها في النهاية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد، يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
وعَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " رواه البخاري (7138) ومسلم (1829) .
فمِن هذين النَّصين يتضح جليّاً أن الرجل مسؤول عن أهله فيما يتعلق بتربيتهم على معاني الإسلام بل والأخذ على أيديهم بالقوة عند الحاجة وتحقق المصلحة من استخدام هذا الأسلوب، وأن الله سيحاسب كل راعٍ عما استرعاه فمَن فرَّط في تربية أهله وأولاده فلا شك أنه على خطر عظيم، بل قد ورد في حقه الوعيد الشديد الذي تقشعر له الأبدان، ففي صحيح البخاري (7151) وصحيح مسلم (142) من كتاب الإمارة عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزنِيَّ رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ".
فمسؤولية الرجل تجاه أهله عظيمة ينبغي عليه أن يتقي الله في القيام بها على أكمل وجه مع التزام الدعاء للنفس والأهل بالهداية والتوفيق.
أما ما يتعلق بالزوجة فإنها مكلفةٌ أيضاً ومسؤولة عن أعمالها فإن التكاليف الشرعية لازمة لرجال الأمة ونسائها إلا ما استثنته الشريعة ففرقت بينهما في بعض الأحكام كتفضيل صلاة المرأة في بيتها على الصلاة في المسجد صيانة لها من الاختلاط بالرجال، ولذا ورد في سنن الترمذي (113) وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن النساء شقائق الرجال " صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1 / 35) .
وفي الحديث السابق أن المرأة راعية أيضا ومسؤولة عن رعيتها والله تعالى يقول: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21 ويقول: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) مريم/95.
إذن فالمسؤولية فردية وسيحاسب كل شخص لوحده فالشاب الذي بلغ إذا ضل بسبب سوء تربية والده له وكان قد بلغه الإسلام فإنه لا عذر له؛ لأن الله أعطاه عقلاً وكلَّفه بمقتضى هذا العقل؛ وإن كان والده محاسباً على تقصيره في تربيته، وكذلك الزوجة من باب أولى، فالواجب على الزوجة أن تتقي ربها وأن تشكر نعمة الله عليها بأن ميزها عن سائر الكفار بنعمة الإسلام فتقوم لله بحقه بأداء الواجبات والكف عن المحرمات ولتعلم أن الموت يأتي بغتة وأن وراء الموت حساباً وسؤالاً ووراء هذا إما جنة فنعيم مقيم وراحة أبدية لا تنتهي، وإما نار تلظى تذيب الجبال الرواسي، والصخور الصلاب فكيف بأبداننا الضعيفة، نسأل الله النجاة منها.
وأما أنت يا أخي فالواجب عليك التوبة النصوح، فإن الذنب مهما عَظُم؛ فتاب منه صاحبه واستجمع شروط التوبة قبلها الله منه، ثم أقبِل على تربية زوجك مستخدماً في ذلك أسلوب التدرج سالكاً الرفق مستصحباً الحكمة، طالباً من الله التوفيق والعون، راجع السؤال رقم (10680) لتستزيد حول هذا الموضوع.
والله ولي التوفيق،،،
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1161)
نفرت منه ولا تريد مباشرته في الفراش
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب زوجتي، لكنها قالت بأنها لا تحبني. إنها لا تريد الجماع. لقد مارسنا الجنس بالفم في بداية زواجنا. وهي الآن ترى بأن تلك الممارسة نجس. ولذلك، فقد أعرضت عن الجنس تماما. وقد اتفقنا على أنه كي أتمكن من إشباع حاجاتي، فإن علي أن أتزوج بغيرها. لكن عملي خفض من راتبي بشكل كبير. وأنا أخاف أن أغضب الله إن أنا طلقتها. فهل يجوز لي أن أتزوج بامرأة توافق على رفع بعض مسؤولياتي المالية (تجاهها) إلى أن أتمكن من الإنفاق عليهما معا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن تعلم أنه لا يجوز لك أن تجبر زوجتك على ممارسة شيء مستقذر أو يؤدي إلى دخول النجاسة إلى الجوف وأن تسلك في مباشرتها السبيل الطبيعي، وعلى زوجتك أن تعلم بأنه لا يجوز أن تترك فراش زوجها إذا دعاها إلى أمر مشروع وإلى تلبية حق من حقوقه وهو الاستمتاع لها بما أباح الله، ولا يجوز للزوجة الامتناع عن فراش زوجها بدون عذر شرعي كأن تكون حائضاً أو نفساء، وقد جاء الوعيد الشديد للمرأة التي تمتنع عن زوجها والأحاديث في ذلك كثيرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (بدء الخلق/2998) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ) رواه البخاري (النكاح/4795) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1162)
حكم منع الحمل بالربط لغير الضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني امرأة عمري 36 سنة وعندي 6 أطفال وحامل في السابع وأريد أن أعرف إن كان يحل لي أن أربط أنابيب المبيض حتى لا يتم التبويض لفترة؟ إنني أعلم أني لا أستطيع أن أمنع إرادة الله لكني أريد فقط أن أنزل وزني فأنا أزن 250 رطلاً (حوالي 113 كيلو) وكلما قمت بالحمية لفقد الوزن حملت طفلاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز العلاج لقطع الحمل أو إيقافه إلا عند الضرورة إذا قرر الأطباء (المعتَبَرون) أن الولادة تُسَبِّب إرهاقاً أو تزِيدُ في المرض، أو يُخَاف من الحمل أو الوضع الهلاك خَوْفاً غالِباً، ولا بد في ذلك من رضا الزوج وموافقته على القَطْعِ أو الإيقاف، ثم متى زال العُذْرُ أعيدت المرأة إلى حالتها الأولى.
فتاوى المرأة المسلمة 2/977.
وحيث أن تَخْفِيفَ الوَزْنِ لا يصل إلى دَرَجة الضَّرورة المذكورة، فلا يَنْطَبِقُ عليه نفس الحكم، لاسيما إن كانت عملية الربط هذه تتطلب كشفاً للعورة، ومباشرة لها من قبل الطبيبة وأشد منه إن كان يجريها طبيباً فإن هذا يكون سبباً آخر للمنع.
ولكن، عليكِ باتباع هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم عليه في الطعام قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِه) . رواه الترمذي (الزهد/2303) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم 1939.
وعليك أيضاً ببعض الوسائل المباحة، كالعزل أثناء الجماع مثلا، فالصحيح من أقوال أهل العلم في العَزْلِ بدون سبب أنه لا بأس به، لحديث جابر: (كنا نَعْزِلُ والقرآن يَنْزِلْ) رواه البخاري (النكاح/4808) ، والله أعلم.
فتاوى المرأة المسلمة 2/658
ولعل ما يقدره الله لك من الأبناء أن يكون خيراً لك مما تظنين فيكون لك نعم الذخر خاصة في الكبر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1163)
زوجها لا يشبع رغبتها الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة في تعاملي مع زوجي، أعلم بأنني يجب أن أذهب لغرفته إذا دعاني حتى وإن لم أكن بحالة نفسية جيدة، وأعلم أن الكذب شيء دنيء، ولكن إرضاء زوجي هو أعظم ما أريد.
هل يجوز أن أتظاهر بأنني أشبعت رغبتي معه؟ هذه مشكلة تواجهني ولا أريد أن أكذب ولا أريد أن أحرج زوجي بأنه لا يستطيع أن يشبع رغبتي الجنسية.
هذا التظاهر لا أستطيع أن أتوقف عنه ومصارحته قد تحرجه، فأرجو أن تساعدني وأن لا تنساني من دعائك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خيرا على صبرك، وتلبية رغبة زوجك امتثالا لأمر ربك.
وعلاج ما ذكرت يكون بالمصارحة، وهي لا تعني إحراج الزوج ولا اتهامه بالضعف، فإن هذه المشكلة تعود في كثير من الأحيان إلى عدم شعور الزوج بوجود المشكلة أصلاً وليس إلى ضعفه أو عجزه جنسياً، فقد يقدم الزوج على الجماع ويترك بعض الأمور التي ينبغي له فعلها، والتي من شأنها أن تشبع حاجة المرأة، ولعلك تستعينين ببعض الكتب المعنية بتوضيح أسس العلاقة واللقاء بين الرجل والمرأة، ككتاب: تحفة العروس، لمؤلفه محمود مهدي استامبولي.
والحاصل أنه لا مانع من محاورة الزوج في هذا الأمر، وإرشاده إلى قراءة ما يتصل بذلك. وهذه المصارحة خير من المعاناة في شيء قد يكون علاجه سهلا ميسرا.
وهذا لا يعفي المرأة من المشاركة في المسئولية، فإن عليها ما ينبغي أن تفعله، من التزين لزوجها والتودد له، وترغيبه في معاشرتها.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1164)
منع والدي الزوج المرأة من زيارة أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق لوالدي الزوج أن يمنعا زوجة ابنهما من الذهاب إلى أهلها لقضاء بعض الوقت معهم وأن تقضي فترة من الوقت للراحة وهي بينهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الزوجة إنما هو طاعة زوجها، وهو الذي يلزمها طاعته، فإذا وافق الزوج على زيارتها لأهلها، فلا عبرة بعدم رضا أبويه.
لكن ينبغي للمرأة أن تحرص على رضا والدي زوجها، ومعاملتهم بالتي هي أحسن، وعدم مواجهتهم، وهذا له أثر كبير في استقرار حياتها مع زوجها.
وينبغي أن تعلمي أن والدي زوجك ربما ضايقاك لما يريان من أنك أخذت فلذة كبدهما، فينبغي أن تعالجي الأمر بحكمة وأن لا تكوني سبباً لإحداث الخلاف والشقاق بين زوجك ووالديه بل احرصي أن تكوني عوناً لزوجك على طاعة والديه وبرهما، وستجدين عاقبة ذلك بإذن الله في ذريتك.
وعليك بالرفق بهما، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وإذا رأيت منهم ما يسيء إليك فتذكري قول الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت /34.
للمزيد انظر المغني: (7/225) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1165)
إنما الطاعة في المعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تتصرف المرأة إذا هددها زوجها بالطلاق إن هي لم تفعل أمرا محرما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن نعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) وليس من المعروف فعل المحرم، بل هذا من المنكر فعلى الزوجة إذا هددها زوجها أن تفعل محرماً، وإن لم تفعل فإنه سيطلقها عليها أن تعنى بمناصحته وتخويفه وبيان أن هذا محرم، ولا يجوز وبيان الأدلة على ذلك، فالسائلة لم تفصح عن هذا المحرم ما هو وما هي درجة التحريم، فالأحسن أن تبين ماهو المحرم لكي يكون الجواب واضحاً، ولكن الأصل أنه لا يُفعل ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأن على هذه المرأة أن تمتنع من فعل المحرم، لأن طاعة الله مقدمة على طاعة زوجها، وعليها أن تجاهد وأن تحتسب، وأن تلجأ الى الله عز وجل، وتكثر من الدعاء والتضرع بأن يهدي الله زوجها، وأن يصرفه عن مثل هذا العمل، فإن الدعاء سلاح عظيم، والله عز وجل لا يخيب سائلا سأله.
وأيضاً إن كان بإمكانها أن تشتري له شيئا من الكتب أو الأشرطة، وأن تستعين بعد الله عز وجل بأحد أقاربها، أو من طلبة العلم في مدينتها، أو إمام المسجد ونحو ذلك في مناصحة زوجها وتوجيهه وتخويفه بالله عز وجل، وترغيبه وأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الدكتور خالد المشيقح(6/1166)
هل للرجل أن يمنع زوجته من الاعتكاف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حق زوجها منعها من الاعتكاف؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تعتكف إلا بإذن زوجها، لأن اعتكافها في المسجد يفوت حق الزوج.
فإن أذن لها فله الرجوع في الإذن وإخراجها من الاعتكاف.
قال ابن قدامة (4/485) :
وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ إلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. . . فَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ لَها , ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَها مِنْهُ بَعْدَ شُرُوعِها فِيهِ , فَلَه ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. . . فَإِنْ كَانَ مَا أُذِنَ فِيهِ مَنْذُورًا , لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُا مِنْهُ ; لأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ , وَيَجِبُ إتْمَامُهُ , فَيَصِيرُ كَالْحَجِّ إذَا أَحْرَمَت بِهِ اهـ بتصرف.
وقد دلت السنة على جواز منع الرجل امرأته من الاعتكاف إلا بإذنه.
روى البخاري (2033) ومسلم (1173) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ.
وفي رواية للبخاري: (فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَة فَأَذِنَ لَهَا , وَسَأَلَتْ حَفْصَة عَائِشَة أَنْ تَسْتَأْذِن لَهَا فَفَعَلَتْ) .
قال النووي:
(نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَة فَقَالَ: الْبِرّ يُرِدْنَ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ)
(قُوِّضَ) أَيْ: أُزِيلَ.
(الْبِرّ) أَيْ: الطَّاعَة.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلام إِنْكَارًا لِفِعْلِهِنَّ , وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ , كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ , قَالَ: وَسَبَب إِنْكَاره أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْر مُخْلِصَات فِي الاعْتِكَاف , بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْب مِنْهُ ; لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ , أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ , فَكَرِهَ مُلازَمَتهنَّ الْمَسْجِد مَعَ أَنَّهُ يَجْمَع النَّاس وَيَحْضُرهُ الأَعْرَاب وَالْمُنَافِقُونَ , وَهُنَّ مُحْتَاجَات إِلَى الْخُرُوج وَالدُّخُول لِمَا يَعْرِض لَهُنَّ , فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ , أَوْ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُنَّ عِنْده فِي الْمَسْجِد وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِله بِحُضُورِهِ مَعَ أَزْوَاجه , وَذَهَبَ الْمُهِمّ مِنْ مَقْصُود الاعْتِكَاف , وَهُوَ التَّخَلِّي عَنْ الأَزْوَاج وَمُتَعَلِّقَات الدُّنْيَا وَشِبْه ذَلِكَ ; أَوْ لأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِد بِأَبْنِيَتِهِنَّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِصِحَّةِ اِعْتِكَاف النِّسَاء ; لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَذِنَ لَهُنَّ , وَإِنَّمَا مَنَعَهُنَّ بَعْد ذَلِكَ لِعَارِضٍ , وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْع زَوْجَته مِنْ الاعْتِكَاف بِغَيْرِ إِذْنه , وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاء كَافَّة , فَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَهَلْ لَهُ مَنْعهَا بَعْد ذَلِكَ؟ فِيهِ خِلاف لِلْعُلَمَاءِ , فَعِنْد الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد لَهُ مَنْعها وَإِخْرَاجهمَا مِنْ اِعْتِكَاف التَّطَوُّع اهـ.
وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْرُهُ: فِي الْحَدِيث إِنَّ الْمَرْأَة لا تَعْتَكِف حَتَّى تَسْتَأْذِن زَوْجهَا وَأَنَّهَا إِذَا اِعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا , وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ أَنَّ يَرْجِعَ فَيَمْنَعَهَا. وَعَنْ أَهْل الرَّأْي إِذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَنَعَهَا أَثِمَ بِذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ , وَعَنْ مَالِك لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ , وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ اهـ من "فتح الباري".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1167)
نشر أسرار الزوجية، والزواج بنية الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من رجل منذ عدة سنوات وكنت على علاقة به قبل الزواج وتبنا إلى الله من هذا، قام مرتين بتزوج امرأة ثانية، وفي الحالتين كان زواجه لأجل الشهوة، المشكلة أنه يكشف أسراراً قديمة (مع أنني أعلم بأن المسلم يجب أن لا يكشف الأسرار الماضية) ، تزوج عدة مرات قبل الإسلام، والآن هو يستعمل الإسلام كتبرير لأفعاله (تعدد الزواج) ، يقول بأنه يحبني ولكنني أعتقد بأنه اعتاد عليَّ وعلى أخلاقي ولكنه لا يعامل الزوجة الثانية كما يعاملني، ويقول لي عن زوجته الثانية أشياء كثيرة لا أريد أن أسمعها.
كلا الزواجين تمَّا بطريقة سرية ومشبوهة، قال مرة بأنه يريد أن يتزوج امرأة أخرى وأن الإسلام يبيح هذا، ولكنه يتزوج لغرض التغيير لفترة معينة، هل يجوز له أن يتزوج ويطلق متى شاء؟ ليس لدينا أطفال فهل يجوز لي أن أطلب الطلاق لأنني لا أستطيع أن أستمر في هذه الحال كما أنني أفقد حب زوجي ورغبتي فيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على الزوجين حفظ أسرار الزوجية وخاصة ما يتعلق بالجماع والفراش، فهي أمينة على أسراره وهو أمين على أسرارها.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الرجال فقال: هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلتُ كذا، فعلتُ كذا؟ قال: فسكتوا، قال: فأقبل على النساء، فقال: هل منكن من تحدث؟ فسكتنَ، فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثنه، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيتْ شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه.
رواه أبو داود (2174) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (7037) .
ثانياً:
وأما زواج زوجك فإن كان ذلك لغرض " التغير " كما تقولين فهذا هو " الزواج بنية الطلاق " وهو غش للمرأة وأوليائها.
قال الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله -:
هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع " المتعة " يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إياه يعد خداعاً وغشّاً، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات، وما لا يشترط فيه ذلك يكون على اشتماله على ذلك غشّاً وخداعاً تترتب عليه مفاسدَ أخرى من العداوة والبغضاء وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته وهو إحصان كل من الزوجين للآخر وإخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة.
نقلاً عن " فقه السنَّة " للسيد سابق (2 / 39) .
وللشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – كلام مشابه في تحريم هذا الزواج.
قال – رحمه الله -:
ثم إن هذا القول – أي: القول بالجواز - قد يستغله ضعفاء الإيمان لأغراض سيئة كما سمعنا أن بعض الناس صاروا يذهبون في العطلة أي في الإجازة من الدروس إلى بلاد أخرى ليتزوجوا فقط بنية الطلاق، وحكي لي أن بعضهم يتزوج عدة زواجات في هذه الإجازة فقط، فكأنهم ذهبوا ليقضوا وطرهم الذي يشبه أن يكون زنى والعياذ بالله.
ومن أجل هذا نرى أنه حتى لو قيل بالجواز فإنه لا ينبغي أن يفتح الباب لأنه صار ذريعة إلى ما ذكرت لك.
أما رأيي في ذلك فإني أقول: عقد النكاح من حيث هو عقد صحيح، لكن فيه غش وخداع، فهو يحرم من هذه الناحية.
والغش والخداع هو أن الزوجة ووليها لو علما بنية هذا الزوج، وأن من نيته أن يستمتع بها ثم يطلقها ما زوَّجوه، فيكون في هذا غش وخداع لهم.
فإن بيَّن لهم أنه يريد أن تبقى معه مدة بقائه في هذا البلد، واتفقوا على ذلك: صار نكاحه متعة.
لذلك أرى أنه حرام، لكن لو أن أحداً تجرَّأ ففعل: فإن النكاح صحيح مع الإثم.
" لقاء الباب المفتوح " (سؤال 1391) .
أما لو كان زوجك بنية الاستمرار في الزواج وليس عنده نية الطلاق، غير أنه يحدث ما يكون سبباً للطلاق فهذا لا حرج عليه فيه.
ثالثاً:
وأما زواجه بطريقة سرية فإن كان ذلك بحضور ولي المرأة والشاهدين وتم العقد على ذلك فالعقد صحيح، وأما إذا كان ذلك يتم من غير ولي المرأة أو من غير حضور شاهدين فالعقد غير صحيح.
انظر الأسئلة (7989) و (2127)
رابعاً:
ننصح زوجك أن يتقي الله عز وجل في أهله، وأن يتقيه في أعراض الناس، وليعلم أنه لا يحل له مثل هذا العبث، فالزواج مودة وسكن ورحمة، فلا ينبغي جعله فقط لأجل قضاء الشهوة ثم تُترك المرأة في حسرتها.
كما ننصحك أن تتلطفي في الإنكار على زوجك، وأن تحافظي على استقرار البيت، وأن تتحري في صحة ما ذكرتيه عنه من مقاصده ونيته في تعدد زواجه وما لم يعجبك منه، واعلمي أن غيرة المرأة من وجود من يشاركها في زوجها قد تدعوها لتضخيم بعض ما يكون يسيراً، وقد تساعد وساوس الشيطان في ذلك من أجل زعزعة استقرار الأسر المسلمة.
فانظري إلى الأمر بشيء من التعقل خاصة في مسألة نيته التي ليس لك إطلاع عليها، واسألي الله أن يريك الأمر على حقيقته واستخيري ربك في الاستمرار معه أو طلب الفراق منه، وتأملي حالك إن تم الطلاق وما سيوؤل إليه حتى تعلمي هل الأفضل لك الفراق أم البقاء مع الصبر، فإن تعذر عليك القدرة على تحمله بسبب ما ذكرتيه فإن لك طلب الفراق منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1168)
هل يستأذن الرجل زوجته في صوم التطوع كما هو الحال معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[المرأة تستأذن زوجها في أن تصوم، أعني في غير شهر رمضان؛ وذلك لأنه من حقه أن يأتيها متى يشاء، ومن الواجب عليها أن تطيعه، فهل لها هي الأخرى حق بأن يستأذنها في أن يصوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة أن تصوم تطوعاً وزوجها شاهد إلا بإذنه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) . رواه البخاري (5195) ومسلم (1026) .
ولفظ أحمد (9812) : (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ يَوْمًا وَاحِدًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ إِلا رَمَضَانَ) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1052) .
قال النووي:
هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي. " شرح مسلم " (7 / 115) .
ثانياً:
وأما سبب ورود النهي للمرأة دون الرجل فيمكن استنباط الحكمة من ذلك:
1- حق الزوج على زوجته آكد من حقها عليه، فلا يصح قياس الزوج على الزوجة في هذا.
قال ابن قدامة في "المغني" (7/223) :
" وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/144) :
" وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ حَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْجَبَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ , حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا لأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا) " انتهى.
2- أن الزوج – غالباً – هو الطالب للجماع، والمرأة هي المطلوبة، فالأكثر والأغلب أن تكون الرغبة منه إليها، فناسب أن تستأذنه قبل صيام النفل، إذ قد تكون له رغبة في جماعها.
3- شهوة الرجال أكبر وأعظم من شهوة النساء، ولذا أبيح للرجل الزواج من أربع نسوة، وليس هذا الأمر في النساء ولا لهن، ولذا – أيضاً – كان صبر الرجال على ترك الجماع أضعف من صبر النساء، ولذا جاء الاستئذان لهن، وجاء الوعيد لهن في امتناعهن من الجماع في حال دعوة الزوج لهن.
ومناسبة الحديث تؤيد هذه الحكمة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن صيام النفل لما اشتكى زوج امرأة عليها أنه يرغب بجماعها وهي تكثر الصوم فيتعطل حقه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ، وَلا يُصَلِّي صَلاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ. قَالَ: فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا قَوْلُهَا: يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُهَا. قَالَ: فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ سُورَةً وَاحِدَةً لَكَفَتْ النَّاسَ. وَأَمَّا قَوْلُهَا: يُفَطِّرُنِي، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلا أَصْبِرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: لا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهَا: إِنِّي لا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ، لا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ.
رواه أبو داود (2459) . والحديث: صححه ابن حبان (4 / 354) ، والحافظ ابن حجر في " الإصابة " (3 / 441) ، والألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) .
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
ومن حقوقه عليها: أن لا تعمل عملا يضيع عليه كمال الاستمتاع حتى لو كان ذلك تطوعاً بعبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه) . " حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة " (ص 12) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعًا وزوجها شاهد إلا بإذنه؛ لأن له عليه حق العشرة والاستمتاع، فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه، فلا يجوز لها ذلك، ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 73، 74) .
4- القيام بحقوق الزوج، ورعاية المنزل، وتربية الأبناء واجبات على الزوجة، فقد يرى الزوج تعارضاً بين تلك الواجبات وصيامها للنفل، وهذا مشاهد من قبل النساء – بل وبعض الرجال – أنه إن صامت تكاسلت وفرَّطت في واجبات بيتها، ولذلك جعل الاستئذان في صيام النفل دون الواجب.
5- أن الزوج – في العادة – يخرج للعمل والتكسب، بخلاف المرأة التي عملها في بيتها، فلم يشرع استئذان الزوج لعدم الحاجة إليه، بخلاف المرأة التي تستأذن
وعلى كل حال: فأوامر الشرع ونواهيه كلها حكمة، ويجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا، والأصل اشتراك الرجال والنساء في الأحكام إلا ما فرَّق الله بينها لحكمة تتعلق بطبيعة خلقتها أو للابتلاء ليعلم المؤمن الصادق من غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1169)
الحكمة من منع المرأة من صيام النفل إلا بإذن زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من منع المرأة من صيام النوافل إلا بإذن من زوجها مع أن ذلك عبادة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (5191) ومسلم (1026) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) .
ولفظ أبي داود (4258) والترمذي (782) (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الحافظ:
(وَزَوْجهَا شَاهِد) أَيْ حَاضِر يعني: مقيم غير مسافر.
(إِلا بِإِذْنِهِ) يَعْنِي فِي غَيْر صِيَام أَيَّام رَمَضَان , وَكَذَا فِي غَيْر رَمَضَان مِنْ الْوَاجِب إِذَا تَضَيّقَ الْوَقْت. والحديث دليل عَلَى تَحْرِيم الصَّوْم الْمَذْكُور عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور.
وَفِي الْحَدِيث أَنَّ حَقّ الزَّوْج آكَد عَلَى الْمَرْأَة مِنْ التَّطَوُّع بِالْخَيْرِ , لأَنَّ حَقّه وَاجِب وَالْقِيَام بِالْوَاجِبِ مُقَدَّم عَلَى الْقِيَام بِالتَّطَوُّعِ اهـ باختصار وتصرف.
وقال النووي:
هَذَا مَحْمُول عَلَى صَوْم التَّطَوُّع وَالْمَنْدُوب الَّذِي لَيْسَ لَهُ زَمَن مُعَيَّن , وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابنَا , وَسَبَبه أَنَّ الزَّوْج لَهُ حَقّ الاسْتِمْتَاع بِهَا فِي كُلّ الاَيَّام , وَحَقّه فِيهِ وَاجِب عَلَى الْفَوْر فَلا يَفُوتهُ بِتَطَوُّعٍ وَلا بِوَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي , فَإِنْ قِيلَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوز لَهَا الصَّوْم بِغَيْرِ إِذْنه , فَإِنْ أَرَادَ الاسْتِمْتَاع بِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَيُفْسِد صَوْمهَا , فَالْجَوَاب: أَنَّ صَوْمهَا يَمْنَعهُ مِنْ الاسْتِمْتَاع فِي الْعَادَة ; لأَنَّهُ يَهَاب اِنْتَهَاك الصَّوْم بِالإِفْسَادِ اهـ.
وأما قول السائل: "مع أن الصوم عبادة ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"
فيقال: نعم، وليس ترك المرأة صوم النفل معصية، وإنما المعصية تركها صيام رمضان، ولذلك تصوم المرأة رمضان بدون إذن زوجها، كما دل عليه لفظ أبي داود والترمذي المذكور في أول الجواب.
وقُدِّم حق الزوج على صيام النفل لأن حقه واجب، وعند تزاحم العبادات يقدم الأهم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1170)
زوجها لا يجامعها إلا مرة كل أربعة أشهر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التحية تقول أن لديها سؤال يتعلق بحقوق المرأة في الإسلام، تقول إذا كان الزوج لا يقوم بمعاشرة زوجته إلا بعد أربعة أشهر (كقاعدة ثابتة) وهذا لا يشبع رغبة المرأة فهل هنالك أي حل إسلامي يتعلق بهذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل لا شك أنه خطأ وأنه خلاف العشرة الزوجية والله عز وجل يقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء / 19، ويقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة / 228، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله " رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ويترتب على ذلك أنه يجب على الزوج أن يعاشر زوجته بما يكفي حاجتها، وليس من المعاشرة بالمعروف أن يهجرها إلى هذه المدة، وهي أربعة أشهر، فإذا كانت المرأة تتضرر بذلك، فإن لها أن تطلب فسخ النكاح.
وأما قول بعض أهل العلم: إنه لا يجب على الزوج أن يجامع زوجته إلا بعد أربعة أشهر، فإن هذا القول ضعيف، وليس عليه دليل صحيح صريح، فالصواب أنه يجب على الزوج أن يعاشر زوجته بما يلبي حاجتها لما تقدم من القاعدة الشرعية.
[الْمَصْدَرُ]
د / خالد بن علي المشيقح.(6/1171)
زوجها ضعيف فهل تضع له الدواء في الطعام بدون علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة لي حاجة في المعاشرة الزوجية وزوجي به ضعف من هذه الناحية وقد حاولت أن أقنعه بالعلاج لكن دون جدوى فهل يجوز أن أضع له الدواء المقوي للشهوة في طعامه دون أن يشعر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت عن هذا شيخنا عبد الرحمن البراك فأجاب:
ليس لها ذلك وإن لم تتحمل يجوز لها طلب الطلاق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1172)
كيف تتعامل مع زوج يشاهد الأفلام الجنسية ولا يُعطيها حقّها
[السُّؤَالُ]
ـ[المشكلة أن زوجي يحتقرني منذ سنوات ولا يعطيني حقي الجسدي ولا حتى القبلة ويشاهد أفلاماً جنسية وعندي أبناء وأعتقد أن الطلاق ليس حلاً (بسبب الأولاد) فما الحل؟ وأنا أشعر بالحرج أن أتكلم معه في هذه الأمور.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تحرجي - أيتها الأخت المسلمة - من التحدث مع زوجك ومناصحته في هذه الأمور؛ فإن الحديث معه أنفع وأجدى وأجدر للحل، عظيه وقولي له في نفسه قولا بليغا، ذكّريه بعذاب الله وسخطه وعقابه، خوّفيه من عذاب جهنم، ذكّريه بالأمانة والمسئولية تجاه الأهل والأولاد: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته ".
ومن حقه عليك أن تخبريه أن ما يصنعه معك إثم ومعصية، وأن النظر إلى هذه الأفلام الخبيثة يبعده عن الله وعن ذكره، لعلّه أن يلين أو أن يتعظ، وكرري ذلك معه بالحكمة وتقدير المصلحة، فإن لم يجبكِ إلى ذلك فاستعيني بمن تظنين أن حديثه إليه ينفع ويجدي كأهل العلم والدين والصلاح أو أقاربه وأصدقائه ممن لهم سلطة عليه.
ثانياً:
حاولي إسماعه بعض الأشرطة المؤثرة من الخطب والمواعظ ودروس العلم بطريق مباشر أو غير مباشر، وقدّمي له بعض الكتيبات الإسلامية، لعل قلبه أن يلين إلى الحق.
ثالثاً:
فإن لم ينفعه هذا كله: فاجعلي بينك وبينه حَكَماً مِن أهله وحكماً مِن أهلك ممن تظنين أن تدخلَّهم يحسِّن العلاقة ويبعده عما هو فيه من الشر والإثم والضياع وممن يكونون من أهل الصلاح، عملا بقوله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً حكيماً) (النساء / 35) .
فإن أراد هذان الحكمان الإصلاح فنسأل الله تعالى أن يوفق بينكما على الخير والطاعة، وأن يجمع بينكما بأحسن ما يجمع به بين زوجين.
رابعاً:
فإن لم يحكم الحكمان لكما بالوفاق التام فاعرضي عليه - إذا كنت تُطيقين الصّبر والتحمّل - الحلّ التالي:
أن يتزوّج بأخرى وتبقي أنت معه حتى بدون حقّ في الفراش بشرط أن يترك المعاصي وتبقي أنت مع أولادك ينفق عليكم، ولا بأس بذلك لقوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير) (سورة النساء / 128) .
ومن معاني الإصلاح هنا: أن تسامحه بالمبيت عندها مقابل أن يبقيها على عصمته.
قالت عائشة: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة ". رواه البخاري (4914) ومسلم (1463) .
وسودة رضي الله عنها: إحدى نساء الرسول صلى اله عليه وسلم.
فإن لم يتم الوفاق بينكما حتى على هذا الحلّ أو ما يشابهه ولم تستطيعي الصّبر والتحمّل، فإنّ التفكير بالطلاق والإقدام على طلبه ينبغي أن لا يكون إلا بعد التأكّد من أنّ مساوئ البقاء معع هذا الرّجل أكثر من مساوئ الإنفصال، وفي هذه الحالة نأتي إلى قوله تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً) (سورة النساء/130) .
وصعوبة قضيّتك تحتّم عليك اللجوء إلى الله وطلب العون منه والتوفيق إلى اتّخاذ القرار الصحيح، ونذكّرك مرّة أخرى بأنّ بذل النّصيحة لهذا الزوج ونصحه أمر واجب في كلّ الحالات والله يحفظك ويرعاك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1173)
النصيحة لمن يريد الزواج ولا يقدر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل عندنا في المسجد برنامج يتناقش فيه شباب المسلمين مع من هو أكبر منهم سنّاً عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الزواج وأنه يجب عليهم تسهيل أمور الزواج للشباب، هذا الموضوع فتح العديد من النقاشات حيث أن الآباء مهتمون بحالة ورفاهية الزوجين وخصوصاً عند إنجاب الأطفال.
والشباب الآن لا ينتهون من الدراسة الجامعية إلا في سن 21 أو 23 لطلاب الطب ولا يستطيعون على مصاريف الزواج، فما هي النصيحة العملية التي تنصحهم بها، والكثير من شباب المسلمين في الغرب الذين يريدون أن يكملوا نصف دينهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النقاش في الأمور الشرعيَّة وقضاء الوقت في ذلك هو من أنفع ما يقدمه المرء لنفسه؛ لأن طلب العلم فريضة وعبادة، وهو يقضي وقته فيما ينفعه وينفع غيره، وإذا أشكل على المتناقشين شيء فإن عليهم أن يسألوا أهل العلم.
ثانياً:
النصيحة لمن يعيش في بلاد الفسق والكفر أن يهاجر منها إلى بلاد المسلمين حيث لا يجد فيها من فتن الدنيا والنساء ما يجده هناك، وهي متفاوتة فيما بينها وعليه أن يختار أحسنها.
وننصحه بترك كل بيئة يمكن أن تزل فيها قدمه سواء كانت البيئة مسكناً أم عملاً أم دراسة.
وننصحه بتعجيل الزواج، واختيار المرأة الصالحة والتي لا ترهقه في مهرها وطلباتها.
وننصحه إن عجز عن الزواج أن يتقي الله تعالى فلا يطلق بصره ولا سمعه في المحرمات ولا يمشي إلى حرام ولا يلمس ما لا يحل له لمسه، وليستعن على ذلك بالصيام والصلاة والدعاء والرفقة الصالحة، وليشتغل بما ينفعه من طلب العلم وحفظ القرآن والدعوة إلى الله، فإن النفس إن لم تشغَلها بطاعة الله أشغلتْك بمعصيته.
ثالثاً:
النصيحة لأولياء الأمور والشباب والفتيات ألا يعتبروا إكمال التعليم عائقاً ومانعاً من الزواج.
فمتى كان الزواج عائقا عن التحصيل العلمي؟ ! بل الواقع والتجربة شاهد على العكس، لأن الزواج يعين على تفرغ الذهن وصفاء النفس وراحة الفكر. وفوق كل ذلك فيه المبادرة إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويج الشباب.
وعلى أولياء الأمور ألا يرهقوا كاهل الشباب بكثير من الطلبات التي تعتبر نوعاً من الترف والإسراف، وليقتصروا في طلباتهم على ما تحتاج إليه المرأة والبيت فقط. وليعلموا أن الزواج من الأسباب التي يطلب بها الرزق، قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1174)
زوجها لا يعطيها إلا النفقة ويعيش بعيداً عنها فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقتُ مرتين، الأولى: بسبب طلبي من زوجي أن يجعل لي ولأبنائي ولو يوماً في الشهر يجلس بيننا بعيداً عن رغباته ورغبات أهله، والثانية: بسبب حبه لأخرى وإهانته لي أمام أبنائي وتفضيله لها علي وعدم مراعاة شعوري وشعور أبنائي وهو يبثها حبه وغرامه عبر الهاتف على مرأى ومسمع مني دون زواج، والآن سافر وتركني وحدي مع أبنائنا ولا يربطنا به سوى المصروف الذي يرسله عن طريق أهله.
هل لو طلقت سيعوضني الله خيراً وسيغنيني من فضله وسيعوضني عما رأيته من ظلم مع هذا القاسي أم سيكون عدم رضا بقضاء الله؟ وهل من حقي أن يكون لي زوج أعيش معه في مودة ورحمة وسكن أم أرضى وأعيش عيشة الذل أنا وأبنائي من أجل المصروف الشهري الذي يرسله كل شهر عن طريق أهله زيادة في إهانتي وذلي؟ وهل أعتبر صابرة أم ضعيفة ومنكسرة لأنني رضيت بهذه الحياة طوال 11 عاما خوفا من كلمة الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أباح الله التعدد للرجل، ونهاه عن الظلم، فإن رغب الزوج في التعدد فإما أن يمسك الأولى بمعروف أو يسرحها بإحسان، ولا يحل له أن يبقيها في عصمته مع هجره لها، وعدم إعطائها حقوقها، ولا يحل له أن يفرِّط في رعاية وتربية أبنائه، فلم يشرع التعدد لهدم البيوت بل لبنائها وتكثيرها.
وهذا الهجر والتفريط حرام عليه إذا كان مقترناً بأخرى وفق الشرع، فكيف يكون الحكم لو كان هجره وتفريطه بسببٍ غير شرعي كالعلاقات المحرمة، والسهرات الفاسدة؟ .
ثانياً:
وللزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا لم يمكنها الصبر على سوء خلقه، وليس هذا من عدم الرضا بقدر الله تعالى، بل في بعض الأحيان قد يحرم البقاء مع زوج يرتكب الكبائر ولا يُؤمن جانبه على أولاده، وبما أن الطلاق مشروع، بل قد يجب أن تطلبه أحياناً، فلا وجه للظن بأن هذا يخالف الإيمان بالقدر؛ لأن الله تعالى يقدر الزواج ويقدر الطلاق.
ومن حق الزوجة أن تعيش مع زوجٍ يعاشرها بالمعروف، وأن تحظى بزوج تسكن إليه ويكون لباساً لها، ويكون بينها وبينه مودة ورحمة، وهو ما لأجله شُرع الزواج، وإن أي فقدٍ لشيء مما ذكرنا فهو مخالف للحكمة التي من أجلها شرع الزواج.
ومن هنا كان الواجب على الزوج أن يختار صاحبة الدِّين، وعلى الأولياء أن يزوجوا مولياتهم من أهل الدِّين والخلق؛ لأن البيت المسلم إذا قام على شرع الله تعالى فإنه لا يُرى فيه ظلم وتعد، فإن كرهت زوجها لسبب شرعي طلبت الطلاق أو خالعته، وإن كرهها طلقها وأعطاها حقوقها كاملة، فإما أن يمسك بمعروف أو يسرِّح بإحسان.
وإذا حصل الطلاق فقد يقدِّر الله تعالى لها زوجاً صالحاً، كما قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفرَّقا يُغْنِ الله كلاًّ مِن سَعَتِه} .
ثالثاً:
ومن النساء من تصبر على زوجها لاحتمال أن يصلح الله حاله، أو من أجل أن يبقى على اتصال بأولاده رعاية وتربية وإنفاقاً، فإن طالت المدة ولم يُصلَح حاله، أو أنه أساء كثيراً لزوجته وأولاده، وعندها ما يكفيها للنفقة على نفسها وأولادها: فلا وجه لبقائها في عصمته، بل تخلصها منه هو الصواب لتعيش حياة أكرم وأفضل، ولتربِّي أبناءها على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعليكِ أن تحاسبي نفسك، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منكِ من سيئات أو أخطاء في حق الله، أو في حق زوجك، أو في حق غيره، فلعله إن يكون ما حصل معك عقوبة لمعاصٍ اقترفتِها فالله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبةٍ فَبِمَا كَسَبت أَيْديكُم وَيعْفو عَنْ كَثِيرٍ} .
وتأملي في وضعك جيداً وفي حقيقة إمكان أن يتيسر لك زوج بعده أو تعيشي حياة هادئة بدونه، واستشيري ممن حولك ممن هو ألصق بك، وأنصح لك فإن وافقوك على الطلاق والحال على ما ذكرتِ في سؤالك فاستخيري الله تعالى فإن اطمأنت نفسك للطلاق فأقدمي وأسألي الله أن يغنيك من سعته نسأل الله أن يصلح حالك وأن يفرج همك وأن يصلح بينكما إن كان في ذلك خير لكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1175)
هل لزوجة المسجون أن تلبس له ملابس مثيرة وقت الزيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض بلاد المسلمين نسأل الله العافية، الملتزمون والمتمسكون بدين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يحبسون ويسجنون وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والسؤال هو أن الزوجات يزرن أزواجهن وتكون هذه الزيارة في المكان الذي يسمح لهن بالجلوس معهم وطبعا الأخوات يكن منتقبات ويضعن على رؤوسهن ما يشبه الخيمة لكي يراهن أزواجهن ولكن بعض الأخوات يلبسن مثلا بلوزات حملات لكي يراهن أزواجهن من باب التخفيف عنهم لأنهم مسجونون منذ 6 سنوات أو أكثر فهل يجوز أن تفعل الأخت هذا الفعل مع العلم أن الأخت لا يراها أحد غير زوجها وكما قلت إنهن يفعلن ذلك للتخفيف عن بعض الآلام التي تمر بأزواجهن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمرأة أن تتزين لزوجها بأنواع الزينة وتكشف له عن محاسنها ومفاتنها في كل وقت، لما له من حق الاستمتاع بها.
وأما ما ذكرت من فعل ذلك داخل السجن، فلا حرج فيه بشرطين:
الأول: أن تأمن المرأة من نظر أجنبي لها، نظرا مباشرا أو عن طريق آلات المراقبة.
والثاني: ألا يكون لذلك أثر سلبي على الزوج، من تهييج شهوته وعاطفته، بما قد يدفعه للتنازل عن دينه، والتخلي عن الحق الذي هو عليه، رغبة في الخروج لأهله وولده. وقد نبه الله تعالى على أن الأهل والولد فتنة، يمنعان الرجل من أداء ما أوجب الله تعالى عليه، فقال سبحانه: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/24 وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التغابن/14
قال عطاء بن يسار: نزلت سورة التغابن كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق فيقيم، فنزلت: الآية كلها بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي.
وروى الترمذي: عن ابن عباس - وسأله رجل عن هذه الآية - قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى الآية. حسنه الألباني في صحيح الترمذي (3317)
نسأل الله تعالى أن يعز دينه، وينفس كرب إخواننا المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1176)
أخذها أهلها بدون إذن زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخ متزوج من عدة سنوات وله من الأولاد ابن وبنت وكثيرا ما تحصل خلافات بينه وبين زوجته ثم يصطلحان وكان آخر ذلك أن بدأت زوجته بسب والدي الزوج ثم تطاولت ومدت يدها على زوجها، ثم أخبرت أهلها فجاءوا وأخذوها بدون إذن زوجها، وعائلتها فيهم من الفسق وقلة الدين ما الله به عليم، وقد قمنا بمناصحتهم أكثر من مرة دون جدوى.
فأرجو مساعدتنا وإرشادنا إلى من نذهب من الجهات المختصة والشرعية حتى ننهي هذه القضية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
خروج المرأة من بيت زوجها بدون إذنه لا يحل، بل عده جماعة من أهل العلم من النشوز، ومن الخروج عن طاعة الزوج، ما لم تكن في ذلك معذورة، كأن يؤذيها زوجها إيذاء لا يمكنها دفعه أو نحو ذلك.
ثم إن منع المرأة نفسها من زوجها يسقط عنه وجوب النفقة عليها لنشوزها كما نص على ذلك الفقهاء. انظر: "المغني" (8/182) .
ثانياً:
الذي ينبغي على أخيك أن يتصرف بحكمة لإرجاع زوجته إلى بيتها، فيعظها بالله تعالى، ويذكرها به، وكذلك يفعل مع أهلها، فإن لم يتمكن من فعل ذلك بنفسه فليستعن بالأقارب من أهل العلم والخبرة والحكمة ليتدخلوا في الموضوع لحله.
وعليه أن يتأنى ولا يتعجل في اتخاذ القرار، فإن (التأني من الله، والعجلة من الشيطان) كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1795) .
وربما اتخذ الرجل قرارا في ساعة غضب ثم ندم عليه ولكن بعد فوات الأوان حين لا ينفع الندم.
وعليه أن يتحلى بالصبر ويتحمل زوجته ويحاول إنهاء ما بينه وبينها من منازعات دامت سنوات طويلة، وليبدأ معها حياة جديدة مع نسيان الماضي بنزاعاته.
ثالثاً:
لا يوجد إنسان كامل، فلنقبل الحسنات، ولنتجاوز عن السيئات، ونحاول إصلاحها بحكمة وهدوء وعقل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ –أي لا يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) .
قال النووي:
"أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لا يُبْغِضهَا , لأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ " اهـ.
وهكذا الناس كلهم فيهم الحسنات والسيئات، والعاقل هو الذي يوازن بين الحسنات والسيئات، فلنقبل الحسنات ولنتجاوز عن السيئات من محاولة إصلاحها.
رابعاً:
إن فعل الزوج كل ذلك ولم ينصلح حال المرأة فيمكنه اللجوء إلى المحاكم الشرعية لحل هذا النزاع.
والله تعالى المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1177)
لا يجوز لأحد الزوجين منع الحمل إلا برضى الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيبة أمراض نساء جاءتها سيدة تطلب منها دواء لمنع الحمل من غير إذن زوجها؛ بحجة أن زوج هذه السيدة متزوج من أخرى وعنده منها أولاد، وهى ما زالت تدرس في الجامعة. فهل يجوز للطبيبة أن تكتب لها الدواء أم تمتنع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يحرم عليها أخذ ما يمنع الحمل بغير رضى زوجها، لأن الولد حق للزوج والزوجة، ولهذا قال العلماء: يحرم على الرجل أن يعزل عن زوجته بدون رضاها.
والعزل هو: الإنزال خارج الفرج لئلا تحمل المرأة، ولكن لو رضي الزوجان بتناول هذه الحبوب جاز، لأنه شبيه بالعزل الذي كان الصحابة يفعلونه، كما قال جابر رضي الله عنه: كنا نعزل والقرآن ينزل.
أي لو كان منهياً عنه نهى عنه القرآن، ولكن لا ينبغي تناول هذه الحبوب، لأن ذلك مضاد لما يريده النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة من إكثار الولد.
وأقول لكم إن أصل وجود هذه الحبوب هم اليهود وغيرهم من أعداء المسلمين، الذين يريدون استئصال هذه الأمة وقلتها، وتظل مفتقرة لغيرها، لأنه كلما قلّ العدد قل الإنتاج، وكلما زاد العدد زاد الإنتاج، وهذا في الزراعة والصناعة والتجارة وكل شيء، والأمم اليوم تكون لها المهابة إن كانت كثيرة، حتى إن لم تكن متقدمة في الصناعة، لأن العدد يرهب العدو.
فندعوا المسلمين لكثرة الإنجاب ما لم تكن هناك ظروف من مرض أو ضعف صحة المرأة أو لا تضع إلا بعملية، فهذه حاجات، وللحاجات أحكام " اهـ فضيلة الشيخ ابن عثيمين في فتاوى المرأة المسلمة (2/556)
راجع السؤال رقم (21169)
وإذا كان أخذها لهذه الحبوب حراماً، فإنه يحرم معاونتها على ذلك، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1178)
هل يجوز أن تتنازل عن ميراثها بدون إذن زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سافر زوجة لمدة أربعة شهور، وأثناء خروجه ذهبت إلى المحكمة وتنازلت عن حقي في ميراث والدي برغبة مني وكان زوجي يعارض ذلك لسبب أنه اشترى من والدي قبل وفاته قطعة من الأرض ولم يتم التنازل بشكل رسمي وهو يخاف أن ينكر إخوتي حقه فهل أنا مخطئة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمرأة أن تتصرف في مالها كما تشاء، إذا كانت رشيدة، في قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: (فصل: وظاهر كلام الخرقي , أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله , بالتبرع , والمعاوضة. وهذا إحدى الروايتين عن أحمد. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر. وعن أحمد رواية أخرى , ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض , إلا بإذن زوجها. وبه قال مالك) انتهى من المغني 4/299
راجع السؤال رقم (48952)
لكن حسن العشرة مع زوجها تقتضي إعلامه وإخباره بذلك، لاسيما إذا كان في المسألة ما ذكرت من احتمال ضياع حقه من قبل إخوتك.
وما دمت قد تنازلت بالفعل عن ميراثك، فاسعي الآن في إرضاء زوجك، وتذكير إخوتك بما له من حق في أرض أبيهم، وأنه لا سبيل إلى جحد ذلك أو إنكاره، لعظم شأن الحقوق، وخطورة أكل أموال الناس بالباطل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1179)
طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة
[السُّؤَالُ]
ـ[كم هي أهمية الزوج بالنسبة لزوجته؟ هل هو أهم من أخواتها؟ لمن تجب طاعة الزوجة؟ هل الزوج أهم من والدي الزوجة وأخواتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد دل القرآن والسنة على أن للزوج حقا مؤكدا على زوجته، فهي مأمورة بطاعته، وحسن معاشرته، وتقديم طاعته على طاعة أبويها وإخوانها، بل هو جنتها ونارها، ومن ذلك: قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم) النساء/34
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه " رواه البخاري (4899)
قال الألباني رحمه الله معلقا على هذا الحديث: (فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات) انتهى من آداب الزفاف ص 282
وروى ابن حبان عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 660
وروى ابن ماجة (1853) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
ومعنى القتب: رحل صغير يوضع على البعير.
وروى أحمد (19025) والحاكم عن الحصين بن محصن: أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أذات زوج أنت؟ قالت نعم قال: كيف أنت له؟ قالت ما آلوه (أي لا أقصّر في حقه) إلا ما عجزت عنه. قال: " فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك " أي هو سبب دخولك الجنّة إن قمت بحقّه، وسبب دخولك النار عن قصّرت في ذلك.
والحديث جود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 1933
إذا تعارضت طاعة الزوج مع طاعة الأبوين، قدمت طاعة الزوج، قال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها. شرح منتهى الإرادات 3/47
وفي الإنصاف (8/362) : (لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق) .
وقد ورد في ذلك حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ما رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه.
غير أنه حديث ضعيف ضعفه الألباني في " ضعيف الترغيب والترهيب" (1212) وأنكر على المنذري تحسينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1180)
هل يجب على الزوج إسعاد زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي واجبات الزوج تجاه زوجته؟ هل يجب أن يبقيها سعيدة أم لا؟ زوجي لا يعاملني كما يعامل بقية أفراد عائلته، يهتم بوالديه وإخوته ويهتم بسعادتهم أكثر مني، أريده أن يهتم بي وبسعادتي كما يهتم بهم، هل يمكن أن تعطيني سبباً لأخبره به حتى يحبني ويهتم بي أكثر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن يقوم بنفقتها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، لقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19
وقوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228
وروى أحمد (20025) وأبو داود (2142) عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذ طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت "
قال أبو داود: ولا تقبح: أن تقول قبحك الله.
والحديث قال عنه الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا، في غير ما حديث، ولهذا فعلى الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجته، وأن يعطي كل ذي حق حقه، فالبر بالوالدين وصلة الرحم لا يتعارضان مع الإحسان إلى الزوجة وإكرامها والاهتمام بها، وخير ما تذكرينه به هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في إكرام الأهل، فمن أراد أن يكون من خيار المسلمين فليحسن إلى أهله. وذلك يشمل الإحسان إلى الزوجة والعيال والأقارب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك " رواه البخاري (56)
وينبغي أن تتلمسي أسباب تقصيره في معاملتك، فربما كان هذا لتقصير منك في حقه، من حيث الاهتمام به، والتزين له، والمسارعة في قضاء حوائجه.
وعليك بالمزيد من الصبر، لما فيه من الخير الكثير والعاقبة الحميدة، لقوله سبحانه: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/46، وقوله: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف/90، وقوله: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود/49
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1181)
لا يجوز إجبار الزوجة على التنازل عن حقوقها قبل طلاقها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في إجبار الزوجة على التنازل عن حقوقها قبل طلاقها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل للزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئاً إلا إذا طابت به نفسها، ومنه مال مهرها إلا إن جاءت بفاحشة مبينة؛ لقول الله عز وجل: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) النساء/4. ولقوله عز وجل: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء/19.
قال ابن قدامة:
وأجمعوا على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قِبَلها، وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قِبَله وخالعتْه: فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل له ما صنع ولا يجبر على رد ما أخذه!
قال ابن المنذر: وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أجمع عليه عامة أهل العلم. " المغني " (3 / 137) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (32/283) :
فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيِّق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة: كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله، وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو فيعينونه عليه، فإن تبيَّن لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه: فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه اهـ.
ومعنى الفاحشة المبينة المذكورة في قوله تعالى: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء/19، الزنا وعدم العفة، وسوء العشرة كالكلام الفاحش وأذيتها لزوجها. انظر: "تفسير السعدي" (ص 242) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1182)
زوجها يطلب منها الجلوس معه أمام التلفاز
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يتبرم من كثرة تلاوتي القرآن كما يقول لأني أتركه وحده فهل أكون آثمة إذا تركت التلاوة لأجله لأنه يريدني أن أشاهد التليفزيون معه فهل إذا تركت التلاوة وجلست معه أكون آثمة سواء في نهار أو ليل رمضان مع العلم أنى أحاول تلاوة القرآن عندما يكون نائما أو يفعل ما يشغله ولا أقرأ الكثير لكنني بطيئة لأنني أتعلم التجويد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في قراءة القرآن والإكثار من الطاعات، ما لم يؤد ذلك إلى تضييع حق زوجك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ " رواه البخاري (5195) ومسلم (1026)
وذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع فرض، فلا يجوز تفويته بفعل النفل.
وينبغي للزوجة الصالحة أن تسعد بإقبال زوجها عليها، ورغبته في الجلوس معها، وأن تعلم أنها بإرضائه وإسعاده تنال أجرا عظيما. فسددي وقاربي، وتخيري لعبادتك أوقات انشغاله وخروجه.
وأما مشاهدة التلفاز، فشر يجب الحذر منه، لما فيه من فتن الشهوات والشبهات، والترويج لكثير من المنكرات، كالاختلاط وكشف العورات، واستعمال الموسيقى وآلات المعازف، وما وجد فيه من خير فهو مغمور في هذا الشر الكبير، وقد صرح كثير ممن جربه واستعمله بأن التحرز من منكراته أمر بعيد المنال، بل هو ضرب من الخيال، إذ لم تسلم برامجه الدينية – وهي أحسن ما فيه – من صوت المعازف بدءا وانتهاء، أو الإعلان عنها من قبل الكاسيات العاريات المائلات المميلات، فكيف بغيرها من البرامج والله المستعان.
والواجب على زوجك أن يتقي الله تعالى، وأن يجنب أهله وأولاده رؤية وسماع هذه المنكرات، فإنه راع ومسئول عن رعيته، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم / 6
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ... " رواه البخاري 893 ومسلم 1829
وإن دعاك إلى رؤية أو سماع ما أشرنا إليه من المحرمات، فلا تجوز طاعته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف" رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) ، وتلطفي في مناصحته، واسألي الله أن يصلح قلبه ويرده إلى رشده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1183)
يخشى أن يكون تسبب في موت زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت زوجتي بسبب مشاكل أثناء الحمل، كنا في الفترة الأخيرة نتشاجر كثيراً على الهاتف وعندما اقترب موعد الولادة عدت لبلدي وزرتها في المستشفى ونسينا كل مشاكلنا وقضيت معها الفترة الأخيرة في المستشفى وصرفت حوالي 15000 ريال على علاجها ولكنها ماتت.
1- هل ماتت لأنني لم أكن أتصل بها وأخذت هي الأمر بجدية وأثر على قلبها؟
2- اتهمتني والدة زوجتي بأنني أنا السبب لأنني لم أكن أرسل لزوجتي المال الكافي لأن والدتي كانت تريدها أن تبقى في بيتنا وأن لا تذهب لبيت أهلها وأن لا أرسل لها الكثير من المال وإلا فإن والدتي لن تزور بيتنا أبداً.
أرجو أن تساعدني فأنا أشعر بالذنب وقد كان زواجنا عن حب وتشاجرنا في بعض الأمور الصغيرة ولكنني لم أتمن لها الموت أبداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نسأل الله تعالى أن يتغمد زوجتك برحمته وأن يكتب لها أجر الشهادة لقوله صلى الله عليه وسلم (الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله) وذكر منهم المرأة تموت بجمع أي بسبب الحمل أو في الولادة (رواه أبو داود (3111) والنسائي (1846) وصححه الألباني) .
ونسأله سبحانه أن يصبِّرك وأهلها على فقدها وأن يخلف لكم خيرا في الدنيا والآخرة.
ثانيا: لا شك أن الحياة والموت بيد الله سبحانه وأن الآجال مضروبة والأعمار مقسومة يقول تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الملك/2، ويقول سبحانه: (لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) الأعراف/158.
فلا يملك أحد لأحد نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم إستبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه الطبراني 8/166 وحسنه الألباني.
ثالثاً: الشريعة الإسلامية أمرت بالإحسان في كل شيء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان في كل شيء) رواه مسلم (1955) حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة أنها دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت. رواه البخاري (2365) ومسلم (2242) ، فما ظنك بزوجة الإنسان – صاحبته في الدنيا والآخرة- كيف سيكون أمر الشريعة بالإحسان إليها؟
يقول صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء) . رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وفي سنن الترمذي (1163) وحسنه ووافقه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حجة الوداع وزاد (فإنما هن عوان عندكم) . قال الترمذي: يعني أسرى في أيديكم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً) رواه الترمذي (1162) وحسنه الألباني.
رابعاً: إذا علمت ما سبق تبيَّن لك أنك قصَّرْتَ في حق زوجتك إذ كيف تقطع الاتصال بها وهي في مرضها أحوج ما تكون لك والخلاف بينكما هو في أمور صغيرة كما تذكر في السؤال؟! ثم كيف تقصر في النفقة عليها؟! ونفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع كما قال في المغني (9/229) ، وإذا أمرتك والدتك بخلاف ذلك فلا طاعة لها إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وشعورك بالتقصير وبالذنب في محله فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم (2553) .
ولكن هذا الذنب لا يتعدى إلى كونه سبباً لموت زوجتك فإنه غير مباشر ولا يقتل عادة، وقد ذكرت في السؤال أن وفاتها بسبب مشاكل في الحمل، خاصة وأنك أحسنت جزاك الله خيراً بجلوسك معها الأيام الأخيرة وإنفاقك عليها فلعل ذلك يكون كفارة لك إن شاء الله.
فالنصيحة لك أن تكثر من الإستغفار لك ولها والدعاء لها والتصدق عنها وإكرام أهلها وصلتهم والإحسان إليهم وتحمُّل ما قد يصدر منهم من إساءة بسبب فقدهم لابنتهم، وأن يكون في ما حصل عبرة في المستقبل حتى لا يتكرر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1184)
لا يستطع زوجها معاشرتها بسبب ما يحصل لها من آلام فما هو الحل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تزوجت قبل شهرين وأحب زوجي كثيراً والمشكلة أنه لا يستطيع الجماع لأن هذا يؤلمني جدّاً، وقد عشت طفولة تعيسة فقد تحرش بي عمي وأنا صغيرة ولهذا السبب لا أستطيع أن أجامع زوجي. زوجي صابر ويتحملني ولكنه لا يدري ما يفعل، أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الزوج يتلطف في جماع زوجته إذا كانت تتألم من الجماع أو يسبب لها آلاماً نفسيَّة، وعليه أن يصبر عليها حتى تشفى مما هي فيه أو تتعود عليه وتطمئن له وتشتاق هي وترغب كما هو الحال عنده.
قال ابن حزم:
وفرض على الأمَة والحرَّة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضاً أو مريضةً تتأذى بالجماع أو صائمة فرض.
" المحلى " (10 / 40) .
وهذا الأمر – لا شك – أنه صعب على النفس خاصة لمن تزوج حديثاً، لكنه خير من إحداث مشاكل تؤدي بالحياة الزوجية إلى الانهيار، وقد ذكرت الأخت السائلة أنها تحب زوجها، فعليه أن ينتبه لهذا ويستغله للوصول إلى مبتغاه الشرعي بيسر وسهولة.
ونوصي الزوج بالرجوع إلى جواب السؤال رقم (5560) ففيه زيادة بيان.
كما أن على الزوجة أن تعالج نفسها بدنيّاً ونفسيّاً، وينبغي عليها أن لا تستسلم للآلام النفسيَّة وتكون أسيرة الماضي، وزوجها ليس هو عمها الفاجر الذي تحرش بها وهي صغيرة، فهي الآن كبيرة، وهي عند زوجها، وهما حلالان لبعضهما بعضاً.
وأما الآلام البدنيَّة فهي شيء طبيعي في أول الزواج وسرعان ما تزول تلك الآلام بإذن الله، فما عليها إلا الصبر والتحمل.
وعليكما الإكثار من الدعاء والحرص على امتثال أوامر الله الشرعية من مثل المواظبة على فرائض الله في أوقاتها والالتزام بما أمر به في شأن اللباس وغيره، عسى أن يكون كل ذلك سبباً في تعجيل الله لكما بالفرج وزوال ما قد يكون من عوارض نفسية أو غيرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1185)
هجرها زوجها مدة طويلة برضاها فهل هي تأثم بعدم طلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
سؤالي هو: ما الحكم في زوجة منفصل عنها زوجها منذ 4 سنوات لا هي مطلقة ولا هي زوجة، ولا تريد الطلاق عنه لأنها تحبه جدّاً، عسى الله أن يهديه وترجع له، هل هي آثمة في حقها أو حق زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد حمل الشرعُ الرجلَ مسئولية كبيرة، وهي رعاية الأسرة والقوامة، فدور الرجل في القيام بواجبات أسرته كبير جدّاً، وهذا الدور يقتضي وجوده الدائم كي يطلع على كل شيء، ويعالج الأخطاء، ويوجه الصغار من أولاده، فهو سند وحماية وقاعدة لهذا البيت.
وتجاهل الرجل دورَه يقع بسببه الظلم على المرأة، وقد قال تعالى في الحديث القدسي: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا "، وهو ما قد يؤدي بحال الأسرة إلى الانهيار، وقد يقع فساد كبير بسبب هذا الفراق على الرجل والمرأة فقد يتخذ كل واحدٍ منهما خليلا عوضا عن صاحبه، فالشيطان يستغل نقاط الضعف ويجري من ابن آدم مجرى الدم.
أضف إلى ذلك الظلم الذي سيقع على الأولاد، والتقصير الذي سيلحق بهم مما يضاعف جهد المرأة ويجعلها تلعب دور الأب والأم في آن واحد، وهذا ما لا يمكنها القيام به في معظم الأحيان، وكلنا يعلم مكانة ودور الأب في الأسرة، وما قد يحدث في حال انعدامه، وكيف ستكون تربية الأولاد، وما هي درجة العناية التي سينالونها في بُعد والدهم عنهم، وهذا ما يجعل الأولاد يكرهون آباءهم لأنهم تخلوا عنهم ولم يعتنوا بهم ويرعوهم حق رعايتهم.
ثانياً:
قد يَكْرَه الزوجُ امرأتَه ولا يطيق الاستمرار معها، والمشروع له حينئذٍ إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان وقد لا يستطيع أن يمسكها بالمعروف لشدة بغضه لها – مثلاً – أو لسبب آخر فلا يبقى إلا التسريح بإحسان، فيطلقها طلاقاً بالمعروف ويعطيها كامل حقوقها.
وقد تكون المرأة راغبة في البقاء معه زوجةً، فتطلب منه إمساكها وتسقط بعض حقوقها عليه كالقَسْم ـ وهو حقها في أن يبيت عندها ـ والنفقة، وفي هذه الحال ينبغي للرجل أن يقبل طلبها، لما في ذلك من تطييب خاطرها وعدم نسيان المعروف معها، لاسيما وأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وقد نزل في مثل ذلك قوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) النساء/128.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها – كما رواه البخاري (4910) ومسلم (3021) - أن الآية الكريمة نزلت في مثل هذا، قالت: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) : قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها يريد طلاقها ويتزوج غيرها، تقول له: أمسكني ولا تطلقني، ثم تزوج غيري، فأنت في حلٍّ من النفقة عليَّ والقسمة لي، فذلك قوله تعالى: (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير) .
والخلاصة:
لا يحل للرجل أن يهجر امرأته طول هذه المدة فإن فعل كان الحق للمرأة فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي وتطلب الطلاق رفعاً للضرر الواقع عليها.
وإن اختارت الصبر رجاء أن يهدي الله تعالى زوجها ويرجع عن ظلمه فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى بشرط ألا يكون في ذلك تعريض لها للفتنة بسبب بعدها عن زوجها.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ويلهمهم رشدهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1186)
زوج لا يقوم بمسئولية زوجته منذ خمس سنين
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الزوج لا يقوم بمسؤوليته تجاه زوجتة منذ أن تزوجا قبل 5 سنوات،
فماذا على الزوجة أن تفعل في مثل هذه الحالة؟ هل لها نفقة عليه؟ وإذا قررت الانفصال، فما هي إجراءات الطلاق وفقا للكتاب والسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الواجب على الزوج أن ينفق على الزوجة، وأن يقوم بحقها، ويعطيها حقوقها كاملة، فإن قصّر عليها، ونقص في حقها، أو أضرّ بها فلها طلب الإنفصال وهو الطلاق، ولها قبل ذلك أن تطالب بالنفقة والسكنى لقوله تعالى: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) وقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) . فعليه أن يعاشرها بالمعروف، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) .
وإذا كان زوجها يعطيها حقوقها الشرعية، فحرام عليها طلب الطلاق لقوله عليه الصلاة والسلام: " أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة "، أما إذا تضررت، واشتدت عليها الحال وقصّر عليها في نفقة أو لم يعطها حقها فلها أن تطلب الطلاق، وترفع إلى القاضي وتشرح له الأمر وهو بدوره يطالب الزوج بأداء حقوقها أو أن يطلقها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين.(6/1187)
زوجة داعية تشتكي من انشغال زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بالاشتراك في الدعوة في الوقت الحالي ولكن زوجتي تشكو بأنني أحمل مسئولية أكبر تجاهها وتجاه الأطفال. وإنني أؤدي ما عليّ وأعمل وأقضي وقتاً معها ولكنها ليست راضية عن ذلك.
أرجو إرشادي إلى ما ينبغي عليّ أن أفعله؟ إنها لاتحب ما أفعل والله عز وجل يعلم الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
هذه الأمة أمة الاقتصاد والتوسط، فوجب على كل من انتسب إلى هذه الأمة أن يكون كذلك في كل أمور حياته.
ففي الوقت الذي نسمع عن بعض المسلمين الذين يقضون أكثر أوقاتهم بعيداً عن أهليهم - سواء للدعوة أو في سفر أو أمور مباحة - نجد العكس عند كثيرين ممن يلتصق بأهله ولا يعطي من وقته شيئاً للدعوة إلى الله.
وكما أن للأهل حقوقاً يجب على الراعي أن لا يفرط فيها، فكذلك لغير أهله من المسلمين وغير المسلمين حقوق ينبغي عدم التفريط فيها.
عن الحسن أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه فقال له معقل إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة ". رواه البخاري (6731) ومسلم (142) .
وعن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول فالإمام راع وهو مسئول والرجل راع على أهله وهو مسئول والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة والعبد راع على مال سيده وهو مسئول ألا فكلكم راع وكلكم مسئول) . رواه البخاري (4892) ومسلم (1829) .
وكثير من النساء تود أن لو زوجها لا يخرج من عندها ولو إلى الصلاة! فكيف للدعوة إلى الله تعالى، وقد قالت بعض النساء قديماً: ثلاث ضرائر أهون عليَّ من مكتبة زوجي! وذلك لأن زوجها كان شغوفا بالعلم والقراءة.
لذا فإنها لا تطاع في كل ما تشتهيه، بل مردّ الأمر إلى ما يحبه الله ويريده.
وفي بعض العبادات أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتجاوز فيها الحدّ المشروع خشية أن تضيع حقوق الآخرين بسببها وعلى رأس هؤلاء الأهل، وفي ذلك بعض الأحاديث، ومنها:
عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذِّلة (وهذا قبل نزول آية الحجاب) فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصل، فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صدق سلمان ". رواه البخاري (1867) .
متبذلة: رثة الهيئة واللباس.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزوْرك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله فشدَّدتُ فشدَّد عليَّ قلت يا رسول الله إني أجد قوة قال فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام قال نصف الدهر فكان عبد الله يقول بعد ما كبر يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (1874) ومسلم (1159) . زوْرك: أي ضيفك.
فأنت ترى في هذه الأحاديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتدال في الصيام والقيام وقراءة القرآن - لمن كان مكثراً منها مفرِّطاً في حق أهله - وذلك رعاية لأصحاب الحقوق الأخرى ومنهم الأهل.
ومن رتَّب وقته فأعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، لا يهمه بعدها من رضي ومن غضب، فلا تجعل أمور الدعوة طاغية على حياتك ووقتك، ولا تستجب لامرأتك في تركها بالكلية.
ومن الأمور المعينة لك في هذا الباب - إن شاء الله - أن تحاول إشراك امرأتك في أمور الدعوة، فتكلفها بسماع شريط وتلخيصه، أو قراءة كتيب وكتابة فوائده أو حضور حِلَق العلم أو المشاركة في الأنشطة النسائية للمركز الإسلامي أو حضور مجلس علمي نسائي مواز لمجلس الأزواج وما شابه ذلك لتشعر أنها معك في هذا الباب، ولا تشعر بالسآمة والملل من غياب الزوج.
وأمر آخر: وهو: أن عليك أن تفهمها أنها شريكة معك في الأجر إن صبَرَت عليك وهيَّأت لك الجوّ المناسب للعلم والدعوة، وأنّ الصّحابيات كنّ يحفظن بيوت أزواجهن وأولادهم إذا خرج الأزواج للجهاد، ويخدمْن ضيوف أزواجهنّ إذا حضروا، وأنّها إذا حفظت بيت زوجها عند خروجه لطلب العلم والدّعوة والجهاد وخدمت ضيوفه من طلاب العلم والدعاة الذين يزورونه بإكرامهم وعمل الطّعام لهم فإنّ لها في ذلك أجرا عظيما وأنّ الله يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة ومنهم الصانع له بنيّة طيّبة والمناول له وليس الرامي فقط. إنّ فهم الزوجة لهذا الموضوع وإدراكها لجانب الأجر فيه يخفف عليها كثيرا أمر غياب زوجها وانشغاله،
ونختم بهذه القصّة العظيمة لامرأة عظيمة وهي أسماء بنت أبي بكر الصّديق لنرى ماذا كانت تفعل لما كان زوجها مشغولا بالجهاد وتدبير أمور الدّعوة والدّولة الإسلامية بجانب النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنْ الأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي. رواه البخاري 4823
نسأل الله أن يصْلح أحوال المسلمين أزواجا وزوجات وصلى الله على نبينا محمد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1188)
هل يجوز للمسلم زوج الكتابية أن يسمح لها بالعبادة في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم زوج الكتابية أن يسمح لها بالعبادة والاحتفال بعيدها في بيته؟ وهل يسمح للأولاد بالمشاركة؟ إذا كان الجواب لا، أفلا يؤثر ذلك على مشاعرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يسمح لزوجته الكتابية بالاحتفال بعيدها في بيته، فإن الرجل له القوامة على تلك المرأة فليس لها أن تظهر عيدها في منزله لما يترتب عليه من المفاسد والمحرمات وإظهار شعائر الكفر في مسكنه وعليه أن يجنّب أولاده المشاركة في تلك الأعياد البدعية، فالأولاد تبع لأبيهم وعليه أن يبعدهم عن تلك الأعياد المحرمة، ويوجههم إلى ما ينفعهم، وإن كان ذلك قد يؤثّر على علاقته بزوجته فإن المصلحة الشرعية ومراعاة حفظ الدين - وهو أهم مقاصد الشّريعة - مقدم على غيره.
سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الرجل تكون له المرأة النصرانية يأذن لها أن تخرج إلى عيد النصارى أو تذهب إلى بِيعَة؟ قال: لا.
وجاء في المغني لابن قدامة 1/21 (عشرة النساء) : وإن كانت الزوجة ذميّة فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة.
فإذا منع هؤلاء العلماء خروجها للكنيسة فما بالك بإقامة العيد البدعي في بيت الزوج المسلم؟ مع ما لا يخفى من الأضرار المتعديّة في تلك الأعياد والتي تربو عن مجرد الذهاب إلى الكنيسة. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1189)
كذب عليها في شأن والديه فطلبت منه المخالعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كذب الرجل على امرأته سبب مقنع لطلبها للخلع، فقد كذبتُ على زوجتي قبل أن نتزوج أن والديَّ ميتان، وليسا كذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من شك في أن الكذب من سفاسف الأخلاق ورذائلها، وهو مفتاح لكل شر، وأساس واه متهاو لمن أراد أن يبني بيتا، أو يؤسس أسرة مسلمة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) . رواه البخاري (6094) ومسلم (2607) .
غير أن ذلك الخطأ الذي ارتكبه الزوج ليس مسوغا ليس لوحده سببا كافيا لأن تسعى المرأة في هدم بيتها، وهجران أسرتها بطلب الطلاق أو المخالعة إذا لم يكن ثمة سبب شرعي أو عقلي أو صحي أو اجتماعي مقنع، وما دام لم يظهر للزوجة من زوجها ما يعيبه في خلقه أو دينه، أو يخل بالعشرة معه: فقد يكون هناك سبب دعاه إلى الوقوع في هذا الخطأ، وغاية ما ينبغي معه أن يعرف بخطئه، وبخطر التجرؤ على تلك الرذيلة.
فإذا استقام مع زوجه، وصلح في دينه وعشرته، فلا ينبغي للزوجة أن تتخذ من ذلك معولا تهدم به بيتها، لا سيما وأنه لا مصلحة لها في موت والديه، ولا مضرة عليها في حياتهما، كل ما هنالك أنه لا تلزم بالعيش معهما، ولا السكن في بيتهما، وينتهي الأمر.
حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (رقم/1187) وقال: هذا حديث حسن.
قال المناوي رحمه الله:
" والبأس الشدة؛ أي: في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة؛ كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له، أو بأن يضارها لتنخلع منه.
فحرام عليها؛ أي: ممنوع عنها رائحة الجنة ". انتهى.
"فيض القدير" (3/178) .
فأي بأس قد أصاب هذه المرأة، وأي شدة نزلت بها من أن يكون والدا زوجها على قيد الحياة؟!!
بل لو شرطت عليه ألا يكون له أبوان، فظهر أنها حيان: لم يكن لها أن تفسخ نكاحها لأجل هذا الشرط الغريب!!
قال البهوتي رحمه الله:
" وإن شرطت المرأة صفة غير ذلك المذكور، من الحرية والنسب، مما لا يعتبر في الكفاءة، كالجمال ونحوه، فبان أقل منها: فلا خيار لها، لما تقدم. "
[يعني: ما تقدم من أن ذلك غير معتبر في صحة النكاح، أشبه ما لو شرطته فقيها، فبان بخلاف ذلك] .
"كشاف القناع" (5/102) .
فالنصيحة للزوجة ـ أولا ـ أن تتأنى في طلبها المخالعة، وأن تمنح الفرصة لزوجها الذي كذب عليها، وإن كان بدر منه بعض التعدي والتقصير فَلْتَسْعَ في العفو والصفح، والله عز وجل يحب العافين عن الناس، وإذا كان العفو بين الزوجين فهو أعظم أجرا وأكبر فضلا.
ثم النصيحة للزوج ـ ثانيا ـ أن يتوب إلى الله من إثم الكذب، فهو من أعظم الآثام وأشنعها على المؤمن، ولعل شقاق الزوجة من عاجل عقوبة هذا الإثم الشنيع، وليعلم كل مسلم أنه إذا كان الكذب ينجي، فالصدق أنجى وأنجى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1190)
زوجها يسيء عشرتها، ولا ينفق عليها، وتريد أن تختلع منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من شاب لا يحبني، ولا ينفق علي، ويسيء معاملتي، ويكره التزامي بالسنة، ويجبرني على العمل، وأريد أن أخالعه، ولكن والداي يرفضان ذلك، فما رأي الشرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن حصول المودة والسكن بين الزوجين مقصد شرعي من أهم مقاصد الزواج، ومتى استقامت العشرة بينهما، وأمكن أبقاء ما بينهما من العقد الشرعي، والالتئام الطبيعي: لم يكن للمرأة أن تطلب فك ذلك الرباط الوثيق، ولا أن تتحلل مما ألزمها الشرع به من ذلك الميثاق. عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه أبو داود (2226) وغيره، وصححه الألباني.
وقوله في الحديث: (من غير بأس) أي: لغير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الطلاق منهي عنه مع استقامة حال الزوجين باتفاق العلماء " انتهى.
"القواعد النورانية" (265) .
ثانيا:
دل قوله صلى الله عليه وسلم: (من غير بأس) على أنه إذا كان في بقاء المرأة مع زوجها بأس وشدة تلحقها، فإن لها أن تختلع منه، أو تطلب منه أن يطلقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" إذَا تَعَذَّرَ أَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ". انتهى. " الفتاوى الكبرى " (3/150) .
وما ذكر في السؤال من امتناع الزوج عن النفقة على زوجته، وإساءة معاملتها ... ، إلى آخر ما ذكر، كل واحد منها يبيح لها أن تطلب الطلاق، أو تختلع منه؛ فكيف إذا اجتمعت جميعا؟!
وينظر جواب السؤال رقم (12465) ، ورقم (1859) .
وليُعلم أنه ليس للوالدين ولاية على المرأة في الخلع؛ لا سيما إذا كانت بالغة راشدة، فليس لهما أن يجبراها على أن تختلع، وليس لهما أن يمنعاها منه، إذا احتاجت إليه، بخلاف ولاية الأب على ابنته في النكاح.
ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19/248-250) .
على أننا ننصحك ـ قبل الإقدام على هذه الخطوة ـ أن توسطي من ينصح الزوج، ويحاول أن يصلح بينكما، ولو إلى القدر الذي يمكن معه استمرار العشرة، مع التأكيد على أنه ليس من حقه أن يأمرك بما فيه معصية، كعمل مختلط، أو يتوقف عما يجب عليه من النفقة وحسن العشرة.
فإن لم ينفع ذلك معه: فحاولي أن تقنعي والديك بذلك، ولو أن توسطي من يشرح لهم حالك معه، وكيف أن استمرارك معه مشقة زائدة عليك، ومضرة في دينك ونفسك؛ فمن المهم قبل أن تتركي بيتك الذي أنت فيه مع هذا الزوج، أن تفكري في تهيئة بيتك الذي تنتقلين إليه، لهذه الخطوة.
نسأل الله أن يلهمك رشدك، ويصلح زوجك، وييسرك لليسرى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1191)
هددته بالانتحار إن لم يطلقها فطلقها لذلك، هل يعد مكرها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[دار شجار بيني وبين زوجي في إحدى الليالي، ثم أصبحنا اليوم الثاني وما زلت متوترة من شجار الليلة السابقة فبدأت الشجار من جديد وكنتيجة للضغط النفسي والتوتر الذي كنت فيه طلبت منه أن يطلقني مهددة إياه بأن أنتحر فقال لي لن أطلقك، لأنه يحبني، فأصرّيت ووضعت السكين أمامي، وقد سبق وأن مريت بحالة مشابهة وجرحت نفسي وأُسعفت إلى المستشفى منذ أربع سنوات، فخاف زوجي أن أكرر نفس ما فعلته في السابق فتلفظ بلفظ الطلاق ثلاث مرات مكرها وغضباناً. ولا أدري إن كان هذا الطلاق صحيحاً أم لا؟ وهل صحيح أن هناك حديث يفيد أن الطلاق لا يقع حين الغضب؟ فإذا كان ذلك صحيحاً فإن هذا يعني أن زواجنا ما زال قائماً وأن الطلاق لا يقع لأنه ما قال الذي قال إلا مكرهاً غير قاصد، أرجوا التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى ابن ماجة (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) .
صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة".
وقال الحافظ في الفتح (5/161) :
" وَهُوَ حَدِيث جَلِيل , قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْف الْإِسْلَام , لِأَنَّ الْفِعْل إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا , الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ، فَهَذَا الْقِسْم مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْم أَوْ الْحُكْم أَوْ هُمَا مَعًا؟ وَظَاهِر الْحَدِيث الْأَخِير , وَمَا خَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيل مُنْفَصِل " انتهى.
وقال الشاطبي رحمه الله:
" فالعمل إذا تعلق به القصد تعلقت به الأحكام التكليفية، وإذا عري عن القصد لم يتعلق به شيء منها " انتهى.
"الموافقات" (3 / 9) .
ثانيا:
روى البيهقي في "السنن الكبرى" (15499) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلاَقٌ " وصححه ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/38)
وهو المروى عن علي وابن الزبير وابن عمر وغيرهم من السلف رضي الله عنهم.
راجع: "مصنف ابن أبي شيبة" (5/48-49) ، "سنن البيهقي" (7/357-359) ، "مصنف عبد الرزاق" (6/407-411) .
وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الإِْكْرَاهُ شَدِيدًا، كَالْقَتْل، وَالْقَطْعِ، وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ) وَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَلأَِنَّهُ مُنْعَدِمُ الإِْرَادَةِ وَالْقَصْدِ، فَكَانَ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، فَإِذَا كَانَ الإِْكْرَاهُ ضَعِيفًا، أَوْ ثَبَتَ عَدَمُ تَأَثُّرِ الْمُكْرَهِ بِهِ، وَقَعَ طَلاَقُهُ لِوُجُودِ الاِخْتِيَارِ ".
"الموسوعة الفقهية" (29 / 17-18) ، وينظر: أيضا: "الموسوعة الفقهية" (22 / 231) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ، وَالْإِكْرَاهُ يَحْصُلُ إمَّا بِالتَّهْدِيدِ أَوْ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِلَا تَهْدِيدٍ.
وكَوْنُهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ تَحَقُّقَ تَهْدِيدِهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوَى الطَّرَفَانِ لَكَانَ إكْرَاهًا. وَأَمَّا إنْ خَاَ وُقُوعَ التَّهْدِيدِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ أَرَادَ لِلْكُرْهِ وَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَتَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5 / 489-490) .
وسئلت اللجنة الدائمة:
كان بينه وبين زوجته سوء تفاهم، فأخذت بحلقه بحضرة نسيبها وأختها وطالبته بطلاقها، فطلقها مكرها على ذلك بقوله لها: طالقة طالقة؟
فأجابت اللجنة: " ذكر السائل: أنه طلق زوجته مكرها، وذلك حينما أخذت بحلقه، فإذا غلب على ظنه أنها جادة وخشي أن تفتك به أو تلحق به أذى يجحف به، لا يستطيع رده إلا بإجابتها إلى ما طلبت، وذلك بتطليقه إياها - فهذا يعتبر طلاق إكراه.
أما إذا كان فعلها معه لا يصل إلى حد الإكراه، حيث إنه يستطع تخليص نفسه دون أن يلحقه أذى، ومع ذلك استجاب لها وطلقها - فطلاقه واقع " انتهى ملخصا.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20 / 42-43) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إنما يقع الطلاق إذا أراده الإنسان إرادةً حقيقية وكتبه بيده أو نطقه بلسانه مريداً له غير ملجأ إليه ولا مغلقٍ عليه ولا مكره، فهذا الذي يقع طلاقه " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/359)
ثالثا:
ذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا جاز للمكره أن يفعل شيئا، أو يقول قولا، حفاظا على دمه أو ماله أو عرضه، جاز له فعل ذلك ـ أيضا ـ أو قوله، حفاظا على دم أخيه، أو ماله، أو عرضه.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
" باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ، إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الْمَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ، أَوْ تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِى الإِسْلاَمِ. وَسِعَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال بن بطال ما ملخصه: مراد البخاري أن من هدد بقتل والده أو بقتل أخيه في الإسلام إن لم يفعل شيئا من المعاصي، أو يقر على نفسه بدين ليس عليه، أو يهب شيئا لغيره بغير طيب نفس منه، أو يحل عقدا كالطلاق والعتاق بغير اختياره، أنه يفعل جميع ما هدد به لينجو أبوه من القتل، وكذا أخوه المسلم من الظلم ". انتهى. "فتح الباري" (12/339) .
وعلى ذلك: فإذا كان الزوج يرى الجد من الزوجة في التهديد بقتل نفسها، وخاصة أنه سبق منها ما يدل على أنها من الممكن أن تضر بنفسها، أو تنفذ ما تقول، فطلقها خشية أن تنفذ وعيدها، وهو ـ مع ذلك ـ لم يقصد إيقاع الطلاق: فالراجح أن ما حصل من زوجته هو نوع من الإكراه الذي يمنع وقوع الطلاق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا أكره الإنسان على فعل محرم، فهل يترتب على هذا الفعل إثم أو فدية أو كفارة؟
الجواب: لا يترتب، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106. فإذا كان الرجل لا يؤاخذ في الإكراه على الكفر وهو أعظم المعاصي، فعدم مؤاخذته في الإكراه على ما دونه من باب أولى.
ما تقولون في رجل أجبرته زوجته على أن يطلقها، وقالت: إما أن تطلق وإما أن تقتل نفسها، وهي قادرة على أن تنفذ هذا، السكين بيدها، فطلق، هل يقع الطلاق أو لا؟
لا يقع الطلاق لأنه مكره.
كيف كان مكرهاً؟
لأنها تريد أن تقتل نفسها، وهي قادرة على أن تنفذ، وهذا من أشد ما يكون من الإكراه، لذلك نقول: لا يقع الطلاق، وهكذا جميع الأحكام لا تترتب على المكره " انتهى باختصار.
"دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص/ 134)
وسئل أيضا رحمه الله:
رجل تلبس بزوجته جنية تهدده بقتلها إن لم يطلقها، فيضطر أن يتلفظ بالطلاق أحياناً، فهل يقع؟
فأجاب: " طلاقه طلاق مكره، فلا يقع " انتهى.
"ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" (ص/ 114) .
والخلاصة: أن طلاق المرأة المذكور في السؤال لا يقع عليها، لأن زوجها مكره عليه، غير مريد له.
والله تعالى أعلم.
يراجع جواب السؤال رقم: (99645) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1192)
أكرهها على التنازل عن حقوقها مقابل الطلاق ثم توفي بعد أسبوعين
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج أبي من امرأة بعد طلاق من أمي ثم طلبت منه الطلاق بعد أن مرض مرضا شديدا كان يعتبر بها عاجزاً عن تأدية جميع الحقوق الزوجية لمدة ثلاث سنوات، فطلبت زوجته الطلاق لأنها كانت قد تعبت نفسيا من العيش مع رجل مقعد ولكن أبي رفض إلا أن تتنازل عن كل حقوقها والمؤخر لكي يتم الطلاق، وهي وافقت علي ذلك لأن البديل إما إن تعيش معه أو أن تلجأ إلي القضاء لتثبت أنها تطلب الطلاق للضرر وهذا سوف يحفظ لها جميع حقوقها ولكنها اختارت أن تتنازل عن جميع حقوقها بعض ضغط أبي عليها وفعلا تم الطلاق، وبعد الطلاق بأسبوعين توفي أبي، فهل لزوجته السابقة أي حقوق؟ مع العلم أن نوع الطلاق كان بلا رجعة أي أن أبي لا يستطيع مراجعتها إلا بعقد جديد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مرض الرجل وصار عاجزاً عن أداء الحقوق الزوجية فيثبت لزوجته الحق في فسخ عقد النكاح، ويكون لها جميع حقوقها، لأن الفسخ في هذه الحال بسبب الزوج، وليس بسبب منها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وَحُصُولُ الضَّرَرِ لِلزَّوْجَةِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ مُقْتَضٍ لِلْفَسْخِ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ بِقَصْدٍ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ وَعَجْزِهِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى" انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5/481-482) .
وقال الشيخ ابن عثيمين عقب حكاية الخلاف في ذلك:
"والصحيح ما قاله الشيخ؛ لأن كثيرا من النساء تريد العشرة مع الزوج، وتريد الأولاد أكثر مما تريد من المال، ولا يهمها المال عند هذه الأمور..... فالصواب ما قاله الشيخ ـ رحمه الله ـ أنه إذا عجز عن الوطء لمرض وطلبت الفسخ فإنها تفسخ، إلا إذا كان هذا المرض مما يعلم أو يغلب على الظن أنه مرض يزول بالمعالجة، أو باختلاف الحال فليس لها فسخ؛ لأنه ينتظر زواله " انتهى.
"الشرح الممتع" (12/154) .
وقال العدوي المالكي في "حاشيته" (2/80) :
"الطَّلَاقُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْإِبَاحَةُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْحُرْمَةُ وَالْوُجُوبُ. أَمَّا الْوُجُوبُ: بِأَنْ يَلْزَمَ عَلَى عَدَمِهِ الْإِضْرَارُ بِالْمَرْأَةِ كَأَنْ لَا يَجِدَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَعْجِزَ عَنْ الْوَطْءِ مَعَ عَدَمِ رِضَاهَا بِذَلِكَ ... " انتهى.
وعلى هذا، فإذا كانت الزوجة طلبت الطلاق من أجل تضررها بعدم قدرة زوجها على القيام بحقها في المعاشرة، فذلك حق لها، ولا يجوز للزوج في هذه الحالة أن يكرهها على التنازل عن حقوقها مقابل الطلاق.
أما إن كانت طلبت الطلاق من أجل أنها لا تريد أن تعيش مع رجل مقعد وليس لتضررها بترك المعاشرة، فللزوج في هذه الحالة أن يأخذ منها مالاً أو يطلب منها التنازل عن حقوقها كلها أو بعضها مقابل الطلاق وهو ما يعرف باسم "الخُلع".
فعليك النظر في حال زوجة أبيك، فإن كانت طلبت الطلاق للسبب الأول فجميع حقوقها ثابتة، ويجب أن ترد إليها.
وإن كانت طلبت الطلاق للسبب الثاني فالأمر صحيح على ما تم عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1193)
حلف بالطلاق من أمها إن هي لم تخلع نقابها فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي فتاة منتقبة , وحدث لها بعض التعثر في دراستها , فاتهم والدها أن سبب ذلك هو ارتداء النقاب , وحلف على والدتها بالطلاق إن لم تخلعه , فما تفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت صديقتك على الحق، وأن يهدي والدها ويلهمه رشده.
أولاً:
يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الأجانب؛ لأدلة كثيرة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774) فلينظر.
ثانياً:
يجب على ذلك الأب أن يتقي الله سبحانه وتعالى , وأن لا يمنع ابنته من لبس النقاب , وقد فعلت ابنته ما أوجبه الشرع عليها، وهو علامة الاستقامة، والعفاف.
ولبس النقاب ليس سبباً للتعثر في دراسة، أو غيرها، وإلقاء اللوم على لبس النقاب دليل على ضعف إيمان الأب , وتهديد ابنته بتطليق أمها لا شك في خطئه؛ فإنه لا علاقة للأم بهذا، ولم يوجد منها ما يقتضي طلاقها، فتعليق طلاق الأم على استمرار ابنتها في لبس النقاب دليل على العجز والضعف، فأي عاقل يمكن أن يهدم بيته وأسرته من أجل التزام ابنته بلباسها الشرعي، ومنع الرجال الأجانب من النظر إليها؟! .
ثالثاً:
تعليق الطلاق على شيء ما ـ كما فعل والد هذه الفتاة ـ: قد اختلف أهل العلم في حكمه، فذهب أكثرهم إلى أنه يقع به الطلاق متى حصل الشرط المعلق عليه الطلاق.
ورأى آخرون أن فيه تفصيلاً، فإن أراد الطلاق وقع الطلاق، وإن أراد التهديد والتخويف فهو يمين وليس طلاقاً.
وينظر جواب السؤال رقم: (82400) .
وأما هل تطيع هذه الفتاة أباها وتخلع نقابها وتكون مضطرة لهذا، أو تستمر على ما هي عليه ولو وقع الطلاق على أمها؟
فهذا فيه تفصيل:
فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى، أو الثانية، للأب: فنرى أنها لا تطيعه، وإن كانت طلقته هي الثالثة: فهي في حكم المضطرة لفعل تلك المعصية، فتكشف عن وجهها، وتحاول الستر قدر الاستطاعة، وأن لا تخرج من بيتها لغير ضرورة، إلى أن ييسر الله لها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (1662) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
ولينظر جواب السؤالين: (117169) و (136070) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
لو قال الأب لابنه: خذ يا بني هذه العشر ريالات اشتر لي بها " علبة " دخان! فهل يلزمه طاعته؟
الجواب: لا، لا يلزمه طاعته، بل يحرم عليه؛ لأن الله تعالى قال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) لقمان/15.
إذا قال له: اشتر لي وإلا طلقت أمك! - والمسألة هذه تقع من بعض السفهاء! يلجئ الولد إلى هذا - فهل هذا ضرورة؟ .
الظاهر: أن هذا ضرورة؛ لأنه ربما يتجرأ هذا الغشيم (الأب) ويطلِّق الأم، وتكون هذه آخر ثلاث تطليقات، فتنفصم عرى الأسرة.
فالمهم إذاً: إذا دعت الضرورة إلى ذلك: فهو كغيره من المحرمات التي تبيحها الضرروة، أما إذا لم تكن ضرورة فيجب عليه أن يعصي والده في ذلك.
" شرح بلوغ المرام " (كتاب البيوع، شريط رقم 2) ، " فتح ذي الجلال شرح بلوغ المرام " (3 / 472) المكتبة الإسلامية.
ولينظر جواب السؤال رقم (12094) ففيه فتوى للشيخ العثيمين رحمه الله في التفصيل السابق بين كون الطلاق رجعيّاً، أو أنه آخر ثلاث طلقات، وفي المسألة عينها.
والنصيحة لأختنا أن تلجأ إلى الله تعالى بالدعاء أن يهدي والدها، ويصلحه، ويلهمه رشده.
ثم إن عليها أن تترفق في إقناعه أن النقاب ليس له دخل في تعثر الدراسة , وأن لبسه إنما هو سبب لحصولها على مرضاة الله , وتحاول إقناعه أنها ستبذل جهدها في تحسين أدائها الدراسي , ولو استعانت في إقناعه بأولي الأحلام والنهى من أهلها، أو أقاربها، أو من بطانته: لكان أفضل.
