سيخية تريد الزواج من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[مرحبا. أنا لست مسلمة، لكني أحب شخصا مسلما، وقد أخبرني أنه سيتزوج بي، إلا أنه لم يفعل ذلك لسبب ما. لكن عندي سؤال لك، لماذا لا يمكن للفتاة السيخية أن تتزوج بالمسلم؟ وهل يجوز لهما الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا نشكر لك ثقتك في هذا الموقع، ونلمس من وراء إرسال هذه الرسالة قابليتك للبحث من أجل الوصول إلى الحق وعدم تعصبك لما نشأتِ عليه، وهذا في حد ذاته نعمة نسأل الله تعالى أن يتممها عليك بالوصول إلى الحق الذي يوجب لك حقيقة السعادة في الدارين، ومن أجل الوصول إلى هذا الأمر فإننا ننصحك بالقراءة عن الإسلام في هذا الموقع بتأمل وصدق في البحث عن الحق وأن تسألي الذي خلقك من العدم أن يرشدك إلى الطريق الصحيح والدين القويم. واعلمي بأن حياة الإنسان لا تستقيم بدون دين صحيح يحيى عليه ولا تستقر هذه النفس إلا بصلة صحيحة بخالقها وفاطرها الله عز وجل. وعبادته هي روح الحياة وبدونها لا يكون إلا التعاسة والشقاء.
أما عن سؤالك عن زواج المسلم منك فإنك إن اقتنعت بالإسلام وارتضيتِه دينا لكِ ـ وهذا ما نسأل الله أن يوفقك إليه ـ فليس هناك ما يمنع من زواجك منه، ويتولى تزويجك منه أقرب أهلك إليك من المسلمين، فإن لم يكن فيهم مسلمون فيتولى تزويجك القاضي المسلم في البلد التي أنت فيه أو المسئول عن الجالية الإسلامية فيها إن لم يكن هناك قاض مسلم أو محكمة شرعية.
واعلمي أن الشريعة الإسلامية تحرِّم زواج المسلمة من غير المسلم أيا كانت ديانته، وتحرِّم على المسلم الزواج من غير المسلمة إلا أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى دون غيرهم، قال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة/221، وقد أوضحت الآية الحكمة العظيمة من التحريم وهي حماية المسلم والمسلمة من التأثر في دينه، لكن لما كان الرجل هو الذي له الكلمة كان تأثره بالزوجة أقل من العكس ولذلك أبيح له الزواج من أهل الكتاب فقط لأن كفرهم أخف من كفر غيرهم من حيث العموم ولأنهم أصحاب رسالة سابقة وإن أصابها من التحريف ما أصابها فيبقى لهم ميزة على غيرهم، وعليه فلا يجوز للمسلم الزواج من سيخية إلا أن تسلم.
ونصيحتنا التي نرجو أن يشرح الله صدرك لها مادام قد وُجد هذا الأمر أن تغتنميه من أجل أن يكون محفزاً لك على الإسلام، لا سيما إذا كان هذا المسلم محافظاً على دينه، ونرجو إن أسلمت أن يكون لك وأن تكوني له نعم العون على الصبر والثبات؛ لأنك ستحتاجين بعد إسلامك إلى من يقف إلى جانبك ويحميك من أذى بعض من قد لا يعجبهم إسلامك ومفارقتك لدين الأباء والأجداد، وهذه هي سنة الله في ابتلاء الكثير ممن يدخل في هذا الدين الحنيف ليكون سبباً لهم في قوة ثباتهم عليه، وليظهر في الواقع هل هم مستحقون لهذه النعمة أم غير مستحقين لها، ونسأل الله لك العون على معرفة طريق السعادة الحقة والإيمان به والثبات عليه، حتى يكون آخره جنة عرضها السماوات والأرض. ويمكنك الاستفادة من السؤال 3023، والسلام على من اتبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/746)
أراد أن يسلم ليتزوج مسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[نمى إلى علمي أن الرجل إذا أراد الإسلام، بقصد الزواج من فتاة مسلمة مثلا، حتى وإن لم يكن إسلامه بدافع الإيمان الحقيقي، فإن الله يقبل ذلك منه (إسلامه) ، حيث إن هذه الطريقة تزيد شخصا إلى تعداد المسلمين، وخصوصاً أن أطفاله سيكونون مسلمين بدل أن يكونوا نصارى. ما قولك في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصل الإيمان يكون في القلب ومن أجل هذا فإن النية لها أكبر الاعتبار في الشريعة الإسلامية وإلى هذا جاءت الإشارة في الحديث الذي يعده العلماء نصف دين الإسلام وابتدأ به كثير من العلماء كتبهم كالبخاري رحمه الله في صحيحه فيما أخرجه عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ البخاري (1) وفي رواية مسلم: (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) مسلم 3530، وبناءً على هذا فإن للمسألة شقين:
أما الأول فهو ما يتعلق بقبول هذا الإسلام عند الله تعالى فالحديث يدل على عدم قبوله إن لم تكن له نية إلا هذا الأمر ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.
وأما الثاني فهو ما يتعلق بإجراء أحكام الإسلام الظاهرة عليه، فهذا الشخص لو نطق بالشهادتين وأتى بشعائر الإسلام ولم يأتِ بناقض من نواقضه فإنه يُعامل معاملة المسلمين، ويمكن قبول زواجه من هذه المسلمة؛ وذلك لأننا مأمورون شرعا بمعاملة الناس بما يظهر من حالهم ولم نؤمر بالتنقيب عما في قلوبهم كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنِّي لَمْ أُؤمَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ " البخاري 4004 مسلم 1763.
ولعل هذا الشخص إن دخل في الإسلام ولو بهذه النية أن يَطَّلِعَ على ما في الإسلام من كمال وما فيه من ترغيب في صدق النية فيصدق مع الله تعالى ويَحسُن إسلامه ويقبله الله منه، ويمكن لمن له علاقة بهذا الشخص أن ينصحه بأن يكون قصده الأول إرادة وجه الله والدخول في حقيقة الإسلام، ويكون الزواج تابعاً وسبباً للدخول في هذه النعمة لا مقصداً وغاية، ويمكن لهذه الفتاة أن تجعل الزواج منها مُرَغِّباً لهذا في إسلامه كما وقع من أم سليم رضي الله عنها في زواجها من أبي طلحة رضي الله عنه فعَنْ أَنَسٍ قَالَ تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الإِسْلامَ أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُكَ فَأَسْلَمَ فَكَانَ صَدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا. النسائي3288 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 3133.
وأما تعليل القبول ـ الذي ورد في السؤال ـ بزيادة عدد المسلمين فغير صحيح، لأن زيادة عدد المسلمين، وإن كانت أمراً حسناً ومقصوداً إلا أنه ليس من أسباب قبول من ادعى الإسلام ولم يؤمن به حقيقة، لأن الإسلام يهتم بالكيف والكم لا بالكم فقط، والصادق في دينه خير من ألف من الكاذبين فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/747)
كذب عليها في شأن والديه فطلبت منه المخالعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كذب الرجل على امرأته سبب مقنع لطلبها للخلع، فقد كذبتُ على زوجتي قبل أن نتزوج أن والديَّ ميتان، وليسا كذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من شك في أن الكذب من سفاسف الأخلاق ورذائلها، وهو مفتاح لكل شر، وأساس واه متهاو لمن أراد أن يبني بيتا، أو يؤسس أسرة مسلمة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) . رواه البخاري (6094) ومسلم (2607) .
غير أن ذلك الخطأ الذي ارتكبه الزوج ليس مسوغا ليس لوحده سببا كافيا لأن تسعى المرأة في هدم بيتها، وهجران أسرتها بطلب الطلاق أو المخالعة إذا لم يكن ثمة سبب شرعي أو عقلي أو صحي أو اجتماعي مقنع، وما دام لم يظهر للزوجة من زوجها ما يعيبه في خلقه أو دينه، أو يخل بالعشرة معه: فقد يكون هناك سبب دعاه إلى الوقوع في هذا الخطأ، وغاية ما ينبغي معه أن يعرف بخطئه، وبخطر التجرؤ على تلك الرذيلة.
فإذا استقام مع زوجه، وصلح في دينه وعشرته، فلا ينبغي للزوجة أن تتخذ من ذلك معولا تهدم به بيتها، لا سيما وأنه لا مصلحة لها في موت والديه، ولا مضرة عليها في حياتهما، كل ما هنالك أنه لا تلزم بالعيش معهما، ولا السكن في بيتهما، وينتهي الأمر.
حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (رقم/1187) وقال: هذا حديث حسن.
قال المناوي رحمه الله:
" والبأس الشدة؛ أي: في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة؛ كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له، أو بأن يضارها لتنخلع منه.
فحرام عليها؛ أي: ممنوع عنها رائحة الجنة ". انتهى.
"فيض القدير" (3/178) .
فأي بأس قد أصاب هذه المرأة، وأي شدة نزلت بها من أن يكون والدا زوجها على قيد الحياة؟!!
بل لو شرطت عليه ألا يكون له أبوان، فظهر أنها حيان: لم يكن لها أن تفسخ نكاحها لأجل هذا الشرط الغريب!!
قال البهوتي رحمه الله:
" وإن شرطت المرأة صفة غير ذلك المذكور، من الحرية والنسب، مما لا يعتبر في الكفاءة، كالجمال ونحوه، فبان أقل منها: فلا خيار لها، لما تقدم. "
[يعني: ما تقدم من أن ذلك غير معتبر في صحة النكاح، أشبه ما لو شرطته فقيها، فبان بخلاف ذلك] .
"كشاف القناع" (5/102) .
فالنصيحة للزوجة ـ أولا ـ أن تتأنى في طلبها المخالعة، وأن تمنح الفرصة لزوجها الذي كذب عليها، وإن كان بدر منه بعض التعدي والتقصير فَلْتَسْعَ في العفو والصفح، والله عز وجل يحب العافين عن الناس، وإذا كان العفو بين الزوجين فهو أعظم أجرا وأكبر فضلا.
ثم النصيحة للزوج ـ ثانيا ـ أن يتوب إلى الله من إثم الكذب، فهو من أعظم الآثام وأشنعها على المؤمن، ولعل شقاق الزوجة من عاجل عقوبة هذا الإثم الشنيع، وليعلم كل مسلم أنه إذا كان الكذب ينجي، فالصدق أنجى وأنجى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/748)
اشترط عليها أن ترعى والده ثم تزوج عليها فطالبته بسكن منفرد وتقسيم العمل مع ضرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوَّج السائل من امرأة بعد أن حكى لها وضع والده الذي يعاني من المرض، ويحتاج إلى من يعتني به، فوافقت، ويريد الآن أن يتزوج بالثانية، ولكن الأولى قالت: إذا تزوجتَ بالثانية: فسيكون من حقي أن أطالب ببيت منفرد، ونتقاسم رعاية والدك بيننا، فما رأيكم بذلك؟ يقول السائل: كيف تطالب بهذا الأمر مع أنه اشترط عليها من البداية العناية بوالده، بل إنه ما تزوجها إلا لهذا الغرض، لا غير؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى الوفاء بالعقود، والعهود، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1.
وأولى العقود أن يُوفى بها: عقود الزواج، وسواء كان ذلك الوفاء من قبَل الزوج، أو الزوجة.
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2572) ومسلم (1418) .
وعليه: فالواجب على الزوجة الوفاء بالشرط الذي اشترطه زوجُها عليها، وهو خدمة ورعاية والده، وليس للزوجة – فيما يظهر لنا – أن تطالبه بتقسيم هذا العمل بينها وبين ضرتها؛ لعدم اشتراطها ذلك في العقد، مع علمها بإباحة الله تعالى له التزوج بغيرها، كما أنها لم تشترط عليه أن لا يتزوج عليها.
وأما المطالبة بسكنٍ منفردٍ: فإنَّ لها الحق فيه إلا أن يكون الاشتراط عليها قبل العقد أن ترعى والده في بيته، وأنه لا سكن لها مستقل عن والده، فيجب عليها – حينئذٍ – الوفاء بالشرطين – السكن، والرعاية – وليس لها المطالبة بسكنٍ منفرد، ولا بتقسيم العمل بينها وبين ضرتها، إلا أن يفعل ذلك الزوج من تلقاء نفسه.
وإذا لم تحتمل الزوجة وضعها الجديد: فلها طلب " الخلع "، فتتنازل عن مهرها لزوجها، ويطلقها.
وينظر تفصيل الخلع في جواب السؤال رقم: (26247) .
وإننا ننصح الزوج أن يكون حكيماً في تصرفه، وأن يتقي الله في زوجته الأولى، فقد قبلت به زوجاً، وقبلت بخدمة والده المريض، فليس من مكافأتها أن يأتي لها بضرة لا تشاركها عملها، وتتميز عنها بميزات تسبب له قلقاً في حياته، وتنكد عليه معيشته.
ولسنا بالذي نمنع ما أباح الله تعالى من التعدد، لكننا نعلم أنَّ مِن حسن أخلاق المرء: مكافأة من أحسن إليه، بالكلمة، والفعل، ولا نرى أن إصرار الزوج على عدم مشاركة زوجته الثانية لرعاية والده: من حسن مكافأة زوجته الأولى، وكان الأجدر به أن يشترط على الثانية ما اشترطه على الأولى، وبذلك يكون منصفاً، وحكيماً.
وبكل حال:
نرى أن على الزوجة الالتزام بشرط النكاح الذي اشتُرط عليها، ولها حق طلب الخلع إن كانت تخشى عدم الوفاء بالشرط، أو عدم الوفاء بحقوق الزوج، ونرى أن على الزوج أن يحسن التصرف ليَخرج من هذا الأمر، وذلك باشتراطه على الثانية مثل ما اشترطه على الأولى - من رعاية والده -، وإذا كان العقد قد تمَّ دون ذلك: فعليه أن يتلطف معها في الطلب أن تخدم والده، وترعى أموره بالمشاركة مع زوجته الأولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/749)
هل ترفض طلب زوجها لها إذا تيقنت عدم استيقاظها لصلاة الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أرفض طلب زوجي للجماع في حالة تيقني من أني سوف أنام عن الصلاة؟ خصوصا الفجر؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دعا الرجل زوجته إلى فراشه وجب عليها أن تطيعه؛ لما روى البخاري (3237) ومسلم (1436) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
فالطاعة هنا واجبة، والنوم في هذه الحالة نوم قبل دخول الوقت فلا يحرم، ولو أدى لتفويت الصلاة، كما صرح به المالكية والشافعية؛ لأن الصلاة قبل الوقت لم يخاطب بها المكلف، والمحرّم هو نومه بعد الوقت إذا تيقن أو غلب على الظن أنه لن يستيقظ للصلاة ولم يوكّل من يوقظه.
قال العدوي رحمه الله نقلا عن الأجهوري: " يجوز للإنسان أن ينام بالليل وإن جوز أي اعتقد أو ظن أن نومه يبقى حتى يخرج وقت صلاة الصبح؛ إذ لا يترك أمرا جائزا لشيء لم يجب عليه، كما نقله الباجي عن الأصحاب. وأما النوم بعد دخول الوقت، فإن علم أو ظن أنه يبقى حتى يخرج الوقت، فإنه لا يجوز انتهى. أي: ما لم يوكل من يوقظه ممن يثق به. ومفاده أنه لو شك في الخروج، فإنه يجوز له" انتهى من "حاشية العدوي على الخرشي" (1/220) .
وقال الدردير رحمه الله: "ولا يحرم النوم قبل الوقت ولو علم استغراقه الوقت، بخلافه بعد دخول الوقت إن ظن الاستغراق لآخر الاختياري" انتهى من "الشرح الصغير" (1/ 233) .
وفي "حاشية الجمل على منهج الطلاب" (1/ 273) : " فإن نام قبل دخول الوقت لم يحرم وإن غلب على ظنه عدم تيقظه فيه ; لأنه لم يخاطب بها. ولو غلب عليه النوم بعد دخول الوقت وعزمه على الفعل وأزال تمييزه فلا حرمة فيه مطلقا ولا كراهة".
إلى أن قال: " يسن إيقاظ النائم للصلاة إن علم أنه غير متعد بنومه أو جهل حاله , فإن علم تعديه بنومه كأن علم أنه نام في الوقت مع علمه أنه لا يستيقظ في الوقت وجب إيقاظه " انتهى.
وخالف في ذلك جماعة من الشافعية:
قال ابن حجر في "تحفة المحتاج" (1/ 429) : "ومحل جواز النوم إن غلبه بحيث صار لا تمييز له ولم يمكنه دفعه , أو غلب على ظنه أنه يستيقظ وقد بقي من الوقت ما يسعها وطهرها وإلا حرم ولو قبل دخول الوقت على ما قاله كثيرون، ومن ثَمَّ قال أبو زرعة: المنقول خلاف ما قاله أولئك" انتهى.
فعلى ما صَرَّح به الأولون من أنه لا يأثم إذا نام قبل دخول وقت الصلاة، ولو استغرق نومه الوقت كله، فالواجب أن تطيعي زوجك إذا دعاك، وتجتهدي في الاستيقاظ للصلاة وتتخذي الأسباب لذلك كاستعمال المنبه ونحوه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/750)
هل تمتنع من الجماع لأنه ينام ولا يستيقظ للفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة من رجل ملتزم وفيه خير كثير ولله الحمد ولكن مشكلته أن نومه ثقيل فلا يستيقظ بسهولة لصلاة الفجر وغالبا إذا كان على جنابة لا يستيقظ فهل علي إثم في ذلك؟ وأنا أعلم يقينا أنه لن يستيقظ للصلاة مهما حاولت معه خاصة إذا جاء من سفر أو كان متعباً؟ وهل يجوز لي أن أمتنع عنه لأجل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دعا الرجل زوجته إلى فراشه وجب عليها أن تطيعه؛ لما روى البخاري (3237) ومسلم (1436) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش وذلك فرض واجب عليها.. .. فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة ... ، كما قال تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3 /145،146) .
فإن نام الزوج بعد ذلك فعلى الزوجة أن توقظه لصلاة الفجر، فإن لم يستيقظ وكان مفرطا فإثمه على نفسه، ولا يلحق الزوجة شيء من ذلك.
فعلى الزوجة أن تؤدي الحق الواجب عليها، والزوج مسؤول عن صلاته وتفريطه إن حصل منه تفريط.
وقد صرح الفقهاء بالحكم في عكس هذه المسألة، وهو مفيد هنا أيضا:
قال الرملي رحمه الله: "ولو علم أنه إذا وطئها ليلا لا تغتسل وقت صلاة الصبح وتفوتها، قال ابن عبد السلام: لا يحرم عليه وطؤها ويأمرها بالغسل وقت الصلاة , وفي فتاوى الأحنف نحوه " انتهى من حاشيته على أسنى المطالب (3/430) .
وفي نوازل البرزلي: (وسئل عز الدين أيضا عمن لا يمكنه قرب أهله إلا بالليل، وإن فعل أخر أهله الصبح عن وقته لتكاسلها في الغسل، فهل يجوز له فعل ذلك وإن أدى إلى إخلالها بالصلاة أم لا؟
فأجاب: يجوز له أن يجامعها ليلا ويأمرها بالصلاة في وقت الصبح، فإن أطاعته فقد سعد وسعدت، وإن خالفت فقد أدى ما عليه " انتهى من "فتاوى البرزلي" (1/ 202) .
والحاصل: أنه لا يجوز لك الامتناع من زوجك، ثم عليك إيقاظه للصلاة، ولا إثم عليك إن فرَّط وأخَّر الصلاة عن وقتها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/751)
متزوجة حديثا، وتشتكي من عدم محبتها لزوجها، وتريد الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي متزوجة من 8 أشهر وتشتكي من عدم محبتها لزوجها وتريد الطلاق منه علماً بأنه من أفضل الشباب خلقاً وعلماً، فسؤالي هنا: ماذا تنصحني في الإصلاح مثلاً أو إن كان لا يناسبهم إلا الطلاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت تذكر أن زوجها من أفضل الشباب خلقاً وعلماً، فالنصيحة لها أن تصبر، ولا تتعجل في طلب الطلاق، فقد تتغير الأحوال إلى ما تحب.
وعليها أن تبحث في أسباب ذلك وتحاول علاجها، فقد يكون ذلك بسبب بعض تصرفات زوجها، أو انشغاله عنها..
فتحاول معه شيئاً فشيئاً، فقد يكون لا ينتبه إلى خطأ ما يفعله، فيحتاج من ينبهه عليه.
وإذا كان في زوجها بعض الصفات أو التصرفات التي لا تحبها فينبغي أن تتحمل ذلك في مقابلة ما فيه من الخير الكثير، فإنه لا يوجد شخص كامل في كل شيء.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ [أي: لا يبغض] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) . رواه مسلم (1469) .
قال النووي رحمه الله:
" أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا , لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ " انتهى.
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" المراد من الحديث أن المؤمنة يحملها الإيمان على استعمال خصال محمودة يحبها المؤمن فيحتمل ما لا يحبه لما يحبه " انتهى.
"كشف المشكل" (ص 1044) .
وهذا الحديث ينطبق أيضا على الزوجة مع زوجها، والصاحب مع صاحبه.
قال القاري رحمه الله في "مرقاة المفاتيح" (10 / 181) :
"فيه إشارة إلى أن الصاحب لا يوجد بدون عيب، فإن أراد الشخص بريئا من العيب يبقى بلا صاحب، ولا يخلو الإنسان سيما المؤمن عن بعض خصال حميدة فينبغي أن يراعيها" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وهذا من الموازنة بين الحسنات والسيئات، بعض الناس ينظر إلى السيئات والعياذ بالله فيحكم بها وينسى الحسنات، وبعض الناس ينظر للحسنات وينسى السيئات، والعدل: أن يقارن الإنسان بين هذا وهذا، وأن يميل إلى الصفح والعفو والتجاوز؛ فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس، فإذا وجدت في قلبك بغضاء لشخص فحاول أن تزيل هذه البغضاء وذكر نفسك بمحاسنه، ربما يكون بينك وبينه سوء عشرة أو سوء معاملة لكنه رجل فاضل طيب محسن إلى الناس يحب الخير، تذكر هذه المحاسن حتى تكون المعاملة السيئة التي يعاملك بها مضمحلة منغمرة في جانب الحسنات" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص 1827) .
وقال أيضا: "الحاصل: أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينه صلة من زوجية أو صداقة أو معاملة في بيع أو شراء أو غيره أن يعامله بالعدل، إذا كره منه خلقا أو أساء إليه في معاملة أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن بين هذا وهذا؛ فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص 324) .
هذا.. وقد قال الله تعالى:
(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة / 216. وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء/ 19.
فالإنسان لا يدري أين الخير له؟ وكثيراً ما يأتي الخير من حيث يظن الإنسان أنه شر.
قال ابن القيم رحمه الله: "العبد لا يريد مصلحة نفسه من كل وجه ولو عرف أسبابها، فهو جاهل ظالم، وربه تعالى يريد مصلحته ويسوق إليه أسبابها، ومن أعظم أسبابها: ما يكرهه العبد؛ فإن مصلحته فيما يكره أضعاف أضعاف مصلحته فيما يحب" انتهى.
"مدارج السالكين" (2/ 205) .
فعليها أن تصبر وتدعو الله تعالى أن يوفق بينها وبين زوجها ويجمع بينهما في خير، ولتستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد يكون ما تجده من نفسها وسوسة منه، وليس له سبب صحيح، فإن الشيطان حريص على التفريق بين الزوجين.
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرها وأن يجمع بينها وبين زوجها في خير.
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (102637) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/752)
زوجة تتسلى بالمشاجرة مع أشقائها وشقيقاتها وزوجها يمنعها فهل يجب طاعته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت مؤخرا من زوجتي التي تبلغ من العمر 23 عاماً , وهي مسلمة، صالحة، ونحن نحاول التقرب من الله، وتعاليم الإسلام، بكل ما أوتينا من قدرة على ذلك، وأنا أطلب مساعدتك في أمر يسبب توتراً كبيراً في العلاقة بيننا، فقد تربَّت زوجتي في أسرة مكونة من 6 أفراد - ثلاثة إخوة وأختين غيرها - في جو غير مسئول، حيث إنه من الطبيعي الخناق، والشجار، مع بعضهم بعضاً في جو مسلِّي، ومرح، ويمثِّل هذا اختلافاً في المواقف بيننا، فأنا - كزوج - أرفض هذا، فهذا يجعلني غير مرتاح، وأجده عملاً مرفوضاً، حيث لا يجب أن تتصرف بتلك السلوكيات في هذا العمر، فهي لم تعد فتاة صغيرة، بل امرأة، فتجدها تفعل الآتي: استفزاز أخوتها - وليس الأغراب - وأن هذا يمثل ثقافة أسرية، وإن كانت مضبوطة بضوابط الشريعة، فسؤالي الأول هو: هل يجوز كل هذا النوع من الشجار مع أخواتها بما فيه من اتصال جسدي، وهو قضيتي هنا؟ . وهي تصر على مواصلة مثل هذا النوع كلما أحبت، رغم علمها بأنه يضايقني، وأنا لا يجب أن أستجيب لهذا النوع من التسلية؟ . وسؤالي الثاني هو: لو كان ما سبق جائزاً لكن زوجها يكرهه، ويرفضه، فهل يجب استمرارها فيه؟ ، وأعرف أن الإسلام لم يحرم هذا النوع من التسلية، لكن لا يحب الزوج التعرف على هذا النوع من التسالي، فما هو واجب الزوجة حيال ذلك؟ فهل لا تطيع الزوج، فماذا يقول الإسلام في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الله عز وجل عظَّم طاعة الزوج , وجعل له على زوجته حقوقاً , ومنها: الطاعة في المعروف - وانظر جواب السؤال رقم (10680) - بل طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين – وانظر في ذلك جواب السؤال رقم (43123) -.
ثانياً:
الشجار بين الإخوة، ولو كان على سبيل المزاح: فيه عدة محاذير، ومن أبرزها:
1. ما يترتب عليه من الغضب بسبب ما فيه من المغالبة , والغضب يسبِّب الشحناء، والبغضاء، والتقاطع، والتدابر.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) رواه البخاري (5765) .
وفي رواية عند أحمد (38/237) قال: قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ: فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ.
قال الخطابي رحمه الله:
معنى قوله (لا تغضب) : اجتنب أسباب الغضب، ولا تتعرض لما يجلبه.
وانظر: "فتح الباري" (10/520) .
2. ما يترتب عليه من الملامسة الجسدية – وهو ما ذكره السائل – فقد تستثار الشهوة عندهما، أو عند أحدهما، ويزداد هذا الأمر سوءاً: إذا كان بين ذكر وأنثى، وقد يؤخذ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الأولاد في المضاجع ما يدل على منع هذا النوع من اللهو.
3. يضاف إلى ذلك إذا كان الزوج يكره هذا النوع من المزاح.
فينبغي على هذه الزوجة أن تطيع زوجها في الكف عن هذا المزاح , ولو كانت تراه مباحاً حتى لا تغضب زوجها، وتتسبب في فساد العلاقة بينهما.
ونسأل الله أن يؤلف بينكما، ويجمع بينكما على الخير، والألفة، والمحبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/753)
هل ننصحها بالتزوج ممن ابتلاه الله بالعرج والوسواس القهري؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة، أبلغ من العمر 25 سنة، مخطوبة منذ سنة لشاب تقدم إليَّ يكبرني بسنة، يعمل مهندس برمجة، مشكلتي منقسمة إلي جزئين: الأول: أن هذا الشاب لديه عيب خلقي وراثيّاً في قدمه – يعرج - إلا أن العرجة قوية، في بداية أن تقدم لي لم أبالِ اهتماما لهذا العيب، وبدأت أشعر الآن أن هذا العيب يؤثر على علاقتي به، وإقبالي عليه، إلا أن إقباله عليَّ يزيد يوماً بعد يوم، وارتباطه بي يزيد، وهو شاب متدين، ويتقي الله في عمله، ويخاف الله، ويحاول أن يعدل في كثير من الأمور، ولا يظلم أحداً، مع أن خبرته في الحياة قليلة؛ نتيجة لإحاطة والديه به؛ لما يعانيه من إعاقة، إلا أنه يحاول أن يغير من نفسه، ويراجع تصرفاته باستمرار، حتى إنه أحيانا يسألني: " هل رديت صح " أو " الكلام كان مضبوطا هكذا؟ ". أما الجزء الثاني من قصتي: أن هذا الشاب بعد الخطوبة قال لي: إنه يعاني من " الوسواس القهري "، خصوصاً في الوضوء، والطهارة، حتي إنه يصل أن يتوضأ في 20 دقيقة، ويعاني من نوبات اكتئاب، وأحياناً عندما تنتابه هذه النوبات يكون كارهاً لحياته، ويرى أنه لا فائدة منه، وما أن تزول هذه النوبات: يعود كما كان، وأحيانا يلجأ لدواء الاكتئاب، ولكنه لم يأخذها من حوالي سنة. ولكن لديه جوانب إيجابية، منها: أنه طيب، وكريم، وعادل، ولا يحب الظلم، ومتدين، وأظن أنه يتقي الله فيَّ، ولديه قدره على الاستماع لآراء الآخرين، ومن الممكن أن يقتنع ما دام تقدم إليه الدلائل، ولكن شخصيته ليست ضعيفة، وصريح جدّاً، ومن عائلة محترمة جدّاً، إلا أنه يريد بعد الزواج أن يرد كل الأموال التي يعطيها له والده في الزواج؛ لأنه يشك فيها؛ لأنها أموال موضوعة في البنوك، ونحن الآن نبدأ الإعداد للزواج. أنا الآن لا أعرف هل اختياري هذا صحيح أم لا؟ وهل أستطيع أن أكمل هذه الحياة معه، وأن أتواصل مع من حولي دون أن تؤثر عليَّ نفسيّاً؟ . أنا أنظر للموضوع من جانبين: جانب ديني، وآخر دنيوي، الجانب الديني: هو أني أريد أحداً يتقي الله فيَّ، وأريد أن أساعده في حياته، خصوصا أنه يقول لي: إنه تغيَّر كثيراً من وقت أن عرفني، أما الجانب الدنيوي: هو أني أعيش حياة مع أحد لا أخجل منه، مع العلم أنه يحبني جدّاً، وأنا أول فتاة يرتبط بها، ودائماً يقول لي: إنه مرَّ بأشياء نفسية كثيرة، سواء من زملائه في الفصل - وكانوا لا يرضون أن يلعبوا معه – أو غيرهم، وبالتالي كان ليس له أصدقاء، وحتي الآن ليس له إلا صديق واحد، وهو ابن عمه، ولديه استعداد على أن يتعرف على أزواج صديقاتي، ويكوِّن معهم صداقات، ويتعامل مع من حوله في العمل بشكل جيِّد، وبدأ أن ينضبط، وحياته معتمدة، ومتعلقة بي جدّاً، وعلى فكرة: هو أول شاب في حياتي، ولم أكلم شباباً قبل هذا، ولم تكن لي علاقة بأحد من قبل. بالله عليكم أفيدوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بخصوص النصح بالتزوج من ذلك الشاب، أو عدمه: فالأمر يرجع إليك لتقرري أنت ذلك، فأنت على علم كامل بحاله، وواقعه، والأمر يعود إليك في قدرتك على تحمل تبعات مرضه، وتصرفاته، أم لا، ووصفك الدقيق لحاله، وواقع أمره: يجعل الأمر واضحاً جليّاً بالنسبة لك، فالقرار في ذلك لك.
ولكننا هنا ننبه على أمرين اثنين:
أولاً:
أما " العرج " الذي ابتلاه الله به: فأمره هيِّن، وليس أمراً يستحق الالتفات إليه، خاصة مع توفر صفات طيبة في ذلك الرجل، وقد ابتلي كثير من السلف بالعرج، وكانوا أئمة، وفقهاء، وزهَّاداً، بل ومجاهدين! ولم ينقصهم ذلك العيب عند الله، ولا عند الناس.
ومن هؤلاء:
1. الصحابي عمرو بن الجموح الأنصاري.
وكان أعرج، شديد العرج، وقُتل " يوم أحُد ".
2. يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، من أهل المدينة، يروي عن الزهري، وروى عنه: مالك، والليث بن سعد، وابن عيينة، مات سنة تسع وثلاثين ومائة، كنيته أبو عبد الله.
" الثقات " لابن حبان (7 / 617) .
3. علقمة بن قيس بن عبد الله.
قال الذهبي رحمه الله:
فقيه العراق، الإمام، أبو شبل، النخعي، الكوفي.
كان فقيهاً، إماماً، بارعاً، طيب الصوت بالقرآن، ثبتاً فيما ينقل، صاحب ير، وورع، كان يشبه ابنَ مسعود في هديه، ودلِّه، وسمته، وفضله، وكان أعرج.
" تذكرة الحفاظ للذهبي " (1 / 39) .
4. القائد موسى بن نصير أبو عبد الرحمن.
قال ابن عساكر رحمه الله:
وهو صاحب فتوح الأندلس، وكان أعرج.
" تاريخ دمشق " (61 / 212) .
وقال الذهبي رحمه الله:
وكان أعرج مهيباً، ذا رأي وحزم.
" سير أعلام النبلاء " (4 / 497) .
وغيرهم كثير، كثير، من أهل العلم، والطاعة، والزهد، والقيادة، والجهاد.
ومع ذلك.. فإذا رأيت أن هذا العرج قد يؤثر على العلاقة بينكما، فالأمر في ذلك إليك، ولا حرج عليك من فسخ الخطبة.
ثانياً:
أما ما يتعلق بمرض (الوسواس القهري) فهذا المرض قد يتطور، ويزداد فينتقل من الطهارة إلى الصلاة، فالزواج، فالعقيدة، وهو أخطرها عليه، وهو مما قد يسبب لكما نكداً في حياتكما، فلا تهنآ بزواج، ولا استقرار.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (96273) أن الوسواس القهري قد يؤثر على الحياة الزوجية، فلا تقام على أصولها، وبذلك يكون من العيوب المنفرة.
والوسواس القهري علاجه بالذِّكر، والطاعة، وإغفال الوسوسة، وإهمالها، وتحتاج بعض الحالات إلى مراجعة الطبيب النفسي.
وينظر جواب السؤال رقم (39684) و (41027) لمزيد فائدة.
وبناء على هذا، فنقترح عليك الطلب منه أن يبدأ فوراً بعلاج نفسه، وأن تقفي معه بالتشجيع، والمتابعة لحاله، وأن يتم تأخير الدخول حتى ينتهي من آثاره السيئة، بفضل الله، ورحمته.
وننبه أخيراً إلى أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته فلا يجوز له الخلوة بها ولا مصافحتها، ولا يجوز لها أن تضع حجابها أمامه.
وإذا احتاجت أن تجلس معه فيجب أن يكون معهما أحد محارمها.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق إلى ما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/754)
كذب المرأة لإرضاء زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوّجت زوجي لإخلاصه في عبادة الله، وحبّه للإسلام، وفى هذا الوقت كنت أعرف بأنه ليس حسن الهيئة، وهذا الأمر لم يقلقني، وقد سألني كثيرا عما إذا كنت أجده حسن الهيئة، وأنا أجيبه بالإيجاب حتى لا أجرح مشاعره، لكنّي أكذب وأشعر بالسوء الشديد من ذلك، وأخاف من أن آثم لقولي هذا، وأنا أرى أنه قبيح تمامًا، لكني أحاول تذكر صفاته الحسنة حتى يهنأ البيت، فهل آثم بكذبي لحماية مشاعره؟ فإن الحقيقة ستؤذيه إيذاءً شديدًا؛ لأنه لا يتمتّع بقدر كبير من الثقة في مظهره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أختي الكريمة – وفّقك الله، ورزقك حياة زوجيّة سعيدة هنيئة – إنّ إقدامك على الزّواج لهذا الغرض لنعمة وتوفيق من الله سبحانه وتعالى لك، فاشكريه عليه يُدِمْ عليك نعمته، ويزدك من فضله.
أمّا ما سألت عنه من الكذب لإرضاء زوجك، وحماية مشاعره، فلا حرج عليك في ذلك؛ لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) . أخرجه البخاريّ (2692) .
وفي رواية مسلم: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِى خَيْرًا) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: (وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيء مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ في ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا) .
قال الشّيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (1/1790) عند شرح هذا الحديث: "كذلك من المصلحة: حديث الرجل زوجته، وحديث المرأة زوجها فيما يوجب الألفة والمودّة، مثل أن يقول لها: أنت عندي غالية، وأنت أحبّ إليّ من سائر النساء، وما أشبه ذلك، وإن كان كاذبًا، لكن من أجل إلقاء المودّة، والمصلحة تقتضي هذا" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/755)
يزعم أن وطء الزوجة في الدبر مباح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ترددت كثيراً في الكتابة لكن لابد من الاستشارة لأني لم أقتنع، فأرجو منك المساعدة، أنا امرأة متزوجة وزوجي مطوع ولله الحمد ويدرس شريعة، لكن اللي مضايقني جدا أنه يأتيني من الدبر، وأنا أخاف من الله، ومن العقوبة المترتبة على ذلك، وغير أمراض الناتجة عنه، لكن المصيبة أن زوجي مقتنع تمام الاقتناع بأن ما يفعله جائز، وأنه ليس محرماً، وانه يوجد مذهب من المذاهب يحلل هذا الشيء، وأن الأحاديث المذكورة لتحريمه هي كلها ضعيفة، ويحمل نفسه المسئولية بحلاله، فما رأيك يا شيخ؟ أرجو إفادتي فلقد تعبت وخايفة من عقاب الله؟ ما الحل برأيك كيف أقنعه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحرم على الرجل إتيان زوجته في دبرها، وهو كبيرة من الكبائر، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة، وهو قول جماهير السلف والأئمة.
وما ورد فيه من الأحاديث مجموعها صالح للاحتجاج كما ذكر أهل العلم، وعلى فرض ضعفها فإن القرآن قد دل على تحريم هذا الفعل القبيح، ونحن نسوق إليك طرفاً من ذلك.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان":
"قوله تعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) لم يبيّن هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظة (حَيْثُ) ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين:
إحداهما: هي قوله هنا: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) ؛ لأن قوله: (فَأْتُوا) أمر بالإتيان بمعنى الجماع وقوله: (حَرْثَكُمْ) يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث يعني بذر الولد بالنطفة، وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى؛ لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد، كما هو ضروري.
الثانية: قوله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ) ؛ لأن المراد بما كتب الله لكم، الولد، على قول الجمهور وهو اختيار ابن جرير، وقد نقله عن ابن عباس، ومجاهد، والحكم، وعكرمة، والحسن البصري، والسدي، والربيع، والضحاك بن مزاحم، ومعلوم أن ابتغاء الولد إنما هو بالجماع في القبل. فالقبل إذن هو المأمور بالمباشرة فيه، بمعنى الجماع فيكون معنى الآية: فالآن باشروهن، ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الولد، الذي هو القبل دون غيره، بدليل قوله: (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) يعني الولد.
ويتضح لك من هذا أن معنى قوله تعالى: (أَنَّى شِئْتُمْ) يعني أن يكون الإتيان في محل الحرث على أي حالة شاء الرجل، سواء كانت المرأة مستلقية أو باركة أو على جنب، أو غير ذلك، ويؤيد هذا ما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
فظهر من هذا أن جابراً رضي الله عنه يرى أن معنى الآية، فأتوهن في القبل على أية حالة شئتم ولو كان من ورائها.
والمقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع.
وقد قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ما نصه: وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل: (أَنَّى شِئْتُمْ) شامل للمسالك بحكم عمومها، فلا حجة فيها؛ إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة، حِسانٍ شهيرة، رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا، بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في "مسنده"، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وغيرهم.
وقد جمعها أبو الفرج الجوزي بطرقها في جزء سماه "تحريم المحل المكروه".
ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه "إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار".
قلت: وهذا هو الحق المتبع، والصحيح في المسألة.
ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه، وقد حُذرنا من زلة العالم. وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به رضي الله عنه، وكذلك كذّب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي.
وأنكر ذلك مالك واستعظمه، وكذب من نسب ذلك إليه، وروى الدارمي في "مسنده"، عن سعيد بن يسار أبي الحباب. قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري حين أحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت له الدبر. فقال: هل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟ وأسند عن خزيمة بن ثابت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيها الناس، إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن) ، ومثله عن علي بن طلق، وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة) .
وروي أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تلك اللوطية الصغرى) ، يعني إتيان المرأة في دبرها.
وروي عن طاوس أنه قال: كان بدْءُ عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن، قال ابن المنذر: "وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عما سواه" من القرطبي بلفظه.
وقال القرطبي أيضا ما نصه: " وقال مالك لابن وهب، وعلي بن زياد، لما أخبراه أن ناساً بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل، فقال: كذبوا عليّ، كذبوا عليّ، كذبوا عليّ. ثم قال: ألستم قوما عرباً؟ ألم يقل الله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) ، وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت؟ ".
ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن، أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له، مبينا أن ذلك القذر هو علة المنع بقوله: (قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة ...
ومما يؤيد منع الوطء في الدبر: إطباق العلماء على أن الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها معيبة ترد بذلك العيب.
قال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء في ذلك، إلا شيئاً جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أن الرتقاء لا ترد بالرتق. والفقهاء كلهم على خلاف ذلك.
قال القرطبي: وفي إجماعهم هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء. ولو كان موضعاً للوطء، ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج. فإن قيل: قد يكون رد الرتقاء لعلة عدم النسل فلا ينافي أنها توطأ في الدبر، فالجواب: أن العقم لا يرد به، ولو كانت علة رد الرتقاء عدم النسل لكان العقم موجباً للرد.
وقد حكى القرطبي الإجماع على أن العقم لا يرد به، في تفسير قوله تعالى: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) ،
فإذا تحققت من هذه الأدلة أن وطء المرأة في دبرها حرام. فاعلم أن من روي عنه جواز ذلك كابن عمر، وأبي سعيد وجماعات من المتقدمين، والمتأخرين، يجب حمله على أن مرادهم بالإتيان في الدبر إتيانها في الفرج من جهة الدبر، كما يبينه حديث جابر، والجمع واجب إذا أمكن. قال ابن كثير في تفسير قوله: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ما نصه: قال أبو محمد، عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في "مسنده": حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار أبي الحباب، قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري أيحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدبر، فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟ وكذا رواه ابن وهب، وقتيبة عن الليث.
وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك. فكل ما ورد عنه مما يحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم" انتهى من "أضواء البيان".
ومما يدل على تحريم الوطء في الدبر: ما روى مسلم (302) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ َسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ. . . إِلَى آخِرِ الآيَةِ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ) .
فقوله: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ) دليل على تحريم الوطء في الدبر، لأنه أباح كل استمتاع إلا النكاح أي الوطء، وهو شامل للوطء في القبل والدبر.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله أوجها كثيرة لتحريم الوطء في الدبر، منها قوله: " وأيضاً: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دُبرها يفوِّتُ حقها، ولا يقضي وطَرَها، ولا يُحَصِّل مقصودها.
وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاءُ الأطباء منِ الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوطءُ في الدُّبُر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كلَّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعى.
وأيضاً: فإنه يضرُّ بالمرأة جداً، لأنه واردٌ غريب بعيدٌ عن الطباع، مُنافر لها غايةَ المنافرة.
وأيضاً: فإنه يُحِدثُ الهمَّ والغم، والنفرةَ عن الفاعل والمفعول.
وأيضاً: فإنه يُسَوِّدُ الوجه، ويُظلم الصدر، ويَطمِسُ نور القلب، ويكسو الوجه وحشةً تصير عليه كالسِّيماء يعرِفُها مَن له أدنى فراسة.
وأيضاً: فإنه يُوجب النُّفرة والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بُدَّ " انتهى من "زاد المعاد" (4/262) .
ثانياً:
من الأحاديث الواردة في ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2433) .
ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها فقال: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) رواه أبو داود (2162) والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2432) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1166) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عن هذه الأحاديث: " لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به " انتهى من "فتح الباري" (8/191) .
ثالثاً:
ليس هناك مذهب معتبر يبيح هذا العمل القبيح المنكر، وما نقل عن بعض السلف في ذلك إما أنه كذب أو غلط من ناقله.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/93) : " وممن نسب إليه هذا القول: سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون، وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى "كتاب السر". وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالك أجل من أن يكون له "كتاب سر". ووقع هذا القول في العتبية. وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب "جماع النسوان وأحكام القرآن" ... وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرؤون من ذلك ... وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه. وكذلك كَذَّب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي. وأنكر ذلك مالك واستعظمه، وكذب من نسب ذلك إليه " انتهى مختصراً.
وقال ابن القيم رحمه الله: "وأما الدُّبرُ: فلم يُبَحْ َطُّ على لسان نبىٍّ من الأنبياء، ومَن نسب إلى بعض السَّلَف إباحة وطء الزوجة فى دُبُرها، فقد غلط عليه" انتهى من "زاد المعاد" (4/257) .
وقال في (4/261) : "ومن هاهنا نشأ الغلط على من نُقل عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدُّبر طريقاً إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع "مِنْ" بـ "في" ولم يظن بينهما فرقاً، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه" انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: عما يجب على من وطئ زوجته في دبرها؟ وهل أباحه أحد من العلماء؟
فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، الوطء في الدبر حرام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وغيرهم؛ فإن الله قال في كتابه: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، وقد ثبت في
الصحيح: أن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته في قُبلها من دبرها جاء الولد أحول، فسأل المسلمون عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، والحرث: موضع الزرع، والولد إنما يزرع في الفرج؛ لا في الدبر. وقد جاء في غير أثر: أن الوطء في الدبر هو اللوطية الصغرى، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في حشوشهن) و " الحش " هو الدبر، وهو موضع القذر، والله سبحانه حرم إتيان الحائض مع أن النجاسة عارضة في فرجها فكيف بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المغلظة.
وأيضا: فهذا من جنس اللواط، ومذهب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي وأحمد وأصحابه أن ذلك حرام لا نزاع بينهم، وهذا هو الظاهر من مذهب مالك وأصحابه؛ لكن حكى بعض الناس عنهم رواية أخرى بخلاف ذلك. ومنهم من أنكر هذه الرواية وطعن فيها. وأصل ذلك ما نقل عن نافع أنه نقله عن ابن عمر، وقد كان سالم بن عبد الله يكذّب نافعا في ذلك. فإما أن يكون نافع غلط أو غلط من هو فوقه " إلى أن قال: "ومن وطئ امرأته في دبرها وجب أن يعاقبا على ذلك عقوبة تزجرهما، فإن علم أنهما لا ينزجران فإنه يجب التفريق بينهما. والله أعلم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/267) .
وقال أيضا: "وطء المرأة في دبرها حرام في قول جماهير العلماء، ومتى وطئها في الدبر وطاوعته عُزرا فإن لم ينتهيا فرِّق بينهما" انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" ص (37) .
رابعاً:
ما ذكرناه من تحريم الوطء في الدبر هو ما يفتي به علماء العصر كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء وغيرهم، فالعجب من زوجك أصلحه الله كيف يدع القول بالتحريم الذي دل عليه الكتاب والسنة وعليه جماهير السلف والخلف، ويذهب إلى قول لا يدل عليه دليل، ولا يثبت عن قائل، وإن ثبت لم يعد أن يكون زلة وخطأ.
خامساً:
الواجب عليك هو نصحه والإنكار عليه، وعدم تمكينه من هذا المنكر، فإن أصرّ عليه فاذهبي إلى أهلك، لعله أن يرجع، فإن أصر فاطلبي الطلاق، فإنه لا يحل لك اقتراف هذه الكبيرة معه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فضيلة الشيخ أرجو الإجابة على هذا السؤال؛ لأنه مهم عندي، فهو يقلقني، زوجي يطلب مني أن يأتيني من الخلف –أي: من فتحة الشرج- وأنا أرفض ذلك، وهو يجبرني على ذلك لدرجة أني أبكي وأرفض ولكنه يجبرني على هذا الشيء، أرجو الإفادة جزاك الله خيراً؟
فأجاب: أولاً: أنصح هذه السائلة إذا أرادت أن تقدم هذا السؤال ألا تقدمه هكذا علناً؛ لأن هذا -والحمد لله- غير موجود، لا يوجد اللهم إلا إذا كان في المليون واحد، وإيراد مثل هذا السؤال في هذا المجتمع يفتح الباب، ثم هو أيضاً في رأيي منافٍ للحياء، أن المرأة تحكي عن زوجها هذا، لو اتصلت بي أو بغيري من أهل العلم في هذا الأمر إما بالتلفون أو برسالة ترسلها لكان خيراً. على كل حال نحن نبين الحكم في هذا: وطء المرأة في دبرها من كبائر الذنوب، حتى جاء فيه الوعيد الشديد، جاء الوعيد بالكفر، وجاء الوعيد باللعن، وسمي هذا: اللوطية الصغرى، والنصوص في هذا كثيرة، وما ذكر عن بعض السلف أنه أباحه خطأ عليهم، كما ذكر ذلك ابن القيم في زاد المعاد، وغيره، وإنما أرادوا أن يأتيها في الفرج من ناحية الدبر، وهذا جائز لا بأس به، أن الإنسان يطأ زوجته في فرجها لكن من الخلف، يأتيها من الخلف هذا لا بأس به؛ لقوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/223، أما أن يطأها في الدبر فلا. وهنا مسألة: يظن بعض الناس أنه إذا فعل هذا -أي: أتى أهله من الدبر- انفسخ النكاح، وليس كذلك، فالنكاح باقٍ، لكن لو عاود واستمر وجب أن يفرق بينهما، أي يبن المرأة وزوجها الذي يفعل هذا الفعل.
وبالنسبة لها عليها أن تمتنع منه بقدر الاستطاعة. فنصيحتي أولاً للأزواج: أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي أهليهم، وألا يعرضوا أنفسهم للعقوبة. ونصيحتي للزوجات: أن يمتنعن من هذا إطلاقاً، حتى لو أدى ذلك إلى الخروج من البيت إلى أهلها فلتفعل ولا تبق عند هذا الزوج، وهي في هذه الحالة ليست بناشز؛ لأنها فرت من معصية، ولها النفقة على زوجها، فلو بقيت عند أهلها شهراً أو شهرين فإنها تطالبه بالنفقة، لأن الظلم منه هو؛ لأنه لا يحل له أن يكرهها على هذا الأمر " انتهى من "اللقاء الشهري" (59/14) .
نسأل الله أن يهدي زوجك ويرده إلى الحق والصواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/756)
تزوج عليها وهي تعيش في كندا وتريد طلب الطلاق من المحكمة وأخذ نصف ماله!
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي متزوجة منذ 26 عاماً، وكانت تعيش هي وزوجها وأولادها في " كندا "، وبعد 12 سنة قرر زوجها إرجاعهم إلى بلدهم، وقرَّر أن يسافر إلى " كندا " للعمل، ويترك أولاده وزوجته في " سورية "، وكان يأتيهم بالإجازات، وبعد 13 سنة أعادهم إلى " كندا "، وعاد هو إلى " سورية " بحجة العمل، وزوجته طوال الفترة تصبر، وتقول: لأجل أطفالي، وبعد غيابه بـ 5 أشهر عرفوا أنه متزوج من أخرى، وهي الآن تريد الطلاق لأنه لم يعدل، ولم يعمل بما أمره الله، والرسول صلى الله عليه وسلم، تريد الطلاق وفقاً للأحكام الكندية، والتي تقضي بأخذ نصف ماله. أرجوكم أفيدونا، ما الحل؟ وما حكم الإسلام في تصرف الزوج، والزوجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد أساء الزوج إساءة بالغة بترك زوجته وأولاده في تلك الدولة الغربية وحدهم ورجع إلى بلده.
وقد ذكرنا في أجوبة كثيرة تحريم الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة، فتُنظر أجوبة الأسئلة: (14235) و (27211) .
ثانياً:
وقد أخطأت الزوجة بطلبها الطلاق بسبب أن زوجها قد تزوج عليها، ونعجب منها عندما صبرت على فراق زوجها عدة سنوات، وهي تصبِّر نفسها من أجل أولادها، ثم لا تصبر على زواجه بأخرى، وتطلب الطلاق بسبب ذلك!
وليس زواج الرجل بثانية مما يبيح للزوجة طلب الطلاق، ولكن يجب على الزوج أن يعدل بين زوجتيه وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (133049) فلينظر فإنه مهم.
وإنما يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا أساء الرجل عشرتها ولم يعدل بينها وبين زوجته الأخرى، أما إذا كان قائماً بالعدل بينهما فلا يجوز لها طلب الطلاق.
ثالثاً:
لا يجوز للزوجة ولا لغيرها استغلال القوانين الجائرة والتي تحكم بخلاف شرع الله تعالى فتأخذ أكثر من حقها الشرعي، وإذا اضطر إلى التحاكم إلى هذه القوانين، فلا يجوز له أن يأخذ أكثر من حقه.
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (114850) .
وها هنا أمران يتعلقان بالزوجة:
1. أنه إن طلقَتْها المحاكم الكندية بسبب تزوج زوجها عليها، ولم يطلقها زوجها: فإن طلاق تلك المحاكم لا يقع، وإنما الطلاق للزوج دون غيره.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَن أَخَذَ بِالسَّاقِ) – رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني -، وقد أضاف الله تعالى النكاح، والطلاق، للزوج نفسه، فقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الأحزاب/ 49، فأضاف الله الطلاق للناكح، فيكون الطلاق بيده" انتهى.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12 / 490) .
وتزوج الرجل بأخرى لا يبيح للقاضي أنه يلزم الزوج بالطلاق، ولا أن يطلق بدلاً عنه.
2. ما تحصِّله المرأة من مالٍ يؤخذ من زوجها، خلافاً لما شرعه الله تعالى لها: فهو سحت، وحرام، لا يكون ملكاً لها، ولا يحل لها الانتفاع به، والقوانين الغربية الجائرة التي تجعل الزوجة تأخذ نصف مال زوجها: لا يجوز للمسلمة الأخذ بها.
وإذا طلقت من زوجها طلاقاً صحيحاً فلها عليه: ما تبقى من المهر. والمتعة، والنفقة في فترة العدة إذا كان الطلاق رجعياً، أو كانت حاملاً.
وإننا ننصح هذه الزوجة: بأن ترضى بزواج زوجها، وأن ترجع لبلدها، وأن تذكِّره بالله تعالى أن يعدل بينها وبين زوجته الأخرى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/757)
لا ينبغي للمسلم إذا صنعت زوجته طعاما لم يعجبه أن يصيح بها أو ينتهرها.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه لا يجوز الصراخ على الزوجة إذا صنعت طعاماً لم يعجب الزوج؟ وما التصرف الصحيح في مثل هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أن يكون قيام الحياة الزوجية على الحب والود والوفاق، فيؤدي الزوج حق زوجته عليه، وتؤدي الزوجة حق زوجها عليها، ثم يتسامحان فيما قد يحصل من النقص والخطأ، وبهذا يهنآن بالعيش، ويسعدان بالصحبة، ويسعد بسعادتهما أولادهما.
وقد روى مسلم (1469) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
"هذا الإرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم للزوج في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف، فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته. والنهي عن الشيء أمر بضده. وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة، والأمور التي تناسبه، وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة، والمحاسن التي يحبها، ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها وسوء عشرتها، رآه شيئا واحدا أو اثنين مثلا، وما فيها مما يحب أكثر. فإذا كان منصفا غض عن مساوئها لاضمحلالها في محاسنها.
وبهذا: تدوم الصحبة، وتؤدى الحقوق الواجبة المستحبة. وربما أن ما كره منها تسعى بتعديله أو تبديله" انتهى.
"بهجة قلوب الأبرار" (ص/175) .
والصياح على الأكل، وافتعال المشاكل بسببه، ليس من المعاشرة بالمعروف، وهو – مع ذلك – يخالف الهدي النبوي، والسمت الصالح الذي ينبغي أن يتحلى به المسلم في بيته.
فروى البخاري (3563) ومسلم (2064) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ) .
قال النووي:
"هَذَا مِنْ آدَاب الطَّعَام الْمُتَأَكَّدَة. وَعَيْب الطَّعَام كَقَوْلِهِ: مَالِح , قَلِيل الْمِلْح , حَامِض , رَقِيق , غَلِيظ , غَيْر نَاضِج , وَنَحْو ذَلِكَ" انتهى.
وقال ابن حجر:
"ذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى أَنَّ الْعَيْب إِنْ كَانَ مِنْ جِهَة الْخِلْقَة كُرِهَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَة الصَّنْعَة لَمْ يُكْرَه , قَالَ: لِأَنَّ صَنْعَة اللَّه لَا تُعَاب وَصَنْعَة الْآدَمِيِّينَ تُعَاب. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَر التَّعْمِيم , فَإِنَّ فِيهِ كَسْر قَلْب الصَّانِع" انتهى.
فينبغي لمن صنعت له زوجته طعاما لم يعجبه، أو لم يشتهه , أن يتحلى بهذا الخلق النبوي الكريم: إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، دون أن يحدث لأهل البيت إزعاجا، أو يصيح ويضجر.
ولا بأس أن يتلطف مع زوجته في النصح إذا كان الطعام معيبا، فيبين لها أنه ليس كامل النضج مثلا، أو أنه قليل الملح، أو هذا النوع من الطعام لا أشتهيه، ويا حبذا لو صنعت من هذا النوع أو ذاك. ونحو ذلك، بأسلوب هادئ، وطبع حميد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/758)
هل يجب على الزوجة خدمة أم زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على الزوجة خدمة أم زوجها أم لا؟ وما الحكم في ذلك؛ لأن هذا سبب مشكلة عندنا في البيت، ويجعلني أحياناً ألجأ إلى التفكير في الطلاق، وقد سألت أحد المشايخ فقال: حاول أن توفق بين أمك وزوجتك، علماً بأن الزوجة يتيمة وليس لها أحد سواي ولي منها أبناء ووالدتي ليست كبيرة السن والحمد لله وعندها بنات في المنزل، والتوفيق بينهما أصبح مستحيلاً، فهل يجوز لي أن أعمل بيتاً مستقلاً لي ولزوجتي وأترك والدتي وإخوتي، ما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"خدمة المرأة زوجها وأهل زوجها أمر يختلف بحسب العرف في البلاد، وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يخدمن بيوتهن، وكانت فاطمة رضي الله عنها تخدم بيتها في الطحن والعجن والخبز وغير ذلك في خدمة البيوت ونحو ذلك.
فالذي ينبغي للمرأة أن تخدم زوجها وتخدم البيت، وإذا كان في البيت أمه أو أخته أو بناته فالمشروع لها أن تخدمهن إذا كان العرف في بلادها كذلك، أما إذا كان العرف في الأسرة أو في البلد أو في القبيلة التي هي فيها أنها تُخْدَم وأنها لا تقوم بالخدمة هي بل يستجلب لها خادمة فإنه لا يلزمها، وعلى الزوج إذا استطاع أن يأتي بالخادمة، إلا أن تسمح بالخدمة وتقوم بها من غير جبر لها فقد أحسنت في ذلك.
فالحاصل: أن هذا الأمر يختلف ويتنوع بحسب عرف البلاد، إذا حصلت المشاحة والمشاقة، والأفضل للزوج أن يتحرى في هذا الأسلوب الحسن، وأن يغذي المرأة بما يستطيع من المال عند وجود النزاع حتى تخدم بنفس طيبة، وحتى تخدم أمه وتخدم بناته وأخواته الصغار ونحو ذلك، بالأسلوب الحسن والكلام الطيب والمساعدة المالية إذا حصلت عليه المشاكل ولم يتضح العرف الذي يقنعها بأن تقوم بخدمة بيتها. والله ولي التوفيق.
وإذا استطاع أن يترك والدته وينتقل في بيت مستقل فلا حرج عليه إلا أن تأبى والدته، إذا كانت الوالدة تأبى أن يخرج؛ لأنها محتاجة إليه أو لأسباب أخرى، فلا ينبغي الخروج؛ لأن رضاها واجب وطاعتها مهمة، وقد يكون إخوته الذين في البيت لا يقومون مقامه ولا يسدون مسدّه، فالحاصل أنه يلاحظ أمه ويستشيرها، فإذا سمحت فلا مانع من خروجه إلى بيت مستقل.
أما إذا كانت محتاجة إليه، أو كانت هناك أسباب أخرى تدعو إلى عدم سماحها للخروج فلا يخرج، بل يصبر ويحاول التوفيق بينها وبين زوجته، ويغذي الزوجة بما يستطيع بالمال أو بالهدايا حتى تمشي الأمور على الوجه المطلوب، وحتى لا يخسر أمه بسبب غضبها عليه والله المستعان" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1608) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/759)
زوجته تطيل لسانها وتسيء عشرتها ويعالج ذلك بترك الصلاة! معتقداً أنها قدر محتوم!
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أخلص نفسي من مصائد الشيطان، فلديَّ زوجة ذات لسانٍ حادٍّ، وسيء، وقد فكرت عدة مرات أن أطلقها، وأتركها، ثم آتي، وأفكر في قدَري، فأقول: لماذا يختارُ الله لي هذا الوضع؟! وكنتيجة لذلك: أترك الصلاة، ثم أعود فاستغفر الله، وأتوب، فما هي نصيحتكم لي؟ وهل من الممكن شرح مسألة القدر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا المنطق – أخي السائل – الذي تتحدث به ليس مقبولاً منك، لا شرعاً، ولا عقلاً، وأنت لو كنتَ تعمل في بيئة سيئة، وفوقك مدير يهينك، ويحقرك، أو يبخس حقك، أو يحملك فوق طاقتك: لا نظن أنك تبقى في وظيفتك بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! بل الظن أنك تغادر عملك غير متأسف عليه، وتبحث عن عمل آخر، تحفظ به كرامتك، أليس كذلك؟ .
وظننا – أيضاً – أنه لو كان عندك جيران يسيئون في جيرتهم، ويطلعون على عوراتكم، ويؤذنوكم الليل والنهار: لكنتَ غادرت ذلك المنزل غير مأسوف عليه، ولن ترضى لنفسك أن تبقى في العذاب بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! أليس كذلك؟ .
وما الفرق بين هذين الأمرين، وبين وجود زوجة قبيحة الأخلاق، طويلة اللسان، وسيئة العشرة، في ذمتك، تراها طيلة الوقت وتراك، وتنام معها وتنام معك؟! إن الذي يدفعك لتغيير وظيفتك السيئة بمديرها، وتغيير منزلك السيء بجيرانه: هو الذي ينبغي أن يدفعك لتغيير زوجتك سيئة العشرة، ولا فرق.
فهل من المقبول، عند أهل العقول، أن يحتج المرء بالقدر في أمر الزوجية، ولا يفعل الأمر نفسه في سائر أموره! وأنت في كل ما سبق: لك الخيار أن تبقى في وظيفتك أو تغادرها، وأن تبقى في منزلك أو تغادره، وكذلك لك الخيار في أن تبقى مع زوجتك أو تفارقها، فما اخترته لنفسك: لم يجبرك الله تعالى عليه، بل أنت من اختاره لنفسه، وعليك تحمل أثر ذلك وحدك.
لقد كان من الممكن أن نناقش هذا الذي تتحدث عنه في أمر القدر، لو كان صاحب الشكوى هو الزوجة التي لا تملك أمر نفسها، ولا تستطيع الفكاك من زوجها بتطليقه، وربما لو استطاعت ذلك، لأحجمت عنه لما تعلم من عواقب ذلك عليها، أو لفقدها المأوى والعائل؛ أما والشاكي هو الزوج، فما أجدره بقول القائل:
أيهذا الشاكي، وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا!!
ثم ما دخل الصلاة ـ يا رجل ـ بسوء عشرة زوجتك، حتى تتركها، ولماذا لم تبق على صلاتك على الأقل بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع "! وسبحان الله كيف تمكَّن منك إبليس فجعلك تترك صلاتك التي علَّق الشرع الكفر على تركها! وليس لك خيار في تركها، وجعلك تتمسك بزوجتك التي استحب لك الشرع تطليقها، وهي بالحال التي وصفت؟! فما كان لك الخيار في تركه: تمسكت عنه بحجة القدر! وما ليس لك الخيار في تركه: تركته، ولم تحتج لا بالقدر، ولا بالشرع! فأي غفلة هذه عن شرع الله تعالى، وأي تلبيس لبّسه الشيطان عليك؟! .
ثانياً:
الواجب عليك – أخي السائل – الآن ألا تترك صلاة واحدة، وأن تتوب إلى الله عز وجل من تلك الكبيرة، والمعصية العظيمة، وأن تربي نفسك على تعظيمها وإجلال شأنها، فهي من أعظم شعائر الله؛ بل هي أعظم شعيرة فرضها الله على عباده، بعد توحيده؛ وقد قال الله تعالى:
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج /32.
أوما علمت ـ يا عبد الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدفع عنه الحزن، بإقام الصلاة:
روى الإمام أحمد (22788) وأبو داود (1319) ـ وحسنه الألباني في صحيح الجامع ـ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى) .
قال ابن الأثير: أَيْ نَزَلَ بِهِ أَمْر مُهِمّ، أَوْ أَصَابَهُ غَمّ. انتهى.
فانظر، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفر إلى الصلاة، ويلجأ إليها، إذا أصابه هم أو حزن، وأما أنت فتفر منها؛ فيا عجبا كل العجب!!
وفي حكم تارك الصلاة: انظر جواب السؤال رقم: (5208) .
ثالثاً:
اعلم أن الشرع المطهَّر قد رغَّبك بنكاح ذات الدين ابتداء، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن مقاصد الرجال في اختيار زوجاتهم مختلفة، فمنهم من يبحث عن الجمال، ومنهم من يبحث عن النسب، ومنهم من يبحث عن صاحبة المال، والوصية من النبي صلى الله عليه وسلم هي نكاح ذات الدِّين، فأين احتجاجك القدر من ذلك وهو يوصيك بالبحث، والتحري، ونكاح من يسعدك في دنياك، ويحفظ عليك عرضك، ومالك، وأولادك؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) . رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
وانظر في بيان مواصفات الزوجة الصالحة جواب السؤال رقم: (71225) .
والأمر كذلك بالنسبة لأولياء المرأة، فليس أول من يطرق بابهم ليخطب ابنتهم يزوجونه إياها، بل يسألون عن دينه، ويتحرون عن خُلُقه، ولو كان قدراً مجرّداً ليس لهم فيه خيار: لما كانت الوصية للأولياء بتزويج بناتهم بأصحاب الخلق والدِّين، فتنبه لهذا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) .
رواه الترمذي (1084) ، وابن ماجه (1967) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فلو كان الأمر مجرد قدَر: لما شُرع الطلاق، بل لأصبحت الزوجة قدر زوجها، والزوج قدر زوجته، يلتقيان، ولا يفترقان حتى الموت! وهذا ليس شرع الله تعالى، بل قد شرع ربنا تعالى للزوج الطلاق، واستحبه له أحياناً، وأوجبه أحياناً أخرى، بل إن الزوج ليكون " ديوثاً " لو أنه أبقى امرأته عنده وهي تصاحب الرجال الأجانب، وقد شرع الله تعالى للمرأة " الخلع "، فلها أن تخالع زوجها إن رأت عدم استقامته على شرع الله تعالى، أو أنه لا يؤدي حقوقها، وهو يرفض تطليقها، فأين القدر في الحياة الزوجية وفيه مثل هذه التشريعات؟! .
وانظر جواب السؤال رقم: (1804) ففيه الرد على مسألة " هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله؟ ".
وقد بينَّا في جواب السؤال رقم (49004) مراتب القدَر، وأدلتها بالتفصيل، فانظره.
رابعاً:
وأخيراً:
1. تب إلى الله تعالى مما فعلتَ من تركك للصلاة.
2. لا تعد لمثل ذلك الفعل.
3. لا تنسب للقدر عجزك، وسوء تصرفك، بل انسب ذلك لنفسك التي اختارت ذلك.
4. عظ زوجتك بالتي هي أحسن أن تتقي الله تعالى ربَّها، وأن تؤدي الواجبات الزوجية المنوطة بها، وأن تكف عن الإساءة إليك بالقول والفعل.
5. وسِّط العقلاء من أهلها لنصحها، وتوجيهها.
6. إن لم ينفع ذلك معها: فلا تتردد في تطليقها.
7. اسأل ربَّك تعالى أن يبدلك خيراً منها، واستعن به عز وجل على تحقيق ذلك، وابذل من أسباب البحث عن ذات الدِّين ما تحمِّل نفسك مسئولية ذلك الاختيار.
8. حافظ على صلاة الاستخارة قبل البت في اختيار الزوجة.
وتجد تفصيل صلاة الاستخارة في جوابي السؤاليْن (2217) و (11981) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/760)
اعترفت لزوجها بماضيها، فصار يعيِّرها، ويشتمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بحتُ لزوجي بأسرار من الماضي بعد إلحاح، وإصرار منه، أنا تبت، والتزمت 3 سنوات قبل الزواج منه، ولازلت الآن - بفضل من الله تعالى -، لكن يؤرقني تأنيبه، وتشبيهي بأمثال الفاسقات، وأنني قليلة التربية، أنا راضية بقدري، وأحب زوجي، وأدعو الله أن يهدينا، ويصلح بالنا، ويبعد عنَّا شياطين الجن والإنس. وسؤالي: هل بأغلاطي، وذنوبي التي ارتكبتها في الماضي لا يجب أن يقال عنِّي طاهرة، وعفيفة، وأخت فاضلة، ومحصنة؟ وهل زوجي يأثم لسوء ظنه بي، وشتمه لي؟ وهل يعتبر ممن يقذف محصنة؟ أم لا يجوز أن يقال لأمثالي محصنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طلب الزوج من زوجته أن تبوح له بماضيها يدل على ضعف فهمه وسوء تقديره، فلا العقل يطلب ذلك البحث والتنقير، ولا الشرع يقبله. وقد أخطأت الزوجة في استجابتها لطلبه خطأ كبيرا، كثيرا ما يتكرر بين الأزواج.
هذا ما يجب أن يعرفه كل زوج وزوجة، فالحذر الحذر أيها الأزواج من هذا الفعل السيء فإنكم تفعلون ما لا يحل لكم شرعاً، وليس هذا من فعل العقلاء الشرفاء، واحذرن أيتها الزوجات، واستترن بستر الله تعالى، ولا تفضحن أنفسكن في لحظة حمق يعيشها الزوج معكن، يطلب منكن أن تبحن بأسرار الماضي إرضاء لغيرة عمياء عنده، أو تسلية بأخبار الزمان!!
وليس من شك في أن هذا الجهر بتلك المعاصي التي سترها الله تعالى على الزوجة من شأنه أن يشكك الزوج في تصرفات زوجته اللاحقة، ويُدخل الشيطان عليه أشكالاً من الريبة في حديثها، وهيئتها، ومن هنا نرى كثيراً ممن فقدوا معنى الرجولة، وقلَّ دينهم، يعيِّر زوجته بماضيها، بل ويقذفها، ويشتمها، بعد أن أعطاها الأمان لتقول له صفحات ماضيها السيئة.
وليس هذا في حقيقته سوى فتح لخرائب من الماضي تأوي إليها الشياطين، وفك لأغلال المردة يوشك أن يطيح بالبيت والأسرة.
ولا نملك إلا تذكير النساء بتحريم فعل ذلك، ولو ألح الزوج وأصر، بل لا يكون منكن إلا نفي أي ماضٍ سيء، بل الإصرار على العفة، والطهر، ولا تفضحن ما ستر الله عليكن إن كان لكن ماضٍ سيء، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وأنتم أيها الأزواج اتقوا الله في أسرتكم، واعلموا أنه لا يحل لكم طلب ذلك من نسائكم، ولا تغتروا بأنفسكم: أن ذلك لن يؤثر على حياتكم الزوجية؛، بل سيؤثر، ولا بدَّ أن ترى أثره السيء على نفسك، وفي حياتك الزوجية، عاجلاً، وقد أُمرت بالستر على من تراه يفعل المعصية، فكيف أن تنبش ماضٍ لم تشهده لتشهد عليه سماعاً، ومن امرأة تأتمنها على فراشك، وبيتك؟! فاتقوا الله في أنفسكم، وأزواجكم.
روى البخاري (7294) ومسلم (2359) واللفظ له، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى لَهُمْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ قَبْلَهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونَنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا!!
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَبُوكَ حُذَافَةُ!! ...
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ [الزهري، راوي الحديث عن أنس] : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطُّ أَعَقَّ مِنْكَ؛ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا تُقَارِفُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ؟!!
فانظر إلى عقل تلك المرأة، كيف رأت ما في هذا السؤال من المفسدة العظيمة بالنسبة للسائل، وأن ما يترتب عليه من المشقة والضيق أضعاف ما ظنه من الفائدة والمصلحة، رغم أنها على يقين من نفسها، وأنها مبرأة من أن يكون هذا الولد (عبد الله) لغير أبيه!!
وفي ذلك نزل قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) الآية، المائدة /101، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا {عَنْ أَشْيَاءَ} مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها؛ لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها " انتهى. تفسير ابن كثير (3/203) .
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم، وعن حالهم في الجنة أو النار، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة، وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة، وكالسؤال عما لا يعني ". انتهى. تفسير السعدي (245) .
ثالثاً:
أنتِ أيتها الأخت السائلة: توبي إلى الله مما قلتيه لزوجك؛ فهو معصية، ما كان لك أن تفعليها، واعلمي أنه بتوبتك عن ماضيك النصوح عما كان منك تبدئين صفحة جديدة مع الله؛ فإن (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ) كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم [رواه ابن ماجه (4250) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه "] . لا، بل نرجو الله تعالى أن يكون بدَّل سيئاتك حسنات؛ لقوله تعالى – بعد أن ذكر الوعيد على فعل كبائر الذنوب -: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/ 70، 71، فأنتِ ـ إن شاء الله ـ بتوبتك من الذنب تعودين عفيفة طاهرة، ولستِ فاسقة، ولا أمثال الفاسقات.
رابعاً:
لا يحل للزوج أن يعيرك بماضيك، ولا أن يشتمك، فإن فعل: أثم؛ لأذيته للك، ووقوعه في إثم السب والشتم، وكل ذلك محرَّم على المسلم تجاه أخيه المسلم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) .
رواه البخاري (5697) ومسلم (64) .
قال النووي – رحمه الله -:
السبُّ فى اللغة: الشتم، والتكلم فى عرض الإنسان بما يعيبه، والفسق فى اللغة: الخروج، والمراد به فى الشرع: الخروج عن الطاعة.
وأما معنى الحديث: فسبُّ المسلم بغير حق: حرامٌ بإجماع الأمَّة، وفاعله: فاسق، كما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم.
" شرح مسلم " (2 / 53، 54) .
وقد جاء النهي عن " الأذية " و " التعيير " بالذنب، و " طلب العورة " في سياق حديث واحد، وفيه وعيد شديد لمن فعل ذلك.
عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ) .
رواه أحمد (37 / 88) وصححه محققو المسند.
وأما إن كان سبُّه وشتمه يحوي قذفاً – أي: اتهاماً بفعل الزنى -: ففيه تفصيل، تبعاً لما فعلتيه في ماضيكِ، وأظهرتيه له:
1. فإن كان – ونرجو المعذرة – قد وقع منك " زنى "، وأقررتِ له به: فلا يكون قاذفاً إن تكلم من العبارات ما فيه " قذف "؛ لسقوط الإحصان بإقراركِ.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا قَالاَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ -: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُلْ) قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ...
رواه البخاري (6440) ومسلم (1697) .
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وهذا قذف منه للمرأة، إلا أنها لمَّا اعترفت بالزنى: سقط حكم قذفها.
" الاستذكار " (7 / 482) .
ولا يعني أنه لا يكون قاذفاً أنه لا يأثم، ولا يُعزَّر، بل يأثم؛ للأذية، وللفحش في قوله، وعليه التعزير بما يراه الحاكم مناسباً، ولا يحل له تكرار القول، والقاعدة في هذا: " مَن لا يجِب عليه الحد لعدم إحصان المقذوف: يُعزَّر؛ لأنه آذى من لا يجوز أذاه ".
انظر" الموسوعة الفقهية " (33 / 19) .
هذا من حيث الأصل، وهنا مسألتان:
أ. هل يكون قاذفاً إذا قذفكِ بالزنى المعتَرف به منكِ، وبغيره؟
الراجح: أنه يكون قاذفاً إن قذفك بزنى مبهم، أو بزنى غير معترف به منك.
وفي " الموسوعة الفقهية " (33 / 19) – فيمن ثبت زناه ببينة، أو إقرار -:
وحكي عن إبراهيم – أي: النخَعي - وابن أبي ليلى: أنه إن قذفه بغير ذلك الزنا، أو بالزنا مبهماً: فعليه الحد؛ لأن الرمي موجب للحد، إلا أن يكون الرامي صادقاً، وإنما يكون صادقاً إذا نسبه إلى ذلك الزنا بعينه، ففيما سوى ذلك: فهو كاذب، مُلحق للشيْن به.
انتهى
ب. وهل لا يكون قاذفاً حتى لو كان بعد الزنى توبة؟
الراجح: أن من تاب من زناه: فكمن لم يزنِ، في الدنيا والآخرة؛ لحديث (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ) ، خلافاً لمن قال من الشافعية إنه كذلك فقط في الآخرة.
وعليه: فإن تكلم بما فيه قذفك بعد توبتك: فهو قاذف، ولو أقررتِ له بتلك الفعلة منك.
قال المرداوي الحنبلي – رحمه الله -:
من تاب من الزنى، ثم قُذف: حُدَّ قاذفه، على الصحيح من المذهب.
" الإنصاف " (10 / 171) .
2. وإن لم يكن قد وقع منك تلك الفاحشة، لكنها علاقات محرمة، لم تصل لدرجة ارتكاب الزنى: فإن تكلم بما فيه قذفك: كان قاذفاً، وهو قد أثم إثماً زائداً على السب والشتم، وفعله كبيرة من كبائر الذنوب، وهو يوجب عليه حدَّ القذف، وهو الجلد ثمانين جلدة، ويُحكم عليه بأنه من الفاسقين، وترد شهادته؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/ 4، وقال تعالى متوعداً القذفة في الدنيا والآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/ 23.
والخلاصة:
أنه لا يحل له تعييرك بماضيك، وأنه قاذف بالطعن في عرضك فيما فيه اتهام بفعل الفاحشة إن لم يكن صدر منك فعل الفاحشة، وحتى لو صدر، فبما أنك تبتِ إلى الله: فهو قاذ، ومستحق للوعيد، والحد.
ونرجو الاطلاع على جوابي السؤالين: (7650) و (91961) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/761)
هل يجب الجماع ليلة الزفاف
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف: هل من الواجب الجماع في أول ليلة من ليالي الزفاف؟ هل الجماع في أول ليلة واجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الرجل أن يجامع زوجته ليلة الزفاف، ولهما أن يؤخرا ذلك إلى الوقت الذي يريانه، لكن الجماع ـ بصفة عامة ـ واجب، وهو حق للزوجين، فيلزم الزوجة أن تمكن زوجها منه متى ما أراد ما لم يكن ضرر عليها، ويلزم الزوج أن يجامع زوجته قدر كفايتها، ما لم ينهك بدنه أو يشغله عن معيشته.
وينظر: سؤال رقم (1078) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/762)
إذا استمنى الزوج بيد زوجته فهل يلزمها الغسل أيضا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش هذه الأيام أنا وزوجتي في بيت أقاربها، وفي بعض الأحيان أريد أن أعاشرها، ولكنها تستحي من الغسل بعد ذلك، وأنا بدوري أقدر هذا الموقف، إلا أنني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أحتمل فأطلب منها أن تستخدم يدها في ذلك. أنا أعلم أنه يجب علي الغسل في هذه الحالة، لكن ماذا عنها هل عليها من غسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع ما ذكرت فليس عليها غسل ما لم تنزل هي.
فقد روى البخاري (130) ومسلم (313) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ.
فقيد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل بما إذا رأت الماء.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 127) :
" خُرُوجُ الْمَنِيِّ الدَّافِقِ بِشَهْوَةٍ , يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ فِي نَوْمٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا " انتهى.
وقال أيضا (1/129) :
" عَلَّقَ الِاغْتِسَالَ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَفَضْخِهِ , بِقَوْلِهِ: " إذَا رَأَتْ الْمَاءَ " وَ " إذَا فَضَخْت الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ " فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِه " انتهى.
وينظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر (1/389) ، وفتح الباري، للحافظ ابن رجب (2/51) .
على أننا ننبه الزوج إلى أن هذا الوضع غير مقبول شرعا، أن يعيش هو وزوجه في بيت بعض أقربائه، أو أقربائها، بحيث لا يتمكن من معاشرتها، على الوجه المناسب، ولا يصون سرها، وتصون سره، والواجب أن يسعى في تدبير مسكن مستقل، يصلح للعشرة الزوجية، في أقرب وقت ممكن.
قال ابن مفلح رحمه الله:
" يَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا بِمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا بِالْمَعْرُوفِ ". انتهى.
"الفروع"، لابن مفلح (10/329) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/763)
تعبس في وجهه وتهجره في الفراش لأنه لم يؤد حقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مطيعة لزوجي ومتقيدة بأوامر الله، ولكني لا ألقاه بسرور وبوجه طلق، وذلك لأنه لم يؤد الحقوق الواجبة عليه من حيث الكسوة، ولقد هجرته في فراشه، هل عليَّ إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الله سبحانه وتعالى أوجب حسن المعاشرة بين الزوجين، وأن يبذل كل منهما ما يجب عليه للآخر، حتى تتم المنفعة والمصلحة الزوجية، وعلى الزوج أو الزوجة أن يصبر كل منهما على ما يلاقي من الآخر من تقصير ومن سوء عشرة، وأن يؤدي هو ما عليه ويسأل الله الحق الذي له، وهذا من أسباب بقاء الأسرة وتعاونها وبقاء الزوجية.
فننصح لك أيتها السائلة أن تصبري على ما تلاقي من زوجك من تقصير، وأن تبذلي ما عليك من حق الزوجية؛ فإن العقبة بإذن الله تكون حميدة، وربما يكون قيامها بواجبها نحوه سببًا في أنه هو أيضًا يخجل من تقصيره ويقوم بواجبه.
وعلى أي حال فننصح كلا من الزوجين أن يؤدي ما عليه نحو الآخر ويتقي الله سبحانه وتعالى في أداء ما عليه من الحق لصاحبه" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب للشيخ صالح الفوزان" (ص114) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/764)
تزوجها بعقد غير موثق بمحكمة وأفشت سرَّ زواجها لنسائه فطلقها وطلب إجهاض الجنين!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من إنسان متدين، ملتزم، تزوجني سرّاً عن أهله لأنه متعدد الزوجات، تنازلت عن حقوق كثيرة احتراماً لرغبته بالحفاظ على السر، فصرت أجد صعوبة في الاتصال به، وأنا في مدة سنة زواج لم أره إلا 24 يوماً، وأخيراً قررت إخبار زوجاته، وأهله؛ لعلهم يتعاطفون، ويتعاونون، فحدثت الفاجعة، وأنا حامل في الشهر السادس إذ طلقني زوجي في رسالة عبر الهاتف، ولم أجد آذاناً صاغيةً للحق، بل أكثر من هذا: طلب مني زوجي إسقاط ما في بطني! . فما قول الشرع في هذا؟ أنا ضائعة خصوصا أن عقد الزواج لم يكن مسجلاًّ رسميّاً، فقط كان شرعيّاً على يد والدي، وشاهدين، أقول حسبي الله أنا لم أفعل شيئاً سيئاً بإخبار أهله لأني ظننتم يتفهمون، لكن صار العكس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أخطأ والدك خطأً كبيراً بموافقته على إجراء العقد عرفيّاً من غير تسجيل رسمي، وقد بينَّا مراراً أن مثل هذا العقد وإن كان شرعيّاً من الناحية النظرية: إلا أنه يترتب على عدم توثيقه بالمحاكم الشرعية أضراراً عظيمة، ومفاسد جمَّة، ومن أهمها: عدم نسبة الأولاد إلى أبيهم بوثاق رسمية، ومنها عدم حفظ حقوق المرأة المالية، من المهر، والميراث، وغير ذلك مما لا يخفى على عاقل.
وانظري جوابي السؤالين: (45513) و (45663) .
ثانياً:
الطلاق يقع بكل ما يعبِّر عنه المطلق، نطقاً، أو كتابة، أو إشارة إن كان أخرس، والرسالة المبعوثة من الزوج بالجوال وفيها طلاقه لزوجته: يقع بها الطلاق، بشرط ثبوت أنه هو صاحب هذه الرسالة، وأنه أرسلها باختياره دون إكراه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (70460) و (36761) و (20660) .
ثالثاً:
يعتقد كثير من العامة أن طلاق الحامل لا يقع، وهذا ظن فاسد، واعتقاد باطل، بل طلاق الحامل شرعي، وموافق للسنَّة.
وانظري أدلة ذلك، وأقوال العلماء في جواب السؤال رقم: (12287) .
وعليه: فبما أن زوجك قد أقرَّ أنه أرسل تلك الرسالة، وأنه يعلم ما فيها، وأنه يقصد معناها: فقد وقع عليكِ طلاقه، وتُحسب عليكِ طلقة، وأنتِ ـ الآن ـ في عدة الطلاق حتى تضعي ما في بطنك؛ لقوله تعالى: (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ من الآية 4، وهذه العدة تشمل المطلقة، والمتوفى عنها زوجها.
ويترتب على الطلاق هذا: أن تبقيْ في بيت الزوجية، وأن لا تخرجي منه باختيارك، كما لا يحل له إخراجكِ منه؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
وهو أحق بردك إلى عصمته أثناء حملكِ، كما في قوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/ من الآية 228.
رابعاً:
أما طلب زوجكِ منكِ إسقاط الجنين وأنت في الشهر السادس من الحمل: فهو طلبٌ منكر، ولا يحل لكِ مطاوعته على ما أراد، وهو قتل نفسٍ بغير حق، وفيه الإثم، والدية، وهي هنا دية جنين، قيمة عبدٍ أو أمَة، ويقدِّرها العلماء بعُشر ديَة أمِّه، والكفارة وهي صوم شهرين متتابعين، وتشتركان ـ أنتِ وزوجكِ ـ في الإثم، والدية، وعلى كل واحدٍ منكما صوم شهرين متتابعين، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (40269) ، فلينظر.
فاحذري من إجهاض جنينك، واتقي الله في فعل ما لا يحل لكِ شرعاً، وخوفيه بالله تعالى، واعلمي أنه ليس له طاعة عليك هنا؛ لأن ما يرغب به معصية، ولا طاعة لأحدٍ في معصية الله تعالى.
واحرصي على توسيط والدك، أو من ترينه من أهل العقل والحكمة، بينك وبينه، ليرجعك إلى عصمته قبل فوات الأوان، وإذا حصل هذا: فاحرصي ـ أنت ووالدك ـ أشد الحرص على توثيق عقد الزواج في محكمة شرعية، ولو ترتب عليه مشاق، وصعاب.
فإن أبى إلا الطلاق: فاصبري على هذا الابتلاء، وفوضي أمرك إلى الله، ولا تبتئسي، فلعلَّ الله تعالى لك في ولدك الذي في بطنك، وأن يرزقك زوجاً خيراً منه. وقد قال الله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء /130.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/765)
زوجها أخذ مالها وضيعه ويهددها بالطلاق ليأخذ المزيد
[السُّؤَالُ]
ـ[السائلة تحكي قصتها بأنها تعرضت لحادث سيارة عندما كانت صغيرة وأن والديها بذلا الغالي والنفيس في سبيل علاجها الذي امتد لعدة سنوات. بعد ذلك قام والداها بشراء بيت وكتباه باسمها. ومرت الأيام، وفتح الله عليها وتزوجت، وكرد للجميل اشترت بيتاً لأبويها، وأهدته لهما. ولكن زوجها عارض الفكرة، وظل يصر عليها بأن تجعله باسمها ففعلت. وعندما تزوجت قالت لزوجها أريد منك أن تعتبر مالي هو مالك، وأن تبحث عن مشروع ننمي فيه رأس المال الموجود لدينا الآن شريطة أن يكون هذا المشروع بعيداً عن كل ما يتعلق بالربا، أو المسكرات، أو لحم الخنزير. ومرت الأيام، وقال إنه سيفتح مطعماً للبتزا، وأخذ مبلغا من المال، ولكنه لم يستمع لنصيحتي وانخرط في التعامل بالأشياء المحرمة، ففشل هذا المشروع وخسرنا كل الأموال التي وضعناها فيه. وبدأ رأس المال يتقلص ويقل، وقد كنا اشترينا بيتاً في وسط المدينة فبعناه ليواصل سلسلة مشاريعه الفاشلة، حتى انتهى بنا الأمر أن نعيش في غرفة واحدة مع طفلنا الرضيع. بعد هذا كله يلومني ويقول: إنني أنا السبب في كل هذا لأنني لم أف بوعدي له، ولم أعطه كامل الصلاحية في التصرف. جاء ذات مرة وقال: إنه يريد أن يفتح مشروعا جديدا، وطلب مني أن أختلق قصة وأخبر والدي أن يقرضه بعض المال، فرفضت فذهب هو وفعلاً حصل على بعض المال من والدي، بعد ذلك أصبحت معاملته لي سيئة جدا لأنني رفضت أن أذهب أنا إلى والدي. ثم بعد فترة قال لماذا لا نطلب من والدي أن يرهن البيت الذي كنت قد أعطيته له هو ووالدتي، فرفضت ولكنه هددني بالطلاق وأصر على أن أخبرهم، ففعلت فوجدت موافقة من قبل والدتي لكن أبي رفض وهدد أن يطلق والدتي لو تحدثت إليه مرة أخرى بخصوص هذا الموضوع، وقال إن زوجي رجل عديم المسؤولية وأنه يتلاعب بالأموال ولا يستحق أن يوثق فيه البتة. وكردة فعل من قبل زوجي ازدادت المعاملة السيئة سوءا إلى سوء، وكثيرا ما يهددني بالطلاق وأن يحرمني من ابني، بل أصبح يهدد أنه سيؤذي والدي، وسيربي ولدنا على كرهه، وأشياء من هذا القبيل. بعض الناس يقول إن هذا كلام، وإنه لن يفعل شيئا مما يقول، ولكني أعرفه جيدا؛ فقد يفعل أي مكروه لوالدي في أي لحظة. فما هي نصيحتكم؛ هل أخضع لرغبته، وأضغط على والدي برهن البيت - والذي يعتبر آخر ما نملك - لإعطاء زوجي ما يريده من المال؟ أم ما هو الحل الأنسب؟ ولا تنسوني من خالص دعائكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يظهر من خلال ما ذكرته السائلة أن زوجها لا يحسن التصرف في المال، ولا برعوي عن أخذ ما وصلت إليه يداه، ومثل هذا لا ينبغي للزوجة أن تعطيه شيئا من مالها ولا من مال والدها، ولا الإذعان لتهديده. والتجارب التي مرت معه كفيلة بمعرفة مدى جديته ومصداقيته وأمانته، بل الأدهى من ذلك: دينه، ومراعاة أمر ربه في تصريف المال.
والحل الأنسب أن تعامله المعاملة الحسنة، وأن تنصحه بتقوى الله تعالى، والبحث عن طرق الكسب المشروعة، بعيدا عن التطلع إلى أموال الآخرين، فهو مسئول عن توفير النفقة لها ولطفلها، ومطالب بالعمل المشروع لتحقيق ذلك.
وبعض الأزواج – للأسف – لا يقدر المسئولية، ولا يقف طمعه عند حد، فإذا كان للزوجة مال لم يتورع عن إنفاقه وإهداره، وهذا من سوء الخلق، وضعف الدين، ولهذا لا ينبغي أن يعان ولا أن يشجع على ذلك. والمرأة لها ذمتها المالية المستقلة، ولا يلزمها أن تعطي زوجها شيئا من مالها، ولها أن تستثمر مالها بما يعود بالنفع عليها، ولها أن تعطي من مالها لوالديها ولو لم يأذن زوجها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ما حكم الشرع ـ في نظرك ـ فيمن يضرب زوجته، ويأخذ منها مالها بالقوة، ويعاملها معاملة سيئة؟ ".
فأجاب، رحمه الله:
" هذا الذي يضرب زوجته ويأخذ مالها ويعاملها معاملة سيئة: آثم عاصٍ لله عز وجل؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النِّسَاء/19، وقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البَقَرَة/ 228.
ولا يجوز لأحد أن يعامل امرأته هذه المعاملة السيئة، ثم يذهب ليطالبها أن تعامله معاملة حسنة، فإن هذا من الجور الداخل في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *} المطففين /1-3؛ فكل إنسان استوفى حقه من الناس كاملاً، ثم لا يعطي الناس حقوقهم كاملة فإنه: داخل في هذه الآيات الكريمة.
والذي أنصح به هذا وأمثاله: أن يتقيَ الله عز وجل في النساء، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في عرفة، عام حجة الوداع؛ حيث قال: "فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ" [رواه مسلم (1218) . وأقول له ولأمثاله: إنه لا يمكن أن تكون الحياة سعيدة إلا إذا تعامل الزوجان، كل منهما مع الآخر، بالعدل والإحسان، والغض عن المساوىء، ومشاهدة المحاسن. قال النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم (1469) . "
فتاوى علماء البلد الحرام (487) .
ومن الممكن ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تستعيني عليه ببعض الناصحين من أهل الدين والأمانة، ينصحونه بما يجب عليه من عشرة أهله بالمعروف، وعدم التطلع لأموال الناس، ومساعدته على الحصول على العمل المناسب لحاله.
فإن لم ينته، وبقي على تهديده، فلا نرى لك أن تذعني لشيء من تهديده، ولا أن تطميعه فيما بقي لك من مال؛ فإن مثل هذا لا يؤمن أن يضيع ما بقي، ثم يعود إلى نفس الكرة من جديد، بل ستكون المشكلة أعقد: إذا أضاع بيتك، وبيت أهلك، فسيكون تلاعبه بكم، وتحكمه فيكم أكثر.
واستعيني بربك، واصبري، والجئي إليه، وأكثري من الدعاء لزوجك بالهداية وصلاح الحال.
واعلمي أن الله أقدر منه، وأجل وأعلى، وأن مقاليد الأمور بيده سبحانه.
وننصحك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أنس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) .
رواه البخاري (6369) ومسلم (2706) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/766)
جواز لبس القصير والشفاف والضيق من اللباس للأزواج بعضهم لبعض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الملابس الشفافة والمجسمة بين الزوجين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل: أن تتزين المرأة لزوجها، ويتزين لها، كلٌّ بما يباح لهما من اللباس، والطيب، وغير ذلك.
قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/ من الآية 228.
قال القرطبي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَلَهُنَّ) أي: لهنَّ من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن، ولهذا قال ابن عباس: " إني لأتزينُ لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقَّها الذي لها عليَّ؛ لأن الله تعالى قال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) " أي: زينة من غير مأثم.
" تفسير القرطبي " (3 / 123) .
ثانياً:
والأصل – كذلك -: أنه يجوز أن تلبس المرأة أمام زوجها ما تبين به عورتها، والزوج كذلك؛ لأن الأمر بحفظ العورة لا يدخل فيه ما بين الأزواج بعضهم مع بعض، ولا ما بين الأزواج وملك يمينهم.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَوْرَاتُنَا مَا نَأتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، قَالَ: (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا) ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً، قَالَ: (اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ) .
رواه الترمذي (2794) وأبو داود (4017) وابن ماجه (1920) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ثالثاً:
وعليه: فهل يجوز للزوجة أن تلبس لزوجها القصير من الثياب، والشفاف الذي يشف، والضيق الذي يصف؟ والجواب: نعم، يجوز ذلك، ومثله لبس الزوج لها مثل ذلك، وحيث جاز لكلا الطرفين أن يرى الآخر عارياً: فإنه لا وجه لمنع تلك الأحوال من الثياب – القصيرة، والشفافة، والضيقة -.
وهذه فتاوى أهل العلم في هذا:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل لبس المرأة الثوب الشوال الضيِّق حرام أم لا، علماً أنها تقصد بذلك التجمل لزوجها فقط؟ .
فأجابوا:
إذا كانت المرأة تستعمل ذلك عند زوجها فقط: فلا بأس، وإلا فلا يجوز؛ لما فيه من تحديد الجسم في الغالب، وإبراز مفاتن المرأة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 34) .
2. وفي " الموسوعة الفقهية " (6 / 136) :
لا يجوز لبس الرقيق من الثياب إذا كان يشفُّ عن العورة، فيُعلم لون الجلد من بياض، أو حمرة، سواء في ذلك الرجل، والمرأة ولو في بيتها، هذا إن رآها غير زوجها؛ لما يأتي من الأدلة، وهو بالإضافة إلى ذلك: مخل بالمروءة، ولمخالفته لزي السلف، ولا تصح الصلاة في مثل تلك الثياب، ويجوز للمرأة لبسه إذا كان لا يراها إلا زوجها.
انتهى
3. وقال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -:
لا يجوز للمرأة أن تلبس القصير من الثياب أمام أولادها، ومحارمها، ولا تكشف عندهم إلا ما جرت به العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة، وإنما تلبس القصير عند زوجها فقط.
" المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان " (3 / 170) .
4. وقال الشيخ صالح الفوزان أيضاً:
لا شك أن لبس المرأة للشيء الضيِّق الذي يبيِّن مفاتن جسمها: لا يجوز، إلا عند زوجها فقط، أما عند غير زوجها: فلا يجوز، حتى لو كان بحضرة النساء؛ لأنَّها تكون قدوة سيئة لغيرها، إذا رأينها تلبس هذا: يقتدين بها.
وأيضاً: هي مأمورة بستر عورتها بالضافي والساتر عن كل أحد، إلا عن زوجها، تستر عورتها عن النساء كما تسترها عن الرجال، إلا ما جرت العادة بكشفه عن النساء، كالوجه واليدين والقدمين، مما تدعو الحاجة إلى كشفه.
" المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان " (3 / 176، 177) .
رابعاً:
وينبغي مراعاة الأحكام الشرعية الأخرى المتعلقة بذلك اللباس القصير، والشفاف، والضيق، لكلا الزوجين.
1. فلا يجوز للرجل لبس الثياب الطويلة التي تمس الكعبين؛ للنهي عن الإسبال.
وانظر جوابي السؤالين: (762) و (97786) .
2. ولا يجوز له لبس الثوب الأحمر، المزعفر، والمعصفر، ويجوز ذلك للزوجة.
وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (72878) .
3. ولا يحل له لبس اللباس المصنوع من الحرير الطبيعي، دون الحرير الصناعي.
وانظر جواب السؤال رقم: (30812) .
4. ولا المصنوع من جلود الحيوانات غير مأكولة اللحم ولو كانت مدبوغة.
انظر جواب السؤال رقم: (9022) .
4. ولا يحل لهما لبس ثياب الكفار الخاصة بهم.
وانظر جواب السؤال رقم: (108996) .
5. ولا يجوز لبس الزوجة لما يختص به الرجال من لباس، كلبس الثوب والشماغ، ولا يجوز للزوج لبس اللباس الخاص بالنساء كالفستان، والتنورة.
(6991) و (36891) ..
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/767)
حكم قبض الزوج على يد زوجته عند المشي في الشارع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوجين أن يقبض كل منهم على يد الأخر وهم يمشون في الشارع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل وامرأته إذا سارا معا في الشارع أن يتحليا بالحشمة ويتصفا بالوقار، وخاصة إذا كانا ملتزمين بأحكام الدين وآداب الإسلام، فإن الناس في العادة يتخذونهما قدوة، وينظرون إليهما نظرة تبجيل واحترام، فلا بد من مراعاة ذلك.
وقبض الرجل على يد امرأته وهما يسيران: الأصل أنه لا شيء فيه، ولا حرج على واحد منهما في ذلك، بل قد تقتضيه المصلحة، كأن يكون سيرهما في شوارع مزدحمة ونحوه.
غير أن مثل هذه الأمور ينبغي فيها مراعاة عرف الناس في المكان الذي يعيشون فيه؛ فإن كان ذلك مما يعتاده أهل المروءات والحفاظ من الناس: فلا بأس به. وإن كان مثل ذلك مما يخل بمروءة فاعله، أو يقدح في أدبه وخلقه؛ كأن يكون العرف ألا يفعل ذلك إلا الفساق، أو الكفار، أو ما أشبه ذلك: لم يجز للزوجين أن يفعلا ذلك بمرأى من الناس.
على أنه حيث يكون الإمساك بيد الزوجة في الشارع مقبولا في العرف، كما هو عادة أكثر الناس؛ فإن إمساك اليد المقبول عرفا، هو الذي يدل على الاصطحاب، أو المساعدة، أو نحو ذلك، وهو يختلف عن طريقة الفساق في إمساك يد المعشوقة، الذي هو نوع من زنا اليد، فينبغي التنبه إلى عدم التعدي في الأمر المباح، أو الخروج به إلى مشابهة أفعال الفساق.
وللاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم (6103)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/768)
هل يجب على الزوج النفقة على زوجته العاملة؟ وهل له أن يأخذ من راتبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بدوام كامل يوميّاً , لذلك فإنَّ كل المال الذي أحصل عليه أنفقه على الملابس، والأحذية، وأدوات النظافة , بينما زوجي يدفع إيجار المنزل، والفواتير، وبعض الأمور الأخرى، أريد أن أعرف ما هي الأمور التي يجب على زوجي أن ينفقها عليَّ؟ على سبيل المثال , هل يجب عليه أن يكسوني فقط في حالة أن تكون ملابسي كلها ممزقة، أو بالية؟ ويقول زوجي لي أيضاً: " إذا أردت مني أن أنفق عليك بكل تلك الأمور: فإن عليك أن تجلسي، ولا تعملي ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد بينَّا في جواب السؤال رقم (3054) بما يكفي من الأدلة من الكتاب والسنَّة وإجماع العلماء على وجوب نفقة الزوج على زوجته، وذلك بحسب وُسْعِه ومقدرته، وأنه ليس له أن يحملها نفقة نفسها، ولو كانت غنية، إلا برضاها.
وهذه النفقة على الزوجة منها ما يتعلق بكسوتها، صيفاً وشتاءً، وليس الأمر أن يفعل ذلك كل عام، وكل موسم، حتى مع وجود ملابس عندها، قد لا تكون لبست بعضها، وليس الأمر أنه لا يفعل إلا أن تتمزق ملابسها، بل الكسوة تكون بحسب حاجة زوجته لها، وبحسب قدرته على كسوتها، دون أن يؤثر على التزاماته الأخرى، وبعتبير القرآن: أن ذلك بالمعروف: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/233.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أي: بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهنّ، من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره، وتوسطه وإقتاره " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1/634) .
وننبه هنا إلى أن المرأة العاملة قد تحتاج من الكسوة ما لا تحتاجه غير العاملة؛ لأنها تريد أن تلبس جديداً أمام زميلاتها في العمل، وهذا ليس من حقها على زوجها، بل حقها عليه كسوتها بما تلبسه في بيتها، وبما تخرج به من مناسبات شرعية، أو مباحة، بإذنه، وهو أمر لا يقدَّر بقدرٍ معين، بل يختلف باختلاف طبيعة الزوجة، وبيئتها.
ثانياً:
إذا كانت الزوجة قد اشترطت على زوجها، عند الزواج، أنها ستعمل: فيجب عليه السماح لها بالاستمرار في عملها، إلا أن تتغير طبيعة عملها، فتصير محرمة، كأن تعمل مع رجال أجانب، أو تكون طبيعة العمل محرَّمة، كالعمل في البنوك الربوية، أو مجالات التأمين، أو ما يشبه ذلك، وكذا لو أن عملها صار محتاجاً منها لأن تسافر، وليس معها محرم، فمثل هذه الأشياء لو حصلت: فإنها توجب على الزوج التدخل لمنعها من متابعة عملها، وهو لا يخالف الشرط هنا، بل يعمل بمقتضى الشرع الذي جعله مسئولاً عن زوجته: (مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ) متفق عليه.
وأما إن لم يكن شيء من ذلك موجوداً في عملها: فليس له منعها منه، بل عليه الوفاء بالشرط الذي وافق عليه عند زواجه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/ من الآية 1.
عَنْ عُقْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
رواه البخاري (2572) ومسلم (1418) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وأما بخصوص راتب الزوجة العاملة: فإنه من حقها، وليس للزوج أن أخذ منه شيئاً إلا بطِيب نفسٍ منها، وهذا كله: في حال أن يكون العمل مشترَطاً عليه عند عقد الزواج، كما سبق أن نبهنا.
ثالثا:
إن لم يكن عمل الزوجة مشترطاً عليه عند الزواج: فله أن يسمح لها بالعمل، مقابل أن تساهم معه في النفقات، بما يتفقان عليه؛ لأن الوقت الذي تبذله في عملها هو من حقه، فله أن يستوفي مقابله بالمعروف.
قال البهوتي رحمه الله:
" ولا تؤجر المرأة نفسها، بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها، لتفويت حق الزوج "
انتهى. " الروض المربع " (271) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" يجب على الإنسان أن ينفق على أهله، على زوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإنه يجب على الزوج أن ينفق، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرِّس، وقد شُرط على الزوج تمكينُها من تدريسها، فإنه لا حقَّ له فيما تأخذه من راتب، لا نصف، ولا أكثر، ولا أقل، الراتب لها، مادام قد شُرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس، وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها، أي: من راتبها شيئاً، هو لها.
أما إذا لم يُشترط عليه أن يمكِّنها من التدريس، ثم لما تزوج قال: لا تدرِّسي: فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني: مثلاً له أن يقول: أمكِّنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب أو ثلثاه، أو ثلاثة أرباعه، أو ربعه، وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه، وأما إذا شُرط عليه أن تدرِّس، وقبِلَ: فليس له الحق أن يمنعها، وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (6 / 143، 144) .
رابعاً:
ونوصي الزوجين ألا يكدرا بمثل تلك المحاسبات التي من شأنها أن تجعل منهما شريكين في تجارة! وإنما هما شريكان في تأسيس أسرة، وبناء بيت، ولا يصلح مثل هذه الخلافات أن تكون بين زوجين، فلتبذل المرأة من طيب نفسها ما تعين به زوجها على مصاعب الحياة، وليتعفف الزوج قدر استطاعته عن أخذه المال منها؛ لأن هذا مؤثِّرٌ سلباً في قوامته، والتي جعل الله تعالى من مقوماتها إنفاقه عليها، كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ من الآية 34.
ويجب أن يفرِّق الزوج بين ما تبذله الزوجة مساهمة في نفقات الأسرة والبيت، وبين ما تعطيه إياه ديْناً، فالأول: لا يجوز للزوجة المطالبة به؛ لأنه مبذول بطيب نفس، ولا يحل لها الرجوع فيه، بخلاف الثاني فهو من حقها.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" لا حرج عليك في أخذ راتب زوجتك برضاها، إذا كانت رشيدة، وهكذا كل شيء تدفعه إليك من باب المساعدة، لا حرج عليك في قبضه، إذا طابت نفسها بذلك، وكانت رشيدة؛ لقول الله عز وجل في أول سورة النساء: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) ، ولو كان ذلك بدون سند، لكن إذا أعطتك سنداً بذلك: فهو أحوط، إذا كنت تخشى شيئاً من أهلها، وقراباتها، أو تخشى رجوعها " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 44) .
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، حفظه الله:
" لا تؤجر نفسها لخدمة أو عمل أو نحو ذلك إلا بإذن زوجها، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) النساء /34، فمما جعله الله عز وجل على الرجل أنه يقوم على أمر امرأته.
فعلى الزوج أن ينتبه؛ لأن الزوج راع ومسئول عن رعيته، والمرأة من رعيته، فإذا نظر أن المصلحة في خروجها للعمل أذن لها وأعانها، وخاصة في هذا الزمان، فكم من صالحة ينفع الله بخروجها للتعليم أو التوجيه أو نحو ذلك مما فيه خير لها وللأمة! ولا ينبغي للرجال أن يجحفوا بحقوق النساء أو يظلموهن أو يضيقوا عليهن.
وإذا رأى أن الخير لها أن تمتنع فأوصي المرأة أن تحمد الله عز وجل، وأن تطيع زوجها، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما من امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسمع وتطيع لبعلها، إيماناً بالله، وخاصة إذا وجدت منه غيرة وحب الخير لها، واحتساباً للثواب عند الله عز وجل: إلا أقر الله عينها في الدنيا والآخرة، وعليها أن تسلم وترضى، وألا تتعالى على حكم الله عز وجل، بل ترضى بذلك وتقنع به، بنفس مطمئنة، فمن رضي فله الرضا، والله عز وجل قد وعد من سمع وأطاع بالفلاح والفوز، وهذا شامل لفلاح الدين والدنيا والآخرة، وفوز الدين والدنيا والآخرة.
وعلى المرأة أن تنظر في حالها، فإنه ما من ساعة وما من يوم يمر عليها وهي تسمع لزوجها وتطيع بالمعروف، إلا وجدت في سمعها وطاعتها له من الخير ما الله به عليم!
وكم من الحوادث والقصص رأيناها في النساء الصالحات اللاتي أمرهن أزواجهن فأتمرن، ونهاهن أزواجهن فانتهين؛ فجعل الله لهن في ذلك الأمر والنهي من الخير ما الله به عليم! وكم من فتنة تنتظر المرأة في خروجها، فيسلط الله زوجها فيمنعها من الخروج، فإذا اتقت حبسها الله عن فتنة، ربما لو أنها خرجت لضلت وأضلت، ولكن الله لطف بها بالسمع والطاعة، وهذا مجرب.. " انتهى. "شرح زاد المستقنع للشيخ الشنقيطي".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/769)
أفسد عليها أهلها حياتها الزوجية، وتريد " الخلع "، فكيف يتصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج لي سنة، وحياتي - أنا وزوجتي - سعيدة أحياناً، فأنا أعطيها أي شيء تريده من حاجيات، ولكن المشكلة هي أهلها، وأمها بالذات، لا تريدني، وتخرب عليَّ حياتي إلى أن أثَّرت على زوجتي، وخربت علينا حياتنا، وأنا أحب زوجتي، ولا أريد أن أطلقها. وفي يوم من الأيام بعد الإفطار عند بيت أهل زوجتي: رفض أبوها أن ترجع زوجتي معي إلى البيت؛ لأسباب واهية، وأُشهد الله أني لم ألمسها بشرٍّ قط، ولم أقصر في أي من حقوقها، وأني لا أجعلها تطبخ؛ لكي لا تتعب، وكل شيء تريده آتي لها به، ولكن تأثير أمها كان كبيراً عليها؛ لأنها البنت الوحيدة لهم، طلب مني أبوها الخلع، وأنا أريد زوجتي، وقد منعني أن أكلمها، أو أن أراها. والآن مضى شهر بدون أن استطيع محادثتها، فماذا أفعل؟ . إن طلبت الخلع من غير سبب شرعي: فقد دفعتُ مهراً 50000 الف ريال، وعملت فرحاً بقيمة 60000 الف ريال غير ما أعطيتها هي من هدايا، وشراء أثاث، واستأجرت شقة بقيمة 30000 ألف ريال أو اكثر، وأنا طالب، وهم يدركون ذلك، فهل لي أن أطلب ما دفعته بحكم القاضي؟ . وهل أستطيع محاكمتها بأنها هجرتني بدون سبب، أو محاكمة أبيها بأنه قد منعني من حقي الشرعي بدون مسبب؟ . فأنا - والله لا أستطيع إلا التفكير بزوجتي، ومقدار الحب الذي زال بسبب أمها، وأريد أن أتزوج بأخرى لكي تستقر حالي، ونفسيتي التي أصبحت مريضة بسبب حبي لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إفساد الزوجة على زوجها من كبائر الذنوب، ويقبح بأهل الزوجة أن يكونوا هم من يقوم بهذا الفعل الشيطاني، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم أعمال جنود إبليس عنده.
قال تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/ من الآية 102.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ) .
رواه أبو داود (2175) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
" خبَّبَ ": بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي: خدع وأفسد.
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: (فَيَلْتَزِمُهُ) .
رواه مسلم (2813) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فسعي الرجل فى التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين.
" مجموع الفتاوى " (23 / 363) .
وقال الشيخ صالح الفوزان- وفقه الله -:
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها، ويخببها عليه؛ فقد جاء في الحديث: " ملعون من خبَّب امرأة على زوجها " ومعناه: أفسد أخلاقها عليه، وتسبب في نشوزها عنه.
والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 248، 249) .
فالواجب على أهل الزوجة أن يتقوا الله تعالى ربَّهم، وأن يعلموا أنهم قد وقعوا في كبيرة من كبائر الذنوب، فعليهم واجب إصلاح ما أفسدوا، وإرجاع الزوجة – ابنتهم – إلى زوجها، وهو في مصلحتهم، ومصلحتها.
كما يجب على الزوجة أن تتقي الله تعالى ربَّها، وأن لا تلتفت إلى من يريد إيقاع الفساد في بيتها، وهدم أركان بيت الزوجية، وها هو زوجها يعلن حبَّه لها، وعدم صدور شيء منه يسبِّب هجرها له، فليس أمامها إلا التوبة من فعلها، وطلب الصفح من زوجها، والعودة إلى عش الزوجية، وهي نعمة حرمها ملايين النساء في العالَم، فلا تشتري شقاءها بثمن تدفعه، وقد بُذلت لها الأموال لإسعادها.
ولتعلم الزوجة أنه قد ورد وعيد شديد فيمن تطلب الطلاق من غير بأسٍ، وهي الشدة الملجئة لهذا الطلاق.
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ) .
رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
الأخبار الواردة في ترهيب المرأةِ من طلب طلاقِ زوجها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك.
" فتح الباري " (9 / 402) .
فإن كان في زوجها من العيوب ما يدعوها لطلب الطلاق، وعدم القدرة للصبر على زواجها: فلا حرج حينئذٍ من طلبها للطلاق، فإن لم يرضَ زوجها تطليقها: فلها طلب " الخلع "، فتفتدي نفسها منه بما يطلبه منها.
وينظر تفصيل هذا ي جواب السؤال رقم: (101423) .
ثانياً:
ونقول للزوج في نهاية المطاف:
إذا كانت زوجتك قد طلبت الطلاق لما تراه منك من ارتكاب معاصٍ، أو سلوك لا يطاق، كضربها، وإهانتها، وشتمها: فإن طلبها للطلاق لا تأثم عليه، ولها حق مهرها كاملاً، المقدَّم منه والمؤخر.
وإذا كان طلبها للطلاق لغير سبب يستحق ذلك، كما ذكرته أنت في قصتك معها: فهي آثمة، ولك أن تصر على عدم تطليقها، وتحاول إدخال العقلاء من الناس للإصلاح بينك وبينها، وبينك وبين أهلها، فإن لم يُجدِ هذا الأمر نفعاً: فلك أن ترفع قضية " هجر " عليها، وقضية " تخبيب " على أهلها، إن رأيت ذلك، ولا ننصحك بمثل ذلك، بل ننصحك - إذا لم ينفع الإصلاح من الشفعاء -: أن تقبل " الخلع "، وأن تطلب منها ومن أهلها مهرها الذي دفعته لها، وما بذلتَه من مصاريف على الزواج، كما لك أن تطلب تنازلها عن حضانة أولادها – إن كان بينكما أولاد.
وانظر تفصيل الخلع في جوابي السؤالين: (26247) و (99881) ، وانظر في عدة الخلع، ورجوع المختلعة لزوجها: جوابي السؤالين: (5163) و (14569) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح بينكما، وأن يهدي زوجتك لما يحب تعالى ويرضى، وأن يجمع بينكما على خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/770)
اختلافات شديدة بين زوجين، فهل ننصحه بالطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متأهل، ولديَّ أولاد وزوجة، ولكن دائم الاختلاف مع زوجتي، وقد حاولت مراراً أن أحل مشكلتي معها ولكن دون فائدة، وهي ليست راضية بالطلاق، ولا ترضيني من الناحية الجنسية، وعرفاً ليس مسموحاً عندنا أن نتزوج بالزوجة الثانية، أو لا يزوجون بناتهم بالرجل المتأهل، وأنا خائف إن استمر الوضع هكذا أن أرتكب المحذور، فأفيدوني، وأرشدوني، وأرجو منكم النصيحة، وكيفية الخلاص من مشكلتي هذه، وماذا هو الحل الأمثل؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تخلو بيوت الناس من مشكلات، وبعضها يسهل حلها، وبعضها يصعب، ولا بدَّ لمن أراد حل مشكلاته، أو مشكلات غيره أن يكون على علم بالأسباب التي أدت إلى ذلك الاختلاف، والتخاصم، والتنافر، سواء بين الزوجين، أو بين الصديقين، أو بين الأب وابنه، وعموم أطراف النزاع.
ونحن لا ندري عن سبب الاختلاف بينك وبين زوجتك، لذا فلن يكون منَّا إلا الإرشاد العام الذي يصلح لك ولغيرك.
ابحث – أخي السائل – عن سبب تلك الاختلافات بينك وبين زوجتك، فقد تكون أنت سبباً رئيساً وكبيراً فيها، بطبعٍ لك لا تستطيع تغييره، أو بسبب سوء معاملة منك لزوجتك، أو لقلة اهتمامك بها وبأولادك، أو لغير ذلك مما لا يحصى كثرة، فعليك معالجة أخطائك، وعليك أن تقضي على تلك الاختلافات بالقضاء على أسبابها إن كانت من طرفك، ولا يخفى عليك أن حسن العشرة للزوجة، وجميل الاهتمام بها، والثناء عليها بأعمالها، وحسن الرعاية للأولاد، مع الحرص على الإتيان بلوازم البيت: كل ذلك يجعل في قلب الزوجة رضا عن زوجها، وهو مما يجلب المودة بينهما، وينشر الرحمة في أرجاء البيت.
وأما إن كانت أسباب المشكلات والاختلافات بينكما هو: الزوجة، فعليك أيضاً معالجة ذلك عندها بالحكمة والموعظة الحسنة، وأسهل شيء على الزوج – في الأصل والغالب – أن يطوِّع زوجته لطرفه، وأن يجعلها تحب ما تبغض، وتبغض ما تحب؛ لأن الزوجة عندما ترضى برجل لها زوجاً فهي ترضى بأن تعيش وفق رغباته، واهتماماته، وليس شرطاً أن تكون محبة لذلك راضية عنه، وهذا طبع الزوجات في الأصل، لذا فإن المرأة تكون تابعةً لزوجها، ومن هنا كان تحريم تزويج المرأة المسلمة لكافر، ومن هنا أيضاً كانت الوصية بحسن اختيار الزوج، وأنه يكون صاحب خلُق ودِين؛ لئلاَّ تتأثر المرأة سلباً بدينه، وخلقه.
ثانياً:
وقد لا يتوافق زوجة مع زوجته في طبعهما، فلا هو بالقادر على تحسين تعامله مع زوجته، ولا هي بالراضخة لرغبات زوجها المباحة، وهنا تكون محطة الفراق بينهما، ويكون بقاؤهما زوجين تضييعاً للوقت، وتكثيراً للمشكلات، والآثام، وليعلم كلا الطرفين أنه لن يكون ناجحاً في زواجه الثاني إن كان الأول فاشلاً بسببه، ولعدم تغيير طباعه وسلوكه.
وبحسب ما جاء في السؤال: فإننا نقول: إذا لم ير الزوج إصلاحاً من الزوجة لنفسها تجاهه، وليس هو السبب في تلك المشكلات: فليس أمامه إلا الطلاق، وآخر الدواء الكي! ، وليس شرطاً أن ترضى الزوجة به حلاًّ، فرضاها ليس معتبراً لوقوع الطلاق، وإنما قلنا إن حل تلك المشكلات هو الطلاق لأسباب – من خلال سؤالك -:
الأول: تعذر صلاح حال زوجتك، وطول المدة التي استمرت بها تلك الاختلافات بينكما.
الثاني: عدم قدرتك على التزوج من أخرى، بسبب بيئتك.
الثالث: خشية وقوعك في الحرام بسبب عدم تلبيتها رغبتك الجنسية.
فأعطها فرصة أخيرة، وحدد لها وقتاً لتصلح نفسها، وحالها، فإن لم يحدث تغيير من طرفها: فلا تتردد في إيقاع الطلاق، واحذر من الوقوع في الحرام، فأنت الآن في شرع الله محصن، وحدُّك الرجم إن وقعت – لا قدر الله – في الحرام، وقد كثر الوعيد في الإسلام للمتعدي على حرمات غيره، وللواقع فيما حرَّم الله عليه من الفواحش، فاحذر أشد الحذر.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/771)
تلحُّ على زوجها بإحضار خادمة وهو يرفض، ويطلب منها الإنجاب وهي ترفض!
[السُّؤَالُ]
ـ[تريد زوجة شخص استقدام خادمة كي تساعدها في عمل المنزل، مع العلم أن الأخ ملتزم، ولا يريد الخادمة في بيته، وهو مصر على رأيه، وزوجته تردد عليه طلبها، مع العلم أن الزوجة تدرس بنظام الانتساب في الجامعة، ولديها بنت عمرها سنة، والزوج لا يريد الخادمة في بيته؛ لأنها بدون محرم، وليس لإحضارها داعٍ، وهذه المشكلة أدت بالزوج إلى التفكير في الانفصال عن زوجته؛ لأنه يريد الأولاد، وهي تقول لن أحمل حتى يكون عمر ابنتي 3 سنوات، وتستعمل حبوب منع الحمل؟ أفيدونا، جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن صحَّ ما ذكره السائل عن حال تلك الزوجة: فقد أساءت إساءات بالغة لزوجها، وهي تتسبب في هدم حياتها الزوجية، ونقض أركان بيتها.
وهذه الإساءات هي:
1. الإلحاح في طلبها إحضار خادمة.
وخلُق " الإلحاح " بحد ذاته مبغوض للأزواج، والعاقلات من الزوجات تتجنبه، والعاقلات من الأمهات توصي ابنتها قبل تزوجها بتركه.
وهذا الإلحاح ممجوج مستقبح لو كان في أمرٍ مباح حلال، فكيف أن يكون في أمرٍ منكر حرام؟! .
إن اتخاذ خادمات في البيوت – وخاصة من غير المسلمات - له مفاسد لم تعد تخفى على أحد، وكم تسبَّب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة، والكبيرة بسبب ذلك.
ويرجى النظر في جواب السؤال رقم (26282) ففيه زيادة بيان حول مفاسد إحضار الخادمات، وشروط جواز ذلك.
والأصل في الزوجة أن تكون هي الرافضة لوجود خادمة في بيتها؛ لما يُعلم من احتمال فتنة زوجها بها، بسبب الخلطة، والرؤية، فأن يكون الزوج هو الرافض بشدة، والزوجة هي المصرَّة بشدة: فهذا يدعو للعجب، وخاصة مع عدم الضرورة، وعدم الحاجة لها، فالزوجة لا تعمل خارج البيت، وليس عندها كثير من الأولاد حتى يحتاج الأمر لوجود خامة.
ويمكن حل الأمر بين الزوجين بحل وسط، وهو إحضار امرأة تساعدها في بيتها في وقت معيَّن محدد، والأنسب في ذلك أن يكون وقت غياب الزوج في عمله، ولا تكون هذه المرأة مقيمة في البيت، بل تأتي لتساعد الزوجة، ثم تغادر، وإذا لم تجد من تفعل ذلك فيمكن إحضار خادمة تعمل عند أهلها، أو جيرانها، لساعات محددة، وتدفع مقابل ذلك لهم ما يساعدهم على راتبها، وبذلك يتحقق لها أمر المساعدة، والإعانة، ويتحقق للزوج عدم وجود فتنة خادمة في بيته.
2. رفض الزوجة الإنجاب.
وهذا ليس من حقها، وليس لها أن تنفرد بهذا القرار عن زوجها، نعم، يمكن أن يتشاور الزوجان في تنظيم الحمل والنسل، لمدة معقولة، بسبب رضاع صغير، أو بسبب مشقة كبيرة في الحمل، لكن ليس الأمر على هوى الزوج وحده، ولا على هواها وحدها، من باب أولى؛ لأن الإنجاب من الحقوق المشتركة بين الزوجين.
ويُنظر في بيان ذلك: جواب السؤال رقم: (110597) .
فعلى الزوجة أن تتقي الله ربَّها، وعليها أن تطيع زوجها فيما يأمرها به، مما لا يخالف شرعه تعالى، ولتكف عن الإلحاح، وعن طلب خادمة، ولتستجب لزوجها في الحمل والإنجاب، ولا تستأثر بمثل هذا القرار لنفسها، وهذا كله من العشرة بالمعروف التي أمرها الله تعالى به، ولتعلم أن خلقها هذا وتصرفاتها لا يرضى بها زوج، فهي تحكم على نفسها بالعنوسة، أو بزواجات فاشلة، ومما يميز المرأة الصالحة: حياؤها، وطاعتها لزوجها، بهذا تستقيم حياتها، ويكون لها المنزلة العظيمة في قلب زوجها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/772)
اكتشف أن زوجته ليست بكراً وأنها كانت على علاقة مع رافضي فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجتُ من امرأة من عائلة محترمة، ولكن عند سؤالي عنها قبل الزواج أخبروني أنها كانت على علاقة حب مع شاب رافضي، وأهلها لم يقبلوا لأنه رافضي، وسألت زملاءهم من الثقات، وقالوا: لا يوجد علاقة، فقط يجلسون معا أمام الناس، فقررت أن أتزوجها لكي أخلصها من الخطأ، ولكن عند دخولي بها لم أجدها بكراً، فاعترفت لي بأنه مارس معها الجنس، ولكن دون ولوج، فربما وهي لا تعلم دخل بها، وهي كانت تائبة، ونادمة، فقررتُ أن أستر عليها لفترة، وبعدها أطلقها، ولكن حصل حمل، فماذا أفعل، والعشيق أعرفه، ويعرفني، أنا أموت من الغيظ، علماً أني ملتزم، وحججت البيت، ومن عائلة صوَّامة، قوَّامة، على السنَّة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي فهمناه من السؤال أن الحمل منكَ أنت، والظاهر أن علاقتها بذلك الرافضي وممارسته للجنس معها قد أعقبها فترة، حاضت بها، وزيادة، فإن كان الواقع غير ما فهمنا: فأعد مراسلتنا بتوضيح الصورة، وإن كان ما فهمناه صحيحاً مطابقاً للواقع: فالعقد الذي تم على زوجتك شرعي، والحمل في بطنها منك أنتَ، لا من ذلك الخبيث.
وجوابنا على سؤالك:
أن عليك أن تنظر في توبة زوجتك، وندمها، وصلاح حالها، فإن رأيتها على حال طيبة من ذلك كله: فافتح معها صفحة جديدة، بيضاء نقية، وأبقها في عصمتك، واجعل ما حصل معها درساً لها، حتى تعرف فضل الله عليها بأن سخر لها رجلاً شهماً مثلك ليستر عليها، ودرساً لها لتجنب بناتها أن يقعن فيما وقعتْ هي فيه من درن تلك المعصية، وتربيهم على ما تحب من الطهر والعفاف، وتصون فيهن ما خسرته من نفسها، بكيد الشيطان.
وإن لم ترَ منها توبة صادقة، وندماً أكيداً على ما فعلت، ولم تر نفسك قابلة للصفح عنها، وأنت غير مستعد لفتح صفحة جديدة معها بالكلية: فطلِّقها، ولو كانت حاملاً منك، وهو خير من تعذيب نفسك برؤيتها، ورؤية عشيقها السابق، وخير لها من سوء معاملتك، ودوام نظراتك المريبة لها.
مع تنبيهك بأنه إذا اخترت الخيار الأول: أنك تؤجر أجراً كريماً، إن شاء الله، فأنت تكون أعنتها على توبتها، وصلاح حالها، وتكون سترت عليها ستراً كاملاً، وفرَّجتَ عنها كربة عظيمة، ويسَّرت عليها عسيراً شديداً، وأنت موعود بوعد عظيم على فعلك هذا من رب العالَمين، في وقت أحوج ما تكون لهذه الإعانة، وذلك الأجر.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ) . رواه مسلم (2699) .
قال النووي – رحمه الله -:
في هذا فضل إعانة المسلم، وتفريج الكُرَب عنه، وستر زلاته، ويدخل في كشف الكربة، وتفريجها: مَن أزالها بماله، أو جاهه، أو مساعدته، والظاهر: أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته، ورأيه، ودلالته.
وأما الستر المندوب إليه هنا: فالمراد به الستر على ذوي الهيئات، ونحوهم، ممن ليس هو معروفاً بالأذى، والفساد، فأما المعروف بذلك: فيستحب أن لا يستر عليه، بل تُرفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء، والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله، هذا كله في ستر معصية وقعت، وانقضت. " شرح مسلم " (16 / 135) .
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يمن على زوجتك بالتوبة الصادقة، وأن يرزقكما ذرية طالحة طيبة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/773)
زوجته تسيء في تصرفاتها معه، وعنده منها أولاد فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتلخص في مشكلة مع زوجتي منذ سبع سنوات، وذلك أن زوجتي هي زوجة أخي -رحمه الله -، وله منها أربع بنات وولد، وأنا كان هدفي من الزواج منها هو رعاية الأيتام لا غير، مع أنها تكبرني بعشر سنين، أو تزيد , والمشكلة المستديمة في أمرين هما: أولاً: كثرة، ودوام الغيرة العمياء، التي لا تمت إلى الحقيقة بشيء، بل تصل إلى حد الشك بي عندما أكلم أقربائي وغيرهم! . والثاني: أنه إذا حدثت مشكلة أنّا نمكث متقاطعين لمدة لا تقل عن أسبوع، أو أسبوعين، وقد تمتد إلى الشهر تقريباً , وللأسف أدخلنا من نريده أن يصلح بيننا ولكن لا فائدة، وهذه المشاكل التي تحصل - والله يا شيخ - تكون في كل شهر تقريباً، وأنا يا شيخ - والله - إني قد حاولت أن أطلقها ثلاث مرات لأرتاح لكن الذي يحول بيني وبين ذلك هو حبي الشديد لأبنائي الثلاثة، وأبناء أخي , يا شيخ ما الحل مع هذه الزوجة العجيبة؟ فأنا - والله يا شيخ - أصبحت أبغضها بغضاً شديداً، ولولا أولادي: لكنت قد طلقتها منذ فترة طويلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يعقل كثير من النساء الفرق بين الغيرة والشك والريبة، ولا يعقلن أن هذه الغيرة هي من هوادم زواجها، وتفكك أواصر أسرتها، فمتى تعقل النساء هذا؟ .
وتلك الغيرة من زوج الأخ السائل هي سبيل تسلكه تلك الزوجة لتعدم الثقة بينها وبين زوجها، ولتخرب بيتها بيديها؛ فهذه الطريقة في التعامل مع الزوج تقضي على حبه لها، وتحل محلها البغض، وتقضي على رغبته في استمرار زواجها، وتعجل بانقضاء أجله.
والزوجة العاقلة هي التي تزن الأمور بموازين دقيقة، فلا تنكد على زوجها حياته، ولا تدخل في حياتها الشك والريبة تجاه تصرفاته الطبيعية، بل تسعى جاهدة لإحلال الثقة بينها وبينه، وإرساء قواعد المحبة والسعادة بينها وبينه؛ لتستقيم لها، وإلا فإنها يوشك أن تكون في سلك " المطلقات ".
ثانياً:
وصيتنا للزوج أن يتمهل ولا يتعجل، فطبع النساء يختلف عن طبع الرجال، وليس يوجد مستمتع مع زوجته إلا مع عِوَج في أفعالها وتصرفاتها، يقل ويكثر بحسب دينها، وعقلها، وحسن تصرفها.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا) .
رواه البخاري (3153) ومسلم (1468) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفي هذا الحديث: ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها.
" شرح مسلم " (10 / 57) .
فالذي نراه لك: أن تصبر على خلقها، وأن تسعى في إصلاحها، وزيادة علمها، وإيمانها، بتوفير ما يلزم لذلك من كتب نافعة ميسرة، وأشرطة، وصحبة صالحة، وأن تجعل من حسن تعاملك معها سبباً لذلك أيضاً، مع كثرة الدعاء.
واعلم أن الطلاق سبيل تفرق وتشتت للأسرة، وفيه ضياع للزوجة، وضياع للأولاد، غالباً، وإن كثيراً من الناس ليصبرون على سوء تصرفات نسائهم لأجل أولادهم، وفي صلاح أولئك الأولاد، وتنشئتهم على خير إعانة لوالدتهم على الطاعة، وضبط تصرفاتها، وهذا مشاهَد مجرَّب، فهذا ما نراه لك.
وأما إن كنت لا تستطيع الصبر على تصرفاتها، وأنك ستظلمها، وتهضمها حقوقها: فطلقها، ولعلها ترعوي بعد الطلقة الأولى، أو الثانية، فإن استمرت على ما هي عليه، ولم تستطع أنت احتمالها: فالنساء سواها كثير، وقد الله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء /130.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(6/774)
هل تستعمل موانع الحمل دون علم زوجها مع أنه يرفضها ويختار العزل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة لدي طفلتان الكبرى تبلغ من العمر سنتين والصغرى ثمانية أشهر، واتفقنا أنا وزوجي على تأجيل الحمل لتكمل ابنتي رضاعتها، وحتى أتمكن من خدمة طفلتيّ، فأنا لا أريد أن أجلب خادمة، كما أن صحتي لا تسمح بالحمل الآن، ولكن زوجي يرفض أن أستخدم أي مانع من حبوب أو لولب، لقوله بأنها لابد من أن لها تأثيرا علي، ونحن نستخدم العزل، ولكن هو غير آمن، كما أني أشعر بأنه ظلم لي، فهل يجوز أن أستخدم مانعا دون علم زوجي، بما أنه موافق على التأجيل، ولكن اختلافنا في الطريقة، وهل أختار ما يناسبني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للزوجين أن يتفقا على تأجيل الإنجاب مدة من الزمن لمصلحة أو دفع مضرة، كأن يشق الحمل المتوالي على الزوجة، لضعف صحتها أو كثرة أولادها.
جاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الآخر 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م:
" يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين، عن تشاور بينهما وتراضٍ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم " انتهى من "مجلة مجمع الفقه" العدد 5 ج 1 ص 748.
ثانيا:
استعمال موانع الحمل من الحبوب أو اللولب، لا تخلو من مضار صحية ونفسية، وأظهر مضارها ما يتعلق باضطراب الدورة الشهرية وطول مدتها، وفي هذا ضرر على الزوج، ولهذا كان له الحق في منعك من استخدامها.
وأما العزل فهو وسيلة خالية من الضرر، لكن لا يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته إلا بإذنها؛ لما لها من حق في الإنجاب وكمال الاستمتاع.
ومن الوسائل الآمنة: استعمال العازل الطبي، ومعرفة الأيام التي لا يتم فيها التخصيب.
والحاصل: أنه لا يجوز لك استعمال الموانع التي لا يرضاها زوجك؛ لأن الضرر الذي يلحقك يعود عليه أيضا.
وعلى هذا؛ فلابد من المصارحة بين الزوجين، وأن يتطاوعا ولا يختلفا، وأن يتعاونا على تحقيق ما فيه المصلحة لهما ولأولادهما، مع الصحبة الحسنة، والعشرة الكريمة، كما أمر الله.
وإن استطعت إقناعه بأخف الوسائل ضررا فحسن.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/775)
العادة القبيحة في رؤية أهل الزوج دم البكارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لأهل الزوج رؤية دم غشاء البكارة؟ . أريد دليلاً، أرجوكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه عادة قبيحة، وفعل شنيع، لا يجوز للزوج موافقة أهله عليه، فلا يرضى به قولاً، ولا يرضى به فعلاً، لمجموعة أسباب، منها:
1- أن هذا من أسرار الزوجية التي ائتمن على الحفاظ عليها، وما يجري بين الزوجين في العلاقة الخاصة لا يحل لهما نشره بين الناس، ولا إطلاع أحد على آثاره.
2- أن هذا الدم الخارج ليس هو العلامة الفاصلة بين الشريفة وغيرها ـ كما هو معلوم ـ وبالتالي فقد فقدت هذه العلامة سبب وجودها.
وليُنظر جواب السؤال رقم (40278) .
3- لو فرض أن الزوج لم يجد زوجته بكراً: فإنه مأمور بالستر عليها، لا فضحها في الناس، وما يطلبه أهله إنما هو مما يساعد على الفضح المحرَّم، لا على الستر الواجب.
4- من مفاسد هذه العادة القبيحة: إدخال القلق والتوتر على كلا الزوجين؛ ليستعجل الزوج بفض غشاء البكارة، وقد لا تكون الزوجة مهيأة في الليلة الأولى، وقد يسبب لها نزيفاً حادّاً، وبغضاً للعلاقة الزوجية.
5- في هذه العادة القبيحة اتهامٌ للمرأة بفعل الفاحشة، ويريدون منها الدليل على براءتها.
6- أقل ما يقال في هذه العادة القبيحة أنها تنافي الحياء، فإن ما يحدث بين الزوجين من أمور المعاشرة ينبغي ستره ولا يجوز إفشاؤه وإعلانه.
فالواجب منع هذه العادة القبيحة ومحاربتها.
قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله:
"ومن الخطأ البيِّن: الطواف حول القرية بقميص العروس، ملوثاً بدم البكارة، بل دم الجناية، على هذا العضو الرقيق، من ذلك الوحش الذي لا يراقب الله تعالى في هذه المسكينة، في أحرج الأوقات، ولهم في طوافهم بالقميص وحين فض البكارة كلام تخجل منه الإنسانية، وقد ماتت هذه البدعة السيئة لدى الأغنياء، والأوساط الراقية، ولكنها باقية، مقدسة، في الفقراء، والطبقات المنحطة، وهي من بقايا الجاهلية" انتهى.
" الإبداع في مضار الابتداع " (ص 265) ط دار الاعتصام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/776)
شكوى من زوجة على زوجها المعدد، وبيان حكم الشرع فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ميزان العدل بين الزوجات؟ فلقد طلبت من زوجي أن يُحضر لي خادمة؛ وذلك بسبب عدم قدرتي على القيام بشغل المنزل والأولاد، ووافق على الطلب، ولكن بشرط أن تكون الخادمة يوماً في بيتي، واليوم التالي عند ضرتي، مع العلم بأن بيتي كبير، وعندي أطفال أكثر منها، وهي بالعكس، بحكم أنها الزوجة الثانية. وعندما أطلب منه أن يحضر لي حاجة نفسي فيها يحضر لها مثلها، وقبل أيام طلبت منه أن يدفع قيمة كفارة يمين، وبعد أن دفعها طلب مني المال لأنه يرى أن هذا شيء يخصني لذلك عليَّ أن أسدده من مصروفي الشخصي، وللمعلوم فإن المصروف لا يتعدى 1000 ريال، منه الكسوة، والزينة، وفاتورة الجوال، والهدايا. فما هو العدل في هذه الأمور؟ فلقد تعبتْ نفسيتي جدّاً، هو رجل يريد أن يعدل، وجزاه الله عني كل خير، ولكني أراه يشدد عليَّ، فما هو الطريق الصحيح للعدل لكي يأخذ كل طرف حقه، ولا يشعر أن هناك ظلماً. وأخيراً: هل الزوج المعدد هو الذي ينظر للعدل أم الغير معدد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العدل الواجب على المعدِّد هو: أن يعدل في نفقته على نسائه، وفي المبيت، وفي السكن، وفي الكسوة، وتجدون تفصيل هذه الثلاثة في جواب السؤال رقم: (10091) .
وفي الهدية: لا يُلزم المعدد أن يسوِّي فيها بين نسائه، كما سبق في جواب السؤال رقم: (13268) ، وإن كان الأفضل أن يحرص على التسوية بين نسائه فيها، وهو أسلم له مما يمكن أن يقع بين نسائه من آثار غيرتهن السيئة.
ثانياً:
بخصوص الخادمة في البيت:
1. قد تكلمنا بتوسع عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) ، فلينظر للأهمية.
2. وإذا لم يكن في وجود الخادمة في البيت محاذير شرعية: فإن ما فعله الزوج من جعل الخادمة يوماً عندك، ويوماً آخر عند ضرتك: أمر لا حرج فيه عليه، ولكن على الزوج أن يعلم أن نفقته على امرأته التي عندها أولاد كثر ليست كالنفقة على من عندها أقل، أو من لم يكن عندها أولاد، والأمر نفسه ينبغي أن يراعى في أمر الخادمة، وليس تقسيم عمل الخادمة بين بيتيه مع كبَر حجم أحد البيتين، وكثرة الأعمال فيه من العدل الذي يظن الزوج أنه حققه، بل عليه أن يراعي هذه الأمور، وقد لا تكون إحدى نسائه بحاجة لخادمة أصلاً، وفرق بين كون عمل الخادمة في بيت من الضرورات، أو الحاجات الماسة، وبين كونها في بيت آخر من الكماليات! ، فعلى الأزواج أن يراعوا هذا في جانب الخدمة، والإعانة على عمل البيت كما أن الواجب عليهم أن يراعو اختلاف النفقة على البيوت باختلاف عدد أفرادها، وكثرة احتياجاتهم.
ثالثاً:
كفارة اليمين ليست مالاً يُدفع للفقراء، بل الواجب إخراجها طعاماً، كما نصَّ الله تعالى عليه في قوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وتجدون تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (45676) .
وقد صدق الزوج في كون الكفارة تلزمك من مالكِ، ولا يظهر أن في إخراج الكفارة من مصروفك الذي حدده لك: إجحافا بحقك، أو التزاماتك، أو تشديدا عليك، ونظر الزوج ـ الفطن ـ هنا لما يقتضيه الحال: أمر مهم في تقدير حالكم، وما يصلح لظرفكم.
لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز له الإطعام عنكِ، وأنه إن فعل فقد وقع في الظلم! بل هذا خلل في فهم " العدل " الواجب بين الزوجات، والإطعام عنكِ لكفارة يمينك لا شك أنه يدخل في " العشرة بالمعروف "، ولا يلزمه إعطاء الزوجة الثانية مثل ما بذل عنك، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولا يُعرف في عالم المعددين من السلف، والخلف.
رابعاً:
العدل الواجب، لا يرجع تقديره للزوج المعدد، ولا لغير المعدد، بل هو للشرع، فنصوص الوحيين هي التي تُلزم الزوج بالقيام بما أوجبته الشريعة عليه.
ولا يُعرف عدل الزوج بين نسائه من مجرد حكم الناس عليه، بل بما يقوم به بالفعل، فقد تكون ثمة أمور خفية عن الناس ظاهرها الظلم، وحقيقتها العدل، كما أن العكس صحيح، فمن الممكن أن يظهر للناس عدل ذاك الزوج، ويكون في حقيقة الأمر من كبار الظالمين.
وأخيراً:
فإننا نوصي الزوج الفاضل أن يحقق العدل الواجب عليه بين نسائه وفقاً لشرع الله تعالى، وأن يكون حكيماً في إدارة البيتين، وأن يُعطي كل ذي حق حقَّه، ويراعي أنه ثمة اختلاف في واقع الأمر بين بيتيه إن كان في أحدهما له أولاد، وليس في الآخر مثله، وهذا يستوجب عليه العناية بنفقتهم، وتربيتهم، وخدمتهم، بما لا يظلم زوجته الثانية، وبما يحقق مقصود الشرع من التعدد.
كما أن عليكِ – أختي السائلة – أن تتلطفي مع زوجك، وأن تحرصي على الأسلوب الحسن في التعامل معه، وأن لا تحملك الغيرة على محاسبته بالدقة في أموره كلها؛ فإن هذا مما يسبب انزعاجاً للزوج، وكراهية للبقاء في بيت يأتي له بالصداع! لا سيما وظاهر زوجك الصلاح والديانة، والحرص على الخير، فكوني له عونا على الخير، ولا تكوني عونا للشيطان عليه.
وهذا لا يعني أننا نلزمك بالتنازل عن حقك، بل حقك مكفول لك بشرع الله تعالى، لكن لا تنسي الإحسان في طلب الحق، والسماحة في أخذه، قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة /195، وقال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة /237.
وروى البخاري في صحيحه (2076) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) .
نسأل الله تعالى أن يجمع بينكم على خير، وأن يوفقكم لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/777)
يرغب بالسهر ويزعج زوجته وهي تشتكي من فعله، فهل يطلقها؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لا تسمع كلامي، أنا دائماً أعمل خارج المنزل، من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة الواحدة صباحاً، حينما أرجع إلى البيت أقول لها: اصنعي لي طعاماً، فتصنع، ولكن نظراً أني أسكن أنا وإياها في غرفة واحدة مع العيال، وهم اثنان، وحين أجلس على الكمبيوتر، أو التلفاز تقعد تصرخ بحجة أنها تريد أن تنام، وأنا خارج البيت لم لا تنام وتأخذ راحتها؟! ، يوميّاً على هده الحالة ماذا أفعل أطلقها أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
على الزوجين أن يعلما أن الحياة الزوجية عمادها التفاهم، وقوامها المودة والرحمة، ولذا فإن حياتهما الزوجية لا تكتمل إلا بالمعاشرة بالمعروف من كلا الطرفين.
قال تبارك وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" يجب على كلٍّ من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف؛ لقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، ولقوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228،وإذا حصلت المعاشرة بين الزوجين بالمعروف: فإن ذلك أبقى للمودة بينهما، وأتم للنعمة، وكم من فراق حصل بسبب عدم المعاشرة بالمعروف، فإذا اتقى الله كل واحد منهما، وعاشر الآخر بالمعروف، وأعطاه حقه الواجب عليه: حصل بذلك الخير، والبركة، وإذا كثرت النزاعات بين الزوجين: فإنك تجد أكثر أسبابها هو عدم المعاشرة بالمعروف، فالزوج يضرب زوجته على أتفه شيء، وهي تعانده وتخاصمه في أدنى شيء، لذلك يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، كما أمر الله تعالى بذلك " انتهى من "اللقاء الشهري".
وبخصوص حالتك أخي السائل فإن هناك ما ينبغي التنبيه عليه، فنرجو أن توفقا لما فيه الخير لكما ولأولادكما:
1. نرى أنه لا بدَّ لك من فصل الأولاد عن غرفتكما ـ إن استطعت ـ، واجعل غرفة نومكما لها خصوصية خاصة.
2. احذر من قضاء الليل في غير ما يرضي الله تعالى، فعملك فيه سهر، ثم إذا رجعت وتعشيت: صرتَ – تقريباً – في الثلث الأخير من الليل، وليس من الخير لك أن تقضي هذا الوقت على " التلفاز " أو " الكمبيوتر " بما ليس فيه نفع، أو بما فيه محرَّم، كما أن هذا الوقت هو للنوم لمن قضى ليله في انتظارك وخدمتك، فمن حق زوجتك أن تقضي هذا الوقت في النوم لتقوم في نهارها لخدمتك، وخدمة أولادك، وليس لك أن تزعجها، وتعكِّر عليها صفو نومها، فمن حقها عليك العشرة بالمعروف، وأنت لم تفعل من ذلك شيئاً فيما تخبرنا به، بينما نراها تنتظرك، وتجهز لك العشاء، وما تنكره عليها لا نراه منكراً، بل الصواب معها.
فكما أن الواجب على الزوجة مراعاة عمل زوجها، وتعبه: فعلى الزوج مراعاة عمل زوجته في بيتها، وفي خدمته، والعناية بأولاده، وما تقوم به الزوجة أضعاف ما يقوم به الزوج، وإذا كنتَ تعمل من الخامسة عصراً إلى الواحدة ليلاً: فإن زوجتك تعمل على مدار الساعة، وحتى في نومها فإنها لا تهنأ به، فإذا صرخ أحد أولادها، أو احتاج شيئاً: فإنها هي من تقوم بخدمته والعناية به ليس أنتَ، فهل يليق بعد هذا أن تحرمها قسطاً من النوم ترتاح فيه من عناء عمل البيت؟! وكيف تريدها أن تنام في غير وقت نومها؟! وإذا كنت تريدها أن تسهر معك فهل تظن أن باستطاعها القيام بأعباء البيت في النهار؟! في ظننا أنك تقضي نهارك إلى الظهر نائماً، بسبب عملك وسهرك، فهل يوجد امرأة ربة بيت يمكن أن تفعل فعلك؟! إن ما تطلبه لا يوافق الشرع، ولا العقل، وما تفعله زوجتك هو الموافق لهما.
3. نوصي الزوجة بضرورة التلطف مع زوجها، وعدم رفع صوتها، أو الصراخ، لطلب حقها، فهذا ليس مما يليق بالمرأة المسلمة العاقلة أن تفعله.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " المشروع: أن يتخاطب الزوجان بما يجلب المودة، ويقوي الروابط الزوجية، وأن يجتنب كل منهما رفع الصوت على صاحبه، أو مخاطبته بما يكرهه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
ولا ينبغي لها رفع الصوت عليه؛ لقوله سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228.
ولكن ينبغي للزوج أن يعالج ذلك بالتي هي أحسن، حتى لا يشتد النزاع.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/247، 248) .
وأخيراً:
نوصيك بتقوى الله، والمعاشرة لزوجتك بالمعروف، ونوصيك بأن تمسك عليك زوجك، وأن تعطيها حقها من المودة والرحمة.
ونسأل الله أن يؤلِّف بين قلوبكم، وأن يصلح حالكم، وأولادكم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/778)
زوجها يدخن وتمتنع عن فراشه أحيانا ليترك الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي كثيراً ما يشرب الدخان، وتنبعث رائحة خبيثة منه من فمه وشعره وملابسه، وأنا امرأة أخاف ربي، ولكن في لحظات حينما يقرب مني بالفراش أنفر منه، وأخبره أن رائحته كريهة، وأن هذا لا يرضي الله، وأن الوضع لا يعجبني، وأخليه ينام زعلان علي، أنا في قصدي لا بد أن أضع حداً له ولست أنفر منه، أنا أحبه، ولكن أخاف عليه من النار ومن المرض، لا بد أن أتخذ موقفاً حازماً، وفي نفس الوقت أجد الرهبة من الموضوع، أخاف أن الملائكة تلعنني لأنه نام زعلان، فما الحكم في حالتي تلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم شرب الدخان؛ لما فيه من الخبث والضرر وإضاعة المال، وينظر جواب السؤال رقم (70305) .
ولا شك أن للدخان رائحة خبيثة، يبقى أثرها في فم المدخن وجسده وملابسه، كما تكون في بيته ومجلسه، ولولا ما فيه من البلاء لأدرك ذلك، ولعجب من نفسه كيف يرضى أن تكون رائحته بهذا الخبث والسوء.
ثانيا:
وكما أن للزوج منع زوجته " من أكل ما يتأذى من رائحته، كبصل وثوم، ومن أكل ما يُخاف منه حدوث المرض " [ينظر: مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (3/189) ] ، فلها ـ أيضا ـ أن تطالبه بالامتناع من مثل ذلك، كالدخان ونحوه؛ لما يلحقها من التأذي برائحته المنتنة، أو التضرر من دخانه، إذا شربه بحضرتها. قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة /228، قال ابن كثير رحمه الله: " ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف " انتهى.
تفسير ابن كثير (1/609) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة، كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، كما في تفسير ابن كثير (1/610) .
ثالثا:
إن امتنع الزوج من ترك ذلك، فلها أن تطلب فراق زوجها المدخن؛ لما في عشرته والبقاء معه من الضرر والأذى لها ولأولادها.
لكن إذا اختارت الصبر، ورجت أن يهديه الله على يديها، لزمها أن تعطيه حقوقه، ومنها: حقه في الاستمتاع، فلا يجوز أن تمتنع منه إذا أرادها؛ لما روى البخاري (3237) ومسلم (1736) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
وأما الامتناع من فراشه، بغرض حمله على ترك التدخين، فهذا نوع من ولاية التأديب والقوامة التي للزوج على زوجته، وليس العكس، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكر أن للزوجة أن تؤدب زوجها، أو أعطاها شيئا من هذه الولاية.
انظر: الموسوعة الفقهية (1/21-22) ، مصطلح: " تأديب ".
فاحرصي على أداء حقه، واستمري في نصحه، ولا تعيني الشيطان عليه، فإن الرجل إذا منعته الزوجة حقه قد يفكر في طرق الحرام.
على أنه من الممكن أن تظهري التكره لذلك، والتأفف من الرائحة الكريهة، ومطالبته بإزالتها وتنظيف فمه، وإظهار التغضب ـ بقدر ـ أحيانا، مع الاستمرار في نصحه، وإظهار الشفقة عليه، لكن مع أداء حقه، وألا يصل الأمر إلى حد الهجر، أو الامتناع من الفراش، ما دمت قد رضيت بالبقاء معه، وتحمل ما تجدينه من الأذى، وإياك أن تعيني الشيطان عليه، أو تضجريه بحيث ينفر منك ومن فراشك، فإن مثل ذلك غير مأمون العاقبة في حقه، وربما أحدث ضررا ومفسدة، فوق ما تطلبينه من امتناعه من التدخين.
نسأل الله أن يوفقك ويعينك ويهدي زوجك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/779)
زوجته لا ترى وجوب النقاب فهل يلزمها به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت عدة فتاوى في أن لبس النقاب واجب على الأرجح من أراء العلماء ولكن امرأتي مقتنعة بأنه مستحب أو سنة آخذة بآراء علماء آخرين ولذلك تقول ربما في المستقبل أرتديه إن شاء الله وهي والحمد لله امرأة ملتزمة، وسؤالي هو هل علي إجبارها على ارتدائه الآن أم أترك لها حرية الاختيار وأستمر بنصحها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب في أصح قولي العلماء، لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (11774) .
وقد ذهب كثير من الفقهاء الذين لا يرون أن الوجه عورة إلى أنه يجب ستره عند خوف الفتنة، وعند كثرة الفساد.
والزوج مأمور بحفظ أهله وحجزهم عن الحرام، ولهذا ينبغي أن يسعى في إقناع زوجته بستر الوجه، فإن أبت ألزمها بالستر ووجب عليها طاعته؛ لأنه يأمرها بما هو مباح عندها، وله تعلق بحقه في أن يصان عرضه ولا ترى حرمته.
وقد بينا في جواب السؤال رقم (97125) كيف يكون التصرف بين الزوجين في المسائل الخلافية، ومما جاء فيه: " وكل شيء مباح لها: فإن له أن يمنعها منه، أو يُلزمها بقوله إن كان يراه حراماً، ويتحتم ذلك عليها إن كان في فعلها إساءة لزوجها، وتعريضه للإهانة أو التنقص، ومثاله: تغطية وجهها، فهي مسألة خلافية، وليس يوجد من يقول بحرمة تغطيتها لوجهها، فإن كانت ترى أنه يسعها كشف وجهها: فإن له أن يمنعها من إظهاره للأجانب، وله أن يلزمها بقوله وترجيحه، وهو وجوب ستر وجهها - وهو القول الراجح -، وليس لها مخالفته، وهي مأجورة على فعلها ذلك إن احتسبت طاعة ربها بطاعة زوجها، وفعل ما هو أستر ".
ثم نقول: ما الذي يمنع المرأة من ستر وجهها وصيانة نفسها عن نظر الناظرين؟ ومعلوم أن الوجه هو مجمع المحاسن، ومحل الفتنة، وأول ما يتوجه إليه النظر؟ وهب أنها تراه مستحبا لا واجبا، فلم التقصير في فعل هذا المستحب الذي يقربها إلى ربها، ويرضي عنها زوجها، ويجعلها على صفة المؤمنات من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجات أصحابه.
ألا فلتحرص كل مؤمنة على هذا الستر، وأن تبادر إليه، وأن تحمد الله أن جعل زوجها يأمرها به ويرغبها فيه.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/780)
هل هناك حديث في لعن الزوجة إذا طلبت الطلاق من زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث أن الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها ملعونة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك، كسوء العشرة من الزوج؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: (إن المختلعات هن المنافقات) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) .
وأما لعن من تفعل ذلك، فلم نقف على حديث بهذا اللفظ.
ويجوز للمرأة أن تطلب الطلاق أو الخلع إن وجد ما يدعو لذلك؛ لما روى البخاري (4867) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) .
وقولها: " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه.. ونحو ذلك.
ينظر: "فتح الباري" (9/400) .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في بيان ما يسوّغ طلب الخلع: " إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل والعتاب على أدنى نقص فلها الخلع.
ثانياً: إذا كرهت خِلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع.
ثالثاً: إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع.
رابعاً: إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع.
خامساً: إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لعُنّة (عيب يمنع القدرة على الوطء) فيه، أو زهد فيها، أو صدود إلى غيرها، أو لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع، والله أعلم " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (1859) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/781)
هل تنادي الزوجة زوجها باسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تخبرني إذا كان يجوز للزوجة أن تنادي زوجها باسمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة في منادتها لزوجها باسمه؛ إذ لا دليل يمنع من ذلك، لكن أعراف الناس وعاداتهم معتبرة في هذا الباب. فإن تعارف الناس في بلدة على مخاطبة المرأة لزوجها بكنيته مثلا، ورأوا أن مناداته باسمه من سوء الأدب، أو كان الزوج لا يحب أن ينادى باسمه، فعلى المرأة مراعاة ذلك؛ لأنها مطالبة بإحسان العشرة لزوجها، وليس من حسن العشرة أن تخاطبه بما يكره، أو بما يعده الناس تنقصا.
وينبغي لكل من الزوجين أن يخاطب أحدهما الآخر بأحب الأسماء إليه، لما في ذلك من تحقيق المحبة والمودة.
وقال المناوي في "فيض القدير":
" آداب الصحبة، فمنها:
كتمان السرّ، وستر العيوب، والسكوت عن تبليغ ما يسوءه من مذمة الناس إياه، وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه، وحسن الإصغاء عند الحديث، وترك المراء فيه، وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه، وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه، ويشكره على صنيعه في حقه، ويذب عنه في غيبته، وينهض معه في حوائجه من غير إحواج إلى التماس، وينصحه باللطف والتعريض - إن احتيج إلى ذلك- ويعفو عن زلته وهفوته، ولا يعيبه، ويدعو له في الخلوة في حياته ومماته، ويظهر الفرح بما يسرّه، والحزن بما يضره، ويبدأه بالسلام عند إقباله، ويوسع له في المجلس، ويخرج له من مكانه، ويشيعه عند قيامه، ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من خطابه، وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به" اهـ. باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/782)
تزوجها لينسى خطيبته، وحكم المراسلات بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي زوجي: إنه يريد أن ينهي زواجنا لأنه يريد أن يعيش بمفرده، ثم بعد أيام أخبرني بأن خطيبته السابقة أرسلت له رسالة عن طريق البريد الإلكتروني، وسمح لي بقراءة رسالة خطيبته، وتفاجأت بوجود العديد من الرسائل كانا يتبادلانها ولكنه لم يخبرني وقرأت في الرسائل كلامهما لبعضهما وفيه أشياء فاحشة، وكان يتصل عليها كل يوم من العمل ويقول لها بأنه لن يفقدها مرة ثانية، وقال بأنه تزوجني لسببين: الأول: أنه لا يريد أن يتزوجني أحد غيره. والثاني: أنه تزوجني لينساها ولكنه لم يستطع وبقي يبحث عنها منذ زواجنا حتى وجدها. وأيضاً: قد بدأت صديقاته اللاتي كن يدرسن معه في الجامعة من مراسلته. أعلم بأن له الحق في الزواج من أربع نساء. ولكن هل يجوز له اتخاذ صديقات فتيات وخصوصاً أنهن جميعاً غير مسلمات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الله تبارك وتعالى الزواجَ من آياته، وجعل بين الزوجين مودة ورحمة، وجعل الزوجين كلاًّ منهما لباساً للآخر، والأصل في الزواج الدوام والاستمرار، فلا يجوز لأحد الزوجين مخالفة الحكمة من الزواج.
وكان الواجب على زوجك تقوى الله تعالى والنية الحسنة قبل الشروع في الزواج، وما دام قد تزوجك برضاك وتوافرت بقية شروط صحة النكاح فإن زواجكما صحيح لا غبار عليه.
كما أنه يحرم عليه إقامة علاقات مع أجنبيات عنه، ومراسلتهن، فكيف إذا انضم لهذه المراسلات الفاحش من القول ككلمات الغرام والهيام، انظري جواب السؤال رقم (23349) .
وأما بالنسبة لكِ: فلماذا لا تصارحين زوجك وتناصحينه فلعله يعود إلى رشده، أو تطلبين من أهل الخير والصلاح التدخل ونصيحته في ذلك.
وإذا لم يستطع نسيانها فيجوز له شرعاً الزواج بها إذا كانت كتابية مع شرط التوبة من العلاقات المحرمة والعودة إلى العفة.
ويعصم بذلك نفسه من الوقوع في المحرمات. فإن الله تعالى أباح للرجل المسلم أن يتزوج بالنساء العفيفات من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) .
وعليك بالصبر ولا تتعجلي الفراق، فلعل بقاءك معه وصبرك عليه ودوام مناصحته يكون سبباً في هدايته، ورجوعه إلى رشده.
فإن أبى إلا الفراق والبقاء على الحرام فمثل هذا لا يؤسف عليه ولا يُحرص على البقاء معه.
وفي كل الأحوال نسأل الله لنا ولكِ وله الخير والتوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/783)
طريقة التوبة من جماع الزوجة بعد انتهاء الحيض وقبل الاغتسال
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت جميع الأجوبة المتعلقة بالاستمناء والجماع بعد انقضاء الدورة وقبل الاغتسال، وأريد أن أستوضح عن ذلك، هل توجد أية (طريقة) للتوبة، كالدعاء مثلا، للتخلص من المعاصي التي ارتكبها الرجل أو ارتكبتها المرأة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وطء الحائض في الفرج حرام، لقول الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) البقرة/222، ومن فعل ذلك فعليه أن يستغفر الله عز وجل ويتوب إليه، وعليه أن يتصدّق بدينار أو نصفه كفارة لما حصل منه، كما روى أحمد وأصحاب السنن بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدّق بدينار أو بنصف دينار) وأيهما أخرجت أجزأك،..ولا يجوز أن يطأها بعد الطهر أي انقطاع الدم وقبل أن تغتسل لقوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) البقرة /222، فلم يأذن سبحانه في وطء الحائض حتى ينقطع دم حيضها وتتطهّر أي تغتسل، ومن وطئها قبل الغسل أثم وعليه الكفارة..أ. هـ. انظر كتاب فتاوى العلماء في عشرة النساء ص/51
فتوى اللجنة الدائمة
أما طريقة التخلص من المعاصي التي ارتكبها الرجل والمرأة فيراجع سؤال رقم (14289) ، (329)
فعليك بالتوبة إلى الله لمخالفتك النهي الوارد في الآية وعدم الامتثال لقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) وذلك بالندم على ما حصل والعزم على عدم العودة، واستكثر من الحسنات فإن الحسنات يُذهبن السيئات والله غفور رحيم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/784)
حكم وضع جهاز تسجيل لمراقبة مكالمات الأهل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخ لذكور وإناث لذا فإني أستخدم جهاز التسجيل التلفوني ردأً للمفاسد حيث تم درأ مفاسد بهذه الطريقة ما رأيكم في هذه الطريقة مع العلم بأنهم لا يعلمون بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عُرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
رأيي في هذا أنه من التجسس ولا يجوز لأحدٍ أن يتجسس على أحد؛ لأنه ليس لنا إلا الظاهر ولو ذهبنا نتجسس على الناس لتعبنا تعباً عظيماً في طريق التجسس وتعبت ضمائرنا فيما نسمع ونرى.
وإذا كان الله تعالى يقول (ولا تجسسوا) بعد قوله (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا) .
لكن إذا رأى قيم البيت أمارات تدل على هذه المكالمات الخبيثة فلا بأس أن يضع مسجلاً من حيث لا يعلمون لكن عليه إذا علم من أول الأمر أن لا يتابع بل يوبخهم مباشرة، لأنه ربما إذا تابع سمع أكثر مما كرهه أولاً، فمثلاً إذا علم بمكالمةٍ رديئة فعليه أن يوبخ صاحبها مباشرة ولا يُؤخرها إلى الغد فيجب قطع الطريق من البداية.
أما مجرد الاتهامات والوساوس فلا يجوز لكن إذا علم أن الأمر خطير وأن الأمر يقع فلا بأس أن يضع المسجل من أجل أن يتحقق من الأمر.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللقاء الشهري للشيخ محمد بن صالح العثيمين رقم 50.(6/785)
هل العلم بجنس المولود من الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته , وقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) لقمان/34. وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما تلد امرأته , فأنزل الله الآية وما جاء عن قتادة رحمه الله؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى: (ما في الأرحام) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً , وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة , فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له , وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته , لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي , ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً.
فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام , والعلم بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام , وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية , حيث إن الآية تدل على أمر غيبي وهو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة, والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه, وحياته, وعمله, ورزقه, وشقاوته أو سعادته, وكونه ذكراً أم أنثى, قبل أن يُخلًّق, أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته, أو أنوثته من علم الغيب , لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة, التي لو أزيلت لتبين أمره, ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى. وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة, وكذلك لم تأت السنة يذلك.
وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, عما تلد امرأته, فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً رحمه الله من التابعين.
وأما تفسير قتادة رحمه الله فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يُخلًّق , أما بعد أن يخلق فقد يعلمه غيره. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه, ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه. ا. هـ
وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله تعالى (ما في الأرحام) . فنقول: إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع, وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص أو الإجماع أو القياس أو الحس أو العقل وكلامهم في ذلك معروف.
وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله, فليس فيها ما يتعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثة.
والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم, وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم , ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة.
والناس في هذا المسألة طرفان ووسط:
فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن, فجلب ذلك الطعن إلى نفسه في قصوره, أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن.
وطرف أعرض عمَّا دل عليه القرآن الكريم وأخذ بالأمور المادية المحضة , فكان بذلك من الملحدين.
وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع, وعلموا أن كلا منهما حق, ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان, فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول, وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم, وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقفنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك , وجعلنا هداةً مهتدين , وقادة مصلحين , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت , وإليه أنيب.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 68-70.(6/786)
ما حكم إدخال رجل أو امرأة إلى غرفة نوم الزوجين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أعرف هل يستطيع زوجان حديثان أن يسمحا لشخص ما أن يستخدم غرفة نومهما لغرض النوم؟ فمثلاً: أم زوجي تنام على سريري في غيابي، لقد عرفت من بعض المصادر أن ذلك يولِّد اختلافا بين الزوجين. أرجو المساعدة كون هذا يدور كثيراً في ذهني كل يوم، وأنا أواجه قضايا صغيرة مع زوجي؛ لأن أمه تزعجني أكثر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مما لا شك فيه أن لغرفة نوم الزوجين خصوصية خاصَّة، فهو خدر المرأة، وهو حصنها الحصين داخل بيتها، تخلع فيه ثيابها، وتخلو بزوجها، وهو ما لا تستطيع فعله في غير هذا المكان.
ومما يؤكد هذه الخصوصية: ظهور ملابس الزوجة الخاصة، وأدوات تجملها وزينتها، وما يتعلق بأمور العشرة بين الزوجين، مما لا ينبغي أن يطلع عليه أحد، ويعد من أخص خصوصيات العلاقة الزوجية.
وهذا الذي ذكرناه هو الأصل، ولا ينبغي مخالفته ابتداء، إلا أنه قد توجد ظروف معينة تقتضي السماح لأحد المقربين من دخول ذلك الحصن، إما لضيق البيت، أو لحاجة استعمال الغرفة لنوم إحدى النساء، لكونها أستر من باقي أجزء البيت، أو لغير ذلك من الأسباب، لكن ذلك السماح ينبغي أن يكون بشروط:
الأول: الحاجة الشديدة إلى مثل ذلك.
الثاني: عدم إظهار الملابس الداخلية الخاصة للزوجين، وكذا كل ما يُستحيا من إظهاره.
الثالث: أن يكون المسموح له بدخولها من الثقات؛ خشية عبثه بخصوصيات الغرفة، أو نقل حالها لغيره.
الرابع: إذن الزوج لهذا الداخل، فإن منع: فيجب الانصياع لمنعه، وعدم مخالفة قوله. وهكذا أيضا: ينبغي ألا يدخل الزوج أحدا إلى غرفة نوم امرأته، إذا كانت تكره ذلك، إلا أن يضطر إلى ذلك، ويكون الداخل ثقة، كأمه وأخته، ونحو ذلك، وعليه أن يستسمح زوجته، ويطيب قلبها بذلك.
وعلى أية حال، فما ذكرناه هنا من الشروط هي أمور اجتهادية، المراد منها حفظ خصوصية البيت لأهله، ومراعاة خصوصية العلاقة الزوجية، وصونها عن العبث، أو هتك الستر، وكشف الأسرار.
فقد روى مسلم (1218) عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " بيَّن صلى الله عليه وسلم الحقَّ الذي لهنَّ، والذي عليهن، فقال: (لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه) يعني: لا يجعلنَّ أحداً يَدخل عليهنَّ على فراش النوم، أو غيره، وأنت تكره أن يجلس على فراش بيتك، وكأن هذا - والعلم عند الله - ضربُ مثل، والمعنى: أن لا يُكرمن أحداً تكرهونه، هذا من المضادة لكم أن يكرمنَ من تكرهونه، بإجلاسه على الفرش، أو تقديم الطعام له، أو ما أشبه ذلك " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (3 / 126) .
ثانياً:
أما الاعتقاد بأنه إن نام أحدٌ على فراش الزوجية فإن ذلك سيولِّد مشكلات بين الزوجين: فإن هذا اعتقاد جاهلي، وخرافة ينبغي للمسلم أن ينزِّه توحيده عنها، فليس لها في الشرع ما يؤيدها، ولا في الواقع ما يصدِّقها.
ثالثاً:
بخصوص مشكلاتك مع زوجك، ومع أمه: فالأمر يحتاج لحكمة، وحسن تصرف منك، فاكسبي رضا زوجك بالتودد لأمِّه، واحرصي على ود أمه وعطفها بحسن المعاملة، والهدية، والقول الحسن، فإن الكلمة الحسنة، والتصرف الجميل يأسران الحرَّ، واحتسبي تحمل إزعاج أم زوجك عند الله طلباً للأجر، وكسباً لرضا الزوج، وعسى الله أن يجعل بينك وبينها مودة، ورحمة، واستعيني بالله ربك على أداء حق الزوج، وعلى الصبر على تحمل المشاق، وانتظري اليسر بعد العسر، والفرجَ بعد الشدَّة.
وانظري أسباب عدم محبة أم الزوج لزوجته، وطرق علاج المشكلات الناشئة بينهما في جواب السؤال رقم: (84036) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/787)
حكم الكلام الجنسي في الهاتف وتخيله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلتُ سابقاً سؤالاً، وهو عن التكلم بأمور الجنس بالهاتف، وتخيل ذلك، ولكن أرسلتم مشكورين عدة روابط لا تحتوي على الإجابة المناسبة، وسؤالي هل يعتبر ذلك زنا؟ وما كفارته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام الجنسي في الهاتف إما أن يكون مع الزوجة أو مع غيرها من الأجنبيات.
فإن كان مع الزوجة فهو جائز، لكن بشرطين:
1- ألا يسمع أحد هذا الكلام.
2- أن يأمن كل من الزوجين من الوقوع في شيء محرم بعد هذا الكلام، - كالاستمناء – فقد لا يملك الزوج أو الزوجة نفسه بعد هذه المحادثة، فيصرف شهوته بالاستمناء، ولا شك أن المباح يكون محرماً إذا ترتب عليه الوقوع في شيء محرم، وقد نقلنا فتوى للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في ذلك، في جواب السؤال رقم (108872) .
وأما إذا كان الكلام مع غير الزوجة، فلا شك في تحريمه، وهل يرضى عاقل أن يُفعل هذا مع زوجته أو أخته أو ابنته؟ فكذلك الناس لا يرضونه لنسائهم.
ويُخشى على من يفعل ذلك أن يعاقبه الله تعالى ويبتليه في أقرب الناس إليه.
وفي هذا يقول الإمام الشافعي:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
من يزن في بيت بألفي درهم في بيته يُزنى بغير الدرهم
وأما تسمية ذلك زنى، فقد سماه كذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: (الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ) رواه مسلم (2657) .
ولكن ليس هو الزنى الحقيقي الذي هو الجماع ويُوجب إقامة الحد.
وأما كفارة ذلك: فالتوبة، وهي الرجوع إلى الله تعالى وإلى طاعته، والإقلاع عن معصيته، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى.
فمن تاب تاب الله عليه.
ومن استمر على المعصية وأصر عليها، فيُخشى عليه أن يظلم قلبه ويسود، وينتكس، ولا يزال العبد ينتهك حرمات الله تعالى حتى يغضب الله عليه، فيخسر دنياه وأخراه، وإن ربك لبالرمصاد.
وأما تخيل ذلك، فيقال فيه ما سبق، إن كان يتخيل زوجته، فهو مباح من حيث الأصل، إلا إذا أدى إلى وقوعه في شيء محرم فيكون محرماً.
وإن كان هذا التخيل مع امرأة أجنبية عنه فهو محرم وقد سبق بيان في جواب السؤال رقم (84066) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/788)
رضاع الزوج من زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجل يمسك بثدي امرأته بفيه وذلك من باب المداعبة، فهل عليه في ذلك حرج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا لم يرضع منه لبناً فلا شيء فيه، وإن رضع فلا ينبغي له، ولا يحرمها عليه قَلَّ أو أكثر، لقوله عليه السلام: (لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ) أخرجه الترمذي" انتهى.
سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (11/188) .
وانظر جواب السؤال رقم (47721) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/789)
كتب لها وصل أمانة تستحقه في حال اعتدائه عليها أو إساءته لها
[السُّؤَالُ]
ـ[تم كتابة وصل أمانة على الزوج لصالح الزوجة بمبلغ عشرة آلاف جنيه وتم كتابة وصل أمانة على الزوجة لصالح الزوج بمبلغ عشرة آلاف جنيه. أي أن كلا منهما كتب وصل أمانة، وتم إيداع الوصلين عند طرف وسيط، بشرط من يقوم منهم بالتعدي أو الغلط في الآخر وتثبت إدانته يعاقب بأن وصل الأمانة يكون من حق المجني عليه أو المعتدى عليه سواء بالسب أو القذف، وثبت إدانة الزوجة أيضا، فكيف يتصرف الوسيط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التزام الزوج بدفع مبلغ من المال لزوجته، عند إساءته إليها، أو الاعتداء عليها، أو التزام الزوجة بذلك، أمر لا يلزم، بل ليس مشروعا من الأصل؛ فإن تقدير العقوبة ليس إلى البشر، والتعزير بالمال – لو جاز – فهو إلى الحاكم، ثم إن كتابة وصل أمانة بذلك، يعني الكذب، فإن أحدا منهما لم يستلم أمانة من الآخر بهذا الخصوص.
وعليه؛ فيلزم التخلص من هذين الوصلين، وعدم الاعتماد على شيء من ذلك.
وينبغي للزوجين أن يحسن كل منهما إلى الآخر، التزاما بما أمر الله تعالى من العشرة بالمعروف، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، وقال سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/790)
زوج لا يصلي، ويسكن زوجته في غرفة واحدة مع ضرتها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مغربي , 25 سنة , ذو عمل، أبي متزوج من ثلاث نساء , أمي هي الزوجة الأولى، المشكلة هو أننا نسكن في بيت واحد، وهو صغير، به ثلاث غرف، لا غير، المشكلة الأكبر أن أمي تسكن – مرغمة - في غرفة واحدة مع الزوجة الثالثة، وهي تكبر أختي الكبيرة بـ 3 سنوات، ولكم أن تتصوروا معاناة والدتي مع ضرتها، مستوانا المعيشي في تدهور مستمر، أبي لا يصلي، ويذكر أهل السنة بالشر، يصل في بعض الأحيان إلى سبهم، مما جعلني أتوقف عن محاولاتي لإقناعه بالصلاة، لكن بدون جدوى، ففي كل مرة أذكره بها يتعصب ويقول كلاماً يعمِّق جرحي، المهم أننا - والله أعلم بحالنا - صبرنا كثيراً، ووالدتي لم تعد تحتمل، فهي مريضة، نحن 15 فرداً نسكن في هذا البيت، إخوتي الأشقاء يصلون - والحمد لله - وأنا ماضٍ في طريق الالتزام. سؤالي هو: هل يجوز لي أن أخرج مع والدتي من البيت لنسكن في بيت آخر بعيداً عن أبي، وزوجاته، وإخواني غير الأشقاء؟ . جزاكم الله عنَّا كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عدم صلاة والدك، واستمراره على ذلك رغم النصح والتذكير: يوجب فسخ عقد النكاح، فلا تحل له زوجاته المصليات، ولا يحل لهن، ويجب عليكم أن تسعوا في فسخ النكاح بالطرق المتيسرة لكم، فإن كانوا في بلدكم يعتبرون ترك الصلاة موجباً لفسخ النكاح فقدموا هذا السبب لفسخه، وإن لم يكونوا يعتبرونه موجباً للفسخ: فاسعوا في طلب الطلاق بسبب الضرر الواقع على أمكم جراء جمع والدكم لها ولضرتها في بيت واحد، وهو ما أحدث ضرراً على حياتها ومعيشتها، والمهم أن تعلموا أنه لا يحل لكم أن تمكنوه من قرب والدتكم، ولا من جماعها إلا أن يعود لدينه بإقامة الصلاة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
الزوج الذي لا يصلي كافر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه.
وسواء كان جاحداً لوجوبها، أم لم يجحد وجوبها، لكنه إذا كان جاحداً لوجوبها: فهو كافر بإجماع المسلمين، أما إذا تركها تهاوناً وتكاسلاً عنها، ولم يجحد وجوبها: فهو كافر في أصح قولي العلماء؛ للحديثين المذكورين؛ وما جاء في معناهما.
ولا يجوز لكِ أيتها السائلة الرجوع إلى زوجك المذكور، حتى يتوب إلى الله سبحانه، ويحافظ على الصلاة، هداه الله ومنَّ عليه بالتوبة النصوح.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 269، 270) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الذي لا يصلي سواء يستعمل المخدرات أو لا: كافر، مثل اليهود والنصارى، أو أشد؛ لأن اليهود والنصارى يمكن إقرارهم على دينهم بالجزية – مثلاً -، لكن الذي لا يصلي، وكان مسلماً: فهذا مرتد، لا يجوز إقراره، ولا يجوز أن يبقى على الحياة، بل يؤمر بالصلاة، فإن صلى: فذاك، وإلا وجب قتله مرتداً، هذه أحكام المرتد، كما ذكرها العلماء رحمهم الله في كتبهم، ويجب على زوجته أن تفارقه الآن، ولا يحل له أن يجامعها، ولا يحل لها أن تمكِّنه من الجماع، بل ولا من التقبيل، بل ولا من الخلوة بها، يجب أن تفارقه الآن ما لم يرجع إلى الإسلام، ولتعلم أنها إذا مكنته من نفسها: فهي كما لو مكنت رجلاً أجنبيّاً، نسأل الله العافية، فالواجب عليها الفرار منه كما تفر من الأسد ...
ويمهل حتى تنقضي العدة، فإن رجع قبل انقضاء العدة إلى الإسلام: فهي زوجته، وإن لم يرجع: فإن النكاح يتبين أنه انفسخ منذ ارتداد هذا الرجل، ويرى بعض العلماء أنها إن بقيت بلا زوج وعاد إلى الإسلام ولو بعد انقضاء العدة ورغبت أن يرجع إليها: فلا بأس، هذا بالنسبة لزوجته.
أما بالنسبة لحاله: فإنه لو مات على هذه الحالة: حرُم أن يغسَّل، أو يكفَّن، أو يصلَّى عليه، أو يدفن مع المسلمين، أو يدعى له بالرحمة والمغفرة، أو يتصدق عنه، أو يحج عنه؛ لأنه كافر، وقد قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ 113.
ونعني بهذا: مَن لا يصلي، لا في المسجد، ولا في بيته، أما من صلَّى في بيته: فهو آثم عاصٍ، وإذا استمر على ذلك: فهو من الفاسقين، ولكنه لا يكفر، وإنما نريد الذي لا يصلي نهائيّاً، فهذا حكمه كما ذكرت.
ونصيحتي لزوجته: أن تتقي الله عز وجل، وأن تفر منه إلى أهلها، حتى يهديه الله تعالى إلى الإسلام، والله عز وجل لم يجبره على ترك الصلاة، الأمر له بالخيار، كما أنه بالخيار أن يذهب إلى السوق، أو إلى المسجد، أو إلى أي مكان، فإنه بالخيار أيضاً أن يصلي، أو لا يصلي.
" لقاءات الباب المفتوح " (77 / السؤال رقم 2) .
ثانياً:
حتى لو صلَّى فإنه لا يجوز له أن يجمع بين زوجتين في غرفة واحدة، ومن حق كل زوجة أن يكون لها مسكن مستقل عن باقي الزوجات، وإن أصرَّ على ذلك: فلكم أن ترفعوا الضرر ع والدتكم بإخراجها من ذلك المسكن؛ للضغط عليه بأن يعطي كل زوجة حقها الذي أوجبه الله تعالى عليه.
وانظر جوابي السؤالين: (7653) و (96455) ففيهما بيان حق الزوجة في السكن المستقل، وتفصيلات مهمة في ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/791)
يرغمها على العمل ويريد الزواج من غيرها فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن زوج خالتي] أو زوج عمتي [طلب منها أن تأذن له بالزواج من زوجة ثانية وأخبرها قريباً بأمر الزفاف، المشكلة أن خالتي] أو عمتي [لم تستطع العمل السنوات القليلة الماضية لمرضها لكن زوجها أجبرها على العمل في عمل تنظيفي، وهو يعمل أيضًا لكنه يأخذ كل مالها التي تعمل به ويعطيها القليل، وأخبرها أنه لن يدفع مصاريف الإيجار ولا الطعام لذا عليها أن تعمل أكثر، والعمل يتسبب في مرضها، وخالتي] أو عمتي [هي التي تدفع مصاريف كل شيء، وهو يدّعي أنه ليس لديه أي مال، والواقع أنه ينفق جميع ماله على بيت زوجته الثانية وعلى زفافه، أخبرْنا خالتَنا] أو عمتنا [أن تأتي وتقيم معنا هربًا منه، وهذه ليست أول مرة يتزوج فيها زوجة ثانية ويهمل خالتي] أو عمتي [لكن خالتي] أو عمتي [تقول إنها ستعطيه فرصة أخرى، هل حرام أن نشجع خالتنا] أو عمتنا [أن تبقى مقيمة معنا لمدة ونحثها على الطلاق منه؟ نحن خائفون على صحتها، فهي مريضة أليس لها حق في الطلاق؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوج أن يُسكن زوجته ويكسوها وينفق عليها، وقد جعل الله ذلك – كله – حقّاً للزوجة.
قال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق / 6] .
قال ابن حزم - رحمه الله -:
ويلزمه – أي: الزوج - إسكانها على قدر طاقته؛ لقول الله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [الطلاق / 6] .
" المحلى " (9 / 253) .
وقال ابن قدامة - رحمه الله -:
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى {أسكنوهن…} فإذا وجبت السكنى للمطلقة، فللتي في صلب النكاح أولى، قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع." المغني " (9 / 237) .
وعن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل: ما حق المرأة على زوجها؟ قال: " تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ".
رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1929) .
قال الخطابي – رحمه الله -:
في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف، وعلى قدر وسع الزوج وَجِدَتِه، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم للزوج، حضر أو غاب، وإن لم يجده: كان ديناً عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر الحقوق الزوجية. " معالم السنن على هامش المنذري " (3 / 67، 68) .
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". رواه مسلم (1218) .
قال النووي - رحمه الله -:
فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع. " شرح مسلم " (8 / 184) .
ثانياً:
يجب على المعدِّد أن يتقي الله تعالى ويعدل في النفقة والكسوة والمبيت، ولا يحل له أن يجور في قسمته بين نسائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما العدل في النفقة والكسوة: فهو السنَّة أيضاً، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة، كما كان يعدل في القسمة، مع تنازع الناس في القَسم، هل كان واجباً عليه أو مستحباً له؟ وتنازعوا في العدل في النفقة هل هو واجب؟ أو مستحب؟ ووجوبه أقوى وأشبه بالكتاب والسنة.
" مجموع الفتاوى " (32 / 269) .
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المعدَِّد من أن يظلم إحدى نسائه.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ".
رواه الترمذي (1141) وأبو داود (2133) والنسائي (3942) وابن ماجه (1969) ، وصححه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " (3 / 310) ، والألباني في " إرواء الغليل " (7 / 80) .