ثم عليها بعد ذلك أن تبحث عن أسباب تعثرها في الدراسة , وأن تعمل على حلها، وتجاوزها , وتستعين بالله في ذلك، مع بذل الأسباب من الجد، والاجتهاد.
ونسأل الله أن يهدي والدها ويصلحه، وأن يثبت أختنا على طاعته، والعمل بمرضاته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1194)
حلف بالطلاق أن لا يدخل على الشات، ثم دخل.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت مدمنا على غرف الشات قبل الزواج ومحادثة الفتيات عبر الانترنت، فلما تزوجت أقسمت بالطلاق ألا أتعمد فعل هذا الأمر إلا أني أنسى أو يسهى علي. ومنذ هذا القسم وأنا أخاف حتى من مجرد النظر إلى غرف الشات، ولكنى نسيت صيغة القسم هل كان القسم على مجرد الدخول إلى الشات أو على الشات نفسه. ومنذ أيام كنت على الانترنت وكان الشاب الجالس قبلى يحدث فتاة على الشات وترك إميله مفتوحا، فأخذنى الفضول أن أشاهد صورة هذه الفتاة، أستغفر الله، ولم يكن فى خاطرى أن أعمل شات معها أبدا. ففتحت غرفة الشات التي تركها الشاب واطلعت عليها، ومن يومها وأنا أتعذب: هل وقع الطلاق أم لا؟ أحيانا أقول لنفسى: أنت تخاف من مجرد الدخول إلى الشات وهذا يدل على أن القسم كان على دخول الشات، ثم بعدها أقول لنفسي إن مجرد الخوف من الدخول ليس دليلا على أن قسم الطلاق كان على مجرد الدخول، وأحيانا أخرى أقول لنفسي أراجع زوجتى وأحتسبها طلقة على نفسى، ثم أرجع وأقول: كيف أحسب على نفسي طلقة، ولعلها ليست طلقة ما دمت لست متذكرا بالضبط صيغة القسم؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لقد أسأت ـ يا عبد الله ـ إلى نفسك، وأسأت إلى زوجتك، وأسأت إلى هذا الذي تجسست على خصوصياته، وتلصصت على غرفته.
فما ذنب زوجتك ـ أيها الرجل ـ حتى تجعل زواجك بها في مهب الريح، كلما دفعتك نزوتك وطيشك إلى الدخول إلى الشات، أو كلام النساء: كان جزاء زوجك منك: أنها طالق؟ فيالله للعجب!!
ولقد كان عليك أن تجعل زواجك فرصة للتوبة من تلك القاذورة، والاستغناء بما أحل الله لك عما حرم عليك، من عبث الصبيان، وأفعال المراهقين، نسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل.
ومن الحق أن هذا الذي كان يتحدث، وترك غرفته مفتوحة، قد وقع في محرم، وأساء، إن كان فعلا يحادث فتاة أجنبية عنه؛ لكن ذلك لا يعني أن تشاركه أنت أيضا في المحرم، ولا أن تجسس عليه، فلا أنت آمر بمعروف، ولا ناه عن منكر، ولا أنت تارك لما عليه غيرك.
ثانيا:
بخصوص يمينك إن كنت حلفت بالطلاق لتمنع نفسك من الدخول على الشات، وتصرفها عن هذا الأمر بهذا اليمين، ولم تقصد طلاق زوجتك: فلا تطلق زوجتك، وعليك كفارة يمين. وينظر لبيان مقدار كفارة اليمين إجابة السؤال رقم (9985) ، (45676) .
وإن كنت قصدت بيمينك طلاق زوجتك إن أنت فعلت ذلك، عقابا لنفسك على سوء فعلها: احتسبت عليك طلقة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ وَالْعِتْقُ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِمَنْ غَرَضُهُ أَنْ يُوقِعَهُ؛ لَا لِمَنْ يَكْرَهُ وُقُوعَهُ كَالْحَالِفِ بِهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فَكَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ: مِنْ الْحِلْفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ مَذْهَبُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ لَكِنْ فِيهِمْ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ: كدَاوُد وَأَصْحَابِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ: كَطَاوُوسِ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (33 / 61)
وسئل علماء اللجنة عن رجل كان يشرب الدخان بكثرة، وكان يريد الإقلاع عن التدخين، فقال لنفسه: والله لتكون زوجتي علي حرام إذا لم أقلع عن شرب الدخان، ولكنه لم يستطع الإقلاع عن التدخين.
فأجاب علماء اللجنة:
" إذا كان قصدك من تحريم زوجتك منع نفسك من التدخين ولم تقصد الطلاق - فإنه لا يقع طلاق بهذا الحلف، وإنما يلزمك كفارة يمين، وإن كان قصدك من التحريم وقوع الطلاق إن عدت إلى شرب الدخان فإنه يقع على زوجتك طلقة واحدة، ولك مراجعتها ما دامت في العدة إذا لم تكن هذه التطليقة الثالثة. كما يلزمك كفارة يمين عن الحنث في يمينك، والكفارة هي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20 / 99-100)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا كان هذا الرجل قصد بقوله " عليّ الطلاق " اليمين، فإن ذلك يمين له حكم اليمين؛ إن حنث فيه فعليه كفارة اليمين، وإن لم يحنث فلا شيء عليه، وإن قصد به الطلاق كان طلاقاً، فإذا حنث فيه وقع الطلاق منه على امرأته " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (/ 17) .
راجع إجابة السؤال رقم: (39941) ، (132586)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1195)
رأته وهو يزني فهددته بالفضيحة إن لم يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مع امرأة في حالة زنا ودخلت زوجتي وهددتني بالفضيحة إن لم أطلقها فهل يقع الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الزنا كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، تسلب صاحبها اسم الإيمان، وتعرضه للعذاب والهوان، إلا أن يتوب، قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ) رواه أبو داود (4690) والترمذي (2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن عقاب الزناة، فيما رآه في منامه، حين أتاه ملكان: ( ... قالا: انطلق، فانطلقنا إلى ثقب مثل التنّور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا، حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا) وفيه: (والذي رأيته في الثقب فهم الزناة) رواه البخاري (1320) .
ولقبح هذه الجريمة جعل الله عقوبة من فعلها الرجم حتى الموت إن كان محصنا، والجلد مائة جلدة إن لم يكن محصنا.
قال الله تعالى في بيان حد الزاني البكر - أي غير المحصن -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
أما المحصن فحده الرجم بالحجارة حتى الموت، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1690) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ) .
فالواجب عليك أن تبادر بالتوبة والندم والاستغفار والعزم على عدم العودة لذلك أبدا، والإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة وصدقة وصوم لعل الله أن يتجاوز عنك.
ثانيا:
إذا أُكره الرجل على الطلاق بإلحاق الأذى ببدنه أو ماله، أو بالتهديد بذلك من شخص قادر يغلب على الظن أنه سينفذ ما هدده به، لم يقع طلاقه حينئذ.
قال في "زاد المستقنع": " ومن أُكره عليه ظلما بإيلام له أو لولده، أو أخذ مال يضره، أو هدده بأحدها قادر يظن إيقاعه به فطلق تبعا لقوله لم يقع ".
والتهديد بالفضيحة: تهديد بأمر يلحق أذى كبيرا بالإنسان قد يفوق الأذى المترتب على ضربه أو حبسه أو أخذ ماله.
وعليه: فإن كان يغلب على ظنك أن زوجتك ستنفذ تهديدها وتقوم بفضحك، ولم تجد وسيلة لتفادي ذلك إلا بالطلاق، فطلقتها، فإن الطلاق لا يقع؛ لأنه طلاق تحت الإكراه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره وإقراره، فصح عن عمر أن رجلاً تدلى بحبل ليشتار عسلاً [أي: ليأخذ عسلا من الجبل] فأتت امرأته فقالت: لأقطعن الحبل أو لتطلقني، فناشدها الله فأبت فطلقها، فأتى عمر فذكر له ذلك فقال له: ارجع إلى امرأتك، فإن هذا ليس بطلاق. وحكي عدم الوقوع عن علي وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم" انتهى من "زاد المعاد" (5/208) .
وقال رحمه الله تعالى: " وقال [أي الإمام أحمد] في رواية أبي الحارث: إذا طلق المكره، لم يلزمه الطلاق فإذا فُعل به كما فُعل بثابت بن الأحنف فهو مكره، لأن ثابتاً عصروا رجله حتى طلق فأتى ابن عمر وابن الزبير فلم يريا ذلك شيئاً، وكذا قال الله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106. وبهذه الآية استدل الإمام الشافعي رحمه الله على أن طلاق المكره لا يقع.
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس رضي الل عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) " انتهى من "إعلام الموقعين" (4/51) بتصرف.
ثالثا:
يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق لمثل هذا السبب، ولا تعد معتدية بذلك؛ وينبغي أن تطلقها في حال إصرارها على ذلك دون أن تلجئها لطلب الخلع، فإن ما قمت به أمر عظيم لا يستهان بأثره على الزوجة.
ونسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1196)
زوجته تريد الطلاق بسبب إعفائه اللحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم ومتزوج من ابنة عمي ولي منها ولدان. كما أنبه سعادتكم أني طالب بإحدى مدن أمريكا الشمالية. وفي خلال إقامتي في هذه الديار هداني الله عز وجل إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن هذا الالتزام (خصوصا إعفاء اللحية) لم يرق لزوجتي. وكلما تكلمت معها وحاولت أن أوضح لها أن هذا أمر ويجب الالتزام به نفرت مني وانتابتها حالة من الهستريا. بل أن الأمر يصل إلى حد أنها تطلب مني أن أطلقها الأمر الذي أرفضه مادمنا في بلاد المهجر. والآن هي مصرة على الطلاق إن أنا أصررت على إعفاء اللحية. هذه الوضعية دفعتني، وأنا غير راض، إلى الأخذ من لحيتي من وقت لآخر تفاديا للوصول إلى أمر لا تحمد عقباه المرجو من حضرتكم النصيحة لي ولزوجتي في هذا الأمر بما يرضي الله ورسوله]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الرجل حلق لحيته، وتقصيرها؛ للأدلة الآمرة بإعفائها.
وينظر: جواب السؤال رقم (110462) .
والواجب على المؤمن أن يسلّم ويذعن لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يكون في نفسه حرج أو ضيق من ذلك، كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65
وقال جل وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36
وقد أحسنت في إعفائك للحيتك، ونحمد الله أن وفقك وهداك لذلك.
ونصيحتنا لزوجتك الكريمة أن تتقبل هذا الأمر براحة نفس وانشراح صدر، وأن تعلم أن امتثال أمر الشرع فيه الخير والفلاح والنجاح، وأن من أطلق لحيته فهو متشبه بسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء قبله، وبالصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل الخير والفضل، فإن حلق اللحية لم يعرف إلا في الأزمنة المتأخرة جدا.
وإن مما يعينها على قبول هذا الأمر أن تعلم أن الله يبتلي عباده بما شاء من السراء والضراء كما قال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35، فإن كانت تنفر من اللحية، أولا يعجبها مظهر زوجها بها: فلتصبر على ذلك، وهي مأجورة إن شاء الله، وحسبها أن زوجها إنما أراد طاعة ربه وامتثال أمره.
وأما طلب الطلاق فإنه لا يحل إلا عند وجود سبب معتبر؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا الوعيد الشديد ينبغي أن تخافه كل مؤمنة، وأن يكون رادعا لها عن طلب الطلاق من غير ضرورة.
ونوصيكما بحسن العشرة، ومراعاة الرحم، وكثرة الدعاء، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
نسأل الله أن يصلح حالكما، ويوفقكما لكل خير وبر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1197)
زوج أختها يبعث لها رسائل نصية عبر الجوال وزوجها يكره ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوج أخت زوجتي يبعث برسائل نصية عن طريق الجوال إلى زوجتي، فغضبت وطلبت من زوجتي أن تغير رقم جوالها وتُكلم أختها بأن يكف زوجها عن مراسلة زوجتي، فردت عليّ زوجتي بأنه بمثابة أخوها وأنه محترم وأنها لم تر منه خلقا سيئا قط، فأخذتني الغيرة والعناد فقلت لها وأنا منفعل: ((خلاص خليكِ معاه)) ، وأقصد منها: (اذهبي له فأنا لم أعد أغار عليكِ) ، لقد تبادر في ذهني أن أطلقها ولكن لما قلت هذه الجملة لم أكن أقصد الطلاق، فأنا أخاف من الطلاق قبل الدخول بعد ما علمت أنه لا رجعة فيه إلا بعقد ومهر جديدين، وربما سبب لي موضوع الطلاق أنني صرت أدقق في كلامي معها أحيانا خشية أن يقع الطلاق وتجدني سرعان ما أتدارك كلامي وأبعده عن شبهة الطلاق، المهم بعدما قلت هذه الجملة تذكرت أن زوجتي ممكن تطلق بهذه الكلمة، ثم تذكرت بأن طلاق الكناية يقع بدون نية في حال وجود القرينة والتي هي هنا (الغضب) ، فتوترت وخفت واحمر وجهي، ومازلت أفكر هل ممكن أن تطلق مني زوجتي بهذه السهولة وبهذه السرعة، وربما صابني شيء من الوسواس من كثرة التفكير في نيتي حين التلفظ بتلك الجملة، فمرةً أُرجح وقوع الطلاق ومرةً أخرى أنفيه. أنا في حيرةٍ من أمري، أفتوني مأجورين واقطعوا شكي باليقين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قولك لزوجتك: " خلاص خليكِ معاه " يحتمل الطلاق وغيره - بل احتماله لغير الطلاق أظهر - وهو من ألفاظ الكناية التي لا يقع بها الطلاق إلا مع وجود النية، سواء وجدت قرينة أم لا على الراجح.
قال في "زاد المستقنع": " ولا يقع بكنايةٍ طلاقٌ إلا بنية مقارنة للفظ، إلا حال خصومة، أو غضب، أو جواب سؤالها " انتهى باختصار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " هذه ثلاث أحوال يقع بها الطلاق بالكناية بلا نية. فقوله: " خصومة " يعني مع زوجته، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه، لأن لدينا قرينة تدل على أنه أراد فراقها.
وقوله: " أو غضب ": أي حال غضب ولو بدون خصومة، كأن يأمرها أن تفعل شيئا فلم تفعل فغضب، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه.
وقوله: " أو جواب سؤالها ": يعني: قالت: طلقني، قال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق ...
ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية، حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي أو ما أشبه ذلك، غضبا، وليس في نيته الطلاق إطلاقا ... " انتهى من "الشرح الممتع" (13/75) .
وينبغي أن تحذر من الوسوسة والاستجابة لها في الطلاق وغيره، فإنها داء وشر.
ثانيا:
غيرتك على أهلك أمر محمود، ورغبتك في توقف زوج أختها عن مراسلتها حق مشروع لك، وعلى الزوجة أن تستجيب لذلك، فإن زوج أختها أجنبي عنها وليس كأخيها كما يقال، فلا يجوز أن يخلو بها أو يصافحها أو تكشف عن شيء من بدنها أمامه، ولا يجوز أن تخضع معه بالقول، بل تتكلم بكلام جاد فصل عند الحاجة إلى ذلك، والرسائل عبر الجوال وغيره يحصل فيها نوع من التساهل وعدم الانضباط وقد تؤدي للفتنة ولو كان الرجل صالحا، ولهذا صرح جماعة من أهل العلم بتحريم المراسلة بين الرجل والمرأة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبيَّة عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسِل أنه ليس هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به.
وقد أمر صلى الله عليه وسلم مَن سمع الدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير، ويجب الابتعاد عنها، وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/578) .
وقال الشيخ عبد الله الجبرين رحمه الله– وقد سئل عن المراسلة مع المرأة الأجنبيَّة -: " لا يجوز هذا العمل؛ فإنه يثير الشهوة بين الاثنين ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حبَّ الزنى في القلب مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظاً للدين والعرض، والله الموفق " انتهى من المصدر السابق.
فنصيحتنا لزوجتك أن تغير رقم هاتفها، أو تطلب من أختها إعلام زوجها بضرورة التوقف عن هذه المراسلة، سدا للذريعة، ومنعا للفتنة، ومراعاة لحق الزوج في غيرته على أهله ومحافظته على عرضه.
ويظهر لنا أيضاً: أن زوجتك تتساهل في الكلام مع زوج أختها، أو الجلوس معه، ولهذا تعرَّف عليها وعلى رقم هاتفها وصار يراسلها، وهذا أمر محرم، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1198)
حكمت المحكمة بالطلاق الثلاث ولا زال يجامعها بناءاً على فتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقيم بدولة عربية غير بلدي ولقد وقعت طلقتين بيني وبين زوجتي ولقد حدث بعد ذلك أن زوجتي قامت برفع قضية طلاق للضرر نتيجة الخلافات التي بيننا وقبل أول جلسة لهذه القضية كان هناك مشادة بيننا وتهديد منها باستدعاء الشرطة لي فقمت بالتلفظ بالطلاق عليها في هذا الموقف ثم بعد ذلك هدأت الأمور بيننا وقمنا باستشارة شيخ فاضل لمعرفة مدى وقوع ذلك الطلاق الأخير من عدمه فأفتى لنا بعدم وقوعه نتيجة خوفي من الشرطة ومن الأحداث التي حدثت في وقتها في ذلك الموقف. كل ما سبق حدث قبل أول جلسة في قضية الطلاق للضرر المرفوعة من قبل زوجتي. ثم ذهبنا إلى المحكمة لتلك القضية وطبعا نظرا لصعوبة الموقف علي شخصيا وكثرة الكلام أمام القاضي ما حدث هو أن تضايقت بشدة من الموقف وقمت بالتلفظ بالطلاق أمام القاضي فقال لي القاضي اجلس واهدأ وقل لي كل ما تلفظت به من طلقات من بداية زواجك. فحكيت له عن الطلقتين السابقتين وعن الثالثة التي أفتى بها ذلك الشيخ بأنها لم تقع وانتهت الجلسة بعد ذلك، ثم صدر الحكم بعده بشهر. وكان الحكم كما يلي: إثبات للطلقتين السابقتين واثبات للطلقة الثالثة التي أفتى بها الشيخ أنها لم تقع. (ملحوظة لم يعتد القاضي بالطلقة التي تلفظت بها أمامه واعتقد أنها من شدة عصبيتي في الموقف ولذلك لم يأخذها في الاعتبار) المشكلة الآن أنني في حيرة شديدة لأنني متأكد تماما داخليا بأن زوجتي ما زالت على ذمتي لأن الطلقة الثالثة لم تقع بدليل فتوى الشيخ الذي سمع منا الموضوع بالتفصيل على عكس موقفنا أمام القاضي الذي لم نستطع حينها رواية ما حدث بنفس الموضوعية والتفاصيل كما حدث أمام ذلك الشيخ وأيضا نظرا لصعوبة الموقف نفسيا علي. المشكلة الآن زوجتي وهى تعلم أنها ما زالت في ذمتي ولكن لخوفها من المستقبل بوجود ذلك الحكم فإنها تطالبني حتى نعيش مع بعض بأن تقوم بالزواج على الورق صوريا من شخص آخر ثم يتم طلاقها منه في اليوم التالي ثم عمل عقد زواج آخر بيني وبينها حتى تطمئن بوجود عقد رسمي بتاريخ لاحق لتاريخ حكم الطلاق. وتقول بأنه سوف يكون على الورق فقط وإننا سنعيش في وضع أن بيننا طلقتين فقط. وتقول أيضا بأنها سألت محامي وشيخ بخصوص هذا الحل وقالوا إنه يمكن فعل ذلك على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات. في الحقيقة أنا غير مقتنع بذلك وأخاف الله لأنني أعرف أنه لا يوجد هزل في الزواج حتى ولو على الورق فكيف يمكن أن أوافق أن تتزوج زوجتي التي في عصمتي من رجل آخر على الورق حتى نستطيع أن نخرج من هذا المأزق. (ملحوظة أخيرة: زوجتي لا تعيش معي منذ صدور الحكم ولكن حدث بيننا علاقة زوجية لأكثر من مرة وذلك لأننا معتقدين أننا فعلا ما زلنا زوجين أمام الله بدليل تلك الفتوى التي سمعنها من الشيخ) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا رفع الأمر إلى القضاء، وصدر الحكم من القاضي الشرعي بوقوع الطلاق الثلاث أو ما دونه، فلا عبرة بأي فتوى تخالفه مهما كانت، لأن حكم القاضي يرفع الخلاف إن وجد.
وعليه؛ فإن زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى، ولا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ثم يطلقها أو يموت عنها.
ثانيا:
لا يجوز إجراء عقد النكاح الصوري بغرض تحليل الزوجة لك، ولا تحل الزوجة به، وفاعل ذلك ملعون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) رواه أبو داود (2076) وصححه الألباني في صحيح سنن أبو داود.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/137) : " وجملته أن نكاح المحلل حرام باطل , في قول عامة أهل العلم ; منهم الحسن والنخعي , وقتادة , ومالك , والليث , والثوري , وابن المبارك , والشافعي ".
وقال: " ونكاح المحلل فاسد , يثبت فيه سائر أحكام العقود الفاسدة , ولا يحصل به الإحصان , ولا الإباحة للزوج الأول , كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة " انتهى من "المغني" (7/140) .
وينظر جواب السؤال رقم: (14038) ، ورقم: (109245) .
ثلثا:
إننا لنعجب والله من حالكما، فالزوجة تصر على رفع قضيتها، وتطالب بالطلاق، فإذا ما حكمت به المحكمة، نكصت على عقبيها، ورغبت في العودة إليك، وها أنتما تقترفان الزنا المحرم بحجة أن هناك من أفتاكما بعدم وقوع الطلاق، وهذا من أسوأ ما يبتلى به الإنسان، أن يكفر النعمة، ويبغضها في الحلال، ثم يرضى بها ويسعى إليها في الحرام، وهذا من تزيين الشيطان ومكره بابن آدم.
فنصيحتنا أن تتقيا الله تعالى وتحذرا غضبه وانتقامه، وأن تعلما أن حكم المحكمة لا يُنقض إلا برجوع القاضي عنه إذا تبين له خطؤه، فلا سبيل لكما إلا بالرجوع إلى المحكمة نفسها، فإن أصرت على ما صدر من الطلاق، فلا تحل لك حتى تنكح زوجا آخر نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يقدّر الله تعالى مفارقته لها بموت أو طلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1199)
جامعها بعد العقد ثم طلقها بطلبها فهل له إرجاعها بدون عقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عقدت قراني، وتم الاتفاق على أن يكون الدخول حين تجهيز المنزل , ولكن حدث بيننا جماع عدة مرات، وبعد ذلك ذهبنا لطبيبة وأخبرتنا أن غشاء زوجتي مطاطي ولن ينفض إلا بعملية أو بوجود المولود الأول , وكنا في غاية السعادة. ثم حدث خلاف بيني وبينها، فطلبت مني الطلاق، فقمت بطلاقها، وسألها المأذون هل أنت بكر فقالت نعم "علي أساس أن الغشاء لم يفض بعد". فسؤالي الأول: هل هي مازالت بكر أم لا؟ وسؤالي الثاني: هل عقد الطلاق المكتوب بها أنها بكر صحيح أم لا؟ وسؤالي الثالث: إذا وددت الرجوع لها هل أرجعها بالرد أم يجب عقد جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بعد العقد، لكن لا يدخل بها، مراعاة للعرف، ولما قد يترتب عليه من مفاسد، كأن تحمِل من هذا الجماع، وتلد قبل وقت الدخول المحدد، فتتهم المرأة، أو أن يحصل طلاق من الزوج أو وفاة، فيُظن أن المرأة بكر وهي ثيب.
ثانياً:
إذا حصل الجماع لم تعد الزوجة بكراً، سواء انفض غشاء البكارة أو لا.
والطلاق الذي أوقعته عليها صحيح، ولا يؤثر فيه كتابة المأذون أنها بكر، وإنما يترتب على البكارة وعدمها مسألة المهر، فمن طلقت وهي بكر - أي قبل الدخول بها - فلها نصف المهر، ومن طلقت بعد الدخول فلها المهر كاملاً.
والصحيح أنها لو طلقت بعد الخلوة بها استحقت المهر كاملاً ولو لم يتم الدخول، وينظر جواب السؤال رقم (97229) .
ثالثاً:
إذا أردت إرجاع زوجتك، وكنت قد طلقتها طلقة واحدة بلا عوض، جاز أن ترجعها خلال العدة من غير عقد، لأن المطلقة الرجعية في حكم الزوجة ما دامت في العدة، فلك إرجاعها ولو لم ترض بذلك.
وإن كان الطلاق على عوض، بأن دفعت لك مالاً أو تنازلت عن مهرها أو شيء منه حتى تطلقها، فهذا خلع، ولا ترجع إليك زوجتك إلا بعقد جديد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1200)
من طلق زوجته ثم تزوجها بعد أن طلقها زوج غيره هل ترجع له بثلاث طلقات
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل طلق زوجته طلقة واحدة وبعد انقضاء العدة تزوج بها رجل آخر، واستمرت معه فترة ثم طلقها، فأراد الأول أن يعيدها في عصمته ... هل ستبقى عليها ثلاث طلقات جديدة أم أنها طلقتان بناء على أنه قد وقعت عليها طلقة سابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته طلقة أو طلقتين وانقضت عدتها، وتزوجها شخص آخر ثم طلقها، ثم تزوجها الأول فإنه لا يملك أكثر مما بقي له من الطلقات، فإن كان قد طلق واحدة بقي له طلقتان، وإن كان قد طلق طلقتين بقيت له واحدة.
قال في "زاد المستقنع": "ومن طلق دون ما يملك ثم راجع أو تزوج لم يملك أكثر مما بقي، وطئها زوج غيرُه أو لا" انتهى.
وقوله: " دون ما يملك " أي: أقل من ثلاث طلقات، فإن طلقها ثلاث طلقات ثم تزوجت من آخر فمات عنها أو طلقها ثم تزوجها الأول عادت له بثلاث تطليقات بإجماع العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فلهذه المسألة ثلاث صور:
الأولى: طلقها ثم راجعها فلا يملك إلا ما بقي.
الثانية: طلقها ثم انقضت عدتها، ثم تزوجها بعقد جديد فلا يملك إلا ما بقي.
الثالثة: طلقها ثم انقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر ثم فارقها الثاني، ثم تزوجها الأول فلا يملك إلا ما بقي.
ومفهوم قوله: «دون ما يملك» أنه لو طلق ما يملكه وهي الثلاث في الحر والثنتان في العبد، فإنها لا تحل له إلا بعد زوج، فإذا تزوجها بعد الزوج فإنه يستأنف الطلاق من جديد ويكون له ثلاث طلقات، كأنه ما تزوجها إلا الآن؛ وذلك لأن نكاح الزوج الثاني في هذه المسألة صار له تأثير، وهو أنه أحلها للأول، ولولا هذا النكاح ما حلت للأول، فلما كان له التأثير وقد استكمل الزوج الأول ما يملك، فإنها تعود إليه على طلاق جديد، ولا يقال: إنه إذا عادت إليه فله أن يطلقها مرة واحدة فقط ثم تبين؛ لأننا نقول: إن الزوج الثاني هدم ما كان للأول؛ ولذلك أباحها له، مع أنها كانت لا تحل له.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنها في المسألة الأولى إذا تزوجت فإن الزوج الثاني يهدم الطلاق، حتى فيما إذا كان أقل من ثلاث، ولكن الصواب ما ذهب إليه المؤلف؛ لأن نكاح الزوج الثاني إذا كان الزوج الأول لم يطلق ثلاثا لا أثر له؛ لأنها تحل لزوجها الأول سواء تزوجت أم لم تتزوج " انتهى من "الشرح الممتع" (13/196) .
والقول بأنها ترجع إليه على ما بقي من طلاقها من السابق نسبه ابن قدامة رحمه الله إلى: " الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر وعلي وأُبيّ ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة وروي ذلك عن زيد وعبد الله بن عمرو بن العاص وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر.
والقول الثاني هو " قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف " انتهى من "المغني" (7/389) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1201)
يريد أن يخوف زوجته بطلقة فهل يقع طلاقه أم لا
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أخوف زوجتي بطلقة واحدة وبحثت عن حلول كثيرة جداً وما وجدت بعد سنوات إلا هذا الحل فما الحكم هل يقع أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من طلق زوجته بلفظ " صريح الطلاق " كما لو قال لها: "أنت طالق أو أنت مطلقة"، طَلقت في الحال، سواء قصد به التخويف أو التهديد أو المزح؛ لأن الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/249) : "صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية , بل يقع من غير قصد , ولا خلاف في ذلك ... وسواء قصد المزح أو الجد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح , والطلاق , والرجعة) رواه أبو داود , والترمذي , وقال: حديث حسن. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم , على أن جد الطلاق وهزله سواء " انتهى.
ثانياً:
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن الطلاق؛ لأن الطلاق ليس بالأمر السهل ولا يمكن أن تعالج الأمور بهذه الصورة بل الذي ينبغي عليك أن تخوفها بالله، وأن مخالفة المرأة لزوجها وعدم طاعتها له فيما أمرها الله به، كبيرة من كبائر الذنوب، كيف لا وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) رواه الترمذي (1159) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
ثم النصيحة أخي السائل أن تواصل زوجتك بأشرطة ورسائل تعالج أمور العشرة بين الزوجين مع الوعظ والتذكير، فإن لم يستقم حالها، فاهجرها في المضجع، وإلا فاضربها ضرباً غير مبرح، قال الله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي: "ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل، فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل، (فَعِظُوهُنَّ) أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر" انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: " (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن" انتهى.
والخلاصة: ننصحك بعدم الاستعجال في الطلاق، فقد تطلق هذه المرة ثم لا تستقيم الحال فتطلقها الثانية ثم الثالثة فإذا هي قد بانت منك، ثم تندم في حين لا ينفعك الندم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1202)
هل الحلف بالطلاق حلف بغير الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحلف بالطلاق محرم، لأنه حلف بغير الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحلف بغير الله منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) وهو حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا) ، وقال: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ) .
هذا حكمه عليه الصلاة والسلام، وهو منع الحلف بغير الله كائناًَ من كان، فلا يجوز الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا بالكعبة، ولا بالأمانة، ولا بحياة فلان، ولا بشرف فلان، وكل هذا لا يجوز؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلت على منع ذلك ...
وقد نقل أبو عمر بن عبد البر الإمام المشهور رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، فالواجب على المسلمين أن يحذروا ذلك.
أما الطلاق فليس من الحلف في الحقيقة، وإن سماه الفقهاء حلفاً، لكن ليس من جنس هذا، الحلف بالطلاق معناه تعليقه على وجه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، مثل لو قال: والله ما أقوم، أو والله ما أكلم فلاناً فهذا يسمى يميناً، فإذا قال: علي الطلاق ما أقوم، أو علي الطلاق ما أكلم فلاناً. فهذا يسمى يميناً من هذه الحيثية، يعني من جهة ما يتضمنه من الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، سمي يميناً لهذا المعنى، وليس فيه الحلف بغير الله، فهو ما قال: بالطلاق ما أفعل كذا، أو بالطلاق لا أكلم فلاناً، فهذا لا يجوز.
ولكن إذا قال: علي الطلاق لا أكلم فلاناً، أو علي الطلاق ما تذهبي إلى كذا وكذا، أي زوجته، أو علي الطلاق ما تسافري إلى كذا وكذا، فهذا طلاق معلق، يسمى يميناً لأنه في حكم اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فالصواب فيه أنه إذا كان قصد منعها، أو منع نفسه، أو منع غيره من هذا الشيء الذي حلف عليه فيكون حكمه حكم اليمين، وفيه كفارة يمين.
وليس في هذا مناقضة لقولنا: إن الحلف بغير الله ما يجوز، لأن هذا شيء، وهذا شيء، فالحلف بغير الله مثل أن يقول: باللات والعزى، بفلان، بحياة فلان، وحياة فلان، هذا حلف بغير الله، أما هذا فطلاق معلق ليس حلفاً في المعنى الحقيقي بغير الله، ولكنه حلف في المعنى من جهة منعه وتصديقه وتكذيبه.
فإذا قال عليه الطلاق ما يكلم فلاناً، فكأنه قال: والله ما أكلم فلاناً، أو لو قال: علي الطلاق ما تكلمين فلاناً – يخاطب زوجته – فكأنه قال: والله ما تكلمين فلاناً – فإذا حصل الخلل وحنث في هذا الطلاق، فالصواب أنه يكفر عن يمينه بكفارة يمين، أي أن له حكم اليمين إذا كان قصد منع الزوجة أو منع نفسه، وما قصد إيقاع الطلاق، إنما نوى منع هذا الشيء، منع نفسه، أو منع الزوجة من هذا الفعل، أو من هذا الكلام، فهذا الكلام يكون له حكم اليمين عند بعض أهل العلم، وهو الأصح، وعند الأكثرين يقع الطلاق.
لكن عند جماعة من أهل العلم لا يقع الطلاق وهو الأصح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجماعة من السلف رحمة الله عليهم؛ لأنه له معنى اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وليس له معنى اليمين في تحريم الحلف بغير الله، لأنه ليس حلفاً بغير الله، وإنما هو تعليق، فينبغي فهم الفرق بين هذا وهذا. والله أعلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/181 – 183) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1203)
الفرق بين الخلع والطلاق والفسخ
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقارن للطالبات بين الفسخ والطلاق والخلع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الفُرقة بين الزوجين لا تتم إلا بطريقين: الطلاق أو الفسخ.
والفرق بينهما أن الطلاق إنهاء للعلاقة الزوجية من قِبَل الزوج، وله ألفاظ مخصوصة معروفة.
وأما الفسخ: فهو نقض للعقد وحل لارتباط الزوجية من أصله وكأنه لم يكن، ويكون بحكم القاضي أو بحكم الشرع.
ومن الفروق بينهما:
1- الطلاق لا يكون إلا بلفظ الزوج واختياره ورضاه، وأما الفسخ فيقع بغير لفظ الزوج، ولا يشترط رضاه واختياره.
قال الإمام الشافعي: "كل ما حُكِمَ فيه بالفرقة، ولم ينطق بها الزوج، ولم يردها ... فهذه فرقة لا تُسمَى طلاقاً" انتهى، "الأم" (5/ 128) .
2- الطلاق أسبابه كثيرة، وقد يكون بلا سبب، وإنما لرغبة الزوج بفراق زوجته.
وأما الفسخ فلا يكون إلا لوجود سبب يُوجب ذلك أو يبيحه.
ومن أمثلة ما يثبت به فسخ العقد:
– عدم الكفاءة بين الزوجين ـ عند من اشترطها للزوم العقد ـ.
- إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام ولم يعد إليه.
- إذا أسلم الزوج وأبت زوجته أن تسلم، وكانت مشركة غير كتابية.
- وقوع اللعان بين الزوجين.
- إعسار الزوج وعجزه عن النفقة، إذا طلبت الزوجة فسخ العقد.
- وجود عيب في أحد الزوجين يمنع من الاستمتاع، أو يوجب النفرة بينهما.
3- لا رجعة للزوج على زوجته بعد الفسخ، فلا يملك إرجاعها إلا بعقد جديد وبرضاها.
وأما الطلاق فهي زوجته ما دامت في العدة من طلاق رجعي، وله الحق في إرجاعها بعد الطلقة الأولى والثانية دون عقد، سواء رضيت أم لم ترض.
4- الفسخ لا يُحسب من عدد الطلقات التي يملكها الرجل.
قال الإمام الشافعي: "وكل فسخٍ كان بين الزوجين فلا يقع به طلاق، لا واحدة ولا ما بعدها" انتهى من "الأم" (5 /199) .
قال ابن عبد البر: " والفرق بين الفسخ والطلاق وإن كان كل واحد منهما فراقاً بين الزوجين: أنَّ الفسخ إذا عاد الزوجان بعده إلى النكاح فهما على العصمة الأولى، وتكون المرأة عند زوجها ذلك على ثلاث تطليقات، ولو كان طلاقاً ثم راجعها كانت عنده على طلقتين". انتهى "الاستذكار" (6 /181) .
5- الطلاق من حق الزوج، ولا يشترط له قضاء القاضي، وقد يكون بالتراضي بين الزوجين.
وأما الفسخ فيكون بحكم الشرع أو حكم القاضي، ولا يثبت الفسخ لمجرد تراضي الزوجين به، إلا في الخلع.
قال ابن القيم: "ليس لهما أن يتراضيا بفسخ النكاح بلا عوض [أي: الخلع] بالاتفاق" انتهى "زاد المعاد" (5/598) .
6- الفسخ قبل الدخول لا يوجب للمرأة شيئاً من المهر، وأما الطلاق قبل الدخول فيوجب لها نصف المهر المسمَّى.
وأما الخلع: فهو أن تطلب المرأة من زوجها أن يفارقها مقابل عوض مالي أو التنازل عن مهرها أو جزء منه.
واختلف العلماء فيه هل هو فسخ أم طلاق، والأقرب أنه فسخ وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (126444) .
تم الاستفادة في بيان الفروق من: "المنثور في القواعد" (3/24) ، "الفقه الإسلامي وأدلته" (4 /595) ، "الموسوعة الفقهية الكويتية" (32/107- 113) (32/137) ، "فقه السنة" (2/314) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1204)
إذا تكلم بالطلاق وهو لا يعرف معناه لم يقع الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت الكثير من الآراء فيما يتعلق بموضوع الطلاق، وأود معرفة رأيك مستندا إلى دليل، فلو تلفظ غير ناطق بالعربية بكلمة طلاق وهو غير مدرك لمعناها فهل يعد هذا طلاقا من ناحيته؟ والنقطة الرئيسة التي أحاول السؤال عنها هي هل يعد مسئولا عن قول شيء بينما هو لا يعرفه في الأساس (مثل استخدام كلمة طلاق) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقع الطلاق إلا إذا طلق الزوج وهو يعلم معنى الطلاق، فلو تلفظ بلفظ (الطلاق) وهو لا يعلم معناه لم يقع طلاقه.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"فإن قال الأعجمي لامرأته: أنت طالق، ولا يفهم معناه، لم تطلق، لأنه ليس بمختار للطلاق، فلم يقع طلاقه، كالمكره...... ولذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر" انتهى.
"المغني" (10/373) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"من لا يعقل معنى الطلاق لا يقع منه الطلاق، ولو كان مكلفاً.
فلو فرضنا أن رجلاً أعجمياً لا يعرف معنى الطلاق، وتكلم به باللسان العربي، وهو لا يعقله فلا يقع طلاقه، لأنه لا يعقل معناه" انتهى.
"الشرح الممتع" (13/16) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1205)
أمره والده بطلاق زوجته وهدده بتطليق أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[بينه وبين أبيه سوء تفاهم، ويرغم الابن على طلاق زوجته، ويهدد الأب ابنه إن لم يطلق زوجته فسوف يطلق أمه، فقام الابن بإرسال ورقة الطلاق من أمريكا إلى زوجته باليمن، والآن المرأة المطلقة التي هي زوجة الابن يأتيها الخطاب للزواج منها، والابن المطلق يقول أن طلاقه إنما كان لإرضاء والده ولحل مشكلة والدته فقط حتى لا تطلق أمه، فهل هذا التصرف منه صحيح، وهل الطلاق واقع لزوجته أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يلزم الابن طاعة والديه في طلاق امرأته ما لم يوجد سبب يقتضي طلاقها؛ لأن الطاعة إنما تجب في المعروف وفيما لا ضرر منه على الابن، وليس من المعروف تطليق المرأة بلا سبب.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن: رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟
فأجاب:
"لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها. والله أعلم" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/331) .
وقال في مطالب أولي النهى (5/320) : "ولا تجب على ابن طاعة أبويه ولو كانا عدلين في طلاق زوجته ; لأنه ليس من البر" انتهى.
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك، فقال:
"إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين:
الأول: أن يبين الوالد سبباً شرعياً يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: "طلِّق زوجتك"؛ لأنها مريبة في أخلاقها، كأن تغازل الرجال، أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة، وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يُجيب والده ويطلقها؛ لأنه لم يقل "طلِّقها" لهوى في نفسه، ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنساً هذا الدنس فيطلقها.
الثانية: أن يقول الوالد للولد "طلِّق زوجتك " لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جداً حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟
ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسألة التي يقع السؤال عنها كثيرا " انتهى من "الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (2/671) .
وتهديد الابن بتطليق أمه لا شك في كونه خطأ وظلماً، فإنه لا علاقة للأم بهذا، ولم يوجد منها ما يقتضي طلاقها، ولا يضر الابن هذا التهديد ولا يلزمه الاستجابة له ولو كان أبوه جادا في تهديده؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر.
ثانياً:
إذا كان الابن قد تلفظ بالطلاق، وقع طلاقه ولو كان قد فعل ذلك لإرضاء والده، أو بلا نية طلاق؛ لأن الطلاق الصريح لا يشترط له النية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/424، والألباني في صحيح سنن الترمذي (944) .
وإن كان كتبه في ورقة ولم يتلفظ به، فهذا فيه تفصيل:
فإن كان نوى الطلاق، وقع الطلاق، وإن لم ينوه لم يقع؛ لأن الطلاق بالكتابة ليس من الطلاق الصريح، وينظر جواب السؤال رقم (72291) .
ثالثاً:
إذا حكمنا بوقوع الطلاق، وكانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، جاز لهذا الابن مراجعة زوجته في العدة، فإن انقضت العدة لم ترجع له إلا بعقد جديد.
وعلى الابن أن يبر أباه، وأن يرضيه بغير تطليق امرأته ما لم يوجد سبب يقتضي طلاقها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1206)
إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول حرمت على جميع ذريته
[السُّؤَالُ]
ـ[عقد رجل على امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها. فهل تجوز لابنه من بعد طلاقه لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا، إذا طلق الرجل امرأة حرمت على جميع ذريته من أولاده، وأولاد بنيه، وأولاد بناته، لأنها زوجة أبيهم ولو لم يدخل بها، لأن الله ما علق هذا بالدخول، قال سبحانه وتعالى: (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) النساء/22.
فحرم النكاح على الأبناء من زوجات الأب مطلقاً، والأب يدخل فيه أبوه القريب، وجده أبو أبيه وأبو أمه، ويدخل فيه كل آبائه من جهة الأم ومن جهة الأب، فزوجاتهم محرمات عليه وهو محرم لهن للآية الكريمة: (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) النساء/22، هذا يعم المدخول بها وغير المدخول بها، وهذا محل إجماع عند أهل العلم، وليس فيه خلاف.
وهكذا العكس؛ فزوجة الابن وحلائل الأبناء يحرمن على الآباء مطلقاً ولو لم يدخل بها الابن، فإذا تزوج رجل امرأة ثم مات عنها قبل الدخول بها أو طلقها قبل الدخول بها حرمت على آبائه وأجداده كلهم؛ لأن الله قال: (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) النساء/23، ولم يقل اللاتي دخلتم بهن" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1546) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/1207)
الطلاق بسبب الشخير أثناء النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل طلاق المرأة التي تشخر في النوم، وهل يجور للمرأة طلب الطلاق بسبب شخير زوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليس الشخير أثناء النوم من العيوب التي تبيح فسخ النكاح بين الزوجين.
ولكن إذا كان أحد الزوجين يتضرر من شخير الآخر تضرراً واضحاً، كما في بعض الحالات التي قد يتعذر معها النوم في مكان واحد، ففي هذه الحال يكون الشخير مبرراً للزوج في الطلاق، وعذراً للزوجة في طلبه من الزوج.
عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وصححه الألباني في الإرواء (2035) .
قال المناوي: " والبأس: الشدة، أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة، كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له ". انتهى " فيض القدير" (3 / 138) .
ولا شك أن الشخير بصوت مزعج يمنع النوم، من الشدة التي قد لا يتحملها بعض الناس.
والذي ينصح به في مثل هذه الحال هو صبر كل من الزوجين على الآخر، خاصة أن الشخير من الأمور التي تحدث من غير إرادة الإنسان واختياره.
ولا بد مع ذلك من السعي لعلاج هذا المرض، سواء بإجراء عملية جراحية لإزالة الأنسجة المترهلة الزائدة التي تمنع مرور الهواء عبر القصبة الهوائية، أو غير ذلك من العلاجات الممكنة.
ينظر: "الموسوعة العربية العالمية".
فإذا تأخر علاج ذلك، أو تعذر، فبالإمكان أن يفترق الزوجان في بعض الأوقات التي تزداد فيها نوبة الشخير، أو يتعذر على الطرف المتضرر احتمال صوت الآخر، إلى أن يعتاد ذلك الأمر، وهو حل لجأ إليه الكثيرون، وأمكن التكيف مع هذا الوضع الشائع، والتعايش من خلاله.
وباعتقادنا، أن كثيرا من البيوت سوف تهدم، وآلافا، بل أكثر من الأسر، سوف تتشتت، إذا كان أول ما يفكر فيه الإنسان، لحل مشكلة كهذه: هو الطلاق.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يشفي مرضانا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1208)
لا يحب الأطفال فهل يطلقها لتتزوج وتنجب من غيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من امرأة لا تنجب وبعد سنتين من الزواج تريد أن تنجب عن طريق طفل الأنابيب وأنا لا أريد أن انجب مع العلم بأني أخذتها عقيما وبينت لها قبل الزواج بأني لا أحب الأطفال ووافقت وبعد ذلك تقول لي لا أستطيع أن أعيش على هذا الحال، ولا تريد الطلاق، فهل يجوز لي أن أطلقها حتى تبحث عن زوج غيري لعله يساعدها بأن تنجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الولد حق للزوج والزوجة، فإذا رغبت الزوجة في ذلك وامتنع الزوج، جاز لها أن تطلب الطلاق لأن الحاجة إلى الولد حاجة ماسة، ولا حرج على الزوج في طلاقها لعل الله أن ييسر لها الولد مع زوج آخر، ولكنا نقول: ينبغي أن تعلم أن الولد نعمة عظيمة، وأن ما تراه من الراحة مثلا مع عدم الولد، قد تجد من السعادة أضعافه عند وجوده، فالولد من زينة الحياة، كما قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف/46.
فإن كانت زوجتك صالحة مرضية الدين والخلق، فإمساكها أفضل، لعل الله يرزقكم ولداً صالحاً تقر به أعينكم.
وإنجاب الأطفال عن طريق التلقيح الصناعي لا حرج فيه إذا تم ذلك بأخذ نطفة الزوج وبييضة الزوجة ولقحتا خارجياً ثم زرعت اللقيحة في رحم الزوجة، أو بأخذ نطفة الزوج وحقنها في الموضع المناسب من مهبل الزوجة أو رحمها.
وهناك صور أخرى محرمة، وينظر جواب السؤال رقم (3474) .
والحاصل: أنه يجوز لك طلاق زوجتك لتتمكن من الزواج وإنجاب ما تريد من الأبناء، وإن أبقيتها وأعنتها على الإنجاب بالتلقيح المباح، فهذا خير وأفضل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1209)
رفضت أن تعطيه مالها فقال إن أخذتِه من البنك فأنت طالق بالثلاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[الزوجة لها مال في البنك ملكها وزوجها يريد أخذ المال منها فقال الزوج لها: أنت طالق بالثلاثة إذا أخذت المال، فهل يقع الطلاق بسحبها المال من البنك أو بصرفها المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المرأة لها ذمتها المالية المستقلة كالرجل، ولا يجوز أخذ شيء من مالها إلا برضاها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29، وقوله: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662) .
فليس للزوج أن يجبرها على بذل شيء من مالها له أو لغيره ولو كان ذلك للنفقة على بيتهما، ولها أن تمتنع من ذلك.
ثانياً:
قول الرجل لزوجته: " أنت طالق بالثلاثة إذا أخذتِ المال " هو من الطلاق المعلق على شرط، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع الطلاق عند حصول الشرط، فإذا أخذت الزوجة المال من البنك وقع عليها ثلاث طلقات، وبانت منه، ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وذهب بعض أهل العلم - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره وهو الراجح - إلى أن هذا التعليق فيه تفصيل، يُرجع فيه إلى نية القائل، فإن قصد منعها من الأخذ ولم يقصد الطلاق، فحكمه حكم اليمين، فإن أخذت، حنث ولزمته كفارة اليمين، ولا يقع بذلك طلاق.
وإن قصد وقوع الطلاق طلقت زوجته عند حصول الشرط، لكن تطلق طلقة واحدة؛ لأن الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة على الراجح.
وأمر نيته لا يعلمه إلا الله الذي لا تخفى عليه خافية، فليحذر المسلم من التحايل على ربه، ومن خداع نفسه.
فإن كان الزوج قد قصد الطلاق، فإن أخذت الزوجة المال، وقع عليها طلقة واحدة على الراجح، وله أن يراجعها ما دامت في العدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1210)
هل يحق له استرجاع المهر والذهب من زوجته التي طلقها قبل الدخول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق لي استرجاع المهر والذهب وحق الأم من زوجتي التي لم أدخل عليها، وذلك بسبب فارق السن: (عمرها22 وعمري 50 سنة) ، وذلك بعد شهر من عقد القران، وما الحكم بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول فلها نصف المهر المسمى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/237.
وانظر جواب السؤال رقم: (97229) .
أما إذا طلبت هي الطلاق، فلا شيء لها من المهر.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"كُلُّ فُرْقَةٍ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ , (أي: بسبب المرأة) , فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا , وَلَا يَجِبُ لَها مُتْعَةٌ ; وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الزَّوْجِ , كَطَلَاقِهِ , وَخُلْعِهِ , أَوْ جَاءَتْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ , كَالرَّضَاعِ , سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ , وَوَجَبَ نِصْفُهُ أَوْ الْمُتْعَةُ لِغَيْرِ مَنْ سُمِّيَ لَهَا" انتهى باختصار.
"المغني" (7/211) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان: إذا عقد رجل على فتاة، ثم اكتشفت فيه أشياء لا ترضيها، فطلبت منه فسخ العقد، وذلك قبل الدخول بها، وقد استلمت منه المهر وما يسمى بالشبكة (وهو مجموعة من الأساور والقلائد الذهبية) ؛ فهل تعيد له كل ذلك؟
فأجاب: "في هذه الحالة يجب عليها أن تعيد عليه كل ما دفع إليها؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول، فإن سمح لها بشيء منه؛ فلا بأس" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (56/2) .
فإذا طلق الزوج زوجته قبل الدخول بسبب فارق السن بينهما، فلا يسقط حقها في نصف المهر (المقدم والمؤخر) .
وكذلك ليس له الحق في استرداد الهدايا التي قدمها لها هو أو إحدى قريباته كأمه، لأنه هو الذي ترك النكاح بلا سبب من المرأة.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم: (49821) .
على أننا ننصح الزوج بالتريث والتمهل في الطلاق، فإن فارق السن بين الزوجين لا يكون عائقاً أمام الحياة الزوجية التي ملؤها المودة والرحمة والسكن.
ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكما في خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1211)
قال لزوجته: إن لم تسرعي في المشي فأنت طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لزوجته: إن لم تسرعي في المشي فأنت طالق (يريد منها الإسراع ولا ينوي الطلاق) فلم تسرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الرجل لزوجته: إن لم تسرعي في المشي فأنت طالق، فهذا من الطلاق المعلق على شرط، والجمهور على أنه يقع عند وقوع الشرط، فإذا لم تسرع طلقت.
وذهب بعض أهل العلم – وهو الراجح – إلى أن الطلاق المعلق فيه تفصيل، فإن أراد به الزوج الحثّ على شيء، أو المنع من شيء، ولم يرد الطلاق، فهو يمين، وتلزم فيه الكفارة عند الحنث.
وعليه فإذا كان الزوج لم يرد الطلاق وإنما أراد حثها على الإسراع، والحال أنها لم تسرع، فتلزمه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى وأن يعلم أن استعمال الطلاق في هذه الأمور من السفه والتعدي على حدود الله، وأنه قد يوقع الطلاق على امرأته من حيث لا يرغب ولا يريد.
وينظر جواب السؤال رقم (39941) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1212)
تزوج عليها وهي تعيش في كندا وتريد طلب الطلاق من المحكمة وأخذ نصف ماله!
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي متزوجة منذ 26 عاماً، وكانت تعيش هي وزوجها وأولادها في " كندا "، وبعد 12 سنة قرر زوجها إرجاعهم إلى بلدهم، وقرَّر أن يسافر إلى " كندا " للعمل، ويترك أولاده وزوجته في " سورية "، وكان يأتيهم بالإجازات، وبعد 13 سنة أعادهم إلى " كندا "، وعاد هو إلى " سورية " بحجة العمل، وزوجته طوال الفترة تصبر، وتقول: لأجل أطفالي، وبعد غيابه بـ 5 أشهر عرفوا أنه متزوج من أخرى، وهي الآن تريد الطلاق لأنه لم يعدل، ولم يعمل بما أمره الله، والرسول صلى الله عليه وسلم، تريد الطلاق وفقاً للأحكام الكندية، والتي تقضي بأخذ نصف ماله. أرجوكم أفيدونا، ما الحل؟ وما حكم الإسلام في تصرف الزوج، والزوجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد أساء الزوج إساءة بالغة بترك زوجته وأولاده في تلك الدولة الغربية وحدهم ورجع إلى بلده.
وقد ذكرنا في أجوبة كثيرة تحريم الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة، فتُنظر أجوبة الأسئلة: (14235) و (27211) .
ثانياً:
وقد أخطأت الزوجة بطلبها الطلاق بسبب أن زوجها قد تزوج عليها، ونعجب منها عندما صبرت على فراق زوجها عدة سنوات، وهي تصبِّر نفسها من أجل أولادها، ثم لا تصبر على زواجه بأخرى، وتطلب الطلاق بسبب ذلك!
وليس زواج الرجل بثانية مما يبيح للزوجة طلب الطلاق، ولكن يجب على الزوج أن يعدل بين زوجتيه وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (133049) فلينظر فإنه مهم.
وإنما يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا أساء الرجل عشرتها ولم يعدل بينها وبين زوجته الأخرى، أما إذا كان قائماً بالعدل بينهما فلا يجوز لها طلب الطلاق.
ثالثاً:
لا يجوز للزوجة ولا لغيرها استغلال القوانين الجائرة والتي تحكم بخلاف شرع الله تعالى فتأخذ أكثر من حقها الشرعي، وإذا اضطر إلى التحاكم إلى هذه القوانين، فلا يجوز له أن يأخذ أكثر من حقه.
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (114850) .
وها هنا أمران يتعلقان بالزوجة:
1. أنه إن طلقَتْها المحاكم الكندية بسبب تزوج زوجها عليها، ولم يطلقها زوجها: فإن طلاق تلك المحاكم لا يقع، وإنما الطلاق للزوج دون غيره.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَن أَخَذَ بِالسَّاقِ) – رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني -، وقد أضاف الله تعالى النكاح، والطلاق، للزوج نفسه، فقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الأحزاب/ 49، فأضاف الله الطلاق للناكح، فيكون الطلاق بيده" انتهى.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 490) .
وتزوج الرجل بأخرى لا يبيح للقاضي أنه يلزم الزوج بالطلاق، ولا أن يطلق بدلاً عنه.
2. ما تحصِّله المرأة من مالٍ يؤخذ من زوجها، خلافاً لما شرعه الله تعالى لها: فهو سحت، وحرام، لا يكون ملكاً لها، ولا يحل لها الانتفاع به، والقوانين الغربية الجائرة التي تجعل الزوجة تأخذ نصف مال زوجها: لا يجوز للمسلمة الأخذ بها.
وإذا طلقت من زوجها طلاقاً صحيحاً فلها عليه: ما تبقى من المهر. والمتعة، والنفقة في فترة العدة إذا كان الطلاق رجعياً، أو كانت حاملاً.
وإننا ننصح هذه الزوجة: بأن ترضى بزواج زوجها، وأن ترجع لبلدها، وأن تذكِّره بالله تعالى أن يعدل بينها وبين زوجته الأخرى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1213)
إذا تزوجت المطلقة ثلاثا بنية أن تحل لزوجها الأول
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتكبت حماقة قبل خمس سنوات وطلقت ثلاث طلقات متباعدة بالمحكمة الشرعية لأسباب كانت مغلوطة.. وبعد الطلاق بيوم شعرنا أنا وزوجتي بالخطأ الكبير الذي اقترفنا بحق أنفسنا وأولادنا , ولم نترك باباً إلا وطرقناه لعلنا نجد وسيلة شرعية لنعود زوجيين وكل علماء الدين قالوا لا تعودون زوجين حتى تتزوجي من زوج آخر ويدخل بك وتُطلقي منه أو يتوفاه الله.. وأنا وهي نتحدث يوميا معا عبر الهاتف في شؤون الأولاد. هل إذا تزوجت بنية تحليل نفسها لي وأنا على علم بما تفعل من رجل دون ما اتفاق معه جائز؟ وهل إذا طلبت منه الطلاق بعد الدخول جائز أو إذا خلعت نفسها منه؟ ماذا نفعل لكي تعود الزوجة لزوجها ولمن تحب ويعود الأطفال لأبيهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً آخر، نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ثم يفارقها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) البقرة/230.
وروى أبو داود (2076) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) .
وصححه الألباني في سنن أبو داود.
وينظر جواب السؤال رقم (109245) .
وهذا التحليل إن صدر باتفاق من المطلق والزوجة والمحلل، فأمره واضح، أنه محرم، وكبيرة من كبائر الذنوب، وكذلك لو نواه المحلل من نفسه تبرعا، فهو تحليل محرم عند جمهور الفقهاء.
واختلفوا فيما لو نوت المرأة بزواجها من الثاني التحليل دون علم من تزوجها، وصورة ذلك أن تتزوج من الثاني بغرض التحليل ثم تدعوه للطلاق أو الفسخ لترجع إلى الأول، فذهب جماعة من أهل العلم – وهو المصحح عند الحنابلة وقول الحسن وإبراهيم النخعي- إلى أن ذلك من التحليل المحرم، فلا تحل لزوجها الأول في الباطن، أي فيما بينها وبين ربها.
وذهب آخرون إلى أن نيتها لا تؤثر، فإن طلقها الثاني حلت للأول، وإليه ذهب المالكية والحنابلة.
والراجح هو القول الأول؛ لأن فعلها ذلك تحايل على ما حرمه الشرع، فإن الشرع منعها من الرجوع إلى الأول حتى يحصل النكاح الثاني المبني على الرغبة والتأبيد، لا النكاح المؤقت التي يتوصل به إلى الرجوع للزوج الأول، ولما في عملها هذا من غش الزوج الثاني وخداعه، وإلحاق الضرر به غالبا، فإنها قد لا تتوصل إلى الخلاص منه إلا بتنغيص عيشه والإساءة إليه حتى يطلقها أو يخلعها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقال الحسن والنخعي وغيرهما: إذا همّ أحد الثلاثة فهو نكاح محلل , ويروى ذلك عن ابن المسيب. ولفظ إبراهيم النخعي: إذا كانت نية أحد الثلاثة: (الزوج الأول، أو الزوج الثاني، أو المرأة) أنه محلل فنكاح هذا الأخير باطل، ولا تحل للأول.
ووجه هذا: أن المرأة إذا نكحت الرجل وليست هي راغبة فيه فليست هي ناكحة كما تقدم , بل هي مستهزئة بآيات الله متلاعبة بحدود الله , وهي خادعة للرجل ماكرة به , وهي إن لم تملك الانفراد بالفرقة فإنها تنوي التسبب فيها على وجه تحصل به غالباً بأن تنوي الاختلاع منه وإظهار الزهد فيه وكراهته وبغضه , وذلك مما يبعثه على خلعها أو طلاقها , ويقتضيه في الغالب , ثم إن انضم إلى ذلك أن تنوي النشوز عنه , وفعل ما يكره لها , وترك ما ينبغي لها , فهذا أمر محرم وهو موجب للفرقة في العادة , فأشبه ما لو نوت ما يوجب الفرقة شرعا , وإن لم تنو فعل محرم ولا ترك واجب , فهي ليست مريدة له , ومثل هذه في مظنة أن لا تقيم حدود الله معه , ولا يلتئم مقصود النكاح بينهما , فيفضي إلى الفرقة غالبا.
وأيضا: فإن النكاح عقد يوجب المودة بين الزوجين والرحمة كما ذكره الله سبحانه في كتابه , ومقصوده السكن والازدواج , ومتى كانت المرأة من حين العقد تكره المقام معه وتود فرقته لم يكن النكاح معقودا على وجه يحصل به مقصوده.
وأيضا: فإن الله سبحانه قال: (فَلَا جُنَاحَ علَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) فلم يبح إلا نكاحاً يظن فيه أن يقيم حدود الله ومثل هذه المرأة لا تظن أن تقيم حدود الله ; لأن كراهيتها له تمنع هذا الظن , ولأن المرأة تستوفي منافع الزوج بالنكاح كما يستوفي الرجل منافعها , وإذا كانت إنما تزوجت لتفارقه وتعود إلى الأول لا لتقيم معه لم تكن قاصدة للنكاح ولا مريدة له , فلا يصلح هذا النكاح على قاعدة إبطال الحيل " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/298) .
ولهذه الأسباب التي ذكرها شيخ الإسلام اختار جماعة من علماء الحنابلة أن المرأة إذا نوت التحليل لم تحل للزوج الأول.
قال في "مطالب أولي النهى" (5/127) : " ومن لا فرقة بيده لا أثر لنيته ... ولا أثر لنية الزوجة والولي ; لأنه لا فرقة بيدهما. قال في " إعلام الموقعين ": يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة) . يقول أحمد: إنها كانت قد همت بالتحليل , ونية المرأة ليست بشيء , إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحلل والمحلل له) . وليس فيه المرأة بشيء.
واختار جمعٌ من أصحابنا أنه لا يحصل الإحلال بذلك وهو الأصح " انتهى.
وينظر: "المغني" (7/139) ، "كشاف القناع" (5/96) ، "حاشية الدسوقي" (2/258) ، "إعلام الموقعين" (4/36) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وماذا لو نوته الزوجة، فوافقت على التزوج بالثاني من أجل أن تحل للأول؟ فظاهر كلام المؤلف أنه لا أثر لنية الزوجة؛ ووجهه: أنه ليس بيدها شيء، والزوج الثاني لا يطلقها؛ لأنه تزوجها نكاح رغبة، فليس على باله هذا الأمر، فإن لم تنوه هي ولكن نواه وليها فكذلك.
ولهذا قال بعض الفقهاء عبارة تعتبر قاعدة، قال: من لا فرقة بيده لا أثر لنيته، فعلى هذا تكون الزوجة ووليها لا أثر لنيتهما؛ لأنه لا فرقة بيدهما.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن نية المرأة ووليها كنية الزوج، وهو خلاف المذهب، وسلموا بأنه لا فرقة بيدهما، لكن قالوا: بإمكانهما أن يسعيا في إفساد النكاح، بأن تنكد على الزوج حتى يطلقها، أو يُغروه بالدراهم، والنكاح عقد بين زوج وزوجة، فإذا كانت نية الزوج مؤثرة فلتكن نية الزوجة مؤثرة أيضاً.
فعندنا ثلاثة: الزوج، والزوجة، والولي، والذي تؤثر نيته منهم هو الزوج على المذهب، والقول الراجح أن أي نية تقع من واحد من الثلاثة فإنها تُبطل العقد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) والولي حينما عقد لم ينو نكاحاً مستمراً دائماً، وكذلك الزوجة.
فإذا قال قائل: امرأة رفاعة القرظي تزوجت عبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنهما وجاءت تشكو للرسول عليه الصلاة والسلام أن ما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها: (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة) ، فقالت: نعم، ألا يدل ذلك على أن نية الزوجة لا تؤثر؟ نقول: هذه الإرادة، هل هي قبل العقد، أو حدثت بعد أن رأت الزوج الثاني بهذا العيب؟ الذي يظهر أنها بعد أن رأته؛ لأن كون الرجل يتزوجها ويدخل بها، وليس عندها أي ممانعة، ثم جاءت تشتكي، فظاهر الحال أنه لولا أنها وجدت هذه العلة ما جاءت تشتكي، والله أعلم، وإن كان الحديث فيه احتمال " انتهى من "الشرح الممتع" (12/177) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1214)
حصل شجار بينه وبين زوجته فطلبت الطلاق فطلقها ثم ندم
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث شجار حاد بيني وبين زوجتي البارحة وكان هناك كثير من الشتم والسب بيننا وطلبت مني الطلاق وطلقتها، وأنا لم أكن أقصدها فعلاً، وندمت كثيراً على تلفظي بها، ولا أعلم ماذا افعل الآن؟ وما الحكم إذا وقعت الطلقة بيننا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته بلفظ صريح كقوله: أنت طالق، أو مطلقة، أو طلقتك، وقعت عليها طلقة واحدة، ولو قال: ما قصدت الطلاق؛ لأن الطلاق الصريح لا تشترط فيه النية، لكن إن كان الطلاق في شدة غضب، بحيث كان الغضب هو الحامل على الطلاق ولولاه ما طلق، فإن الطلاق لا يقع عند جمع من أهل العلم.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن تسيء إليه زوجته وتشتمه، فطلقها في حال الغضب فأجاب:
"إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور، وأنك لم تدرك نفسك، ولم تضبط أعصابك، بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك، وأنك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور، وهي معترفة بذلك، أو لديك من يشهد بذلك من الشهود العدول، فإنه لا يقع الطلاق؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على أن شدة الغضب – وإذا كان معها غيبة الشعور كان أعظم - لا يقع بها الطلاق.
ومن ذلك: ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) .
قال جماعة من أهل العلم: الإغلاق: هو الإكراه أو الغضب؛ يعنون بذلك الغضب الشديد، فالغضبان قد أغلق عليه غضبُه قصدَه، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران، بسبب شدة الغضب، فلا يقع طلاقه. وإذا كان هذا مع تغيب الشعور وأنه لم يضبط ما يصدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق.
والغضبان له ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: حال يتغيب معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين، ولا يقع الطلاق عند جميع أهل العلم.
الحال الثانية: وهي إن اشتد به الغضب، ولكن لم يفقد شعوره، بل عنده شيء من الإحساس، وشيء من العقل، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق، وهذا النوع لا يقع به الطلاق أيضاً على الصحيح.
والحال الثالثة: أن يكون غضبه عادياً ليس بالشديد جداً، بل عادياً كسائر الغضب الذي يقع من الناس، فهو ليس بملجئ، وهذا النوع يقع معه الطلاق عند الجميع " انتهى من فتاوى الطلاق ص 19- 21، جمع: د. عبد الله الطيار، ومحمد الموسى.
ثانياً:
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية، جاز له أن يراجعها ما دامت في العدة، فإن انقضت العدة لم ترجع له إلا بعقد جديد ومهر جديد إن رضيت بذلك.
وانظر جواب السؤال رقم (11798) .
وينبغي أن تحذر من استعمال ألفاظ الطلاق في غضبك ورضاك فإن الطلاق لم يشرع للتنفيس عن الغضب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1215)
قال لزوجته: إن عدت إلى رفع الصوت فهذا فراق بيننا
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل بيني وبين زوجتي خصام وذلك لأن صوتها طلع إلى الخارج، وقلت لها وأنا في عصبية تامة: إن عدتي إلى ذلك فهذا فراق بيننا. وأنا قلت ذلك وأنا لم اقصد هذا، بل قصدت التخويف، وهي إلى الآن لم تفعلها فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لفظ الفراق هو من ألفاظ كناية الطلاق عند الجمهور، فلا يقع به طلاق إلا مع نية الطلاق.
وينظر: "المغني" لابن قدامة (7/294) .
وإذا كان الأمر كما ذكرت من أنك قصدت التخويف ولم تقصد الطلاق، فلا يقع الطلاق فيما لو عادت زوجتك ورفعت صوتها.
وينظر جواب السؤال رقم (85575) ورقم (82400) .
وينبغي أن تمسك لسانك عن الطلاق وتحذر من استعماله عند الغضب والخصومة، لما في ذلك من تعريض الحياة الزوجية للخطر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1216)
حكم القاضي بوقوع الطلاق وزوجته ترفض الرجوع إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يتشاجر مع زوجته باستمرار. وفي أحد الأيام فوجئ بأن زوجته اتصلت بأهلها الذين يعيشون في دولة أخرى وقالت لهم أنه طلقها فقاموا بشراء تذاكر الطيران وسافرت بمعية ابنتهم التي تبلغ من العمر 20 شهراً عندما عاد وعلم بالموضوع سافر بعدها مباشرة وعندما وصل إلى هناك واستوضح الأمر قالت إنه نطق بالطلاق. بالنسبة له هو يقول إنه لم يكن يدرك لأنه كان في حالة غضب كما أنه يبرر في معرض كلامه بقوله إنه لم يكن على علم بأن الطلاق يقع حال الغضب أو حال عدم الطُهر (بما يوحي والله اعلم انه ربما تذكّر انه تلفظ بالطلاق) . على كل حال ذهبوا إلى المحكمة وهناك سمع القاضي منهما وحكم بأنها طلُقت منه. بعد ذلك قرر أن يرجعها ولكن جدّت مشكلة أخرى هي أن عائلة زوجته رفضا الإرجاع وزوجته كانت في صفهم في بادئ الأمر ولكنها غيرت رأيها فيما بعد. ما زال والدا زوجته مصران على عدم الإرجاع وزوجته ما زالت هناك وهو في استراليا وفترة العدة قاربت على الانتهاء ولا يدري ما العمل. هل يتركها؟ إن فعل فما مصير ابنته التي ستتربى في غير بيت أبيها. وان تزوج بامرأة أخرى تضاعف الحمل عليه إذ انه سيصبح مكلفاً بإعالة ثلاث اسر (الزوجة الجديدة- والداه- نفقة زوجته الأولى وابنته) . يقول: ضاقت بي السبل ولا حيلة لي إلا الدعاء. فما النصيحة التي توجهونها له.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية، ولم يكن طلاقا على مال، فهو طلاق رجعي يملك فيه إرجاع زوجته ما دامت في العدة، ولا يشترط رضاها ولا رضى وليها؛ لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228.
وينظر جواب السؤال رقم (75027) .
وعليه؛ فإن السائل يملك إرجاع زوجته ولو لم ترض بذلك، ويكفي في الرجعة أن يقول: أرجعت زوجتي، سواء أخبرها بذلك أم لا، وينبغي أن يشهد على الرجعة حتى لا تدعي الزوجة أنه لم يرجعها في العدة.
وإذا أرجع الرجل زوجته ألزمت شرعاً بالعودة إليه وإلا كانت عاصية ناشزاً، إلا أن يكون في عيشها مع زوجها ضرر معتبر، فلها أن تطلب الطلاق لرفع الضرر.
والمقصود أنه لا خوف من انقضاء فترة العدة، لأنه يمكنه إرجاع زوجته الآن ولو لم ترض.
فالذي ننصح به السائل أن يتصل بزوجته ويقول لها: قد أرجعتك، ويشهد على ذلك، وبهذا تكون زوجته قد عادت إلى عصمته، حتى ييسر الله لهما وتسافر إليه بعد استرضاء والديها.
ثانياً:
الاختيار بين مفارقة الزوجة أو الزواج بالثانية يُرجع فيه إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد، ويختلف باختلاف الإنسان وحالته المادية والنفسية ومدى استعداده لتحمل المشاكل التي تنتج غالبا بعد التعدد، واحتمال فراق ابنته وبعدها عنه، ولا ينبغي للمرء أن يقدم على شيء من ذلك إلا بعد التفكير والتروي واستشارة من يعرف أحواله، واستخارة الله تعالى، وينبغي أن يفزع إلى الدعاء في كل ما يهمه ويشغله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1217)
قال لزوجته: إن سقت سيارتك فأنت طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت لزوجتي: (بطلاق منك إذا بسوق السيارة) ملاحظة. ما كان بالي إلا أني لا أريد سياقة السيارة. هل إذا سقتها يلزم كفارة أم يقع الطلاق؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قولك لزوجتك: " بطلاق منك إذا بسوق السيارة " هو من الطلاق المعلق على شرط، وجمهور الفقهاء على أن الطلاق يقع عند وقوع الشرط، فإذا سقت سيارة زوجك وقعت طلقة واحدة.
وذهب بعض أهل العلم إلى التفصيل في ذلك بحسب نية الزوج: فإن أراد وقوع الطلاق وقع الطلاق، وإن لم يرد الطلاق، لكن أراد منع نفسه - مثلاً - من هذا الفعل، فيلزمه في حال الحنث كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو المرجّح عندنا في الموقع.
وعليه؛ فإذا لم يكن في نيتك أن الطلاق يقع عند ركوبك السيارة وإنما أردت منع نفسك فقط، فإنك إن ركبتها لزمتك كفارة يمين.
وعليك أن تحذر من استعمال ألفاظ الطلاق، فربما طلقت زوجتك، وكنت سببا في إنهاء العلاقة الزوجية بسبب تسرعك واعتيادك التلفظ بالطلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1218)
حلف أنه لا يقرب امرأته شهرين وإن فعل تكون طالقاً
[السُّؤَالُ]
ـ[صارت مشكلة بسيطة بيني وبين زوجتي فحلفت على زوجتي يمين بالله على أن لا أقربها (أجامعها) لمدة شهرين، وإن قربتها تكون طالقاً. ما الحكم في ذلك؟ هل إذا قربتها في الفترة المحددة تكون طالقاً أم علي كفارة يمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا حلف الرجل ألا يطأ زوجته أقل من أربعة أشهر، فهو إيلاء على الراجح، وهو قول جماعة من التابعين. فإن لم يقربها حتى انقضت المدة فلا شيء عليه، وإن جامعها خلال المدة لزمه كفارة يمين.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وقال النخعي , وقتادة , وحماد , وابن أبي ليلى , وإسحاق: من حلف على ترك الوطء في قليل من الأوقات أو كثير , وتركها أربعة أشهر , فهو مولٍ ; لقول الله تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) . وهذا مولٍ ; فإن الإيلاء الحلف , وهذا حالف " انتهى من "المغني" (7/415) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله: «أكثر من أربعة أشهر» ظاهر كلام المؤلف أنه لو آلى أن لا يطأها لمدة أربعة أشهر فليس بإيلاء، أو لمدة ثلاثة أشهر فليس بإيلاء، والصواب أنه إيلاء؛ لأن الله قال: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) البقرة/ 226، فأثبت الله الإيلاء، لكن جعل المدة التي ينظرون فيها أربعة أشهر، فإذا قال: والله لا أجامع زوجتي ثلاثة أشهر، فإن هذا مولٍ؛ لأنه حلف أن لا يجامعها، ولكننا ما نقول له شيئا الآن؛ لأنه إذا تمت المدة انحلت اليمين، مثاله: رجل قال لزوجته: والله لا أجامعك لمدة ثلاثة أشهر، فهنا نقول: هو مولٍ لكن ما نلزمه بحكم الإيلاء، بل ننظره حتى تنتهي ثلاثة أشهر، فإذا انتهت زال حكم اليمين" انتهى من "الشرح الممتع" (13/218) .
ثانياً:
أما قولك: "وإن قربتها تكون طالقاً" فهذا طلاق معلق على شرط، وجمهور الفقهاء على أن الطلاق يقع عند حصول الشرط، فلو جامعتها وقعت طلقة واحدة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يُرجع في ذلك إلى نية الزوج، فإن أراد إيقاع الطلاق عند حصول الشرط وقع الطلاق، وإن لم يرد إيقاع الطلاق بل أراد التهديد أو منع نفسه، فهذا يمين تلزم فيه الكفارة عند الحنث، وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره.
والذي نراه لك أن تتجنب قربانها حتى ينتهي الشهران احتياطاً لشأن الطلاق، فإن جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة، يوقعون الطلاق في مثل هذه الحالة.
والعجب من إقدامك على هذا الحلف وتعليق الطلاق مع كون المشكلة بينك وبين زوجتك بسيطة كما ذكرت، والواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يقف عند حدوده، وألا يتخذ الطلاق وسيلة للتهديد أو التنفيس عن غضبه.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1219)
قال لزوجته: لست مرتبطة بي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو النصح لإنقاذ زواجي وطفل عمره شهرين. المشكلة أنني أثناء حديثي مع زوجتي في بعض شئون المنزل قلت لها (بعهد الله لست مرتبطة بي) وقلت ذلك مرتين وكنت في غضب شديد ولم أعرف كيف قلت ذلك ولم أُرِد أن أقول ذلك لها. المشكلة حتى هذا الحد لم تكن متزايدة لكن ما زادها أنها كانت تسجل هذا الحوار وعرضته على إمام المسجد وهو عالم فقال إنني قد طلقتها مرتين وأنه ينبغي أن نعقد العقد مرة ثانية فقامت أسرة زوجتي بتصعيد الأمور ولا يرغبون في تزويجها لي ثانية وهي نفسها لا تستطيع أن تقرر ما يخصها حال كونها تحت سيطرتهم. أرجو مساعدتي لأنها ليست مشكلة الزوجين فقط وإنما مشكلة طفلة عمرها شهران.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أرى أنه يرجع لنيته لأن هذا من الكنايات، والكناية ترجع لها إلى النية، فإذا ما كان يريد الطلاق فلا يقع الطلاق، لأن مثلاً العلاقات هذه وما أشبهها يكنى بها الكثير على العلاقة الزوجية وعلى الأخوة مثلاً وعن الصحبة القديمة وعن المقارنة الدائمة فهي محتملة، فلما كان فيها احتمال رجع إلى نية الحالف، فإذا كان ينوي بها طلاقاً صريحاً وقعت بها طلقة، فإذا كانت الثانية يؤكد بها الأولى لا تقع شيئاً، وإن كان يريدها طلقة أخرى وقعت الثانية.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(6/1220)
طلق زوجته ثم عاد فقال لأبيها: بنتك طالق، فهل يقع الطلاق الثاني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قال لامرأته أنت طالق، وقال لأمها: بنتك طالق، ولما جاء الوالد قال له: بنتك طالق، ثم أراد الزوج أن يرجعها إلى عصمته، فهل تكون طلقة واحدة أم ثلاثاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق، وقعت طلقة واحدة، فإن عاد وقال لأمها: بنتك طالق، ثم قال لأبيها مثل ذلك، فهذا فيه تفصيل:
1- فإن أراد الزوج بذلك تأكيد الطلاق الأول، أو مجرد إخبار الأم أو الأب بوقوع الطلاق، ولم يُرِدْ إيقاع الطلاق مرة أخرى، فلا يقع بذلك طلاق في المرة الثانية ولا الثالثة، وإنما تكون طلقة واحدة فقط، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى فله رجعتها ما دامت في العدة.
2- وإن أراد إيقاع طلاق آخر غير الأول – والزوجة لا تزال في العدة - فهذا محل خلاف بين الفقهاء:
فالجمهور على وقوعه؛ لأن المعتدة من الطلاق الرجعي، في حكم الزوجات، فيلحقها الطلاق.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (29/12) : "ذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة - إلى وقوع الطلاق على المعتدة من طلاق رجعي , حتى لو قال الرجل لزوجته المدخول بها: أنت طالق , ثم قال لها في عدتها: أنت طالق , ثانية , كانتا طلقتين , ما لم يرد تأكيد الأولى , فإن أراد تأكيد الأولى لم تقع الثانية " انتهى.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الطلاق الثاني لا يقع؛ لأنه ليس هناك طلاق إلا إذا تخلله رجعة، أو عقد.
وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وينظر: "الشرح الممتع" (13/100) .
وعليه؛ فما دام الزوج قد تلفظ بالطلاق الثاني والثالث أثناء عدة الطلاق الأول الذي لم يراجع فيه زوجته، فلا يقع عليه غير الطلاق الأول، وله أن يراجع زوجته ما دامت في العدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1221)
قال لزوجته: أنت طالق وكلما حللت فأنت طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت لزوجتي أنت طالق، وكلما تحلي لي تطلقي، وهذه أول مرة أتفوه بها فهل تعتبر طلقة؟ وماذا علي فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الرجل لزوجته: " أنت طالق وكلما تحلي لي تطلقي " طلقت طلقة واحدة، لقوله: "أنت طالق".
فإن راجعها في العدة، حلّت له، وطلقت بذلك طلقة ثانية؛ لقوله: "وكلما تحلي لي تطلقي".
فإن راجعها حلّت له وطلقت طلقة ثالثة، وتبين منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
فإن لم يراجعها في الطلاق الأول حتى انقضت عدتها، فإنها تبين منه بينونة صغرى، وله أن يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد مع توفر شروط النكاح من الولي والشاهدين، ولا يقع عليه طلاق ثان، لأنه بمثابة ما لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فلا يقع الطلاق؛ لأن الطلاق لا يكون سابقا على النكاح، وطلاقه هنا أي قوله: (كلما حللت فأنت طالق) سابق على هذا النكاح الجديد.
قال البجيرمي في حاشيته على المنهج (4/7) " ولو قال لزوجته: أنت طالق، كلما حللت حَرُمْتِ، وقعت عليها طلقة , فلو راجعها في العدة وقعت عليها الثانية , فلو راجعها وقعت عليها الثالثة , وبانت منه البينونة الكبرى.
المخلّص من ذلك: الصبر إلى انقضاء العدة ثم يعقد عليها " انتهى.
وفي حاشية نهاية المحتاج (6/458) : " (قوله: كلما حللت حَرُمْتِ فواحدة) وعليه، فلو راجعها هل تطلق ثانيا وثالثا أم لا؟ فيه نظر , والذي يظهر: أنه إن نوى بقوله: "كلما حللت" حرمت الطلاق ثم راجع مرتين طلقت ثلاثا , لأنها ما دامت في العدة هي محل للطلاق، "وكلما" تقتضي التكرار , فإن انقضت عدتها من الطلقة الأولى ثم نكحها نكاحا جديدا لم تطلق، لأن التعليق سابق على هذا النكاح " انتهى.
وعليك مراجعة المحكمة الشرعية لتنظر في أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1222)
طلقها طلقة واحدة فسجلها المأذون ثلاث طلقات
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي وفي النية مرة واحدة وعندما استلمت الأوراق اكتشفت أنهم كتبوا أنه الطلاق الثالث مع أني لم أفعل من قبل، فما هو حكم الدين؟ وماذا أفعل هل من الممكن أن أشتكي المأذون لأن الخطأ منه هو. لأن من الممكن أن أرجع لطليقتي لكن بهذه الأوراق لا أستطيع أن أرجع، لأن الأوراق تثبت أنه طلاق بلا رجعة من غير محلل بس الله شاهد وأن هذه كانت أول مرة أطلقها فيها أرجو الإفادة وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت طلقت زوجتك طلقة واحدة بأن قلت مثلا: أنت طالق أو مطلقة أو طلقتك، أو زوجتي طالق، فإنها تطلق طلقة واحدة، ولك مراجعتها ما دامت في العدة.
وعليك مراجعة المأذون والمحكمة الشرعية لمعرفة السبب في كتابة المأذون لها ثلاث طلقات، وتصحيح هذا الخطأ؛ لأن بقاءك مع زوجتك لا يستقيم مع وجود وثيقة الطلاق الثلاث، لما يترتب على ذلك من مفاسد تتعلق بإثبات نسب الأولاد فيما بعد، وفي الميراث وغيره؛ لأنك بهذه الوثيقة تعد أجنبيا عن زوجتك لا يحل لك البقاء معها ولها أن تتزوج من غيرك ولا ترثها ولا ترثك لانقطاع الزوجية في الظاهر.
وأما كتابة المأذون إنه طلاق بلا رجعة، فهذا قد يكون صحيحاً إذا كنت قد طلقت زوجتك بمقابل، كمالٍ بذلته لك، أو أبرأتك من المؤخر ونحو ذلك ... .
فهذا يكون خلعاً وليس لك رجعة عليها، ولكن لك أن تعقد عليها عقداً جديداً.
وحينئذ لا بد من مراجعة المأذون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1223)
علق طلاق زوجته على شرط ففعلته ناسية
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قال لزوجته: إن تعرضت لأختي وخالي بما لم يتكلموا به فأنت بالثلاث، وبعد مدة خمسة وعشرين يوما تعرضتهم زاعمة أنها لم تذكر كلامه المذكور. والزوج يريد من هذا منعها من التعرض لأخته وخاله، ولا يقصد طلاقها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الطلاق المذكور لم يقع، وزوجته المذكورة باقية في عصمته، لكونها فعلت المعلق عليه طلاقها ناسية، وقد قال الله سبحانه: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، فقال الله سبحانه: (قد فعلت) ، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأصح من أقوال العلماء أن المحلوف عليه إذا فعل الشرط ناسيا أو جاهلا فإنه لا يقع ما علق عليه، أما إن فعلت ذلك عمدا في المستقبل، فعلى زوجها عن ذلك كفارة يمين في أصح أقوال العلماء؛ لأن شرطه المذكور في حكم اليمين" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/45) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1224)
قال لزوجته: علي الطلاق تحضري النقود الآن فرفضت
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتناقش أنا وزوجتي. وهناك حسابات بيني وبين أخي الذي يسكن في الدور العلوي.وقلت لها علي الطلاق تطلعي الآن لتحضري فلوس من أخي (للتوضيح: أنا لي نقود عند أخي وزوجتي لها أموال جمعية عند أخي وعندما طلبت منه أموال الجمعية قال لها خذي من زوجك فتضايقت أنا وقلت لها ليس لي دخل بالحساب الذي بينك وبينه أنا لي أموال عنده ولا أدري كيف آخذها منه وحدثت مشادة بيني وبينها وقلت لها علي الطلاق تطلعي وتأخذي منه فلوس الآن. فرفضت أن تطلع ودخلت تنام) .أنا الآن أهجرها هل هي طالق الآن وكيف أردها وهذه الطلقة الأولى بعد زواج خمسة عشر عاما وبيننا ثلاثة أطفال]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قولك لزوجتك: " علي الطلاق تطلعي وتأخذي منه فلوس الآن " هو من الحلف بالطلاق، وجمهور العلماء على أنه في حال الحنث يقع الطلاق، فإذا لم تفعل الزوجة ما أردت منها وقعت طلقة ولك أن تراجعها ما دامت في العدة، ما دامت هذه الطلقة الأولى.
وصفة المراجعة أن يقول الزوج لزوجته: راجعتك أو أمسكتك، وينظر جواب السؤال رقم (11798) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يُرجع إلى نية الحالف، فإن أراد الطلاق وقع الطلاق، وإن لم يرد الطلاق لكن أراد حث الزوجة على الفعل، فهو يمين، تكفره كفارة اليمين، وهذا القول هو الراجح، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال الشيخ ابن عثيمين: " الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم/1-2. فجعل الله تعالى التحريم يميناً. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري، وهذا لم ينو الطلاق وإنما نوى اليمن، أو نوى معنى اليمين، فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين، هذا هو القول الراجح " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/754) .
فعلى هذا، عليك أن تخرج كفارة يمين، ولا يقع طلاق بهذا، إن كنت لم تقصد إيقاع الطلاق.
ولمعرفة كفارة اليمين انظر جواب السؤال رقم (45676) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(6/1225)
حلف إن تزوج ابنه امرأة معينة فسوف يطلق زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي حلف يمين طلاق علي بأنه إذا سمع بأن ابنه قد كتب كتابه على واحدة بعينها فسوف يطلقني مع العلم بأنه حلف اليمين قبل ذلك مرتين في مواقف أخرى وهذه المرة الثالثة وقد سمع بالفعل أنه كتب الكتاب فرجع، وقال لي: إنه سوف يطلقني إذا رأى قسيمة الزواج، ما حكم الدين في ذلك؟ وما موقفي من زوجي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حلف الزوج بالطلاق أنه إن سمع بأن ابنه عقد على امرأة بعينها فسوف يطلق زوجته، ثم سمع بذلك، فلا يقع الطلاق بهذا، لأن ظاهر عبارة الزوج أن الطلاق لا يقع بمجرد سماعه، بل لابد أن يطلق هو بعد سماعه.
وعلى هذا، يكون هذا الكلام من الزوج تهديداً بإيقاع الطلاق، فله أن يطلق وله أن لا يطلق، فإذا لم يطلق فلا يقع عليه طلاق بمجرد هذا الكلام.
هذا؛ إذا كان الزوج قد قال: إنه سوف يطلق.
أما إذا كان قد قال: إنه إن سمع بهذا تكون زوجته طالقاً، فهذا يختلف حكمه عن اللفظ الأول.
فجمهور أهل العلم على أن الطلاق يقع بمجرد سماعه، ولا يحتاج هو أن يطلق.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يُرجع في ذلك إلى نية الزوج:
فإن أراد تهديد الابن وتخويفه ومنعه من الزواج من هذه المرأة ولم يرد الطلاق، فإنه يلزمه كفارة يمين، ولا يقع طلاق.
وإن أراد وقوع الطلاق، وقعت طلقة واحدة بمجرد سماعه الخبر.
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ولا يتعدى حدوده وأن يتجنب استعمال ألفاظ الطلاق لما يترتب عليها من أحكام وآثار.
وينبغي أن يعلم أن مسائل الطلاق مرجعها إلى المحكمة الشرعية لا سيما عند الاختلاف وعدم التأكد من نية الزوج فيما تلفظ به من كلمات الطلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1226)
قالت لزوجها: أنا وأنت مثل الإخوان
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تشاجرت مع زوجها، فقالت له: من اليوم أنا وأنت مثل الإخوان، وبعد ثلاثة أسابيع رجعت عن كلامها وعادت له، فهل يلزمها كفارة، وما حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقع الطلاق والظهار إلا من الزوج، فلو حرمت المرأة زوجها لم يقع بذلك طلاق ولا ظهار.
فقول المرأة لزوجها: من اليوم أنا وأنت مثل الإخوان، إن قصدت بذلك تحريمه على نفسها فلا يقع به ظهار، لكن إن عادت إليه ومكنته من وطئها، فعليها كفارة يمين.
وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: إن زوجتي تقول لي دائماً: " أنت زوجي، وأنت أخي، وأنت أبي، وكل شيء لي في الدنيا " هل هذا الكلام يحرمني عليها أم لا؟
فأجاب: "هذا الكلام منها لا يحرمها عليك؛ لأن معنى قولها " أنت أبي وأخي " وما أشبه ذلك: معناها: أنت عندي في الكرامة والرعاية بمنزلة أبي وأخي، وليست تريد أن تجعلك في التحريم بمنزلة أبيها وأخيها.
على أنها لو فُرض أنها أرادت ذلك: فإنكَ لا تحرم عليها؛ لأن الظهار لا يكون من النساء لأزواجهن، وإنما يكون من الرجال لأزواجهم، ولهذا إذا ظاهرت المرأة من زوجها بأن قالت له " أنتَ عليَّ كظهر أبي، أو كظهر أخي " أو ما أشبه ذلك: فإن ذلك لا يكون ظهاراً، ولكن حكمه حكم اليمين، بمعنى أنها لا يحل لها أن تمكنه من نفسها إلا بكفارة اليمين، فإن شاءت دفعت الكفارة قبل أن يستمتع بها، وإن شاءت دفعتها بعد ذلك.
وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن لم يجد: فصيام ثلاثة أيام " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2 / 803) .
وينظر جواب السؤال رقم (110010) ، ورقم (40441) .
وعلى هذا؛ فعليك كفارة يمين.
وينبغي للزوجين أن يتناصحا وأن يحلا مشاكلهما بعيداً عن استعمال ألفاظ الطلاق والظهار، ويتأكد هذا في حق المرأة فإنها ربما حرمت زوجها فغضب وصرح بتحريمها أو طلاقها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1227)
زوجها لا يصلي ويسيء إليها قبل الدخول فهل تطلب الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة، لم يدخل بي زوجي بعد لكنه يسيء معاملتي ويقذفني بألفاظ قاسية تجرحني، ويهددني بالطلاق لأبسط خلاف، لكنني أتوسل إليه وأقوم بكل ما يطلبه، اكتشفت أنه يكذب كثيرا، ولا يصلي، ويدخن. وقبل الزواج أظهر لي أنه جيد ولا يقرب المحرمات. يسبني دائما ولا يحترمني، وأصبح يطالبني براتبي، وبالتكلف بإجراءات العرس ومصاريفه، ولا ينفق علي نهائيا. حاول الأهل التحدث معه لكنه رفض التدخل في حياته الشخصية. يستمتع بي كجسد فقط لإرضاء نزواته ويقول أنا احبك!! مادا افعل؛ هل أطلب الطلاق؟ أخاف أن أصبر إلى أن ألد فأظلم الأبناء معي!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان زوجك كما ذكرت لا يصلي ويكذب ويسئ إليك ويهددك بالطلاق فلا خير لك في البقاء معه، لأمرين:
الأول: أن كونه لا يصلي مسألة كبيرة عظيمة، فتارك الصلاة المتكاسل عنها مختلف في كفره بين أهل العلم، والراجح أنه كافر؛ لدلالة النصوص الصحيحة على ذلك، وينظر: سؤال رقم (5208) .
والكافر لا يصح أن ينكح المسلمة.
وعلى القول بعدم تكفيره، فهو فاسق آثم، يجب قتله في مذهب مالك والشافعي رحمهما الله، ويجب سجنه في مذهب أبي حنيفة رحمه الله، فليس له أن يعيش حرا طليقا مع تركه الصلاة في مذهب الجميع.
والثاني: أن صدور هذه الإساءات منه قبل الدخول أمر لا يطمئن ولا يبشر بخير؛ لأن الغالب أن الزوج يظهر أحسن ما لديه من الخلق في هذه الفترة، فإذا كان يسيء إليك من الآن فلا ندري كيف سيكون حاله بعد ذلك.
وإذا كان ـ أيضا ـ يطالبك الآن براتبك، وهو ليس من حقه، ولو كنت في بيته؛ فكيف يكون حاله بعد الزواج!!
ولهذا ننصحك بتركه من الآن، قبل الدخول وقبل أن ترزقي منه بولد.