قال الشافعي - رحمه الله -:
ودلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه عوام علماء المسلمين: أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه. " الأم " (5 / 158) .
وقال: ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن. " الأم " (5 / 280) .
وقال البغوي - رحمه الله -:
إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر، سواء كن مسلمات أو كتابيات ... فإن ترك التسوية في فعل القَسم: عصى الله سبحانه وتعالى، وعليه القضاء للمظلومة. " شرح السنة " (9 / 150، 151) .
ثالثاً:
لا يجوز للزوج أن يأخذ راتب زوجته إلا أن عن طيب نفسٍ منها، وقد أباحت لها الشريعة أن تعمل عملاً مباحاً – دون إلزام، لأن النفقة واجبة على زوجها – وأباحت لها التملك لهذا المال، فإن أعطت منه زوجَها جاز، وإن أخذه عن غير طيب نفسٍ منها كان سحتاً عليه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا حرج عليك في أخذِ راتب زوجتك برضاها إذا كانت رشيدة، وهكذا كل شيء تدفعه إليك من باب المساعدة لا حرج عليك في قبضه، إذا طابت نفسها بذلك وكانت رشيدة؛ لقول الله عز وجل في أول سورة النساء {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء / 4] ، ولو كان ذلك بدون سند، لكن إذا أعطتْك سنداً بذلك فهو أحوط إذا كنت تخشى شيئاً من أهلها وقراباتها أو تخشى رجوعها. " فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 672، 673) .
رابعاً:
إذا علمت الزوجة أن الزوج يجب عليه أن يؤمن لها المسكن والنفقة والكسوة، وعلمت أن العدل واجب عليه بين نسائه، وعلمت أنه لا يحل له أن يجبرها على العمل ولا على أن تعطيه راتبها، ثم رأت من زوجها مخالفة لكل ما ذُكر أو لبعض منه: فهي بالخيار: إما أن تصبر على هذا الظلم رجاء أن يتغير زوجها وأن يُصلَح حاله، وإما أن تطالب بحقها عن طريق المحاكم الشرعية، فإن لم يُصلَح زوجُها، أو لم تحصِّل حقَّها من المحاكم الشرعية، ولم تستطع الصبر على ظلم زوجها: فإن لها حق طلب الطلاق، واستيفاء حقِّها كاملاً منه.
ومع أن المرأة كلما استطاعت الصبر على ما تجده من ظلم زوجها وأذاه، وحافظت على بيتها، فهو أفضل لها وأولى من الطلاق منه؛ فإن لكل حالة من الخصوصية ما يوجب النظر في ملابساتها مجتمعة، قبل إبداء الرأي فيها، ويمكنها ـ هنا ـ أن تستشير عقلاء أهلها وأقربائها في موضوعها، فإما أن يصلَح الحال وتمضي حياتها على خير، وإما أن تختار لنفسها أحد الأمرين: الصبر أو الطلاق، والتحذير من طلب الطلاق إنما هو في حال أن يكون من غير سبب شرعي.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"
رواه الترمذي (1187) وحسَّنه، وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/792)
ضربها زوجها وأخذ مهرها وامتنع عن رؤية ولدها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أحب أن أقول عن تجربتي وهي تتنافى مع أي حق من حقوق المرأة، والإنسان: فأنا أبلغ من العمر 22 عاماً , تقدم لخطبتي رجل كان من وجهة نظري ناجحاً، وعنده دِين، وخلق. وبعد أربعة شهور من الزواج كان يضربني - وأنا حامل - ضرباً مميتاً، وطلب أبي الطلاق منه، بعدما رأينا منه ما لم ير أحد على الإطلاق من كل أنواع السوء، وأخذ كل شيء، وطلب الإبراء، وإلى الآن لم يطلب أن يرى ابنه، وهو يبلغ من العمر 4 أشهر، فأين هو الإسلام؟ أين هو حقي؟ فهو أخذ كل شيء ولم يترك أي شيء حتى ابنه، لا يسأل عنه، ولا يبعث له بمال، والحمد لله أن أبى ميسور الحال، ويصرف علينا، الحمد لله، فأين حق المرأة في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الزوجين أن يعاشر بعضهم بعضاً بالمعروف، وكما أن للزوج حقوقاً فإن للزوجة حقوقاً كذلك، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/من الآية228.
وعلى الزوج أن يراعي طبيعة خلق المرأة، وأنه لن يجد زوجة يستمتع بها إلا ومعها من الخطأ ما معها، ومتى أراد أن يؤدبها على كل شيء، وأن يقومها من كل نقص أو خطأ، فلن يجد ـ في نهاية المطاف ـ إلا طلاقها!!
ولذا نبهه النبي صلى الله عليه وسلم أنه إن كره منها خُلُقاً فإنه سيرضى منها آخر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) .
رواه البخاري (3153) ومسلم (1468) وفي لفظ عنده:
(إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ - أَوْ قَالَ: غَيْرَهُ -) . رواه مسلم (1469) .
ومعنى " لا يفرَك " أي: لا يبغض.
ثانياً:
إننا لفي غاية العجب منك ومن زوجك، أما من زوجك: فلتلك المعاملة السيئة التي ذكرتيها لنا في سؤالك: من قسوة القلب، وسوء المعاملة، والضرب المبرح، فهذه ليست من أخلاق المسلمين، ولا من أخلاق ذوي المروءة من الرجال ولو كانوا كفاراً، فكيف وأنتِ تزعمين أنه ملتزم، ومستقيم على الطاعة؟! وإننا نسأله: مَنْ قُدوتك في هذه المعاملة؟ من هو أسوتك في تلك الأخلاق؟ من يملك مثل قلبك من الأنبياء والصحابة والتابعين وعلماء الإسلام الأجلاء وأهل الديانة والصيانة؟!!
وهل تعلم أنك لا تسيء لنفسك بتلك المعاملة الفظة فقط، بل تسيء لدينك واستقامتك وإخوانك الملتزمين بطاعة الله؟! هل تعلم أنك من المنفرين عن دين الله؟ .
يجب عليك أن تتقي الله ربك، وأن تعلم ما أوجب الله عليك فتفعله، وما نهاك عنه فتكف عنه، وأن تقف على أخلاق الإسلام فتتخلق بها، ومما أوجبه الله عليك: عشرة زوجتك بالمعروف، ونفقة ولدك التي تهربت منها، ومما نهاك عنه: ضربُ زوجتك المبرح، وأخذُك لمهرها من غير حق، ومن أخلاق الإسلام: الرأفة والرحمة بالأطفال عموما فكيف بأولادك؟! فأين أنت عن هذا كله؟ .
وأما عجبنا منكِ أيتها الأخت الكريمة: فهو سؤالك " أين الإسلام؟ "، " أين حق المرأة؟ "، فهل تظنين أن زوجك هو الإسلام؟ هل زوجك نبي من الأنبياء – حاشاهم من ذلك -؟ إنه فرد من المسلمين، يصيب ويخطئ، يطيع ويعصي، يضل ويهتدي، ليس هو معصوماً من الخطأ، ولا مبرأً من الإثم، ولا منزَّهاً عن الظلم والعدوان، فخطؤه على نفسه، وظلمه وعدوانه لم يأمره به الشرع، بل نهاه عنه وتوعده عليه بالعقوبة الشديدة. فليس هو الإسلام، ولا هو القرآن، ولا هو ممثل للإسلام، ولا ناطق باسمه، على حد تعبير الناس!!
وحق المرأة مكفول في شرع الله تعالى، ولن تجد النساء خيراً لهن من الإسلام يحفظ حقوقهن، ويرعى مشاعرهنَّ، ويكرمهن بناتٍ وأخوات وأمهات وجدات وزوجات، وهذه شرائع الأرض حولك، وهذه الأديان المحرفة أمامك انظري فيها لتعلمي الفرق العظيم بين المرأة في الإسلام وفي غيره.
وأما مخالفة هدي الإسلام من قبَل بعض أهله فهذا لا شأن له بالإسلام، إنما هي أخلاقهم وسلوكهم وانحرافاتهم، والإسلام منها براء
والظن بك أن سؤالك: أين الإسلام في تصرفات هذا المسكين؟!!
وأنت محقة في هذا السؤال، وإنه لمسكين والله، يستحق أن يرحم؛ ذلك الذي يُحَمِّل نفسه الضعيفة، فوق أوزارها وتفريطها في جنب ربها، مظالم العباد، وحقوق الخلق، ليوافي بها ربه يوم القيامة!!
وإذا كان ثمة ادعاء عندك على زوجك فيجب أن يثب ذلك أمام القضاء الشرعي، لتحصلي بعدها على حقوقك كاملة مستوفاة.
ولا يُقبل كلام أحد الطرفين دون سماع الآخر، وإذا استمع القاضي للشرعي لطرفي النزاع حكم بينهما بشرع الله تعالى بما لا يمكن أن يوجد له مثيل في الأرض في تحقيق العدل، وإعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم.
فالذي ننصحك به هو:
1. الاستمرار في التفاهم مع زوجك من قبلك وقبَل أهلك لردعه عن باطله، والقيام بما أوجبه الله تعالى من حقوق.
2. فإن لم ينفع هذا معه: فابحثوا عن شيخ له، أو رجل يحترمه ويقدِّره، واجعلوه واسطة بينكم وبينه للتحكيم بينكما.
3. فإن لم ينفع هذا: فارفعي شكوى ضده في المحاكم الشرعية؛ لإثبات وقوع الضرر عليك منه؛ ولاستيفاء كامل حقوقك التي كفلها لك الشرع المطهَّر.
فإن كان لك حق عليه، كما هو ظاهر من رسالتك، وكان للولد الصغير حق على أبيه، كما هو مقرر في الشرع، بل وفي كل عقل وفطرة، ثم عجزت ـ رغم كل ذلك ـ عن أخذ حقك في الدنيا؛ فاعلمي ـ يا أمة الله ـ أن للعباد يوما يقفون فيه بين يدي اللملك الديان، ليعطي كل ذي حق حقه.
روى الإمام أحمد في مسنده (15612) من حديث عبد الله بن أُنيس، رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَ الْعِبَادُ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ!!) .
صححه الألباني في ظلال الجنة (514)
وفي صحيح البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فحُمِلَ عَلَيْهِ) .
ونسأل الله تعالى أن يهديه ويصلحه، ونسأله تعالى أن يوفقكِ لما فيه رضاه، وأن يجمع بينكما على خير، إن كان في اجتماعكما خير لكما ولذريتكما، وأن يأجرك في مصابك هذا، ويخلف لك خيرا منه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/793)
يريد أهل الزوج من ابنهم تطليق زوجته وهو لا يرغب في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[عشتُ أربع سنوات، هي مدة زواجي كله إلى الآن، وأنجبت ابناً عمره الآن عام ونصف، ذقتُ كل أشكال العنف الأسري المعروفة: مِن ضرب، وإهانة، وطرد من البيت، وعدم إنفاق، كل هذا يهون في مقابل أن ابني يكون له أب مثل كل الأطفال، لكن السؤال هو أني قبل زواجي من سبع سنين كنت متزوجة من زميل لي في الجامعة، ولكن في بداية الأمر كان زواجاً عرفيّاً، وبعد أن علم الأهل بالأمر: تم تصحيحه إلى زواج شرعي، ولكن لم يستمر، وتم طلاقنا، وتزوجت زوجي هذا الآن، مع العلم أنه يعلم هذا، وقبَل بزواجنا، المشكلة هي أنه أصبح يذلني بهذا الأمر ليل نهار، وزادت المشاكل بيننا، ودائما تتدخل أمه بيننا، وتعكر صفو حياتنا، وتفسد عليَّ كل ما أنجح في إصلاحه معه، ومؤخراً لأني أسكن في بيت عائلة تدخلت بيننا في مشكلة، وسمعت ما سمعت، وعلمت بموضوع زواجي الأول، وهي الآن هي وزوجها يطالبونني بأخذ عفشي، ويطلقوننا، مع العلم أن هذا الطلاق ضد رغبة زوجي؛ لأنه لا يريد أن تتم تربية ابنه بعيداً عنه؛ لأنه هو أيضا كان مطلقاً مثلي عند زواجنا، وله ولد تربي عشر سنوات بعيداً عنه، ولا يريد أن يكرر ذلك معي، ويدَّعي أنه يحبني، وأنا لا أدري ماذا أفعل مع أهله، وطلبت منه أن ننتقل من هذا المسكن، قالت له أمه: إني خائنة! وممكن أسرق العفش بعد ذلك، وأدَّعي عليه أنه سرقه مني، وقالت له: إن وجودنا في البيت أمان؛ لأنها موجودة باستمرار، ولن تستطيع أن تسرقه ونحن موجودون، وتقول له أن يطلقني، وأن يتزوج بغيري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزواج العرفي له صورة يكون فيها باطلاً، وله صورة أخرى يكون فيها ناقصاً، فيكون باطلاً حيث يعقد الرجل على المرأة من غير موافقة وليها، ويكون ناقصاً إذا خلا من الإشهار والإعلان، على أن الصورة المتبادرة منه، والتي أشرت أنها تكون بعيدا عن علم الأهل، والتي توجد في بعض البلاد الإسلامية، مع الأسف، هي صورة من صور النكاح الباطل، بل ليست نكاحا أصلا!!
وفي جوابي السؤالين: (45513) و (45663) تفصيل وافٍ لمسائله وأحكامه.
ثانياً:
من حقوق الزوجة على زوجها: عشرتها بالمعروف، واحترامها، وعدم إهانتها.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه مسلم (2328) .
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) .
رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال المناوي – رحمه الله -:
" يحرم ضرب الزوجة، إلا النشوز ".
" فيض القدير " (1 / 66) .
وقال الشوكاني – رحمه الله -:
وظاهر حديث الباب: أنه لا يجوز الهجر في المضجع، والضرب، إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك، وقد ورد النهي عن ضرب النساء مطلقاً.
" نيل الأوطار " (6 / 263) .
وقال الإمام الصنعاني – رحمه الله -:
وقوله: (لا تقبِّح) أي: لا تُسمعها ما تكره، وتقول: قبَّحكِ الله، ونحوه من الكلام الجافي.
" سبل السلام " (1 / 150) .
فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى ربَّه، وأن يعلم أنه لا يحل له إذلال زوجته على أمرٍ قد قُضي وانتهى، وليعلم أنه يسيء لنفسه بذلك؛ حيث علم بزواجها من قبل، ثم رضي بها زوجة له، وأمّاً لأولاده، فما يلحقها من عيب يلحقه، وما يسيء به لها فإنما يسيء لنفسه، فيجب عليه أن يحسن عشرتها، وأن يؤدي حقوقها، وليتنبه لأمر مهم، وهو أن عاقبة الظلم وخيمة على الظالم في الدنيا والآخرة، وأن الظلم من الذنوب التي يعجل الله تعالى عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق) رواه الحاكم (4 / 196) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1120) .
وإذا كان هذا الزوج لا يريد نسيان ماضي زوجته، ويرغب بالاستمرار في إذلالها وإهانتها به: فلا يبقها في ذمته، وليطلقها، وليعطها حقوقها المتفق معه عليها، وأما أن يُمسكها ولا يعطيها حقوقها، أو يمسكها مع إهانتها وتحقيرها: فلا يحل له ذلك.
وينظر – للاستزادة -: جوابي السؤالين: (41199) و (10680) .
ثالثاً:
لا يجوز للزوج أن يلبي رغبة والديه بطلاق زوجته، إلا أن تكون أسبابهم التي من أجلها رغبوا بتطليقها أسباباً شرعية، كوقوعها في معصية، أو تركها لواجب.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
رجل تزوج امرأة بإذن والديه، فلما دخل بها ومكث معها ثلاث سنوات، وأنجبت من أولاداً: طلبت والدة الرجل منه أن يطلق تلك المرأة بدون ذنب صدر منها، لا إلى زوجها، ولا إلى أم زوجها، رغم أن المرأة محبوبة إلى زوجها، والعكس، فماذا يفعل هذا الرجل: أن يطلق تلك المرأة خشية عقوق والدته، أم لا؟ .
فأجابوا:
يجب على الرجل المذكور أن يبرَّ أمَّه، وأن يحسن إليها قولاً، وفعلاً، قدر استطاعته، وإذا كانت زوجته المذكورة مرضيةً في دِينها وخلُقها: فلا يجب عليه طلاقها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 31) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
تعلم ما يحدث في المجتمع من قضية العصبية " هذا قبيلي , وهذا غير قبيلي " رجل تزوج من غير قبيلته، فغضب عليه أبوه , وقال: طلِّقها وإلا تنقطع الصلة بيني وبينك , فما رأيك؟
فأجاب:
إذا كانت هذه المرأة قد أعجبت الرجل في دينها وخلقها: فليستمسك بها , حتى وإن أمره أبوه بطلاقها فلا يسمع له، ولا يطيعه , ولا يعتبر معصيته في ذلك عقوقاً , بل إن الوالد هو الذي قطع الرحم , إذا قال: إن أبقيتها فإني أقطع صلتي بك: فهو القاطع للرحم، وقد قال الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد/ 22، 23.
ولا شك أن محاولة التفريق بين المرء وزوجه من الإفساد في الأرض , ولهذا جعل الله ذلك من عمل السحرة , قال: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/ 102.
والسحرة مفسدون , كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) يونس/ 81.
فجعل السحرة من المفسدين، ومن أعظم سحرهم: التفريق بين الرجل وأهله , فهذا الأب الذي يحاول أن يفرق بين ابنه وزوجته , يكون فعله من جنس فعل السحرة , وهو من الفساد في الأرض , فيكون هذا الأب الذي يأمر ابنه بطلاق الزوجة وإلا قاطعه: يكون ممن قطع الرحم، وأفسد في الأرض , فيدخل في الآية: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) .
وأنا الآن أوجه نصيحتي إلى الابن وأقول: الزم زوجتك ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها , ونصيحة أخرى إلى الأب وأقول: اتق الله في نفسك , ولا تفرق بين ابنك وأهله , فتقع في الإفساد في الأرض، وكذلك في قطع الرحم.
والابن نقول له: امضِ فيما أنت عليه , وسواء رضي أبوك أم لم يرضَ , وسواء قاطعك أم وصلك, ولكن إذا قُدِّر أنه نفذ وقاطع: فأنت اذهب إليه، وحاول أن تصله، فإذا أبى: فالإثم عليه وحده.
قد يقول بعض الناس: إن عمر رضي الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم , وأنا آمر ولدي فليطلق زوجته , نقول: إن هذه المسألة سئل عنها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: فجاءه رجل يقول: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟ فقال له: ولو أمرك لا تطلقها , وأظن الإمام أحمد سأله: هل هو راغب فيها أم لا؟ فلما أخبره بأنه راغب قال: لا تطلقها , قال: أليس عمر قد أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها؟ قال: وهل أبوك عمر؟ عمر ما أمر ابنه أن يطلق امرأته بمجرد هوىً أو عصبية , لكن لأمر رأى أنه من المصلحة.
وخلاصة القول: أن للولد أن يبقي زوجته ما دامت قد أعجبته ديناً وخلقاً، سواء رضيت أمه أو أبوه أو لم يرضيا.
" لقاءات الباب المفتوح " (72، السؤال 7) .
وانظري جوابي السؤالين: (44923) و (47040) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/794)
هل يأثم بطلاق زوجته التي كان لها علاقات سابقة قبل التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج منذ 3 سنوات بزوجة أقل مني سنّاً بسنة، ورزقت منها - والحمد لله - منذ سنتين ببنت، المشكلة أنه ليس هناك تفاهم بيننا، فنحن دائما في تصادم، حيث إنها عصبية وغالباً لا يعجبها أي شيء، وكثيرة الشكوى، ولا تتفاهم مع عائلتي، زد على ذلك أني أشكُ في ماضيها، فقد كانت قبل زواجنا تدخن، ومِن رواد الملاهي الليلية حين كانت طالبة جامعية، وقد اعترفت لي بذلك قبل الزواج وأكدت بأنها لم تتجاوز تلك الأمور، ومنذ سنة اكتشفت بالصدفة في أوراقها الخاصة شهادة طبية (يرجع تاريخها إلى سنة قبل الزواج) تثبت بأنها بكر فواجهتها وطلبت منها تبرير ذهابها للطبيب للحصول على هذه الشهادة إن كانت لا تشكُ في عذريتها فقالت: إنه قيل لها من قبَل بعض صديقاتها إنه إجراء روتيني تقوم به الفتاة لتفادي المشاكل التي قد تحصل ليلة الدخلة من قبل بعض الأزواج، ولكني لم أقتنع وبقيت أشكٌ بالأمر رغم تأكدي من عذريتها، وبسبب كثرة المشاكل التي بيننا وصعوبة التفاهم إلى جانب الشكٌ أصبحت أفكر جديّاً في الطلاق تجنباً للفتنة ورحمة لي ولها. وسؤالي هو: هل الطلاق في كل الأحوال حرام أم حلال؟ وفي حالتي هل أعتبر آثما إذا طلقت؟ . أرجو الإجابة الشافية، مع الشكر الجزيل لسعة صدوركم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل في الطلاق أنه يخالف مقصود الشرع من الاجتماع بين الزوج وزوجته في بيتٍ واحدٍ بألفة ومودة، وقد امتن الله تعالى على الناس بهذه الألفة والمودة، وجعل ذلك من آياته عز وجل، بالإضافة إلى ما ينتج عن هذا الزواج من ذرية طيبة.
وقد دلَّت نصوص شرعية على أن التفريق بين الزوجين هو من أخس أفعال السحرة، قال تعالى – عن السحرة -: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة /، وهو من أعظم أفعال الشياطين التي تقربهم إلى إبليس، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين أهله، فيدنيه منه، ويقول: نِعْم أنتَ ". رواه مسلم (2813) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأصل في الطلاق الحظر وإنما أبيح منه قدر الحاجة" اهـ مجموع الفتاوى (33/81) .
لكن هذا لا يعني المنع من الطلاق أو حرمته، بل قد يكون واجباً، أو مستحبّاً، أو مباحاً، أو مكروهاً.
فيكون واجبا في أحوال، منها: إذا كان الدافع له أموراً تهدم الحياة الزوجية كتهاونها في عرضها وشرفها، أو عند العجز عن الإصلاح بينهما في حال وجود الشقاق، أو كان بالزوج عيبٌ يحول بين الحياة الزوجية وبين أدائها وظيفتها ككونه عنِّيناً أو مجبوباً، والزوجة تحتاج إلى العفاف. ويكون واجباً إن كان إمساكها بغير معروف، ولا يؤدي ما أوجبه الله عليه تجاهها.
ويكون الطلاق مستحباً: إذا كان الدافع له سوء أخلاق الزوجة، وتسببها في إيذاء زوجها أو أقاربه أو جيرانه بالقول أو بالفعل، أو كان الطلاق بسبب نفورها منه.
ويكون مباحاً: إذا أراد طلاقها للتزوج بأخرى وليس عنده قدرة على التعدد، أو بسبب نفورٍ طبيعي.
ويكون مكروهاً: إذا كان مع استقامة حالها وخلقها، وكان بينهما أولاد يخاف ضياعهم، أو كانت فقيرة أو غريبة عن بلدها.
ثانياً:
إننا نتعجب منك – أخي الفاضل – حيث تقول إن زوجتك قد اعترفت لك أنها كانت – قبل الزواج – من رواد الملاهي الليلية، وقد قبلتَ بها بعد أن تابت، ثم أغاظك أنك رأيت شهادة تثبت عذريتها! بل إن هذا يؤكد كلامها أنها لم تقع في الفاحشة الكبرى، وقد تكون صادقة في قولها أنها فحصت من أجل إثبات عذريتها لليلة الدخلة.
وعلى كل حال: إن كنتَ قبلتَ كلامها في أنها تابت وتركتْ جاهليتها خلف ظهرها: فإن هذه الشهادة لا ينبغي أن تغير من نظرتك لها، وهي – في أسوأ الأحوال – كانت في تلك الفترة التي كانت فيها ترتاد أماكن الفساد والانحراف.
وإن كنت لا زلت في شك من صدق توبتها، وترى أنه لا يمكن لحالك أن تستقيم معها، وسوف يبقى الشك ينغص عليك عيشك معها، لا سيما مع وجود المشاكل الأسرية، فالذي نراه لك أن تطلقها، وتحسن إليها، كما أمرك الله: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229، ونسأل الله أن يغني كلا منكما من سعته، وأن يبدلك خيراً منها، ويبدلها خيراً منك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/795)
زوجها يخرج للدعوة وهي غريبة الديار ويسيء إليها ويرغب بتطليقها
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أخفي عليكم مدى الشقاء الذي أحياه، حتى أنني يئست أن يستجاب دعائي، أنا أم لأربعة أبناء، وزوجة لرجل لا أحبه، حاولت معه كثيراً، ولكن بلا فائدة، أشعر أن عقيدتي تأثرت كثيراً، لقد تحولت علاقتي بزوجي إلى سجال، وفي نهايته يعلن زوجي أن هذا الأمر ليس بواجب، ويخرج في سبيل الله لأن ذلك فرض عين، لقد أصبحت حياتنا سلسلة من حلقات الجبر، وسوء المعاملة، ليس معي فقط، بل إنه يجبر أبناءنا الذين لم يبلغوا بعد على صيام النفل، لقد صبرت حتى الثمالة 11 عاماً، بلا حياة مستقرة، بعيدة عن وطني، لقد حصل جميع أبنائي على الجنسية السعودية، ولكنه يرفض أن أحصل عليها، الحياة أصبحت بلا معنى، لقد قرر أن يذهب بي إلى وطني، ثم يفكر فيما سيفعله معي، كل ما يشغل تفكيري هو ماذا أفعل إن مات زوجي، من سيتزوج أرملة مثلي؟ من سيحيط أبنائي بالحب والرعاية؟ كيف أنفق عليهم وأنا ليس لي أخوات، وأخي لا يزال على كفره؟ أبي وأمي مسلمان، ولكنهما غير ملتزمين، وأهل زوجي يعيشون في الولايات المتحدة حياة غربية تماماً، وزوجي ذو الأخلاق السيئة، القوَّام، الصوَّام، يدفعني يوماً بعد يوم إلى مزيد من الخلافات، واللعنات، والتلفظ بكلمات الكفر! كيف أنقذ نفسي؟ وماذا أفعل؟ حتى ما أتكسبه من مال قليل يكره أن يظل معي، إنني لا زلت أحبه، ولكني في قلق بالغ ماذا إذا توفى عني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بخصوص انشغال الزوج بالدعوة، وإهماله لأسرته: فقد ذكرنا الكلام حوله في أجوبة الأسئلة (6913) و (3043) و (23481) ، فلتنظر.
ثانياً:
جاء في أول سؤالكِ قولكِ " حتى إنني يئست أن يستجاب دعائي "! وهذا خطأ، ومخالف لشرع الله، والمسلم إما أن يقبل الله تعالى دعاءه، أو لا يقبله، فإن لم يقبله فليفتش في سبب ذلك في نفسه، فقد يوجد عنده من موانع الاستجابة ما يمنع من قبول دعائه، كأكل الحرام، ولبس الحرام، والدعاء بالإثم.
وانظر تفصيل ذلك بتمامه وكماله في جواب السؤال رقم: (5113) .
وإذا قبل الرب تعالى دعاء عبده: فإن الاستجابة ليست هي فقط تحقيق مطلوبه، بل ويضاف إليه أمران: ادخار أجر دعائه ثواباً ليوم الحساب، وصرف السوء عنه بقدر دعائه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) .
رواه أحمد (10749) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1633) .
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من اليأس من الاستجابة، وبيَّن أنه لا يستجاب لمثل ذلك العبد؛ لأن يأسه يؤدي به إلى ترك الدعاء، وإنما يستجاب لمن كرَّر وألَّح على الله، وليست الاستجابة للمانِّ بدعائه على ربه، وهو الغني عن خلقه عز وجل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) .
رواه البخاري (5981) ومسلم (2735) – واللفظ له -.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أُحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة ... .
دعوة المؤمن لا ترد وأنها إما أن تُعجَّل له الإجابة، وإما أن تدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن يُدَّخر له في الآخرة خير مما سأل، فأشار الداودي إلى ذلك، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي رحمه الله بقوله: " اعلم أن دعاء المؤمن لا يردُّ غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوَّض بما هو أولى له عاجلاً، أو آجلاً فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه؛ فإنه متعبد بالدعاء، كما هو متعبد بالتسليم، والتفويض ".
" فتح الباري " (11 / 141) .
ثالثاً:
لا ندري كيف نصف أولئك الأزواج الذين لا يؤدون ما أوجب الله عليهم من العناية بزوجاتهم وبنيهم، ولا ندري كيف فهموا الإسلام الذي يدعون الناس للالتزام به، فقد أوصى الله تعالى الأزواج بزوجاتهم وأولادهم خيراً، وجعلهم أمانة في عنقه، وأوجب عليهم النصح لهم، ووقايتهم من عذاب السعير، وهم أولى بالدعوة من غيرهم، ومن أوائل ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء/ 214، وقد استجاب نبيه صلى الله عليه وسلم لذلك الأمر، فدعا أبا طالب عمَّه للإسلام، ولم يزل يدعوه حتى في مرض موته، ثم جمع عمه العباس، وعمته صفية، وابنته فاطمة، فدعاهم، ونصحهم، وذكَّرهم بيوم الحساب، وأنه لا يغني عنهم شيئاً، وكذا فعل مع خديجة زوجته رضي الله عنها، فكانت أول من أسلم من أهل الأرض جميعاً.
إن الداعية إلى الله يجب أن يكون مخلصاً في نيته، ومتقناً في عمله، ومن الإخلاص: أن ينوي بدعوته وجه الله تعالى، ومن الإتقان: أن يبدأ بأهل بيته فيقدمهم على غيرهم، ولا يفرِّط في نصحهم وإرشادهم، ولا ينبغي له إغفال ذلك، ومعارضته بدعوة الناس، أو الانشغال بأمور الدنيا.
وإذا كان عنده زوجة ترعى شئون بيته، وأولاده: فإنها تؤدي معه رسالة بالغة الأهمية، وتقوم بإعانته على أمرٍ جلل، فليحفظ هذا لها، وهي إن كانت غريبة في بيئته: فإنه يجب عليه أن يوليها عناية خاصة، وأن يرحم ضعفها، وغربتها، وأن لا يتسلط عليها قهراً، وجبروتاً.
فليس عندنا إلا الإنكار على زوجك أخطاءه، والنصح لك بالصبر والدعاء، فعسى الله أن يبدِّل الحال إلى أحسن منه، وإياكِ أن يتسرب اليأس إلى قلبك، واعلمي أن الله تعالى أرحم بخلقه من الأم على ولدها، فإن حصل لك طلاق: فليست هذه نهاية الدنيا، وليس الزوج هو الذي يرزقك، ويرزق أولادك، والله تعالى حيُّ لا يموت، وخزائنه تعالى لا تنفد، وقد أخبرنا ربنا تعالى أنه قد يكون مع الطلاق الفرج والسعة من الرزق، فقال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء/ 130.
قال الطبري – رحمه الله -: " (يُغْنِ الله كلا من سعته) يقول: يُغن الله الزوجَ والمرأةَ المطلقة من سعة فضله، أما هذه: فبزوجٍ هو أصلح لها من المطلِّق الأول، أو برزق أوسع، وعصمة، وأما هذا: فبرزقٍ واسع، وزوجة هي أصلح له من المطلقة، أو عفة.
(وكان الله واسعاً) يعني: وكان الله واسعاً لهما، في رزقه إياهما، وغيرهما من خلقه.
(حكيماً) فيما قضى بينه وبينها من الفرقة، والطلاق، وسائر المعاني التي عرفناها من الحكم بينهما في هذه الآيات وغيرها، وفي غير ذلك من أحكامه، وتدبيره، وقضاياه في خلقه " انتهى.
" تفسير الطبري " (9 / 294) .
وتغفل كثير من النساء عن هذه الحقيقة، فتظن أن طلاقها سيكون معه فقرها، وهو خلل في الاعتقاد يجب أن تتنزه عنه، كما أنه مخالف للواقع، وكما أن الغنى يكون بالنكاح: فإنه يكون كذلك مع الطلاق.
رابعاً:
ما أقلقنا حقّاً وأزعجنا هو خاتمة رسالتك، حيث ذكرتِ أن زوجك يدفعك إلى التلفظ بكلمات الكفر! : فإن كان هذا مجرد خشية من وقوع ذلك منكِ: فهو أمرٌ خطير لا يحل لك السكوت عليه، ويجب عليك أنت المبادرة للتخلص من هذا الزواج الذي من المحتمل أن يتسبب لك في التلفظ بالكفر، وأما إن كنتِ تخبرين عن واقعٍ حصل، وأنكِ بالفعل قد تلفظتِ بكلمة الكفر: فاعلمي أنك وقعت في شرٍّ وسوء ومنكر بما لا يمكن مقارنته بما وقع فيه زوجكِ، فكلمة الكفر التي تُنطق من غير إكراه ولا خطأ: تُخرج صاحبها من الإسلام، وتخلده في نار جهنم إن مات على ذلك، ولم يردع نفسه بتوبة ودخول في الإسلام من جديد، فاحذري أشد الحذر إن لم يقع منك ذلك، وإن وقع فاعلمي أنها ردة، وأن الأعمال الصالحة تُحبط بها، وأن عقد الزواج مفسوخ، إلا أن تتوبي إلى الله تعالى بالدخول في الإسلام من جديد.
وإن أخشى ما نخشاه أن تكوني قد أُتِيت من قبل نفسك، فإن المرأة التي يستدرجها الشيطان إلى مثل ذلك، أو تدفعها مشاكل الحياة إلى ألفاظ الكفر، ربما رأى منها زوجها من ضعف الدين، وقلة مبالاتها به: ما يزهده فيها، ويبغض إليه عشرتها.
وانظري – في تفصيل ذلك -: (42505) و (65551) و (103082) .
وخلاصة نصيحتنا لك يا أمة الله: أن تهتمي أنت ـ أولا، وقبل كل شيء ـ بإصلاح ما اختل من أمر دينك، وبناء ما وهى منه، قبل أن تندمي، ساعة لا ينفع الندم:
قال يونس بن جبير رحمه الله: شيعنا جندب بن عبد الله، فلما بلغنا حصن المكاتب قلنا له: أوصنا.
قال: (أوصيكم بتقوى الله، والقران؛ فانه نور الليل المظلم، وهدى النهار؛ فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة، وإن عرض بلاء: فقدم مالك دون نفسك، فان تجاوز البلاء: فقدم مالك ونفسك دون دينك؛ فان المحروب من حُرِب دينه، والمسلوب من سلب دينه؛ إنه لا غنى بعد النار، ولا فاقة بعد الجنة، وإن النار لا يفك أسيرها، ولا يستغني فقيرها) رواه الإمام أحمد في الزهد (202) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2048) والبيهقي في شعب الإيمان (3/402ـ ط الرشد) ، وإسناده صحيح.
ونذكرك ـ أخيرا ـ بقول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) مريم/96.
قال قتادة رحمه الله: " إي والله في قلوب أهل الإيمان، ذُكر لنا أن هَرِم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم ".
رواه الطبري في تفسيره (18/262) وسنده صحيح إلى قتادة.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح: ن وعدهم أنه يجعل لهم ودا، أي: محبة وودادا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم، وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل، ولهذا ورد في الحديث الصحيح: " إن الله إذا أحب عبدا، نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: (إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نادى جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أهل السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ) [متفق عليه] ، وإنما جعل الله لهم ودا لأنهم ودوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه " انتهى. تفسير السعدي (501) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/796)
هل للزوجة رفض طلاق زوجها لها؟ وما حكم امتناع الزوج عن جماعها وعن الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤالان: السؤال الأول: هل يجوز للمرأة أن ترفض الطلاق؟ السؤال الثاني: ما حكم الشرع في رفض الزوج معاشرة زوجته، خاصة وأنها ترغب بشدة في حصول حمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا رغب الزوج بطلاق امرأته فليس لرفضها له اعتبار من حيث وقوعه، بل هو واقع إذا أنفذه الزوج، والأصل في الطلاق الكراهة، ولذا لم يكن مرغبّاً به ابتداء، لكن قد يحصل في الحياة الزوجية ما تستحيل معه العشرة بين الزوجين، فشرع الله تعالى الطلاق، حكمةً بالغة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأصل في الطلاق: الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن إبليس ينصب عرشه على البحر ويبعث سراياه فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة فيأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فعل كذا، حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت، أنت ويلتزمه "، وقد قال تعالى في ذم السحر: (ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) " انتهى. " مجموع الفتاوى " (33 / 81) .
وقال رحمه الله أيضاً: " ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق: لكان الدليل يقتضي تحريمه، كما دلَّت عليه الآثار والأصول، ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعبادة، لحاجتهم إليه أحياناً " انتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 89) .
وإذا ما شعرت الزوجة بأن زوجها سيطلقها: فيمكنها توسيط أهل الخير والعقل ليحولوا دون إيقاع زوجها الطلاق، كما يمكنها مصالحته على إسقاط النفقة أو جزءٍ منها، أو إسقاط حقها أو جزءٍ منه في المبيت، كما صنعت سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين شعرت بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيطلقها، فوهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها؛ لما تعلمه من حب النبي صلى الله عليه وسلم لها، ومهما بذلت سودة أو غيرها لتكون زوجةً للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فليس بكثير.
قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء/ 128.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ.
رواه الترمذي (3040) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهكذا فسَّرت عائشةُ رضي الله عنها الآيةَ:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِى وَلاَ تُطَلِّقْنِى، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِى، فَأَنْتَ فِى حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ، وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) .
رواه البخاري (4910) ومسلم (3021) .
قال ابن كثير رحمه الله: " إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يطلقها: فلها أن تسقط حقها، أو بعضه، من نفقة، أو كسوة، أو مبيت، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها؛ ولهذا قال تعالى: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) ، ثُمَّ قَالَ: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ، أي: من الفراق " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (2 / 426) .
فالطلاق بيد الزوج، وليس لرفض الزوجة ما يمنع من إيقاعه، وعليها إن أرادته زوجاً أن توسِّط أهل الخير للصلح، ولها أن تسقط بعض حقوقها في مقابل ذلك، فإن أبى الزوج إلا الطلاق: فيُرجى أن يكون ذلك خيرا لها وله، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء/ 130.
ثانياً:
يجب على الزوجين إعفاف بعضهما بعضاً، ويحرم لأحدهما الامتناع عن الجماع إضراراً بالآخر، ولا شك أن ثمة فرقاً بين الزوج والزوجة في هذه الحال، فالمرأة لو لم يكن لها شهوة: فإن زوجها يقضي شهوته معها، ولا عكس؛ لأن رغبة الزوج لها تعلق بالانتشار والانتصاب عنده، وهو ما لا يتم الجماع إلا به، لكن من قدر على إعفاف زوجته ولم يفعل: فقد إثم؛ لأن حق الاستمتاع مشترك بين الزوجين، إلا أن يكون هجره لها من أجل تركها لما أوجب الله عليها، أو لفعلها معصية، وإلا أن يكون تركه للجماع بسبب مرضه أو إرهاقه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر، والشهرين، لا يطؤها، فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟ .
فأجاب: " يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها، والوطء الواجب، قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدَر حاجتها وقُدْرته، كما يطعمها بقدَر حاجتها وقُدْرته، وهذا أصح القولين " انتهى. " مجموع الفتاوى " (32 / 271) .
وقال علماء اللجنة الدائمة: " مَن هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر: فإن كان ذلك لنشوزها، أي: لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى، وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها: فإنه يهجرها في المضجع ما شاء؛ تأديبا لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً، أما في الكلام: فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد في مسنده.
أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر إضراراً بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها: فإنه كمُولٍ وإن لم يحلف بذلك، تُضرب له مدة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع إن لم تكن في حيض أو نفاس: فإنه يؤمر بالطلاق، فإن أبى الرجوع لزوجته، وأبى الطلاق: طلَّق عليه القاضي، أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 261 – 263) .
كما أننا ننبه إلى أن حق الإنجاب مشترك بين الزوجين، وليس لأحدهما أن يختص لنفسه بهذا الحق دون الطرف الآخر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " أهل العلم يقولون إنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، أي: لا يعزل عن زوجته الحرَّة إلا بإذنها؛ لأن لها حقّاً في الأولاد، ثم إن في عزله بدون إذنها نقصاً في استمتاعها، فاستمتاع المرأة لا يتم إلا بعد الإنزال، وعلى هذا ففي عدم استئذانها تفويت لكمال استمتاعها، وتفويت لما يكون من الأولاد، ولهذا اشترطنا أن يكون بإذنها " انتهى. " فتاوى إسلامية " (3 / 190) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (5971) و (10680) و (93230) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/797)
إذا كرهت زوجها، فهل يكون زوجا لها في الجنة؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أكره زوجي ولا أصبر على أذيته إياي إلا لله، ثم لأجل مصلحة أطفالي، فهل سوف يكون زوجي في الجنَّة؟ حيث إن مما يهون عليَّ أن الدنيا مهما حصل فهي أيام قليلة وزائلة، وأنا لا أريده زوجاً في الجنَّة مهما حصل فيه من تغيير أو صلاح حاله. أرجو أن لا تقولوا إنه لا بد أن يكون زوجي في الجنَّة! أرجو الرد، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر على صبرك على أذى زوجك، وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدل على، أصل طيب، وخلقٍ عالٍ.
ونسأل الله أن يهدي زوجك، ويصلحه لك، ويعينه على إحسان عشرتك، ويأخذ بناصيته إليه.
ثانياً:
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/ 22 – 24.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين، والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من الله وإحساناً.
" تفسير ابن كثير " (4 / 451) .
وانظري جواب السؤال رقم: (5981) .
ثالثاً:
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن دخول الناس الجنة لن يكون وهم على حالهم التي كانوا عليها في الدنيا، وقد ثبت في النصوص الواضحة البيِّنة أنه لا يدخل الجنة أحد وفي صدره غلٌّ، ولا يدخل الجنة أحد إلا ويهذَّب وينقَّى من كل سوء وشرٍّ.
قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) الحِجر/ 47.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد، وغِمْرٍ، وعَداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة.
" تفسير الطبري " (12 / 437، 438) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا) .
رواه البخاري (2308) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -:
(بقنطرة) الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة.
وقوله (فيتقاصُّون) بتشديد المهملة: يتفاعلون، من القِصاص، والمراد به: تتبع ما بينهم من المظالم، وإسقاط بعضها ببعض.
وقوله (حتى إذا نُقوا) بضم النون، بعدها قاف، من التنقية، ووقع للمستملي هنا " تَقَصُّوا بفتح المثناة والقاف وتشديد المهملة، أي: أكملوا التقاص.
قوله (وهذبوا) أي: خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض.
" فتح الباري " (5 / 96) .
فاطمئني أختنا الفاضلة، فلن تكون أخلاق زوجك ما كانت عليه في الدنيا، ولن تكون حالكِ أنتِ – كذلك – على ما هي عليه، فكما سينقَّى زوجك ويُهذَّب: فإن الأمر نفسه سيحصل معك، فإذا قضى الله وجمعكما في الجنة، فسوف يكون اجتماعك به في الجنة على غير اجتماع الدنيا، بل اجتماع تشتهيه نفسك، ويريح بالك، ويقر عينك. قال الله تعالى:
(يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف:71، وقال تعالى: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت:31، وقال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة:17.
فليكن همك يا أمة الله أن تعملي ما يوصلك إلى الجنة، ويرفع فيها منزلتك، وثقي أن الجنة لا تعب فيها ولا نصب، ولا هم فيها ولا حزن!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/798)
غير مرتاح مع زوجته مع أنها قائمة بجميع واجباتها!
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت - ولله الحمد - قبل 6 أشهر، ولكن أشعر بأنني غير مرتاح مع زوجتي، ليس بسبب تقصيرها في حقي، بل هي قائمة بكل واجباتها من ناحيتي ومن ناحية البيت، وأهلي، ولكن المشكلة أنها ليست المرأة التي تمنيتها، حيث إنني أعجب جدّاً بالمرأة الفارعة الطول، وزوجتي قصيرة تقريباً طولها " 152سم "، وأنا طولي " 160 سم"، ولكن أحس أنني أنجذب إلى حد الجنون للمرأة التي تفوقني في الطول، مما يجعلني أفكر في بعض الأحيان أن أطلق زوجتي أو أن أتزوج امرأة تكون أطول مني، وهذا جعلني غير مركِّز في عملي، وشارد الذهن، وقليل الإنتاج، على عكس ما كنت عليه في الجامعة، حيث كنت من الطلبة المتفوقين. ألوم نفسي كثيراً عندما أنزل مع زوجتي السوق، وأشاهد امرأة جدّاً طويلة، أحس أنني متندم على زواجي من زوجتي ويتعكر مزاجي، وعلى قولهم " أفك خلقي في زوجتي". في بعض الأحيان أقوم بالدخول على مواقع في الإنترنت تعرض صوراً ومقاطع فيديو لنساء جدا طويلات فأعجب بهن جدّاً، بل إني في بعض الأحيان أجامع زوجتي، وأنا أتخيل صورهن في عقلي. زوجتي هذه جدّاً طيبة، وتقدر لي ظروفي الصعبة، وطباخة ماهرة، وتحسن القيام بأمور البيت وهي التي دائماً، تبدأ بالمصالحة عندما نتخالف، حتى عندما أكون المخطئ، وتحاول دائماً أن تلبس الكعب العالي لتشبع رغبتي في الطول، ولكن أحس الكعب العالي لا ينفع معها لأنها جدّاًَ قصيرة. أنا الآن محتار، فزوجتي غمرتني بطيبتها وافتخارها بي بين صاحباتها وأقاربها، لا أدري ماذا أفعل، أريد أن أركز في عملي، وأصبح متميزاً، كما كنت عليه أيام الجامعة، أريدك أن ترشدني وأن تدعو الله لي بأن يدخل حب زوجتي في قلبي، وأن أجدها أجمل امرأة في عيني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه المشكلة من أغرب المشكلات التي وصلتنا! ولا ندري ما هو الذي جعلك تقدِّم الطول على الدين، والخلق، وحسن العشرة، وحسن التدبير، وجودة الطبخ من زوجتك الفاضلة، ونخشى أن يبتليك الله تعالى فتطلق هذه المرأة الفاضلة فتتزوج بامرأة طويلة لا تتصف بأي صفة من صفات زوجتك هذه فتندم أشد الندم.
واعلم أن الله تعالى قد أوجب عليك عشرة زوجتك بالمعروف، وإمساكها بإحسان، فلا يحل لك ما تفعله بها، ولا يجوز لك اختراع مشكلات لتتحرش بها فتضايقها أو تهينها بالقول أو الفعل، فإما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، ولعلك تبحث عن ضالتك في امرأة طويلة، وتترك هذه المرأة الفاضلة لتتزوج بمن يقدِّر دينها وخلقها وحسن تدبيرها لبيت الزوجية، فاحذر من ابتلاء الله، أو عقوبته.
ثانياً:
عليك أن تتأمل هذه الأحاديث:
1. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (1467) .
ولم يقل: " خير متاعها المرأة الطويلة "!
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
ولم يقل: " تنكح المرأة لطولها "! ولا قال: " فاظفر بذات الطول "!
ثالثاً:
تأمل معنا كلام أهل العلم فيمن تزوج بالمرأة الصالحة:
1. قال المناوي رحمه الله:
"قال القاضي: المرأة الصالحة أنفع من الذهب؛ فإن الذهب لا ينفع إلا بعد الذهاب، وهي ما دامت معك رفيقتك، تنظر إليها تسرك، وتقضي إليها عند الحاجة وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك، وإذا غبتَ تحامي مالك، وترعى عيالك، ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بَذرك، وتربي زرعك: لكفى به فضلاً" انتهى.
" فيض القدير " (1 / 465) .
2. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فقوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع) يعني: شيء يُتمتع به، كما يَتمتع المسافر بزاده، ثم ينتهي.
(وخير متاعها المرأة الصالحة) إذا وفق الإنسان لامرأة صالحة في دينها، وعقلها: فهذا خيرُ متاع الدنيا؛ لأنها تحفظه في سره، وماله، وولده، وإذا كانت صالحة في العقل أيضاً: فإنها تدبر له التدبير الحسن في بيته، وفي تربية أولادها، إنْ نظر إليها: سرَّته، وإن غاب عنها: حفظته، وإن وَكل إليها أمرَه: لم تخنه، فهذه المرأة هي خير متاع الدنيا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: عليك بها؛ فإنها خير من يتزوجه الإنسان، فذات الدين وإن كانت غير جميلة الصورة: لكن يجمِّلها خلُقها، ودِينُها.
(فاظفر بذات الدين تربت يداك) " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (2 / 127، 128) طبعة ابن الهيثم.
رابعاً:
انظر كيف أثَّر مرضك هذا على نفسك ودينك، فبالإضافة إلى احتقار ما تتصف به زوجتك من أخلاق فاضلة: فإن أضفت إليه إهانتها والتحرش بها، وأضفت إليه النظر المحرَّم إلى النساء الأجنبيات، ولم تكتف بذلك حتى دخلتَ مواقع فاسدة فاجرة لتقضي نهمتك لا من النظر إلى الطويلات بل إلى ذات المنكر والفاحشة، ثم رحت تتخيل تلك الفاجرات أثناء جماعك لزوجتك العفيفة الطاهرة! .
فلا ندري – حقيقة – كيف تمكن الشيطان منك، وكيف سوَّل لك الوقوع في هذه المحرمات من أجل توهم وخيال لا قيمة له عند العقلاء، أرباب الفطر السليمة.
وفي اعتقادنا أنك لا تقبل الزواج بامرأة مفتونة بالرجال الطوال، وتفعل مثل فعلك في كل تفاصيله، فتخيل ذلك للحظة أن يقع من امرأة متزوجة، فكيف تحكم عليها؟ وهو الحكم نفسه الذي تحكم به على نفسك.
والذي يظهر لنا أن ما تشعر به هو من تلاعب الشيطان بك، يريد أن يوقع كره امرأتك في قلبك ليفرق بينكما، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تطعه فيما يوسوس به لك.
فاحذر من عقوبة الله، واحذر من سخطه، واحذر من أن تفقد زوجتك العفيفة الطاهرة بسبب أفعالك ومعاصيك، واعلم أن الجمال جمال الدين والخلق، وأن فتنتك هذه لو عرضت على عقلاء قومك لسخروا منك، فلا تجعل نفسك ألعوبة بيد الشيطان، واقطع النظر إلى النساء في الشارع، وفي وسائل الإعلام، واقطع النظر في المواقع الفاجرة، واحذر من خاتمة السوء أن تموت عليها.
ونسأل الله أن يُطهِّر قلبك، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأفعال، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/799)
محادثة الزوجة عبر الإنترنت والاستمتاع بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بالمملكة وأنا والحمد لله ملتزم بالسنة قدر المستطاع وأواظب على الصلوات بالمسجد والحمد لله ... وهذه أول مرة أترك أهلي لظروف مدارس الأولاد.. وقد يحدث عندما أحادث زوجتي عبر النت بالصوت والصورة أن أطلب منها أن تريني من جسدها ويحدث بالفعل إثارة جنسية شديدة لا أستطيع دفعها.. وقد حدث أن استمنيت بيدي لإطفاء هذه الشهوة فهل هذا يدخل في باب (إلا علي أزواجهم) أو في باب الاستمتاع بالزوجة؟ علما بأنني أعلم أن الاستمناء محرم ... ولكن هذه زوجتي التي أنظر إليها ... ماذا أفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للرجل أن يستمتع بالكلام مع زوجته والنظر إليها، أو إلى صورتها عبر برامج المحادثة، مع الاحتياط لعدم اطلاع أحد أو تجسسه عليه.
وأما الاستمناء باليد فالأصل تحريمه، إلا أن يخاف على نفسه الزنا، فيباح.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للزوجين أن يتحدثا عن الجنس بالهاتف ويستثيرا بعضهما حتى ينزل أحدهما أو كلاهما بدون استعمال اليد لأنه محرم؟ يحصل هذا لأن زوجي يسافر دائما ولا نرى بعضنا إلا كل 4 أشهر.
فأجاب: لا بأس، نعم يجوز هذا.
السائل: ولو كان باستعمال اليد.
الجواب: استعمال اليد فيه نظر، ولا يجوز إلا إذا خاف على نفسه الزنا.
السائل: وبدون استعمال اليد لا مانع.
الجواب: نعم بدون استعمال اليد لا مانع، يتصور أنه معها لا بأس في ذلك " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (4807) و (329) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/800)
عاش معها بالحرام فتاب وأسلمت وتزوجها ويريد أهله أن يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم قراءة رسالتي هذه، وإرسال الجواب بأسرع وقت؛ لأنني تعبت وأنا أبحث عن مواقع الفتوى، وإرسال الرسائل، وانتظار الجواب، وكل المواقع التي راسلتُها لم ترد لي الجواب , فتغيرت نظرتي تجاه تلك المواقع، وعندما قرأت بعض الفتاوى في موقعكم هذا ارتحت له كثيراً وأصبحتُ يوميّاً أقرأ بعض فتاواكم، فهي تريحني، ووجدت فيها الكثير من الأجوبة الشافية لبعض أسئلتي، أرجو منكم إيجاد حل لكل أسئلتي فهي لا تدعني أنام، وأنا بأمسّ الحاجة للجواب الشافي؛ لأنني جدّاً متعب، ومشرد الذهن، وأنا أخاف أن أقع في الخطأ الذي أحاول الابتعاد عنه كل الابتعاد. قصتي هي أنني كنتُ في بلد أجنبي للدراسة، وأنتم تعرفون كيف يعيش المجتمع الغربي، كي لا تطول القصة أكثر: أنا ارتكبت الفواحش: مِن شرب خمر، وزنا، وأفطرت شهر رمضان، وارتكبت الزنا في شهر رمضان، وأخطائي كانت كثيرة، والحمد لله الذي هداني للتوبة التي نوَّرت لي حياتي، ونقلتني من الظلمات إلى النور، توبتي كانت في شهر رمضان، وكانت تسكن معي فتاة أجنبية، ديانتها مسيحية، وعندما رأتني هذه الفتاة تائباً أقرأ القرآن، وأصلي، وأصوم، بدأت هذه الفتاة الاقتراب إلى الإسلام، وفي العاشر من رمضان أسلمت هذه الفتاة، وارتدت اللباس الشرعي، والحجاب، وبدأت تتعلم القرآن، وتصلي الفرض، والسنَّة، وتصوم، ودرست السيرة النبوية، والكثير من الدروس في الإسلام، ولقد تزوجتها في أول يوم أشهرت فيه إسلامها، وعشنا أجمل أيام حياتنا، وذات يوم عرفتُ حقيقةً مرَّة غيَّرت مسار حياتي، وأصبحتُ دائم الهم والحزن، عرفت تاريخ هذه الفتاة، وكان تاريخها كأي تاريخ فتاه أجنبية (الحرية والخيانة) عرفت منها أنها كانت قد خانتني أكثر من مرة، هي خانتني، ولكن قبل أن تسلم، وقبل أن أتزوجها، ولكن كونها أصبحت زوجتي، وكوني عربيا: لا أستطيع نسيان الماضي، وأنا خنت ديني، وربي، وابتعدت عن الإسلام، وأنا مسلم منذ ولدتني أمي، هي لم تكن تعرف شيئاً عن الإسلام، وأنا كنت أعرف الكثير عن الإسلام، هي أفضل مني بكثير أليس كذلك؟ والإسلام يجبّ ما قبله، والتائب من الذنب كما لا ذنب له، أنا أحترمها وأقدِّرها جدّاً لأنها أسلمت عن يقين، وهي تبكي كثيراً، خصوصاً عند قراءتها للقرآن، والأحاديث النبوية، هي كانت قد أخطأت، ولم تكن على علم بالإسلام، وأنا أخطأت وكنت أعرف أن الزنا من الكبائر، وأن الله شديد العقاب، ولكن الإنسان معرَّض للخطأ، ويبقى تفكيره محدوداً، والذي يضايقني عندما عرفت حقيقة الماضي: انفعلتُ، وغضبتُ جدّاً جدّاً، وطلقتها مرة، وبعد يومين: انفعلت وضربتُها، وغضبتُ جدّاً، وطلقتها ثانية، وكثرت المشاكل بيننا، وكثر غضبي، وأنا عندما أغضب أصبح كالمجنون، لا أفكر، ولا أفهم ما أقول، وكل ما أقوله يخرج بشكل عفوي، وفي المرتين راجعتها بعد الاستفسار والسؤال، وبعد مرور عدة أيام حصلت بيننا مشاحنة وصلت إلى الضرب، وهي أهانتني، والبادئ كان أنا، وطلقتها ثالثة، وبعد كل المرات التي حصل فيها الطلاق كنت أندم، وأبكي، وأشفق عليها؛ لأن هذه الفتاة بعد إسلامها أصبحت جدّاً صالحة، وكنت أخاف عليها من الضياع، ولكن الغضب والشيطان جعلوني أرتكب الأخطاء، وبعد طلاق المرة الثالثة صليت ركعتين، وبكيت، ودعوت الله تعالى إذا وقع الطلاق بأن أبتعد عنها مباشرةً، وإن لم يقع بأن أراجعها بأسرع وقت، وهذا الذي حدث، راجعتها في تلك الليلة بتيسير من الله، وأنا قرأت أن طلاق الغضبان لا يقع، وعندما انتهت دراستي رجعت إلى بلدي، وكنت وعدتها أن أفاتح أهلي بالموضوع لكي تلحق بي، ولكن هنا الوضع مختلف، ووجدت الفرق الكبير بين الفتاة العربية التي لم يلمسها أحد قط، وبين الأجنبية التي نامت مع الكثير من قبلي، وهذا الشيء يضايقني بشكل كبير، وأحياناً أفكر بتركها، ولكن أخاف الله؛ لأني كنت مثلها، وهي أصبحت الآن أفضل مني، والآن عقلي وفكري دائما مشغول بالمقارنة بين العربية والأجنبية، وأهلي لم يقبلوا بزواجي، وبدأت أسألتهم لي: من هي؟ هل هي كانت فتاة قبل أن أتزوجها؟ قلت: نعم وهي لم تكن كذلك، أنا تزوجتها لأنها أسلمت، وأحسنت إسلامها , وتزوجتها لإرضاء الله تعالى، ولكي أكفِّر عن ذنبي، وهي الآن بانتظار دعوتي لها، وهي تتمنى أن تصوم شهر رمضان في بلدي المسلم، أهلي رافضون، وأنا أريد أن تلحق بي لكي لا تضيع هناك، وهي إنسانة رائعة الأخلاق، وخصوصاً بعد إسلامها، أصبحت المرأة الأولى الملتزمة بالدين الإسلامي في نظري، أنا الآن أتعذب جدّاً، عندما أتذكر تاريخها وتاريخي وأنا أقول في نفسي إن هذه الفتاه بعثها الله لي كفارة للتكفير عن ذنوبي الكثيرة. - هل الطلاق وقع؟ وإذا وقع هل يحق لي إرجاعها للحفاظ عليها من الضياع والوحدة في البلاد الفاسقة؟ . - ماذا يجب عليَّ فعله، البقاء مع زوجتي الأجنبية المسلمة حديثاً أم الزواج من فتاة عربية مسلمة؟ . - ماذا أفعل مع أهلي؟ هم يريدون أن أطلقها، وإذا طلقتها لإرضائهم: هل هذا حرام؟ . - هل الزنا دين في رقبتي وسيأتي يوم أدفع ثمنه؟ . وكيف لي أن أنسى ماضيها الذي يأكل ويشرب وينام ويستيقظ معي وأعيش معها كزوجين مسلمين؟ . أرجو إرسال أدلة تساعدني في ذلك، أرجو منكم كل الرجاء إرسال الجواب الشافي الذي انتظره منذ زمن، ولكي لا يخيب ظني بهذه المواقع التي أنشأت لمساعدة المسلمين، وخصوصا التائهون، الضائعون مثلي، المحتاجون للمساعدة، ولو حتى بنصيحة (الغريق يتعلق بقشة) إذا انتم لن تساعدوني فإلى أين أذهب يا علماء المسلمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إننا وإن كنا نرجو أن نكون عند حسن ظنك: إلا أنه لا يسرنا أن تكون لك نظرة سلبية تجاه مواقع الفتوى الأخرى لأهل السنَّة، ونحب منك أن تحسن الظن بالقائمين عليها، وأن تعذرهم، ولو أنك ترى كمية الأسئلة التي ترد لنا ولهم لعذرتنا، ولست وحدك من يطلب التعجل في إجابته، ولا يمكن تحقيق رغبة كل سائل في هذا الباب، فالعذر لنا ولإخواننا في المواقع الأخرى قائم، والكريم هو الذي يَعذر غيره.
ثانياً:
ما حصل معك في ذلك البلد الأجنبي يؤكد ما نقوله دوماً أنه لا يجوز السفر إلى تلك البلاد، وبخاصة إذا كان المسافر شابّاً أو شابَّة في مقتبل العمر، وفي فورة شهوتهم، وعلى الآباء والأمهات أن يعلموا أن أحوال أولادهم في تلك البلاد غالباً ما تكون مؤسفة، من البعد عن الدين، والفعل للفواحش، والتخلي عن السلوك المستقيم، وهم في النهاية من يدفع ضريبة هذه المخالفات الشرعية.
فالواجب على الآباء والأمهات أن يتنبهوا لأولادهم، وأن لا يكون حرصهم على تعليمهم على حساب دينهم وسلوكهم.
ثالثاً:
نهنئك على توبتك، ونحمد الله أن أنقذك من الكفر والفسوق والعصيان، وكم يتخبط غيرك في ظلمات الجهل والمعصية، وكم يغرق غيرك في أوحال الآثام، وكم يتردى غيرك من قمم الأخلاق وأعالي الفضائل، فالواجب عليك العض على شجرة التوبة، والتمسك بحبال التقوى، وإياك والتفريط والرجوع إلى سالف الحال؛ فإنك في نعمة حُرمها كثيرون، فلا تكفر النعمة بترك طريق التوبة.
رابعاً:
ونهنئ أختنا على إسلامها، ونحمد الله أن وفقها وهداها للإسلام، وهي لا شك تعلم الآن عِظَم الفرق بين حالها أولاً وحالها الآن، وتعلم الفرق بين أن يكون الإنسان كافراً وبين أن يكون مؤمناً، وتعلم الفرق بين حال قلبها أولاً من حيث الضيق والضنك، وبين حال قلبها الآن من حيث السعة والانشراح، فنسأل الله أن يزيدها هدى وتوفيقاً، وأن يجعلها هادية مهديَّة.
خامساً:
إن الذي يعيش بعيداً عن الهداية والرشاد يتخبط في القول والفعل والفكر، ويلتزم منهجاً لا يرضى به إلا شياطين الإنس والجن، ويعيش على مبادئ لا توافق نصّاً صحيحاً، ولا تلتقي مع عقلٍ صريح، وخذ على ذلك مثالاً مصطلح " الخيانة "! فإنه عند هؤلاء معناه أن يخون العشيق عشيقته، والعكس! فقد تكون المرأة ذات زوج، وتخون زوجها مع عشيقها، ثم إذا رأت ذلك العشيق مع امرأة أخرى: بكت، وناحت، وأهانته، وقد تضربه! لماذا؟ لأنه خانها!! وكأنها لم تخن زوجها، وكأنه لا عتب عليها، بل جعلت العتب على ذلك العشيق الخائن! فأي مبادئ يعيش عليها هؤلاء؟ وأي منطق يسيرون عليه؟ .
وإن تأسف فاجعل أسفك على المسلم الذي لا يعرف خيانة الله، ولا خيانة رسوله، ولا خيانة دينه، وراح يحصر الخيانة بخيانة محبوبته وعشيقته! وهو يمارس معها كبيرة من كبائر الذنوب، وهو الذي خان الله ورسوله ودينه من قبلُ.
وأنت أخي السائل:
تلوم امرأة كانت تنام معك ومع غيرك وهي كافرة! ولم تلُم نفسك أنك فعلت ما لا يحل لك وأنت تزعم الإسلام وتنتسب إليه؟! .
تلوم امرأة أسلمت وحسُن إسلامها كانت على الفجور والفواحش وهي كافرة؟! .
إن موقفك أضعف ما يكون، وليس لك وجه في الإنكار والعتب والملامة، لا وهي كافرة، ولا وهي مسلمة، فهي عندما كانت كافرة كان كفرها أعظم من كل ذنبٍ فعلته، وهي عندما كانت كافرة ليس ثمة شيء يردعها عن فعل الفواحش والمنكرات.
وهي عندما أسلمت فإن إسلامها كفَّر عنها ذنوبها وآثامها، وهي عندما أسلمت بدَّل الله تعالى سيئاتها حسنات! فأي وجه لك في الإنكار عليها كافرة أم مسلمة؟! .
روى مسلم (121) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: (تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) .
وروى البخاري (4436) ومسلم (174) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) ، وَنَزَلَتْ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) .
فهؤلاء من أهل الشرك قتلوا وأكثروا القتل، وزنوا وأكثروا الزنا، وانظر ماذا أنزل الله تعالى لهم، أنزل لهم أن سيئاتهم تبدَّل حسنات، وفي الحديث السابق بين أن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأي عذرٍ لك بعد هذا في محاسبتها على شيء فعلته في جاهليتها؟!
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا صدق الإنسان في توبته من ذنبه، ولو كان شركاً بالله، أو زناً، أو قتلاً، أو أكل مال بالباطل، وندم على ما مضى من ذنبه، ورد الحقوق إلى أهلها أو سامحوه، وأتبع ذلك عملاً صالحا: تاب الله عليه، وغفر ذنبه، بل يبدل سيئاته حسنات، قال الله تعالى في صفة عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/ 68 – 71، وقال: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/ 38، وقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، وقرر قول يعقوب لبنيه: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف/ 87، إلى غير ذلك من الآيات وما في معناها من الأحاديث التي وردت في الحث على التوبة والرجاء في رحمة الله ومغفرته، وإن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، أو حالة الاحتضار ومعالجة سكرات الموت.
فعلى من ارتكب ذنباً أن يتوب إلى الله، ويندم على ما مضى، ويرد الحقوق لأربابها، أو يستبيحهم منها، ويظن بالله خيراً ويرجو رحمته، وإن كان ذنبه أكبر الذنوب فرحمته سبحانه أوسع، ومغفرته أشمل، وعليه أن يستتر بستر الله رجاء أن يستره الله، ولا يفضحه، والله المستعان.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 296، 297) .
فلم يكن ثمة داعٍ لانفعالك وغضبك وضربك لها بعد أن عرفت عنها ما عرفت، فقد أسلمت، وطلَّقت دينها وتاريخها، فلأي شيء يتم محاسبتها على جاهليتها، وبخاصة أنك أنت جزء من تاريخها؟! وفعلك أنت أقبح من فعلها، حيث كنت تنتسب إلى الإسلام الذي يحرِّم عليك أفعالك تلك، وهي لم تكن تنتسب لدينك الذي ينهاها عن أفعالها، بل رضيتَ بها على عاداتهم وتقاليدهم، وهي لم تخالف في ذلك! .
سادساً:
الذي يظهر لنا من خلال كلامك عنها أنها أسلمت وحسن إسلامها، ولعلَّها أن تكون خيراً منك في جوانب كثيرة، فالواجب عليك بعد أن رضيتها زوجة أن تحسن معاملتها، وأن تقوي عزيمتها، وأن تقف بجانبها ناصراً ومؤيداً ومعيناً.
سابعاً:
وبخصوص طلاقكِ لها: يجب عليك مراجعة من تثق به من أهل العلم لإيقافه على حقيقة حالكِ عندما صدر منك الطلاق، فإن الغضب درجات، وليس كل الغضب يقع معه الطلاق، ولا كله لا يقع معه الطلاق، وإنما لا يقع طلاق الغضبان الذي أُغلق عليه بالكلية.
عَنْ عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) .
رواه أبو داود (2193) وابن ماجه (2046) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -
والإغلاق معناه: أنه يُغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة.
" لقاءات الباب المفتوح " (130 / السؤال رقم 20) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
ويقع الطلاق من الغضبان الذي يتصور ما يقول، أما الغضبان الذي أخذه الغضب، فلم يدر ما يقول: فإنه لا يقع طلاقه.
" الملخص الفقهي " (2 / 308) .
وينظر تفصيل حكم طلاق الغضبان في أجوبة الأسئلة: (22034) و (45174) و (6125) و (72439) .
فإن كان وقع طلاقك لها في المرات الثلاث السابقة: فقد حرمت عليك، ولا يحل لك إرجاعها لعصمتك إلا بعد أن تتزوج هي زواج رغبة من آخر فيدخل بها، ثم يفارقها بطلاق أو موت، وإن لم تقع إحدى الطلقات الثلاث: فإنه يتبقى لك باقيها، ولك أن ترجعها لعصمتك، ومعرفة ذلك تتم بلقائك من تثق بعلمه ودينه لتطلعه على تفصيل ما حصل منك في تلك المرات.
ثامناً:
الذي ننصحك به تجاه تلك الزوجة – إن كنت لا تزال لها زوجاً -: أن تسعى لإحضارها لبلدك؛ لتخلصها من بيئة الكفر والفساد التي تعيش فيها الآن، ولكن على شرط أن تعاهد نفسك على الإحسان لها، وأن تعاشرها بالمعروف، وأن لا تعيرها بتاريخها قبل الإسلام، وأن لا يكون لما عرفته عنها أثر عليك، فإن كنتَ تستطيع فعل ذلك: فأحضرها لبلدك، وكوِّن معها أسرة إسلامية، وإلا فدعها في بلدها، لعلَّ الله أن يرزقها خيراً منك، ولعلَّ الله أن يرزقك خيراً منها.
وقولك: " وكيف لي أن أنسى ماضيها الذي يأكل ويشرب وينام ويستيقظ معي وأعيش معها كزوجين مسلمين؟ " فدعنا نهمس في أذنك ـ أيها الأخ الكريم المسلم ـ: وكيف ستنسى أنت ماضيك؟! بل: وبأي وجه تسأل الله العفو عنك، والصفح عن ماضيك، وأنت غير قادر على العفو عن عباده، والصفح عن ماضيهم؟!
على أنك إن كنت تعنيه حقّاً، وسيبقى معك: فلا ننصحك بإحضارها من بلدها، بل سرِّحها بإحسان، وأعطها حقوقها، وإن كنت مستعدّاً لنسيان ذلك، والعيش مع إسلامها وتوبتها: فهي أولى لك من غيرها.
تاسعاً:
أما بخصوص طلب أهلك منك أن تطلقها: فلا يجب عليك طاعتهما في هذا، وعلى أهلك أن يتقوا الله في التفريق بينك وبين زوجتك، وإذا أصررت على بقائك زوجاً لها: فإنك لا تكون عاقّاً لوالديك، وإنما الإثم عليهما لسعيهما في القطيعة بينك وبين زوجتك.
وانظر جواب السؤال رقم: (47040)
عاشراً:
وأما سؤالك: " هل الزنا ديْنٌ في رقبتي وسيأتي يوم أدفع ثمنه؟ ": فالجواب: إن كنت صدقت التوبة مع الله عز وجل، كما قلت عن نفسك، فعسى ألا يكون ديْناً، وألا تؤاخذ به؛ وقد سبق بيان الوعد للتائبين بمغفرة الذنوب، وتبديلها حسنات.
ونسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يهديك لما فيه صلاح حالك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/801)
تتكلم عن زوجها أمام أولادها وأقاربها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تقول بأن زوجها يتشاجر معها بعض الأحيان، ويحصل أن تغضب زوجته، فبعدما يذهب عنها ويأتيها أولادها وبناتها أو أحد من أقاربها تقوم بالتكلم فيه ـ يعني: زوجها ـ هل هذه غيبة لزوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت هذه المرأة تتكلم في زوجها بما يكره أن يقال عنه – فهو من الغيبة المحرمة المنهي عنها شرعاً، فعليها أن تتوب من ذلك توبة نصوحاً، وأن تحتسب عند الله الأجر فيما يحصل بينها وبين زوجها، ومعالجة ذلك بالصبر والإحسان إلى زوجها، وأن لا تنشر ما يحصل بينها وبين زوجها من خلافات أمام أولاده أو غيرهم؛ لما في ذلك من معالجة الشر بالشر، واتساع دائرة الخلاف، وفيه إيغار لقلوب الأولاد على أبيهم، وسبب للخلاف معه وقطيعته وعقوقهم له.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/802)
خلافات مع زوجها، وتسأل كيف تصبح زوجة صالحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمريكية، وقد أسلمتُ حديثاً، وقد نشأت على ألا أسمح لرجل بأن يتحكم فيِّ، والمشكلة الآن هي أن زوجي ليس أمريكياً ونحن نتصادم كثيراً، أنا أعلم أكثر منه فيما يخص القوانين والأمور اليوميَّة، ولغته الإنجليزيَّة ليست جيِّدة إلى تلك الدرجة، لذلك فأنا أحتاج أن أشرح له في بعض الأحيان؛ لأنه قد تعود على الأحوال في بلاده هو وعلى حضارتها، وأنا أتولى القيام بالحديث في الغالب إذا كنا في أماكن عامة، وهذا يغضبه كثيراً، لكني أشعر أن تلك هي الطريقة الوحيدة لنتمكن من إتمام الأمور بطريقة صحيحة في الغالب، ونحن الآن نختلف كثيراً، وأنا لا أعرف كيف أصبح " الزوجة " المطلوبة إسلاميّاً، فأنا لا أزال في طور التعلم، ومشكلتي العظمى تكمن هنا، فكيف لي أن أغير ذلك؟ وكيف أقلل من المشكلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله أن وفقكِ للإسلام وهداكِ له، وهذه أعظم نعمة من الله تعالى على عبده.
ونعلمكِ أن الله تعالى قد جعلَ لكِ حقوقاً على زوجكِ، وأوجب عليكِ واجباتٍ تجاهه – ويمكنكِ مراجعة السؤال رقم (10680) لتقفي عليها -.
فعليكِ القيام بما أوجبه الله عليكِ من حقوق تجاه زوجكِ، وقد عظَّمت الشريعة حقوق الزوج لما له من أهمية عظيمة في بناء البيت المسلم، ولما أوجبه الله تعالى عليه من القيام بمصالح أسرته ورعايتها.
والمرأة المسلمة ينبغي أن تكون عاقلة حكيمة في تصرفاتها مع زوجها، فالإنسان – عادةً – تأسره الكلمة الطيبة، وتقيِّده المعاملة الحسنة، فإذا كان هذا من شريكة حياته ورفيقة دربه كان ذلك أبلغ في التأثير، كما أن على المرأة العاقلة أن تبتعد عن كل ما يسيء لزوجها من تصرفات، وأن تتخلص من كل ما يزعجه من أفعال، وأن لا تحاول فرض شخصيتها عليه، فالرجل له القوامة وعليه المسئولية، وإشعاره بالنقص في مواقف معينة قد يجره إلى الغضب وإلى عدم إحسان التصرف، وقد قال بعضهم: " الزوجة المثالية هي التي تجيد فن التوافق الزوجي، وتوازِن بين طاعة الزوج واحترامه، وبين تعبيرها عن شخصيتها السوية الناجحة ".
وكلامك مع الناس عنه – لأنه لا يحسن لغة قومك – يجوز شرعاً، لكن كما سبق لا بدَّ أن تكوني حكيمة في مثل هذا التصرف والفعل، فإنك مع قيامك بمثل هذه الأقعال لا تشعريه بالنقص وبعدم الأهميَّة بل ارجعي إليه عند الكلام مع الناس، وشاوريه ولا تتخذي قرارات بوجوده إلا بعد إذنه، وليكن ذلك أمام مَن تكلمين ليشعر بقيمته وبقدره , ويمكنكِ أن تُظهري له تفوقه عليكِ في لغته وتشعريه بذلك، وأنكما تكمِّلان بعضكما بعضاً، فعاونيه على تعلم لغتك، وليعاونك على تعلم لغته.
هذا الذي ننصحك به وهو ما يمكن أن يوقف غضبه أو يمنعه من مثل هذه التصرفات، والأمر لا يعدو أن يكون مجرد مداراة لوقت معيَّن حتى يتمكن من اللغة ويستطيع القيام بشؤون نفسه وحده.
ثانياً:
ولكي تكوني زوجة صالحة لا بدَّ لك من معرفة ما أوجبه الله عليكِ فتفعليه، ولا بدَّ من معرفة ما كان عليه النساء الفاضلات من أخلاق وحسن تعامل مع الزوج، والأمر يحتاج منك لمجاهدة ومكابدة حتى تتعودي، لكن ذلك ليس مستحيلاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم، ومَن يتحر الخير يُعْطَه، ومَن يتقِّ الشرَّ يُوقَه " – رواه الدارقطني في " الأفراد " وهو حديث حسن، كذا قال الألباني في " صحيح الجامع " (2328) - ومن هذه الصفات والأخلاق ما أوصتْ به أمٌّ عاقلةٌ ابنتَها قبل الزواج، وهي وصايا جامعة، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها، قالت الأم لابنتها:
أي بنيّة إنك فارقتِ بيتكِ الذي منه خرجتِ، وعشكِ الذي فيه درجتِ إلى رجلٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فكوني له أَمَةً يكن لكِ عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً:
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع أنفه وعينه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مُغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمه وعياله.
وأما التاسعة والعاشرة: فإن ملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
ثالثاً:
وعلى الزوج أن يتقي الله ربَّه، ولا يبخس حق امرأته، وليؤد لها حقوقها التي أوجبها الله عليه، ولا بدَّ أن يعلم أن الناس درجات، وأن ما يعرفه هو يجهله كثيرون، وما يجهله هو يعرفه كثيرون، ولأَن تكون معه امرأته تترجم له وتدله على ما ينفعه وتبين له الطريق خيرٌ من أن يكون معه شخص آخر لا يثق بأمانته، والعلم لا يحصل إلا بالتعلم، وطريق العلم يكون بالجد والاجتهاد.
ونصيه بالحرص على أن يملك نفسه عند الغضب، وأن لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى فهذا هو الغضب المحمود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/803)
كفارة جماع النفساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هى كفارة مباشرة المرأة فى فرجها أثناء فترة النفاس؟ علما بأن السؤال رقم (36722) لا يحتوى على الكفارة إذا تمت المباشرة الفعلية، ولكنه يوضح فقط أنها محرمة - وهذا معلوم - ولكن قد وقع الخطأ، ونريد أن نعرف كفارته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة على من جامع الحائض أو النفساء، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وجوب الكفارة: حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة، وحكاه بعض الشافعية قولا قديما للشافعي، وبعضهم أنكره، وهو رواية عن أحمد عليها جمهور الحنابلة كما قال المرداوي في "الإنصاف" (1/351) ، وحكى بعض الحنابلة عن أحمد في النفساء رواية واحدة بالوجوب، بخلاف الحيض. انظر: النووي في "المجموع" (2/391) ، "الإنصاف" (1/349)
واستدلوا عليه بما جاء من طرقٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - قَالَ: (يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ) .
الحديث أخرجه أبو داود (264) وغيره، وهذا الحديث اختلف في إسناده ومتنه على أوجه كثيرة، كما اختلف النقاد في تصحيحه وتضعيفه اختلافا كبيرا.
انظر "التلخيص الحبير" (1/292-293) ، وتعليق الشيخ أحمد شاكر على "سنن الترمذي" (1/246 - 254) .
القول الثاني: الاستحباب وعدم الوجوب:
يقول النووي في "المجموع" (2/391) :
" حكاه أبو سليمان الخطابي عن أكثر العلماء , وحكاه ابن المنذر عن عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأيوب السختياني وأبي الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري والليث بن سعد " انتهى.
وهو قول الحنفية والشافعية:
جاء في "الدر المختار" (1/298) :
" ويندب تصدقه بدينار أو نصفه " انتهى. وانظر: "الفتاوى الهندية" (1/39)
ويقول النووي في "المجموع" (2/390) :
" إذا وطئها عالما بالحيض وتحريمه مختارا ففيه قولان , الصحيح الجديد: لا يلزمه كفارة , بل يعزر ويستغفر الله تعالى ويتوب , ويستحب أن يكفر الكفارة التي يوجبها القديم.
والثاني ـ وهو القديم ـ: يلزمه الكفارة ... ، ثم ذكر الخلاف في حكاية الوجوب قولا قديما للشافعي - " انتهى.
القول الثالث: الواجب التوبة والاستغفار ولا كفارة في ذلك: وهو قول المالكية، كما في "الموسوعة الفقهية" (18/325) ، وقول ابن حزم في "المحلى" (2/187) .
ولا شك أن القول بالصدقة المذكورة في الحديث هو أحوط وأبرأ للذمة، وأدعى إلى الانتهاء عن تلك المعصية، وتعظيم حرمات الله عز وجل، وعدم تعدي حدوده، لا سيما وقد قال به ابن عباس رضي الله عنهما، إن لم يصح الحديث مرفوعا.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله:
" وطء الرجل امرأَته وهي حائض حرام بنص الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) [الآية، البقرة /222] ، والمراد المنع من وطئها في المحيض، وهو موضع الحيض، وهو الفرج؛ فإذا تجرأ ووطئها، فعليه التوبة، وأَن لا يعود لمثلها، وعليه الكفارة، وهي دينار أَو نصف دينار، على التخيير؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا ... ، والمراد بالدينار: مثقال من الذهب، فإن لم يجده فيكفي قيمته من الفضة. " انتهى. فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (2/98) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وجوبُ الكفَّارة من مفردات المذهب [يعني: مذهب الحنابلة] ، والأئمة الثَّلاثة يرون أنَّه آثم بلا كفارة.
والحديثُ صحيحٌ، لأنَّ رجالَه كلَّهم ثقاتٌ، وإذا صحَّ فلا يضرُّ انفرادُ أحمد بالقول به.
فالصحيح: أنها واجبةٌ، وعلى الأقل نقولُ بالوجوب احتياطاً." انتهى.
الشرح الممتع (1/255) ط مصر.
وكذلك أفتى بوجوب الكفارة: علماء اللجنة الدائمة، كما في فتاوى اللجنة (6/93،112) .
تنبيه: قيمة الدينار، بالوزن: (4.25) غراما تقريبا، فالواجب عليه أن يتصدق بهذه القيمة، أو نصفها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/804)
متزوج، وله مواهب متعددة، ويعاني من التخبط والفوضوية
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني لا أعرف ما هي مشكلتي بالضبط!!!! أنا شاب قاربت الثلاثين من العمر، متزوج ولدي بنت واحدة - ولله الحمد – المشكلة هي أنني شخص فوضوي لأبعد حدٍّ، متخبط جدّاً، والمشكلة أني - ولله الحمد - متعدد المواهب، فأنا شاعر، وقاص، ومبدع في التأليف، والإخراج المسرحي والتلفزيوني، وبارع في مجال الأدب والشعر، وفي مجال التاريخ، وكذلك الثقافة العامة، وفهم الواقع، سريع الحفظ، قوي الذاكرة , ومع ذلك فقد كنت مهملاً جدّاً في دراستي، مع العلم أني كنت أستطيع التفوق ولكن! أعشق النوم والكسل، نادراً ما أنجز شيئاً، أحيانا طموحاتي تتجاوز حدود الخيال، فأنا أريد أن أكون كل شيء، فعندما أجد كتاباً في التاريخ - مثلاً -: أجزم أني سأكون مؤرخاً كالطبري، وعندما أشاهد عالِماً في التلفاز - مثلا - ويعجبني: أقرر بعدها أن أكون طالب علم يشار إليه بالبنان، وبعد فترة أطالع قصيدة فأقول: سأكون شاعر الأمة الكبير، وهكذا تجدني في اليوم الواحد أقرر أن أكون أعظم رجل في العالم، وأصل إلى كل شي، وأكون، وأكون، والعجيب أني أحياناً أرسم، وأضع خططاً وبرامج وأنا مبدع في ذلك، ولكنها حبر على ورق، مع يقيني أني لو عملت ربع هذه الخطط لأصبحت أفضل بكثير مما أنا عليه الآن، والأغرب من كل هذا أني متميز في مجال التربية، والشباب، والمراكز الصيفية، ولا يستطيع أحد أن يجاريني، فالأسرة التي أكون أنا رئيسها في المركز: تكون الأولى في كل شيء، ولكني لم أستطع أن أربي نفسي. أغراضي وملابسي دائما في فوضى، كل شي بعدي يكون فوضويّاً، لا أعرف الترتيب، ولا النظام، أحس أن الأشخاص المنظمين أناس لا يستمتعون في حياتهم، أحسهم كـ " الربورتات " التي تؤدي مهامها فقط. أنا كثير الأحلام والخيال، أما في الواقع: فلا شيء، بصراحة وأنا الآن عاطل، تركت الجامعة بعد سنوات طويلة، فأنا متخرج من الثانوية قبل عشر سنوات تقريبا، دخلت الجامعة وتنقلت بين عدة أقسام فيها ... وفي مجال الأعمال الخيرية والتطوعية كنت الأبرز من بين الشباب، وإذا استلمت عمل: أُبدع فيه، ولكن سرعان ما أتركه حتى عُرف عني هذا الأمر، وأصبحت لا أُكلف بشي، مع علمهم أنني أفضل من يقوم بأي أمر. عمري يقارب الثلاثين، ولا يوجد لديَّ دخل، مع أني متزوج، ولم أتعظ، ولكني متضايق جدّاً من حالتي المزرية، وأنا جاد في البحث عن الحل. والله المستعان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، ونسأله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرِّج كربك، ورسالتك تحمل في طياتها شعوراً صادقاً للبحث عن حلٍّ لما تعيشه من اضطرابٍ في التفكير، وخلل في التصور للأهداف الحياتية، ولذا فسنحاول جهدنا الوصول بك إلى برِّ الأمان، ونرجو أن تتعاون معنا بتحقيق ما نقوله لك في واقع العمل، بعد أن تقرأه في واقع النظر.
1. إذا كنتَ مضطرباً في تحديد الهدف لحياتك فترى نفسك متنقلاً من مهنة إلى أخرى، ومن عملٍ لآخر، ومن موهبة لأختها: فلا ينبغي لك أن تتجاهل الغاية التي من أجلها خُلقت، بل خلق الإنس والجن من أجلها، وهي توحيد الله وعبادته، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/ 56، ومعرفتك لغاية واحدة خُلقت لأجلها، وسيرك في هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها هو أيضاً عامل مساعد قوي في حل مشكلتك، فإن نسيت أو غفلت أو ضيعتك هموم الدنيا فإياك أن تغفل عن غاية خلقك، واعمل جاهداً لتحقيقها، وسترى السعادة في الدنيا قبل الآخرة.
قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97. قال ابن القيم – رحمه الله -:
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول: إن في الدنيا جنَّة مَن لم يدخلها: لا يدخل جنة الآخرة.
وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
" الوابل الصيب " (ص 67) .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن غيره في " مجموع الفتاوى " (10 / 647) قوله: لقدْ كنت في حال أقول فيها: إن كان أهل الجنة في الجنة في مثل هذا الحال: إنهم لفي عيش طيب. انتهى
2. ونرى أن عندك جوانب إيجابية ينبغي لك استثمارها، وجوانب سلبية ينبغي لك التخلص منها.
ومن الجوانب الإيجابية عندك:
أ. أنك متعدد المواهب، فمثلك لا يجد صعوبة في الاستقرار على شيء، والإبداع فيه.
ب. أنك سريع الحفظ، وقوي الذاكرة، وهاتان الميزتان لم تُذكرا إلا في تراجم قليلة من أهل العلم والأدب والإبداع، فتستطيع أن تملأ صدرك بكتاب الله تعالى، وتستطيع أن تطلب العلم الشرعي فتكون من الحاملين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والذابين عنه وعن دينه.
ج. أنك تملك طموحاً قويّاً، وهذا يعني قوة الشخصية، وقوة الإرادة.
د. تميزك في جانب الدعوة إلى الله، وحفظ القرآن، والقيام بالأعمال الخيرية، وهذا يمكنك استثماره في تحقيق هدك في الحياة؛ لأن مثلك وقف على جوانب من الشرع من الآيات والأحاديث.
وأما الجوانب السلبية التي ينبغي لك التخلص منها فوراً، ودون تردد:
أ. عشقك للنوم والكسل، وهذا أمرٌ محزن أن يكون من مثلك، فأنت مفعم بالحيوية والطاقة، وتملك مواهب متعددة، وعندك طموح قوي، وكل ذلك لا يتناسب مع الكسل والنوم، وقد ذم الأطباء والعلماء والعقلاء كثرة النوم، وجعلوها في سلسلة الأمراض التي تقتل الهمة والعمل وتمرض البدن.
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: خصلتان تقسيان القلب: كثرة النوم، وكثرة الأكل.
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
وأما مفسدات القلب الخمسة: فهي التي أشار إليها: من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.
" مدارج السالكين " (1 / 453) .
وشرح ما يتعلق بالنوم فقال - رحمه الله -:
المُفسد الخامس: كثرة النوم؛ فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل، ومنه المكروه جدّاً، ومنه الضار غير النافع للبدن ... .
وبالجملة: فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثمان ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
" مدارج السالكين " (1 / 459) .
فانتبه لهذا الأمر، والتزم بأنفع النوم وأعدله، ودع عنك النوم الزائد عن الحاجة، وانظر لما يسببه من آثار سيئة، ولا ترضى لنفسك إلا بالكمال.
ب. يظهر لنا من رسالتك أنك تبحث عن المجد والشهرة، ولا يهمك تحقيق ما تصبو إليه نفسك إلا من أجل أن تكون مميزاً ويشار إليك بالبنان – على حد تعبيرك -، وهذا أمرٌ خطير، ويجب عليك التوقف عن هذه النية، والتوقف عن السعي لتحقيق مجد وشهرة؛ فإن هذا من كبائر الذنوب، وهو مُحبط للأعمال، وهو مسبب للقلق والكآبة حتى وإن تعلق بأمر غير شرعي؛ لأن سعيك لأن تكون شاعر الأمة، أو عالِماً، أو أعظم رجلٍ في الدنيا: لن يأتي من مواهب متعددة، وطموح جامح، مع كثرة نوم، بل يحتاج لكد وتعب وجد واجتهاد، وسترى نفسك مع واقعك أنك لن تصبح كذلك، فتصاب بالإحباط والكآبة، وهذا هو الواقع، وأنت قد أخطأت خطأ عظيماً، وإياك أن تبحث عن مجد نفسك وشهرتها؛ فإن ذلك سيكون على حساب الأجور والثواب إن كان في أعمالك طاعات، وسيكون على حساب صحتك وعقلك وبدنك ووقتك إن كان في أعمالك أمور دنيوية، فاحذر هذا المرض الخطير، وليكن طلبك للعلم وحفظك للقرآن من أجل الأجور التي عند الله، وليكن تنافسك مع غيرك داعياً لك للعمل والاجتهاد، دون نية إزاحة غيرك والجلوس مكانه.
ج. التخبط في الاستقرار على عملٍ معيَّن، وأنت قد حباك الله مواهب متعددة، وتملك مواصفات مميزة، وهذا التخبط سببه هو: عدم الاستقرار على شيء واحد من مواهبك وأعمالك، فالذي ننصحك به: أن تنظر أي الأشياء أقرب لقلبك من الأعمال التي تتقنها، اخترها ودع غيرها، واعمل في حقلها، وأبدع في صناعتها وإنتاجها وقيامها، على شرط أن تكون موافقة للشرع، فوضوح الهدف عندك لتحقيق عمل معيَّن سيجعلك تصرف النظر عن غيره، واستقرارك على عملٍ واحد دون غيره: سيريح بالك، ويجعلك تبدع في تحقيقه، ولك أن تتصور كم سيكون ذلك مساهماً في حل مشكلتك، وكم سيفرح ذلك زوجتك الصابرة على أفعالك وكسلك ونومك!
د. الفوضوية في ملابسك وترتيب أغراضك: أمر مخالف للفطرة والعقل، ولا يمكن لإنسان حباه الله تعالى عقلاً سليماً ويستمتع بالفوضى وعدم الترتيب، وهب أنك جئت مطعماً لتأكل فيه، ووجدته فوضويّاً كما هو حالك: فهل ستستمتع بالأكل فيه؟ وهب أنك جئت محلا للبقالة لتشتري غرضاً فلم تجد رفوفاً ولا ترتيباً للمواد، ولا تصنيفاً لها، وسألت صاحب المحل عن شيء منها، فقال لك: ابحث في كل أغراض المحل فستجده بينها! فأي عاقل يمكن أن يقول إن هذه الفوضى خير من الترتيب والتنظيم والتصنيف للمواد؟! وقل مثل ذلك في شئون حياتك كلها، فالاستمتاع – أخي الفاضل – هو بوضع كل شيء في مكانه المناسب، والاستمتاع بالنظافة، والطهارة، والترتيب، وليس بعكس ذلك.