ونسأل الله أن ييسر أمرك، ويرزقك من فضله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1228)
أنكر زوجها الثاني وطئها حتى لا ترجع للأول
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مطلقة بالثلاث من زوجها، ثم تزوجت بعده، وانتقلت إلى بيت زوجها الثاني وبقيت معه شهرين، ثم طلقها، فلما أرادت الرجوع إلى زوجها الأول ادعى زوجها الثاني أنه لم يجامعها في تلك الفترة، وأنها كانت تمنعه من ذلك، فهل يجوز لها الرجوع إلى زوجها الأول؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ذكر صاحب المغني والشرح الكبير في المجلد الثامن من الكتابين المذكورين صفحة 501 أن المرأة يقبل قولها في ذلك، وتحل لزوجها الأول ما لم يكذبها [يعني: زوجها الأول] ، وذكرا أن ذلك هو مذهب الشافعي رحمه الله، ولم ينقلا عن غيره خلافا، وهو واضح، لأن الظاهر معها وهو متهم في إنكاره للجماع؛ لكونها لم تحسن عشرته حسب قوله، فيتهم بقصد منعها من زوجها الأول، ولأن الظاهر جماعه لها؛ لأن الغالب على الأزواج إذا خلوا بالمرأة مع القدرة هو حصول الجماع، فإنكاره ذلك خلاف الظاهر؛ ولأن ذلك لا يعلم إلا من طريقهما، وقد اعترفت به، وليس هناك ما يدفع اعترافها، فوجب تصديقها ما لم يكذبها زوجها الأول، والله سبحانه وتعالى أعلم، وأسأل الله أن يمن على الجميع بالفقه في الدين والثبات عليه إنه خير مسؤول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/159) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1229)
ابتلي بالوسوسة في الطلاق بعد العقد بساعتين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عقدت قراني علي فتاة، وبعد عقد القران بفترة قصيرة جدا ما تتجاوز الساعتين، بدون أي مقدمات وسوس لي بفكرة الطلاق، ومنذ تلك اللحظة أصبحت كلمة "أنتِ" أو "أنتِ طالق" ثقيلة علي لساني وتريد الخروج، وأنا لا أريد الطلاق، ولكن هذا الشيء كان أقوى مني، حيث أشعر بأن الذي يتكلم ليس أنا؛ علما بأني كنت أتحدث مع نفسي، ولم يكن الصوت مسموعا، حيث كنت بالسيارة؛ فأنا لا أذكر: هل أنا تلفظت بها أم لا؟ علما بأنه لم يكن في بالي أبدا الطلاق، حيث إنني أحب الفتاة، والحمد لله عقدت قراني عليها؛ فلماذا أطلق بدون سبب؟ ودائما الشيطان يوسوس لي بأني أعيش بالحرام وأنا أشعر بالهم علي صدري!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به، ما دام لم يقصد الطلاق، لأنه كما ورد في السؤال: لا يريد الطلاق، ولا يفكر فيه، وليس هناك ما يدعو له، وإنما هي هواجس ووساوس، وقد تقوى هذه الوساوس حتى يخيل له أنه تلفظ بالطلاق، بل قد يلفظ به، لكنه معذور في ذلك؛ لأنه مغلوب على عقله، كالمغلق عليه من الغضب الشديد، أو الغالط الذي يتلفظ بكلمة الطلاق خطأ.
وقد بوب البخاري في صحيحه: بَاب الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ، وَتَلَا الشَّعْبِيُّ: (لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ، وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: (أَبِكَ جُنُونٌ) ، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ " انتهى مختصرا.
وقد صرح جماعات من الفقهاء بما ذكرنا، من أنه لا يقع طلاق الموسوس، ولا يلزمه من ذلك شيء.
قال أبو القاسم العبدري:
" وسمع عيسى في رجل توسوسه نفسه، فيقول: قد طلقت امرأتي، أو: يتكلم بالطلاق، وهو لا يريده، أو: يشككه؟
فقال: يُضرِب عن ذلك [يعني: ينتهي عنه] ، ولا شيء عليه.
ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة: أن الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو مما لا طلاق فيه؛ لأن ذلك إنما هو من الشيطان، فينبغي أن يتلهى عنه، ولا يلتفت إليه؛ فإنه إذا فعل ذلك أيس الشيطان منه، فكان ذلك سببا لانقطاعه عنه إن شاء الله." انتهى. باختصار يسير، من التاج والإكليل (4/86) .
وينظر: البحر الرائق (5/51) لابن نجيم الحنفي، وإعلام الموقعين لابن القيم (4/49) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه، حتى لو تلفظ به بلسانه، إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه، ومكره عليه، لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق ". فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.) انتهى، نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/277) .
والحاصل أنه لا يقع عليك شيء من الطلاق ولو تلفظت به، إلا إذا قصدت الطلاق بقولك، وينبغي أن تسعى لعلاج هذه الوسوسة بالإكثار من الطاعة والذكر، وبالإعراض عنها ومخالفة ما تدعو إليه.
وينظر: سؤال رقم (62839) ورقم (105994) .
ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويصرف عنك كيد الشيطان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1230)
دخل بها قبل إعلان الدخول وأهلها يريدون الفسخ
[السُّؤَالُ]
ـ[تمت خطبة شاب على فتاة وتم عقد القران، وتم الدخول لكن بدون علم أهل الفتاة، وحصل خلافات بين الشاب والفتاة أدت إلى استحالة الاستمرار في العلاقة بينهما، المشكلة الآن أن الفتاة لم تعد بكرا والشاب أبلغ أهله بذلك ووالدة الشاب أبلغت والدة الفتاة بذلك، وأصر أهل الفتاة على فسخ الخطوبة بعد علم الأم بهذا وقالوا أنهم متنازلون عن كل الحقوق حتى يتم الفسخ، لكن أهل الشاب يخافون أن يظلموا الفتاة وحرصا منهم على سمعتها فهم مستعدون لتحمل هذا الزواج رغم الخلافات الكبيرة والتي ترتب عليها استحالة الاستمرار، هل للشاب أن يطلبها رغم رفض أهلها باعتباره دخل فيها فهي تعتبر زوجته رغم عدم إشهار الدخول؟ وهل هم آثمون إن أصر أهل الفتاة على الفسخ ورفضهم لحل الموضوع؟ وماذا يترتب على الفسخ؟ وماذا تنصحوا في هذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا عقد الرجل على المرأة صارت زوجة له، وجاز لكل منهما الاستمتاع بالآخر إلا الجماع؛ لما قد يترتب عليه من مفاسد، كأن تحمِل من هذا الجماع، وتلد قبل وقت الدخول المحدد، فتتهم المرأة، أو أن يحصل طلاق من الزوج أو وفاة، فيظن أن المرأة بكر وهي ثيب، ولهذا على الزوج أن يصبر حتى يتم إعلان الدخول، وعلى المرأة أن تمتنع من جماعه لو أراد ذلك.
وينظر جواب السؤال رقم (111165) ورقم (70531) .
ثانيا:
ينبغي أن ينظر الزوج في طبيعة المشاكل التي ظهرت في هذه الفترة، ومدى إمكان التغلب عليها مستقبلا، فإن تبين أنها أمور يمكن علاجها، استمر في زواجه، وطالب أهل الزوجة بتسليمها له.
وإن تبين أنها أمور يغلب على الظن عدم استقرار الحياة الزوجية معها فلا حرج عليه أن يطلق زوجته، ويؤدي إليها حقها، وهو كامل المهر [المقدم والمؤخر] ، وإذا تنازلت الزوجة عن شيء من ذلك برضاها، فلا حرج في ذلك.
ثالثا:
إذا رغب الزوج في بقاء النكاح، وأصر أهل الزوجة على الطلاق، فالمرجع في ذلك إلى رأي الزوجة نفسها، لأنها هي صاحبة الشأن، فإن كانت لا تريد الطلاق، فينبغي للزوج التمسك بها وألا يطلقها، وإن كانت تريد الطلاق بسبب تلك المشاكل، وترى أن الحياة ستكون صعبة مع هذا الزوج، فينبغي له أن يطلقها.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1231)
حلف على زوجة أبيه بالطلاق أن يكون اسم أخيه الأصغر سهيلا
[السُّؤَالُ]
ـ[حلف زوجي على زوجة أبيه بالطلاق أن يكون اسم أخيه الصغير سهيل، وزوجة أبيه لا تريد الاسم، فهل يقع الطلاق إذا غُيِّر الاسم؟ علماً بأن أباه على قيد الحياة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تسمية المولود حق للأب، وينبغي أن يشاور فيه زوجته، وأما الابن فلا حق له في ذلك، وحلفه بالطلاق فيه تعدٍّ على أبيه الموجود.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "تحفة المودود بأحكام المولود" ص 125: " الفصل الخامس في أن التسمية حق للأب، لا للأم. هذا مما لا نزاع فيه بين الناس، وأن الأبوين إذا تنازعا في تسمية الولد فهي للأب " انتهى.
ثانيا:
هذا الحالف إذا كان يقصد طلاق زوجة أبيه، فلا يقع الطلاق؛ لأنها ليست زوجة له، والطلاق إنما هو للزوج فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ) يعني: الزوج، رواه ابن ماجه (2081) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (2041) .
وإن كان يريد زوجته هو، ففيه تفصيل:
فإن قصد وقوع الطلاق عند عدم تنفيذ رغبته، طلقت زوجته طلقة واحدة.
وإن لم يقصد طلاق زوجته، وإنما أراد تغليظ الأمر على زوجة أبيه وإلزامها باتباع رغبته في التسمية ـ وهذا هو الغالب في مثل هذه الحال ـ فيلزمه عند تغيير الاسم كفارة يمين، فيطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام.
وينظر جواب السؤال رقم (82780) ورقم (105912) .
وينبغي الحذر من الحلف بالطلاق، لما قد يترتب عليه من ضياع الأسرة وتشتيتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1232)
طلقها عن طريق المحكمة لكن في طهر جامعها فيه فهل لها أن تتزوج من آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة طلبت الخلع من زوجي عن طريق المحكمة،، واستمر الأمر قرابة سنتين،، وفي يوم اجتمعت أنا وزوجي ووقع بيننا ما يقع بين الرجل وامرأته،، وبعد أسبوع ذهب إلى المحكمة وقام بتطليقي،،، ولقد سمعت أن من شروط الطلاق،، أن يكون من غير جماع وعلى طهر،، فهل طلاقي جائز،، ويحق لي الزواج بغيره،،؟؟؟ واعانك الله وجزاك الله عنا خير الجزاء]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطلاق في طهر جامع فيه الزوج، يقع عند جمهور العلماء، وذهب بعضهم إلى عدم وقوعه، وحيث إن الطلاق تم عن طريق المحكمة الشرعية، فهو طلاق معتبر، ويحق لك الزواج بعد انقضاء العدة، وإن أشكل عليك شيء فراجعي المحكمة الشرعية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1233)
طلاق الكناية مع الشك في النية أو مع وجود الوسوسة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قلت كناية عن الطلاق وشكيت هل نويت أم لا فما الحكم فيها؟ وأنا إنسان عندي مشكلة النسيان والوسواس أو الشك بشكل كبير، فهل أعاتب في بعض ما أقول سواء صلاة أو طلاق أو أي عبادات أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق نوعان: صريح وكناية، فصريح الطلاق هو: لفظ الطلاق وما تصرّف منه، كقوله: طالق وطلقتك.
والكناية كقوله: الحقي بأهلك، أو لا أريدك، أو لا حاجة لي فيك، أو إن الله قد أراحك مني.
والنوع الأول (الصريح) يقع الطلاق به ولو لم ينوه.
وأما النوع الثاني وهي ألفاظ الكناية، فلا يقع الطلاق بها عند الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلا مع وجود نية الطلاق، أو وجود قرينة كحال الغضب والخصومة، أو سؤال الزوجة للطلاق، فيقع الطلاق حينئذ ولو لم ينوه. والأخذ بالقرينة هنا هو مذهب الحنفية والحنابلة.
ينظر: "الموسوعة الفقهية" (29/26) .
ومن شك هل نوى الطلاق أم لا، لم يقع عليه الطلاق؛ لأن الأصل عدم الطلاق.
ثانيا:
من ابتلي بالوسوسة في أقواله أو اعتقاداته لم يؤاخذ بشيء من ذلك في الطلاق وغيره، كمن يشك أنه طلق زوجته، أو يظنه أنه إن تكلم بكلام معين أو فكر في شيء معين طلقت زوجته، فإنها لا تطلق.
وينظر جواب السؤال رقم (62839) ورقم (83029) .والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1234)
طلق زوجته لأمور اعترفت بها ووالده يقسم عليه أن لا يرجعها
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي لأسباب قد اعترفت بها لكنها الآن تريد أن تحلف اليمين بأنها لم تفعل ما فعلت ووالدي قد أقسم عليَّ أن لا يعيدها، ولو أعدتها لتبرأ مني، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله إذا كانت زوجتك مرضِية الدين والخلق، أو كنت تحبها ولا تقدر على تركها، فرغبت في إرجاعها، وأبى والدك ذلك، فإنه ينبغي أن تسعى في إقناعه وإرضائه ولو عن طريق بعض أقاربك أو من يستجيب الوالد لنصحه، فإن استجاب لذلك فالحمد لله، وتلزمه كفارة يمين، وإن أصر على رأيه فلا تلزمك طاعته في ذلك، لأن الطاعة إنما تجب في المعروف، وفيما لا ضرر منه على الابن. قال في "مطالب أولي النهى" (5/320) : "ولا تجب على ابن طاعة أبويه ولو كانا عدلين في طلاق زوجته، لأنه ليس من البر" انتهى. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل متزوج وله أولاد , ووالدته تكره الزوجة، وتشير عليه بطلاقها، هل يجوز له طلاقها؟ فأجاب: "لا يحل له أن يطلقها لقول أمه , بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق امرأته من برها. والله أعلم" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/331) . وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك فقال: " إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين: الأول: أن يبين الوالد سببا شرعيا يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: طلِّق زوجتك؛ لأنها مريبة في أخلاقها، كأن تغازل الرجال، أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة، وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يجيب والده ويطلقها؛ لأنه لم يقل: طلِّقها، لهوى في نفسه، ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنسا هذا الدنس، فيطلقها. الثانية: أن يقول الوالد للولد: طلِّق زوجتك، لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة، فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جدا حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟ ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي: وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسألة التي يقع السؤال عنها كثيرا " انتهى من "الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (2/671) . والأمر بعدم إرجاع الزوجة، كالأمر بطلاقها، فلا تلزم فيه الطاعة، لكن عليك أن تقارن بين مفسدة القطيعة المتوقعة بينك وبين والدك، ومفسدة الانفصال عن زوجتك، وأنت أدرى بطبيعة والدك ومدى احتمال عفوه عنك، وتراجعه عن التبرؤ منك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1235)
قال لمخطوبته إن أخفيت عني شيئا فتحرمين علي بعد الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبي يعلم أني كنت على علاقة مع شخص آخر قبل معرفته والشخص الآخر هو صديقه وقد حدث بيني وبين هذا الشخص أشياء لم تصل إلى فاحشة كبيرة لكنها محرمة أنا الآن تائبة وأتوسل إلى الله أن يغفر لي. المشكلة أن خطيبي شك في أن أمورا حصلت في الماضي مع صديقه وسمع كلاما من بعض زملائه يسيؤون لي وان هذا الصديق أفشى لهم عما جرى بيننا. فحلفني خطيبي أن أقول له كل شيء حصل وحلف هو أن أكون حرام عليه بعد الزواج إن أخفيت عنه شيئا أو كذبت. حلفت وبيدي المصحف وبداخل المسجد وبالقران واني حرام عليه باني لم اخفي عنه شئ وفي الحقيقة أنا أخفيت ما حدث لي في الماضي. علما وان زواجي قرب بمشيئة الله. أنا خائفة هل أنا مذنبة في حقه علما وانه دائما يقول لي أنه لن يسامحني وليس راضا عني أمام الله إن أخفيت عنه شيئا.ماذا افعل جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا ينبغي للخاطب ولا للزوج السؤال عن ماضي زوجته، فيكفيه أن تكون مستقيمة معروفة بالخير عند الزواج منها، غير مطعون في دينها وعفّتها، وأما كونها ألمّت بشيء من الحرام في الماضي، ثم تابت منه وصلحت، فإن من الخطأ سؤالها عنه، وتعريضها للكذب أو الطلاق، أو إلجاؤها لفضح نفسها وكشف ستر الله عليها، ثم إنها إن صدقت معه، فتح ذلك مجالاً للشك والريبة.
ومن الخطأ والجهل ما يدعو إليه البعض من مصارحة كل واحد من الزوجين للآخر بما كان في سابق أمرهما، مما ستره الله تعالى، بل عليهما أن يرضيا بستره ويحمدا الله على ذلك.
ثانيا:
لا يلزم الزوجة أو المخطوبة الإخبار بما وقع منها في الماضي وستره الله عز وجل، بل يجب عليها أن تستر نفسها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663.
وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
فإن ألح زوجها أو خاطبها في السؤال فلها أن تستعمل التورية، كأن تقول: لم يحصل شيء بيني وبين ذلك الرجل، وتقصد: لم يحصل اليوم أو بالأمس، لأنها مأمورة بالستر، وليس هناك مصلحة من إخباره، فشُرع لها التورية، بل جَوَّز بعض أهل العلم أن تكذب حينئذ.
وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال (83093) .
وعليه؛ فنرجو ألا يلحقك إثم بما اقترفت من الكذب، وكان الأولى أن تستعملي التورية.
ثالثا:
إذا قال الخاطب لمخطوبته: تحرمين علي بعد الزواج إن كنت أخفيت عني شيئا، ثم أخفت عنه شيئا فإنها لا تطلق، ولا يقع ظهار؛ لأن الطلاق والظهار لا يكونان إلا بعد النكاح، والخاطب تكلم بهذا قبل عقد النكاح فلا يقع طلاقه ولا ظهاره.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " واعلم أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح؛ لأنه حل قيد النكاح، فقبل النكاح لا طلاق، فلو قال رجل لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها، ما تطلق، أو رجل قالت له زوجته: سمعت أنك تريد أن تتزوج وهذا لا يرضيني، وضيقت عليه، فقال لها: ترضين أن أقول: إن تزوجت امرأة فهي طالق؟ قالت: يكفي ورضيت، فقالها، وما تزوج، فلو تزوج لم تطلق؛ لأنه قبل النكاح " انتهى من "الشرح الممتع" (13/7) .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وأن يصلح حالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1236)
طلقها في طهر جامعها فيه وهي الطلقة الثالثة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد طلقني زوجي ثلاث مرات في سبعة أشهر لكنه إنسان على قدر عال من الدين ولكنه في نفس الوقت عصبي جدا وفى نفس الوقت ليس لدينا من أسباب كبيرة لهدم هذا البيت وكانت عشرتنا تعتبر حسنة إلا وقت الخلاف فهو رغم دينه القوى لا يفكر ولكن هذا هو درس عمري وعمره ونحن نحب البعض كثيرا ونتمنى أن يكون لنا رجعة بعد هذا الدرس القاسي لكننا خائفين ولا نريد التحايل على الدين فقد أفتى لنا بعض الشيوخ أن لنا طلقة تسقط ولكننا نريد التأكد...... فهذه الطلقة حدثت بعد الجماع بساعتين تقريبا وأنا لم أكن طاهرة من هذا الجماع لكنة هو قد تطهر منه ولم يكن يعرف أكنت طاهرة أم لا فقد كان كالمجنون وضربني حين كان يطلقني لكنه كان مدرك ما يقول ويفعل, فقد أفتى لنا البعض أنها تسقط استنادا بالآية الأولى من سورة الطلاق أنه لا طلاق في غير طهر أما البعض الآخر فقد أفتوا أنها طلقة فيها إثم على الرجل ولكنها لا تسقط. فماذا نفعل وهل فعلا في اختلاف رأى الفقهاء رحمة بالمسلمين وهل لي أن أرجع إلى زوجي دون تعدٍ على حدود الله وأريد الأدلة الدينية لأي من الإجابتين. هناك أيضا طلقتين قبل ذلك الأولى كنت قد فقدت حملي وأنا في الشهور الأولى وكنا في حالة نفسية سيئة لأن نسبة حدوث الحمل لي ليست كبيرة والطلقة الأخرى كنت في آخر يوم من أيام الحيض وعلى وشك الطهور لكنه كان إلى حد ما هادئ في هذه الطلقة. نحن في حالة نفسية سيئة ونادمين كثيرا على ما حدث ونريد الرجوع دون إغضاب الرحمن. فما رأى الدين في هذه الحالة وإذا أخذت برأي الشيوخ أنه لي رجعة فهل في هذا إثم كما يقول البعض الآخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق المشروع هو ما كان في طهر لم تجامع فيه المرأة، أي في حال طهارتها من الحيض والنفاس ودون أن تُجامع في هذا الطهر. أما الطلاق حال الحيض أو النفاس أو حال طهارة المرأة منهما لكنها جومعت في هذا الطهر، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء، وجمهورهم على وقوع الطلاق في هذه الأحوال الثلاثة، وذهب بعضهم إلى عدم وقوعه لأنه طلاق بدعي محرم، ولقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطلاق/1. والمعنى: طاهرات من غير جماع. وممن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتبعه جماعة من أهل العلم، وهو المعتمد لدينا في الموقع. وينظر جوال السؤال رقم (106328) ورقم (72417) .
وإذا كنتما استفتيتما من تثقان فيه من أهل العلم فأفتاكما بعدم وقوع الطلقة الثالثة لكونها في طهر جامعك فيه زوجك، فلا حرج أن تأخذا بهذه الفتوى وتعودي لزوجك، مع الحذر من استعمال ألفاظ الطلاق مستقبلا.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1237)
قال لزوجته انتهى ما بيننا واذهبي إلى أهلك لكنه نسي نيته في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، أنا شاب متزوج منذ أربعة أشهر، ذات يوم تشاجرت مع زوجتي وقلت لها انتهى بيننا واذهبي إلى أهلك يوم الثلاثاء وفي الحين صالحتها وبعد مرور شهرين تشاجرنا مرة أخرى وقلت لها أنت طالق ثم صالحتها، وفي الغد قلت لها أنت طالق ثم صالحتها. وفي الحالات الثلاث كانت في طهر جامعتها فيه ولم اكن حينها اعلم أن الطلاق يقع بمجرد التلفظ به، وتحسب طلقة بل كنت احسب أن الطلاق يقع إما بكمال العدة أو في المحكمة وتحسب حينها طلقة. بالنسبة للحالة الأولى لم اعد أتذكر نيتي. لهذا استفتيت ثلاث شيوخ عن الحالات الثلاث، فأفتوني بان الطلاق يقع في الحالة الثانية والثالثة ولم يفتوني في الحالة الأولى لعدم تذكري لنيتي. وقرأت أن هناك اختلاف في الطلاق البدعي وان ابن تيمية يقول أنه لا يقع وانه كان كثيرا كان ما يصيب. أريد معرفة الحق كيف ما كان فأفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قولك لزوجتك: " انتهى ما بيننا واذهبي إلى أهلك " هو من طلاق الكناية، ولا يقع إلا بالنية، فإن جهلت نيتك أو نسيتها فالأصل عدم وقوع الطلاق.
ثانيا:
طلاقك لزوجتك في المرة الثانية والثالثة، الحكم فيه على ما أفتاك المفتون.
ثالثا:
ينبغي الحذر من التساهل في استعمال ألفاظ الطلاق، لما يترتب على ذلك من العواقب التي قد تضر الزوج وأهله وأولاده، وواضح من سؤالك أنك مستهتر بهذا الأمر العظيم حتى إنك تطلق اليوم وتراجع ثم تطلق من الغد وهذا تعد على حدود الله، وحري بمن فعل ذلك أن يُجرى عليه الطلاق كما فعل عمر رضي الله عنه لما تساهل الناس في الطلاق الثلاث.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1238)
هل يقع طلاق القاضي الكافر أو المحكمة في بلاد الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[عشت مع زوجي في دولة غربية والذي كان مدمناً للمخدرات لمدة ست سنوات مليئة بالمشاكل والمشادات. لم يعد الأمر يُحتمل فطلبت منه الطلاق فرفض، فلجأت إلى المحكمة، وفعلاً تم الطلاق، وقد مر على هذا الموضوع عدة سنوات. الآن أريد أن أعرف ما إذا كان هذا الطلاق صحيحاً أم لا؟ وما إذا كان هناك من طريقة لرجوعي زوجة له من جديد؟ الجواب:]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق في حال إصرار الزوج على ارتكاب الموبقات كشرب الخمر أو تناول المخدرات، فإن أبى الزوج طلاقها فلها رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليلزم الزوج بالطلاق أو يطلق هو إن رفض الزوج أن يطلق، فإن لم يوجد القاضي الشرعي رفعت أمرها إلى الجهة الإسلامية الموجودة في بلدها كالمركز الإسلامي ليقنعوا الزوج بالطلاق، أو يدعوه للخلع، ويجوز أن توثق هذا الطلاق الشرعي بعد ذلك في المحكمة الوضعية للحاجة لهذا التوثيق.
ثانياً:
إذا كنت لجأت إلى محكمة وضعية ألزمت الزوج بالطلاق، وتلفظ به أو كتبه بنية الطلاق، فالطلاق واقع.
وإن كان لم يتلفظ ولم يكتب الطلاق بنية الطلاق، وإنما حكمت المحكمة بالطلاق، فإن تطليق القاضي الكافر لا يقع.
وقد اتفق الفقهاء على اشتراط الإسلام في القاضي الذي يحكم بين المسلمين؛ لأن القضاء نوع ولاية، ولا ولاية لكافر على مسلم.
قال ابن فرحون رحمه الله: " قال القاضي عياض رحمه الله: وشروط القضاء التي لا يتم القضاء إلا بها ولا تنعقد الولاية ولا يستدام عقدها إلا معها عشرة: الإسلام والعقل والذكورية والحرية والبلوغ والعدالة والعلم وكونه واحدا وسلامة حاسة السمع والبصر من العمى والصمم وسلامة اللسان من البكم , فالثمانية الأول هي المشترطة في صحة الولاية والثلاثة الأخر ليست بشرط في الصحة , لكن عدمها يوجب العزل , فلا تصح من الكافر اتفاقا , ولا المجنون " انتهى من تبصرة الحكام (1/26) ، وينظر: الموسوعة الفقهية (33/295) .
وقد نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، المنعقد بكوبنهاجن- الدانمارك مع الرابطة الإسلامية، في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425هـ الموافق 22-25 من يونيو لعام 2004 م على: " أنه يرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلا لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه ".
وجاء فيه: " المحور السابع: مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم خارج ديار الإسلام:
بَيَّن القرار أنه إذا طلق الرجل زوجته طلاقا شرعيا فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة، وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم لإتمام الأمر من الناحية الشرعية، ولا وجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة لتوافر المراكز الإسلامية وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق " انتهى.
وعلى هذا، فعليك مراجعة المركز الإسلامي في بلدك وهم يتولون النظر في الأمر.
ثالثا:
إذا طلقت المرأة من زوجها الطلقة الأولى أو الثانية، وانقضت العدة، جاز أن ينكحها مرة أخرى بعقد جديد ومهر جديد، بحضور الولي والشهود.
وأما إن طلقت ثلاث طلقات فلا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ثم يموت عنها الثاني أو يفارقها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1239)
يطلق مخطوبته التي ارتكب معها بعض المحرمات حتى لا يفكر بالرجوع إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت فتاه وصار بيني وبينها بعض القبلات، مما أدى إلى كراهيتي لها ثم تركتها وخطبت أخرى ولكن الإحساس بالذنب ظل يطاردني وكلما زاد قلت لنفسي بصوت واضح على الخطيبة الأولى هي طالق.. طالق حتى لا يحق لي الرجوع لها وكي أثبت نفسي مع الثانية ولكن يشاء الله أن تفسخ الخطوبة بالثانية لمشاكل عائليه وفكرت في الرجوع للأولى ولكنى قد طلقتها قبل أن أكتب عليها فهل يجوز لي العودة إليها كي أكفر عن ذنبي أم أنها لا تحل لي]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب على المسلم أن يتقي الله في بنات المسلمين ونسائهم، وأن لا يتعدى حدود الله، فمن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه، ولا يؤمن الرجل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وحتى يكره له ما يكره لنفسه، ولا تجد رجلا في العالمين ذا دين ومروءة وعقل يرضى لنفسه أن يخطب أحدهم ابنته أو أخته ثم يصنع معها ما لا يحل له من التقبيل والخلوة المحرمة ونحو ذلك.
فليتق الله كل امرئ في محارم الله، وحرمات المسلمين.
ثانيا:
لا بد أن تعلم أخي المسلم أن الخاطب أجنبي عن المخطوبة؛ لأن الخطبة مجرد وعد بالزواج، وليست زواجا، ولا يحل له من مخطوبته شيء مما يحل له من امرأته، وإنما هي أجنبية عنه تماما.
قال ابن قدامة في "المغني" (7/74) :
" لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا ; لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ , فَبَقِيَتْ عَلَى التَّحْرِيمِ ; وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ , فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ} وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرَ تَلَذُّذٍ وَشَهْوَةٍ , وَلَا لِرِيبَةٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ يَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ وَلَا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ لَذَّةٍ " انتهى.
وقال الشيخ العثيمين:
" المرأة المخطوبة كغير المخطوبة في النظر إليها، والتحدث إليها والجلوس معها؛ أي إن ذلك حرام على الإنسان، إلا النظر بلا خلوة إذا أراد خطبتها. وإذا كان الرجل يريد أن يستمتع بالجلوس إلى مخطوبته والتحدث إليها فليعقد النكاح.
وخلاصة القول أنه يحرم على الخاطب أن يتحدث مع مخطوبته في الهاتف، أو يخلو بها في مكان، أو يحملها في سيارته وحده، أو تجلس معه ومع أهله وهي كاشفة الوجه " انتهى باختصار
"فتاوى نور على الدرب" (10/87) مختصرا.
ثالثا:
حيث إن المخطوبة أجنبية، لا تحل له إلا بالعقد، فتطليقها قبل العقد لغو وليس بشيء، لأن الطلاق لم يصادف محله، وقد روى أبو داود (2190) وابن ماجة (2047) وأحمد (6893) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ) .
وإسناده حسن، وله شواهد، انظر: "إرواء الغليل" (7/151)
وقال البخاري في صحيحه (5/2017) :
" بَاب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) َقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ) انتهى.
والخلاف في هذه المسألة مشهور:
قال ابن رشد:
" وأما تعليق الطلاق على الأجنبيات بشرط التزويج مثل أن يقول: إن نكحت فلانة فهي طالق فإن للعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب: قول إن الطلاق لا يتعلق بأجنبية أصلا عم المطلق أو خص، وهو قول الشافعي وأحمد وداود وجماعة، وقول إنه يتعلق بشرط التزويج عم المطلق جميع النساء أو خصص، وهو قول أبي حنيفة وجماعة، وقول إنه إن عم جميع النساء لم يلزمه، وإن خصص لزمه، وهو قول مالك وأصحابه " انتهى.
"بداية المجتهد" (2/67)
والصواب في ذلك ما تقدم؛ أنه لا طلاق قبل النكاح، وهو قول جمهور السلف.
قال ابن عبد البر:
" قول من قال لا يلزم طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك لا إذا خص ولا إذا عم:
ثبت ذلك عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وسعيد بن المسيب وشريح والحسن وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وعلي بن حسين وأبي الشعثاء جابر بن زيد والقاسم بن عبد الرحمن ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي ونافع بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وقتادة ووهب بن منبه وعكرمة.
وبه قال سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري " انتهى مختصرا.
الاستذكار - (6 / 188- 189)
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل حلف بالطلاق أنه ما يتزوج فلانة، ثم بدا له أن ينكحها، فهل له ذلك؟
فأجاب: " له أن يتزوجها ولا يقع بها الطلاق إذا تزوجها عند جمهور السلف وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما " انتهى.
مجموع الفتاوى - (ج 32 / ص 170) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة:
أن رجلا حلف أنه كلما تزوج امرأة فهي طالق، أو كل امرأة يتزوجها فهي كذا؟
فأجابت اللجنة:
" تعليق الطلاق قبل النكاح لا يقع على الصحيح من قولي العلماء؛ لما روى الترمذي وحسنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق قبل نكاح " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/192)
على أن محل الخلاف المذكور هنا، هو فيما لو قال: إن تزوجت فلانة، فهي طالق، أو: أيما امرأة تزوجتها فهي طالق؛ وأما إن طلق امرأة أجنبية عنه، دون أن يعلق تطليقها بنكاحه إياها، فهو لغو، من غير شك، ولا يتعلق به طلاق أصلا.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الطلاق قبل العقد لا يقع؛ لأنه لا يصح إلا من زوج، والخاطب الذي لم يعقد النكاح ليس زوجا، فلا يصح طلاقه ولا يقع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق)
انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/191)
والخلاصة: أن ما ذكرته من تلفظك بالطلاق في حق مخطوبتك السابقة، لغو ليس له أثر في نكاحها، ولا يمنعك ذلك من العودة إلى نكاحها، متى رغبت بذلك، وبدا لك أن ذلك من الخير.
رابعا:
كونك تريد العودة إليها كي تكفر عن ذنبك، فإن سبيل تكفير الذنب ليس هو العودة إليها، وإنما هو الاستغفار والتوبة إلى الله، والندم على ما وقع منك، والحرص على المحافظة على حرمات المسلمين، ثم لا شك أن رجوعك إليها إن كان في ذلك المصلحة لك ولها، لا شك أن به تطييبا لخاطرها، ومراعاة لحالها، على أن يكون هذا الرجوع بسبيل الاستقامة والتوبة عما بدر من قبل، كما أن عليها الاستغفار والتوبة أيضا مما كان منها، وعلى أن تتعلم أنت وهي من ذلك الدرس: كيف أن الشيطان يسعى بالإنسان للوقوع في المعصية، ثم يسعى به إلى إلقاء البغضاء في قلوب أهلها. وتأمل بيان الله عز وجل لنا حال المودات والصداقات بين أهل المعاصي، كيف يكون أمرها: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف/67.
ولقد يكون السبب في ورطتها معك أنها سعت لإرضائك، حتى تتم زاجها بك، ونسيت سخط رب العالمين.
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ؟
فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ: (سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ؛ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ) .
رواه الترمذي (2414) مرفوعا، وموقوفا على عائشة، والصواب وقفه، كما قال الدارقطني رحمه الله، وغيره. انظر: العلل، للدارقطني (14/183) .
ولذلك قالوا:
" أول من يزهد في الغادر: من غَدر له الغادر. وأول من يمقت شاهد الزور: من شهد له به. وأول من تهون الزانية في عينه: الذي يزني بها ".
"الأخلاق والسير"، لابن حزم (75) .
والخلاصة:
أنه لا حرج في رجوعك إلى مخطوبتك السابقة، على أن يسبق ذلك: توبة منك ومنها، عما بدر منكما، وعلى أن تتعلما من ذلك الدرس الماضي، ثم تبادر بإتمام الزواج في أقرب وقت ممكن لك.
ثم شيء نصارحك به: أننا لمسنا منك وسواسا ظاهرا، ونخشى عليك أن يؤثر ذلك في حياتك، وهذا هو الذي دفعك للتلفظ بذلك؛ فاحذر باب الوسواس، لا ينغص عليك عيشك، ولا يفسد عليك دنياك وأخراك.
وراجع إجابة السؤال رقم (98452) – (87496)
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1240)
طلقها مرة ثم عادة وطلقها مرتين في العدة
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى صديقاتي طلقها زوجها عن طريق رسالة sms طلقة واحدة، ثم بعد ذلك قام احد الأقارب بالاتصال به ليستفسر منه ما المشكلة فازداد غضبه أكثر وقال هي طالق الطلقة الثانية والثالثة علماً أنه فعل هذا كله وهو بكامل قواه العقلية، بعد ذلك اتصل وقال أريد أن أرجعها ولكن قيل له انه لم يعد هناك فرصة لأنه قد طلقها ثلاثاً. الآن الحاجة لرجوعهما إلى بعض أصبحت ملحة أكثر لأنه عندما طلقها كانت حاملا في الشهر السابع تقريباً وقد وضعت حملها الآن. فما الحكم هل تعتبر هذه الطلاقات الثلاث فقط طلقة واحدة. وهل هناك من إمكانية لرجوعهما إلى بعض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء فيمن جمع طلقتين أو ثلاثاً معاً، والراجح أنه تقع طلقة واحدة، سواء تلفظ بها بكلمة واحدة كقوله: أنت طالق ثلاثا، أو تلفظ بها بكلمات متفرقة، كقوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو قال كما في السؤال: هي طالق الطلقة الثانية والثالثة، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه الشيخ السعدي رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
واستدلوا بما رواه مسلم (1472) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ) .
واختار هؤلاء العلماء رحمهم الله أن الطلاق لا يقع إلا بعد رجعة أو عقد، فمن طلق زوجته في يوم، ثم عاد وطلقها أثناء عدة الطلاق الأول، لم يقع الطلاق الثاني.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والقول الراجح في هذه المسائل كلها: أنه ليس هناك طلاق ثلاث أبداً، إلا إذا تخلله رجعة، أو عقد، وإلا فلا يقع الثلاث، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصحيح " انتهى من "الشرح الممتع" (13/94) .
وعليه؛ فما دام الزوج قد تلفظ بالطلاق الثاني والثالث أثناء عدة الطلاق الأول الذي لم يراجع فيه زوجته، فلا يقع عليه غير الطلاق الأول، وله أن يراجع زوجته ما دامت في العدة، وقد انقضت عدتها بوضع الحمل، فله أن يعقد عليها عقداً جديداً، بمهر وولي وشهود، وتحسب عليه الطلقة السابقة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1241)
قال لزوجته: تحرمين عليّ قدر عيني ما تشوف
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رجل لامرأته: تحرمين عليّ قدر عيني ما تشوف. يعني: كل ما أعاين أنت حرام عليّ. وبعد ذلك أتى لها بورقتها، وهذه الطلقة الأولي. والرجل يريد أن يراجع امرأته، فهل يجوز له مراجعتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الرجل لزوجته: " أنت محرمة علي قدر عيني ما تشوف " أو أنت حرام علي، أو تحرمين علي، ونحو هذا من ألفاظ التحريم، مما اختلف فيه الفقهاء على أقوال كثيرة، والراجح منها أنه يُرجع فيه إلى نية الزوج، فإن أراد الطلاق فهو طلاق، وإن أراد الظهار فهو ظهار، وإن لم يرد شيئا من ذلك أو أراد الامتناع من زوجته فهو يمين.
وقولنا: إن أراد الطلاق فهو طلاق، أي تقع طلقة واحدة، حتى ولو نوى الثلاث أو نوى التحريم المؤبد.
والمقصود بنية الطلاق: أن ينوي مفارقة الزوجة أو أنها لا تبقى معه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن قال قائل: ما هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة؟ قلنا: الفرق بينهما:
الحال الأولى: في اليمين هو ما نوى التحريم، لكن نوى الامتناع إما معلقا وإما منجزا، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فأنت عليّ حرام، هذا معلق. فهنا ليس قصده أنه يحرم زوجته، بل قصده أن تمتنع زوجته من ذلك.
وكذلك: أنت علي حرام، قصده أن يمتنع من زوجته، فنقول: هذا يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ... ) إلى أن قال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وقوله: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) "ما" اسم موصول يفيد العموم، فهو شامل للزوجة وللأمة وللطعام والشراب واللباس، فحكم هذا حكم اليمين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهي يمين يكفرها. والاستدلال على ذلك بالآية ظاهر.
والحالة الثانية: أنه يريد به الطلاق، فينوي بقوله: أنت علي حرام، يعني: إنني مفارقك، وما يريد أن تبقى معه، يريد أن يفارقها بهذا اللفظ. فهذا طلاق، لأنه صالح للفراق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . الحالة الثالثة: أن يريد به الظهار، ومعنى الظهار: أن يريد أنها محرمة عليه، فهذا قال بعض أهل العلم: إنه لا يكون ظهارا، لأنه لم يوجد فيه لفظ الظهار. وقال بعض العلماء: إنه يكون ظهارا؛ لأن معنى قول المظاهر لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ليس معناه إلا أنت حرام، لكنه شبهها بأعلى درجات التحريم وهو ظهر أمه، لأنه أشد ما يكون حراما عليه، فهذا يكون ظهارا" انتهى من "الشرح الممتع" (5/476) .
وإنما ذكرنا حالات النية، لأن بعض الناس يقول: ما قصدت الطلاق، والواقع أنه قصد مفارقة زوجته، وألا تبقى معه، وهذا قصدُ الطلاق.
وقولك: " وبعد ذلك أتى لها بورقتها، وهذه الطلقة الأولي " يدل على أنه أراد بهذا الكلام: الطلاق.
فتقع على الزوجة طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فيقول لها: راجعتك.
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى، ويمسك لسانه عن الطلاق حال الغضب، لما قد يترتب على ذلك من انهيار أسرته وافتراق شملها من حيث لا يريد.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1242)
يدعي أنه طلقها في إغلاق ويرفض سؤال غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت سألتني"هو أني تخاصمت مع زوجي وبدء يصرخ وقال لي أنت طالق طالق طالق وبعد حوالي ساعة عندما هدأ قال لي إنه كان في إغلاق ولم يقصد ما قال ولم يفكر في الطلاق أبدا وبعدها جامعني. الآن أنا موسوسة وفي اكتئاب وحيرى وقلق لا يعلمه إلا الله علما انه تلفظ بهذا في طهر جامعني فيه، واستدل بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام لا طلاق في إغلاق، علما أنه إذا كان طلاق فانه الأخير وعندي معه ثلاثة أولاد وليس لي أحد. سؤالي هو ماذا افعل أنا؟ هل أصدقه أم لا؟ وزوجي يرفض الاستفتاء ويقول بأن الإنسان يستفتي نفسه ويقول بأنه عندما تلفظ بالطلاق بأنه لم ينويه ولم يقصده وأنا مازلت موسوسة ماذا افعل وهل علي إثم إذا استمريت معه علما أن سبب المشكل الانترنت كنت دائما اشك فيه ويغضب لهذا وآخر مرة، زاد شكي أكثر عندما جئته فلم يتركني أرى وأغلق الكمبيوتر عندها صار المشكل وبعد ثلاث أيام زاد مشكل أكبر عندما ذهب في الليل إلى غرفة الكمبيوتر وأطفأ المصباح وتركني غضبت كثيرا وبعثت له ولدي ليناديه وعندما أتى تناقشت معه وصار المشكل والطلاق هذا وأنا الآن في حيرة وقلق. وإذا ناقشته غضب وقال لي أنت لا تثقين في وإذا طلبت الطلاق رسمي لن أعطيك شيئا مثل نفقة الأولاد وسكن يعيشون فيه علما أني ليس لي وظيفة ولا شيء لأنفق علي الأولاد فهم صغار. جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق حال الغضب يختلف حكمه حسب نوع الغضب ودرجته، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم 45174، وحاصله: أنه إذا كان الغضب شديدا لم يدر معه الزوج ما يقول، أو كان غضبا متوسطا حمل الزوج على الطلاق، ولولاه ما طلق، فإن الطلاق لا يقع حينئذ.
وإذا ادعى الزوج وجود هذا الغضب، فأمره إلى الله تعالى، وهو أعلم بحاله.
ثانيا:
اختلف الفقهاء فيما لو طلق الرجل زوجته في طهر جامعها فيه، فذهب جمهورهم إلى وقوع الطلاق، وذهب بعضهم إلى عدم الوقوع لكونه طلاقا خلافا للسنة، وهذا هو الراجح، وينظر جواب السؤال رقم 72417 ورقم 106328.
ثالثا:
ليس لأحد أن يرفض الاستفتاء بحجة أن الإنسان يستفتي نفسه، فإن الله تعالى أمر بسؤال أهل العلم والذكر، كما قال سبحانه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.
والإنسان قد يحابي نفسه، ويتبع هواه، ويجري خلف الرخص لأجل ذلك، وقد يعلم شيئا وتغيب عنه أشياء، فالمخرج له أن يسأل أهل العلم.
رابعا:
ينبغي للزوجة أن تستعمل الحكمة في نصحها لزوجها، وأن تغلب حسن الظن، وتدع الوساوس، وتحمل كلام زوجها على الصدق ما أمكن، وتسعى لمصارحة زوجها وتذكيره وإعانته على الخير، والبحث عن أسباب انحرافه إن كان هناك انحراف أو أخطاء، وإشعاره بأنها الزوجة الحريصة على زوجها، لا المتصيدة لأخطائه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1243)
الخلع لا يعتبر طلاقا ولو كان بلفظ الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالخلع، فقد خلعت نفسي من زوجي أمام احد الشيوخ وشاهدين، ثم بعد ستة أشهر قررنا أن نعود إلى بعض وبعقد نكاح جديد. ثم بعد سنتين من ذلك طلبت الخلع مجددا وحصلت عليه فعلاً. بعد أخذ ورد وعدني أنه سيحسن معاملتي وانه يجب أن نعود إلى بعض من أجل الطفل الذي بيننا. سؤالي: هل يعتبر الخلع طلاقاً، وهل يعني ذلك انه بقي لي طلقة واحدة فقط؟ وهل يجوز لنا أن نعود إلى بعض من جديد؟ وكيف نرجع إلى بعض، هل بعقد نكاح جديد؟ أرجوا النصح والتوجيه، وفي حال أردتم أن تعرفوا أي شيء آخر ارجوا إعلامي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخلع لا يعتبر طلاقا، ولو كان بلفظ الطلاق، على الراجح.
وبيان ذلك كما يلي:
1- الخلع إذا لم يكن بلفظ الطلاق، ولم ينو به الطلاق، فهو فسخ عند جماعة من أهل العلم، وهو قول الشافعي في مذهبه القديم، والمذهب عند الحنابلة، ويترتب على كونه فسخا أنه لا يحسب من الطلاق، فمن خالع زوجته مرتين، فله أن يرجع إليها بعقد جيد، ولا يحسب عليه شيء من الطلاق.
ومثال ذلك: أن يقول الزوج: خالعت زوجتي على كذا من المال، أو فسخت نكاحها على كذا.
2- وأما إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، كقوله: طلقت زوجتي على مال قدره كذا، فإنه يكون طلاقا في قول جماهير أهل العلم. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (19/237) .
وذهب بعضهم إلى أنه يكون فسخاً أيضاً، ولا يحسب من الطلاق ولو كان بلفظ الطلاق، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إنه المنصوص عن الإمام أحمد وقدماء أصحابه.
وينظر: "الإنصاف" (8/393) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولكن القول الراجح: أنه [يعني: الخلع] ليس بطلاق وإن وقع بلفظ [الطلاق] الصريح، ويدل لهذا القرآن الكريم، قال الله عز وجل: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229، أي: في المرتين، إما أن تمسك وإما أن تسرح، فالأمر بيدك (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229، إذاً هذا فراق يعتبر فداء، ثم قال الله عز وجل: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) البقرة/230، فلو أننا حسبنا الخلع طلاقا لكان قوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) هي الطلقة الرابعة، وهذا خلاف الإجماع، فقوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) أي: الثالثة (فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) والدلالة في الآية واضحة، ولهذا ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن كل فراق فيه عوض فهو خلع وليس بطلاق، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، وهذا هو القول الراجح " انتهى من "الشرح الممتع" (12/467- 470) .
وقال رحمه الله: " فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، بأن قال مثلا: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال، فنقول: هذا خلع، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أي: أنه فسخٌ بأي لفظ كان، ولا يحسب من الطلاق.
ويترتب على هذا مسألة مهمة، لو طلق الإنسان زوجته مرتين متفرقتين، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق، تحل له بعقد جديد حتى في العدة، وهذا القول هو الراجح. لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا، بل يقولوا: خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا؛ لأن أكثر الحكام (القضاة) عندنا وأظن حتى عند غيرنا يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقا، ويكون في هذا ضرر على المرأة، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت، وإن كانت غير الأخيرة حسبت عليه " انتهى من الشرح الممتع (12/450) .
وبناء على ذلك؛ فإن أردت الرجوع إلى زوجك، فلابد من عقد جديد، ولا يحسب عليكما شيء من الطلاق.
والله أعم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1244)
قال لزوجته: إن اتصلت بفلانة فأنت طالق فاتصلت فهل يستمر المنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني زوجي أن أقاطع إحدى صديقاتي , وقال لي إنني إذا اتصلت بها – بأي وسيلة كانت - فإنني طالق. إلا أنني اتصلت بها ومن المفترض أن أكون طالقا , إلا أن زوجي راجعني مرة أخرى. ويريد الآن أن يتراجع عن القول الذي قاله وسمح لي أن أتكلم وأن أتصل بهذه الصديقة , فكيف له أن يتراجع عن ذلك الشرط الذي وضعه؟ فهل يجب عليه أن يتراجع عن ذلك القول شفوياً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الزوج لزوجته: إذا اتصلت بفلانة فأنت طالق، وهو مريد للطلاق، فهذا طلاق معلق على شرط، فإن اتصلت الزوجة وقعت طلقة واحدة رجعية، وللزوج أن يراجع زوجته ما دامت في العدة.
وهل له أن يسقط هذا الشرط ويسمح لزوجته بالاتصال مستقبلا؟
الجواب: نعم، لأن الطلاق انحل باتصالها الأول. والفقهاء يفرقون بين قول الزوج: إن اتصلت فأنت طالق، وقوله: كلما اتصلت فأنت طالق، فالصيغة الأولى لا تفيد التكرار، بخلاف الثانية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (13/133) : " قوله: «وهي وحدها للتكرار» أي «كلما» وحدها دون سائر الأدوات للتكرار، فهذا من خصائصها، فإذا قال لزوجته: كلما قمت فأنت طالق، فقامت تطلق، ثم قامت ثانية تطلق، ثم قامت ثالثة تطلق، بخلاف «إنْ» مثلاً، فلا تفيد التكرار، فإذا قال لها: إن قمت فأنت طالق، ثم قامت طلقت، فإذا قامت ثانية لم تطلق.
وأدوات الشرط تنقسم باعتبار التكرار إلى قسمين: ما يفيد التكرار، وما لا يفيد التكرار، والذي يفيد التكرار «كلما» فقط، ومعنى التكرار أنه كلما تكرر الشرط وقع الطلاق ".
إلى أن قال رحمه الله: " قوله: «وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحنث إلا في كلما» يعني إن وجد القيام منها عدة مرات لم يتكرر الطلاق، إلا في «كلما» لأنها للتكرار " انتهى.
وبناء على ذلك؛ فإذا كان زوجك قد قال: إن اتصلت بفلانة فأنت طالق، فاتصلت ووقع الطلاق، فقد زال المحذور، ولا يترتب على اتصالك عليها ثانيا طلاق، ولا يحتاج هذا إلى كلام من الزوج أنه أسقط هذا الكلام، لأن قوله: " إن اتصلت " لا يفيد التكرار، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1245)
اتفقت مع زوجها أنه إن سافر بدون علمها كان آخر يوم بينهما فسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة اشترطت على زوجها عدم السفر خارج البلاد بدون علمها وأنه إذا سافر بدون علمها سيكون آخر يوم بينهما، ثم سافر بدون إخبارها، وهي لا تعلم هل كان ناسيا للشرط أم متهاونا به؟ فهل تنتهي علاقتهم بهذا العمل وتكون المرأة بائناً؟ أي: تطلقت من زوجها طلاقاً بائناً لا رجعة فيه، أم تكون طلقة واحدة؟ أم هو راجع للمرأة نفسها إذا أصرت على شرطها تكون تطلقت وإذا تراجعت لا يكون هناك شيء؟ وهل هناك كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقع الطلاق إلا من الزوج، فلو طلقت المرأة زوجها أو حرمته على نفسها، لم يقع بذلك طلاق.
لكن إذا قبل الزوج ما اشترطته الزوجة، وقال: إنه إذا سافر بدون علمها سيكون آخر يوم بينهما، فهذا اللفظ من كنايات الطلاق، وهو معلق على شرط، فيرجع فيه إلى نية الزوج، فإن أراد بذلك وقوع الطلاق، وقع الطلاق، وإن لم يُرِد الطلاق لم يقع، وإن أراد منع نفسه من السفر دون علمها ولم يُرِد الطلاق ثم سافر فعليه كفارة يمين.
ولو قال: كنت أردت بالشرط: الطلاق، لكنه سافر ناسيا الشرط، لم يقع الطلاق على الراجح.
وينظر جواب السؤال رقم 105998.
وفي حال الحكم بوقوع الطلاق، فإنه تقع طلقة واحدة فقط، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، فللزوج أن يراجع امرأته ما دامت في العدة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1246)
هل للمطلقة بعد الدخول متعة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت السنة الماضية، وكنت أعيش في الكويت مع زوجي وذلك بسبب بعض الظروف الصحية التي ظهرت معي بعد انتقالي للعيش هناك , وأرسلني زوجي إلى الهند للعلاج، ووعدني أن يتكفل أهله بكل التكاليف المالية الخاصة بالعلاج. وبعد قدومي إلى الهند وجد الأطباء أنني أعاني من مرض مزمن وأن عليّ أن أتناول العلاج طوال الحياة , وأدى هذا الأمر إلى أن قام أقارب زوجي من أخوته وغيرهم بشتمي وشتم أهلي , ورفضوا أن يتكفلوا بالأمور المالية الخاصة بعلاجي , لذلك ذهبت لوالديّ طالبة الملجأ , وقام أقارب زوجي بتزويد زوجي بمعلومات خاطئة عني وعن أبواي، وخلقوا نوعاً من سوء الفهم بيني وبين زوجي , وقام زوجي بتطليقي ثلاثاً في نفس الوقت وذلك عبر رسالة أرسلها إليّ، ويذكر فيها: أنني ما دمت أعاني من مرض مزمن فإن ذلك سيؤثر على صحة المولود وكذلك على سير الحياة الزوجية , وكان زوجي غير راغب بالقدوم إلى الهند لحل هذه المشكلة، لذلك ذهبت إلى الكويت لأثبت له براءتي من كل ما قيل له عني , وبمساعدة بعض أهل العلم والأقارب تكلموا معه وأخبروه أن ما فعله مخالف للدين والإنسانية , وبمساعدة أحد الأطباء أخبرناه أن وضعي الصحي ليس من الجدية بمكان، وأنني يمكن أن أتكيف معه بشكل طبيعي , لكن زوجي لمن يكن راغباً في تقبل تلك الأمور، ورفض أن أمكث فترة العدة معه , وأعطاني زوجي خيارين اثنين: إما أن أذهب إلى بيت أصهاري أو أن أذهب إلى منزل والديّ، وأعطاني 80 ديناراً كنفقة لكل فترة العدة , ورفض أن يدفع لوالدي بدل ما أنفقوه عليّ في تلك الفترة , والآن فإن فترة العدة قاربت على الانتهاء ولا أدري ماذا أفعل. فهل يجوز لي أن أرفع دعوى على أقارب زوجي لأنهم تسببوا بكل هذه المشاكل؟ ، وهل يجوز أن أرفع قضية إلى المحكمة المدنية لتحصيل مبلغ النفقة التي أستحقها؟ ، وما هو رأي الشرع والدين في مثل هذا الطلاق الذي دمّر حياتي؟ ، وهل في الإسلام حكم يجبر الرجل على أن يقوم بدفع نفقة أو تعويض لمطلقته بعد انتهاء فترة العدة؟ ، وهل يجوز أن أطلب المساعدة من المحكمة الشرعية أو المحكمة المدنية؟ ، وما معنى الآية رقم 241 في سورة البقرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا بكلمة واحدة كأن قال: أنت طالق ثلاثا أو بالثلاث، أو بكلمات متفرقة بأن قال: أنت طالق طالق طالق، وقعت طلقة واحدة على الراجح، وله أن يراجعها ما دامت في العدة، فإن انقضت العدة لم يرجع إليها إلا بعقد جديد.
ثانياً:
تستحق المطلقة الرجعية النفقة أثناء العدة، ولا يجوز إخراجها من البيت؛ لقوله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/1.
وعليه فلك المطالبة بالنفقة التي أنفقها والدك خلال العدة إن كانت نفقة زوجك لم تكفك، ولك الرجوع للمحكمة الشرعية ورفع الدعوى بذلك، فإن لم توجد محكمة شرعية، ولم يمكن أخذ الحق عن طريق مناصحة الزوج وتوسيط أهل الخير، جاز الرجوع إلى المحكمة المدنية مع كراهة التحاكم إلى القانون الوضعي، وعدم أخذ ما زاد على الحق ولو قضت به المحكمة.
ثالثاً:
قال الله تعالى: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة/241.
وهذه المتعة واجبة للمطلقة قبل الدخول إذا لم يكن لها مهر محدد عند العقد، لقوله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ) البقرة/236.
فإن كان الطلاق بعد الدخول، لم تجب المتعة عند جمهور الفقهاء، بل تستحب.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى وجوبها لكل مطلقة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تجب المتعة لكل مطلقة، حتى بعد الدخول، وستدل بقوله تعالى: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة/241] و"المطلقات" عام، وأكد الاستحقاق بقوله: (حَقّاً) أي: أحقه حقاً، وأكَدَّه بمؤكد ثانٍ وهو قوله: (عَلَى الْمُتَّقِينَ) ، فدلّ هذا على أن القيام به من تقوى الله، وتقوى الله واجبة، وما قاله الشيخ رحمه الله قوي جداً فيما إذا طالت المدة، أما إذا طلقها في الحال فهنا نقول:
أولاً: إنّ تعلق المرأة بالرجل في المدة اليسيرة قليل جداً.
ثانياً: إنّ المهر حتى الآن لم يفارق يدها، فقد أُعطيته قريباً.
أما إذا طالت المدة سنة، أو سنتين، أو أشهراً، فهنا يتجه ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله فيكون هذا القول وسطاً بين قولين، الاستحباب مطلقاً، والوجوب مطلقاً، وهذا هو الراجح " انتهى من "الشرح الممتع" (12/308) .
والمتعة تكون بحسب حال الزوج، الموسع الغني، والمقتر الفقير المعسر. قال تعالى: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) البقرة/236، فليس فيها شيء محدد.
فينبغي للرجل إذا طلق زوجته أن يطيب خاطرها بشيء من المال يعطيه لها.
وأما رفع دعوى على أقارب الزوج فلا نظن أنها ستأتي لك بشيء، ففوضي أمرهم إلى الله، وهو سبحانه يجازي كل إنسان بما عمل وصنع.
وأنت لا تدرين ما هو الخير لك، فلعل الله يسوق لك خيراً، كما قال سبحانه: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/216.
فالجئي إلى الله تعالى، واعتصمي به، وفوضي أمرك إليه، وأكثري من طاعته، فإن الله تعالى لا يتخلى عن عباده الصالحين.
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويقضي لك خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1247)
قال لزوجته أنت قالق (على وزن طالق) مازحا
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان يمازح زوجته وقال لها أثناء المزاح: هحرمك من ميراثي لأنك قالق، أي قال كلمة على وزن أنت طالق ولكنه لا ينوي الطلاق، ولا ينوي حتى قول كلمة: أنت طالق، ولكن زوجته أخبرته بأنه قد طلقها عملا بالحديث: (ثلاثة جدهن جد، وهزلهن جد) فهل هذا صحيح؟ علما بأنه ندم وتاب عن المزاح في هذه الأمور وكيف العمل لو أن الطلاق قد وقع فعلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الرجل لزوجته: أنت قالق، لا يقع به طلاق، وليس هو من ألفاظ الطلاق الصريحة ولا من الكنايات، لكن إن نوى به الطلاق، وقع، عند بعض العلماء.
قال الخرشي رحمه الله في شرح مختصر خليل (4/48) : " إذا قال لزوجته: اسقني الماء أو ادخلي أو اخرجي أو كلي أو اشربي أو غير ذلك مما ليس من ألفاظه ولا من ألفاظ صريح الظهار وقصد بذلك الطلاق فإنه يلزمه على المشهور؛ لأن هذه الألفاظ من الكنايات الخفية فيلزمه ما نواه من طلقةٍ فأكثر، فإن لم ينو طلاقا فلا " انتهى.
وحديث: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/424، والألباني في صحيح سنن الترمذي (944) .
وهو في ألفاظ الطلاق الصريحة، فلو قال الرجل لزوجته: أنت طالق، وهو يريد المزاح أو التخويف، وقع الطلاق.
وأما ألفاظ الكناية وهي ما يحتمل أن يكون المراد منها الطلاق أو غيره، كقوله: الحقي بأهلك، أو أنت برية أو خلية، أو لا حاجة لي في فيك، أو لست في ذمتي، فلا يقع بها الطلاق إلا مع النية، وينظر جواب السؤال رقم 114729.
وينبغي الحذر من استعمال ألفاظ الطلاق، جدا أو هزلا، لما يترتب عليها من العواقب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1248)
قال لزوجته: إن فتحت الباب فأنت طالق وأراد في هذه اللحظة
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت مشادة بيني وبين زوجتي بسبب طفل أردت أن أوبخه فأدخلته إلى الغرفة وأقفلت عليه الباب وقلت لزوجتي بهذه العبارة وفي لحظة غضب: إذا فتحت الباب عليه أنت طالق، وكنت أقصد في نيتي تلك اللحظة حتى أوبخه وزوجتي لم تفتح الباب، وبعد 5 دقائق فتحت أنا الباب لكي أتجنب فتح الباب من طرف زوجتي، وكانت هي تنظف البيت فنظفت باب الغرفة الموجود فيها الطفل ولم تكلمه ولم تعطيه شيئاً، وبعد 5 دقائق أخرجت الطفل من الغرفة وسامحته، سؤالي: هل دخول زوجتي لتنظيف الباب فيه طلاق؟ وهل بعدما أخرجت الطفل انتهت المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قولك لزوجتك: إذا فتحت الباب عليه أنت طالق، هو من الطلاق المعلق على شرط، فيقع الطلاق عند وقوع الشرط وهو فتح الباب، إلا إذا أراد الزوج المنع والتهديد فقط ولم يُرِد الطلاق، فإن هذا يكون له حكم اليمين على الراجح، ولا يقع به طلاق.
وسواء أراد الزوج الطلاق أو اليمين، فإنه إن نوى تقييده بزمن أو مكان، تقيّد به.
فإذا كنت أردت منعها من فتح الباب في تلك اللحظة، فلم تفتحه، وإنما فتحته بعد ذلك، أو دخلت لغرض آخر كتنظيف الغرفة، فلا شيء في ذلك.
والأصل في ذلك أن النية معتبرة في هذا الباب، فتخصص اللفظ العام، وتقيد المطلق، بشرط أن تكون مصاحبة للفظ، فلو قلت: أنت طالق إن فتحت الباب، وتريد هذه اللحظة، أو اليوم، أو ما لم تفتحه أنت، أو غير ذلك من النيات، فالأمر على ما نويت، فيما بينك وبين الله.
وانظر: "المغني" (7/319) .
وعلى هذا؛ لا يقع عليك طلاق فيما ذكرت، وعليك أن تحفظ لسانك وتحذر من التلفظ بالطلاق في غضبك أو رضاك، فإن الطلاق لم يشرع للتهديد والتخويف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1249)
إذا كان الولي لا يصلي ثم طلق الرجل زوجته فهل يقع الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت امرأة ثيباً عبر الهاتف بموافقة أخيها، ولكن بعد الدخول بها، قالت لي إن وليها (أخوها) لا يصلي. إذاً العقد فاسد. وكنت طلقتها من قبل، فهل ذلك الطلاق يقع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة أو وكيله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع 2709.
وولي المرأة هو: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها ثم ابنه (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناؤهما، ثم العمومة، ثم أبناؤهم، ثم عمومة الأب، ثم السلطان.
"المغني" (9/355) .
ثانيا:
تارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا كافر على الصحيح من قولي العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (2182) ورقم (5208) .
وعليه؛ فلا يصح أن يكون وليا في النكاح؛ لأن الكافر لا يلي نكاح المسلمة إجماعا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/377) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان لا يصلي لا يحل أن يعقد النكاح لأحد من بناته، وإذا عقد النكاح صار العقد فاسداً؛ لأن من شرط الولي على المسلمة أن يكون مسلماًَ " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ثالثا:
إذا عقد الولي التارك للصلاة نكاح موليته، فهو نكاح فاسد؛ لأن وجود هذا الولي كعدمه، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن النكاح بلا ولي غير صحيح، خلافا للحنفية.
وهذا النكاح الفاسد من أقدم عليه معتقدا فساده، فهو زان، وأما من أقدم عليه معتقدا صحته - وهذا حال أكثر الناس حين يقدمون على الأنكحة المختلف فيها، كالنكاح بدون ولي، والنكاح مع فسق الولي أو الشاهدين - فإنه لا يعد زانيا، ويترتب على نكاحه أكثر أحكام النكاح الصحيح: فيلزمه المهر، وينسب إليه الولد، ويقع طلاقه لو طلق.
وليس لأحد بعد وقوع الطلاق أن يبحث في أصل عقد النكاح، هل كان صحيحا أو فاسدا، ليتخلص من الطلاق، فإن هذا تلاعب بالدين، فإنه كان يستمتع بزوجته على أنها زوجة له، ثم طلقها ليرفع حكم الزوجية التي كان يعتقد وجودها، فكيف يعود ليقول: إن النكاح لم يكن صحيحاً؟!
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة وليها فاسق , يأكل الحرام , ويشرب الخمر , والشهود أيضا كذلك , وقد وقع به الطلاق الثلاث فهل له بذلك الرخصة في رجعتها؟
فأجاب: إذا طلقها ثلاثا وقع به الطلاق , ومن أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة العقد ولم ينظر في صفته قبل ذلك , فهو من المتعدين لحدود الله , فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده. والطلاق في النكاح الفاسد المختلف فيه [يقع] عند مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة , والنكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة. والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/101) .
وسئل عمن تزوج بولاية أجنبي، مع وجود ولي المرأة معتقدا أن الأجنبي حاكم عليها، ودخل بها واستولدها ثم طلقها ثلاثا , ثم أراد ردّها قبل أن تنكح زوجا غيره , فهل له ذلك لبطلان النكاح الأول بغير ولي , أم لا؟ وهل يترتب إسقاط الحد ووجوب المهر ويلحق النسب والإحصان؟
فأجاب: لا يجب في هذا النكاح حد إذا اعتقد صحته , بل يلحق به النسب ويجب فيه المهر , ولا يحصل الإحصان بالنكاح الفاسد , ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/84) .
وقال ابن رجب رحمه الله: " ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح، من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة، ووجوب المهر فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة، فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح " انتهى من "القواعد" ص (68) .
وينظر: "المدونة" (2/98، 120) ، "تحفة المحتاج" (7/232) .
وبهذا يتبين أن طلاقك لزوجتك طلاق صحيح واقع، وأنه لا يجوز لك التحيّل لإسقاطه بكون الولي كان تاركا للصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1250)
أفسد عليها أهلها حياتها الزوجية، وتريد " الخلع "، فكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج لي سنة، وحياتي - أنا وزوجتي - سعيدة أحياناً، فأنا أعطيها أي شيء تريده من حاجيات، ولكن المشكلة هي أهلها، وأمها بالذات، لا تريدني، وتخرب عليَّ حياتي إلى أن أثَّرت على زوجتي، وخربت علينا حياتنا، وأنا أحب زوجتي، ولا أريد أن أطلقها. وفي يوم من الأيام بعد الإفطار عند بيت أهل زوجتي: رفض أبوها أن ترجع زوجتي معي إلى البيت؛ لأسباب واهية، وأُشهد الله أني لم ألمسها بشرٍّ قط، ولم أقصر في أي من حقوقها، وأني لا أجعلها تطبخ؛ لكي لا تتعب، وكل شيء تريده آتي لها به، ولكن تأثير أمها كان كبيراً عليها؛ لأنها البنت الوحيدة لهم، طلب مني أبوها الخلع، وأنا أريد زوجتي، وقد منعني أن أكلمها، أو أن أراها. والآن مضى شهر بدون أن استطيع محادثتها، فماذا أفعل؟ . إن طلبت الخلع من غير سبب شرعي: فقد دفعتُ مهراً 50000 الف ريال، وعملت فرحاً بقيمة 60000 الف ريال غير ما أعطيتها هي من هدايا، وشراء أثاث، واستأجرت شقة بقيمة 30000 ألف ريال أو اكثر، وأنا طالب، وهم يدركون ذلك، فهل لي أن أطلب ما دفعته بحكم القاضي؟ . وهل أستطيع محاكمتها بأنها هجرتني بدون سبب، أو محاكمة أبيها بأنه قد منعني من حقي الشرعي بدون مسبب؟ . فأنا - والله لا أستطيع إلا التفكير بزوجتي، ومقدار الحب الذي زال بسبب أمها، وأريد أن أتزوج بأخرى لكي تستقر حالي، ونفسيتي التي أصبحت مريضة بسبب حبي لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إفساد الزوجة على زوجها من كبائر الذنوب، ويقبح بأهل الزوجة أن يكونوا هم من يقوم بهذا الفعل الشيطاني، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم أعمال جنود إبليس عنده.
قال تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/ من الآية 102.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ) .
رواه أبو داود (2175) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
" خبَّبَ ": بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي: خدع وأفسد.
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: (فَيَلْتَزِمُهُ) .
رواه مسلم (2813) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فسعي الرجل فى التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين.
" مجموع الفتاوى " (23 / 363) .
وقال الشيخ صالح الفوزان- وفقه الله -:
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها، ويخببها عليه؛ فقد جاء في الحديث: " ملعون من خبَّب امرأة على زوجها " ومعناه: أفسد أخلاقها عليه، وتسبب في نشوزها عنه.
والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 248، 249) .
فالواجب على أهل الزوجة أن يتقوا الله تعالى ربَّهم، وأن يعلموا أنهم قد وقعوا في كبيرة من كبائر الذنوب، فعليهم واجب إصلاح ما أفسدوا، وإرجاع الزوجة – ابنتهم – إلى زوجها، وهو في مصلحتهم، ومصلحتها.
كما يجب على الزوجة أن تتقي الله تعالى ربَّها، وأن لا تلتفت إلى من يريد إيقاع الفساد في بيتها، وهدم أركان بيت الزوجية، وها هو زوجها يعلن حبَّه لها، وعدم صدور شيء منه يسبِّب هجرها له، فليس أمامها إلا التوبة من فعلها، وطلب الصفح من زوجها، والعودة إلى عش الزوجية، وهي نعمة حرمها ملايين النساء في العالَم، فلا تشتري شقاءها بثمن تدفعه، وقد بُذلت لها الأموال لإسعادها.
ولتعلم الزوجة أنه قد ورد وعيد شديد فيمن تطلب الطلاق من غير بأسٍ، وهي الشدة الملجئة لهذا الطلاق.
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
الأخبار الواردة في ترهيب المرأةِ من طلب طلاقِ زوجها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك.
" فتح الباري " (9 / 402) .
فإن كان في زوجها من العيوب ما يدعوها لطلب الطلاق، وعدم القدرة للصبر على زواجها: فلا حرج حينئذٍ من طلبها للطلاق، فإن لم يرضَ زوجها تطليقها: فلها طلب " الخلع "، فتفتدي نفسها منه بما يطلبه منها.
وينظر تفصيل هذا ي جواب السؤال رقم: (101423) .
ثانياً:
ونقول للزوج في نهاية المطاف:
إذا كانت زوجتك قد طلبت الطلاق لما تراه منك من ارتكاب معاصٍ، أو سلوك لا يطاق، كضربها، وإهانتها، وشتمها: فإن طلبها للطلاق لا تأثم عليه، ولها حق مهرها كاملاً، المقدَّم منه والمؤخر.
وإذا كان طلبها للطلاق لغير سبب يستحق ذلك، كما ذكرته أنت في قصتك معها: فهي آثمة، ولك أن تصر على عدم تطليقها، وتحاول إدخال العقلاء من الناس للإصلاح بينك وبينها، وبينك وبين أهلها، فإن لم يُجدِ هذا الأمر نفعاً: فلك أن ترفع قضية " هجر " عليها، وقضية " تخبيب " على أهلها، إن رأيت ذلك، ولا ننصحك بمثل ذلك، بل ننصحك - إذا لم ينفع الإصلاح من الشفعاء -: أن تقبل " الخلع "، وأن تطلب منها ومن أهلها مهرها الذي دفعته لها، وما بذلتَه من مصاريف على الزواج، كما لك أن تطلب تنازلها عن حضانة أولادها – إن كان بينكما أولاد.
وانظر تفصيل الخلع في جوابي السؤالين: (26247) و (99881) ، وانظر في عدة الخلع، ورجوع المختلعة لزوجها: جوابي السؤالين: (5163) و (14569) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح بينكما، وأن يهدي زوجتك لما يحب تعالى ويرضى، وأن يجمع بينكما على خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1251)
يسافر للسياحة ويمتنع عن أخذ زوجته معه وعلَّق طلاقها على سفرها! أحكام ونصائح
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي طلق عليَّ بالثلاث إن سافرتِ خارج البلاد فأنتِ طالق، ونيته الطلاق، وهو يسافر سنويّاً للسياحة مع الأصدقاء، ويقول: إن الفساد كثير هناك، وإني رجل غيور، أما هو فهو رجل، وليس هناك مانع من سفره، مع أنه لا يذهب إلا إلى أماكن الطبيعة، ويمنعنا أنا وأولاده من النزهة، حتى في بعض الأحيان هنا في السعودية، ويقول: لا أذهب بكم إلى مواقع الاختلاط، وتعبت من المناقشة معه، ويقول: كل سنة أذهب للسياحة، ولمدة شهر، هل يجوز أن يحرِّم عليَّ ما أحله الله لي من السياحة بالحلال، فهو يذهب متى ما أراد، مع أنه محافظ على الصلاة، وليس في بيتنا " دش "، ولا يسمع الأغاني، هل له أن يتركنا عند أهلي بدون رضاي؟ ماذا أفعل معه؟ ادع لي أن يكشف الله عني وعنه الغفلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله أولاً: قد بينا في جوابي السؤالين (111934) و (13342) أن الذهاب إلى دول الكفر، ودول الفسق والفجور، بقصد السياحة، والنزهة المجردة: أنه محرَّم، فالرجاء التكرم بمراجعتهما. ولا فرق في هذا الحكم بين الرجال والنساء، وذهاب زوجك وحده دونك: لا يعني أنه ينجيك من الفتن، بل إن ذهاب الرجل وحده من غير زوجته يعرضه هو للفتنة، فإن الزوجة تطفئ نار شهوته إن تأججت بما يراه من تبرج وعري في تلك البلاد، فما يعتقده زوجك – وغيره – أن عدم اصطحاب الزوجة إلى تلك البلاد أفضل: غير صحيح. وبكل حال: فإن الحكم عام، يشمل الرجال، والنساء، فلا يجوز لزوجك الذهاب لمثل تلك البلاد، ولا يجوز لك طلب ذلك منه لنفسك، ولا لأولادك؛ لما في ذلك من الحرمة، والتعرض للفتن، ورؤية المنكرات. والذي نوصي به الزوج إن كان يريد الجمع بين السياحة وإرضاء رغبتك بالذهاب معه: أن يختار السياحة الداخلية في بلادكم السعودية، حيث يتوفر الأماكن الملائمة للأسر الملتزمة، والتي لا يوجد فيها من المنكرات ما يوجد في البلاد الأخرى، ولا يحتاج الزوج معه لتصوير زوجته، أو تعريضها لأن يراها الأجانب، إذا كان السفر خارج المملكة. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم، وعدم الاستجابة لطلبهم السفر إلى الخارج؛ لما في ذلك من الأضرار، والمفاسد، على دينهم، وأخلاقهم، وبلادهم - كما أسلفنا - , وفي بلادنا - بحمد الله - من التعليم لسائر أنواع العلوم ما يغني عن ذلك , وإن إرشادهم إلى أماكن النزهة، والاصطياف، في بلادنا - وهي كثيرة بحمد الله - والاستغناء بها عن غيرها: مما يتحقق بذلك المطلوب، وتحصل السلامة لشبابنا من الأخطار، والمتاعب، والعواقب الوخيمة، والصعوبات التي يتعرضون لها في البلاد الأجنبية. " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 194) . وثمة أمر آخر: وهو أن يكون قضاء تلك الإجازة للتنقل برّاً بين المحافظات، والمناطق، لزيارة الأرحام، والأقارب، فتجمعون بين المتعة، وصلة الأرحام، وزيارة الأصدقاء. وكنَّا سنوصيكم بما هو خير من ذلك كله، وهو الذهاب للعمرة، مع الزوجة، والأولاد، ولكننا قرأنا في تعريفكم أنكم من " مكة المكرمة " فأغنانا ذلك عن الوصية بهذا، فلعلها تكون وصية لغيركم، ممن يرغب بسياحة مباحة، يكسب فيها الأجور، ويبتعد عن سخط ربه. ونرجو من الزوجة والزوج النظر في جواب السؤال رقم (87846) ففيه تفصيل مهم واف في مفهوم السياحة، وأنواعها، وأحكامها. على أننا ننبه أختنا السائلة إلى أنه في حال لم يستجب الزوج لنصيحتنا، وبقي مصرا على سفره، فليس ذلك مما يبيح لكم طلب السفر؛ لأن معصية الزوج ليست عذرا للزوجة في أن تقع في نفس المعصية، والمسألة ليست ديونا تقضى، أو قصاصا بينكما، وإنما هي حرمات الله جل جلاله، ودينه وشرعه؛ فإن أحسن زوجك: فأحسني معه، وإن أساء: فاجتنبي إساءته. ولا تنسي أن زوجك قد علَّق طلاقك على سفرك خارج البلاد، فلعلَّ هذا أن ينفع في عدم الإلحاح عليه بالسفر، والاكتفاء بالسياحة الداخلية؛ خشية وقوع الطلاق، وهي مفسدة تضاف لقائمة المفاسد السابقة في السفر خارج البلاد. ثانياً: وبخصوص تعليق طلاقكِ على سفركِ: فإن الطلاق يقع إن سافرتِ خارج البلاد كما ذكر لك زوجكِ، ولا خلاف بين العلماء في هذه المسألة؛ لأن زوجك نوى الطلاق كما تذكرين. وينظر في بيان هذا: أجوبة الأسئلة: (104614) و (39941) و (82400) . وطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة. وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (96194) وليس بمقدوره التراجع عن هذا الطلاق المعلَّق إذا غيَّر رأيه، وأذن لك بالسفر. وينظر في ذلك فتوى اللجنة الدائمة في جواب السؤال رقم: (43481) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1252)
قال لزوجته: من اليوم لا تجمع بيني وبينك إلا الأخوة في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت في شجار مع زوجتي التي عقدت عليها العقد- ولم نسكن بعد تحت سقف واحد- فغضبت ذات مرة بعد أن قالت لي كلمة جرحتني فقلت لها عبر الهاتف: " إن كنت تريدين أن نهشم هذه الرمانة (كناية عن علاقتي بها) فلنفعل ذلك- أسمعت?" فأقفلت هي الهاتف حتى لا تتدهور الأمور أكثر, بعدها تصالحنا. وبعد أقل من 10 أيام تشاجرنا من جديد عبر الرسائل القصيرة وبعد أن أرسلت إلي رسالة أغصبتني كثيرا , أرسلت إليها واحدة تقول: " من اليوم لا تجمع بيني وبينك إلا الإخوة في الدين" وكنت في قرارة نفسي لا أستطيع أن أنطق بكلمة "طلاق " أو ما شاكلها. بعدها شعرت بأنها أخطأت في حقي- بعد أن رفضت جماعي معها- طلبت مني مسامحتها واعتذرت لي وهي تبكي, فسامحتها , ثم أبت إلا أن أجامعها حتى ترضيني, وهذا ما وقع. فقلت لها بعد ذلك لولا والديك وأسرتك الطيبة لكنت قاب قوسين أو أدنى من أن أذهب إلى العدلين – مأذون- لطلب الطلاق. سؤالي: هل وقع طلاق ما علما أنني كنت حريصا على ألا أنطق به صراحة لكن كنت أجهل أن الطلاق قد يقع بالكناية إلا بعد أن بحثت في الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قولك لزوجتك: " إن كنت تريدين أن نهشم هذه الرمانة (كناية عن علاقتك بها) فلنفعل ذلك أسمعت? " مع عدم ردها، لا يقع به طلاق؛ لأن هذا سؤال عن الرغبة في إنهاء العلاقة وإيقاع الطلاق، وليس إيقاعا له بالفعل.
ثانيا:
قولك في المرة الثانية: " من اليوم لا تجمع بيني وبينك إلا الأخوة في الدين " هو من الطلاق بالكناية، وشرط وقوعه: وجود نية الطلاق.
فإن كنت نويت بذلك الطلاق، وقعت طلقة واحدة، وبانت منك زوجتك بينونة صغرى؛ لأنه طلاق واقع قبل الدخول.
وإن لم تكن نويت الطلاق، لم يقع شيء.
ومعنى "البينونة الصغرى": أنه لا رجعة لك عليها، ولكن لك أن تعقد عليها من جديد، وتحسب عليك الطلقة السابقة.
والطلاق قبل الدخول والخلوة، تقع به البينونة الصغرى كما سبق، فإن كان بعد الخلوة وقبل الدخول، ففيه خلاف سبق بيانه في جواب السؤال رقم (118557) .
ثالثا:
لا ينبغي للزوج أن يجامع زوجته قبل الدخول المعلن؛ مراعاة للعرف، ولما قد يترتب على ذلك من المفاسد، كأن يطلقها أو يتوفى عنها، وهي في الظاهر بكر، ثم تصير حاملاً، فتعرض المرأة نفسها للتهمة والقدح.
رابعا:
قولك: " لولا والديك وأسرتك الطيبة لكنت قاب قوسين أو أدنى من أن أذهب إلى العدلين – مأذون- لطلب الطلاق " لا يقع به طلاق. وهذا ظاهر.
وننصحك بتجنب استعمال ألفاظ الطلاق والبعد عن ذلك في جميع الأحوال، حفاظا على بيتك وأسرتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1253)
طلبت الطلاق لهجر زوجها لها وأكله الحرام بشهادته المزورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة وطلبت الطلاق لأسباب: الهجر، ولأنه يرشي ليأخذ شهادةً عاليةً، مع العلم أنني نصحته بأن المال من وراء هذه الشهادة حرام، وأيضا هو غير غافل عن ذلك، ويعلم ذلك واستمر في الرشوة عدة مرات وحصل على ما يريد. وأيضا: أنه أسكن ابن أخيه البالغ من العمر 18 عاماً معي بالشقة، وسلمه المفتاح له يدخل ويخرج حيث شاء، وحدث خلاف بيني وبينه على هذا الموضوع وبنفس الوقت: أهان أهلي الذين لم يقصروه بشيء مع العلم كنا أنا وهو متواجدين خارج البلد لظروف عمله وبعدها أخذ التلفون مني وأرسلني إلى بلدي بدون محرم وحدي أنا مع أولادي الذي لا يتعدى عمرهم 5سنوات مع الخادمة وهنا بدأ الهجر وحصلت مشاكل كثيرة بعدها غير أخلاقية وطلبت الطلاق، فهل علي إثم في طلبي الطلاق؟ وأغلب معاملته لي كخادمة مع عدم الاحترام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج آية من آيات الله، ونعمة من نعمه، يجد فيها الزوجان السكن والأنس، والمودة والرحمة، مع العفة والإحصان، وإنجاب الذرية الصالحة التي تعمر الأرض وفق منهج الله. كما قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وهذه مقاصد الزواج التي شرع من أجلها، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد، كان الطلاق سبيلا مشروعا، يمهّد للانتقال لحياة زوجية أخرى، تتحقق فيها أهداف النكاح ومقاصده.
وما ذكرتِه من الهجر وسوء المعاملة وأكله الحرام بشهادته المزورة، يبيح لك سؤال الطلاق؛ لما روى الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله: "من غير بأس" أي: من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
ونسأل الله أن يوفقك ويعينك وييسر أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1254)
هل للطلاق البدعي علاقة بحديث " كل بدعة ضلالة "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعه ضلالة، وكل ضلالة في النار) رواه مسلم. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم أرجو منكم بيان علاقة الحديثين بالطلاق البدعي المتفق على تحريمه والمختلف في فتواه. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أما شرح الحديثين فقد سبق ذلك في جواب السؤال رقم: (118225) .
ثانيا:
يقسم الفقهاء الطلاق – من حيث حكمه الشرعي – إلى:
1- طلاق جائز موافق للشريعة: ويسمى بـ " الطلاق السُّنِّي " لموافقته الشريعة.
2- وطلاق محظور مخالف للشريعة: ويُسَمَّى بـ " الطلاق البدعي " لمخالفته ما شرعه الله تعالى في أمر الطلاق. فاصطلاح " البدعة " هنا يقصد به مخالفة ما أمر الله به في شأن الطلاق، أن يكون لاستقبال العدة، ولا يتجاوز الحد الشرعي، فلما كان هذا الطلاق مخالفا للمشروع، وفيه شائبة إحداث في الدين - إذ الطلاق حل لرابطة عقدها الشرع، فلا بد أن تكون طريقة الحل طريقة مشروعة أيضا – لذلك سمي الطلاق المخالف " طلاقا بدعيا "، ويستدل الفقهاء بالحديثين المذكورين على منعه.
يقول ابن قدامة رحمه الله:
" وأما المحظور: فالطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه:
أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة؛ لأن المطلق خالف السنة، وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) " انتهى.
فالطلاق البدعي نوعان:
إما بدعي باعتبار الوقت: وهو ما أوقع في زمن الحيض، أو وقع في طهر جامع الزوج فيه زوجته.
وإما بدعي باعتبار العدد: وهو طلاق المرأة المدخول بها أو غير المدخول بها أكثر من طلقة واحدة.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (29/33) :
" قسم الفقهاء الطلاق - من حيث وصفه الشرعي - إلى سني وبدعي:
يريدون بالسني: ما وافق السنة في طريقة إيقاعه.
والبدعي: ما خالف السنة في ذلك.
ولا يعنون بالسني أنه سنة، لما تقدم من النصوص المنفرة من الطلاق، وأنه أبغض الحلال إلى الله تعالى.
وقد اختلف الفقهاء في بعض أحوال كل من السني والبدعي، واتفقوا في بعضها الآخر ... وقسم جمهور الفقهاء الطلاق من حيث وصفه الشرعي إلى سني وبدعي، ولم يذكروا للسني تقسيما، فهو عندهم قسم واحد خلافا للحنفية.
إلا أن بعض الشافعية قسموا الطلاق إلى سني وبدعي، وما ليس سنيا ولا بدعيا وهو المرجح عندهم، والذي ليس سنيا ولا بدعيا هو ما استثناه الحنفية من البدعي كما تقدم ...
هذا.
والمدار على معرفة السني والبدعي من الطلاق القرآن والسنة:
أما القرآن فقوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) الطلاق/1 وقد فسر ابن مسعود رضي الله عنه ذلك بأن يطلقها في طهر لا جماع فيه، ومثله عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأما السنة فما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء.
وما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: طلاق السنة تطليقة وهي طاهر في غير جماع، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، ثم تعتد بعد ذلك بحيضة.
والمعنى العام في السني والبدعي، أن السني يمنع الندم، ويقصر العدة على المرأة فيقل تضررها من الطلاق.
" انتهى باختصار.
وانظر أجوبة الأسئلة الآتية:
(106328) ، (72417) ، (110488)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1255)
ظاهر من امرأته ولم يكفِّر وجامعها وأنجبت منه، فماذا عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت لزوجتي أنتِ عليَّ حرام كأمي، وبعد ذلك جامعتها، وأتاني أولاد، ولم أكفِّر، ليس لدي مال، ولا أستطيع أن أصوم شهرين، وأنا تبت إلى الله، واستغفرته، فماذا أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا اللفظ الوارد في السؤال هو من ألفاظ الظهار المحرَّم، وقد وصفه الله تعالى في كتابه بأنه منكر من القول وزور، فلا يحل لمسلم قوله، وليست زوجته أمَّه، ولا مثل أمه، فزوجته له حلال، وأمه عليه حرام، وتحريم الزوج لزوجته مثل تحريم الأم يوجب على قائله الكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة مسلمة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيُطعم ستين مسكيناً، ولا يحل له مجامعة زوجته بعد قوله المنكَر ذاك إلا بعد أن يعتق، أو يصوم، أو يُطعم، فإن جامعها قبل ذلك: أثِم، ولزمه الامتناع حتى يؤدي الكفارة.
قال تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ. وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة /2-4.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
الظهار حرام، لا يجوزُ الإقدامُ عليه؛ لأنه كما أخبر الله عنه " منكر من القول وزور "، وكلاهما حرام، والفرقُ بين جهة كونه منكراً، وجهةِ كونه زوراً: أن قوله: " أنت عليَّ كظهر أمي " يتضمنُ إخباره عنها بذلك، وإنشاءه تحريمها، فهو يتضمن إخباراً، وإنشاءً، فهو خبرٌ زُورٌ، وإنشاءٌ منكر؛ فإن الزور هو الباطل، خلاف الحق الثابت، والمنكر: خلاف المعروف، وختم سبحانه الآية بقوله تعالى: (وَإنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُور) المجادلة/2، وفيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفوُ الله ومغفرتُه: لآخذ به.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (5 / 326) .
ثانياً:
الصحيح من أقوال العلماء فيمن جامع امرأته قبل الكفارة: أنها لا تسقط عنه، ولا تتضاعف عليه، بل تلزمه الكفارة ذاتها، مع وجوب التوبة، والكف الفوري عن جماعها حتى يكفِّر.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
الكفارة لا تسقُط بالوطء قبلَ التكفير، ولا تتضاعف، بل هي بحالها، كفارةٌ واحدة، كما دل عليه حكمُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي تقدم، قال الصلتُ بنُ دينار: سألتُ عشرة مِن الفقهاء عن المظاهر يُجامع قبل أن يُكفر، فقالوا: كفارة واحدة، قال: وهم الحسنُ، وابنُ سيرين، ومسروق، وبكر، وقتادة، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وعكرمة، قال: والعاشر: أراه نافعاً، وهذا قولُ الأئمة الأربعة. " زاد المعاد " (5 / 343) .
ثالثاً:
لا تسقط الكفارة عنك أخي السائل إلا بالعجز التام عن إيجاد رقبة، والعجز عن الصيام، والعجز عن الإطعام، وفي المسألة خلاف أصلاً، فمنهم من يرى سقوط الكفارة بالعجز، ومنهم من يراها باقية في ذمتك، والأرجح أنها تسقط بالعجز التام.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
والقول الراجح: أنّها تسقط، وهكذا أيضاً نقول في جميع الكفارات، إذا لم يكن قادراً عليها حين وجوبها: فإنها تسقط عنه، إمّا بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ 16، (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا) الطلاق/ 7، وما أشبه ذلك، وعلى هذا فكفّارة الوطء في الحيض - إذا قلنا: إن الوطء في الحيض يوجب الكفّارة -: فإنّها تسقط.
وفدية الأذى إذا لم يجد، ولم يستطع الصوم: تسقط، وهكذا جميع الكفارات بناءً على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناءً على القاعدة العامة الأصوليّة التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنّه " لا واجب مع عجز ".
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (6 / 418) .
وحالك لا يعلم به إلا الله، فالواجب عليك أن تتقي الله ربك، وأن تعلم أن جماعك لزوجتك مع قدرتك على الصيام، أو الإطعام في حال عجزك عن الصيام: جماع محرَّم، تستوجب به الإثم، وإن كنت عاجزاً عن الصوم لمرض، أو كبر سنّ، أو مشقة بالغة: فأنت معذور به، ولكن هل تعجز أن تُطعم مسكيناً كلَّ يوم وجبة واحدة، غداء، أو عشاء؟! الذي يظهر لنا من حال عموم الناس أنه لا يُعجزهم ذلك، فإن أمكنك إطعام مسكين كلَّ يوم: فباشر ذلك من الآن، وامتنِع عن قربان زوجتك حتى تطعم ستين مسكيناً، لا يحل لك غير ذلك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
وقوله: (أطعم ستين مسكيناً) هل إطعام الستين مسكيناً تمليك أو إطعام؟ نقول: في القرآن الكريم أنه إطعام، ولم يقل: أعطوا، بل قال: أطعموا، وحينئذٍ نعلم أنه ليس بتمليك، وبناء على ذلك نقول: إطعام ستين مسكيناً له صورتان:
الأولى: أن يصنع طعاماً - غداء أو عشاء -، ويدعو المساكين إليه، فيأكلوا، وينصرفوا.
الثانية: أن يعطي كلَّ واحد طعاماً، ويصلحه بنفسه، ولكن مما يؤكل عادة، إما مُدُّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، وفي عهدنا ليس يكال الطعام، ولكنه يوزن، فيقال: تقدير ذلك كيلو من الأرز لكل واحد، وينبغي أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم، ونحوه، ليتم الإطعام، وهل هذا العدد مقصود، أو المقصود طعام هذا العدد؟ المقصود إطعام هذا العدد، لا طعامه، بمعنى لو أن إنساناً تصدق بما يكفي ستين مسكيناً على مسكين واحد: لا يجزئ.
ولو أطعم ثلاثين مرتين: لا يكفي؛ لأن العدد منصوص عليه، فلا بد من اتباعه، اللهم إلا ألا يجد إلا ثلاثين مسكيناً فهنا نقول: لا بأس، للضرورة.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (13 / 256، 257) .
وإن لم تستطع حتى هذا: فقد سقطت عنك الكفارة؛ لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/من الآية 286.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1256)
قال لزوجته: إن أخبرت أحدا فلست بذمتي
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي طلقة واحدة وراجعتها، وبعد ذلك قلت لها إذا كلمت أمك عن مشاكل البيت لستي بذمتي، أخبرت أمها أيضاً، صار عندنا مشاكل أخرى وقلت لها لا تخبري أحداً، وإلا لستي بذمتي فأخبرت، وهي هداها الله ذات لسان، وهي وأنا نحس أنه بيننا حاجز، وأنا ليس لي رغبه بها، وعاشت معي خمسة وعشرين سنة بدون أطفال، أرشدوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول الرجل لزوجته: لست بذمتي، هو من ألفاظ الكناية التي يقع بها الطلاق عند وجود نية الطلاق، وذلك أن الألفاظ التي يقع بها الطلاق نوعان، صريح وكناية:
فالصريح ما لا يفهم منه إلا الطلاق، كقول: أنت طالق.
والكناية ما يحتمل أن يكون المراد منه الطلاق أو غيره، كقوله: الحقي بأهلك، أو أنت برية أو خلية، أو لا حاجة لي في فيك، أو لست في ذمتي، ونحو ذلك.
ثانيا:
قولك لزوجتك: " لا تخبري أحداً وإلا لست بذمتي ":
إن كانت نيتك أنها تطلق في حال إخبارها، فإنها إذا أخبرت وقعت عليها طلقة واحدة رجعية، وإن كنت تريد تهديدها وتخويفها ومنعها من الإخبار، ولم يكن في نيتك الطلاق، فهذا له حكم اليمين، فتلزمك كفارة يمين في حال إخبارها.
ثالثا:
ينبغي أن تتجنب استعمال ألفاظ الطلاق، وأن تسعى لعلاج مشاكلك بدون ذلك، وأن تراعي ما بينكما من العشرة وطول المدة، وأن تراعي هي ذلك أيضا، وقد أمر الله تعالى الزوجين بحسن العشرة فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19، وقال سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228، وأرشد سبحانه إلى علاج ما يقع من الزوجة من نشوز فقال: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/34، 35.
وبَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من توازن في نظرته لأهله، فقال: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (1469) .
وعن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا) رواه أحمد (19235) وابن حبان (1308) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/163) .