أخي الفاضل:
احرص على ما عندك من أمور إيجابية، ونمِّها، وقوِّها، وتخلص مما عندك من سلبيات، واعلم أنك مسئول عن نفسك، وعن زوجتك، وابنتك، فأي زوج تحب أن تكون؟ وأي أبٍ تود أن تراه ابنتك؟ الأمر يرجع إليك في الانطلاق نحو الكمال، وأن تدع عنك الكسل، وتنهض لتقوم بعملٍ واحد شرعي، تبدع فيه، وتحقق آمالك بالعمل المستقر، والحياة الهانئة، فتسعد، وتسعد زوجتك، وابنتك، ولا تنس الهدف الأسمى الذي خُلقت من أجله، وهو توحيد الله وعبادته، فأكثر من الأعمال الصالحة، واستثمر ذاكرتك وقوة حفظك في إتمام حفظ كتاب الله تعالى، والالتزام بحلقات العلم، واسأل ربك تعالى أن يوفقك، وأن يهديك لما فيه صلاح، وصلاح أسرتك.
ننصحك بأن تبحث عن عمل وظيفي تلتزم به، يكون متناسبا مع أقرب مواهبك إلى نفسك، وأولاها عندك بالعطاء والإبداع، ولو أمكن أن تعرض شيئا من أعمالك على بعض المجلات الإسلامية، أو المواقع الإلكترونية الإسلامية، فربما تجد فرصة للعمل والعطاء عندهم، وربما يجدون هم ـ أيضا ـ عندك من الموهبة والعطاء، ما يمكن أن ينفع الناس بما عندك من الخير، وتستثمر فيه النعمة التي رزقك الله، شريطة أن تكون جادا في الالتزام، عازما على إصلاح نفسك وتغييرها.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/805)
تزوجت مكرهة من والدها وزوجها يصر على الانتقام منها وعدم تطليقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب لكم قصتي هذه ودموعي على خدي، قصتي بدأت منذ أربع سنوات، وبالتحديد حين كنت في السنة الأولى في الجامعة، حيث تقدم ابن عمتي لأبي طالباً الزواج مني، وحينها رفضت هذا الزوج؛ نظراً لرغبتي الأولى والأهم، وهي إكمال دراستي، والسبب الآخر هو أن علاقة والدتي وعمتي ليست علاقة صافية، حيث كانت تشوبها المشاكل، والتي أثرت على علاقتي وإخواني بعمتي وأبنائها منذ صغرنا، وقد قام والدي بعدة محاولات لإقناعي بالقبول، ولكني رفضت وبكل شدة، وبتأييد من والدتي وجميع إخواني، وكذلك من بعض الأقارب , بعد ذلك قام والدي بالضغط عليَّ وإرغامي على الموافقة، وكنت مستمرة في الرفض، وعندها غضب مني والدي، وربط موافقتي بإكمالي للدراسة حيث قال لي: إن رفضتِ الزواج: فلن تكملي دراستك، وأصبح لا يكلمني لعدة أيام، وحتى لا يريد النظر إليَّ، عندها اضطررت إلى الموافقة على مضض، وذلك حتى لا أخسر والدي، والجامعة، وتم عقد القران مع وجود شرط من والدتي بألا يتم الزواج قبل سنتين من تاريخ المِلكة، ومن يوم الملكة لم أرَ زوجي، وحتى لم يقم بالاتصال بي أو السؤال عني كأي زوجين يعيشان أحلى فترة وهي فترة المِلكة، ومضت سنة وسنتان وثلاث وأربع ونحن على نفس الحال لم أرَ زوجي من يوم المِلكة، وحتى كتابة هذه السطور، وكذلك لم يتم تحديد موعد للزواج، فأصبحت معلقة، لا أدري ما هو مصيري، أنا متزوجة بدون زوج، وكان رد عمتي عند أي سؤال منا في هذه الفترة حول الزواج تقول: قريباً بإذن الله، إلى أن تخرجت من الجامعة، وحينها علمت عمتي برغبتي بالعمل، أخبرتني بأن ابنها يرفض عمل المرأة، ويجب ألا تعملي، وبعد مناقشة لهذا الموضوع بوجود والدي ووالدتي وعمتي قالت عمتي لأبي: أنا سأخبرك بأني تعبت كثيرا لأقنع ابني بإتمام الزواج، ولكنه رافض، وطلبت من والدي بأن يقوم هو بإقناع ولدها بإتمام الزواج، وحينها غضب والدي، ورفض، ولكنها قالت: بأنها ستقنعه، وبعدها قام زوجي بالاتصال بي، وكان يكلمني بدون نفس، ويحاول استفزازي في المكالمة، ولم أعرف ماذا يريد من هذا الاتصال، وبعد عدة أيام اتصلت عمتي وأخبرتنا بأنها ستقوم باختيار قاعة لإقامة الزواج في الصيف، وبعدها قام زوجي بمكالمتي مرة أخرى، وأخبرني بأنه لا يحبني، ولا يريدني، ولكنه يريد الانتقام فقط، ولا أعلم ما السبب في جعله يحمل كل هذه العداوة تجاهي، عندها قررت أن أصارحه بالحقيقة - والتي هددني والدي بالقتل إن ذكرتها - وهي أني وافقت رغماً عني، وعند علمه غضب بشدة، وقال لي: لن أطلقك بعد 4 سنوات ضاعت من حياتي، ولن أكون الضحية وحدي، بل يجب أن تخسري أنت كذلك، وسأتزوجك، وأطلقك بعد شهر، أو شهرين، حتى تخسري أنت كذلك، وإذا كنتِ لا تريدين مني الدخول عليكِ فلن أدخل، وبعد يومين، أو ثلاثة، اتصلت عمتي، وأخبرتنا بتحديد موعد الزواج، وقمت وقتها بالاتصال على زوجي، وبأملي الأخير بأن يطلقني، وحاولت معه، لكنه رفض بشدة بحجة الانتقام، وعند إخباري لوالدي ووالدتي - والتي تغيرت من تأييدي إلى تأييد أبي خوفا من كلام الناس - بكلامه قالا لي: إن كل شيء سيتغير بعد الزواج، كما قالا لي: بأن الناس سيتكلمون كثيراً إذا طلقك بعد 4 سنوات من الملكة؛ حيث إن هم أهلي الأول والأخير هو كلام الناس وبدون تفكير في مصيري أنا، وقد قام إخواني وبعض أقاربي بمحاولة إقناع والداي بعدم إتمام الزواج، ولكن دون جدوى. أنا الآن أرى الأيام تسير بسرعة، ولا أستطيع فعل أي شيء في زواج أرى أنه فاشل، ولن يستمر أبدا، نظراً لكرهنا لبعضنا، علما بأن الزواج تم تحديده في بداية شهر رجب. آمل منكم إفادتي عن صحة هذا الزواج شرعيّاً، خاصة إنني مرغمة ومجبرة على الموافقة، وماذا يجب عليَّ فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أخطأ والدك خطأ بالغاً إذ أكرهك على الزواج بمن لا ترغبين، وممارسته للضغوط عليكِ حتى توافقي على ابن عمتك أمر لا يرضى به الشرع، ولا تترتب على ذلك الإكراه آثار الزواج الشرعي.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) . رواه مسلم (1421) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"المرأة لا ينبغي لأحدٍ أن يزوِّجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت ذلك: لم تُجبر على النكاح، إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها، ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب: فلا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب، ولا لغيره، بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزوجيها بدون إذنها، بإجماع المسلمين، فأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها، واختلف العلماء في استئذانها هل هو واجب أو مستحب، والصحيح: أنه واجب، ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وينظر في الزوج هل هو كفؤ أو غير كفؤ؛ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته، وليس له أن يزوجها بزوج ناقص لغرض له" انتهى.
" مجمع الفتاوى " (32 / 39، 40) .
ثانياً:
إذا زوج الأب ابنته بدون رضاها، فالنكاح غير لازم لها، فإن شاءت ردَّت النكاح، وإن شاءت أمضته.
بوَّب البخاري رحمه الله: " باب إذا زوَّج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود ".
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه أبو داود (2096) وابن ماجه (1875) ، وصححه ابن القيم في " تهذيب السنن " (3/40) والألباني في " صحيح أبي داود ".
والذي ننصحك بفعله هو الإكثار من دعاء الله تعالى الذي يجيب المضطر إذا دعاه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النحل/62.
واستعيني بعقلاء أهلك: أعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك ونحوهم ويجب عليهم أن يتدخلوا وينصحوا أباك وينصحوا الزوج بأن يطلق.
فإن لم يفد ذلك فنرى أن ترفعي أمرك إلى القاضي الشرعي، ونسأل الله تعالى أن يفرج كربك.
ثالثاً:
نوصي الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يكف ظلمه عمن عقد عليها، ونوصيه أن يسرحها بإحسان، ولا ندري كيف يقبل مسلم أن يقبل الزواج بامرأة لا ترغب بالزواج منه، ونذكر هذا الزوج بأن كل الذنوب يؤخرها الله إلا الظلم والعقوق، وليعلم أنه سيتزوج عاجلاً أم آجلاً، وأنه قد يرزق بنين وبنات، فليحذر من أن يعاقبه الله في بناته بأن يتزوجها من يرغب بالانتقام منها أو من أهلها، فيكون هذا ابتلاء لها وعقوبة له، وليحذر من عقوبة الله له دنيا وأخرى، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) . رواه مسلم (2577) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه البخاري (2315) ومسلم (2579) .
وقال بعض السلف: " إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك "
ولله در الشاعر حين قال:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
فتذكر أيها الزوج موقفك أمام الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة، يوماً يشيب منه الولدان، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوماً ينادي الملك الجبار خالق كل شيء: لمن الملك اليوم؟ ولا مجيب، فليس هناك مَلِكٌ إلا هو، وليس هناك صاحب سلطان إلا هو عز وجل.
ونوص أباك وأهلك جميعاً أن يتقوا الله تعالى ولا يحملنهم الخوف من كلام الناس على ظلمك، فإنهم مسئولون عن هذا الظلم يوم القيامة (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (893) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه مسلم (142) .
وما يريده أبوك وأمك منك هو من الغش لك وعدم النصح، فليحذروا من هذا الوعيد الشديد الوارد في هذا الحديث، ونسأل الله تعالى أن يهدي أهلك، ويفرج كربك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/806)
تردد نصرانية تريد الإسلام وتسأل عن علاقتها بأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة نصرانية وأحب رجلاً مسلماً وأريد أن أتزوجه، أرشدني للإسلام حتى رأيت الأدلة العلمية على صحة الإسلام، أنا الآن في موقف حيادي فلست نصرانية ولست مسلمة، أنا حقاً أريد أن أعتنق الإسلام وأحاول جاهدة، بالحقيقة فقد كنت متمسكة بالنصرانية جدّاً ولكنني فقدت هذا الشعور وقد وافقت عائلتي على دخولي في الإسلام إن كان هذا يرضيني وإن شاء الله فسوف أسلم قريباً ولكنني قلقة لأنني لا أستطيع الحصول على الطمأنينة والرغبة التامة فيما أريد فعله، إذا لم أشعر بالطمأنينة والرغبة حين دخولي الإسلام فسأشعر بأنني سوف أسلم فقط لأتزوج هذا الرجل وهذا ما لا أريده وأنا أريد أن أسلم لله وقد احترت في أمري فماذا أفعل؟
سؤالي الثاني: إذا أسلمت فهل أستطيع أن أقابل أفراد عائلتي غير المسلمين؟ قرأت في موقع إسلامي أن الزوج إذا منع زوجته من الذهاب إلى أماكن لا يحبها أو أن تفعل أشياء لا يريدها فعلى الزوجة أن تطيعه في هذا، أنا أحب عائلتي جدّاً جدّاً وهم كذلك يحبونني جدّاً ولذلك فهم لا يمانعون من دخولي في الإسلام ولذلك فأنا لا أريد أن أتركهم وهم كذلك لا يريدون أن يفقدوني.
أرجو أن توضح لي هل يمكن أن أقابلهم وأن أحتفل معهم بالأيام الخاصة وهل أستطيع أن أتبادل معهم الهدايا في الأعياد الخاصة كعيد ميلاد المسيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن التردد في دخول الإسلام لا ينبغي أن يصدر من امرأة مثلك، لها مثل هذا الأسلوب في الكلام، وعندها من العقل والحكمة ما تعرف به الصواب من الخطأ، بل ينبغي أن تكوني مرشدة لغيرك من الحيارى والتائهين.
واعلمي أن الشيطان هو الذي يحول بينك وبين الجزم بدخول الإسلام، وأنه هو الذي يوهمك أن دخولك الإسلام ليس من أجل القناعة الذاتية به، وأنك لن تكوني مطمئنة، وغير ذلك مما يقذفه في قلبكِ وعقلكِ، ويجعلكِ تترددين في قرار فيه سعادتك في الدنيا والآخرة.
إن إسلامك هو لله سبحانه، وما كان الرجل المسلم إلا سبباً فيه، وطريقاً إليه، وليس يعيب الرجل أن يسلم بسبب امرأة تنصحه وتهديه، وليس يعيب المرأة أن تُسلم بسبب رجل ينصحها ويهديها، وإليك قصة امرأٍة في الإسلام لا يُعرف لها نظير، فهي من نوادر هذه الأمة، وتفكِّري جيّداً في حادثتها:
عن أنس بن مالك قال: خطبَ أبو طلحة أمَّ سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تُسلم: فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلمَ، فكان ذلك مهرها.
قال ثابت – تلميذ أنس -: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم، الإسلام، فدخل بها، فولدت له.
رواه النسائي (3341) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
واعلمي أنه سرعان ما سيدخل الإيمان إلى شغاف قلبك، ولن تكون الدنيا كلها تعدل عندك العيش ساعة واحدة متقلبة في هذه النعمة العظيمة، ولقد كان بعض الناس يدخلون الإسلام من أجل المال، فسرعان ما يحبون الإسلام ويحاربون من أجله ويبذلون فيه الغالي والنفيس.
فعليك أن تجاهدي نفسك، وأن تعلمي أن الشيطان يريد أن يصدك عن السعادة وعن دين الفطرة والعقل، وأنت ستختارين دين آدم وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى عليهم السلام، دين الفطرة التي خلق الناس عليها، فهذا الكون ليس له إلا ربٌّ واحد لا شريك له، هو المستحق للتوحيد والعبادة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يُرسل إلا بما أرسل به الرسل من قبله، فكوني مع طائفة أتباع الأنبياء والرسل تسعدي في الدنيا والآخرة.
ثانياً:
لن يمنعك الإسلام من اللقاء بأسرتك، بل سيوصيكِ بهم أكثر لتكوني مثالاً حسناً للمرأة المسلمة، ولتعينيهم على اعتناق هذا الدين، فأولى الناس أن يشاركك في هذه النعمة هم أهلُك وأفراد أسرتك.
قالت أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم (تعني: المدة التي عاهد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على ترك القتال فيها) ، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصلُ أمِّي؟ قال: نعم، صلِي أمَّك ".
رواه البخاري (ومسلم (1003) .
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يأذن بأن يصل المسلم أهلَه الذين هم على غير دين الإسلام، حتى لو كان هؤلاء الأهل يدعونه لترك دينه وأن يصبح مشركاً فإن الإسلام مع نهيه له أن يجيبهم لدعوتهم تلك، أمره أن يحسِن إليهم ويتلطف معهم.
قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان / 14-15.
وقد اهتمَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة أهله إلى الدين وظلَّ يزورهم ويدعوهم حتى إنه زار عمَّه أبا طالب وهو في الرمق الأخير وعرض عليه الإسلام.
فليس هناك ما يمنعك من زارة أهلك، وليكن ذلك بالاتفاق مع زوجك، وعليك أن تنتهزي هذه الزيارة لدعوتهم إلى الحق والخير والأخذ بأيديهم إلى النجاة.
والمحرَّم في مثل هذه الزيارات هو ما يكون فيها من اختلاط النساء بالرجال، أو مصافحة الرجال الأجانب، أو المشاركة في أعيادهم، ولا يخفى عليكِ أن ما جاء به الإسلام من أحكام إنما هو لمصلحة الناس الدنيوية والأخروية، ولا بأس من تبادل الهدايا معهم، وقد يكون ذلك سبباً في تأليف قلوبهم وترغيبهم في الإسلام، ما لم تكن الهدايا بسبب أعيادهم لاسيما الدينية فلا يجوز لك قبولها ولا إهداؤها لأن ذلك من الإعانة لهم على باطلهم والرضا به.
يراجع سؤال رقم (1130)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/807)
تريد مفارقته، وهو لا يرغب بذلك، والحكومة لا تعترف بعقد زواجهما!
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تزوجت رجلاً إسلاميّاً، والعقد الإسلامي لا يُعترف به هنا في ألمانيا، والآن تريد أن تتطلق منه، وهو لا يريد، ويقول: إنها لا تستطيع، ماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا توفرت أركان عقد الزواج كاملة: فالعقد صحيح، وإن لم يوثَّق في الدوائر الرسمية.
ولكن ينبغي عدم التهاون في تسجيله حتى لا يؤدي ذلك إلى التلاعب أو إنكار أحد الزوجين للعقد.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من غير ضرورة أو حاجة ملحة.
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل هناك دليل شرعي فيه لعن للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب شرعي؟ .
فأجاب:
"لا أحفظ حديثاً في اللعن، لكن هناك وعيد شديد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وهذا وعيد شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن رائحة الجنة حرام عليها، فهذا وعيد شديد، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها، وفي بعلها، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس" انتهى. وستأتي قصتها.
" لقاءات الباب المفتوح " (8 / السؤال رقم 18) .
وينبغي التنبه إلى أن الممنوع في حقها هو طلب الطلاق من غير بأس، فإن كانت كراهيتها للبقاء معه بسبب سوء خلقه، أو تقصيره في الحقوق الزوجية: جاز لها طلب الطلاق، وبالطلاق تأخذ كامل حقوقها المالية منه، وأما إن كانت الكراهية من قبَلها، وكانت لا تستطيع البقاء معه مع عدم وجود ما يعيبه في دينه وخلقه: فإنها لا تطلب الطلاق، بل تطالب بالمخالعة، فتدفع له المهر الذي أعطاها، ثم يفارقها.
وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله:
رجل تزوج امرأة، ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته، فقال لها بعد الدخول: إن شئت خالعتك، فرفعت أمرها للقضاء، وحصلت على الطلاق، وهو يرغب في بقائها معه، فهل يقع هذا الطلاق؟ .
فأجاب:
"هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع - والخلع معناه: أن يفارق الزوج زوجته بعوَض، سواء كان العوض منها، أو من أبيها، أو من رجل أجنبي - ونحن نقول:
أولاً: لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، أما إذا كان هناك سبب شرعي، بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلُقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين: فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها، ثم يفسخ نكاحها.
ودليل ذلك: (أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة، فقالت: نعم يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) ، فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها: فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ إنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها.
أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) .
وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة: فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً، حتى يكون ذلك خلعاً شرعيّاً" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (54 / السؤال رقم 1) .
والخلاصة:
أن العقد بين الزوجين – كما هو الظاهر –صحيح، ولا يجوز لها طلب الطلاق من زوجها إلا من ضرورة، فإن كانت كراهية البقاء معه بسبب من الزوج: طلبت الطلاق وأخذت حقوقها كاملة، وإن كانت الكراهية من قبَلها: طلبت المخالعة، ويفضَّل أن يقبل بها، ولا يمانع.
والذي نشير به عليهما: توسيط أهل الخير من أهل العلم والحكمة للإصلاح بينهما، فإن وصلت الأمور لطريق مسدودة: فلا يجوز لها الزواج من غيره اعتماداً على عدم اعتراف الحكومة الألمانية بعقد زواجها، بل لا بدَّ من أن يكون الفراق بينها وبين زوجها وفق الكتاب والسَّة، وحينئذ، فلابد للزوجين من الذهاب إلى أحد المراكز الإسلامية ليتم حل مشكلتهما وفق أحكام الشريعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/808)
المعاشرة الزوجية مع وجود الطفل الرضيع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث: (إذا أراد الرجل أن يجامع زوجته يخرج الرضيع من الغرفة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحياء خلق المسلم، يرتفع به عن كل دنيء من الأعمال والأقوال، ويحافظ به على كريم العادات وجميل الصفات، وهو من الإيمان، وعلامة الفضل والإحسان، وهو أيضا من الفطرة التي ركبها الله في النفس البشرية، لا يتركه إلا من ارتكست فطرته وبلي إيمانه.
وللحياء مظاهر كثيرة، منها: التستر حال الجماع عن أعين الآخرين، بل وعَن سمع الآخرين، عن كل مَن يدرك ويميز ما يراه ويسمعه؛ لما في الجماع من كشف العورات التي جاء الإسلام بسترها، ولما يخشى من إثارة شهوة الناظر أو السامع، ووقوع ذلك في قلبه موقعا سيئا، أو تحدثه بما رآه بين الناس، فينشر أسرار البيوت التي بناها الإسلام على الستر والعفة والحياء.
قال ابن حزم في "المحلى" (9/231) :
" الاستتار بالجماع فرض , لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (9/228) :
"لا يجامع بحيث يراهما أحد , أو يسمع حسهما، ولا يقبلها ويباشرها عند الناس.
قال أحمد: ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله" انتهى.
أما إخراج من لا يميز ولا يدرك كالطفل الرضيع فلم يرد فيه أمر من الشرع، وليس فيه حديث نبوي، والنص الذي ورد في السؤال ليس بحديث، وإنما هو قول لبعض فقهاء المالكية، اعتمادا على أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أراد جماع أهله أخرج الصبي في المهد، مبالغة في التستر والحياء، وليس بيانا لحكم شرعي ولا إيجابا له، ولا بأس بتقليده لمن أحبه ووجد سعة في بيته ولم يخش ضررا على الطفل أن يمكث وحده من غير مراقبة، أما أن يقال بلزومه مطلقا، فهذا بعيد.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (3/178) :
"يُخِلُّ بالاستتار وجود شخص مميز مستيقظ معهما في البيت , سواء أكان زوجة , أم سرية (أَمَة) , أم غيرهما , يرى أو يسمع الحس , وبه قال الجمهور , وقد سئل الحسن البصري عن الرجل يكون له امرأتان في بيت , قال: كانوا يكرهون – يعني: يُحَرِّمُون، كما هو اصطلاح السلف - أن يطأ إحداهما والأخرى ترى أو تسمع.
ويُخِلُّ بالاستتار وجود نائم , نص على ذلك المالكية , فقال الرهوني في "حاشيته على شرح الزرقاني لمتن خليل": لا يجوز للرجل أن يصيب زوجته أو أمته ومعه في البيت (يعني في نفس الغرفة) أحد يقظان أو نائم؛ لأن النائم قد يستيقظ فيراهما على تلك الحال.
ويَخِلُّ بالاستتار - عند جمهور المالكية - وجود صغير غير مميز , اتباعا لابن عمر الذي كان يخرج الصبي في المهد عندما يريد الجماع.
وذهب الجمهور - ومنهم بعض المالكية - إلى أن وجود غير المميز لا يخل بالاستتار ; لما فيه من مشقة وحرج " انتهى.
وانظر: "المدخل" لابن الحاج المالكي (2/184) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/380) – من الطبعة المصرية -:
" الصحيح في هذه المسألة أنه يحرم الوطء بمرأى أحد، اللهم إلا إذا كان الرائي طفلاً لا يدري، ولا يتصور، فهذا لا بأس به، أما إن كان يتصور ما يفعل، فلا ينبغي أيضاً أن يحصل الجماع بمشاهدته ولو كان طفلاً؛ لأن الطفل قد يتحدث بما رأى عن غير قصد.
فالطفل الذي في المهد - مثلاً – له أشهر، هذا لا بأس به؛ لأنه لا يدري عن هذا الشيء، ولا يتصوره، لكن من له ثلاث سنوات، أو أربع سنوات، يأتي الإنسان أهله عنده، فهذا لا ينبغي؛ لأن الطفل ربما في الصباح يتحدث، فلهذا يكره أن يكون وطؤه بمرأى طفلٍ، وإن كان غير مميز، إذا كان يتصور ويفهم ما رأى " انتهى.
والخلاصة: أن ما ذكر في السؤال ليس بحديث نبوي، وإنما هو قول لبعض الفقهاء، والصواب الذي عليه الجمهور أنه لا حرج من وجود الطفل الرضيع حال الجماع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/809)
هل يجوز إتيان الزوجة في حملها؟ وهل له فوائد أو مضار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوصايا والإرشادات التي تخص إتيان الزوجة وهي حامل في الشهر التاسع؟ وهل الجماع خلال هذه الفترة مكروه، أو فيه ضرر عليها، أو يؤدي إلى الإسراع في إنجاب الطفل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز الاستمتاع بالزوجة على كل الأحوال، وفي كل الأوقات، إلا ما نهى الشرع عنه، من الإتيان في الدبر، أو وقت الحيض، والنفاس.
أما الحامل: فليس هناك دليل يحرم جماعها إلا إذا خيف الضرر على الجنين، ويقدر ذلك الطبيبة المتمرسة في مهنتها.
قال الله تبارك وتعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/ 223.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
قال ابن عباس: الحرث موضع الولد.
(فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي: كيف شئْتم، مقبلة ومدبرة في صِمام واحد، كما ثبتت بذلك الأحاديث.
" تفسير ابن كثير " (1 / 588) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
متى يجب على الرجل أن يتجنب الجماع مع زوجته خلال فترة الحمل؟ وهل الجماع ـ خاصة خلال الثلاثة الأشهر الأولى من الحمل ـ يؤدي إلى ضرر بالجنين؟
فأجابوا:
"لا بأس بجماع الحامل ما لم يكن فيه ضرر على الحمل، وإنما الممنوع جماع الحائض؛ لقوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) البقرة/ 222.
ومثلها النفساء حتى تطهر من النفاس، والمحرمة بحج أو عمرة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 353) .
وسئل الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله عن جماع الحامل.
فأجاب:
"ليس في الشريعة الإسلامية نهي عن جماع الرجل زوجته الحامل، وإنما النهي خاص بجماع المرأة الحائض أو النفساء، وأما إذا قرر الأطباء لامرأة معينة لظروفها الصحية أن جماع زوجها يضر بها: فهذه حالة خاصة لا يقاس عليها" انتهى.
" فتاوى وبحوث الشيخ عبد الله بن منيع " (4 / 228) .
وانظر جواب السؤال رقم (21725) .
ثانياً:
وأما أن الجماع في الشهر الأخير من حملها يضر الزوجة: فهذا يُرجع فيه لأهل الاختصاص، وهو يختلف باختلاف طبيعة المرأة، وحملها، والآثار الناشئة عن الحمل، وأما من حيث الأصل: فلا ضرر على المرأة ولا على الجنين من الجماع في الحمل، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم شبَّه الجنين بالزرع، ومني الرجل بالماء الذي يسقي هذا الزرع، وهذا يدل على استفادة الجنين من ماء الرجل، مما يعني فائدة الجماع والإنزال في رحم الزوجة الحامل.
قال ابن القيم رحمه الله:
"قال الإمام أحمد: الوطء يزيد في سمعه وبصره ".
" زاد المعاد " (5 / 140) .
وأما بخصوص أنه يسرِّع في إنجاب الطفل: فهذا قول بعيد عن الصحة، إلا إن كان الجماع عنيفاً، والرحم ضعيفاً، هكذا يقول أهل الاختصاص.
وعلى الزوج أن يراعي نفسية زوجته الحامل، وتعبها، وخاصة في الأيام الأخيرة، وعليه أن يختار الوضعية المناسبة للجماع حتى لا تتضرر الزوجة، ويتضرر جنينها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/810)
هل ترفض طلب زوجها الجماع إذا عرفت أنه سيضيع صلاة الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن المرأة تلعنها ملائكة السماء إذا رفضت جماع زوجها، فماذا لو أن طاعة الزوج في ذلك قد تجعله يرتكب ذنبًا عظيمًا، مثلاً: قد لا يقوم بالاغتسال قبل الفجر فيضيع عليه صلاة الفجر، فهل لي أن أرفض في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التقصير في أداء الصلاة المفروضة وإخراجها عن وقتها من كبائر الذنوب، والذي يعتاد ذلك ويتساهل فيه على خطر كبير، إنما يمضي في هلكته في الآخرة، ويسعى في خسارته عند الله تعالى.
والواجب أيضا على الزوجة أن تعين زوجها على طاعة الله، وتجنبه المعاصي ما استطاعت إليه سبيلا، بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، والأخذ بالأسباب المشروعة، وليس الممنوعة.
فإذا استطعت أن تتفقي مع زوجك على وقت تتمكنان بعده من أداء الصلاة في وقتها، والمحافظة عليها، فهو أفضل.
وإلا فما عليك إلا النصح والوعظ، وإعانته على الصلاة بالتلطف والإحسان، فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فهو الذي يتحمل الإثم وليس أنت، ولا يجوز لك الامتناع من فراشه إذا علمت منه التقصير، فكل مكلف يتحمل تبعة ما يعمل، ويسأل عما كسبت يداه وليس أحد غيره.
ثم إن هناك فرقا بين تخلف الزوج عن أداء الصلاة جماعة، فهذا إثم، ولكنه أقل شأنا من تخلفه عن أداء الصلاة في وقتها، فإن الإثم في هذه الحالة عظيم إذا تعمد صاحبه الوقوع فيه.
وعلى كل حال نسأل الله تعالى لك التوفيق والقبول، لما نرى من حرصك على صلاتك وصلاة زوجك، ونسأله عز وجل أن يلهم جميع المسلمين محبته ورجاءه والخوف من عقابه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/811)
اعترف رجل أنه زنى بها وعند زوجها قرائن على ذلك فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ 13 سنة، ولي بنتان: 11 سنة، و 9 سنوات، قبل - عدة أسابيع - أكتشف بالصدفة حدوث مكالمات تليفونية طويلة المدة، ومجهولة، على هاتف المنزل، ثم علمت فيما بعد أن مع زوجتي هاتفاً محمولاً سرّاً، والأخطر هو خروجها من المنزل بدون علمي، وعندما أواجهها إما أن تنكر، أو ترد بتبريرات واهية، اشتكيت لأهلها دون جدوى؛ نظراً لإصرارها الدائم على نفي حدوث أي خطأ؛ وعدم وجود شخص قوي محايد، أخيراً تلقيت عدة مكالمات تليفونية على محمولي تفيد أنها سرقت مبلغاً كبيراً من المال من عشيقها، ثم قابلني هذا الشخص، وادعى أنه زنى بها مرات عديدة داخل منزلي! ووصف لي البيت بدقة، وأدق الأسرار الزوجية التي لا يعرفها ألا أنا وهي - أسرار عني، وعن البنات، وعن أسرتها، وفَرش حجرة النوم , وكذلك رقم هاتفها المحمول الذي لم أكن أعلم أنها تمتلكه أصلاً، وتفاصيل خلافاتنا الزوجية، وصفات كاذبة عني، وعن أهلي، ثم ادعى أنها في إحدى المرات سرقت منه المال بعد أن زنى بها، الأدهى أنها لا تزال على الإنكار دون إبداء أي تفسير عن تلك المعلومات السليمة والمفصلة!! وترفض الطلاق على اعتبار أنها ضحية مكيدة من هذا الرجل اللعين!! أحيانا تُظهر التوبة، وقراءة القرآن والصلاة، أمامي، وأحيانا أخرى تنهال عليَّ بالشتائم لأتفه الأسباب!! المشاكل بيننا تتفاقم، واستمرار الحياة الزوجية مستحيل، البنات في حالة انهيار كامل، حالتي النفسية سيئة جدّاً، وكذلك مستوى أدائي في العمل الآن , وبعد أدائي صلاة الاستخارة عشرات المرات لا أريد الإبقاء عليها كزوجة، وعليه: ليس أمامي إلا التفاهم معها على الطلاق بالتراضي، ولكن شروطها المادية مبالغ فيها جدّاً؛ على اعتبار أنها بريئة، وترفض الطلاق، وطلباتها كالآتي: 30000 نفقة متعة، وحسبتها كالآتي: (500 شهريّاً - 12 شهر، 5 سنوات -) + نفقة عدة 3000 (1000، 3 شهور) + 5000 مؤخر صداق + 1200 نفقة شهرية للبنات!! + كل محتويات شقة الزوجية + مصاريف العلاج والدراسة والكسوة + شقة تمليك جديدة لحضانة البنات!! . الأسئلة: 1. هل من حق تلك المرأة أن تطلب مثل تلك الطلبات، خصوصاً نفقة المتعة؟ 2. هل من حقي طلب اللعان بيننا؟ . 3. هل من حقي طردها من شقة الزوجية الحاليَّة أو نقل مسكن الزوجية إلى مكان آخر؟ . 4. فما هو رأي الدين والقانون فيما حدث، وبماذا تنصحوني أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الواضح أن الحياة مع تلك الزوجة أضحت مستحيلة الاستمرار، وسواء صدقت أم كذبت فإن القرائن التي تملكها كافية لتجعلك تطلقها، وتبحث عن امرأة صالحة مطيعة، ولا ندري كيف تطيب لك حياة لدقيقة واحدة معها وأنت قد علمت بتلك المكالمات، والسرقة، والخروج من البيت دون إذنك، وكل ذلك قد يتحمله المرء، لكن أن يأتيك من يزعم أنه زنى بزوجتك! ويصف لك البيت وغرفة النوم بدقة! : فهذا ما لا يتحمله المرء، ولأن يموت أهون عليه من سماع هذا لو كان كذباً، فكيف وقد اجتمعت ـ مع ذلك ـ قرائن كثيرة على صدقه؟!! .
ثانياً:
جاءت الشرائع السماوية بما يحفظ الأعراض من انتهاكها، ومن قذفها واتهامها بالباطل، وقد رتبت الشريعة المطهرة الحد على من قذف امرأة أو رجلاً، واتهم أحدهما بارتكاب فاحشة الزنا، وشرع الله تعالى أن يُجلد القاذف ثمانون جلدة، وأن لا تُقبل شهادته، وهو من الفاسقين، إلا أن يشهد أربعة واقعة الزنى، ويرون الميل في المكحلة.
وقد استثني الزوج من هذا الحكم، وذلك أن تقوم أيمان أربعة يحلفها أنها زانية مقام الشهود الأربعة، فإن حلف تلك الأيمان فإنها تستحق الرجم، ويمكنها أن تدفع الرجم عنها بأربعة أيمان تحلفها أنه من الكاذبين، وهنا يفرَّق بينهما، ولا يلتقيان بعدها، وهذا هو ما يسمى " اللعان "، ويكون بالشهادة عليها بالزنى، وبنفي الحمل أن يكون منه، وبنفي الولد الذي تنجبه.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة: وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ...
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (9 / 30) .
ثالثاً:
وزنى الزوجة لا يوجب فسخ النكاح، ولا يُسقط مهرها، وقد فرَّقت الشريعة بين ابتداء نكاح الزانية فلم يكن جائزاً، وبين دوام النكاح فلم يكن محرَّماً عليه إمساكها، فإن تابت وحسنت توبتها: فخير تقدمه لنفسها، وإن أصرَّت على زناها: فلا خير فيها، ويحل له أن يطلقها، كما يحل له أن يضيق عليها لتفتدي نفسها منه.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
الزوج له أن يستوفي حد الفاحشة من البغي، الظالمة له، المعتدية عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الرجل على امرأته (وأن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه) فلهذا كان له أن يقذفها ابتداء، وقذفها إما مباح له، وأما واجب عليه إذا احتاج إليه لنفي النسب، ويضطرها بذلك إلى أحد أمرين: إما أن تعترف، فيقام عليها الحد، فيكون قد استوفى حقه، وتطهرت هي أيضاً من الجزاء لها، والنكال في الآخرة بما حصل، وإما أن تبوء بغضب الله عليها، وعقابه في الآخرة الذي هو أعظم من عقاب الدنيا؛ فإن الزوج مظلوم معها، والمظلوم له استيفاء حقه إما في الدنيا وإما في الآخرة، قال الله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) بخلاف غير الزوج، فإنه ليس له حق الافتراش، فليس له قذفها، ولا أن يلاعن إذا قذفها؛ لأنه غير محتاج إلى ذلك مثل الزوج، ولا هو مظلوم في فراشها، لكن يحصل بالفاحشة من ظلم غير الزوج ما لا يحتاج إلى اللعان؛ فإن في الفاحشة إلحاق عار بالأهل، والعار يحصل بمقدمات الفاحشة.
فإذا لم تكن الفاحشة معلومة بإقرار، ولا بينة: كان عقوبة ما ظهر منها كافياً في استيفاء الحق، مثل الخلوة، والنظر، ونحو ذلك من الأسباب التي نهى الله عنها، وهذا من محاسن الشريعة.
" قاعدة في المحبة " (ص 202، 203) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في عدم سقوط المهر -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
وانظر جوابي السؤالين: (83613) و (42532) .
رابعاً:
وعليه: فقد علمتَ أنه يجوز لك أن تلاعنها لما عندك من قرائن على وقوعها في الزنا، وعليك تحمل آثار أيمانك، وإن أردت السلامة فطلقها من غير ملاعنة، وإن لاعنتها: فلها مهرها، وليس لها نفقة ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً ولم ينف حملها.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
لا نفقة لها عليه، ولا سكنى، كما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق لحكمه في المبتوتة التي لا رجعة لزوجها عليها، وأنه موافِق لكتاب الله، لا مخالف له، بل سقوط النفقة والسكنى للملاعَنة أولى من سقوطها للمبتوتة؛ لأن المبتوتة له سبيل إلى أن ينكحها في عدتها، وهذه لا سبيل له إلى نكاحها، لا في العدة، ولا بعدها، فلا وجه أصلاً لوجوب نفقتها وسكناها وقد انقطعت العصمة انقطاعاً كليّاً.
فأقضيته صلى الله عليه وسلم يوافق بعضُها بعضاً، وكلها توافق كتاب الله والميزان الذي أنزله ليقوم الناس بالقسط، وهو القياس الصحيح كما ستقر عينك إن شاء الله تعالى بالوقوف عليه عن قريب.
" زاد المعاد " (5 / 356) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما الملاعَنة: فلا سكنى لها، ولا نفقة، إن كانت غير حامل؛ للخبر، وكذلك إن كانت حاملاً فنفى حملها وقلنا: إنه ينتفي عنه، أو قلنا: إنه ينتفي بزوال الفراش.
وإن قلنا لا ينتفي بنفيه، أو لم ينفه، وقلنا: إنه يلحقه نسبه: فلها السكنى، والنفقة؛ لأن ذلك للحمل، أو لها بسببه، وهو موجود، فأشبهت المطلقة البائن.
فإن نفى الحمل فأنفقت أمه، وسكنت من غير الزوج، وأرضعت، ثم استلحقه الملاعِن: لحقه، ولزمته النفقة، وأجرة المسكن، والرضاع؛ لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له، فإذا ثبت له أب: لزمه ذلك، ورجع به عليه.
" المغني " (9 / 291) .
وبه تعلم أن ما تطلبه زوجتك من نفقة وسكنى أنه لا يلزمك منهما شيء إن لاعنتها، إلا أن تكون حاملاً، فتنفق عليها من أجل حملها، وإن طلقتَها طلاقاً باتّاً: فليس لها إلا مهرها، ولا يلزمك نفقتها، ولا سكناها، إلا أن تكون حاملاً، أو يكون معها أولادك، فتنفق عليهم، وعلى ما في بطنها، لا عليها.
قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ من الآية 6.
خامساً:
وأما " متعة الطلاق " - وهو مال أو متاع يُعطى للمطلقة بعد طلاقها -: فقد اختلف أهل العلم في المطلقة التي تستحقه، فمنهم من ذهب إلى العموم فقال: تعطى المتعة لكل مطلقة وجوباً، قبل الدخول أو بعده، سمي المهر أم لم يسمَّ.
وذهب آخرون إلى أنه في المطلقة قبل الدخول ممن لم يسمَّ لها مهر، وفي قول ثالث: أنها للمطلقة قبل الدخول، ولو سمي لها مهر.
والأخذ بالقول الأول هو الأحوط، وقد رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين: الشيخ الشنقيطي، والشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمهم الله -، لكن الشيخ العثيمين قيَّد الوجوب فيما لو طالت مدة زواجهما.
وهذه المتعة المفروضة لا ينبغي أن تكون مرهقة للمطلِّق، بل على قدر وسعه وطاقته، ولذا لم يأت لها تحديد في الشرع.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -:
والتحقيق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعاً لقوله تعالى: (عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ) البقرة/236، فإن توافقا على قدر معين: فالأمر واضح، وإن اختلفا: فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى: (عَلَى الموسع قَدَرُهُ) الآية البقرة/236، هذا هو الظاهر، وظاهر قوله: (ومَتِّعُوهُنَّ) البقرة/236 وقوله: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ) البقرة/241 يقتضي وجوب المتعة في الجملة، خلافاً لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلاً.
" أضواء البيان " (1 / 192) .
وقد ذكرنا لك من قبل أن زناها يبيح لك أن تعضلها وتضيق عليها حتى تفتدي منك، وتختار الطلاق، مقابل التنازل عن حقوقها المادية أو بعضها، وبإمكانك أن تهددها بإطلاع أهلها، أو من تهابه منهم، على ما حدث. فإن أبت الافتداء والتنازل عن حقوقها المالية بعد ذلك كله، فالذي نختاره لك أن تطلق هذه المرأة، مهما كانت تكلفة طلاقها، لكن لا تمكنها من الحصول على مال زائد عما يحكم لها به، إن وصلت المسألة بينكما للقضاء، ولك أن تحتال على ذلك، أعني على منعها من ظلمك، وأخذ أكثر من المهر المسمى لها (مؤخر الصداق) ، والحقوق الثابتة لها شرعا، على ما أشرنا إليه من قبل، وليس لك أن تحتال على إسقاط حقها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/812)
معنى (الخبيثات للخبيثين) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[كتبت هذه الرسالة بعد قراءتي لمقال وفي آخر المقال ذكر الموقف التالي: ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ، فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه. فما هو تفسير آية (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ؟! وقد حدثت لي تجربة شخصية من عهد قريب، حيث تزوجت من فتاة كنت أعتقد فيها الصلاح، وكان هدفي هو إقامة بيت مسلم أحاول فيه بكل جهدي أن أسير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن بعده صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وبدون الكثير من التفاصيل فقد قصَّرت في حق نفسي، ولم أُحسن السؤال عنها وعن أخلاقها، ووجدتها - غفر الله لي ولها - على جانب عظيم من الخبث، وأكثر حديثها كذب وخداع، ولم أشعر أن عندها أي حب للدين أو للالتزام، وقد طلقتها بعد أن أنجبتُ منها مرة واحدة بعدما يئستُ تماماً من الإصلاح، وأنا في قلبي حب شديد للدِّين، ولمن أراه من الصالحين، وفي المقابل عندي بغض شديد لمن أراه غير ملتزم، وبالذات إن كان يصر على المعصية أو يجاهر بها، المهم كانت تجربة زواجي وطلاقي أقسى وأمرّ ما مررت به في حياتي، وأنا الآن خائف من تكرار التجربة، وهل سأجد من تعينني على الصلاح، وكيف أطمئن طالما تعوَّد الناس على إظهار غير حقيقتهم وبالذات عند هذه الأمور؟ لأني قبل أن أتزوج تلك الفتاة كنت قد استخرت الله كثيراً، وكنت أحيانا أبكي أثناء الصلاة ليرشدني الله، وبالذات لما كنت أرى علامات منها، أو من أسرتها لا تدل على الالتزام الحقيقي، أنا لا أبرئ نفسي من الخطأ والتقصير، ولا أزكى نفسي، ولكني - والله - أحب دينه، وأغار عليه بشدة، وأبغض الكذب بغضاً شديداً، باختصار: فإني لست أظن مهما سألت أو جمعت المعلومات أو حاولت دراسة شخصية الفتاة قبل الارتباط بها - مع الضوابط الشرعية بالطبع - أني سأحسن الاختيار، إلا برحمة وفضل من الله، كما أن الزواج أصبح شديد الصعوبة هذه الأيام، وأصعب وأشد ما فيه هو كيف أجد هذه الزوجة الصالحة، فوالله إني لأظنه الآن من أصعب الأمور، وأكاد أظنه من المستحيلات إلا بقدر الله وتوفيقه عز وجل، وعندما أسمع أو أقرأ هذه الآية فإني بدون إرادتي أشعر بالحزن الشديد، فهل تعني هذه الآية أنني ما تزوجت هذه الفتاة إلا لأني أستحقها؟ أعلم أنه بلاء من الله، ولكني أبغي سماع رأي واضح في تفسير الآية، وإن أمكن الرد على باقي ما ذكرته من الاستفسارات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/ 26، فقال بعضهم: هو الخبث والطِّيب في الأقوال، فيكون معنى الآية: الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.
وقال آخرون: هو الخبث والطيب من الأفعال، فيكون معنى الآية: الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال.
والقول الثالث في الآية: أن الخبث والطيب هو من الأشخاص في النكاح، فيكون معنى الآية: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء.
ولا مانع من حمل الآية على المعاني جميعها، وإن كان أظهر الأقوال هو القول الأول، وعليه الجمهور من المفسرين، ويليه: القول الثاني.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومُشاكِل له، وكل طيِّب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال مناسب للطيب، وموافِق له، ومقترن به، ومشاكِل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته: أن الأنبياء - خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقن، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح.
فكيف وهي هي؟ صدِّيقة النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك بحيث لا يُبقي لمُبطل مقالاً، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال:
(أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا.
(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تستغرق الذنوب.
(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الجنة صادر من الرب الكريم.
" تفسير السعدي " (ص 563) .
ثانياً:
ما نقلتَه بشأن قتل من قذف عائشة رضي الله عنها صحيح، وهذا هو الذي ينبغي على الحكام المسلمين أن يفعلوه، وهو قتل كل من قذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن الطعن في عرض عائشة تكذيب للقرآن، وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحدٍ من هذين يوجب الكفر المخرج من الملة، ويستحق فاعله القتل على الردة.
وفي " الموسوعة الفقهية " (22 / 185) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي الله عنها: فقد كذّب صريح القرآن الّذي نزل بحقّها، وهو بذلك كافر، قال تعالى - في حديث الإفك بعد أن برّأها الله منه -: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ، فمن عاد لذلك: فليس بمؤمنٍ.
وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ؟ .
قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة: إنّهنّ مثلها في ذلك، واستدلّ لذلك بقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) .
والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه، وذلك ممنوع.
والقول الآخر وهو مذهب الشّافعيّة والرّواية الأخرى للحنابلة: أنّهنّ - سوى عائشة - كسائر الصّحابة، وسابّهنّ يجلد، لأنّه قاذف.
انتهى
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قذْف عائشة بما برأها الله منه: كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن، وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم، أصحهما: أنه كفر؛ لأنه قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن (الخبيثات للخبيثين) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (5 / ص 86) .
وانظر جواب السؤال رقم: (954) .
ثالثاً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) .
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
ليس من المستحيل أن يجد الرجل امرأة صالحة تعينه على طاعة الله، وتقوم بخدمته، وتربي أولاده، وتحفظ ماله وبيته، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح ذات الدِّين، ولولا أنه بمقدور الرجل واستطاعته أن يجد تلك المرأة المتدينة لما أوصاه نبيه صلى الله عليه وسلم بتزوجها، وهو الذي أخبر في الحديث نفسه أن من الرجال من ينكح المرأة لجمالها، ومنهم من ينكحها لحسبها، ومالها، فالرجال يختارون من النساء كلٌّ حسب رغبته، وعادته، وعرفه، والوصية لجميع المسلمين بأن يكون البحث عن ذات الدين، والاقتران بها؛ لأن في التزوج منها خيراً يراه الرجل في نفسه، وفي بيته، وعلى أولاده.
ولا ينبغي لك أخي السائل قطع الأمل من وجود امرأة صاحبة دين وخلق، فما تزال أمة الإسلام بخير، وما تزال بيوت المسلمين تربي أجيالاً من النساء يحملن أخلاق الإسلام، ويتربين عليه.
ولا يعني فشل تجربة في الزواج أن الحكم سينساق ليشمل كل زواج بعده، فلا يخرج ما حصل معك أولاً عن كونه عقوبة لك بسبب تقصيرك في السؤال والاستفصال عن المرأة التي تزوجتها.
والناس يعرف بعضهم بعضاً، ويختلط بعضهم ببعض، فلا يخفى حال الأسرة وأفرادها عن أقربائهم، وجيرانهم، كما أن أفراد الأسرة يختلطون في المسجد، والمدرسة، والزيارات، فتُعرف المرأة الصالحة من عكسها، ويُعرف الرجل المتدين من عكسه؛ وذلك بمحافظتهما على الصلاة، والالتزام بالشرائع الظاهرة، والأخلاق في التعامل مع الآخرين، وما يخفيه أحدهم في باطنه: فهذا مما لا يمكن لأحد معرفته، ولا يلام من اغتر بصلاح الظاهر وخفي عليه فساد الباطن؛ إذ لم يكلفنا ربنا بشق بواطن الناس والاطلاع عليها.
ثم إن ما يجري على النساء اللاتي تبحث بينهن عن شريكةٍ لحياتك يجري عليك أيضاً! فما الذي يُدري الناس بحقيقة أمرك، وعلم باطنك؟! وقد أوصي الأولياء بأن يزوجوا أهل الدين والخلُق من الرجال، وذلك بحسب ما يظهر منهم، مع السؤال والاستفصال من المقربين لهذا الخاطب، وما قد يقع من الإيهام والخديعة من قبَل المرأة فإنه قد يقع مثله – بل وأضعافه – من الرجال، فلا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق وأن تغتم بسبب زواجك الأول، وكل ما عليك الآن هو البحث بأناة، وسؤال أهل الخير عن الأسر الفاضلة الكريمة التي ربَّت بناتها على طاعة الله تعالى، وعلى الأخلاق الفاضلة، ومن ثمَّ تخصص سؤالك عمن ترغب نكاحها من تلك الأسرة بسؤال صديقاتها وزميلاتها عن التزامها واستقامتها وعن أخلاقها وتعاملها، وبذلك تكون حققت وصية النبي صلى الله ليه وسلم، والمرجو أن لا يخيب ظنك بها، وأن لا تخيِّب أنت ظنهم بك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لحسن الاختيار، وأن يرزقك زوجة صالحة، تعفُّك، وتعفها، وتُحسن إليها وتُحسن إليك، وأن يرزقكم ذرية طيبة.
ولمعرفة مواصفات الزوجة انظر جوابي السؤالين: (26744) و (10376) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/813)
حكم تهييج الشهوة بين زوجين بالشتائم البذيئة وقبيح الكلام والضرب!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب، 31 عاماً، مقبل على الزواج خلال شهرين، كنت أتحدث مع خطيبتي عن أمور المعاشرة الزوجية، فاكتشفت أنها تريد مني أن أضربها على جميع أنحاء جسدها، وأن أوجه لها الشتائم البذيئة! وأن أصفها بصفات بنات الليل! وأن أذلها أثناء المعاشرة، مع العلم هي تعاني من مرض الاكتئاب من عشر سنوات، ولا يوجد تحسُّن في حالتها، فبالله عليكم ماذا أفعل؟ وهل لو عملت معها هكذا من باب حبي لها وإشباع رغبتها الزوجية حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم مقاصد النكاح هو أن يعف الرجل نفسه، وأن تعف المرأة نفسها، وهو ما يحصل بالجماع بين الزوجين، وبه تكتمل صورة العفاف في الزوجين، من غض البصر، وحفظ الفرج، بل وحفظ الأعضاء جميعها من الوقوع في الزنا، فكما أن العين تزني: فإن الأذن تزني، واليد تزني، والرجل تزني، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وفضلاء الأطباء يروْن أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة.
وقال:
ومن منافعه - أي: الجماع: غض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه، وينفع المرأة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه، ويقول: (حبِّب إليَّ مِن دنياكم: النساء والطيب) .
" زاد المعاد " (4 / 228) .
ولم تقيِّد الشريعة الزوجَ بطريقة معينة يأتي بها امرأته، بل قد نهي عن جماعها في زمن الحيض والنفاس، ونهي عن جماعها في الدبر.
ثانياً:
الكلام بين الزوجين عند الجماع بما يعينهما على قضاء الوطر، وكمال اللذة المشروعة: مباح، وربما طلب منه ـ في تلك الحال ـ ما يكون فيه من التعبير عن الحب، والعشق، والغرام بينهما، فهو أدعى للألفة والمودة بينهما، وهو يهيِّج الطرفين للجماع ليعف كل واحد منهما نفسه، ويعف زوجه.
ومقدمات الجماع من التقبيل والكلام الذي يكون بين الزوجين هو " الرفث " – على أحد الأقوال – وإنما ينهى عنه المحرم حال إحرامه، وفيه الإشارة إلى حلِّه في غير هذه الحال، وهو الثابت المعلوم من حال خير القرون ومن بعدهم، وهو المذكور في كتب الفقه أنه من آداب الجماع، ومما يزيد المحبة بين الزوجين.
قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/ من الآية 197.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
والأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين:
أحدهما: مباشرة النساء بالجماع، ومقدماته.
والثاني: الكلام بذلك، كأن يقول المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا.
ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) البقرة/ 187، فالمراد بالرفث في الآية: المباشرة بالجماع، ومقدماته.
" أضواء البيان " (5 / 13) .
ولا حرج أن يذكر الزوجان ما يهيج شهوتهما من الكلام، ولو كان بذكر ألفاظ العورة باسمها العرفي، وقد بينا جواز ذلك في جواب السؤال رقم: (45597) ، وليس في ذكر كلمات الغرام والعشق بين الزوجين حرج، وليس في ذكر العورة باسمها الصريح أو العرفي حرج إذا كان هذا يهيج الشهوة بينهما، ولله در الإمام ابن قتيبة حيث لفت النظر إلى أن ذكر الأعضاء باسمها ليس فيه إثم، إنما الإثم في قذف الأعراض، وجعل تلك الألفاظ ديدناً.
قال ابن قتيبة – رحمه الله -:
وإذا مرّ حديث فيه إفصاح بذِكر عورة، أو فرج، أو وصف فاحشة: فلا يحملنك الخشوع، أو التخاشع على أن تُصَعِّرَ خدك، وتُعرض بوجهك؛ فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم، وإنما المأثم في شتم الأعراض، وقول الزور، والكذب، وأكل لحوم الناس بالغيب.
" عيون الأخبار " (1 / المقدمة صفحة ل) .
وقال – رحمه الله -:
لم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث على أن تجعله هِِجّيراك [يعني: عادتك] على كل حال، وديدنك في كل مقال، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها، أو رواية ترويها تنقصها الكناية، ويذهب بحلاوتها التعريض.
" عيون الأخبار " (1 / المقدمة صفحة م) .
وهذه الإباحة بين الزوجين في الكلام عند الجماع لا ينبغي أن تتحول إلى سب وقذف بالمحرم والفحش، حتى ولو لم يكن يريد حقيقة السب، وإنما يريد التصريح بذلك الكلام، فليس من عادة المؤمن أن يعود لسانه السب والقذف.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَعَّانِ وَلَا الَلَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ) .
رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وفي هذه الأفعال مشابهة لأهل الفساد من الزواني والزانيات، ولا يليق بالمسلم أن يجعل فراش الزوجية الطاهر كحال ما يحدث في بيوت الدعارة بين الساقطين والساقطات، فهم أحق بتلك الألفاظ، وأهل لها، لا امرأته العفيفة الطاهرة.
ثم إنه يُخشى من اعتياد الزوجين على هذه الكلمات، فتصبح علاقتهما من غيرها باردة، وجافة، أو تصبح عادة لهما في حياتهما في غير وقت الجماع، خاصة إذا حدث شجار، أو تقلبت النفوس والقلوب؛ وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على متأمل.
على أن الذي أفزعنا في سؤالك حقا، يا عبد الله، هو حديثك مع خطيبتك في هذه الأمور، وبهذه الصراحة، وهي جرأة منكما لا تحمدان عليها، بل تذمان بها كل الذم؛ فكيف تسمح لنفسك بالكلام في ذلك مع خطيبتك، وهي امرأة أجنبية عنك، وكيف تسمح ـ هي أيضا ـ بالكلام في ذلك، وبكل هذه الصراحة معك، وأنت رجل أجنبي عنها، ثم كيف تتاح لكما فرصة الخلوة التي تتمكنان فيها من هذا الحديث الذي يستحيل أن يذكر، ولو بالتلميح أمام غيركما.
إن هذا السؤال يدل على أنكما تساهلتما كثيرا في طبيعة العلاقة بينكما، وتعديتما حدود الله تعالى فيما بينكما، فألقى الشيطان في قلوبكما من جمار الشهوة ما تظنان أنها لا يطفئها شيء مما اعتاد الناس، فرحتما تبحثان عن كل غريب، ولو شاذا!!
فالواجب عليكما أن تضعا حدا لهذه المخالفات، وتتوبا إلى الله عز وجل من ذلك التعدي الذي وقعتما فيه؛ ولتعلما أن ما بقي أمامكما شيء يسير، فاصبرا حتى يجمع الله بينكما على ما يحب ويرضى من الحلال الطيب، وساعتها سوف تعلمان أن أمر العفة لا وقضاء الوطر الحلال، لا يحتاج إلى كل ذلك: " وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ".
وانظر حول العلاقة بالمخطوبة جواب السؤال رقم (2572) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/814)
حكم رقص المرأة لزوجها وهل تجب طاعته في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلب الزوج من زوجته أن ترقص له فهل يجب أن تطيعه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن ترقص لزوجها، وهو أمرٌ قد يُدخل حبها في قلبه، ويهيجه على جماعها، ويمتعه بما هو حلال، ولتنو الزوجة بهذا: التودد لزوجها، وكف بصره عن المحرمات؛ لأن بعض الأزواج يقع في معصية النظر المحرَّم للراقصات، وقد يكون إشباع نهمته بالحلال قاطعاً لمعاصيه تلك من النظر المحرَّم، وهذا يجوز بشروط، منها:
1. عدم مشاهدة أحدٍ من أولادها لها، لأن ذلك قد يؤثر سلباً على تعظيمهم لوالديهمم، وليس كل ما يباح بين الزوجين يفعل أمام الأولاد.
2. أن لا يصاحب الرقص آلات موسيقية ومعازف.
3. أن لا تنظر المرأة إلى صور وأفلام محرَّمة لكي تتعلم الرقص؛ حيث يحرم عليها النظر إلى أولئك الفاسقات وعوراتهن، ولتفعل ما تستطيعه مما تعلمه من قديم موروثها، أو مما يخرج منها من غير حاجة تعليم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أما رقص المرأة أمام زوجها وليس عندهما أحد: فلا بأس به؛ لأن ذلك ربما يكون أدعى لرغبة الزوج فيها، وكل ما كان أدعى لرغبة الزوج فيها: فإنه مطلوب، ما لم يكن محرَّماً بعينه، ولهذا يسن للمرأة أن تتجمل لزوجها، كما يسن للزوج أيضاً أن يتجمل لزوجته كما تتجمل له " انتهى.
" اللقاء الشهري " (12 / السؤال رقم 9) .
وسئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عن: ارتداء المرأة أمام زوجها لباس الراقصات الذي في المسارح أليس فيه المحبة والإقرار لما يفعلن؟ .
فأجاب الشيخ بالجواز إن كان بين الزوجين فقط، ولم يرها أحد غيره، وذكر رحمه الله أن لباسها هذا لا يدخل في التشبه المذموم، وأن تلك الراقصات الفاجرات يقمن بالرقص علناً، وأما هذه: فبينها وبين زوجها، وشتان ما بينهما.
الشريط رقم (814) سلسلة " الهدى والنور ".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/815)
ما حكم غناء الزوج لزوجته أو العكس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم غناء الزوج لزوجته أو العكس]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أباح الله تعالى للزوجين استمتاعهما بعضهما ببعض، ولم يحرَّم في الاستمتاع إلا الجماع في الدبر، والجماع في الحيض والنفاس، وأبيح ما عدا ذلك من اللمس، والنظر، والتقبيل، والتجمل، والتغزل، وما شابه ذلك من المباحات.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل يجوز شرعاً أن تنظر المرأة إلى جميع بدن زوجها، وأن ينظر هو إليها بنية الاستمتاع بالحلال؟
فأجاب:
" يجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدن زوجها، ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدن زوجته، دون تفصيل؛ لقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) المؤمنون/ 5 - 7 انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 226) .
ومن الاستمتاع الجائز بين الزوجين: أن تغني الزوجة لزوجها، ويغني هو لها، ولكن ... لا بد من شروط لهذا الغناء المباح، ومن هذه الشروط:
1. أن يخلو الغناء من استعمال المعازف، كالبيانو، والعود، وغيرهما.
2. الغناء كلامٌ، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، لذا يجب أن يخلو الغناء من الطعن في أعراض الناس، أو من وصف امرأة بعينها، عدا عن وجوب خلوه من الكلام في العبادات والطاعات وشعائر الدين، ولا بأس أن يكون تغزلاً، ووصفا لكلا الزوجين، ولا حدود لذلك إن تعلق الأمر بهما، وقد جاز لهما ما هو أعظم من الوصف والتغزل اللفظي – وهو الجماع -.
3. أن لا يُسمِعا ذلك الغناء غيرهما، سواء من الأولاد – حتى لو كانوا صغاراً -، أو من الجيران، فضلاً عن غيرهم من الأجانب.
فيمنع سماع الأولاد هذا الغناء ولو كانوا صغاراً، لئلا يَحدث خلل في تربيتهم؛ ولما قد يقولونه للناس، ولما فيه من اهتزاز صورة أهليهم في أذهانهم وواقعهم، ومن المعلوم أنه ليس كل ما يباح بين الزوجين يَظهر في العلن أمام أولادهم، كالتقبيل، واللمس، والجماع.
وقد سئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عن حكم غناء المرأة لزوجها.
فأجاب:
" إن كان المقصود بالغناء هو التطريب بالصوت الجميل، وبالألفاظ التي (يصلح) لكل مسلم أن ينطق بها: فتغني ما شاءت بشرط أن لا تضيع شيئاً من فرائضها.
أما إذا كانت تتغنى بألفاظ لا يجوز النطق بها - أصلاً - في الشرع: فلا فرْق حينذاك أن تغني لزوجها، أو لأخيها، أو لأختها؛ لأن الأمر - كما تعلم - من قوله صلى الله عليه وسلم (الشِّعر كلام، حسنُه حسنٌ، وقبيحه قبيح) ، فإذا تكلم الإنسان بكلام قبيح: فهو محاسب عليه، وإذا تغنَّى به: ازدادت المؤاخذة ...
فإن غنَّت المرأة أمام زوجها بكلام مباح: فلتغنِّي، ولتطربه بما شاءت من غنائها، أما إذا كانت المقصود بالغناء الأغنية الخليعة التي أصبحت مهنة لبعض الفاسقين والفاسقات: فلا فرْق حينذاك بين غنائها لزوجها، أو للغريب عنها " انتهى.
انتهى
الفتوى رقم (10) الشريط (42) من سلسلة " الهدى والنور ".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/816)
زوجها يحبها وصاحب دين ولكن هي لا تنجذب إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ فترة قصيرة، ولكني لست سعيدة بهذا الزواج , ولا يوجد في زوجي عيب أو شيء منفِّر بل هو يحافظ على الصلاة في المسجد، وصاحب أخلاق، ويحاول أن يتقي الله , المشكلة أنني لا أحبه، مع أني كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم، قد أكون تسرعت في الموافقه لأنني لم أتعرف عليه جيداً قبل الزواج وكنت أحيانا وقت العقد أشعر بعدم القبول، أخاف من أن انفصل عنه من المستقبل المظلم، ولكني مترددة، الشيء الوحيد الذي يطمئني أنني استخرت الله قبل الموافقة عليه، أنا لا أعلم ما أنا فيه وهل هذا ابتلاء حقا أم أنا التي صنعت هذا الهم لنفسها، وهل يمكن أن أكمل في زواجي هذا بهذا الشعور الداخلي وأنجب أولادا منه، ويكبرون، وتكون هذه حياتي مع شخص لست راضية به، أم عليَّ أن أتناسى وأعيش هكذا بلا شعور مع زوجي! .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن نعَم الله تعالى على الإنسان كثيرة وعظيمة، وهو يعجز عن إحصائها، فأنَّى يستطيع شكرها؟! ولذلك وَصف الله تعالى الإنسان بالظلم والجهل بعد بيان عظيم نعَم الله، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم/ من الآية 34، فاعلمي أيتها الأخت أنك تتقلبين في نعم الله تعالى، حيث رزقك الله بزوج صالح، وبيت تأوين إليه، في الوقت الذي ترتفع آهات كثيرة من نساء لا يجدن زوجاً، ومن وجدت فقد يكون ظالماً أو فاجراً، وفي الوقت الذي تتشرد فيه الآلاف من النساء بسبب الفقر والحروب، فاحرصي على شكر النعمة بالمحافظة عليها، وأداء حقها، واحذري من كفرانها، وإلا سلبها الله منك، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/ 7.
وحتى تعلمي عظم تلك النعم عليك انظري في حال من فقدها، أو نقصت منه، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا حتى لا يزدري أحدنا نعمة الله عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ) رواه مسلم (2963) .
ثانياً:
مما نعجب منه في رسالتك قولك " فأنا لم أتعرف على زوجي جيِّداً قبل الزواج "! وهل تعتقدين أن ما يحدث قبل الزواج بين الرجل والمرأة هو شرعي أولاً؟ وهل تظنين أنه بتلك العلاقة يتعرف الرجل على المرأة والعكس؟ إن أكثر ما يحدث في فترة التعارف تلك ليس بشرعي، بل هو مخالف للشرع؛ حيث يكون التوسع في النظر والحديث، والاختلاط المستهتر، والخلوة المحرمة، وغير ذلك من المنكرات الشرعية، وهي مشهورة بين الناس.
وفي هذه الفترة لا يَظهر الرجل على حقيقته، ولا المرأة كذلك، بل يحاول كل واحد منهما أن يُظهر صفاتٍ جميلة، وأخلاق عالية راقية، ولا تظهر الحقائق إلا فيما بعد الزواج، وفي إحصائيات متعددة في دول مختلفة تبين أن الزواج الذي تسبقه علاقة " حب محرَّم " أفشل من ذلك الذي خلا من تلك العلاقة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (84102) ، وحسبنا تنبيهك أنه ليس ثمة حاجة لتلك الفترة لتتعرفي على زوجك، وقد ذكرت من صفاته وأخلاقه ما يغنيك عن تلك الفترة للتعرف عليه.
إن الحب قبل الزواج قائم على المخادعة العاطفية؛ إذ ليس في المرأة ما يجعلها محبوبة لزوجها إلا مظهرها الخارجي! بخلاف الحب بعد الزواج فإن سببه المخالطة والمعاشرة، ولذا فإن الله تعالى يجعل بين الزوجين مودة ورحمة بعد زواجهما الشرعي، لا قبله، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/ 21.
ثالثاً:
تقولين في رسالتك: " فأنا دائما كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم الذي يعيشني حياة الالتزام بالدين.. "، ونقول لك: ها هي أمنيتك قد تحققت، وها هي رغبتك قد تحصلت، فقد رزقك الله زوجاً لا تعيبين عليه خلُقاً ولا دِيناً.
فاتقي الله في نفسك، واحذري من عقوبة الله لك، ويُخشى عليك سلب تلك النعمة، والعقوبة بزوج آخر لا يتقي الله تعالى فيك، ولا يربي أولادك كما ترغبين، وساعتها سيفوت وقت الندم.
أيتها السائلة الكريمة: لقد استخرت الله تبارك وتعالى قبل إقدامك على هذا الزواج، وهذا من أعظم أسباب توفيقك، إن شاء الله، شريطة أن ترضي بما قسم الله تعالى وقدره لك، وتعلمي أن الله تعالى قد اختار لك الخير: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216) .
إننا معك أيتها السائلة الكريمة في الخوف من المستقبل المجهول إذا ما فكرت في الانفصال عن هذا الزوج الصالح، وأنت تعلمين نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة، ول كانت امرأة صالحة، وظلمت في زواجها الأول، وهي نظرة يشوبها كثير من الجاهلية؛ فكيف إذا عرف أنك انفصلت عن هذا الزوج الصالح، من غير ما بأس، ولا عيب فيه!!
بل إننا نخاف عليك ما هو أشد من ذلك والله!!
ألم تسمعي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه أبو داود (2226) وصححه الألباني.
وانظري جوابي السؤالين: (23420) و (20949) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/817)
وجوب العدل بين الزوجات وشيء من أحكام السفر للمعددين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل إذا كان متزوجاً من امرأتين أن يصطحب زوجته الثانية في كل مرة يسافر فيها، علماً بأن الزوجة الأولى لا تستطيع السفر نظراً لرعايتها لأبنائها؟ . وما الواجب عليها إذا شعرت أن زوجها لا يريد توزيع وقته بالتساوي بينهما؟ هل من موقع جيد على الإنترنت يتناول موضوع تعدد الزوجات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله بإقامة العدل في كل شيء، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) النحل/ 90.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله:
إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل، وهو الإنصاف.
" تفسير الطبري " (17 / 279) .
وحرَّم الله تعالى على عباده الظلم، وتوعد الظالمين بالعقوبة في الدنيا والآخرة.
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا) . رواه مسلم (2577) .
وقد أمر الله تعالى بالعدل بين الزوجات، وجاء الوعيد في ظلم بعضهن على حساب بعض.
قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) النساء / 3
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: مَنْ أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثاً فليفعل، أو أربعاً فليفعل، ولا يزيد عليها؛ لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى، إجماعاً؛ وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، فأبيح له واحدة بعد واحدة، حتى يبلغ أربعاً؛ لأن في الأربع غنية لكل أحد، إلا ما ندر، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمِن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن.
فإن خاف شيئاً من هذا: فليقتصر على واحدة، أو على ملك يمينه، فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين.
(ذَلِك) أي: الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين:
(أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) أي: تظلموا.
وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب - ولو كان مباحاً- أنه لا ينبغي له أن يتعرض له، بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد.
" تفسير السعدي " (ص 163) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) . وفي رواية: (أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ) .
رواه الترمذي (1141) وأبو داود (2133) والنسائي (3942) وابن ماجه (1969) .
وصحح الألباني الروايتين في " صحيح الترغيب والترهيب " برقم (1949) .
قال الشيخ المباركفوري رحمه الله:
قال الطيبي في شرح قوله (وشقه ساقط) : أي: نصفه مائل، قيل: بحيث يراه أهل العرصات ليكون هذا زيادة في التعذيب.
" تحفة الأحوذي " (4 / 248) .
ومن رأت من زوجها ميلاً للأخرى على حسابها، أو ظلماً لها في حقها: فلتبادر لنصح زوجها بالتي هي أحسن، ولتذكره بما أوجبه الله عليه من العدل، وبما حرَّمه الله عليه من الظلم، ولتبادر – كذلك – لنصح أختها لئلا تقبل بالظلم، ولا بأخذ ما ليس لها من حق، وعسى الله أن يهديه لإقامة العدل، وإعطاء كل ذي حق حقَّه.
ثانياًً:
من العدل بين الزوجات: أن يقرع الزوج بينهن إذا أراد السفر بإحداهن دون الباقيات، وهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم مع نسائه.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ) . رواه البخاري (2454) ومسلم (2770) .
قال النووي رحمه الله:
فيه: أن من أراد سفراً ببعض نسائه: أقرع بينهن كذلك، وهذا الإقراع عندنا واجب.
" شرح مسلم " (15 / 210) .
وقال ابن حزم رحمه الله:
ولا يجوز له أن يخص امرأة مِن نسائه بأن تسافر معه إلا بقرعة.
" المحلى " (9 / 212) .
ومثله قاله الشوكاني رحمه الله في " السيل الجرار " (2 / 304) .
وإذا رجع من سفره فإنه لا يحسب مدة سفره على التي سافرت معه بقرعة.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
فإذا رجع من سفره: استأنف القسمة بينهن، ولم يحاسب التي خرجت معه بأيام سفره معها، وكانت مشقتها في سفرها ونصبها فيه بإزاء نصيبها منه، وكونها معه.
" التمهيد " (19 / 266) .
ثالثاً:
لو فُرض عدم استطاعة إحدى نسائه السفر معه: فمن العبث إدخالها بالقرعة، وهي لا تستطيع السفر معه، فتكون القرعة – والحالة هذه – بين من تساوت أحوالهن في القدرة على السفر، فل يقرع بين من تستطيع ومن لا تستطيع، على أن يكون ذلك حقيقة وليس وهماً أو ظلماً لها؛ كأن تكون مريضة، أو عندها من الأولاد ما تعجز عن تركهم من غير رعاية، أو أنها ممنوعة من السفر، وما شابه ذلك من الأعذار، وليس لحبه سفر الأخرى معه دون الأولى، وإلا كان ظالماً.
وعليه في هذه الحالة أن يسترضي زوجتيه، ولو بتعويض التي لم تسافر ببعض الأيام إذا رجع من السفر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقال القرطبي: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء، وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن؛ لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحاً بغير مرجح.
" فتح الباري " (9 / 311) .
وقال الدكتور أحمد الريان:
إذا تساوت ظروف الزوجات في كل النواحي التي يحرص على حفظها ورعايتها سفراً وحضراً: فالاقتراع هو المتعين، أما إذا تفاوتت الزوجات في ذلك: فلا بأس من الاختيار مع مراعاة شرطيْ عدم الميل، وعدم قصد الإضرار.
" تعدد الزوجات " (ص 71) .
هذا، ولا نعلم موقعاً مختصاً بمسائل تعدد الزوجات، ويمكنك الاطلاع على موقعنا، وعلى مواقع الفتاوى الموثوقة ففيها جملة وافرة من أحكام التعدد.
وقد خصصنا تصنيفاً مستقلا لمسائل وأحكام تعدد الزوجات في موقعنا هذا تحت هذا الرابط:
http://www.islam-qa.com/ar/cat/355
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/818)
شراء المنزل الكبير الواسع متى يكون إسرافا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي دائماً ما تصر على أن أشتري منزلاً كبيراً، وبه مسبح، وحديقة، وأنا أُصر على أن نسكن بيتاً صغيراً (مثلا 3 غرف نوم) بدون المتع الزائدة والرفاهية كالمسبح والحديقة، فما العمل؟ أنا لا أستطيع إرغامها على الزهد، وأيضا بحكم أني زوجها لا مفر من بقائنا مع بعضنا البعض، وأعلم أن عدم الزهد ليس مبررا للطلاق، ولكني - يا شيخنا الفاضل - لا أريد الانغماس في الدنيا، فما العمل؟ وهل إن اشتريت بيتاً جديداً بما تريده هي أؤجر؟ علما بأني لا أمانع بالعيش في بيت صغير، ولست أريد إلا سقفا يؤويني وأهلي، وهل يقع عليَّ القول ممن أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمسلم أن يجعل الدنيا أكبر همِّه، وليس الفقر هو ما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، بل خشي انفتاح الدنيا والتنافس فيها، فهنا تكون الهلكة.
عن عمرو بن عوف قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) .
رواه البخاري (2988) ومسلم (2961) .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فوائد هذا الحديث -:
وفيه: أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين.
" فتح الباري " (6 / 263) .
وقال:
قال ابن بطال: فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها، وشرِّ فتنتها، فلا يطمئن إلى زخرفها، ولا ينافس غيره.
" فتح الباري " (11 / 245) .
ومن أشغلته دنياه عن أخراه فهو مغبون، والدنيا لعب، ليس فيها مستمر ولا كامل، والآخرة خير وأبقى، وقد ضرب الله تعالى للدنيا مثلاً بالنبات الذي ينمو ويزهر، ثم لا يلبث حتى يصبح هشيماً تذروه الرياح، فلا بقاء ولا استمرار للإنسان في الدنيا، لذلك يجب أن يضع الآخرة نصب عينيه.
قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) الحديد/ 20.
وقال عز وجل: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا. الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف/ 45، 46.
ثانياً:
ومما يبين أن الناس قد يهلكون بالتنافس على الدنيا: شراؤهم بيوتهم بالقروض الربوية! فيعرض الواحد نفسه لسخط الله ومقته من أجل أن ينافس غيره على بناء بيت، أو على تزويقه، وتوسيعه، وهؤلاء قد يدخلون في الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا؛ لأنهم فعلوا ما نهاهم الله عنه تمتعاً به والتذاداً، وأما من بنى بيتاً أو اشتراه بمال حلال وتمتع به: فلا يكون من أولئك.
وقد ذكرنا حرمة شراء المنازل عن طريق البنوك الربوية في أجوبة الأسئلة: (2128) و (21914) و (22905) فلتنظر.
ثالثاً:
ومن هنا نعلم أنه ليس ثمة أجر على بناء البيوت لذاتها، وإلا لصار الأغنياء الذين يبنون القصور بعشرات الملايين من أصحاب الدرجات العليا في الجنة! فالدينار الذي ينفقه المسلم على بناء بيته ليس له ما يقابله من الأجر في الآخرة، وعسى المرء أن يسلم من الإثم، فإن أُجر فإنما يؤجر على نيته في الحفاظ على أسرته وأهل بيته من الضياع، وعلى إيوائهم في مسكن يحفظ كرامتهم وأعراضهم، وأما على ذات البناء فليس ثمة أجر، وهو معرض للإثم والعقوبة في حال الإسراف، وقصد التفاخر والتباهي.
وقد خرَّج علماء اللجنة الدائمة أحاديث في ذم البناء، ثم قالوا بعدها:
هذه الأحاديث وما جاء في معناها: منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما ليس بصحيح، فما كان منها حجة: فهو محمول على ذم من فعل ذلك للتباهي، والإسراف، والتبذير، فإن هذا يختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص، والأمكنة، والأزمنة، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن علامات الساعة: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان) ، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: " والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهم، حتى يتباهون بطول البنيان، وزخرفته، وإتقانه "، وذكر النووي هذا المنى في " شرح صحيح مسلم "، حينما تكلم على هذا الحديث.
أما إذا طال البنيان لغرض شرعي، كتوفير المرافق والمساكن للمحتاجين، أو لاتخاذها سبيلاً للكسب، أو لكثرة مَن يعول، ونحو ذلك: فلا شيء في ذلك فيما يظهر لنا؛ فإن الأمور بمقاصدها، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه.
الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 490) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ذُكر لنا أن كل عمل ابن آدم يؤجر عليه إلا بناء المسكن، فهل هذا صحيح؟ فإذا كان صحيحاً فما العلة؟ وما السبب؟ ، مع ذكر الحديث الذي ورد في ذلك، جزاكم الله خير الجزاء؟ .
فأجاب:
نعم، هذا ورد في الإنسان الذي يصرف ماله في الطين، أي: في البناء الذي لا يحتاج إليه، وأما البناء الذي يحتاج إليه: فإنه من ضروريات الحياة، والإنسان إذا أنفق على نفسه ما هو من ضروريات الحياة: فإنه يؤجر على ذلك إذا أنفقه يبتغي به وجه الله عز وجل؛ لكن المفاخرة والتطاول في البنيان هو الذي لا خير فيه، بل ليس فيه إلا إضاعة المال، أما ما يبنيه الإنسان لحاجته: فإنه يؤجر على ذلك، إذا ابتغى به وجه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) .
" اللقاء الشهري " (15 / السؤال رقم 6) .
وتنظر الأحاديث وأقوال بعض العلماء في المسألة في جواب السؤال رقم (21658) .
رابعاً:
وبه تعلم حكم بناء البيت الذي تود زوجتك أن تشتريه لهم، ونلخص لك ذلك في نقاط:
1. لا يجوز شراء البيت من مصادر محرَّمة، كالقروض الربوية، وأموال الغصب.
2. ليس ثمة أجر على مجرد بناء البيت، إلا أن يقصد صاحبه إيواء أهل بيته، وحفظهم من الحر والبرد، فيؤجر على نيته، لا على ذاته بيته.
3. لا يجوز للمسلم بناء بيت أو شرائه بقصد التباهي والتفاخر، فإن فعل ذلك: أَثم.
4. لا مانع من أن يشتمل البيت على بركة سباحة، أو حديقة، لكن على أن يكون ذلك من غير إسراف ومبالغة في حجمهما وأثمانهما، والبيت الواسع من السعادة لصاحبه.
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ، وَأَرْبَغ مِنَ اَلشًقَاوَةِ: اَلْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ اَلسُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " (1232) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (282) ، و" صحيح الترغيب " (1914) .
قال المناوي – رحمه الله -:
(والمسكن الواسع) أي: الكثير المرافق بالنسبة لساكنه، ويختلف سعته حينئذ باختلاف الأشخاص، فرب واسع لرجل ضيِّق على آخر، وعكسه.
" فيض القدير " (3 / 302) .
5. تكلفة البناء، وسعر الشراء يُرجع في ضابط كونه إسرافاً أم لا إلى حال صاحبه، فمن كانت ثروته (100) مليون ريال – مثلاً – لا يعد مسرفاً – ولا مبذراً من باب أولى – إذا بنى بيتاً أو اشتراه بقيمة (2) مليون ريال، ومن كانت ثروته هي في راتبه الذي يقبضه كل شهر: فإنه يعد مسرفاً إذا تجاوز الحد في البناء أو الشراء.
فالمسرف من أصحاب البيوت: من تجاوز المقدار المعقول، فزاد في الطوابق، أو الغرف من غير حاجة، والمبذِّر منهم: هو من بنى لغير حاجة، أو صرف ماله في البناء لعباً وتساهلاً بالمال.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
رجل اشترى منزلاً باثنين مليون ريال , ثم أثثه بستمائة ألف , وبعد ذلك اشترى سيارة بثلاثمائة ألف ريال , فهل هذا الرجل يعتبر مسرفاً ومبذِّراً؟ وما حكم التحف في البيوت؟ أفيدونا، جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
الإسراف: هو مجاوزة الحدِّ , وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد: صار الإسراف يختلف , فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة: إذا كان غنيّاً: فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنيّاً: فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس، أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمِّل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ.
فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى , فنقول: إنه - في وقتنا الحاضر، ولا نقول في كل وقت -: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال، وأثثه بستمائة ألف ريال، واشترى سيارة , فليس بمسرف.
الثاني: الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافاً.
الثالث: الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟! .
" لقاءات الباب المفتوح " (107 / السؤال رقم 4) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/819)
يجبرها زوجها على نقل كل ما تسمعه من أهلها والناس له!
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يجبرني على أن أخبره بكل ما تحدثتُ به مع أمي، وإخوتي، أو أي إنسان آخر؛ بحجة أن أمي – مثلاً - تقول كلاماً ممكن أن يؤدي إلى خراب البيت، وإذا لم أقل له تحصل مشكلات بيني وبينه، فهل أستجيب له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الواجب على هذا الزوج – إن صح ما تقوله زوجته عنه – أن يتقي ربه تعالى في طلبه ذلك من زوجته، وأن يعلم أنه آثم بفعله هذا، وأنه لا يحل لزوجته أن تطيعه في طلبه هذا.
2. ونوصي هذا الزوج أن يشتغل بنفسه عن الناس، وينظر لعيوبه فيصلحها، ولتقصيره فيجد ويجتهد في بلوغ كمال نفسه الأمارة بالسوء، فهو خير له وأولى من الاشتغال بالناس ماذا قالوا، وماذا فعلوا، قال ابن القيم رحمه الله: " أخسر الناس صفقة: مَن اشتغل عن الله بنفسه، بل أخسر منه: مَن اشتغل عن نفسه بالناس ". "الفوائد" (ص 58) .
3. ولا ينبغي له إساءة الظن بالناس، واعتقاد الكمال في نفس، وليس كل ما يقوله الناس يهمه ويتعلق به، وإنما هي الشهوة في سماع قصص الناس وأحوالهم، والتفكه بأعراضهم.
4. وكان المرجو من ذلك الزوج ألا يقبل من زوجته إن نقلت هي ما يقوله أهلها ويقوله الناس لها، حتى لو كان الكلام فيه، لأنها بذلك تكون نمَّامة، وقد قال بعض السلف: " يُفسد النمَّام والكذَّاب في ساعة ما لا يُفسد الساحر في سنَة "، فكيف له أن يقبل لنفسه أن يكون هو الموصي لها بذلك، بل الآمر، بل والمتوعد بالعقوبة إن لم تفعل!؟ .
قال النووي – نقلا عن أبي حامد الغزالي رحمهما الله:
" وكل من حُملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا: فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدِّق؛ لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض مَن أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس، والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته عنه، فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نمَّاماً، ويكون آتياً ما نهى عنه " انتهى.
" الأذكار " (275) .
5. ما يريده الزوج من زوجته هو من " النميمة "، وهي من كبائر الذنوب، ومما لا شك فيه أن هذا النقل سيسبب مفسدة وقطيعة وبغضاً وعداوة، ولا شك أن أهل الزوجة يكرهون نقل كلامهم، وليعلم أن النميمة ليست فقط نقل الكلام من أجل الإفساد، بل قد تكون للاستمتاع.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" مما ينبغي اجتنابه، والابتعاد عنه، والتحذير منه: " النميمة "، التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، لقصد الإفساد، والوقيعة بينهم، وهي كشف ما يُكره كشفه، سواء أكره المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو كره ثالث، وسواء أكان ذلك الكشف بالقول، أو الكتابة، أو الرمز، أو بالإيماء , وسواء أكان المنقول من الأقوال، أو الأعمال , وسواء كان ذلك عيباً، أو نقصا في المنقول عنه، أو لم يكن، فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس، إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر.
والباعث على النميمة: إما إرادة السوء للمحكي عنه، أو إظهار الحب للمحكي عليه، أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل هذا حرام.
...
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة، منها: قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم/ 10، 11، وقوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/ 1، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) متفق عليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي النميمة، القالة بين الناس) رواه مسلم.
والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: (إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير) ، ثم قال: (بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة) متفق عليه.
وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس، وإيجاد الشقاق، والفوضى، وإيقاد نار العداوة، والغل، والحسد، والنفاق، وإزالة كل مودة، وإماتة كل محبة، بالتفريق، والخصام، والتنافر بين الإخوة المتصافين، ولما فيهما أيضا من الكذب، والغدر، والخيانة، والخديعة، وكيْل التهم جزافاً للأبرياء، وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح، ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف، هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوباً كثيرة، تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه ".
" فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 237 – 239) باختصار.
و" العَضَّة " قيل: هو السحر بلسان قريش. وقيل: هو الكذب والبهتان.
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
زوجي ينقل كلامي لأهله، ثم يأتي إليَّ بكلامهم، فيترتب على ذلك مشاكل كثيرة، ولقد طلبت منه كثيراً ترك ذلك لكنه لم متثل، فكيف أصنع؟ .
فأجاب:
" هذا الفعل يسمَّى نميمة، وهي نقل الكلام على وجه التحريش والإفساد ... وأما الوعيد: فقد قال تعالى (همَّاز مشَّاء بنميم) القلم/ 11، هذا في وصف بعض أهل النار، وقال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة/ 1، وهو النمَّام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) ، وفي الأثر: " إن النمام يفسد في الساعة ما لا يفسد الساحر في السنة "، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن النمام يعذب في قبره) ، ولا شك أن التحريم يكون أشد إذا كان بين الرجل وزوجته وأقاربه، فعليه الخوف من الله تعالى والمراقبة له، والبعد عن الأسباب التي توقعه في العذاب العاجل والآجل، وعليه أن يجتنب الكذب، والغيبة، والنميمة، والبهتان، والتحريش بين الناس، وأن يعدل إلى الصدق، وصيانة الأعراض، والخوف من الله، ومراقبته، فهو شديد العقاب " انتهى.
" الحلول الشرعية للخلافات والمشكلات الزوجية والأسرية " للشيخ عبد الله بن جبرين (فتوى رقم 42) .
فعلى الزوج أن يتراجع عن طلبه هذا من زوجته، فإن أصرَّ فلا يحل للزوجة الاستجابة لطلبه، ففي الموافقة على نقل الكلام استمرار للمعصية والسماع لها، وفي الامتناع كف عنها وقطع لوجودها.
وإذا خشيت الزوجة من حصول مشكلات بينها وبين زوجها، فلا حرج عليها إن أصرّ زوجها على أن تنقل له كلام أهلها، أن تقول له: إنهم يثنون عليك ويذكرونك بخير، ونحو ذلك من الكلمات التي تنشر المحبة والألفة وتطفئ نار الفتنة والخلافات بين زوجها وأهلها.
ونسأل الله تعالى أن يُصلح لك زوجك ويجمع بينكما في خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/820)
كتابة القصائد الغرامية للزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة القصائد الغرامية لزوجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
لا حرج في كتابة القصائد الغرامية من الزوج لزوجته – وكذا العكس - وهي أنواع، فما كان فيها تعبير من الزوج لزوجته عن محبته لها، وتعلقه بها: فهو من المباح، والنوع الآخر: هو الغزل، والتشبيب، وهو ذِكر محاسن الزوجة ومكامن جمالها، وهو أيضاً مباح لكن بشرط أن يكون ذلك التغزل بها هي، لا بغيرها من المعيَّنات، وبشرط أن لا يُِطلع أحداً على قصائده تلك غير زوجته، وإلا كان فعله من خوارم المروءة.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (12 / 14) :
" يحرم التّشبيب – وهو الغزَل - بامرأة معيّنة محرّمة على المشبِّب، أو بغلام أمرد.
ولا يُعرف خلاف بين الفقهاء في حرمة ذِكْر المثير على الفحش من الصّفات الحسّيّة والمعنويّة لامرأة أجنبيّة محرّمة عليه، ويستوي في ذلك ذكر الصّفات الظّاهرة والباطنة؛ لما في ذلك من الإيذاء لها ولذويها، وهتك السّتر والتّشهير بمسلمة.
أمّا التّشبّب بزوجته أو جاريته: فهو جائز، ما لم يصف أعضاءها الباطنة، أو يذكر ما من حقّه الإخفاء فإنّه يُسقط مروءته، ويكون حراماً أو مكروهاً، على خلاف في ذلك ".
فإن أراد كتابة قصائد غرامية لزوجته ويذكر فيها محاسنها فلا حرج عليه في ذلك، لكن ليجتنب أن تقع في يد غيرها.
ونسأل الله أن يوفقهما، وأن يجمع بينهما على خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/821)
حكم استعمال دواء أو جهاز لتكبير القضيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل السؤال وأنا في قمة الحرج ولكن لا حياء في الدين. لي أخت في الله ملتزمة ويملأ قلبها الخوف من الله، وهي متزوجة منذ زمن بعيد ولديها أولاد تقول بأنها لا تستمتع بالمعاشرة الزوجية في بعض الأوقات مع زوجها وذلك بسبب صغر حجم قضيب زوجها وتسألني إذا كنت أعرف الإجابة على سؤالها وهو: -هل يجوز لها أن تطلب من زوجها وحسب ما تشاهد من بعض الإعلانات في الصيدليات والإنترنت بأن يقوم باستخدام الأدوية أو الأجهزة الخاصة بتكبير القضيب، أو القيام بتركيب قضيب صناعي على ذكره حتى أستمتع أنا أولا" ثم يقوم هو بالاستمتاع بدونه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على الزوج المسئول عنه أن يراجع الأطباء، لوصف دواء يعمل على تكبير القضيب، بشرط انتفاء الضرر.
كما لا حرج عليه أيضا في استعمال ما يضعه على ذكره، كالواقي ونحوه، إذا كان هذا أكمل في تحصيل المتعة لزوجته؛ إذ الأصل الإباحة، والزوج مطالب بحسن العشرة، ومنها إعفاف زوجته، وإشباع رغبتها، وإزالة ما يعوق ذلك.