ومن أعظم ما يعين على صفاء العيش بين الزوجين حسن الخلق، ولذا رفع الإسلام من شأنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ النهاية والكمال في حسن تعامله وخلقه.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ) رواه الترمذي (2003) وأبو داود (4799) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا) رواه الترمذي (1082) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
نسأل الله تعالى أن يصلح بينك وبين أهلك، وأن يؤلف بينكما، ويجمع قلبيكما على طاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1257)
كان يقول لزوجته: ما أبغاك فهل يقع الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أنا متزوج من ابنة عمي من أكثر من 5 سنوات، وكنت أنا حينها في بداية التزامي، أي التزمت بعد العقد وقبل الزواج، وكان عمري وقتها 20 وهي 17، وكنت أجد في نفسي في كثير من الأحيان ضيقاً وكرهاً شديداً لها، وكنت أعاملها معاملة سيئة من البداية، وكنت داخل نفسي أجد الضيق الشديد، وهي كانت شديدة في تعاملها معي وتقاومني، فكنا كثيراً لا نتفق ولم نكن نشعر بالسعادة، وكان بيننا شجار شديد أحياناً، فأنا أصبت بمرض نفسي واكتئاب، ووسواس، وهي كذلك. أنا لم أكن أعلم عن شيء اسمه كناية الطلاق أبداً، وكنت فقط أعرف أن الطلاق يقع باللفظ الصريح، إلى قبل أسبوع تقريباً سمعت في برنامج للفتاوى أن هناك طلاقاً يقع بالكناية إذا كان بنية، فتذكرت أني كنت في الفترة السابقة كنت بعض المرات إذا اشتد علي الضيق بعض المرات أقول لها أنا ما أبغاكي بوديكي عند أهلك يالله الآن، من هذه العبارات، وأقولها وأنا في ضيق في نفسي، وكنت أحذر من عبارة اللفظ الصريح، وأنا لم أكن أعلم أن بالكناية يقع الطلاق، فالآن أنا في هم شديد جداً ووسوسة شديدة، أقول في نفسي أنا بالفعل كنت متضايقاً منها ولا أريدها، وفترة أقول في نفسي طيب لماذا لم أنطق اللفظ الصريح، لأني لا أريده حقيقة، وفترة أقول إنه أنا كنت بالفعل ناوي على الفراق لكن لأني لا أعرف غير اللفظ الصريح فإنه ما وقعت النية. ولكن أنا الآن في نفسي وسوسة شديدة أن يكون قد وقع، ولا أعلم ما أفعل، علما أنه أنا لا أريد أن أتركها لأني أخشى إذا تركتها أن تأتيني وساوس أني كنت أعاشرها بالحرام. وللعلم ففي الفترة الأخيرة أشعر أنه بدأت حالتنا تتحسن وتستقر، ونحن بيننا ولد، فهل يقع؟ ، حتى اذا كنت بالفعل أنويه ولكن لم أكن أعلم غير اللفظ الصريح وكنت أتحرز أن أنطقه، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نوصيك بالإحسان إلى أهلك، ومعاملتهم معاملة كريمة كما أمر الله تعالى، وستجد أثر ذلك إن شاء الله تعالى، فإن النفوس مجبولة على الإحسان إلى من أحسن إليها، وقليل من الكلام الطيب يشيع جو المودة في البيت، ويقطع الطريق على الشيطان المتربص، كما قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء/53، وقال سبحانه: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/19.
وليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، فقد كان خير الناس لأهله، كما قال: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ونحمد الله أن أموركم بدأت تتحسن وتستقر كما ذكرت، ونسأله سبحانه أن يفيض عليكم من رحمته، وأن يؤلف بين قلوبكم، ويجمع بينكم على خير.
ثانيا:
الطلاق منه الصريح ومنه الكناية، فالصريح ما لا يفهم منه إلا الطلاق، كقول: أنت طالق، والكناية ما يحتمل أن يكون المراد منه الطلاق أو غيره، كقول الرجل لامرأته: أنت خليّة أو برية أو أمرك بيدك أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك، أو لا حاجة لي فيك، ونحو ذلك.
ولا يقع الطلاق بالكناية إلا مع وجود نية الطلاق.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/306) : " فأما غير الصريح ; فلا يقع الطلاق به إلا بنية , أو دلالة حال " انتهى.
وقال في "زاد المستقنع": " ولا يقع بكنايةٍ طلاقٌ إلا بنية مقارنة للفظ، إلا حال خصومة، أو غضب، أو جواب سؤالها " انتهى باختصار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " هذه ثلاث أحوال يقع بها الطلاق بالكناية بلا نية. فقوله: " خصومة " يعني مع زوجته، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه، لأن لدينا قرينة تدل على أنه أراد فراقها.
وقوله: " أو غضب ": أي حال غضب ولو بدون خصومة، كأن يأمرها أن تفعل شيئا فلم تفعل فغضب، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه.
وقوله: " أو جواب سؤالها ": يعني: قالت: طلقني، قال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق ...
ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية، حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي أو ما أشبه ذلك، غضبا، وليس في نيته الطلاق إطلاقا.." انتهى من "الشرح الممتع" (13/75) .
وكونك تتحاشى لفظ الطلاق الصريح، ولا علم لك بمسألة الكناية، يدل على أنك لا تريد الطلاق، وغاية الأمر أنك تهدد وتخوف، ولهذا فلا يقع عليك طلاق.
وينبغي أن تحذر من الوسوسة في الطلاق وغيره، فإن الوسوسة داء وشر إذا تمكن من الإنسان آذاه وأزعجه ونغص عليه أمره.
وعلاج الوسوسة هو الإعراض عنها وعدم الالتفات لها، مع الإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته.
وينظر جواب السؤال رقم (62839) ، ورقم (39684) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1258)
حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مصدر (أبغض الحلال عند الله الطلاق) حديث أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث مداره على الراوي الثقة: " معرف بن واصل "، عن الإمام الثقة " محارب بن دثار "، المتوفى سنة (116هـ) ، وهو من طبقة التابعين، ولكن جاء عن " معرف " على وجهين:
الأول: مسندا متصلا عن معرف بن واصل، عن محارب، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه محمد بن خالد الوهبي عن معرف، هكذا، مسندا، كما عند أبي داود (2178) ، ومن طريقه البيهقي في " السنن الكبرى" (7/322) ، وابن عدي في "الكامل" (6/2453) .
الثاني: مرسلاً عن معرف بن واصل، عن محارب بن دثار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر ابن عمر.
رواه هكذا أحمد بن يونس، ويحيى بن بكير، ووكيع بن الجراح.
كما عند أبي داود في "السنن" (2177) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/322) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/253) ، وذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" (11) ، والدارقطني في "العلل" (13/225) .
ولمَّا رأى المحدِّثون أنَّ مَن رواه مرسلا أوثق وأكثر ممَّن رواه مسندا متصلا رجحوا الإرسال، والمرسل من أقسام الحديث الضعيف، ونصوا على أن من رواه متصلا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخطأ ووهم.
قال ابن أبي حاتم:
" قال أبي: إنما هو محارب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " انتهى. "العلل" (1/431)
وقال الدارقطني رحمه الله: " والمرسل أشبه " انتهى. "العلل" (13/225) .
وقال البيهقي رحمه الله:
" هو مرسل، وفي رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر موصولا، ولا أراه حفظه " انتهى. "السنن الكبرى" (7/322)
وقال ابن عبد الهادي رحمه الله عن الإرسال: " وهو أشبه " انتهى. "المحرر في الحديث" (1/567) .
ورجح السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص/11) الإرسال، وقال: " وصنيع أبي داود مشعر به فإنه قدم الرواية المرسلة " انتهى.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "عمدة التفسير" (1/583) : "في صحته نظر كثير" انتهى.
وقال الألباني في "إرواء الغليل" (2040) : "وجملة القول: أن الحديث رواه عن معرف بن واصل أربعة من الثقات، وهم: محمد بن خالد الواهبي، وأحمد بن يونس، ووكيع بن الجراح، ويحيى ابن بكير.
وقد اختلفوا عليه، فالأول منهم رواه عنه عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعاً وقال الآخرون: عنه عن محارب مرسلاً.
ولا يشك عالم بالحديث أن رواية هؤلاء أرجح، لأنهم أكثر عدداً، وأتقن حفظاً، فإنهم جميعاً ممن احتج به الشيخان في "صحيحيهما"، فلا جرم أن رجح الإرسال ابن أبي حاتم عن أبيه، وكذلك رجحه الدارقطني في "العلل" والبيهقي كما قال الحافظ في "التلخيص" (3/205) وقال الخطابي وتبعه المنذري في "مختصر السنن" (3/92) : "والمشهور فيه المرسل" انتهى.
وللحديث شاهد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، رواه الدارقطني في "السنن" (4/ 35) ، وابن عدي في "الكامل" (2/ 694) بلفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) ، وله ألفاظ أخرى، ولكن إسناده ضعيف جدا لا يصلح للاستشهاد به.
غير أن الحديث مع ترجيح عدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن معناه صحيح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وهذا الحديث ليس بصحيح، لكنَّ معناه صحيح، أن الله تعالى يكره الطلاق، ولكنه لم يحرمه على عباده للتوسعة لهم، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة، إن كان إبقاء المرأة يؤدي إلى محظور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بطلاقها فإنه يطلقها، كما لو كانت المرأة ناقصة الدين، أو ناقصة العفة، وعجز عن إصلاحها، فهنا نقول: الأفضل أن تطلق، أما بدون سبب شرعي، أو سبب عادي، فإن الأفضل ألا يطلق، بل إن الطلاق حينئذٍ مكروه " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 55، سؤال رقم 3) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1259)
أجبروه على تطليق زوجته الثانية واستصدروا صكا بأنه طلاق بائن
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت امرأة ثانية بدون علم زوجتي الأولى وأهلي، واستمريت معها أربعة أشهر في بيت مستقل، وبعد هذه الفترة علم أهلي وزوجتي الأولى بالزواج، وبعد علمهم جاؤوا إليّ يطلبون مني بأن أطلقها بدون سبب مقنع واستخدموا معي كل وسائل الضغط والإكراه فأخبرتهم بأني أحبها ولن أستطيع أن أتخلىّ عنها، فأبعدوني عنها وأخذوها إلى عند أهلها ومنعوني من رؤيتها وحاولوا يلفقون ضدها التهم والادعاءات وأنها لا تصلح لي فكنت أطلب منهم أن يسمحوا لي برؤيتها فما استطعت، فأصبت بمرض وإحباط وحالة نفسية، فأصبحت لا أحب أن أقابل أحداً وأبكي ليل نهار، وبينما وأنا في هذا الوضع استغلوا فترة ضعفي ومرضي وبعدي عنها حتى بدؤوا ينقلون لي عنها أخباراً وتهماً باطلة ويضغطون عليّ بطلاقها ويهددوني بأني إذا لم أطلقها فسوف يأخذون أولادي ويتبرؤون مني، وبينما وأنا في هذا الوضع السيئ أصدرت كلمة الطلاق في المساء، وفي اليوم الثاني أخذوني إلى محامي لكي يكتب ورقة الطلاق، وفي هذا الوقت كانت تتصل بأخي الأكبر بأنها تريد رؤيتي فحدد معها موعداً للقاء بي، وأخبرني عندما أقابلها لا أخبرها بما حصل حتى نوصلها إلى أهلها، فذهبنا نحن والمحامي وهي إلى أهلها وهي لا تعلم ما الخبر، وعندما وصلنا إلى بلادها أخذ المحامي ورقة الطلاق وذهب بها إلي المحكمة لتعميدها ودفع عند القاضي بقية المهر المؤخر وكذلك نفقة العدة، وسلمت الورقة لأهلها وكان مكتوب فيها أنه طلاق بائن بينونة كبرى، فهل يعتبر هذا طلاقاً؟ وهل يصح لي الرجوع لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تلفظت بكلمة الطلاق مرة واحدة، فهذا طلاق رجعي، ولك أن تراجع زوجتك قبل انتهاء عدتها، ويستحب أن تشهد رجلين عدلين على الرجعة، ولا يشترط أن تكون الرجعة أمام الزوجة أو في حضورها، بل يكفي أن تقول: أرجعت زوجتي.
وأما ما صدر من المحكمة بشأن البينونة الكبرى، فلابد فيه من مراجعة المحكمة، وإعلامهم بحقيقة الأمر، حتى يصدر إلغاء للصك السابق؛ لأنه يصعب أن تعيش مع امرأة قد صدر في شأنها صك بالطلاق بالبائن، هذا من جهة القضاء، وأما من جهة الديانة، فلم يقع عليك إلا طلقة واحدة، ولك أن تراجع زوجتك، بل المرجح عند جماعة من أهل العلم أنه لو تلفظ الزوج بالطلاق الثلاث، لم يقع عليه إلا واحدة.
وينظر جواب السؤال رقم (97015) .
مع أننا في شك أيضاً من وقوع هذه الطلقة؛ لأن حالتك قد تكون إكراهاً، وطلاق المكره لا يقع، ولكننا لا يمكننا الحكم بذلك لأننا لا نعلم تفاصيل الواقعة، فعليك بالذهاب إلى المحكمة وحكاية ما حصل معك للقاضي وهو يحكم بما يراه صواباً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1260)
قال لها: اطلعي السيارة بدي أطلقك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب شديد الغضب ولا أدري ما أقول عندما يشتد غضبي لدرجة أني أشعر بأني لست أنا عندما أغضب، كانت زوجتي معي بالسيارة تشاجرنا فنزلت من السيارة وقالت لي: طلقني، وهي لا تعني ما تقول، لأنها كانت متضايقة، فقلت لها: طيب اطلعي السيارة بدي – يعني: أريد - أطلقك، مع عدم وجود ذرة واحدة لنية الطلاق في قلبي فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قولك لزوجتك: " اطلعي السيارة بدي أطلقك " لا يعتبر طلاقاً وإنما هو وعد بالطلاق، فلا يقع الطلاق.
وعليك أن تعالج شدة الغضب، وتحذر من التلفظ بالطلاق في جميع الأحوال ولو طلبته الزوجة، وانظر جواب السؤال رقم (658) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1261)
إذا قال الزوج: طلقت زوجتي وهو كاذب أو لا ينوي الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[إشاعة زوج بطلاقه لزوجته بين أهله وأقاربه بقوله لقد طلقتها مع وجود نية الطلاق عنده بدليل ذهابه للقاضي لطلاقها، ولم يتم الطلاق لعدم اتفاق الطرفين على حضانة الأولاد، فما حكم الشرع في زوج يشيع بين الناس قائلا طلقتها خلاص؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الزوج عن زوجته: لقد طلقتها، وقع الطلاق، سواء نوى الطلاق أو لم ينوه، وسواء كان صادقا أو كاذبا؛ لأن هذا لفظ صريح فيقع به الطلاق من غير نية.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/306) : " ولو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد به الكذب , لم يلزمه شيء، ولو قال: قد طلقتها، وأراد به الكذب , لزمه الطلاق، إنما لم يلزمه إذا أراد الكذب ; لأن قوله: ما لي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق , وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق , فلم يقع ...
فأما إن قال: طلقتها، وأراد الكذب، طلقت ; لأن لفظ الطلاق صريح , يقع به الطلاق من غير نية " انتهى.
والطلاق الواقع هنا طلاق رجعي، فللزوج أن يرجع زوجته في العدة إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1262)
إذا قال: علي الطلاق وسكت هل يقع الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الزوج: على الطلاق، ثم تمالك نفسه، وسكت ولم يكمل الكلام. فهل يقع الطلاق بذلك أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الزوج: علي الطلاق، وسكت، لم يلزمه شيء؛ ولا يقع بذلك طلاق، لأنه كلام لم يتم.
هذا هو الصحيح من كلام أهل العلم.
وذهب بعضهم إلى أنه يقع بذلك الطلاق.
وذهب بعضهم إلى أنه يمين.
قال في زاد المستقنع من كتب الحنابلة: " فإذا قال: أنت الطلاق، أو طالق، أو عليَّ، أو يلزمني وقع ثلاثاً بنيتها وإلا فواحدة ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " وقوله: «أو عليَّ» إذا قال: عليَّ الطلاق، فهو إلزام لنفسه به، فيشبه النذر، فإذا قال ذلك طلقت امرأته ثلاثاً إن نواها، وإن لم ينوِ ثلاثاً فواحدة، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا يمين باتفاق أهل اللغة والعرف، وليس بطلاق.
وقال بعضهم وهو الأصح: إن هذا ليس بشيء إذا لم يذكر متعَلقاً؛ لأن قوله: «علي الطلاق» التزام به، وهو إن كان خبراً بالالتزام فإنه لا يقع، وإن كان التزاماً به فإنه ـ أيضاً ـ لا يقع إلا بوجود سببه، مثل ما لو قال: علي أن أبيع هذا البيت، فما ينعقد البيع.
فإذا قال: علي الطلاق، نقول: ما دام أنك أوجبته على نفسك فطلِّق، وإذا لم تطلق فإنه لا يقع الطلاق، وهذا القول هو الصحيح أنه ليس بطلاق، وليس يميناً إلا إن ذكر المحلوف عليه، بأن قال: عليَّ الطلاق لأفعلن كذا.
لكن لو صار في العرف عند الناس أن الإنسان إذا قال: عليَّ الطلاق، فهو مثل قوله: أنت طالق فحينئذٍ نرجع إلى القاعدة العامة، أن كلام الناس يحمل على ما يعرفونه من كلامهم ولغتهم العرفية، وعلى هذا فيكون طلاقاً، أما بالنظر للمعنى اللغوي فإنه ليس بطلاق، كما لو أن إنساناً قال: عليَّ بيع هذا البيت، أو عليَّ توقيف هذا البيت، أو عليَّ تأجير هذا البيت، وما أشبه ذلك، فلا ينعقد، ولو قال: عليَّ أن أفسخ بيع هذا البيت، فما ينفسخ.
إذاً مثل هذه الصيغة لا تعد عقداً ولا فسخاً، وإنما هي إن كانت خبراً فليست بشيء، وإن كانت التزاماً فنقول: أوجد السبب حتى يوجد المُسبَّب " انتهى من "الشرح الممتع" (13/92) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1263)
يهددها بالطلاق إن لم تعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة اعتنقت الإسلام والحمد لله ومتزوجة من شخص مسلم وليس لدينا أولاد بعد. أعمل في مصنع هنا في أوروبا ولكن هذا المصنع أوقف الإنتاج مؤخراً وفقدت عملي , انا سعيدة لذلك لأنني أريد أن أجلس في البيت ولأن العمل كان فيه اختلاط , والمشكلة أن دخل زوجي ضئيل بحيث لا يكفي لتغطية تكاليف المعيشة الغالية هنا , كما أن لديه إخوة فقراء في بلده ويجب أن يساعدهم , لذلك هو يريدني أن أعمل. لطالما بحثت عن عمل خالي من الاختلاط ولكنني لم أجد. اتصلت لأحد المشائخ في ألمانيا وشرح لزوجي أن بقائي في المنزل أفضل , ولكن زوجي رفض ذلك وأصر على أن أجد عملاً، وقال لي: إن لم تجدي عملاً في غضون شهر فسأطلقك. أسئلتي هي: هل أستطيع أن أطلب من رجل وزوجته أن يشغلوني عندهم كحاضنة؟ وهل يجب أن أعمل إذا وجدت عملاً حلالاً؟ وماذا يجب عليّ أن أفعل الآن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يلزم الزوج نفقة أهله وأجرة السكن والطعام ونحوه، ولا يلزم الزوجة شيء من ذلك، ولو كانت تعمل، أو كانت ذا مال.
قال الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) الطلاق/7، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه مسلم (1218) . وقال صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي [يعني من ماله] مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364) .
ثانيا:
الأصل هو قرار المرأة في بيتها؛ وعدم خروجها منه إلا لحاجة، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب / 33، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها) رواه ابن حبان وابن خزيمة، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (2688) .
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد: (وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ثالثا:
يحرم على المرأة أن تعمل في مكان تختلط فيه بالرجال، لما يترتب على هذا الاختلاط من مفاسد ومحاذير على الرجل والمرأة، ولها أن تعمل خارج البيت عملا مباحا لا تختلط فيه بالرجال، وفق الضوابط التالية:
- أن تكون محتاجة إلى العمل.
- أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك.
- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه بالرجال الأجانب عنها.
- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي.
- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث يشمها أجنبي عنها.
- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها، والقيام بشئون زوجها وأولادها.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: " المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً , وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك , وأما العمل في مجالات تختص بالرجال، فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها , ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/981) .
رابعا:
لا حرج في عملك حاضنة، فإن كان في بيتك فلا إشكال، وإن كان في بيت المحضون فلا بد من التحرز من الخلوة مع والد الطفل وغيره من الرجال الأجانب، والتحرز من المخالفات الأخرى كالنظر والمصافحة والكلام مع الرجل لغير حاجة.
ولا يجب عليك العمل وإن كان مباحا، ما لم يكن زوجك قد اشترط ذلك عليك في عقد النكاح.
وإن خشيت أن يطلقك زوجك، فأنت مخيرة بين العمل، أو الطلاق، والأحسن لك في هذه الحال أن تبحثي عن عمل مباح، وستجدين إن شاء الله تعالى، فإن مرارة العمل قد تكون أهون من مرارة الطلاق.
قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3. نسأل الله أن يصلح حالكما وأن يجمعكما على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1264)
لا يشترط الإشهاد على الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي بدون شهود ما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط الإشهاد على الطلاق ولا يجب، فمن تلفظ بالطلاق، وقع طلاقه، ولو كان في غيبة الزوجة، أو كان لا يحضره أحد من الناس، وكذلك لو كتب الطلاق في رسالة أو ورقة بنية الطلاق، وقع الطلاق.
قال الشوكاني رحمه الله في مسألة الإشهاد على الرجعة: "ومن الأدلة على عدم الوجوب: أنه قد وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق، كما حكاه الموزعي في تيسير البيان، والرجعة قرينته، فلا يجب فيها، كما لا يجب فيه" انتهى من "نيل الأوطار" (6/300) .
فهذا نقل لإجماع العلماء على أن الطلاق يقع وإن لم يحصل الإشهاد عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1265)
علَّق طلاقها على معصيتها له فعصته في أمرٍ سابق لتعليقه فهل يقع طلاقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أنا شاب متزوج، أعمل بالمملكة العربية السعودية، وزوجتي موجودة بمصر، ونشأت بيني وبين زوجتي بعض الخلافات، ونتيجة لهذة الخلافات أصبحتْ لا تطيعني في بعض الأمور، فأنا قلت لها: إذا أمرتك بشيء ليس فيه معصية لله ولم تطيعيني فيه: تكونين طالقاً، وإذا كذبتِ عليَّ ثانية: تكونين طالقاً، وبعدها بأسبوع عصتني في أمر كنت قد نهيتها عنه من قبل أن أحلف عليها يمين الطلاق، فهل وقع الطلاق أم لا؟ مع العلم أنني مسافر ولن أعود إلا بعد 6 أشهر، وكذلك الأمر الذي عصتني فية لا يوجد فيه معصية لله، وهذه أول مرة أحلف عليها هذا اليمين، فما هو الحل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا ينبغي للزوج أن يتسرع في تعليق الطلاق على شيء تفعله زوجته، فإذا فعله كانت طالقاً، فكثيراً ما يندم الزوج بعد ذلك، ولكن وقت لا ينفعه ذلك الندم.
وقد أخطأت حين علقت طلاق امرأتك على عدم طاعتها لك، فذلك ليس من العشرة بالمعروف، وهو أمر شاق جداً على الزوجة، فقد تأمرها بما يضرها، أو بما لا ترضاه هي، أو بما يشق عليها، فتكون الزوجة بين أمرين كلاهما مر، إما أن تطيعك وهي كارهة، ولا شك أن ذلك سيؤثر سلباً على العلاقة بينكما، وإما أن لا تطيعك فيقع الطلاق.
ثانياً:
من علق طلاق امرأته على شيء، فإن كان قصده من ذلك مجرد تخويفها وتهديدها فحكمه حكم اليمين، يجب عليه كفارة اليمين إذا فعلت ما علق طلاقها عليه، ولا يقع بذلك طلاق.
وإن كان قصده إيقاع الطلاق فعلاً، وقع الطلاق متى فعلت ما علق طلاقها عليه.
وانظر جواب السؤال رقم (82400) .
وأما وقوع الطلاق في معصيتها لك في أمر سابق لهذا الكلام فهو راجع إلى نيتك، فإن كنتَ تقصد بقولك جميع أوامرك لها السابقة واللاحقة: وقع الطلاق، وإن كنتَ تقصد ما يأتي من أوامر بعد تعليق الطلاق: فلا يقع الطلاق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1266)
طلقها ثم نزلت عليها كدرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلق الرجل زوجته وهي قد طهرت في نفس اليوم، عندما طلقها رأت الكدرة والصفرة بعد الطلاق وهي قد صلت، مع العلم أن العادة دائما 7 أيام، وتم الطلاق في السابع أي آخر يوم، بمعنى لا يرى إلا اللون البني، أي: الكدرة والصفرة، حتى في الشهر الثاني من الدورة طهرت ورأت نفس الشيء، ولكن أتتها علامة الطهر بعدها مباشرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطهر من الحيض يعرف بإحدى علامتين:
الأولى: نزول القصة البيضاء، وهي ماء أبيض تعرفه النساء.
الثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو وضعت في مكان الحيض قطنة أو نحوها، خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة.
والكدرة (الإفرازات البنية) ، والصفرة إن نزلت بعد تحقق الطهر، فلا تعتبر حيضاً، وإن نزلت قبل حصول الطهر، فهي جزء من الحيض؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) رواه أبو داود (307) ، وصححه الألباني في صحيح البخاري.
وعليه؛ فإن كانت المرأة قد تحققت من الطهر بإحدى العلامتين، ثم طلقها زوجها – ولو قبل اغتسالها – فالطلاق واقع حينئذ؛ لأنه طلاق في حال طهرها.
وإن كانت لم تر علامة من العلامتين، ثم رأت الكدرة أو الصفرة بعد الطلاق، فيكون قد طلقها وهي حائض، والطلاق في الحيض مختلف فيه بين أهل العلم، وجمهورهم وعليه المذاهب الفقهية الأربعة أنه يقع، واختار بعض أهل العلم أنه لا يقع. وينظر جواب السؤال رقم (72417) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1267)
قال لزوجته: إن كان أحد قَبَّلك فأنت طالق، فكذبت، فهل يحل لها البقاء معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحدى الأخوات عُقد قرانها، ولكن لم تدخل بعد، طلب منها زوجها أن تجيب على سؤال، وإن أجابت خطأ أو كذبت فهي طالق منه، سألها: هل أحد حضنك أو قبَّلك من قبل؟ قالت: لا، وقد كان لها موقف مع صديق قبل هذا السؤال، وهي الآن تائبة، وقد كان هذا منذ فترة وقد أجابت بالنفي خوفاً على مستقبلها مع هذا الزوج، وأنها لن تفعل هذا مرة ثانية. السؤال هل هي طالق الآن أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن كان الزوج قد عَلَّق الطلاق على خطئها أو كذبها، - وهذا لا يعلم إلا من جهتها -، فهي مسؤولة عن ذلك، فإن كانت كما قال زوجها فقد وقع عليها الطلاق.
والطلاق قبل الدخول طلاق بائن، لا رجعة فيه، وإذا أراد الزوجان الرجعة، فلابد من عقد جديد.
وقد أخطأ الزوج في تعليق الطلاق على أمر غائب لا يعلم إلا من جهة الزوجة، لأنها قد تكذب، فيقع الطلاق وهو لا يعلم.
ثانيا:
إن كان الزوج لم يقصد تعليق الطلاق على كذبها، وإنما أراد حثها على الصدق وتخويفها من الكذب ولم يُرد الطلاق، فلا يقع الطلاق ويلزمه في هذه الحال كفارة يمين.
ثالثا:
قد أخطأ الزوج في سؤالها عن ماضيها، فحسبه أن تكون مستقيمة معروفة بالخير عند الزواج منها، غير مطعون في دينها وعفّتها، وأما كونها ألمّت بشيء من الحرام في الماضي، ثم تابت منه وصلحت، فإن من الخطأ سؤالها عنه، وتعريضها للكذب أو الطلاق، أو إلجاءَها لفضح نفسها وكشف ستر الله عليها، ثم إنها إن صدقت معه، فتح ذلك مجالاً للشك والريبة.
ولهذا يقال للزوج: إن رضيت هذه المرأة بعد السؤال والتحري فتزوج بها، ولا شأن لك بماضيها، ويقال للزوجة مثل ذلك، ومن الخطأ والجهل ما يدعو إليه البعض من مصارحة الزوجين بما كان في سابق أمرهما، مما ستره الله تعالى، بل عليها أن يرضيا بستره ويحمدا الله على ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1268)
الطلاق قبل الدخول وبعد الخلوة هل هو رجعي أم بائن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت قراني على فتاة، واختليت بها أكثر من مرة ولفترات طويلة، وحدثت بينا تقريباً معاشرة دون الدخول، ثم طلقتها، هل من حقي أن أراجعها دون عقد ومهر جديد أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطلاق إن وقع قبل الدخول والخلوة، فهو طلاق بائن، لا رجعة فيه، فلا يملك الزوج أن يعود بعده إلى زوجته إلا بعقد جديد ومهر جديد، مع استيفاء العقد لشروطه من رضا الزوجة، والولي وحضور الشاهدين.
وأما إن كان الطلاق بعد الخلوة، وقبل الدخول، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء، فذهب الجمهور إلى أنه طلاق بائن، كالأول.
وذهب الحنابلة إلى أنه طلاق رجعي، فللزوج أن يراجع زوجته في العدة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/107) في شروط الرجعة:
" الشرط الثاني: أن تحصل الرجعة بعد الدخول بالزوجة المطلقة، فإن طلقها قبل الدخول وأراد مراجعتها فليس له الحق في ذلك، وهذا بالاتفاق؛ لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) ، إلا أن الحنابلة اعتبروا الخلوة الصحيحة في حكم الدخول من حيث صحة الرجعة؛ لأن الخلوة ترتب أحكاما مثل أحكام الدخول، أما الحنفية والمالكية والشافعية على المذهب فلا بد عندهم من الدخول لصحة الرجعة، ولا تكفي الخلوة " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، في شروط الرجعة: " كون المرأة مدخولا بها، وإذا قيل: مدخولا بها، أي قد جامعها زوجها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب/49، وإذا لم يكن لها عدة، فلا رجعة؛ لأن غير المدخول بها من حين ما يقول: أنت طالق، تطلق وتبين منه، ولا عدة له عليها.
أو تكون مخلوّا بها، والخالي هو الزوج، يعني لابد أن يكون داخلا بها أو خاليا بها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم قضوا بأن الخلوة كالدخول، فلو طلقها قبل الدخول والخلوة فليس له رجعة؛ لأنه لا يوجد عدة، فسوف تنفصل عنه بانتهاء كلمة الطلاق " انتهى من "الشرح الممتع" (13/182) .
ولاشك أن الأحوط هو الأخذ بقول الجمهور، فتعقد عقدا جديدا، ولكما أن تتفقا على مهر يسير.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (97229) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1269)
قال لزوجته: اليوم بيكون طلاقك
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل خلاف بين امرأة وزوجها، فقال لها زوجها: (اليوم بيكون طلاقك، اليوم بدك تطلقي، اليوم بدي أطلقك، اليوم بتكوني طالق) ، لكنها ليست متأكدة من لفظه الأخير: (اليوم بتكوني طالق) قال لها ذلك أم لا؟ وبعدها تصالحوا بنفس الجلسة وانتهى الخلاف، وتريد الأخت أن تعرف حكم كلام زوجها وطلبت مني مراسلتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يفهم من هذه العبارات أنها تهديد بالطلاق، وليست إيقاعا له بالفعل، وحيث إن الزوج تصالح مع زوجته ولم يطلق بعد ذلك، فلا يقع شيء.
ونوصي الزوج بتجنب استعمال ألفاظ الطلاق، فإن الطلاق لم يشرع للتنفيس عن الغضب، وتكرار استعماله يهدم الثقة بين الزوجين، ويعرض الأسرة للدمار.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1270)
سألته الطلاق فقال: إن كنت تريدين ذلك بقلبك فكما تريدين
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل خلاف بيني وبين زوجي، فطلبت منه الطلاق، لكني لم أكن أريد الطلاق، وإنما لأعرف مكانتي عنده وإن كان متمسكاً بي، فقال لي: إن كنت تريدين ذلك من قلبك وداخلك فكما تريدين، وأنا كما قلت لكم لا أريد وأستغفر الله على لفظي، فما حكم ذلك؟ وهل يعتبر يميناً أم طلقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك، كسوء العشرة من الزوج؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (117185) ، ومجرد حدوث الخلاف أو الشجار بين الزوجين، لا يبرر طلب الطلاق، وأبعد من ذلك طلب الطلاق لاختبار الزوج ومعرفة مكانة الزوجة عنده، فإن هذا خطأ محض، والشيطان قد ينجح في مثل هذه الحال في إغراء الزوج بالطلاق، أو أن يزين له أن الزوجة كارهة لها ونافرة منه.
والطلاق ينبغي ألا يذكر بين الزوجين، لا هزلا ولا جدا، بل ينبغي صرف الخواطر عن التفكير فيه، ما دامت الأمور مستقيمة والحمد لله، حتى لا يسهل على النفس الإقدام عليه.
ولهذا نقول: استغفري الله تعالى من هذا التصرف، واعتذري لزوجك عما سقتيه إليه وحملتيه عليه.
ثانيا:
لو قال زوجك: إن كنت تريدين الطلاق من قلبك "فأنت طالق"، وكان الواقع أنك لا تريدين الطلاق، فلا يقع الطلاق بذلك، ولا يكون يميناً.
وزوجك لم يقل ذلك، وإنما قال شيئا دونه، وهو قوله: "إن كنت تريدين ... فكما تريدين"، وهذا ليس صريحا في الطلاق، بل هو من باب الكنايات، ولا يقع به الطلاق إلا إذا نواه الزوج.
وينظر جواب السؤال رقم (98670) .
ثم إنه علق ذلك على أمر لم يقع، وهو إرادتك ورغبتك في الطلاق.
فلا يقع الطلاق بهذا اللفظ من الزوج، كما لا تلزم كفارة اليمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1271)
حكم طلب الطلاق بسبب الاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن حكم طلب الطلاق أثناء الإصابة بالاكتئاب؟ . وهل البعد عن البلد الأصلي وعن الأهل - مما أزم مرض الاكتئاب في نفسي - عذر يبيح طلب الطلاق؟ علماً أني قبل الزواج كنت أعرف أني سأسكن في بلد غير بلدي الأصلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاكتئاب الذي يشعر به الإنسان قد يكون مرضا، يحتاج إلى علاج ومراجعة لأهل الاختصاص، وقد يكون هما وضيقا يزول بأمور كثيرة من العبادة والذكر والصحبة الصالحة والانشغال بالأعمال النافعة، ويمكن الاستفادة في ذلك من جواب السؤال رقم (22704) و (21515) و (100774) .
وبكل حال، فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، فلهذا الاكتئاب علاج مهما كان نوعه، وعلى المؤمن أن يتحلى بالصبر واليقين، ويكثر من سؤال الله تعالى واللجوء إليه، فإن مفاتيح الخير بيده سبحانه، وكم من مؤمن ومؤمنة صبر على مرض أو بلاء أو حبس، دون أن تدعوه نفسه لارتكاب الحرام، فإن هذا فعل أهل السخط والجزع، لا يصبرون على أقدار الله، ويسارعون للتخلص مما أصابهم بأي وسيلة مهما كان فيها شقاؤهم الدنيوي أو الأخروي.
ثانيا:
لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لعذر شرعي يمنعها من الاستمرار معه، كسوء عشرته، ونفورها منه بحيث لا تستطيع أن تؤدي حقه، وذلك لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المختلعات هن المنافقات) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) .
ولو فرض أن الزوجة في حال غضبها أو مرضها أو اكتئابها طلبت من زوجها الطلاق، فإنها إذا هدأت نفسها، أدركت خطأها واستغفرت ربها، واعتذرت إلى زوجها.
وإذا كان الاكتئاب والعناء ناتجا عن علاقتها بزوجها، لسوء عشرته، أو كرهها له، وتحقق هذا الأمر لدى الثقات من أهلها، فعليهم أن يحاولوا الإصلاح، ويتشاوروا في ذلك مع الزوج للوصول إلى حلول تخرج هذه الزوجة من حالة الاكتئاب التي تعيشها.
والنصيحة للسائلة ـ وقد ذكرت أن سبب اكتئابها هو بعدها عن أهلها ـ أن تصبر، وتحاول تجاوز تلك الأزمة.
والاكتئاب ـ في الغالب ـ يصيب الإنسان الفارغ، الذي لا يشغل نفسه بعمل نافع، لا في أمور الآخرة، ولا في أمور الدنيا.
فاشغلي نفسك بعمل مفيد، التحقي بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم، تعرفي على أخوات ثقات، صاحبات دين وخلق، تتعاونين معهم على عمل نافع.
ويمكنك الاتفاق مع زوجك على أن تقومي بزيارة أهلك بين فترة وأخرى، ونحث أهلك أيضاً أن يبادلوك الزيارة.
وعلى الزوج أن يتحمل ما قد يقع من زوجته، ويحاول الأخذ بيدها لتجاوز تلك الأزمة.
فلابد من تعاون الزوج والزوجة وأهلها، حتى تعود الأمور إلى طبيعتها.
وأما الطلاق فاصرفي تفكيرك عنه، وتغلبي على حالة الاكتئاب التي تعيشينها، واستعيني بالله تعالى، وأكثري من دعائه.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حالك، ويوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1272)
تريد الطلاق من غير سبب فهل يسترد المهر
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من إحدى قريباتي ولم أبق معها إلا فترة قصيرة، ظهرت بعض المشكلات بسبب عدم احترامها لي، وعدم قبولها لما أقول لها من النصائح الدينية والاجتماعية. ثم سافرت بسبب عملي، وأنهيت لها إجراءات التأشيرة حتى تلحق بي. ولكنها رفضت السفر إلي، وتصر على طلب الطلاق، وحاولت الإصلاح عدة مرات، وتدخل بعض الأقارب للإصلاح ولكن بلا فائدة. سؤالي: هل يحقق لها أن تأخذ المؤخر؟ مع العلم أنها هي التي تلح على الانفصال. ما هي حقوقي عليها قبل وعند الانفصال؟ . وهل يحق لي مطالبتها بالذهب الذي قدم بالعرس والخطبة؟ . وهل يحق لي أن أطالبهم بالتكاليف التي دفعتها للسفارة من أجل إخراج الفيزا والتي كلفتني أكثر من 3000 دولار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا تم النكاح فلكل من الزوجين حقوق على الآخر، ومن هذه الحقوق: طاعة الزوجة لزوجها، وانتقالها إليه، وتمكينه من الاستمتاع بها، ووجوب المسكن والنفقة لها، إلى غير ذلك من الحقوق التي سبق بيانها في الجواب رقم 10680.
ثانيا:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود عذر يبيح لها ذلك؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والبأس: هو الشدة والسبب الملجئ للطلاق.
ثالثا:
إذا لم ترغب في طلاق زوجتك، ولم يوجد تقصير منك يدعوها للطلاق، فلك أن تأبى الطلاق وتدعو زوجتك للخلع والتنازل عن المهر المؤخر، أو الذهب، أو جميع ما دفعت من الذهب وغيره.
وينبغي أن تراعي ما بينكم من الرحم، وألا تكلف أهلها فوق طاقتهم، فلو اكتفيت باسترداد الذهب وإسقاط المؤخر كان حسنا، وينظر جواب السؤال رقم (26247) .
ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا، وأن يوفقك للزوجة الصالحة التي تقر بها عينك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1273)
هل يجوز للزوجين ادعاء وقوع الطلاق على الورق من أجل الإقامة في بلاد غير مسلمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تعيش صديقتي وزوجها ببلد غير مسلم، وهي تريد أن تحذف اسم زوجها من جواز السفر الباكستاني، وتستبدله باسم والدها؛ لأغراض توثيقية رسمية بهذا البلد غير الإسلامي، وكلٌّ من صديقتي وزوجها هما مواطنان باكستانيان، لكن ليتم حذف اسم الزوج من جواز السفر توجب الحكومة الباكستانية أن يتقيد ذلك بكون المرأة مطلقة، أو أرملة فقط، ولكي يتم وقوع الطلاق يتم تقديم طلب كتابي بذلك، ويتم تأكيد الطلاق قانونيّاً بعد انقضاء أشهر العدة الثلاث، بعدها يصبح من الممكن حذف اسم الزوج من جواز السفر، والآن فإن سؤالي هو: إذا قمت بتقديم طلب كتابي للطلاق بباكستان (وأنا أعيش بباكستان) نيابة عن صديقتي (التي لا تعيش بباكستان) بناء على طلبها، فهل سيقع طلاق صديقتي في الشريعة الإسلامية؟ برجاء الأخذ في الاعتبار أنه ليست هناك نية من الزوج، أو الزوجة للطلاق، لكن هناك وثائق رسمية تتطلب من صديقتي حذف اسم زوجها من جواز السفر، لأغراض توثيقية رسمية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر لنا أن تلك الأسرة تريد تغيير وثائقها الرسمية من أجل الإقامة في ذلك البلد غير المسلم، وهم بذلك يريدون التوصل إلى أمرٍ لا يجوز شرعاً بطريق أيضاً لا يجوز.
وقد ذكرنا في أجوبة كثيرة مسألة الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، وأن الأصل تحريم الإقامة فيها، فلتنظر أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) .
وعليه: فالسبب الذي من أجله يريدون تزوير الوثائق الرسمية لا يُحل لهم ذلك الكذب والغش، وغالب من يرغب في الإقامة في تلك البلاد الكافرة إنما يريد ذلك من أجل العمل، والدنيا، وسرعان ما يحمل جنسيتهم، ويذوب في مجتمعاتهم، إلا من رحم الله.
فما تسأل عنه الأخت هنا: هو من الأفعال المحرَّمة التي لا يجوز لها فعلها، وذلك لعدة أسباب، منها:
1. أنه سيتوصل بهذا الفعل إلى إقامة محرَّمة في بلاد غير مسلمة.
2. أنه نوع من الكذب والغش، والإخبار بخلاف الحقيقة، والواجب على المسلم أن يكون صادقاً في أقواله، مجتنباً الكذب.
3. أن هذا الفعل يعد نوعاً من التلاعب بالطلاق، وقد نهى الله تعالى عن اتخاذ آيات لله هزواً ف سياق آيات الطلاق، قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة/ 231.
قال القرطبي رحمه الله:
"قوله تعالى: (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً) معناه: لا تتخذوا أحكام الله تعالى في طريق الهزو بالهزو؛ فإنها جِدٌّ كلُّها، فمن هزل فيها: لزمته، قال أبو الدرداء: كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول: إنما طلقت وأنا لاعب، وكان يعتق، وينكح، ويقول: كنتُ لاعباً، فنزلت هذه الآية" انتهى.
" تفسير القرطبي " (3 / 156) .
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (103432) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1274)
حلف عليها بالطلاق ألا تكلم زوج أختها فكلمته بدون قصد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وزوجي حلف علي يميناً أن لا أكلم زوج أختي، فهل هذا الشيء حلال؟ مع العلم أن زوج أختي قال: مرة لأختي سلمي على أختك، فأخبرتني أختي بذلك، فرددت السلام عليه، فهل وقع الطلاق، ومرة تكلمت مع زوج أختي بدون قصد، فهل وقع الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان المقصود أن زوجك حلف بالطلاق ألا تكلمي زوج أختك، كأن قال: علي الطلاق لا تكلميه، أو أنه علق الطلاق على ذلك فقال: إن كلمت زوج أختك فأنت طالق أو تكونين طالقا، فمنعك من الكلام معه إن كان لسبب واضح، كأن يكون الرجل لا ينضبط في كلامه معك، أو يحدث نوع من الاسترسال الذي لا يرضاه زوجك، أو يخشى من كلامه معك مفسدة، فلا حرج عليه في منعك، ولو كان هو يتكلم مع أختك.
ومعلوم أنك أجنبية عن زوج أختك، فلا يحل لك أن تكشفي شيئا أمامه، كما لا يحل لك مصافحته، وينبغي ضبط الكلام معه بحيث لا يكون فيه خضوع بالقول ولا استرسال في الحديث بغير حاجة؛ لأنه أجنبي كسائر الأجانب.
ثانيا:
هذا الحلف أو التعليق فيه تفصيل:
فإن قصد الزوج وقوع الطلاق عند كلامك مع زوج أختك، فإنك إن كلمتيه وقع الطلاق.
وإن قصد مجرد منعك، ولم يقصد وقوع الطلاق، فهذه يمين، إن شاء سمح لك وكفّر عن يمينه.
وهذا التفصيل هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبه أفتى جماعة من أهل العلم.
وأما الجمهور فقد ذهبوا إلى عدم التفصيل، وأنه إن حدث الكلام وقع الطلاق، من غير نظر إلى نية الحالف.
وانظر جواب السؤال رقم (39941) .
ثالثا:
إن وقع منك الكلام وأنت ناسية لحلف لزوجك، فإن الطلاق لا يقع على الراجح، وهو مذهب الشافعية، وأحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وصوبها المرداوي في "الإنصاف" (9/114) .
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (3/301) : " (وكذا) لا تطلق إن علّق بفعل (غيرٍ) من زوجةٍ أو غيرها وقد (قصدَ) بذلك (منعه) أو حثه (وهو ممن يبالي) بتعليقه فلا يخالفه فيه لصداقة أو نحوها (وعلم بالتعليق ففعله الغير ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً) " انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/178) : " متى حلف بطلاق أو غيره على فعل نفسه، ففعله: ناسيا للتعليق، أو ذاكرا له مكرها على الفعل، أو مختارا جاهلا بالمعلق عليه، لا بالحكم خلافا لمن وهم فيه: لم يحنث؛ للخبر السابق: (إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، أي: لا يؤاخذهم بشيء من هذه الأمور الثلاثة ... وكذا لا حنث إذا علّق بفعل غيره المبالي بتعليقه، بأن لم يخالفه فيه لنحو صداقة أو حياء أو مروءة، وقصد بذلك منعه أو حثه وعلم بالتعليق، ففعله ذلك الغير ناسيا أو جاهلا أو مكرها " انتهى.
وينظر: فتاوى الشيخ ابن باز (22/47) .
ثالثا:
تبليغ أختك لك سلام زوجها، وردك على سلامه، لا يعتبر كلاما لزوج أختك، فلا يضرك هذا، وينبغي الرجوع إلى زوجك لمعرفة حدود ما يسمح به وما يمنعه، وما نواه بحلفه، فإن النية تخصص اللفظ، فقد يكون نوى منع الكلام في وقت دون وقت، أو في حال دون حال، أو يريد منع الاسترسال في الكلام، دون السلام ونحوه، مما يجري من الكلام عرضا.
والذي نوصيكِ به هو الحرص على بيتكِ وأسرتكِ، وتجنب الكلام مع زوج أختكِ مطلقا، والبعد عما يوقعكِ في ذلك، ما دام زوجكِ رافضا لذلك، إرضاء لزوجكِ، وحذرا من وقوع الطلاق عليك، مع إحسان الظن بزوجك والتماس العذر له، فقد يكون له سبب وجيه يدعوه لذلك، كما نوصيك بلزوم الحجاب أمام أزواج أخواتك، وإخوان زوجك، فإنهم جميعا أجانب بالنسبة لك.
ونسأل الله لكِ مزيدا من التوفيق والتسديد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1275)
طلقها طلقتين ثم خالعها فهل تحل له بعقد جديد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مختلعة من زوجها؛ هل يوجد شروط لعودتها لزوجها بعد الخلع؟ وإن كانت هذه المرأة طلقها زوجها مرتين، وقامت بالخلع من زوجها فما هي شروط عودتها لزوجها؟ هل عليها أن تعقد على رجل آخر ثم تطلق منه؟ أم يكفي أن يكون عقدا جديدا للرجوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخلع إذا لم يكن بلفظ الطلاق، ولم ينو به الطلاق، فهو فسخ عند جماعة من أهل العلم، وهو قول الشافعي في مذهبه القديم، والمذهب عند الحنابلة، ويترتب على كونه فسخا أنه لا يحسب من الطلاق، فمن طلق زوجته طلقتين ثم خالعها، فله أن يرجع إليها بعقد جيد.
ومثال ذلك: أن يقول الزوج: خالعت زوجتي على كذا من المال، أو فسخت نكاحها على كذا.
وأما إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، كقوله: طلقت زوجتي على عوض قدره كذا، فإنه يكون طلاقا في قول جماهير أهل العلم. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (19/237) .
وذهب بعضهم إلى أنه يكون فسخاً أيضاً، ولا يحسب من الطلاق ولو كان بلفظ الطلاق، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إنه المنصوص عن الإمام أحمد وقدماء أصحابه.
وينظر: "الإنصاف" (8/393) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولكن القول الراجح: أنه [يعني: الخلع] ليس بطلاق وإن وقع بلفظ الصريح، ويدل لهذا القرآن الكريم، قال الله عز وجل: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229، أي في المرتين، إما أن تمسك وإما أن تسرح، فالأمر بيدك (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229، إذاً هذا فراق يعتبر فداء، ثم قال الله عز وجل: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) البقرة/230، فلو أننا حسبنا الخلع طلاقا لكان قوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) هي الطلقة الرابعة، وهذا خلاف الإجماع، فقوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) أي: الثالثة (فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) والدلالة في الآية واضحة، ولهذا ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن كل فراق فيه عوض فهو خلع وليس بطلاق، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، وهذا هو القول الراجح " انتهى من "الشرح الممتع" (12/467- 470) .
وقال رحمه الله: " فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، بأن قال مثلا: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال، فنقول: هذا خلع، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أي أنه فسخٌ بأي لفظ كان، ولا يحسب من الطلاق.
ويترتب على هذا مسألة مهمة، لو طلق الإنسان زوجته مرتين متفرقتين، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق، تحل له بعقد جديد حتى في العدة، وهذا القول هو الراجح. لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا، بل يقولوا: خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا؛ لأن أكثر الحكام (القضاة) عندنا وأظن حتى عند غيرنا يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقا، ويكون في هذا ضرر على المرأة، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت، وإن كانت غير الأخيرة حسبت عليه " انتهى من الشرح الممتع (12/450) .
وبناء على هذا القول فللزوج أن يعود إلى زوجته التي خالعها، بعقد جديد، لأن الخلع لا يحسب من الطلاق.
ثانياً:
يجب أن يعلم أن الزوج إذا طلق امرأته ثلاث طلقات فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإن طلقها ذلك الزوج الثاني أو مات عنها، جاز لها أن ترجع إلى زوجها الأول بعقد جديد.
ولا يجوز التحايل على هذا الحكم، فتعقد المرأة عقداً صورياً على رجل ثم تطلق منه، لتحل لزوجها الأول.
ولا يجوز الاتفاق مع هذا الزوج أنه متى أحلها لزوجها الأول طلقها، فإن هذا يسمى بـ "نكاح التحليل" وهو محرم ومن كبائر الذنوب.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (109245) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1276)
قال: زوجتي طالقة إن كذبت، ولم تكن تعلم أن الخبر كاذب
[السُّؤَالُ]
ـ[اتصلت بي زوجتي وقالت مبروك جاءكم راتب إضافي بمناسبة رمضان، حسب ما أذيع في الأخبار، وهذا الخبر نقلته من أختها، وقمت أنا بتبشير زملائي في العمل، وقالوا لي: يمكن تكذب عليك أو تمزح، فقلت: إن كانت تكذب أو تمزح فلم يتبق لها إلا اثنتين أقصد (طلقتين) السؤال: هل يقع الطلاق؟ علما بأن الخبر كاذب وزوجتي لم تعلم أنه كاذب، ولم تنو المزح أو الكذب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت زوجتك تكلمت بذلك بناء على ما سمعت، ولم تكذب لا جادّة ولا مازحة، فلا يلحقها إثم ولا طلاق.
ونوصيك بتقوى الله تعالى، وتجنب استعمال ألفاظ الطلاق في غضبك ورضاك ما أمكنك، فإن الزواج والاستقرار نعمتان تستحقان الشكر والمحافظة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1277)
تعليق الطلاق على المشيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقع الطلاق إذا قلت لزوجتي بالنص: (بإذن الله يوم زواج ابن عمك هو يوم طلاقك) وكان زواج ابن عمها - أي الزوجة- بعد خمسة أيام من هذا اليمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعليق الطلاق على وقت زواج ابن عم الزوجة، هو من التعليق المحض، كالتعليق على نهاية الشهر أو طلوع الشمس أو نحو ذلك، فيقع الطلاق عند وقوع الشرط، ولا يجري فيه الخلاف المعروف بين العلماء في الطلاق المعلق الذي قد يكون له حكم اليمين، فإن ذلك في التعليق الذي يراد به الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب.
ولكن يبقى النظر في قولك: (بإذن الله) فإن أردت تعليق الأمر على المشيئة، ففي وقوع الطلاق خلاف، وإن أردت التأكيد أو التبرك أو اعتيادا لقولك (بإذن الله) ولا تريد تعليق الطلاق على المشيئة، وقع الطلاق.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى. طلقت. نص عليه أحمد , في رواية جماعة , وقال: ليس هو من الأيمان. وبهذا قال سعيد بن المسيب , والحسن ومكحول , وقتادة , والزهري , ومالك , والليث , والأوزاعي , وأبو عبيد.
وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع. وهو قول طاوس , والحَكَم , وأبي حنيفة , والشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها , فلم يقع , كما لو علقه على مشيئة زيد " انتهى من "المغني" (7/357) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والقول الثالث وسط، فإن أراد بقوله: إن شاء الله، أي إن شاء الله أن تطلقي بهذا القول فإن الطلاق يقع؛ لأننا نعلم أن الله تعالى يشاء الشيء إذا وجد سببه وإن أراد بقوله: إن شاء الله، أي في طلاق مستقبل، فإنه لا يقع حتى يوقعه مرة ثانية في المستقبل، وهذا هو الصواب.
فإن قال: أردت التبرك وما أردت التعليق، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) يعني بأهل المقابر، ونحن لاحقون بهم قطعا، فقيل: المراد التبرك، فإذا قال: أردت التبرك، يقع " انتهى من "الشرح الممتع" (13/155) .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " وهذا الخلاف إذا كان قوله: إن شاء الله، بقصد التعليق بخلاف ما لو قال: إن شاء الله، تبركاً بذكر الله عز وجل؛ لأن اسم الله مبارك فيقول: إن شاء الله أفعل، إن شاء الله أقول، ولا يقصد التعليق، ولا ينوي في قلبه التعليق، وكذلك مسبوق اللسان، مثل من عادته أن يقول: إن شاء الله، فلما قال: أنت طالق، قال: إن شاء الله، فجرى بها لسانه دون أن يكون قاصداً للتعليق بقلبه، وكذلك إذا قصد التحقيق، فيقول لها: أنت طالق إن شاء الله، تحقيقاً وإثباتاً للأمر، في هذه الصور كلها يقع الطلاق وجهاً واحداً عند العلماء " انتهى من "شرح زاد المستقنع".
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى، ولا يستعمل الطلاق إلا في موضعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1278)
إذا ادعت الزوجة أنه طلقها وأنكر ذلك أو نسيه
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت امرأتي الطلقة الأولى ثم راجعتها، والمشكلة أنها ذكرت لي بأنني سبق وأن طلقتها، ولكنني لا أذكرها أبدا، ولكن هي تذكرها ولم تخبر بها أحدا، حتى إنني سألت والدتي للتأكد ولم تتذكرها، فكيف أتصرف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ادعت الزوجة أن زوجها طلقها، وأنكر، فالقول قوله، حتى تأتي ببينة على وقوع الطلاق، وهذا من جهة الحكم والقضاء، وأمره إلى الله تعالى المطلع على ما في نفسه، وقد يُحكم للرجل ببقاء الزوجية، ولا تحل له زوجته فيما بينه وبين الله، إذا كان قد طلقها بالفعل، وكانت هذه الطلقة هي الثالثة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/387) : " إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله ; لأن الأصل بقاء النكاح، وعدم الطلاق، إلا أن يكون لها بما ادعته بينة، ولا يقبل فيه إلا عدلان ...
فإن لم تكن بينة فهل يستحلف؟ فيه روايتان ; نقل أبو الخطاب أنه يستحلف وهو الصحيح ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن اليمين على المدعى عليه) وقوله: (اليمين على من أنكر) ...
فإذا طلق ثلاثا وسمعت ذلك وأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها، وعليها أن تفر منه ما استطاعت، وتمتنع منه إذا أرادها، وتفتدي منه إن قدرت، قال أحمد: لا يسعها أن تقيم معه، وقال أيضا: تفتدي منه بما تقدر عليه , فإن أجبرت على ذلك فلا تزين له ولا تقربه وتهرب إن قدرت، وإن شهد عندها عدلان غير متهمين فلا تقيم معه. وهذا قول أكثر أهل العلم " انتهى.
وعلى هذا؛ فما دمت لا تذكر تلك الطلقة، فإنها لا تحتسب عليك، فأمام القضاء وأمام الناس أنت لم تطلق امرأتك إلا طلقة واحدة.
ولكن.. إذا كانت الزوجة متأكدة من حصول تلك الطلقة، فإنها تبني عليها، فإذا ما حصل وطلقتها طلقة أخرى، فهذه الطلقة عند القضاء هي الثانية، وعند زوجتك هي الثالثة، فيجب عليها أن تفتدي نفسها منك بما استطاعت، ويحرم عليها بقاؤها معك، كما سبق في كلام الإمام أحمد رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1279)
طلقها ثلاثا فهل يرجع إليها بحجة أن النكاح كان فاسدا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت السؤال رقم 96460 والسؤال رقم 85335 وسؤالي شبيه بهذين السؤالين لكنى أسأل للتأكد من موقفي فقد اقترفت أنا وزوجي إحدى الكبائر وهى كبيرة الزنا ولم يتب أي منا قبل الزواج لكن وقع الطلاق بيننا بعد سنوات قليلة وقد طلقني ثلاثا. وسؤالي الآن هو هل كان زواجنا صحيحا أم لا؟ وإذا لم يكن صحيحا وأردنا العودة فهل نعود من نقطة الصفر وأعنى هل يكون لديه الثلاث طلقات من جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في صحة نكاح الزاني للزانية قبل التوبة، فذهب الجمهور إلى صحته،
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يصح نكاح الزانية حتى تتوب، ولم يشترطوا توبة الزاني لصحة النكاح. "الإنصاف" (8/132) ، "كشاف القناع" (5/83) .
والتوبة تكون بالإقلاع عن الفعل، والندم والعزم على عدم العود إليه.
وما في السؤالين المشار إليهما فيهما تبني القول بعدم صحة النكاح.
ثانيا:
هذا النكاح المختلف فيه، يسمى نكاحا فاسدا، ومن أقدم عليه معتقدا فساده، فهو زان، وأما من أقدم عليه معتقدا صحته – وهذا حال أكثر الناس حين يقدمون على الأنكحة المختلف فيها، كالنكاح بدون ولي، والنكاح مع فسق الولي أو الشاهدين – فإنه لا يعد زانيا، ويترتب على نكاحه أكثر أحكام النكاح الصحيح:
فيلزمه المهر، وينسب إليه الولد، ويقع طلاقه لو طلق.
وليس لأحد بعد وقوع الطلاق أن يبحث في أصل عقد النكاح، هل كان صحيحا أو فاسدا، ليتخلص من الطلاق، فإن هذا تلاعب بالدين، فإنه كان يستمتع بزوجته على أنها زوجة له، ثم طلقها ليرفع حكم الزوجية التي كان يعتقد وجودها، فكيف يعود ليقول إن النكاح لم يصح؟!
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة وليها فاسق , يأكل الحرام , ويشرب الخمر , والشهود أيضا كذلك , وقد وقع به الطلاق الثلاث فهل له بذلك الرخصة في رجعتها؟
فأجاب: "إذا طلقها ثلاثا وقع به الطلاق , ومن أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة العقد ولم ينظر في صفته قبل ذلك , فهو من المتعدين لحدود الله , فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده. والطلاق في النكاح الفاسد المختلف فيه [يقع] عند مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة , والنكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة. والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/101) .
وقال أيضاً (32/99) :
"ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته" انتهى.
وقال أيضا:
"وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا أو فاسقا , ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق , فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق , وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح , بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة ...
وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق , ولو ماتت لورثها , فهو عامل على صحة النكاح , فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟! فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته , فاسدا إذا كان له غرض في فساده. وهذا القول يخالف إجماع المسلمين فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء , كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه أو خالفه , ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين.
وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث , لا عند الاستمتاع والتوارث , يكونون في وقت يقلدون من يفسده , وفي وقت يقلدون من يصححه ; بحسب الغرض والهوى , ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/204) .
وقال ابن رجب رحمه الله: " ويترتب عليه [النكاح الفاسد] أكثر أحكام الصحيح، من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة، ووجوب المهر فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة، فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح " انتهى من "القواعد" ص (68) .
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (5/237) : "ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته كالنكاح بولاية فاسق، أو النكاح بشهادة فاسقين، أو بنكاح الأخت في عدة أختها البائن، أو نكاح الشغار، أو نكاح المحلل، أو بلا شهود، أو بلا ولي وما أشبه ذلك، كنكاح الزانية في عدتها أو قبل توبتها" انتهى.
وفيه النص على مسألتنا وهي نكاح الزانية قبل التوبة، وأن الطلاق يقع في هذا النكاح.
وقد تقدم أن الجمهور يصححون هذا النكاح، وعليه؛ فلا إشكال عندهم في وقوع الطلاق فيه.
وأما الحنابلة فيقولون بفساد النكاح، لكنهم يوقعون الطلاق فيه، وبهذا يُعلم اتفاق الجميع على وقوع الطلاق في هذه المسألة.
وبناء على هذا، فلا يجوز إلغاء ما وقع من الطلاق، ولا يحل لك أن تعودي لذلك الزوج حتى تنكحي زوجاً غيره، نكاحاً صحيحاً بقصد الاستمرار معه، لا بقصد التحليل، ثم إن حصل وطلقك ذلك الزوج الثاني أو مات، فلك الرجوع إلى الأول بعقد جديد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1280)
هل تثبت براءة الرحم عن طريق الفحص الطبي والتحليل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعينوني من فضلكم في حل المشكلة التي تواجه عائلة مسلمة فقيرة هنا في إندونيسيا، إنها عن ابنتهم الأرملة ولديها 3 أطفال، بعدها تزوجت ثانية في عام 2007 بمسلم رزقت منه طفلا في 8 ديسمبر 2007، لكن زوجها كان يضربها، وكذلك لديه بعض الأعمال الخاطئة، وحتى إنه لا يصلي ويلاحق البنات (طبعا هو لا يزال صغيرا) . بسبب تدهور حالتها، حاولت عائلتها حل مشكلتها، وعلى أقل تقدير قرروا أن يبحثوا لها عن زوج آخر، الحمد لله، وجدوا واحدا أفضل بكثير من الحالي، وهو مستعد أن يعتني بهذه المرأة وأولادها، وهو أفضل أيضا دينيا واجتماعيا، أقصد أنه يستطيع أن يتحمل نفقة منزل وتعليم للأطفال، وعليه فقد طلبت المرأة الخلع؛ لأنه فعليا الحل الوحيد، لقد وافق الزوج عليه بدون مشاكل في 18 فبراير، الآن العائلة ترجو العون من الله من خلال برنامج الزواج، لكن هناك ابتلاء آخر، وهو أن الرجل الذي تقدم لها يتوسل أن يكون العقد في بداية مارس على أعلى تقدير (حتى 4 مارس) ، لأنه طلب فترة أسبوع كإجازة زواج، والآن يقول إن تأجيل الزواج لفترة جديدة سيسبب إزعاجا لموظِفه، حتى إنه قال إن الزواج لو تأخر فإنه قد يغير رأيه ويلغي التفكير بالزواج، هو بنفسه طلق زوجته التي ذهبت لزوج آخر وكان حزينا بسببها، هو شعر برغبة في الزواج ثانية فقط بعد ما سمع قصة هذه الأرملة وأطفالها الأيتام، لأنه يعتقد أن المؤمنة فقط تستطيع بناء بيت إسلامي، الأسئلة هي: 1. مع العلم أن عدة الخلع هي شهر واحد، لكن هذه الأرملة لم تحض منذ وضعت ذلك الطفل الأخير في 8 ديسمبر 2007 (انتهت من فترة النفاس بعد 40 يوما) ، فكيف نحسب فترة عدتها؟ 2. نعرف أن الحكمة من العدة لمدة حيضة واحدة هي التأكد أن المرأة ليست حاملاً (كما يقول سيد سابق في فقه السنة) ، هل يجوز التأكد من عدم الحمل بفحص الحمل المخبري بدون الانتظار للحيضة التي قد لن تحصل في هذه الحالة إلا بعد عدة أشهر؟ 3. أرجو أن تضعوا في اعتباركم أن الزواج المرجو هو لأجل الدين والصالح الاجتماعي لهذه العائلة أولهم الأرملة وأطفالها. نأمل أن علماءنا الكرام يجدون حلا لهذه المشكلة بحسب الشريعة، يجب أن أؤكد أنني شخصيا أعرف هؤلاء الناس والمعلومات أعلاه صحيحة، والقضية ليست مسألة تزويج المرأة بأي أسلوب والحصول على فتوى من خلال معلومات خاطئة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المختلعة يلزمها الاستبراء بحيضة واحدة على الراجح، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (5163) .
ثانياً:
إذا ارتفع الحيض بسبب معلوم كالرضاع، فالواجب انتظار رجوع الحيض لتعتد المرأة به وإن طالت المدة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (11/216) :
"أَمَّا إذَا عَرَفَتْ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِعَارِضٍ ; مِنْ مَرَضٍ , أَوْ نِفَاسٍ , أَوْ رَضَاعٍ , فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ زَوَالَ الْعَارِضِ , وَعَوْدَ الدَّمِ وَإِنْ طَالَ , إلَّا أَنْ تَصِيرَ فِي سِنِّ الْإِيَاسِ , فَعِنْدَ ذَلِكَ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْآيِسَاتِ. وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ , فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً , وَكَانَتْ لَهَا مِنْهُ بُنَيَّةً تُرْضِعُهَا , فَتَبَاعَدَ حَيْضُهَا , وَمَرِضَ حِبَّانُ , فَقِيلَ لَهُ: إنَّك إنْ مِتَّ وَرِثَتْك. فَمَضَى إلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ وَزَيْدٍ مَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَا: نَرَى أَنَّهَا إنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا , وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ , وَلَا مِنْ الْأَبْكَارِ اللَّائِي لَمْ يَبْلُغْنَ الْمَحِيضَ. فَرَجَعَ حِبَّانُ إلَى أَهْلِهِ , فَانْتَزَعَ الْبِنْتَ مِنْهَا , فَعَادَ إلَيْهَا الْحَيْضُ , فَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ , وَمَاتَ حِبَّانُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّالِثَةِ , فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه" انتهى.
ولا يجوز الاكتفاء بالكشف الطبي الدال على براءة الرحم من الرحم، بل لا بد من الاستبراء بحيضة.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما رأيكم في الاستبراء عن طريق الكشف الطبي بالوسائل الحديثة؟
فأجابوا:
"الله تعالى هو الذي شرع الشرائع في العبادات والأنكحة والمعاملات، وله سبحانه كمال العلم بما كان وما سيكون، ولم يشرع الاستبراء بطريق الكشف الطبي بالآلات الحديثة (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ، فلا يجزئ الاستبراء بذلك بدلا من الاستبراء أو الاعتداد بما عرف شرعا بالقرآن والسنة وشرحته كتب الفقه الإسلامي. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ...
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/487) .
وعليه، فإن هذه المرأة لا يجوز أن يعقد أحد نكاحها حتى تحيض حيضة، ولو كان ذلك سيؤخر زواجها أشهرا؛ والإنسان لا يعلم ما كتب له، فقد يكون من الخير لها أن تتزوج هذا الرجل، وقد لا يكون من الخير لها ذلك.
على أننا ننبه هنا إلى أنه لا يجوز الاتفاق مع هذا الرجل أو غيره ليتزوج بتلك المرأة وهي لا تزال في عصمة زوجها، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب المسلم على خطبة أخيه، فكيف يجوز له أن يخطب امرأة في عصمة رجل آخر؟!
فهذه المرأة تسعى في الطلاق أو الخلع من زوجها – إن شاءت – ثم إذا انقضت عدتها بحثت عن زوج، أو تقدم لها من يريد الزواج منها.
ونسأل الله تعالى أن يوفقها لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1281)
قالت لزوجها: لست زوجتك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول المرأة لزوجها أنا لست زوجتك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول المرأة لزوجها: لست زوجتك، لا يترتب عليه شيء، لأن الزوجة لا تملك طلاق زوجها.
وأما قول الرجل لزوجته: لست لي زوجة، فهذا من كنايات الطلاق، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (100997) .
وعلى الزوجة أن تتجنب هذه الألفاظ، إذ ربما غضب زوجها فخاطبها بالمثل أو أكد كلامها فقال: نعم، لست زوجة لي، أو نحو هذا.
والمشاكل الزوجية ينبغي أن تعالج في جو من المودة والتفاهم ومراعاة الحقوق.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1282)
عدة المختلعة ورجوعها لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلبت الزوجة من الزوج الخلع، ووافق. ما هي فترة الانتظار بعد الخلع للزواج بشخص آخر؟ هل يمكن لهما الزواج مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت المختلعة حاملا فعدتها وضع الحمل بإجماع العلماء. المغني (11/227) .
أما إذا كانت غير حامل فاختلف العلماء في عدتها، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها تعتد بثلاث حيضات لعموم قول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) البقرة/228. (والصواب أنه يكفي المختلعة أن تعتد بحيضة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زوجة ثابت بن قيس لما اختلعت منه أن تعتد بعد الخلع بحيضة. [رواه الترمذي (1185) وصححه الألباني في صحيح الترمذي 946] . وهذا الحديث مخصص للآية الكريمة المذكورة آنفاً، وإن اعتدت بثلاث حيضات كان ذلك أكمل وأحوط خروجا من خلاف بعض أهل العلم القائلين بأنها تعتد بثلاث حيضات لعموم الآية المذكورة) . فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/286.
ولا بأس أن يتزوجا مرة أخرى بعقد جديد. راجع السؤال رقم 10140.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1283)
هل لها أن تطلب الطلاق إذا كان زوجها على علاقات نسائية محرمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز طلب الطلاق من زوج له علاقات نسائية محرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تطلب الخلع أو الطلاق من زوجها إلا بسبب شرعي، لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والبأس: هو الشدة والسبب الملجئ للطلاق.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المختلعات هن المنافقات) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) .
والمراد بذلك: المختلعات بدون سبب يبيح لها طلب الخلع.
وإذا كان الزوج على علاقة نسائية محرمة، فهذا سبب يبيح للزوجة طلب الطلاق أو الخلع، فراراً بدينها، وصيانة لنفسها وشرفها، وحذراً ما قد يجلبه الزوج من أمراض بسبب هذه العلاقات.
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في بيان ما يسوّغ طلب الخلع: "إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل والعتاب على أدنى نقص فلها الخلع.
ثانياً: إذا كرهت خِلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع.
ثالثاً: إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع.
رابعاً: إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع.
خامساً: إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لعُنّة (عيب يمنع القدرة على الوطء) فيه، أو زهد فيها، أو صدود إلى غيرها، أو لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع، والله أعلم " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (1859) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1284)
زوجته تريد الانفصال عنه تبعاً لقوانين بريطانيا المدنية! فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة صديقي بـ " إنجلترا " طالبته مؤخراً بالانفصال، تبعاً لقانون الطلاق بـ " إنجلترا "، ولارتفاع تكاليف ذلك: عرض عليها الطلاق الإسلامي من غير رجعة، لم تقبل هذا الخيار، مع العلم أنها طالبت بالانفصال لأسباب معقدة على حد قولها. هل يجبرها على الطلاق الإسلامي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمرأة المسلمة طلب الطلاق من زوجها من غير سبب يبيح لها ذلك، فإن فعلت: فقد استحقت الوعيد الشديد.
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ثانياً:
من كرهت البقاء مع زوجها بسببٍ منه، كفعله للمنكرات، أو ضربه لها ضرباً مبرحاً: فلها طلب الطلاق، وتستحق كامل حقوقها المالية.
ومن كرهت البقاء مع زوجها لا بسببٍ منه، ولم تعد تطيقه، وتخشى على نفسها الإثم في عدم طاعته: فلا بأس بطلب الفراق، لكن بالمخالعة، لا بالطلاق، فتدفع له ما يطلبه – مهرها، أو أكثر، أو أقل – ثم يفارقها بعد ذلك.
قال الله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/ 229.
ففي هذه الآية تحريم أخذ شيء من مهر الزوجة في حال أن يكون الزوج هو الراغب في تطليقها، وفيها: جواز المخالعة، وافتداء نفسها منه بما يتفقان عليه.
وينظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (104534) .
ثالثاً:
لا يجوز للزوجة ولا لغيرها استغلال القوانين الوضعية التي تخالف الشريعة الإلهية، لتأخذ ما لا تستحقه، والواجب على المسلم أن يُحَكِّم شرعَ الله تعالى في جميع أحواله، وما يحصِّله من مال، أو منفعة خلافاً لما شرعه الله تعالى فهو سحت، وحرام، لا يكون ملكاً له، ولا يحل له الانتفاع به.
قال الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء/ 60، وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/ 65، وقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/ 50.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين، أمور الطلاق، والتجارة، وغيرها من الأمور؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية، إلا عند الضرورة، إذا لم توجد محاكم شرعية، وإذا قضي له بغير حق له: فلا يحل له أخذه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/502) .
وينظر جواب السؤال رقم: (4044) ففيه نقل مهم عن الشيخ العثيمين رحمه الله حول حكم التحاكم إلى القاضي الكافر، أو إلى إمام عاقل وليس بعالم.
فعلى هذا الزوج أن ينصح زوجته بالتحاكم إلى الشرع، ويعطيها كامل حقوقها، فإن أبت إلا التحاكم لتلك القوانين، فليس أمامه إلا أن يطلق هو طلاقاً شرعياً، ثم إن ظُلِمَ وغرم بسبب ذلك أموالاً فإنه يصبر، وإن لم يأخذ حقه في الدنيا، فإنه سيستوفيه كاملاً يوم القيامة مِن حسنات مَن ظلمه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1285)
لا يقع الطلاق بمجرد حديث النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[علقت الطلاق بأن لا أعمل عملاً معيناً ثم حلفت بالله بأني لا أعمل هذا العمل، وهذه الأمور حدثت بيني وبين نفسي بغير قصد ولا إرادة مني ولم ينطقها لساني، ثم عملت الأمر الذي حلفت عليه، لأني متيقن إن شاء الله أن الطلاق لا يقع حتى يلفظ، وسبق أني سألت في هذا الشأن لأني كثير الوسوسة. والسؤال: هل يقع علي شيء؟ وهل علي كفارة يمين في حلفي بالله بيني وبين نفسي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم تتلفظ بالطلاق واليمين، فلا يلزمك شيء؛ لأن حديث النفس معفو عنه، والطلاق لا يقع بمجرد النية، وكذلك اليمين لا ينعقد بالنية، بل لابد من اللفظ أو ما يقوم مقامه كالكتابة.
روى البخاري (5269) ومسلم (127) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) قَالَ قَتَادَةُ: إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وقد ذكرنا في جواب سابق أن الموسوس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به، عند بعض أهل العلم، ما لم يقصد الطلاق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المبتلى بالوسواس ل يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق " انتهى، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/277) .
والحاصل: أنه لا يلزمك شيء، لا طلاق ولا كفارة يمين، وينبغي أن تعالج الوسوسة بالإكثار من ذكر الله تعالى والأعمال الصالحة، وبالإعراض عن الوسوسة وعدم الالتفات لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1286)
رب البيت يسب الله ودينه! فماذا يصنع أهله وأولاده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يكفر بالله، وعندما يكفر يخرج للحديقة، ويقول: أنا أريد أن أرى السماء عندما أكفر , يعتقد أن العرب شعوب لا تستحق الحياة، والغرب أفضل منهم , ويعتبر الحج تبذيراً للمال، والكعبة كومة أحجار، الناس يدورون حولها، وغيرها من ألفاظ الكفر التي أخاف ترديدها. إذا زجره أولاده: ازداد كفره، وإذا انتظروا هدوؤه: فإنه لا يقول استغفر الله، بل يقول: أنتم أغضبتموني، لكنه يصلي ويصوم! . أهله أناس يخافون الله، ويخافون أن يشملهم الله بعذاب من عنده بسبب ألفاظ الكفر التي يقولها أبوهم، الزوجة هل تطلق منه إن كان يكفر لكنه يصوم ويصلي؟ وأولاده كيف يتصرفون معه إن كان مصرّاً على الكفر عند حصول أي مشكلة بالبيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) رواه البخاري برقم (6099) .
ولولا حلم الله على من سبَّه وشتمه لعاجلهم بالعقوبة، كأن يمسخهم قردة وخنازير، أو يحرق ألسنتهم، أو يسلبهم عقولهم فيسيرون في الطرقات لا يدرون ما يفعلون، وكل هذه نعم من الله تعالى أنعمها على عبيده، ولو شاء لعطلها عنهم، ولكن الله تعالى يمهلهم، ويؤخرهم، فلعل أحداً منهم أن يتوب ويرجع لربه تعالى.
وليُعلم أن حكم ذلك الساب البغيض هو الخروج من الملة، وأنه بسبِّه ذاك صار مرتداً، حبطت أعماله الصالحة كلها، وفُسخ عقد زواجه، فحرمت عليه امرأته المسلمة، وأنه إن مات على تلك الحال ولم يدخل في الإسلام: فلا يُغسَّل، ولا يكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، كما أنه لا يرث، ولا يورث، وأما كونه يصلِّي: فإن هذا ليس بشافع ولا بنافع، ولا بمانع، فلا تشفع له صلاته عند ربه تعالى، ولا في عدم ترتب أحكام الردة عليه، ولا تنفعه صلاته عند ربه؛ لأن الله تعالى سيحبطها، ويحبط أعماله الصالحة جميعها، ولن تمنعه صلاته من أن يكون مع المرتدين، ومنهم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "فتاوى الشيخ ابن باز" (28 / 216 , 217) : " لو أن إنساناً يسبُّ الله ورسوله، أو يسبُّ دين الله، أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنَّة، أو بالنَّار: فإنه لا ينفعه كونه يصلي، ويصوم، إذا وجد منه الناقض من نواقض الإسلام: بطلت الأعمال، حتى يتوب إلى الله من ذلك.
هذه قاعدة مهمة، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 88، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الزمر/ 65 , 66 " انتهى.
وسئل رحمه الله: لقد سمعت من بعض العلماء المسلمين أن الرجل إذا سب الدين طلقت عليه امرأته، ويلزم له التوبة والاستغفار وعقد قران جديد، وكثيراً ما يحدث هذا الأمر، خاصة وقت الغضب الشديد، فما مدى صحة هذا الكلام؟ .
فأجاب: " سبَّ الدين: ردة عن الإسلام، وكذلك سبُّ القرآن، وسب الرسول: ردة عن الإسلام، وكفر بعد الإيمان، نعوذ بالله، لكن لا يكون طلاقاً للمرأة، بل يفرق بينهما من دون طلاق، فلا يكون طلاقاً، بل تحرم عليه؛ لأنها مسلمة، وهو كافر، وتحرم عليه حتى يتوب، فإن تاب وهي في العدة: رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء، أي: إذا تاب، وأناب إلى الله: رجعت إليه، وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب: فإنها تنكح من شاءت، ويكون ذلك بمثابة الطلاق، لا أنه طلاق، لكن بمثابة الطلاق؛ لأن الله حرَّم المسلمة على الكافر، فإن تاب بعد العدة، وأراد أن يتزوجها: فلا بأس، ويكون بعقٍد جديدٍ أحوط؛ خروجاً من خلاف العلماء، وإلا فإنَّ بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقدٍ جديدٍ، إذا كانت تختاره، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها، ولكن إذا عقد عقداً جديداً فهو أولى؛ خروجاً من خلاف جمهور أهل العلم، فإن الأكثرين يقولون: متى خرجت من العدة: بانت منه، وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقدٍ جديدٍ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقداً جديداً، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب، فأما إذا تاب وهي في العدة: فهي زوجته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (1 / 106، 107) ط دار الوطن.
وحكم الاستهزاء بشيء من شعائر دين الله تعالى هو ردة أيضاً، ولا خلاف بين العلماء من أهل السنَّة في حكم سبِّ الله تعالى ورسوله ودينه، ولا في حكم الاستهزاء بشيء من شعائر دين الله تعالى.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله –:
الحكم فيمن سبَّ الدين الإسلامي: أنه يكفر؛ فإن سبَّ الدين، والاستهزاء به: ردة عن الإسلام، وكفر بالله عز وجل، وبدينه، ... .
انتهى
وانظر تتمة الفتوى في جواب السؤال رقم: (42505) .
وانظر - في حكم سب الله تعالى - أجوبة الأسئلة: (71174) و (79067) و (14305) و (65551) .
وانظر - في حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم - جواب السؤال رقم: (22809) .
ثانياً:
هذا، وليُعلم أن زعمه أن أولاده أغضبوه: ليس بعذرٍ شرعي له، بل هو يدل على غاية الاستهانة بالله تعالى، ودليل ذلك أن الذي يغضب، ويغلق عليه بسبب الغضب: لا يتذكر إلا ربَّه تعالى ليسبه ويشتمه! فلماذا لم يتذكر أمه ليسبها؟! لم يتذكر حاكمه ليسبه؟! إنه لما كان محبَّاً، أو معظِّماً، أو خائفاً لهؤلاء: لم يخطروا بباله عند غضبه ليسبهم، وهو يدل على ما قلناه، وهو أن هؤلاء قد سبُّوا ربهم تعالى تنفيساً عما في قلوبهم من زيغ ودخن، واستهانة برب العالمين.
ويجب عليكِ هجره حتى يعود لدينه وإسلامه، ولا يحل لك تمكينه منك، فهو ليس زوجاً لك، إلا أن يعود لدينه، وعلى الأولاد معاملته معاملة المرتد، لا يُبدأ بالسلام، ولا يود، ولا يُحب، ومع ذلك فعليهم الترفق في دعوته، وإظهار الخلق الحسن له، لعله يتوب، أو يئوب إلى رشده.
وانظري جواب السؤال رقم: (96576) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1287)
قال إن طلعت إلى أختي وكلمتها فأنت بريئة مني
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت ساكنة مع أهل زوجي في شقه لوحدي يعني هم فوق وأنا كنت تحت، كانت مشاكل بيني وبين أخت زوجي، كبرت المشاكل حتى صارت المشاكل بيني وبين زوجي، في يوم قال: (اليوم خلاص معاد أطلع وأكلم أختي، لو طلعت وكلمتها أنت بريئة مني) هو يقول هذا قصد أنه ما يطلع فوق ويكلمها، بس صار يكلمها في غير هذا البيت. السؤال: لو هو طلع فوق في بيت أبوه وكلم أخته هل أنا أطلق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الزوج: (اليوم خلاص معاد أطلع وأكلم أختي، لو طلعت وكلمتها أنت بريئة مني)
هو من طلاق الكناية.
وذلك أن الطلاق نوعان: صريح وكناية، فصريح الطلاق هو: لفظ الطلاق وما تصرّف منه، كقوله: طالق وطلقتك.
والكناية كقوله: الحقي بأهلك، أو لا أريدك، أو لا حاجة لي فيك، أو إن الله قد أراحك مني.
والنوع الأول (الصريح) يقع الطلاق به ولو لم ينوه.
وأما النوع الثاني وهي ألفاظ الكناية، فلا يقع الطلاق بها عند الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلا مع وجود نية الطلاق، أو وجود قرينة كحال الغضب والخصومة، أو سؤال الزوجة للطلاق، فيقع الطلاق حينئذ ولو لم ينوه. والأخذ بالقرينة هنا هو مذهب الحنفية والحنابلة.
ينظر الموسوعة الفقهية (29/26) .
فإذا كان زوجك نوى بكلامه إيقاع الطلاق في حال صعوده إلى أخته وكلامه معها، فإن الطلاق يقع إذا فعل ذلك.
وإذا لم ينو الطلاق، وإنما نوى منع نفسه من الصعود فقط، فإنه إن صعد إليها لزمه كفارة يمين، ولا يقع بذلك طلاق.
والنية أمر بين العبد وربه لا يطلع عليه الناس، فليحذر الزوج من خداع نفسه أو خداع غيره في ذلك.
ولو نوى الزوج الطلاق في حال دون حال، فالأمر كما نوى، مثل أن ينوي الطلاق في كلامه مع أخته في بيتها، دون كلامه معها في الشارع أو في بيت غيرها، أو ينوي الطلاق في حال حصول الأمرين معا: الصعود والكلام، لا في حال حصول واحد منهما فقط.
ففي جميع هذه الأحوال يرجع إلى نية الزوج وما أراد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1288)
زوجها يسب الله عز وجل فهل تطلب الطلاق منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من شاب مسلم يبلغ 28 سنة من حوالي سنة وشهرين , زوجي كان له ماض سيء ورغم ذلك طلبني من أهلي وأراد أن يتزوج بي لأنه أراد أن يستقر وأن تتغير حياته وينسى كل النساء اللاتي عرفهن في السابق، تزوجنا وكان دائم السب والشتم والعياذ بالله كان يشتم الله وكنت أغضب كثيرا وأحاول أن أنصحه , زوجي لا يعرف مسؤولية بيت ولا زوجة والآن لدي طفلة عمرها شهر حرمني من رؤيتها. اعلموا أني غير مقصرة معه بأي شيء وهو يعترف بذلك أمام كل الناس والجميع يعرفني والحمد لله أخاف ربي كثيرا وأحبه ودائما أدعو له بالهداية الآن أفكر بالطلاق مع أني فكرت كثيرا بالسابق ولكني كنت أتحمل وأصبر إلى وقت اكتشفت أنه خائن وكذاب ولا يخاف الله وأشك أن هناك أحدا في حياته. أرجوكم تنصحوني. وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان زوجك يسب الله عز وجل أو يترك الصلاة، فلا خير لك في البقاء معه، ما لم يتب إلى الله تعالى توبة نصوحا ويقلع عما هو فيه، فإن سب الله تعالى كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، وترك الصلاة كسلا وتهاونا كفر وردة على الراجح من قولي العلماء.
والزوج إن قال أو فعل ما يرتد به ويخرج به من الإسلام، ولم يتب حتى انقضت عدة الزوجة، بانت منه، ولم تحل له إلا بعقد جديد، إذا تاب ورجع إلى الإسلام. والعدة هي ثلاث حيض لمن كانت تحيض، أو ثلاثة أشهر للتي لا تحيض.
وإذا كان يرتد – عياذا بالله – ثم يرجع إلى الإسلام قبل انقضاء العدة، فالزوجية باقية على الأرجح – ولا يحل له أن يقربك قبل توبته -، لكن لا خير في البقاء مع من هذه حاله، لأنه خائن لربه ودينه، ولا يؤتمن على زوجة ولا أولاد، ومثله لا يصلح لتربية أبنائه وتنشئتهم على الحق والفضيلة.
وينظر جواب السؤال رقم (103082) .
وطلب الزوجة للطلاق إن كان لغير عذر فهو حرام.
وإن كان لعذر، كما هو حالك، فلا حرج عليك، بل يلزم السعي في الفراق إن كان مصرا على ما يوجب ردته.
وراجعي جواب السؤال رقم (82439) .
والذي ننصحك به؛ الحرص على نصحه وهدايته وتوبته، حتى يجتمع شمل الأسرة، ولا تتشتت، فإن تاب، فالحمد لله، وإن أصر على ما هو عليه، فنرجو أن يعوضك الله تعالى خيراً منه، قال الله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130.
نسأل الله تعالى أن يصلح حالك، ويفرج كربك، ويذهب همك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1289)
طلقها ثلاث مرات ويريد أن يتزوجها بعد 12 سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل عدة سنوات عندما دخل أحد أصدقائي الحميمين الإسلام، مر هو وزوجته السابقة بتغيرات كثيرة، كان شخصا عنيدا وسريع التقلب. لتخويف زوجته قال لها مرتين إنها مطلقة، لم يكن يهمه في ذلك الوقت ما إذا كانت بينهم مودة أم لا؛ لأنه ليس لديه العلم الكافي عن إجراءات الطلاق، وبعد سنوات قليلة شعرت زوجته أنه يريد طلاقها، فأخبرته برغبتها في الخروج من هذا الزواج، سألها ما إذا كان ذلك أكيدا، فردت بنعم، فقال لها لك ذلك، وهذه كانت الثالثة، لقد مرت إلى الآن 12 سنة ويريد أن يتزوجها مع العلم أنها لم تتزوج أبدا بعده. قلت له إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فقال لي أن أسأل هل يجوز له أن يتزوجها ثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل امرأته ثلاث مرات، فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، مهما طالت المدة؛ لقوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) .... ثم قال تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا – يعني الطلقة الثالثة - فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا -يعني الزوج الجديد- فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة /228، 229.
ولا خلاف بين العلماء في أن من دخل بها زوجها ثم طلقها ثلاثاً أنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
انظر: "المغني" (10/548) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1290)
طلقها ثلاث مرات منفصلة في المحكمة وتدعي أنه فعل ذلك مكرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تزوجت من رجل متزوج في 19/2/2005 وكان الزواج شرعيا وتم في المحكمة مع وجود الولي وتم إشهار الزواج ولكن الزواج تم من دون علم أهل زوجي ولا زوجته الأولى وأنا رضيت بهذا الشيء وكان الاتفاق الذي بيننا أنه سوف يخبرهم بعد أن أنجب له أول طفل، ولكن بعد مضي شهرين من الزواج علمت زوجته بالأمر وهي من عائلة معروفة وذات مركز عالي وأصرت على الزوج أن يقوم بتطليقي وأيضا أهلها وهو كان خائفا منهم وطلب مني أن أعذره وأقف بجانبه لأنه سوف يطلقني طلقة واحدة رجعية فقط لكي يسكتهم ويبعد عنا شرهم، لم يكن في داخله راضيا بالطلاق وقام به وفي نفس اليوم الذي تم فيه الطلاق أرجعني بالنية وأتى إلي وعاشرني معاشرة الأزواج وكنت حاملا في هذه الأثناء في الشهر الرابع (تم الطلاق في 22/5/2005 والرجعة في نفس اليوم) . بعده بشهر علموا مرة أخرى بأنه قام بترجيعي وأني مازلت في عصمته، اجتمعوا أهله وأهل الزوجة وقاموا بتهديده على ألا يدخل البيت إلا ومعه ورقة الطلاق وخاف من جديد منهم وكان تحت تأثير الخوف والإكراه وعليه أن يطلق وفعلها، طلقني الطلقة الثانية البائنة بينونة صغرى وأرجعني بعدها بثلاثة شهور ومازلت حاملا في الشهر السابع، يعني تمت الرجعة قبل انقضاء العدة وقالها لي أنتي زوجتي من اليوم (تم الطلاق الثاني في 25/6/2005 والرجعة في 24/9/2005) . وضعت حملي في 23/11/2005 وأنا في عصمته وعشت معه قرابة السنتين وأهله وأهل زوجته يعتقدون بأني لست موجودة وأنه طلقني.. والآن أنا حامل منه بطفلي الثاني وأنا في الشهر الثامن، وقبل 3 أسابيع علموا بأنه قد أرجعني وأنني حامل فقاموا يهددونه ألا يدخل البيت إلا عندما يقوم بتطليقي وهو لم يستجب في البداية ولكن بعدها رضخ لهم وخاف منهم وقام ليطلق فقط لكي يحقق مبتغاهم، لم يكن يفكر بأي شيء غير الطلاق، يريد أن يطلق ويأخذ ورقة الطلاق لأهل زوجته.. حتى في المحكمة لما حاولوا معه لم يكن مستعدا أن يسمع لأي شخص ولم يرد حتى التفكير في شيء فقط يريد ورقة الطلاق بأي ثمن (تم الطلاق في 25/12/2007 وأنا حامل) .. علما بأن الطلقات الثلاثة ثبتت في المحكمة وكانت بالإكراه.. فهل هذا الطلاق صحيح؟ هل أنا الآن مطلقة بالفعل ومحرمة عليه؟ وما هو الحل الآن وأنا لدي طفلة وحامل بطفلتي الثانية وسوف أضع حملي خلال شهر بإذن الله تعالى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يظهر لنا أن ما ذكرته من التهديد لزوجك والتضييق عليه يرقى إلى الإكراه المعتبر، وما دام الأمر قد تم في المحكمة، فلك مراجعتها لتنظر فيما تدعينه من الإكراه.
وأنت الآن – بحسب حكم المحكمة – قد بنت من زوجك بينونة كبرى، فلا تحلين له حتى تنكحي زوجا غيره، فالحذر الحذر من أن يخدعك أو يوهمك بأنك زوجته، بل لا ترجعين زوجة له إلا إذا ألغت المحكمة الطلاق، بعد اقتناعها بوجود الإكراه المعتبر، وما لم يتم ذلك، فمعاشرته لك زنا محرم، نسأل الله العافية والسلامة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1291)
قال إذا حصلت على وظيفة راح أطلق وسكت ثم قال الشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزميلي نعمل في شركة وجلسنا نحكي عن ترك العمل بحكم قلة الراتب، وقلت لزميلي: إذا حصلت وظيفة راح أوقع طلاقي وسكت ثواني ثم قلت من الشركة (رغم أن النية أقصد الشركة) لأن من زمان قبل زواجي كنا نقول متزوجين الشركة على سبيل المزح. فما الحكم في كلمة الطلاق هنا والحل لها لو صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته من قولك: إذا حصلت وظيفة راح أوقع طلاقي، وأنت تقصد به ترك الشركة، ثم أكملت الجملة بعد السكوت لثوان، لا يقع به طلاق؛ لعدم إرادة الزوجة بهذا الكلام.
وهذا اللفظ (إذا حصلت وظيفة راح أوقع طلاقي) لا يقع به الطلاق على الزوجة، لو قصدت طلاقها، بل هو مجرد إخبار عما تعزم على فعله في المستقبل، وليس ذلك إيقاعاً للطلاق.