ثانيا:
قولك: لا حياء في الدين، لا ينبغي، والأولى أن تقولي: إن الله لا يستحيي من الحق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بعض أجوبته: " أما قوله "لا حياء في الدين" فالأحسن أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق، كما قالت أم سليم رضي الله عنها: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟) أما "لا حياء في الدين" فهذه توهم معنىً فاسداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الحياء من الإيمان) فالحياء في الدين من الإيمان، لكن غرض القائل: "لا حياء في الدين" يقصد أنه لا حياء في مسألة الدين، أي: في أن تسأل عن أمر يستحيا منه، فيقال: إذا كان هذا هو المقصود فخير منه أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق " اللقاء الشهري (37/25) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/822)
خرجت من بيت زوجها وطلب منها عشيقها التزوج منه وهي على ذمة الأول!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 26 سنة، تطلقت منذ فترة أسبوع، بعد أن تركت منزل الزوجية منذ سنة، وأنا عند أهلي مع طفلي، وعمره سنتان الآن، وفي بداية زواجي الذي كان عن حب سكنت معه في منزل والدته، وبدأتْ والدته بالتدخل في كل شيء، وطلب مني العمل لأساعده على أعباء الحياة وتسديد القرض الذي أخذه لزواجنا، وبالفعل وجدت وظيفة، وعملت، وساعدته، وكان شَرطي الوحيد أن نسكن وحدنا بعيداً عن تدخل والدته المستمر، ووعدني بذلك، وكانت والدته هي من يتحكم بكل شيء في البيت، وزوجي كان لا يستطيع أن يعترض وإلا فإنها ستطلب منه الخروج من المنزل، وهي تعمل كذلك، أما بالنسبة لزوجي فقد جربته وعشت معه سنتين وجدته خلالها شخصاً آخر غير الذي عرفته في البداية، كان مجرد قناع، أصبح يأخذ راتبي كله ويعطيني مصروفاً يوميّاً، وكذلك كلما احتاج للنقود أو ترك عمله يطلب مني أن أبيع من ذهبي، وبالفعل قمت بذلك، وهو قام بذلك في بعض الأحيان، وكان يطلب مني أن أستدين من أهلي، وكنت أفعل، وبالمقابل هو لم يكن يعطيني شيئاً، وكنت محرومة من كل شيء، وكانت جملته لي دوماً (أنتي تعرفين وضعنا، وتحملي) وكان يخفي محفظته في السيارة، ويقول بأنه لا يحق لي أن أعرف ما معه، أو ليس معه، وأصبحت المشاكل بيننا تزداد، وكذلك استمررت بطلبي منه بأن يكون لي بيت مستقل لأني لست معتادة أن أكون في بيت الداخل داخل والخارج خارج منه، حيث له أخت مطلقة، تعمل، وتبيت في مكان عملها في فندق خارج (منطقتنا) وتأتي للزيارة، وخلال زيارتها تخرج للسهر كل ليلة وتعود بعد منتصف الليل، وكان هذا الوضع لا يرضيني ولا يعجبني، وكنت أقول لزوجي المحترم: ماذا سيقول الجيران عن سكان هذا المنزل الذي نحن فيه؟ هذا عيب، وكان يجيب: أنا سأتحدث معهم، أنا لا يعجبني هذا، وبقي يصبِّرني بكلامه، وفي النهاية قال لي: هذه عاداتنا وطباعنا (كونهم من قومية غير عربية) وأنا لا أستطيع أترك أمي وأختي وحدهما وأسكن بعيداً عنهما، وبقيت مترددة في إخبار أهلي لأنهم جميعاً عارضوا زواجي منه في البداية ولكن أصررت لأني رأيت فيه طيبة الخلق والقلب، وكم كنت عمياء، وفي النهاية أخبرت أهلي بناء على آخر كلام سمعته وهو يتحدث لوالدته يشكي لها مني وهي تخبره بأن يضربني، وأن يأخذ الولد مني، وهذا كان آخر ما حصل، وتركته، وذهبت لمنزل أهلي، وحضر بعد أسبوعين ليعرف لماذا تركت المنزل، ولم أخبره بأني سمعت شيئاً، وكان ما طلبته منزلاً شرعيّاً وحدي وليس مع أهله، ووافق، وبعد أن رأينا المنزل وذهب هو لرؤية المنزل غيَّر رأيه، وبقي الموضوع سنتين خلالها اتهمني بأني على علاقة بأحد ما، وبأنه يلعب بعقلي عندما شاهد معرفة لوالدي يوصلني من مكان عملي، وجدته يومها صدفة في مكان عملي، ووجدت زوجي ينتظرني أسفل مكان عملي، وخوفا من أن يؤذيني طلبت منه أن يوصلني، وبعدها أرسل أناساً للتشهير بي، وإما أن أعود لمنزل والدته، أو أطلَّق، وأن أتنازل عن حقوقي، فرفضت طبعا، وعندها أصررت على الطلاق منه، لم أعد أريد منزلاً، ورفع عليَّ قضية الطاعة مرتين، وفي النهاية رفعت أنا قضية الطلاق، ولكن خلال آخر خمسة أشهر كنت قد تحدثت بالصدفة إلى نفس الشخص الذي أوصلني الذي يعرفه والدي، وهو يكبرني بحوالي 14 سنة، وكنت قد أخبرته بما حصل معي، ووقف إلى جانبي، وأفهمني أموراً عن الحياة والناس، وأن هناك أموراً لا يجب السكوت عنها، وأن هذا الشخص اقتراني به من الأساس كان خاطئاً وبأني لم أسمع نصيحة ورأي الجميع، وأني أنا المخطئة، وفيما بعد بدأت أشعر بانجذاب نحوه، وأنا بداخلي أعرف أن هذا خطأ، وهذا الشعور يؤنبني دوماً، خاصة وأني أصبحت أحبه، وأعرف أنه يحبني أيضا، وهذا أمر لم يكن مخططا له، والتقينا عدة مرات، وتقابلنا، وجلسنا، وتحدثنا كثيراً، حتى إنه طلب مني أن يتزوجني قبل أن أتطلق، وأنا أود ذلك لكن أخاف مما قد يحصل فيما بعد من معارضة، خاصة في الظروف التي نشأتْ فيها هذه العلاقة، وأنا خوفي من الله أن أكون قد أخطأت كوني أحببتُ شخصاً آخر، وأنا على ذمة رجل آخر، مع العلم أني تركت زوجي منذ سنة و 3 شهور، وأنا تطلقت منذ أسبوعين تقريباً. أرشدوني فيما فعلتُ، هل أنا على خطأ؟ وهل ما فعلت هو حرام؟ فأنا في خلاف دائم مع نفسي، وفي حيرة شديدة؛ لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد وقعتِ في جملة من المخالفات الشرعية الواضحة البيِّنة، ولذا فقد عجبنا من نهاية رسالتك والتي تقولين فيها " لأني لا أريد أن أغضب الله، وأن لا أكون قد فعلت معصية "!! وعلى كل حال: فإن هذا من شؤم المعصية، ومن آثارها، وهو حجب العقل، وحجب نوره الذي يقود صاحبه للطريق الصحيح المستقيم.
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان آثار المعاصي -:
ومنها: أن المعاصي تُفسد العقل، فإن للعقل نوراً، والمعصية تطفئ نور العقل، ولا بد، وإذا طُفئ نوره: ضعف، ونقص، وقال بعض السلف: " ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيب عقلُه "، وهذا ظاهر، فإنه لو حضر عقله: لحجزه عن المعصية، وهو في قبضة الرب تعالى، أو يجهر به، وه مطلع عليه، وفي داره، على بساطه، وملائكته شهود عليه، ناظرون إليه، وواعظ القرآن نهاه، ولفظ الإيمان ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة: أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم؟! .
ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت: طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين/ 14، قال: " هو الذنب بعد الذنب "، وقال الحسن: " هو الذنب على الذنب، حتى يعمي القلب "، وقال غيره: " لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم: أحاطت بقلوبهم ".
وأصل هذا: أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت: غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طَبعاً، وقفلا، وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة: انتكس، فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
" الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " (ص 39) .
ونأسف أن نقول لكِ: إن المعاصي التي فعلتيها كل واحدة منها جرَّت أختها، فأثَّرت على العقل والقلب فأطفأت نورهما.
ثانياً:
وهذه المخالفات التي حصلت منكِ هي:
1. العلاقة المحرَّمة التي أنشأتيها مع زوجك الأول قبل زواجك به، وهو واضح من خلال قولك إنه كان زواجاً عن حبٍّ! ومن خلال وقوفك في وجه أهلك الرافضين لتزوجه بكِ، وها أنتِ تعيدين الأمر مع آخر وأنت على ذمة زوج! .
وقد بيَّنا حكم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة: (34841) و (26890) و (23349) .
وانظري – في العلاقات المحرَّمة -: أجوبة الأسئلة (1114) و (9465) و (21933) و (10532) .
2. الظاهر أن وظيفتك فيها اختلاط مع الرجال الأجانب، فإن كان ظنُّنا في مكانه: فهي معصية، وإن كانت غير مختلطة – أو ليست في مجال محرَّم كالبنوك وشركات التأمين -: فليس عليك شيء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال: أصلُ كل بليَّة وشرٍّ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء: سببٌ لكثرة الفواحش، والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
" الطرق الحُكمية " (ص 407) .
وانظري جواب السؤال رقم (1200) .
وللوقوف على حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظر جواب السؤال رقم (22397) .
وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
3. خروجك من بيت الزوجية دون إذن من الزوج، وكان هذا الخروج مبنيّاً على كلام سمعتيه من أمه، ومن شكوى منه بثها لها، وهذا لا يجعلك في حلٍّ من خروجك من بيت الزوجية دون إذن زوجك، وأنتِ لك الحق في بيت خاص مستقل مع زوجك، لكن يظهر أنك تنازلتِ عن هذا في أول زواجكِ ورضيتِ بالسكن معه في بيت والدته، فكان الأولى التفاهم معه على الوفاء بشرطه عندما رضيتِ بمساعدته في أعباء الحياة وفي سداد قرضه، وإلزامه بذلك عن طريق القضاء الشرعي، أو الحكَّام بينكما من أهل الخير والعلم، وأما تصرفك هذا وخروجك دون استئذان منه: فهو غير جائز، وقد منع الله تعالى المطلقات الرجعيات من أن يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق، فكيف المتزوجات؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
4. وأشنع هذه المخالفات الشرعية وأقبحها: هو علاقتك الآثمة بذلك المجرم الآثم؛ الذي أظهر نفسه على أنه المخلِّص لك من مشكلات الدنيا، ولبس لباس الناصح الحكيم، فظهر في صورة الحمَل الوديع، وفي داخله طبعُ الذئاب الكاسرة، والثعالب الماكرة!!
فكيف رضي هذا المجرم بأن يلتقي بكِ ويحادثك، ويجالسك ويتبسط معكِ، بل إنه وبكل وقاحة وخساسة يطلب منك الزواج وأنت على ذمة زوج آخر! والعجيب أنك ذكرتِ عن نفسك أن زوجك الأول قد كان يلبس قناع الطيبة، وأنك كنت عمياء عندما قبلتِ به زوجاً، فهل تظنين نفسك الآن مبصرة؟! لا والله لستِ كذلك، وإنَّ عماكِ مع زوجك الأول أهون من عماكِ الآن، فأنتِ لم تكوني متزوجة حين كنت على علاقة معه، أما الآن فإنك وأنت متزوجة كنتِ على علاقة محرمة بذلك المجرم، والذي لم يكتفِ بالإيقاع بينك وبين زوجك، وتقسية قلبك عليه، وتبغيضك في الرجوع لبيت الزوجية، حتى أضاف إلى ذلك كله طلب الزواج منكِ وأنت على ذمة زوج آخر.
فما فعلتيه حرام، بلا أدنى شك، وهو قبيح شنيع حتى عند غير أهل الإسلام، ولا يرضى زوج أن تكون زوجته على مثل حالك، ولا يمكن لعاقل – فضلا عن مسلم عالم بأحكام الشرع – أن يوافقك على التزوج من هذا المجرم الذي أبان عن سوء خلقه قبل الزواج! وهذا يوفر عليك سلوك تجربة أخرى مريرة معه! وهل تظنين أنه سينسى لك خيانة زوجك معه؟ وهل تظنين أنه سيثق بك أن لا تعيدي الكرة معه؟! لا تترددي في قطع العلاقة معه، فهي علاقة محرمة من جهة، ومن جهة أخرى فهو لا يصلح أن يكون زوجاً مأموناً وقد صدرت منه تلك الأفعال القبيحة المحرَّمة.
ولمعرفة مواصفات الزوج الصالح فلينظر جوابي السؤالين: (5202) و (6942) .
ثالثاً:
نرجو أن يكون ندمك، ومحاسبتك لنفسك دليلَ خيرٍ على رجوع للحق، وعلى حياة نفسكِ اللوامة التي تلومك على القبيح، وتلومك على التقصير في الطاعات.
وإياك واتباع خطوات الشيطان، فإنه يورد المهالك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) النور/ 21.
ولا تفرطي بفرصة الندم والتوبة، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الإنسان درهم ولا دينار، ولا حميم، ولا شفيع، وقبل أن يعض أصبع الندم، قال سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/ 27 – 29.
ولتطهير نفسك من الذنوب، وللحافظ على دينك وإيمانك وعفافك، احرصي على:
1. الصلاة في وقتها بخشوع وخضوع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) .
رواه البخاري (505) ومسلم (667) .
2. الرفقة الصالحة من النساء المستقيمات على طاعة الله.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) .
رواه البخاري (1995) ومسلم (2628) .
قال الأمام النووي – رحمه الله -
وفيه: فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر، وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يَكثر فجوره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
" شرح مسلم (16 / 178) .
3. عدم الاستماع للغناء والمعازف واللهو المحرم.
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) لقمان/ 6،7.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه ... يوضحه: أنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسكت القارئ، ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني، ويستقصر نوبته.
" إغاثة اللهفان " (1 / 240، 241) .
وأخيراً:
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله –:
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب، ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه، ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية، أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان، ولا ينظر إلى لوم الناس، بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس، ولو كانوا يفعلون المعاصي، فلا يجوز له أن يقتدي بهم، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/ 6، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / ص 293) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/823)
أهلها كفار وهجرها زوجها وهي حامل فلم ينفق عليها!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى سؤال يتعلق بقضية شائعة، ما هي مسئولية المجتمع عندما يعلم بقيام زوج بهجر زوجته الحامل تماما، فهو لا يقوم بإعالة زوجته ماديّاً على الإطلاق، وليس هناك وكيل للزوجة؛ لأنها تنحدر من أسرة كافرة، فهل يجوز للمجتمع الذي ينتمي إليه كلا من الزوج والزوجة عند علمه بتلك الظروف أن يدير رأسه ويقول ليس بوسعنا القيام بشيء لأننا نعيش ببلد كافر؟ فقد سمعت بمجتمعات تقوم بإبعاد المسلمين الذين يداومون على ارتكاب المعاصي والابتعاد عنهم، أليست هي مسئولية الأمة أيضا أن تحمل الرجال (الحافظين والعائلين) مسئولية تصرفاتهم عندما يذنبون أو يظلمون نساءهم وأطفالهم؟ ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها، وما الذي يجب القيام به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نأسف أن يوجد في المسلمين من لا يتخلق بأخلاق الإسلام، ونأسف أن يكون هؤلاء في دول الكفر، فتتعدى إساءتهم إلى أن تصل للإسلام نفسه، ورحم الله من مات من تجار المسلمين، والذين أدخلوا بأخلاقهم الإسلامية العالية أمماً في الإسلام، فكانوا أنموذجاً يُفتخر به في التاريخ.
وما أكثر المسلمين اليوم في دول الكفر، ولو أن كل واحد من هؤلاء كان يحمل الإسلام بتعاليمه الصحيحة، وكان أنموذجاً للمسلم التقي النقي: لرأيت تحولاً عظيماً في الأرض، فلو أدخل كل واحد من أولئك المسلمين شخصاً واحداً في الإسلام كل عام: لرأيت أثر ذلك على الأرض بما لم يُسمع به في تاريخ الأديان، ولكن أنَّى ذلك وهم يجهلون تعاليم الإسلام نظراً، ومَن عَلِمَها منهم فإنه لا يقوم به عملاً، إلا من رحم الله منهم.
والزوج المسلم بدلاً من أن يكون متصفاً بالأخلاق الإسلامية العالية، ويكون سبباً في دخول زوجته وأسرتها في الإسلام: أصبح كثير منهم منفِّراً عن الإسلام بأخلاقه وسلوكه، فمنهم من يتزوج بنية الطلاق، حتى إذا شبع منها وانتهت دراسته ألقى زوجته، ومنهم من يتزوج بقصد الحصول على إقامة أو منحة دراسية، فإذا حصَّل ذلك هجرها، وأما عن معاملاتهم لزوجاتهم فحدِّث عن ذلك ولا حرج، وليته كان زوجاً صالحاً، يقوم بما أوجبه الله عليه من الفرائض، ويتخلق بأخلاق الإسلام: إذاً لكان خيراً له دنيا وأخرى.
ثانياً:
وإن مِن أعظم حقوق الزوجة على زوجها النفقة عليها، وبذلك استحق القوامة.
قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ 34.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
يعني بقوله جل ثناؤه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) : الرجال، أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم.
(بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ، ولذلك صارُوا قُوّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن.
" تفسير الطبري " (8 / 290) .
وعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ.
رواه أبو داود (2142) وابن ماجه (1850) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال ابن رشد القرطبي - رحمه الله -:
واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج: النفقة، والكسوة؛ لقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) الآية؛ ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ؛ ولقوله لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فأما النفقة: فاتفقوا على وجوبها.
" بداية المجتهد ونهاية المقتصد " (2 / 44) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (16 / 274) :
تجب النّفقة والسّكنى للحامل المطلّقة طلاقا رجعيّا أو بائنا حتّى تضع حملها، وذلك باتّفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .
انتهى
والزوجة الحامل تتأكد نفقتها على زوجها حتى لو طلقها! فكيف وهي زوجة لم تُطلَّق؟! .
قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ 6.
بل حتى لو أبرأت زوجها من حقوقها ثم تبين حملها: فإن الإنفاق عليها لا يدخل في الإبراء!
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
في امرأة طلَّقها زوجها ثلاثاً، وأبرأت الزوج من حقوق الزوجة قبل عِلمها بالحمل، فلما بانَ الحمل: طالبت الزوج بفرض الحمل، فهل يجوز لها ذلك أم لا؟ .
فأجاب:
إذا كان الأمر كما ذكر: لم تدخل نفقة الحمل في الإبراء، وكان لها أن تطلب نفقة الحمل.
" مجموع الفتاوى " (32 / 361) .
وعليه: فإن للزوجة حق النفقة على زوجها، لها ولحملها، وما تنفقه على نفسها أثناء قطع زوجها النفقة عليها: يبقى دينا في ذمته، وعلى من بيده الأمر أن يجبره على دفع المال لزوجته بما أنفقته وبما يأتي، ويجوز لمن تمكَّن من ماله أن يأخذه منه للنفقة ولو من غير إذنه أو من غير اختياره؛ لأن هذا حق زوجته في ماله، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للزوجة أن تأخذ من مال لزوجها دون علمه للإنفاق على نفسها وعلى أولادها.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) .
رواه البخاري (5049) ومسلم (1714) .
ثالثاً:
هجر هذا الزوج لزوجته لا يُعرف سببه، والهجر مشروع إذا وُجدت أسبابه من المرأة كفعل معصية أو ترك واجب، أو لنشوزها على زوجها، على أن يكون الهجر بعد وعظها وتذكيرها بحكم فعلها.
قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/ من الآية 34.
ومن العلماء من يرى أن الهجر لا يكون بخروجه من البيت، بل يهجر في المضجع، وقد سبق الدليل على ذلك من حديث معاوية القشيري، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بخروجه من البيت، وذلك يختلف تبعاً لما يراه الزوج مؤثراً في زوجته.
وقد نقل الخلاف في هذه المسألة: الحافظ ابن حجر رحمه الله، ثم قال:
والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، فربما كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها، وبالعكس، بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم للنفوس، وخصوصا النساء لضعف نفوسهن.
" فتح الباري " (9 / 301) .
وفي كل الأحوال: لا يقطع الزوج النفقة عنها وهي في بيته تمكنه من نفسها، أما إن نشزت وخرجت من بيته، فتلك التي لا تستحق النفقة، وأما ما في بطنها من حمل فإن له نفقة على أبيه، ولو كانت الزوجة ناشزا؛ لأن نفقة الحامل لحملها لا لها، وهو قول المالكية، وقول عند الشافعية، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، كما في " الموسوعة الفقهية " (16 / 274) .
وها نحن بينَّا للناس جميعاً أن الشرع قد كفل حق الزوجة، وأمر زوجها بمعاشرتها بالمعروف، وأنها إن قصرت في واجب، أو فعلت معصية: فإن زوجها يعظها قبل أن يهجرها، وأنه لو هجرها فلا يحل له ترك النفقة عليها، إلا أن تنشز وتخرج من بيته، وإن كانت حاملاً وهي في بيت الزوجية فتتأكد نفقتها، وإن كانت في غير بيته لنشوزها فلا تنقطع نفقة ما في بطنها.
وعلى من قدر أن يكلم الزوج وينصحه أن لا يقصِّر في ذلك، ويطالب الزوج إما بإمساكها بمعروف، أو تسريحها بإحسان، ولا يحل له أن يجعلها معلَّقة، لا هي متزوجة ولا هي مطلَّقة.
ويجب في ماله نفقة زوجته، ولو أخذ المال منه بالإجبار والإكراه، فتؤخذ النفقة التي بذلتها الزوجة من وقت قطعها عنها، ويلزم بالاستمرار في الإنفاق عليها.
ولا يحل لأحدٍ يستطيع وضع الأمور في نصابها أن يتخلى عن الزوجة، وبما أن أهلها من الكفار: فإنه يتحتم على المسلمين حولها الاهتمام بها أكثر، حفاظاً على دينها، ونصرة للمظلوم.
إن اهتمام المجتمع بأزمة المأزوم، وحاجة المحتاج، وشكوى المضطر، ليس جزءا كماليا، إن قام به فقد أحسن صنعا، وإن لم يقم لم يستحق اللوم؛ بل إنه جزء من حقيقة إسلام المسلم، وصبغة المجتمع السليم في الإسلام. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: الَّذِي يَظْهَر أَنَّ التَّرَاحُم وَالتَّوَادُد وَالتَّعَاطُف وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَة فِي الْمَعْنَى لَكِنْ بَيْنَهَا فَرْق لَطِيف , فَأَمَّا التَّرَاحُم فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَرْحَم بَعْضهمْ بَعْضًا بِأُخُوَّةِ الْإِيمَان لَا بِسَبَبِ شَيْء آخَر , وَأَمَّا التَّوَادُد فَالْمُرَاد بِهِ التَّوَاصُل الْجَالِب الْمَحَبَّة كَالتَّزَاوُرِ وَالتَّهَادِي , وَأَمَّا التَّعَاطُف فَالْمُرَاد بِهِ إِعَانَة بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَا يَعْطِف الثَّوْب عَلَيْهِ لِيُقَوِّيَهُ اهـ مُلَخَّصًا.
وقَوْله: (كَمَثَلِ الْجَسَد) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع أَعْضَائِهِ , وَوَجْه التَّشْبِيه فِيهِ التَّوَافُق فِي التَّعَب وَالرَّاحَة.
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: شَبَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَان بِالْجَسَدِ وَأَهْله بِالْأَعْضَاءِ , لِأَنَّ الْإِيمَان أَصْل وَفُرُوعه التَّكَالِيف , فَإِذَا أَخَلَّ الْمَرْء بِشَيْءٍ مِنْ التَّكَالِيف شَانَ ذَلِكَ الْإِخْلَالُ الْأَصْلَ , وَكَذَلِكَ الْجَسَد أَصْل كَالشَّجَرَةِ وَأَعْضَاؤُهُ كَالْأَغْصَانِ , فَإِذَا اِشْتَكَى عُضْو مِنْ الْأَعْضَاء اِشْتَكَتْ الْأَعْضَاء كُلّهَا كَالشَّجَرَةِ إِذَا ضُرِبَ غُصْن مِنْ أَغْصَانهَا اِهْتَزَّتْ الْأَغْصَان كُلّهَا بِالتَّحَرُّكِ وَالِاضْطِرَاب. " انتهى من فتح الباري.
إن إعالة الفقير والمسكين وذي الحاجة، هي حصة أساسية في مال المسلم، وهي فريضة واجبة على المجمتع الذي يعيش فيه. قال الله تعالى، في صفات المؤمنين التي مدحهم بها:
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} .
وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) رواه البخاري في الأدب المفرد (112) وصححه الألباني.
فنسأل الله تعالى أن يهديه لما فيه صلاحه وصلاح بيته، وأن يصبر الأخت على ما ابتلاها ربها بها، ولتبشر بالأجور الوافرة إن هي صبرت واحتسبت مصيبتها، ولتدع ربها تعالى أن يفرج عنها، وأن يختار لها الأصلح لدينها ودنياها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/824)
المودة والرحمة بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم عدم سماح زوجي لي بأخذ قسط من الراحة عندما أعانى من مشكلة صحية (على سبيل المثال: شقيقة وسكتات عصبية ومشكلات أخرى) وأحتاج للراحة (كما نصح الطبيب) لكن زوجي يرفض أن يقوم بأي شيء ليريحني (لدينا أطفال) حتى إنه لا يعترف بكوني أعانى من مشكلات صحية لأنه يرى أنني شابة ومقتنع باستحالة كوني أعانى من كل هذه المشكلات الصحية. فماذا على أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من أعظم مقاصد النكاح في شرع الله المطهر أن تسود المودة والرحمة بين الزوجين، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تبنى الحياة الزوجية. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم /21.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " المودة هي: المحبة، والرحمة هي: الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد ".
والنصيحة لك أيتها الأخت الكريمة أن لا يغيب عن بالك المودة والرحمة اللتين ذكرهما الله تعالى في الآية الكريمة بين الزوجين، وأن تتأملي في حال أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لاسيما دور السيدة خديجة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاجتهدي في إسعاد أسرتك وسوف تجدين أثر ذلك خيرا إن شاء الله.
ومن أكبر أسباب كسب القلوب البشاشة وإلانة القول كما جاء عن بعض الصالحين: " إنما البر شيء هين؛ وجه طلق وقول لين " فتكلفي هذا البر مع زوجك - حتى يصير سجية لك - تكسبي قلبه وتنعشي في قلبه المودة والرحمة نحوك.
بل قبل ذلك كله، وفوق ذلك كله، قول ربنا الرحمن جل جلاله: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) . فصلت/34-35
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.
{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي: كأنه قريب شفيق.
{وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ ".
فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له.
{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق " انتهى.
تفسير السعدي ص (549-550) .
وإذا كان هذا كله في حق الخلق، فكيف في حق زوجك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رواه أبو داود (2140) واللفظ له، والترمذي (1192) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1203) .
وإذا كنا بدأنا بالحديث إليك، أيتها الأخت الكريمة، فلأنك التي سألت، وظننا أن سماعك لنا أقرب، واستجابتك لنصيحتنا أسرع، ولو كان ثمن ذلك أن تتنازلي عن بعض حقك، وأن تعفي عمن ظلمك، فلا بأس؛ ومن الذي يزعم أن التنازل عن بعض الحقوق، والعفو عن المظالم عيب أو نقصان، بل هو الكمال كل الكمال.
روى مسلم في صحيحه (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ)
وأما الحديث إلى زوجك، أو العتاب له، فهو حديث الناصح الشفيق، وعتاب ممن يحبون له الخير، ويخشون عليه عاقبة الليالي، ويحذرونه من أن يطيع إبليس ويفرحه، ويعصي الرحمن جل جلال ويغضبه.
أما طاعته لإبليس، فقد روى مسلم في صحيحه (2813) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ؛ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً؛ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا!! قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؟! قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ!! قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ!!)
وأما أنه يغضب الرحمن ويعصيه، فليسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (َاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ..) رواه مسلم (1218)
أفهكذا يكون أمان الله، يا عبد الله؟!!
أوهكذا تفعل بكلمة الله، يا عبد الله؟!!
أهكذا تفعل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال لك: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقال صلى الله عليه وسلم: وقوله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
أوهكذا يكون المعروف، وقد قال الله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
أو هكذا تكون الرعاية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
أما سمعت الصحابي الجليل، عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، رضي الله عنه، وقد دخل عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، الوالي الظالم، فَقَالَ له الصحابي: (أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ!!) رواه مسلم (1830) .
أما تخشى أن تكون ـ أنت ـ منهم.
هل سمعت من قبل يا عبد الله أن للمرض سنا، وأنه يشترط لوجود الصداع زمان أو مكان؟!!
ما سمعنا بأعجب من هذا ولا أغرب!!
أم لعلك تحتاج دليلا؟! فاسمع يا عبد الله:
عن عائشة قالت: (رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وا رأساه فقال بل أنا يا عائشة وا رأساه) رواه ابن ماجه (1465) ، صححه الألباني في تخريج المشكاة (5970) .
وينبغي أن تتذكر أيها الأخ المسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وللسيدة عائشة رضي الله عنها ثمانية عشر عاما، مما يعني أن شكواها هذا الصداع كان في حداثة سنها قبل الثامنة عشرة، فصدقها النبي صلى الله عليه وسلم وتفاعل معها وجدانيا، وسئلت السيدة عائشة رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. رواه البخاري (676) .
فهذا الدليل إن كنت تحتاجه، وما نظنك تحتاج دليلا، أن تحتاج أن تعمل؛ الطريق أمامك، لكنك لا تسير!!
الحديث إليك طويل، ذو شجون، يا عبد الله، ومن لم ينفعه القليل، لم ينفعه الكثير!!
فاحذر يا عبد الله أن تبتلى يوما، وتحتاج هذه المرأة الضعيفة أن تحملك، وتقوم بأمرك؛ أفتحب أن تعاملك بمثل ما تعاملها به؟!!
أم تحب أن تكون هي أكرم منك، وتصدقك، وأنت تكذبها، وتحملك، وأن تضيعها، وترفق بك، وأنت تشق عليها، وتحلم عليك، وأنت تجهل عليها؟!!
والله إن أحلاهما مر!!
فاختر لنفسك طريق الإحسان يا عبد الله: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) (الرحمن:60)
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/825)
زوجها شارب للخمر فهل تأثم بمعاشرته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تتصرف المسلمة إذا كان زوجها يشرب الكحول؟ لقد حاولت أن تجعله يتوقف عن ذلك , لكنه يرفض. والأمر الوحيد الذي نجح الزوج في تحقيقه حتى الآن هو أنه قلل عدد المرات التي يشرب فيها. هذه المرأة حريصة على التمسك بالدين، وهي تخشى أن يعاقبها الله لقاء تصرفات زوجها. وفي نفس الوقت , فإنها تحب زوجها، وتريد أن تحافظ على علاقتها به كزوجة. فماذا تفعل والحال ما ذكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: نوجه النصيحة إلى هذا الزوج أن يتوب إلى الله عز وجل من شُرْبِ الخمر، فإنّ شرب الخمر مُحَرّم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والمَيْسِر والأنْصَابُ والأَزْلاَمُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشيطان فاجْتَنِبُوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يُوقِع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويَصُدَّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) المائدة 90-92
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كلُّ مسكِرٍ خمر وكل خمر حرام " رواه مسلم (الأشربة/3735) .
وأجمع المسلمون إجماعاً قطعيا لا خلاف فيه بينهم، حتى عدَّ بعض العلماء تحريم الخمر من الأمور المعلومة من دين الإسلام بالضرورة، فالنصيحة له أن يَدَعَ شُرب الخمر، وأن يَسْتَغْنِي بما أحل الله له من المشروبات الطيِّبة، عما حرم الله عليك، والخمر هي أم الخبائث ومفتاح كلِّ شر، وتوعد الله من شرِبَها ولمْ يَتُبْ منها بالوعيد الشديد، عَنْ جَابِرٍ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. " رواه مسلم (الأشربة/3732) .
ويسهل تركه بصدق النِّية والعزيمة والاستعانة بالله تعالى.
أما أنتِ أيتها الزوجة فليس عليك ذنبٌ إذا شرب زوجك الخمر فإن الإنسان لا يحاسب على أفعال غيره قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) فاطر 18، بل أنت مأجورة على نُصْحِكِ لزوجك، ومعاشرتك لهذا ليست بمحرمة ولا ممنوعة، لأن شرب الخمر لا يقتضي أن يكون كافراً، فاستمري في دعوته ونصيحته والدعاء له لعل الله سبحانه وتعالى أن يتوب عليه، وإن كان في هجرك إياه في المضجع مصلحة ليَرْتَدِع ويَِتْرُكَ شُرْبَ الخمر فإن ذلك جائز، وإن لم يكن فيه مصلحة فلا تفعليه، نسأل الله الهداية والتوفيق للجميع. وللمزيد يراجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/890.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/826)
زوجته تقوم الليل وتفرط في الفرض! وتغير حالها إلى الأسوأ فكيف يتصرف معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج من قرابة العامين والنصف، والحمد لله على ذلك، في أول أيام زواجنا كان كل شيء على ألف خير، والحمد لله، وكان اجتماعنا على كتاب الله ورياض الصالحين، وصيام الاثنين والخميس. ولكن دوام الحال من المحال - كما يقال في المثل الشعبي -، بعد مرور ثلاثة أشهر على زواجنا تغير على هذا حال الزوجة؛ حيث اكتشفت أنها من النساء اللاتي لا يقمن بأداء الصلاة في وقتها، وفي بعض الأحيان تجمع معظم الصلوات مرة واحدة، مع أنها في بعض الأوقات تقوم من الليل للصلاة. وهي أيضاً تعشق السهر بشكل كبير، مما يؤدي إلى النوم طوال النهار، وبعد أن كان البيت لا يوجد به جهاز التلفزيون، اضطررت إلى إدخال قناة إلى المنزل من قرابة ست أشهر بطلب منها. بالإضافة إلى أن اهتمامها بزوجها ليس من الأمور المهمة عندها، كثيرة الرفض للاستجابة إلى زوجها في الفراش، كثيرة التسويف لذلك، مع علمها بعقوبة ذلك الأمر؛ فهي حاملة لشهادة جامعية دارسات إسلامية!! وعندما أغضب عليها لا يؤثر ذلك فيها، وكأنه شيء عادي عندها، كم هي المرات التي تم هجرها في الفراش لكن لا حياة لمن تنادي، وكم عدد المرات التي تم التدخل من الأطراف الأخرى للإصلاح، ولكن للأسف الأمر كما هو من سيء إلى أسوء، بالإضافة إلى أن العناد صفة دائمة لها، شدة التمسك بما تقتنع به حتى لو كان على خطاء، أسلوب الاعتذار غير موجود عندها. ما هو الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحن في الحقيقة أمام حال غريبة من هذه الأخت، وهي تحمل تناقضات، فلا نستطيع الجمع بين كونها تصلي قيام الليل، وفي الوقت نفسه تترك بعض الصلوات المفروضة، أو تجمعها معاً!! فكيف تحرص على نافلة وتضيع فريضة من جنسها؟! وكيف تتقرب إلى الله بعبادة من أعظم نوافل العبادات – وهي قيام الليل – ثم تعصي ربها في أوجب الواجبات عليها، من تضييع الصلاة في وقتها، وعدم الاستجابة لطلب زوجها لفراشه؟!
فأين ما سمعته من آيات وأحاديث وأحكام في دراستها الشرعية؟! إن الحجة مقامة على هذه الأخت أكثر من غيرها، فهي تعرف الخطأ والصواب، وتعرف الطاعة والمعصية، فليس حكمها مثل حكم غيرها من الجاهلات، فلتنتبه لنفسها، ولتحاسب نفسها قبل أن تُحاسب، ولتزن أعمالها قبل أن توزن عليها.
ثانياً:
والواجب عليك أيها الزوج أن تنصحها وتذكرها بالله، وخاصة في مسألة الصلاة، ويجب أن تعرف أن العلماء قد اختلفوا في حكم من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها عامداً، وأن من السلف والخلف من كفَّره، بل قد نقل بعضهم إجماعاً للسلف على كفره! فكيف ترضى هي لنفسها أن تكون على حال مختلف فيه بين العلماء، ومثله يقال لك في حال إصرارها على التخلف عن بعض الصلوات والتفريط فيها، فمثلها لا يُحرص على إبقائها في عقد الزوجية، بعد بذل الأسباب في هدايتها.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن رجل لا يصلي الفجر جماعة، ولا وحده، وبقية الفروض يصليها على حسب راحته، هل يعتبر كافراً أم لا؟ .
فأجاب:
" هذه مسألة اختلف فيها العلماء - الذي يترك صلاةً واحدة حتى يخرج وقتها بدون عذر-، مِن العلماء من قال: إنه كافر، وإليه ذهب بعض السلف، وبعض الخلف، وهو رأي الشيخ عبد العزيز بن باز في وقتنا الحاضر أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر حتى خرج وقتها: فهو كافر، لكن الذي أرى: أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة نهائيّاً، وأن الذي يصلِّي ويترك مع إقراره بوجوبها: لا يكفر، لكن يعد من أفسق عباد الله؛ ... فذنبه أعظم من الزنا، وشرب الخمر، وقتل النفس ... ".
" لقاءات الباب المفتوح " (168 / السؤال رقم 6) .
ولتعلم هذه الزوجة أن أداء الصلوات في غير وقتها من الكبائر، ولا تقبل هذه الصلوات المؤادة في غير أوقاتها، وهي وعدمها سواء، لذا فالواجب عليك أيها الزوج التشديد عليها في هذا الأمر: إما الاستقامة على الصلاة، وإما أن تفارقها.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا متزوج ابنة خالي، ومعي منها ولد، وهي لا تصلي، ولا تصوم شهر رمضان، وأخاف أن يلحقني بعد ذلك ذنب وإثم، وأنا في الوقت الحاضر محتار من هذا الأمر، أفيدوني جزاكم الله خيراً.
فأجابوا:
" أنت آثم في عشرتك إياها المدة الماضية وهي تاركة للصلاة والصيام دون أن تجتهد في نصحها وتحزم أمرك معها، أما اليوم: فإذا كان الأمر لا يزال على ما كان من تركها للصلاة والصيام: فاجتهد في أمرها بالصلاة وبالصيام وغيرهما من فرائض الإسلام، واستعن بالله، ثم بالحي من والديك ووالديها ومحارمها على نصحها، فإن أطاعت وتابت إلى الله وصلَّت: فالحمد لله، وعليك أن تحسن عشرتها، وإن أصرت على ترك الصلاة والصيام فطلِّقها، وما عند الله خير لك، والله المستعان؛ لأن ترك الصلاة كفر، وردة عن الإسلام؛ لحديث: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) - روه مسلم -؛ وقوله: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " - رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه -؛ وقال تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/ 10.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 283، 284) .
ثالثاً:
بعد أن ذكرناها بتقوى الله وطاعته، وخاصة في إقامة الصلاة في وقتها: فإننا نذكِّرها بحقوق الزوج، ووجوب طاعته، وقد قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ 34، وأنه لا يحل لها رفض دعوته إذا دعاها للفراش، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من الامتناع من زوجها إذا دعاها للفراش فقال: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (3065) ومسلم (1736) ، كما لا يحل لها النشوز والإعراض، وقد أوجب الله تعالى عليها طاعة زوجها بما لا يخالف الشرع، وما تفعله من السهر الطويل في الليل، وتضييع الواجبات في النهار: أمرٌ منكر، ولا يحل لها الاستمرار عليه.
رابعاً:
أما ما تفعله أنت تجاهها: فإن عليك أن تتلطف في دعوتها وسلوك السبل الحكيمة في الإنكار عليها دون قسوة ودون غلظة، وقد قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم (2593) ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) رواه مسلم (2594) .
زانه: أي: زيَّنه.
شانه: أي: عَيَّبَه.
ويمكنك سلوك طرق شتى لإصلاحها وهدايتها، ومن ذلك:
1. الخطاب المباشر معها برفق ولين ومحبة.
2. الاستعانة بالحي من أهلها أو أقاربها أو صديقاتها لنصحها وتوجيهها.
3. الذهاب معها للعمرة، والمحافظة على الصلاة في الحرم.
4. إسماعها الأشرطة المفيدة، وإعطاؤها الكتب النافعة لتعرف ما عليها من حقوق، ولتذكرها بالآخرة.
5. التخلص من القنوات الفضائية التي أدخلتها بيتك بالكلية، أو الإبقاء على المفيد النافع منها كقناة " المجد "، وقناة " الحكمة ".
6. البحث عن أسباب أخرى قد تكون غيَّرت من حالها، كصاحبة فاسدة، أو جارة، أو قريبة من شيطانات الإنس، ومنعها من اللقاء بها.
7. الاستعانة بالدعاء والتضرع لله تعالى لأن يهديها ويصلح حالها.
وإذا لم ينفع ذلك كله: فطلِّقها طلقة واحدة لعلها ترعوي بها، وتراجع نفسها، فإن لم ينفع ذلك: فلا تراجعها، ودعها حتى تنقضي عدتها وتبين منك، ولعل الله أن يبدلك خيراً منها.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/827)
زوجته لا ترغب في كثرة الجماع فيلجأ للاستمناء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل شديد الشهوة , وأرغب في الجماع يومياً، وإذا أردت مجامعة زوجتي تمتنع غالباً بحجج واهية، كأن تقول بأنها متعبه أو أنها تتكاسل من الاغتسال أو تريد أن نؤجله لليوم التالي , فلا يحصل جماع إلا مرتين في الأسبوع تقريباً , وأنا لا أستطيع أن أصبر مما يجعلني أستمني بيدي خوفاً من الوقوع في الزنا، مع علمي بأنه محرم حيث إنني أستمني ثلاث مرات تقريباً في الأسبوع , وزوجتي بجانبي، وهي تعلم ذلك، علماً بأن زوجتي تهتم كثيراً بأمور الزينة والتجمل والتطيب، إلا أن عيبها التذمر من كثرة الجماع. هل عليّ إثم في الاستمناء بيدي؟ وإذا كنت آثماً، فهل يلحق زوجتي إثم باستمنائي بيدي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على الزوج أن يعاشر امرأته بالمعروف، لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، ومن المعاشرة بالمعروف: الجماع، وهو واجب عليه، بقدر كفايتها، ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشته.
ويجب على الزوجة أن تطيع زوجها إذا دعاها للفراش، فإن أبت فهي عاصية؛ لما روى البخاري (3237) ومسلم (1436) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش وذلك فرض واجب عليها.... فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة ... ، كما قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) "
انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3 /145،146) .
لكن لا يجوز للزوج أن يحمِّل امرأته ما لا طاقة لها به من الجماع، فإذا كانت معذورة لمرض، أو عدم تحمل لم تأثم من رفضها للجماع.
قال ابن حزم رحمه الله: " وفرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا، أو مريضة تتأذى بالجماع، أو صائمة فرض، فإن امتنعت لغير عذر فهي ملعونة " انتهى من "المحلى" (10/40) .
وقال البهوتي رحمه الله: " وللزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت ... ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها، فليس له الاستمتاع بها إذن؛ لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف، وحيث لم يشغلها عن ذلك، ولم يضرها، فله الاستمتاع " انتهى من "كشاف القناع" (5/189) .
وللزوجة التي يضرها زوجها بكثرة الجماع أن تصطلح مع زوجها على عدد معين تتحمله، فإن زاد حتى ضرها ذلك فلها أن ترفع أمرها للقاضي، فيحكم القاضي بعدد معين يلزم الزوج والزوجة به.
ثانيا:
الاستمناء محرم، لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (329)
ولا حرج على الرجل لو استمنى بيد زوجته، لأنه يباح له الاستمتاع بها، وكذا لو أنزل بالوطء خارج الفرج، لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون/5، 6، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (826) .
والزوجة إن كان يضرها الوطء، فإنه لا يضرها استمتاع زوجها بغيره، ويلزمها أن تمكنه من هذا الاستمتاع.
وينبغي أن يعالج الزوجان هذه المسألة في جو من الألفة والمودة والصراحة، وأن يعرف كل منهما ما له من الحقوق، وما عليه من الواجبات. والمشاكل الزوجية عادة ما تنشأ من الجهل بذلك.
وبعض الأزواج يحرص على قضاء شهوته، ويتعجل في ذلك، غير مبال بزوجته، ولا مراع لحقها في الاستمتاع، فتفقد المتعة بهذا اللقاء، وتنفر منه، ويصير همّا لها، وعبئا عليها.
ولهذا نقول: احرص على إيجاد المودة والمحبة بينك وبين زوجتك، وراع حالها، وتفهم مشاعرها، وتجنب ما يضرها ويؤذيها، وأبلغها الحكم الشرعي فيما يتعلق بهذه المسألة، وأعنها عليه، ولا تنفرها منه، والقصدَ القصدَ تبلغوا.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/828)
زوجته لا تصلي وتعصيه في كثير من الأمور فما حكمها؟ وكيف يتصرف معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجة تعصيني كثيراً في الأمور: في تربية الأولاد، والتعليم، وفي علاقات الأقارب، وفي كثير من جوانب الحياة الزوجية، فماذا أفعل معها؟ طلبت منها الصلاة وقراءة القرآن، فلم تستجب! وأرجو الدعاء لها بالهداية]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن البيوت السعيدة هي تلك البيوت التي تُبنى على التفاهم، وتقوم على الحب، ويكتمل بنيانها بالمودة والرحمة بين الزوجين، ولا يتم شيء من هذا دون قيام الزوجين بالواجبات المنوطة بهما، ومن ذلك: وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده، ووجوب طاعة الزوجة لزوجها، وإذا أرادت الزوجة سلب حق القوامة من الزوج، أو أرادت النشوز والترفع عن طاعته: فإنها تهدم بيتها بيدها، وتشرد أولادها بسوء فعالها.
فعلى الزوجات عموماً أن يعلمن أن طاعة أزواجهن واجب شرعي عليهنَّ، وعلى الزوج أن يُحسن استعمال قوامته على زوجته وأهل بيته، بإرشادهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم.
قالَ تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم) النساء/34.
ولتتأمل الزوجات هذه الأحاديث:
1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) .
رواه الترمذي (1159) وحسَّنه، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
2. عن أَبَي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمُ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) . رواه الترمذي (360) وحسَّنه.
3. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا) . رواه الترمذي (1174) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) .
رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - معلِّقاً على هذا الحديث -:
فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها: فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك، مما فيه تربية أولادهما، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات.
وقال الحافظ في " الفتح ": " وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير؛ لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع ".
" آداب الزفاف " (ص 210) .
ثانياً:
على الزوج أن يبحث عن أسباب نشوز زوجته، وبمعرفة الأسباب يمكنه علاج مرضها، والوصول بها إلى بر الأمان، لتأمن من سخط الله وعذابه، ومن هذه الأسباب: الزوج! نعم، فقد تكون أنت من أسباب نشوزها، إما بسبب معاصٍ عندك، كما قال بعض السلف: " إني لأرى آثار معصيتي في دابتي وزوجتي "، وذلك بسوء خلقها وترفعها عن طاعته، أو يكون الزوج سيء الأخلاق مع زوجته، فتكون تصرفاتها ردة فعل لأخلاقه معها.
ومن هذه الأسباب: أهلها أو أقرباؤها أو جيرانها أو صديقاتها، ممن يساهمون مع إبليس في حملته للإيقاع بين الزوجين والتفريق بينهما.
وإن كان السبب منها نفسها – لضعف إيمانها، وجهلها بأحكام الشرع -: فليذكرها بالله تعالى، وليساهم في تقوية إيمانها، وليعلمها ما تجهله من حقوق الزوج عليها، فإن لم ينفع: فليضربها ضرباً غير مبرِّح، فإن لم ينفع معها: فليهجرها في الفراش.
فإن استنفد جهده ولم تستجب لداعي الخير منه أو من غيره: فالسبيل أن يطلقها طلقة واحدة؛ فقد يكون في هذه الطلقة ما يذكرها وينبهها، فإن استمرت على غيها وعصيانها: فلا خير فيها، ولعل الله أن يبدله خيراً منها.
وأصل هذا التدرج في الإصلاح: هو قوله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/34.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل.
(فَعِظُوهُنَّ) أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم:
(فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر.
" تفسير السعدي " (ص 142) .
وعلى كل حال: فالزوج أدرى الناس بزوجته، فإن كان يعلم من أسباب نشوزها ما يمكنه أن يعالجه: فليفعل، فإن لم ينفع بها: فليجعل غيره من أهله أو أهلها من يقوم بهذه المهمة، فقد يكون أثر غيره عليها أقوى من أثره.
ثالثاً:
وكلامنا السابق يعم كل زوج يعاني من نشوز زوجته، ويدخل فيه الزوجة المسئول عن حالها، لكن بعد أن تكون من المصليات، أما وهي لا تصلي: فلا ينطبق ما ذكرناه عليها؛ لأن الكلام معها سيكون له وضع مختلف؛ لأن بتركها للصلاة تكون من الكافرات، ولا يحل له قربانها، ولا جماعها، إلا أن تصلي.
قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/من الآية 11.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ) .
رواه مسلم (116) .
وقال: (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) .
رواه الترمذي (2621) وصححه، والنسائي (463) وابن ماجه (1079) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
لذا فيجب عليك أخي السائل أن تبدأ بهذا الأمر المهم، وأن تحاول بما يتيسر لك من طرق أن تذكرها بحكم الصلاة، وأن تركها كفر أكبر، وأن عقدك عليها سيكون مفسوخاً لو استمرت على هذه المعصية العظيمة، فإن استجابت: فالحمد لله، واسلك معها ما ذكرناه لك آنفاً، وإن لم تستجب: فلا تسع في علاج نشوزها، ولا تسأل عن تقصيرها في تربية أولادك؛ لأنه لا يحل لك البقاء معها على عقد الزوجية، وحذِّرها قبل فسخ نكاحها – وقد يكون الفسخ بتطليقك لها؛ لأن أكثر المحاكم لا يعتبر ترك الصلاة موجباً لفسخ النكاح! – وأعطها فرصة أخيرة؛ فلعل الله أن يهديها ويشرح صدرها للحق.
وانظر جواب السؤال رقم (47425) ففيه بيان الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة.
وانظر جوابي السؤالين: (12828) و (91963) .
ونسأل الله أن يهديها ويوفقها لإقامة الصلاة، وأن يهدي قلبها لكل خير، وأن يسدد سمعها وبصرها وجوارحها، وأن يرزقها شكر نعمه تعالى عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/829)
الزواج من أجل الإقامة والجنسية، ومشكلة زوجة مع أحد هؤلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ عشر سنوات تقريباً، وعندي أربعة أطفال - والحمد والشكر لله -، وزوجي - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة، ونحن نعيش في أمريكا، ولكن مشكلتي تكمن أن زوجي عندما خطبني أخفى عني أشياء من ماضيه، وهو أنه عندما أتى أمريكا ليحصل على الأوراق التي تؤهله للحياة هنا اضطر لأن يتزوج من أمريكيَّة، وبقي معها حتى حصل على الأوراق، ثم هجرها، فطلبت الطلاق بالمحكمة، وجاءته الورقة ليوقعها، ثم بعد شهر أو أكثر بقليل القاضي حكم بالطلاق، وبعد – تقريباً - شهرين أو أكثر أتت إليه طليقته، وعاشرها جنسيّاً، وحسب قوله أنه ليست في نيته أن يعود لها، أو أي شيء، فقد أتته طالبة ذلك، وفعل تلك الليلة، وبعد فتره رآها وسألها إن كانت حاملاً منه؟ وأجابت بالنفي، تكراراً، ثم ذهب زيارة لبلده لمدة ثلاثة أشهر، وعاد، وكان وضعه المادي سيئاً، ففكر بالذهاب إليها، ففعل، وعندها ذهب علم أنها حامل، فسألها عن الحمل، أجابت: منه، ولم يهتم للموضوع فقد كان صغيراً، وطائشاً، مع أنه يعلم أنها تكذب كثيراً بهذه المواضيع، فعندها طفلان من قبله، وأخبرته بنفسها بأن هذين الطفلين ليسا من زوجها الأول، وأن زوجها الأول توفي وهو يعتقد أن الأولاد أولاده، بعد ذلك تركها لفترة إلى أن التقى بها في أحد الأماكن، ووجد معها طفلة صغيرة سألها عنها أجابته: بأنها ابنته، المهم: حسب قوله إنه عاد ليعيش معها فقط بسبب سوء الأحوال المادية، فهو كان طالباً هنا، وكذلك السبب الثاني ليتأكد أن البنت ابنته أم لا، ورفضت طليقته أن تضع البنت باسمه، وطلب منها أن تتركه يقوم بفحص الأبوة كذلك، رفضت وبشدة، وبدأت المشاكل، وتفرقا، وفي البداية لم تعطه المجال ليرى البنت فأقام دعوى بالمحكمة، وسمحوا له برؤية البنت، وعليه أن يدفع مبلغاً من المال شهريّاً لها، وعندما فكَّر وبعض رفاقه نصحوه، أعطى الحضانة للأم، وتخلى عن البنت. سؤالي بخصوص زوجي: هل عليه أي واجب تجاه البنت؟ . أما أنا فمشكلتي: أنه عندما خطبني سمعت بعض الأقاويل عن زواجه، وعن وجود بنت، فأقسم بالله أن ذلك كذب، وأنه لم يمس المرأة، وأنا صراحة كنت متدينة كثيراً فصدَّقته؛ لأنني كنت أعتقد أن من يقسم بالله لا يكذب، المهم كل هذه السنين لم أعرف أي شيء، حتى الآن فهو أخبرني بنفسه كل هذه الأمور، كانت صاعقه لي، فأنا طوال هذه السنين أفكر أنني الأولى في حياة زوجي، صراحة لا أعرف لماذا أنا منزعجة أكثر، من كذبه عليَّ أم من غيرتي منها، مع أنها لا تستحق ذلك، وأنا أعلم علم اليقين أنه لا يفكر فيها، ولكن شعوري أنه كان يتردد عليها في الماضي لمدة أربع سنين تقريباً يتعبني كثيراً، مع أنه لا يكف عن سؤالي بأن أسامحه أحياناً، وأحيانا أخرى يقل لي: احمدي ربك أنني منذ عرفتك لم أعرف غيرك، وأنه ماضٍ بعيد، ولكني لا أستطيع أن أسامحه، حتى إن معظم الأحيان عندما يريد أن يعاشرني أصد منه، وأشعر كأنه معها، ربما تقول إن ردة فعلي مبالغ فيها، ولكن هذا ما يحصل معي، معظم وقتي أقضيه بالبكاء، حتى إنني فكرت بالانتحار عدة مرات، وطبيبتي أخبرتني أن عليَّ أن آخذ دواء نفسيّاً لمعالجة حالتي، ولكني لم أفعل، لن أفعل؛ لأنه إن بدأت به عليَّ أن آخذه سنه كاملة، وإلا حالتي ستسوء؛ وكذلك لأن له ردة فعل في بعض الأحيان تكون سلبيه، قبل معرفتي بتلك القصة كنت أشعر أنني أسعد زوجة في العالم، وأشكر الله دائما على ذلك، ولكن منذ عرفت أصبحت حياتنا جحيماً، فأنا لا أكف عن الأسئلة، مع أنه بعض الأحيان يجيب عليَّ ويعتذر، ويطلب المسامحة؛ لأنه لم يكن صادقاً، ويعلل ذلك بأن الهدف لأوافق عليه، وبعض الأحيان يضيق ذرعاً فينزعج مني، ويكرر أنه لم يفعل شيئاً، وأنه كان ماض بعيد قبل أن يتزوجني، وليس عليَّ محاسبته، أصبِّر نفسي بأنني أفضل بكثير من النساء اللاتي تزوج رجالهم عليهم، ولكن الشيطان يأتيني دائما لأتخيل كيف كانا يعيشان، وأفكر بأنني حرمت من حق الاختيار، فلو علمت لربما انقلبت الأمور، وكذلك وجود بنت مع أنه لم يرها منذ ستة عشر سنة، لقد طلبت منه عدة مرات أن نذهب إلى زوجته الأولى، فهي تعيش بمدينه أخرى أن نذهب لنتأكد هل البنت ابنته أم لا، مع أن عمُر البنت الآن عشرون سنة، وأنا ضمنيّاً أعلم إن كانت البنت ابنته ستدمر حياتي، وإن كانت ليست كذلك ربما يكون ذلك تخفيفاً لي، وهو لا يكف عن إخباري بأنه لا يستطيع التقرب منها؛ لأنه أعطى الحضانة للأم. أرجوك أخبرني ماذا أفعل، فأنا أسال الله دائما أن يصلح وضعي، ولكني أتحسن ليوم أو يومين، ويعود الهمُّ والحزن لي. أرجوك ساعدني، فأنا لا أعتقد أني أستطيع ترك زوجي، فأنا أحبه كثيراً، وكذلك تعبت من التفكير، حتى أعتقد أني سأجن إن بقيت كذلك. أرجوك سامحني، أطلت عليك، ولكن صراحة لم أجد غيرك أشكو له بعد الله. أدامكم الله ذخراً لنا، وللأمة الإسلامية، ودمتم بخير وعافية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أفعال زوجك في ماضيه ليست أنه تزوج وأخفى ذلك عنكِ، فقد وقع في مخالفات كثيرة، ولعلَّه لم يهمك من كل ما حدث معه سوى أنه كان متزوجاً! وأنكِ لستِ الأولى في حياته! وهذا عجب منكِ، وقد جعلتِ من هذا الأمر سبباً لتفكيرك بالانتحار! وسبباً لاحتمال إصابتكِ بالجنون! عدا عن القلق والحزن والنكد في حياتكِ، والله المستعان، ولنا معكِ وقفة بعد حين إن شاء الله.
ثانياً:
زوجكِ وقع في أخطاء كثيرة يحتاج معها التوبة الصادقة، والندم على ما فات، وتعويض ذلك بحسن الطاعة، والإكثار من الأعمال الصالحة، ومن هذه الأخطاء:
1. أنه سعى للإقامة في بلاد الكفر، من غير ضرورة ملجئة.
2. زواجه المؤقت بتلك الأمريكية لحين الانتهاء من الحصول على الأوراق!
وهو زواج المتعة الذي نصَّ نبينا صلى الله عليه وسلم على تحريمه، ولا يشترط أن ينص في العقد المكتوب على تحديد مدة انتهاء العقد، بل يكفي التلفظ به، والاتفاق عليه بين الطرفين.
3. العبث بعقد الزواج لاستعماله في غير ما شُرع من أجله، فقد أصبح هذا العقد الذي تستحل به الفروج، وتعظم فيه الشروط لعبة في أيدي من يرغب بالإقامة في بلاد الكفر، ومن يريد القيام بالحج، ... !
4. وأعظم ما وقع فيه زوجكِ هو: الزنا!
وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وهو محرَّم في كل الشرائع، ومنافٍ للفطرة والعقل.
وأما ابنته المزعومة: فعليه أن يتحرى ويتثبت من كونها ابنته، وعليه أن يسلك الطرق المتاحة لتثبيت نسبها له، وإنقاذها من تلك الديار، إن استطاع ذلك.
وقد سبق لنا في موقعنا التعرض لهذه الجزئيات، في أجوبة عديدة، يمكن لزوجك الرجوع إليها، إن كانت لديه رغبة في معرفة حكم ما وقع منه.
وعلى كل حال:
فالتفاصيل فيما فعله زوجك كثيرة، ومسائله تحتاج لمن يسمع ويستفصل منه، وحبذا أن يراجع مركزاً إسلاميّاً موثوقاً، أو يقابل عالماً ليوقفه على أفعاله وأحكامها.
ثالثاً:
واعلمي أنه لا يشترط في الرجل أن يخبر أنه كان متزوجاً، وإن سئل فلا يكذب، وإن كذب فقد أثم.
وانظري أنتِ ماذا فعل زوجكِ، وماذا ترتب على أفعاله، وانظري المخالفات التي وقع فيها، وأنتِ ليس لكِ همٌّ إلا أنه كان متزوجاً! وأخفى ذلك عنك.
يا أم الأربعة الأطفال، أبعد ذلك العمر كله، وبعد ذلك البيت المشيد، الذي عماده أربعة أطفال، تبحثين عن ذلك الماضي، وتشعلين نار الغيرة: أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى؟!
فكان ماذا؟! وما الضرر الذي نالك: أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى، سواء كان ذلك برضا منك، أو كرها عنك.
لقد كنا نفكر معك، ونبحث معك، ونتشاور معك في أمر تلك الزيجة، وهل تناسبك أولا، لو كان الأمر في إبانه: قبل أن تتزوجي فعلا، فكيف الآن وقد تزوجت، فكيف وأنت أم لأربعة أطفال، تنبشين في خرائب الماضي؟!!
وما عسى أن يخرج لك من تلك الخرائب، إلا الشياطين والوساوس التي توشك أن تدمر حياتك؟!!
عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ!!) .
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا!!
رواه أبو داود (4888) وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
قد فات ـ يا أختاه ـ أوان تلك الغيرة القاتلة:
صحا القلبُ عن سلمى وأقصر باطله وعُرِّيَ أفراسُ الصبا ورواحلُه
فكيف وقد ذكرت أنت، أن زوجك " - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة "؟!!
وأنتِ بما تذكرينه من حالكِ بعد أن علمتِ بزواجه من قبل إنما تكتبين نهايتك معه بتلك الأفعال، وإنما تحفرين قبر زواجك منه بتلك الحال، ولن نجامل في الجواب، ولا بدَّ من تنبيهك على عِظَم أخطائك وتصرفاتك معه، فهو في ظنه أنه أراد تحقيق مصلحة لنفسه، وأراد إعفاف نفسه، وهي أمور من الماضي، فلا تكثيري اللوم، وتسيئي معاملته وإلا دفعت ثمن ذلك غالياً! فامتناعك عن الفراش سبب لسخط الرب تبارك وتعالى، وسبب للعن الملائكة لك، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسوء عشرتك له قد يجعل الكيل عنده يطفح ولا يرى مجالاً للبقاء معك، حيث لا سعادة ولا هناء، ولا عشرة حسنة، فأي زوج يرضى بأن يطول أمد هذا معه؟ وأي حبٍّ تزعمينه وأنتِ تعاملينه بهذه المعاملة؟ وهل تعلمين أن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب؟ وهل تعلمين أن سوء عشرته من المحرمات عليك؟ .
وأنتِ ذكرتِ أنك تجزمين أنه لا يفكِّر فيها، وأن هذا من زمن بعيد، وأنه ليس في حياته إلا أنتِ، فأي سببٍ يجعلك تنكئين الجروح، وتنبشين عن الماضي الغابر الميت؟! .
نحن ننصحك بشدة: إن لم تغيري من معاملتك لزوجك، وتحسني له: فستفقدينه، وسترين نفسك تائهة ضائعة، تتنقلين بين مراكز العيادات النفسية، فارجعي لدينك، وحكِّمي عقلك، واتركي عنك القلق والحزن والكآبة، فليس لها أسباب، وأنتِ الملومة في كل ما يجري لك، ويترتب على أفعالك، وبما أن زوجك قد طلب منك المسامحة تكراراً فلم يعد مخطئاً في حقك، وعليك قبول اعتذاره.
إن السؤال الذي أجبت عنه أولا، وأنصفت زوجك الذي تشتكينه:
كيف حال هذا الرجل الآن مع ربه؟ ثم كيف حاله معك؟ وهل هو جدير بأن يؤتمن عليك، بالنظر إلى واقعه الآن، وبغض النظر عما كان منه في ماضيه؟!!
إن كانت إجابتك ـ كما ذكرت أولا ـ: أنه جيد بمعنى الكلمة؛ فالواجب عليك أن تساعديه على تجاوز ذلك الماضي الأسود، بدلا من أن تفتحي عليه أبواب العودة إليه، وليكن همك أن يتوب منه إلى ربه توبة نصوحا، وأن يكثر من الخيرات في حاضره ومستقبله، علَّ الله تعالى أن يتجاوز عنه ويغفر له: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
وإن لم تستطيعي العيش مع هذا الزوج، وذلك الماضي فخلِّصي نفسك من هذه الحياة بطلب الخلع، أو افتدي نفسك ليطلقك!
لكن عليك أن تسألي نفسك أن تفعلي شيئا من ذلك: هل أنت بذلك تبحثين عن السعادة حقا، وتسلكين طريقها صدقا؟!!
أو أنك، والعياذ بالله كعنز السوء التي بحثت عن حتفها بظلفها، وصاحبة المثل في كتاب الله التي نقضت غزلها من بعد ما أحكمت غزله ونسجه، فجعلته خيوطا متناثرة، لا نظام لها!!
نحن نجزم أنك لن تكوني مرتاحة ولا سعيدة إن بقيت على حال التفتيش في الماضي وسوآته، أو أخربت بيتك، وهجرت زوجك وأولادك لمجرد كابوس الماضي!!
فحافظي على زوجك وأسرتك، وأظهري له الحب والمودة، وأسمعيه ما يحب سماعه منك، واتركي التفكير في ماضيه وما حصل منك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى، وأن يجمع بينكما على البر والتقوى، وأن يهديك ويصلح بالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/830)
علق الطلاق على أمر وزوجته لا تعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج خالتي رمى يمين الطلاق على خالتي أن لا تدخل بيتنا، وخالتي لا تعلم بذلك فدخلت بيتنا بهدف صلة الرحم والصلح معنا، نحن لا نعلم متى حلف ولكنه قال إنه رمى يمين الطلاق أن لا تدخل، وعلى فكرة والدي الله يهديه دائماً يحلف بالطلاق، وأمي لم يبقَ لها سوى طلقة واحدة فقط، فما هو حكم الشرع في ذلك؟ وبصراحة والداي دائماً في عراك طوال حياتهم، وكل مرة تزداد حياتنا تحطيماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (82400) حكم الطلاق المعلق، وتفصيل الأقوال فيه، وفيه أيضاً: التحذير من التسرع في الطلاق، والحلف به، فلينظر.
ولتعلم خالتك أنها لا يشترط معرفتها بتعليق طلاقها على حصول شيء منها، كما لا يشترط سماعها لطلاق زوجها، لكن كان ينبغي لزوجها أن يبين لها ما فعله، وعدمُ إخبارها بما قاله من تعليق الطلاق على دخول بيت أختِها يبين أنه لم يقصد المنع، وبالتالي فهو يريد إيقاع الطلاق، ولو أنه أراد منعها لأسمعها كلامه أو لكان أخبرها به فيما بعد.
وعلى كل حال: فالذي يظهر أنه أراد إيقاع الطلاق، وتكون قد طلقت بدخولها لبيت أختها، حتى لو لم تكن تعلم بكلامه.
وانظري جواب السؤال رقم: (43481) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/831)
انتكس زوجها وغير معاملته لها وارتكب المحرمات فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ عشر سنوات، ولدي ولدان وبنت، لم أتزوج عن حب، ولكن أحببت زوجي كثيراً؛ لأنه كان في بداية زواجنا يقدرني ويناقشني في كل أموره، وكان يُسمعني من كلمات الحب والغرام حتى أحببته بكل جوارحي، وبصراحة كان يصلى في المسجد، ويساعدني في كل شيء، في تربية الأولاد، وأعمال المنزل، وبعد أربع سنوات من عمر الزواج بدأ يكوِّن علاقات مع الشباب، وصدفة اكتشفت أنه يدخن الشيشة، وحزنت كثيراً عندما عرفت ذلك، ووعدني بأنه لن يفعلها مرة أخرى، ولكن للأسف الشديد فهو ما زال يدخن الشيشة وبإدمان لدرجة أنه يذهب إلى المقهى خلال فترة الصباح لكي يدخنها، وعندما منعته صرخ في وجهي بأن لا أتدخل في شؤونه، مع العلم بأنه مقصِّر في حقي وحق أولاده، وأصبح مشغولاً جدّاً مع أصدقائه، لدرجة أنه عندما يخرج في الصباح لا يرجع إلا آخر الليل، وحاولت أن أًدخل أهله في الموضوع، ولكن دون جدوى، فهو لا يسمع لأحد. أنا في حيرة من أمري، فهو عصبي جدّاً معي، ولكن مع أصدقائه يضحك ويمرح، كما أنه عندما أطلب منه أن نخرج معاً لا يرضى، وإذا خرجنا فإنه طوال الوقت صامت لا يتكلم، ويكون مشغولاً بالهاتف، إما برسائل، أو الرد على المكالمات، لدرجة في بداية الأمر ظننت بأن له علاقة بغيري، ولكن حسب تصرفاته أراه فقط مشغولاً بالأصدقاء، وأنا أحبه وأريده بكل جوارحي. ملاحظات: كان يصلِّي في المسجد، والآن تمر عليه صلوات دون أن يصليها، يُكثر من تجريحي وإهانتي، يصرخ في وجهي أمام الأولاد، وأمام أي شخص دون مراعاة لمشاعري، كثير الرحلات مع الأصدقاء، مدمن الشيشة، مسرف في ملابسه وأناقته، ولا يبالي بنواقص واحتياجات المنزل والأولاد، كثير الديون، ولا يملك أي شيء ثمين، علماً بأني أعمل وأصرف على نفسي، وأدفع الإيجار، وراتب الشغالة، وكثير من مصاريف البيت، وهو لا يبالى، فكيف أتصرف معه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مشكلات بيوت الزوجية كثيرة، وإذا كانت هذه المشكلات من طرف الزوج: فلا بدَّ للمرأة العاقلة من البحث عن أسباب تغير معاملة زوجها لها، وسبب إحداثه المشكلات في حياتها، فقد تكون مخالِفة لأوامره، معاندة في تصرفاتها، أو مقصرة في طاعته، أو مهملة في بيتها وتربية أولادها، وغير ذلك من الأسباب، ولا يُتصور وجود حياة زوجية سعيدة، ثم تنقلب الأمور فجأة إلى كراهية الزوجة، وحب السهر خارج البيت، وشرب الشيشة، وغيرها إلا أن تكون ثمة أسباب دفعت هذا الزوج لمثل هذه الأفعال، وإن كنا نعلم أنه في كثير من الأحيان لا يكون للزوجة يد في هذه الأسباب؛ بل تكون انتكاسة ألمت بالرجل بعد استقامته، نسأل الله الثبات والهداية، أو رفقة سوء أحاطت به، حتى أضلته عن صراط ربه المستقيم، ومصالح معاشه ومعاده، كما هو الظاهر من المشكلة التي أمامنا.
وإذا تبين للزوجة أن لا دخل لها فيما حدث لزوجها من تغيرات: فإنه ابتلاء من الله لها، فعليها أن تختار بين الصبر على ما يفعله زوجها، مع مداومة النصح والدعاء، أو طلب الفراق، إذا لم يمكنها الصبر على أذاه، أو كانت تخشى على نفسها أو دينها أو ولدها إذا بقيت معه، أو وصل في معصيته إلى حد الكفر، والعياذ بالله.
ثانياً:
على الزوجة أن تبذل وسعها في نصح زوجها، وتذكيره، بالتي هي أحسن، ولا تعنِّف في الكلام، ولا تعبس في وجهه، بل تتلطف في اللفظ والمعاملة، وتخبر أهلها ليجعلوا أحد المقربين له من أهل الخير ينصحه ويذكره ويوجهه للصواب، مع حرصها على الدعاء في سجودها، وفي آخر الليل أن يهديه ربه ويوفقه.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
لا يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة سيئة؛ لأن الله تعالى يقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، ويقول صلى الله عليه وسلم: (وإن لزوجك عليك حقًا) - رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما -، وإذا أساء عشرتها: فإنه ينبغي لها أن تقابل ذلك بالصبر، وأن تؤدي ما له عليها من حق؛ ليكون لها الأجر في ذلك، ولعل الله أن يهديه، قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصّلت/34.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 177) .
وإذا كان ثمة معاصٍ يرتكبها وتستطيع الزوجة الصبر عليها: فإن تركه للصلاة ليس من هذا الباب؛ لأن ترك الصلاة كفر وردة، فلا تمكنه منها إلا أن يرجع لصلاته.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
امرأة عند رجل يرتكب بعض المعاصي والآثام الكبيرة، كالمخدرات، ونحو ذلك، وهي تعاني من هذا الرجل، وهي امرأة فيها صلاح، وإيمان - نحسبها كذلك، والله حسيبها - ماذا تعمل هذه المرأة وقد نصحت واهتمت لكي يترك هذا الرجل هذا المحرم، ويعود إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بدون جدوى؟ فما رأيك؟ هل تذهب إلى أهلها أو تصبر لعل الله يهديه؟ وكذلك أبناؤه يمنعهم من الصلاة.
فأجاب:
هذا الرجل الذي يفعل المحرمات هل يصلي أم لا يصلي؟ .
الائل:
يصلي بتهاون، أحياناً في البيت، وأحياناً في العمل، وأحياناً يتأخر.
الجواب:
أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد: فلها الحق في طلب الفسخ، ويفسخ النكاح، لكن على كل حال مثل هذه الأمور قد يكون هناك أشياء ما تتمكن معها من الفسخ؛ لأنها معها أولاد، يحصل مشاكل في الفسخ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر: فلا حرج عليها أن تبقى معه؛ خوفاً من المفسدة، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي: فهذا لا تبقى معه طرفة عين.
" لقاءات الباب المفتوح " (13 / السؤال رقم 18) .
ثالثاً:
يجب على الأزواج أن يتقوا الله تعالى في زوجاتهم، ولْيعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بعشرتهن بالمعروف، وأمرهم بإمساكهن بمعروف، وأخبرهم أنه قد يكره الواحد منهم زوجته ويجعل الله فيها خيراً كثيراً، وهكذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إن ساءه منها خلُق فليرض بما لها من أخلاق حسنة.
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/من الآية19.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ - أَوْ قَالَ: غَيْرَهُ -) . رواه مسلم (1469) .
وليعلم هؤلاء الأزواج أن قدوتهم هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان خير زوج لنسائه.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم، وهيئاتكم، بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي) - رواه الترمذي (3892) وصححه -، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة، دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين؛ يَتَوَدَّدُ إليها بذلك، قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: (هذِهِ بتلْك) – رواه أبو داود (2578) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21.
" تفسير ابن كثير " (2 / 242) .
على أننا، وبخصوص هذه المشكلة، نرى أن جزءا كبيرا من العلاج يكمن في إبعاد زوجك عن صحبة السوء التي شغلته عن بيته وأهله ودينه؛ فإن أمكن الاستعانة على ذلك برفقة صالحة من أهله تغنيه عن رفقاء السوء الذي أفسدوا حاله، فهو أمر حسن.
ثم عليك أنت أيضا أن تستعيني بالله في تعويضه عن هذه الرفقة بالسكن والمودة والرحمة التي تشيعينها في بيتك، عسى الله أن يجعل لك ولزوجك من ذلك البلاء فرجا ومخرجا.
ونسأل الله تعالى أن يهدي زوجك، وأن يوفقه لمرضاته، وأن يجمع بين زوجته على خير.
وانظري جوابي السؤالين (45600) و (9463) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/832)
حكم زواج المسيار، وأجر صبر الزوجة على كثرة زواج زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل زواج المسيار أن تكون الزوجة متنازلة عن حقوقها؟ أنا زوجي متزوج ثالثة، ولا يعدل بيننا، ويقول: زواج المسيار ليس له عدل بينكن، وهل لي أجر على تحمل زوجي بتعدده للزوجات وإلا طلبت الطلاق منه لأنه مفتون بالنساء؟ مع العلم أني زوجته الأولى وأم أولاده وبناته، هل لنا أجر على تحملنا الهم والعذاب الذي نراه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من توفر شروط وأركان حتى يكون النكاح صحيحاً، ومنها:
تعيين الزوجين، ورضاهما، وموافقة ولي المرأة وتوليه العقد، والإشهاد أو الإشهار....
وتجد تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (2127) .
ثانياً:
وزواج " المسيار" يصح إذا توفرت فيه شروط عقد النكاح وأركانه، وصورة هذا الزواج موجودة في القديم، وفيه يَشترط الزوج على المرأة التي يرغب بالتزوج منها أن لا يقسم بينها وبين نسائه بالتساوي، أو لا ينفق عليها، أو لا يسكنها، وقد يشترط أن يكون لها النهار دون الليل، وهو ما يسمى " النهاريات "، وقد تكون المرأة هي المبادرة بإسقاط حقوقها، فقد تكون صاحبة مال ومسكن فتُسقطهما عنه، وقد ترضى بالنهار دون الليل، وقد ترضى بعدد أيام دون أيام ضرائرها، وهذا هو المشهور في زماننا.
وهذا الإسقاط للحقوق من كلا الطرفين لا يجعل النكاح محرَّماً، وإن كرهه بعض أهل العلم لكنه لا يخرج عن الجواز من حيث شروطه وأركانه.
وفي " مصنف ابن أبي شيبة " (3 / 337) :
عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح أنهما كانا لا يريان بأسا بتزويج النهاريات.
وفي (3 / 338) :
عن عامر الشعبي أنه سئل عن الرجل يكون له امرأة فيتزوج المرأة، فيشترط لهذه يوماً ولهذه يومين؟ قال: لا بأس به. انتهى
وفي المرجع السابق ذَكَر أنه كرهه محمد بن سيرين، وحماد بن أبي سليمان، والزهري.
وقد أفتى كثير من علمائنا المعاصرين بإباحته.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
عن زواج المسيار، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتها، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، فما حكم الشريعة في مثل هذا الزواج؟ .
فأجاب - رحمه الله -:
" لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) ، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً، أو في أيام معينة، أو ليالي معينة: فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه ".
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 450، 451) .
لكن لما أسيء استعماله من قبَل كثيرين توقف بعض أولئك العلماء الذين كانوا يفتون بجوازه، توقفوا عن القول بالجواز، ومن أبرز هؤلاء الشيخان عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي، وما الشروط الواجب توافرها لزواج المسيار؟ فأجاب:
" الواجب على كل مسلم أن يتزوج الزواج الشرعي، وأن يحذر ما يخالف ذلك، سواء سمي " زواج مسيار "، أو غير ذلك، ومن شرط الزواج الشرعي الإعلان، فإذا كتمه الزوجان: لم يصح؛ لأنه والحال ما ذكر أشبه بالزنى " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 431، 432) .
والحقيقة أن هذا النكاح حل لكثير من مشكلات العنوسة التي تفشت في المجتمعات الإسلامية، فلا يستطيع الرجل أن يلتزم بالقسْم بين نسائه، أو لا يستطيع النفقة على زوجتين، ويوجد من النساء من تملك مالاً ومسكناً وترغب في إعفاف نفسها، فيأتيها الزوج في أيامٍ من الأسبوع، أو في فترة من الشهر، وقد يقدِّر الله بينهما من الألفة والعشرة وحسن الظروف ما يتغير حال زواجه منها إلى الأفضل، فيقسم بالعدل، وينفق عليها بنفسه ويسكنها.
وفيه أيضاً مفاسد لا تخفى، من الاختلاف بعد وفاة الزوج على التركة، ومن إخفائه وعدم إعلانه، ومن التذرع بهذا الزواج من قبَل بعض المفسدين والمفسدات، فتكون علاقتهما محرَّمة، ويسكنان بعيداً عن أعين الأقرباء والجيران، فإذا رآهما أحد قالا: هذا زواج مسيار!
وبعد هذا يتبين لك أختنا السائلة أنه لا يجوز لزوجك أن يقتطع حقك ويظلمك في حقوقك؛ لأنه لم يتزوجك بتلك الشروط، وأنتِ زوجته الأولى، وإن كان هناك نقص في أيام البيات فليكن عند نسائه الأخريات لا عندك، فمن تزوجها منهن زواج مسيار هي التي تسقط حقها في النفقة أو السكن أو المبيت (حسب ما تم الاتفاق عليه) ، ولا يحل له أن يمكث أيامه ولياليه عند نسائه ظالماً لك، وخاصة أنك لم تتنازلي عن حقك.
ثالثاً:
تزوج الرجل بامرأة أخرى قد يكون سببه الزوج، وقد يكون سببه الزوجة، فقد يكون الزوج قوي الشهوة ولا تكفيه واحدة، وقد يكون كثير الأسفار لبلد معيَّن، فيحتاج لزوجة تعفه، وتخدمه.
وقد يكون السبب من المرأة؛ وذلك بتقصيرها في نظافة بيتها، والعناية بأولادها، وتجملها لزوجها وإعفافه، فإن كان الأمر هو الثاني فعليكِ مراجعة نفسك، والبحث عن الخلل الذي كان سبباً لزوجك لأن يتزوج من أخرى، وإن كان الأمر هو الأول: فليس لك إلا الصبر، والصبر له منزلة عظيمة في الشرع، والصابر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى قضاء الله تعالى له من الأجور العظيمة عند الله تعالى بغير حساب، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10.
وأنت لك من الأجر العظيم عند الله تعالى إن اتقيتيه في حياتك الزوجية، وفي القيام بحقوق الزوج، والعناية بالأولاد وتربيتهم، كما لك أجر عند الله إن صبرتِ على زوجك في تزوجه بأخرى غيرك.
وانظري جواب السؤال رقم (21421) ففيه تفصيل هذا الأمر.
نسال الله تعالى أن يرزقك الصبر والرضى ويصلح لك زوجك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/833)
يريد تصوير زوجته عارية لينظر فيها في غربته!!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج أن يقوم بتصوير زوجته على شريط فيديو وهي عارية، أو تظهر أجزاء من جسدها، حتى يتمكن من مشاهدة ذلك الشريط عندما يكون بعيداً، أو عندما تكون زوجته غير موجودة؛ فيسعد نفسه بهذه الطريقة في ذلك الوقت، بدلاً من مشاهدة شيء آخر من الممكن أن يكون حراماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل الوارد السؤال عنه من أقبح الأفعال، وهو محرَّم لذاته، ولما يؤدي إليه، أما لذاته: فإن المرأة – أصلاً – كلها عورة، ولا يجوز تصويرها ابتداء، حتى لو كانت لا تُظهر إلا وجهها وكفَّيها، فكيف إذا كان الظاهر منها ما هو أكثر من ذلك؟! فكيف إذا كانت صورتها وهي تُبدي عورتها المغلظة؟! فلا شك أن هذا يزيد في القبح والإثم والعقوبة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل صورة وجه المرأة في جواز السفر وغيره عورة أم لا؟ وهل يصح للمرأة إذا امتنعت عن التصوير أن تستنيب من يحج عنها، والسبب منع الجواز أم لا؟ ، وإلى أين حد لباس المرأة في الكتاب والسنة المحمدية؟ .
فأجابوا:
ليس لها أن تسمح بتصوير وجهها، لا في الجواز، ولا غيره؛ لأنه عورة؛ ولأن وجود صورتها في الجواز وغيره من أسباب الفتنة بها، لكن إذا لم تتمكن من السفر إلى الحج إلا بذلك: رُخِّص لها في الصورة لأداء فريضة الحج، ولم يجز لها أن تستنيب من يحج عنها،
والمرأة كلها عورة في ظاهر أدلة الكتاب والسنة، فالواجب عليها ستر جميع بدنها عن غير محارمها؛ لقول الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) النور/31؛ وقوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/53.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 718، 719) .
ونقلنا في جواب السؤال رقم (13342) عن الشيخ صالح الفوزان قولَه:
تصوير النساء لا يجوز مطلقاً لما في ذلك من الفتن والشرور التي ترتب عليه زيادة على تحريم التصوير في حد ذاته، فلا يجوز تصوير النساء للسفر ولا لغيره، وقد صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بتحريم ذلك.
انتهى
ولا يُعذر الزوج بتصوير زوجته وهي عارية لكونه زوجاً، فهذا لا يبيح له ذلك الفعل القبيح، ولا يعد غيابه عن زوجته عُذراً له؛ لحرمة تصوير النساء ابتداءً – وقد ذكرنا فتاوى العلماء في ذلك -؛ ولما يمكن أن يترتب على ذلك من مفاسد، ومما يمكن أن يترتب على الاحتفاظ بصورة الزوجة وهي عارية، أو غير محتشمة:
1. تعرض الزوج لسرقة أغراضه، أو فقدان الصورة، أو نسيانها في مكان عام، وهو ما يسبب انتشار الصورة في الآفاق، ووقوعها بأيدي سفهاء يمكنهم استغلال الصورة في مزيد من الشرور والمفاسد.
2. حصول طلاق بينه وبين زوجته، فتصير عنه أجنبية، ولا يحل له النظر إليها بعد طلاقها الذي تصبح فيه أجنبية عنه.
3. حصول ابتزاز من الزوج تجاه زوجته، وقد حدثت حوادث متعددة في هذا السياق، فراح الزوج يبتز زوجته ليجعلها تتنازل عن حقوقها المالية، أو تنفذ له رغباته المحرمة، أو تسكت عن أفعاله المشينة، ويقع كل ذلك منه بسبب تملكه لصور أو فيديو لها وهي عارية، أو شبه عارية.
4. نظر الزوج لصورة زوجته العارية مع غيابه عنها لن يُطفئ شهوته، بل العكس هو الصحيح، فهذا ما سيجعل شهوته تلتهب، ولن يطفئها – غالباً – إلا بالوقوع في المحرمات، كالعادة السرية – وهو أهونها – أو الزنا أو اللواط – والعياذ بالله -.
فصار عذره في تصوير زوجته والاحتفاظ بها للنظر فيها في غربته غير مقبول، وصار فعله سبباً في الوقوع في الحرام، لذات التصوير، ولما يؤدي إليه من مفاسد.
فلا يحل للزوج أن يصور زوجته وهي عارية أو شبه عارية، وينبغي أن يكون متصفاً بالغيرة على عرضه، وأن يبذل ما يستطيع للحفاظ على هذا العرض، لا أن يفرِّط فيه بمثل تلك الأفعال، كما لا يحل للزوجة أن توافق على فعله، ويجب عليها إنكاره، وعدم الاستجابة له.
وقد جعل الله تعالى الزوجين كلَّ واحد منهما لباساً للآخر، فقال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) البقرة/187، فلينتبه الزوج لهذا، فهو لباس امرأته فكيف يريد أن يكون معريّاً لها بفعلته هذه والأصل أن يكون لباساً ساتراً لها؟! .
ولا ينبغي للزوج الابتعاد كثيراً عن زوجته وبيته، فهو بحاجة لهم، وهم يحتاجونه، فالزوجة لإعفافها والعفاف بها، والأولاد لتربيتهم والعناية بهم، وإذا اضطر الزوج للبعد والتأخر، ورضيت بذلك الزوجة: فيجب عليه أن يتقي الله ربه، وأن يبتعد عن المهيجات لشهوته من الخلطة بالنساء، والخلوة المحرمة، والنظر، وعليه أن يكثر من الطاعات، وبخاصة الصوم، كما يجب عليه أن يختار رفقة صالحة تدله على الخير وتحثه على الطاعة.
ونسأل الله تعالى أن يوفقه لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/834)
هي تحبه وهو لا يطيقها لعدم جمالها فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجتُ منذ سنتين من فتاة، كانت موافقتي على الارتباط هو أنها متدينة، وسعت لحفظ القرآن في فترة وجيزة، عندما رأيتها ليلة الخطوبة صدت نفسي منها، وذلك لأنها ليست جميلة، ولكني أجبرت نفسي على قبولها؛ لدينها، وصفاتها الأخرى الحسنة، المهم: تزوجنا، واكتشفت أنها عصبية المزاج، مما أثر على علاقتنا، وجعلني أبتعد عنها شعوريّاً أكثر، وصلتُ مرحلة أعتقد فيها أنني لا أحبها، وبدأت أهملها في الفراش، فتضررت من ذلك كثيراً، ولكنها تحبني، وأخشى إن طلقتها أن تتأثر كثيراً جدّاً، ندمت في نفسي كثيراً على الارتباط بها، وحزنت لأجلها كثيراً، ولكني لم أستطع أن أطيقها، ولا أريد أن تضيع عمرها مع من لا يحبها، أصبحت محتاراً، وأخشى ربي كثيراً أن يعاقبني لأنني تزوجتها، مع أنني لم أكن أرغب فيها، سمعت محاضرة من أحد المشايخ يقول: تزوجها لدينها حتى لو كانت غير جميلة، ما الحل بارك الله فيكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سنقف أخي السائل مع رسالتك وقفات، نرجو منك الانتباه لما سنقوله:
1. أمر الله تعالى الأزواجَ بمعاشرة زوجاتهم بالمعروف، وبيَّن لهم تعالى أنه قد يقع منهم كراهية لهذه الزوجة، فليس عليه أن يباشر بتطليقها، بل يصبر عليها ويمسكها؛ لسببين:
الأول: أنه إن كرهَ منها خلُقاً فقد يكون لها أخلاقاً أخرى مرضيَّة، وهكذا يقال لمن كانت عنده امرأة جميلة لا يُعجبه خَلْقها أن نقول له: فارض بخُلُقِها، واجعل هذه الأخلاق سبباً في إمساكها والصبر عليها، فإنها التي تصلح لحفظ عرضك ومالِك، وهي التي تصلح لتربي لك أولادك.
والثاني: أن الله تعالى قد يجعل في صبره وتحمله له خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة، في الدنيا مثل الولد الصالح منها، وفي الآخرة كالثواب الجزيل على صبره وتحمله.
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
عاشروهن بالمعروف وإن كرهتموهن، فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن، فيجعل الله لكم في إمساككم إياهن على كُرهٍ منكم لهن خيراً كثيراً، مِن ولدٍ يرزقكم منهن، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن.
" تفسير الطبري " (8 / 122) .
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً) ، أي: فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن: فيه خير كثير لكم في الدنيا، والآخرة، كما قال ابن عباس في هذه الآية: هو أن يَعْطف عليها، فيرزقَ منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح: (لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 243) .
وقال الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
فالواجب على كلٍّ مِن الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليه من العشرة الحسنة، وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها، وكون أمرها بيده، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف، ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة، إما لتقصيرها في حقه، أو لقصور في عقلها وذكائها، وما أشبه ذلك، فكيف يعامِل هذه المرأة؟ نقول: هذا موجود في القرآن، وفي السنّة، قال الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19، وهذا هو الواقع، قد يكره الإنسان زوجته لسببٍ، ثم يصبر، فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً، تنقلب الكراهة إلى محبة، والسآمة إلى راحة، وهكذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرَك مؤمن مؤمنة - يعني: لا يبغضها، ولا يكرهها - إن كرهَ منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) ، انظر المقابلة، الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة، (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا؟ لا، أبداً، لا يتم مرادك في هذه الدنيا، وإن تم في شيء: نقص في شيء، حتى الأيام، يقول الله عز وجل: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) آل عمران/140، وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي:
ويوم علينا ويوم لنا ... ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
وجرب هذا تجد، لا تبقى الدنيا على حال واحد، ومن الأمثال السائرة: " دوام الحال من المحال "، فإذا كرهت من زوجك شيئاً: فقابله بما يرضيك حتى تقتنع.
" لقاءات الباب المفتوح " (مقدمة الجزء 159)
2. واعلم أخي السائل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الجمال مما تُنكح المرأة من أجله، لكنه صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى ما هو خير وأفضل، وهو الزواج بذات الدِّين.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) .
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
قوله (ولدِينِها) لأنه به يحصل خير الدنيا والآخرة، واللائق بأرباب الديانات وذوي المروآت أن يكون الدِّين مطمح نظرهم في كل شيء، ولا سيما فيما يدوم أمره، ولذلك اختاره الرسول بآكد وجهٍ وأبلغه، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية، فلذلك قال (فاظفر بذات الدين) فإن بها تكتسب منافع الدارين، تربت يداك إن لم تفعل ما أمرت به، وقال الكرماني: فاظفر جزاء شرط محذوف، أي: إذا تحققت تفصيلها فاظفر أيها المسترشد بها.
واختلفوا في معنى (تربت يداك) فقيل: هو دعاء في الأصل إلا أن العرب تستعملها للإنكار والتعجب والتعظيم والحث على الشيء، وهذا هو المراد به ههنا.
وفيه الترغيب في صحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن مَن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم.
" عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (20 / 86) .
3. واعلم أن الجمال الحقيقي هو جمال الباطن، وأن الجمال الدنيوي في الشكل الظاهر عرضة للزوال، إما بأمراض أو حروق، أو كبَرٍ في السن، فيبحث الإنسان العاقل عن جمالٍ لا يزول، بل يزداد ولا ينقص، يزداد بالإيمان والطاعة، ويظهر أثر هذا الجمال على المرأة في خلقها وحسن تبعلها لزوجها وعلى حسن تربيتها لأولادها.