وينبغي تجنب استعمال ألفاظ الطلاق، في الجد والهزل، مع الزوجة وغيرها، فهذا أسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1292)
طلق زوجته ثلاثا قبل الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[طلق زوجته ثلاثا قبل الدخول بها فكيف تحل له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من طلق زوجته ثلاثا قبل الدخول، فإن كان بكلمة واحدة، بأن قال: أنت طالق ثلاثا أو بالثلاث، ففيه خلاف بين أهل العلم:
فالجمهور على أنه تقع ثلاث طلقات، وتبين منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه تقع طلقة واحدة، لكن تبين منه بينونة صغرى لأنها مطلقة قبل الدخول، فتحل له بعقد جديد، وهو قول عطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، وأبي الشعثاء، وعمرو بن دينار، واختيار شيخ الإسلام، وجماعة من علماء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
ينظر: المغني (7/282) ، فتاوى الشيخ ابن باز (19/146) ، الشرح الممتع (13/40) .
وإن كان الطلاق بكلمات متفرقة، بأن قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، وكان ذلك قبل الدخول، سواء كان في مجلس واحد أو أكثر، فإنه تقع طلقة واحدة، تبين بها بينونة صغرى، عند جمهور الفقهاء، فتحل لزوجها بعقد جديد.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/367) : " فأما غير المدخول بها، فلا تطلق إلا طلقة واحدة، سواء نوى الإيقاع أو غيره، وسواء قال ذلك منفصلا، أو متصلا. وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعكرمة، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان، والحكم، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي وأبي عبيد، وابن المنذر. وذكره الحكم عن علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود ".
والعلة في ذلك كما يقول ابن قدامة: " أن غير المدخول بها تبِين بطلقة؛ لأنه لا عدة عليها، فتصادفها الطلقة الثانية بائنا، فلم يمكن وقوع الطلاق بها ; لأنها غير زوجة، وإنما تطلق الزوجة " انتهى.
فتبين بهذا الفرق بين جمع الثلاث بكلمة واحدة، وبين تفريقها، وإن كان الراجح أنه لا يقع بالثلاث إلا واحدة، في جميع الأحوال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1293)
قال لزوجته: إن لم تسكتي ترحلي إلى بيت أهلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج بامرأة ملتزمة وذات مرة وقع خلاف كبير بيني وبينها إلى درجة أني طلقتها، وكنت عندها غضبان، ثم راجعتها عندما سألت أهل العلم عن مراجعتها، وبعد ذلك كلما يقع خلاف أهددها بالطلاق، مثلا: إن لم تسكتي ترحلي إلى بيت أهلك، وهل هذا يعتبر طلاقا؟ وإن كان طلاقا ماذا أفعل؟ وكيف أكفر عن ذنبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لفظ الطلاق على نوعين: صريح وكناية.
واللفظ الصريح هو الذي لا يحتمل إلا الطلاق في الغالب، مثل طلقتك وأنت طالق، ونحو ذلك، وهذا يقع به الطلاق، وإن لم ينوه الزوج.
وأما الكناية فهو اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغيره، كاللفظ الذي تكلمت به (إن لم تسكتي ترحلي إلى بيت أهلك) فهذا يحتمل الطلاق، ويحتمل غيره، وحكم هذه الألفاظ: أنها لا يقع بها الطلاق إلا إذا نواه الزوج.
فإن كنت نويت بهذا اللفظ الطلاق، وقصدت إيقاع الطلاق عند عدم سكوتها وقع الطلاق عند وقوع الشرط المعلق عليه.
وإن كنت لم تنو بلفظ (الرحيل إلى بيت أهلها) الطلاق، لم يقع شيء. وكذلك إن كانت نيتك هي منعها من الكلام مثلا، دون قصد الطلاق، فإذا تكلمت لم يقع طلاق، لكن لزمك كفارة يمين.
وإن كنت نويت أنها إن لم تسكت فسوف تطلقها –أي مستقبلا-، فهذا تهديد، فلك أن تتراجع ولا تطلقها.
فالمدار على نيتك حال تلفظك بهذا الكلام.
ولاشك أنك مجانب للصواب باستعمالك ألفاظ الطلاق للتهديد والتخويف، فربما وقع عليك الطلاق، وأدى إلى حدوث الفراق بينك وبين زوجتك، فتندم ساعة لا ينفع الندم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1294)
الحكمة في جعل الطلاق بيد الرجل وحكم الطلاق دون سبب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة في جعل الطلاق بيد الزوج؟ وما الحكم فيمن طلق زوجته دون سبب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما كون الطلاق بيد الزوج فإنه هو العدل؛ لأن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، فيجب أن يكون هو الذي بيده حل هذه العقدة.
ولأن الزوج قائم على المرأة، كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) النساء/34، وإذا كان هو القائم صار الأمر بيده هذا مقتضى النظر الصحيح.
ولأن الزوج أكمل عقلاً من المرأة، وأبعد نظراً، فلا تجده يقدم على الطلاق إلا حيث رأى أنه لابد منه، لكن لو كان بيد الزوجة لكانت الزوجة أقل عقلاً، وأقصر نظراً، وأسرع عاطفة، فربما يعجبها شخص من الناس فتذهب فتطلق زوجها، لأنها رأت مَنْ أعجبها صورته، فَقَدَّمته على زوجها، وهناك حكم أخرى لكن هذه الحكم الثلاث التي ذكرتها هي من أعظم الحكم لجعل الطلاق بيد الزوج.
أما الحكم فيمن طلق زوجته بغير سبب فإن أهل العلم يقولون: إن الطلاق تحري فيه الأحكام الخمسة، أي أنه يكون واجباً، ويكون حراماً، ويكون مستحباً، ويكون مكروهاً، ويكون مباحاً. فالأصل أن الطلاق غير مرغوب فيه، وذلك لأنه حل قيد النكاح الذي رّغَّب فيه الشرع ودعا إليه، ولأنه ربما يحصل فيه مضار كثيرة؛ كما لو كانت المرأة ذات أولاد من الزوج فإنه يحصل بهذا الطلاق تفرق الأسرة والمشاكل التي تنتج عن هذا. وإذا دعت الحاجة إليه لعدم التمكن من العيش بسعادة بين الزوجين فحينئذ يكون مباحاً، وهو من نعمة الله عز وجل، أعني كونه مباحاً في هذه الحال؛ لأنه لو بقى الزوجان في حياة شقاء وعناء لتنكدت عليهم الدنيا، ولكن من نعمة الله أنه إذا دعت الحاجة إليه كان مباحاً" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 299، 300) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1295)
ميراث المطلقة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلق الرجل امرأته ثم مات وهي في العدة، هل ترث منه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المطلقة لا تخلو من ثلاث حالات:
1- أن يكون الطلاق رجعياً، كالطلقة الأولى أو الثانية.
فإن مات زوجها وهي في العدة فإنها ترثه بإجماع العلماء، وذلك لأن المطلقة الرجعية لا تزال زوجته ما دامت في العدة، فإن انقضت عدتها فلا ترث، لأنها صارت أجنبية من الزوج المطلق.
2- أن يكون الطلاق بائناً كالطلقة الثالثة، ويكون الطلاق في حال صحة الزوج.
فإن مات زوجها فإنها لا ترثه بإجماع العلماء، لانقطاع الصلة بينها وبين زوجها المطلق.
3- أن يكون الطلاق بائناً كالطلقة الثالثة، ويكون الطلاق في حال مرض الزوج مرض موت، ويكون الزوج متهماً بقصد حرمانها من الميراث، فقد اختلف العلماء في توريثها منه، فذهب الإمام الشافعي إلى أنها لا ترث، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها ترث ما دامت في العدة، وذهب الإمام أحمد إلى أنها ترث ما لم تتزوج زوجاً آخر، معاملةً للزوج بنقيض قصده.
وانظر: "المغني" (9/194- 196) .
وقد اختار مذهب الإمام أحمد في هذا، جماعة من علمائنا المعاصرين، منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان.
انظر: "الفوائد الجلية في المباحث الفرضية" للشيخ ابن باز (ص 6) ، "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" للشيخ صالح الفوزان (ص 33- 36) .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
هل ترث المرأة المطلقة التي توفي عنها زوجها وهي في فترة العدة أو بعد انقضاء العدة؟
فأجاب:
"المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة فإما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي:
فإذا كان الطلاق رجعياً فهي في حكم الزوجة وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة، والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها بغير عوض وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة، فإذا مات زوجها فإنها ترثه، لقول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228.
وقوله تعالى: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1.
فقد أمر الله سبحانه وتعالى الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة، وقال: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1. يعني به الرجعة.
أما إذا كانت المطلقة التي مات زوجها فجأة مطلقة طلاقاً بائناً مثل الطلقة الثالثة، أو أعطت الزوج عوضاً ليطلقها، أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق، فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة.
ولكن هناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقاً بائناً مثل إذا طلقها الزوج في مرض موته متهماً حرمانها فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج، فإنها إن تزوجت فلا إرث لها" انتهى.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص334) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1296)
عقد على امرأة ثم طلقها قبل الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب عقد على فتاة، ثم طلقها قبل الدخول بها، وكان قد دفع لها مبلغ الصداق، وكتب على نفسه مبلغاً آخر مؤجلاً في نفس العقد؛ ما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا عقد على امرأة، ثم طلقها قبل الدخول، وكان قد سَمَّى وحدد لها صداقاً فإنه يكون لها نصف الصداق الذي دفع، ونصف الصداق المؤجل الذي لم يدفعه بعد؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) البقرة/237.
فينتصف الصداق إذا طلقها قبل الدخول، سواء كانت قبضته أو لم تقبضه، ما دام أنه سَمَّى وحدد، وإذا سمح أحدهما بنصيبه للآخر، فلا حرج في ذلك" انتهى.
فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/738) جمع أشرف بن عبد المقصود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1297)
طلق امرأة وظاهر منها قبل أن يعقد عليها ويريد أن يتزوجها!
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يبلغ من العمر تسعاً وعشرين سنة، هذا الشاب أرسل إليه أهله أنه قد خطبوا له فتاة يعرفها وعندما وصله الخبر قال: هي علي كظهر أمي، وهي مطلقة بالثلاث، لأنه لا يريدها وعندما حضر إلي أهله وجدهم لم يخطبوا له الفتاة، ولكن مجرد اقتراح، ولكن هذا الشاب في نهاية الأمر اقتنع بهذه الفتاة وأراد أن يخطبها، وهو يسأل ما هو الحكم فيما صدر منه؟ وهل عليه كفارة في الظهار أم لا؟ وما هو حكم الطلاق بالثلاثة الذي قاله؟ علماً بأنه عندما قال هاتين الكلمتين لم يعقد له على الفتاة، وإنما كان مجرد رأي من أهله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قبل الجواب على هذا السؤال أنصح هذا الأخ من هذا التصرف وهذا الحمق، فإن كونه يظاهر منها ويطلقها ثلاثاً، قبل أن يعقد له وبمجرد أن يخبر أنه خطبت له، يعتبر من التسرع والحمق بمكان، والإنسان العاقل الحازم هو الذي يملك نفسه، ولا يتصرف إلا تصرفاً يحمد عاقبته، وكم من إنسان غلبه الطيش والغضب فتصرف تصرفاً يندم له فيما بعد.
أما ما أوقعه من ظهار أو طلاق على هذه المرأة التي لم يعقد له عليها، فإنه ليس بشيء لأن الطلاق لا يقع إلا بعد عقد، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الأحزاب/49، ولأن الطلاق لمن أخذ بالساق، وهو لم يقم بساقها حتى الآن، ولم يعقد عليها، ولأن الطلاق حل قيد النكاح، ومادام لم يتزوج فليس هناك قيد يحله.
أما بالنسبة للظهار فقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) المجادلة/3، فأضاف الظهار إلي نسائهم، ومادامت المرأة لم يعقد له عليها فليست من نسائه، فلا يلحقها ظهاره، ولكن إذا كان هذا الرجل أراد من الظهار الامتناع من جماعها، فإنه يخرج كفارة يمين إذا عقد له عليها وجامعها، أحوط وأبرأ لذمته، أما الظهار فلا يلزمه، لأنها ليست من نسائه، وكفارة اليمين عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب"
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1298)
يرغمها على العمل ويريد الزواج من غيرها فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن زوج خالتي] أو زوج عمتي [طلب منها أن تأذن له بالزواج من زوجة ثانية وأخبرها قريباً بأمر الزفاف، المشكلة أن خالتي] أو عمتي [لم تستطع العمل السنوات القليلة الماضية لمرضها لكن زوجها أجبرها على العمل في عمل تنظيفي، وهو يعمل أيضًا لكنه يأخذ كل مالها التي تعمل به ويعطيها القليل، وأخبرها أنه لن يدفع مصاريف الإيجار ولا الطعام لذا عليها أن تعمل أكثر، والعمل يتسبب في مرضها، وخالتي] أو عمتي [هي التي تدفع مصاريف كل شيء، وهو يدّعي أنه ليس لديه أي مال، والواقع أنه ينفق جميع ماله على بيت زوجته الثانية وعلى زفافه، أخبرْنا خالتَنا] أو عمتنا [أن تأتي وتقيم معنا هربًا منه، وهذه ليست أول مرة يتزوج فيها زوجة ثانية ويهمل خالتي] أو عمتي [لكن خالتي] أو عمتي [تقول إنها ستعطيه فرصة أخرى، هل حرام أن نشجع خالتنا] أو عمتنا [أن تبقى مقيمة معنا لمدة ونحثها على الطلاق منه؟ نحن خائفون على صحتها، فهي مريضة أليس لها حق في الطلاق؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوج أن يُسكن زوجته ويكسوها وينفق عليها، وقد جعل الله ذلك – كله – حقّاً للزوجة.
قال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق / 6] .
قال ابن حزم - رحمه الله -:
ويلزمه – أي: الزوج - إسكانها على قدر طاقته؛ لقول الله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [الطلاق / 6] .
" المحلى " (9 / 253) .
وقال ابن قدامة - رحمه الله -:
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى {أسكنوهن…} فإذا وجبت السكنى للمطلقة، فللتي في صلب النكاح أولى، قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع." المغني " (9 / 237) .
وعن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل: ما حق المرأة على زوجها؟ قال: " تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ".
رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1929) .
قال الخطابي – رحمه الله -:
في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف، وعلى قدر وسع الزوج وَجِدَتِه، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم للزوج، حضر أو غاب، وإن لم يجده: كان ديناً عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر الحقوق الزوجية. " معالم السنن على هامش المنذري " (3 / 67، 68) .
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". رواه مسلم (1218) .
قال النووي - رحمه الله -:
فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع. " شرح مسلم " (8 / 184) .
ثانياً:
يجب على المعدِّد أن يتقي الله تعالى ويعدل في النفقة والكسوة والمبيت، ولا يحل له أن يجور في قسمته بين نسائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما العدل في النفقة والكسوة: فهو السنَّة أيضاً، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة، كما كان يعدل في القسمة، مع تنازع الناس في القَسم، هل كان واجباً عليه أو مستحباً له؟ وتنازعوا في العدل في النفقة هل هو واجب؟ أو مستحب؟ ووجوبه أقوى وأشبه بالكتاب والسنة.
" مجموع الفتاوى " (32 / 269) .
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المعدَِّد من أن يظلم إحدى نسائه.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ".
رواه الترمذي (1141) وأبو داود (2133) والنسائي (3942) وابن ماجه (1969) ، وصححه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " (3 / 310) ، والألباني في " إرواء الغليل " (7 / 80) .
قال الشافعي - رحمه الله -:
ودلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه عوام علماء المسلمين: أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه. " الأم " (5 / 158) .
وقال: ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن. " الأم " (5 / 280) .
وقال البغوي - رحمه الله -:
إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر، سواء كن مسلمات أو كتابيات ... فإن ترك التسوية في فعل القَسم: عصى الله سبحانه وتعالى، وعليه القضاء للمظلومة. " شرح السنة " (9 / 150، 151) .
ثالثاً:
لا يجوز للزوج أن يأخذ راتب زوجته إلا أن عن طيب نفسٍ منها، وقد أباحت لها الشريعة أن تعمل عملاً مباحاً – دون إلزام، لأن النفقة واجبة على زوجها – وأباحت لها التملك لهذا المال، فإن أعطت منه زوجَها جاز، وإن أخذه عن غير طيب نفسٍ منها كان سحتاً عليه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا حرج عليك في أخذِ راتب زوجتك برضاها إذا كانت رشيدة، وهكذا كل شيء تدفعه إليك من باب المساعدة لا حرج عليك في قبضه، إذا طابت نفسها بذلك وكانت رشيدة؛ لقول الله عز وجل في أول سورة النساء {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء / 4] ، ولو كان ذلك بدون سند، لكن إذا أعطتْك سنداً بذلك فهو أحوط إذا كنت تخشى شيئاً من أهلها وقراباتها أو تخشى رجوعها. " فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 672، 673) .
رابعاً:
إذا علمت الزوجة أن الزوج يجب عليه أن يؤمن لها المسكن والنفقة والكسوة، وعلمت أن العدل واجب عليه بين نسائه، وعلمت أنه لا يحل له أن يجبرها على العمل ولا على أن تعطيه راتبها، ثم رأت من زوجها مخالفة لكل ما ذُكر أو لبعض منه: فهي بالخيار: إما أن تصبر على هذا الظلم رجاء أن يتغير زوجها وأن يُصلَح حاله، وإما أن تطالب بحقها عن طريق المحاكم الشرعية، فإن لم يُصلَح زوجُها، أو لم تحصِّل حقَّها من المحاكم الشرعية، ولم تستطع الصبر على ظلم زوجها: فإن لها حق طلب الطلاق، واستيفاء حقِّها كاملاً منه.
ومع أن المرأة كلما استطاعت الصبر على ما تجده من ظلم زوجها وأذاه، وحافظت على بيتها، فهو أفضل لها وأولى من الطلاق منه؛ فإن لكل حالة من الخصوصية ما يوجب النظر في ملابساتها مجتمعة، قبل إبداء الرأي فيها، ويمكنها ـ هنا ـ أن تستشير عقلاء أهلها وأقربائها في موضوعها، فإما أن يصلَح الحال وتمضي حياتها على خير، وإما أن تختار لنفسها أحد الأمرين: الصبر أو الطلاق، والتحذير من طلب الطلاق إنما هو في حال أن يكون من غير سبب شرعي.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"
رواه الترمذي (1187) وحسَّنه، وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1299)
يريد أهل الزوج من ابنهم تطليق زوجته وهو لا يرغب في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[عشتُ أربع سنوات، هي مدة زواجي كله إلى الآن، وأنجبت ابناً عمره الآن عام ونصف، ذقتُ كل أشكال العنف الأسري المعروفة: مِن ضرب، وإهانة، وطرد من البيت، وعدم إنفاق، كل هذا يهون في مقابل أن ابني يكون له أب مثل كل الأطفال، لكن السؤال هو أني قبل زواجي من سبع سنين كنت متزوجة من زميل لي في الجامعة، ولكن في بداية الأمر كان زواجاً عرفيّاً، وبعد أن علم الأهل بالأمر: تم تصحيحه إلى زواج شرعي، ولكن لم يستمر، وتم طلاقنا، وتزوجت زوجي هذا الآن، مع العلم أنه يعلم هذا، وقبَل بزواجنا، المشكلة هي أنه أصبح يذلني بهذا الأمر ليل نهار، وزادت المشاكل بيننا، ودائما تتدخل أمه بيننا، وتعكر صفو حياتنا، وتفسد عليَّ كل ما أنجح في إصلاحه معه، ومؤخراً لأني أسكن في بيت عائلة تدخلت بيننا في مشكلة، وسمعت ما سمعت، وعلمت بموضوع زواجي الأول، وهي الآن هي وزوجها يطالبونني بأخذ عفشي، ويطلقوننا، مع العلم أن هذا الطلاق ضد رغبة زوجي؛ لأنه لا يريد أن تتم تربية ابنه بعيداً عنه؛ لأنه هو أيضا كان مطلقاً مثلي عند زواجنا، وله ولد تربي عشر سنوات بعيداً عنه، ولا يريد أن يكرر ذلك معي، ويدَّعي أنه يحبني، وأنا لا أدري ماذا أفعل مع أهله، وطلبت منه أن ننتقل من هذا المسكن، قالت له أمه: إني خائنة! وممكن أسرق العفش بعد ذلك، وأدَّعي عليه أنه سرقه مني، وقالت له: إن وجودنا في البيت أمان؛ لأنها موجودة باستمرار، ولن تستطيع أن تسرقه ونحن موجودون، وتقول له أن يطلقني، وأن يتزوج بغيري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزواج العرفي له صورة يكون فيها باطلاً، وله صورة أخرى يكون فيها ناقصاً، فيكون باطلاً حيث يعقد الرجل على المرأة من غير موافقة وليها، ويكون ناقصاً إذا خلا من الإشهار والإعلان، على أن الصورة المتبادرة منه، والتي أشرت أنها تكون بعيدا عن علم الأهل، والتي توجد في بعض البلاد الإسلامية، مع الأسف، هي صورة من صور النكاح الباطل، بل ليست نكاحا أصلا!!
وفي جوابي السؤالين: (45513) و (45663) تفصيل وافٍ لمسائله وأحكامه.
ثانياً:
من حقوق الزوجة على زوجها: عشرتها بالمعروف، واحترامها، وعدم إهانتها.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه مسلم (2328) .
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) .
رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال المناوي – رحمه الله -:
" يحرم ضرب الزوجة، إلا النشوز ".
" فيض القدير " (1 / 66) .
وقال الشوكاني – رحمه الله -:
وظاهر حديث الباب: أنه لا يجوز الهجر في المضجع، والضرب، إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك، وقد ورد النهي عن ضرب النساء مطلقاً.
" نيل الأوطار " (6 / 263) .
وقال الإمام الصنعاني – رحمه الله -:
وقوله: (لا تقبِّح) أي: لا تُسمعها ما تكره، وتقول: قبَّحكِ الله، ونحوه من الكلام الجافي.
" سبل السلام " (1 / 150) .
فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى ربَّه، وأن يعلم أنه لا يحل له إذلال زوجته على أمرٍ قد قُضي وانتهى، وليعلم أنه يسيء لنفسه بذلك؛ حيث علم بزواجها من قبل، ثم رضي بها زوجة له، وأمّاً لأولاده، فما يلحقها من عيب يلحقه، وما يسيء به لها فإنما يسيء لنفسه، فيجب عليه أن يحسن عشرتها، وأن يؤدي حقوقها، وليتنبه لأمر مهم، وهو أن عاقبة الظلم وخيمة على الظالم في الدنيا والآخرة، وأن الظلم من الذنوب التي يعجل الله تعالى عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق) رواه الحاكم (4 / 196) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1120) .
وإذا كان هذا الزوج لا يريد نسيان ماضي زوجته، ويرغب بالاستمرار في إذلالها وإهانتها به: فلا يبقها في ذمته، وليطلقها، وليعطها حقوقها المتفق معه عليها، وأما أن يُمسكها ولا يعطيها حقوقها، أو يمسكها مع إهانتها وتحقيرها: فلا يحل له ذلك.
وينظر – للاستزادة -: جوابي السؤالين: (41199) و (10680) .
ثالثاً:
لا يجوز للزوج أن يلبي رغبة والديه بطلاق زوجته، إلا أن تكون أسبابهم التي من أجلها رغبوا بتطليقها أسباباً شرعية، كوقوعها في معصية، أو تركها لواجب.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
رجل تزوج امرأة بإذن والديه، فلما دخل بها ومكث معها ثلاث سنوات، وأنجبت من أولاداً: طلبت والدة الرجل منه أن يطلق تلك المرأة بدون ذنب صدر منها، لا إلى زوجها، ولا إلى أم زوجها، رغم أن المرأة محبوبة إلى زوجها، والعكس، فماذا يفعل هذا الرجل: أن يطلق تلك المرأة خشية عقوق والدته، أم لا؟ .
فأجابوا:
يجب على الرجل المذكور أن يبرَّ أمَّه، وأن يحسن إليها قولاً، وفعلاً، قدر استطاعته، وإذا كانت زوجته المذكورة مرضيةً في دِينها وخلُقها: فلا يجب عليه طلاقها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 31) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
تعلم ما يحدث في المجتمع من قضية العصبية " هذا قبيلي , وهذا غير قبيلي " رجل تزوج من غير قبيلته، فغضب عليه أبوه , وقال: طلِّقها وإلا تنقطع الصلة بيني وبينك , فما رأيك؟
فأجاب:
إذا كانت هذه المرأة قد أعجبت الرجل في دينها وخلقها: فليستمسك بها , حتى وإن أمره أبوه بطلاقها فلا يسمع له، ولا يطيعه , ولا يعتبر معصيته في ذلك عقوقاً , بل إن الوالد هو الذي قطع الرحم , إذا قال: إن أبقيتها فإني أقطع صلتي بك: فهو القاطع للرحم، وقد قال الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/ 22، 23.
ولا شك أن محاولة التفريق بين المرء وزوجه من الإفساد في الأرض , ولهذا جعل الله ذلك من عمل السحرة , قال: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/ 102.
والسحرة مفسدون , كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) يونس/ 81.
فجعل السحرة من المفسدين، ومن أعظم سحرهم: التفريق بين الرجل وأهله , فهذا الأب الذي يحاول أن يفرق بين ابنه وزوجته , يكون فعله من جنس فعل السحرة , وهو من الفساد في الأرض , فيكون هذا الأب الذي يأمر ابنه بطلاق الزوجة وإلا قاطعه: يكون ممن قطع الرحم، وأفسد في الأرض , فيدخل في الآية: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) .
وأنا الآن أوجه نصيحتي إلى الابن وأقول: الزم زوجتك ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها , ونصيحة أخرى إلى الأب وأقول: اتق الله في نفسك , ولا تفرق بين ابنك وأهله , فتقع في الإفساد في الأرض، وكذلك في قطع الرحم.
والابن نقول له: امضِ فيما أنت عليه , وسواء رضي أبوك أم لم يرضَ , وسواء قاطعك أم وصلك, ولكن إذا قُدِّر أنه نفذ وقاطع: فأنت اذهب إليه، وحاول أن تصله، فإذا أبى: فالإثم عليه وحده.
قد يقول بعض الناس: إن عمر رضي الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم , وأنا آمر ولدي فليطلق زوجته , نقول: إن هذه المسألة سئل عنها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: فجاءه رجل يقول: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟ فقال له: ولو أمرك لا تطلقها , وأظن الإمام أحمد سأله: هل هو راغب فيها أم لا؟ فلما أخبره بأنه راغب قال: لا تطلقها , قال: أليس عمر قد أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها؟ قال: وهل أبوك عمر؟ عمر ما أمر ابنه أن يطلق امرأته بمجرد هوىً أو عصبية , لكن لأمر رأى أنه من المصلحة.
وخلاصة القول: أن للولد أن يبقي زوجته ما دامت قد أعجبته ديناً وخلقاً، سواء رضيت أمه أو أبوه أو لم يرضيا.
" لقاءات الباب المفتوح " (72، السؤال 7) .
وانظري جوابي السؤالين: (44923) و (47040) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1300)
طلق زوجته ست طلقات في حال الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[طلق 6 مرات في وقت غضب بغير النية نتيجة لمشادات وخلافات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق حال الغضب منه ما يقع ومنه ما لا يقع، فإن كان الغضب شديدا يخرج الإنسان عن شعوره وإدراك ما يقوله فالطلاق لا يقع عند عامة أهل العلم، وإن كان الطلاق شديدا، لكن لم يذهب الشعور والإدراك، ولم يملك الإنسان معه منع نفسه من الطلاق، ولولا الغضب ما طلق فهذا محل خلاف، والجمهور على وقوعه، ورجّح بعض أهل العلم عدم وقوعه.
وأما الغضب الخفيف أو المتوسط فإن الطلاق يقع معه باتفاق العلماء.
وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (22034) .
ثانيا:
إذا كرر الزوج الطلاق بلفظ واحد أو بألفاظ، فقال: أنت طالق ثلاثا أو ستا، أو قال: أنت طالق طالق طالق، ثلاث مرات أو ست مرات، فإنه يقع طلقة واحدة على الراجح، فيملك أن يرجع زوجته خلال العدة، إن كانت هذه الطلقة الأولى أو الثانية.
وبناء على ذلك فإن كان طلاقك في حال الغضب الشديد الذي حملك على الطلاق، فلا يقع شيء منه، وإن كان في حال الغضب الخفيف أو المتوسط، وقعت طلقة واحدة.
وعليك أن تمسك لسانك عن التلفظ بالطلاق في حال الغضب أو الرضى، فإن الطلاق لم يشرع للتنفيس أو التسلية أو العبث.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1301)
هل للزوجة رفض طلاق زوجها لها؟ وما حكم امتناع الزوج عن جماعها وعن الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤالان: السؤال الأول: هل يجوز للمرأة أن ترفض الطلاق؟ السؤال الثاني: ما حكم الشرع في رفض الزوج معاشرة زوجته، خاصة وأنها ترغب بشدة في حصول حمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا رغب الزوج بطلاق امرأته فليس لرفضها له اعتبار من حيث وقوعه، بل هو واقع إذا أنفذه الزوج، والأصل في الطلاق الكراهة، ولذا لم يكن مرغبّاً به ابتداء، لكن قد يحصل في الحياة الزوجية ما تستحيل معه العشرة بين الزوجين، فشرع الله تعالى الطلاق، حكمةً بالغة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأصل في الطلاق: الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن إبليس ينصب عرشه على البحر ويبعث سراياه فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة فيأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فعل كذا، حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت، أنت ويلتزمه "، وقد قال تعالى في ذم السحر: (ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) " انتهى. " مجموع الفتاوى " (33 / 81) .
وقال رحمه الله أيضاً: " ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق: لكان الدليل يقتضي تحريمه، كما دلَّت عليه الآثار والأصول، ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعبادة، لحاجتهم إليه أحياناً " انتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 89) .
وإذا ما شعرت الزوجة بأن زوجها سيطلقها: فيمكنها توسيط أهل الخير والعقل ليحولوا دون إيقاع زوجها الطلاق، كما يمكنها مصالحته على إسقاط النفقة أو جزءٍ منها، أو إسقاط حقها أو جزءٍ منه في المبيت، كما صنعت سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين شعرت بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيطلقها، فوهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها؛ لما تعلمه من حب النبي صلى الله عليه وسلم لها، ومهما بذلت سودة أو غيرها لتكون زوجةً للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فليس بكثير.
قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء/ 128.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ.
رواه الترمذي (3040) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهكذا فسَّرت عائشةُ رضي الله عنها الآيةَ:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِى وَلاَ تُطَلِّقْنِى، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِى، فَأَنْتَ فِى حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ، وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) .
رواه البخاري (4910) ومسلم (3021) .
قال ابن كثير رحمه الله: " إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يطلقها: فلها أن تسقط حقها، أو بعضه، من نفقة، أو كسوة، أو مبيت، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها؛ ولهذا قال تعالى: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) ، ثُمَّ قَالَ: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ، أي: من الفراق " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (2 / 426) .
فالطلاق بيد الزوج، وليس لرفض الزوجة ما يمنع من إيقاعه، وعليها إن أرادته زوجاً أن توسِّط أهل الخير للصلح، ولها أن تسقط بعض حقوقها في مقابل ذلك، فإن أبى الزوج إلا الطلاق: فيُرجى أن يكون ذلك خيرا لها وله، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء/ 130.
ثانياً:
يجب على الزوجين إعفاف بعضهما بعضاً، ويحرم لأحدهما الامتناع عن الجماع إضراراً بالآخر، ولا شك أن ثمة فرقاً بين الزوج والزوجة في هذه الحال، فالمرأة لو لم يكن لها شهوة: فإن زوجها يقضي شهوته معها، ولا عكس؛ لأن رغبة الزوج لها تعلق بالانتشار والانتصاب عنده، وهو ما لا يتم الجماع إلا به، لكن من قدر على إعفاف زوجته ولم يفعل: فقد إثم؛ لأن حق الاستمتاع مشترك بين الزوجين، إلا أن يكون هجره لها من أجل تركها لما أوجب الله عليها، أو لفعلها معصية، وإلا أن يكون تركه للجماع بسبب مرضه أو إرهاقه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر، والشهرين، لا يطؤها، فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟ .
فأجاب: " يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها، والوطء الواجب، قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدَر حاجتها وقُدْرته، كما يطعمها بقدَر حاجتها وقُدْرته، وهذا أصح القولين " انتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 271) .
وقال علماء اللجنة الدائمة: " مَن هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر: فإن كان ذلك لنشوزها، أي: لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى، وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها: فإنه يهجرها في المضجع ما شاء؛ تأديبا لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً، أما في الكلام: فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد في مسنده.
أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر إضراراً بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها: فإنه كمُولٍ وإن لم يحلف بذلك، تُضرب له مدة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع إن لم تكن في حيض أو نفاس: فإنه يؤمر بالطلاق، فإن أبى الرجوع لزوجته، وأبى الطلاق: طلَّق عليه القاضي، أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 261 – 263) .
كما أننا ننبه إلى أن حق الإنجاب مشترك بين الزوجين، وليس لأحدهما أن يختص لنفسه بهذا الحق دون الطرف الآخر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " أهل العلم يقولون إنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، أي: لا يعزل عن زوجته الحرَّة إلا بإذنها؛ لأن لها حقّاً في الأولاد، ثم إن في عزله بدون إذنها نقصاً في استمتاعها، فاستمتاع المرأة لا يتم إلا بعد الإنزال، وعلى هذا ففي عدم استئذانها تفويت لكمال استمتاعها، وتفويت لما يكون من الأولاد، ولهذا اشترطنا أن يكون بإذنها " انتهى. " فتاوى إسلامية " (3 / 190) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (5971) و (10680) و (93230) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1302)
طلق امرأته ثلاثاً ويريد أن يعيدها إلى عصمته
[السُّؤَالُ]
ـ[تشاجرت مع زوجتي وهي حامل في الشهور الأولى للحمل وقلت لها: " أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق "، ثم أياما بعد وضعها للحمل قلت لها: أنت طالق وفي رمضان تشاجرت معها وقلت لها: أنت محرمة علي لقد طلقتك ... فهل هذا طلاق؟ وهل يمكن أن أعيد زوجتي إلى عصمتي أم تعتبر الآن مطلقة مني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول الرجل لزوجته: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، يقع به ثلاث طلقات عند أكثر العلماء، إلا إذا قصد بالجملة الثانية والثالثة توكيد الأولى، فتقع طلقة واحدة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، مثل قوله: أنت طالق ثلاثا، لا يقع به إلا واحدة.
وقولك لها: أنت طالق، وذلك بعد وضعها للحمل، يقع به الطلاق، فتكون هذه هي الطلقة الثانية.
لكن إذا كانت لا تزال في النفاس وقت هذا الطلاق، فهو طلاق محرم بدعي، وقد اختلف العلماء في وقوعه، والذي اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أنه لا يقع.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها، فهذا هو الطلاق الشرعي، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطلاق/1.
والمعنى: طاهرات من غير جماع، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة. أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع، أو حوامل. هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
فإن كنت لم تسأل أحداً من أهل العلم عن حكم هذه الطلقة الثانية فهي غير واقعة، أما إن كنت سألت من هو أهل للفتوى فعليك أن تعمل بما أفتاك به.
وقولك في المرة الثالثة: لقد طلقتك، يقع به الطلاق أيضاً.
وإذا طلق الرجل امرأته الطلقة الثالثة، فقد بانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا ـ يعني: الثالثة ـ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة/230.
ويجب التنبيه إلى أن نكاح التحليل الذي يفعله بعض الناس، حتى تحل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول، محرم ملعون فاعله، ونكاح غير صحيح، لا تحل به المرأة لزوجها الأول.
وانظر جواب السؤال (109245) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1303)
حكم طلب الطلاق من زوج عنده مشاكل مرضية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجي متزوجان منذ أحد عشر سنة ولا يوجد لدينا أطفال والسبب أن زوجي لديه بعض المشاكل المرضيه وهو يعرف هذا ولم يخبرني بها ولو عرفت هذا قبل أن نتزوج لما وافقت على الزواج به.
سؤالي هو: أريد الطلاق منه وأريد أن أعرف ما هي حقوقي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فإن كانت المشاكل التي أشرت إليها متعلقة بعيب في الزوج ينفِّر عن الاستمتاع بينكما، أو يحول دون مقصود النكاح من الرحمة والمودة كعدم قدرة على الوطء أو مرض يحول دون تحقق الاستمتاع، فالعلماء يعدون هذا من عيوب النكاح الموجبة للخيار أي: أن لك الحق في فسخ عقد النكاح أو إبقائه، ولا يحق له أن يأخذ منك شيئاً من المهر لأنك قد استحققت المهر بما استحل منك في السنوات الماضية.
وأما إن كان لعقم في الرجل أي لا يولد له، فإن هذا لا يعد عيباً يوجب الفسخ عند جماهير أهل العلم إلا في قولٍ للحسن البصري ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية.
وكان الواجب على الزوج أن يبيِّن أمره للزوجة لأن لها حقّاً في الولد كما له، ولذلك مُنع الزوج من العزل – وهو الإنزال خارج الفرج - عن امرأته.
قال ابن قدامة – بعد أن عدَّد العيوب التي تجيز فسخ النكاح -:
ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا، إلا أن الحسن قال: إذا وجد الآخر عقيماً يخيَّر.
وأحبَّ أحمد أن يتبيَّن أمره، وقال: عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح، فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت بذلك لثبت في الآيسة؛ ولأن ذلك لا يعلم، فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب، ثم يولد له وهو شيخ، ولا يتحقق ذلك منهما.
وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم.
" المغني " (7 / 143) .
وعلى هذا فإن كنت لا تريدين الصبر معه فإما أن يطلقك طلاقاً شرعيّاً، أو تختلعي منه، بأن تتفقي معه على أن تدفعي له مبلغاً من المال أو تردين عليه المهر أو ما شابه ذلك، مما يصح أن يكون عوضا في الخلع، ثم يطلقك تطليقة واحدة، وهذه التطليقة تحصل بها البينونة الصغرى، فلا يحق له إرجاعك بعد ذلك في أثناء العدة ولا بعدها إلا بعقد جديد مستوفٍ للشروط.
والدليل على جواز الخلع ووقوعه قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة/229
ومن السنة ما رواه البخاري في صحيحه (4867) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ".
وقد أجمع العلماء على جواز الخلع إذا دعت إليه حاجة شرعية، ولمعرفة هذه الحاجة يراجع سؤال رقم (1859) .
على أننا ننصح إذا كان الزوج مرضي الخلق والدين، وكنت لا تخشين على نفسك من الوقوع في المحرم في حال استمرار الحياة الزوجية بينكما فإن الصبر والبقاء مع الزوج هو الأولى، ولعل الله أن يرزقك منه بما تقر به عينك من البنين والبنات.
والله تعالى أعلم بالصواب.
ينظر " المغني " لابن قدامة (7 /246) ، " الموسوعة الفقهية " (19 / 238، 240) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1304)
قال لولده: إن لم تكف عن العراك فسوف أطلق أمك
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي عصبي جدا ولفظ الطلاق مرة، وبعدها في مرة أخرى لفظها مرتين، وهو شديد العصبية، وفي المرة الثالثة قال لابني: إذا لم تكف عن العراك سوف أقول لأمك أنت طالق. فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول الزوج لابنه: " إذا لم تكف عن العراك سوف أقول لأمك: أنت طالق ": لا يقع به الطلاق بمجرده؛ لأنه تهديد بإيقاع الطلاق في حال استمرار ولده في العراك، فإن شاء الزوج حينئذ أن يطلق طلّق، وإن شاء لم يطلق.
ثانيا:
الطلاق في حال الغضب فيه تفصيل، سبق بيانه في جواب السؤال رقم (45174) .
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى، ويتجنب التلفظ بالطلاق في حال الغضب والرضى، ما لم يكن مريدا إيقاع الطلاق بالفعل، بعد التأني والتدبر والنظر في العواقب، فإن الطلاق لم يجعل للتنفيس عن الغضب، وإنما جعل لإنهاء العلاقة الزوجية الوثيقة، عند وجود ما يدعو لذلك.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1305)
قالت لزوجها: تحرم علي إلى يوم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حلفت على زوجها وقالت له: تحرم علي ليوم الدين. فما حكم الدين في ذلك؟ وما المفروض أن تفعل لتفادي الحلفان؟ وهل ستحاسب على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الزوجة لزوجها: أنت علي حرام، أو تحرم علي ليوم الدين، لا يترتب عليه ظهار أو طلاق، لأن الظهار والطلاق لا يكون إلا من الزوج، وإنما هو من باب تحريم الحلال، كتحريم شيء من اللباس أو الطعام، فيلزمها عند الحنث كفارة يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم/1، 2. فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً.
وكفارة اليمين هي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام.
وإنما تحنث إذا جامعها زوجها وهي طائعة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا قالت امرأة لزوجها: إن فعلت كذا فأنت محرم علي كحرمة أبي علي، فما حكم ذلك؟
فأجاب: "تحريم المرأة لزوجها أو تشبيهها له بأحد محارمها حكمه حكم اليمين، وليس حكمه حكم الظهار، لأن الظهار إنما يكون من الأزواج لنسائهم بنص القرآن الكريم.
وعلى المرأة في ذلك كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف تقريباً، وإن غداهم أو عشاهم أو كساهم كسوة تجزئ في الصلاة كفى ذلك، لقول الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89.
وتحريم المرأة لما أحل الله لها حكمه حكم اليمين، وهكذا تحريم الرجل ما أحل الله سوى زوجته حكمه حكم اليمين؛ لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1-2" انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/301) .
وعلى الزوجة أن تتوب إلى الله تعالى من قولها ذلك، فإن تحريم الحلال لا يجوز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1306)
طلق زوجته قبل الدخول وهو لا يدري ما يقول من الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت على امرأة عقدا شرعيا، وعقدا لدى السلطة، ولم أدخل بها بعد لأني في انتظار الإجراءات للحصول على التأشيرة لكي ترحل عندي، تشاجرنا عبر الهاتف حتى فقدت وعيي ولا أدري ما أقول، حتى نطقت: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. ثم نبهتني: اتقي الله، اتقي الله، ثم رجعت إلى وعيي، هل وقع الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا عقد الرجل على امرأته عقدا شرعيا، ثم طلقها، وقع الطلاق، سواء دخل بها أو لم يدخل، وسواء سجل العقد لدى السلطات أو لم يسجل
لكن إن كنت كما ذكرت تكلمت بالطلاق وأنت لا تدري ما تقول من شدة الغضب، فإن الطلاق لا يقع.
وقد سبق الكلام على الطلاق حال الغضب، وما يقع منه وما لا يقع في جواب السؤال رقم (45174) .
وينبغي الحذر من استعمال ألفاظ الطلاق، وتجنب ذلك في جميع الأحوال، لا سيما وأنت في مستهل الحياة الزوجية، فإن هذا مما يدعو الزوجة إلى الخوف والقلق، وقد يؤدي إلى وقوع الفرقة بينكما من حيث لا تريد.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1307)
طلقها بعد انقطاع دم الحيض وقبل أن تغتسل
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي الطلقة الثالثة وكنت شاكا في حالها هل هي على طهر أم في الحيض، وتبين لنا أنها قد انقطع الدم عنها ولم تغتسل بعد، فهل يقع طلاقي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطلاق في الحيض طلاق بدعي محرم، وقد اختلف أهل العلم في وقوعه، فجمهورهم على أنه يقع، وذهب بعضهم إلى عدم وقوعه وهو الراجح، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (72417) .
وإذا انقطع الدم ولم تغتسل، أبيح الطلاق، ووقع؛ لأنها لا تعتبر حينئذٍ حائضا.
وقد ذكر ابن قدامة في "المغني" (10/336) : أنه إذا انقطع الدم من الحيض زال تحريم الطلاق بسبب الحيض، فإذا طلقها زوجها فهو طلاق جائز وواقع وإن لم تغتسل، وأن هذا ذهب إليه الإمامان أحمد والشافعي؛ لأنها صارت طاهرا بانقطاع الدم.
وقال في "زاد المستقنع": " وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " والدليل على جواز الطلاق بعد انقطاع الدم قوله صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) ، والمرأة تطهر بانقطاع الدم " انتهى من "الشرح الممتع" (1/384) .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " لا يجوز أن تطلق المرأة حال حيضها، فلو انقطع دمها ولم تغتسل، ووقع الطلاق بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، فما الحكم؟ قال: وقع الطلاق؛ لأن الطلاق لا يتأقت باغتسال، أما بقية الممنوعات فلا بد فيها من الاغتسال، كالجماع ودخولها المسجد، كذلك أيضاً مرورها به، ولبثها فيه.. ونحو ذلك من ممنوعات الحيض " انتهى من "شرح زاد المستقنع".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1308)
الحيلة السريجية في الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت عن الحيلة السريجية في الطلاق، فما هي هذه الحيلة، وإلى مَن مِن الأئمة تُنسَبُ إليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسألة السريجية من أكثر مسائل الطلاق التي أثارت جدلا في العصور المتقدمة، حتى ألفت فيها المؤلفات المستقلة، ودارت حولها النقاشات المطولة، ونحن هنا نعرض شيئا مختصرا وافيا عن هذه المسألة، ضمن مسائل عدة:
أولا: صورة المسألة:
أن يقول الرجل لزوجته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا.
فإن طلقها فما الحكم؟ هل يقع عليها الطلاق الذي واجهها به، أم يقع طلاق الثلاث المعلق؟ أم لا يقع شيء من الطلاق؟
ثانيا: سبب تسميتها:
سميت بـ " السريجية " نسبة للإمام الفقيه شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج القاضي الشافعي، فقيه الشافعية في بغداد، المتوفى سنة (306هـ) ، من طبقة أصحاب أصحاب الشافعي، عدَّه بعض العلماء مجددَ القرن الرابع، كما في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (14/201) .
وسبب نسبتها إليه أنه أول من أفتى فيها بأنه لا يقع شيء من الطلاق، كما سيأتي بيانه.
ثالثا: أهمية المسألة:
" السريجية " مِن أخطر مسائل الطلاق وأهمها، إذ يلزم على القول بعدم وقوع طلاق من تلفظ بعبارتها إغلاق باب الطلاق بالكلية، وعدم قدرة قائلها على التخلص من رابطة الزوجية، وهذا أمر عظيم في الشريعة الإسلامية، لأن الطلاق ـ وإن أساء البعض استعماله ـ إلا أنه يبقى حلاً مقبولاً في بعض الحالات، على حد قول القائل: "آخر العلاج الكي".، فإذا أغلق هذا الباب شابَهَ ما عند بعض فرق النصارى من منع الطلاق مطلقا، وليس لهذه المسألة نظير في الفقه الإسلامي جميعه.
رابعا: حكم هذه المسألة:
اختلفت الأقوال فيها على قولين:
القول الأول: لا يقع شيء من الطلاق، لا المُنَجَّز (وهو الطلاق الحالي المباشر) ، ولا المعلَّق (وهو طلاق الثلاث) . وهذا اختيار ابن سريج الشافعي، الذي نسبت إليه المسألة، وإن كان بعضهم أنكر صدور هذا القول عنه، وتابعه كثير من فقهاء الشافعية عليها، بل وعزاه في "فتح القدير" إلى أكثر الحنفية، ونقله صاحب "مجمع الأنهر" (1/414) عن "المبسوط"، وأنكر على من قال بغير ذلك.
دليله: أنه لو وقع المنجز بقوله: أنت طالق. لوقع المعلق قبله بحكم التعليق، ولو وقع المعلق – طلاق الثلاث – لم يقع المنجز؛ لأنه إذا وقع عليها الثلاث، فلا يمكن إيقاع الطلقة المنجزة، لأنها قد بانت، قالوا: وهذا يسمى " دَوْر " في اصطلاح المناطقة، يلغي حكم كل طلاق يصدره قائل هذه العبارة بعدها.
القول الثاني: وقوع الطلاق، وعدم اعتبار هذا " الدَّوْر " دورا صحيحا، وهو قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، على خلاف بينهم في عدد الطلقات الواقعة، وشدد بعضهم النكير على القول الأول، وأفتوا بعدم جواز اعتباره والحكم به، كالعز بن عبد السلام وغيره.
كما في "حاشية رد المحتار" (3/229-230) ، "البحر الرائق" (3/255) ، "شرح مختصر خليل للخرشي" (1/52) ، "تحفة المحتاج" (8/114-115) ، "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للشربيني (2/109) ، "المغني" (7/332) ، "كشاف القناع" (5/298) .
قال ابن قدامة في "المغني" (7/332) مستدلا لوقوع الطلاق:
" لأنه طلاق من مكلف مختار , في محل لنكاح صحيح , فيجب أن يقع , كما لو لم يعقد هذه الصفة.
ولأن عمومات النصوص تقتضي وقوع الطلاق , مثل قوله سبحانه: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وقوله سبحانه: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ، وكذلك سائر النصوص.
ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به , وما ذكروه يمنعه بالكلية , ويبطل شرعيته , فتفوت مصلحته , فلا يجوز ذلك بمجرد الرأي والتحكم " انتهى.
أما الجواب عن شبهة القول الأول، فهناك أجوبة كثيرة ومطولة، أظهرها وأيسرها ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال – كما في "الفتاوى الكبرى" (3/137-138) -:
" الدور الذي توهَّموه فيها باطل , فإنهم ظنوا أنه إذا وقع المنجز وقع المعلق , وهو إنما يقع لو كان التعليق صحيحا , والتعليق باطل ; لأنه اشتمل على محال في الشريعة , وهو وقوع طلقة مسبوقة بثلاث , فإن ذلك محال في الشريعة , والتسريج يتضمن لهذا المحال في الشريعة , فيكون باطلا.
وإذا كان قد حلف بالطلاق معتقدا أنه لا يحنث , ثم تبين له فيما بعد أنه لا يجوز فليمسك امرأته , ولا طلاق عليه فيما مضى , ويتوب في المستقبل.
والحاصل أنه لو قال الرجل لامرأته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا , فطلقها، وقع المنجز على الراجح , ولا يقع معه المعلق ; لأنه لو وقع المعلق وهو الطلاق الثلاث لم يقع المنجز؛ لأنه زائد على عدد الطلاق " انتهى.
وهذا القول هو القول الراجح الذي ينبغي أن يفتى ويعمل به، ولمن أراد التوسع في شرح هذه المسألة، وقراءة الردود والمناقشات، يمكنه مراجعة المصادر الآتية:
"إعلام الموقعين" (1/251-256) ، "فتاوى السبكي" (2/298-303، 313-314) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/180-197) ، "الأشباه والنظائر" (380-381) ، وغيرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1309)
تخيل أن زوجته أمامه وخاطبها بما يخشى أن يكون طلاقاً
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت ألوم زوجتي على جودة الطعام ثم ذهبت من أمامي وأنا مستلقي على السرير وفجأة تخيلت أن الموقف عاد من ثاني مثلما يفرط أحد في الخيال أنه يتشاجر مع شخص ويتخيل أنه يشتمه ويندمج في الحوار – إنني تخيلتها وهى واقفة أمامي ونهرتها وقلت لها يا للا فكي من هنا – وبدلاً من أن استكمل بالجملة الدارجة حلى عني، قلت لها: أنت في حل مني. كل هذا بصوت بيني وبين نفسي، وأنا وحدي في الغرفة، وبعدها انتبهت أنني أفرطت في الخيال – فهل هذا يعتبر من كنايات الطلاق؟ رغم أنه موقف خيالي حتى وإن تلفظت بهذه الكلمات؟ علماً بأن هذا الموقف منذ سنوات وكانت زوجتي حاملاً وأنا أحبها جداً، ولا يوجد بيننا شجار أبداً فما العمل الآن؟ وهل هذه تحسب طلقة أم لا؟ وإذا كانت ذلك هل تعتبر معاشرتي لها على اعتبار أنني لم أطلقها يعتبر رد لها؟ وهل من الضروري إخبارها بذلك كله أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قولك: "هذا بصوت بيني وبين نفسي" إن كنت تقصد أنك لم تتلفظ بهذا الكلام، وإنما دار ذلك في مخيلتك، ولم يخرج عن كونه حديثَ نفس فلا يترتب عليه شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) رواه البخاري (5269) ومسلم (201) .
فالطلاق لا يقع بمجرد النية، بل لا بد من شيء يدل عليه كصيغة أو كتابة، ولهذا قال قتادة: "إذا طلق في نفسه فليس بشيء".
قال ابن حجر: "واحتج الخطابي بالإجماع على أن من عزم على الظهار لا يصير مظاهراً، قال: وكذلك الطلاق، وكذا لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قاذفاً، ولو كان حديث النفس يؤثر لأبطل الصلاة" انتهى.
انظر: "فتح الباري" (9/394) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81726) .
أما إن كنت تلفظت بتلك الكلمات فقد ذكرت أن لسانك سبقك إلى عبارة: "أنت في حل مني" وكنت تقصد العبارة الدارجة: "حلِّي عني"، والجمهور على أن طلاق المخطئ لا يقع لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، وقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، وقد روى مسلم (200) عن ابن عباس رضي الله عنها أنه لما نزلت هذه الآية قال الله تعالى: (قد فعلت) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه (2045) وحسنه النووي، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1027) .
فمن سبق لسانه إلى لفظ الطلاق من غير قصد له لم يقع به الطلاق لانتفاء القصد إليه.
قال ابن القيم رحمه الله: "والمقصود أن سبق اللسان إلى الطلاق من غير قصد له مانع من وقوعه عند الجمهور" انتهى.
"إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" (ص60) .
وقال الغزالي عند ذكره لأسباب اختلال القصد إلى الطلاق: "السبب الأول: سبق اللسان، فإذا بدرت منه كلمة الطلاق في محاورته أو في النوم لم يقع طلاقه" انتهى.
"الوسيط" للغزالي (5/385) .
وقال العدوي في "حاشيته" (2/102) : "من أراد أن يتكلم بغير الطلاق فالتوى لسانه فتكلم بالطلاق فلا شيء عليه، إن ثبت سبق لسانه" انتهى.
وانظر: "الشرح الكبير" لأحمد الدردير (2/366) ، "حاشية الدسوقي" (2/366) .
ثم قولك: "أنت حل مني" من ألفاظ الكنايات التي لا يقع بها الطلاق إلا إذا نواه الزوج بهذا الكلام، فما دمت لم تقصد الطلاق فلا يقع الطلاق.
فالذي يظهر من سؤالك؛ أنه لا يقع عليك طلاق بهذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1310)
الحمل الذي تنقضي العدة بوضعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أفادني فضيلتكم ردا على سؤال رقم 106328 أنه لا يقع علي شيء من الطلاق، لأنه وقع في طهر جامعت فيه زوجتي، ولكن بعد شهر من الطلاق علمت أن زوجتي حامل، وسقط هذا الحمل قبل أن يتم شهران، وأنا وزوجتي لم نعلم بالحمل إلا بعد الطلاق، هل يقع الطلاق أو لا يقع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق إذا كان في الحمل فإنه يقع ولو كان الزوجان لا يعلمان بالحمل، لكن إن وقع الشك في الطلاق هل كان مع وجود الحمل أو قبله، فإن الأصل عدم وجود الحمل، فلا يقع الطلاق، على القول الذي سبق بيانه، وهو أن الطلاق لا يقع إذا كان في طهر جامع الرجل أهله فيه.
ثانيا:
إذا حصل الجزم بوجود الحمل أثناء التلفظ بالطلاق، فإن الطلاق يقع.
ثالثا:
عدة الحامل إلى وضع الحمل، فإن وضعت سقطا، وتبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل، فإن العدة تنتهي بذلك، ولا يملك الرجل أن يرجع زوجته إلا بعقد جديد ومهر جديد.
قال في "كشاف القناع" (5/413) : "والحمل الذي تنقضي به العدة هو ما تبين فيه شيء من خلق الإنسان كرأس ورجل فتنقضي به العدة إجماعا، حكاه ابن المنذر، لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص ... لكن لو وضعت مضغة لم يظهر فيها الخلق فشهدت ثقات من القوابل أن فيها صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي انقضت به العدة؛ لأنه حمل فيدخل في عموم النص " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان ثمانون يوما من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً " انتهى من رسالة "أحكام الدماء الطبيعية".
وما دامت زوجتك وضعت حملها بعد شهرين من الحمل، فالعدة لا تنقضي بذلك، بل تعتد بثلاث حيضات، ولك مراجعتها ما دامت في العدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1311)
طلق زوجته وانتهت العدة فهل يعقد عليها دون رجوع للمحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي وانقضت عدتها لكن دون تحرير وتوثيق الطلاق في المحكمة، وهي في نظر القانون مازالت زوجتي، وأنا الآن أقيم في بلد آخر بعيد عن بلدي. السؤال: أنا أريد أن أردها بعقد نكاح جديد بشهود ومهر جديد وأن يبقى العقد الأول الذي سجل سابقا في المحكمة ساري المفعول، والواجب في عقد النكاح هو الشهود والصداق ليس تسجيله. أفتوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية وانقضت عدتها، فله أن يرجعها بعقد جديد مستوفٍ لشروطه وأركانه، من رضا المرأة، والولي، والشاهدين، مع المهر.
وتسجيل النكاح أو الطلاق في المحكمة ليس شرطا لصحته، لكنه ضمان لحق الزوجة والزوج والأولاد، ولهذا يتأكد الالتزام به.
ولا يظهر لنا مانع من عقد النكاح الآن، والاكتفاء بأوراق التوثيق السابقة، لأنه يحصل بها المقصود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1312)
قال لزوجته إن خرجت فأنت طالق وقد سبق له طلقتان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طلقت زوجتي مرتين، ولكن قمت بحلفان اليمين على زوجتي وقلت: أقسم بالله العظيم أنك إذا خرجت من باب البيت فأنت طالق ثلاث مرات بل عشر مرات فقامت وقتها بكسر اليمن بعد ساعة من حلفانه وقالت لي: هل الآن طلقت منك؟ وأنا محتار لأنه لدي طفلة عمرها شهرين وأنا الآن لا أعرف ماذا أفعل لأني خائفٌ على ابنتي كثيرا والنية كانت وقتها أني سوف أطلقها ولكن من خوفي على ابنتي الآن لا أعرف ما إذا كانت هذه الطلقة ثبتت علي أم أن زوجتي هي السبب ومن صغر عقلها وكسر اليمين وقتها مباشرة لا تحتسب علي طلقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الرجل لزوجته: إذا خرجت من باب البيت فأنت طالق، وكانت نيته الطلاق، فإنها إذا خرجت طلقت، وإذا كانت هذه هي الطلقة الثالثة فإنها تبين من زوجها، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، نكاحَ رغبة لا نكاح تحليل، ثم يموت عنها أو يطلقها.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82400) .
وعلى هذا، فهذا الطلاق واقع، وقد بانت منك امرأتك.
أما قولك: "إن زوجتك هي السبب ومن صغر عقلها وكسرها اليمين".
فأنت الذي تلفظت بالطلاق، وعلَّقته على فعلها، فأنت الذي أوقعت الطلاق وليس امرأتك، ولهذا ينبغي للرجل أن يمسك لسانه عن التلفظ بالطلاق حتى لا يخرج الأمر من يده، ويندم وقت لا ينفع الندم، ويشتت أسرته ويضر نفسه أولاده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1313)
عاش معها بالحرام فتاب وأسلمت وتزوجها ويريد أهله أن يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم قراءة رسالتي هذه، وإرسال الجواب بأسرع وقت؛ لأنني تعبت وأنا أبحث عن مواقع الفتوى، وإرسال الرسائل، وانتظار الجواب، وكل المواقع التي راسلتُها لم ترد لي الجواب , فتغيرت نظرتي تجاه تلك المواقع، وعندما قرأت بعض الفتاوى في موقعكم هذا ارتحت له كثيراً وأصبحتُ يوميّاً أقرأ بعض فتاواكم، فهي تريحني، ووجدت فيها الكثير من الأجوبة الشافية لبعض أسئلتي، أرجو منكم إيجاد حل لكل أسئلتي فهي لا تدعني أنام، وأنا بأمسّ الحاجة للجواب الشافي؛ لأنني جدّاً متعب، ومشرد الذهن، وأنا أخاف أن أقع في الخطأ الذي أحاول الابتعاد عنه كل الابتعاد. قصتي هي أنني كنتُ في بلد أجنبي للدراسة، وأنتم تعرفون كيف يعيش المجتمع الغربي، كي لا تطول القصة أكثر: أنا ارتكبت الفواحش: مِن شرب خمر، وزنا، وأفطرت شهر رمضان، وارتكبت الزنا في شهر رمضان، وأخطائي كانت كثيرة، والحمد لله الذي هداني للتوبة التي نوَّرت لي حياتي، ونقلتني من الظلمات إلى النور، توبتي كانت في شهر رمضان، وكانت تسكن معي فتاة أجنبية، ديانتها مسيحية، وعندما رأتني هذه الفتاة تائباً أقرأ القرآن، وأصلي، وأصوم، بدأت هذه الفتاة الاقتراب إلى الإسلام، وفي العاشر من رمضان أسلمت هذه الفتاة، وارتدت اللباس الشرعي، والحجاب، وبدأت تتعلم القرآن، وتصلي الفرض، والسنَّة، وتصوم، ودرست السيرة النبوية، والكثير من الدروس في الإسلام، ولقد تزوجتها في أول يوم أشهرت فيه إسلامها، وعشنا أجمل أيام حياتنا، وذات يوم عرفتُ حقيقةً مرَّة غيَّرت مسار حياتي، وأصبحتُ دائم الهم والحزن، عرفت تاريخ هذه الفتاة، وكان تاريخها كأي تاريخ فتاه أجنبية (الحرية والخيانة) عرفت منها أنها كانت قد خانتني أكثر من مرة، هي خانتني، ولكن قبل أن تسلم، وقبل أن أتزوجها، ولكن كونها أصبحت زوجتي، وكوني عربيا: لا أستطيع نسيان الماضي، وأنا خنت ديني، وربي، وابتعدت عن الإسلام، وأنا مسلم منذ ولدتني أمي، هي لم تكن تعرف شيئاً عن الإسلام، وأنا كنت أعرف الكثير عن الإسلام، هي أفضل مني بكثير أليس كذلك؟ والإسلام يجبّ ما قبله، والتائب من الذنب كما لا ذنب له، أنا أحترمها وأقدِّرها جدّاً لأنها أسلمت عن يقين، وهي تبكي كثيراً، خصوصاً عند قراءتها للقرآن، والأحاديث النبوية، هي كانت قد أخطأت، ولم تكن على علم بالإسلام، وأنا أخطأت وكنت أعرف أن الزنا من الكبائر، وأن الله شديد العقاب، ولكن الإنسان معرَّض للخطأ، ويبقى تفكيره محدوداً، والذي يضايقني عندما عرفت حقيقة الماضي: انفعلتُ، وغضبتُ جدّاً جدّاً، وطلقتها مرة، وبعد يومين: انفعلت وضربتُها، وغضبتُ جدّاً، وطلقتها ثانية، وكثرت المشاكل بيننا، وكثر غضبي، وأنا عندما أغضب أصبح كالمجنون، لا أفكر، ولا أفهم ما أقول، وكل ما أقوله يخرج بشكل عفوي، وفي المرتين راجعتها بعد الاستفسار والسؤال، وبعد مرور عدة أيام حصلت بيننا مشاحنة وصلت إلى الضرب، وهي أهانتني، والبادئ كان أنا، وطلقتها ثالثة، وبعد كل المرات التي حصل فيها الطلاق كنت أندم، وأبكي، وأشفق عليها؛ لأن هذه الفتاة بعد إسلامها أصبحت جدّاً صالحة، وكنت أخاف عليها من الضياع، ولكن الغضب والشيطان جعلوني أرتكب الأخطاء، وبعد طلاق المرة الثالثة صليت ركعتين، وبكيت، ودعوت الله تعالى إذا وقع الطلاق بأن أبتعد عنها مباشرةً، وإن لم يقع بأن أراجعها بأسرع وقت، وهذا الذي حدث، راجعتها في تلك الليلة بتيسير من الله، وأنا قرأت أن طلاق الغضبان لا يقع، وعندما انتهت دراستي رجعت إلى بلدي، وكنت وعدتها أن أفاتح أهلي بالموضوع لكي تلحق بي، ولكن هنا الوضع مختلف، ووجدت الفرق الكبير بين الفتاة العربية التي لم يلمسها أحد قط، وبين الأجنبية التي نامت مع الكثير من قبلي، وهذا الشيء يضايقني بشكل كبير، وأحياناً أفكر بتركها، ولكن أخاف الله؛ لأني كنت مثلها، وهي أصبحت الآن أفضل مني، والآن عقلي وفكري دائما مشغول بالمقارنة بين العربية والأجنبية، وأهلي لم يقبلوا بزواجي، وبدأت أسألتهم لي: من هي؟ هل هي كانت فتاة قبل أن أتزوجها؟ قلت: نعم وهي لم تكن كذلك، أنا تزوجتها لأنها أسلمت، وأحسنت إسلامها , وتزوجتها لإرضاء الله تعالى، ولكي أكفِّر عن ذنبي، وهي الآن بانتظار دعوتي لها، وهي تتمنى أن تصوم شهر رمضان في بلدي المسلم، أهلي رافضون، وأنا أريد أن تلحق بي لكي لا تضيع هناك، وهي إنسانة رائعة الأخلاق، وخصوصاً بعد إسلامها، أصبحت المرأة الأولى الملتزمة بالدين الإسلامي في نظري، أنا الآن أتعذب جدّاً، عندما أتذكر تاريخها وتاريخي وأنا أقول في نفسي إن هذه الفتاه بعثها الله لي كفارة للتكفير عن ذنوبي الكثيرة. - هل الطلاق وقع؟ وإذا وقع هل يحق لي إرجاعها للحفاظ عليها من الضياع والوحدة في البلاد الفاسقة؟ . - ماذا يجب عليَّ فعله، البقاء مع زوجتي الأجنبية المسلمة حديثاً أم الزواج من فتاة عربية مسلمة؟ . - ماذا أفعل مع أهلي؟ هم يريدون أن أطلقها، وإذا طلقتها لإرضائهم: هل هذا حرام؟ . - هل الزنا دين في رقبتي وسيأتي يوم أدفع ثمنه؟ . وكيف لي أن أنسى ماضيها الذي يأكل ويشرب وينام ويستيقظ معي وأعيش معها كزوجين مسلمين؟ . أرجو إرسال أدلة تساعدني في ذلك، أرجو منكم كل الرجاء إرسال الجواب الشافي الذي انتظره منذ زمن، ولكي لا يخيب ظني بهذه المواقع التي أنشأت لمساعدة المسلمين، وخصوصا التائهون، الضائعون مثلي، المحتاجون للمساعدة، ولو حتى بنصيحة (الغريق يتعلق بقشة) إذا انتم لن تساعدوني فإلى أين أذهب يا علماء المسلمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إننا وإن كنا نرجو أن نكون عند حسن ظنك: إلا أنه لا يسرنا أن تكون لك نظرة سلبية تجاه مواقع الفتوى الأخرى لأهل السنَّة، ونحب منك أن تحسن الظن بالقائمين عليها، وأن تعذرهم، ولو أنك ترى كمية الأسئلة التي ترد لنا ولهم لعذرتنا، ولست وحدك من يطلب التعجل في إجابته، ولا يمكن تحقيق رغبة كل سائل في هذا الباب، فالعذر لنا ولإخواننا في المواقع الأخرى قائم، والكريم هو الذي يَعذر غيره.
ثانياً:
ما حصل معك في ذلك البلد الأجنبي يؤكد ما نقوله دوماً أنه لا يجوز السفر إلى تلك البلاد، وبخاصة إذا كان المسافر شابّاً أو شابَّة في مقتبل العمر، وفي فورة شهوتهم، وعلى الآباء والأمهات أن يعلموا أن أحوال أولادهم في تلك البلاد غالباً ما تكون مؤسفة، من البعد عن الدين، والفعل للفواحش، والتخلي عن السلوك المستقيم، وهم في النهاية من يدفع ضريبة هذه المخالفات الشرعية.
فالواجب على الآباء والأمهات أن يتنبهوا لأولادهم، وأن لا يكون حرصهم على تعليمهم على حساب دينهم وسلوكهم.
ثالثاً:
نهنئك على توبتك، ونحمد الله أن أنقذك من الكفر والفسوق والعصيان، وكم يتخبط غيرك في ظلمات الجهل والمعصية، وكم يغرق غيرك في أوحال الآثام، وكم يتردى غيرك من قمم الأخلاق وأعالي الفضائل، فالواجب عليك العض على شجرة التوبة، والتمسك بحبال التقوى، وإياك والتفريط والرجوع إلى سالف الحال؛ فإنك في نعمة حُرمها كثيرون، فلا تكفر النعمة بترك طريق التوبة.
رابعاً:
ونهنئ أختنا على إسلامها، ونحمد الله أن وفقها وهداها للإسلام، وهي لا شك تعلم الآن عِظَم الفرق بين حالها أولاً وحالها الآن، وتعلم الفرق بين أن يكون الإنسان كافراً وبين أن يكون مؤمناً، وتعلم الفرق بين حال قلبها أولاً من حيث الضيق والضنك، وبين حال قلبها الآن من حيث السعة والانشراح، فنسأل الله أن يزيدها هدى وتوفيقاً، وأن يجعلها هادية مهديَّة.
خامساً:
إن الذي يعيش بعيداً عن الهداية والرشاد يتخبط في القول والفعل والفكر، ويلتزم منهجاً لا يرضى به إلا شياطين الإنس والجن، ويعيش على مبادئ لا توافق نصّاً صحيحاً، ولا تلتقي مع عقلٍ صريح، وخذ على ذلك مثالاً مصطلح " الخيانة "! فإنه عند هؤلاء معناه أن يخون العشيق عشيقته، والعكس! فقد تكون المرأة ذات زوج، وتخون زوجها مع عشيقها، ثم إذا رأت ذلك العشيق مع امرأة أخرى: بكت، وناحت، وأهانته، وقد تضربه! لماذا؟ لأنه خانها!! وكأنها لم تخن زوجها، وكأنه لا عتب عليها، بل جعلت العتب على ذلك العشيق الخائن! فأي مبادئ يعيش عليها هؤلاء؟ وأي منطق يسيرون عليه؟ .
وإن تأسف فاجعل أسفك على المسلم الذي لا يعرف خيانة الله، ولا خيانة رسوله، ولا خيانة دينه، وراح يحصر الخيانة بخيانة محبوبته وعشيقته! وهو يمارس معها كبيرة من كبائر الذنوب، وهو الذي خان الله ورسوله ودينه من قبلُ.
وأنت أخي السائل:
تلوم امرأة كانت تنام معك ومع غيرك وهي كافرة! ولم تلُم نفسك أنك فعلت ما لا يحل لك وأنت تزعم الإسلام وتنتسب إليه؟! .
تلوم امرأة أسلمت وحسُن إسلامها كانت على الفجور والفواحش وهي كافرة؟! .
إن موقفك أضعف ما يكون، وليس لك وجه في الإنكار والعتب والملامة، لا وهي كافرة، ولا وهي مسلمة، فهي عندما كانت كافرة كان كفرها أعظم من كل ذنبٍ فعلته، وهي عندما كانت كافرة ليس ثمة شيء يردعها عن فعل الفواحش والمنكرات.
وهي عندما أسلمت فإن إسلامها كفَّر عنها ذنوبها وآثامها، وهي عندما أسلمت بدَّل الله تعالى سيئاتها حسنات! فأي وجه لك في الإنكار عليها كافرة أم مسلمة؟! .
روى مسلم (121) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: (تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) .
وروى البخاري (4436) ومسلم (174) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) ، وَنَزَلَتْ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) .
فهؤلاء من أهل الشرك قتلوا وأكثروا القتل، وزنوا وأكثروا الزنا، وانظر ماذا أنزل الله تعالى لهم، أنزل لهم أن سيئاتهم تبدَّل حسنات، وفي الحديث السابق بين أن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأي عذرٍ لك بعد هذا في محاسبتها على شيء فعلته في جاهليتها؟!
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا صدق الإنسان في توبته من ذنبه، ولو كان شركاً بالله، أو زناً، أو قتلاً، أو أكل مال بالباطل، وندم على ما مضى من ذنبه، ورد الحقوق إلى أهلها أو سامحوه، وأتبع ذلك عملاً صالحا: تاب الله عليه، وغفر ذنبه، بل يبدل سيئاته حسنات، قال الله تعالى في صفة عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/ 68 – 71، وقال: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/ 38، وقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، وقرر قول يعقوب لبنيه: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف/ 87، إلى غير ذلك من الآيات وما في معناها من الأحاديث التي وردت في الحث على التوبة والرجاء في رحمة الله ومغفرته، وإن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، أو حالة الاحتضار ومعالجة سكرات الموت.
فعلى من ارتكب ذنباً أن يتوب إلى الله، ويندم على ما مضى، ويرد الحقوق لأربابها، أو يستبيحهم منها، ويظن بالله خيراً ويرجو رحمته، وإن كان ذنبه أكبر الذنوب فرحمته سبحانه أوسع، ومغفرته أشمل، وعليه أن يستتر بستر الله رجاء أن يستره الله، ولا يفضحه، والله المستعان.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 296، 297) .
فلم يكن ثمة داعٍ لانفعالك وغضبك وضربك لها بعد أن عرفت عنها ما عرفت، فقد أسلمت، وطلَّقت دينها وتاريخها، فلأي شيء يتم محاسبتها على جاهليتها، وبخاصة أنك أنت جزء من تاريخها؟! وفعلك أنت أقبح من فعلها، حيث كنت تنتسب إلى الإسلام الذي يحرِّم عليك أفعالك تلك، وهي لم تكن تنتسب لدينك الذي ينهاها عن أفعالها، بل رضيتَ بها على عاداتهم وتقاليدهم، وهي لم تخالف في ذلك! .
سادساً:
الذي يظهر لنا من خلال كلامك عنها أنها أسلمت وحسن إسلامها، ولعلَّها أن تكون خيراً منك في جوانب كثيرة، فالواجب عليك بعد أن رضيتها زوجة أن تحسن معاملتها، وأن تقوي عزيمتها، وأن تقف بجانبها ناصراً ومؤيداً ومعيناً.
سابعاً:
وبخصوص طلاقكِ لها: يجب عليك مراجعة من تثق به من أهل العلم لإيقافه على حقيقة حالكِ عندما صدر منك الطلاق، فإن الغضب درجات، وليس كل الغضب يقع معه الطلاق، ولا كله لا يقع معه الطلاق، وإنما لا يقع طلاق الغضبان الذي أُغلق عليه بالكلية.
عَنْ عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) .
رواه أبو داود (2193) وابن ماجه (2046) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
والإغلاق معناه: أنه يُغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة.
" لقاءات الباب المفتوح " (130 / السؤال رقم 20) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
ويقع الطلاق من الغضبان الذي يتصور ما يقول، أما الغضبان الذي أخذه الغضب، فلم يدر ما يقول: فإنه لا يقع طلاقه.
" الملخص الفقهي " (2 / 308) .
وينظر تفصيل حكم طلاق الغضبان في أجوبة الأسئلة: (22034) و (45174) و (6125) و (72439) .
فإن كان وقع طلاقك لها في المرات الثلاث السابقة: فقد حرمت عليك، ولا يحل لك إرجاعها لعصمتك إلا بعد أن تتزوج هي زواج رغبة من آخر فيدخل بها، ثم يفارقها بطلاق أو موت، وإن لم تقع إحدى الطلقات الثلاث: فإنه يتبقى لك باقيها، ولك أن ترجعها لعصمتك، ومعرفة ذلك تتم بلقائك من تثق بعلمه ودينه لتطلعه على تفصيل ما حصل منك في تلك المرات.
ثامناً:
الذي ننصحك به تجاه تلك الزوجة – إن كنت لا تزال لها زوجاً -: أن تسعى لإحضارها لبلدك؛ لتخلصها من بيئة الكفر والفساد التي تعيش فيها الآن، ولكن على شرط أن تعاهد نفسك على الإحسان لها، وأن تعاشرها بالمعروف، وأن لا تعيرها بتاريخها قبل الإسلام، وأن لا يكون لما عرفته عنها أثر عليك، فإن كنتَ تستطيع فعل ذلك: فأحضرها لبلدك، وكوِّن معها أسرة إسلامية، وإلا فدعها في بلدها، لعلَّ الله أن يرزقها خيراً منك، ولعلَّ الله أن يرزقك خيراً منها.
وقولك: " وكيف لي أن أنسى ماضيها الذي يأكل ويشرب وينام ويستيقظ معي وأعيش معها كزوجين مسلمين؟ " فدعنا نهمس في أذنك ـ أيها الأخ الكريم المسلم ـ: وكيف ستنسى أنت ماضيك؟! بل: وبأي وجه تسأل الله العفو عنك، والصفح عن ماضيك، وأنت غير قادر على العفو عن عباده، والصفح عن ماضيهم؟!
على أنك إن كنت تعنيه حقّاً، وسيبقى معك: فلا ننصحك بإحضارها من بلدها، بل سرِّحها بإحسان، وأعطها حقوقها، وإن كنت مستعدّاً لنسيان ذلك، والعيش مع إسلامها وتوبتها: فهي أولى لك من غيرها.
تاسعاً:
أما بخصوص طلب أهلك منك أن تطلقها: فلا يجب عليك طاعتهما في هذا، وعلى أهلك أن يتقوا الله في التفريق بينك وبين زوجتك، وإذا أصررت على بقائك زوجاً لها: فإنك لا تكون عاقّاً لوالديك، وإنما الإثم عليهما لسعيهما في القطيعة بينك وبين زوجتك.
وانظر جواب السؤال رقم: (47040)
عاشراً:
وأما سؤالك: " هل الزنا ديْنٌ في رقبتي وسيأتي يوم أدفع ثمنه؟ ": فالجواب: إن كنت صدقت التوبة مع الله عز وجل، كما قلت عن نفسك، فعسى ألا يكون ديْناً، وألا تؤاخذ به؛ وقد سبق بيان الوعد للتائبين بمغفرة الذنوب، وتبديلها حسنات.
ونسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يهديك لما فيه صلاح حالك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1314)
تريد الطلاق منه قبل الدخول ويصعب عليه إعطاؤها نصف المهر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نشوز المرأة غير المدخول بها سبب كاف لطلاقها؛ عقدت قراني على فتاة لم أدخل بها إلى الآن، وأنا في سفر عنها منذ 9 شهور، وحصلت مشاكل بيننا، مما دعاها إلى طلب الطلاق مرارا دون علم أهلها، وهذا سبب تأجيلي الزواج بها مع عدة أسباب أخرى مالية، وهي ناشز ولا تطيق مني حتى الاتصال عليها بالهاتف، حاولت معها كل الطرق من النصيحة والهدايا وإرسال أهلي لمحاولة إقناعها، ولكنها إلى الآن تصر على الطلاق، ولا تحترم أهلي، ولا تريد أحدا منهم أن يتصل بها أو يزورها، ولا تحترمني بشكل خاص مع صبري على إساءتها. كل هذه الأمور تفعلها دون علم أهلها لأنهم لا يريدون الطلاق ويجبرونها على الزواج مني!! أفيدوني أنا في حيرة من أمري لأني متخوف من أن تكون زوجة غير صالحة، ودعائي إلى الله دائما أن يرزقني الزوجة الصالحة، وكلما أدعو بذلك أحس ببعد منها ونفور ومشاكل عديدة. أنا في حزن ومشقة شديدة وحيرة بالنسبة لموضوع المهر، لأنه حسب شريعة الله إن المرأة غير المدخول بها لها نصف المهر، ولكن إذا أعطيتها نصف المهر لن يبقى معي من المال للزواج بامرأة أخرى؛ أنا أريد الزواج وليس الطلاق، ولكن من حقي أن تكون زوجتي صالحة مطيعة وتخاف الله، وليس ذنبي أنها ليست كذلك، هي تريد إرجاع جميع المال لي ولكن أهلها يريدون تحويل الموضوع إلى المحكمة للحصول على المال، وهي تقول إنه إذا تم تحويل الموضوع إلى المحكمة سوف تتراجع عن طلب الطلاق وترضى بالزواج ولكنها تهدد باستمرار أنها ستكون زوجة غير صالحة وستعاود طلب الطلاق مجددا بعد الزواج أو الدخول، وأنها تريد العمل بوظيفتها كممرضة ولا تبالي بالاختلاط المنهي عنه وتقول إنها لا تصلي وعند طلبي منها الصلاة تقول إنني لست بربها حتى أحاسبها.؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كانت الزوجة بهذه الصفات والأخلاق التي ذكرت، من نفورها ورغبتها في الطلاق، وعدم مبالاتها بالاختلاط، فلا خير لك في البقاء معها، بل كل عاقل حكيم، وكل من يعرف شيئا عن مقاصد النكاح في شرع الله، وعادات الناس، يقول لك: إن الإقدام على إتمام هذا الزواج أمر غير مقبول بالمرة، مهما كان حجم الخسارة المادية التي تخشاها الآن، فهي أقل وأسهل ألف مرة من حجم المشكلات، والخسائر المتوقعة بعد ذلك.
وإذا كانت لا تصلي وأصرت على ذلك وجب مفارقتها وحرم إبقاؤها؛ لأن تارك الصلاة كافر في أصح قولي العلماء، والكافرة لا يحل أن تبقى تحت مسلم؛ لقوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/10. وينظر: سؤال رقم 5208
وإذا كانت تاركة للصلاة حال العقد، لم يصح العقد، ولزم فسخه، ولك ما دفعت من المهر.
ثانيا:
للزوج في مثل هذه الأحوال التي لا يرغب فيها في طلاق زوجته، بينما تريد هي ذلك أن يخالعها، فترد عليه المهر في مقابل خلعها، لما روى البخاري في صحيحه (4867)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ".
وفي رواية (4971) : " لا أعتب على ثابت في دينٍ ولا خلُقٍ، ولكني أكره الكفر في الإسلام ".
أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه.. ونحو ذلك. ينظر فتح الباري (9/400)
وقد أجمع العلماء على جواز الخلع إذا دعت إليه حاجة شرعية، وينظر سؤال رقم (1859) .
فلك أن تخالع زوجتك، وتشترط عليه التنازل عن جميع المهر مقابل فراقها.
والذي نراه لمثل حالك، أن توسط أناسا من المصلحين، ممن لهم وجه عند أهلها، أن ينهوا الأمر بالتراضي بينكم، من غير لجوء إلى المحكمة، أو تحايل على إسقاط الحقوق، وظلم الخلق.
ولكن إذا كان القضاء في بلدك لا يحكم بفسخ العقد لأجل ترك الصلاة، أو لا يمكّنك من أخذ المهر في حال الخلع، ولم يتيسر وجود أحد من المصلحين ينهي هذه المشكلة بينكم، فإننا مع ذلك نشير عليك بفراقها، فإن فراقها اليوم أسهل من فراقها فيما بعد، وأي سعادة ترجوها من امرأة تتمرد عليك من الآن، وتعلن عزمها على التمرد في المستقبل. وخسارة المال لا تقارن بفقدان الراحة والسعادة والطمأنينة، ولعل الله أن يخلف عليك خيرا منه، ويرزقك الزوجة الصالحة.
وينبغي أن يحسن الإنسان الاختيار، وأن يفتش عن الدين قبل كل شيء، فمن كانت لا تصلي أو كانت تعمل في مكان مختلط، لا يعقد عليها النكاح حتى تصلي، وتترك العمل المحرم، وليس هذا فحسب، بل ينبغي البحث عن الفتاة الصالحة المستقيمة، الحريصة على فعل الخير، المشهود لها بذلك.
نسأل الله تعالى أن يصلح حالك، وييسر أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1315)
رفض أبوها عودتها إلى زوجها الذي خالعها.
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل سبق وأن طلق زوجته طلقة واحدة بالمحكمة بضغوط من أبي الزوجة عليه وكان الطلاق بتاريخ 8-2-1428هـ والآن التاريخ 28-6-1428هـ وبه عوض، وفي الحقيقة أن الزوج يريد زوجته، وأن الزوجة تريد زوجها، لأن فترة زواجهم كانت 14سنة، وكان يعالجها بمستشفيات المملكة، وخارج المملكة، والآن لا يوجد أحد من أهلها يقوم بعلاجها وحالتها الصحية في تدهور وهي تريد الرجوع لزوجها..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كانت الطلاق قد تم بعوض، فهذا خلع، تبينُ به الزوجة بينونة صغرى، وإذا رغب الزوج والزوجة في النكاح مرة أخرى، فإنه يعقد عليها عقدا جديدا.
وإذا تزوجها فإنها ترجع إليه على ما بقى من طلاقها، فيبقى له طلقتان، ولا يحسب الخلع طلقة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، بأن قال مثلا: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال، فنقول: هذا خلع، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أي أنه فسخٌ بأي لفظ كان، ولا يحسب من الطلاق.
ويترتب على هذا مسألة مهمة، لو طلق الإنسان زوجته مرتين متفرقتين، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق، تحل له بعقد جديد حتى في العدة، وهذا القول هو الراجح. لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا، بل يقولوا: خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا؛ لأن أكثر الحكام (القضاة) عندنا وأظن حتى عند غيرنا يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقا، ويكون في هذا ضرر على المرأة، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت، وإن كانت غير الأخيرة حسبت عليه " انتهى من الشرح الممتع (12/450) .
ثانيا:
إذا رفض وليها (أبوها) تزويجها، وكان الزوج كفؤا له، وقد رضيت به، فإنه يكون عاضلاً لها، وتنتقل الولاية إلى من بعده من الأولياء، وللمرأة أن ترفع أمرها للقاضي ليأمر الولي بتزويجها أو ليزوجها بنفسه في حال امتناع الأولياء.
وينبغي أن تحل هذه المسألة أولا عن طريق أهل الخير والإصلاح، ليقنعوا الولي بالموافقة، ما دام الزوج مرضي الدين والخلق.
وفي مثل هذه الحالة نزل قوله تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/232.
روى البخاري (5130) عن مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ، وَفَرَشْتُكَ، وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) فَقُلْتُ: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ.
فالنصيحة لوالد هذه المرأة أن يوافق على رجوعها إلى زوجها، حتى لا يقع فيما حرم الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1316)
إذا قال لزوجته: فراشك محرم علي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زوج قال لزوجته: (فراشك محرم علي) وذلك لردعها في أمر ما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا اللفظ يحتمل أن يقصد به الظهار، ويحتمل أن يقصد به الطلاق، ويحتمل أن يقصد به اليمين.
ويرجع ذلك إلى نية الزوج، المتكلم بهذا اللفظ، فإنه أدرى بما يقصده من هذا الكلام.
فإن نوى به أن امرأته حرام عليه، كظهر أمه، فهو ظهار، ولا يحل له أن يقرب امرأته حتى يكفر كفارة الظهار، وقد ذكرها الله تعالى في قوله: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة /3، 4.
وإن نوى بهذا اللفظ إيقاع الطلاق، وقعت طلقة، فإن كانت الأولى أو الثانية فله أن يراجع امرأته ما دامت في عدتها، وإن كانت الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
وإن نوى منع نفسه من المبيت على فراشها، ولم ينو الظهار أو الطلاق، فهو يمين، إذا حنث فيه عليه كفارة اليمين، وقد ذكرها الله تعالى في قوله: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وانظر جواب السؤال (45676) ففيه ذكر أحكام كفارة اليمين بالتفصيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1317)
طلقها ثلاث مرات في طهر جامعها فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من أربعة أشهر وحصل خلاف بيني وبين زوجتي وتدخلت والداتها في الموضوع وقالت لي كلاما غير لائق أفقدني السيطرة على نفسي وقلت لها: بنتك طالق طالق طالق، واتصلت بوالدها وقلت له: بنتك طالق ثم ذهبت لزوجتي في غرفتها وقلت لها: أنتِ طالق، كل ذلك بسبب كلام والداتها غير اللائق الذي أجبرني على هذا الشيء، بدون قصد الطلاق، وندمت أنا وزوجتي في اليوم التالي، وسألت زوجتي أحد المشايخ فقال لها: متى آخر مرة جامعك؟ فقالت: قبل الطلاق بيوم، فقال: الطلاق غير واقع.. فما رأيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي الحذر من استعمال ألفاظ الطلاق، فالطلاق لم يشرع للتنفيس أو الانتقام، بل شرع عند الحاجة إليه لنقض الميثاق الغليظ الذي هو الزواج، وإذا كان الزوج كلما غضب تكلم بالطلاق، فربما أوقع الطلاق وبانت منه امرأته، وكان سببا في تمزيق شمل أسرته من حيث لا يريد.
ثانيا:
الطلاق المشروع هو طلاق الرجل لامرأته وهي حامل، أو في طهر لم يجامعها فيه، وأما الطلاق في طهر جامعها فيه فهو طلاق بدعي، وهل يقع أو لا؟ جمهور العلماء على وقوعه، كما أن جمهورهم على أن الطلاق في العدة واقع أيضا، فإذا طلق الرجل زوجته طلقة، دخلت في العدة، فإذا عاد وطلقها ثانية وقع الطلاق ثانيةً، فإن عاد وطلقها ثالثة، بانت منه، ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وبهذا يتبين لك أن الأمر عظيم، وأن هذه الكلمة التي تخرج من فمك لها تبعات.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الطلاق في الطهر الذي جامعها فيه لا يقع، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم، وبه يفتي جمع من أهل العلم في هذا العصر.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها، فهذا هو الطلاق الشرعي، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء، لقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطلاق/1.
والمعنى: طاهرات من غير جماع، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة. أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع، أو حوامل. هذا هو الطلاق للعدة" انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وعلى هذا القول لا يقع عليك شيء من الطلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1318)
طلقها وراجعها في الحمل ثلاث مرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة طلقني زوجي وأنا في الشهر الأول من الحمل ثم استرجعني بعد شهر من الطلاق، فحصل بيننا مشاكل زوجية فطلقني مرة أخرى وأنا في الشهر السادس ثم استرجعني بعد ذلك، ثم طلقني وأنا في الشهر الثامن، فما حكم الطلاق في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطلاق في الحمل طلاق صحيح واقع، فإذا طلق الرجل زوجته وهي حامل، فعدتها إلى وضع الحمل، وله أن يرجعها أثناء حملها، فإن عاد وطلقها ثانية أثناء الحمل، وقع الطلاق، فإن أرجعها ثم عاد وطلقها في حملها، وقع الطلاق أيضا، وبانت منه، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وما يشيع عند بعض الناس أن طلاق الحامل لا يقع، لا أصل له.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها، وهو قوله: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) البقرة/228. رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (2/448) والبيهقي (7/367) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز تطليق الزوجة الحامل أم لا؟
فأجاب: "طلاق الحامل لا بأس به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر لما طلق امرأته وهي حائض: (راجعها ثم أمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم طلقها إن شئت طاهراً قبل أن تمسها أو حاملاً) " انتهى من "فتاوى إسلامية".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والغريب أن بعض العوام يظنون أن الطلاق في الحمل لا يقع، ولا أدري من أين أتاهم هذا، الطلاق في الحمل يقع، حتى لو جامعها الإنسان وهي حامل وطلقها قبل الغسل من الجنابة وقع الطلاق، إذاً طلاق الحامل من أوكد الطلاق وقوعاً " انتهى من "اللقاء الشهري" (3/495) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجوب(6/1319)
قال لزوجته إن رددت على أي رقم غريب فأنت طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج , وحصل بيني وبين زوجتي خلاف ونزاع حول ردها على الاتصالات الواردة لجوالها وقلت لها وأنا في حالة غضب: إن رددتِ على رقم غريب غير مسجل في جوالك فأنت طالق , وأذكر أني زدت على ذلك (حتى لو كان الرقم رقم الشرطة الذي لا يجهله أحد من الناس فلا تردي عليه) وأنا في الحقيقة موسوس بدليل أني لا أصلي ظهراً أو عصراً أو عشاءاً، إلا شككت في الثالثة والرابعة من ركعات صلاتي، وأوسوس في أعداد أذكار أدبار الصلاة، وأعداد تعاويذ الصباح والمساء، خلافا لزوجتي فهي ذات حافظة قوية وضبط جيد التي تقول إني لم أذكر لها هذه الزيادة – المهم: لما خرجت من غرفتها قلت في نفسي ولم أتلفظ: اللهم إن كان لي مخرج مما قلت فإني أقصده وأريده , ثم امتنعت زوجتي من الرد على الأرقام الغريبة حتى اتصل بها رقم جوال غريب وأطلعتني عليه ولم ترد عليه خوفا من حصول الطلاق فلما طالعت الرقم قلت لها هذا رقم جوال أختي , فحفظته هي في ذهنها ولم تسجله في الجوال , ثم عاودت أختي الاتصال على زوجتي وردت بعد أن تيقنت بما لا مجال فيه للشك أنه رقم أختي , والسؤال: هل يقع الطلاق في هذه الحالة باعتبار الرقم غير مسجل في ذاكرة الجوال؟ أم لا يقع باعتبار امتناعها عن الرد في المرة الأولى وعرضها للرقم علي ثم تعريفي لها بصاحبة الرقم وحفظها هي له في ذهنها , وباعتبار أن المراد من ذاكرة الجوال والحفظ فيها هو اليقين التام وعدم الخلط وحصول المعاكسات وهذا قد تحقق بحفظها هي التام لرقم أختي وتيقنها منه قبل الرد عليها، فيكون القصد من التعليق على الحفظ في ذاكرة الجوال قد تحقق بحفظها هي للرقم في ذهنها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق المعلق على شرط، كقولك لزوجتك: (إن رددتِ على رقم غريب غير مسجل في جوالك فأنت طالق) فيه خلاف بين أهل العلم:
فجمهور الفقهاء على وقوع الطلاق عند حصول الأمر المعلق عليه.
وذهب بعض أهل العلم - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره - إلى أن هذا التعليق فيه تفصيل، يرجع إلى نية القائل، فإن قصد ما يقصد باليمين وهو الحث على فعل شيء، أو المنع منه، أو التصديق أو التكذيب، فإن هذا حكمه حكم اليمين، ولا يقع به طلاق، ويلزمه كفارة يمين عند الحنث.
وإن قصد بذلك وقوع الطلاق طلقت زوجته عند حصول الشرط، وأمر نيته يعلمه الله الذي لا تخفى عليه خافية، فليحذر المسلم من التحايل على ربه، ومن خداع نفسه.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن قال لزوجته: عليّ الطلاق تقومين معي، ولم تقم معه، فهل يقع بذلك طلاق؟
فأجابت: " إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك، فإنه لا يقع به طلاق، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86) .