04 واعلم أن الله تعالى قد سمَّى ما بين الزوجين " مودة " و " رحمة " ولم يسمِّه حبّاً، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21، وهذا هو الواقع أصلاً في حياة الشرفاء العقلاء، فإن الراغب في النكاح يسمع عن المرأة تصلح للزواج فيأتي لخطبتها فيُعجب بجمالها أو دينها أو حيائها، فيتزوجها، ولا يقال هنا إنه تزوجها عن حبٍّ، ولا سمى الله تعالى ما يجعله بينهما حبّاً، وليس في هذا إنكارٌ للفظة ووجودها، بل تنبيه على أمرٍ غاية في الأهمية، وهو أن الزواج شُرع لمقاصد كثيرة، كإعفاف النفس، وإقامة الأسرة المسلمة، وإنجاب الذرية.
ولذا فإنه قد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاءه رجل يريد تطليق امرأته، فلما سأله عمر عن السبب: قال: إنه لا يحبها! فردَّ عليه عمر رضي الله عنه: " وهل لا تُبنى البيوت إلا على الحب؟! ".
وقال عمر – أيضاً - لامرأة سألها زوجُها: هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: " فلتكذب إحداكن، ولتجمل، فليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب، والإسلام ".
فتأمل في هذا أخي الفاضل، وانظر في مآسي الذين تزوجوا الجميلات من غير دين كيف هي حياتهم، وما فيها من بؤس وشقاء وشكوك وريَبٍ، وانظر في سعادة وهناء من تزوجوا ذوات الدِّين كيف هي حياتهم، وكيف يتربى أولادهم.
5. ويمكن لك أن تتزوج زوجة ثانية، وتُبقي هذه الزوجة في عصمتك، وأنت مخيَّر بين أمرين:
الأول: أن تعطيها حقَّها كاملاً، وأن تقسم لها كما تقسم للزوجة الثانية، وهو من العشرة بالمعروف الواجبة عليك، كما ذكرناه لك في أول الجواب، وكما هو معلوم من تحريم الظلم عموماً، وخصوصاً فيما بين الزوجات.
والثاني: أن تصالح زوجتك على أن تتنازل عن بعض حقها في القسْم، وتبقيها في عصمتك، ترعاها وتراها، وتدخل عليها وتمكث عندها، تربي لك ولدك، وتحفظ لك عرضك ومالك، وقد يكون مع المدة تغيير في شعورك تجاهها، فتقسم لها كما تقسم للزوجة الثانية، وهذا الصلح مذكور في كتاب الله تعالى، وفي السنَّة النبوية، وفي كلام أهل العلم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ: كِبَرًا، أَوْ غَيْرَهُ، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا، فَتَقُولُ: أَمْسِكْنِي، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ، قَالَتْ: فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا.
رواه البخاري (2548) ومسلم (3021) وفي لفظ له:
قَالَتْ: نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا، وَتَكُونُ لَهَا صُحْبَةٌ، وَوَلَدٌ فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي.
انتهى
قال ابن القيم - رحمه الله -:
الرجل إذا قضى وطراً من امرأته، وكرهتها نفسه، أو عجز عن حقوقها: فله أن يطلقها، وله أن يخيرها، إن شاءت أقامت عنده، ولا حق لها في القسْم، والوطء، والنفقة، أو في بعض ذلك، بحسب ما يصطلحان عليه، فإن رضيت بذلك: لزم، وليس لها المطالبة به بعد الرضى، هذا موجب السنة ومقتضاها، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره.
" زاد المعاد " (5 / 152) .
5. فإذا لم تستطع الصبر على إبقائها في عصمتك معاشراً لها بالمعروف، ولم تستطع الزواج عليها، أو أنها رفضت الصلح: فلم يبق لك إلا الخيار الأخير، وهو تطليقها وتسريحها بإحسان، فتعطيها كامل حقوقها، ولعلَّ الله أن يختار لك خيراً منها، ويختار لها خيراً منك.
قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء/130.
والطلاق مباح في هذه الحالة، ليس محرَّماً ولا مكروهاً؛ لكن آخر الدواء الكي، كما يقال.
وفي " الموسوعة الفقهية " (29 / 9) :
ويكون مباحاً عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها، أو لأنّه لا يحبّها.
انتهى
ونسأل الله تعالى أن يختار لك ولها الخير، وأن يوفقكما لما فيه رضاه، وأن يصلح أحوالكما وقلوبكما.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/835)
وعدها ببعض الملابس ثم أعطاها لأخته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل زوجي بعض الملابس الجديدة تماما لأخيه حتى يطلعه على أحدث تصميمات أزياء السيدات للعمل على تصنيعها فى الصين، ولكنه قال: إنه سيكون بإمكاني استبدالها بالملابس التي أحتاج إليها بعد أن يقوم أخوه بإلقاء نظرة عليها. ولكنه قال بعد ذلك لأخيه أن يعطى الملابس لأخته بدلا من إرجاعها، وهو يعلم أنني ليست لدى أية ملابس مناسبة فى الوقت الحالى، لأن ملابسي تمزقت ولم ينقص وزنى بعد ولادة طفلى الثالث.
فهل يحق له تبديد مبلغ كبير على هذه الملابس فى الوقت الذى ليس لدينا فيه الكثير من الأموال، ثم يقوم لاحقا بإعطاء تلك الملابس لأخته بدلا من إعطائها لزوجته؟
إن كلا منا بحاجة إلى هذه الملابس، ولكن هل من العدل أن يفضلها علي وعلى أطفاله الثلاثة الذين كانوا بحاجة لبعض الملابس الجديدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فينبغي للزوج أن يفي بوعده لك، وأن يحضر لك ملابس جديدة، بدلا عن هذه الملابس.
وينبغي أن تلتمسي له العذر في تصرفه، فربما شعر بالحرج من استرجاعها، أو رأتها أخته وتعلقت نفسها بها ونحو ذلك من الأعذار.
والأصل أن تبنى الحياة الزوجية على المودة والرحمة، والتسامح والتغافر، فليس هناك الزوج الكامل، ولا الزوجة الكاملة، وكل معرّض للخطأ، وإنما تجمُل الحياة بالتغاضي عن الزلات، والتعالي على الهفوات، والتماس الأعذار.
وزوجك مأجور إن شاء الله في صلة رحمه، وأنت لك أجر كذلك إن صبرت واحتسبت، وأحببت الخير لغيرك كما تحبينه لنفسك.
وهذا المتصدق المحسن يرجى له من الله تعالى الإكرام والجزاء الحسن والبركة في المال، وهذا كله يعود عليك بالخير والنفع بإذن الله.
فنوصيك أيتها الأخت الفاضلة بالصبر والاحتساب، والتلطف في طلب حاجاتك ومنافعك، وعدم إرهاق الزوج بها، كما نوصيه هو بالإحسان إليك وإلى أولاده، وتوفير ما تحتاجون إليه، وأن يعلم أن ما ينفقه عليكم من مأكل ومشرب وملبس له أجره عند الله تعالى، إن احتسب ذلك عنده، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً) رواه البخاري (5351) ومسلم (1002) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ: أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) رواه مسلم (995) .
ومعنى قوله: (وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ) أي في تحرير رقبة، عبد أو أمة.
فهذا الحديث العظيم مما يشجع الزوج على الإنفاق على زوجته وأولاده، ويرغبه في ذلك، لأن نفقته عليهم أعظم أجرا من النفقة في سبيل الله وعلى المساكين.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكما، وأن يبارك في مالكما ويوسع لكما في رزقكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/836)
زوجته لا تحافظ على الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متدين تزوجت امرأة منذ حوالي ست سنوات ولى منها ولد وبنت وصفت لي قبل زواجنا بأنها ملتزمة ثم تبين لي بعد ذلك أنها لا تحافظ على الصلاة وعندما أسألها هل صليت أم لا؟ تقول إنها صلت مع تأكدي في بعض هذه الأحيان أنها لم تكن صلت (بمعنى أن أكون قد تابعتها بين صلاتين) نصحتها كثيرا وكلمتها بالتصريح تارة وبالتلميح أخرى والأمر الذي لم أتمكن من فعله هو الهجر في المضجع حيث إني لا أصبر عن النساء، وقد طلقتها مرة ثم راجعتها خوفا على أولادنا من تفكك الأسرة وأدعو لها الله كثيرا أن يهديها فماذا أفعل معها؟ هل أصبر عليها (علما بأني لا أنكر عليها إلا هذا الأمر) ثم إذا صبرت على ذلك فما الذي يجب علي فعله وهل أكون آثما لمعاشرتي إياها أم ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الزوج أن يأمر زوجته بالمعروف وينهاها عن المنكر، ويدعوها إلى الخير، ويحذرها من الشر، قياماً بالمسئولية التي حمّله الله إياها، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم/6، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (َالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (893) ومسلم (182) .
وإن من أعظم المعروف أداء الصلاة في أوقاتها كما أمر الله تعالى، ومن أعظم المنكر: التهاون والتفريط فيها، بتركها، أو تضييع مواقيتها، وقد جاء في ذم من فعل ذلك قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) رواه مسلم (82) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
فإذا كانت زوجتك لا تصلي أبداً، فقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الصلاة كفر، فلا يجوز لك إمساكها لأنها ليست مسلمة، وحينئذ يجب عليك أن تبين لها أن إصرارها على ترك الصلاة يعني أنها ليست زوجة لك، فإما أن تتوب وتقيم الصلاة، وإما أن تفارقها.
وأما إن كانت تصلي أحيانا وتضيع الصلاة أحيانا أخرى ـ وهذا هو الظاهر من سؤالك ـ فلا تخرج من الإسلام بذلك ولكن عليك القيام بنصحها، والبحث عن أسباب تقصيرها لمعالجتها، وليكن ذلك برفق ولين، فتبين لها عظمة الصلاة وأهميتها، وإثم التقصير فيها، وتعمل على تقوية إيمانها، وزيادة يقينها، بترغيبها في الخيرات، وتشجيعها على الطاعات، وربطها ببعض النساء الصالحات، وتزويدها بشيء من الكتب والأشرطة النافعة التي تحبب إليها الخير، وتزين لها البر، مع سؤالها دوما عن الصلاة.
ونسأل الله تعالى أن يهديكما إلى الخير.
وراجع السؤال رقم (12828)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/837)
تحب زوجها حبّاً جنونيّاً وتطلب الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب زوجي حبّاً جنونيّاً، وهو راضٍ عني كل الرضا، وعندما سافر للعمل في انتظار أن أصل إليه: أصبحت أشتاق إليه، ولا أرتاح حتى يكلمني، رغم أنني أقوم بواجباتي الدينية؛ أحس بنقص في عدم وجوده، فبماذا تنصحوني، إخواني في الله، للصبر حتى اللقاء؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الرائع أن نرى بيوت المسلمين ينتشر فيها الحب والمودة والألفة، وإذا رأينا ذلك تحديداً بين الزوجين كنّاً سعداء بذلك؛ لأن هذا الحب والمودة سيكون له الأثر الطيب على أفراد الأسرة، ومن آيات الله العظيمة أن خلق المرأة من الرجل، ومن حكمة خلق المرأة أن تكون سكناً للرجل، وقد ذكر الله تعالى ذلك في آدم وحواء، وفي عموم الخلق، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف/من الآية189، وهذا في آدم وحواء، وفي عموم الخلق: قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الروم/من الآية21، وجعل الله تعالى بين الزوجين مودة ورحمة، فقال – في تتمة آية الروم -: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/من الآية21.
قال الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} الآية.
ذكر في هذه الآية الكريمة أنه خلق حواء من آدم ليسكن إليها، أي: ليألفها ويطمئن بها، وبين في موضع آخر أنه جعل أزواج ذريته كذلك، وهو قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] .
" أضواء البيان " (2 / 304، 305) .
وقال ابن كثير – رحمه الله -:
فلا ألفة بين رُوحين أعظم مما بين الزوجين.
" تفسير ابن كثير " (3 / 525) .
ولكن لا نريد الحب أن يكون " جنونيّاً "! ـ كما يقول الناس ـ؛ بل متعقلاً يضع الأمور مواضعها؛ كما روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال لي عمر بن الخطاب: " يا أسلم! لا يكن حبك كَلَفا، ولا يكن بغضك تلفا!!
قلت: وكيف ذلك؟
قال: إذا أحببت فلا تَكْلف كما يكلف الصبي بالشيء يحبه، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضا تحب أن يتلف صاحبك ويهلك ".
رواه عبد الرزاق في المصنف (20269) ، وإسناده صحيح.
وإنما نصح الخليفة الراشد بذلك لأن الكَلَف في الحب (الحب الجنوني) له آثاره السيئة على المحِب وعلى المحَب، فأما أثره على المحِب فهو:
أ. انشغال فكره بحبيبه، مما يسبب له قلقاً وتوتراً، فيضيع مع هذا الانشغال الأوقات، ويكون لآثاره الأمراض النفسية والبدنية.
ب. ومن آثار الحب الجنوني أنه يجعل هذا المحِب يتغاضى عن تقصير حبيبه في الواجبات، ويجعله يتغاضى عن فعله للمحرمات، بل وإذا طَلب منه حبيبه المشاركة فيها: فإن حبَّه الجنوني سيدفعه للمشاركة.
ج. ومن الآثار السيئة لهذا الحب أنه يستولي على مجامع قلبه، بحيث يزاحم محبة الله ورسوله التي هي مدار نجاته؛ فضلا عن محبة من سوى ذلك من الأهل والولد!!
د. ومن آثاره السيئة أن هذا المحِب بجنون لا يستطيع تحمل صدمة غياب حبيبه، ولا مرضه، فضلاً عن موته!
ومن آثار الحب الجنوني السيئة على المحَب:
أ. أنه قد يصيبه التوتر بسبب إلحاح المحب على رؤيته والجلوس معه، وهذا قد يؤدي به إلى الإخلال بوظيفته، أو التقصير في المهمات التي ينبغي أن ينصرف قلبه وعزمه إليها؛ من علم نافع أو عمل صالح.
ب. ومن آثاره السيئة عليه: أنه لن يجد هذا المحب ناصحاً وموجهاً له، بل سيتغاضى عن أخطائه وتقصيره. كما قيل: حبك الشيء يعمي ويصم!
ج. ومن آثاره السيئة عليه: أنه إن كان مستجيباً لمن يحبه: ضاعت أوقاته معه، وإن لم يفعل تسبب في حصول القلق له، وهذا قد يؤدي به للنفرة عنه وبغضه في النهاية.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله:
".. فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد ; وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها. وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها لا سيما إذا درت بفقره إليها ; وعشقه لها ; وأنه لا يعتاض عنها بغيرها ; فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور ; الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم!! فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن؛ فإن من استعبد بدنه واسترق لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من ذلك مطمئنا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص؛ وأما إذا كان القلب الذي هو الملك رقيقا مستعبدا متيما لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض والعبودية لما استعبد القلب ... فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب؛ كما أن الغنى غنى النفس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس} ، وهذا لعمري إذا كان قد استعبد قلبه صورة مباحة؛ فأما من استعبد قلبه صورة محرمة: امرأة أو صبيا، فهذا هو العذاب الذي لا يدان فيه [يعني: لا حيلة فيه] ؛ وهؤلاء من أعظم الناس عذابا وأقلهم ثوابا؛ فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقا بها مستعبدا لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى.. " انتهى " مجموع الفتاوى " (10/185-186) .
فيا أيتها الأخت العزيزة: اعلمي أننا في غاية السعادة من إكرامك لزوجك، وحبك له، لكننا سنكون سعداء أكثر إن جعلتِ حبَّك له متعقلاًَ، واعلمي أن كثرة الإلحاح على الزوج باتصاله أو وجوده في البيت أو تركه لسفرٍ معيَّن: كل ذلك سيجعله في قلق، أو يربك له حياته، وترتيبه لمهماته، ونحن نريد لبيتكم الكريم هذا أن يكون جو المودة فيه صحيا، معينا لأهله، والذرية التي يجعلها الله فيه، إن شاء الله، على معالي الأمور، والجد في أن يكونوا ذخرا لدينه، وعونا للصالحين من عباده.
والذي ننصحك به أيضاً:
أ. القيام بالواجبات الشرعية المطلوبة منك، وأداء النوافل.
ب. المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
ج. القيام بطلب العلم قراءة واستماعاً.
د. القيام بدعوة النساء، من جيرانك وأقاربك.
هـ. احرصي على أن يكون في قلبك محبة شرعية لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم باتباع الأوامر، وترك النواهي، ومحبة لدين الله، تجعلك تدافعين عنه، وتنشرينه بين الناس، ومحبة طبيعية لوالديك وأبنائك.
وكل ذلك سيجعل لحياتك معنى أسمى من حصر الحياة في الزوج، وحصر المحبة فيه.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يديم عليكما الألفة والمودة والرحمة والحب، وأن يرزقكما الذرية الصالحة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/838)
هل تصوم نافلة مع منع زوجها الناشز لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحاول التقرب من الله بكل الوسائل، الصلاة فريضة، ونوافل، وقياما للثلث الأخير من الليل، والصوم كل اثنين وخميس، وغيرها، إلا أنني علمت أن المرأة يجب أن لا تصوم غير رمضان إلا بإذن من الزوج، وأنا لا أفعل ذلك لأسباب: أولها: أن زوجي تنطبق عليه كل ما ورد في جواب السؤال رقم (1859) ، كما أنه لا يعاشرني، لا وأنا صائمة، ولا مفطرة، يرفض أن أشاركه الفراش، بحجة أنني أقلق راحته عندما أستيقظ في الفجر، مما جعلني أنام في غرفة أخرى، حتى لا أفوت أجر الفجر وقيام الليل، وعندما آخذ الإذن منه يرفض أن أصوم فقط من أجل الرفض، مما جعلني أقول له غدا سأصوم فقط من باب العلم فقط، ولا أطلب الإذن، فهل كل صيامي باطل - مع العلم أنني أكثر من سنتين وأنا على هذا الحال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل أنه لا تصوم الزوجة تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) . رواه البخاري (5195) ومسلم (1026) .
وهذا إنما شرِع لعظم حق الزوج على زوجته، والأفضل للزوج أن يأذن لزوجته بالصوم؛ لما فيه من إعانتها على الطاعة، ويكون هو بذلك مأجوراً، وإن لم يكن للزوج حاجة بزوجته في النهار: فإنه يُكره له منعها من الصيام.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
هل لي الحق في منع زوجتي من صيام أيام التطوع كأيام الست من شوال؟ وهل يلحقني إثم في ذلك؟ .
فأجاب:
ورد النهي للمرأة أن تصوم تطوعا ًوزوجها حاضر إلا بإذنه؛ لحاجة الاستمتاع، فلو صامت بدون إذنه: جاز له أن يفطرها إن احتاج إلى الجماع، فإن لم يكن له بها حاجة: كره له منعها إذا كان الصيام لا يضرها، ولا يعوقها عن تربية ولد، ولا رضاع، ونحوه، سواء في ذلك الست من شوال، أو غيرها من النوافل.
" فتاوى إسلامية " (2 / 167) .
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحَّ صومها، مع حرمة فعلها
فقد جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 99) :
اتّفق الفقهاء على أنّه ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا تصم المرأة وبعلها شاهد، إلاّ بإذنه) ؛ ولأنّ حقّ الزّوج فرض، فلا يجوز تركه لنفل.
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحّ مع الحرمة عند جمهور الفقهاء، والكراهة التّحريميّة عند الحنفيّة، إلاّ أنّ الشّافعيّة خصّوا الحرمة بما يتكرّر صومه، أمّا ما لا يتكرّر صومه كعرفة وعاشوراء وستّة من شوّال فلها صومها بغير إذنه، إلاّ إن منعها.
ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزّوج إذا كان غائباً، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النّهي " انتهى.
ثانياً:
وفي حال كون الزوج هاجراً لزوجته، ومبطلاً لحقوقها في الفراش والعشرة، ويكون منعه لصومها من أجل التسلط فقط: فليس له إذن، وللزوجة أن تصوم ولو لم تستأذن منه، وموافقته وعدمها سواء
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في " شرح بلوغ المرام " – مخطوط -:
" لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، والحكمة ربما أنه يحتاج إلى الاستمتاع بها فيهاب أن يفسد عليها صومها، وهذا من تمام حقه
وهل ذلك مقيد بما إذا كان الزوج ناشزاً - أي: يضيِّع حقوقها - فهل لها الصوم بلا إذنه وهو شاهد؟ .
نعم؛ لأن ميزان العدل أنه إذا نشز: فلها أن تنشز؛ لقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) البقرة/من الآية 194 " انتهى.
وننبه الأخت السائلة إلى أن زوجها إن كان تاركاً للصلاة: فلا يحل لها البقاء معه؛ لأنه بتركه للصلاة يصير مرتداً، وانظري جوابي السؤالين: (33007) و (4131) .
وإن كان مقترفاً لكبائر الذنوب: فالأفضل لك – إن لم ينفع النصح ولم تستطيعي الصبر – أن تفارقيه، وانظري جواب السؤال رقم (47335) ففيه الحكم والنصح للمتزوجة بمن يفعل المعاصي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/839)
يدَّعي على زوجته الزنا فطلقها وأعطاها مهرها، فهل له حقوق عندها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن متزوج من فتاه متدينة وملتزمة , ولقد كنت متزوجاً من قبلها بفتاة، ولكنني قد طلقتها، وكان سبب طلاقي منها هو: عدم حفاظها على شرفها , حيث اكتشفت أنها على علاقة بشاب آخر، وأنه كان يدخل البيت - بيت الزوجية - في غيابي، ولقد تأكدت من هذا الكلام - وذلك قبل الطلاق - من الشاب نفسه، وبوجود أدلة، كصورة شخصية لها، والصور هذه كان قد تم تصوريها بحفلتي الخطوبة والزواج , كما تبين بعد ذلك أنها قد أجْرت معه مكالمة هاتفية، وذلك ليلة الزفاف , وقمت بعدها بطلاقها وأرجعت لها كل حقوقها المطلوبة مني شرعاً. سؤالي هو: أحس في بعض الأحيان وعندما أتذكر ما مرت بي من أحداث معها , بأنني قد ظُلمتُ منها، ومن أهلها؛ لأنها كانت على علاقة مع ذلك الشاب بعد الزواج، وكان أهلها على علم بتلك العلاقة , وأحس بضيق في صدري وألم عندما أسترجع تلك الذكريات المريرة في حياتي، فماذا عليَّ أن أفعل؟ وما زلت حزيناً على الظلم الذي جرى عليَّ منها ومن أهلها , كما لا زلت في بعض المرات أتذكر هذه الفتاة , علماً بأنني متزوج حاليّاً، وزوجتي ستنجب في الشهر المقبل - إن شاء الله -، فأرجو منكم إفادتي بما يتوجب عليَّ فعله، كما أتمنى أن تفيدوني كيف لي أن أرجع حقي منهم، ولكم كل تحية وتقدير.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
الزنا من - الرجل والمرأة - من المحرمات القطعية في دين الله تعالى، قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء/32، وهذا نهي عن قربانه فكيف يكون حكم مقارفته وفعله؟!.
وحد الزاني المحصن – وهو من سبق له الدخول بعقد شرعي – الرجم حتى الموت، وحد الزاني البكر: جلد مئة، ويعزر بالتغريب – أو السجن – عاماً كاملاً.
وليس الزنا محرَّما في الإسلام فقط، بل هو حرام في كل دين وشرع، ولا يخالف في ذلك صاحب فطرة سليمة ولا عقل راجح.
قال القرطبي:
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه، فلم يحل في ملة قط، ولذا كان حده أشد الحدود؛ لأنه جناية على الأعراض والأنساب، وهو من جملة الكليات الخمس، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال.
" تفسير القرطبي " (24 / 20، 21) .
ثانياً:
لا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي على غيره اقتراف هذه الجريمة إلا ببينة، والبينة هي أن يرى الزنا أربعةُ شهود، ويرون الفعل كاملاً بإدخال فرج الرجل في فرج المرأة، وهذا لم يثبت في تاريخ الإسلام لصعوبة تحققه، ويثبت الزنا بإقرار الزاني، ويثبت – كذلك - إذا رفضت المرأة ملاعنة زوجها الذي اتهمها بالزنا.
وللزوج في اتهام زوجته بالزنا حكم خاص، وهو الملاعنة – وينظر تفصيله في جواب السؤال رقم: (33615) - فإن قذفها بالزنى ولم يلاعنها: جُلد حد القذف، وهو ثمانون جلدة، ولا يجوز للزوج اتهام زوجته بالزنا لكونها خرجت مع أجنبي، أو رأى لهما صورة معاً، أو ما يشبه هذه الأحوال، إلا أن يرى ذلك بنفسه فيتيقن، أو يغلب على ظنه بقرائن قوية، وفعلها الذي وصفه زوجها لا شك أنه من عظائم الذنوب، وهي تستحق عليه الوعيد الشديد، لكن لا يجوز إثبات الزنا عليها بمثل هذه الأفعال.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة: وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ... .
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن:
(عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (9 / 30) .
ثالثاً:
إذا ثبت الزنا باعترافها فإنه لا ينفسخ النكاح، ولا يسقط مهرها.
قال ابن مفلح:
فائدة:
إذا زنت امرأة رجل أو زنى زوجها، قبل الدخول أو بعده،لم ينفسخ النكاح في قول عامتهم.
" المبدع " (7 / 70) .
وقال ابن قدامة في:
وإن زنت امرأة رجل، أو زنى زوجها: لم يفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده.
" المغني " (7 / 108) .
وقال الشنقيطي – رحمه الله -:
اعلم أن من تزوج امرأة يظنها عفيفة، ثم زنت، وهي في عصمته: أن أظهر القولين: أن نكاحها لا يُفسخ، ولا يحرم عليه الدوام على نكاحها، وقد قال بهذا بعض من منع نكاح الزانية، مفرقاً بين الدوام على نكاحها، وبين ابتدائه.
واستدل من قال هذا بحديث عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: «استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان ليس تملكون منه شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً» .
قال الشوكاني في حديث عمرو بن الأحوص هذا: أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عمرو بن الأحوص المذكور، وحديثه في الخطبة صحيح ا. هـ.
وحديثه في الخطبة هو هذا الحديث بدليل قوله " فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ "، وهذا التذكير والوعظ هو الخطبة كما هو معروف ... .
وبه تعلم: أن قول من قال: إن من زنت زوجته، فسخ نكاحها، وحرمت عليه: خلاف التحقيق، والعلم عند الله تعالى.
" أضواء البيان " (6 / 82، 83) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في عدم سقوط المهر -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
وانظر جواب السؤال رقم (83613) .
رابعاً:
من ثبت عنده زنا زوجته باعترافها فطلقها: فالواجب عليه إعطاؤها كامل حقوقها، فإن لم يرغب بإعطائها حقوقها: فيجوز له التضييق عليها – عضلها – لتفتدي نفسها بالخلع، فيطلب إرجاع ما دفع لها من مهر، ويطلب زيادة إن شاء – على خلافٍ في الزيادة -.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولهذا جاز للرجل إذا أتت امرأته بفاحشة مبينة أن يعضلها لتفتدي نفسها منه، وهو نص أحمد، وغيره؛ لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه، وتعرضت لإفساد نكاحه، فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15 / 320) .
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيَّب، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد، وعِكْرَمَة، وعَطاء الخراسانيّ، والضَّحَّاك، وأبو قِلابةَ، وأبو صالح، والسُّدِّي، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت: فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتُضَاجرهَا حتى تتركه لك وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229.
وقال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير – أي: الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها، أو بعضه، ويفارقها، وهذا جيِّد، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (2 / 241) .
وقال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ) الآية: صرَّح تعالى في هذه الآية الكريمة بالنهي عن إمساك المرأة مضارة لها لأجل الاعتداء عليها بأخذه ما أعطاها؛ لأنها إذا طال عليها الإضرار افتدت منه ابتغاء السلامة من ضرره.
وصرَّح في موضع آخر بأنها إذا أتت بفاحشة مبينة جاز له عضلها، حتى تفتدى منه، وذلك في قوله تعالى: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) النساء/19، واختلف العلماء في المراد بالفاحشة المبينة:
فقال جماعة منهم هي: الزنا، وقال قوم هي: النشوز والعصيان وبذاء اللسان.
والظاهر: شمول الآية للكل، كما اختاره ابن جرير، وقال ابن كثير: إنه جيد؛ فإذا زنت، أو أساءت بلسانها، أو نشزت: جازت مضاجرتها، لتفتدي منه بما أعطاها على ما ذكرنا من عموم الآية.
" أضواء البيان " (1 / 189) .
وانظر جواب السؤال رقم (42532) .
خامساً:
الخلاصة:
1. اعلم أن ما فعلته زوجتك من تلك الأفعال المخالفة للشرع أمورٌ منكرة، وهي تستحق عليها الوعيد، ونسأل الله أن تكون تابت منها.
2. وكذلك أهلها، فإنهم يأثمون لعلمهم وسكوتهم على تلك العلاقة الآثمة، ومن يرى في أهله السوء ـ كهذا ـ ثم يسكت عليه ديوث، مستحق للوعيد؛ عن عبدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ) رواه أحمد (5349) وصححه الألباني.
3. ولا يجوز لك ادعاء الزنا على زوجتك السابقة لوجود علاقة بينها وبين ذلك الأجنبي؛ لما بيناه لك سابقاً.
4. ولو فُرض أنها وقعت في الزنا: فإن عقدك عليها لم ينفسخ، ومهرها لم يسقط، بل هي تستحقه منك كاملاً.
5. وإذا ثبت عندك زناها: فيجوز لك التضييق عليها حتى ترجع ما أعطيته لها، وهي – بالطبع – في هذه الحال لا تستحق مؤخر صداقها.
6. وبما أنه لم يثبت زناها، وأنت لم تضيِّق عليها، بل بادرتَ لتطليقها: فإنها تستحق مهرها كاملاً.
7. وقد أحسنتَ في تطليقها، فلا تقلق من فعلك هذا، ولا تجعل لها مجالاً للتفكير.
8. ننصحك بعدم الالتفات للوراء، فهي أجنبية عنك، ولا حق لك عندها، وأنت متزوج فانظر أمامك، والتفت لنفسك وزوجتك الجديدة، ولا تحزن على ما فات، واجتهد في تربية نفسك وزوجتك على طاعة الله، وما فعلتَه هو الصواب إن شاء الله، فدع الانشغال بماضٍ أليم، ليس في التفكير فيه سوى إضاعة الوقت، والتسبب بالقلق.
نسأل الله تعالى أن يوفقك في حياتك الجديدة، وأن يكتب لك السعادة، وأن يرزقك الذرية الصالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/840)
تقصير الزوج في حقوق زوجته بسبب مرضه البدني والنفسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ سنتين ونصف تقريباً، وزوجي لا يقربني إلا كل ثلاثة أو خمسة شهور تقريباً، متعللاً دوماً إما بالمرض، أو السحر، أو عدم الاستقرار المالي، ولا يتودد نهائيّاً لي، وكلما صارحته بالأمر أوجد الأعذار الجاهزة، مع العلم أنه لا يعاني شيئاً كما يقول، ويرفض الذهاب للطبيب، حتى أخبرت عائلته بالموضوع، وأيضاً لم يجدوا أي فائدة من الكلام معه، وهو يضغط عليَّ من أجل العلاج للحمل، ولا أعلم كيف سيحصل، أنا متعبة جدّاً، ولا أعلم ما أفعل، إن علم أهلي بموضوعي سيكون الطلاق أكيداً، ومع العلم أننا ذهبنا إلى العديد من شيوخ الدين، وكلهم أجمعوا على وجود نفْس أصابتنا، ولم ينفع معنا شيء، وبصراحة أنا أخاف من القيام بالفاحشة. أرجو منكم إطلاعي ما يتوجب عليَّ عمله، وفي حالة الطلاق ما هي حقوقي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف، فقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، وهو من الحقوق المشتركة، فيجب على كل واحدٍ من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف.
ولكل واحدٍ من الزوجين حق على الآخر، وقد فصلنا القول في حقوق الزوجين بعضهما على بعض في جواب السؤال (10680) .
ومن حقوق الزوجة على زوجها: إعفافها بالوطء، وهو واجب على القادر، وهو قول جمهور العلماء.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (30 / 127) :
" من حقّ الزّوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها، وذلك بأن يطأها، وقد ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّه يجب على الزّوج أن يطأ زوجته " انتهى.
وقد اختلف العلماء في الحد الذي يجب فيه على الزوج جماع زوجته، وأصح الأقوال أنه ذلك يتبع حاجتها وقدرته.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها، فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟ .
فأجاب:
يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها، والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدر حاجتها وقدرته، كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين.
" مجموع الفتاوى " (32 / 271) .
وقد يكون زوجك تعرض لأمراضٍ نفسيَّة أو عضويَّة، وهو ما سبَّب له نفوراً من الجماع أو التودد، وليس لكِ الجزم بعدم وجود ذلك عنده، وبخاصة أنكِ تقولين إن المشايخ الذين اطلعوا على حالتكما رأوا أنه قد أصابتكما عينٌ – وتسمَّى " النفْس " -، فلا يبعد أن تكون تلك العيْن هي التي تسببت في سلوكه المتغير.
سئل الدكتور عبد الله السدحان – وهو أحد المختصين في أمور الرقية، ورسالته للدكتوراة كانت بعنوان " دراسة مقارنة عن الرقية الشرعية " -:
هل تسبِّب العين أمراضاً عضوية ومشكلات مادية أو اجتماعية؟ .
فأجاب:
نعم، تتسبَّب العين في عدم شفاء كثير من الأمراض العضوية، بل واستفحالها، وكذلك المشكلات المادية، والزوجية، والقطيعة، وكثير من المصائب، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين) ، فما دون الموت من المصائب أولى أن تُلحق بالعين.
عن " مجلة الدعوة " العدد (2018) ، 15 شوال 1426هـ، 17 نوفمبر 2005 م.
ومن واجب الزوجة الصالحة أن تقف مع زوجها في مثل هذه الأحوال، فهو أحوج ما يكون لمن يسانده، ويعينه في علاجه، حتى يكتب الله له الشفاء، وإذا كان ما أصابه سببه الظروف المادية، والحياة الاجتماعية: فإنك تستطيعين كسب قلبه بالتجمل له، والتودد إليه، والتلطف معه، فأنتِ سكنه، وقد جعل الله بين الزوجين من المودة والرحمة ما يسهِّل عليك الوصول إلى قلبه، والتخفيف عنه ما يعانيه من ضغط الحال.
ولتعلمي أن الرجل ليس كالمرأة، فالمرأة تستطيع تلبية حاجة زوجها الجنسية في كل أحوالها، إلا أن تكون مريضة أو حائضاً أو نفساء، والرجل لا يستطيع ذلك إلا أن يكون نشيطاً وله رغبة في الجماع، ولذا لم يوجب الشرع عليه العدل في الجماع بين زوجاته؛ لأن هذا يتبع النشاط والرغبة والقوة، ولذا – أيضاً – جاء الوعيد في الامتناع عن الفراش للزوجة دون الزوج.
وأما قولك! إنك تخافين من الوقوع في الفاحشة فإنه ينبغي لك الصبر والتحمل وإعانة زوجك حتى يشفيه الله، فإن لم يمكنك الصبر فلك الحق في طلب الطلاق.
وعلى زوجكِ المسارعة في علاج نفسه، ولا ينبغي له التردد في ذلك أو التهاون والكسل، فهو – بحسب كلامك – واقع في التفريط في حق زوجته، وللزوجة حقها في الإعفاف، فإن كان قادراً فليفعل، وإلا فليطلِّقها، وليسرحها سراحاً جميلاً، إن كانت لا تستطيع الصبر على مرض زوجها.
وفي جواب السؤال رقم (11359) ذكرنا كيفية الوقاية من العين، والعلاج منها، فلينظر.
ونرى أن عرض قضيتك على قاضٍ شرعي هو الأولى، فهو الذي يستطيع إثبات حقيقة حالة زوجك، وطلب التقارير الطبية، وهو الذي يحكم بعد ذلك في مسائل الطلاق والحقوق.
ونوصيك بالصبر على ما أنتِ فيه من حال، وأن تقفي مع زوجك في مرضه، وأن تساهمي في البحث عن علاجه، سواء عند أطباء، ولو كانوا أطباء نفسيين، وعرضه على مشايخ ثقات لمعرفة سبب تصرفاته، فقد يكون فعلاً مصاباً بالعين.
نسأل الله أن يصلح أحوالكما.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/841)
امتناع الزوج عن إخبار زوجته بأملاك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للزوج أن يخفي ممتلكاته وتفاصيل حساباته البنكية عن زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزم الرجل إخبار زوجته بما يملكه من حسابات وأرصدة بنكية، كما لا يلزمها أن تخبره بما تملكه من مالها الخاص.
لكن ما بين الرجل وامرأته من المودة والمحبة والصلة يقضي بحصول التساهل في هذا الأمر، وإطلاع كل منهما الآخر على ما عنده، والتعاون في تدبير المال وإنفاقه فيما يرضي الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/842)
متى يحرم الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[ود أن أعرف في أي ليلة من الشهور الإسلامية لا يجوز الجماع؟ وهذا بالنسبة للقمر، سمعت بأنه لا يجوز الجماع عند رؤية الهلال في أول الشهر (حسب الحديث) ، فهل هناك أي ليلة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا صحة لما سمعت من أن الجماع لا يجوز عند رؤية الهلال أول الشهر، ولا نعلم حديثا في ذلك، ويجوز للرجل أن يجامع أهله في كل وقت إلا أن يكون أحدهما محرما بالحج أو العمرة، أو صائما، فيحرم الجماع في نهار الصوم دون ليله، أو تكون المرأة في حال حيض أو نفاس.
قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ) البقرة / 197.
وقال: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ) البقرة / 187
والرفث: هو الجماع ومقدماته.
وقال: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة / 222.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/843)
جماع الزوجة أمام الزوجة الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل المتزوج بأكثر من زوجة أن يجامع إحداهن بوجود الأخرى؟ حتى وإن لم يكن يرين بعضهن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جماع الزوجة بحضور الأخرى ومشاهدتها مما لا ينبغي أن يقع خلاف في تحريمه.
1. قال الحسن البصري: كانوا – أي: الصحابة أو كبار التابعين - يكرهون " الوجس "، وهو أن يطأ إحداهما والأخرى تسمع الصوت - ولفظ الكراهة عند المتقدمين معناه التحريم -.
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 388) .
2. وقال ابن قدامة رحمه الله: … فإن رضيت امرأتاه بالسكن سوية في مسكن واحد جاز ذلك لأن الحق لهما فلهما المسامحة في تركه. وكذلك إن رضيتا بنومه بينهما في لحاف واحد. ولكن إن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراه الأخرى لم يجز، لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يبح برضاهما.
" المغني " (8 / 137) .
3. ولما قال الحجاوي صاحب " زاد المستقنع ": " ويكره والوطء بمرأى أحد ": علق على كلامه الشيخ ابن عثيمين حفظه الله فقال:
إن هذا من أغرب ما يكون أن يقتصر فيه على الكراهة، وهذا تحته أمران: أحدهما أن يكون بحيث تُرى عورتاهما: فهذا لا شك أن الاقتصار على الكراهة غلط لوجوب ستر العورة، فإذا كان بحيث يَرى عورتاهما أحدٌ: فهذا لا شك أنه محرم، وكلام المؤلف ليس بصحيح إطلاقاً.
والثاني: أن يكون بحيث لا تُرى العورة: فإن الاقتصار على الكراهة أيضاً: فيه نظر، يعني مثلا: لو كان ملتحفاً معها بلحاف، وصار يجامعها فتُرى الحركة، فهذا - في الحقيقة - لا شك أنه إلى التحريم أقرب؛ لأنه لا يليق بالمسلم أن يتدنى لهذه الحال.
وأيضاً ربما يثير شهوة الناظر ويحصل بذلك مفسدة.
فالصحيح في هذه المسألة: أنه يحرم وطء المرأة بمرأى أحد، اللهم إلا إذا كان الرائي طفلاً لا يدري فهذا لا بأس به، أما إن كان الطفل يتصور ما يفعل فلا ينبغي أيضا أن يحصل الجماع بمشاهدته ولو كان طفلاً؛ لأن الطفل قد يتحدث عما رأى من غير قصد.
" شرح كتاب النكاح من زاد المستقنع " (شريط 17) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/844)
هل يجوز العزل أو استخدام الواقي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الليلة الأولى بعد الزفاف، هل يجوز للشخص أن يستخدم موانع الحمل (مثل الواقي) ، أم أن ذلك لا يجوز؟ أطرح سؤالي هذا لأنه من الممكن (بإرادة الله) أن تحمل الزوجة، لكننا قد نختار عدم الإنجاب في فترة مبكرة جداً من زواجنا. أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العزل إذا لم يرد الولد، ويجوز له كذلك استخدام الواقي، ولكن بشرط أن تأذن الزوجة بذلك، لأن لها الحق في الاستمتاع وفي الولد، ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا. رواه البخاري (250) ومسلم (160) .
ومع جواز ذلك فإنه مكروه كراهة شديدة فقد روى مسلم (1442) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عَنْ الْعَزْلِ، فَقَالَ: (ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ) . وهذا يدل على كراهته جداًّ.
قال النووي:
" الْعَزْل هُوَ أَنْ يُجَامِع فَإِذَا قَارَبَ الإِنْزَال نَزَعَ وَأَنْزَلَ خَارِج الْفَرْج، وَهُوَ مَكْرُوه عِنْدنَا فِي كُلّ حَال، وَكُلّ اِمْرَأَة، سَوَاء رَضِيَتْ أَمْ لا لأَنَّهُ طَرِيق إِلَى قَطْع النَّسْل , وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث تَسْمِيَته (الْوَأْد الْخَفِيّ) لأَنَّهُ قَطْع طَرِيق الْوِلادَة كَمَا يُقْتَل الْمَوْلُود بِالْوَأْدِ. وَأَمَّا التَّحْرِيم فَقَالَ أَصْحَابنَا: لا يَحْرُم. . .
ثُمَّ هَذِهِ الأَحَادِيث مَعَ غَيْرهَا يُجْمَع بَيْنهَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي النَّهْي مَحْمُول عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَمَا وَرَدَ فِي الإِذْن فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْي الْكَرَاهَة" اهـ باختصار.
فالأولى بالمسلم أن لا يفعل ذلك إلا إذا احتاج إليه كما لو كانت المرأة مريضة لا تتحمل الحمل أو يشق عليها أو يضرها تتابع الحمل، ولأن في العزل تفويتاً لبعض مقاصد النكاح وهو تكثير النسل والولد، وفيه تفويت لكمال لذة المرأة.
راجع إجابة السؤال (3767) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/845)
هل يجوز للزوجين التَّجرّد من الثياب حال النوم وما أثر ذلك في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النوم عارية مع الزوج جائز في الإسلام؟ إذا كان الجواب نعم، فهل المعانقة أثناء النوم توجب الغسل قبل الصلاة أم أن الوضوء يكفي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما الشق الأول من السؤال: فيجوز للزوجين ذلك.
قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون /5-6] .
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: فأمر تعالى بحفظ الفرج إلا على الزوجة وملك اليمين، فلا ملامة في ذلك، وهذا عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته. أ. هـ "المحلى" (9/165) .
وأما من السنَّةِ: فقد صحَّ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم منْ إِنَاءٍ بَيْني وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرَني حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لي، دَعْ لي" رواه البخاري (258) ومسلم (321) - واللفظ له -.
قال الحافظ ابن حجر: واستدل به الداوديُّ على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاءً فقال: سألتُ عائشة فذكرتْ هذا الحديث بمعناه. قال الحافظ: وهو نصٌّ في المسألة. أ. هـ.
وحديثٌ آخرُ من السنَّةِ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "احفظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ" رواه أبو داود (4017) والترمذي (2769) وحسنه، وابن ماجه (1920) . ورواه البخاري معلقا (1/508) ، وقال الحافظ ابن حجر عنده: ومفهوم قوله " إلا عن زوجتك " يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر. أ.هـ.
قال ابن حزم رحمه الله: وحلالٌ للرَّجُلِ أَنْ ينظرَ إلى فرج امرأته -زوجته وأمَتِه التي يحل وطؤها - وكذلك لهما أنْ ينظرا إلى فرجه، لا كراهة في ذلك أصلاً، برهان ذلك الأخبار المشهورة عن طريق عائشة وأمِّ سلمة وميمونة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن كنّ يغتسلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من إناءٍ واحدٍ، وفي خبر ميمونة بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزرٍ لأنَّ في خبرها " أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ أَدْخَلَ يَدَهُ في الإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ"، فبطل بعد هذا أنْ يُلتفت إلى رأيِ أَحَدٍ، ومن العجب أنْ يُبيحَ بعضُ المتكلِّفين مِن أهل الجهل!! وَطءَ الفرجِ ويمنع من النظر إليه. أ. هـ "المحلى" (9/165) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: تحريم النظر بالنسبة للجماع من تحريم الوسائل، فإذا أباح الله تعالى للزوج أنْ يجامع زوجته، فهل يعقل أنْ يمنعه من النظر إلى فرجها؟! اللهمَّ لا. أ. هـ "السلسلة الضعيفة" (1/353) .
ثانياً:
أما حكم الطهارة في هذه الحالة: فالمعانقة أثناء النوم إذا لم يترتب عليها إنزال أو لم يحصل جماع فإنها لا توجب الغسل، وإنما إذا حصل مذي فإن على الرجل أن يغسل ذكره وأنثييه، وعلى المرأة أن تغسل فرجها، ويجب عليهما الوضوء فقط لا الغسل، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/846)
تكره زوجها ويرفض طلاقها فلا تعطيه حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة متدينة ولكني أكره زوجي لأسباب كثيرة وهو يعلم ذلك ويرفض الطلاق وأنا أمتنع عن العلاقة الزوجية معه أحيانا كثيرة فما حكم الدين في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها من غير سبب، فإن وجد سبب كتقصيره في حقها، أو ظلمه لها، فلا حرج عيها في طلب الطلاق.
روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا كان الرجل غير مقصر في حق زوجته ولا ظالم لها غير أنه تكرهه كرهاً شديداً بحيث لا تستطيع الحياة معه ولا تؤدي إليه حقوقه، فعليهما معاً محاولة الإصلاح، فإن لم تثمر تلك المحاولات ووصلت الحياة بينهما إلى طريق مسدود فقد جعل الله لها مخرجا، وهو الخلع، فترد إليه جميع المهر الذي أعطاها، ويؤمر الرجل حينئذ بقبوله ومفارقتها.
روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) .
وعند ابن ماجه (2056) (لا أطيقه بغضاً) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
فالذي حملها على طلب الفراق، هو بغضها له.
وقولها: (أكره الكفر في الإسلام) تعني: كفر العشير، بمعنى أنها تقصر في حقه ولا تقوم بما أوجب الله عليها من طاعة زوجها وحسن عشرته.
ثانيا:
نذكرك بأنه إذا لم يكن لك مبرر ظاهر في طلب الطلاق، بأن الامتناع عن الفراش منكر عظيم، جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (3237) ومسلم (1736) .
ونشير عليك أن تختاري من أهل الصلاح من أهلك أو أهله من ينصح زوجك ويدعوه لمفارقتك بالمعروف.
ثالثا:
والنصيحة للزوج أن لا يمسك الزوجة وهي متضررة من البقاء معه، فإن كان راغبا في بقائها، ويرفض طلاقها، فعليه أن يحسن عشرتها، وأن يزيل الأسباب التي تدعو للنفرة، فإن لم يمكن ذلك، فعليه أن يطلق أو يخالع، ولا يلجئ الزوجة لاقتراف الإثم بنشوزها وعصيانها.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: امرأة كرهت زوجها، لا تعيب فيه خلقا ولا دينا، ودفعت له كامل ما أخذته من صداق، فهل يجبر هذا الزوج على طلاق زوجته وإن كان متمسكا بها وهي كارهة جدا له؟
فأجابت: "إذا كرهت المرأة زوجها وخافت ألا تقيم حدود الله، شرع حينئذ الخلع، بأن ترد عليه ما أعطاها من الصداق ثم يفارقها؛ لحديث امرأة ثابت بن قيس. . . وإذا حصل نزاع بينهما فإن مرد ذلك إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/411) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/847)
حكم اعتراف الزوجة لزوجها بماضيها السيئ وأثر إخبارها على حياتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه مشكلة امرأة عاملة، تزوجت منذ بضعة أشهر، ولم تكن متمسكة بدينها في فترة الدراسة، وكانت تدرس بعيداً عن أهلها، وتعرفت على شاب غير مسلم كان يساعدها، وإنه أتى معها بعض الأفعال المحرمة دون أن تصل إلى حد ارتكاب الفاحشة، ولكنها تابت، وقطعت علاقتها به واستقامت، ولديها مشاكل مع زوجها حيث إنه كثير الشك، ولا يثق في أحد، وله تعلق بالشرك، والحسد، والسحر، وما أشبه، وأنه نادراً ما يحضر الجمعة، وأنه بدأ يشك في ماضيها، وأحضر مصحفاً، وطلب منها أن تحلف عليه، فحلفت كاذبة، ثم تابت، وأخبرته بعلاقتها السابقة، فبدأ في إذلالها، وأجبرها أن تكتب إلى أهلها بالتفاصيل، وأخذ يضيق عليها، فلا يسمح لها بالاختلاط بأهلها، ولا أقرب الأقارب، ومع ذلك تقول إنها تحبه، وهو كذلك، وتطلب النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يقبل توبتها، وأن يغفر لها ذنبها، وأن يبدل سيئاتها حسنات.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ 68-70.
ثانياً:
لا يجوز للزوج أن يجعل للشيطان طريقاً إلى قلبه بالشك في زوجته، وطريق الشك طريق شائك، لا يجعل صاحبه في هناءة من العيش، بل تكون حياته قائمة على القلق والاضطراب وتعظيم الأمر التافه، وهو ما يسبِّب ظلماً للآخرين، وتزكية لنفسه، وأمراضاً نفسية، وربما عضوية يعاقبه الله بها.
فما كان على الزوج أن يشك بامرأته البتة، كما لم يكن له أن يسألها عن ماضيها، فلا يخلو أحد – غالباً – من ماضٍ يود لو أنه يمحى من صحيفته ومن ذهنه ومن ذهن من يعرفه، فأن يأتي الشيطان له ليجعل زوجته تخبره بماضيها أمرٌ مستبشع مستنكر محرَّم، كيف لا يكون كذلك وقد أمر الله تعالى بالستر؟! ستر الإنسان المقصِّر على نفسه، وستره على غيره، وبسؤال الزوج فإنه يكون متسبباً في نقض السترين! .
وفي جواب السؤال رقم (7650) قلنا:
فليس للرجل حق في البحث عن الماضي الذي قد تابت عنه زوجته لما قدمنا، ولا ينبغي للمرأة أن تصارح زوجها بما قد حصل في الماضي وتابت منه، ولتستتر بستر الله.
انتهى
ثالثاً:
كان المرجو من الزوجة أن تبقى على يمينها عندما حلفت له أنه ليس لها ماضٍ فيه سوء؛ فليس من حقه أن يستنطقها بماضيها فضلاً أن يحلِّفها، أما وقد فعلت فإن هذا من الكذب المباح ـ إن شاء الله ـ حتى لو كان بيمين؛ دفعاً لسفاهة الزوج؛ وحفاظاً على شرفها وعرضها؛ وحفاظاً على زوجها وأولادها.
ونعجب من الزوجة الفاضلة كيف تراجعت عن يمينها وأقرَّت على نفسها بالفضيحة لماضٍ سالفٍ ستره الله عليها.
وكثير من النساء يسألن عن حكم إخبار الأزواج عن الماضي الذي كانت اقترفت فيه آثاماً وتابت منه، ولا ينبغي أن يشك في أن الحكم هو المنع الجازم من الإخبار؛ حفاظاً على ستر الله تعالى عليها؛ ومنعاً من فضيحتها؛ وحفاظاً على شرفها وعرضها من أن يناله أحد بسوء؛ وإبقاء للحياة الزوجية دون وجود ما يكدرها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (اجْتَنِبُوا هذهِ القَاذُوراتِ التي نَهَى الله عز وجل عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيءٍ منها: فَلْيَسْتتِر بِسِتْرِ الله عز وجل وليتب إلى الله؛ فإنَه مَن يُبْدِ لنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله) .
رواه مالك (1562) مرسلاً، والحاكم (4 / 425) ، والبيهقي (8 / 330) بإسناد متصل. والحديث: صححه الحاكم وابن السكن وابن الملقن، وحسَّنه العراقي، والألباني.
انظر: " التلخيص الحبير " (4 / 57) ، " خلاصة البدر المنير " لابن الملقِّن (2 / 303) ، " السلسلة الصحيحة " (663) .
والقاذورة: هي الفعل القبيح والقول السيئ مما نهى الله عنه.
قال ابن عبد البرّ:
في هذا الحديث دليل على أنّ السّتر واجب على المسلم في خاصّة نفسه إذا أتى فاحشةً وواجب ذلك أيضاً في غيره. " التّمهيد " (5 / 337) .
وعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ:ُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أما المؤمن العاصي فإنه إذا ابتلي بالمعصية فإن الأفضل ألا يجاهر بها وألا يخبر بها أحداً، وأن يستتر بستر الله ويتوب إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) ، المجاهرون هم الذين يعملون السيئات ثم يصبحون يتحدثون للناس بما صنعوا، فمن أصاب شيئاً من هذه القاذورات: فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله عز وجل، ولا يخبر بها أحداً. " لقاءات الباب المفتوح " (13 / السؤال رقم 13) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
ويؤخذ من قضيته - أي: ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ
. . . وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال: أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب اهـ. " فتح الباري " (12 / 124، 125) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (3 / 181، 182) .
وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المرء إذا وقع منه ما يعاب عليه يندب له السّتر على نفسه، فلا يُعْلِم أحداً، حتّى القاضي، بفاحشته لإقامة الحدّ أو التّعزير عليه؛ لما رواه البخاريّ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين ... ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم (من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ... ) .
وقال أبو بكرٍ الصّدّيق: " لو أخذت شارباً لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت سارقاً لأحببت أن يستره الله "، وأنّ الصّحابة أبا بكرٍ وعمر وعليّاً وعمّار بن ياسرٍ وأبا هريرة وأبا الدّرداء والحسن بن عليٍّ وغيرهم قد أثر عنهم السّتر على معترفٍ بالمعصية، أو تلقينه الرّجوع من إقراره بها، ستراً عليه، وستر معترف المعصية على نفسه أولى من ستر غيره عليه. والجهر بالمعصية عن جهلٍ، ليس كالجهر بالمعصية تبجّحاً، قال ابن حجرٍ: فإنّ من قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربّه، وقال الخطيب الشّربينيّ: وأمّا التّحدّث بها تفكّهاً فحرامٌ قطعاً.انتهى
وقد ذكر العلماء فوائد للاستتار بالمعصية، ففي " الموسوعة الفقهية " (3 / 182) :
يترتّب على الاستتار بالمعصية:
أ. عدم إقامة العقوبة الدّنيويّة؛ لأنّ العقوبات لا تجب إلاّ بعد إثباتها، فإذا استتر بها ولم يعلنها ولم يقرّ بها ولم ينله أيّ طريقٍ من طرق الإثبات، فلا عقوبة.
ب. عدم شيوع الفاحشة، قال الله تعالى: (إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدّنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) .
ج. من ارتكب معصيةً فاستتر بها فهو أقرب إلى أن يتوب منها، فإن تاب سقطت عنه المؤاخذة، فإن كانت المعصية تتعلّق بحقّ الله تعالى فإنّ التّوبة تسقط المؤاخذة؛ لأنّ الله أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدّنيا لم يفضحه في الآخرة، وإن كانت تتعلّق بحقٍّ من حقوق العباد، كقتلٍ وقذفٍ ونحو ذلك، فإنّ من شروط التّوبة فيها أداء هذه الحقوق لأصحابها، أو عفو أصحابها عنها، ولذلك وجب على من استتر بالمعصية المتعلّقة بحقّ آدميٍّ أن يؤدّي هذا الحقّ لصاحبه. انتهى
وقد ذكرنا في أول الجواب فوائد أخرى تتعلق بالاستتار بمعاصي الزوجة قبل زواجها، ولا نعلم عن أحدٍ سمع من زوجته ماضياً سيئاً وازداد حبه لها، ولا ازدادت ثقته بها، حتى ولو كانت توبة نصوحا، واستقام حالها فيما بعد؛ بل على العكس، رأينا وسمعنا الشكوك المتزايدة، والترقب لأفعالها، ومنعها مما أباحه الله لها، وآخر ذلك تطليقها لاستحالة الحياة بينهما إما من جهته، أو من جهتها، أو من كلا الجهتين.
ثالثاً:
لذا فإننا نرى في حال الزوجة المسئول عنها:
1. إن أمكن فلتكذِّب نفسها مرة أخرى أمام زوجها، وأن تخبره أن هذا كان بسبب ضغطه عليها، وأنه ليس لما قالته أصل من الصحة.
2. أن لا تخبر أهلها كما هي رغبة الزوج، وإلا فإنها ستقع في المحذور نفسه.
3. وإذا لم يقتنع فلتخبر أهلها بذلك إن أوصل لهم الزوج ما قالته.
4. أن تصبر على حياتها الجديدة معه؛ لتثبت له أنه لا علاقة للماضي بحاضرها، وتحاول تحمل قراراته وأفعاله حتى يهديه الله، ولتدع ربها بأن يهديه ويصلح باله.
5. وإذا استمرت شكوكه وسوء أفعاله ولم تستطع الصبر: فليس لها إلا فراقه، وإلا صارت حياته جحيماً لا يطاق، ولا نظنه سيطيل المدة حتى يبادر هو بتطليقها.
6. على أننا، وبغض النظر عن هذا المشكلة، وما ترتب عليها، لا ننصح هذه الزوجة بالبقاء مع زوج حاله بالسوء الذي وصفته: من التعلق بالشرك والسحر، والتفريط في الصلاة، حتى صلاة الجمعة، مع ما ذكرت من شكوكه وظنونه، وسوء معاملته، فمثل هذا لا ننصح بالحرص على الحياة معه، لأن مثل هذا الحياة لن تزيدها عن طريق الإيمان والهدى إلا بعدا!!
ولتحتسب أمرها عند ربها، ولتدع ربها تعالى أن يهوِّن عليها مصيبتها، وأن يبدلها خيراً منه.
وللاستزادة يرجى النظر في أجوبة الأسئلة: (27113) و (9562) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/848)
الزواج بنية الطلاق والآثار السيئة المترتبة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول إنها اعتنقت الإسلام منذ 12 سنة قبل أن تتزوج، وهي الزوجة الثانية، ومشكلتها أن زوجها اعتاد أن يتزوج امرأة ثالثة سرّاً، وعادة ما تكون غير مسلمة، دون أن يخبرها، أو يخبر زوجته الأولى، أو أحداً من أقاربه، وأنه قد يظل مع زوجته الثالثة عاما أو عامين قبل أن يفترقا، ثم يجد أخرى، وأنه قد تزوج ثلاث نساء منذ أن تزوجها، وأنها تعلم بزواجه عندما يغيب عن البيت أسبوعاً أو أسبوعين، ويسافر للخارج دون أن يخبر أحداً، ثم بعد ذلك ينكر للجميع أنه كان مع امرأة أخرى، وتقول إن بعض العلماء يقولون إن هذا النوع من الزواج السري حلال، وتقول: كيف يكون كذلك وهو يدفع الزوج للكذب كثيراً، ويصيب الزوجات بالاكتئاب؟ أليس من حق الزوجة أن تعرف كم عدد زوجات زوجها؟ ومتى سيكون عندها؟ وتقول إن الأمور تكون على ما يرام عندما لا تكون هناك زوجة ثالثة، وأن زوجها عندئذ يكون لطيفاً ويعدل بينها وبين زوجته الأولى، ثم تتغير الحال عندما يتزوج الثالثة، وتقول إن قول العلماء بحل هذا الزواج شجع الرجال على الإقدام عليه، والكذب على زوجاتهم، وعدم العدل بينهن، وبذلك تفسد الحياة الأسرية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجب على الزوج أن يخبر زوجاته بأنه سيتزوج، لكنه إن تزوج وجب عليه إخبارهنَّ؛ لأن عدم إخبارهنَّ قد يسبب سوء ظن به أن له علاقات مشبوهة؛ ولأن لهنَّ الحق بمطالبته بالعدل في القسْم، وهي في حال علمها بزواجه من غيرها تعلم أن لزوجته الجديدة مثل الحق الذي لزوجاته قبلها.
ثانياً:
يجب على الزوج أن يتقي الله ويعدل بين نسائه، والعدل الواجب بين نسائه هو العدل في النفقة، والمسكن، والمبيت.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
القسم اللازم هو المبيت، نعم، يجب عليك أن تقسم بينهما، وكذلك النفقة، يجب عليك التسوية بينهما في النفقة، والإسكان، والكسوة، هذه الأمور لابد من العدل فيها، بإعطاء الكفاية لما يكفي لكل واحدة منهما من المسكن ومن المأكل والمشرب ومن الكسوة، وكذلك المبيت يجب عليك القسم بين الزوجات، هذا هو العدل الواجب الذي قال الله تعالى فيه: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) النساء/3، هذا هو العدل المشترط لتعدد الزوجات.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / السؤال رقم 384) .
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (10091) .
ثالثاً:
ويجب على الرجال أن يتقوا الله في النساء، وأن يعلموا أن الناس يثقون بدينهم الظاهر، والتزامهم بالسنَّة، وعندما يطلب أحد هؤلاء امرأة فإنه يُعطاها بناء على ما يظهر من استقامته ودينه، فليحذر أن يستغل هذه الشعائر الظاهرة للعبث بأعراض الناس، فيأخذ بناتهم ثم يرجعهنَّ بعد أن يقضي شهوته، وليحذر أن يكون سبباً في ردة بعضهن أو مرضهن أو سلوكهن سبيل الانحراف، ولا نظن واحداً من هؤلاء يرضى أن يفعل أحدٌ مثل هذا بابنته أو أخته، فلمَ يرضى هذا لبنات الناس؟
وليحذر من استغلال ضعف وحاجة الناس بعرض الأموال وإغراء أهلها به؛ فإن هذا منافٍ للمروءة والأخلاق، ولا نعتقد أن هؤلاء يستطيعون فعل الأمر نفسه مع بنات علية القوم، أو مع بنات عمهم، أو أقربائهم، ولو كان زواجاً شرعيّاً ثم لم يحصل وفاق وطلقها لما أنكرنا أفعالهم، لكن أن يكون الزواج من أجل قضاء الشهوة عازماً على (تغييرها) بعد فترة: فهذا من العبث الذي لا تقره الشريعة، وهو نكاح متعة أو شبيه بالمتعة، ولذا لا تجد هؤلاء يحرصون على ذوات الدين، بل يتزوج المرأة لجمالها حتى لو لم تنته عدتها! وحتى لو كانت مشهورة بالفسق والفجور، فقضاء شهوته معها في فندق لمدة ثلاثة أيام لا يستلزم من هذا العابث أن يهتم لدينها وشرفها؛ فهي لن تكون زوجة له دائمة، ولن تكون أمّاً لأولاده! فلم الاهتمام؟! .
وهذه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة ترد على هذه الأفعال وتبين حكم هذا الزواج:
سئل علماء اللجنة الدائمة:
انتشر بين أوساط الشباب السفر خارج البلاد للزواج بنية الطلاق، والزواج هو الهدف في السفر استناداً على فتوى بهذا الخصوص، وقد فهم الكثير من الناس الفتوى خطأ، فما حكم هذا؟ .
فأجابوا:
الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية، والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 448، 449) .
ومَن أفتى من أهل العلم بإباحة ذلك إنما هو لمن يدرس أو يعمل في بلاد غربة ويخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، فهذا يتزوج ولو نوى أن يطلِّق فإنه قد يقدِّر الله بينهما أولاداً فيتعلق بهم وبأمهم، وقد يقدر الله بينهما عشرة حسنة فيدوم زواجهما، وليست الفتوى لم يتقصد السفر من أجل الزواج، وليست الفتوى فيمن يذهب ليلتين لبد فقير فيفض بكارة أنثى أو أكثر! ومن لم يستطع ضبط نفسه في سفر لمدة يومين – وبعضها أعمال دعوية وخيرية – فيحرم عليه السفر أصلاً، ولينظر العاقل في آثار ما يفتي به وما يفعله، وأثر ذلك على الإسلام، فإن الإسلام لم يُشوَّه من أعدائه بقدر ما شوِّه من أهله بأفعالهم وأخلاقهم.
فعلى المسلم الذي يسَّر الله له زوجة – أو أكثر – أن يحمد الله تعالى ويشكره، وعليه أن يلتفت لهنَّ ولأولاده، ليقوم بتعليمهم وتربيتهم التربية الإسلامية الحقة، لا أن يكفر هذه النعمة بترك زوجاته وأولاده دون إصلاح وتربية، ويبحث عن ملذات زائلة لا تقيم أسرة ولا تكسب سعادة، فضلا عن تعرضه للظلم لنفسه ولزوجاته ولأولاده.
ولا مانع من أن يتزوج زواجاً شرعيّاً، وقد أباح له الشرع أن يتزوج بأربع نسوة، لكن ليعلم أن الشرع قد رغَّبه بنكاح ذات الدين؛ لأنها ستكون عِرضه وأم ولده وحامية بيته وماله ومربية ولده، فلا يليق بالمسلم أن ينسى مقاصد الزواج وحِكَمه وأحكامه ليقوم بالبحث عن شهوة يقضيها هنا وهناك، ثم الأدهى أن ينسب فعله إلى الإسلام!
ولينظر هذا الزوج إلى آثار فعله من الكذب، وعدم إعطاء نسائه حقهنَّ، وعدم العدل بينهن وبين من يتزوجها، ثم لينظر لنفسه في حسن اختياره للزوجة التي ينوي طلاقها، وإذا أحسن الاختيار فلينظر إلى الأثر الذي سيخلفه وراءه عليها وعلى أهلها، ولينظر لنفسه على أنه مسلم يمثِّل الإسلام بأحكامه وأخلاقه، وخاصة إذا تعلق الأمر بالثقة بهيئته أو ظاهر استقامته، فإنه سيكون سبباً لنزع ثقة الناس بأمثاله، إن لم يؤدِّ إلى ما هو أعظم وأخطر.
وقد بلغنا من الآثار السيئة للزواج بنية الطلاق ما يجزم المرء المسلم أن لو وقف العلماء القائلون بإباحته على بعضها لكان لزاماً عليهم أن يمنعوا منه، أو يتوقفوا عن القول بإباحته على أقل تقدير، فبعض هؤلاء الزوجات اتُّهمت بعِرضها وشرفها بعد أن تزوجها مَن ظاهرُه الاستقامة، ثم لما قضى شهوته منها في فندق في بلدها أعطاها مؤخرها أو قليلا من المال وأركبها سيارة أجرة إلى أهلها مطلِّقاً لها! وبعضهن قد وثق أهلها بهذا " المستقيم في الظاهر " فسلَّمه ابنته – عرضه – دون عقد رسمي ثقة بأنه سيعقد عليها بوكالة في بلده، أو بعد أن يأتي بالتصريح! ثم يقضي شهوته معها ويرجعها إلى أهلها ثيباً بعد أن أخذها بكراً! فانظر أيها العاقل إلى موقف أهلها كيف سيكون أمام جيرانهم وأقربائهم؟ وماذا سيقولون لهم؟ وهل أصبح العِرض سيارة تُستأجر وتُرجع بعد انتهاء المدة؟! ألا يخشى هؤلاء أن يعاقبهم الله ببناتهم وأخواتهم؟!
وبعض أولئك النسوة عندما علمت أن (مدتها) قد انتهت مع هذا الزوج توسلت له بأن لا يطلقها، وأن يأخذها لبلده – كما أوهمها – خادمة له ولنسائه ولأولاده! وأنها لو رجعت فستتعرض للسوء من أقربائها وجيرانها، وقد يؤدي ذلك لقتلها! وهذا " المستقيم في الظاهر " يرفض هذه التوسلات ويأبى الاستجابة لبكائها وتوسلاتها.
وأخرى انتهت (مدتها) وطلقها زوجها، واتصل بأخيها ليأخذها لأهلها! فلم يكن منها إلا أن ادعت أمام الناس أنه توفي في حادث سيارة! حفاظاً على كرامتها وعرضها من مقالة السوء. فالله المستعان، وعليه التكلان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/849)
ليس في شريعتنا جواز إتيان الدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو مساعدتي في معرفة الصواب، في البخاري الحديث رقم (4170) و (4171) إن الإتيان في الدبر حلال، وموقعكم يقول إنه حرام، فما هو الصواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولاً:
الأحاديث الصحيحة التي جاءت في تحريم إتيان الزوجة في الدبر كثيرة، فمن ذلك:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود (3904) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1165) وصححه ابن دقيق العيد في "الإلمام" (2/660) ، والألباني في صحيح الترمذي.
3- وعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ) رواه ابن ماجه (1924) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (3/43) : "جاءت الآثار متواترة بذلك " انتهى.
ولذلك كانت كلمة العلماء على الأخذ بهذه الأحاديث.
قال الماوردي رحمه الله تعالى في "الحاوي" (9/319) :
" لأنه إجماع الصحابة: روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء " انتهى.
وجاء في "المغني" (7/32) :
" ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم: منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر "
وقد سبق في موقعنا بيان ذلك بشيء من التفصيل، فانظر إجابات الأسئلة: (1103) ، (52803) .
ثانياً:
يتوهم بعض الناس جواز إتيان المرأة في دبرها، ويفهمون من قول الله تعالى: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/223، أن الله سبحانه أباح في هذه الآية كل شيء، حتى الوطء في الدبر، وقد يتأكد هذا الوهم عندهم إذا قرؤوا الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه – ولعله الحديث الذي قصده السائل - والذي فيه: عن جابر رضي الله عنه قال: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِن وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَل فنزلت (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
وهذا فهم خاطئ للآية، فإن قوله تعالى: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني إباحة أحوال وأوضاع الجماع المختلفة، إذا كانت في موضع الحرث: وهو الفرج، وليس الدبر، فيجوز أن يأتي الرجل زوجته من الخلف أو الأمام أو على جنب إذا كان ذلك في موضع الحرث، وليس الدبر.
ودليل ذلك أن رواية مسلم برقم (1435) لحديث جابر السابق في سبب نزول الآية فيها: (إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ) .
(مُجَبِّيَةً) : أي: منكبة على وجهها، كهيئة السجود.
(في صمام واحد) : هو القبل.
وفي رواية أبي داود للحديث نفسه برقم (2163) : عن محمد بن المنكدر قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
وفي سنن الترمذي (2980) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكْتُ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟! قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَالَ: فَأُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ. حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فهذه الأحاديث والروايات توضح المقصود من الآية، فلا يجوز لمسلم أن يتجاوز ذلك إلى فهمه الذي لا يدل عليه الأثر ولا اللغة.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/261) :
" وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين: أحدهما أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد، لا في الحُش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: (من حيث أمركم الله)
الوجه الثاني: أنه قال: (أنى شئتم) أي: من أين شئتم: من أمام أو من خلف. ال ابن عباس: (فأتوا حرثكم) يعني: الفرج " انتهى بتصرف.
ثالثاً:
ولعل السائل يعني أيضا ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال: يأتيها في. . .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/189) :
" هكذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور " انتهى.
ثم ذكر ما جاء من بعض الروايات خارج صحيح البخاري أن ابن عمر قال: يأتيها في دبرها.
وقد أجاب عن ذلك أهل العلم بجوابين:
الأول:
أنه حصل خطأ من بعض الرواة عن ابن عمر، وأنهم فهموا منه جواز إتيان الدبر، وهو إنما كان يحكي جواز إتيان المرأة في قبلها من خلفها، بدليل ما جاء من طرق صحيحة عنه أنه كان يرى حرمة إتيان الزوجة في دبرها، فقد روى النسائي في "السنن الكبرى" (5/315) بسند صحيح أن ابن عمر سئل عنه فقال: أو يفعل ذلك مسلم؟!
قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (6/142) :
" فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر،وهو الذي رواه عنه نافع، وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج، فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء أو هو مأتى، واشتبه على من اشتبه عليه معنى (من) بمعنى (في) فوقع الوهم " انتهى.
الجواب الثاني:
أنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما في فهم الآية، وقد دلت السنة، وأقوال سائر الصحابة، أنه اجتهاد مجانب للصواب، وقد روى أبو داود برقم (2164) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
إِنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ -، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ،فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي. حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ.
وهذا قد يؤيد أن ابن عمر كان يقول بجواز الإتيان في الدبر، فلعله رجع إلى الصواب، بعد أن بَيَّن له ابن عباس أو غيره سبب نزول الآية ومعناها الصحيح، ولذلك ثبت عنه – كما تقدم – أنه كان يقول بتحريمه، ويقول: أو يفعل ذلك مسلم!!
والحاصل أن شريعتنا جاءت بتحريم هذا الفعل، وليس فيها شيء يدل على جوازه، ومن ظن في شيء من الكتاب أو السنة ما يدل عليه فقد أخطأ وأوهم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/850)
يجوز للعريس أن يستقبل المهنئين وهو جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتاد الناس في بلدتنا انتظار العروس بعد الدخول به ليلة الزفاف ليباركوا لها والجلوس معها بعض الوقت، وكذلك يفعل الرجال مع العريس، هذا الأمر يجعل العرسان يخرجون إليهم قبل الغسل من الجنابة؛ فهل هذا جائز، أم يجب عليهم الغسل أولا ثم الخروج لاستقبال المهنئين، الأمر الذي يأخذ منهم الكثير من الوقت لتجهيز أنفسهم، خاصة المرأة، فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في خروج الجنب لاستقبال المهنئين والسلام عليهم والجلوس معهم؛ لما روى البخاري (283) ومسلم (372) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ) .
والأفضل له أن يتوضأ؛ لما روى مسلم (305) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.
ولأنّ الملائكة لا تقرب الجُنُب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ) رواه أبو داود 4180 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 3522
وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ: هو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء. "فيض القدير" (3/325) .
وراجع السؤال رقم (6533)
على أن هذه العادات القديمة، مما ينبغي توعية الناس وتعويدهم على التخلص منها؛ فمثل هذا الاجتماع المتعمد، والمعتاد، مما يخدش حياء العروسين، بل ويحملهما عبئا نفسيا زائدا في مثل هذه الظروف: أن يشعر الرجل هو وامرأته أن الأقارب والأصدقاء في انتظار انتهائهما من شأنهما، ليباركوا لهما بعد ذلك؟!!
إن وقت التهنئة ليس مضيقا على هذا الوقت المحرج؛ فبالإمكان أن تتم هذه التهنئة أثناء العرس، أو بعد تلك الليلة، أو في أي وقت آخر، ولا وجه لتعمد ذلك الوقت، وتهنئة الزوجين به إلا العادات القديمة البالية، والتي لا أصل لها في الشرع، ولا وجه لها من العقل السليم، أو محاسن الآداب والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/851)
لها أولاد من غيره، ويسيء إليهم، فهل تستأجر لهم سكنا وتبقى معهم أياما
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من بلدي أستاذا جامعيا وأنجبت منه أربعة أولاد وانفصلنا بعد 12 سنه ثم تزوجت برجل توسمت فيه خيرا وهو يعلم أن لي أولادا من زوجي الأول أساء كثيرا لي ولأولادي حتى إن الدولة أخذت أحد أولادي، أنجبت منه ولدا عمره 2و5 وهو شديد المعاملة حتى مع طفله بحجة أنه يربيه ضربني كثيرا وسبني وسب أهلي على الرغم من أني ملتزمة وأخاف الله والحمد لله وطعنني حتى في شرفي. لما ساءت الأحوال أجرت شقة أخرى لأولادي من زوجي الأول على أن أقسم الأسبوع بين أولادي وبينه وابنه الذي رفض أن يلتقي بإخوته أو أن يأتي معي عند زيارتهم والمشكلة أنه ينكر أنه وافق على هذا الحل ويدعو علي كل مرة أذهب فيها لأولادي أن الله وملائكته تلعنني, فهل أنا آثم لأني أخذت أولادي من هذا العذاب المقيم وهل آثم عندما أذهب إليهم وهو يحاول يمنعني ويقول إنها ليست مشكلته وإنه لا يقبل أن أذهب إليهم وهل لعنه لي يصيبني أرجوكم أفيدوني ولكم الأجر والثواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تزوج الرجل من امرأة لها أولاد صغار، وعلم بوجودهم حال البناء، ولم يشترط سكنهم بعيدا عنه، فإنه لا يملك منعهم من إقامتهم مع أمهم في بيته، هذا ما قرره أهل العلم؛ لأن سكوته حال العقد يعني رضاه بسكنهم معه.
وكذلك إذا لم يكن للصغار حاضن ينتقلون إليه، أجبر الزوج هنا على إسكانهم معه.
قال الخرشي في شرحه على مختصر خليل (4/189) : " والمعنى أن أحد الزوجين إذا كان له ولد صغير، وأراد الآخر أن يخرجه عنه من المنزل، فإن له ذلك بشرط أن يكون للولد من يحضنه ويكفله، فإن لم يكن له من يحضنه فإنه يجبر على إقامته عنده (إلا أن يبني وهو معه) يعني أن أحد الزوجين إذا بنى بصاحبه ومعه ولد يعلم به صاحبه، ثم بعد ذلك أراد أن يخرجه عنه، ليس له ذلك، وإن لم يكن عنده علم به فله الامتناع، وهذا إذا كان للولد حاضن، وإلا فلا امتناع لمن ليس معه الولد عن السكنى مع الولد، سواء حصل البناء مع العلم به أو لا " انتهى.
وإذا كان الزوج يسيء المعاملة لأولادك، بحيث يحصل لهم ضرر ببقائهم في بيته، فلا حرج عليك في استئجار شقة خاصة لهم، ولا حرج عليك في الذهاب إليهم والقيام بحوائجهم، ولو اقتضى ذلك البقاء معهم نصف الأسبوع كما ذكرت، إذا كانوا بحاجة لوجودك معهم هذه المدة، ولا يملك الزوج منعك من ذلك، لأن الأولاد لهم حق مؤكد في التربية والرعاية، والتقصير إنما جاء من جهة الزوج ابتداء، وهو بالخيار إن شاء قبل بهذا الوضع، أو تزوج بأخرى، أو فارقك.
وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
(إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ) رواه البخاري (5193) ومسلم (1736) ؛ فإنما تستحق المرأة هذا الوعيد، وتلحقها اللعنة، حيث لا يكون لها عذر شرعي في امتناعها من فراشه.
قال النووي رحمه الله ـ في شرح الحديث ـ: " هَذَا دَلِيل عَلَى تَحْرِيم اِمْتِنَاعهَا مِنْ فِرَاشه لِغَيْرِ عُذْر شَرْعِيّ " انتهى.
نسأل الله أن يصلح أحوالكما، وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/852)
استمتاع الرجل بزوجته عن طريق الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وامرأتي حاليا موجودة بدولة أخرى غير التي أنا بها، فهل علي من ذنب إن جلست معها عن طريق النت وطلبت أن ترى أشياء من جسدي وهكذا فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كنا قد عرضنا سؤالا مشابها لهذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، ونصه:
" هل يجوز للزوجين أن يتحدثا عن الجنس بالهاتف ويستثيرا بعضهما حتى ينزل أحدهما أو كلاهما (بدون استعمال اليد لأنه محرم) ؟ يحصل هذا لأن زوجي يسافر دائما ولا نرى بعضنا إلا كل 4 أشهر."
فأجاب بقوله:
" لا بأس، نعم يجوز هذا.
سؤال: ولو كان باستعمال اليد؟
الجواب: استعمال اليد فيه نظر، ولا يجوز إلا إذا خاف على نفسه الزنا.
سؤال: وبدون استعمال اليد لا مانع؟
الجواب: نعم بدون استعمال اليد لا مانع، يتصور أنه معها لا بأس في ذلك " انتهى.
لكن الخطر في ذلك هو إمكان التجسس والاطلاع على هذه اللقاءات عبر الإنترنت.
وأيضا: قد يدعو هذا العمل إلى اقتراف المحرم من استمناء وغيره، فالأحوط ترك ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه) رواه البخاري (1946) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/853)
يأمرها أن تصافح الرجال ويهددها بالطلاق إن لم تفعل!!
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج أمر زوجته بأن تصافح الرجال وهو مصر على ذلك بشدة وقد يصل الأمر إلى الطلاق ولهما ابنة والزوجة ترفض. فماذا تفعل الزوجة؟ وبماذا تنصحونهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية، ولا يجوز لها أن تمكنه من ذلك.
وقد دل على تحريم المصافحة روى البخاري (4891) ومسلم (1866) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ: قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ) .
فهذا المعصوم خير البشرية وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم لا يمس النساء، مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد، فكيف بغيره من الرجال؟!
وعن أميمة ابنة رقيقة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء) .
رواه النسائي (4181) وابن ماجه (2874) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2513) .
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
وهذا صريح في التحريم.
قال الخرشي في شرح مختصر خليل (1/275) : " وأما مصافحة المرأة لغير المحرم فلا يجوز والله أعلم " انتهى.
وفي حاشية العدوي على شرح الرسالة (2/474) : " لا يجوز أن يصافح الرجل المرأة ولو كانت متجالة " انتهى.
والمتجالة: العجوز التي لا تشتهى ونحوها.
وفي "الموسوعة الفقهية" (29/296) : " لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز مس وجه الأجنبية وكفيها وإن كان يأمن الشهوة..... هذا إذا كانت الأجنبية شابة تشتهى. . . وذهب المالكية والشافعية إلى تحريم مس الأجنبية من غير تفرقة بين الشابة والعجوز " انتهى.
ثانيا:
لا يجب على الزوجة أن تطيع زوجها إذا أمرها بمصافحة الأجانب، بل لا يجوز لها ذلك، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وعلى هذا الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر من غضبه وأليم عقابه، فإن أمره هذا مضاد لأمر الله تعالى، وتسلطه على زوجته وتهديها بالطلاق ظلم لها، وكان الأولى به أن يفرح بطاعتها لربها، وأن يعينها على ذلك.
ثالثا:
إذا أصر الزوج على موقفه، وهدد بالطلاق، وعزم على ذلك، فالذي يظهر والله أعلم أن الزوجة لها أن تصافح الرجال من وراء حائل، ارتكابا لأهون الشرين، ودفعا لأعظم المفسدتين، وعليها أن تقلل من احتمال ملاقاة الرجال ما أمكن حتى تتفادى المصافحة، مع الاجتهاد في نصح الزوج وتبين الحق له، حتى يرجع عن رأيه.
فإن لم يقنع الزوج بذلك، وأصر على أن تصافح من غير حائل، فلا تطعه، ولتصبر ولتحتسب، وإن وقع الطلاق، لا سيما إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى، ولعل الزوج يعود إلى رشده إذا وقع الطلاق، وأيقن أنه سيهدم بيته بيده، في أمر محرم.
وينبغي مع ذلك أن يستعان بأهل الصلاح من قومه أو قومها لحل النزاع، وإقناع الزوج بالعدول عن موقفه، وتذكيره بتقوى الله تعالى ومراقبته.
ولتوقن الزوجة أن الله تعالى جاعل لها فرجا ومخرجا، فإنه سبحانه لا يضيع أهل طاعته، ويدافع عن أوليائه.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/854)
تعرفت عليه في الإنترنت وخطبها وليس بينهما تفاهم
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت لمدة سنتين بعيداً عن أهلي (ذقت فيها مرارة الغربة والتعب وتأثرت نظرتي للحياة كثيراً) والآن أعمل في قرية من القرى التي تبعد عن مدينتي بحوالي 150 كم أي: ما يعادل ساعة ونصف ذهاباً، وساعة ونصف إياباً، تدور حياتي في محيط الأسرة والدراسة والعمل، ليس لي صديقات، ولا أزور أقاربي أو معارفي إلا نادراً، وتقريباً لا أخرج من المنزل إلا للضرورة، أو التنزه مع أسرتي أو للذهاب إلى عملي، أو إحدى الدورات، وفي فترة من الفترات اشتركت في نادي صحي مع أمي (وذلك لظروف صحية، وحفاظا على لياقتي) ، تربيت في أسرة على الحشمة والالتزام المتوسط، والمحافظة على الصلاة، وتأدية ما فرضه الله علينا، وبحكم عملي وتغربي ومركزي بين أخوتي (الكبرى) تعودت على الاستقلال والاعتماد على النفس، وعلى احترام الآخرين لرأيي، والداي هما أقرب أصدقاء لي، لا أخفي عنهما أي سرٍّ من أسراري، تعرفت على الإنترنت منذ عام 1422 هـ، اطلعت على كثير من المواقع، وكان هدفي هو تحسين لغتي الإنجليزية، وتطوير طريقة تدريسي لها، وكنت أبحث عن مواضيع مختلفة خاصة بالمرأة والأسرة والحياة الزوجية، قبل ستة أشهر بينما كنت في أحد برامج ممارسة اللغة الإنجليزية جاءتني رسالة خاصة من أحد الأشخاص يريد أن يناقشني في بعض المسائل المتعلقة بتدريس اللغة الإنجليزية والصعوبات التي نواجهها مع الطالبات، خصوصا أنه خريج قسم لغة إنجليزية - ينتظر وظيفته، ويصغرني بعامين - وبعد مقابلتين أو ثلاث في هذا البرنامج، وعن طريق الرسائل الكتابية القصيرة: سألني أسئلة شخصية مثل عمري / مدينتي / عادات أهلي، أخيراً أخبرني أنه يريد خطبتي فأعطيته رقم والدي لمجرد اختبار صدقه، وبالفعل اتصل بوالدي، وبعد أسبوعين – تقريباً - زارنا وأهله، في البداية تردد أهلنا، خصوصا لتحسسهم من طريقة التعارف، ولعاداتنا وتقاليدنا واختلاف الطباع (خاصة أنني حضرية وهو شريف) ، وبعد عدة زيارات من أهله، ومفاوضات مع أهلي: استطعنا أنا وهو أن نجعلهم يتقبلون الموضوع، والحمد لله تعيَّن خطيبي في قرية تابعة لمدينته، وقريبا سيحصل على موافقة من أحد البنوك على قرض بالمرابحة حتى يتم مراسيم ملكتنا وزواجنا، بعد فترة من خطوبتي أصبحنا نتحدث عبر الهاتف (أعرف أننا أخطأنا في هذه النقطة خصوصا أنه لم يتم عقد القران) ومن خلال هذه الأحاديث تعرفنا على بعض بصورة أكبر، ولاحظت عليه عدة أمور: أمور إيجابية: (المحافظة على الصلاة (هذا شيء شجعني للارتباط به، خصوصا أنني رفضت قبله أشخاصاً لسبب وحيد هو عدم الصلاة، أو التهاون فيها (والالتزام وعدم سماع الأغاني) ، (وعدم التدخين أو التعسيل أو التشييش) ، وهذا شيء شجعني للارتباط به خصوصا أنني رفضت قبله أشخاصاً لسبب وحيد هو التدخين، (طيبته وبساطته) ، (وجود أمور كثيرة مشتركة بيننا خصوصا في رأينا حول مواضيع مختلفة) ، (تخصصنا الدراسي) ، (وظائفنا) ، (حتى في الأحلام المستقبلية حول الأسرة والأولاد ومواصلة الدراسة) .
أمور سلبية: أحس أن التزامه لا ينبع من الدين بقدر من تربيته وعادات أهله، وأنه يريد أن يفرض عليَّ أموراً، ليس لأنها من الدين بقدر أن مظهره الاجتماعي كشخص متدين لا يسمح، ونظرته وأهله لي ولأهلي، يظنون أننا غير متمسكين بالدين وغير محتشمين، نساؤنا متسلطات، ومتحكمات يسيِّرن الرجال على أهوائهن - مع أني أرى تقريبا غالب الرجال في العالم يسيرون حسب أراء زوجاتهم، وحتى ولو أظهروا عكس ذلك -، ثم نظرتهم إلينا على أننا أقل منهم في النسب، وأصعب شيء في العلاقة الزوجية إذا احتقر طرف من الأطراف الآخر، أو لم يثق فيه وفي قدرته على القيام بالواجبات في الحياة الزوجية، يريد مني التفرغ له ولأولاده، ووقف حياتي عليهم، والتوقف عن العمل ونسيان نفسي تماما، وطي كل أحلامي في إكمال دراستي، أو تحسين أدائي الوظيفي أو ممارسة أي نشاط آخر، أو حتى الالتحاق بنادي صحي، وإن مارست يكون ذلك كرما منه لأن الوقت الذي أقضيه في تلك الأمور من حقه وحق أولاده!
أنا لست ضد الزواج ولا رعاية الأبناء ولا خدمة الزوج، ولكن أعتقد من حق الزوجة أن يكون لها مساحتها الخاصة.
يرى أن أعمال البيت من واجباتي، وفي حال استقدام خادمة يجب أن تكون على حسابي؛ لأنها تقوم بواجباتي، معترض بقوة على اشتراط والدي للخادمة في عقد القران، ويرى أن ذلك يشوه مظهره أمام أهله، وأن شروطي تعجيزية، معقول بنات القبائل والأشراف ما لهم شروط صعبة ولا طلبات؟ مع العلم أن أهلي لم يشترطوا ذلك إلا خوفا عليَّ من المشاكل التي تقع فيها المرأة العاملة مع زوجها بسبب الخادمة، ولأن الرجال في مجتمعنا تناسوا أن أشغال البيت في الإسلام من مسؤولية الزوج، وهو حر إما أن يؤديها بنفسه أو يستقدم الخدم، وإن قامت بها الزوجة فهو كرم منها وفضل! ، مع العلم أنني لا أحب وجود الخادمة في البيت، فبقليل من التعاون بين الزوجين والأبناء واستخدام وسائل التكنولوجيا، أو المعاونات الخارجية مثل: كوي الملابس عند المكوجي ووضع الأبناء في حضانة فترة العمل يستطيعون الاستغناء عن الخادمة وشرها ومشاكلها، ورجال اليوم ليسوا بأفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله والقيام بأعمال البيت.
يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس، مع أني أخبرته برأيي في هذه الأمور، الأغاني: لا أرتاح لها وسأتركها في أقرب فرصة، مشاهدة الأفلام والتمثيل: لا أرى حرمة لها، بالنسبة للإنجليزية: طريقة للتدرب على سماع اللغة الإنجليزية، أما التمثيل: فلا أتابع غير الهادف والمفيد منها، لبس البنطلونات: فأخبرتك أنني إنسانة عاقلة وأعرف ألبس حسب المكان والمناسبة والأشخاص الذين سأقابل، فأنا في المدرسة وزياراتي الرسمية أو زياراتي لأناس غريبين عني لا أرتديها، ولكن أحب ارتداءها في الإجازات والخرجات خصوصا أنها أستر لي لأني كثيرة الحركة، أما بالنسبة لعباءة الرأس فلا أؤيد لبسها؛ لأنه أساسا لا يوجد شكل معين لحجاب المسلمة، وبحكم تجربتي وجدت أنها لا تناسبني، فالعباءة على الكتف المقفلة من الأمام مع وضع طرحة فضفاضة وتغطية الوجه أفضل لي وأستر، خصوصا لو كنت أحمل أشياء أو أطفال، أو أسير لمسافة طويلة، يرى أن كل الأماكن التي أتنزه فيها مع أهلي (أسواق، منتزهات على البحر، مراكز ترفيهية، حتى الكورنيش) أماكن مختلطة، لا يستطيع أن يأخذني إليها، حاولت تفهم غيرته، ولكني بصراحة قلقة وخائفة من أنه يحبسني في البيت، ولا يكون خروجي إلا لزيارات الأهل والأقارب التي لا أحبها كثيراً، خاصة بسبب ما يحدث بين النساء من غيبة ونميمة وحسد وحقد، يقول: إني لا أعرف كيف أتفاهم معه، وأسلوبي جاف، وكثيراً ما أخطئ في حقه، فأرجوك علِّمني؛ لأني فعلا بدأت أشك في قدراتي، وأشعر بالندم الشديد عندما أراه مجروحاً مني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من عادتنا في الأجوبة على الأسئلة التي تردنا أن ننبه على الأخطاء الشرعية التي تأتي في ثنايا السؤال، وبعضها قد يكون له تعلق في السؤال، وبعضها الآخر ليس كذلك، لكنه من المهم لنا أن نبين للسائل الصواب فيما يرد في كلامه، أداء للنصيحة التي أوجبها الله علينا.
ثانياً:
ويمكن إجمال ما رأيناه من المخالفات الشرعية في السؤال سواء ما يتعلق بالزوجة أو الزوج فيما يأتي:
1. السفر من غير محرم:
وقد فهمنا هذا من خلال قول الأخت السائلة: " والآن أعمل في قرية من القرى التي تبعد عن مدينتي بحوالي 150 كم أي: ما يعادل ساعة ونصف ذهاباً، وساعة ونصف إياباً ".
فإن كان هذا هو الواقع، وأنه لا يسافر معها محرم لها: فلتعلم أنه " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم "، ولا تكفي عصبة النساء – كما يراه بعض العلماء – لتسافر المرأة من غير محرم، ويجب على كل امرأة منهن أن يكون لها محرم.
وانظري تفصيل هذه المسألة في أجوبة الأسئلة: (3098) و (69337) و (45917) و (4523) .
2. المراسلة مع أجنبي في الإنترنت.
وهو ما حصل منكِ مع الرجل الأجنبي عنك، وإذا كان هذا الأجنبي عنكِ قد تقدم للزواج منكِ فإن الآلاف لم يفعلوا مع من أوقعوهنَّ في حبائلهم، وقد تُبنى العلاقة الزوجية التي تقوم على مثل هذه المقدمات على الشك والريبة والتهمة، وبالتالي لا يُكتب للزواج النجاح.
وقد سبق ذِكر تحريم المراسلة بين الجنسين في جواب السؤالين: (26890) و (10221) .
3. القرض الربوي المحتال عليه باسم " المرابحة ":
وقد جاء هذا في قولك عن خطيبك: " وقريبا سيحصل على موافقة من أحد البنوك على قرض بالمرابحة حتى يتم مراسيم ملكتنا وزواجنا ".
وتسمية عامة الناس لهذه المعاملة بـ " القرض " إنما هو تسمية لحقيقتها، وإن احتالت البنوك على الناس بتسميتها مرابحة، إذ حقيقتها اقتراض بفائدة ربوية.
وانظري تفصيل المسألة في جواب السؤال رقم: (36408) .
4. المحادثة أثناء الخطوبة.
قلتِ في سؤالكِ: " بعد فترة من خطوبتي أصبحنا نتحدث عبر الهاتف (أعرف أننا أخطأنا في هذه النقطة خصوصا أنه لم يتم عقد القران) ".
فالواجب الحذر من الخلوة بالمخطوبة، أو الخروج معها، أو التوسع في الاختلاط بها، والحديث إليها، وخاصة في الهاتف، وحيث لا يكون هناك محرم أو رقيب.
وانظري جواب الأسئلة (7757) و (2572) و (20069) لتعلمي حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة.
5. الاشتراط في الزواج:
قولكِ: " معقول بنات القبائل والأشراف ما لهم شروط صعبة ولا طلبات؟ ".
والجواب: نعم، معقول، واشتراط الأمور الصعبة على الزوج مما يساهم في تعقيد الحياة الزوجية، وقد يكون فيها تكليف الزوج ما لا يطيق، فيؤثر ذلك سلباً على نفسيته وحياته وتعامله مع زوجته وأهلها.
ثم إن اشتراط الأشياء الصعبة والطلبات على الزوج لا يدل على رجاحة عقل ولا شرف نسب، وهذه فاطمة رضي الله عنها وهي من أشرف نساء العالمين، وابنة سيد المرسلين لم تَشترط في زواجها شروطاً (صعبة) ، ولا كان فيه كثرة (طلبات) ، وكذا نقول في بنات النبي صلى الله عليه وسلم وبنات أصحابه المشرفات المكرمات نسباً وديناً وعقلاً.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [قصيفة] وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةِ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفُ الْإِذْخِرِ) .
رواه أحمد (644) والنسائي (3384) وصححه الألباني.
وقد جاء في السنة المشرفة ما يدل على خلاف ذلك الظن الذي تظنينه، وهو الترغيب بتيسير الخِطبة، وقلة مؤنة الزواج.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا) .
رواه أحمد (23957) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (2235) .
6. خدمة المرأة لزوجها:
قولكِ: " ولأن الرجال في مجتمعنا تناسوا أن أشغال البيت في الإسلام من مسؤولية الزوج، وهو حر إما أن يؤديها بنفسه، أو يستقدم الخدم، وإن قامت بها الزوجة: فهو كرم منها وفضل! ".
وهذا وإن كان هو قول الجمهور لكنه قول ضعيف مرجوح، وليست خدمة المرأة في بيتها كرماً منها وفضلاً، بل هو واجب عليها ولا شك، وإنما يكون ذلك بحسب قدرتها وطاقتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.
" الفتاوى الكبرى " (4 / 561) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين - حفظه الله -:
قرأت في إحدى الصحف هنا فتوى لأحد العلماء يقول فيها إن خدمة الزوجة لزوجها ليست واجبة عليها أصلاً وإنما عقده عليها للاستمتاع فقط، أما خدمتها له فذلك من باب حسن العشرة، وقال إنه يلزم الزوج إحضار خدم لزوجته لو كانت لا تخدمه أو تخدم نفسها لأي سبب، هل هذا صحيح وإذا كان غير صحيح فالحمد لله أن هذه الصحيفة ليست واسعة الانتشار، وإلا لأصبح الأزواج بعضهم عزابا عندما تقرأ بعض النسوة هذه الفتوى؟ .
فأجاب:
هذه الفتوى غير صحيحة، ولا عمل عليها؛ فقد كانت النساء الصحابيات يخدمن أزواجهن كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر عن خدمتها للزبير بن العوام، وكذا فاطمة الزهراء في خدمة علي رضي الله عنهما وغيرهما، ولم يزل عُرف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور، وكذا في سقي الدواب وحلبها، وفي الحرث ونحوه، كلٌّ بما يناسبه، وهذا عُرفٌ جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير، ولكن لا ينبغي تكليفها بما فيه مشقة وصعوبة، وإنما ذلك حسب القدرة والعادة، والله الموفق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 662، 663) .
وانظري جواب السؤالين: (12539) و (10680) .
7. حكم التمثيل ومشاهدة الأفلام.
قولكِ: " مشاهدة الأفلام والتمثيل: لا أرى حرمة لها ".
ولا شك أن هذا خطأ، وفي الأفلام كثير من المنكرات كخروج النساء سافرات، وقصص الحب والعشق المحرم، وشرب الخمور، والعلاقات المحرَّمة، وإشاعة الجريمة والجرأة على الأخلاق الفاضلة.
وللتفصيل: ينظر جواب السؤالين: (21227) و (13956) .
8. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس ".
أما المعازف والأغاني: فينظر تفصيل الحكم في حرمتهما: أجوبة الأسئلة: (43736) و (5000) و (5011) .
وينظر جواب السؤال رقم (8555) للوقوف على حكم لبس المرأة العباءة على الكتف.
وأما الأفلام والتمثيل: فقد سبقت الإحالة على الأجوبة التي فيها حكمهما.
ثالثاً:
وللإنصاف فقد جاء في سؤالك ذِكر شيء ينكره الخاطب وهو أمر جائز لكِ شرعاً، وهو اشتراط والدكِ عليه الخادمة، كما جاء في قولكِ " معترض بقوة على اشتراط والدي للخادمة في عقد القران ".
لكن لوجود الخادمة في البيت أحكام ومفاسد، فانظري جواب السؤالين: (22980) و (26231) .
رابعاً:
هناك أشياء يطلبها الخاطب وهي صحيحة، ليس لكِ أن تنكري شيئاً منها، ومنها:
1. قولكِ " يريد مني التفرغ له ولأولاده، ووقف حياتي عليهم والتوقف عن العمل ونسيان نفسي تماما وطي كل أحلامي في إكمال دراستي أو تحسين أدائي الوظيفي أو ممارسة أي نشاط آخر، أو حتى الالتحاق بنادي صحي ".
فتفرغ المرأة لبيتها وأولادها وزوجها من أعظم أعمال المرأة، وهو عمل ما يفوق في مدته وعظَم شأنه وحتى تكلفته المادية ما يقوم به الزوج من أعمال خارج المنزل.
وقد كثرت أصوات النساء في الغرب الداعيات إلى الرجوع بالمرأة إلى عملها الذي تحسنه، والذي تحافظ فيه على مروءتها وكرامتها، وهو عمل البيت، والذي لا تكفيها ساعات النهار والليل للقيام به، فكيف إن كانت مفرطة بكثرة الخروج من بيتها للعمل المستمر؟! .
2. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس ".
وقد سبق التنبيه على هذه المسائل.
3. قولكِ " يرى أن كل الأماكن التي أتنزه فيها مع أهلي (أسواق، منتزهات على البحر، مراكز ترفيهية، حتى الكورنيش) أماكن مختلطة، لا يستطيع أن يأخذني إليها) .
وهو صادق في كون تلك الأماكن مختلطة، لكنه يمكنه التحرز عن أماكن الاختلاط في بعضها، واختيار الزمان والمكان المناسبيْن للذهاب إلى تلك الأماكن.
ويجب أن تعلمي أن دافعه في عدم اصطحابك لتلك الأماكن هي غيرته عليكِ، وهو أمر محمود وجوده في الزوج، وليست هي غيرة سيئة كتلك التي يصاحبها التهمة والريبة، بل هي غيرة محمودة ينبغي لك تشجيعه على وجودها وتنميتها فيه، ويمكنك التلطف في طلب اختيار الأماكن المناسبة والأوقات الملائمة لزيارة تلك الأماكن أو بعضها.
وانظري جواب السؤال رقم: (8901) ففيه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة في حكم الذهاب لأماكن الترفيه التي تكثر فيها المنكرات.
خامساً:
وأخيراً:
الحياة الزوجية حياة رائعة، وهي قائمة على التفاهم والانسجام، والله تعالى يجعل فيها بين الزوجين مودة ورحمة من أجل استمرارها وديمومتها.
وإذا رأت المرأة من نفسها أو ممن تقدم لها عدم الانسجام في المواقف والتلاقي في الأفكار: فإن من الأفضل أن تتأنى في إتمام ذلك الزواج، وخاصة إذا حصلت خلافات قبل الدخول، أو حول أمور يصعب على كل من الطرفين أن يتقبل وجهة نظر الآخر فيها، أو يتفهم موقفه، أو يستغني عنها في حياته، فهنا يصبح الإقدام على إتمام ذلك الزواج مخاطرة غير مأمونة.
والذي ننصحك به: هو إصلاح نفسكِ وترك الأفعال المحرَّمة التي نبهناكِ عليها – ولا علاقة لهذا التنبيه بالزواج فهي حرام حتى لو لم تتزوجي -، وبعدها يمكنك التفاهم مع خطيبك على ما يحل لك شرعاً، فإن رضي بهذا التفاهم وانشرح صدره له، وذلَّل العقبات: فلعل الاستمرار في الزواج أن يكون خيراً للطرفين، وإن رضيتِ لنفسك الاستمرار فيما نبهناكِ عليه مما لا يحل لك شرعاً فعله: فإننا لا ننصحه بالتزوج منك، ومن حقه بل من الواجب عليه أن لا يفعل.
واعلمي أن السعادة هي في طاعة الله سبحانه وتعالى، وأن الموفَّق للطاعة يجعل الله تعالى صدره منشرحاً، وإذا وفق الله تعالى الطائع لزواج مبارك وأسرة طيبة: فإنه يكون في جنَّة قبل جنَّة الخلد، فاحرصي على الطاعة، وابحثي عن زوج يرعى حدود الله تعالى، فإن الخير كل الخير لك في الدنيا هو في البحث عن رضا الله تعالى.
وللأهمية: نرجو منكِ النظر في جواب السؤالين: (33710) و (22397) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/855)
رضيت أمها بالخاطب ثم رفضته فهل تأثم إذا تزوجت منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من فتاة ذات خلق ودين ونسب. ووالداي الفتاة مطلقان، وقد تقدمت إلى الفتاة عن طريق ولي أمرها، وقد نلت القبول منه وكذلك أمها، غير أن في قلب أمها شيئاً عليّ لأني تقدمت عن طريق طليقها - ولي أمر الفتاة -. مع الملاحظة بأن أم زوجتي غير مستقرة نفسياً، وقد أخبرني طليقها بذلك وكذلك زوجتي. وفي الفترة التي بين عقد القران والزفاف، كانت أم زوجتي تضيق على زوجتي وتشتمها. لذلك قررنا أن نعجل بالزفاف، وقد استأذنت ولي أمرها بالتعجيل فأذن لي وحدد موعد الزفاف. غير أن موعد الزفاف قد تصادف في يوم تكون فيه أم الفتاة مسافرة. مع علمنا بأنها ستسافر، وقد طالبناها مراراً وتكراراً أن تحدد تاريخ سفرها، ولم تخبرنا إطلاقاً مع علمها بموعد سفرها ورجوعها من السفر. طلبت مني زوجتي تأجيل موعد الزفاف لحين عودة أمها، ولكني رفضت وكذلك ولي أمرها، وذلك لأنه كلما طال موعد الزفاف كثرت المشاكل، وقد تبين لي بأن والدة زوجتي كانت تسعى إلى طلاقي من زوجتي. وتم الزفاف بعدم حضور أم زوجتي وعدد من أخواتها وأخ واحد، إذ قد علمنا في وقت لاحق بأن أمها وأختها الكبيرة كانتا تحرضان إخوة وأخوات زوجتي بعدم الحضور، وقد انقسم إخوة وأخوات زوجتي فريقين، منهم من لم يلق بالاً لهذا التحريض ومنهم أذعن. وبعد الزفاف حدثت قطيعة بين زوجتي وأمها وأخواتها، متهمين زوجتي بعقوق أمها ومتهمين لي بالتحريض على عقوق أمها.
سؤالي: لو فرضنا جدلاً بأن أم زوجتي رفضتني كزوج لابنتها، وولي أمرها موافق وحث ابنته للقبول بي، فهل عدم طاعة زوجتي أمها عقوقاً؟ ماذا لو اختلفت مع أم زوجتي ووجدت زوجتي نفسها في موقف محرج، فأينا تطيع؟ زوجها أم أمها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يبارك لك، وأن يبارك عليك، وأن يجمع بينكما في خير، وأن يرزقكما الذرية الصالحة.
ثانيا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من كون أم الزوجة تعاني من أمور نفسية، وأنها رضيت بك أولا، فليس على ابنتها شيء في مخالفتها، وقبول الزواج منك ما دام وليها راضيا.
وعليها أن تسعى في برها، وأن تجتهد في صلتها، وأن تحسن العلاقة مع أخواتها، ولو أساءوا إليها، فإن الرحم شأنها عظيم، وليس الواصل بالمكافئ، بل الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا:
إذا تعارضت طاعة الوالدين مع طاعة الزوج، فإن طاعة الزوج مقدمة، لعظم حقه على زوجته، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رواه أبو داود (2140) والترمذي (1159) وابن ماجه (1853) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (19025) والحاكم عن الحصين بن محصن: أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: (فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1933) .
ومعنى: " ما آلوه ": أي ما أقصّر في حقه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها. "شرح منتهى الإرادات" (3/47) .
ولكن على زوجتك أن تبر أمها ما استطاعت، ولتكن أنت عوناً لها على ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/856)
ما هو أجر إحسان الزوجين لبعضهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أجر الزوجة الصالحة في دينها عند الله إذا كانت تسعد زوجها، وتحبه، وتصونه، وتدلِّلُه، وتعامله وكأنه طفلها الصغير بكل حنان، وتعمل كل شيء في سبيل سعادته، وتطيعه في كل شيء، ويكون هو سعيدا منها كثيرا، ودائما يدعو لها برضى الله عليها. وما أجر الرجل كذلك إن كان يعاملها نفس المعاملة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى أن يديم عليكما الود والمحبة والسعادة، وأن يملأ بيوت المسلمين بما ملأ به بيتكما من حسن الصحبة والمعاشرة، وأبشرك – أختي السائلة – بالبشارات الكثيرة التي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في بيان أجر الزوجة التي حالها ما ذكرت:
فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفظتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيْلَ لَهَا ادخُلِي مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)
رواه أحمد (1/191) وقال محققو المسند: حسن لغيره. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1932)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلَا أُخبِرُكُم بِرِجَالِكُم فِي الجَنَّةِ؟ قُلنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قال: النَّبِيُّ فِي الجَنَّةِ، وَالصِّدِّيقُ فِي الجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ يَزُورُ أَخَاهُ فِي نَاحِيَةِ المِصرِ لَا يَزُورُهُ إِلاَّ لِلَّهِ فِي الجَنَّةِ، أَلَا أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ؟ قُلنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَدُودٌ وَلُودٌ إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا قَالَت: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ، لَا أَكتَحِلُ بِغِمضٍ حَتَّى تَرضَى)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/206) وقد جاء عن جماعة من الصحابة آخرين، لذلك حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3380) وفي صحيح الترغيب (1942)
وعن حصين بن محصن رضي الله عنه عن عمته:
(أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَقَضَى لَهَا حَاجَتَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوَهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي كَيْفَ أَنْتِ لَهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ)
رواه أحمد (4/341) وقال محققو المسند: إسناده محتمل للتحسين. وقال المنذري: إسناد جيد. وصححه الحاكم في المستدرك (6/383) والألباني في "صحيح الترغيب" (1933)
يقول المناوي في "فيض القدير" (3/60) :
" أي: هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك، وسبب لدخولك النار بسخطه عليك، فأحسني عشرته، ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية " انتهى.
أما البشارة التي جاءت للزوج الذي يحسن صحبة زوجته، فهي أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بكمال الإيمان الموجب لدخول الجنة، وبالأفضلية على سائر الناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا)
رواه الترمذي (1162) وقال حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وانظري جواب السؤال رقم (43123)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/857)
لا تشعر بمتعة الجماع وتخفي على زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أشعر بمتعة الجماع مع زوجي , بحثت على الشبكة فوجدت أن حالتي تحتاج للاستثارة مدة طويلة تصل إلى 30 - 45 دقيقة ولكن زوجي لا يعلم وهو يعتقد أنني أصل إلى النشوة. لدي سؤالان: أنا أشعره أنني أصل إلى مرحلة النشوة حتى لا أزعجه وأفسد متعته فهل هذا يعتبر من الكذب? وإذا سألني هل شعرت بالسعادة أجيب بنعم وأنا في نيتي أني سعيدة لمجرد رؤيته. والسؤال الأهم أنه عند الجماع يثيرني ثم لا أنزل , فألجأ إلى الاستمناء بعدها مباشرة حتى أنزل فهل هذا حرام? أنا أعلم أن الاستمناء حرام ولكنني أعلم أن زوجي لن يساعدني لأنه يتطلب وقتا كبيرا وهو يريد أن يقضي شهوته. ماذا أفعل?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما ذكرت من التظاهر بقضاء حاجتك، لا حرج فيه، بل هذا يدل على ما أنعم الله به عليك من العقل والحكمة وحسن العشرة لزوجك، نسأل الله أن يأجرك على ذلك، وأن يجعله سببا لسعادتك وسعادة زوجك.
وليس من الكذب إخباره بأنك تشعرين بالسعادة، ونيتك أنك سعيدة لمجرد رؤيته.
ثانيا:
الاستمناء محرم، ومنه الكيفية التي ذكرت، فالواجب عليك ترك ذلك، والتوبة مما سبق، وإدراك أن هذا قد يقلل من استمتاعك بزوجك، ويزيد المشكلة التي تعانين منها.
ثالثا:
هذه المشكلة ترجع في الغالب إلى سببين رئيسين:
الأول: عدم إدراك الزوج للمشكلة، أو عدم اهتمامه بحلها، بعد الاطلاع عليها، والذي يظهر من سؤالك أن زوجك حريص على إيصال المتعة لك، ويدرك أن المرأة قد تحرم من ذلك. ولهذا فطريق العلاج هنا هو المصارحة، التي لا تجرح شعوره، ولا تنغص عليه متعته، وربما مع مرور الوقت تتهيأ لك الفرصة لإخباره، بأسلوب مناسب، حتى لا تضطري لارتكاب المحرم، وحتى تنعمي بما أحل الله لك.
الثاني: يرجع إلى طبيعة الزوج أو الزوجة، من جهة قوة الشهوة وضعفها، وهذا له دواؤه وعلاجه، بأمور طبيعية، وبعقاقير، وبالاستعداد النفسي، وبذل الأسباب التي تزيد من الحب والمودة، وأهم ما في الأمر هو رغبة كل من الزوجين في تحقيق الاستمتاع للآخر.
وراجعي السؤال رقم (23390)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/858)
حلفت أن تنفصل عن زوجها فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة وفي الفترة الأخيرة دار بيني وبين زوجي شجار مما أدى إلى انفعالات وأثناء الشجار أقسمت بالله بأني سأنفصل عنه (أي زوجي) لكن بعد ذلك لم يحصل ذلك , أريد منكم ماذا أفعل حتى يصبح ارتباطي بزوجي شرعيا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما حدث من القسم على الانفصال، لا يؤثر على العلاقة الزوجية بينكما؛ لأن الانفصال والطلاق بيد الزوج لا بيد الزوجة، فلو أن المرأة أتت بلفظ الطلاق الصريح لم يترتب على ذلك شيء.
وينبغي أن يحسن كل منكما للآخر، وأن تتجنبا الحديث عن الانفصال مطلقا؛ لأن الزوج قد يثيره تصريح الزوجة بذلك، فيوقع الطلاق، وهذا ما يريده الشيطان، ويسعى إليه؛ ليمزق شمل الأسرة، ويهدم البيت، كما أن شعور أحد الزوجين بكراهة الآخر للبقاء معه، شعور مؤذٍ للنفس، مكدر للعيش، فينبغي اجتناب ذلك ما أمكن.
وأما إقسامك على الانفصال عن زوجك , فالأحسن لك العدول عن ذلك , لأن الطلاق مكروه لله تعالى، والأفضل لك البقاء مع زوجك , وعليك كفارة يمين.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم (1650) .
وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وانظري جواب السؤال رقم (45676) .
نسأل الله أن يؤلف بينك وبين زوجك وأن يجمع بينكما على الخير والهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/859)
حكم التخيلات الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجنا مند 3 سنوات ونصف، هو طيب جدّاً، متدين جدّاً، ونعبد الله معا ما استطعنا، والحمد لله، المشكلة بدأت معي من أول الزواج , كان لابد له أثناء الجماع أن يحكي لي قصصا جنسية، وأنا أتخيل؛ لأني لم أكن أستطيع أن أقضي وطري بدونها، وحتى أشبع لابد أن أتخيل، المشكلة عندي للآن، وأحس بتأنيب ضمير بعد كل جماع، تلاحقني التخيلات وأنا معه حتى أنتهي - لا أتخيلني مع شخص آخر أبداً أبداً , فقط أناس لا أعرفهم - أخبرته بهده المشكلة، ولم يغضب , لكن أنا أحس بنوع من الخيانة , ماذا أفعل؟ أفيدوني أرجوكم، وما حكم الشرع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التخيلات الجنسية جزء من الخواطر التي تطرأ على ذهن الإنسان بسبب ما يستدعيه العقل الباطن من صورٍ مختزنةٍ أوحتها له البيئة التي يعيش فيها، والمناظر التي يراها، وهي تخيلات تصيب أغلب الناس، وخاصة فئة الشباب، لكنها تختلف من شخص لآخر من حيث النوع والإلحاح والتأثير.
والشريعة الإسلامية شريعة الفطرة، جاءت منسجمةً مع الطبيعة البشرية، وملائمةً للتقلبات النفسية التي جعلها الله سبحانه وتعالى جزءا من التكوين البشري، فلم تتعد حدود الممكن، ولم تكلِّف بما لا يطاق.
يقول الله سبحانه وتعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُُسْعَهَا) البقرة/286، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ) رواه البخاري (2528) ومسلم (127) .
قال النووي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث:
وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه: فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه.
" الأذكار " (ص 345) .
والتخيلات العارضة تدخل في دائرة حديث النفس المعفو عنها بنص الحديث السابق، فكل من تصورت في ذهنه خيالات محرمة، طرأت ولم يطلبها، أو حضرت قَسرًا ولم يَستَدْعِهَا: فلا حرج عليه، ولا إثم، وإنما عليه مدافعتها بما يستطيع.
ثانياً:
وأما إذا كان الشخص يتكلف التخيلات المحرمة، ويستدعيها في ذهنه، فقد اختلف كلام الفقهاء في تكييف هذه الحالة، وهل هي داخلة في دائرة العفو أو في دائرة الهم والعزم المؤاخذ به؟
والمسألة يذكرها الفقهاء بالتصوير التالي:
لو أن رجلا وطئ حليلتَه متفكِّرا في محاسن أجنبيَّةٍ، حتى خُيِّلَ إليه أنَّه يطؤُها، فهل يحرم ذلك التفكر والتخيُّل؟ اختلفت في ذلك أقوال الفقهاء:
القول الأول: التحريم، وتأثيم من يستحضر بإرادته صُوَرًا محرَّمَةً ويتخيلها حليلته التي يجامعها.
قال ابن عابدين الحنفي – رحمه الله -:
والْأَقْرَب لقَوَاعِد مَذهَبِنَا عَدمُ الحِلِّ، لأَنَّ تَصَوُّرَ تلك الأَجنبِيَّةِ بَينَ يَدَيْهِ يَطَؤُهَا فيهِ تَصويرُ مُبَاشَرةِ المَعصِيَةِ عَلى هَيئَتِهَا.
" حاشية رد المحتار " (6 / 272) .
وقال الإمام محمد العبدري المعروف بابن الحاج المالكي – رحمه الله -:
ويتعين عليه أن يتحفظ في نفسه بالفعل، وفي غيره بالقول، من هذه الخصلة القبيحة التي عمَّت بها البلوى في الغالب، وهي أن الرجل إذا رأى امرأةً أعجبته وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها.
وهذا نوع من الزنا؛ لما قاله علماؤنا رحمة الله عليهم فيمن أخذ كُوزا يشرب منه الماء، فصوَّرَ بين عينيه أنه خمر يشربه، أن ذلك الماء يصير عليه حراما.
وما ذُكر لا يختص بالرجل وحده، بل المرأة داخلة فيه، بل هي أشد؛ لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج أو النظر من الطاق، فإذا رأت من يعجبها تعلق بخاطرها، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني، نسأل الله السلامة منه.
ولا يقتصر على اجتناب ذلك ليس إلا، بل ينبه عليه أهله وغيرهم، ويخبرهم بأن ذلك حرام لا يجوز.
" المدخل " (2 / 194، 195) .
وقال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
ذكر ابن عقيل وجزم به في " الرعاية الكبرى ": أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورةَ أجنبيَّةٍ محرَّمَةٍ أنَّه يأثم، ... أما الفكرة الغالبة فلا إثم فيها.
" الآداب الشرعية " (1 / 98) .
ودليل هذا القول: ما يرجحه طائفة من أهل العلم من أن خواطر النفس إذا أصبحت عزيمة وإرادة دخلت في دائرة التكليف، والتخيلات المحرمة التي يجلبها الذهن بإرادته انتقلت من دائرة العفو؛ لأنها أصبحت هَمًّا وعزيمة يحاسب عليها المرء.
قال النووي – رحمه الله -:
وسبب العفو (عن حديث النفس) ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما.
" الأذكار " (345) .
القول الثاني: الجواز، وأنه لا حرج على من فعل ذلك: وهو قول جمع من متأخري الشافعية: منهم السبكي والسيوطي.
قالوا: لأن التخيلات ليس فيها هم ولا عزم على معصية، إذ قد يتخيل في ذهنه أنه يباشر تلك المرأة الأجنبية وهو مع ذلك ليس في قلبه عزم على فعله والسعي إليه، بل قد يرده لو عرض عليه.
جاء في " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " (7 / 205، 206) - وهو من كتب الشافعية -:
" لأنه لم يخطر له عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدمة له، فضلا عن العزم عليه، وإنما الواقع منه تصور قبيح بصورة حسن " انتهى.
وانظر " الفتاوى الفقهية الكبرى " (4 / 87) .
والذي يبدو أن الراجح القول بكراهة ذلك التخيل إن لم نقل بالتحريم، وذلك للأسباب التالية:
1. أن كثيراً من المتخصصين النفسيين يعدون التخيلات الجنسية اضطرابا نفسيا إذا سيطرت على عقل الإنسان بحيث تفقده كل لذة تأتي من غير طريق تلك التخيلات، وذلك قد يفضي إلى تخيلات جنسية غير سوية.
2. أن الشريعة الإسلامية جاءت بقاعدة سد الذرائع، ومنع كل باب يفضي إلى الشر، وإفضاءُ التخيلات الجنسية إلى الوقوع في المحرمات أمر متوقع، فإن مَن أَكثَرَ مِن تصور شيء وتمنيه لا بد وأن تحفزه نفسه إلى الحصول عليه، والسعي إلى الاستكثار منه، فيبدأ بالتطلع إلى الصور المحرمة، وتعتاد عيناه على مشاهدة المحرمات، سعيا لتحقيق الشبع الذي أصبح مرتبطا بتلك التخيلات.
3. أن غالب تلك التخيلات إنما تجتمع في الذهن بالأسباب المحرمة، عن طريق فضائيات الرذيلة، ومشاهدات الواقع المتحلل من كل خلق في بلاد الكفار، حيث ينعدم الحياء وتصبح مناظر ممارسة الجنس عادةً يومية يعايشها من يسكن في بلادهم ويخالطهم في أعمالهم.
4. وأخيراً قد تفضي كثرة تلك التخيلات إلى زهد الزوجين ببعضهما، فلا تعود الزوجة محل نظر الزوج، كما لا يعود الزوج محل إقبال الزوجة، وتبدأ حينئذ رحلة المعاناة والمشاكل الزوجية.
ولذلك كله، فالنصيحة لكل من ابتلي بمثل تلك التخيلات أن يسارع إلى إيقافها والتخلص منها، ويمكنه الاستعانة بالوسائل التالية:
1. الابتعاد التام عن كل ما يثير تلك التخيلات من الأفلام والمشاهد المحرمة التي تعرضها الفضائيات، والابتعاد عن قراءة القصص التي كانت السبب في تولد تلك التخيلات، وقد سبق في موقعنا الحديث عن حرمة قراءة تلك القصص الجنسية، فانظري جواب السؤال رقم (34489) .
قال الغزالي في " إحياء علوم الدين " (1 / 162) :
" وعلاج دفع الخواطر الشاغلة: قطع موادها، أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر " انتهى.
2. المحافظة على الأذكار الشرعية، وخاصة تلك التي تقال قبل الجماع (الَّلهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيطَانَ مَا رَزَقتَنَا) رواه البخاري (141) ومسلم (1434) .
3. الانشغال باللذة الحاضرة عن اللذة الغائبة، فإن في كل من الزوجين ما يغني الآخر عن التطلع إلى الحرام، فإذا انشغل الزوجان بمحاسن بعضهما واستغرقا في ذلك لم تنصرف الخيالات إلى شيء آخر.
4. تصوري لو كان خيال زوجك يجول في مثل ما تجولين فيه، هل ستكونين راضية عن ذلك؟ ألن يشعرك ذلك بعدم الرضا؟ فكيف ترضين أنت أن تصيبي زوجك بمثل هذا الشعور، فاحرصي على استغلال هذه الفكرة للتخلص مما تجدين.
5. استشارة المختصين النفسيين، فلا حرج عليك أن تراجعي الطبيبة النفسية أو الأسرية وتطلبي نصيحتها في حالك، وستجدين عندها ما يساعدك إن شاء الله تعالى.
وأسأل الله لك ولزوجك التوفيق والسعادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/860)
إذا جامع ولم ينزل وجب الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[في حال حصول جماع ولم يتم القذف (خروج المني) هل يجب على كلاهما الاستحمام؟ وفي حال لم يصلا للشهوة هل يجوز استعمالهما العادة السرية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا حصل الجماع بإدخال الحشفة (رأس الذكر) في الفرج، فقد وجب الغسل على الرجل والمرأة، وإن لم ينزل المني، لما روى البخاري (291) ومسلم (348) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ) زاد مسلم (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/131) : " واتفق الفقهاء على وجوب الغسل في هذه المسألة , إلا ما حكي عن داود أنه قال: لا يجب " انتهى.
ثانيا:
يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته، وللمرأة أن تستمتع بزوجها، كيفيما شاءا، إذا اتقيا الحيضة والدبر، ومن ذلك أن يستمني بيدها، أو تستمني بيده، فهذا داخل في الاستمتاع المأذون فيه بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون/5،6.
وأما أن يستمني الرجل بيده، أو المرأة بيدها، فهذا اعتداء محرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (329) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/861)
زوجها ضربها وأخذ مالها فهل تدعو عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ 43 عاماً، وزوجي لم يكن عنده أي طموح، وكنت دائماً أعمل معه، وكان عصبيّاً، ويضربني ضرباً لا أستطيع حتى الآن أن أسامحه؛ كان يمسك رأسي ويضربه بالحائط، ويحضر على التلفزيون حلقات المصارعة فتكون النتيجة أن أتلقى ما تعلمه، وبقيت كذلك حتى سافرنا للهجرة على أساس أني أنا النحس وسنصير أغنياء، المهم خلال تحضيرنا للسفر توفى والدي، وكان قبلها قد كتب لي زوجي نصف البيت الذي نعيش به؛ لأنه كان يأخذ مني بطريق الحيلة كل ما كان أبي يعطيني إياه، ولم أستطع أن أبوح لأهلي لأني حاولت مرة، وأمي ضربتني وأرجعتني إليه لأن البنت قبرها عند زوجها، والمهم بعد سنة رجع للبلاد بعد أن خسر كل شيء مما أخذه من البلاد، وفضلت أن أعمل حتى وفيت ثمن البيت، وفي بلادي استغل الوكالة التي أجبرني أن أعملها له وأخذ كل المال وصرفه في تجارة لا يفهمها، مع العلم أن أخواتي اشتروا بيوتاً لأولادهم من أرباح أموالهم لأن والدي توفى منذ 20 عاماً، والآن هو لا يعترف بهم ويقول: إن نصف البيت كتبه لي لقاء أموالي، مع أنني لا أريده، فماذا أفعل به - وأنا قضيت شبابي وحياتي في العمل - الآن؟ . أرجو أن تساعدوني، أحس أن الله ليس معي، مع أن الله مع المظلومين. دائما أتعرض إلى إهانته، مع العلم أن والدي كان من كبار التجار وهو تاجر، ولكن زوجي كان مع إخوته شركاء وافترقوا، ومن وقتها لا يعرف يشتغل، والآن لا أستطيع مسامحته، ودائما أدعو عليه، فهل هذا حرام؟ وهل لا يجوز الدعاء؟ وهل ربنا سبحانه وتعالى يحاسبنا - مع أنني لم أقصر -؟ وتعرض لحادث سيارة، ومدة ثلاث سنوات خدمته ولما عرف أنني أريد مالي قال إنه لم يعد يتحملني ويريد أن يطلقني، أفيدوني، ووالله لم أذكر إلا بعض قليل مما جرى معي، ولكم الأجر والثواب، زوجي أمام الناس يصلي ويصوم ويعبد الله والكل يحترمه، ولكن أي مشكلة بيننا يحاربني عدة أيام، أكاد أجن، ولم أعد أحتمل حتى وجوده، مع العلم أننا نسكن لوحدنا، وكل الأولاد تركونا، لم أعد أتحمل الصمت، أرجوكم أفيدوني بإجابة تساعدوني فيها أن لا أفقد إيماني فأنا أحس أني بحاجة إلى شحنة إيمان أستعيد بها توازني، والله الموفق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جعل الله تعالى خَلْق الزوجة من آياته العظيمة، وأخبر أن من عظيم حِكَم اقتران الأزواج المودة والرحمة والسكن بينهما، وأوجب عز وجل معاشرتهن بالمعروف، وكل ذلك مسطَّر في القرآن الكريم يعرفه المسلمون جميعاً.
قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وقال عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً) النساء/19.
وقد أذن الله تعالى بضرب الزوجة كما في قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) النساء/ 34، وكما في قوله عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع -: (وَلَكُم عَلَيْهنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ، فَإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضْرِبُوهنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّح) رواه مسلم (1218) .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) .
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا تُقَبِّحْ: أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ.
رواه أبو داود (2142) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي الآية والحديثين بيان لشروط ضرب الزوجة، فهو يكون بعد فشل الوعظ والهجر، ويكون غير مبرِّح، فلا يكسر عظماً ولا يُحدث عاهة، بل القصد منه التأديب، كما لا يجوز أن يضرب الوجه، ولا أن يصاحب الضربَ شتم وقذف وسب للزوجة أو أهلها، وهذا كله في حال أن يكون سبب الضرب شرعيّاً كأن تترك الزوجة واجباً أو تفعل محرَّماً.
ولا شك أن ما فعله الزوج هو الغاية في السفه والحمق – إن كان ما تقولينه حقّاً – كما أنه مخالف للشرع مسبِّب للإثم، فمن ذا الذي يقول بجواز ضرب رأس الزوجة بالحائط، أو تطبيق فنون المصارعة عليها؟! .
ثانياً:
ويتحمَّل أهلك – وخاصة أمك - كثيراً من المسئولية تجاه ما حدث لك من زوجك، إذ الواجب أن يكون بينهم وبينكِ ثقة ومصارحة، وكان الواجب عليهم أن يسمعوا منكِ ولا يرجعونك لزوجك إلا بعد أخذ العهود والمواثيق عليه أن لا يسيء معاملتك، وأن يعطيك حقوقكِ كافة.
ثالثاً:
وأما دعاؤك على زوجك: فقد شُرع لنا الدعاء على الظالم، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتسبب أحد بدعوة مظلوم عليه، وأخبر أن دعوة المظلوم مستجابة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) رواه البخاري (1425) ومسلم (19) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) . رواه الترمذي (1905) وابن ماجه (3862) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1655) .
أخيراً:
فإننا نسأل الله تعالى أن يُعظمَ لك الأجر على صبرك واحتسابك، واعلمي أن الله تعالى ينصر المظلوم ويستجيب دعاءهم، ولك الحق في طلب مالكِ منه، ولك الحق في طلب الخلع؛ لما تسببه الحياة معه من ضرر وأذى لكِ، لكن هذا لا يكون بفتوى إنما بحكم قاضٍ شرعيٍّ يسمع منك ومنه، فإن ثبت له بعض ما تقولين فإنه يرجع الحق لك، ويعطيك الخيار في مخالعته مع إعطائك كامل حقوقك، لذا لا تترددي في رفع أمرك للقضاء الشرعي.
نعم، إن الطلاق والفرقة آخر ما يفكر المرء فيه في حل المشكلات الزوجية، والكيّ آخر الدواء، لكن استعمال الكي خير من الهلاك، أو استفحال الداء.
ورجل – كهذا – بعد رحلة العمر، وكثرة البذل، ولم ينصلح حاله، فمتى ينصلح!!
فلتكن راحة قلبك واجتماع شملك على الله هو شغلك الأول، وعلى أساسه تقررين ما يصلحك مع الله.
ونحن لا نملك إلا أن نسدي لك النصح ونبين لك عظيم الأجر على الصبر والتحمل، ونملك أن ندعو الله تعالى لكِ أن ييسر أمرك ويفرِّج كربك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/862)
تريد مساعدة زوجها في شئون الزواج وأخواتها يرفضن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23، مخطوبة، وأريد أن أساعد خطيبي في متطلبات الزواج حتى يتم الزواج في أسرع وقت؛ لأن حالته المادية غير متيسرة، وأخواتي لم يوافقن، مع العلم بأني سوف أساهم من أموالى الخاصة، فهل هذا جائز، أم الواجب أن يقوم بمتطلباته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنتِ في نيتك مساعدة زوجك حتى يتم إكمال زواجه منكِ، وهو أمر تُشكرين عليه، ويدل على دينٍ متين وعقل راجح ومروءة بالغة.
وإعانتك لزوجكِ في إتمام زواجه إعانة على دينه وإيمانه، وهذا من أعظم الطاعات، وهو أمر محمود في شرع الله تعالى، وهو من أعظم مصارف المال.
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ، لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ، فَقَالَ: أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ.
رواه الترمذي (3094) ، وابن ماجه (1856) وعنده: (تُعِينُ أَحَدَكُم عَلَى أَمْرِ الآخِرَة) ، والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشيخ المباركفوري – رحمه الله -:
(وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) أي: على دينه، بأن تذكِّره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات، وتمنعه من الزنى وسائر المحرمات.
" تحفة الأحوذي " (8 / 390) .
ولا شك أن الزواج يعين الرجل على الطاعة، ويصده عن المحرمات من النظر والسماع، ويمنعه من الوقوع في الزنا.
هذا من حيث المبدأ العام، لكن ينبغي أن تراعى بعض الأمور، منها:
1- جدية الرجل في أمر الزواج والسعي لتحصيل تكاليفه فإن بعض الناس يركن إلى هذه المسألة، ويعتمد عليها، ولا يجدّ في تحصيل ما هو مطلوب منه.
2- إذا كان الخاطب جاداً وكان لديه بعض تكاليف الزواج ويعجز عن قيمتها فلا مانع من مساعدته في بعض ما يحتاج، كأن تشارك الزوجة في شراء بعض الأثاث أو الأجهزة، أو في تكاليف العرس.
3- الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يعقد عليها، فلا يحل له أثناء الخطبة أن يخلو بها أو يصافحها أو يخرج منعها، بل هو كغيره من الأجانب. انظري السؤال رقم (2572)
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى، وأن يرزقكما ذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/863)
زوجها لا يشبع رغبتها الجنسية فتلجأ للاستمناء
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الجماع لا يحدث إشباع للشهوة بيني وبين زوجي وفي بعض الأحيان بعد انتهاء الجماع أستمني بيدي دون علم الزوج وهذا يحصل في بعض الأحيان فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاستمناء باليد وغيرها، على الرجل والمرأة، لأدلة تجدينها في جواب السؤال رقم (329) .
وللزوجين أن يستمتع كل منهما بالآخر، كيفما شاءا إذا اتقيا الحيضة والدبر، فلا حرج أن تستمني بيده، أو العكس.
ثانيا:
ما ذكرت من عدم حدوث الإشباع لك، علاجه هو المصارحة والتفاهم مع الزوج، والتهيؤ النفسي من الطرفين، وشعورهما بالمسئولية والرغبة في تحقيق السعادة والسكن والمودة. وكثير من الأزواج يغفلون عن حق المرأة في الاستمتاع وقضاء الوطر، وهذا ينشأ غالبا عن الجهل بحال المرأة واختلافها عن الرجل في هذه العملية، والمصارحة، ومحاولة العلاج، وقراءة الكتب المختصة في هذا الجانب، لها دور كبير في التصحيح إن شاء الله، كما أن المرأة إذا اعتادت الاستمناء قد يصدها ذلك عن زوجها، ولا تشعر بالرغبة في الجماع، أو لا يكون كافيا في إشباعها، وهذا أحد مضار الاستمناء التي يذكرها أهل الاختصاص.
وراجعي السؤال رقم (23390) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/864)
خروج المرأة لزيارة والديها وأقاربها بدون إذن الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي في زوجة تركت بيت الزوجية لتعيش في بيت بالإيجار مع بعض أولادها تفاديا لضرب الزوج لها بسبب مرضه النفسي الشديد؟ مع العلم بأن تأجير البيت كان بعلم الزوج، وقد مضى على هذا الحال سنة وخمسة أشهر؟!!
وما حكم خروج الزوجة للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب، وعادة ما يكون خروجها للمناسبات برفقة أحد بناتها أو أولادها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان خروج الزوجة من بيتها، وسكنها في بيت آخر بإذن زوجها، فلا حرج في ذلك، إذا انتقلت إلى مكان تأمن فيه على نفسها وأولادها، وكذلك إذا كان خروجها اضطرارا، تفاديا لضرب زوجها الناتج عن مرضه النفسي الشديد.
والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، فإن خرجت دون إذنه، كانت عاصية ناشزا، تسقط نفقتها، وتأثم بذلك. لكن يستثنى حالات الاضطرار، وقد مثّل لها الفقهاء بأمثلة، منها إذا خرجت للطحن أو الخبز أو شراء ما لا بد منه، أو خافت من انهدام المنزل، ونحو ذلك. "أسنى المطالب مع حاشيته" (3/239) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/271) : " (ويحرم خروجها) أي الزوجة: (بلا إذنه) أي: الزوج (أو) بلا ضرورة كإتيانٍ بنحو مأكل ; لعدم من يأتيها به " انتهى.
ومن هذا يعلم حكم خروجها للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب، فلا تفعل ذلك إلا بإذنه، سواء كانت تسكن معه، أو في بيت مستقل.
واختلف الفقهاء في زيارة الزوجة لوالديها خاصة، هل للزوج أن يمنعها من ذلك، وهل يلزمها طاعته.
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من ذلك.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر.
قال ابن نجيم (حنفي) : " ولو كان أبوها زمِنا مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير. وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/212) .
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/549) : " وفي العُتْبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها، ويُقضى عليه بذلك، خلافا لابن حبيب. ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى.
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها. "الموسوعة الفقهية" (29/294) .
وقال ابن حجر المكي (شافعي) : " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ أو حمام خرجت بإذن زوجها غير متبرجة، في ملحفة وثياب بذلة، وتغض طرفها في مشيتها، ولا تنظر يمينا ولا شمالا، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/78) .
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/239) : " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه " انتهى.
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47) .
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/362) : " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق ".
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء": " ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها؟
فأجابت: لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، لا لوالديها ولا لغيرهم؛ لأن ذلك من حقوقه عليها، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165) .
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين: ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: " أتأذن لي أن آتي أبوي ". البخاري (4141) ومسلم (2770) .
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها: {أتأذن لي أن آتي أبوي:} فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان فلا تحتاج فيه إلى إذنه كما وقع في هذا الحديث " انتهى.
ومع ذلك فإن الأولى للزوج أن يسمح لزوجته بزيارة والديها ومحارمها، وألا يمنعها من ذلك إلا عند تحقق الضرر بزيارة أحدهم، لما في منعها من قطيعة الرحم، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته، ولما في زيارة أهلها وأرحامها من تطييب خاطرها، وإدخال السرور عليها، وعلى أولادها، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة.
وأما ما جاء في السؤال من أن خروجها يكون برفقة أحد بناتها أو أولادها، فننبه هنا إلى أن المكان الذي تحتاج في وجودها فيه إلى محرم، لا يكفي فيه مجرد وجود الولد أو البنت الصغيرين، بل لا بد من محرم تتحقق بوجوده المصلحة الشرعية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(ذكر أهل العلم أن من شرط المحرم أن يكون بالغا عاقلا؛ فإذا بلغ الرجل خمسة عشر عاما، أو نبت له شعر العانة، أو أنزل المني باحتلام أو غيره، فقد بلغ، وصح أن يكون محرما إذا كان عاقلا..) [فتاوى علماء البلد الحرام ص (1121) ] .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/865)
أخبرت زوجها بماضيها فساءت العلاقة بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ مدة وقد أخبرت زوجي بأمر كنت أخفيته في نفسي، فعندما كنت صغيرة قام خالي بالتحرش بي فطلب زوجي الانفصال، لا أدري، لم ألام أنا، وقد كنت غير قادرة على حماية نفسي، ولا أدري ماذا يجري، غير أني كنت أشعر أن هناك شيئا غير صحيح، وكنت أخاف إخبار والدي بذلك لأني صغيرة فخشيت أن يتمكن من إلصاق المسئولية بي أنا، مما يجعلني أتعرض لمشاكل.
ومع مناقشة الأمر مع زوجي تفهم أن التحرش لم يكن بتلك الدرجة، وأنه تزوجني بكراً، لكنه يريد مني إخبار أهلي حتى لا يتكرر ذلك مستقبلا مع أي شخص آخر، لكني أعلم أن ذلك سيؤدي إلى حدوث مشاكل كثيرة ومنها: قطع الرحم.
أنا أشعر أني أخطأت لأني كشفت الأمر، لكني فعلت، زوجي لا يزال لا يسامحني على عدم إخباري له بالأمر قبل زواجنا.
لا أعرف كيف أتصرف أو أفعل مع زوجي؟ هل أبتعد قليلاً وأتركه يتعامل مع الموضوع؟ كلما طلبت منه أن يسامحني قال إن شاء الله، لا أدري ماذا يعني بذلك؟ لقد لاحظت أن التحدث إليه أصبح صعبا، وكأنه منزعج ولم يعد عنده ثقة، أنا أحب زوجي كثيرا كما أني لا أريد أن أتسبب في مزيد من الأذى.
أرجو أن تساعدني في فعل الشيء الصحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج أن يخبر بعضهما البعض بماض؛ ليس لهم فيه ناقة ولا جمل، ولِمَ تفضي الزوجة لزوجها بما سلف معها, بما لا علاقة للزوج فيه أبداً؟!
ماض ولى وراح بما فيه فلِمَ يذكر من جديد؟! وينبش من قبره، وتنفخ فيه الروح، ويبعث، ويتحدث فيه؟!
هذا الماضي يجب أن يبقى حبيس الصدر؛ لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
يجب على الزوجين أن يبدآ حياتها الزوجية على أسس متينة من التقوى والطاعة , والحب المتبادل، وأن يعرف كل منهما حقوق الآخر، حتى يحققا الغاية من الزواج التي ذكرها الله في قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وبعض الأزواج يظن أن هذه المصارحة علامة إيجابية على حسن العشرة والعلاقة بين الزوجين، غير أن هذا الظن خاطئ، أثبت الواقع عدم صحته، وأن هذه الصراحة قد تكون سبباً لإفساد العلاقة بين الزوجين.
وكيف تكون هذه الصراحة التي توصل إلى ذلك محمودة، والرسول صلى الله عليه وسلم رخص في كذب الرجل على أهله، وكذب المرأة على زوجها مما يكون سبباً لزيادة الألفة والمحبة بينهماً!
فهناك أشياء لا حرج على كل من الزوجين من كتمانها عن الآخر، بل قد تكون هذه هي الحكمة، لأن إظهارها قد تحصل منه مفسدة، مع أنه لا مصلحة ترجى من إظهارها.
أختي السائلة:
إن لكل من الزوجين أسراراً قبل الزواج , وأحوالاً خاصة , يجب المحافظة على سريتها , والبقاء عليها مدفونة مخبوءة, لا يعلمها إلا الله، والتوبة منها إن كانت معاص.
نعم، عليهما المصارحة فيما بينهما فيما له علاقة بحياتهما الزوجية, وفيما يخص تربية الأولاد، وكيف يحافظان على ذلك , ووضع الخطط لإنجاح حياتهما الزوجية , وإيصال سفينة الحياة إلى بر السلام.
لقد أخطأت في إخبار زوجك بذلك، وها أنت تعانين نتائج هذا الخطأ.
ومن الحكمة الآن أن لا يخبر أهلك أو غيرهم عن الموضوع بشيء, لأن الموضوع قد فات وقته, ومضى عليه زمن بعيد، وقد يثمر إخبارهم عن خلق عداوات كبيرة, أنتم في غنى عنها.
والنصيحة لزوجك أن يتفهم الموضوع , ويعيه بدقة , وخاصة أنك كنت غير واعية لمثل هذه الأمور، وأن الأمر لم يكن كما تصوره، يجب أن يفهم ذلك زوجك، ولا يقوم بتدمير بيته بيده، ويعاقبك على تصرف بدر منك منذ سنوات طويلة، مع أنك لا تستحقين اللوم عليه لأنك كنت صغيرة، ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكما ويجمع بينكما في خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/866)
زوجته أسلمت ويؤذيها ويسيء لها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل هاجر إلى بلاد أوروبا وتزوج من نصرانية وأنجب معها طفلة للحصول على الإقامة، وعاش السنين الأولى في الظلمات، وكان يعتدي على زوجته وابنته وكأنهم ليسو بأسرته، اعتنقت زوجته الإسلام بعد هداية من الله، ولكن حالته هو لم تتغير فلا يزال يزني ويرتكب المعاصي ولا ينفق في بيته مالاً ولا طعاماً، يعيش على نفقة زوجته بالقوة، والمسكينة صابرة على كل الظلم لأن لها أطفالاً آخرين ولا تريد تخريب بيتها، راجيةً من الله أن يهدي زوجها. أهل المرأة يرون الإسلام والأجانب السبب في هلاك ابنتهم، هل لكم من نصيحة أو طريقة قد ترد هذا الرجل إلى الصواب؟ وما حكم الإسلام في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هدى هذه الأخت للإسلام، ونسأله تعالى أن يثبتها على الحق، وأن يهديها للصواب في الأقوال والأفعال.
وما ذكرته الأخت الكريمة هو صورة لمحنة الإسلام ـ إن صح التعبير ـ مع أهله، أهله الذين انتسبوا إليه، ثم خالفوا أحكامه وآدابه؛ ثم لو كانت المخالفة في ديار الإسلام، حيث يكون الدين ظاهرا، وأهله الذين هم أهله معروفون؛ فلا يؤاخذ أحد بجريرة غيره، ولا يطعن في الإسلام بإساءة من أساء، لو كان ذلك لهان الأمر، لكن تعظم المصيبة حين يكون المرء من هؤلاء في الغرب، ويعيش بين الكفار، ويعتبرونه صورة لدينه، وممثلا لأخلاقه وآدابه وأحكامه، ثم هو يعيش في حياته كما يعيش من حوله من اليهود والنصارى، لا يبالي بحرام ولا حلال.
قال الأوزاعي رحمه الله: كان يقال: ما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام، فمن استطاع ألا يؤتى الإسلام من ثغرته فليفعل.
وقال الحسن بن حي رحمه الله: إنما المسلمون على الإسلام بمنزلة الحصن؛ فإذا أحدث المسلم حدثا ثُغِر في الإسلام من قبله؛ فإن أحدث المسلمون كلهم فاثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله، بالأمر الذي أراده من خلقه، لا يؤتى الإسلام من قبلك!!
" السنة لمحمد بن نصر المروزي رقم (29، 30)
وإنه ليحز في نفس كل مسلم أن تتعرض الأخوات المسلمات اللاتي دخلن في الإسلام حديثاً إلى الإيذاء والضرر القولي والبدني من أناسٍ يُفترض بهم أن يكونوا صورة حسنة عن الإسلام، وعن الأسرة المسلمة والتي تتميز بالاستقرار والمودة والرحمة بين أفرادها، وللأسف أن يكون من بين المنتسبين للإسلام مثل هذا الزوج الذي كان قدوة سيئة ومنفِّراً عن الإسلام ومسبِّباً له الطعن والتشويه.
وإن كان من أفعال هذا الزوج ترك الصلاة: فلتعلم الأخت الفاضلة أنه لا يحل لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة في الشرع كفرٌ مخرج عن الملة، وبه يصير العقد مفسوخاً، ومثل هذا الزوج ليس أهلاً لأن يكون ربَّ أسرة يؤتمن فيها على زوجته وذريته، بل إنه يُخشى عليهم من سوء أفعاله، وإذا كان لا ينفق عليهم النفقة التي أوجبها الله تعالى عليه: فإنه يكون قد جمع الشر كلَّه في أفعاله وصفاته، والبقاء معه عبءٌ ثقيل تتحمله الزوجة من غيرِ داعٍ، ولو أنها تتخلص منه بالطلاق والفراق لكان خيراً لها وأفضل، ولعل حياتها أن تتغير للأحسن إما وحدها مع أبنائها أو مع زوجٍ آخر يعرف للأسرة قيمتها، ويؤدي الرسالة التي أوجبها الله تعالى عليه.
وعلى الأخت الفاضلة إن كانت ترجو هداية زوجها وصلاحه أن تسعى لذلك عن طريق أصدقائه أو أقربائه الذين يمكن أن يكون لهم تأثيرٌ عليه لتقويمه وهدايته، ويمكنها الاستعانة بالأشرطة السمعية والمرئية في المواعظ والترهيب من اقتراف المعاصي، والتذكير بالموت والقبر والحساب، فلعلَّ ذلك أن يؤثِّر فيه ويرجع لربه تبارك وتعالى.
فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً فلا ينبغي لها التردد في رفع أمرها لقاضٍ مسلم أو مفتٍ أو إمام مسجد يوثق بعلمهم ودينهم ليخلصوها منه، فإن لم تستطع فلترفع أمره لمن يخلصها منه من المسئولين عن حماية الأسرة أو القضاء أو غيرهما من مؤسسات الدولة، وهو إن كان تاركاً للصلاة فعقدها مفسوخ معه، وإن كان مرتكباً لتلك المعاصي مع أدائه للصلاة: فلتسلك الطريق الشرعي في التخلص منه عن طريق عالم أو طالب علم أو مركز إسلامي لإلزامه بالنفقة على أهله مع ترك المعاصي والمنكرات، فإن أبى فليطلقوها منه وفقاً للشرع، ولتسلك بعدها الطريق الرسمي للتخلص منه بصفته زوجاً.
ولتحرص هذه الأخت الفاضلة على الانتقال لبلاد الإسلام والمسلمين فإنها – على ما فيها من مخالفات للشرع – خيرٌ من بلاد الكفر والمجون، والتي لا يستطيع المسلم طلب السلامة لنفسه ولا لأولاده فيها.
ونسأل الله تعالى أن يُعظم لها الأجر، وأن يهديها ويوفقها وذريتها لما فيه رضاه عز وجل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/867)
زوجان يتشاجران كثيراً وتضربه فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي نتشاجر كثيراً، وتضربني هي بكل قوتها، أحيانًا أكون أنا الغلطان وأحياناً هي، ماذا نفعل حيال هذا؟ الحمد لله أنا أقوى فهي لا تؤذيني، ونحن زوجان سعيدان والحمد لله، آخر مرة ضربتني، وهممت أن أضربها لكني الحمد لله لم أفعل، وأنا لم أضربها منذ تزوجنا والحمد لله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ندري ما هي السعادة التي تعنيها أخي السائل؟ ولا ندري كيف تلتقي سعادتكما مع كثرة التشاجر وضرب الزوجة لكِ؟! .
ومما لا شك فيه أن ضرب المرأة لزوجها يدل على خراب هذا البيت وعدم صلاحيته لتربية الأولاد؛ إذا كيف سيربي الوالد أولاده وهم يرونه يُضرب من قبَل أمهم؟! .
وعلى كل حال: إذا أردتَ صلاح بيتك، وصلاح حال زوجتك: فلا بدَّ أن تعرف سبب لجوء زوجتك للعنف، ولا بد من علاجها.
وقد ذكر المختصون أسباباً لعنف الزوجة، ومنها:
1. أن يكون عنفها بسبب رد فعل منها تجاه عنف زوجها، وهذا السبب غير موجود – حسب الحال في سؤالك – في حياتك، فأنت تقول أنك لا تضربها.
2. وقد يكون عنف زوجتك بسبب طفولتها السيئة، والتي قد تكون تعرضت فيها لعنف من والديها أو أحدهما أو من أحد إخوتها.
3. وقد يكون عنف الزوجة بسبب ضعف شخصية الزوج، وهذا له أسباب كثيرة؛ فقد يكون زوجها لا يعمل، وتكون هي العاملة والمتحملة لمسئولية البيت، فتدفعها شخصيتها المتحكمة للطغيان على شخصيته الضعيفة.
وقد تكون الزوجة جميلة؛ فتدل عليه بجمالها، وهي تعلم شدة تعلقه بها، وقلة صبره عنها، فستغل ذلك لبسط سلطانها عليه وعلى بيته.
وقد تكون صاحبة جاه: من نسب وشرف، أو قوة أسرة، أو ما شابه ذلك، ولا يكون هو كذلك، فتستقوي عليه , وتستعلي عليه بما عندها، لا سيما إذا واكب ذلك ضعف طبيعي في شخصية الرجل وقوامته في بيته.
4. وقد يكون عنف المرأة بسبب تأثيرات ما تقرؤه أو تشاهده أو تتعاطاه، فقد تكون متأثرة بالنساء القويات، أو أنها تقرأ حكاياتهن، أو يوسوس لها شيطانات الإنس بأن هذه الطريقة المناسبة لوقف الزوج عند حدِّه، أو أنها قد تكون تتعاطى المخدرات والمسكرات.
وفي ظننا أن السبب الثاني والثالث هما المحتملان بقوة لعنف امرأتك، فإذا عرفتَ السبب فلا بدَّ من معالجته بالحكمة واللطف، وتذكيرها بعظيم حقك عليها، وواجبها تجاهك، وتذكرها بعقوبة التعدي عليك باللسان واليد، وتنبيهها على أن فعلها سيسهم في فشل تربيتكم لأولادكم، وقد تنعكس شخصيتها على بعض بناتها.
فإن لم تجدِ هذه الطريقة: فيجوز لك استعمال الشدة معها، فإذا جرأها عليك حلمك عليها، ولينك معها، فلعل شدة عليها، وإغلاظك لها، يردعها عن ذلك.
وأيا ما كانت هذه الشدة، بالقول، أو بالهجر، أو بالضرب غير المبرح، فهي كلها وسائل متاحة لك لتقويم عوج زوجك، وإظهار القوامة بمعناها الكامل، والقِوامة تعني ظهور شخصيتك في البيت والإنفاق على البيت، ولا حرج عليك من ضربها إن تعدَّت حدودها، وأطالت لسانها، أو مدت يدها لضربك.
وعليك أخي السائل أن تبتعد عن إثارتها واستفزازها، فقد تؤذيها ببعض كلامك، وليس عندها من الدين والعقل ما يمنعها من إطالة لسانها أو يدها عليك، واعلم أن مرضها هذا يحتاج منك لصبر وحكمة في التعامل معها.
والواقع أن استعلاء المرأة على زوجها، وتخطيها لحق القوامة الواجب له، هو من الشذوذ الذي يصيب بعض النساء، وقبول الرجل لذلك هو ـ أيضا ـ نوع من الشذوذ الذي يصيب بعض الرجال، فيتنازل عن جزء لا يتجزأ من رجولته وقوامته، وهو وضع يجب تعديله وإصلاحه، ولا يجوز الاستمرار عليه، لا سيما إذا كان هناك أولاد يرون ذلك.
إن ما أشرت إليه ـ أيها السائل ـ من أنك تتشاجر أنت وامرأتك كثيرا، هو مربط الفرس ـ كما يقولون ـ في مشكلتكم؛ فإن الزواج هو عقد بداية للمحبة والمودة والسكن، والمشاجرات هي سعي ـ ولو ببطء ـ لفض تلك الشركة، وإنهاء السكن والمحبة:
فَإِنّي وَجَدتُ الحُبَّ في الصَدرِ وَالأَذى إِذا اِجتَمَعا لَم يَلبث الحُبُّ يَذهَبُ
وانظر جواب السؤال رقم (41199) لتقف على تفاصيل حكم ضرب الزوجة.
ونسأل الله تعالى أن يهديها ويصلح بالها، وأن يعينك على الصبر على أذاها، وأن يوفقك لإصلاحها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/868)
اختلفت مع زوجها وذهبت إلى بيت أهلها لمدة ثلاثة أشهر
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث خلاف مع زوجتي وخرجت من البيت وسكنت عند ابنتها ولم تتحدث معي رغم محاولاتي الكثيرة ثم حضر والداها وأخذاها معهم بدون الرجوع لي أو التفاهم معي فيما حدث أو محاولة الصلح والآن لها ثلاثة أشهر بدون اتصال أو سؤال عن أولادها فما الحكم هل هي لا تزال زوجتي أو تعتبر طالقا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مما ينبغي أن يعلم أن من أهم الأسباب التي ينتج عنها وجود المشكلات بين الزوجين والتي قد تتطور حتى تصل إلى حال سيئة جداً؛ عدم معرفة حقّ كل واحد من الزوجين على الآخر.
وقد جاء الإسلام بتقرير هذه الحقوق وإلزام كل من الزوجين بها وحثهما عليها كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228، فنصت الآية على أن كل حق لأحد الزوجين يقابله واجب للآخر يؤديه إليه، وبهذا يحصل التوازن بينهما مما يدعم استقرار حياة الأسرة، واستقامة أمورها، قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: أي: " لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن "، وذكر القرطبي: أن الآية تعم جميع حقوق الزوجية.
فمن تلك الحقوق: غض الطرف عن الهفوات والأخطاء: وخاصة التي لم يقصد منها السوء في الأقوال والأعمال وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحتمل صاحبه فلكل إنسان زلة، وأحق الناس بالاحتمال من كان كثير الاحتكاك بمن يعاشر. وعلى كل طرف ألا يقابل انفعال الآخر بمثله، فإذا رأى أحد الزوجين صاحبه منفعلاً بحدة فعليه أن يكظم غيظه ولا يرد الانفعال مباشرة، ولذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته: إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب. وتزوج إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله عباسة بنت المفضّل أم ولده صالح، فكان يقول في حقها: " أقامت أم صالح معي عشرين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة ".
ومن أعظم الحقوق: أن ينصح كل منهما قرينه بطاعة الله عز وجل، وقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) رواه أحمد (21358) والترمذي (3094) وهو في صحيح الجامع (5231) .
ثم لا ينبغي للرجل أن يبغض زوجته إذا رأى منها ما يكره؛ لأنه إن كره منها خلقاً رضي خلقاً آخر، فيقابل هذا بذاك، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَا يَفْرَكْ – أي: لا يبغض - مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (1469) .
ومن أعظم ما يعين على صفاء العيش بين الزوجين حسن الخلق، ولذا رفع الإسلام من شأنه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي (1162) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ومن المعاشرة بالمعروف: التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء إلا في حقوق الله عز وجل.
ثانيا:
خروج زوجتك من البيت دون إذنك، وغيابها هذه المدة، لا يعني طلاقها، بل لا تزال زوجة لك، ولا تطلق إلا بتطليقك لها.
ولكن هذا الخروج يعد نشوزا، تأثم به، ويُسقط حقها في النفقة، ما لم تكن معذورة في خروجها، بسبب إيذاء أو ظلم منك وقع عليها، لكن استمرارها في البقاء خارج البيت كل هذه المدة، وبعدها عن زوجها وأولادها، خطأ لا تقر عليه، ولا ينبغي لأهلها إعانتها على ذلك، وهذا البعد من أكبر ما يستعين به الشيطان على هدم البيوت، وإيغار الصدور، وإلقاء العداوة في القلوب، ولهذا كان الرجل العاقل، والأسرة المتبصرة بالعواقب، لا ترضى بهذا البعد، بل تسعى لجمع الشمل، والجلوس للتفاهم، وحل المشاكل في جو من الألفة والمودة وحفظ المعروف والعشرة التي بين الزوجين.
ولهذا فنصيحتنا لك أن تتصل بزوجته، وأن تعظها وتذكِّرها بالله تعالى، وبما أوجب عليها من حق تجاه زوجها وأولادها، فإن لم تُجْدِ هذه النصيحة، فاستعن في ذلك بأهل الخير والصلاح من أقاربها ومن تعرف.
ونصيحتنا للزوجة أن تتقي الله تعالى، وأن تحذر من عصيان زوجها وإغضابه وإيثار أهلها على مصلحة بيتها وأولادها.
وينبغي أن يدرك الزوجان أن العناد والتمسك بالرأي لا يحل المشاكل التي بينهما، بل يزيدها سوءا وتفاقما، وأن صاحب النفس الكبيرة هو الذي يسعى للصلح، ويقدر أهمية اجتماع الشمل، فلتكن أيها الزوج صاحب هذه النفس، وليحملك ذلك على طلب الصلح والتفاهم لحل المشكلة، ولن يزيدك ذلك إلا رفعة عند الله تعالى، وعند خلقه كذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (َمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم (2588) .
فبادر بالاتصال والسؤال وإبداء الرغبة في جمع الشمل وإصلاح البيت، ولن يضيع أجرك عند الله.
نسأل الله لكما التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/869)
هل من حقوق الزوجة أن يكون لها مسكن خاص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سكنى الزوجة مع والدي الزوج مع وجود مكان كافٍ وعدم وجود غير المحارم ينافي حقوق الزوجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من حق الزوجة على زوجها توفير مسكن آمنٍ لها، ويختلف هذا المسكن باختلاف قدرة الزوج وسعته، فالغني يوفِّر ما يليق به، والفقير لا يجب عليه إلا بقدر ما أعطاه الله تعالى.
ولا يجوز للزوج أن يُسكن مع زوجته أحداً تتضرر بوجوده معها كأمِّه أو أبيه أو أبنائه من غيرها، فإن كان أحد والديه محتاجاً له، وهي لا تتضرر بوجوده: فننصح الزوجة بأن تتقي الله في هذا المحتاج، وعليها أن تعلم أن برَّها بوالدي زوجها هو من حسن عشرتها له، والزوج العاقل يحفظ هذا لزوجته، ويؤدي بعلاقتهما إلى مزيد من الارتباط والمودة والمحبة.
وإن أمكن الزوج أن يجعل بيتاً لوالديه، وبيتاً لزوجته، ويقربهما من بعضهما: فهو فعل حسنٌ، ويكون بذلك قد أعطى كل ذي حق حقَّه، ولم يتسبب في قطيعة ولا خلافات.
وقد فصَّلنا القول في حق المرأة في المسكن في جواب السؤال رقم (7653) فلينظر.
ومن رأى المشاكل والخلافات التي تدب في البيوت وبين الزوجين بسبب سكن المرأة مع أهل زوجها أو العكس، علم أن الحكمة فيما قال العلماء، من حق المرأة في السكن المنفرد، ولكن إذا رضيت المرأة بالسكن مع أهل زوجها إحساناً لعشرة زوجها، وبراًّ بوالديه لاسيما مع حاجتهما للخدمة، فلا حرج عليها ولها الثواب والأجر من الله تعالى على هذا الإحسان إن شاء الله، ولكن لتوطن نفسها على الصبر والتحمل. والله المستعان، وعليه التكلان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/870)
اشترط أهل زوجته أن يصبح غنيا حتى يرجعوا إليه زوجته وبنته
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشاكل كثيرة مع أهل زوجتي، تزوجت ابنتهم ظانا بهم أنهم متشبثون بدينهم، فتبين لي تشبثهم بالعادات والتقاليد. وكانوا يأخذون مني زوجتي بالقوة وأنا مستضعف في هذه الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولدت عندهم وهم الآن لا يريدون أن يرجعوا لي ابنتي ولا زوجتي إلا بشروط أن يكون لي غنى فاحش. مع العلم أنهم خيروا زوجتي أن تذهب معي ويسخطوا عليها. أو أن تبقى معهم إلى أن أصبح غنيا. زوجتي تعرف أنني على حق وهم على باطل ولكنها اتبعت سبيلهم. ماذا علي أن أفعل شرعا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليس للزوجة أن تخرج من بيت زوجها دون إذنه، وليس لأهلها أن يعينوها أو يحرضوها على ذلك؛ لما في خروجها وعدم عودتها من عصيان زوجها، والتمرد عليه، مما يجعلها ناشزاً.
وأخذهم لابنتك ظلم آخر، واشتراطهم أن يكون لك غنى فاحش، حتى يعيدوا لك زوجتك، ظلم فوق ظلم، ولا حق لهم في شيء من ذلك، فمتى ما قبلوا بالزواج وتم العقد وبذل الزوج المهر، وجب تسليم الزوجة إلى زوجها، فكيف وقد كانت معه وأنجبت منه!
وأنت لم تذكر شيئا عن حالتك المادية، وهل تجد ما تنفقه على أهلك أم لا؟ وهل أنت معسر بالنفقة، أم لديك ما يكفيك وأهلك؟
فإن جمهور الفقهاء على إن إعسار الزوج بنفقة زوجته، مسوغ للفرقة بينهما إذا طلبت الزوجة ذلك، وأما إذا رضيت به ولم تطالب بالفرقة، فليس لأحد أن يفرق بينهما.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (5/254، 29/58) .
ثانيا:
ينبغي لك فعل ما يلي من الخطوات في سبيل إرجاع أهلك:
1- إصلاح ما بينك وبين الله تعالى، ليصلح ما بينك وبين الناس.
2- سؤال الله تعالى أن يكف عنك الظلم، وأن يكفيك شر كل ذي شر.
3- التفاهم والتناصح فيما بينك وبين أهل زوجتك، والتعرف على حقيقة موقفهم، فقد يكون لهم أسباب أخرى غير مسألة الغنى.
4- توسيط أهل الدين والصلاح والرأي، لنصحهم، وبيان خطر الظلم والتسلط الذي يمارسونه عليك.
5- رفع الأمر إلى القضاء، ليتولى إرجاع أهلك وبنتك إليك.
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/871)
يحادث النساء ويشاهد الصفحات الماجنة على الإنترنت وزوجته تنكر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج من امرأة محافظة ولله الحمد، ومؤذن بأحد المساجد، ولكن أضيع وقتي على الإنترنت بما لا فائدة فيه، وأحيانا يغويني الشيطان وأنظر في برامج ماجنة، وأيضاً أحادث بعض النساء محادثة صوتية، وأحيانا يغلبني النوم وأنام عن الصلوات المكتوبة، وعندما تنصحني زوجتي أتضايق منها وتصير بيننا مشاكل، وأتوب إلى الله من كل ما فعلت ثم أرجع مرة أخرى، وتنصحني زوجتي ثم تصير المشاكل مرة أخرى.
فبماذا تنصحونني؟ وماذا تفعل زوجتي تجاهي؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن وقتك يضيع مع الإنترنت فيما لا فائدة فيه، مع ما يجرك إليه من الإثم والمعصية، بمشاهدة البرامج الماجنة، ومحادثة النساء الأجنبيات، والنوم عن الصلاة المكتوبة، والإهمال في عملك، فلا خير لك في دخول الإنترنت، بل يحرم عليك دخوله والحال ما ذكرت، فإن من قواعد الشريعة المعتبرة: سد الذرائع المفضية إلى الفساد، فكل وسيلة تفضي إلى الحرام فهي محرمة.
وما ذكرته عن حالك مع الإنترت فيه عبرة وعظة لغيرك، ممن يتهاون في هذه المسألة، فيترك العنان لنفسه أو لأهله وأولاده، فلا يفيق إلا بعد فوات الأوان.
ونحمد الله تعالى أن رزقك زوجة صالحة تذكّرك وتعينك على الخير، وأن بصّرك بخطورة ما أنت واقع فيه. وسؤالك هذا يدل على الخير الذي في قلبك، فإن القلب الحي هو الذي تؤلمه جراحات المعصية، وكما قيل: فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
ثانيا:
الواجب عليك أن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فات، ومقاطعة الإنترنت مقاطعة التامة، فإن الوقت أنفس ما يملك الإنسان، والوسائل التي تفضي إلى الحرام يتعين تركها والانكفاف عنها. واشغل نفسك بقراءة القرآن وحضور مجالس العلم، وصحبة الصالحين، وستجد ما تقر به عينك من السعادة والفرح والرضى وانشراح الصدر، فإنه ما أصلح عبدٌ ما بينه وبين خالقه إلا أصلح له كل شيء.
وراجع السؤال رقم (26985) و (49670)
ثالثا:
ينبغي أن تشكر زوجتك، وتحسن صحبتها، وتزيد في إكرامها، فنصحها لك، وإنكارها عليك، دليل على صدق محبتها، وكونها صالحة تقية تخاف الله تعالى.
وعليها أن تستمر في نصحك، وأن تعينك على التخلص من هذا الإثم والبعد عنه لتسلم حياتكما.
نسأل الله تعالى لكما التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/872)
علمت أن زوجها كان متزوجاً قبلها فطالبته بالطلاق والتعويض
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت متزوجا بنصرانية, ثم طلقتها وتزوجت مسلمة دون أن أخبرها بزواجي الأول وهي لم تسألني قبل الدخول هل كنت متزوجا أم لا؟ بعد الدخول بمدة طرحت علي هذا السؤال فأجبتها بما كان, فثارت وقالت: إنني خدعتها وطلبت الطلاق وألحت فقبلت رغم كرهي لذلك. وهي الآن تطالبني بتعويضات مالية, فهل لها في شرع الله المطهر من حق وما هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يلزم الزوج إخبار من يريد الزواج منها بكونه تزوج قبلها أو لا، إلا في حال سؤالها ورغبتها في معرفة ذلك.
ثانيا:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إليه من سوء عشرةٍ، وحصول ضررٍ ونحو ذلك؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وكون زوجها قد تزوج قبلها وأخفى ذلك، لا يعد مسوغا لطلب الطلاق، وعليه فالواجب عليها أن تتقي الله تعالى، وأن تتوب إليه، وأن تعدل عن هذه المطالبة.
وينبغي أن تنصح لها، وأن تختار من أهلك أو أهلها من يسعى لإقناعها.
ثالثا:
إذا حصل الطلاق، فإن حق الزوجة هو أخذ المهر المؤجل، إن كان، والنفقة عليها فترة العدة إن كان الطلاق رجعياً، ولا شيء لها فوق ذلك.
وليس هناك ما يسمى بالتعويض مقابل ما تظنه خداعا لها.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/873)
أصر على أن تخرج زوجته لصلاة العشاء والتراويح ويجلس هو بابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[أصر زوجي علي لأصلي صلاة التراويح وأن يبقى هو مع طفلتنا وبعد إلحاح منه ذهبت للصلاة وبقي هو معها، ما حكم صلاتي وبقائه معها؟ مع العلم أنه لم يصل العشاء جماعة لبقائه مع الطفلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال في أصح أقوال أهل العلم، لأدلة كثيرة سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (120) .
وصلاة التراويح سنة مؤكدة، وينبغي على الرجال فعلها جماعة في المسجد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (45781) .
ثانيا:
صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا عام يشمل صلاة التراويح وغيرها، وراجعي السؤال رقم (3457) .
وعلى هذا، فما قام به زوجك عمل مستغرب لأنه ترك الواجب عليه وهو صلاة العشاء جماعة في المسجد، ثم ترك سنة لا ينبغي التفريط فيها، وهي صلاة التراويح جماعة في المسجد أيضاً، كل ذلك من أجل أن تقومي أنتِ بشيء غاية الأمر أنه جائز وليس واجباً ولا مستحباً.
ولكن لعله لم يكن يعلم بوجوب الصلاة في الجماعة وفعل ذلك إكراماً لكِ، فجزاه الله خيراً على إحسانه إليك، لكن عليه ألا يعود إلى ذلك في المستقبل، وليكن إحسانه إليكِ: أن يمكنكِ من فعل الصلاة في البيت ويصرف عنك الشواغل من الأولاد وغيرها.
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/874)
الوطء في الدبر محرم ولو بحائل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من وطئ امرأته في دبرها وهو يرتدي الواقي الذكري، فلا يصل لامرأته شيء من مائه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوطء في الدبر من الكبائر التي جاءت الشريعة بتحريمها والتغليظ فيها.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (1103) .
والوطء المحرم هو تغييب حشفة الذكر (رأس الذكر) في الدبر بحائل أو بغير حائل، ولو لم ينزل، فإن الحكم معلق بالإدخال والتغييب، وليس بالإنزال أو المباشرة.
قال السيوطي رحمه الله "الأشباه والنظائر" (458) :
" لا فرق في الإيلاج بين أن يكون بخرقة أو لا " انتهى.
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على حرمة إتيان الحائض ولو كان بحائل.
جاء في "أسنى المطالب" (1/100) ومثله في "تحفة المحتاج" (1/390) من كتب الشافعية:
" وكذا يحرم وطؤه في فرجها (أي: الحائض) ، ولو بحائل " انتهى.
ولم نقف بعد البحث على خلاف بين أهل العلم في هذا الحكم، فإن نصوصهم في تحريم إتيان الدبر مطلقةٌ، شاملةٌ ما إذا كان بحائلٍ أو بغير حائلٍ.
فلا يجوز إتيان الدبر مطلقا، سواء كان بحائل أم بغير حائل، ومن فعله فعليه التوبة والاستغفار، والعزم على عدم العود لمثل ذلك، ولا يجوز للزوجة أن تستجيب لزوجها إن طلب منها ذلك، فإن أصر عليه فلها حق طلب الطلاق عند القاضي، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال شيخ الإسلام: "وَمَتَى وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ وَطَاوَعَتْهُ عُزِّرَا جَمْعِيًّا ; فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِيَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ; كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَمَنْ يَفْجُرُ بِهِ " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (32/267) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/875)
تصدق الزوجة من مال زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعطيني راتبه كله لأتصرف فيه كيفما أشاء، فهل يجوز لي أن أتصدق منه دون أخذ إذن منه بذلك؟ مع العلم أنه إذا علم سوف يكون راضيا إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا كانت تعلم رضاه بذلك، وينبغي أن تكون صدقتها بالشيء اليسير الذي تعلم أن زوجها يرضى به، أما الصدقة بالمال الكثير فلابد من إذن الزوج بذلك.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَنفَقَتِ المَرأَةُ مِن بَيْتِ زَوجِهَا غَيرَ مُفسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثلُهُ بِمَا اكتَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أَنفَقَت، وَلِلخَازِنِ مِثلُ ذَلِكَ، مِن غَيرِ أَن يَنتَقِصَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا) البخاري (1425) ومسلم (1024) .
وعن أسماء رضي الله عنها أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يَا نَبِيَّ اللهِ، لَيسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيرُ، فَهَل عَلَيَّ جُنَاحٌ أَن أَرضَخَ مِمَّا يُدخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: إِرضَخِي مَا استَطَعتِ، وَلا تُوعِي فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيكِ) رواه البخاري (1434) ومسلم (1029) .
الرضخ هو العطاء اليسير. كذا في "فتح الباري" (3/301) .
وقال النووي في "شرح مسلم" (7/113) :
" الإذن ضربان:
أحدهما: الإذن الصّريح في النّفقة والصّدقة.
والثّاني: الإذن المفهوم من اطّراد العرف والعادة، كإعطاء السّائل كسرة ونحوها ممّا جرت العادة به، واطّرد العرف فيه، وعلم بالعرف رضا الزّوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلّم ...
واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة، فان زاد على المتعارف لم يجز، وهذا معنى قوله: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة) فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/81) :
"الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها، والأجر بينهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً) متفق عليه " انتهى.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"أمَّا أن تتصدق من مال زوجها، وهو لا يمنع من ذلك، وعرفت من زوجها ذلك، فلا مانع، أما إذا كان زوجها يمنع من ذلك فهذا لا يجوز" انتهى.
"المنتقى" (4/سؤال 197) .
وانظري جواب السؤال رقم (47705) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/876)
هل يحرم الزواج بامرأة لا تنجب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قد مضى على زواج والدتي ووالدي 25 عاما، وقبل 3 أعوام تزوج والدي من أرملة هندوسية وجعلها تسلم، ومنذ ذلك الحين ونحن نعاني المشاكل في البيت، المذكورة لها طفلان من زوجها الأول المتوفى، والمسألة أن الزوجة الثانية كانت تعمل في نفس المكان الذي عمل فيه والدي، وكانت الشائعات تتحدث عن أن والدي كان على علاقة معها ثم تزوجها لاحقا، ولا يعلم صحة ذلك إلا الله، المذكورة كانت تعرف بأنها امرأة ذات سمعة ليست إلى تلك الدرجة كما أنها ترتدي ملابس مثيرة، حتى بعد مضي ثلاث سنوات على زواجها فلا تزال السمات الإسلامية لا تظهر عليها وهي لا تزال ترتدي ملابس مثيرة جدّاً، وقد أجرت عملية تعقيم بعد أن وضعت طفليها من زوجها الأول، وعليه: فإن والدي قد تزوج - على علم - من امرأة لا تنجب، والموضوع هو: هل الزواج صحيح حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الزواج بالمرأة التي لا يمكنها الإنجاب؟ وإذا كان الجواب بنعم: فما الحكم في طفليها اللذين منحا اسمين إسلاميين وهما يدرسان في مدرسة إسلامية داخلية؟ وكيف يجب أن يكون موقفي تجاه والدتي، وأيضا تجاه هذه المسألة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاء في سؤالك أن والدك تزوج من أرملة هندوسية وجعلها تسلم , فإن كان العقد قد تم عليها وهي هندوسية ثم أسلمت بعد ذلك فنكاحها باطل , وعلى والدك أن يعيد العقد مرة أخرى لأن الله تعالى حرم على المسلم أن يتزوج مشركة حتى تسلم , قال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) البقرة/221 , وإن كان العقد قد تم عليها بعد إسلامها فالعقد صحيح.
ثانياً:
ولا يجوز لوالدك أن يتزوج امرأة على تلك الصفات التي ذكرتِ، وقد رغَّب الشرع المطهَّر باختيار ذات الدِّين، ولبسها الملابس المثيرة يمنع المسلم من هذا الاختيار، فالواجب عليكم نصح والدكم بالتي هي أحسن أن يوجهها نحو الالتزام بأحكام الإسلام، ومن ذلك: أمرها بالحجاب، والالتزام بالأخلاق الفاضلة.
ثالثاً:
رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم بنكاح المرأة الولود، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ , إِنِّي مُكَاثِرٌ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أحمد (12202) .
وصححه ابن حبان (3 / 338) والهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 474) .
وقال شمس الدين آبادي رحمه الله:
" (الودود) أي: التي تحب زوجها.
(الولود) أي: التي تكثر ولادتها، وقيد بهذين لأن الولود إذا لم تكن ودوداً لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولودا لم يحصل المطلوب وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهن، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض " انتهى.
" عون المعبود " (6 / 33، 34) .
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التزوج من العقيم، فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ) رواه النسائي (3227) وأبو داود (2050) .
وصححه ابن حبان (9 / 363) والألباني في " صحيح الترغيب " (1921) .
وهذا النهي ليس للتحريم، وإنما على سبيل الكراهة فقط، فقد ذكر العلماء أن اختيار الولود مستحب وليس واجباً.
قال ابن قدامة في "المغني":
" ويستحب أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة " انتهى.
وقال المناوي في "فيض القدير" (6/حديث 9775) :
" تزوج غير الولود مكروه تنزيهاً " انتهى.
وكما يجوز للمرأة أن تتزوج من الرجل العقيم، فكذلك يجوز للرجل أن يتزوج من المرأة العقيم.
قال الحافظ في "الفتح":
" أما من لا ينسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه (يعني النكاح) إذا علمت المرأة بذلك ورضيت " انتهى.
رابعاً:
وأما تسجيل أسماء زوجة أبيك بأسماء إسلامية، وإدخالهم في مدارس إسلامية: فهما أمران طيبان يُشكر عليهما والدك، وتغيير الأسماء القبيحة أو الأعجمية إلى أسماء عربية وإسلامية أمر محمود حسَن، وانظري جواب الأسئلة (23273) و (14622) و (12617) .
وإدخالهم في مدارس إسلامية وسيلة لتعرفهم على الإسلام الصحيح والاقتناع به، ونرجو أن يكونوا مسلمين صالحين.
خامساً:
ويجب عليك برَّ أمكِ ورعايتها والعناية بها، وانصحيها بأن تعطي والدكِ حقه، ولا يجوز لها مخالفة أمره إلا أن يأمرها بمعصية الله تعالى، وعليك أيضاً بنصيحة زوجة والدكِ ودلالتها على الخير، وكذا أولادها احرصي عليهم وأعينيهم على التعرف على الإسلم والقيام بأحكامه.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أسرتكم، وأن يهديكم لطاعته، ويعينكم على حسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/877)
ظاهر من امرأته، وحلف أن لا يجامعها حتى يرضى
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث خلاف مع زوجتي وحلفت أن لا أجامعها إلا بعد أن أرضى وقلت إنها مثل أختي حتى أرضى ولم تكن عندي أي نية للطلاق أو غيره ولكن للتهديد ولكي تشعر بخطئها. وبعد أن هدأت الأنفس بعد عدة أيام جامعتها فهل علي أي ذنب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا حلفت ألا تجامع زوجتك إلا بعد الرضى عنها، ولم تجامعها فعلا حتى رضيت، فلا شيء عليك في هذه اليمين لأنك لم تحنث.
ثانيا:
قولك لزوجتك: أنت مثل أختي حتى أرضى، هو من الظهار الذي حرمه الله تعالى وسماه منكرا وزورا، وإن كان لفظ " مثل أختي " ليس كلفظ: " ظهر أختي " لكن مع وجود نية الظهار، أو مع وجود قرينة تدل على الظهار، فهو ظهار. ومن القرينة: أن يقع ذلك حال الخصومة أو الغضب، كما بين ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/6) . وأما إذا لم تكن نية ولا قرينة فإنه لا يكون ظهارا.
ثالثا:
قولك: " أنت مثل أختى حتى أرضى " ظهار مؤقت إلى حصول الرضى، وعليه: فإن جامعت زوجتك قبل الرضى لزمتك كفارة الظهار، وإن جامعتها بعد الرضى فلا شيء عليك.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ويصح الظهار مؤقتا، مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي شهرا، أو حتى ينسلخ شهر رمضان. فإذا مضى الوقت زال الظهار، وحلّت المرأة بلا كفارة، ولا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة. وهذا قول ابن عباس وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأبي ثور، وأحد قولي الشافعي. . . لحديث سلمة بن صخر، وقوله: ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصابها في الشهر، فأمره بالكفارة. ولم [ينكر] عليه تقييده " انتهى من "المغني" (11/68) باختصار.
ومثّل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله للظهار المؤقت بقوله: " وهذا ربما يجري ويحصل من الإنسان أن يغضب من زوجته لإساءة عشرتها فيقول: أنت علي كظهر أمي كل هذا الأسبوع، أو كل هذا الشهر، أو ما أشبه ذلك، فهذا يصح ظهارا، وليس معنى قولنا: " إنه يصح " أنه يحِل، بل المعنى أنه ينعقد. فإذا مضت المدة التي وقّت بها الظهار وجامعها بعد مضي الوقت لا تجب الكفارة؛ لأن المدة انتهت فزال حكم الظهار. فإن وطئ الزوج زوجته في الوقت الذي وقّت فيه الظهار وجبت عليه الكفارة، وإن فرغ الوقت ووطئ بعد الفراغ زال الظهار " انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (5/593) باختصار.
رابعا:
الواجب عليك أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه من إقدامك على هذا المنكر، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) المجادلة/2.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/878)
حكم تقبيل الزوجة في الطريق أمام الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت مؤخراً وأظن أني وقعت في الزنا مع زوجتي، وإليك التفاصيل: فقد كنا نركب سيارة أختي ثم أوقفنا السيارة في مكان هادئ وتبادلنا القبَل كثيراً، كثيراً جدّاً، وقد مر رجل بقربنا وشاهدنا في تلك الحالة، لكننا لم نمتنع، وأنا أشعر أني اقترفت الزنا علناً، هل علينا كفارة؟ وهل يجب أن نعترف لوالدينا؟
وأنا وزوجتي نتجادل حول الأمر وهي تلومني على اهتمامي (كثيراً) بالمسألة، أنا أرى أنها مسلمة غير صالحة؛ لأنها لا تخاف الله، فهي التي جعلتني أوقف السيارة وأقبلها، وأنا أكرهها لذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أخي السائل؛ اعلم أنك لن تستطيع أن تعيش عمرك من غير ذنوب وخطايا، فهذه طبيعة البشر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي (2499) وابن ماجه (4251) وحسنه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي "، وهذا الحديث يدل بوضوح أن الإنسان لا بد له أن يذنب ويقع منه الذنب، ولكن المهم بعد الذنب ما موقفه من ذنبه؟ فالمؤمن يتوب إلى الله من كل ذنوبه فيقلع عنها ويستغفر الله كلما وقعت منه المعصية ويندم على فعلها ويعزم عزيمة صادقة على عدم الرجوع إليها، فإن فعلت ذلك فاعلم أن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعها للمؤمن الصالح الذي يتوب التوبة الصادقة ويعترف بالذنب مع الذل والانكسار لله عز وجل، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
والذنب الذي اقترفته ليس هو الزنى بزوجتك! وإنما هو تقبيلها أمام الناس، لأنه ليس هناك زنى بالزوجة، وإنما الزنى يكون بامرأة لا يحل للرجل مباشرتها، أما الزوجة فمباشرتها حلال.
ولا يجوز للرجل ولا للمرأة أن يتحدثوا لأحد عما يحصل بينهم في الفراش مما لا ينبغي أن يطلع عليه غيرهما، لما يفضي إليه ذلك من المفاسد والفتن وفتح باب الشيطان، وهذا فيمن تحدث يصف فعله مع زوجته فكيف بمن فعل أمام الناس حتى شاهدوه؟!