ثانيا:
إذا كان قصدك إيقاع الطلاق عند حدوث الأمر المعلق عليه، وهو رد زوجتك على الرقم الغريب، وكانت نيتك منعها من الرد على أي رقم غير مسجل في الجوال، فالطلاق يقع بالرد على أي رقم غير مسجل في الجوال، وإن كانت نيتك ومرادك منعها من الأرقام الغريبة التي لا تعرفها ولا تثق بها، لأجل ما يحدث من المعاكسات، فلا يقع الطلاق في حال ردها على رقم أختك.
فتذكر نيتك ومرادك في أصل المسألة، أي في تعليق الطلاق على الشرط، هل تريد به الطلاق أو المنع فقط، ثم تذكر نيتك ومرادك في الأمر الذي تريد منع أهلك منه.
وفي حال كانت نيتك إيقاع الطلاق، وأردت منعها من الرد على أي رقم غير مسجل في هاتفها، فإنه تقع طلقة واحدة، ولك مراجعة زوجتك أثناء العدة إن لم تكن هذه هي الثالثة.
وإذا لم تكن نيتك إيقاع الطلاق، وإنما أردت منعها من الرد على أي رقم غير مسجل، فتلزمك كفارة يمين.
وإن أردت منعها من الأرقام التي لا تعرفها فقط، فلا يلزمك شيء.
ونوصيك بتجنب استعمال ألفاظ الطلاق في جميع الأحوال، فإن الطلاق لم يشرع للتهديد والتخويف، ولا ينبغي للعاقل أن يتكلم بكلمة تملكه وتأسره، ثم قد يندم عليها في وقت لا ينفعه فيه الندم.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1320)
قال لزوجته تحرمي علي لو كلمت فلانة
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت مشاجرة بيني وبين زوجتي وقلت لها: لو كلمت فلانة تحرمي علي، وذلك على سبيل التهديد، وبعدها قامت الأخرى بالاتصال بزوجتي دون أن تعرف، فما موقفي؟ وهل يعتبر ظهارا أم طلاقا؟ أم أنه يوجب كفارة حلف اليمين حيث إنني لم أقصد بكلامي الطلاق أو الظهار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الزوج لزوجته: أنت حرام علي، ولم يقصد طلاقا ولا ظهارا، فالراجح من كلام أهل العلم أن هذا حكمه حكم اليمين، ولا يقع به طلاق أو ظهار.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81984) .
وعلى هذا؛ فإذا كلمت زوجتك هذه المرأة، فعليك كفارة يمين، ولمعرفة هذه الكفارة بالتفصيل راجع جواب السؤال رقم (45676) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1321)
من علق الطلاق على شيء ففعله ناسيا أو مكرها
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت إن فعلت أمرا ما أن تطلق زوجتي بنية الطلاق فعلا، فهل إذا فعلت هذا الأمر مضطرا يقع الطلاق؟ وهل إذا كررت هذا الفعل يقع الطلاق في كل مرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر مقتصرا على نية الطلاق فقط، ولم تتلفظ، فلا يقع الطلاق.
قال ابن قدامة رحمه الله: (7/373) : " ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق , إلا في موضعين ; أحدهما: من لا يقدر على الكلام , كالأخرس إذا طلق بالإشارة , طلقت زوجته. وبهذا قال مالك , والشافعي , وأصحاب الرأي. ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ...
الموضع الثاني: إذا كتب الطلاق , فإن نواه طلقت زوجته، وبهذا قال الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم , وأبو حنيفة , ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ... " انتهى.
وأما إذا كنت تلفظت بالطلاق، وعلقته على فعل شيء معين بنية الطلاق، فإن الطلاق يقع عند فعل هذا الشيء، إلا أن تفعله ناسيا أو مكرها، فلا يقع الطلاق.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/178) : "متى حلف بطلاق أو غيره على فعل نفسه ففعله ناسيا للتعليق، أو ذاكرا له مكرها على الفعل، أو مختارا جاهلا بالمعلق عليه لا بالحكم: لم يحنث؛ للخبر السابق: (إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . أي لا يؤاخذهم بشيء من هذه الأمور الثلاثة ما لم يدل دليل على خلافه كضمان المتلف، فالفعل مع ذلك كَلا فعل " انتهى.
فإذا كان مقصودك بالاضطرار أنك أُكرهت على الفعل، فلا يقع الطلاق، وإن لم تكن مكرها وقع الطلاق.
وإذا لم يقع الطلاق لأجل النسيان أو الإكراه، فإن الطلاق المعلق يظل بحاله، فإذا فعلت الأمر فيما بعد، وقع الطلاق.
وأما هل يقع الطلاق كلما فعلت؟ فهذا يرجع إلى اللفظ الذي تكلمت به، فإن قلت: إن فعلت كذا طلقت زوجتي، فلا يقع الطلاق إلا مرة واحدة. وإن قلت: كلما فعلت كذا طلقت زوجتي، تكرر الطلاق بتكرر الفعل.
وأما إذا لم تقل شيئا، وكان الأمر مجرد نية، فلا يقع شيء من الطلاق، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1322)
ابتلي بالوسوسة في الطلاق بعد العقد بيوم
[السُّؤَالُ]
ـ[ي حول وسوسة الطلاق: حيث إنني عاقد على فتاة وأحبها حبا شديدا وبعد العقد بيوم يوسوس لي الشيطان في الصلاة بالطلاق وأنا في العمل أو في البيت أو في الحمام أو نائم وذات يوم كنت أشاهد قناة العفاسي يوجد كليب فيديو يصور الحياة الزوجية اسمه مشاهد من الحياة الزوجية كانت تدور حول مشاكل بين رجل وزوجته، فقال الرجل: إني طالع فسمعتها ورددتها: أنت طالق، بصوت مسموع، بدون أن أدري أو أشعر والله أعلم بنيتي أني نطقتها بدون أن أشعر، ولا يوجد في نيتي أي شيء تجاه زوجتي إلا كل خير وحب ومودة ما هو الحكم الشرعي في هذه الحالة بالنسبة للنطق؟ وهل يقع الطلاق أم لا؟ وما هو علاج هذه الوسوسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية
والطلاق الذي ذكرته لا يقع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق" انتهى، نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/277) .
والوسوسة علاجها بذكر الله تعالى، والإعراض عنها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (41027) ورقم (10160)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "درء التعارض" (3 / 318) : " وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة وانتهاء العبد، وأن يقول إذا قال: لم تغسلْ وجهك: بلى قد غسلت وجهي. وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه: بلى قد نويت وكبرت. فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوساوس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة " انتهى.
فأعرض عن الوسوسة ولا تلتفت إليها فإنها تزول عنك بإذن الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1323)
حلف بالطلاق على شيء وحنث وهو لم يدخل بزوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[تعودت منذ الصغر على لفظ (علي بالطلاق علي بالطلاق) فكانت في شكل مزحة ثم صارت صفة فيَّ.. تم عقد نكاحي على ابنة خالي قبل يوم واحد بالضبط.. لم أدخل بها.. وقعت في ورطة مع التعود وبالمزاح مع أحد الأصدقاء قلت له علي بالطلاق وبالتأكيد لم أقصدها لأنها كانت في شكل مزحة وكذبة أصدقاء على سبيل المزاح كما هو المعتاد بيننا..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اعتياد الحلف بالطلاق منكر يلزمك اجتنابه؛ لأن الحلف لا يكون إلا بالله تعالى، ولأن الطلاق لم يشرع للتسلية والمزاح واللعب، بل شرع عند الحاجة إليه لنقض الميثاق الغليظ الذي هو الزواج، ومن أكثر الحلف به ربما أوقع الطلاق وبانت منه امرأته، وكان سببا في تمزيق شمل أسرته من حيث لا يريد.
ثانيا:
الحلف بالطلاق كقول الرجل: علي الطلاق أن أفعل كذا، أو لا أفعل كذا، أو أنه حصل كذا، أو لم يحصل كذا، اختلف فيه أهل العلم، فجمهورهم على أن الطلاق يقع عند الحنث.
وذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إن خرج مخرج اليمين، فأراد صاحبه الحث على شيء أو المنع منه، أو تصديق شيء أو تكذيبه، فإنه عند الحنث تلزمه كفارة يمين فقط، ولا يقع طلاقه. وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
قال الشيخ ابن عثيمين: " الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم / 1-2. فجعل الله تعالى التحريم يميناً. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) البخاري (1) ، وهذا لم ينو الطلاق وإنما نوى اليمن، أو نوى معنى اليمين، فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين، هذا هو القول الراجح " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/754) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن قال لزوجته: علي الطلاق تقومين معي، ولم تقم معه. فهل يقع بذلك طلاق؟
فأجابت: "إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86) .
وعليه؛ فإذا كنت لم ترد الطلاق، وإنما أردت التهديد أو الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، ثم حنثت، فإنه يلزمك كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام.
وإذا كنت حلفت بالطلاق على أمر مضى تعلم أنك كاذب فيه، فإنه تلزمك التوبة من الكذب، ولا يلزمك كفارة يمين، لأن من حلف يميناً كاذباً لا كفارة عليه عند جمهور العلماء، لأن اليمين الغموس أعظم من أن تكفر، وعلى صاحبها أن يتوب إلى الله تعالى، ولا يعود إلى ذلك.
وأما كون الحلف قبل الدخول، فهذا غير مؤثر في الحكم، فمن طلق زوجته قبل الدخول، طلقت، ولا رجعة له عليها، لأنها لا عدة عليها.
فاحذر ذلك، وأمسك لسانك، واتق الله تعالى في كلماتك.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1324)
علَّق طلاق امرأته على فعلها شيء ما ثم أذن لها في فعله
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت زوجتي تريد القيام بعمل ما، وكنت في ذلك الوقت غاضباً، فقلت لها: إن قمت بهذا العمل فأنت طالق، ولأنه لم يحن وقت أدائها ذلك العمل، وبعد مضي زمن قليل، وبعد أن هدأ غضبي أذنت لها في القيام بذلك العمل، وحينما حان وقت أدائها ذلك العمل عملت، فهل وقع طلاقي في الأول، أم أن سماحي لها بعده يلغيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"سماحك لها لا يُلغي الطلاق الذي حلفت به عليها، أو علقت طلاقها بهذا الشرط الذي ذكرت، فالرجوع عن ذلك لا يفيدك شيئاً، والطلاق باقٍ بحاله، إذا فعلت ما أردت منعها منه، فإنه إن كان قصدك بالطلاق منعها فقط ولم تقصد تعليق طلاقها عليه، فإنه يكون عليك كفارة يمين، لأن هذا يجري مجرى اليمين.
أما إن كان قصدك مما ذكرت، تعليق الطلاق على فعلها هذا الشيء، فإنه يقع عليها الطلاق، إذا فعلت ما علقته عليه.
فإن لم يسبقه طلاق يتكمل به ثلاثاً، فإنه يكون طلاقاً رجعياً، له أن يراجعها ما دامت في العدة، أما إذا تكمل بما سبقه ثلاث طلقات، فإنها تبين منه بينونة كبرى ولا تحل له إلا بعد زوج آخر" انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/656) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1325)
عقد الزوجية لم يفسخ
[السُّؤَالُ]
ـ[سافر أحد أفراد قريتنا، وطالت غربته في السفر، فكتب إلى كبير قريتنا رسالة يقول فيها: أخبر زوجتي إن كانت تُريد الخلع أن تفعل، ولكن كبير القرية لم يخبر أحداً بهذه الرسالة وبعد مضي خمسة وأربعين شهراً، عاد ذلك الرجل إلى أهله وبيته، فهل يقع عليه شيءٌ بسبب ما كتبه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الحال على ما ذكرت من أن كبير القرية لم يُبلِّغ المرأة بتخيير الزوج لها، إن أرادت الفسخ ولم تعلم بذلك، ولم يجر منها فسخ، فإنها باقية على عقد الزوجية، وهي زوجته، لأنه لم يحصل ما يرفع عقد الزوجية" انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/535) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1326)
لعن الزوجة لزوجها هل يؤثر على النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة كانت تتشاجر مع زوجها فلعنته حيث، قالت له: لعنك الله، لعنة النصارى واليهود. فما هو الحكم في هذا؟ وهل يؤثر هذا على بقائهما زوجين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لعن المسلم المعيّن لا يجوز، وهو من كبائر الذنوب؛ لما روى البخاري (6105) عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ) .
ولا يخفى أن قتل المؤمن من أعظم الكبائر، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لعنه كقتله، فدل هذا على عظم تحريم اللعن.
قال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/92) : " الكبيرة التاسعة والثمانون والتسعون والحادية والتسعون بعد المائتين: سب المسلم، والاستطالة في عرضه، وتسبب الإنسان في لعن أو شتم والديه وإن لم يسبهما، ولعنه مسلما ".
ثم ذكر حديث ثابت بن الضحاك السابق، وقال: " وللطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر) . وروى أبو داود: (إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها ثم تأخذ يمينا وشمالا , فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا، وإلا رجعت إلى قائلها) . وروى أحمد بسند جيد: (إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه، فإن أصابت عليه سبيلا، أو وجدت فيه مسلكا وإلا قالت: يا رب، وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا، ولم أجد عليه سبيلا , فيقال لها: ارجعي من حيث جئت) . وروى أبو داود والترمذي: (لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار) . وروى مسلم: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (36674) .
وإذا كان اللعن من الزوجة لزوجها الذي هو أحق الناس بالاحترام والإكرام، كان أمره أعظم وأشنع.
ولهذا فالواجب على الزوجة أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تتحلل من زوجها.
ثانيا:
هذا اللعن لا يؤثر على الحياة الزوجية، لأن المرأة لا تملك إيقاع الطلاق، واللعن ليس طلاقا أصلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1327)
حلف بغير الله لطلاق زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من حلف بغير الله عز وجل لطلاق زوجته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحلف بغير الله، كالكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم وفلان من الصالحين أو برأس فلان، أو شرف فلان، كل هذا شرك، كما في الحديث الصحيح: (من حلف بغير الله فقد أشرك) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) .
فمن حلف بغير الله فإنه لا يلزمه ما حلف عليه؛ لأنها يمين غير محترمة، ولفظ السائل فيه إجمال واحتمال، فإن أراد ما ذكرتُ فلا يلزمه شيء، لا كفارة ولا غيرها، ولا يلزمه الطلاق، وأما إن كان مقصود السائل الحلف بالطلاق، كأن يقول: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، أو إن فعلت كذا فامرأتي طالق، فهذا مما اختلف فيه العلماء، فمنهم من يرى وقوع الطلاق على من حنث في تلك اليمين، ومنهم من يقول: إذا كان مقصود الحالف هو منع نفسه أو غيره من الفعل، أو الحض على فعل، فإن طلاقه لا يقطع وعليه الكفارة، وهذا هو الذي حرّره وقرره واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد أخذ بفتواه كثير من أهل العلم في هذا العصر، ومنهم العلّامة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد " انتهى.
"من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك" (مجلة الدعوة/49) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1328)
حدث نفسه بالطلاق وتلفظ به بصوت منخفض
[السُّؤَالُ]
ـ[ووقع خلاف بيني وبين زوجتي، وضايقتني هي وأمها مضايقة شديدة، وصل بي الأمر إلى حد الاختناق، وكنت في حالة يرثى لها، واستمرت هذه الحالة لعدة أيام، وبينما أنا على هذه الحالة، وأنا سائر إلى المسجد تخيلت أننا رجعنا إلى مصر، وأنا وهي في مجلس من الناس، فقلت: أنت طالق بالثلاث، وتلفظت بصوت منخفض. وحدث أن تكرر ذلك مرة أخري على نفس الهيئة، ولكنني قلت: إنني سوف أريحك، أنت طالق، لكن لا أدري هل تحركت شفتاي أم لا. وبعد يوم أو يومين تنبهت إلى ما بدر مني، ووقع في نفسي أن هذا الأمر تكرر مني ثلاث مرات أو أربع. لكنني لا أذكر إلا المرتين اللتين ذكرتهما. مع العلم أنني قلت لها منذ سنوات – وكانت حائضًا -: أنت طالق ومع العلم أنني شخص أعاني من عدم التركيز والذهول، كما أنني شخص إذا أهمه أمر يكلم نفسه، وقد يكون ذلك بصوت مرتفع.. فأرجو التوجيه والنصح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق الصريح كقول الرجل: أنت طالق أو زوجتي طالق، لا يشترط فيه نية إيقاع الطلاق، فيقع ولو لم ينوه، لكن يشترط فيه قصد اللفظ ومعرفة معناه، ولهذا لو تكلم النائم أو الذاهل بكلمة الطلاق دون أن يقصد التلفظ بها لم يقع طلاقه، وكذا لو تكلم الأعجمي بكلمة الطلاق التي لا يعرف معناها لم يقع طلاقه.
وعليه؛ فما ذكرت من تخيلك الاجتماع بأهلك وتوجيه الطلاق لها مرتين، وتكرار هذا الأمر منك ثلاث مرات أو أربع، وصدور ذلك منك بصوت منخفض، لا يقع به الطلاق، لأنه إما أن يكون من باب حديث النفس وهو معفو عنه، وإما أنك لم تقصد التلفظ بالطلاق وإيقاعه الآن، وإنما تخيلت ما سيحدث في المستقبل، ولم ترد بذلك إيقاع الطلاق الآن، لا سيما مع ما ذكرت من أنك تعاني من عدم التركيز والذهول، وأنه إذا أهمك أمر تحدثت به مع نفسك، وقد يكون ذلك بصوت مرتفع.
وأما طلاقك لها وهي حائض فهو طلاق محرم بإجماع العلماء، يجب عليك التوبة منه والعزم على عدم العودة إليه، وإن كنت قد استفتيت أحداً من أهل العلم حينها هل يقع الطلاق أم لا؟ فتعمل بما أفتاك به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1329)
إذا قال لزوجته طلقتك كاذبا أو كان لا يريد الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت مشادة شديدة بسبب شكوك زوجي ودار نقاش مُطول وحاد بينه وبيني , وتخللها شتائم وسّباب مما أدى إلى انفجاري وانفجاره ... وطلبت الطلاق وكرد فعل طلقني وكان في أثنائه شديد الغضب ... بعد 3 سنوات حصل شجار آخر، وبسبب حملي وأُسلوبه في (الشتائم والسباب) ... وطلبت الطلاق ودخلت الغرفة وأغلقتُ الباب ... فخاف أن أؤذي نفسي والجنين، فقال من وراء الباب لإخراجي: "خلاص طلقتك" ولم تكن في نيته تطليقي ... أرجوك أفدني في الرد في كلتا الحالتين مع أدله الشرعية في أسرع وقت ممكن، فأنا في حيرة وتوتر....]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطلقة الأولى التي صدرت من الزوج حال غضبه الشديد، لا تقع، كما هو مذهب جمع من أهل العلم، وقد سبق الكلام على الغضب وأنواعه وتأثير على الطلاق في جواب السؤال رقم (22034) فليراجع.
أما الطلقة الثانية وهي وقول الزوج: " خلاص طلقتك " فهذه يقع بها طلقة واحدة.
ولا تعتبر نية الزوج هنا؛ لأن الطلاق باللفظ الصريح لا يحتاج إلى نية.
ولو فرض أن الزوج قال لزوجته: طلقتك، وهو يريد الإخبار الكاذب، فإن الطلاق يقع.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/306) :
"إن قال: طلقتها. وأراد الكذب، طلقت ; لأن لفظ الطلاق صريح , يقع به الطلاق من غير نية " انتهى.
فقول الزوج لزوجته: طلقتك أي الآن، أو طلقتك من قبل، وهو كاذب، يقع به الطلاق.
لكنك ذكرت أن الحامل له على ذلك أنه خاف أن تؤذي الجنين، فإن كان هذا الخوف صحيحاً له ما يبرره، بحيث يكون ذلك غالباً على ظنه، فالذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن هذا نوع من الإكراه، فلا يقع الطلاق بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2047) والإغلاق هو: الإكراه، والغضب الشديد.
وعلى الزوجين أن يتقيا الله تعالى، وأن يتعاملا بالمعروف والإحسان، وأن يتجنبا ذكر الطلاق في جميع الأحوال، فإن المشاكل لا تعالج بهذا، بل تزداد شدة وتفاقما، وقد يترتب على ذلك وقوع الطلاق من حيث لا يريدان.
نسأل الله أن يوفق الجميع لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1330)
حلف زوجها بالطلاق ألا تذهب إلى بيت أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[حلف علي زوجي بالطلاق مكررا اليمين في نفس الوقت دون أن يقطعه شيء ألا أذهب لبيت أهلي، وعندما سألته عن نيته قال إنه نوى الطلاق، وذلك حتى لا يرجع في كلامه عندما يهدأ ويسمح لي بالذهاب لهم أي هو يريد أن يمنع نفسه من أن يسمح لي بالذهاب، ويريد أن يمنعني أيضا، وأريد أن أوضح لكم أن زوجي كثيرا ما يحلف علي بالطلاق، إما تهديدا أو منعا لي من فعل شيء ما، والظاهر لي أن حلفه هذا الغرض منه تأديبي وحرماني من بيت أهلي لأني أغضبته، وهذا لعلمي بزوجي وطريقة تفكيره وتصرفه في حياتنا، وأنا أريد أن توضحوا لي بالتحديد هل هذا طلاق أم يمين يكفر عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حلف الزوج بالطلاق ألا تذهبي إلى بيت أهلك، فهل يقع الطلاق بمجرد ذهابك أم لا؟ في ذلك خلاف بين العلماء.
فأكثر العلماء على أن الطلاق يقع بمجرد الذهاب، لأن هذا طلاق معلق على شرط، فيقع الطلاق عند وقوع الشرط.
وينظر "المغني" (7/372) .
وذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إن خرج مخرج اليمين، فأراد صاحبه الحث على فعل شيء أو المنع منه، ولم يرد الطلاق، فإنه عند الحنث تلزمه كفارة يمين فقط، ولا يقع طلاقه. وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وعلى هذا القول ينظر في نية زوجك، فإن نوى وقوع الطلاق عند حصول الشرط، وقع الطلاق، وإن أراد منع نفسه أو غيره من شيء، أو حث نفسه أو غيره على فعل شيء، ولم يرد الطلاق، ثم حنث؛ فعليه كفارة يمين، ولا يقع الطلاق بذلك.
ولكنك ذكرت أن زوجك يقول إنه نوى الطلاق، وعليه؛ فإن ذهبت إلى بيت أهلك وقعت طلقة واحدة ولو كان قد كرر اليمين.
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ويمسك عن الحلف بالطلاق، فإن الإكثار من ذلك قد يؤدي إلى الحياة المحرمة مع الزوجة، وهذا من البلاء المنتشر اليوم، أن يبقى الرجل مع زوجته التي طلقها مرات ومرات، يخادع نفسه ويخدعها، ويعيش في الحرام، وينجب أولادا في الحرام، وهو في الحقيقة زان فاجر، وهي زانية مثله، يمنون أنفسهم بالأماني، ويغضون الطرف عن ذلك لوجود الأولاد، وقد كان الزوج في سعة من أمره، لو أمسك لسانه عن الحلف.
نسأل الله العفو والعافية والسلامة.
وينظر جواب السؤال (39941) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1331)
حلف على زوجته بالطلاق ألا تعطي مالا لأختها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أعطت أختها مالا كان لها عندها ولكن دون أن يدرى زوجها، لأنه كان على مشاكل مع أختها، ثم حلف على زوجته بالطلاق ألا تعطي لأختها المال دون أن يدرى، فلم تعط زوجته لأختها شيئا بعد ذلك، ولم يدر زوجها أنها أعطت أختها مالا قبل أن يحلف، مع العلم أن المال الذي أعطته لأختها ليس من مال زوجها. فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمرأة أن تتصرف في مالها كما تشاء، إذا كانت رشيدة، في قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: "للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله , بالتبرع , والمعاوضة. وهذا إحدى الروايتين عن أحمد. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر" انتهى من "المغني" (4/299) .
لكن حسن العشرة مع زوجها تقتضي إعلامه وإخباره بذلك، فإن رغبت في صلة رحمها وكره ذلك فعلته سرا.
وإن حلف عليها بالطلاق ألا تعطي أختها كما في السؤال، فإن هذا يتعلق بالعطية في المستقبل، وأما ما كان قبل حلفه فلا يتعلق به الطلاق.
والحلف بالطلاق فيه خلاف بين أهل العلم:
فالجمهور على أن الطلاق يقع عند وقوع المحلوف عليه، فإذا أعطت الزوجة مالا لأختها وقع الطلاق. وينظر "المغني" (7/372) .
وذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إن خرج مخرج اليمين، فأراد صاحبه الحث على فعل شيء أو المنع منه، ولم يرد الطلاق، فإنه عند الحنث تلزمه كفارة يمين فقط، ولا يقع طلاقه. وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وعلى هذا القول ينظر في نية الزوج، فإن نوى وقوع الطلاق عند وقوع المحلوف عليه، وقع الطلاق، وإن كان يريد المنع فقط ولا يريد الطلاق، فحينئذ إذا أعطت الزوجة مالا لأختها؛ لزمه كفارة يمين، ولا يقع بذلك الطلاق.
ويرجع أيضا لنية الزوج فيما يتعلق بمدة المنع، ويُنظر هل أراد منع زوجته من دفع المال مطلقا، أو كانت نيته إلى زوال المشكلة، أو منعها من إعطائها هذا الشهر، أو نحو ذلك، فيعمل فيه بحسب نيته.
وينظر جواب السؤال رقم (103308) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1332)
حلف بالطلاق أنه إن سمع صوتها أخرجها من المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العبرة في الحلف بالطلاق المعلق مطلق اللفظ أم نية الحالف؟ مثلا لو قال لزوجته: لو سمعت صوتك سأخرجك خارج المنزل، حالفا بالطلاق، وهو يقصد أن لا ترفع صوتها بالبكاء، حتى لا يسمع الجيران فبكت بصوت منخفض، ولم يخرجها هل يكون الطلاق وقع أم مجرد يمين يكفر عنه؟ وهل الحكم يقع على أي صوت في أي وقت أم على ما نوى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطلاق المعلق كقول الزوج لزوجته: إن سمعت صوتك فأنت طالق، محل خلاف بين أهل العلم، فالجمهور على أنه يقع الطلاق عند وقوع الأمر المعلق عليه، دون نظر إلى نية الزوج، هل أراد الطلاق أم لا؟
وذهب بعض أهل العلم - واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - إلى أن هذا الطلاق، ويرجع إلى نية القائل، فإن قصد الحث على فعل شيء أو المنع من فعله، فإن الطلاق لا يقع، ويلزمه كفارة يمين عند الحنث.
وإن قصد إيقاع الطلاق عند حصول الشرط، طلقت زوجته.
والله تعالى مطلع على نيته لا تخفى عليه خافية، فليحذر المسلم من التحايل على ربه، ومن خداع نفسه.
والحلف بالطلاق كقول الزوج: عليّ الطلاق أو الطلاق يلزمني إن سمعت صوتك، فيه نفس الخلاف السابق.
والذي عليه الفتوى في هذا الموقع هو الأخذ بالقول الثاني، وهو مراعاة نية الزوج.
هذا بالنسبة لأصل الحلف أو تعليق الطلاق.
ثم إنه يعمل بنية الزوج أيضا في تحديد مراده، وفي المدة التي يريد منع الزوجة فيها، فإن كان مراد بقوله: إن سمعت صوتك، ألا ترفع صوتها بحيث يسمعها الجيران، فيعمل بهذه النية، فإن بكت بصوت منخفض لا يسمعه الجيران فلا يقع الطلاق.
وكذلك إن كانت نيته هي عدم رفع الصوت في هذا الوقت فقط، عُمل بنيته.
وخلاصة الأمر في هذه الصورة المسئول عنها: أن الزوج إن كان يريد منع زوجته ولا يريد الطلاق، فإنه في حال الحنث تلزمه كفارة اليمين، ولا يقع الطلاق بذلك، وإن كان يريد الطلاق، فإنها تطلق.
وإن كان يريد منع زوجته من رفع صوتها، فخفضت صوتها، فإنه لا يحنث، ولا يلزمه شيء.
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن لا يستعمل الطلاق في غير موضعه، فإن الطلاق لم يوضع للتهديد والتخويف ولا لظلم المرأة وقهرها، وليحذر من الحلف بالطلاق حتى لا يعرض حياة الزوجية للانهيار والفشل، ثم يندم حين لا ينفعه الندم.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1333)
لا تحصل الرجعة باللمس بشهوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنتين وأنا وزوجي نمر في مرحلة صعبة من حياتنا الزوجية، المشكلة تضاعفت وانتهت مرتين بالطلاق.
بعد الطلاق الأول أعادني، وبعد الطلاق الثاني أمسكني بشهوة، ولكن دون أن يحصل جماع، يدعي بأنني لا زلت مطلقة، ويقول: بأنه يجب أن يحصل جماع بيننا إذا أراد أن يعيدني.
مرت الآن دورة شهرية واحدة منذ الطلاق ويقول زوجي بأنه تبقى لي اثنتان وتنتهي عدتي، فهل هذا صحيح؟ أم أنه يعتبر قد أعادني بمجرد مسكي ولمسي دون أن يحصل جماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرجعة حق أثبته الشارع للزوج في فترة العدة، فإن شاء راجع، وإن شاء ترك زوجته حتى تنقضي عدتها. لقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ -أي في مدة العدة- إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا) البقرة /228. فجعل الله تعالى أزواج المطلقات أحق برجعتهن في مدة العدة إذا أرادوا بالرجعة الإصلاح.
وتتحقق الرجعة بأحد أمرين: بالقول وبالفعل.
أما الرجعة بالقول: فكما لو قال: راجعت زوجتي، أو أمسكتها، أو رددتها إلى عصمتي. أو يقول مخاطباً لها: راجعتكِ، أو أمسكتكِ، أو رددتك.
وتتحقق الرجعة بهذه الألفاظ باتفاق الفقهاء.
ويقوم مقام اللفظ: الكتابة، وكذلك الإشارة من العاجز عن النطق كالأخرس.
وأما الرجعة بالفعل فتكون بالجماع بشرط أن يقصد به الإرجاع.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
وإن كان قد طلقها رجعياً فلا يخلو إما أن تكون العدة قد فرغت فلا تحل له إلا بنكاح جديد مجتمعة فيه شروطه، وإما أن تكون في العدة، فإن قصد بالوطء الرجعة: صارت رجعة وصار الوطء مباحاً، وإن لم يقصد به الرجعة: فعلى المذهب تحصل به الرجعة، وعلى الصحيح: لا تحصل به رجعة، فعليه: يكون الوطء محرَّماً اهـ. "الإرشاد إلى معرفة الأحكام".
وعلى هذا، فمجرد لمس الزوج لكِ لا يُعد إرجاعاً لكِ.
وانظري جواب السؤال (11798) .
وهذا هو ما ذهب إليه جمهور العلماء (منهم الإمام مالك والشافعي وأحمد) ، من أن الرجعة لا تحصل بمجرد اللمس بشهوة. غير أن الإمام مالك قال: تحصل الرجعة بالمس بشهوة إذا نوى به الإرجاع. وما دام زوجك يقول إنه لم ينو الإرجاع، فلا تحصل بذلك الرجعة.
انظر: "المغني" (7/404) ، "الموسوعة الفقهية" (13/187) .
ثانياً:
أما العدة للمطلقة الرجعية فهي ثلاث حيضات – لمن تحيض منهن -، وقد بقي لكِ حيضتان كما قال زوجكِ، وتنتهي عدتكِ، فإن أرجعكِ خلالها فالطلقة محسوبة من عدد الطلقات، وعليه الإشهاد على ذلك، ويكون قد بقي له طلقة واحدة، وإن لم يُرجعكِ خلال فترة العدة فإنكِ تبينين منه، ولا يحل له الرجوع إليكِ إلا بعقدِ ومهرٍ جديدين، ولا يتم الزواج إلا برضاك وموافقة وليِّكِ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1334)
تريد مفارقته، وهو لا يرغب بذلك، والحكومة لا تعترف بعقد زواجهما!
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تزوجت رجلاً إسلاميّاً، والعقد الإسلامي لا يُعترف به هنا في ألمانيا، والآن تريد أن تتطلق منه، وهو لا يريد، ويقول: إنها لا تستطيع، ماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا توفرت أركان عقد الزواج كاملة: فالعقد صحيح، وإن لم يوثَّق في الدوائر الرسمية.
ولكن ينبغي عدم التهاون في تسجيله حتى لا يؤدي ذلك إلى التلاعب أو إنكار أحد الزوجين للعقد.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من غير ضرورة أو حاجة ملحة.
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل هناك دليل شرعي فيه لعن للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب شرعي؟ .
فأجاب:
"لا أحفظ حديثاً في اللعن، لكن هناك وعيد شديد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وهذا وعيد شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن رائحة الجنة حرام عليها، فهذا وعيد شديد، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها، وفي بعلها، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس" انتهى. وستأتي قصتها.
" لقاءات الباب المفتوح " (8 / السؤال رقم 18) .
وينبغي التنبه إلى أن الممنوع في حقها هو طلب الطلاق من غير بأس، فإن كانت كراهيتها للبقاء معه بسبب سوء خلقه، أو تقصيره في الحقوق الزوجية: جاز لها طلب الطلاق، وبالطلاق تأخذ كامل حقوقها المالية منه، وأما إن كانت الكراهية من قبَلها، وكانت لا تستطيع البقاء معه مع عدم وجود ما يعيبه في دينه وخلقه: فإنها لا تطلب الطلاق، بل تطالب بالمخالعة، فتدفع له المهر الذي أعطاها، ثم يفارقها.
وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله:
رجل تزوج امرأة، ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته، فقال لها بعد الدخول: إن شئت خالعتك، فرفعت أمرها للقضاء، وحصلت على الطلاق، وهو يرغب في بقائها معه، فهل يقع هذا الطلاق؟ .
فأجاب:
"هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع - والخلع معناه: أن يفارق الزوج زوجته بعوَض، سواء كان العوض منها، أو من أبيها، أو من رجل أجنبي - ونحن نقول:
أولاً: لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، أما إذا كان هناك سبب شرعي، بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلُقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين: فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها، ثم يفسخ نكاحها.
ودليل ذلك: (أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة، فقالت: نعم يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) ، فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها: فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ إنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها.
أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) .
وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة: فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً، حتى يكون ذلك خلعاً شرعيّاً" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (54 / السؤال رقم 1) .
والخلاصة:
أن العقد بين الزوجين – كما هو الظاهر –صحيح، ولا يجوز لها طلب الطلاق من زوجها إلا من ضرورة، فإن كانت كراهية البقاء معه بسبب من الزوج: طلبت الطلاق وأخذت حقوقها كاملة، وإن كانت الكراهية من قبَلها: طلبت المخالعة، ويفضَّل أن يقبل بها، ولا يمانع.
والذي نشير به عليهما: توسيط أهل الخير من أهل العلم والحكمة للإصلاح بينهما، فإن وصلت الأمور لطريق مسدودة: فلا يجوز لها الزواج من غيره اعتماداً على عدم اعتراف الحكومة الألمانية بعقد زواجها، بل لا بدَّ من أن يكون الفراق بينها وبين زوجها وفق الكتاب والسَّة، وحينئذ، فلابد للزوجين من الذهاب إلى أحد المراكز الإسلامية ليتم حل مشكلتهما وفق أحكام الشريعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1335)
هل للمطلقة ثلاثا أن تبقى في البيت لتربية أبنائها
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقني زوجي ثلاث طلقات بدون ورقة قانونية. هل يجوز الرجوع إلى الدار من أجل الأطفال؟ بمعنى العيش معه في نفس المنزل دون رؤيته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها، فإنها تصبح أجنبية عنه، ولا يحل له الخلوة بها، ولا لمسها، ولا النظر إليها، بل هي أجنبية كسائر الأجنبيات.
ولا فرق بين أن يكون الطلاق بورقة قانونية، أو بدونها، فحيث حصل الطلاق من الزوج ترتبت عليه آثاره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية وليس له عليها حكمٌ أصلاً " انتهى من " الفتاوى الكبرى" (3/349) .
وعليه؛ فإذا أمكن أن تعيشي في مكان مستقل من منزله، بحيث تنتفي الفتنة، ولا يراك، ولا يدخل عليك، فلا حرج في هذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1336)
هل يعتد بالطلاق الذي أوقعه القاضي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتد بطلاق أو فسخ عقد النكاح من قبل القاضي المدني في المحكمة غير الشرعية في حال أن تقدم الزوج أو الزوجة إلى المحكمة التي تحكم بالقانون الوضعي لعدم توفر القاضي الشرعي طالباً أو طالبة إنهاء عقد الزوجية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن أن يُعقد النكاح على وجه شرعي خارج هذه المحكمة ثم يؤتى إلى هذه المحكمة من أجل تصديقه نظامياً، وأما الطلاق فليس من شرطه أن يقيد في المحكمة فمن الممكن أن يُطلق الزوج عند شاهدين عدلين يُكتب ذلك في ورقة يوقع عليها الزوج والشاهدان ويحصل الطلاق لكن لا يُطلق والمرأة حائض أو في طُهر جامعها فيه إلا إن تبين حملها.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1762 ص 37(6/1337)
قال لصهره: أختك طالق فهل يقع الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقع الطلاق إذا قال زوجي لأخي: أختك طالق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الزوج لصهره: أختك طالق، وهو يريد زوجته، فهو كما لو قال: امرأتي طالق، أو زوجتي طالق، فيقع الطلاق، ولا يشترط في الطلاق أن يكون أمام الزوجة أو أن تسمعه الزوجة، وينظر جواب السؤال رقم (31778) .
والطلاق الذي يقع هنا: طلقة واحدة، فللزوج أن يراجع زوجته في العدة، إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1338)
اعترف رجل أنه زنى بها وعند زوجها قرائن على ذلك فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ 13 سنة، ولي بنتان: 11 سنة، و 9 سنوات، قبل - عدة أسابيع - أكتشف بالصدفة حدوث مكالمات تليفونية طويلة المدة، ومجهولة، على هاتف المنزل، ثم علمت فيما بعد أن مع زوجتي هاتفاً محمولاً سرّاً، والأخطر هو خروجها من المنزل بدون علمي، وعندما أواجهها إما أن تنكر، أو ترد بتبريرات واهية، اشتكيت لأهلها دون جدوى؛ نظراً لإصرارها الدائم على نفي حدوث أي خطأ؛ وعدم وجود شخص قوي محايد، أخيراً تلقيت عدة مكالمات تليفونية على محمولي تفيد أنها سرقت مبلغاً كبيراً من المال من عشيقها، ثم قابلني هذا الشخص، وادعى أنه زنى بها مرات عديدة داخل منزلي! ووصف لي البيت بدقة، وأدق الأسرار الزوجية التي لا يعرفها ألا أنا وهي - أسرار عني، وعن البنات، وعن أسرتها، وفَرش حجرة النوم , وكذلك رقم هاتفها المحمول الذي لم أكن أعلم أنها تمتلكه أصلاً، وتفاصيل خلافاتنا الزوجية، وصفات كاذبة عني، وعن أهلي، ثم ادعى أنها في إحدى المرات سرقت منه المال بعد أن زنى بها، الأدهى أنها لا تزال على الإنكار دون إبداء أي تفسير عن تلك المعلومات السليمة والمفصلة!! وترفض الطلاق على اعتبار أنها ضحية مكيدة من هذا الرجل اللعين!! أحيانا تُظهر التوبة، وقراءة القرآن والصلاة، أمامي، وأحيانا أخرى تنهال عليَّ بالشتائم لأتفه الأسباب!! المشاكل بيننا تتفاقم، واستمرار الحياة الزوجية مستحيل، البنات في حالة انهيار كامل، حالتي النفسية سيئة جدّاً، وكذلك مستوى أدائي في العمل الآن , وبعد أدائي صلاة الاستخارة عشرات المرات لا أريد الإبقاء عليها كزوجة، وعليه: ليس أمامي إلا التفاهم معها على الطلاق بالتراضي، ولكن شروطها المادية مبالغ فيها جدّاً؛ على اعتبار أنها بريئة، وترفض الطلاق، وطلباتها كالآتي: 30000 نفقة متعة، وحسبتها كالآتي: (500 شهريّاً - 12 شهر، 5 سنوات -) + نفقة عدة 3000 (1000، 3 شهور) + 5000 مؤخر صداق + 1200 نفقة شهرية للبنات!! + كل محتويات شقة الزوجية + مصاريف العلاج والدراسة والكسوة + شقة تمليك جديدة لحضانة البنات!! . الأسئلة: 1. هل من حق تلك المرأة أن تطلب مثل تلك الطلبات، خصوصاً نفقة المتعة؟ 2. هل من حقي طلب اللعان بيننا؟ . 3. هل من حقي طردها من شقة الزوجية الحاليَّة أو نقل مسكن الزوجية إلى مكان آخر؟ . 4. فما هو رأي الدين والقانون فيما حدث، وبماذا تنصحوني أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الواضح أن الحياة مع تلك الزوجة أضحت مستحيلة الاستمرار، وسواء صدقت أم كذبت فإن القرائن التي تملكها كافية لتجعلك تطلقها، وتبحث عن امرأة صالحة مطيعة، ولا ندري كيف تطيب لك حياة لدقيقة واحدة معها وأنت قد علمت بتلك المكالمات، والسرقة، والخروج من البيت دون إذنك، وكل ذلك قد يتحمله المرء، لكن أن يأتيك من يزعم أنه زنى بزوجتك! ويصف لك البيت وغرفة النوم بدقة! : فهذا ما لا يتحمله المرء، ولأن يموت أهون عليه من سماع هذا لو كان كذباً، فكيف وقد اجتمعت ـ مع ذلك ـ قرائن كثيرة على صدقه؟!! .
ثانياً:
جاءت الشرائع السماوية بما يحفظ الأعراض من انتهاكها، ومن قذفها واتهامها بالباطل، وقد رتبت الشريعة المطهرة الحد على من قذف امرأة أو رجلاً، واتهم أحدهما بارتكاب فاحشة الزنا، وشرع الله تعالى أن يُجلد القاذف ثمانون جلدة، وأن لا تُقبل شهادته، وهو من الفاسقين، إلا أن يشهد أربعة واقعة الزنى، ويرون الميل في المكحلة.
وقد استثني الزوج من هذا الحكم، وذلك أن تقوم أيمان أربعة يحلفها أنها زانية مقام الشهود الأربعة، فإن حلف تلك الأيمان فإنها تستحق الرجم، ويمكنها أن تدفع الرجم عنها بأربعة أيمان تحلفها أنه من الكاذبين، وهنا يفرَّق بينهما، ولا يلتقيان بعدها، وهذا هو ما يسمى " اللعان "، ويكون بالشهادة عليها بالزنى، وبنفي الحمل أن يكون منه، وبنفي الولد الذي تنجبه.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة: وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ...
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (9 / 30) .
ثالثاً:
وزنى الزوجة لا يوجب فسخ النكاح، ولا يُسقط مهرها، وقد فرَّقت الشريعة بين ابتداء نكاح الزانية فلم يكن جائزاً، وبين دوام النكاح فلم يكن محرَّماً عليه إمساكها، فإن تابت وحسنت توبتها: فخير تقدمه لنفسها، وإن أصرَّت على زناها: فلا خير فيها، ويحل له أن يطلقها، كما يحل له أن يضيق عليها لتفتدي نفسها منه.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
الزوج له أن يستوفي حد الفاحشة من البغي، الظالمة له، المعتدية عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الرجل على امرأته (وأن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه) فلهذا كان له أن يقذفها ابتداء، وقذفها إما مباح له، وأما واجب عليه إذا احتاج إليه لنفي النسب، ويضطرها بذلك إلى أحد أمرين: إما أن تعترف، فيقام عليها الحد، فيكون قد استوفى حقه، وتطهرت هي أيضاً من الجزاء لها، والنكال في الآخرة بما حصل، وإما أن تبوء بغضب الله عليها، وعقابه في الآخرة الذي هو أعظم من عقاب الدنيا؛ فإن الزوج مظلوم معها، والمظلوم له استيفاء حقه إما في الدنيا وإما في الآخرة، قال الله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) بخلاف غير الزوج، فإنه ليس له حق الافتراش، فليس له قذفها، ولا أن يلاعن إذا قذفها؛ لأنه غير محتاج إلى ذلك مثل الزوج، ولا هو مظلوم في فراشها، لكن يحصل بالفاحشة من ظلم غير الزوج ما لا يحتاج إلى اللعان؛ فإن في الفاحشة إلحاق عار بالأهل، والعار يحصل بمقدمات الفاحشة.
فإذا لم تكن الفاحشة معلومة بإقرار، ولا بينة: كان عقوبة ما ظهر منها كافياً في استيفاء الحق، مثل الخلوة، والنظر، ونحو ذلك من الأسباب التي نهى الله عنها، وهذا من محاسن الشريعة.
" قاعدة في المحبة " (ص 202، 203) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في عدم سقوط المهر -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
وانظر جوابي السؤالين: (83613) و (42532) .
رابعاً:
وعليه: فقد علمتَ أنه يجوز لك أن تلاعنها لما عندك من قرائن على وقوعها في الزنا، وعليك تحمل آثار أيمانك، وإن أردت السلامة فطلقها من غير ملاعنة، وإن لاعنتها: فلها مهرها، وليس لها نفقة ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً ولم ينف حملها.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
لا نفقة لها عليه، ولا سكنى، كما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق لحكمه في المبتوتة التي لا رجعة لزوجها عليها، وأنه موافِق لكتاب الله، لا مخالف له، بل سقوط النفقة والسكنى للملاعَنة أولى من سقوطها للمبتوتة؛ لأن المبتوتة له سبيل إلى أن ينكحها في عدتها، وهذه لا سبيل له إلى نكاحها، لا في العدة، ولا بعدها، فلا وجه أصلاً لوجوب نفقتها وسكناها وقد انقطعت العصمة انقطاعاً كليّاً.
فأقضيته صلى الله عليه وسلم يوافق بعضُها بعضاً، وكلها توافق كتاب الله والميزان الذي أنزله ليقوم الناس بالقسط، وهو القياس الصحيح كما ستقر عينك إن شاء الله تعالى بالوقوف عليه عن قريب.
" زاد المعاد " (5 / 356) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما الملاعَنة: فلا سكنى لها، ولا نفقة، إن كانت غير حامل؛ للخبر، وكذلك إن كانت حاملاً فنفى حملها وقلنا: إنه ينتفي عنه، أو قلنا: إنه ينتفي بزوال الفراش.
وإن قلنا لا ينتفي بنفيه، أو لم ينفه، وقلنا: إنه يلحقه نسبه: فلها السكنى، والنفقة؛ لأن ذلك للحمل، أو لها بسببه، وهو موجود، فأشبهت المطلقة البائن.
فإن نفى الحمل فأنفقت أمه، وسكنت من غير الزوج، وأرضعت، ثم استلحقه الملاعِن: لحقه، ولزمته النفقة، وأجرة المسكن، والرضاع؛ لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له، فإذا ثبت له أب: لزمه ذلك، ورجع به عليه.
" المغني " (9 / 291) .
وبه تعلم أن ما تطلبه زوجتك من نفقة وسكنى أنه لا يلزمك منهما شيء إن لاعنتها، إلا أن تكون حاملاً، فتنفق عليها من أجل حملها، وإن طلقتَها طلاقاً باتّاً: فليس لها إلا مهرها، ولا يلزمك نفقتها، ولا سكناها، إلا أن تكون حاملاً، أو يكون معها أولادك، فتنفق عليهم، وعلى ما في بطنها، لا عليها.
قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ من الآية 6.
خامساً:
وأما " متعة الطلاق " - وهو مال أو متاع يُعطى للمطلقة بعد طلاقها -: فقد اختلف أهل العلم في المطلقة التي تستحقه، فمنهم من ذهب إلى العموم فقال: تعطى المتعة لكل مطلقة وجوباً، قبل الدخول أو بعده، سمي المهر أم لم يسمَّ.
وذهب آخرون إلى أنه في المطلقة قبل الدخول ممن لم يسمَّ لها مهر، وفي قول ثالث: أنها للمطلقة قبل الدخول، ولو سمي لها مهر.
والأخذ بالقول الأول هو الأحوط، وقد رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين: الشيخ الشنقيطي، والشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمهم الله -، لكن الشيخ العثيمين قيَّد الوجوب فيما لو طالت مدة زواجهما.
وهذه المتعة المفروضة لا ينبغي أن تكون مرهقة للمطلِّق، بل على قدر وسعه وطاقته، ولذا لم يأت لها تحديد في الشرع.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -:
والتحقيق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعاً لقوله تعالى: (عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ) البقرة/236، فإن توافقا على قدر معين: فالأمر واضح، وإن اختلفا: فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى: (عَلَى الموسع قَدَرُهُ) الآية البقرة/236، هذا هو الظاهر، وظاهر قوله: (ومَتِّعُوهُنَّ) البقرة/236 وقوله: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ) البقرة/241 يقتضي وجوب المتعة في الجملة، خلافاً لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلاً.
" أضواء البيان " (1 / 192) .
وقد ذكرنا لك من قبل أن زناها يبيح لك أن تعضلها وتضيق عليها حتى تفتدي منك، وتختار الطلاق، مقابل التنازل عن حقوقها المادية أو بعضها، وبإمكانك أن تهددها بإطلاع أهلها، أو من تهابه منهم، على ما حدث. فإن أبت الافتداء والتنازل عن حقوقها المالية بعد ذلك كله، فالذي نختاره لك أن تطلق هذه المرأة، مهما كانت تكلفة طلاقها، لكن لا تمكنها من الحصول على مال زائد عما يحكم لها به، إن وصلت المسألة بينكما للقضاء، ولك أن تحتال على ذلك، أعني على منعها من ظلمك، وأخذ أكثر من المهر المسمى لها (مؤخر الصداق) ، والحقوق الثابتة لها شرعا، على ما أشرنا إليه من قبل، وليس لك أن تحتال على إسقاط حقها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1339)
اكتشف أن زوجته على علاقة بآخر ويشك في نسب الطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجتي على علاقة محرمة بشاب آخر، وبعد ما اكتشفت خيانتها صار عندي شك بأن يكون الجنين الذي تحمله ليس من صلبي، فماذا إن كتبت الحياة لهذا الجنين، هل أستطيع أن أعتمد التحاليل الطبية لإثبات النسب؟ وإن كان غير ذلك: فما هو الحل الشرعي لهذه الحالة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الأصل أن ما تلده الزوجة أنه لزوجها، ولا يحل لك أخي السائل قذفها – كما سبق – من غير رؤيتك لزناها، كما لا يحل لك نفي الحمل أو الولد عنك إلا ببينة، كرؤيتك لزناها، أو استحالة أن يكون الحمل منك كأن تكون غائبا عنها، أو لم تجامعها في طهرها، وما يشبه هذه الحالات، وما لم يكن من ذلك شيء: فلا يحل لك نفي الحمل، أو الولد بمجرد الشك والوهم، وكما قلنا سابقاً لا يعني وجود علاقة محرمة أنه يحصل زنا، ونضيف هنا: أنه لا يعني حصول زنا، أنها حملت من ذلك الزنا.
وعليه: فلو أنك رأيتها تزني: لكان لك وجه في نفي الحمل، ونفي الولد، أما وقد بنيت ذلك على الشك: فلا يجوز لك نفي الجنين الذي تحمله امرأتك عنك، ولا تستسلم لوساوس الشيطان، واحذر أن يجعلك تعيش في عالم الاتهامات والخيانات والوساوس، وإلا أفسد عليك دينك ودنياك.
ولا ينبغي لك اللجوء إلى التحليل لإثبات نسب ولدك، وهذا باب وسوسة وريبة، ولو فتح الباب لاعتمد الناس على هذه التحاليل القابلة للخطأ والوهم على ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم من عفاف نسائهم، ولذا فإن الشريعة المطهرة تعتمد أدنى الأدلة لإثبات النسب، وأقواها في نفيه.
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -:
" النسب يُحتاط لإثباته، ويَثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه، وإنه لا يُنتفى إلا بأقوى الأدلة ".
" المغني " (6 / 420) .
واعلم أن تشريع اللعان لا يقوم مقامه التحاليل الطبية؛ لأن المرأة تستطيع دفع تهمة زوجها والستر على نفسها باللعان، والله تعالى يعلم أن أحد الزوجين كاذب، ومع ذلك شرع اللعان، فلا يجوز إعطاء الحق للزوج بتلك التحاليل، وحرمان المرأة منه، وقد أصدر " مجلس المجمع الفقهي " التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة قراراً بشأن البصمة الوراثية (DNA) ، ومجالات الاستفادة منها، يؤكد ما قلناه من عدم جواز التحاليل لمثل حالتك، ولا كونه يقوم مقام اللعان، وهذا نص القرار:
القرار السابع
بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21 – 26 / 10 / 1422 هـ الذي يوافقه 5 – 10 / 1 / 2002 م، وبعد النظر في التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشر، ونصه " البصمة الوراثية هي البُنية الجينية، (نسبة إلي الجينات أي المورثات) التي تدل علي هوية كل إنسان بعينه، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي، ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) من الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره ".
وبعد الإطلاع على ما أشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشر بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة والإطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء، والاستماع إلي المناقشات التي دارت حوله: تبيَّن من ذلك كله:
أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من المني أو الدم أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوي بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع) ، وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث، ونحو ذلك، وبناء على ما سبق قرر ما يأتي:
أولاً:
لا مانع شرعاً من الاعتماد علي البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلي نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.
ثانياً:
أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهي الحذر والحيطة السرية، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
ثالثاً:
لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
رابعاً:
لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم.
خامساً:
يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
1. حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
2. حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
3. حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.... .انتهى
وهو قرار قوي واضح، ونأمل أن يكون ما ذكرناه لك كافياً للامتناع عن نفي نسب ولدك عنك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقها للتوبة الصادقة، وأن ييسر لك الخير حيث كان، وأن يصبرك على ابتلائك، ونوصيك بنفسك خيراً، فلا توبقها، ولا توردها المهالك، ويسعك أن تطلقها وتعطيها حقوقها، ويسعك أن تبقيها في ذمتك إن رأيت صدق توبتها، ونرجو التأمل فيما فصلناه لك في النقاط السابقة، واستعن بالله تعالى على تيسير أمورك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1340)
شتمته وشتمت أهله فطلقها ثلاثا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من تونس تعرفت على فتاة أصلها تونسية ومعها الجنسية الفرنسية وكانت تقلد الغربيين في لباسهم ومعاملاتهم فدعوتها إلى الصلاة وارتداء الحجاب فرأيت منها القبول واقتنعت ثم لبست الحجاب فتقدمت إلى خطبتها ولكن بعد أشهر عادت إلى ما كانت عليه وقالت لي بأنها ستلتزم بعد الزواج، فاضطررت أن أتزوجها ظانا مني أنها ستلتزم بعد ابتعادها عن أصحاب وصاحبات السوء وكنت دائما أذكرها بدينها، ولكن أمها كانت ولا تزال تسيطر على أفكارها فهي تقول لها دائما " لا زلت صغيرة، عيشي حياتك، ليس وقت أن تتحجبي وأن تصلي ". وكنت أتعرض دائما للإهانة والشتم منها وأنا صابر على هذا. وفي الوقت الحاضر إن زوجتي في فرنسا وهي حامل في شهرها الثامن وأنا في تونس أنتظر أن تأتيني التأشيرة لأتمكن من الالتحاق بها، حيث إني تركت عملي وقدمت استقالتي وأنا غيور على ديني ولا زلت أذكرها بأن تبتعد عن هذه العادات الغربية التي لا أصل لها ولا دين وأن تعود إلى رشدها، ولكنها مصرة على ذلك إلى أن ضاق صدري فتخاصمنا عبر الهاتف فشتمتني وشتمت أمي وكل عائلتي بكلام لم أتفوه به في حياتي وفي لحظة غضب قلت لها باللغة الفرنسية: «tu es dévorcée، tu es dévorcée، es dévorcée tu «وكنت أقصد بها الطلاق ثلاثا. إني الآن في حيرة من أمري فرجاء أن تفتوني ماذا أفعل؟ مع العلم أني أنتظر مولودا. أعترف أني أخطأت لأني تسرعت، فقدر الله ما شاء فعل، وإني الآن أنتظر إجابتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تسرع الرجل في التلفظ بالطلاق خطأ عظيم، قد يؤدي إلى تفكك أسرته من حيث لا يريد، والله تعالى لم يشرع الطلاق ليكون مادة للتنفيس عن الغضب، وإنما شرعه ليستعمله الرجل في الوقت الذي يريد فيه إنهاء النكاح إذا وجد ما يدعو لذلك.
وعليه؛ فالواجب أن تحفظ لسانك، وأن تنأى بنفسك عن التلفظ بالطلاق في الغضب أو الرضى.
ثانيا:
المطلّق في الغضب له ثلاثة أحوال:
1- إن كان غضبه يسيرا بحيث لا يؤثر على إرادته واختياره فطلاقه صحيح واقع.
2- وإن كان غضبه شديدا بحيث صار لا يدري ما يقول ولا يشعر به فهذا طلاقه لا يقع لأنه بمنزلة المجنون الذي لا يؤاخذ على أقواله.
وهذان الحالان للغضب لا خلاف في حكمهما بين العلماء، وبقيت حال ثالثة، وهي:
3- الغضب الشديد الذي يؤثر على إرادة الرجل فيجعله يتكلم بالكلام وكأنه مدفوع إليه، ثم ما يلبث أن يندم عليه بمجرد زوال الغضب، ولكنه لم يصل إلى حد زوال الشعور والإدراك، وعدم التحكم في الأقوال والأفعال، فهذا النوع من الغضب قد اختلف العلماء في حكمه، والأرجح - كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله - أنه لا يقع أيضاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في الإرواء (2047) . والإغلاق فسره العلماء بأنه الإكراه والغضب الشديد.
وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم، وألف فيه رسالة مشهورة اسمها: "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان".
وينظر: جواب السؤال رقم (45174) .
وعليه؛ فإذا كان غضبك وصل إلى هذا الحد وهو الذي دفعك إلى التلفظ بالطلاق ولولا هذا الغضب ما طلقت، فإن الطلاق لا يقع حينئذ.
ثالثا:
إذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو قال: أنت طالق ثلاثاً، فهذا يقع به الطلاق مرة واحدة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم ورجحه من المعاصرين: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وينظر: "الشرح الممتع" (13/42) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1341)
حكم النكاح والطلاق على الورق بقصد الإقامة في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في شخص قام بتطليق زوجته إداريّاً فقط، أي: قام باستخراج ورقة الطلاق من المصالح المعنية، دون أن يطلقها طلاقاً حقيقيّاً، أي: دون أن يتلفظ بكلمة الطلاق، وهذا بقصد أن يستخدم ورقة الطلاق تلك للزواج من فتاة أوربية للحصول على وثائق الإقامة، وبعد أن يتم له ذلك يطلق هذه الأخيرة، ويعيد العقد على الزوجة الأولى. فما رأي الشرع في مثل هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النكاح هو الميثاق الغليظ، وهو من أحكام الشرع العظيمة، تستباح به الفروج، وتثبت به الحقوق كالمهر والميراث، وينتسب الأولاد به لأبيهم، إلى غير ذلك من الأحكام.
وبالطلاق تحرم المرأة على زوجها، وتُحرم من الميراث، وتحل لغير ذلك الزوج، بشروط معروفة، وغرضنا من هذا البيان: تنبيه المسلمين إلى ضرورة عدم استعمال هذين العقدين في غير ما شرع الله تعالى، وعدم اتخاذهما هزوا ولعباً، وقد رأينا – وللأسف – من يعقد على امرأة لا ليباح له منها ما كان يحرم عليه من الاستمتاع، ولا ليُكَوِّن معها أسرة – كما هو حال العقد الشرعي – بل ليتوصل به لغرض دنيوي، كتسجيل أرض، أو استخراج رخصة محل، أو الحصول على إقامة، أو ليمكّن المرأة من السفر خارج بلدها، وكل ذلك لا يكون فيه الرجل زوجاً حقيقيا، ولا تكون المرأة زوجة حقيقية، بل هو زواج صوري! حبر على ورق! وهذا من اللعب والعبث بأحكام الشرع، لا يحل فعله، ولا المساهمة في إنشائه، ويتعين المنع منه في حال أن يراد التوصل به لأمرٍ محرَّم كمن يفعل ذلك من أجل الإقامة في دولة غير مسلمة.
وقل مثل ذلك في الطلاق، فهو حكم شرعي، لا يجوز لأحدٍ الهزل به، ولا العبث بأحكامه، ويسمون ذلك " الطلاق الصوري "! حبر على ورق!
وليعلم هؤلاء جميعاً أنهم آثمون بفعلهم هذا، فلم يشرع الله تعالى النكاح والطلاق لتكون الزوجة اسماً على عقد، ليس لها أحكام، وليس عليها حقوق، وليعلموا أن هذا النكاح تثبت أحكامه بمجرد العقد، إن تمت شروطه وأركانه – وإن فَقَدَ منها شيئاً فهو باطل - وأن الطلاق من الزوج يقع على زوجته بمجرد التلفظ به، فليس في الشرع نكاح صوري، ولا طلاق صوري، وأن الإثم يزيد على فاعلهما لو قصدا التوصل إلى فعل محرَّم أصلاً، كمن يتوصل به للتهرب من حقوق الناس وديونهم، ولتتوصل المرأة من أخذ إعانة مطلقة من دولة أو مؤسسة، أو ليتوصل به لأن يقيم في دولة غير مسلمة يحرم عليها الإقامة فيها، وغير ذلك من المقاصد الباطلة المحرَّمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الشارع منع أن تتخذ آيات الله هزواً، وأن يتكلم الرجل بآيات الله التي هي العقود إلا على وجه الجد الذي يقصد به موجباتها الشرعية، ولهذا ينهى عن الهزل بها، وعن التلجئة، كما ينهى عن التحليل، وقد دل على ذلك قوله سبحانه: (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزؤن بآياته، طلقتك، راجعتك، طلقتك، راجعتك) فعلم أن اللعب بها حرام " انتهى.
" الفتاوى الكبرى " (6 / 65) .
وعليه:
فإذا تزوج رجل امرأةً تحل له، وكان ذلك وفق الشروط الشرعية، وقيام الأركان وخلو الموانع: فإنه نكاح صحيح تترتب عليه آثاره.
وإذا طلَّق الرجل امرأته لفظاً، وقع طلاقه، ولو كان لا يقصد به إنفاذ الطلاق.
وأما التطليق بالكتابة من غير لفظ ففيه تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم (72291) .
ثانياً:
الزواج من تلك الأوربية بقصد الحصول على الإقامة ثم يطلقها بعد ذلك، فعل محرَّم، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في تحريم هذا الفعل في جواب السؤال رقم: (2886) .
وهو إن تزوجها من غير إتمام شروط النكاح، كالزواج من غير ولي، أو مع وجود مانع من صحة النكاح، كأن تكون زانية ولم تتب، أو تكون غير كتابية: فنكاحه لها محرَّم، وهو باطل.
وإن تزوجها زواجاً تامة أركانه وشروطه، وخاليا من الموانع: فزواجه صحيح، وتترتب عليه آثاره، وتحرم عليه نيته.
ثالثاً:
في تلك الأفعال القبيحة من الحصول على ورقة طلاق للزوجة الأولى، والتزوج بثانية من أجل الإقامة ثم تطليقها: محذوران آخران:
الأول: التحايل، والكذب، وشهادة الزور، فهو يتحايل على الدولة ويخدعها من أجل الحصول على الجنسية، وهذا محرم.
والثاني: أنه يريد التوصل بالطلاق والزواج الصوريين للإقامة في بلاد الكفار، وقد جاء في ديننا النهي عن الإقامة بين الكفار لغير حاجة، لما في ذلك من الخطر العظيم على الدين والأخلاق، وعلى الفرد والأسرة.
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَنَا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسلِمٍ يُقِيمُ بَينَ أَظهُرِ المُشرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (27211) .
فالذي ننصح به إخواننا هو أن يتقوا الله تعالى في العقود الشرعية، وأن لا يتخذوها مطايا لغايات دنيوية، وأولى أن يمتنعوا إن كانت الغايات محرَّمة، وليتقوا الله تعالى في زوجاتهم، وأولادهم، وليتأملوا فيما يمكن أن تسببه أفعالهم في إيقاعهم في الحرج الشديد، أو الحرمان من الحقوق، وغير ذلك من المفاسد المترتبة على مباشرة تلك العقود بتلك الصور الفاسدة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1342)
طلبت من زوجها أن يطلقها على سبيل المزح
[السُّؤَالُ]
ـ[سأحكي مسألتي باختصار وأريد فتوى سريعه ان سمحتم كنت جالسا أنا وزوجتي وكنا نمزح في بعض الأمور، ثم قالت زوجتي طلقني بمزاح!! فقلت لها لامزاح في هذه الأمور، فقالت: طلقني ـ مره أخرى ـ فقلت لها ـ وأنا غاضب ـ: والله العظيم إن كررتِ ذلك طلقتك، أو: أنتِ طالق، كنت غاضبا ولم أركز ماقلت؛ هل أنا قلت أنت طالق أو سوف أطلقك، ولكن متأكد أنني أقسمت؛ فماحكم ذلك؛ هل تعتبر طالق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا مجال للهزل واللعب في الطلاق، فإن طلاق الهازل يقع عند جمهور العلماء، وذلك لما روى أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وقد حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1826) .
وقد ورد معناه موقوفاً على بعض الصحابة:
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " أربع جائزات إذا تكلم بهن: الطلاق، والعتاق، والنكاح، والنذر ".
وعن علي رضي الله عنه: " ثلاث لا لعِب فيهن: الطلاق، والعتاق، والنكاح ".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " ثلاث اللعب فيهن كالجد: الطلاق، والنكاح، والعتق ".
وقد أخطأت زوجتك في طلب الطلاق على سبيل المزاح، وليس للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لعذر يبيح ذلك؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والبأس: هو الأمر والسبب الملجئ للطلاق.
وأخطأت أنت في التسرع والتلفظ بالطلاق، فإن الطلاق شأنه عظيم، لما يترتب عليه من حل عقدة النكاح، ولو أن الرجل كلما غضب طلق، لانهارت الأسر، وانفرط شمل المجتمع.
ثانيا:
إذا كنت قد قلت: " والله العظيم إن كررتِ ذلك طلقتك " والزوجة لم تكرر طلبها، ولم تعد أنت لتطليقها، فلا يلزمك شيء، لأن هذا تهديد ووعيد بالطلاق في حال تكرارها الطلب، فلو فرض أنها كررت ذلك في المستقبل، كنت أنت بالخيار بين أن تطلقها وتوقع تهديدك، أو تترك ذلك.
وإذا كنت قلت: " والله العظيم إن كررتِ ذلك أنتِ طالق " وهي لم تكرر الطلب، فالطلاق لا يقع. وذلك أن هذا الطلاق معلق على شرط، فلا يقع إلا عند وقوع الشرط، وهو تكرارها طلب الطلاق، فإن عادت وطلبت الطلاق، وقعت طلقة واحدة رجعية عند الجمهور.
ومن أهل العلم من يرى أن الطلاق المعلق على شرط، إذا كان مراد الزوج منه التهديد والتخويف والمنع، وليس الطلاق، أنه لا يقع به طلاق ولو حصل الشرط، بل يلزم فيه كفارة يمين فقط، وهذا هو المعمول به في هذا الموقع، لا سيما وأنت غير متأكد مما قلته لها، والأصل أن النكاح الذي بينكما صحيح، حتى تتأكد من حصول السبب الذي ينهي النكاح القائم بينكما.
وإن لم تكن أنت على بينة مما قلته لها، فيمكنك أن تستعين بزوجتك لتذكرك بما قلته لها، فالأمر يعنيك أنت وهي،
ووأما الطلاق حال الغضب، ففيه تفصيل سبق بيانه في الجواب رقم (22034)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1343)
حلف بالطلاق على أمر وقال أردت في هذا اليوم فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[قال زوجي علي الطلاق إذا وديت أهلي أو جبتهم. مع العلم أنه في حالة غضب ثم ندم وقال أنا قصدي أني لن أوديهم اليوم فقط وليس باقي الأيام وفعلا لم يذهب بهم باليوم نفسه ولكن أخاف إذا وداهم أي يوم يقع الطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الزوج: " علي الطلاق إذا وديت أهلي أو جبتهم " هو من الطلاق المعلق على شرط، فإن أراد إيقاع الطلاق في حال إيصاله لأهله أو إحضارهم، وقع الطلاق باتفاق الفقهاء.
وإن أراد التهديد والتخويف والمنع، ولم يرد الطلاق، فهذا محل خلاف بين الفقهاء، والذي يفتي به جمع من أهل العلم أنه لا يقع الطلاق حينئذ، وإنما يلزمه في حال حنثه كفارة يمين.
وينظر جواب السؤال رقم (102331) .
وعليه فإذا قال الزوج: لم أرد الطلاق، لم يقع شيء، سواء أوصلهم في نفس اليوم أو بعده.
وإن أراد إيقاع الطلاق، لكن قال: أقصد في ذلك اليوم فقط، فلا شيء عليه إذا أوصلهم بعد ذلك، عملا بنيته، والله سبحانه مطلع عليه.
ونوصي هذا الزوج وغيره بالبعد عن استعمال ألفاظ الطلاق، في غضبهم ورضاهم، لما قد يترتب عليها من انهيار الأسرة وتفككها، والحال أنهم لا يرغبون في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1344)
قال لزوجته إن أعدتك للبيت فأنت طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي إذا حصل بينا خلاف وطردني من البيت أنا أقوم بحمل أغراضي للذهاب ولكنه لا يريدني أن أذهب فيهددني بالطلاق: إن خرجت أنت طالق ولا أخرج وتكرر هذا 3مرات، أما الخلاف الأخير فجمعت أغراضي وقلت سوف أخرج من البيت هو قال: أرسلك لأهلك ولكن إن أعدتك للبيت أنت طالق، يعني أنه لا يريد أن يعيدني للبيت، وخرجت. سؤالي: ما حكم هذا القول؟ وهو يريدني أنا وأطفالي لكن خائفة من هذه اليمين هل عليه كفارة؟ أو أن أنتظر أن أجد شخصا آخر يعيدني لبيتي. للعلم أن نيته إن أعادني للبيت فإني طالق لشدة غضبه علي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المشروع للمسلم اجتناب استعمال الطلاق فيما يكون بينه وبين أهله من النزاع، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة. وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق ... وهكذا. وهذا نوع تلاعب بكتاب الله، وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب الله، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ: (أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ! حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلا أَقْتُلُهُ) قال الحافظ: رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في غاية المرام (261) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) . فإذا أرد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89. ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى: لا تكثروا الحلف بالله.
أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل: علي الطلاق أن تفعل كذا أو علي الطلاق ألا تفعل أو إن فعلت فامرأتي طالق أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/753) .
ثانياً:
قول زوجك: إن خرجت فأنت طالق، أو أرسلك إلى أهلك وإن أعدتك فأنت طالق، هو من الطلاق المعلق على شرط، فيرجع فيه إلى نية الزوج، فإن كان أراد الطلاق وقع الطلاق إذا خرجت، أو إذا أعادك. وإذا لم ينو الطلاق وإنما نوى منعك من الخروج فقط، فهذا حكمه حكم اليمين، فإن خرجت أو أعادك لزمه كفارة يمين، ولا يقع الطلاق بذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين: " الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم / 1-2. فجعل الله تعالى التحريم يميناً. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ، وهذا لم ينو الطلاق، وإنما نوى اليمين، أو نوى معنى اليمين، فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين، هذا هو القول الراجح " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/754) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن قال لزوجته: علي الطلاق تقومين معي، ولم تقم معه. فهل يقع بذلك طلاق؟
فأجابت: " إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86) .
ثالثا:
إذا كانت نية زوجك الطلاق، كما ذكرتِ، فينظر في نيته بقوله: " إن أعدتك " فإن كان قصده أنه لا يعيدك بنفسه، لكن لا مانع أن يعيدك غيره أو أن تعودي بمفردك، فحينئذ ينبغي أن تعودي مع غيره ولا يقع الطلاق بذلك.
وإن كان قصده وقوع الطلاق في كل الأحوال، سواء أعادك هو أو أعادك غيره، فإذا عدت وقعت طلقة رجعية – إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية –، وله مراجعتك أثناء العدة.
رابعا:
إن كان الزوج تكلم بهذا في حال الغضب، فينظر في درجة هذا الغضب، كما هو مبين في السؤال رقم (45174) ورقم (82400)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1345)
طلقها زوجها وادعى أنه كان سكراناً
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل لي زوجي رسالة بالجوال (أنت طالق) ثم قال لي: إنها ثورة غضب وكانت أول طلقة فراجعني وبعدها بأسبوع أرسل لي: (أنت طالق أنت طالق) مرتين بعدها اعترف لي وحلف أنه كان سكران في كلا الحالتين فهل يقع الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بما أنكما في بلد به محاكم شرعية، فيلزمكما مراجعة المحكمة للنظر في هذه المسألة والوقوف على كلام زوجك، والبت في مسألة وقوع طلاق السكران أو عدم وقوعه، وعدد الطلقات التي لحقتك.
ويجب على الزوج أن يتوب إلى الله تعالى من شرب المسكر، وأن يصرح للقاضي بحقيقة الأمر، ولا يخفي مسألة السكر، ليتمكن القاضي من الحكم ببقاء الزوجية أو عدم بقائها.
ويلزمك عدم تمكينه من مجامعتك حتى يفصل القاضي في المسألة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن زوجة لرجل مدمن للخمر، وذات مرة شرب حتى سكر ثم طلقها فهل يقع طلاقه وهو بحالة سكر أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
".. وأما بالنسبة لسؤال المرأة وهو أن زوجها طلقها وهو سكران فإن للعلماء في ذلك خلافاً هل يقع الطلاق في حال السكر أو لا يقع؟ فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه يقع عقوبة له على شربه، فإن هذا الشارب عاصٍ لله عز وجل، فلا ينبغي أن يقابل عصيانه بالتخفيف عنه وعدم وقوع الطلاق منه، وقال بعض العلماء: بل إن طلاق السكران لا يقع، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو أقيس، لأن السكران لا يعي ما يقول، ولا يدري ما يقول، فكيف نلزمه بأمر لا يدري عنه؟ وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء/آية43، فدل هذا على أن السكران لا يعلم ما يقول، فكيف نلزمه بشيء لا يعلمه؟
وأما قولهم: إنه عقوبة فإن عقوبة شارب الخمر إنما تكون عليه نفسه، وهو معاقب بالضرب الذي وردت به السنة، وإذا عاقبناه بإيقاع الطلاق ففي الحقيقة أن هذه العقوبة تتعدى إلى زوجته، فيحصل الفراق، وربما يكون لها أولاد فتتشتت العائلة، ويحصل الضرر على غيره
فالصواب: أنه لا يقع طلاق السكران ولا يعتبر بأقواله، ولكن مع ذلك ينبغي أن يرجع في هذا إلى المحكمة الشرعية حتى لا نحكم ببقاء الزوجة معه أو بفراقه إياها إلا بحكم شرعي يرفع الخلاف، والله الموفق "
انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل أيضا: ما حكم رجل طلق امرأته وهو في حالة سكر، إلا أنه يقول: إنه كان في حالة سكر شديد، وكان يتكلم ويعي كلامه، فهل يقع طلاقه؟
فأجاب: " طلاق السكران فيه خلاف بين العلماء، فمنهم: من يرى أنه لا يقع، ومنهم: من يرى أنه يقع، ومثل هذه المسألة مشكلة؛ لأن الرجل سكران ويعي ما يقول فلا بد أن تعرض على المحكمة ليحكم القاضي بما يرى، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقال للزوج: راجعها، درأً للشبهة " انتهى من" لقاء الباب المفتوح (10/24) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1346)
زوجها يسبها ويقذفها ويهددها بالقتل فهل طلبها الطلاق منه شرعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الطلاق من زوجي لعدة أسباب: 1. توفيت ابنتي منذ ستة أشهر عمرها 6 سنوات في حادث سيارة، وكانت بصحبتي، وهو يتهمني بقتلها. 2. يسبني بألفاظ لا ترضى بها زوجة من زوجها. 3. يتهمني بأن هناك علاقة بيني وبين زوج أختي! على العلم بأن زوج أختي في لندن، وأنا في مصر. 4. يذمني في كل مكان بكلام بذيء. 5. أنا تحملت ما لا يتحمله بشر، وهو أكبر مني بأكثر من عشرين سنة، وكنت أبحث عن رجل كبير في السن لعقله، وعلمت بعد الزواج أنه يعاني من مرض نفسي، وظللت معه حتى شفيَ من مرضه النفسي، والآن عاد إليه المرض، ويريد قتلي؛ لاعتقاده بأني قتلتُ ابنته، وأنا لدي طفلة أخرى، وطفل، ويتمنى لهم الموت بدلاً من التي توفيت؛ لأنه كان يحبها هي فقط. سؤالي: هل يحق لي الطلاق في هذه الحالة - مع العلم بأنه لا يريد أن يطلقني، ويريد قتلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يُعظم أجرك في وفاة ابنتك، وأن يجعلها شافعة لأهلها يوم القيامة، وأعظم الله أجرك في زوجك الذي قال وفعل ما أدخل الهم والحزن عليك.
واعلمي أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأن المسلم يصيبه فيها الهم والغم والحزن والمرض، وأنه لا ينبغي له تفويت ذلك من غير فوزٍ بالأجور الوافرة، فاحتسبي ما أصابك عند ربك تعالى، واسأليه أن يصبرك، وأن يثبت قلبك على دينه.
وأما طلب الطلاق: فإن بعض ما صدر من زوجك يبيح لك طلب الطلاق، فكيف بتلك الأسباب مجتمعة؟! .
فالقذف كبيرة من كبائر الذنوب، ولا يحل له فعل ذلك، والسب والشتم والتهديد بالقتل أمور لا يطيقها المرء من غريب بعيد، فكيف بها تصدر من شريك الحياة الزوجية، والذي يعيش وإياه في بيتٍ واحدٍ؟! .
وطلب المرأة الطلاق من زوجها إن كان من غير سببٍ: فهو الذي ورد فيه الوعيد، وأما ما كان بسبب: فلا شك أن الوعيد لا يشمل تلك المرأة الطالبة للطلاق.
قال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: (أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا مِن غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْها رَائِحَةُ الجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الحافظُ ابنُ حجر – رحمه الله -:
الأخبارُ الواردةُ في ترهيبِ المرأةِ من طلبِ طلاقِ زوجِها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك.
" فتح الباري " (9 / 402) .
وقالَ المُبارَكفورِي – رحمه الله -:
أَيْ: من غيرِ شدةٍ تُلجِئُها إلى سؤالِ المفارقَة.
" تحفة الأحوذي " (4 / 410) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (29 / 11) :
تملك الزّوجة طلب إنهاء علاقتها الزّوجيّة إذا وجد ما يبرّر ذلك، كإعسار الزّوج بالنّفقة، وغيبة الزّوج، وما إلى ذلك من أسباب اختلف الفقهاء فيها توسعةً وتضييقاً، ولكنّ ذلك لا يكون بعبارتها، وإنّما بقضاء القاضي، إلاّ أن يفوّضها الزّوج بالطّلاق، فإنّها في هذه الحال تملكه بقولها أيضاً.
فإذا اتّفق الزّوجان على الفراق: جاز ذلك، وهو يتمّ من غير حاجة إلى قضاء، وكذلك القاضي، فإنّ له التّفريق بين الزّوجين إذا قام من الأسباب ما يدعوه لذلك، حمايةً لحقّ الله تعالى، كما في ردّة أحد الزّوجين المسلمين - والعياذ بالله تعالى - أو إسلام أحد الزّوجين المجوسيّين وامتناع الآخر عن الإسلام وغير ذلك.
إلاّ أنّ ذلك كلّه لا يسمّى طلاقاً، سوى الأوّل الّذي يكون بإرادة الزّوج الخاصّة وعبارته، والدّليل على أنّ الطّلاق هذا حقّ الزّوج خاصّةً قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّما الطّلاق لمن أخذ بالسّاق) - رواه ابن ماجه (2072) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " – انتهى.
فالخلاصة:
أنه يجب على الزوج أن يتقي الله في نفسه، وأن يكف لسانه عن الولوغ في الحرام، وعلى من يستطيع منعه من أهله أو ولاة الأمر أن يبادروا لذلك، والزوجة إن شاءت صبرت وتحملت الأذى والضرر من زوجها، وإن شاءت طلبت الطلاق، فإن تفاهمت مع زوجها على الطلاق، وإلا رفعت أمرهما للقاضي الشرعي ليلزمه بالطلاق إن ثبت لديه الضرر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1347)
وطئ مطلقته في العدة من غير نية إرجاعها وحملت منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معاشرة الزوج لطليقته بعد شهرين تقريبا من حكم المحكمة بالطلاق وهو ليس في نيته أن يعود لها أو لا، فقط أتته طليقته وعاشرها واحتمال أنها حملت منه، هل يعتبر أنه أرجعها؟ والحمل شرعي في هذه الحالة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
عدة المطلقة طلاقا رجعيا ثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن كانت يائسة أو صغيرة لا تحيض؛ لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) البقرة/228، وقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الطلاق/4.
وللزوج أن يراجع زوجته خلال العدة، رضيت بذلك أو لم ترض.
وتحصل العدة بالقول الدال عليها، باتفاق العلماء، كقوله: راجعتك.
واختلف الفقهاء في حصول الرجعة بالفعل، كالوطء ومقدماته من اللمس والتقبيل، على أربعة أقوال:
1- فذهب الحنفية إلى أن الرجعة تحصل بالوطء والتقبيل بشهوة على أي موضع كان، وباللمس ولو مع حائل يجد معه الحرارة بشهوة، واعتبروا ذلك كله رجعة بالدلالة , فكأنه بوطئها قد رضي أن تعود إلى عصمته.
2- وذهب المالكية إلى صحة الرجعة بالفعل كالوطء ومقدماته بشرط أن ينوي الزوج بهذه الأفعال الرجعة , فإذا قبلها أو لمسها بشهوة , أو نظر إلى موضع الجماع بشهوة , أو وطئها ولم ينو الرجعة فلا تصح الرجعة بفعل هذه الأشياء , ويكون قد ارتكب حراما.
3- وذهب الشافعية إلى أن الرجعة لا تصح إلا بالقول، ولا تصح بالفعل مطلقا , سواء كان بوطء أو مقدماته , وسواء كان الفعل مصحوبا بنية الرجعة أو لا.
4- وذهب الحنابلة إلى أن الرجعة تصح بالوطء سواء نوى الزوج الرجعة أو لم ينوها، وأما مقدمات الوطء فلا تتم بها الرجعة على الصحيح من المذهب.
وينظر: "تبيين الحقائق" (2/251) ، "حاشية ابن عابدين" (3/399) ، "الخرشي على خليل " (4/81) ، " حاشية البجيرمي " (4/41) ، "الإنصاف" (9/156) ، "مطالب أولي" (5/480) .
والراجح أن الوطء تحصل به الرجعة إذا كان مع نية المراجعة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القول الثاني: أنها لا تحصل الرجعة بالوطء إلا بنية المراجعة؛ لأن مجرد الوطء قد يستبيحه الإنسان في امرأة أجنبية مثل الزنا، فهذا الرجل قد تكون ثارت شهوته عليها، أو أنه رآها متجملة وعجز أن يملك نفسه فجامعها، وما نوى الرجعة، ولا أرادها، ولا عنده نية أن يرجع لها، فعلى هذا القول لا تحصل الرجعة بالوطء إلا بنية الرجعة، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن الوطء قد يكون عن رغبة في إرجاعها فيكون نية إرجاع، وقد يكون لمجرد الوطء والشهوة فلا يدل على الإرجاع ... ".
إلى أن قال: " فالصواب أن الرجعة لا تحصل بمجرد الوطء إلا إن كان من نيته أنه ردها، وأنه استباحها على أنها زوجة، فإذا كان كذلك فهذه مراجعة، لكن على هذا القول لو أنه جامعها بغير نية الرجوع، وأتت بولد من هذا الجماع، فهل يكون ولدا له؟ الجواب: نعم، يكون ولدا له، لأن هذا الوطء وطء شبهة، لأنها زوجته ولم تخرج من عدتها، ولا يحد عليه حد الزنا، وإنما يعزر عليه تعزيراً " انتهى من "الشرح الممتع" (13/189) .
وقد استحب الفقهاء أن يُشهد الزوج على الرجعة لقوله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2.
وعدّ بعض الفقهاء امتناع المطلقة من جماع زوجها حتى يشهد على رجعتها، عدوا ذلك من كمال عقلها ورشدها، قال الخرشي في "شرحه على مختصر خليل" (4/87) : " من طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم راجعها وأراد أن يجامعها فمنعته من ذلك إلا بعد الإشهاد فإن ذلك من حقها، وهو دليل على رشدها، ولا تكون بذلك عاصية لزوجها، بل تؤجر على المنع " انتهى.
ثانيا:
على هذا الزوج أن يتوب إلى الله تعالى، من إقدامه على وطء مطلقته من غير نية إرجاعها، وأن يقر بولده في حال حصول الحمل، وأن يعيد النظر في مسألة طلاقه، فقد يكون من المصلحة مراجعة زوجته، والقيام عليها وعلى ولده منها.
ثالثا:
وإذا رفعت القضية إلى القاضي الشرعي وحكم فيها بما ترجح لديه، فإن حكمه يكون لازماً للزوجين، لأن حكم القاضي يرفع الخلاف.
وحيث أنكم في بلد غربي لا وجود للقاضي الشرعي، فنرى أن تحكِّموا بينكم رجلاً من أهل العلم والفقه، [ويمكنكم الوصول إليه عن طريق المراكز الإسلامية] ويحكم بما يظهر له من حكم المسألة، ويكون حكمه نافذاً كحكم القاضي الشرعي.
ولله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1348)
التهديد بالطلاق لا يحسب طلاقا
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت من أجل العمل، وزوجتي مقيمة مع أهلي وحصل خلاف بيني وبينها عن طريق رسائل الجوال، فقد استفزتني ذات مرة فأرسلت لها رسالة بها بعض الكلمات الجارحة فقررت الذهاب لبيت أبيها، فلما علمت أنا بذلك وفي لحظة غضب أرسلت لها رسالة على الجوال - حلفت وقلت فيها- (ورأس أبي ما دام أنك صغرتيني أمام أهلي سأخلصك وأنا هنا وغداً ترين ذلك، ولكن انتهي من الحمل) . وبعد يومين أرسلت رسالة أخرى قلت لها (أرسلي مفتاح الشقة، لكي يرسلوا لك أغراضك، لأني حلفت ألا تدخليها مرة أخرى) –مع العلم بأني لم أنطق بالحلف، ويعلم الله أني كنت أقصد من كل هذا التهديد والتأنيب على عدم استئذانها-ولم أحدثها لمدة 12 يوما ثم نصحني أحد الأصدقاء بأن الخطأ خطئي فاتصلت واعتذرت لها- فهل يعد نص الرسالة الأولى بمثابة طلاق معلق أو مشروط؟ أو هل يعتبر أي نوع من أنواع الطلاق؟ وما حكم الحلف في الرسالة الثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي لكل مسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام الذي يؤذي مخاطبه ويجرح مشارعه، لأن هذا ينافي مكارم الأخلاق، ويفتح بابا للشيطان، وقد قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء/53.
ويتأكد هذا إذا كان التخاطب بين الزوجين، لما بينهما من الرابطة العظيمة، والحقوق الكبيرة المتبادلة.
وينبغي أن يربي الإنسان نفسه على الاعتراف بالخطأ، والرجوع عنه، فإن هذا مع وجوبه، يدل على شرف النفس وكمالها، خلاف ما يظنه المتكبرون من أنه مذلة ومهانة.
ثانيا:
لا يجوز الحلف بغير الله تعالى، كحلف الإنسان برأس أبيه أو أمه أو بحياتهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فمن أراد أن يحلف، فإما أن يحلف بالله أو يسكت، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) ومسلم (1646) .
ثالثا:
ما قلته لزوجتك في الرسالة الأولى لا يعتبر طلاقاً، وإنما هو تهديد ووعيد بالطلاق، ولا يقع به شيء إلا إذا أوقعته بعد ذلك.
رابعا:
قولك في الرسالة الثانية: " أنا حلفت ألا تدخليها مرة أخرى – مع أنك لم تحلف، هذا من الكذب الذي يجب عليك أن تتوب إلى الله منه، وتعزم على عدم العودة إيله، ولا يقع بذلك الطلاق.
ونسأل الله أن يصلح حالكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1349)
خرجت من بيت زوجها وطلب منها عشيقها التزوج منه وهي على ذمة الأول!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 26 سنة، تطلقت منذ فترة أسبوع، بعد أن تركت منزل الزوجية منذ سنة، وأنا عند أهلي مع طفلي، وعمره سنتان الآن، وفي بداية زواجي الذي كان عن حب سكنت معه في منزل والدته، وبدأتْ والدته بالتدخل في كل شيء، وطلب مني العمل لأساعده على أعباء الحياة وتسديد القرض الذي أخذه لزواجنا، وبالفعل وجدت وظيفة، وعملت، وساعدته، وكان شَرطي الوحيد أن نسكن وحدنا بعيداً عن تدخل والدته المستمر، ووعدني بذلك، وكانت والدته هي من يتحكم بكل شيء في البيت، وزوجي كان لا يستطيع أن يعترض وإلا فإنها ستطلب منه الخروج من المنزل، وهي تعمل كذلك، أما بالنسبة لزوجي فقد جربته وعشت معه سنتين وجدته خلالها شخصاً آخر غير الذي عرفته في البداية، كان مجرد قناع، أصبح يأخذ راتبي كله ويعطيني مصروفاً يوميّاً، وكذلك كلما احتاج للنقود أو ترك عمله يطلب مني أن أبيع من ذهبي، وبالفعل قمت بذلك، وهو قام بذلك في بعض الأحيان، وكان يطلب مني أن أستدين من أهلي، وكنت أفعل، وبالمقابل هو لم يكن يعطيني شيئاً، وكنت محرومة من كل شيء، وكانت جملته لي دوماً (أنتي تعرفين وضعنا، وتحملي) وكان يخفي محفظته في السيارة، ويقول بأنه لا يحق لي أن أعرف ما معه، أو ليس معه، وأصبحت المشاكل بيننا تزداد، وكذلك استمررت بطلبي منه بأن يكون لي بيت مستقل لأني لست معتادة أن أكون في بيت الداخل داخل والخارج خارج منه، حيث له أخت مطلقة، تعمل، وتبيت في مكان عملها في فندق خارج (منطقتنا) وتأتي للزيارة، وخلال زيارتها تخرج للسهر كل ليلة وتعود بعد منتصف الليل، وكان هذا الوضع لا يرضيني ولا يعجبني، وكنت أقول لزوجي المحترم: ماذا سيقول الجيران عن سكان هذا المنزل الذي نحن فيه؟ هذا عيب، وكان يجيب: أنا سأتحدث معهم، أنا لا يعجبني هذا، وبقي يصبِّرني بكلامه، وفي النهاية قال لي: هذه عاداتنا وطباعنا (كونهم من قومية غير عربية) وأنا لا أستطيع أترك أمي وأختي وحدهما وأسكن بعيداً عنهما، وبقيت مترددة في إخبار أهلي لأنهم جميعاً عارضوا زواجي منه في البداية ولكن أصررت لأني رأيت فيه طيبة الخلق والقلب، وكم كنت عمياء، وفي النهاية أخبرت أهلي بناء على آخر كلام سمعته وهو يتحدث لوالدته يشكي لها مني وهي تخبره بأن يضربني، وأن يأخذ الولد مني، وهذا كان آخر ما حصل، وتركته، وذهبت لمنزل أهلي، وحضر بعد أسبوعين ليعرف لماذا تركت المنزل، ولم أخبره بأني سمعت شيئاً، وكان ما طلبته منزلاً شرعيّاً وحدي وليس مع أهله، ووافق، وبعد أن رأينا المنزل وذهب هو لرؤية المنزل غيَّر رأيه، وبقي الموضوع سنتين خلالها اتهمني بأني على علاقة بأحد ما، وبأنه يلعب بعقلي عندما شاهد معرفة لوالدي يوصلني من مكان عملي، وجدته يومها صدفة في مكان عملي، ووجدت زوجي ينتظرني أسفل مكان عملي، وخوفا من أن يؤذيني طلبت منه أن يوصلني، وبعدها أرسل أناساً للتشهير بي، وإما أن أعود لمنزل والدته، أو أطلَّق، وأن أتنازل عن حقوقي، فرفضت طبعا، وعندها أصررت على الطلاق منه، لم أعد أريد منزلاً، ورفع عليَّ قضية الطاعة مرتين، وفي النهاية رفعت أنا قضية الطلاق، ولكن خلال آخر خمسة أشهر كنت قد تحدثت بالصدفة إلى نفس الشخص الذي أوصلني الذي يعرفه والدي، وهو يكبرني بحوالي 14 سنة، وكنت قد أخبرته بما حصل معي، ووقف إلى جانبي، وأفهمني أموراً عن الحياة والناس، وأن هناك أموراً لا يجب السكوت عنها، وأن هذا الشخص اقتراني به من الأساس كان خاطئاً وبأني لم أسمع نصيحة ورأي الجميع، وأني أنا المخطئة، وفيما بعد بدأت أشعر بانجذاب نحوه، وأنا بداخلي أعرف أن هذا خطأ، وهذا الشعور يؤنبني دوماً، خاصة وأني أصبحت أحبه، وأعرف أنه يحبني أيضا، وهذا أمر لم يكن مخططا له، والتقينا عدة مرات، وتقابلنا، وجلسنا، وتحدثنا كثيراً، حتى إنه طلب مني أن يتزوجني قبل أن أتطلق، وأنا أود ذلك لكن أخاف مما قد يحصل فيما بعد من معارضة، خاصة في الظروف التي نشأتْ فيها هذه العلاقة، وأنا خوفي من الله أن أكون قد أخطأت كوني أحببتُ شخصاً آخر، وأنا على ذمة رجل آخر، مع العلم أني تركت زوجي منذ سنة و 3 شهور، وأنا تطلقت منذ أسبوعين تقريباً. أرشدوني فيما فعلتُ، هل أنا على خطأ؟ وهل ما فعلت هو حرام؟ فأنا في خلاف دائم مع نفسي، وفي حيرة شديدة؛ لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد وقعتِ في جملة من المخالفات الشرعية الواضحة البيِّنة، ولذا فقد عجبنا من نهاية رسالتك والتي تقولين فيها " لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية "!! وعلى كل حال: فإن هذا من شؤم المعصية، ومن آثارها، وهو حجب العقل، وحجب نوره الذي يقود صاحبه للطريق الصحيح المستقيم.
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان آثار المعاصي -:
ومنها: أن المعاصي تُفسد العقل، فإن للعقل نوراً، والمعصية تطفئ نور العقل، ولا بد، وإذا طُفئ نوره: ضعف، ونقص، وقال بعض السلف: " ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيب عقلُه "، وهذا ظاهر، فإنه لو حضر عقله: لحجزه عن المعصية، وهو في قبضة الرب تعالى، أو يجهر به، وه مطلع عليه، وفي داره، على بساطه، وملائكته شهود عليه، ناظرون إليه، وواعظ القرآن نهاه، ولفظ الإيمان ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة: أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم؟! .
ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت: طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين/ 14، قال: " هو الذنب بعد الذنب "، وقال الحسن: " هو الذنب على الذنب، حتى يعمي القلب "، وقال غيره: " لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم: أحاطت بقلوبهم ".
وأصل هذا: أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت: غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طَبعاً، وقفلا، وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة: انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " (ص 39) .
ونأسف أن نقول لكِ: إن المعاصي التي فعلتيها كل واحدة منها جرَّت أختها، فأثَّرت على العقل والقلب فأطفأت نورهما.
ثانياً:
وهذه المخالفات التي حصلت منكِ هي:
1. العلاقة المحرَّمة التي أنشأتيها مع زوجك الأول قبل زواجك به، وهو واضح من خلال قولك إنه كان زواجاً عن حبٍّ! ومن خلال وقوفك في وجه أهلك الرافضين لتزوجه بكِ، وها أنتِ تعيدين الأمر مع آخر وأنت على ذمة زوج! .
وقد بيَّنا حكم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة: (34841) و (26890) و (23349) .
وانظري – في العلاقات المحرَّمة -: أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
2. الظاهر أن وظيفتك فيها اختلاط مع الرجال الأجانب، فإن كان ظنُّنا في مكانه: فهي معصية، وإن كانت غير مختلطة – أو ليست في مجال محرَّم كالبنوك وشركات التأمين -: فليس عليك شيء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال: أصلُ كل بليَّة وشرٍّ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء: سببٌ لكثرة الفواحش، والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
" الطرق الحُكمية " (ص 407) .
وانظري جواب السؤال رقم (1200) .
وللوقوف على حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظر جواب السؤال رقم (22397) .
وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
3. خروجك من بيت الزوجية دون إذن من الزوج، وكان هذا الخروج مبنيّاً على كلام سمعتيه من أمه، ومن شكوى منه بثها لها، وهذا لا يجعلك في حلٍّ من خروجك من بيت الزوجية دون إذن زوجك، وأنتِ لك الحق في بيت خاص مستقل مع زوجك، لكن يظهر أنك تنازلتِ عن هذا في أول زواجكِ ورضيتِ بالسكن معه في بيت والدته، فكان الأولى التفاهم معه على الوفاء بشرطه عندما رضيتِ بمساعدته في أعباء الحياة وفي سداد قرضه، وإلزامه بذلك عن طريق القضاء الشرعي، أو الحكَّام بينكما من أهل الخير والعلم، وأما تصرفك هذا وخروجك دون استئذان منه: فهو غير جائز، وقد منع الله تعالى المطلقات الرجعيات من أن يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق، فكيف المتزوجات؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
4. وأشنع هذه المخالفات الشرعية وأقبحها: هو علاقتك الآثمة بذلك المجرم الآثم؛ الذي أظهر نفسه على أنه المخلِّص لك من مشكلات الدنيا، ولبس لباس الناصح الحكيم، فظهر في صورة الحمَل الوديع، وفي داخله طبعُ الذئاب الكاسرة، والثعالب الماكرة!!
فكيف رضي هذا المجرم بأن يلتقي بكِ ويحادثك، ويجالسك ويتبسط معكِ، بل إنه وبكل وقاحة وخساسة يطلب منك الزواج وأنت على ذمة زوج آخر! والعجيب أنك ذكرتِ عن نفسك أن زوجك الأول قد كان يلبس قناع الطيبة، وأنك كنت عمياء عندما قبلتِ به زوجاً، فهل تظنين نفسك الآن مبصرة؟! لا والله لستِ كذلك، وإنَّ عماكِ مع زوجك الأول أهون من عماكِ الآن، فأنتِ لم تكوني متزوجة حين كنت على علاقة معه، أما الآن فإنك وأنت متزوجة كنتِ على علاقة محرمة بذلك المجرم، والذي لم يكتفِ بالإيقاع بينك وبين زوجك، وتقسية قلبك عليه، وتبغيضك في الرجوع لبيت الزوجية، حتى أضاف إلى ذلك كله طلب الزواج منكِ وأنت على ذمة زوج آخر.
فما فعلتيه حرام، بلا أدنى شك، وهو قبيح شنيع حتى عند غير أهل الإسلام، ولا يرضى زوج أن تكون زوجته على مثل حالك، ولا يمكن لعاقل – فضلا عن مسلم عالم بأحكام الشرع – أن يوافقك على التزوج من هذا المجرم الذي أبان عن سوء خلقه قبل الزواج! وهذا يوفر عليك سلوك تجربة أخرى مريرة معه! وهل تظنين أنه سينسى لك خيانة زوجك معه؟ وهل تظنين أنه سيثق بك أن لا تعيدي الكرة معه؟! لا تترددي في قطع العلاقة معه، فهي علاقة محرمة من جهة، ومن جهة أخرى فهو لا يصلح أن يكون زوجاً مأموناً وقد صدرت منه تلك الأفعال القبيحة المحرَّمة.
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح فلينظر جوابي السؤالين: (5202) و (6942) .
ثالثاً:
نرجو أن يكون ندمك، ومحاسبتك لنفسك دليلَ خيرٍ على رجوع للحق، وعلى حياة نفسكِ اللوامة التي تلومك على القبيح، وتلومك على التقصير في الطاعات.
وإياك واتباع خطوات الشيطان، فإنه يورد المهالك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) النور/ 21.
ولا تفرطي بفرصة الندم والتوبة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الإنسان درهم ولا دينار، ولا حميم، ولا شفيع، وقبل أن يعض أصبع الندم، قال سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/ 27 – 29.
ولتطهير نفسك من الذنوب، وللحافظ على دينك وإيمانك وعفافك، احرصي على:
1. الصلاة في وقتها بخشوع وخضوع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) .
رواه البخاري (505) ومسلم (667) .
2. الرفقة الصالحة من النساء المستقيمات على طاعة الله.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) .
رواه البخاري (1995) ومسلم (2628) .
قال الأمام النووي – رحمه الله -
وفيه: فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر، وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يَكثر فجوره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
" شرح مسلم (16 / 178) .
3. عدم الاستماع للغناء والمعازف واللهو المحرم.
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) لقمان/ 6،7.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه ... يوضحه: أنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ، ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني، ويستقصر نوبته.
" إغاثة اللهفان " (1 / 240، 241) .
وأخيراً:
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله –:
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب، ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه، ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية، أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان، ولا ينظر إلى لوم الناس، بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس، ولو كانوا يفعلون المعاصي، فلا يجوز له أن يقتدي بهم، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/ 6، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / ص 293) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1350)
إذا كانت لا تحب زوجها ولا تجد معه الراحة والسعادة فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل المرأة عندما لاتجد الراحة مع زوجها ولا تحبه ولا تجد سعادة فى العيش معه؟ هل يجب عليها أن تطلب الطلاق أم ماالذى يجب عليها فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج جعله الله سبحانه سببا للسكينة والمودة والسعادة، وامتنّ على عباده بذلك فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
فإذا لم يحصل التوافق بين الزوجين، ولم تجد المرأة راحة ولا سعادة مع زوجها، فلتبحث عن الأسباب والعلاج، فربما كان التقصير من جهتها، وربما كان هناك أمر يمكن علاجه.
وإذا تحاور الزوجان، وبحثا المشكلة معا، كان هذا أدعى للوصول إلى حل.
وليس للمرأة أن تطلب الطلاق لمجرد حدوث مشكلة بينها وبين زوجها، أو طلبا للزواج ممن تراه أفضل منه، فإن الأصل تحريم طلب الطلاق؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والبأس: هو الشدة والسبب الملجئ للطلاق.
لكن إن كرهت الزوجة زوجها لهيئته، أو لسوء عشرته، ولم تطق العيش معه، فإنه يجوز لها طلب الطلاق حينئذ، لأنه لا مصلحة من بقائها على هذا الحال، وقد يدفعها بغضها لزوجها إلى التقصير في حقه، فتأثم.
وقد روى البخاري في صحيحه (4867) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) .
وقولها: " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي: أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه.. ونحو ذلك.
ينظر "فتح الباري" (9/400) .
فهذه المرأة خافت من البقاء مع زوجها وهي تبغضه، أن تقصر في حقوقه وأن تعصيه فتأثم بذلك، فطلبت الخلاص من العلاقة الزوجية، ووافقها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك.
والخلاص من العلاقة الزوجية قد يكون بالطلاق إذا قبل الزوج ذلك، أو بالخلع، فتتنازل المرأة عن مهرها أو عن بعض حقها، حسبما يتفق الزوجان، ثم يطلقها.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1351)
قال لها: أنت لست زوجتي ولن أعود إليك مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الدخول في نقاش حاد مع زوجى قال لي: "أنت لست زوجتى ولن أعود إليك مطلقا" ومع ذلك فقد حدث أن مرضت مساء ذات اليوم فرقانى وأخبرنى أنه يشعر بالأسف لما قاله وقد سألته عن ذلك بعدها وقال لي: إنه لم يكن ينوى الطلاق عندما قال ذلك. فهل وقع الطلاق بقوله "أنت لست زوجتى"؟ حدث هذا منذ فترة وقد قرأت بعض الكتب فى ذلك ويقول البعض إنه من الضروري لوقوع الطلاق التلفظ بلفظه بينما يخالف البعض هذا الرأى. وتراودني وساوس من حين لآخر عما يمكن حدوثه حال بطلان نكاحنا فلدى منه بنتان والحمد لله لم يحدث أن دخلنا فى مثل هذا الجدل ثانية. برجاء تقديم النصح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الزوج لزوجته: أنت لست زوجتي ولن أعود إليك مطلقا، هو من كنايات الطلاق، والطلاق إما أن يكون صريحا، أو كناية، والصريح يقع بدون نية، وأما الكناية فلا يقع إلا مع نية الطلاق.
وحيث إن زوجك لم يكن ينوي الطلاق بقوله هذا، فإن الطلاق لا يقع.
فقد ذكر في "الإنصاف" (8/468) ، و"كشاف القناع" (5/250) أن قول الرجل لامرأته لست لي بامرأة، من ألفاظ كنايات الطلاق، فإذا نوى الطلاق وقع الطلاق، وإن لم ينو الطلاق لم يقع الطلاق.
ومثله في "تحفة المحتاج" (8/6) و"تبيين الحقائق" (2/218)
ونسأل الله سبحانه أن يؤلف بينكما، وأن يجمعكما على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1352)
حلف عليها بالطلاق ألا تشرب الدخان فشربته ناسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مخطوبة معقود علي (مكتوب كتابي) أريد أن أسأل: لقد اشترط علي خطيبي بأن لا أدخن وحلف علي بالطلاق إن فعلت ذلك، وفي مرة دخنت وأني غير متذكرة بأن هذا حصل قبل أو بعد الحلف ولكني والله العظيم لم أكن أعلم بأن الطلاق يقع ولقد ندمت على أني دخنت وتبت إلى الله وأنبت إليه ولم أدخن ولم أفعل أي شيء يغضب الله ورسوله وإني الحمد الله ملتزمة أفيدونا يفيدكم الله]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من حلف على زوجته بالطلاق ألا تشرب الدخان، أو قال: إن شربت الدخان فأنت طالق، فإنها إن شربت الدخان، وقع الطلاق عند جمهور الفقهاء.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الطلاق المعلق إن أراد صاحبه تهديد الزوجة وتخويفها وحثها على ترك شرب الدخان ولم يرد الطلاق: أنه لا يقع بذلك طلاق، بل يلزمه كفارة يمين في حال مخالفة الزوجة، أما إن قصد الطلاق، فإنه يقع عند حصول الأمر المعلق عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعض أهل العلم.
ثانياً:
لا يقع الطلاق بمجرد الشك، بل لا بد من اليقين.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (8/299) :
" من استيقن نكاحاً ثم شك في الطلاق لم يَزُل اليقين إلا باليقين " اهـ
وقال ابن قدامة في "المغني" (8/423) :
" من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة، لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك " انتهى بتصرف.
فإذا شك الرجل هل طلق امرأته أم لا؟ فلا يقع الطلاق بذلك.
ومثل ذلك: لو علق طلاق امرأته على شرط، ثم شك هل وجد الشرط أم لا؟ فلا يقع الطلاق بذلك.
قال في "كشاف القناع" (5/331) : " إذا شك هل طلق زوجته أم لا؟ أو شك في وجود شرطه، لم تطلق، لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك " انتهى.
وهذا هو ما سألت عنه، فإنك شككت هل شربت الدخان قبل اليمين أم بعده، فلا يقع الطلاق بهذا الشك.
ثالثاً:
نحمد الله تعالى أن منّ عليك بالتوبة والاستقامة وترك شرب الدخان المحرم، ونسأل الله لك مزيدا من التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1353)
قال لزوجته إن طلع الفجر ولم تحضري الولد فأنت طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجتي منعني منها ومن ولدها00 فاتصلت بها بالليل وقلت إن أتى الفجر ولم تحضري لي الولد فأنتي طالق. الحالة الثانية: والد زوجتي منعني منها وأتيت إليه لأخذها ورفضت وتشاجرت معه كلاميا وكنت في حالة غضب شديدة وقلت فلانة (اقصد ابنته) طالق ثم خرجت الحالة الثالثة: أيضا منعني من زوجتي وأرسلت له ناس للتوسط ورفض ومنعني من أولادي وفي حالة غضب شديدة وأثناء النقاش مع أحد إخواني طلقتها بدون أن اشعر من الغضب وهي حامل أفتوني جزاكم الله خير والله إني في حيرة من أمري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي الحذر من التساهل في استعمال ألفاظ الطلاق، فليست القوة والشجاعة في التطليق عند الشجار والمنازعة، بل الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، كما قال صلى الله عليه وسلم.
وكم أدى هذا التسرع إلى تمزيق الأسر، وتخريب البيوت، وتضييع الأولاد.
وينبغي أن يوطن الإنسان نفسه على حل المشاكل في جو من الهدوء والاتزان والتعقل، وإن كان معارضه لا يتحلى بهذه الصفات، فليتجنب الدخول معه في الحوار والجدال، وليبحث عن وسائل أخرى للعلاج، كالاستعانة ببعض الأهل والأقارب، واختيار الأوقات والأماكن المناسبة لحل النزاع.
ثانيا:
قولك لزوجتك عبر الهاتف: إن أتى الفجر ولم تحضري لي الولد فأنت طالق: هو من الطلاق المعلق على شرط، فإن أحضرت الزوجة الولد قبل الفجر، لم يقع الطلاق، وإن طلع الفجر ولم تحضر الولد، طلقت طلقة رجعية في قول جمهور أهل العلم.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ينظر في نية الزوج المتكلم بهذا، فإن أراد وقوع الطلاق عند عدم إحضار الولد، وقع الطلاق، وإن أراد التهديد والحث على إحضار الولد ولم يرد إيقاع الطلاق، فإنه في حال الحنث تلزمه كفارة يمين، ولا يقع الطلاق.
وهذا القول الثاني هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورجحه علماء اللجنة الدائمة والشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر جواب السؤال رقم (82400)
وأنت لم تبين ما حدث. وعلى فرض أنها لم تحضر الولد، ووقعت عليها طلقة – على مذهب الجمهور -، فلك أن ترجعها خلال العدة – إن لم تكن الطلقة الثالثة -، سواء رضيت أم أبت، أما بعد انقضاء العدة فلابد من عقد جديد ومهر جديد.
ثالثا:
الطلاق حال الغضب الشديد لا يقع، على الراجح من كلام أهل العلم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22034) و (45174)
وعليه فإن كنت تلفظت بالطلاق حال غضبك الشديد، ولولا الغضب ما طلقت، فإن الطلاق لا يقع حينئذ.
ومسائل الطلاق ينبغي أن يرجع فيها إلى المحكمة، للوقوف على الألفاظ، والتفاصيل، والسماع من الطرفين إن احتاج الأمر لذلك.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1354)
طلقها الثانية وانتهت عدتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجنا منذ 17سنة مرت زوجتي بحالة نفسية وأصيبت باكتئاب طلبت أثناءها الطلاق مرارا فحاولت علاجها كثيرا وذات مرة أقبلت على الانتحار بتناول جرعة كبيرة من العلاج فقلت لها أنت طالق ثم استاءت الحالة فراجعتها بعد 17 يوم في اليوم التالي طلبت الطلاق ما طلقتها ثم نزلت مصر لأداء امتحان الدكتوراة سعت في الحصول على رقم تليفوني من أسرتي وأرسلت رسالة عبر الجوال إذا لم تحضر ورقة الطلاق فسأموت نفسي فأرسلت لها رسالة بالجوال كذبا ولم أطلق فقط خشيت عليها أن تقدم على ما وعدت به ولم أنو الطلاق ولما رجعت إلى السعودية شعرت بمدى إصرارها في طلب الطلاق فقلت لها وأنا أدرك تماما بأن هذه هي المرة الثانية وأيضا أعلم يقينا بأن الكلمة أنت طالق أنت طالق أنت طالق بمثابة مرة واحدة كما هو في ذهني وذهن العامة والآن وبعد مضى 85 يوماً على هذه الواقعة وبتوفيق من الله وسعى الأصدقاء أريد مراجعتها علما بأنها أخبرتني بأن ثلاث حيضات قد انتهت وللعلم نعمل في نفس المكان وهى زميلتي في نفس المهنة، وأود الحفاظ على هذا البيت وخصوصا بأن الأولاد في سن المراهقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق بالكتابة لا يقع إلا إذا نواه الزوج، فإذا كتب طلاق امرأته، ولم ينو الطلاق، فلا يقع الطلاق عند جمهور العلماء، وهو ما اختاره الشيخان محمد بن إبراهيم، وعبد العزيز بن باز رحمهما الله.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72291) ، وعلى هذا، فالرسالة التي أرسلتها عبر هاتف الجوال لا يقع بها الطلاق؛ لأنك لم تنوه.
ثانياً:
قول الرجل لزوجته: أنت طالق أنت طالق أنت طالق ناوياً بذلك مرة واحدة، وإنما أعاد اللفظ مثلاً للتوكيد أو لإفهام زوجته الكلام لا يقع به الطلاق إلا طلقة واحدة فقط عند الأئمة الأربعة رحمهم الله.
وانظر: الموسوعة الفقهية (1 / 221) .
وعلى هذا، فقولك لامرأتك: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وأنت تنوي مرة واحدة، يقع به الطلاق طلقة واحدة، فتكون هذه هي الطلقة الثانية.
وحيث إن عدتها قد انتهت فلا يمكن أن تراجعها، ولكن لا حرج من أن تعقد عليها عقد نكاح جديد، يشترط له ما يشترط لعقد النكاح من الرضا والشهود والولي ... إلخ.
وترجع إليك بهذا العقد على ما بقي من طلاقها، أي: لا يبقى لك عليها إلا طلقة واحدة.
وينبغى أن تعين أهلك على التخلص من الاكتئاب بمعرفة أسبابه وعلاجه، وبالأخذ بالأسباب التي تعين على انشراح الصدر وراحة النفس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1355)
طلب الطلاق عند الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد انفصالي عن زوجي الأول طلب ابن عمي أن أوافق على الزواج منه متى ما سمحت ظروفه، وقال لي إنه لن يسمح لأحد اخذي منه، وكثير من الكلام والتعبير عن حبه وإعجابه ومعاناته مع زوجته التي تكبره ب 30 سنه تقريباً. واستمر على ذلك لمدة 12 سنه يلاحقني ... بعد الـ 12 سنه تقدم وتم الزواج وتم التفاهم معه أن يكون عادلاً لأجل رضى الله وأن لا يهمل زوجته الأولى وتنازلت عن أجزاء من حقوقي لأجل أن لا يشعر بالندم أو بالضيق.. كان دائم الدعاء لي لأنني أساعده وأقف بجنبه لأجل لا يعاني مثل أي رجل متزوج أكثر من زوجة. حصل حمل من أول شهر زواجنا وبعد مرور 3 أشهر هجرني زوجي من الفراش والسكن دون أي سبب حيث أني أسكن في منزل أهلي.. قال إنه لا يستطيع أن ينظر في وجهي ولا يشعر بأي نوع من الرغبة بي ويتجنب المجيء لمنزلنا خوفاً من وقوع أمور أخرى كالطلاق وأنا حامل.. وإنه يشعر بضيق كلما تذكرني ... ووعدني بأنه سيذهب إلى شيخ يعالج بالقران وصرت لا أراه إلا بعد شهرين أو 3 أشهر 5 دقائق فقط أو اتصال بالهاتف. صبرت ولم اضغط عليه ... واستمر على هذا الحال 3 سنوات ولم يتغير أي شي غير الذل وتعب القلب والنكران والجحود ماذا افعل؟ هل اطلب الطلاق أو استمر وعسى أن يتغير مع مرور السنين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والمراد بالبأس: الشدة التي تلجئها إلى سؤال المفارقة.
فسؤال الطلاق من غير شدة تلجئ المرأة إلى ذلك حرام، بل عده بعض العلماء من الكبائر، كما فعل ابن حجر الهيتمي في "الزواجر"
ويفهم من الحديث المتقدم: جواز طلب المرأة الطلاق إذا كان هناك شدة أو ضرر عليها من استمرار الزواج.
وعلى هذا؛ فلا حرج عليك من طلب الطلاق إذا كان الأمر كما ذكرت من مفارقة زوجك لك ثلاث سنوات.
لكن الأفضل لك أن تصبري وتطلبي من زوجك السعي في مداواة نفسه مما نزل به فلعل الله أن يشفيه فيستقيم الحال، فإذا رأيت أن الأمر لم يجد فيه جديد، ورجوت إن طلقك أن تنكحي غيره، فالطلاق حينئذ خير، لقول الله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130.
وما ذكرت من نفوره وشعوره بالضيق كلما تذكرك، قد يكون سببه وقوعه تحت تأثير السحر، ولهذا ينبغي أن يستعمل الرقية الشرعية، أو يذهب إلى من يرقيه من أهل الصلاح والاستقامة على السنة.
وراجعي جواب السؤال رقم (11290) و (12918)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1356)
طلقها زوجها مرتين وتعرفت على شاب عبر الإنترنت يريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 19عاما تزوجت في 4/ 8 / 2006 والآن طلقني زوجي منذ شهرين لقد قال لي أنت طالق مرتين وشتم أمي وضربني أمام إخوتي والآن هو ندمان ويريد استرجاعي مع العلم أني مازلت زوجته في القانون يعني في الأوراق؛ والآن لقد تعرفت عبر النت على شاب مسلم ويؤمن بالله سبحانه وتعالى؛ فلقد تعرفت على هذا الشخص وكنا نتكلم في مسائل الدين؛ وبعد مدة حكيت له قصتي فتأثر كثيرا بعد أسبوع وبعد تبادل كلام شريف فقد طلب مني إذا كان من الممكن يتزوج بي على سنة الله تعالى؛ فماذا أفعل مع العلم أن هذا الشاب محترم ولم يقل لي كلاما سيئا يزعجني؛ وأريد أن أعرف هل ما أفعله حرام؟ وأريد أن تساعدوني، فأنا لا أقدر أن أقول هذا لأي أحد، أرجوكم ساعدوني فأنا عمري 19 وأسكن في فرنسا وهناك القليل من يساعدني وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق طلقتين أو مرتين، وقعت طلقة واحدة.
ثانيا:
إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى، وقد مضى عليها شهران فقط، فإن كانت عدتك لم تنته، فأنت لازلت في حكم الزوجة، ومن حقه أن يرتجعك، ولا يجوز لك أن ترفضي ذلك، بل لا تحتاج الرجعة إلى قبولك.
وأما إن انقضت العدة، فإنه لا يملك ارتجاعك إلا بموافقتك وبعقد جديد ومهر جديد.
وعدة المرأة التي تحيض: ثلاث حيضات، فإذا طهرت من الحيضة الثالثة واغتسلت فقد انقضت عدتها.
وعدة المرأة التي لا تحيض لصغرٍ أو يأس: ثلاثة أشهر.
قال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا، يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ، كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ، بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي، عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ، عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228، وقال سبحانه: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الطلاق/4.
ثالثا:
المرأة خلال العدة من الطلاق الرجعي لا يجوز لأحد أن يصرح أو يعرّض لها بالخطبة، لأنها لا تزال في حكم الزوجة، فإذا انقضت عدتها جازت خطبتها والتصريح لها بذلك.
وعليه فإذا كانت عدتك لم تنته، فهذا الطلب الذي جاءك ممن تعرفت عليه عبر الإنترنت طلب محرم.
رابعا:
الحديث مع الرجال عبر الإنترنت، في البرامج الخاصة أو المحادثات الخاصة، له آثاره السيئة، ومفاسده الواضحة، وهو محفوف غالبا بأنواع من المحرمات، وإذا كان الحديث فيه عن أمور الزواج وما يتصل به كان أشد وأشنع، وقلما ينتج عنه زواج مستقيم.
ولهذا ننصحك بقطع العلاقة مع هذا الشاب، والتوبة إلى الله تعالى من الحديث معه في أمر الزواج إن كان ذلك أثناء عدتك.
ويلزمك الرجوع إلى زوجك، إن كان طلبه لك حصل أثناء العدة، فإن تضررت بعد ذلك بالعيش معه فلك أن تطلبي الطلاق لرفع الضرر.
واتقي الله تعالى، واعلمي أنه مطلع عليك لا تخفى عليه خافية، ولا تسيئي إلى نفسك، ولا تشوهي سمعة زوجك، أو تدنسي عرضه بالتساهل في إقامة العلاقات مع الرجال، فإنك لن تجني من ذلك إلا مزيدا من الهم والضيق، ينفرك من زوجك، ويعلقك بغيره، ويحرمك من السعادة والأمن والراحة، لأنه لا سعادة ولا أمن ولا راحة إلا في طاعة الله.
وتوجّهك بالسؤال إلينا يدل على ما في نفسك من الخير، والحرص على الطاعة والخوف من المعصية، ولهذا نؤكد عليك النصيحة، ونذكرك بحق زوجك، ونسأل الله تعالى أن يصلح حالك، وأن يفرج كربك، وأن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1357)
رفعت عليه السكين وهددته ليطلقها فهل يقع الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى خلافاتي مع زوجتي قامت برفع السكين عليَّ وهددتني لأطلقها فقلت لها أنت طالق لأنهي الموقف ولم يكن في نيتي الطلاق فهل يقع هذا الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا خشيت أن تُنَفِّذ زوجتك تهديدها فتصيبك بالسكين التي معها، فأنت مكره، ولا يقع طلاقك.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره وإقراره، فصح عن عمر أن رجلاً تدلى بحبل ليشتار عسلاً [أي ليأخذ عسلا من الجبل] فأتت امرأته فقالت: لأقطعن الحبل أو لتطلقني، فناشدها الله فأبت فطلقها، فأتى عمر فذكر له ذلك فقال له ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق. وحكي عدم الوقوع عن علي وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم " انتهى من "زاد المعاد" (5/208) .
وقال رحمه الله تعالى: " وقال [أي الإمام أحمد] في رواية أبي الحارث: إذا طلق المكره، لم يلزمه الطلاق فإذا فُعل به كما فُعل بثابت بن الأحنف فهو مكره، لأن ثابتاً عصروا رجله حتى طلق فأتى ابن عمر وابن الزبير فلم يريا ذلك شيئاً، وكذا قال الله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106. وبهذه الآية استدل الإمام الشافعي رحمه الله على أن طلاق المكره لا يقع.
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) " انتهى من "إعلام الموقعين" (4/51) بتصرف.
وفي الاختيارات لشيخ الإسلام: " ولا يقع طلاق المكره. والإكراه يحصل إما بالتهديد أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد. وقال في موضع آخر: كونه يغلب على ظنه تحقق تهديده ليس بجيد، بل الصواب أنه لو استوى الطرفان لكان إكراها " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/568) .
وأما إن كنت تعلم أن زوجتك لن تقدم على إيذائك، أو كان يمكنك التخلص من تهديدها من غير ضرر، فلست مكرها حينئذ، ويقع طلاقك.
وما ذكرناه هنا هو بيان لحكم المسألة وضابطها، وأما الحكم في قضيتك، فلابد فيه من الوقوف على تفاصيل الواقعة وملابساتها، ولهذا نقول: عليكما أن ترجعا إلى القضاء أو إلى أحد العلماء الموثوقين في بلدكم، ليسمع منكما، ويتحقق من وجود الإكراه المعتبر أو عدمه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1358)
طلقها ثلاث طلقات وهو بعيد عنها وجاءها الخبر وهي حائض
[السُّؤَالُ]
ـ[انفصلنا أنا وزوجي وبعد شهرين من الانفصال طلقني قائلا: أنا أطلقك والله شهيد على ذلك. وقد حدث ذلك وأنا حائض ولذلك فقد أخبرته أن ذلك الطلاق لايعتد به فقال بأن الله أنقذك هذه المرة ولكن احترسي في المرة القادمة. وبعد ثلاثة أشهر من الانفصال أرسل لي هذا البريد الإلكترونى: لقد طلقتك بحضور شهود ولذلك فنحن لم نعد زوجين ولم أكن حائضا فى ذلك الوقت. ثم بدأت حيضتى بعد ذلك بيومين وأرسل لي هو هذا البريد الإلكترونى: إنك الآن تعتبرين مطلقة طبقا للشريعة الإسلامية. وفيما يخص العدة فأعتقد أنك تعتدين فعلا منذ الثلاثة أشهر السابقة ولذلك فيتبقى لك شهر ثم تستطيعين الزواج من شخص آخر. وقد كنت أثناء ذلك حائضا واتصلت به بعد ذلك بيوم أتوسل إليه أن يردنى فقال لى أنه طلقنى بالفعل ثلاث طلقات! ثم أخبرته بعد ذلك أننى كنت حائضا فقال لي حسنا سأقوم بتطليقك الأسبوع المقبل ثلاث طلقات مرة أخرى للتأكد من إنهاء الزواج. وقد مضى الآن أسبوعان ولم يطلقني ثانية الثلاث طلقات. فماهى عدد الطلقات التى أكون قد طلقتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله. وينظر جواب السؤال رقم (72417)
وعليه فالطلقة الأولى لا يعتد بها.
ثانيا:
إذا كان زوجك طلقك في حال بعده عنك، وأرسل لك رسالة يخبرك بذلك، فيُنظر في وقت تلفظه بالطلاق، فإن كنت طاهرة في ذلك الوقت وقع الطلاق، سواء وصلتك الرسالة وأنت طاهر أو حائض.
والذي فهمناه من سؤالك أن الرسالة الأولى وصلتك وأنت طاهر، وأما الرسالة الثانية فجاءتك وأنت حائض ووقت وصول الرسالة غير مؤثر في الحكم، وإنما العبرة بالوقت الذي تلفظ فيه بالطلاق.
وليس الإشهاد على الطلاق شرطا، فلو تلفظ بالطلاق، وقع الطلاق، ولو كان في غيبتك، أو كان لا يحضره أحد من الناس.
ثالثا:
تبدأ العدة عقب التلفظ بالطلاق، وعدة المرأة التي تحيض: ثلاث حيضات.
فإذا طلقك وأنت طاهر، ثم حضت ثلاث حيضات، وطهرت من الحيضة الثالثة واغتسلت، فقد انقضت عدتك.
رابعا:
قد ذكر زوجك أنه طلقك ثلاث طلقات، وقد اختلف الفقهاء في طلاق الثلاث، والراجح أنه يقع واحدة، سواء تلفظ بها بكلمة واحدة كقوله: أنت طالق ثلاثا، أو تلفظ بها بكلمات متفرقة، كقوله: أنت طالق أنت طالق أنت طلق، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه الشيخ السعدي رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وعليه فالذي يظهر من خلال ما ذكرت، أنه وقع عليك طلقة واحدة.
ومع ذلك نقول: مسائل الطلاق لابد فيها من الوقوف على تفاصيل الواقعة، ولهذا ينبغي أن تعرضا مسألتكما على أحد المراكز الإسلامية في بلدكم، للتأكد من حقيقة ما جرى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1359)
تلفظ بالطلاق من أجل صراخ امرأته على ابنتها
[السُّؤَالُ]
ـ[استيقظت مذعوراً على صراخ زوجتي فقد كانت تصرخ على ابنتي وتؤنبها على توسيخها قميص زيها المدرسي. وقد غضبت من فعل الزوجة وصراخها في ذلك الوقت المبكر ونهرتها غضباً وقلت لها (طالقة إذا أنت صرخت أو تفوهت بكلمة أخرى على البنت) . ولكنها عصت أمري وتفوهت بكم كلمة عليها. فما الحكم في ذلك؟ هل الطلاق وقع عليها أم لا؟ وإذا كان كذلك فهل تعتبر طلقة واحدة أم ثلاث؟ وماذا علي أن أفعل الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي للزوج أن يتريث ويتمهّل لا سيما عند التلفظ بالطلاق، حتى لا يندم وقت لا ينفعه الندم.
وليس من الحكمة أن يطلق الرجل امرأته من أجل أنها صرخت على ابنتها أو رفعت صوتها.
ثانياً:
هذا يسميه العلماء " الطلاق المعلق " والصحيح في حكمه: أن الزوج إذا كان قاصداً لإيقاع الطلاق فعلاً وقع الطلاق بمجرد مخالفة الزوجة، وإذا وقع الطلاق فإنما يقع طلقة واحدة فقط.
وفي هذه الحالة عليك بمراجعتها (إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية) بقولك: راجعتك. والمستحب لك أن تُشهد على طلاقها ورجعتها.
أما إذا كان قاصداً منعها فقط من الصراخ ولم يقصد الطلاق فهذا حكمه حكم اليمين، فعليك كفارة يمين ولا يقع بذلك الطلاق. وانظر جواب السؤال رقم (82400)
ولمعرفة كفارة اليمين بالتفصيل انظر جواب السؤال رقم (45676) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1360)
أحكام ومسائل متعددة لزوج اكتشف علاقة غرامية بين زوجته ورجل أجنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجتي على علاقة غرامية بشاب، في بادئ الأمر كان بينهما اتصالات هاتفية، ولكن وصلت فيها الوقاحة أن أحضرته إلى البيت أثناء غيابي، هي إلى الآن لا تعرف أني علمت بالأمر، وأني أنوي طلاقها. سؤالي: هل يحق لي شرعاً أن أستعيد ما دفعت لها من مهر، وأن أجبرها على التنازل عن مؤخر المهر الذي سجلته على نفسي بأوراق مثبتة في المحكمة الشرعية؟ . سؤالي الثاني: سرقت مني زوجتي عدة مبالغ مالية، ولم أكتشف أنها الفاعلة إلا بعد السرقة الأخيرة، فهل يحق لي مطالبة أهلها باستعادة ما سرقته مني بالإضافة إلى استعادة المهر الذي ذكرته في سؤالي السابق؟ . سؤالي الثالث: عندنا طفلتان، الكبيرة عمرها سنتان ونصف، والصغيرة عشرة أشهر، وتوقفت عن الرضاعة من أمها، فهل يحق لي أن أحرم زوجتي بعد أن أطلقها من تربيتهم؛ بسبب ما فعلته من خيانة , فأنا أريد أن أربي بناتي بنفسي؛ خوفا من سوء أخلاقها؟ . سؤالي الرابع: زوجتي الآن حامل، هل أستطيع أن أطلقها وهي حامل؟ . سؤالي الخامس: حسب تقرير الطبيبة: الحمل غير مستقر إلى الآن، وقد تتعرض للإجهاض، إذا حصل ذلك هل يجب أن أنتظر حتى تأتيها الدورة الشهرية لكي أطلقها , ما هو التوقيت الشرعي للطلاق؟ . سؤالي السادس: هل يكفي طلقة واحدة أم يجب أن أطلقها ثلاث مرات متباعدات. أفيدوني، جزاكم الله عني كل خير، فأنا بانتظار فتواكم حتى أبدأ بالطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من تذكيرك أخي السائل قبل الإجابة على أسئلتك بأنك ترتكب إثماً عظيماً إن كنت تُخبر بخلاف الواقع، وبه تكون قاذفاً، تستحق الحد وهو ثمانون جلدة، وإن كنتَ صادقاً في دعواك فهي مصيبة ولا شك وابتلاء عظيم، ومع ذلك فإن مجرد وجود علاقة محرمة بين زوجتك وبين ذلك المجرم الآثم لا يعني حصول الزنا بينهما، لذا فينبغي لك الانتباه وأن تعلم أن عذاب الدنيا – وهو ثمانون جلدة – أهون من عذاب الآخرة، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع من يتهم زوجته.
عن ابن عمر قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا، وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
رواه البخاري (5005) ومسلم (1493) – واللفظ له -.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ... .
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (9 / 30) .
فإن ثبت بما لا مجال للشك به أنها على علاقة محرَّمة مع أجنبي، أو تبيَّن لك زناها، أو اعترفت هي لك به: جاز لك التضييق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها.
وإن كانت ليست على علاقة محرَّمة، ولم يتبين لك زناها، ولم تعترف: لم يجز لك ذلك التضييق.
وعلاقاتها المحرمة لا ينبغي لك السكوت عليها، فإما أن تختار البقاء معها بعد استتابتها وتذكيرها بقبح فعلها، وإما أن تختار فراقها، فإن كرهت بقاءها في ذمتك: فلك أن تطلقها مع إعطائها صداقها.
فأنت الآن بالخيار: إما أن تطلقها لفعلتها وتعطيها حقوقها، وإما أن تضيِّق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها، ولا يحل لك إبقاءها في ذمتك وهي على معصيتها دون توبة وإنابة منها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/ 19.
والفاحشة ليست هي الزنا فقط، بل ويدخل في لفظها: النشوز والعصيان للزوج، وسبه وسب أهله، ومن باب أولى دخول علاقتها المحرمة مع أجنبي في هذا اللفظ، وفي حكمه.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيَّب، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد، وعِكْرَمَة، وعَطاء الخراسانيّ، والضَّحَّاك، وأبو قِلابةَ، وأبو صالح، والسُّدِّي، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت: فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتُضَاجرهَا [تضيق عليها] حتى تتركه لك وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229.
وقال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير - أي: الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها، أو بعضه، ويفارقها، وهذا جيِّد، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (2 / 241) .
ولا بدَّ أن تعلم أن مجرد زنا الزوجة لا يُسقط مهرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك عندها؛ إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد ذلك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه، أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
ثانيا:
ما تأخذه المرأة من مال زوجها دون علمه له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك للإنفاق على نفسها، وعلى أولادها، وبيتها، ويكون سبب فعلها ذلك: بخل زوجها، وشحه في النفقة.
الحالة الثانية: أن يكون ذلك الأخذ لشراء كماليات، أو لإعطاء المال لأهلها، أو ما شابه ذلك من حالات الإنفاق.
وفي الحالة الأولى: لا يحل للزوج مطالبتها بهذا المال؛ لأنها أخذت ما هو حق لها؛ لأن نفقة الزوجة والأولاد واجبة على رب البيت، وإذا قصَّر فيها، أو منعها: جاز لها الأخذ من ماله، ولو دون علمه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند - امرأة أبي سفيان - للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح - (أي: بخيل) -، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ) .
رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
قال النووي - رحمه الله - في ذِكر فوائد الحديث -:
ومنها: أنَّ مَن له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه: يجوز له أن يأخذ من ماله قدْر حقه بغير إذنه.
" شرح مسلم " (4 / 373) .
وفي الحالة الثانية: لا يحل للزوجة أخذ شيء منك لغير ما سبق مما يجب عليك بذله، فإن فعلت أثمت، ولك أن تطالبها بما أخذته، وإن رفضت: فلك أن تستوفي مالك من مؤخر صداقها، أو مما لها من مال في ذمتك، إلا أن تكون أخذت ذلك المال للصدقة على المحتاجين، ففيه تفصيل، لكن ليس لك مطالبتها بما أنفقته.
ثالثا:
الأصل أن الأم أحق بحضانة أولادها – قبل سن السابعة - ما لم تتزوج، وليس المقصود بالحضانة الطعام والشراب والإيواء المادي فقط، بل – وأيضاً، وهو المهم -: التربية، والتعليم، والرعاية النفسية والخلقية، فإن كانت الأم كافرة أو فاسقة فلا يجوز تمكينها من حضانة أولادها، وليست العبرة في الحضانة كون الحاضن أباً أو أمّاً، بل العبرة بما يقدمه للمحضون من رعاية وتربية على الإسلام، وعليه: فأحق الوالديْن بالحضانة: أحسنهما دِيناً، فإن كانت الأم بعد تطليقها على غيها ومعصيتها: لم يجز تمكينها من حضانة أولادها، وتكون الحضانة للأب، وإن تابت وأنابت: فهي أحق بحضانتهم ما لم تتزوج، و (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
قال شيخنا – أي: ابن تيمية -: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمْره الذي أوجبه الله عليه: فهو عاصٍ، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته: فلا ولاية له عليه، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود: طاعة الله ورسوله بحسب.
قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صاحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان.
قال: فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة: فالحضانة هنا للأم قطعاً.
قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن، والله أعلم.
" زاد المعاد " (5 / 475، 476) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20705) .
رابعا:
طلاق الحامل طلاق شرعي، موافق للسنَّة، ويعتقد كثير من العامة أنه لا يقع، وقولهم لا أصل له في الشرع، بل هو طلاق سنِّي.
وقد روى مسلم (1471) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ".
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وأما الحامل: فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنَّة، من أول الحمل إلى آخره؛ لأن عدتها أن تضع ما في بطنها، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهراً، أو حاملاً، ولم يخصَّ أول الحمل من آخره.
" التمهيد " (15 / 80) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم (12287) .
وتستطيع ـ حينئذ ـ أن تطلق زوجتك طلقة واحدة رجعية، وأنت بالخيار بعدها، إما أن تراجعها في العدة – وهي هنا وضع حملها – إن رأيت صلاحها واقتنعت بتوبتها، وإما أن تنتظر انتهاء عدتها فتصير بعده بائنة بينونة صغرى، فتصبح حرة نفسها، وتستطيع إرجاعها برغبتها وبموافقة ولي أمرها بعقد ومهر جديدين؛ لأنها أجنبية عنك.
ولا تستطيع تطليقها ثلاث طلقات في مجلس واحد، ولا بلفظ واحد؛ لأنه تطليق مخالف للسنَّة.
وانظر جواب السؤال رقم (36580) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1361)
حكم طلاق السكران
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان يسكر فيضرب زوجته , ويطلقها مرات عدة شفهيا , كما كان يقول لها "أنت طالق بالثلاث " وهو ليس في وعيه , وبعد ذلك يصالحها , لكنه الآن تاب إلى ربه وأصبح يصلي وندم على ما كان يفعل فما حكم الشرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم في طلاق السكران إذا كان سكره بتناول ما يحرم عليه من الخمر بأنواعها هل يقع أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أن طلاقه يقع، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك، وأحد القولين للشافعي وأحمد رحمهم الله.
قالوا: لأن عقله زال بسبب معصية، فيقع طلاقه عقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب المعصية.
ينظر: "المغني" لابن قدامة (7/289) . واستدلوا.
القول الثاني: لا يقع طلاقه، وهو مذهب الظاهرية والقول الثاني للشافعي وأحمد، واستقر عليه قول الإمام أحمد، واستدلوا بأدلة، منها:
1 - قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء/43، فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر، لأنه لا يعلم ما يقول.
2 - وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يقر بالزنا، فقال: (أشرب خمرا؟) فقام رجل وشم فمه فلم يجد منه ريح خمر. رواه مسلم (1695) . وهذا يل على أنه لو كان شرب خمرا، فلا يقبل إقراره، فكذلك لا يقع طلاقه.
3- ولأنه قول عثمان بن عفان وابن عباس رضي الله عنهم، وليس لهما مخالف من الصحابة.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
وَقَالَ عُثْمَانُ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ.
قال ابن المنذر رحمه الله: هذا ثابت عن عثمان، ولا نعلم أحدا من الصحابة خلافه.
4 - ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره.
5 - ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم.
6 - ولأن العقل شرط التكليف ولا يتوجه التكليف إلى من لا يفهمه.
وينظر: "مجلة البحوث الإسلامية" (32/252) ، "الموسوعة الفقهية" (29/18) ، "الإنصاف" (8/433) .
والقول الثاني قد رجحه جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وأفتى به الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يقع طلاق السكران؟ وإن كان يقع فهل يحاسب على تصرفاته المتعدية الأخرى كالزنا والقتل والسرقة؟ فإن كان كذلك فما الفرق بين الحالتين؟
فأجاب: " اختلف العلماء في وقوع طلاق السكران، فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع طلاقه كما يؤخذ بأفعاله، ولا تكون معصيته عذراً له في إسقاط الطلاق، كما أنها لا تكون عذراً له من مؤاخذته بأفعاله من قتل أو سرقة أو زنا، أو غير ذلك.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق السكران لا يقع، وهذا هو المحفوظ عن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه؛ لأنه لا عقل له فلا يؤاخذ بأقواله التي تضر غيره، والطلاق يضره ويضر غيره فلا يؤاخذ به؛ لأن عقوبة السكران الجلد وليس من عقوبته إيقاع طلاقه، وهكذا عتقه، وسائر تصرفاته الأخرى كالبيع والشراء والهبة ونحو ذلك فكلها باطلة.
أما أعماله وأفعاله: فإنه يؤخذ بها، ولا يكون سكره عذراً له لا في الزنا، ولا في السرقة، ولا في القتل، ولا في غير هذا؛ لأن الفعل يؤخذ به الإنسان عاقلاً أو غير عاقل، ولأن السكر قد يتخذ وسيلة إلى ما محرم الله من الأفعال المنكرة، وقد يحتج به، فتضيع أحكام هذه المعاصي، ولهذا أجمع أهل العلم على أخذه بأفعاله.
أما القول: فالصحيح أنه لا يؤخذ به، فإذا عُلم أنه طلق في السكر عند زوال العقل، فإن الطلاق لا يقع، وهكذا لو أعتق عبيده في حال السكر، أو تصرف بأمواله في حال السكر، فإنه لا يؤخذ بذلك، وكذلك إذا باع أو اشترى، وكذلك جميع التصرفات التي تتعلق بالعقل لا تقع ولا تثبت؛ لأن ذلك من تصرفاته القولية كما بينا، وهذا هو المعتمد وهو الذي نفتي به، وهو أن طلاقه غير واقع متى ثبت سكره حين الطلاق، وأنه لا عقل له.
وأما إذا كان غير آثم بأن سُقي شراباً لا يعلم أنه مسكر، أو أجبر عليه، وأسقي الشرب عمداً بالجبر والإكراه، فإنه غير آثم، ولا يقع طلاقه في هذه الحال عند الجميع؛ لأن سكره ليس عن قصد، فلا يؤخذ به، بل هو مظلوم، أو مغرور " انتهى من "فتاوى الطلاق" ص (29) .
وانظر: "الشرح الممتع" (10/433) ط المكتبة التوفيقية.
وبناء على ذلك، فلا يقع الطلاق على زوجة المذكور، ونحمد الله تعالى أن وفقه للتوبة، وهداه للاستقامة، ونسأل الله لنا وله الثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1362)
قال لزوجته: انتهى كل شيء ولا يدري هل نوى الطلاق أو لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت لي مع زوجتي مشكلة وقلت لها: انزلي من السيارة وسوف تأتيك ورقتك ومنذ ذلك الحين وأنا متردد في موضوع طلاقها مرة أُحدث نفسي أقول سأطلقها ومرة أخرى أقول لن أطلقها سأعطيها فرصة ثانية وكانت زوجتي حاملاً وقبل أن تلد توجهت لإدارة الفتوى التي في بلدي وقلت لهم المشكلة واستفتيتهم هل وقع الطلاق أم لا وأفتوني أنه لم يقع لأنك لم ترسل الورقة وقررت أن أجعلها تمكث في بيت أهلها لكي تتأدب حتى ولدت وقلت لنفسي سوف أحضرها ولكن سأرجع للمفتى ليطمأن قلبي وأعدت عليه المسألة ولكنني زودت نقطة لم أذكرها له سابقاً لأنني نسيتها أو اعتقدت أنها ليست مهمة لجهلي بفقه الطلاق وهى أنني قلت لزوجتي إضافة إلى أن ورقتها سوف تأتيها: أن كل شيء انتهى. وهنا قال لي المفتي هذه ترجع لنيتك وأمور أخرى يجب أن تتأكد منها، ووقعت في حيرة من أمري الآن، ولا أعرف ما نيتي؟ هل هي تهديد أم أنني وقتها كنت غاضبا وأقصد بها شيئاً آخر؟ والمرأة الآن ولدت ولا أعرف ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قولك لزوجتك: انزلي من السيارة وستأتيك ورقتك، وانتهى كل شيء، يعتبر من كنايات الطلاق، فيُرجع فيه إلى نيتك، فإن أردت التهديد والتخويف بالطلاق، لم يقع الطلاق حتى توقعه، وإن أردت طلاقها بذلك الكلام، وقعت عليها طلقة، ولك مراجعتها أثناء العدة، ومعلوم أن عدة الحامل وضع الحمل، فإذا انقضت العدة دون مراجعة، لم تعد إليك إلا بعقد جديد ومهر جديد.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن كناية الطلاق يقع بها الطلاق بدون نية، إذا تكلم بها في حال خصومة أو غضب.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": (7/306) : " فأما غير الصريح ; فلا يقع الطلاق به إلا بنية , أو دلالة حال " انتهى. وينظر: شرح منتهى الإرادات (3/87) .
وقال في "زاد المستقنع": " ولا يقع بكنايةٍ طلاقٌ إلا بنية مقارنة للفظ، إلا حال خصومة، أو غضب، أو جواب سؤالها " انتهى باختصار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " هذه ثلاث أحوال يقع بها الطلاق بالكناية بلا نية. فقوله: " خصومة " يعني مع زوجته، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه، لأن لدينا قرينة تدل على أنه أراد فراقها.
وقوله: " أو غضب ": أي حال غضب ولو بدون خصومة، كأن يأمرها أن تفعل شيئا فلم تفعل فغضب، فقال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه.
وقوله: " أو جواب سؤالها ": يعني: قالت: طلقني، قال: اذهبي لأهلك، يقع الطلاق ...
ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية، حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي أو ما أشبه ذلك، غضبا، وليس في نيته الطلاق إطلاقا ... " انتهى من "الشرح الممتع" (13/75) .
وعلى ما رجحه الشيخ رحمه الله، نقول: إن لم تنو الطلاق بكلامك السابق، فالطلاق لا يقع. وإن كنت لا تدري ما هي نيتك، فالأصل هو عدم نية الطلاق، فلا يقع الطلاق حينئذ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1363)
إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الرجل: إن تزوجت فلانة فهي طالق , هل يؤدي ذلك إلى وقوع الطلاق تلقائيا حال زواجه؟ أعتقد أن الأحناف والمالكية يقولون بوقوع الطلاق بينما يقول الآخرون كالشافعية والحنابلة بعدم وقوعه. فهل بوسعكم إخباري بالرأي الراجح ورأي الجمهور؟ وهل هناك دليل يدعم رأي الأحناف والمالكية بأن التلفظ بعبارة طلاق قبل الزواج يؤدي إلى وقوع الطلاق بشكل تلقائى فى أي زواج مستقبلي؟ وختاما هل هناك اختلاف في الحكم الشرعي بين ما إذا قيلت عبارة الطلاق بشكل عام (دون ذكر امرأة محددة) وبين ما إذا خصصت (بذكر امرأة فى العبارة) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء فيما إذا قال الرجل: إن تزوجت فلانة – وذكر امرأة معينة – فهي طالق، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إن تزوجها لم يقع عليه طلاق، وذهب الحنفية والمالكية إلى أنها تطلق.
وأما إن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، ولم يحدد امرأة بعينها، فلا يقع الطلاق إلا عند الحنفية.
وخالفهم المالكية فلا يقع الطلاق عندهم إلا إذا عيّن امرأة، أو زمانا أو بلدا، كقوله: كل امرأة أتزوجها إلى عشر سنين فهي طالق.
وما ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الراجح الذي دل عليه الدليل الصحيح، فقد روى الترمذي (1181) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ , وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ , وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) ، صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى أبو داود (2190) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَلَاقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ , وَلَا عِتْقَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ , وَلَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وذكر البيهقي رحمه الله عن جمهور الصحابة والتابعين أنهم فهموا من هذه النصوص أنه إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق , ثم تزوجها , أن الطلاق لا يقع , لأنه علقه وتلفظ به في وقت لا يملكه. نقله عنه الحافظ في فتح الباري.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل قال: كل امرأة أتزوجها فيه طالق , فقال: ليس بشي , من أجل أن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) .
وروى ابن خزيمة عنه أيضا أنه سئل عن الرجل يقول: إذا تزوجت فلانة فهي طالق , قال: ليس بشيء , إنما الطلاق لمن ملك , قالوا: فابن مسعود قال: إذا وقّت وقتاً فهو كما قال (يعني: أن الطلاق يقع) , قال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال , لقال الله: (إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/416) : " وإذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق. لم تطلق إن تزوج بها " ثم ذكر ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله، ثم قال: " روي هذا عن ابن عباس. وبه قال سعيد بن المسيب , وعطاء , والحسن , وعروة والشافعي وأبو ثور , وابن المنذر. ورواه الترمذي عن علي , وجابر بن عبد الله , وسعيد بن جبير , وعلي بن الحسين , وشريح , وغير واحد من فقهاء التابعين , قال: وهو قول أكثر أهل العلم " انتهى باختصار.
وقد اختار الإمام البخاري رحمه الله قول الجمهور , وهو عدم وقوع الطلاق , وذكره عن علي وابن عباس رضي الله عنهما , وجماعة من التابعين فقال رحمه الله: "بَاب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ" انتهى.
وينظر: فتح القدير (4/113) ، المنتقى للباجي (4/117) ، شرح الخرشي على خليل (4/38) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1364)
أغضبت زوجها غضبا شديدا وسألته الطلاق فطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أغضبت زوجي غضبا شديدا جدا وطلبت منه الطلاق وأجبرته على ذلك وأغلقت الباب وقلت له لا تخرج حتى تطلقني فطلقني وهو غاضب ولم تكن لدية نية تطليقي وأنا ندمت على ذلك فهل يقع الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق في حال الغضب، منه ما لا يقع باتفاق العلماء، ومنه ما يقع باتفاقهم، ومنه ما هو مختلف فيه، حسب نوع الغضب ودرجته، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (22034) و (45174)
وحاصله أن الغضب الذي يخرج الإنسان عن شعوره وإدراكه، لا يقع معه الطلاق.
وكذلك الغضب الشديد الذي يدفع الإنسان للطلاق، ولو كان في حال الاختيار والهدوء ما طلق، لا يقع معه الطلاق، على الراجح الذي اختاره جماعة من أهل العلم، وعليه فما دام أن زوجك تلفظ بالطلاق في حال الغضب الشديد، فإن الطلاق لا يقع.
ثانيا:
لا يجوز للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك، كسوء العشرة من الزوج؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
لكن إن فعلت ذلك لشدة غضب أو توتر، فعليها أن تستغفر الله تعالى، ولا تَعدُْ إلى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1365)
المطلقة قبل الدخول والخلوة لها نصف المهر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد خطبت (يوجد عقد قران لدى شيخ بحضور ولي أمر الفتاة وشهود) واستمرت الخطبة عدة شهور دون أن أدخل بها ولكن كان بيننا خلوات عديدة بحكم أنها زوجتي شرعا حدثت خلافات عديدة أدت إلى توصلنا إلى قرار الطلاق وعند مناقشة الأمر مع ولي أمرها (والد الفتاة) أخبرته حرفياً أنني أريد الانفصال وأنا جاهز لكل الالتزامات المادية المترتبة علي جراء ذلك وكان جوابه نحن لا نريد منك شيئا وتكررت هذه العبارة من طرفي وطرف ولي أمرها 3 مرات خلال ثلاث محادثات هاتفية وتم الطلاق على أن قلت لولي أمرها (وبعلمها) أن ابنتك فلانة طالق طالق طالق وسؤالي: هل طلاقي صحيح ويعتبر طلاقاً غير قابل للرد 2- طالبتني والدة الفتاة بعد الطلاق بأسبوع بأنها تريد نصف المهر كما ورد في القرآن في سورة البقرة في حالة الطلاق دون المس (ولدى الاستفتاء ورد أن المس هنا المقصود به الدخول) وعندما أخبرتها أن والد الفتاة قد تنازل عن المهر قالت إنه كان في حالة صدمة لهول خبر الطلاق وطلبي أن أطلق الفتاة. علماً أني قد أخبرته كما ذكرت ثلاث مرات وعلى يومين متتالين وفي كل المرات كان جوابه نحن لا نريد منك شيئا ولم نكن نحن الاثنين (أنا ووالد الفتاة) بحالة غضب أو هياج يؤدي إلى عدم وعي ما نقول هل يترتب على دفع نصف المهر أم أن الحق قد سقط لتنازل ولي أمر الفتاة عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا طُلقت المرأة قبل الدخول فلها نصف المهر المسمى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/237
واختلف الفقهاء في الخلوة هل توجب المهر كاملا كالدخول أو لا؟ فذهب الجمهور إلى أنها توجب المهر كاملا، فمن خلا بزوجته خلوة صحيحة، أي انفرد بها دون حضور كبير أو طفل مميز، ثم طلقها فلها المهر كاملا.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/191) : " وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة , وإن لم يطأ. روي ذلك عن الخلفاء الراشدين....
روى الإمام أحمد , والأثرم , عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون , أن من أغلق بابا , أو أرخى سترا , فقد وجب المهر , ووجبت العدة. ورواه الأثرم أيضا , عن الأحنف , عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب. وعن زيد بن ثابت: عليها العدة , ولها الصداق كاملا. وهذه قضايا تشتهر , ولم يخالفهم أحد في عصرهم , فكان إجماعا " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (12/293) : " وقد ذكر عن الإمام أحمد رواية ينبغي أن تكون قاعدة، قال: لأنه استحل منها ما لا يحل لغيره، ولهذا قالوا: لو مسها بشهوة أو نظر إلى شيء لا ينظر إليه إلا الزوج كالفرج فإنها تستحق المهر كاملاً، لأنه استحل منها ما لا يحل لغيره " انتهى.
وعلى هذا فإذا كان حصل منك استمتاع بها وجب لها المهر كاملاً، وعليها العدة كالمدخول بها.
ثانيا:
للمطلقة أن تعفو عن نصيبها من المهر إن كانت بالغة رشيدة؛ لقوله تعالى: (إلا أن يعفون) .
ولمن بيده عقدة النكاح أن يعفو كذلك، واختُلف فيه هل هو الزوج أو الولي؟
فذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي في الجديد إلى أن المراد به الزوج، فله أن يعفو عن نصفه ويدعه لمطلقته. وذهب مالك والشافعي في القديم إلى أنه الولي، فله أن يعفو عن نصف مهر موليته. والصحيح أنه الزوج، وأن الولي ليس له أن يسقط حق موليته.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (1/195) : " اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح , فظاهر مذهب أحمد رحمه الله , أنه الزوج. وروي ذلك عن علي وابن عباس.. لأن الله تعالى قال: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقه , أما عفو الولي عن مال المرأة , فليس هو أقرب إلى التقوى , ولأن المهر مال للزوجة , فلا يملك الولي هبته وإسقاطه , كغيره من أموالها وحقوقها , وكسائر الأولياء " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصحيح أنه الزوج، فهو الذي بيده عقدة النكاح، إذا شاء حلها. ويكون المعنى: إلا أن تعفو الزوجات أو يعفو الأزواج، فإن عفا الزوج صار الكل للزوجة، وإن عفت الزوجة صار الكل للزوج " انتهى من "الشرح الممتع" (12/292) .
وبناء على ذلك، إذا كان والد مطلقتك قد أسقط حقها من المهر بعلمها ورضاها، فقد أسقطت حقها، فلا شيء لها، ولا يجوز لها المطالبة بعد ذلك بما أسقطته، أما إذا كان إسقاطه حقها ليس عن علمها ولا رضاها فلا يسقط حقها بذلك، لأن الأب قد أسقط ما لا يملك إسقاطه. فعليك أن تعطيها حقها من المهر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1366)
حلف بالطلاق ثلاثا في حال الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تدرس وحصل بيننا خلاف وحلفت عليها بالطلاق ثلاثاً إن هي ذهبت للمدرسة وكنت جاداً في هذا الحلف وأنوي ذلك فعلاً حيث إنني كنت في حالة غضب شديدة وبعد أيام تراجعت عن حلفي ولم تذهب إلى المدرسة حتى الآن أرجو إفادتي إن كان في حال ذهابها إلى المدرسة يقع الطلاق أم لا؟ وإذا هناك كفارة لهذا الحلف أم لا؟ وأنا الآن أريدها أن تذهب لتكمل تعليمها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تساهل الرجل في التلفظ بالطلاق خطأ عظيم، قد يؤدي إلى تفكك أسرته من حيث لا يريد، والله تعالى لم يشرع الطلاق ليكون مادة للعبث والاستهتار، أو التلاعب بمشاعر المرأة، وإنما شرع ليستعمله الرجل في الوقت الذي يريد فيه إنهاء النكاح إذا وجد ما يدعو لذلك.
فالواجب على الرجل أن يحفظ لسانه، وينأى بنفسه عن التلفظ بالطلاق فيما لا يستحق الطلاق، حتى لا يندم وقت لا ينفع الندم.
ثانيا:
الطلاق في حال الغضب، منه ما لا يقع، ومنه ما يقع، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45174) .
وحاصله أن الغضب الذي يخرج الإنسان عن شعوره وإدراكه، لا يقع معه الطلاق، وكذلك الغضب الشديد الذي لا يملك الرجل فيه نفسه، لطول النزاع أو المضاربة أو المشاتمة.
والرجل هو الذي يستطيع تحديد درجة الغضب التي وصل إليها، وبالتالي يحكم بوقوع طلاقه أم لا.
ثالثا:
طلاق الثلاث بكلمة واحدة، كقول الرجل: أنت طالق ثلاثا، أو علي الطلاق ثلاثا، يقع به طلقة واحدة، في القول المختار عند جمع من أهل العلم.
فإذا كان الغضب لم يبلغ منك مبلغا يسقط عنك الطلاق، فإنه تقع عليك واحدة في هذه المسألة – في حال ذهاب الزوجة للمدرسة – ولك مراجعتها ما دامت في العدة.
وينظر جواب السؤال رقم (36580) لمزيد الفائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1367)
قال لزوجته: اعتبري نفسك طالقا بعد الطهر
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث خلاف بيني وبين زوجتي وكانت حائضا فقلت لها: اعتبري نفسك طالقا بعد الطهر، وبالطبع. كانت نيتي تطليقها بعد الطهر، وبعد الطهر لم أطلق ولم أمسها، قلت في نفسي: إن كنت طلقتها فقد راجعتها، فهل يقع الطلاق بهذه الصيغة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دامت نيتك أنك تطلق بعد الطهر ولم تفعل فلا يقع الطلاق بهذا اللفظ.
وقد عرضنا سؤالك على الشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأجاب:
" الحمد لله، مثل هذا لا يقع طلاقه؛ لأن قصده إيقاعه في المستقبل ولم يوقعه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1368)
قول الرجل لزوجته سوف أطلقك لا يقع به الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لو قال شخص لزوجته إن شاء الله سوف أطلقك وأستريح منك ولم ينطق بغير ذلك هل تعتبر طالقاً؟ بالرغم أن نيته لم تكن الطلاق بل التهديد فقط وهو متأكد من ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الرجل لزوجته: إن شاء الله سوف أطلقك وأستريح منك، لا يعتبر طلاقا، بل هو تهديد ووعيد بالطلاق في المستقبل، فلا يقع الطلاق إلا إذا أنشأه فيما بعد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1369)
طلاق الثلاث يقع واحدة على القول الراجح
[السُّؤَالُ]
ـ[طلق صديقي زوجته في حالة غضب. طلقها ثلاث طلقات في هذه المرة الواحدة. وقد قرأت على الإنترنت أن الثلاث طلقات تحسب واحدة فهل هذا صحيح؟ وقرأت أن الغضب ثلاثة أنواع فهل هذا صحيح أيضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في طلاق الثلاث، والراجح أنه يقع واحدة، سواء تلفظ بها بكلمة واحدة كقوله: أنت طالق ثلاثا، أو تلفظ بها بكلمات متفرقة، كقوله: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه الشيخ السعدي رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
واستدلوا بما رواه مسلم (1472) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ)
ثانيا:
المطلّق في الغضب له ثلاثة أحوال:
1- إن كان غضبه يسيرا بحيث لا يؤثر على إرادته واختياره فطلاقه صحيح واقع.
2- وإن كان غضبه شديداً بحيث صار لا يدري ما يقول ولا يشعر به فهذا طلاقه لا يقع لأنه بمنزلة المجنون الذي لا يؤاخذ على أقواله.
وهذان الحالان للغضب لا خلاف في حكمهما بين العلماء، وبقيت حال ثالثة، وهي:
3- الغضب الشديد الذي يؤثر على إرادة الرجل فيجعله يتكلم بالكلام وكأنه مدفوع إليه، ثم ما يلبث أن يندم عليه بمجرد زوال الغضب، ولكنه لم يصل إلى حد زوال الشعور والإدراك، وعدم التحكم في الأقوال والأفعال، فهذا النوع من الغضب قد اختلف العلماء في حكمه، والأرجح – كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله - أنه لا يقع أيضاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في الإرواء (2047) . والإغلاق فسره العلماء بأنه الإكراه والغضب الشديد.
وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم، وألف فيه رسالة مشهورة اسمها: إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.
وانظر جواب السؤال رقم (45174)
وبناء على هذا القول، فإن كان صديقك قد تكلم بالطلاق في حالة غضب شديد، فلا يقع عليه شيء من الطلاق، وإن كان غضبه يسيراً وقعت طلقة واحدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1370)
زوجته تتطاول عليه بالسب والشتم فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة سيئة الخلق تسب زوجها بكثير من الشتائم وحذرها أكثر من مرة وهى مصرة على التطاول والغلط وليس له طاقة على التحمل وله ابنة يخاف عليها من الفراق فما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الزوجة تتطاول على زوجها بالسب والشتم والإساءة، فعليه أن ينصحها، ويحذرها، ويبين لها ما يترتب على كلامها السيئ من الإثم، لا سيما والزوج أحق الناس بصلتها ومعروفها وإحسانها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) رواه أبو داود (2140) والترمذي (1159) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينبغي أن يسلك معها ما ذكره الله تعالى في كتابه من الوعظ والهجر والضرب غير المبرح، فإن لم يُجد شيء من ذلك، فينبغي أن يستعين على نصحها بالصالح من أهلها، وذلك حفاظا على الأسرة، ومراعاة لحق الأولاد إن وجدوا، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
ومن الموعظة التي تقدم لها: أن يبيّن لها ما عليها من الإثم في معصيتها لزوجها، وما لها من ثواب وأجر جزيل إذا أطاعته.
وأيضاً: يبين لها ما عليها وعلى زوجها وعلى ابنتها من الضرر في حال حصول الطلاق أو استمرار العشرة على هذا النحو.
فإن استجابت المرأة للنصح، وأثّرت فيها الموعظة، وعدلت عن المخالفة، فهذا هو المطلوب، وإن استمرت في غيها وسفهها، فلا حرج على الزوج من طلاقها.
فقد ذكر العلماء أن الطلاق يكون مباحاً " عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها، من غير حصول الغرض بها "
" المغني" (10/324)
وما ذكرته من خوفك على ابنتك فيما لو حدث الفراق، أمر ينبغي اعتباره، فإن كنت تخشى ألا تستطيع القيام بتربيتها، وأن تتضرر البنت بهذا الطلاق، فينبغي أن توازن بين المفسدتين، مفسدة بقائك مع امرأة سيئة الخلق، تسيء إليك، ومفسدة ما قد يحصل لابنتك بعد إيقاع الطلاق، ومن قواعد الشريعة: "ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما ".
وينبغي أن تستخير الله تعالى قبل اتخاذ قرارك، وأن تسعى للإصلاح ما أمكنك، فإن تعذر ذلك فاجتهد أن تحتاط لابنتك، وأن تؤمن حضانتها عندك، ولا تتركها لهذه المرأة تربيها على أخلاقها.
ونوصيك بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وملازمة التقوى، فإن الله وعد أهل التقوى بالرزق والفرج، قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3.
كما نوصيك بالتوبة إلى الله تعالى من سائر الذنوب، فإن سوء خلق الزوجة قد يكون عقابا للعبد على ذنوب يرتكبها، كما ذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1371)
أرجع زوجته في عدتها بفتوى وجاءت بفتوى مضادة وتزوجت غيره!
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت متزوجاً بامرأة، ولي منها ابن، وحصل بيني وبينها خلاف، فطلقتها، وأثناء فترة العدة حصلتْ مشادة كلامية بيني وبين أخيها، فأقسمت وقلت " إن لم تعد فلانة إلى بيتي قبل الفجر فهي طالق بالثلاثة "، فمنعها أخوها، ولم تعد، ولم أكن حينها قد راجعتها، وبعد فترة قليلة استفتيتُ فأُخبرت أني يجوز أن أراجعها، ولم أستقص هل وقعت الطلقة الثانية أم لا، وبعد فترة سنتين وقعت إشكالية كبيرة كان للأهل دور كبير فيها، فطلقتها، إلا أني وأثناء فترة العدة التقيت بطليقتي، ووقع بيننا ما يقع بين الأزواج، فاستفتيت أحد العلماء العاملين في القضاء في بلدي فأفتاني كتابيّاً أن الطلقة التي لم أستقص عنها لا تقع حيث إن طلاق المطلقة لا يقع، وأن الرجعة بمواقعتي لها صحيحة، وأشهدت بذلك اثنين من الزملاء، وأعلمت بذلك زوجتي، ولم أُعلم أهلها بسبب حدة الخلاف العائلي، وغضب أهلي مني إن علموا أني أرجعتها، إلا أني طلبت منها أن تصبر على ذلك ويستمر أمر الرجعة سرّاً حتى أتمكن من الاستقلال عن أهلي، وبعد مرور عام كنت ألتقي فيه بها سرّاً ويحصل بيننا أحيانا ما يكون بين الأزواج، أنعم الله عليَّ بفرصة السفر إلى الخارج لإكمال الدراسة، فاتصلت بها قبل سفري ب 10 أيام وأخبرتها أن مشكلتنا جعل الله لها حلاًّ، وطلبت منها الانتظار شهراً أو شهرين، وسأخبرها كيف فتح الله عليَّ، وسافرت ولم أخبرها، وبعد سفري بأسبوع تفاجأت بأهلي يخبرونني أن طليقتي (كما يظنون) تزوجت! فأسقط عليَّ ولم أدر كيف أتصرف وأنا في الغربة، ولم أصدِّق، فحاولت الاتصال بزوجتي فأخبرتني أنها ظنت أنني كنت أخدعها طول الفترة، وأني غدرت بها؛ لأنها علمت أن فترة السفر لن تقل عن 5 سنوات، وادَّعت أنها استفتت عالماً في الراديو هل تعتبر مواقعة الزوجة بغير نية الرجعة رجعة أم لا فأفتاها بوجوب النية. فاستفتيت وأُخبرتُ أنه من حقي أن أرفع قضية التفريق، أو أن أطلقها، على أن أبلغهم لكي تعتد من الطلاق، مع العلم أنهم زوجوها من غير أن يأخذوا مني ورقة الطلاق، وهو الشيء الذي كنت أعتمد عليه أن أبلغهم حين يطلبون ورقة الطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن أحب أعمال جنود إبليس عنده هي التفريق بين الزوجين، ولا تزال الشياطين تتنافس بينها للحصول على شرف التقرب من إبليس والحوز على المكانة العالية عنده.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ - وَيَلْتَزِمُهُ - وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) رواه مسلم (2813) .
وما نراه ونسمعه ونقرؤه من أفعال الأزواج يدل على نجاح الشياطين في مهامها، فنِسَب الطلاق في البلدان الإسلامية مهولة، ولو رجعت إلى أسبابها لرأيت القليل منها بسبب الدين! وأكثرها على أشياء تافهة من الدنيا، فيتعجل الزوج ويغضب ويطلق، ثم يكون تفريق الأسرة وتشتيتها، وضياع الأولاد ودمارهم.
فلعلَّ من يقرأ هذا أن يتأنى في طلاقه، وأن يحرص على لم شمل أسرته وإسعادهم، وأن يتجنب الطلاق، حتى لا يُدخل الشقاء على نفسه وأسرته.
ثانياً:
ومن حيث العموم: فكثير من مسائل الطلاق فيها خلاف بين العلماء، وما يعلمه الزوج من الأحكام قبل تلفظه بالطلاق: فإنه يلزمه العمل بما يعلم، وما كان جاهلاً به: فإنه إن سأل من يثق بدينه وعلمه وأفتاه بشيء: فإنه يلزمه الأخذ به، ولا يحل له التنقل بين العلماء للحصول على فتوى أخرى، ولا ينبغي له التشكك في أثرها، فهو قد أدى ما أمره الله تعالى به من سؤال أهل الذِّكر، وأوجب عليه الاستجابة للحكم، وبخاصة إن كان ذلك الحكم صادراً من قاضٍ شرعي، فحكم القضاء يفصل في مسائل الخلاف، وجواب العالم الموثوق للسائل يلزمه الأخذ به.
ثالثاً:
وما قاله له ذلك العالم من أن الطلاق لا يقع على المطلقة، قد اختاره جماعة من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين.
رابعاً:
وما قاله لك العالِم من أن جماعك لزوجتك يُعتبر إرجاعاً لها هو مذهب الحنفية والحنابلة، ولا حرج عليك من الأخذ بهذا القول لأنك فعلت ما أمرت به وهو سؤال أهل العلم، والمسألة من مسائل الاجتهاد التي اختلف فيها العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد.
والرواية الثانية: تحصل الرجعة بالوطء سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، اختارها ابن حامد والقاضي، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي" انتهى.
" المغني " (8 / 482) .
ونرى أن إعلامك زوجتك بالفتوى وإرجاعك لها، وإشهادك شاهدين على الإرجاع: قد يكون طريقاً منفصلاً عن الجماع في كونه إرجاعاً، فإعلامك لها وللشاهدين هو تصريح منك بإرجاعها.
وعلى كل حال فأنتَ قد استفيتَ وأُفتيت بكونها راجعة، وإعلامك لها وإشهادك مقوٍّ للإرجاع إن لم يكن مستقلاًّ.
وعليه: فلا عبرة بما ادعته زوجتك من كونها استفتت أحداً من أهل العلم فأفتاها بعدم الرجعة لكون الجماع كان بغير نية الإرجاع، لأنك قد استفتيت وأعلمتها بالفتوى وأشهدت على ذلك، وبهذا تكون قد تمت الرجعة في كامل صورتها، وليس من سبيل للزوجة لمخالفة هذا.
خامساً:
إخبار أهلك أو أهل زوجتك ليس شرطاً في الإرجاع، بل إن إخبار الزوجة نفسها ليس شرطاً، فقد يُرجع الزوج زوجته الرجعية وهي بعيدة عنه، فلا يشترط إخبارها ولا رضاها.
قال تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/228.
قال القرطبي رحمه الله:
وأجمع العلماء على أن الحُرَّ إذا طلق زوجته الحرة، وكانت مدخولاً بها، تطليقة، أو تطليقتنين: أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها، وإن كرهت المرأة.
" تفسير القرطبي " (3 / 120) .
وكان الأولى إخبار أهلها بكونك أرجعتَ زوجتك لعصمتك، وعدم إعلامك قد تسبب في فعل منكر شنيع، وهو قيامهم بتزويجها، ظانين أن طلاقك وغيابك يجعل ابنتهم مطلقة طلاقاً تملك فيه النكاح.
وقد أمر الله تعالى بالإشهاد على الرجعة بقوله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الطلاق/2، من أجل قطع النزاع وتذكير الناسي، وتنبيه الغافل عن عدد الطلقات.
وقد أشار الفقهاء في حالة عدم الإشهاد على الرجعة أنه قد يحصل نزاع وشقاق بحصول الرجعة من عدمها، وأن المرأة قد تتزوج من آخر مدعية أنه لم تحصل رجعة.
ففي " الموسوعة الفقهية " (22 / 114) :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إعلام الزّوجة بالرّجعة مستحبّ، لما فيه من قطع المنازعة الّتي قد تنشأ بين الرّجل والمرأة.
قال العينيّ ما نصّه: " ويستحبّ أن يعلمها " أي يعلم المرأة بالرّجعة، فربّما تتزوّج على زعمها أنّ زوجها لم يراجعها وقد انقضت عدّتها ويطؤها الزّوج، فكانت عاصيةً بترك سؤال زوجها وهو يكون مسيئاً بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحّت الرّجعة، لأنّها استدامة النّكاح القائم وليست بإنشاءٍ، فكان الزّوج متصرّفاً في خالص حقّه، وتصرّف الإنسان في خالص حقّه لا يتوقّف على علم الغير " انتهى.
وعليك الآن: رفع قضيتك للمحكمة الشرعية، مع إبراز الفتوى الكتابية من ذلك العالم، وإحضار الشاهدين، لتثبت من خلال ذلك إرجاع زوجتك لعصمتك.
وإن استطعت إفهام الجميع هذا الأمر، دون اللجوء للمحكمة الشرعية: فحسنٌ.
وننبهك إلى أنك لو لم تكن تريد الرجوع إليها فإنه لا يحل لك السكوت عن الأمر، فيمكنك بعد تسوية الأمر تطليقها إن أردت، لكن اعلم أن سكوتك يعني بقاء نكاحها الثاني غير الشرعي مستمرّاً، وهذا أمر منكر شنيع.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن ييسر لك الخير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1372)
إذا علق الطلاق على فعل الغير ففعله ناسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق إذا خرجت، فأطاعته ولم تخرج إلا بإذنه، ولكن مرة من المرات نسيت وخرجت دون أن تقول له، فهل الطلاق يقع أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من قال لزوجته: أنت طالق إن خرجت، فإن خرجت ذاكرة مختارة، وقع الطلاق عند جمهور الفقهاء.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الطلاق المعلق إن أراد صاحبه منعها من الخروج، ولم يرد الطلاق: أنه يلزمه كفارة يمين في حال خروج الزوجة،ولا يقع بذلك طلاق.
أما إن قصد الطلاق، فإنه يقع عند حصول الأمر المعلق عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعض أهل العلم.
ثانيا:
إذا فَعَلَ ما عَلَّق عليه الطلاق ناسيا، وقع طلاقه عند جمهور الفقهاء، خلافا للشافعية، وأحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام، وصوبها المرداوي في "الإنصاف" (9/114) .
وكذلك لو علق الطلاق على فعل الغير، ففعله ناسيا، كما في الصورة المسئول عنها، فلا يقع الطلاق عند الشافعية، وهو الراجح. لكنهم اشترطوا أن يكون هذا الغير ممن يبالي بكلام الزوج ويتحاشى مخالفته، أما إذا كان لا يبالي بكلامه، فإن الطلاق يقع مع نسيانه.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (3/301) : " وكذا لا تطلق إن علّق بفعل غيرٍ من زوجةٍ أو غيرها، وقد قصدَ بذلك منعه أو حثه وهو ممن يبالي بتعليقه فلا يخالفه فيه، لصداقة أو نحوها، وعلم بالتعليق ففعله الغير ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً.
وإن لم يقصد منعه أو حثه، أو كان ممن لا يبالي بتعليقه كالسلطان، أو لم يعلم به ففعله كذلك [أي: ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً] طلقت لأن الغرض حينئذ مجرد التعليق بالفعل من غير قصد منع أو حث " انتهى بتصرف.
ومثل ذلك قال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/178) .
وأفتى الشيخ ابن باز رحمه الله فيمن علق الطلاق على أمر ثم فعله ناسيا، أنه لا تطلق زوجته " لأن من شرط وقوعه أن يكون متعمدا فعل ما علق عليه الطلاق، والناسي لم يتعمد شرعا ". "فتاوى الشيخ ابن باز" (22/47) .
تنبيه: على القول بعذر الناسي، فإن يمين الطلاق أو الطلاق المعلق يظل كما هو، فإن خرجت الزوجة بدون إذن زوجها، بلا عذر من نسيان أو إكراه، وقع الطلاق إن كان قد أراد الطلاق، فإن لم يكن أراده فعليه كفارة يمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1373)
وعدها زوجها بالطلاق بعد طهرها من الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت مشكلة بيني وبين زوجي وصار يضربني على كل كبير وصغير، فذهبت إلى جارتي ورفضت الرجوع إليه فقال لي: ارجعي إلى بيتك شهراً إلى أن تأتيك حيضتك ثم بعد الطهر أطلقك. فرجعت على أنه سوف يطلقني ولكنه قال بعد ذلك أنه لا ينوي الطلاق وإنما قال الكلام السابق ليبين لي أن الطلاق السني يكون بعد الحيضة بطهر لا جماع فيه. وأنا أرفض قوله هذا لأنه قال كلمته وأنا عند جارتي على سبيل الإقناع لي بأنه سوف يطلقني بعد الحيضة فهل يقع ذلك طلاق أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الرجل لزوجته: " ارجعي لبيتك وأولادك شهرا إلى أن تأتيك حيضتك ثم بعد الطهر أطلقك ": لا يقع به طلاق، لأنه وعد بالطلاق فقط، فلا يقع حتى يطلق الزوج فعلاً بعد الحيض.
والإنسان قد يعزم على الطلاق ثم يراجع نفسه، وينقض عزمه، ولعل في ذلك خيرا لك ولأولادك.
والواجب أن تكون المعاشرة بين الزوجين بالمعروف، ولا يجوز للزوج أن يضرب زوجته إلا في حال نشوزها وعدم استجابتها للوعظ والهجر، وليس له أن يضربها على وجهها أو يضربها ضربا مبرحا، قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34
نسأل الله أن يصلح أحوالكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1374)
تستغل القوانين الوضعية لمنع زوجها من الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مسلمة متحجبة طلقها زوجها لفظا في سويسرا. بعدها مباشرة لجأت هذه المرأة إلى القضاء السويسري وطلبت الانفصال وحصلت على أكثر من نصف راتب الزوج شهريا. مع العلم أن هذه المرأة لا تعمل وتحضن ابنتها التي يبلغ عمرها 4 سنوات. حسب القانون السويسري فهذا الحكم ليس طلاقا. فالطلاق لا يحصل إلا باتفاق من الزوجين أو بعد انقضاء عامين ابتداء من تاريخ الانفصال. فبعد مرور أكثر من سنة وهذه المرأة تأخذ أكثر من حقها ولا تزال ترفض اتفاقية الطلاق حتى تمنع بذلك زوجها الذي طلقها من الزواج بامرأة أخرى. 1- هل اللجوء إلى القضاء السويسري بحجة أنه يجب التحاكم إلى قوانين البلد الذي نعيش فيه وعدم الرجوع إلى الشريعة الإسلامية يعد صحيحا؟ 2-علما بأن نفقة البنت على أبيها, فهل يجب على هذا الزوج نفقة ومسكن هذه المرأة بعدما انقضت عدتها منذ أكثر من سنة؟ ومتى ينتهي وجوب هذه النفقة؟ 3- ما هو حكم هذه المرأة التي تستغل القوانين السويسرية لمنع الزوج من الزواج بأخرى بالرغم من انه قد طلقها منذ أكثر من سنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل لقول الله سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء /65.
قال ابن كثير رحمه الله: " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) انتهى. تفسير ابن كثير (1/532)
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "فهذا إقسام مؤكد بـ (لا) ، وإقسام بأخص ربوبية من الله عز وجل لعباده ـ وهي ربوبية الله للرسول ـ على نفي الإيمان عمن لم يقم بهذه الأمور:
الأول: تحكيم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: (حتى يحكموك) ، فمن طلب التحاكم إلى غير الله ورسوله، فإنه ليس بمؤمن، فإما كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وإما كافر كفراً دون ذلك.
الثاني: انشراح الصدر بحكمه، بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى، بل يجدون القبول والانشراح لما قضاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثالث: أن يسلموا تسليماً، وأكد التسليم بمصدر، يعني: تسليماً كاملاً.
فاحذر أيها المسلم أن ينتفي عنك الإيمان" انتهى.
انظر: "شرح الواسطية" لابن عثيمين صفحة ص181/182
فالواجب على هذه الأخت والتي ظهر من السؤال أن فيها خيراً كثيراً وعلامة ذلك التزامها بالحجاب، الواجب عليها أن ترجع إلى من يحكم بينها وبين مطلقها بشرع الله عز وجل وقد بينا كيف يفعل ذلك في البلاد التي هم فيها وما شاكلها في جواب السؤال رقم (4044) فليرجع إليه ففيه ما يكفي إن شاء الله.
ونحن ننصح ببذل المزيد من محاولة الإصلاح والتقريب لإعادة الزواج ففي ذلك مصلحة ابنتهما.
وأما الجواب عن المسائل التي وردت في السؤال:
أولا: الطلاق يقع بتلفظ الزوج به ولا يحتاج إلى حكم حاكم شرعي فضلا عن غيره ممن لا يحكم بما أنزل الله.
ثانيا: لا يجوز اللجوء إلى القوانين الوضعية لمنع الرجل مما أباحه الله له وفي ذلك تعد عليه وظلم له فلتتق الله هذه الأخت ولتعلم بأن الظلم ظلمات يوم القيامة.
ثالثا: المطلقة بعد انقضاء عدتها لا نفقة لها ولا سكنى قال ابن قدامة في "المغني" (7/145) : " السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِمَرْأَةٍ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ " انتهى.
رابعا: إذا علم أنه لا نفقة لها ولا سكنى فما تأخذه من الرجل بحكم القانون بغير طيب نفس منه حرام لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم فعليها أن ترده إليه أو تستسمحه.
خامسا: حضانة البنت قبل أن تبلغ سبع سنين حق لأمها ما دامت مسلمة مؤتمنة عليها ولم تتزوج، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/190) : " الزوجان إذا افترقا , ولهما ولد طفل أو معتوه , فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها , ذكرا كان أو أنثى , وهذا قول يحيى الأنصاري , والزهري , والثوري , ومالك , والشافعي , وأبي ثور , وإسحاق , وأصحاب الرأي , ولا نعلم أحدا خالفهم" انتهى.
سادسا: نفقة البنت واجبة شرعا على أبيها وإن كانت في حضانة أمها، لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) . ففيه أن نفقة الأولاد واجبة على أبيهم، وأن النفقة مقدرة بالكفاية، فليس لها أن تأخذ أكثر مما يكفيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1375)
قال لزوجته: إن كنت قد زنيت فأنت طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قلت لزوجتي بعد شك راودني: إنك إذا كنت قد زنيت فأنت طالق، فقد كررت هذا الكلام عدة مرات في عدة مواقع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعليق الطلاق على أمر غائب لا يعلم صدقه من كذبه، خطأ كبير؛ لأنه يعني بقاء الزوج مع زوجته ولا يدري أتحل له أو لا، ولهذا قال بعض الفقهاء: إنه يؤمر شرعا بطلاقها.
وأما من جهة القضاء، أو الحكم الظاهر، فما دامت تنكر الوقوع في الزنا، فإن الطلاق لا يقع.
قال في "شرح الخرشي على خليل" (4/64) : " إذا علق الطلاق على أمر مغيب لا يعلم صدقه من كذبه فإنه يؤمر بالفراق، قيل ندبا، وقيل وجوبا من غير جبر من جهة الشارع، كقوله: أنت طالق إن كنت تبغضيني، أو إن كنت دخلت الدار، فقالت: لا أبغضك، أو لم أدخلها، ولا يعلم صدقها من كذبها " انتهى باختصار.
وهذا الأمر الذي علقت عليه الطلاق ـ إذا لم يكن هناك شهود ـ لا يعلم إلا من جهتها، فهي مسئولة عن ذلك، فإن كانت كما قال زوجها فقد وقع عليها الطلاق، ولا يحل لها البقاء مع زوجها.
ثانياً:
ما فعله الزوج من تعليق الطلاق على ذلك خطأ ظاهر، وكان ينبغي له أن يتثبت من الأمر بغير هذه الطريقة، وقد شرع الله له في مثل هذه الحال " اللعان "، إن كانت عنده قرائن قوية على ما يقول، فإن لم يرد اللعان فلا حرج عليه في طلاقها، بدلاً من أن يعيش معها وهو في شك من عفتها.
أما تعليق الطلاق كما فعل، فإنه يوقعها في حرج شديد، فإن كانت قد ألمت بما قال وتكلمت فضحت نفسها، وإن سكتت، سكتت على أمر عظيم، وتكون حياتها معه حراماً.
والله أعلم.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1376)
علق الطلاق على أمر بنيةٍ معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي اتهمني أنا وزوجتي بأننا نريد أن نفرق بينه وبين زوجته، وأن زوجتي قالت كلاماً لزوجته تريد منه أن تحدث الفرقة بينهما. فقلت من شدة الغضب: زوجتي طالق بالثلاث إذا كانت قالت هذا الكلام لزوجتك. وأنا أقصد من ذلك إذا كانت قالته بقصد أن تفرق بينه وبين زوجته. وقد علمنا بعد ذلك مَن فعل الوشاية والمكيدة. فهل يقع الطالق على زوجتي بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا شك أنك قد أخطأت في التلفظ بالطلاق، وكان عليك أن تتحلى بالأناة وعدم العجلة، وأن تتجنب ذكر الطلاق في حديثك، عند الغضب وغيره.
ثانيا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من أنك قلت: (زوجتي طالق بالثلاث إذا كانت قالت الكلام هذا لزوجتك) وتعني من ذلك: إذا كانت زوجتك قد قالته بقصد أن تفرق بين صديقك وزوجته. والحال أن زوجتك لم تقصد ذلك، فلا يقع الطلاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
فمن أتى بالطلاق بلفظ عام، وخصصه بالنية، قُبل ذلك منه، ما لم ترفع زوجته الأمر إلى القضاء، ففي قبوله أمام القاضي خلاف بين العلماء.
كمن حلف بالطلاق ألا تدخل زوجته الدار، ثم يدعي أنه نوى إلى مدة شهر، فيقبل قوله في تقييد ذلك بشهر.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال الإمام أحمد فيمن حلف لا تدخل الدار , وقال: نويت شهرا. يقبل منه " انتهى من "المغني" (7/320) .
فالنية هنا قيدت اللفظ، وكل إنسان أعلم بنيته، والله مطلع على ذلك، لا تخفى عليه خافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1377)
علق الطلاق على أمر واستثنى منه شيئا بالنية
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في دولة عربية للعمل بينما تقيم زوجتي وبناتي الاثنتين مع أهلي في بلدي حيث يقوم والدي بالاعتناء بهم. قلت للوالد عبر الهاتف وأنا غاضب (أبلغ زوجتي أنها إذا لم تفعل كذا في الموعد كذا ستكون طالقاً) وكنت أعني الطلاق لا التهديد. وبعد مدة اتصلت به وسألته هل فعلت قال (لا) لأنني أمرتها ألا تفعل لأن ذلك سيضر بالبنات وبوالدتي فقلت له لقد كسرت يميني يا أبي، مع العلم بأن ما قلته في الفعل الذي يوقع الطلاق يستثنى منه في النية بصفة عامة (ما يغضب الله ورسوله ويخالف القوانين ويعترض عليه الوالدان) ولكني لم أقل ذلك.
وتم مراجعة السائل: هل نوى استثناء ما يعترض عليه الوالدان فعلا؟
فأفاد بأنه بار بأبيه ومطيع له، ولو كان والده اعترض على هذا الكلام لنزل على رغبة أبيه، غير أن أباه كان موافقاً له فيما يقول، ثم غيَّر رأيه فيما بعد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قولك عن زوجتك: إذا لم تفعل كذا فهي طالق، هو من الطلاق المعلق الذي يقع عند تحقق الشرط، عند جمهور الفقهاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن نوى بذلك الطلاق فهو طلاق، وإن نوى التهديد أو الحث أو المنع من الفعل، فهو يمين، تلزم فيه كفارة اليمين، وحيث إنك كنت تنوي الطلاق لا التهديد، فالطلاق واقع في قول الجميع.
ثانيا:
النية معتبرة في هذا الباب، فتخصص اللفظ العام، وتقيد المطلق، بشرط أن تكون مصاحبة للفظ، فلو قلت: زوجتي طالق إن لم تفعل كذا، وتنوي إلا أن يمنعها الوالد مثلا، فمنعها، ولذلك لم تفعل، لم تطلق. وهذا فيما بين الإنسان وبين ربه، وأما في القضاء، هل يقبل منه ذلك أو لا؟ خلاف بين الفقهاء.
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أن تخصيص اللفظ العام بالنية جائز ومقبول، كما لو قال نسائي طوالق , يريد بعضهن، فهذا صحيح، ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما أراده , دون ما لم يرده.
ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ , فأما إن كانت النية متأخرة عن اللفظ , فقال: نسائي طوالق. ثم بعد فراغه نوى بقلبه بعضهن , لم تنفعه النية , ووقع الطلاق بجميعهن ...
ومثل ذلك أيضاً: إذا نوى التخصيص بوقت معين أو حال، مثل أن يقول: أنت طالق. وينوي إن دخلت الدار , أو بعد شهر , فهذا أيضا يقبل فيه قوله، ويتخصص اللفظ بالنية.
انظر: "المغني" (7/319) .
والذي يظهر لنا من سؤالك ومراجعتك أنك لم تنو استثناء ما يغضب الوالدين، وإنما تقول: لو اعترض علي والدي لكنت وافقته، ومثل هذا لا يكون استثناء، وقد سبق في كلام ابن قدامة رحمة الله أن الاستثناء لا يصح إذا تأخر عن الكلام.
وعلى هذا تكون هذه الطلقة واقعة، فإذا كانت الأولى أو الثانية فعليك المبادرة برد زوجتك قبل انقضاء عدتها.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1378)
هل يجوز أن يبقى مع مطلقته في بيت واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن يعيش الرجل مع مطلقته في بيت واحد من أجل المحافظة على الأولاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها، فإنها تصبح أجنبية عنه، ولا يحل له الخلوة بها، ولا لمسها، ولا النظر إليها.
ولاشك أن بقاءهما في بيت واحد يصعب معه الالتزام بهذه الضوابط الشرعية، من عدم الخلوة، ومن لزوم احتجابها عنه، كما تحتجب من سائر الأجانب، إلا إذا كان في البيت متسع، وأمكن تخصيص جزء له، بمرافقه ومدخله الخاص به، وأما أن يكونا جميعا في بيت واحد، يشتركان في مدخله، ومرافقه، فإنه يتعذر جدا السلامة من المحظورات السابقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3 / 349) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: حصل لوالدي مرض وأدخل المستشفى وبعد خروجه أصيب بمرض آخر وبترت ساقه، والحمد لله على قضاء الله جل شأنه، ثم أصيب بشلل لا يستطيع الجلوس، وإنه موجود لدي في المنزل ... وطلب من والدتي التي هي في عصمته وقال: أنت طالق، وقال: سامحيني وأسامحك، ولا زالت والدتي في البيت وتقوم بتنظيفه؛ لأنه عاجز عن الذهاب لدورة المياه، وتؤكله لأننا في المدارس وموظفون.
فأجابت:
" إذا كان هذا الطلاق هو الطلقة الثالثة فإنه لا يجوز لأمك البقاء معه والكشف له ومعاشرته؛ لأنها أجنبية عنه، وأما إذا كانت الطلقة المذكورة الأولى أو الثانية فإن أمك تعتبر مطلقة طلاقا رجعيا، وله مراجعتها ما دامت في عدتها، ولها ما للزوجات، وتخدم أباك ويعاشرها، فإذا خرجت من عدتها ولم يراجعها بلفظ أو بوطء في العدة فإنها تكون أجنبية عنه، لا يجوز بقاؤه معها وخلوته بها إلا بعقد جديد " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/226) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1379)
قال لزوجته: الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت إلى مكان كذا
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عمل أقوم به مرتين على الأقل للتأكد من القيام به. حدثت مشادة بيني وبين زوجتي لأنها كانت تريد العمل في بنك، فأردت أن أقول لها أنت علي كأمي لو فعلتها ولكني لم أقلها خوفا من شدة الكلمة، فقلت لها إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت.
أرجو الإجابة على الأسئلة التالية أثابكم الله:
1- في بعض الأوقات أتخيل أنني لم أقل عبارة: " لو ذهبت " ما حكم الشرع في الحالتين علما بأني كانت نيتي أنها إذا ذهبت سوف أخاصمها " أي إنني كنت أهددها.
2- هل عندما أسأل سؤالا وأكرر ما قلته أو ما أشك فيه للسؤال عليه فإني أحاسب عليه شرعا
ما حكم الحمل لزوجتي إذا كانت هناك أي نواهي شرعية من خلال ما قلته لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يفهم من سؤالك أنك تعاني من الوسوسة، وتحتاج إلى تكرار العمل لتقوم به مرتين، وتتخيل أنك قلت كذا، أو ما قلت.
وخير علاج للوسوسة أمران:
الأول: الإكثار من الطاعة ومن ذكر الله تعالى.
الثاني: عدم الالتفات للوسوسة، وعدم الاستجابة لها. وانظر السؤال رقم: (62839) ، (25778)
ولهذا نقول: الأصل أنك قلت لزوجتك: إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت. فلا تلتفت للشك الحاصل بعد ذلك بسبب الوسوسة.
ثانيا:
إذا قال الرجل لزوجته: إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت إلى مكان كذا:
فإن لم تذهب، فلا شيء عليه.
وإن ذهبت، فيُنظر: إن أراد الطلاق، وقعت طلقة؛ لأن كلامه هذا يدخل في كنايات الطلاق.
وإن لم يرد الطلاق – كما في سؤالك -، فعليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
والأصل في ذلك أن تحريم الحلال: يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1، 2، فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً.
قال في "البحر الرائق" (4/317) : " فعُلم أنَّ تحريم الحلال يمينٌ موجب للكفارة ... فيدخل فيه ما إذا قال: كلامك علي حرام , أو معي أو الكلام معك حرام " انتهى.
ثالثا:
إذا قال الرجل لزوجته: الكلام بيني وبينك حرام، ولم يقل: لو ذهبت إلى مكان كذا.
فإن نوى الطلاق، وقع الطلاق في الحال، ذهبت أو لم تذهب. وإن لم ينو الطلاق، فعليه كفارة يمين.
رابعا:
إذا قلت كلاما أو سألت سؤالا، وكررته، فلا شيء عليك، والمهم أن يكون الكلام مباحا.
خامسا:
إذا كانت زوجتك حاملا حين تكلمت بكلامك السابق، فلا أثر للحمل على ذلك، والذي ورد الشرع بتحريمه هو طلاق المرأة وهي حائض، أما الحامل فلا أثر لحملها على الطلاق مع أنك لم تطلق بالفعل.
سادسا:
لا يجوز العمل في بنك ربوي، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1380)
قال لزوجته: تحرمين علي لو فعلت كذا
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل خلاف بيني وبين زوجتي على الرسيفر (الدوش) وصدرت مني كلمة لم أقصد بها ولم أعلم الحكم وكنت في حالة غضب شديد، الكلمة هي: تحرميين علي لو شغلت مرة أخرى، وكنت في حالة من الغضب وقمت بتكسير الرسيفر، وإلى الآن لم أقم بتركيبه ما الحكم؟ وهل لي أن أركب الجهاز مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في جواب السؤال (81984) بيان حكم من حرم زوجته عليه، وأنه إن نوى بذلك الطلاق أو الظهار أو اليمين فالأمر على ما نواه، فإن لم ينو شيئاً فعليه كفارة يمين.
وحيث إنك تقول: (إنك لم تقصد بها ولم تعلم الحكم) فعليك كفارة يمين إن قامت امرأتك بتشغيل الرسيفر، فإن لم تشغله فلا شيء عليك.
ثانياً:
وأما سؤالك: هل لي أن أركب الجهاز مرة أخرى؟
فإن كنت ستركبه لتستعمله استعمالاً نافعاً في مشاهدة البرامج الإسلامية والمحاضرات المفيدة , ونحو ذلك، فلا حرج عليك في تركيبه، وعليك كفارة يمين كما سبق.
وأما إن كنت ستركبه لترى به الأفلام والبرامج الهابطة ونحوها، فإن هذا محرم بلا شك، وفيه خطر عليك وعلى زوجتك وأولادك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1381)
طلقها أمام أهلها ثم عند حضور المأذون فهل تحسب طلقتان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث خلاف بيني وبين زوجي فألقى علي يمين الطلاق بيني وبينه وهو في حالة غضب يدرك ثم اصطلحنا، ثم حدث خلاف أكبر فقررنا الانفصال فقالها أمام أهلي مرة، والثانية أمام المأذون فهل أنا مطلقة ثلاث مرات؟ وهل يصح الرجوع له أم لا؟ وإذا صح الرجوع له يشترط محلل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطلاق في الغضب، منه ما يقع، ومنه ما لا يقع، حسب نوع الغضب وشدته، وانظري تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (22034) .
ثانيا:
الطلاق الذي وقع أمام المأذون: إن أراد به الزوج تأكيد الطلاق الذي أوقعه أمام أهلك، أو أراد أن يخبر عن ذلك الطلاق، فإنه لا يحسب طلقة ثالثة.
أما إذا أراد بها إيقاع طلقة أخرى غير السابقة، فالأمر على ما نواه، فالمرجع في هذا إلى نية الزوج وقصده.
وهذا الطلاق الواقع أمام المأذون – إذا كان الزوج قد نوى به طلاقاً جديداً - يعتبر طلاقا في أثناء العدة، وجمهور العلماء على أنه واقع، لأن المعتدة من الطلاق الرجعي، في حكم الزوجات، فيلحقها الطلاق.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (29/12) : " وذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة - إلى وقوع الطلاق على المعتدة من طلاق رجعي , حتى لو قال الرجل لزوجته المدخول بها: أنت طالق , ثم قال لها في عدتها: أنت طالق , ثانية , كانتا طلقتين , ما لم يرد تأكيد الأولى , فإن أراد تأكيد الأولى لم تقع الثانية " انتهى.
ثالثا:
إذا كانت الطلقة المذكورة وقعت والمرأة حائضاً، أو في طهر جامعها فيه زوجها، فهناك من أهل العلم من يفتي بعدم وقوع الطلاق، وانظري السؤال رقم (72417) .
رابعا:
إذا وقعت الطلقات الثلاث، بانت المرأة من زوجها، ولا تحل له إلا إذا نكحت زوجا غيره نكاحاً صحيحاً، لا نكاح تحليل، ووطئها، ثم مات عنها أو طلقها، فلزوجها الأول حينئذ أن يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد.
وأما نكاح التحليل فباطل، ومحرم، وهو أن ينكحها ليس رغبة فيها، لكن لتحل لزوجها الأول، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك، أو يُفعل له.
ولا يفيد نكاح التحليل حلَّ المرأة لزوجها الأول.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/137) : " نكاح المحلل حرام باطل , في قول عامة أهل العلم ; منهم الحسن والنخعي , وقتادة , ومالك , والليث , والثوري , وابن المبارك , والشافعي ".
وقال أيضا: " ونكاح المحلل فاسد ولا يحصل به الإباحة للزوج الأول " انتهى من "المغني" (7/140) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1382)
قال لزوجته في حال مشاجرة هذا فراق بيني وبينك
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان زوجي قال لي في وقت مشاجرة هذا فراق بيني وبينك، ولكن هو يقول إنه لا يقصد الطلاق ولم يكن في نيته، فهل يقع الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ألفاظ الطلاق منها الصريح، وهو ما لا يستعمل غالبا إلا في الطلاق، ومنها الكناية وهي ما يستعمل في الطلاق وفي غيره.
والنوع الأول (الصريح) يقع الطلاق به ولو لم ينوه.
وأما النوع الثاني وهي ألفاظ الكناية، فلا يقع الطلاق بها عند الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلا مع وجود نية الطلاق، أو وجود قرينة كحال الغضب والخصومة، أو سؤال الزوجة للطلاق، فيقع الطلاق حينئذ ولو لم ينوه. والأخذ بالقرينة هنا هو مذهب الحنفية والحنابلة. ينظر الموسوعة الفقهية (29/26) .
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن ألفاظ الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، ولو كان ذلك في حال الخصومة أو الغضب أو سؤال الزوجة الطلاق.
انظر "الشرح الممتع" (5/472-473)
وصريح الطلاق هو: لفظ الطلاق وما تصرّف منه، كقوله: طالق وطلقتك.
والكناية كقوله: الحقي بأهلك، أو لا أريدك، أو لا حاجة لي فيك، أو إن الله قد أراحك مني.
وهناك ألفاظ مختلف فيها، هل هي من الصريح أو من الكناية، ومن ذلك لفظ "الفراق".
فمذهب الجمهور أنه من ألفاظ الكناية. ومذهب الشافعية وبعض الحنابلة أنه من الألفاظ الصريحة. والراجح هو مذهب الجمهور، وهو ما اختاره ابن قدامة رحمه الله من الحنابلة.
" لأن لفظة (الفراق) وإن وردت في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين، فقد وردت لغير ذلك المعنى كثير، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) آل عمران/103، وقال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) البينة/4، وكذلك يستعملها الناس كثيراً في غير معنى الطلاق " انتهى من "المغني" (7/294) بتصرف.
وخلاصة ما تقدَّم: أن ألفاظ الكناية لا يقع الطلاق إلا إذا نواه الزوج.
وأن قول الزوج: هذا فراق بيني وبينك، هو من ألفاظ الكناية.
وعلى هذا، فإذا لم ينو الزوج الطلاق بذلك لم يقع الطلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1383)
زوجها لا ينجب ويدمن ممارسة الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة من 8 أشهر واكتشفت بعد الزواج بعجز زوجي عن الإنجاب ومرضه من الدوالي في الساقين كثير، وطبعا هذا يؤثر عليه من ناحية المعاشرة والحقوق الزوجية ومع ذلك يحاول أن يجعل العيب فيّ دائما، يوبخني ويحاول يعجزني في كل شيء مع أنى والحمد لله رب العالمين غير ذلك.
المهم ومصيبتي كبيرة جدا أني اكتشفت من شهر تقريباً أنه يمارس المعصية (الزنا) على الشات مصيبتي أكبر لما عرفت أنه مثل قوم لوط، ماذا أفعل؟ علما بأني كل ما أتكلم في أي موضوع يغلطني، وهو بس اللي صح، وأنا كلامي وتفكيري غلط، أرجوكم ردوا علي، ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الزوج عقيما لا ينجب فمن حق المرأة أن تطلب فسخ النكاح، لوجود هذا العيب بالزوج، لأن لها حقاً في حصول الولد، بل قد يكون ذلك من أعظم مقاصد النكاح، وإذا لم يمكن الفسخ فلها طلب الطلاق، ويجب عليه حينئذ أن يطلقها، ويعطيها حقوقها كاملة، كالمؤخر وغيره.
ثانياً:
حق هذا الزوج عليك أن تقومي بنصحه أولاً، وفي جواب السؤال رقم (7669) بيان كيفية نصح هذا الزوج.
ثالثاً:
إذا لم يستجب للنصح، واستمر على ما هو فيه من المحرمات، فلا خير لك في البقاء مع هذا الزوج؛ لعدم أدائه حقك، ولكونه يرتكب هذا العمل القبيح.
وأنت الآن في بداية الطريق، ولم تبتل منه بولد، فعجلي بطلب الطلاق، فإن أبى، فخالعيه، لعل الله أن يعوضك خيرا منه، وأن يرزقك زوجا صالحا وذرية صالحة تقر بها عينك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1384)
عقد عليها وتغير حالها فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت قراني على إحدى قريباتي منذ ستة شهور، مع العلم أني أعمل في دولة أخرى، حيث تمت فترة الخطبة وحتى العقد وأنا في السفر، منذ أن تم العقد وزوجتي اختلفتْ كثيراً وأصبحتْ متشائمة جدّاً، وتُردد أنها لا تحس بالسعادة معي، ولا تتوقعها في المستقبل لذا فهي تطلب الطلاق، فهل يجوز لي تطليقها - مع العلم أنها أصبحت تعاندني في أمور هامة بالنسبة لي مثل الحجاب الشرعي الكامل، وعملها في مكان مختلط، وأنا أحب أن أحافظ على ديني -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الطلاق الكراهة؛ لأنه يحصل به من تقطع أواصر المصاهرة، وتشتيت الأسرة، وضياع الأولاد.
قال شيخُ الإسلامِ ابنِ تيمية - رحمه الله -:
الأصلُ في الطلاقِ الحظرُ، وإنما أبيحَ منه قدرَ الحاجةِ.
" مجموع الفتاوى " (33 / 81) .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
الأصل في الطلاق الكراهة، والدليل: قوله تعالى في الذين (يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم) أي: يحلفون ألا يجامعوا مدة أربعة أشهر (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وهذا فيه شيء من التهديد، لكن في الفيء، أي: الرجوع، قال: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله عز وجل، وأن الأصل فيه الكراهة، وهو كذلك.
" الشرح الممتع " (10 / 428) .
ولكن لما كانت طباع الناس وأخلاقهم ودينهم يتفاوت ويختلف من شخص لآخر، كان لا بدَّ من تشريع الطلاق في شرع الله تعالى، فقد تتأذى المرأة ببقائها مع زوجها لقلة دينه أو سوء خلقه أو غلظ طباعه، كما قد يتأذى الرجل ببقاء زوجته معه لعدم صلاحيتها لتربية أولاده، أو عدم إعطائه حقه من العشرة بالمعروف، ومن هنا كان تشريع الطلاق موافقاً للحكمة وموافقاً لطبيعة الخِلقة.
وقد يكون لكلا الزوجين في اختياره الآخر بعد الطلاق ما تستقيم به حياتهما، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130، لذا فليس الطلاق نهاية الدنيا، ويمكن أن يكون الطلاق الوسيلة الناجعة لما بين الزوجين من تنافر في الطباع، وعدم توافق في السلوك والأخلاق والأفعال.
وعليه: فالذي ننصحك به هو توسيط العقلاء من أهلك وأهلها لإقناعها بضرورة تغيير سلوكها وتصرفاتها معك، وأن تعاهدك على السير على الطريق المستقيم في حياتكما الزوجية من غير اعوجاج ولا انحراف، وإخبارها بأنه بمثل هذا يمكنك الاستمرار معها للزواج، فإن استجابت وقبلت هذا فالحمد لله، ولعل الله أن يؤدم بينكما، ويجمع بينكما على خير، وننصحك بأن تتريث فترة قبل إتمام الزواج، لترى مدى رغبتها في الاستقامة في الحياة معك، ثم مدى قدرتها ـ بالفعل ـ على تنفيذ ذلك؛ فإن ما ذكرته لنا من حالها يجعلنا نشك ـ بقوة ـ في رغبتها في ذلك التوافق، أو قدرتها عليه.
وإن لم تقبل فالذي نراه أن تطلقها، وطلاقها الآن خير لك ولها من طلاقها بعد الدخول، أو بعد الإنجاب.
ولو فعلتَ هذا وحصل الطلاق فليس عليك إثم؛ لأن الطلاق في حقك هنا يكون واجباً أو مستحبّاً وخاصة إذا أصرَّت على عملها المختلط، وهو أمرٌ محرَّم لا ينبغي لك التفاوض عليه، بل يجب إلزامها بالخروج منه، ولو أصرَّت فيكفي هذا الأمر لتطليقها، فكيف إذا انضم إليه ما عندها من أمور أخرى؟! .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1385)
زوجته أسلمت ويؤذيها ويسيء لها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل هاجر إلى بلاد أوروبا وتزوج من نصرانية وأنجب معها طفلة للحصول على الإقامة، وعاش السنين الأولى في الظلمات، وكان يعتدي على زوجته وابنته وكأنهم ليسو بأسرته، اعتنقت زوجته الإسلام بعد هداية من الله، ولكن حالته هو لم تتغير فلا يزال يزني ويرتكب المعاصي ولا ينفق في بيته مالاً ولا طعاماً، يعيش على نفقة زوجته بالقوة، والمسكينة صابرة على كل الظلم لأن لها أطفالاً آخرين ولا تريد تخريب بيتها، راجيةً من الله أن يهدي زوجها. أهل المرأة يرون الإسلام والأجانب السبب في هلاك ابنتهم، هل لكم من نصيحة أو طريقة قد ترد هذا الرجل إلى الصواب؟ وما حكم الإسلام في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هدى هذه الأخت للإسلام، ونسأله تعالى أن يثبتها على الحق، وأن يهديها للصواب في الأقوال والأفعال.
وما ذكرته الأخت الكريمة هو صورة لمحنة الإسلام ـ إن صح التعبير ـ مع أهله، أهله الذين انتسبوا إليه، ثم خالفوا أحكامه وآدابه؛ ثم لو كانت المخالفة في ديار الإسلام، حيث يكون الدين ظاهرا، وأهله الذين هم أهله معروفون؛ فلا يؤاخذ أحد بجريرة غيره، ولا يطعن في الإسلام بإساءة من أساء، لو كان ذلك لهان الأمر، لكن تعظم المصيبة حين يكون المرء من هؤلاء في الغرب، ويعيش بين الكفار، ويعتبرونه صورة لدينه، وممثلا لأخلاقه وآدابه وأحكامه، ثم هو يعيش في حياته كما يعيش من حوله من اليهود والنصارى، لا يبالي بحرام ولا حلال.
قال الأوزاعي رحمه الله: كان يقال: ما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام، فمن استطاع ألا يؤتى الإسلام من ثغرته فليفعل.
وقال الحسن بن حي رحمه الله: إنما المسلمون على الإسلام بمنزلة الحصن؛ فإذا أحدث المسلم حدثا ثُغِر في الإسلام من قبله؛ فإن أحدث المسلمون كلهم فاثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله، بالأمر الذي أراده من خلقه، لا يؤتى الإسلام من قبلك!!
" السنة لمحمد بن نصر المروزي رقم (29، 30)
وإنه ليحز في نفس كل مسلم أن تتعرض الأخوات المسلمات اللاتي دخلن في الإسلام حديثاً إلى الإيذاء والضرر القولي والبدني من أناسٍ يُفترض بهم أن يكونوا صورة حسنة عن الإسلام، وعن الأسرة المسلمة والتي تتميز بالاستقرار والمودة والرحمة بين أفرادها، وللأسف أن يكون من بين المنتسبين للإسلام مثل هذا الزوج الذي كان قدوة سيئة ومنفِّراً عن الإسلام ومسبِّباً له الطعن والتشويه.
وإن كان من أفعال هذا الزوج ترك الصلاة: فلتعلم الأخت الفاضلة أنه لا يحل لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة في الشرع كفرٌ مخرج عن الملة، وبه يصير العقد مفسوخاً، ومثل هذا الزوج ليس أهلاً لأن يكون ربَّ أسرة يؤتمن فيها على زوجته وذريته، بل إنه يُخشى عليهم من سوء أفعاله، وإذا كان لا ينفق عليهم النفقة التي أوجبها الله تعالى عليه: فإنه يكون قد جمع الشر كلَّه في أفعاله وصفاته، والبقاء معه عبءٌ ثقيل تتحمله الزوجة من غيرِ داعٍ، ولو أنها تتخلص منه بالطلاق والفراق لكان خيراً لها وأفضل، ولعل حياتها أن تتغير للأحسن إما وحدها مع أبنائها أو مع زوجٍ آخر يعرف للأسرة قيمتها، ويؤدي الرسالة التي أوجبها الله تعالى عليه.
وعلى الأخت الفاضلة إن كانت ترجو هداية زوجها وصلاحه أن تسعى لذلك عن طريق أصدقائه أو أقربائه الذين يمكن أن يكون لهم تأثيرٌ عليه لتقويمه وهدايته، ويمكنها الاستعانة بالأشرطة السمعية والمرئية في المواعظ والترهيب من اقتراف المعاصي، والتذكير بالموت والقبر والحساب، فلعلَّ ذلك أن يؤثِّر فيه ويرجع لربه تبارك وتعالى.
فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً فلا ينبغي لها التردد في رفع أمرها لقاضٍ مسلم أو مفتٍ أو إمام مسجد يوثق بعلمهم ودينهم ليخلصوها منه، فإن لم تستطع فلترفع أمره لمن يخلصها منه من المسئولين عن حماية الأسرة أو القضاء أو غيرهما من مؤسسات الدولة، وهو إن كان تاركاً للصلاة فعقدها مفسوخ معه، وإن كان مرتكباً لتلك المعاصي مع أدائه للصلاة: فلتسلك الطريق الشرعي في التخلص منه عن طريق عالم أو طالب علم أو مركز إسلامي لإلزامه بالنفقة على أهله مع ترك المعاصي والمنكرات، فإن أبى فليطلقوها منه وفقاً للشرع، ولتسلك بعدها الطريق الرسمي للتخلص منه بصفته زوجاً.
ولتحرص هذه الأخت الفاضلة على الانتقال لبلاد الإسلام والمسلمين فإنها – على ما فيها من مخالفات للشرع – خيرٌ من بلاد الكفر والمجون، والتي لا يستطيع المسلم طلب السلامة لنفسه ولا لأولاده فيها.
ونسأل الله تعالى أن يُعظم لها الأجر، وأن يهديها ويوفقها وذريتها لما فيه رضاه عز وجل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1386)
إذا طلقها قبل الدخول ثم تزوجها فهل يبقى لها طلقتان أو ثلاث
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنتين عقدت قراني على رجل وقد تشاجرنا وطلقني ولكن لم تحدث الدخلة بعد ولكن هناك خلوة بيننا وبعد فترة رجع وتزوجنا بعقد جديد هل هذه الطلقة تحتسب من الطلقات الثلاث أي هل بقي لي طلقتان أو ثلاث؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته ولم تتزوج زوجا غيره، ثم عاد وعقد عليها، فإنها ترجع إليه على ما بقي من طلاقها، بغير خلاف، فإن كان قد طلقها واحدة، بقي لها طلقتان، وسواء وقع هذا قبل الدخول أم بعده، خلا بها أم لم يخلُ.
وأما إن طلقها ثم تزوجت غيره، ثم فارقته، ثم عادت إلى زوجها الأول بعقد جديد، فهل ترجع إليه بثلاث طلقات أو بطلقتين، فيه خلاف بين الفقهاء، وجمهور العلماء على أنها ترجع إليه على ما بقي من عدد الطلقات.
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/388) أن الرجل إذا طلق امرأته وانقضت عدتها ثم عقد عليها من جديد لا يخلو من ثلاث حالات:
الأول: أن يطلقها ثلاثا ثم تتزوج رجلا غيره ثم تفارقه ويتزوجها الأول، فهذه ترجع إليه بثلاث طلقات من غير خلاف بين العلماء.
الثانية: أن يطلقها طلقة واحدة أو طلقتين (يعني دون الثلاث) ثم تنقضي عدتها ويتزوجها بعقد جديد، فهذه ترجع إليه على ما بقي من طلاقها من غير خلاف أيضا عند العلماء.
الثالثة: أن يطلقها طلقة واحدة أو طلقتين ثم تنقضي عدتها وتتزوج غيره ثم تفارقه ويتزوجها الأول، فقد اختلف العلماء هل ترجع إليه بثلاث طلقات أو على ما بقي من طلاقها: فذهب جمع من الصحابة (كعمر وعلي وأبي ومعاذ وأبي هريرة وعمران بن حصين رضي الله عنهم) إلى أنها ترجع إليه على ما بقي من طلاقها.
وبهذا القول أخذ جمهور العلماء (منهم الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد) .
وذهب أبو حنيفة إلى أنها ترجع إليه بطلاق ثلاث.
والصورة الثانية التي ذكرها ابن قدامة رحمه الله هي الصورة المسئول عنها، وعلى هذا فيبقى لك طلقتان فقط.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما ويجمع بينكما في خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1387)
حقوق المطلقة الرجعية والبائن
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن حقوق الزوجة فى حالة الطلاق وهي حاضنة، مع العلم بأنها هي التي تطلب الطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزوجة التي تطلب الطلاق - وقد دخل بها زوجها - لها حالتان:
الحالة الأولى: إما أن تطلبه بسبب تقصير الزوج في أداء حقوقها، أو وجود خلُقٍ فيه يؤذيها ويمنعها حقها، أو وقوعه في الموبقات والمعاصي، ونحو ذلك من الأسباب التي تجيز لها طلب الطلاق، والقاضي الشرعي هو الذي يقدرها ويقرر هل هي أسباب صحيحة أم لا.
فإن كانت صحيحة، فيجب على الزوج حينئذ أن يطلقها، ويمنحها كامل حقوقها وهي:
1- المهر المتفق عليه كاملا، المقدم – إن كان بقي منه شيء – والمؤخر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا) رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
2- النفقة المعتدلة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس خلال فترة العدة إذا كان طلاقا رجعيّاً.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"والمطلقة الرجعية زوجة ما دامت في العدة: لها ما للزوجات من نفقة وكسوة ومسكن" انتهى.
" الملخص الفقهي " (2/317) .
فإن كان الطلاق غير رجعي كالطلقة الثالثة: فلا نفقه لها ولا سكنى.
روى مسلم (1480) أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها طلقها زوجها الثالثة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما لها من النفقة فقال: (لا نفقة لك ولا سكنى) .
فإذا كانت حاضنة لأولادها منه فيجب عليه أيضا حينئذ أن يعطيها:
3. أجرة الحضانة والرضاعة.
4. ونفقة الأولاد.
قال الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/233.
فأوجب الله تعالى للأم التي ترضع ولدها أو جب لها النفقة على المولود له، وهو الأب، وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة، فإن على الأب نفقتها.
"تفسير السعدي" (ص 105) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
المطلقة ثلاث طلقات هذه ليس على زوجها نفقة لها هي، لكن ينفق عليها من أجل الحمل، وعلى هذا فما احتاجت إلى الإنفاق على الحمل: فيجب على زوجها أن يأتي به، بعد الوضع يكون الإنفاق على الحمل خاصة، يعني: أجرة الرضاع – حليب - وأيضاً ثياب الصبي، وما شابه ذلك، كل ذلك، لكن طعام الأم بعد الوضع ليس عليه، قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/6.
" لقاءات الباب المفتوح " (147/السؤال رقم 8) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (17/311) :
ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحاضنة لها الحقّ في طلب أجرة على الحضانة، سواء أكانت الحاضنة أمّا أمْ غيرها؛ لأنّ الحضانة غير واجبة على الأمّ، ولو امتنعت من الحضانة لم تجبر عليها في الجملة. انتهى.
ويرجع في تحديد الأجرة والنفقة إلى القاضي.
ولا يحل للزوج أن يضيق على زوجته كي يضطرها إلى التنازل عن شيء من الحقوق السابقة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (42532) .
الحالة الثانية:
أن تطلب المرأة الطلاق بغير سبب من الزوج، فللزوج حينئذ أن يطالبها باسترجاع الصداق الذي دفعه لها، مقابل تطليقها، وهذا ما يسمى بـ " الخلع ".
وانظري أجوبة الأسئلة: (1859) و (26247) و (34579) .
ولا يبقى في هذه الحالة من الحقوق الأربعة السابقة التي تلزمه إلا حق أجرة الرضاعة والحضانة، ونفقة الطفل الرضيع.
روى عبد الرزاق في " المصنف " (4 / 90) : عن الشعبي سئل عن المختلعة لها نفقة؟ فقال: كيف ينفق عليها وهو يأخذ منها؟! .
ولأنه إذا تم الخلع فلا رجعة لزوجها عليها، فهي كالمطلقة البائن، فلا نفقة لها.
قال ابن القيم رحمه الله:
المطلقة البائن (غير الحامل) لا نفقة لها ولا سكنى بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، بل الموافقة لكتاب الله، وهي مقتضى القياس ومذهب فقهاء الحديث.
" إعلام الموقعين " (3/378) .
وانظر جواب السؤال رقم: (49821) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1388)
زوجها كثير الحلف بالطلاق فهل لا زالت في عصمته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يحلف دوما بالطلاق علي , أي يقول: (علي الطلاق أن أفعل كذا وكذا) ولا ينفذ فعل اليمين. قال لي زوجي في عدة مرات إنه يمين غضب , ثم بعد ذلك في أيام قليلة يعيد ويكرر الحلف بالطلاق علي. أولا: هل أنا على ذمته؟
ثانيا: هل يوجد كفارة على زوجي؟
ثالثا: ما هي الطريقة الشرعية لمعالجة هذا الوضع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحكم بأنك على ذمته أو لست على ذمته ينبني على وقوع الطلاق أو عدمه، ومعلوم أن المرأة إذا طلقت ثلاث طلقات فإنها تبين من زوجها ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وما ذكرت من أن زوجك كثيرا ما يقول: علي الطلاق أن أفعل كذا وكذا، ثم لا يفعل، فهذا مما اختلف فيه أهل العلم، فجمهورهم على أن الطلاق يقع عند الحنث، أي إذا لم يفعل.
انظر "المغني" (7/372) .
وذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إن خرج مخرج اليمين، فأراد صاحبه الحث على شيء أو المنع منه، فإنه عند الحنث تلزمه كفارة يمين فقط، ولا يقع طلاقه. وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وعلى هذا القول ينظر في نية زوجك، فإن نوى وقوع الطلاق عند حصول الشرط، وقع الطلاق، وإن أراد منع نفسه أو غيره من شيء، أو حث نفسه أو غيره على فعل شيء، ثم حنث؛ فإن هذا يمين يكفر بكفارة اليمين، وانظري جواب السؤال رقم (39941) .
وكفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
ثانيا:
الطلاق في الغضب، منه ما يقع، ومنه ما لا يقع، حسب نوع الغضب وشدته، وانظري تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (22034)
ثالثا:
الطريقة الشرعية لمعالجة هذا الوضع أن يدرك الزوج خطورة التلفظ بالطلاق وما يترتب على ذلك من تعريض حياته الزوجية للذهاب والتلاشي، وحسبه أن يعلم أن بقاءه مع زوجته الآن محل خلاف بين العلماء وأن جمهورهم على أنه قد طلقها ثلاثاً، لاسيما إذا كان يكثر من هذا التلفظ، فلعله طلق عشرات الطلقات، فهل يرضى مسلم أن يكون بقاؤه مع زوجته محل خلاف ونظر عند أهل العلم، وأكثرهم يقول له: لا يحل لك البقاء!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فالواجب عليه أن يتقي الله تعالى، وأن يدرك خطورة الكلمة التي تخرج من فمه، وألا يحلف إلا بالله، وأن يدع الحلف بغيره، نسأل الله تعالى السلامة والعافية لنا ولكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1389)
حكم الإجهاض وطلاق الحامل والتضييق على الزوجة لتتنازل عن حقها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في: زوج حاول إجهاض زوجته في شهرها الثاني لرغبته في تطليقها بإعطائها دواء لذلك رغماً عنها إلا أنه لم يتم إجهاضها؟ وهل ذلك حلال أم حرام؟ وما هي كفارة ذلك العمل؟ وهل يجوز تطليق الزوجة وهى حامل؟ وما الحكم أيضاً في إجبار الزوجة في التنازل عن حقوقها قبل طلاقها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز سواء نفخت في الروح أم لا، غير أنه بعد نفخ الروح فيه تحريمه أشد ومن أمرها زوجها بالإجهاض فلا يحل لها أن تطيعه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
أما السعي لإسقاط الحمل فلا يجوز ذلك ما لم يتحقق موته فإن تحقق ذلك جاز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (11 / 151) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه. والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل.
وكونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذراً لإسقاط الحمل.
ثانيًا: إذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضته بعد ذلك ومات: فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية: فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها.
" المنتقى " (5 / 301، 302) . باختصار.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحمه الله -:
عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإثم عليَّ، فإذا فعلتْ هذا وسمعتْ منه، فما يجب عليهما من الكفارة؟ .
فأجاب:
إن فعلتْ ذلك: فعليهما كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين وعليهما غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ لوارثه الذي لم يقتله، لا للأب فإن الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئًا.
وقوله (غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ) هذه هي دية الجنين، قيمة عبدٍ أو أمة ٍ. ويقدرها العلماء بعشر دية الأم.
وقد سبق ذِكر حكم الإجهاض في أكثر من جواب فانظر: (13317) و (42321) و (12733)
ثانياً:
وأما طلاق الحامل فهو طلاق سنة، وقد انتشر بين كثير من العامة أنه مخالف للسنة، وقولهم لا أصل له ولا دليل عليه.
وقد روى مسلم (1471) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) .
قال ابن عبد البر:
وأما الحامل فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنة من أول الحمل إلى آخره لأن عدتها أن تضع حملها وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهرا أو حاملا ولم يخص أول الحمل من آخره.
" التمهيد " (15 / 80) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم (12287) .
ثالثاً:
لا يحل للزوج أن يأخذ شيئًا من مال زوجته شيئاً إلا إذا طابت به نفسها ومنه مال مهرها إلا إن جاءت بفاحشة مبينة؛ لقول الله عز وجل: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا) [النساء / 4] ؛ ولقوله عز وجل: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] .
قال ابن قدامة:
وأجمعوا على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قِبَلها، وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قِبَله وخالعتْه: فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل له ما صنع ولا يجبر على رد ما أخذه!
قال ابن المنذر: وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أجمع عليه عامة أهل العلم.
" المغني " (3 / 137) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/283) :
فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيِّق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة: كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله، وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو فيعينونه عليه، فإن تبيَّن لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه: فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه. اهـ.
ومعنى الفاحشة المبينة المذكورة في قوله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] الزنا وعدم الفقه، وسوء العشرة، كالكلام الفاحش وأذيتها لزوجها.
انظر تفسير السعدي ص242ـ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1390)
الطلاق المعلق والطلاق في حال الغضب الشديد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يحلف على زوجته بالطلاق إن هي فعلت أمرا ما كقطع للرحم، وكان الزوج حينذاك في حالة غضب شديد لم يتمالك نفسه إلى درجة عدم مقدرته تذكر ما يقول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي للرجل ألا يستعمل الطلاق كلّما حدث بينه وبين أهله نزاع، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة. وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق. . . وهكذا. وهذا نوع تلاعب بكتاب الله، وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب الله، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا؟ فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟! حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَقْتُلُهُ؟
قال الحافظ: رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في غاية المرام (261) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) ، فإذا أرد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/ 89. ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى: لا تكثروا الحلف بالله.
أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل: عليّ الطلاق أن تفعل كذا، أو عليّ الطلاق ألا تفعل، أو إن فعلت فامرأتي طالق، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ، فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/753) .
ثانيا:
قول الرجل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن لم تفعلي فأنت طالق، هو من الطلاق المعلق على شرط، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع هذا الطلاق عند حصول الشرط.
وذهب بعض أهل العلم - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره - إلى أن هذا التعليق فيه تفصيل، يرجع إلى نية القائل، فإن قصد ما يقصد باليمين وهو الحث على فعل شيء، أو المنع من فعل شيء، أو التصديق أو التكذيب، فإن هذا حكمه حكم اليمين ولا يقع به طلاق ويلزمه كفارة يمين عند الحنث.
وإن قصد بذلك وقوع الطلاق طلقت زوجته عند حصول الشرط. وأمر نيته لا يعلمه إلا الله الذي لا تخفى عليه خافية، فليحذر المسلم من التحايل على ربه، ومن خداع نفسه.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن قال لزوجته: عليّ الطلاق تقومين معي، ولم تقم معه. فهل يقع بذلك طلاق؟
فأجابت: " إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك، فإنه لا يقع به طلاق، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86) .
ثالثا:
ينبغي أن يُعلم أن أكثر حالات الطلاق إنما تصدر مع الغضب والضيق والانفعال، لا مع الفرح والانشراح، فكون الزوج طلق زوجته حال غضبه لا يعني عدم وقوع الطلاق، كما يظنه كثير من الناس، إلا أن يكون الغضب قد بلغ به مبلغا، فقد معه الشعور والإدراك، بحيث صار لا يعي ما يقول، فهذا لا يقع طلاقه باتفاق العلماء.
أما إذا اشتد الغضب ولكنه لم يبلغ إلى حد أن يفقده الشعور والإدراك، ولكنه كان شديداً بحيث لا يملك الرجل نفسه، ويشعر وكأنه يدفع إلى الطلاق دفعاً فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الغضب لا يمنع وقوع الطلاق.
وذهب بعضهم إلى أنه يمنع وقوع الطلاق، وبه كان يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم، وهو الراجح إن شاء الله، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال (45174)
وإنما أشرنا إلى مذهب الجمهور حتى يدرك السائل والقارئ خطورة التكلم بالطلاق، في حال الغضب وغيره، وأنه قد يهدم بيته ويضر نفسه وأهله بسبب عجلته وانفلات لسانه، نسأل الله العفو والعافية.
فإن كان هذا الذي حلف على زوجته قد بلغ به الغضب إلى هذا الحد لم يقع طلاقه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1391)
طلبت من زوجها الطلاق لأنه يظلمها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد طلقَنِي زوجِي قبلَ يومين بعد زواجٍ دامَ 11 شهرًا فقط!! واعتُبِر طلاقُنا خلعًا، نظرًا لأنِّي تنازلت عن مبلغٍ من المالِ كان في ذمةِ زوجِي لي، وحيث إنَّنِي قد لاحظتُ أنَّ ما يوقِفُ طلاقَه لي هو هذا المبلغ، وليس الحبُّ أو العِشرةُ التي بينَنا؛ لذلك تنازلتُ عنه، وهو بكلِّ سهولةٍ طلَّقَني، أنا أحببته جِدّاً، وكنت أدعو اللهَ أن لا يتِمَّ الطلاق، وصلَّيْتُ استخارةً، وكنت في المحكمةِ ساكتةً، ونظراتي للقاضِي كلُّها توسُّلٌ بأن لا يتمَّ هذا الطلاق، رغم أنَّه عندمَا سألنِي القاضي هل أنتِ موافقةٌ ومقتنعةٌ؟ كنت أردُّ بالإيجاب، حفاظًا على كرامتي التي جرحَها زوجِي وزوجتُه الأولى (حيث إنّني الزوجةُ الثانية) . أودُّ أن أستفسِرَ عن الآتي: 1- ما معنى أنَّ عرشَ الرحمنِ قد اهتزَّ بطلاقِنا؟ 2- هل اللهُ غضبانٌ منِّي لطلبِ الطلاقِ حفاظًا على كرامَتِي، ولأنَّ زوجي لم يكن عادلا في النفقةِ وأحيانًا في المبيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمدُ لله
أولاً:
نسأل اللهَ تعالى أن يوفقكِ لكلِّ خير، وأن يرزقَك السعادةَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ، ويعوضَك الزوجَ الصالحَ والذريةَ الطيبةَ.
واعلمي أنَّ الابتلاءَ سنةُ الحياةِ الدنيا، ولا بدّ للمسلمِ أن يوطِّن قلبَه على تحمُّلِ المصائبِ ومواجهةِ المشاكل، ومن أعظمِ البلاءِ الذي يصابُ به الناسُ فقدُ حبيبٍ أو صديقٍ بموتٍ أو غيابٍ أو فرقةٍ، ولكنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى – بمنِّه ولطفه – ما يزال يفتحُ للناسِ أبوابَ رحمتِه، فييسرُ لهم من الأحبابِ والأصحابِ مَن يُعينُ على الخير، ويخففُ على القلبِ نصبَه ويزيلُ عنه وَحشتَه.
فلا تحزني على ما فات، فما أصابَ العبدَ لم يكن لِيُخطِئَه، واللهُ سبحانه وتعالى يقول: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة/216.
ثانياً:
يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها , إذا كان هناك سبب يبيح ذلك , كما لو كان مقصراًً في حقها أو ظالماً لها أو أساء معاملتها , ولم يقبل نصيحة ناصح في حسن معاملتها ومعاشرتها بالمعروف.
أما طلب المرأة الطلاق من غير سبب فحرام , بل من كبائر الذنوب.
يقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: (أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا مِن غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْها رَائِحَةُ الجَنَّةِ) رواه أبو داود (2226) والترمذي (1187) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قالَ المُبارَكفورِي: أَيْ: من غيرِ شدةٍ تُلجِئُها إلى سؤالِ المفارقَة.
"تحفة الأحوذي" (4/410) .
وقال الحافظُ ابنُ حجر:
" الأخبارُ الواردةُ في ترهيبِ المرأةِ من طلبِ طلاقِ زوجِها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك " انتهى من "فتح الباري" (9/402) .
وانظري السؤال رقم (9481) (12496) (34579) .
والمخالعةُ أيضًا جائزةٌ إذا كانت بعذرٍ شرعي، لدفعِ ظلمٍ أو حفظِ حقٍّ أو غيرِ ذلك من الأعذار، وقد سبقَ بيانُها في جواب السؤال رقم (1859) .
والمحرَّم فيها إنَّما هو طلبُ الخلعِ من غيرِ عذرٍ أو سبب.
جاء في الحديثِ عن النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ) رواه الترمذي (1186) والنسائي (3461) وضعفاه، وقال ابن قدامة في المغني (7/248) : ذكره أحمد محتجًا به، ومال ابن حجر إلى تصحيحه، كما في "فتح الباري" (9/403) وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1186) .
قالَ المباركفوري:
" أي: اللاتي يَطلُبنَ الخلعَ والطلاقَ عن أزواجِهن من غيرِ بأسٍ " انتهى.
"تحفة الأحوذي" (4/409) .
ثالثاً:
الواجبُ على الزوجِ إذا تزوج بأكثر من واحدة، أن يلتزمَ بالشرطِ الذي أخذه اللهُ تعالى على الأزواجِ حين قالَ سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3.
فإن علمَ من نفسِه التقصيرَ في حقِّ إحدى زوجاتِه، فلا يجوزُ له أن يُعَلِّقَها ويظلمَها، بل الواجبُ عليه أن يعطيَها حقَّها من النفقةِ والمبيتِ والمعاشرةِ بالمعروف، ويعدلَ بينها وبينَ زوجاتِه الأخرى، فإن لم يستطِع فتسريحٌ بإحسان، والإحسانُ يقتضي ألا يأخذَ من مالِها شيئًا.
وانظري سؤال رقم (45600) .
فإن رفضَ الزوجُ التسريحَ بإحسانٍ، ولم يُبالِ بالظلمِ الواقعِ على زوجِه، ورغبت الزوجةُ في استعجالِ فراقِها عنه، ولو بِعِوَضٍ تُرضِي به الزوج، كان لها ذلك، والإثمُ على الزوج، والمالُ الذي يأخذُه منها مالٌ حرامٌ.
وقد سبقَ بيانُ ذلك بتوسعٍ في سؤال رقم (42532) .
رابعاً:
أمّا السؤالُ عن الطلاقِ هل يهتزُّ منه عرشُ الرحمن؟
فلم يصِحَّ شيءٌ في ذلك، والحديثُ المرويُّ بهذا المعنى حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43498) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1392)
قال لزوجته: إذا لمست الجوال فاذهبي لحالك إلى أهلك
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث شجار بيني وبين زوجي حول هاتفه النقال بحيث أتصل منه كثيرا لعائلتي فقال لي وبالضبط:إذا لمسته اذهبي لحالك إلى منزلكم، إذا لمسته اذهبي لحالك إلى منزلكم، وفي نفس الوقت وفي كلا اللفظتين كان يشير بيده أثناء نطقه بهما، وسألته عن نيته، قال: إنه نوى تخويفي من أجل أن يمنعني حتى لا أتصل منه مرة أخرى، فهل يقع بهذا الطلاق إذا حدث الشرط الذي علق عليه كلامه؟ وهل هذا اللفظ صريح أم من الكنايات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ألفاظ الطلاق على نوعين: صريح وكناية.
والألفاظ الصريحة هي التي لا تحتمل إلا الطلاق في الغالب، مثل طلقتك وأنت طالق، ونحو ذلك، وهذه الألفاظ يقع بها الطلاق، وإن لم ينوه الزوج.
وأما الكنايات فهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره، كاللفظ الذي تكلم به زوجك (اذهبي لحالك إلى أهلك) فهذا يحتمل أنه أراد الطلاق، ويحتمل غير ذلك، وحكم هذه الألفاظ: أنها لا يقع بها الطلاق إلا إذا نواه الزوج.
فإذا كان زوجك نوى بهذا اللفظ الطلاق، وقع الطلاق إذا حصل الشرط المعلق عليه، وهو لمسك الجوال.
وإذا كان لم ينو الطلاق، فلا يقع شيء.
وكونه أراد بهذا تخويفك لا يمنع أن يكون أراد مع ذلك الطلاق، فإن الرجل يخوف امرأته بالطلاق حتى تطيعه ولا تعصيه.
وعلى الزوج أن يحذر من استعمال ألفاظ الطلاق الصريحة وغيرها، وأن يجتهد في حل المشاكل في جو من الود والتفاهم.
وعلى الزوجة أن تطيع زوجها، وتسعى في مرضاته، وليس لها أن تعصيه أو تغضبه أو تأخذ من ماله بغير رضاه.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1393)
إذا قال لزوجته: أنت علي حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الزوج لزوجته: أنت علي حرام، فهل يكون هذا طلاقاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحريم الزوج لزوجته مما اختلف الفقهاء في حكمه، فمنهم من حكم بأنه ظهار، ومنهم من حكم بأنه طلاق.
ولعل أرجح الأقوال: أنه إن نوى الطلاق أو الظهار أو اليمين، فالأمر على ما نواه.
وإن لم ينو شيئا لزمه كفارة يمين، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
ويدل على ذلك: أن هذا اللفظ يصلح لأن يكون طلاقاً أو ظهاراً أو يميناً، فكان المرجع في تحديد ذلك إلى نية القائل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا) رواه البخاري (4911) ومسلم (1473) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إن قال قائل: ما هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة (يعني: الطلاق والظهار واليمين) ؟ قلنا: الفرق بينهم:
الحال الأولى: في اليمين هو ما نوى التحريم، لكن نوى الامتناع إما معلقا وإما منجزا، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فأنت عليّ حرام، هذا معلق. فهنا ليس قصده أنه يحرم زوجته بل قصده أن تمتنع زوجته من ذلك.
وكذلك: أنت علي حرام، قصده أن يمتنع من زوجته، فنقول: هذا يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ... ) إلى أن قال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وقوله: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) "ما" اسم موصول يفيد العموم، فهو شامل للزوجة وللأمة وللطعام والشراب واللباس، فحكم هذا حكم اليمين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهي يمين يكفرها. والاستدلال على ذلك بالآية ظاهر.
والحالة الثانية: أنه يريد به الطلاق، فينوي بقوله أنت علي حرام، يعني: يريد أن يفارقها بهذا اللفظ. فهذا طلاق، لأنه صالح للفراق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) .
الحالة الثالثة: أن يريد به الظهار، ومعنى الظهار أن يريد أنها محرمة عليه، فهذا قال بعض أهل العلم: إنه لا يكون ظهارا لأنه لم يوجد فيه لفظ الظهار. وقال بعض العلماء: إنه يكون ظهارا؛ لأن معنى قول المظاهر لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ليس معناه إلا أنت حرام، لكنه شبهها بأعلى درجات التحريم وهو ظهر أمه، لأنه أشد ما يكون حراما عليه، فهذا يكون ظهارا) انتهى من "الشرح الممتع" (5/476) .
وننبه إلى خطورة الألفاظ المتصلة بهذا الجانب، وضرورة الحذر من إطلاقها، حفاظا على ميثاق الزواج الغليظ، من أن ينحل وينهار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1394)
لا يقع الطلاق بمجرد العزم عليه دون التلفظ به
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل نشزت عنه زوجته بعد شجارات وعدم توافق وتفاهم في حياة زوجية لم تمتد أكثر من أربعة أشهر، وقد وَلدت عند أهلها بنتاً منه، وباءت محاولات الصلح وإرجاع المرأة لبيتها بالفشل، ثم إن الرجل رفع دعوى بالمحكمة بإلزامها بالرجوع، وحكمت له، فقامت باستئناف الحكم، وقدمت شكوى ضده لدى الشرطة والنيابة على أن الزوج اعتدى عليها بالضرب، وبعدها قدمت دعوى بالمحكمة - بناء على هذه التهمة - ترغب فيها التطليق من زوجها للضرر الذي لحق بها بزعمها، وطلبت مع هذا الطلب التعويض المادي والمعنوي وإلزام الزوج بكافة حقوق المطلقة، ومنذ عامين لا تزال الدعوى منظورة ولم يتم الفصل فيها، وقد عزم الزوج بعد إظهار الشر من زوجته وأصهاره ومحاولة الإساءة إليه بشتى الأنواع ألا ترجع إليه أبداً ولا تكون زوجته، إلا أنه لا يريد أن يطلق إلا بعد الفصل بحكم التطليق من المحكمة لعل أن يكون الحكم منصفاً له ولصالحه وتسقط جميع حقوق الزوجة، فهو يرى أنه هو المتضرر منها وليس كما ادعت هي أمام المحكمة. السؤال: هل يتحقق الطلاق بمجرد العزم عليه بالقلب وانتظار حكم المحكمة طول هذه الفترة؟ وهل يأثم في شيء من ذلك - مع العلم أنه محافظ على دفع النفقة الشهرية المقررة عليه -؟ وهل من واجبات أخرى يلزمه بها الشرع اتجاه زوجته في هذه الفترة، واتجاه طفلته التي بلغت الثانية من عمرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خيراً لحرصك على أداء الحقوق كاملة تامة، ونسأله سبحانه أن تنتهي الأمور بينك وبين زوجتك على ما يكون فيه الخير لكما في الدنيا والآخرة.
وأما وقوع الطلاق فلا يقع بمجرد العزم عليه، بل يشترط التلفظ به والنطق به.
قال الحافظ بدر الدين العيني رحمه الله:
"وليس لأحدٍ خلاف أنه إذا نوى الطلاق بقلبه ولم يتلفظ به: أنه لا شيء عليه، إلا ما حكاه الخطابي عن الزهري ومالك أنه يقع بالعزم، وهذا في غاية البُعد، ونقضه الخطابي على قائله بالظهار وغيره، فإنهم أجمعوا على أنه لو عزم على الظهار لم يلزمه حتى يتلفظ به، ولو حدَّث نفسه بالقذف لم يكن قاذفاً، ولو حدَّث نفسه في الصلاة لم يكن عليه إعادة، وقد حرَّم الله الكلام في الصلاة، فلو كان حديث النفس في معنى الكلام لكانت صلاته تبطل.
وممن قال إن طلاق النفس لا يؤثر: عطاء بن أبي رباح وابن سيرين والحسن وسعيد بن جبير والشعبي وجابر بن زيد وقتادة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق" انتهى.
" عمدة القاري شرح البخاري " (20 / 256) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (29 / 23) :
" فإذا نوى التّلفّظ بالطّلاق ثمّ لم يتلفّظ به: لم يقع بالاتّفاق؛ لانعدام اللّفظ أصلاً، وخالف الزّهريّ، وقال بوقوع طلاق النّاوي له من غير تلفّظ.
ودليل الجمهور قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله تجاوز لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلّم به) " انتهى.
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 27) :
" إذا لم يصدر منك كلام إلا قولك لأخيك: (نريد أن نطلق) فليس في هذا الكلام إنشاء طلاق، وإنما هو وعد بالطلاق" انتهى.
وفي " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (11 / 70) :
"الطلاق لا يقع إلا بلفظ أو ما يقوم مقامه، سواء كان اللفظ صريحاً أو كناية" انتهى.
وقد سبق في موقعنا تقرير هذه المسألة في جوابي السؤالين: (20660) و (34164) .
أما ما يجب عليك الآن نحو زوجتك وولدك: فما دمت تنفق عليهم النفقة الشهرية فأنت في مأمن من الإثم والظلم إن شاء الله، حتى يفصل القضاء الشرعي بينكما فيلزمك تنفيذ ما يأمرك به حينئذ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1395)
قبول قول المرأة في حصول الحيض وارتفاعه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلق الرجل امرأته، وهو لا يدري أنها حائض، وبعد الطلاق قالت المرأة: إنها كانت حائضاً وقت الطلاق، فهل يقبل قولها في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال (72417) بيان اختلاف العلماء في وقوع طلاق الحائض، وأن الصحيح أنه لا يقع.
ثانياً:
يقبل قول المرأة في حصول حيضها وفي انقضائه، ونحو ذلك مما لا يطلع عليه الرجال؛ لأنها مؤتمنة على ذلك، قال الشافعي رحمه الله: " أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: ائتمنت المرأة على فرجها ". انتهى من "الأم" (5/225) .
وقد دل على قبول قول المرأة في ذلك، قوله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) البقرة/ 228.
قال الجصاص رحمه الله: " لما وعظها بترك الكتمان دل على أن القول قولها في وجود الحيض أو عدمه. وكذلك في الحَبَل؛ لأنهما جميعا مما خلق الله في رحمها، ولولا أن قولها فيه مقبول، لما وُعظت بترك الكتمان، فثبت بذلك أن المرأة إذا قالت: " أنا حائض " لم يحل لزوجها وطؤها، وأنها إذا قالت " قد طهرت " حل له وطؤها. وكذلك قال أصحابنا أنه إذا قال لها: " أنت طالق إن حضت " فقالت: " قد حضت " طلقت وكان قولها كالبينة " انتهى من "أحكام القرآن" (1/506) .
وقال السعدي رحمه الله (ص 102) :
" وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة عما تخبر به عن نفسها من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها، كالحمل والحيض ونحوهما " انتهى.
وقال في "معين الحكام" ص95: " في القضاء بقول امرأة بانفرادها: وذلك فيما لا يطلع عليه إلا النساء كالولادة والبكارة والثيوبة والحيض والحمل والسقط والاستهلال وعيوب الحرائر والإماء، وفي كل ما تحت ثيابهن، ووجه ذلك أنه لما كانت هذه الأمور مما لا يحضرها الرجال ولا يطلعون عليها أقيم فيها النساء مقام الرجال للضرورة " انتهى.
ويشترط لقبول قول المرأة في هذا أن تدعي الحيض أو انقضاءه في وقت يمكن فيه ذلك، فإن ادعته في وقت لا يمكن فيه ذلك فلا يقبل قولها.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ومن فوائد الآية الكريمة:
أنه يرجع إلى قول المرأة في عدتها؛ لقوله تعالى: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) ؛ وجه ذلك: أن الله جعل قولها معتبراً؛ ولو لم يكن معتبراً لم يكن لكتمها أيّ تأثير؛ فإذا ادعت أن عدتها انقضت، وكان ذلك في زمن ممكن فإنها تصدق؛ وهي مؤتمنة على ذلك؛ أما إذا ادعت أن عدتها انقضت في زمن لا يمكن فإن قولها مردود؛ لأن من شروط سماع الدعوى أن تكون ممكنة؛ ودعوى المستحيل غير مسموعة أصلاً " انتهى. "تفسير سورة البقرة" (ص 102) .
وينظر: "المغني" (7/158) ، "الفواكه الدواني" (2/34) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1396)
أسلما بعد طلاقهما ولهما طفلة، فما هي حقوق كل منهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل وامرأة كانا كافرين، وعلمت المرأة أنها حامل، وطلب منها الرجل أن تجهض حملها، فرفضت ولم تأبه باقتراحاته، إلى أن وضعت مولودها، وكانت طفلة، ثم أسلم الرجل والمرأة سويًا، لكنهما كانا قد تطلقا.
هل ما يزال للأب حقوقٌ تزيد على ما للأم، مع أنه أوضح بجلاء أنه لا يرغب في أن تولد هذه الطفلة في المقام الأول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن هداكما لدين الحق. وهذه أعظم نعم الله تعالى على عبده، إذ بها يسعد في الدنيا والآخرة، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما إلى ما يحب ويرضى ويرزقكما الاستقامة والثبات على دينه.
ثانياً:
لقد أحسنت برفضك إجهاض الحمل، وذلك أن إجهاض الحمل معصية، سواء كان ذلك قبل نفخ الروح أو بعده، وإن كان الإثم يعظم بعد نفخ الروح.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (40269) (42321) .
ثالثاً:
إذا طلق الرجل زوجته، وتم الانفصال وبينهما طفل، فالمقرر في الشريعة أن حق الأم في حضانة هذا الطفل أعظم من حق الأب، ما لم يكن هناك مانع كزواجها أو قلة دينها أو تقصيرها في الرعاية.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (8189) (20705) (21516) .
رابعاً:
وإساءة الأب بطلب إجهاض الحمل لا يسقط حقه الثابت له، كحق النسب والرعاية والإنفاق والتسمية والزيارة أثناء فترة حضانة أمها لها، كما له حق حضانتها إذا وجد مانع من حضانة الأم كالزواج.
ونرجو أن يكون قد غفر الله له بإسلامه، فإن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب.
خامساً:
قول السائلة: "هل ما يزال للأب حقوق تزيد عن ما للأم؟ "
فليُعلم أن حقوق الأب ليست أكثر من حقوق الأم دائما، بل حقها مقدم عليه في الحضانة كما سبق، وحقها مقدم عليه أيضا في البر، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: الْحَثّ عَلَى بِرّ الأَقَارِب , وَأَنَّ الأُمّ أَحَقّهمْ بِذَلِكَ , ثُمَّ بَعْدهَا الأَب , ثُمَّ الأَقْرَب فَالأَقْرَب. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب تَقْدِيم الأُمّ كَثْرَة تَعَبهَا عَلَيْهِ , وَشَفَقَتهَا , وَخِدْمَتهَا , وَمُعَانَاة الْمَشَاقّ فِي حَمْله , ثُمَّ وَضْعه , ثُمَّ إِرْضَاعه , ثُمَّ تَرْبِيَته وَخِدْمَته وَتَمْرِيضه , وَغَيْر ذَلِكَ. وَنَقَلَ الْحَارِث الْمُحَاسِبِيّ إِجْمَاع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الأُمّ تُفَضَّل فِي الْبِرّ عَلَى الأَب , وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض خِلافًا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ الْجُمْهُور بِتَفْضِيلِهَا , وَقَالَ بَعْضهمْ: يَكُون بِرّهمَا سَوَاء. قَالَ: وَنَسَبَ بَعْضهمْ هَذَا إِلَى مَالِك , وَالصَّوَاب الأَوَّل لِصَرِيحِ هَذِهِ الأَحَادِيث فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُور " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1397)
لا يشترط رضا الزوجة في إرجاعها بعد طلاقها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلَّق الرجل زوجته في حالة عصبية وجاء بعد أسبوعين من تركهِ لها لإرجاعها , ولم تقبل بالرجوع له , لأنه إنسان غير معتدل ومزواج - أي: يعدد في الزوجات – وعنده عدم عدل بينهم , وأصبح على هجره لها أكثر من سنة , هل تحرم عليه وتعتبر مطلقة أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طلاق الغضبان الذي لا يدري ما يقول بسبب غضبه أو عصبيته: لا يقع، وأما إن كان غضبه لم يؤثر على عقله، وكان يدري ما يقول فإن طلاقه يقع، وقد سبق بيان القول في طلاق الغضبان في أجوبة الأسئلة (45174) و (22034) .
ثانياً:
يملك الزوج رجعة زوجته ولا يشترط رضاها بذلك، على أن يكون إرجاعها في عدة الطلقة الأولى أو الثانية؛ لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228.
وفي هذه الآية تنبيه للزوج على شروط الرجعة، وهي:
1. أن يكون في طلاق، فإن كان في فسخٍ للنكاح فلا رجعة له عليها، لقوله تعالى: (والمطلقات) .
2. أن يكون الطلاق رجعيّاً، ولا يكون كذلك إلا إن كانت الطلقة أولى أو ثانية، وقوله تعالى (الطلاق مرتان) يعني: الذي يحصل به الرجعة، فإن وقعت الطلقة الثالثة فلا رجعة له عليها إلا أن تنكح زوجاً آخر , نكاحَ رغبة , ويفارقها فراقاً حقيقيّاً بعد الدخول.
3. أن تكون في العدة لقوله: (أحق بردهن في ذلك) أي: العدة، فإن انتهت العدة وأراد إرجاعها لم يمكنه ذلك إلا بعقد ومهر جديدين.
4. أن لا يقصد برجعتها الإضرار بها، بل يقصد إرجاعها للإصلاح , لقوله تعالى: (إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/228؛ فإن كان يريد الإضرار بها. فعليها أن تثبت ذلك للقاضي الشرعي حتى يحكم بما يظهر له.
والآية دليل واضح على أنه لا خيار للزوجة في الرجعة إن اختار زوجها إرجاعها، وليس لها أن تمتنع من الرجعة، لقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردتهن) ، وحتى لو لم ترجع لبيته فإنه إن أرجعها وأشهد على ذلك وقعت الرجعة.
ثالثاً:
والعدة التي يملك فيها الزوج الرجعة هي " ثلاثة قروء " أي: خلال ثلاث حيضات عند جمهور أهل العلم، أو قبل وضع حملها إن كانت حاملاً.
وعليه: فما جاء في السؤال أنه أراد إرجاعها بعد أسبوعين موافق لكون إرجاعه لها في العدة، إلا أن تكون حاملاً ووضعت حملها قبل إرجاعه لها.
رابعاً:
ولا يقع الطلاق لمجرد الابتعاد عن الزوج ووقوع الهجر، وقد سبق جواب السؤال رقم (11681) بيان أن طول غياب الزوج لا يعد طلاقاً إلا بطلاق الزوج أو القاضي.
خامساً:
ويجب على الزوج المعدد أن يتقي الله تعالى في نسائه، وأن يقوم بالعدل الذي أوجبه الله عليه، ولمعرفة الواجب في العدل بين الزوجات: ينظر جواب السؤال رقم (10091) و (13740) .
سادساً:
وهجر الرجل زوجته من غير سبب شرعي حرام، فإذا كان الهجر لإصلاح حالها لتفعل واجباً تركته، أو تترك إثماً فعلتْه: جاز له هجرها.
ولا شك أن هجر الرجل لامرأته هذه المدة الطويلة (سنة) يدل على استفحال المشكلة، وأنهما لا يستطيعان حلها , وفي هذه الحالة أمر الله تعالى بإرسال حكمين: أحدهما من أهله , والأخر من أهلها , لينظرا في الأمر ويحكما بما يريان في المصلحة للزوجين ودفع الضرر عن المتضرر منهما.
قال الله تعالى:) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) النساء/35.
وعلى الزوج أن يعلم أنه مأمور بأحد أمرين:
إما أن يمسك امرأته ويحسن إليها ويعاشرها بالمعروف , وإما أن يطلقها بإحسان ويعطيها حقها ولا يظلمها , قال تعالى:) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229.
ولزيادة البيان: ينظر جواب السؤالين: (45600) (11971) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1398)
ماذا تجتنب المطلقة في طلاقها الرجعي والبائن بينونة كبرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدكم أني طلقت زوجي للتو وأريد أن أعرف الواجبات المحددة عليّ خلال فترة الانتظار هذه التي تبلغ 3 أشهر، وهل يعني ذلك أنه لا يمكنني حتى التحدث إلى الرجال عبر الشبكة الإلكترونية؟ وهل يجوز أن يحضر أصدقاء والدي أو والدتي ليأخذوني ثم يعيدوني مرة أخرى إلى البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس للمرأة أن تطلِّق زوجها، والطلاق إنما يكون من الزوج، والخطاب في كتاب الله تعالى في مسائل الطلاق وأحكامه كان للأزواج وليس للزوجات قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) البقرة/231، وقال تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) البقرة/236، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب/49، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ) الطلاق/1.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ) .
رواه ابن ماجه (2081) وحسَّنه الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 108) .
وما يحصل من مفارقة الزوج برغبة من المرأة ودفعها مالاً مقابل ذلك يسمى " الخلع "، وهو أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها بمهرها أو بما يطلبه الزوج، فيفارقها إذا رغب بذلك، وهو " فسخ " للنكاح وليس طلاقاً، وعدة المرأة فيه حيضة واحدة.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (14569)
ثانياً:
إذا تمَّ الخلع فإنها تصير أجنبية عنه مباشرة، لا يحل له أن يخلو بها، وليس له عليها رجعة إلا بعقد ومهرٍ جديدين.
فإذا انتهت عدتها وهي: حيضة واحدة – أو وضع الحمل إن كانت حاملاً – يجوز لها أن تتزوج بمن تشاء وفق الشروط الشرعية بولي وشاهديْ عدل.
أما إن كان الزوج قد طلَّق زوجته طلقة أولى أو ثانية فلا يجوز لها الخروج من بيتها في عدتها , ولا يجوز له إخراجها إلا أن تنتهي عدتها فتصير أجنبية عنه، والحكمة في ذلك أنه ربما يميل إليها فيرجعها، وهو ما تحث عليه الشريعة، قال تعالى: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1.
وفي أثناء عدتها يجوز لها أن تكشف لزوجها وأن تتزين له، وأن يكلمها ويخلو بها، لكن ليس له أن يجامعها إلا بعد إرجاعها، أو يكون جماعها بنية الإرجاع.
فإذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها، فإنها تصبح أجنبية عنه، ولا يحل له الخلوة بها، ولا لمسها، ولا النظر إليها.
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (21413) و (36548) فلينظرا.
وسبق في جواب السؤال (12667) بيان لجميع أنواع العدات.
ويجب التنبه إلى أن عدة المطلقة التي تحيض ثلاث حيضات وليس ثلاث أشهر , الثلاثة أشهر هي عدة الصغيرة التي لم تحض، والكبيرة التي أيست من المحيض، وفي الجواب المشار إليه مزيد تفصيل.
ثالثاً:
ولا يجوز خروج المرأة مع الرجال الأجانب عنها , ولا محادثتها لهم عبر الشبكة الإلكترونية، وقد سبق بيان الأدلة على ذلك وفتاوى أهل العلم في أجوبة الأسئلة (34841) و (6453) و (10221) .
وعليه: لا تمنع المرأة من لباس الزينة ولا من الطيب ولا من الحلي وغيرها من الأشياء التي تُمنع منها المعتدة من وفاة زوجها، وإنما المحرَّم عليها أثناء عدتها الرجعية أن تخرج من بيت زوجها وأما خروجها مع الرجال ومحادثتها لهم فحرام في كل الأحوال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1399)
استخرج وثيقة طلاق وهو لا يريد الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[استخرج والدي وثيقة طلاق لأمي ـ بعلمها وحضورها ـ حتى أحصل على إعفاء من الجيش: وقّعا على الوثيقة، ولم يتلفظ والدي بالطلاق، ولم يكتب هو لفظ الطلاق، حيث أفهمهما المأذون قبل تحرير وثيقة الطلاق أن هذا الطلاق على الورق فقط ـ للمصلحة ـ وليس شرعيا ً. 1ـ ما حكم ما فعله والدي؟ 2ـ هل يعد ذلك طلاقا ً؟ علما ً بأن والدي سبق له أن طلق والدتي مرتين قبل هذه الواقعة، والمرة الثالثة (محل السؤال) : كانت في طهر لم يجامعها فيه، لكنه جامعها بعد إصدار وثيقة الطلاق بفترة. فما الذي يلزم والدي تجاه والدتي من حقوق لتبرأ ذمته؟ وإذا لم يقع طلاق؛ كيف يضمن لها حقها في الميراث؟ حيث إنها في نظر القانون مطلقة. علما ًبأنها مقيمة معنا في المنزل، ويعطيها والدي نفقاتها وما يلزمها. أما والدي فهو متزوج بأخرى ومقيم في منزل آخر، ويأتي كثيرا ً لرعاية شؤوننا ومصالحنا، وهو يريد أن يعرف الحكم الشرعي الصحيح لتبرأ ذمته. وهل تجوز الرجعة في نفس مجلس الطلاق وبدون وثيقة رجعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كتب الرجل بيده صريح الطلاق، فإنه لا يقع إلا إذا نواه، عند جمهور العلماء؛ لأن الكتابة محتملة.
قال ابن قدامة رحمه الله: (7/373) : " ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق , إلا في موضعين ; أحدهما: من لا يقدر على الكلام , كالأخرس إذا طلق بالإشارة , طلقت زوجته. وبهذا قال مالك , والشافعي , وأصحاب الرأي. ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ...
الموضع الثاني: إذا كتب الطلاق , فإن نواه طلقت زوجته، وبهذا قال الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم , وأبو حنيفة , ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ...
فأما إن كان كتب ذلك من غير نية , فذهب بعض العلماء إلى أنه يقع وهو قول الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم ; لما ذكرنا.
والقول الثاني: أنه لا يقع إلا بنية، وهو قول أبي حنيفة , ومالك , ومنصوص الشافعي ; لأن الكتابة محتملة , فإنه يقصد بها تجربة القلم , وتجويد الخط , وغم الأهل , من غير نية " انتهى بتصرف.
وحيث إن والدك لم يتلفظ بالطلاق، ولم يكتبه، وإنما كتبه غيره، ووقع هو من غير أن ينوي الطلاق، فإن الطلاق لا يقع.
ثانيا:
هذا العمل الذي أقدم عليه والدك فيه مفاسد ظاهرة، منها مسألة الميراث، إذا كان يقسم عن طريق الدولة، فإنه لا توارث بين أبيك وأمك في هذه الحالة، وأما إذا كان الميراث لا يوزع عن طريق الدولة، فإن المخرج أن يُشهد والدك شاهدين عدلين على استمرار الزوجية بينه وبين والدتك، مع شيوع ذلك بين الناس، فإن مات أحدهما ورثه الآخر.
ومن المفاسد: ما لو رزقه الله ولدا من أمك، فإنه يتعذر عليه تسجيله، إضافة إلى ما في عمله من الكذب والتزوير.
ثالثا:
حيث إن الطلاق المسئول عنه لم يقع - كما سبق - فإنه لا يحتاج إلى رجعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1400)
وقوع الطلاق بالكتابة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كتب الزوج لزوجته رسالة بالهاتف المحمول: أنت طالق، ثم قال لم أقصد الطلاق، هل يقع بذلك الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" اتفق الفقهاء على وقوع الطلاق بالكتابة , لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق , فأشبهت النطق ; ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب , بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة , فبلغ بالقول مرة , وبالكتابة أخرى. والكتابة التي يقع بها الطلاق إنما هي الكتابة المستبينة , كالكتابة على الصحيفة والحائط والأرض , على وجه يمكن فهمه وقراءته. وأما الكتابة غير المستبينة كالكتابة على الهواء والماء وشيء لا يمكن فهمه وقراءته , فلا يقع بها الطلاق , لأن هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما لا يسمع " انتهى.
"الموسوعة الفقهية" (12/217) .
ثانياً:
إذا كتب الزوج رسالة لزوجته: أنت طالق، سواء كانت بالهاتف المحمول أو على ورقة أو بالبريد الإلكتروني، فهذا يُرجع فيه إلى نيته وقت الكتابة، فإن كان عازما على الطلاق، وقع الطلاق، وإن كتب ذلك ولم يكن ناوياً للطلاق، وإنما أراد إدخال الحزن على زوجته أو غير ذلك من المقاصد لم يقع الطلاق.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق، إلا في موضعين: أحدهما، من لا يقدر على الكلام، كالأخرس إذا طلق بالإشارة، طلقت زوجته ...
الموضع الثاني: إذا كتب الطلاق، فإن نواه طلقت زوجته، وبهذا قال الشعبي، والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ".
وإن كتب بلا نية الطلاق، لم يقع عند الجمهور: " لأن الكتابة محتملة، فإنه يقصد بها تجربة القلم، وتجويد الخط، وغم الأهل، من غير نية". انتهى من "المغني" (7/373) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/346) : " فلو قال كاتب الطلاق: لم أرد إلا تجويد خطي، أو لم أرد إلا غم أهلي , قُبل؛ لأنه أعلم بنيته، وقد نوى محتملا غير الطلاق. . . وإذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته، لا يكون ناويا للطلاق " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: رجل كان جالسا مع أخته وزوجته فطلب من أخته أن تجيء بالقلم فكتب على ورقة: طلاق طلاق بغير إضافة إلى أحد فغضبت أخته وأخذت القلم ثم كتبت ثلاث مرات طلاق طلاق طلاق ثم ألقى الورقة إلى امرأته وقال لها: انظري هل صحيح ما كتبت؟ وهو لم يرد كتابة هذه الألفاظ لامرأته.
فأجاب: " هذا الطلاق غير واقع على المرأة المذكورة إذا كان لم يقصد به طلاقها , وإنما مجرد الكتابة أو أراد شيئا آخر غير الطلاق , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات. . .) الحديث.
وهذا قول جمع كثير من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الجمهور , لأن الكتابة في معنى الكناية , والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية في أصح قولي العلماء، إلا أن يقترن بالكتابة ما يدل على قصد إيقاع الطلاق فيقع بها الطلاق.
والحادثة المذكورة ليس فيها ما يدل على قصد إيقاع الطلاق والأصل بقاء النكاح والعمل بالنية " انتهى.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" فقد وصلنا استفتاؤك وفهمنا ما تضمنه من أن رجلاً كتب طلاق زوجته فلانة بنت فلان طلقة واحدة، وأنه ذيل الكتابة بتوقيعه واسمه، وأنه لم يقصد إيقاع الطلاق بزوجته، ولم ينوه إطلاقاً، بل كتب الورقة ليرهب زوجته ويهددها لكي ترتدع عن معاملتها السيئة لزوجها إلى آخر ما ذكر. وتسأل هل يقع الطلاق من الرجل المذكور على الزوجة، أم لا؟
والجواب: الحمد لله , إذا كان الأمر كما ذكرت في أنه لم يقصد من كتابته صريح طلاق زوجته إلا تهديدها وإرهابها لترتدع عن معاملتها السيئة له، وأنه لم يقصد الطلاق ولم ينوه إطلاقاً فلا يقع الطلاق المذكور، وبالله التوفيق " انتهى.
"فتاوى محمد بن إبراهيم" (11/سؤال رقم 3051) .
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم أيضاً عن رجل كتب طلاق امرأته وأراد بذلك غم أهله وتهديدها.
فأجاب:
" يظهر لنا أن الطلاق غير واقع، وإنما أراد من هذه الورقة غم أهله وتهديدها، وقد ذكر العلماء أنه إذا قصد من كتابة الطلاق تجويد خطه أو غم أهله قبل منه مقصده ولا يقع الطلاق، قال في "شرح زاد المستقنع– الجزء الثالث ص150": ومن كتب صريح طلاق امرأته بما يبين وقع وإن لم ينوه، لأنها صريحة فيه؛ فإن قال: لم أرد إلا تجويد خطي أو غم أهلي قبل. اهـ. وبالله التوفيق " انتهى.
"فتاوى محمد بن إبراهيم" (11/السؤال رقم 3050) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1401)
الطلاق في الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[في أول يوم من أيام الحيض نسيتْ أن تخبر زوجها وطلبت منه الطلاق وقام بإيقاع الطلاق (الثالث) ثم تذكرت ذلك وأخبرته؟ ما هو الموقف الشرعي المترتب على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء، خلافاً لقول الجمهور. فجمهور العلماء يرون أنه يقع، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع؛ لأنه خلاف شرع الله، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها، فهذا هو الطلاق الشرعي، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء، لقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الطلاق/1.
والمعنى: طاهرات من غير جماع، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع، أو حوامل. هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى.
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به، وتظل المرأة في عصمة زوجها.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله عن رجل طلق امرأته وهي حائض، وكان لا يدري أنها حائض، فهل يقع هذا الطلاق؟
فأجاب:
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم، وطال فيه النقاش، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا، ويحسب على المرء طلقة، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة: الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، أن الطلاق في الحيض لا يقع، ولا يكون ماضيا، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة: حديث عبد الله بن عمر حيث طلق زوجته وهي حائض، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله، فيكون مردوداً، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة، نعم، لا عبرة بعلمه، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم، وعدم الوقوع، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق، ولا إثم على الزوج " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/268) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1402)
زوجها عصبي جدا طلقها ثلاثاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من 9 سنين تقريباً. وزوجي إنسان عصبي جداً جداً جداً لأبعد ما تتصور وعندما يغضب يفقد عقله ويفعل تصرفات لا يقصدها " أنا لا أعطي مبررات ولكن هذه هي الحقيقة والله يشهد على ذلك" المهم مشكلتي أنه كذا مرة لفظ بكلمة الطلاق وأريد أعرف هل وقع الطلاق أما لا؟
الحالة الأولى: كنا مسافرين للخارج وحدثت مشكلة كبيرة جداً وقال لي: " أنت طالق عندما نرجع للبلاد " هو يقول إنها نوع من التخويف والتهديد، المهم رجعنا البلاد ونسي الموضوع ولكن أنا لم أنساه وسألت شيخاً فقال لي: إن الطلاق لم يقع وفسر لي ذلك.
الحالة الثانية: على إثر مشكلة كبيرة ضربني وخرج من البيت وأنا تصرفت بحماقة وأرسلت له قرابة 9 مسجات بالتلفون المحمول كلها سب وتحقير فأرسل لي مسج " أنتِ طالق " كان هذا بالعصر ورجع بالليل وكأن شيئا لم يحدث وتصالحنا وأيضا سألت في هذه الحالة شيخاً وقال لي إن طلاق المسجات غير محسوب أي لم يقع.
الحالة الثالثة: أيضا مشكلة كبيرة وغضب غضباً شديداً لدرجة أنه لم يكن يدري ماذا يفعل وطلقني فذهبت بيت أهلي، ولكنه ذهب للمحكمة وحكم له القاضي أن الطلاق لم يقع فأرجعني بعد تدخل الأهل فرجعت له.
كل الحالات لم يكن يقصد فيها الطلاق الفعلي، للعلم آخر هذه الحالات كانت من سنتين تقريباً ولم يعد ينطق بهذه الكلمة وهدأت عصبيته بشكل عام المشكلة أنني دائماً أفكر هل أنا عايشه معه بالحرام؟ هل الطلاق محسوب؟ لا أدري إذا كان الشيطان هو الذي يوسوس لي أم ماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ويلهمك يرشدك وأن يصلح حالك وحال زوجك.
ثانيا:
ما سألت عنه بخصوص الحالات الثلاث، جوابه كما يلي:
الحالة الأولى:
وفيها قال الزوج لك: " أنت طالق عندما نرجع للبلاد ": فهذه يقع فيها الطلاق عند رجوعكما للبلاد؛ لأن هذا تعليق محض، أي لا يقصد به الحث أو المنع، أو التصديق أو التكذيب.
ولو فرض أنه قال: أردت أني " سأطلقها " بعد الرجوع، فهذا لا يقبل منه أيضا؛ لأن قوله: أنت طالق، من ألفاظ الطلاق الصريحة، فلا يقبل منه أن مراده ونيته الوعد بالطلاق.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحلف بالطلاق هو التعليق الذي يراد به حث الحالف على شيء، أو منعه من شيء، أو حث المستمعين المخاطَبين على تصديقه أو تكذيبه، هذا هو اليمين بالطلاق، فهو تعليق، ومقصوده حث أو منع، أو تصديق أو تكذيب، فهذا يسمى يمينا بالطلاق. بخلاف التعليق المحض، فهذا لا يسمى يمينا، كما لو قال: إذا طلعت الشمس فزوجته طالق، أو قال: إذا دخل رمضان فزوجته طالق، فهذا لا يسمى يمينا، بل تعليق محض وشرط محض، متى وجد الشرط وقع الطلاق ". انتهى من "فتاوى الطلاق" ص (129- 131) .
وقد سبق الجواب عن مثل هذا في السؤال: (43481) .
الحالة الثانية:
وفيها أرسل لك رسالة بالهاتف وفيها: (أنتِ طالق) : فهذا يُرجع فيه إلى نيته وقت الكتابة، فإن كان عازما على الطلاق، وقع الطلاق، وإن كتب ذلك وأراد شيئاً آخر غير الطلاق كغمّ أهله وتخويفهم لم يقع الطلاق لأنه لم ينوه.
وانظري جواب السؤال (72291) .
الحالة الثالثة:
وفيها غضب غضباً شديداً لدرجة أنه لم يكن يدري ماذا يفعل، وطلقك، ثم ذهب للمحكمة وحكم له القاضي أن الطلاق لم يقع , فالعبرة في هذا بما حكم به القاضي , وذلك لأن هناك بعض الحالات في الغضب لا يقع فيها الطلاق , فيكون القاضي علم مما حكاه له زوجك أن غضبه كان شديداً بحيث يمنع وقوع الطلاق , وقد سبق في جواب السؤال (45174) بيان حكم طلاق الغضبان.
والنصيحة لهذا الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يمسك لسانه عن ألفاظ الطلاق، حتى لا يتسبب في تفريق أسرته وتشتيت شملها.
نسأل الله ولنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1403)
قال لزوجته: تحرم العيشة معك.. وحكم القاضي بالطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت أمام القاضي لزوجتي العبارة التالية: تحرم العيشة معك، وأستعيذ بالله منك. لقد اعترضت أمام القاضي وقلت له وأنا بشكل منفعل: بأنني لم أقصد الطلاق ولا نية لي بالطلاق. غير أن القاضي لم يأخذ بكلامي وحكم بأن الطلاق بائن بينونة كبرى. لقد انهارت أعصابي ولم أعِ ماذا أفعل؟ فأرسلت للزوجة وأهل الزوجة من خلال الهاتف المتحرك نصا أقول فيه: مبروك طلاق ابنتكم. فهل صحيح يكون قد وقع الطلاق بشكل بائن بينونة كبرى أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حرم الرجل زوجته بأن قال: أنت علي حرام، فهل يكون هذا ظهارا أو طلاقا أو فيه كفارة يمين؟
اختلف الفقهاء في ذلك اختلافا كثيرا، وقد حكى القاضي عياض في المسألة أربعة عشر مذهبا، ونقلها النووي رحمه الله في شرح مسلم.
ولعل أرجح الأقوال: أنه إن نوى الطلاق أو الظهار أو اليمين، فالأمر على ما نواه، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، وهو رواية عن أحمد.
وإن لم ينو شيئا لزمه كفارة يمين، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي.
ويدل على وجوب الكفارة ما ثبت في الصحيحين عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) البخاري (4911) ومسلم (1473) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
" وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام. فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ إِنْ نَوَى طَلَاقهَا كَانَ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَى الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيم عَيْنهَا بِغَيْرِ طَلَاق وَلَا ظِهَار لَزِمَهُ بِنَفْسِ اللَّفْظ كَفَّارَة يَمِين، وَلَا يَكُون ذَلِكَ يَمِينًا.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا: يَلْزَمهُ كَفَّارَة يَمِين، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَغْو لَا شَيْء فِيهِ، وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء مِنْ الْأَحْكَام، هَذَا مَذْهَبنَا.
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَسْأَلَة أَرْبَعَة عَشَر مَذْهَبًا:
أَحَدهَا: الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ يَقَع بِهِ ثَلَاث طَلْقَات سَوَاء كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا، لَكِنْ لَوْ نَوَى أَقَلّ مِنْ الثَّلَاث قُبِلَ فِي غَيْر الْمَدْخُول بِهَا خَاصَّة، قَالَ: وَبِهَذَا الْمَذْهَب قَالَ أَيْضًا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَزَيْد وَالْحَسَن وَالْحَكَم ... إلخ" انتهى.
فمذهب المالكية إذاً: أنه يقع بهذا التحريم ثلاث طلقات، فتقع البينونة الكبرى، والظاهر أن القاضي حكم بناء على هذا المذهب، واعتبر قولك لزوجتك: تحرم العيشة معك، من قبيل التحريم الذي اختلف فيه الفقهاء.
وقد نص المالكية على أن من حرّم العيش أو العيشة ونوى الزوجة في ذلك، أنها تطلق ثلاثا.
انظر: "حاشية الدسوقي" (2/382) ، و "فتح العلي المالك" (2/34) .
وقد قدمنا ما يظهر رجحانه من أقوال الفقهاء في المسألة، وبقي أن نشير إلى مسألة النية، والفرق بين نية اليمين ونية الطلاق ونية الظهار، وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن قال قائل: ما هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة؟ قلنا: الفرق بينهما:
الحال الأولى: في اليمين هو ما نوى التحريم، لكن نوى الامتناع إما معلقا وإما منجزا، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فأنت عليّ حرام، هذا معلق. فهنا ليس قصده أنه يحرم زوجته، بل قصده أن تمتنع زوجته من ذلك.
وكذلك: أنت علي حرام، قصده أن يمتنع من زوجته، فنقول: هذا يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ... ) إلى أن قال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وقوله: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) "ما" اسم موصول يفيد العموم، فهو شامل للزوجة وللأمة وللطعام والشراب واللباس، فحكم هذا حكم اليمين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهي يمين يكفرها. والاستدلال على ذلك بالآية ظاهر.
والحالة الثانية: أنه يريد به الطلاق، فينوي بقوله: أنت علي حرام، يعني: إنني مفارقك، وما يريد أن تبقى معه، يريد أن يفارقها بهذا اللفظ. فهذا طلاق، لأنه صالح للفراق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
الحالة الثالثة: أن يريد به الظهار، ومعنى الظهار: أن يريد أنها محرمة عليه، فهذا قال بعض أهل العلم: إنه لا يكون ظهارا، لأنه لم يوجد فيه لفظ الظهار. وقال بعض العلماء: إنه يكون ظهارا؛ لأن معنى قول المظاهر لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ليس معناه إلا أنت حرام، لكنه شبهها بأعلى درجات التحريم وهو ظهر أمه، لأنه أشد ما يكون حراما عليه، فهذا يكون ظهارا" انتهى من "الشرح الممتع" (5/476) .
وإنما ذكرنا حالات النية، لأن بعض الناس يقول: ما قصدت الطلاق، والواقع أنه قصد مفارقة زوجته، وألا تبقى معه، وهذا قصدُ الطلاق.
هذا ما أمكن ذكره من الناحية الفقهية، ثم للقضاء كلمته المبنية على الإحاطة بحال السائل، ولفظه، والقرائن المحيطة به، وفي مثل هذه المسائل التي اختلف العلماء في حكمها، وليس فيها نص من السنة النبوية يقطع النزاع، يكون الحكم النهائي فيها للقاضي، ولهذا قال العلماء: "حكم القاضي يقطع النزاع".
فيلزمك العمل بما حكم به القاضي، ولا يجوز لك مخالفته.
فإن كان لك اعتراض على حكم القاضي فلعلك تراجع المحكمة، وتلتمس منها النظر في موضوعك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(6/1404)
أرسل طلاق امرأته برسالة جوال مازحاً!
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أرسل زوج لزوجته رسالة على الهاتف المتحرك يقول فيها أنت طالق تعتبر مطلقة كانت مزحة أم جادة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يقع طلاق الرجل لامرأته بمجرد النية، فإذا أظهر نيته على لسانه بالنطق - أو بالإشارة المفهمة للأخرس -، أو بالكتابة سواء على ورقة أو على رسائل الجوال أو بالبريد الإلكتروني، فإن كل ذلك يجعل الطلاق واقعاً، على أن تكون الكتابة ثابتة عنه؛ لأن مجال التزوير في هذه الأمور سهل ومتيسر.
وينظر – للاستزادة -: جواب السؤالين: (36761) و (20660) .
ثانياً:
لا خلاف بين العلماء في وقوع طلاق الجاد.
وأما الهازل , فإذا طلق طلاقاً صريحاً: (أنت طالق) بالقول لا بالكتابة فقد ذهب جمهور العلماء إلى وقوعه , واستدلوا بما رواه أبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) وقد حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1826) .
وانظر جواب السؤال (44038) .
ثالثاً:
وأما كتابة الطلاق , سواء كتبه الزوج على ورقة أو على رسالة بالهاتف المحمول أو البريد الإلكتروني , فلا يقع بها الطلاق حتى ينويه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل كتب طلاق امرأته على ورقة ثم دفعها إليها.
فأجاب:
" هذا الطلاق غير واقع على المرأة المذكورة إذا كان لم يقصد به طلاقها , وإنما مجرد الكتابة أو أراد شيئا آخر غير الطلاق , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات. . .) الحديث.
وهذا قول جمع كثير من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الجمهور , لأن الكتابة في معنى الكناية , والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية في أصح قولي العلماء، إلا أن يقترن بالكتابة ما يدل على قصد إيقاع الطلاق فيقع بها الطلاق " انتهى.
وانظر جواب السؤال (72291) .
وعلى هذا , إذا كان زوجك قصد بتلك الرسالة إيقاع الطلاق , وقع , أما إن كان مازحاً – كما تقولين – ولم يقصد الطلاق فلا يقع بذلك طلاق.
والوصية للأزواج أن يتقوا الله تعالى، وأن لا يتخذوا أحكام الله هزوا ولعبا، وليعلموا أنه بالطلاق تتشتت الأسرة، ويضيع الأولاد، ويعرِّض زوجته للذل والفتن، فليتقوا الله تعالى، وليحافظوا على أُسَرهم، وليتحلوا بالصبر والحلم قبل الإقدام على الطلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1405)
طلَّق الثالثة وادَّعى أنه كان غاضباً
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل طلَّق امرأته طلقتين، وأثناء مشاجرته مع والده طلَّق امرأته الطلقة الثالثة، وادَّعى بعد ذلك أنه كان في حالة غضب شديد لم يدرِ معه كيفية مبادرته بالطلاق، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الطلاق الذي يملك فيه الزوج إرجاع زوجته إلى عصمته مرتان، فإن طلَّقها الثالثة صارت أجنبية عنه، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويدخل بها، قال تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة/229.
ولا يشترط لوقوع الطلاق أن تسمعه المرأة من زوجها، أو تعلم به، فإذا طلَّق الزوج لفظاً أو كتابةً في حضورها أو بغيابها فإن طلاقه يكون واقعاً.
والمطلق في الغضب له أحوال:
فإن كان غضبه يسيرا بحيث لا يؤثر على إرادته واختياره فطلاقه صحيح واقع.
وإن كان غضبه شديدا بحيث صار لا يدري ما يقول ولا يشعر به فهذا طلاقه لا يقع لأنه بمنزلة المجنون الذي لا يؤاخذ على أقواله.
وهذان الحالان للغضب لا خلاف في حكمهما بين العلماء، وبقيت حال ثالثة، وهي الغضب الشديد الذي يؤثر على إرادة الرجل فيجعله يتكلم بالكلام وكأنه مدفوع إليه، ثم ما يلبث أن يندم عليه بمجرد زوال الغضب، ولكنه لم يصل إلى حد زوال الشعور والإدراك، وعدم التحكم في الأقوال والأفعال، فهذا النوع من الغضب قد اختلف العلماء في حكمه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (22034) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1406)
هل يكفي التطليق عن طريق المحامي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت سأطلق زوجتي حسب القانون الكندي، أي من خلال محامي، فهل يعتبر ذلك كافيا، أم علي أيضا أن أطلقها إسلاميا، أعني أنه يتوجب علي أن أبعث لها ببريد إلكتروني أو ما شابه ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أراد أن يطلق زوجته طلاقا سنيا، فليطلقها طلقة واحدة، في طهر لم يجامعها فيه، أو حال كونها حاملا، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها، فتبين منه بينونة صغرى، ولا يملك إرجاعها إلا بعقد جديد ومهر جديد.
قال ابن قدامة رحمه الله: "معنى طلاق السنة: الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ... وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها. ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه، ثم تركها حتى تنقضي عدتها، أنه مصيب للسنة، مطلق للعدة التي أمر الله بها. قاله ابن عبد البر وابن المنذر ... قال أحمد: طلاق السنة واحدة، ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض. وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد " انتهى من "المغني" (7/278) .
ولا بد في الطلاق من التلفظ به، أو يكتبه مع استحضار نية الطلاق، سواء أرسل المكتوب إليها أو لم يرسله، ولا يكفي في الطلاق نيته من غير تلفظ أو كتابة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق، إلا في موضعين: أحدهما: من لا يقدر على الكلام، كالأخرس إذا طلق بالإشارة، طلقت زوجته. وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي. ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ...
الموضع الثاني: إذا كتب الطلاق: فإن نواه طلقت زوجته، وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ". "المغني" (7/373) .
ويجوز التوكيل في الطلاق، بأن يقول الزوج لغيره: وكلتك في تطليق زوجتي، أو أن يوكل المرأة في تطليق نفسها، فإن طلق الوكيل، أو طلقت الزوجة نفسها، وقع الطلاق.
لكن ليس للزوج أن يوكل غيره في إيقاع الطلاق بالثلاث، بل يوكل في طلقة واحدة فقط؛ لأن الزوج لا يجوز له أن يطلق بالثلاث، فوكيله من باب أولى.
والمحامي وكيلٌ لك في تطليق زوجتك.
وعليه؛ فإن كان المحامي سيتلفظ بالطلاق أو يكتبه نيابة عنك، فلا حرج في ذلك، ويقع بذلك الطلاق، ولا تحتاج أنت أن تتلفظ بالطلاق، أو تكتبه وترسله إلى زوجتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1407)