وقد أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه (10/277) بأن تقبيل الزوجة أمام الناس لا يجوز.
ثانياً:
أما عن كفارة هذه الخطيئة فلا كفارة لها إلا التوبة الصادقة والعزم الأكيد على عدم الرجوع لهذا الذنب والندم الحقيقي على ارتكابه.
وأما عن الاعتراف لوالديكم فلا حاجة إليه، فالذنب الذي اقترفته هو بحق الله عز وجل، فالاعتراف به يكون لله، وبينك وبين الله ولا تخبر به أحداً، ولكن اصدق في التوبة مع الله يغفر الله لك، والله غفور رحيم.
وكون زوجتك هي التي أمرتك بهذا الفعل لا يدل على أنها امرأة غير صالحة أو أنها لا تخاف الله، فأنت أيضاً وافقتها على هذا، ولم تمتنع حتى مع رؤية رجل لكما. فينبغي أن تحمِّل نفسك أيضاً مسئولية فعلك هذا.
ونرجو الاطلاع على السؤالين (6103) و (31773) .
وفقكم الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/879)
هل يجوز للزوج أن يعطي زوجته عطية دون باقي الورثة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ألا يحق للزوجة أن تطالب زوجها بأن يكتب لها من ممتلكاته التي من ماله الخالص نصفها، والزوج يرفض ذلك بحجة أن هذا تحايل على الشارع لمنع الإرث أن يصل لمن أوقفه الله سبحانه له؛ ولكوني قد ابتلاني ربى بعدم الإنجاب لمدة 19 سنة، مع موافقته على تخصيص شقة كهبة لي غير مشروطة، مع العلم أنى زوجته الوحيدة، ووالداه أحياء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردنا منكِ سؤال برقم (72320) على أن زوجكِ قد وافق على كتابة الشقة باسمكِ، وأن والدتك قد رفضت كتابة الشقة باسم زوجك أو باسمكِ، وبينا أنه لا حرج على زوجك في ذلك، وأنه ليس من حق والدتك منعه من كتابة الشقة باسمك.
وعلى كل حال: بما أن زوجكِ ليس له زوجة أخرى يمكن أن يقع إشكال في أن يهبك ولا يهبها، فلا حرج عليه من أن يهبك إياها.
وأما كونه يكتب لك نصف ممتلكاته، فلا حرج عليه في ذلك، بشرط أن يفعل ذلك بنفس راضية من غير ضغط أو إلحاح منك، وأن لا يقصد بذلك التضييق على الورثة، لأن الرجل ما دام صحيحاً ليس مريضاً مرض الموت، له أن يهب من ماله لزوجته أو غيرها ما يشاء.
وعلى هذا، فليس لك الإلحاح على زوجك في كتابة بعض ممتلكاته باسمك، لأنه قد يفعل ذلك حياءً منك وهو غير راض، فيكون ذلك حراماً عليك.
والأفضل للزوج أن لا يفعل ذلك، لأن ذلك قد يوقع بينه وبين والديه خلافات، وتكون سببا في قطع الرحم، فالأولى إبقاء الأمر على ما هو عليه، مع أنه لا يُعلم من الذي سيرث من! والله أعلم.
ونسأل الله تعالى أن يرزقكِ الذرية الصالحة، وأن يجمع بينكِ وبين زوجك على خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/880)
اكتشف أن زوجته على علاقة برجل ثم تابت فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان نشأت في عائلة محافظة ومنَّ الله عليَّ وتزوجت من امرأة صالحة من بيت دين حيث إن والد زوجتي من الدعاة والمصلحين الاجتماعيين، وكان جميع أولاده وبناته من حفظة القرآن أو أجزاء منه. المشكلة: أن زوجتي في الفترة الأخيرة قد تغيرت كثيراً، وقد اكتشفت أن لها علاقة مع أحد الأشخاص، كانت في البداية عن طريق الهاتف، وبعدها تمت المقابلة بينهما عدداً من المرات، ومنذ اكتشاف هذه العلاقة وهي طريحة الفراش، وأصابها حالة نفسية من شدة الندم، ومن خلال حديثي معها أقسمت بالله - وهي داخل الحرم - بأنها لم ترتكب معه الزنا ولم تتعدَّ المقابلة حدود الكلام فقط، وأخبرتني بأنها كانت تنوي الابتعاد عنه، ولكنه استخدم معها التهديد، وهي الآن نادمة أشد الندم، والأسباب التي أثرت عليها كانت كالتالي: 1. أنا إنسان مقل في الكلام مع زوجتي وإشباع العاطفة لها من حيث المديح لها وغيره.
2. في الآونة الأخيرة انشغلتُ بتوفير المسكن للعائلة وانشغلت بهذا الأمر عنهم.
3. سمحت لها بزيارات قريبتها باستمرار ولم أعرف أن هذا البيت به بنات فاسدات أثروا عليها وهم من سحبها إلى هذا المستنقع.
4. أنني عملت بعض الذنوب من الكبائر قبل الزواج وبعده، أعتقد بان الله قد أدبني بهذا الذنب (الذنوب التي عملتها كالزنا وذنوب أشد منه وأشد منه) .
5. زوجتي في الآونة الأخيرة لم تكن طبيعية في معظم الأوقات وتأتيها حالات نفسية لم تكن تأتيها من قبل، أما الآن فأشهد الله أنني قد تبت من هذه الذنوب، أما زوجتي فهي نادمة باكية، ولا تصدق أن هذا الأمر قد حصل علماً بأن لدي منها أولاداً. السؤال: ماذا أفعل الآن:
1. هل أطلقها مع تأكدي من توبتها؟ وهل لها توبة؟ .
2. إبقاءها مع أطفالها (سر عذابي) وهجرها واستبدلها بزوجة أخرى.
3. أغفر لها هذا الذنب والدعاء بشفاء صدري مما فيه من الهم والحزن؟ .
4. وهل إذا فعلت ذلك أكون ممن وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالديوث؟. البيت ينهار، وكل ذلك من فعل الذنوب، ولكن أشهد الله بأنني تبت، وهي كذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هنيئاً لكم توبتكما من الذنوب والمعاصي التي اقترفتماها، وهذا من فضل الله عليكما، وقد دعا الله تعالى عبادَه المؤمنين جميعاً إلى التوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/31) .
واعلما أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح) رواه البخاري (5950) ومسلم (2747) .
واعلما أن الله تعالى قد وعد بتبديل السيئات حسنات، قال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70.
ولكن هذا مشروط بأن تكون التوبة صحيحة، وشروطها:
1. الإقلاع عن الذنب.
2. الندم على فعله.
3. العزم على عدم العود إليه.
ثانياً:
لا شك أن ما وقع من زوجتك أمرٌ منكر، لكن والحال أنها تابت منه فنرجو أن توبتها ستسهم في رجوعها إلى حالها الأول وأحسن منه.
ولا نستطيع الجزم بأن مصلحتك في البقاء معها، لكننا نقول لك:
إن كنتَ ترى أن توبتها توبة صادقة، وأنها ندمت أشد الندم على ما بدر منها، وأن حالها تغيَّر للأحسن، وأن معصيتها لن تؤثر عليكَ سلباً من حيث الشك والبغض: فالذي نراه لك أن تمسكها، حفاظاً على توبتها، وعلى أبنائك من الضياع والشتات.
ونرجو أن يكون حالها كذلك، وأن تمسكها بمعروف، وأن لا يؤثر عليك ما بدر منها، وخاصة بعدما ذكرتَ أنه وقع منك معاصٍ وفواحش قبل أن يمن الله عليك بالتوبة.
ولا شك أن تقصيركَ في حقها له دور كبير في نفور زوجتك، ووقوعها في المعصية، وهو إن كان غير مسوِّغ لها، لكن يجب عليك الانتباه لنفسك، ويجب أن تؤدي الحق الذي أوجبه الله عليك تجاه زوجتك وأبنائك.
ومن حقها عليك أن تعينها على التوبة الصادقة، وأن تدلها على الخير، وتحذرها من الشر، ولا يجوز لك السماح لها بزيارة من يساهم في إفسادها وإضلالها، ولو كانوا أقرب الناس منك، فأنت راعٍ ورب البيت، وسيسألك الله تعالى عن رعيتك فرَّطتَ فيها أم أديت الحق الذي أوجبه الله عليك.
فالذي نراه: أن تستر عليها معصيتها، وأن تشكر لها توبتها، وأن تبقى معها، وليس من الدياثة إبقاؤها وإمساكها بعد توبتها، وإنما الدياثة إمساكها في حال عدم توبتها وإصرارها على ما تفعل من العلاقات المحرمة، وهو ما نرجو أن تكون قد تابت منه توبة نصوحا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/881)
هل تعطي زوجها توكيلاً بأموالها وهو لا يحسن التصرف في الأموال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن أبي الذي كان يملك مالاً وفيراً، وكنا نعيش حياة طبيعية، أما الآن فلا يملك سوى الشقتين اللتين سجلهما باسم أمي، وهو الآن أصبح عديم المسؤولية - للأسف - ومازال يحلم أو يعتقد أنه يمتلك المال ولا يفكر بالعمل أبداً، وعمره 55 سنة، وللأسف رغم اعتراضي لأمي لقد أعطته وكالة بالشقتين رغم أنها تعلم من هو أبي، وعندما أقول لها لمَ فعلتِ ذلك؟ تقول: " مالُه وهو حر به، فماذا أفعل؟ هل أقف في وجهه بعد أن وقف العالم كله من أهله والناس ضده وتركوه لأنه خسر الأموال؟ فماذا يقول عني؟ " معها حق، لقد كان طيباً ولا يبخل عليها بشيء ولكن تقول " إن لم أفعل يطلقني، كيف أقف في وجهه وهو من النوع العصبي، صعب التفاهم معه " ما رأيكم هل أمي على صواب بهذا؟ وهل عليها العمل وعدم الاعتماد عليه - رغم أنها لا تريد، وتقول إنه سوف يعتمد عليها -؟ والآن لقد باع إحداهما ويصرف المال يميناً وشمالاً على الناس وينسى أن له تسعة أبناء، رغم أنها تذكره بنا لأنه يعيش ببلد ونعيش ببلد، يتذكر للحظة ثم ينسى الهموم ويعود للأحلام، بماذا تنصحون قبل أن يبيع الأخرى ونندم؟ وهي وأبي الآن في شجارات قوية لتصرفاته اللامبالية، وربما يؤدي للطلاق، وأريد أن أعرف هل أبي مريض نفسيّاً أم ما حكايته؟ وما العمل معه؟ أنا محتارة، ساعدوني، فالأسرة تتدمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وصرفه في غير الوجه النافع.
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593) .
وسوء التصرف في المال يعتبره أهل العلم فساداً , كما ترجم الإمام البخاري بابا في ذلك فقال: " باب ما يُنهى عن إضاعة المال , وقول الله تبارك وتعالى: (والله لا يحب الفساد) .
" فتح الباري " (5 / 68) .
وقد يكون الإنسان عاقلاً , ولكنه لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه وينفقه في غير منفعة , وهذا يسميه العلماء (سفيهاً) فلا يجوز إعطاؤه المال , بل يمنع من التصرف فيه , لقوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء/5.
قال القرطبي رحمه الله:
" ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه؛ لأمر الله عز وجل بذلك في قوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) وقال: (فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً) ، فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف، وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير , ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ " انتهى.
" تفسير القرطبي " (5 / 30) .
وقال ابن حجر رحمه الله:
" قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم........) الآية، قال الطبري - بعد أن حكى أقوال المفسرين في المراد بالسفهاء -: " الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه صغيراً كان أو كبيرا , ذكراً كان أو أنثى، والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره " انتهى.
وقال - أيضاً -:
" والحَجر في الشرع: المنع من التصرف في المال، فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه (الإنسان) ، وتارة المحجور (المال) ، والجمهور على جواز الحجر على الكبير "انتهى.
" فتح الباري " (5 / 68) .
فإذا كان والدك لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه في غير منفعة فيجب الحجر عليه , ولا يجوز تمكينه من المال , وعلى أمك أن تلغي الوكالة التي أعطته إياها , حفاظاً على أموالكم من الضياع , وأنتم محتاجون إليها.
وعليكم بنصيحته وإعادته إلى رشده بالتذكرة والكلمة الطيبة والوعظ الذي يجعله يندم على ما فرط فيه من مال، ويحافظ على ما بقي لديه منه.
وتذكيره بالأحاديث التي تزجره عن إضاعة المال , وتذكيره بأن الله حمَّله أمانة رعايتكم، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) رواه أبو داود (1692) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1965) .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله:
" قال الخطابي: يريد من يلزمه قوته، والمعنى: كأنه قال للمتصدق: لا يتصدق بما لا فضل فيه عن قوت أهله يطلب به الأجر , فينقلب ذلك الأجر إثما إذا أنت ضيعتهم " انتهى.
" عون المعبود " (5 / 76) .
فإذا كان هذا في حق المتصدق فكيف بغيره ممن يضيع المال في غير منفعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/882)
ليس للمرأة القوامة على الرجل ولو كانت تنفق عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لم يكن الرجل هو المصدر الرئيسي للدخل في البيت. هل يعتبر هو رب الأسرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القوامة من الأمور التي خص الله بها الرجل دون المرأة، والمقصود بها أن الزوج أمين عليها يتولى أمرها، ويصلحها في حالها ويقوم عليها آمراً ناهياً كما يقوم الوالي على رعايتها، قال تعالى: (وللرجال عليهن درجة) وقال سبحانه: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) قال ابن كثير: " أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت "، وقال العلامة الشيخ الشنقيطي: " أشار إلى أن الرجل أفضل من المرأة وذلك لأن الذكورة شرف وكمال، والأنوثة نقص خلقي طبيعي، والخلق كأنه مجمع على ذلك؛ لأن الأنثى يجعل لها جميع الناس أروع الزينة والحلي وذلك إنما هو لجبر النقص الخلقي الطبيعي … ولا عبرة بنوادر النساء لأن النادر لا حكم عليه ".
ومن أسباب القوامة:
1- كمال العقل والتمييز، قال القرطبي: إن الرجال لهم أفضلية في زيادة العقل والتدبير فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك.
2- كمال الدين: لأنّ المرأة تحيض وتنفس فلا تصلي ولا تصوم في هذه الفترة بخلاف الرّجل.
3- بذل المال من الصداق والنفقة فهذا واجب على الرّجل دون المرأة.
ولذلك إذا امتنع الزوج من النفقة على المرأة فلها الفسخ عن طريق القضاء.
والخلاصة أنّ القوامة للرجل كما بيّن القرآن وإن أنفقت عليه وعلى نفسها وعلى أولادها فإنّ يكون من الإحسان كما قال تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) فالقوامة للرجل في جميع الحالات ولا يمكن تصور أن الرجل يستأذنها قبل أن يخرج مثلا. والله تعالى أعلم.
ولمزيد من التوسع في المسألة ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/531) أحكام الجصاص (2/188) تفسير القرطبي (2/169) تفسير ابن كثير (1/491) ، أضواء البيان للشنقيطي (1/136-137 مهم) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/883)
توتّر في بيت بسبب خلافات فقهية بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يتبع المذهب الشافعي بتعصب، وعندما افضل أن اختار الفتوى التي اعتقد بأنها تستند إلى الدليل الأقوى بغض النظر عن المذهب، زوجي يقول انه ليس لي الحق أن افعل ذلك حيث أنني لست بعالمة، فهل هذا صحيح؟
أرجو أن تجيب على سؤالي لأنه حصل الكثير من التوتر في بيتي بسبب ذلك]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيسرالجواب عن هذا يحتاج إلى التعريف بثلاثة جوانب:
1- التنبيه إلى أهمية البعد عن التعصب للمذاهب أياً كانت فقهية أو فكرية أو غيرها، وتعويد النفس على الانقياد للكتاب والسنة والاهتداء بهديهما.
2- أن هناك ما يسمى بالميل في الأخذ بقول من أقوال الفقهاء، وهو لا يكون ترجيحاً بقدر ما يكون تشهيّاً وتتبعاً للرخص أو للأقوال التي توافق غرضاً للإنسان، وقد يكون للإنسان فيها نوع تأويل وأحياناً دوافع يحسبها دوافع صحيحة، ولا يتبين له خطؤها إلا بعد فترة، ولهذا فإن اختيار قول أو ترجيحه يجب أن يكون إما بعد دراسة للمسألة ونظر فاحص في أدلتها وتتبع للحجج والبراهين التي استدل بها كل فريق، ويكون ذلك من طالب علم متمكن، أو يكون باتباع عالم مشهور بالعلم والدين والورع والتقوى تطمئن النفس لإخلاصه وسعة علمه.
3- إن المحافظة على هدوء بيت الزوجية من الخلاف أولى من الاختلاف حول تقديم رأي على رأي أو مذهب على مذهب ما دام أن المسألة من المسائل التي يكون الخلاف فيها سائغاً وللأقوال المتعارضة احتمال، مع الحرص على تنبيه الزوج بتلطف وهدوء على أهمية الاعتماد على الأدلة وأنه ليس رأي عالم أو مذهب من المذاهب هو الصواب دائماً، وأقوال الأئمة في طلب ترك آرائهم إذا عارضت الدليل مشهورة كقول الشافعي: إذا عارض قولي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط.
فإذا لم تكوني أنت وزوجك من طلبة العلم الشّرعي المتمكنين فلا بدّ لكما من الرجوع إلى أحد العلماء والأخذ عنه ويمكنكما أن تتفقا على عالم ترجعان إليه وإن اختار شخصا بحسب اجتهاده واخترت شخصا آخر فلا بأس بذلك فيقلّد كلّ منكما عالمه فيما يخصّه من الأمور وما يكون من سلطة الزوج ومسئوليته ينفذ فيه قول العالم الذي يقلّده الزوج، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/884)
الاستمتاع بالدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[يطلب مني زوجي أثناء فترة الحيض أن يحك رأس عضوه التناسلي المنتصب على حلقة دبري من أجل الاستمتاع حتى القذف، فهل هذا جائز شرعا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرَجِ لقوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلا النِّكَاحَ – يعني: الجماع-) رواه مسلم (455) ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
ثانيا:
إتيان المرأة في دبرها حرام؛ لقوله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) البقرة/222، يعني: في القبل، وهو موضع الحرث، ويؤيده قوله سبحانه: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم) البقرة/223، والدبر ليس موضعاً للحرث.
وقد جاءت أحاديث تدل على تحريم إتيان المرأة في دبرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها) رواه أحمد وأبو داود (2162) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وانظر السؤال رقم (1103) .
ثالثاً:
ذكر العلماء أنه يجوز أن يستمتع بما بين فخذي المرأة، وبين الأليتين، من غير إيلاج في دبر.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (8/257) :
" فأما التلذذ بغير إيلاج بين الأليتين فلا بأس " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (7/226) :
" ولا بأس بالتلذذ بها بين الأليتين من غير إيلاج ; لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر , فهو مخصوص بذلك , ولأنه حرم لأجل الأذى , وذلك مخصوص بالدبر , فاختص التحريم به " انتهى.
وقال في "روض الطالب":
" ما يملكه الزوج من الاستمتاع من زوجته:
ويملك الاستمتاع منها بما سوى حلقة دبرها، ولو فيما بين الأليتين، أما الاستمتاع بحلقة دبرها فحرام بالوطء خاصة، لخبر: (إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن) رواه الشافعي وصححه " انتهى.
قال في شرحه "أسنى المطالب" (3/185) :
" قوله: (أما الاستمتاع بحلقة دبرها. . . إلخ) كأن أولج فيه بعض الحشفة " انتهى.
الحشفة هي رأس الذكر.
وعليه، فلا حرج من الاستمتاع المسئول عنه، بشرط أن يأمن من إدخال الحشفة أو بعضها في الدبر، فإنه حرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/885)
حكم تصرف الزوجة في مالها دون إذن زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة موظفة ولي راتب أصرف منه على نفسي وبيتي وأعطي أهلي وأتصدّق ونحو ذلك وكثيرا ما يقع بيني وبين زوجي خلاف بسبب تصرفي في مالي فهل لزوجي الحقّ في الاعتراض عليّ في تصرفاتي المالية وهل يجب عليّ استئذانه إذا أردت إنفاق شيء من مالي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ريب أن الحر البالغ العاقل الرشيد يجوز له التصرف في ماله مطلقاً في حال الحياة سواء أكان بالبيع أو الإجارة أو الهبة أو الوقف وسائر أنواع التصرفات وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم.
ولا خلاف بين أهل العلم أيضاً أن الزوج ليس له حق الاعتراض على زوجته فيما إذا كان تصرفها في مالها بعوض كالبيع والإجارة ونحوها إذا كانت تلك المرأة رشيدة جائزة التصرف وليست ممن يخدع في المعاملات عادة. مراتب الإجماع لابن حزم 162 والإجماع في الفقه الإسلامي أبو جيب (2/566)
واختلفوا هل لها الصدقة أو الهبة بجميع مالها أو بعضه بدون إذن الزوج وبيان مذاهبهم على النحو الآتي.
القول الأول: إن الزوج له حق منعها فيما زاد على الثلث وليس له الحق فيما دون ذلك وبه قال المالكية والحنابلة على إحدى الروايتين، شرح الخرشي (7/103) المغني (4/513) نيل الأوطار (6/22) ودليل هذا القول المنقول والقياس.
فمن المنقول ما يأتي:
1- ما ورد أن خيرة امرأة كعب بن مالك أتت النبي بحلي لها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَهَلْ اسْتَأْذَنْتِ كَعْبًا قَالَتْ نَعَمْ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ زَوْجِهَا فَقَالَ هَلْ أَذِنْتَ لِخَيْرَةَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِحُلِيِّهَا فَقَال نَعَمْ فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا. " رواه ابن ماجة 2380 وفي إسناده عبد الله ابن يحيى وأبوه مجهولان.
2- ما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال في خطبة خطبها (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) سنن أبي داود بيوع باب 84 سنن النسائي زكاة باب 58 مسند أحمد (2،179) سنن ابن ماجه (2/798) وفي لفظ: " لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها. "، أخرجه الخمسة إلا الترمذي
فهذا وما قبله دليل على أن المرأة ليس لها التصرف في مالها إلا بإذن زوجها وهو ظاهر في أن إذن الزوج شرط لنفاذ تصرفها فيه وإنما قيّد هؤلاء المنع بما زاد على الثلث لوجود نصوص أخرى داله على أن المالك له حق التصرف في ماله في الثلث وما دونه بالوصية وليس له ذلك في ما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة كما في قصة سعد بن أبي وقاص المشهورة حينما سأل النبي هل يتصدق بجميع ماله قال لا قال فبالثلثين قال لا قال فبالشطر قال لا قال فبالثلث قال الثلث والثلث كثير. متفق عليه.
وأما استدلالهم بالقياس فهو أن حق الزوج متعلق بمالها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها) أخرجه السبعة.
والعادة أن الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها وينبسط فيه وينتفع به فإذا أعسر بالنفقة أنظرته فجرى ذلك مجرى حقوق الورثة المتعلقة بمال المريض. المغني (4/514)
القول الثاني:
للزوج منع زوجته من التصرف مطلقاً أي سواء أكان بالقليل أو بالكثير إلا في الأشياء التافهة وبه قال الليث بن سعد نيل الأوطار 6/22
القول الثالث:
منع المرأة من التصرف في مالها مطلقاً إلا بإذن زوجها وبه قال طاووس فتح الباري 5/218. قال ابن حجر في الفتح واحتج طاووس، بحديث عمرو بن شعيب، لا تجوز عطية امرأة في مالها إلا بإذن زوجها) أخرجه أبو داود والنسائي قال بن بطال.. وأحاديث الباب أصح.
القول الرابع:
للمرأة التصرف في مالها مطلقاً سواء كان بعوض أو بغير عوض أكان ذلك بمالها كله أو بعضه وبه قال الجمهور ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب وابن المنذر. المغني 4/513 الإنصاف 5/342 شرح معاني الآثار 4/354) فتح الباري 5/318، نيل الأوطار 6/22
وهو أعدل الأقوال.. للكتاب والسنة والنظر فمن الكتاب قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئا) فأباح الله للزوج ما طابت له به نفس امرأته. وقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) فأجاز عفوهن عن مالهن بعد طلاق زوجها إياها بغير استئذان من أحد فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها، وعلى أنها في مالها كالرجل في ماله. شرح معاني الآثار 4/ 352.
قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) وهذا ظاهر في أن اليتيمة إذا صارت راشدة جاز لها التصرّف في مالها.
وكذلك لما تصدقت النساء بحليهن بعد موعظة النبي صلى الله عليه وسلم لهنّ في خطبة العيد، فهذا كله يدلّ على نفاذ تصرفاتهن المالية الجائزة دون استئذان أحد.
يراجع كتاب: إتحاف الخلان بحقوق الزوجين في الإسلام د/فيحان بن عتيق المطيري ص 92-96.
قال في نيل الأوطار: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة , فإن كانت سفيهة لم يجز. قال في الفتح: وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة. انتهى
وردّ الجمهور على الاستدلال بحديث: " لا يَجُوزُ لامْرَأَةٍ هِبَةٌ فِي مَالِهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا. " رواه أبو داود 3079 صحيح الجامع 7265 وتقدّم ذكر بعض رواياته، بأنّ ذلك محمول على الأدب وحسن العشرة ولحقّه عليها ومكانته وقوة رأيه وعقله قال السندي في شرحه على النسائي في الحديث المذكور: وهو عند أكثر العلماء على معنى حسن العشرة واستطابة نفس الزوج ونقل عن الشافعي أن الحديث ليس بثابت وكيف نقول به والقرآن يدل على خلافه ثم السنة ثم الأثر ثم المعقول.. وقد أعتقت ميمونة قبل أن يعلم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يعب ذلك عليها فدل هذا مع غيره على أن هذا الحديث إن ثبت فهو محمول على الأدب والاختيار..
فيستحبّ للمرأة المسلمة إذن أن تستأذن زوجها - ولا يجب عليها - وتؤجر على ذلك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَه. رواه النسائي 3179 وهو في صحيح الجامع 3292. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/886)
منع الحمل في بداية الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي لا يريدني أن انجب الأطفال ودائما يطلب مني أن أجهض في مراحل الحمل الأولى (في أول أسبوع حيث تنقطع العادة) فماذا يقول الإسلام في ذلك؟
هو يقول بأنه يتحمل المسئولية كاملة عن هذا، فماذا أفعل إذا كان حريصاً جدا على ذلك، أما بالنسبة لباقي الأمور فهو زوج مسلم ممتاز.
أرجو أن ترشدني]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تم عرض السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
هل يحرم الامتناع عن الحمل مدة سنتين في أول الزواج برضى الزوجين وذلك ليطمئن الزوجان إلى استمرار الزواج؟
فأفاد حفظه الله بما يلي: لا يحرم ذلك ولكن الأفضل عدم المنع وأن يتفاءلا بالخير ويُحسنا الظنّ بالله عزّ وجلّ. انتهى
وقد يكون حصول الولد مبكّرا عامل تأليف وزيادة ارتباط وغبطة بين الزوجين وقرّة عين لهما ولأهليهما، والله الموفّق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/887)
تتحدّى زوجها في النقاشات الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة تجادل زوجها دائما في أمور الدين إذا كان هناك رأيان للعلماء وهذا الأمر يؤذي الزوج وقد يؤدي إلى الطلاق.
تقول لزوجها أستطيع أن أجادل لأن زوجات الرسول كثيرا ما جادلوه وتحدوه، هي دائما تحب أن تكون في المقدمة كما أنها قليلة الاحترام.
ما هي النصيحة التي توجهها لهذين الزوجين وبالأخص الزوجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النصيحة التي أوجهها لهذين الزوجين هو أنهما مخلوقان يجب أن يخضعا لشرعه فإن السعادة في ذلك، وقد قال تعالى " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " فيجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالحسنى، والزواج قائم على المحبة والمودة وليس على التحدي لأن التحدي في الغالب يكون بين الأعداء فإذا كان بين الأحباب فإنه يسبب العداوة ولا خير منه لهما قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " فينبغي على الزوج أن يجادل زوجته بالحسنى وأن يأتي من طريق الإقناع لا من طريق فرض الرأي وأن يتيح لها المجال للنقاش بأدب وأن يعلم أنه لا يصحّ له أن يفرض عليها رأيا فقهيا في مسألة تخصّها ليس له بها تعلّق إذا كانت هي مقتنعة برأي آخر لعالم يجوز لها تقليده وعلى هذه الزوجة أن تعلم أن حق الزوج عظيم وطاعته واجبة وإرضاؤه بالمعروف من إرضاء الله عزّ وجلّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ." رواه الإمام أحمد 1573 وهو في صحيح الجامع 660 وقال صلى الله عليه وسلم أيضا " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ". قوله (ولو سألها) أي الزوج (نفسها) أي الجماع (على قتب) يوضع تحت الراكب على بعير، ومعناه الحث على مطاوعة أزواجهن وأنهن لا ينبغي لهن الامتناع في هذه الحالة فكيف في غيرها.) رواه ابن ماجة 1843 وانظر صحيح الجامع 5239، 5295، وقال عليه الصلاة والسلام: " لا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ (أي تنفجر) بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ." رواه الإمام أحمد 12153 صحيح الجامع 7725 والزوجة إذا أطاعت زوجها وعاشرته عشرة حسنة ابتغاء وجه الله حصلت على ثواب عظيم عند الله. كما أن الرجل يجب أن يصبر عليها ويكسبها بحسن خلقه ويعلمها بحقه الشرعي عليها.
وأما قولها: إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يجادلنه كثيرا ويتحدينه فليس بصحيح أبداً. هنّ أعلى من ذلك. إنما طالبنه بالنفقة ولم يكن عنده شيء وقت مطالبتهن له وليس عليه صلى الله عليه وسلم أن ينفق إلا بحسب ما رزقه الله قال تعالى " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " ومعنى من قُدِر عليه رزقه أي ضيّق عليه رزقه. ثم لم يعدْن رضي الله عنهن إلى المطالبة أبدا.
ومرة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على إحدى نسائه فسقته عسلاً فغارت اثنتان من طول بقائه عندها لأنه بقي لشرب العسل فقط فاحتالتا بأن ذكرت كل واحدة أنها تشم منه ريحاً غير طيبة وقالتا قد أكل نحل هذا العسل من شجر غير طيب الرائحة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشقّ عليه جداً أن يشم منه رائحة كريهة. فعاتبهن الله في قوله " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.." فلم يعودا لذلك رضي الله عنهما. وهذه الزوجة كيف غفلت عن حسنات أمهات المؤمنين وحسن عشرتهن للنبي صلى الله عليه وسلم المشهورة المعروفة فلم تقتد بهن في ذلك ثم تحاول الاحتجاج بفعل بعضهن في خطأ أصلحه لهن الشارع فلم يعدْن له. وفقكما الله لما يحب ويرضى ووفق بينكما.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/888)
هل يحل لوالد الفتاة منع زوجها من الجلوس معها بعد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تم عقد قراني على فتاة، وتم الاتفاق على أن يكون موعد الزفاف بعد سنة بسبب الوضع المادي، ولكنَّ أباها يرفض رفضا كليّاً أن أختلي بها، ولو لفترة وجيزة للحديث، أو مجرد الجلوس، فهل يحل له منعي من الجلوس والاختلاء بها بداعي العادات والعرف؟ وماذا عليَّ أن أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقد الزواج له ثلاثة أركان: الإيجاب والقبول وموافقة ولي الزوجة، فالإيجاب هو: ما صدر من أحد العاقدَين أولاً، دالاًّ على ما يريده من إنشاء العقد، وسمي إيجاباً لأنه أوجد الالتزام، والقبول هو: ما صدر ثانياً من الطرف الآخر دليلا على موافقته على ما أوجبه الأول، وسمي قبولاً لأن فيه رضاً بما في الأول من التزام.
فإذا كان هذا بحضور ولي الزوجة ورضاه: فقد تمَّ عقد النكاح، وصارت المرأة زوجة له، وصار زوجاً لها، ويترتب على هذا العقد آثاره الشرعية، وهي:
1. حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر.
2. وجوب المهر المسمى في العقد، إن دخل بها، أو اختلى بها خلوة شرعية يتمكن فيها من جماعها، أو إذا مات قبل الدخول أو الخلوة، ويجب لها نصف المسمى بمجرد العقد إن طلقها قبل الدخول أو الخلوة، فإن لم يكن قد سمَّى لها مهراً: فإنه يجب لها عند الدخول أو الموت أو الخلوة الشرعية مهر مثيلاتها كأخواتها وبنات عمها.
3. وجوب النفقة للزوجة على زوجها من طعام وكسوة ومسكن، وهذا لا يجب على الزوج إلا بعد الدخول بها؛ لأن هذه الواجبات تكون مقابل الاستمتاع وكونها تحت قوامته.
4. ثبوت نسب الأولاد من الزوج في حال الدخول أو الخلوة الشرعية.
5. ثبوت حق التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما في حال قيام الزوجة سواء دخل الزوج بزوجته أو لم يدخل.
6. ثبوت حرمة المصاهرة، وهي حرمة أصول الزوج وفروعه على الزوجة، وحرمة أصول الوجه وفروعها على الزوج، على تفصيل معروف.
وما ذكرناه فيما يترتب على النكاح يُعلم به جواب السؤال، وهو أنه يجوز لكلا الزوجين أن يستمتع بالآخر بمجرد العقد من لمس وتقبيل ومباشرة.
وفي جواب الأسئلة: (74321) و (13886) بيان هذه المباحات لمن عقد على امرأة حتى لو لم يدخل بها.
لكن يجوز للولي أن يُشدِّد في الخلوة الشرعية – وهي إغلاق الأبواب وإرخاء الستور - والجماع – من باب أولى - لما يترتب عليه من مفاسد قبل إعلان الدخول؛ فقد تحصل وفاة أو يحدث طلاق فتترتب آثار سيئة على المرأة في حال كونها حاملاً أو قد فضَّت بكارتها.
وفي جواب السؤال (3215) بيان هذه المسألة فنرجو النظر فيه.
فإذا انضم إلى هذه المفاسد التي كثيرا ما تحدث من جراء التساهل في ذلك قبل البناء، والانتقال إلى بيت الزوجية، نظرة الناس، وعرفهم الذي لا يقبل مثل هذه العلاقة إلا بعد البناء بالزوجة، في المسكن المعد لذلك، كان هذا أمرا معتبرا في صيانة الأعراض والأنساب، ويجب على الزوج أن يقدِّر هذا الأمر وأن يفكِّر بعقله لا بعاطفته، وليعلم آثار هذا الأمر لو حصلت وفاة أو حصل طلاق، وأنه – يقيناً – لا يرضى هذا لابنته، فكذلك الناس لا يرضونه لبناتهم، ونرى أن هذا هو الحل الأمثل والوسط بين التشدد والتساهل في هذا الأمر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/889)
فقدت بكارتها في صغرها بسبب حادث فهل تكتم ذلك على زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلمة تعرضت لحادثة في الصغر فقد منها غشاء البكارة، وقد تم عقد زواجها ولم يتم البناء بعد، وحالة أخرى تعرضت لنفس الحادث، والآن يتقدم لها إخوة ملتزمون للخطبة والزواج، وهما في حيرة من أمرهما أيهما أفضل: المتزوجة تخبر زوجها قبل البناء أو تكتم هذا الخبر، والتي لم تتزوج بعد هل تستر هذا الأمر خشية أن ينتشر عنها ويظن بها سوء، وهذا كان في الصغر، وكانت غير مكلفة أم هذا يعتبر من الغش والخيانة، هل تخبر من تقدم إليها أم لا لأجل العقد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا مانع شرعا من الكتمان، ثم إذا سألها بعد الدخول أخبرته بالحقيقة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/5) .(6/890)
ما حكم الغِيلة في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الغيلة في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الغِيلة " قيل هي: وطء الزوجة المرضع، وقيل هي: إرضاع الحامل لطفلها.
وقد ثبت في صحيح مسلم (1442) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ) .
قال النووي:
" اختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث , فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة: أن يجامع امرأته وهي مرضع، وقال ابن السكيت: هو أن ترضع المرأة وهي حامل.
قال العلماء: سبب همِّه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع، قالوا: والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء، والعرب تكرهه وتتقيه.
وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها , وبين سبب ترك النهي " " شرح مسلم " (10 / 17، 18) .
وروى مسلم (1443) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنِّي أَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ) .
ولم يأتِ ما يخالف هذه الإباحة إلا حديث ضعيف رواه أبو داود (3881) وابن ماجه (2012) عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، فيه: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيلة.
والحديث: ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف سنن أبي داود ".
وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن الأحاديث الدالة على الإباحة ثم قال: " وهذه الأحاديث أصح من حديث أسماء بنت يزيد، وإن صح حديثها فإنه يحمل على الإرشاد والأفضلية، لا التحريم " انتهى بتصرف.
وقال أيضاً في " زاد المعاد " (5 / 147، 148) :
" ولا ريب أن وطء المراضع مما تعم به البلوى، ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع، ولو كان وطؤهن حراماً لكان معلوماً من الدين، وكان بيانه من أهم الأمور، ولم تهمله الأمة، وخير القرون، ولا يصرح أحد منهم بتحريمه، فعلم أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد، وأن لا يعرضه لفساد اللبن بالحمل الطارئ عليه " انتهى.
والحاصل: أن الغيلة ليست حراما ولا مكروهة، حيث لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ومَنْ تركها على سبيل الاحتياط للولد فلا حرج عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/891)
هل يلزم أهله بالسفر بعيدا عنه حتى لا يعيشوا في بلاد الكفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم متزوج من مسلمة من إحدى الدول الإسلامية. ولا أريدها أن تعيش هي وأطفالي خارج بلاد المسلمين. أنا أعيش وأعمل الآن في أمريكا، حيث ولدت. ولا يزال أمامي أن أعمل 3 سنوات تقريبا وأخطط بعد ذلك أن أعيش وأدرس في البلد الإسلامي الذي تتبع له زوجتي وأهلها إن شاء الله. وأسأل إن أنا أجبرتها على العودة وأمرتها بالبقاء في ذلك البلد الإسلامي (ومنعتها من الرجوع لزيارتي هنا) وتربية أطفالنا هناك في فترة بقائي هنا فقط بحيث أبقى أنا هنا وأزورهم (مدة 8 أسابيع في العام) فهل يعد هذا العمل محرما؟ وهل يجب علي السماح لها بالبقاء معي مع العلم أن البلد دار كفر وأنها سيئة جدا؟ هل يجب لها قبول الموقف الذي قررته؟ ثم ما هي الأدلة من الكتاب والسنة حول الموضوع فلربما تفهمت الموضوع بشكل أفضل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا ينبغي التساهل في الإقامة في بلاد الكفر، فإن ذلك له آثاره السيئة على دين المسلم وعقيدته، ولذلك حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الإقامة بين الكفار، فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهناك حالات يجوز فيها إقامة المسلم في بلاد الكفر، لكن بشروط معينة، يقصد منها ألا يتضرر المسلم في دينه بالإقامة بينهم، ولمعرفة ذلك راجع الأسئلة (13363) و (27211) .
ثانياً:
ينبغي أن تقارن بين المصلحة في بقاء أهلك إلى جوارك، تقوم على رعايتهم وخدمتهم، وتربيتهم، وتتحصن بهم من الفتن، وبين مفسدة بقائهم في هذه البلاد (بلاد الكفر) ، وما يمكن أن يصيبهم في دينهم وأخلاقهم، ومفسدة بقائك بمفردك أيضا، بعيدا عنهم، وينبغي أن يكون هذا بالمشاورة مع أهلك، والرغبة منكما جميعا في تقوى الله تعالى، واختيار ما يرضيه. فإذا ترجح لديك أن الأفضل هو إبعادهم عن هذه البلاد، وإرجاعهم إلى بلدهم الإسلامي، فلا حرج عليك في ذلك، وتلزم الزوجة طاعتُك وتنفيذُ أمرك.
وقد دل على وجوب طاعة الزوجة لزوجها – في غير المعصية – أدلة منها: ما رواه أحمد (18233) والحاكم عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ (أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؟ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) والحديث جَوَّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1933) .
ومعنى: ما آلوه: أي لا أقصّر في حقه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري (5195)
قال الألباني رحمه الله معلقا على هذا الحديث: " فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات " انتهى من "آداب الزفاف" ص 282، وانظر السؤال (43123) .
ثانيا:
للزوج أن يسافر ويتغيب عن أهله، لأجل الدراسة أو العمل ونحوه من المصالح المشروعة، مدة لا تزيد على ستة أشهر، فإن زاد على ذلك فلا بد من استئذان زوجته، والأصل في ذلك أن عمر رضي الله عنه سأل النساء: (كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن: شهرين، وفي الثالث يقل الصبر، وفي الرابع ينفد الصبر. فكتب إلى أمراء الأجناد أن لا تحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر) ، وفي رواية (فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرا، ويقيمون أربعة، ويسيرون شهرا) . ينظر: "المغني" (7/232، 416) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سفر الرجل عن زوجته إذا كانت في محل آمن: لا بأس به، وإذا سمحت له بالبقاء أكثر من ستة أشهر فلا حرج عليه، أما إذا طالبت بحقوقها، وطلبت منه أن يحضر إليها فإنه لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، إلا إذا كان هناك عذر كمريض يعالج وما أشبه ذلك، فإن الضرورة لها أحكام خاصة. وعلى كل حال فالحق في ذلك للزوجة، ومتى ما سمحت بذلك وكانت في مأمن فإنه لا إثم عليه، ولو غاب الزوج عنها كثيرا " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" (ص 106) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/892)
هل تُخبر زوجها بعلاقاتها السابقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تقدَّم إليَّ شخص فيه كل المواصفات التي تتمناها الفتاة المسلمة في شريك حياتها ولله الحمد، وقد قبلت به وتمَّ عقد القران منذ فترة بسيطة، ولم أرَ من الشاب إلا كل خير ولكن المشكلة هي أن صديقتي قبل أن يتقدم لي الشاب سألها عني، فأخبرتْه بأنني كنت على علاقة منذ فترة طويلة بشاب ولكن العلاقة انتهت وتبت إلى الله، وأنا لم أعرف بأنها أخبرته عن ذلك إلا من فترة بسيطة، وأنا أشهد بأني تبت إلى الله وعدت إلى رشدي ولم أعد أحادثه، ولكني انصدمت عندما أبلغتني بذلك فعاتبتها، ولكنها قالت لي بأنه كان من الواجب عليها أن تخبره ففي الأمر علاقة مصيرية ويجب عليَّ أن أصارحه بذلك، وسؤالي هو: هل يجب عليَّ أن أصارحه إن سألني؟ أم أتكتم على الأمر؟ أنا خائفة من أن يدمر هذا الماضي حياتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أخطأتْ صديقتُك بإخبارها من تقدم لخطبتكِ بعلاقتك السابقة التي تبتِ منها، وليس هذا الفعل منها محموداً ولا موافقاً للشرع ولا للحكمة، والمسلم مأمورٌ بالستر على أخيه فيما يراه من معصية يفعلها سرّاً، فكيف بذنبٍ قد تاب منه صاحبه؟!
وليس ما فعلت من النصيحة التي أوجبها الشرع على من سئِل عمن يرغب بنكاحها أو نكاحه؛ لأن ذلك فيما يعلمه من أخلاق وصفات موجودة فيه – أو فيها – عند السؤال، ولا يجوز لأحدٍ أن يذكر ماضياً سيئاً قد تاب منه صاحبه.
والذي يفهم من كلامك أن صديقتك أخبرت زوجك بعلاقتك السابقة قبل أن يتقدم لك، وهذا يدل على أنه عذرك في ذلك لما علم أنك قد تبت واستقمت.
وقد أصاب في ذلك، فإنه ما من إنسان إلا وله بعض السقطات والهفوات، فإذا تاب منها فإنه لا يلام عليها، ولا يعاقب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والذي ينبغي لك ألا تفاتحي زوجك في هذا الموضوع، وإذا بدأك هو بالكلام فعليك أن تخبريه بأنها كانت علاقة عابرة، ونزغة من نزغات الشيطان، وأنك ندمت عليها، وقد وفقك الله تعالى إلى الهداية والتوبة منها.
ولا تخافي من هذا الماضي ما دمت قد تبت واستقمت، واسألي الله تعالى التوفيق والهداية وقبول التوبة، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما وعليكما، وأن يجمع بينكما على خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/893)
هل يتزوج الثانية وله حاجة ملحة وقد يؤدي لطلاق الأولى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 48 عاماً، متزوج منذ 20 عاماً ولي 3 أولاد، زوجتي امرأة فاضلة جدّاً، رزقني الله رزقاً واسعاً من فضله، أريد أن أتزوج أي أخت مسلمة بحيث يكون هذا الزواج عظيم النفع لها، مثل الأرملة ذات الأيتام الفقراء، أو المطلقة لأنها لا تنجب، أو البكر التي تعدت سن الزواج وهنَّ كثيرات جدّاً، ويشتكين عدم الزواج، والمشكلة في اعتراض الزوجة الأولى وتهديدها بالطلاق، وأنا لا أريد خسارتها لدينها الذي تبذل من أجله ما تستطيع وتحب جميع شرائعه، إلا موضوع تعدد الزوجات هذا، فهي مثل أغلب النساء في مصر لا تطيقه، علما بأني أحتاج هذا الأمر لدفع فتنة النساء فما هو التصرف السليم مع هذه الزوجة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أباح الله عز وجل التعدد للرجل القادر على العدل بين نسائه في النفقة والكسوة والمبيت، وحرَّم على من لم يقدر على العدل أن يعدد، قال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) النساء / 3، ومعنى " تعولوا " أي: تظلموا وتجوروا.
قال الشيخ الفوزان – حفظه الله -:
والآية الكريمة تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام: فله أن يعدِّد الزوجات إلى أربع، والذي ليس عنده الاستعداد يقتصر على واحدة، أو على ملك اليمين.
والعدل هاهنا هو العدل المستطاع، وهو القَسم والنفقة والسكن، وأما العدل غير المستطاع فهو المحبة القلبية، وهذا لا دخل له في منع التعدد.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 252) .
ويجب أن تعلم المرأة أن كراهيتها لحكمٍ من أحكام الله تعالى قد يكون كفراً أو قد يؤدي بها إلى الكفر المخرج من الملة.
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
ما حكم من يَكرَه ويُكرِّه الناس من الزواج بأربع زوجات؟ .
فأجاب:
لا يجوز للمسلم أن يكره ما شرعه الله وينفِّر الناس منه، وهذا يعتبر ردة عن دين الإسلام؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد / 9] ؛ فالأمر خطير، وسببه التأثر بدعايات الكفار الذين ينفرون من الإسلام، ويلقون الشبه التي تروج على السذج من المسلمين، الذين تخفى عليهم حكم التشريع الإسلامي التي من أعظمها تشريع تعدد الزوجات؛ لما فيه من مصلحة النساء قبل الرجال.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 251) .
على أنه ليس من اللازم، إذا غارت المرأة على زوجها، أو غضبت من زواجها بأخرى، أن تكون كارهة لهذه التشريع الإلهي؛ بل هناك من النساء من تعلم أن ذلك من شرع الله، وتؤمن بما أنزل الله من شرعه، وتحب دينه، إلا أنها تكره أن تزاحم في زوجها، وتغار من ذلك، لضعف نفسها، وغلبة طبعها من غير أن تحرم ما أحل الله، أو تكره شرعه.
وما ينوي الزوج فعله من التزوج بالأرملة أو المطلقة أو من فاتها الزواج من الأبكار، أمرٌ يُشكر عليه، وينبغي تشجيعه عليه من قبَل الناس، ومن قبَل زوجته، فهذا من الأخلاق النبيلة، ويجب على الزوجة أن تحب لغيرها ما تحب لنفسها، فهي تحب أن يكون لها زوج وأولاد، فكذلك ينبغي أن تحب لغيرها هذا، بل لو كانت ابنتها على مثل هذه الحال لتمنت الزوج الذي يستر عليها ويحفظها ولو كان متزوجاً من أكثر من واحدة، فلتعلم أن هذا هو شعور النساء وأمهاتهن.
ومما لاشك فيه أن تعدد الزوجات هو من الحلول المثلى لمشكلة العنوسة التي تفشت في بلاد المسلمين، وتسببت في حوادث مميتة وأخلاق ساقطة.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
إن من أسباب القضاء على العنوسة تعدد الزوجات؛ فكون المرأة تتزوج من رجل يقوم بكفالتها ويصونها وتأتيها منه ذرية صالحة ولو كانت رابعة أربع: أحسن من كونها تبقى أيِّمًا محرومة من مصالح الزواج ومعرضة للفتنة، وهذا من أعظم الحِكَم في مشروعية تعدد الزوجات، وهو في صالح المرأة أكثر منه في صالح الرجل، وكون المرأة قد تجد مشقة في معايشة الضرة: يقابله ما تحصل عليه من المصالح الراجحة في الزواج، والعاقل يقارن بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، ويعتبر الراجح منها، ومصالح الزواج أرجح من المضار المترتبة على التعدد إن وجدت.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 168) .
قالت إحدى النساء العاقلات:
" بعدما وصلت العنوسة إلى كل البيوت , فلن أقف في طريق زوجي أبدا، بل أنا التي سأدفعه إلى أن يستعد للزواج بأخرى، فغيرتي على ديني أكبر من غيرتي على زوجي ".
وإذا لم تشترط المرأة ذلك في عقد النكاح: فلا يجوز لها أن تطلب الطلاق، فإن فعلت فهي آثمة.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود (2226) وابن ماجه (2055) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه " (1685) .
وننصح المرأة وكل امرأة تزوج عليها زوجها أن ترضى بحكم الله، وتسأل الله أن يذهب ما في قلبها من الغيرة وأن تصبر وتبقى عند زوجها.
ونقول – أخيراً – للزوج الفاضل: لا تبنِ بيتاً على حساب آخر، ولا تتزوج أخرى والثمن طلاق الأولى، فمقصودك من التعدد مقصود طيب، لكن قد لا يتيسر لك الأمر بسهولة، فيمكنك التدرج مع زوجتك لإقناعها بالأمر عن طريق تقوية إيمانها، ودلالتها على نماذج فاضلة، وعدلٍ متحقق عند إخوة لك معددين، ولا تتعجل بالأمر قبل نجاحك في هذا الأمر، وقد قالت امرأة تزوج زوجها من عانس وقد ظلم الأولى في معاملته – تخاطب صحافية -:
" اكتبي لمن يرى في التعدد الحل لمشاكل العوانس والمطلقات: أن الرجال يحلون مشكلة امرأة على أنقاض امرأة أخرى! ويبنون بيوتاً على هدم بيوت أخرى عندما يعجزهم العدل ".
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/894)
تصرخ في وجه زوجها وعاهدت الله على ترك ذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة منذ 3 شهور أحببت زوجي كثيرا وأحبني، وللأسف عندما توجد مشكلة بيننا فإنني أنسى الحب وأعايره وأصرخ بوجهه وأضرب نفسي وأدعو عليها ولا أقدر أن أستعيذ من الشيطان الرجيم، وزوجي يهدئني ولا أرد عليه فلا أهدأ إلا بعد الصراخ الشديد فقد وعدت ربي أن لا أصرخ بوجه زوجي أبدا وللأسف لم أتقيد بالوعد فماذا علي أمام ربي ثم أمام زوجي مع أنني اعتذرت له لكن يتكرر أسلوبي معه عند كل مشكلة فما هو الحل منكم بعد لجوئي إلى الله أولا فأنا لا أريد أبدا تصرفي هذا مع أنني أصلي وأصوم وأقرأ القرآن ولكن عصبية جدا ولا خلق حسن لدي فقد كنت بالماضي عاصية لوالديّ وتبت ونلت رضاهم فهل هذا عقاب الله لي أم ماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يرزقك الحلم والأناة والخلق الحسن، وأن يزيد ما بينك وبين زوجك من الألفة والمحبة.
ثانيا:
"المشروع أن يتخاطب الزوجان بما يجلب المودة ويقوي الروابط الزوجية، وأن يجتنب كل منهما رفع الصوت على صاحبه، أو مخاطبته بما يكرهه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، ولا ينبغي لها رفع الصوت عليه لقوله سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228، ولكن ينبغي للزوج أن يعالج ذلك بالتي هي أحسن، حتى لا يشتد النزاع "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/247) .
ثالثا:
ينبغي أن تدركي أنك في بداية الحياة الزوجية، وصدور ما ذكرت من الصراخ والغضب والدعاء على نفسك، كل ذلك لا يليق في جميع الأحوال، ولا يليق في هذه المرحلة على وجه الخصوص، فإن ذلك قد يسبب نفرة زوجك، وندمه على الزواج منك، وربما تغيرت معاملته ونظرته لك، فالحذر الحذر من تكرار ما ذكرت.
رابعا:
علاج الغضب يكون بأمور:
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند الشعور بالغضب.
2- تغيير الهيئة عند الشعور بالغضب؛ فإذا كان قائماً فليجلس.
3- أن تستشعري ثواب الصبر والحلم وكظم الغيظ، وأن ذلك من صفات المتقين الموعودين بالجنة.
انظر السؤال (70235) .
خامسا:
لا يجوز للإنسان أن يدعو على نفسه، لما روى مسلم (920) من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ) .
وروى مسلم أيضا (3014) من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ) .
فالإنسان قد يجلب لنفسه ولأولاده الشر، بسبب دعائه وسوء منطقه.
سادسا:
إذا كنت عاهدت الله على عدم الصراخ في وجه زوجك، ثم إنك حنثت في هذا العهد، فيلزمك كفارة يمين؛ لأن العهد بمنزلة اليمين عند جماعة من أهل العلم، قال الزهري رحمه الله: " من عاهد الله على عهد فحنث فليتصدق بما فرض الله في اليمين ". نقله في "المدونة" (1/580) وقال: " وقاله ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد " انتهى.
وانظر السؤال (20419) .
وكفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
سابعاً:
وأما عقوقك السابق لوالديك، فإن الله تعالى لا يعاقب الإنسان على ذنب تاب منه، فإذا كنت قد تبت توبة نصوحاً وسامحك والداك فإن الله تعالى يقبل توبة عبد إذا تاب إليه وأناب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250)
حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/895)
هل تمضي في هذا الزواج أم لا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة وطيبة القلب مستقيمة في كل أعمالي شاءت الأقدار أنني خطبت ابن عمي ولم أكن أعرفه من قبل لأنه يسكن في أمريكا وقد كانت معرفتي به قليلة عندما زار الوطن وبعدها سافر، وقد تم كتب الكتاب بيننا وتم الاتفاق أن الزواج بعد 8 أشهر حتى أنهي دراستي ولكن وبعد سفره وأثناء اتصالنا مع بعضنا البعض أصبحنا نختلف ونزعل مع بعض في كثير من الأمور، وكل اتصال يتم بيننا لا ينتهي إلا بالمضايقة وحتى إنه لم يكن ذلك الشخص الذي أعرفه من قبل فقد انقلب رأسا على عقب في كل شيء تماما وقد فكرنا بالانفصال ولولا تدخلات الأقرباء الذين حالوا دون الطلاق ولكن العلاقة لم ترجع مثل الأول وأنا في حيرة من أمري في المضي أم التراجع عن الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان ابن عمك مستقيما في دينه، محافظاً على الصلاة، مرضياً في خلقه، فلا تتسرعي في طلب الانفصال، فإن كثيرا من الخلافات الجزئية يمكن علاجها، والتفاهم حولها، وقد يحتاج الأمر إلى بعض الوقت، ليحصل التجانس والتآلف. لكن الأمر الأهم هو علاقته بربه سبحانه وتعالى، والتزامه بدينه، فإن صاحب الدين، يعين أهله على طاعة الله، ويقربهم من مرضاة الله، وهو مأمون الجانب غالبا، يمنعه دينه والتزامه من أن يسيء أو يظلم، لاسيما إذا سافرت معه بعيدا عن أهلك، أما إن كان مفرطا في دينه مضيعا لصلواته، غير معروف بالاستقامة، فلا شك أن الزواج منه خطر؛ لأن من ضيع دينه فهو لما سواه أضيع، ومن فرط في حق خالقه ومولاه، فلا عجب أن يفرط في حق غيره، وتركُ من هذا حاله الآن، أفضل من تركه بعد ذلك، قبل الدخول وحصول الولد.
وعليك بصلاة الاستخارة، فإنه ما خاب من استخار ربه تعالى، واستشيري صالحي أهلك ممن يعرف حال زوجك وأخلاقه وطباعه.
ولمعرفة صلاة الاستخارة انظري السؤال رقم (11981) ، (2217)
وينبغي أن تسعيْ من جهتك للتحلي بأفضل الخلال وأجمل الخصال، فإن كلا الزوجين مأمور بذلك، وقد يكون الخلل من قِبلك أيضا، وربما شكى الزوج من أسلوبك ومعاملتك كما تشكين، نسأل الله أن يصلح أحوالكم وأن ييسر لكم الخير حيث كان.
ثانيا:
ورد في سؤالك، قولك: " شاءت الأقدار "، وهذا خطأ شائع، فإن الأقدار لا مشيئة لها، والصواب أن يقال: شاء الله، أو قَدَّر الله.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن قول: " شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا "، " وشاءت الأقدار كذا وكذا "؟
فأجاب: " قول: " شاءت الأقدار "، و " شاءت الظروف " ألفاظ منكرة، لأن الظروف جمع ظرف وهو الزمن، والزمن لا مشيئة له، وكذلك الأقدار جمع قدر، والقدر لا مشيئة له، وإنما الذي يشاء هو الله عز وجل، نعم لو قال الإنسان: " اقتضى قدر الله كذا وكذا ". فلا بأس به. أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما الإرادة للموصوف " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/113) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/896)
يسيء إلى أم زوجته ويهجرها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مقاطعة الحما " أم الزوجة " من زوج ابنتها أو رفع الصوت عليها أو سبها؟ الرجاء توضيح الأمر باستفاضة مع ذكر آيات من القرآن أو أحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم وذلك لأهمية الموضوع بالنسبة لي، مع العلم أختي متزوجة وزوجها كثير المشاكل معنا وعلى خلاف دائم مع أمي " أم الزوجة ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للزوج أن يكون حسن الخلق مع أقارب زوجته؛ لاسيما مع أمها؛ لما يترتب على ذلك من حصول الألفة والمحبة، واستقرار الحياة الزوجية وتماسكها، فإن إكرام الزوج لحماته هو في الحقيقة إكرام لزوجته، وإكرام لجدة أولاده، وإهانته لها إهانة لزوجته ولأولاده، وخروج عن العشرة الحسنة التي أمر الله بها، قال سبحانه: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19، وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وتأمل حال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو يكرم صديقات خديجة رضي الله عنها، حتى بعد وفاتها، فهذا يؤكد ما ذكرنا من أن إكرام أقارب الزوجة وأحبابها إكرام لها.
روى مسلم (2435) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ، قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا) .
وروى مسلم أيضا (2437) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد) .
وأما السب ورفع الصوت، فهذا مناف لحسن الخلق، بل هو باب من أبواب الإثم، فلا يجوز لمسلم أن يسب مسلما.
وكذلك المقاطعة والهجر مما نهت عنه الشريعة، فقد روى البخاري (6077) ومسلم (2560) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ) .
فعلى هذا الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يحسن إلى زوجته وإلى أقاربها، لتزداد الألفة والمحبة، ويبارك الله تعالى له في أهله وبيته وأولاده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/897)
حكم خروجها من البيت دون إذن زوجها وسفرها دون محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل إلى أي درجة تصل واجبات الزوج تجاه أهل زوجته؟ سؤالي هذا لأنني عانيت مشكلة كبيرة مع زوجي نظراً إلى تعامله السيئ جدّاً مع أمي عندما قامت بزيارتنا (نتيجة لمشاجرة حدثت بين حماتي وأمي) وانتهت بأن زوجي طرد أمي أو ما شابه، وأنا نتيجة إلى هذا اضطررت أن أغادر مع أمي البيت ضد رغبة زوجي في البقاء معه (علما بأنني كنت أقطن في بلد آخر وسافرت مع أمي إلى بلادنا) ومعاملة زوجي لي جيدة غير أنى غضبت من معاملته لها بهذا الشكل، مع أنه تأسف لها في اليوم التالي , لكنها لم تسامحه، فهل تصرفي كان صحيحاً، أم أنني لم أطع زوجي كما وصى الله سبحانه وتعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي للزوج أن يصل أهل زوجته، ويحسن إليهم، فإن هذا من حسن معاشرة زوجته، وفعله هذا يُدخل السرور إلى قلبها، ويجعله محل احترامها وتقديرها، ويزيد في المحبة والمودة بينهما.
قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) النساء/19.
قال ابن كثير:
" أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ ?لَّذِى عَلَيْهِنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (285) " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1/477) .
ثانياً:
وأما طرد زوجكِ لأمكِ من بيته فقد اعتذر عن ذلك، وينبغي لمن اعتذر له أخوه أن يقبل اعتذاره ويتجاوز عن زلته.
ولتعلم المرأة المتزوجة أن طاعة زوجها مقدمة على طاعة والديها، فالرجل لا يقدِّم أحداً على أمه في البرِّ، والزوجة لا ينبغي لها أن تقدِّم أحداً على زوجها في الطاعة؛ وذلك لعِظَم حقه عليها، ومن عظم حق الرجل على المرأة أن الشرع كاد يأمرها بالسجود له لولا أنه لا يجوز لأحد أن يسجد لأحد من البشر.
ولا يحق للزوج منع أهل زوجته من زيارة ابنتهم، إلا إن كان يخشى منهم إفساداً لها أو تحريضاً على النشوز، فله – حينئذٍ – منعهم.
ثالثاً:
وأنتِ قد أخطأتِ مرتين ووقعتِ في مخالفة الشرع فيهما، أما الأولى فهي خروجكِ من البيت من غير إذن زوجك، والثانية هي سفركِ من غير محرَم.
أما الخروج من البيت دون إذن الزوج فهو من المحرمات، بل إن الله تعالى منع المرأة المطلقة رجعيّاً أن تخرج من بيتها فكيف إن لم تكن كذلك؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق/1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله , وقرأ قوله تعالى: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) يوسف/25، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق , فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ – أي: أسيرات-) ، فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير , فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/148) .
قال ابن مفلح الحنبلي:
" ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة، أو واجب شرعي " انتهى.
"الآداب الشرعيَّة" (3/375) .
وأما سفر المرأة من غير محرم، فهو حرام، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي:
" فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، والله أعلم " انتهى بتصرف من "شرح مسلم" (9/103) .
والبريد: مسافة تقدر بنحو عشرين كيلو متر تقريباً.
ونرجو النظر في جواب السؤال (10680) ففيه بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/898)
ماذا يقول الرجل إذا دخل على زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ضابط السنة في الدخول على الأهل ليلة الفرح، لأنه أشكل على كثير من الناس أنه يقرأ سورة البقرة ويصلي، وهذه العادة الآن عند كثير من الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخل الرجل على زوجته أول ما يدخل فإنه يأخذ بناصيتها
- يعني مقدمة رأسها - ويقول:: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه أخرجه أبو داود رقم 2160، وابن ماجه رقم 1918، ولكن إذا كان يخشى أن المرأة تنزعج إذا أخذ بناصيتها وقال هذا الدعاء، فإن بإمكانه أن يأخذ بناصيتها كأنما يريد أن يقبلها، ويقول هذا الذكر بينه وبين نفسه من غير أن تسمع، يقول بلسانه وينطق به لكن من غير أن تسمع لئلا تنزعج، وإذا كانت امرأة طالبة علم تعرف أن هذا مشروع فلا حرج عليه أن يفعل ويسمعها إياه، وأما صلاة الركعتين عند دخوله الغرفة التي فيه الزوجة، فقد وردت عن بعض السلف أنه كان يفعل ذلك، فإن فعله الإنسان فحسن وإن لم يفعله فلا حرج عليه، وأما قراءة البقرة أو غيرها من السور، فلا أعلم له أصلاً.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 52/41(6/899)
تقبيل يد الزوجة أمام الناس في الشارع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أمسك يد زوجتي عندما أكون في الشارع؟ ماذا عن تقبيل يدها كعلامة عن حبي لها (حتى لو كانت تلبس نقاباً وقفازاً) ؟
أظن أنه في بلاد العرب لا يفعل هذا أحد، وأريد أن أعرف هل هذا عرف وتقليد أم هناك دليل صحيح على هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا من خوارم المروءة، ومن التبذّل والإسفاف إظهار هذا أمام الناس لأنّ ما تفعله هو نوع من مباشرة الزوجة على الملأ فابتعد عن ذلك، ويُمكن أن تُظهر لها المحبّة بغير هذه الطّريقة وإذا خلوتما فافعل ما شئت بالمعروف، وفّقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/900)
هل النوم بجانب الزوجة في الفراش يتعارض مع الطّهارة المشروعة قبل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[من سنن النوم الوضوء قبله، بالنسبة للزوجين ينامان على نفس السرير الواسع بجانب بعضهما. أظن أن هذا ليس من السنة وأود معرفة رأيك. جزاك الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بل هو من السنة فقد دل على أحاديث كثيرة منها الذي رواه البخاري (2945) ومسلم في (2727) أن رسول الله قال له ولفاطمة رضي الله عنهما إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبر ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمد ثلاثاً وثلاثين وفي رواية أخرى عند البخاري (3502) فجاء النبي إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري.
فقد دل هذا الحديث بمنطوقه الصريح على أن نوم الرجل مع زوجته في فراش واحد من السنة ولعل الإشكال الذي طرأ إلى ذهن السائل أنه عندما يتوضأ الرجل ثم بعد ذلك ينام هو وزوجته في فراش واحد فإنه لا بد أن يلامسها وهذا سوف ينقض الوضوء فإذن لا فائدة من الوضوء حينئذ لا بدّ من التعرّض لمسألة لمس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟
لقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال عدة وسبب الاختلاف راجع إلى اختلافهم في تفسير قوله تعالى {أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً} النساء: 38.
فذهبت طائفة من أهل العلم أن الملامسة هنا مختصة باليد، وذهبت طائفة أخرى أن الملامسة هاهنا الجماع كما في قوله {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وقوله {إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وذكروا أن إجماع العلماء لا يوجب كمال المهر عند الطلاق بمجرد اللمس إنما يكون ذلك بالدخول وبالجماع، وهذا القول مروي عن علي وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وطاووس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان وأبي حنيفة. أنظر " نيل المرام من تفسير آيات الأحكام "لصديق حسن خان (1/314.316) .
والراجح من حيث الدليل القول الأخير فقد صح عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبّل ثم يصلي ولا يتوضأ "
انظر "نصب الراية" (1/72) و "نيل المرام" لصديق حسن خان (318-322 ـ الهامش) .
وروى البخاري في الصحيح (1/588) رقم (513) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح فهذان نصان في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الملامس، ولم يجدّد وضوءه، وأنه لامس في أثناء صلاته فدلت السنة التي هي البيان لكتاب الله أن مجرّد لمس المرأة لا ينقض الوضوء، ولكن لو خرج منه مذي أو منيّ انتقض وضوءه، فإذا عرف السائل الراجح في هذه المسألة فحينئذ ينحل الإشكال ويخرج من حيز الإقفال والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/901)
هل تطلب الطلاق من زوجها الذي لا يحافظ على الصلاة ويقصر في حقوقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تقدم لخطبتي شاب أقل مني في المستوى التعليمي فلم يحصل إلا على الثانوية، وأنا جامعية فرفضت، فادعت أمه أنه معه دبلوم في اللغة الإنجليزية ثم تبين لي بعد ذلك أنه لا يعرف شيئا عن اللغة الإنجليزية، وقالت إنه موظف وراتبه 4000 ريال وهذا الراتب يكفي لأن جده سيعطيه شقة له على سبيل الهدية، وتم الزواج فعلا ولكن ظهر لي بعد ذلك أن عليه ديونا للبنوك تخصم من راتبه، ولا يعطيني في الشهر إلا 100 ريال فقط، ومنذ ثلاثة أشهر ترك العمل ولم يجد غيره، ولم ننتقل إلى الشقة التي أعطاها له جده مع أنه مضى من الوقت الآن سنة وأربعة أشهر على زواجنا. لأنه لا يستطيع أن ينفق علي، بل نقيم مع أهله. وهو مع ذلك متهاون في الصلاة، لا يصلي إلا إذا طلبت منه ذلك، وهو أيضا بدين جدا مما يمنعني من الحصول على اللذة معه، ولا يهتم بنظافته الشخصية، حتى بدأت أنفر منه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج آية من آيات الله، ونعمة من نعمه، يجد فيها الزوجان السكن والأنس، والمودة والرحمة، مع العفة والإحصان، وإنجاب الذرية الصالحة التي تعمر الأرض وفق منهج الله. كما قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وهذه مقاصد الزواج التي شرع من أجلها، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد، كان الطلاق سبيلا مشروعا، يمهّد للانتقال لحياة زوجية أخرى، تتحقق فيها أهداف النكاح ومقاصده.
وما ذكرتِه من الأسباب، يبيح لك سؤال الطلاق؛ وقد روى الترمذي (1187) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
فقوله: "من غير بأس" أي: من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فالواجب على المرأة أن تعاشر بالمعروف، وأن تسمع وتطيع لزوجها بالمعروف، وألا تطلب الطلاق إلا من علة، فإذا كان هناك علة، فلا بأس، مثل أن يكون بخيلا لا يؤدي حقها، أو كان كثير المعاصي، كالسُّكر ونحو ذلك، أو كان يسهر كثيرا ويعضلها، أو ما أشبه ذلك من الأسباب فهذا عذر معتبر " انتهى، نقلا عن "فتاوى الطلاق" ص 264.
وهذه الأسباب التي ذكرت وإن كانت تبيح لك سؤال الطلاق، إلا أنه ينبغي أن تفكري في هذا الأمر تفكيرا كثيرا قبل الإقدام عليه، مراعية عدة أمور:
الأول: الأمل في صلاح حاله، لاسيما إذا انتقلتما إلى شقة خاصة، ولعله بتشجيعك يلتزم بصلاته، ويفتح الله عليه برزق حسن، ويسعى لإرضائك والتخلص مما يؤذيك، ويكون لك أجر الصبر والإحسان إليه، وإعانته على تغيير حاله. فراجعي نفسك، وتدبري في حال زوجك، فإن رجوت منه صلاحا وتغيرا، فاصبري واحتسبي، واعلمي أن الصبر عاقبته الفرج والظفر، وكم من امرأة صبرت على زوجها وسوء خلقه، ثم غير الله حاله، وصار من أحسن الأزواج، لا ينسى صبرها ومعروفها وإحسانها، وقد قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34، 35.
والمرأة لها دور عظيم يمكن أن تقوم به في مجال إصلاح زوجها، ودعوته إلى الخير والفلاح، إذا أوتيت الحكمة والرفق والأسلوب الحسن. وينبغي أن يتجه الإصلاح أولا إلى الدين، قبل الجسم والمادة، فإنه إن صلح دينه جاءه التوفيق والتسديد في أموره كلها بإذن الله وفضله.
الثاني: أن تنظري في أمرك فيما لو وقع الطلاق، وكيف سيكون حالك، وهذا أمر لا يُحكم عليه في وجود الغضب أو النفور من الزوج، بل يحتاج إلى روية ونظر وتأمل، والعاقلة قد ترضى بالحياة المنغّصة مع زوج فيه خير وشر، وصلاح وفساد، وتفضل ذلك على أن تكون مطلقة، تعاني من الوحدة والقلق والبحث عن الزوج، في زمان انتشرت فيه العنوسة، وصعب فيه أمر الزواج من الأبكار، فضلا عن المطلقات.
وهذا يختلف من امرأة لأخرى، فربما كانت المطلقة مرغوبة لدينها أو لجمالها أو مالها أو نسبها.
الثالث: ينبغي أن تكثري من اللجوء إلى الله تعالى، وسؤاله أن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك، وألا تتخذي قرارا إلا بعد أن تستخيري ربك جل وعلا.
ولمعرفة صلاة الاستخارة ينظر السؤال رقم (11981) ، (2217)
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير والهدى والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/902)
هل للزوجة أن تمتنع عن زوجها في رمضان للعبادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في امرأة تأبى زوجها في رمضان نتيجة انشغالها بالعبادة والقُرب من الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شهر رمضان مناسبة عظيمة للعابدين ليزيدوا في عباداتهم، وللعاصين أن يتركوا ما هم عليه من معاصٍ ويصطلحوا مع ربهم عز وجل بتركها والإكثار من الطاعة فيه لبداية طيبة لحياة أخرى غير التي كانوا عليها.
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بفضيلة الصيام والقيام والاعتكاف في هذا الشهر، كما أن فيه ليلة – وهي ليلة القدر – جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر.
وعليه: فلا يُنكر على من أراد استغلال أيام هذا الشهر لطاعة ربه، فالنفوس فيه مهيأة لقراءة القرآن وطاعة الرحمن، وسواء كان ذلك من الرجال أم من النساء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (37) ومسلم (760) .
ثانياً:
يجب أن تعلم المرأة أن لزوجها عليها حقّاً عظيماً، فلا يجوز لها أن تضرب بهذه الحقوق عرض الحائط، ولا يجوز لها أن تعارض حق زوجها بما تؤديه من نافلة العبادات.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا , وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ) . رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1938) .
" القَتَب للجمل كالإكاف لغيره، ومعناه: الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا ينبغي لهن الامتناع في هذه الحالة، فكيف في غيرها؟
"حاشية السندي على ابن ماجه".
ولعظم حق الزوج أُمرت المرأة باستئذانه قبل قيامها ببعض التطوعات التي قد تتعارض مع حقه، ومنها:
1. صوم النافلة:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري (4896) ومسلم (1026) .
قال النووي رحمه الله:
" هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 115) .
2. الخروج للمسجد
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْهَا) رواه البخاري (4940) ومسلم (442) .
ثالثاً:
ويجب على الزوج أن يتقي الله في امرأته، وأن لا يكلفها فوق طاقتها، إذ كثير من الرجال يشغلون نساءهم نهاراً بالطبخ، وليلاً بالحلويات، فتضيع الأيام والليالي على المرأة، فلا تحسن استغلال نهار صومها بطاعة، ولا ليله بعبادة، ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون لها نصيب من عبادات هذا الشهر وطاعاته، فلا يمنعها من قراءة القرآن، ولا من قيام الليل، وأن يكون ذلك بتنسيق بينهما لئلا يحصل تعارض بين حقه وطاعة ربها وعبادته، وهذا – طبعاً – في عبادات النوافل، أما الفرائض فليس للزوج منعها منها.
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه هو حثهن على الطاعة والعبادة، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ , وَأَحْيَا لَيْلَهُ , وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) رواه البخاري (1920) ومسلم (1174) .
وإذا عرف كل واحد من الزوجين ما له وما عليه استراحا من الشقاق والنزاع غالباً , وإذا علما أن مثل هذه المناسبة قد لا تتكرر في حياتهما إلا قليلاً زاد ذلك من حرصهما على استغلال أيام رمضان ولياليه أحسن استغلال.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين قلوبكما، وأن يعينكما على طاعته وحسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/903)
هل يعتكف في العشر الأواخر وحده أم يرجع عند أهله ويتعبد معهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسافر كل يوم لمسافة حوالي 122 كيلومتر للذهاب إلى العمل، لكن أثناء رمضان أبقى في المدينة حيث أعمل، وذلك من الاثنين إلى الجمعة، ولا أذهب لرؤية أهلي طوال الأسبوع، هل يجوز لي الصوم أثناء الرحلة لأنها ليست رحلة شاقة خلال هذه الأيام؟ هل صومي صحيح؟ إذا أخذت آخر عشرة أيام من رمضان إجازة من العمل فهل أعتكف في نفس المدينة أم أعتكف مع أسرتي التي لم أتمكن من قضاء وقت كثير معها؟ وأيضًا لمساعدة زوجتي في أعمال البيت لأنها تتعب جدّاً ولا يمكنها أداء كثير من العبادة، هل الأفضل لي الاعتكاف أم قضاء الوقت مع أسرتي والتعبد معاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للمسافر أن يفطر في رمضان، لقول الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، ولا فرق بين أن يكون السفر شاقاً أو سهلاً.
وهل الأفضل له أن يصوم أو يفطر؟
الجواب:
الأفضل له الصيام إلا إذا وجد مشقة فالأفضل الفطر.
وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (65629) و (20156) .
ثانياً:
والأفضل لك أيها الأخ أن ترجع لأهل بيتك وتقيم بينهم لمساعدة زوجتك على شئون البيت؛ ولإعانتها على القيام بالطاعة واستغلال العشر الأواخر، وبقاؤك بين أهل بيتك لحثهم على الطاعة والعبادة خير من اعتكافك وحدك مع حرمانهم منها بسبب بعدك، وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر ومنه: " أيقظ أهله " أي: أيقظهم للطاعة والعبادة والصلاة والدعاء، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليعتكف ويترك أهل بيته دون عناية ورعاية، وقد ثبت أن صفية رضي الله عنها زارته وهو معتكف، وثبت أنهن اعتكفن معه، والاعتكاف عبادة خاصة غير متعدية، وبقاؤك مع أهلك وحثهم على العبادة وحسن معاشرتهم هو من الأفعال المتعدية في نفعها لغيرك، ولن تُحرم أجر طاعتهم، ولن تَحرم نفسك من العبادة، إذ يمكنك مصاحبة أهل بيتك لقيام الليل في أحد المساجد، ويمكنك إيقاظهم آخر الليل للدعاء وقراءة القرآن، وهذا خير يعمك ويعم أهل بيتك، فننصحك بالرجوع إلى أهلك والبقاء في العشر الأواخر بينهم، وحثهم على الطاعة والعبادة، ويمكنك إذا رأيت استقامة حال أهلك، والتزامهم بالطاعات أن تعتكف بعض الليالي في مسجد حيك، فتجمع بين أنواع الطاعات، وتصيب خيراً عظيماً إن شاء الله، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يتقبل منك ومن أهل بيتك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/904)
استعمال حبوب منع الحمل ابتداء خوفا من فشل النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تأخذ حبوباً (لمنع الحمل) قبل زواجها لتتجنب الحمل في حالة أن الزواج لم ينجح (تحمل ثم لا يستمر الزواج فيقع الطلاق وتبقى هي مع الطفل) ؟
هل يجب أن تخبر زوجها ليلة الزفاف بأنها ستأخذ حبوباً؟ على ضوء السابق هل يجوز استعمال حبوب منع الحمل بسبب احتمال أن الزواج لا ينجح ولا يستمر (في السنة الأولى فقط من الزواج) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ثبت بالطبّ أنّ حبوب منع الحمْل تسبب أذى للمرأة وأضرارا، فإنه لا يجوز استعمالها سواء قبل الزواج أو بعده بناء على قاعدة منْع الضرر المستندة إلى قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وقوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) إلا إذا أمكن إنتاج حبوب تخلو من الضرر.
وأما منع الحمل بأي وسيلة غير ضارة في أول الزواج تحسباً لحدوث فشل في الزواج فهذا فيه محاذير متعددة منها:
- أنه قد يكون من التشاؤم، لأنه توقّعٌ للفشل.
- أنه قد يؤدي إلى سوء العشرة الزوجية وتوجّس الشر من الطرفين، لأنه من المعلوم أن أهم مقاصد النكاح النسل، فإذا تأخر لسبب معين فإن العلاقة تفتر بين الزوجين وإذا اكتشف الزوج أن هذا مقصود الزوجة ساءت العلاقة بينهما.
- أن وظيفة الحمل في النساء من أهم الوظائف التي تولّد عند المرأة الشعور بالحنان والعاطفة والمحبة لزوجها وأولادها، فإذا مٌنعت ولّدت العكس.
- أن الفقهاء رحمهم الله اشترطوا للعزل من الزوج أو سدّ مجرى الحَبَل من المرأة إذن الطرف الآخر لأن لكل منهما حقّاً في الولد، فلا يجوز للمرأة تعاطي ما يمنع الحمل دون إذن الزوج ورضاه.
- خوف الفشل وكثرة وقوع الطّلاق في المجتمع لا تكون مواجهته بهذه الوسيلة، بل بالاختيار الصحيح للزوج والتحقق من ذلك، وتمكين الخاطب من النظر الذي هو من أسباب حصول المودة بعد النكاح وغير ذلك من الوسائل. نسأل الله أن يهيّئ لنا من أمرنا رَشَدا وصلى الله على نبيّنا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/905)
عند المداعبة يقول لها تشبيهات غريبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجي نحب بعضنا كثيراً ويقول لي أشياء مثل (لعابك مثل ماء الجنة) ، أعلم بأنه لا يعني ذلك لأنه يقول بأنه لا يقول هذا إلا ليرضيني، مؤخراً توقف عن مثل هذه الأقوال خوفاً أن تكون حراماً، أرجو أن تخبرني إذا كانت حراماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على الزوج أن يجتنب مثل هذا اللفظ الموهم فإن الجنة ليس فيها مما في الدنيا شيء يشبهه ولا يقاربه، والزوج لم يجرب ماء الجنة ولا ذاق طعمه وفي الكلام الطيب اللطيف المباح ما يغني عن مثل هذه العبارات. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/906)
زوجها قوي الشهوة فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجنا منذ 6 أشهر وعندنا مشكلة تتعلق بتنظيم عملية الجماع فهو عنده رغبة قوية جداً وحاولت أن أوفي باحتياجاته لكنني لم أستطع وأصبحت مرهقة وبدنياً غير قادرة على ذلك.
وزوجي وجد أن الموقف سيء وهو ينفصل عني في المنزل. أعلم أن واجبي هو إشباع رغباته لكن ما هي واجباتنا نحو بعضنا البعض؟
إذا كان أحدنا لا يستطيع مجاراة الآخر رغم نية إرضاء الطرفين: هل يجوز لزوجي أن ينفصل عني بهذه الطريقة؟ وهل يحق له أن يأتي إلي من أجل هذه العلاقة رغم أننا لم نتكلم سوياً؟
نحن ولله الحمد بالرغم من هذا سعداء مع بعضنا ونحب بعضنا ويحترم كل منا الآخر. ولكننا نريد حلاً إسلامياً لإزالة هذه المشكلة من حياتنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الزوج أن يعاشر امرأته بالمعروف، ومن المعاشرة بالمعروف: الجماع، وهو واجب عليه، وقد قدَّر جمهور العلماء المدة التي لا يحل للزوج أن يترك الجماع بها أربعة أشهر، والأصح أن ذلك لا يتحدد بمدة بل الواجب عليه ان يطأها بقدر كفايتها.
قال ابن قدامة رحمه الله:
والوطء واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر، وبه قال مالك.
" المغني " (7 / 30) .
وقال الجصَّاص:
إن عليه وطأها بقوله تعالى: {فتذروها كالمعلَّقة} يعني: لا فارغة فتتزوج، ولا ذات زوج، إذا لم يوفها حقها من الوطء.
" أحكام القرآن " (1 / 374) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
ويجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها، ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشته، غير مقدَّر بأربعة أشهر ...
" الاختيارات الفقهية " (ص 246) .
ويجب على المرأة أن تطيع زوجها إذا دعاها للفراش، فإن أبت فهي عاصية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح ".
رواه البخاري (3065) ومسلم (1436) .
قال شيخ الإسلام:
يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش وذلك فرض واجب عليها.. .. فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة ... ، كما قال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} .
" الفتاوى الكبرى " (3 / 145، 146) .
ولا يجوز للزوج أن يحمِّل امرأته ما لا طاقة لها به من الجماع، فإذا كانت معذورة لمرض أو عدم تحمل لم تأثم من رفضها للجماع.
قال ابن حزم:
وفرض على الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائمة فرض فإن امتنعت لغير عذر فهي ملعونة.
" المحلى " (10 / 40) .
وقال البهوتي:
(وللزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت ... ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها) فليس له الاستمتاع بها إذن لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف وحيث لم يشغلها عن ذلك ولم يضرها فله الاستمتاع.
" كشاف القناع " (5 / 189) .
وللزوجة التي يضرها زوجها بكثرة الجماع أن تصطلح مع زوجها على عدد معين تتحمله، فإن زاد حتى ضرها ذلك فلها أن ترفع أمرها للقاضي، فيحكم القاضي بعدد معين يلزم الزوج والزوجة به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ويجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها، ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشته، غير مقدَّر بأربعة أشهر ...
فإن تنازعا: فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة، وكوطئه إذا زاد.
" الاختيارات الفقهية " (ص 246) .
وحيث لا يوجد الآن في بلدكم قضاء شرعي فعلي الزوجة أن تحاول الاتفاق مع زوجها حول هذا الأمر، ولتكلمه بصراحة وتذكره بالآيات والأحاديث التي تأمر الزوج بحسن المعاشرة مع زوجته، وتبين له أنها لم تمتنع عنه إلا لما يصيبها من الضرر، وأنها حريصة كل الحرص على طاعته وتلبية رغبته والنصيحة للأخت السائلة أن تصبر على زوجها، وتتحمل الأمر قدر استطاعتها، ولتعلم أنها مثابة مأجورة على ذلك من الله تعالى.
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى في امرأته، ولا يحملها ما لا طاقة لها به، وليحسن إلى امرأته، وليعاشرها بالمعروف، فإذا كانت شهوته قوية بحيث لا تكفيه زوجة واحدة فلماذا لا يحاول البحث عن حل لهذه المشكلة التي قد تكون سبباً لإفساد العلاقة بينه وبين زوجته، أو لما هو أخطر من ذلك وهو أن يتجه لإشباع شهوته بطريق محرم.
ومن هذه الحلول التي قد تساعد على حل هذه المشكلة أن يتزوج بأخرى، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربع بشرط أن يعدل بينهن، ومن الحلول أيضاً: أن يكثر من الصيام، فإن الصيام يقلل من الشهوة، ومنها أيضاً: أن يتناول أدوية تخفف من شهوته بشرط ألا يكون في ذلك ضرر عليه.
والله تعالى المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/907)
ماذا يُقال عند الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي من الأسئلة التي اختلفت الإجابات عليها. هل يجب على المسلم أن يقول عبارة ما أثناء الجماع؟ وهل يجب على المسلم (الزوج والزوجة) أن يصليا قبل ممارسة الجماع للمرة الأولى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الآداب الشرعية أن يقول المسلم عند إتيانه زوجته " بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ". رواه البخاري فتح رقم 138 ومن فوائد ذلك أنّ إذا قُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ الشّيطان.
وأمّا ما يقوله الزّوج إذا دخل بزوجته بعد الزّفاف فقد تقدّمت الإجابة على ذلك فراجع سؤال رقم (854) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/908)
يعزل عن زوجته حتى لا تحمل وهي في الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العزل أو أي صورة من صوره إذا كانت المدة تصل لسنتين أو أكثر حتى تنتهي الزوجة من دراستها قبل الحمل؟ وهل هذا يلغي واحداً من أهم أسباب الزواج في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من مقاصد النكاح في الإسلام وجود النسل وتكثير الأمة.
روى أبو داود (2050) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (1805) .
ثانياً:
العزل عن الزوجة – وهو إنزال المني خارج فرجها - جائز، لكن يشترط أن يكون بإذنها لأن من حقها كمال الاستمتاع، ومن حقها الولد، وهما يفوتان بالعزل.
عن جابر بن عبد الله قال: كنَّا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل.
رواه البخاري (4911) ومسلم (1440) ، وزاد: قال سفيان: لو كان شيئاً يُنهى عنه: لنهانا عنه القرآن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما " العزل " فقد حرمه طائفة من العلماء ; لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز بإذن المرأة. والله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (32 / 110) .
راجع سؤال رقم (11885) .
ثالثاً:
يجوز أن يتفق الزوجان على تنظيم النسل إذا كان ذلك مؤقتاً وليس منعاً دائماً. بشرط أن تكون الوسيلة المستعملة في ذلك ليس فيها ضرر على المرأة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
وأما استعمال ما يمنع الحمل منعاً مؤقتاً مثل أن تكون المرأة كثيرة الحمل، والحمل يرهقها، فتحب أن تنظم حملها كل سنتين مرة أو نحو ذلك، فهذا جائز بشرط أن يأذن به زوجها وألا يكون به ضرر عليها اهـ
من كتيب رسالة الدماء الطبيعية للنساء
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/909)
ما هي حدود تدخل أقارب الزوج في حياة زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق الحمو (أخو الزوج وأخواته) في الإسلام. هل للحمو حق الطاعة مثل والد الزوج وأمه؟ هل لهم الحق في دخول غرفتي بإذن أو بغير إذن؟ إلى أي مدى أطيعهم في ملابسي وطهو الطعام ورعاية أطفالي والمنزل وخروجي من البيت وهل لهم حق التدخل في حياتنا الزوجية؟ هل لهم حق فيما يتعلق بوظيفتنا وإقامتنا والتعليم وخلافه؟ هل يجب علي أن آخذ إذناً منهم لزيارة أهلي؟ هل لهم الحق في معرفة تفاصيل حياتنا؟ هل أطيعهم في مصافحة أقارب زوجي، وهل يحق لي ولزوجي حضور أعراس فيها منكرات؟؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الزوجة أن تطيع أحداً من أحمائها سواء والد الزوج أو والدته أو إخوته أو أخواته في أي شيء كان قل أو كثر، اللهم إلا أن يكون أمراً بواجب شرعي أو نهياً عن محرم فهذا تجب فيه الطاعة سواء كان من القريب أو البعيد أو الحمو أو غيره.
أما الزوج فطاعته واجبة بالمعروف لقوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. . .} النساء / 34.
قال ابن كثير رحمه الله وهو يذكر بعض حقوق الزوج على زوجته:
إن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرَّم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال اهـ. تفسير ابن كثير (1/493) .
ولا يجوز لأحد من احمائك أن يدخل غرفتك إلا بإذنك، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون} النور / 27.
فإن دخل أحد منهم بعد إذنك ولم يكن من محارمك – كأخي الزوج - فإنه لا بد من وجود محرم لك، حتى لا يكون هناك خلوة محرمة بينكما، مع التزامك بالحجاب الشرعي الكامل، والأمن من وقوع الفتنة.
ومع كل هذه الشروط يبقى عدم دخوله عليك في غرفتك أفضل، وأطهر للقلب، وأبعد عن الريبة. قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب / 53.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) .
قال النووي رحمه الله:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَمو الْمَوْت) مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره , وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ , وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ , بِخِلَافِ الأَجْنَبِيّ. وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. فَأَمَّا الآبَاء وَالأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا , وَلا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد الأَخ , وَابْن الأَخ , وَالْعَمّ , وَابْنه , وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ , وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ , فَهَذَا هُوَ الْمَوْت , وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الأَجْنَبِيّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وليس لهم أن يجبروك على شيء مما ذكرتيه من طهو طعام أو ما يتعلق بملبسك أو غير ذلك كالوظيفة والتعليم. . . إلخ إلا من باب النصيحة والعشرة الحسنة لا من باب الإجبار.
ولا يجوز لهم أن يتدخلوا في خصوصياتك أنت وزوجك، ولكن إن أقنعوا زوجك بألا تخرجا للفسحة المباحة وأمرك زوجك بالبقاء في البيت فأطيعي زوجك واصبري واحتسبي.
ولا يلزمك أن تستأذني أحداً منهم لزيارة أهلك، وليس ذلك من حقهم. والواجب عليك هو استئذان زوجك، فإن أذن لك فلا يجب عليك أن تستأذني أحداً منهم.
وليس لهم الحق في معرفة تفاصيل حياتكما، ولا يجوز لزوجك أن يخبرهم بما يكون بينك وبينه من أسرار الاستمتاع.
ويجب على زوجك أن يبر والديه.
وعليك أن تكوني عوناً له على ذلك، ولا تكوني سبباً لحصول القطيعة بينه وبينهم. وستجدين عاقبة ذلك في أولادك إن شاء الله تعالى.
ولتكن زيارة زوجك لوالديه على حسب الحاجة والمصلحة، فقد يطرأ على الأبوين ما يحتاجان معه إلى كثرة زيارة ولدهما لهما كالمرض ونحوه. فعلى زوجك مراعاة ذلك.
وأما خدمتك لهم والقيام بأعمال المنزل فلا يجب عليك ذلك. لكن إن فعلتيه إحساناً إليهما، وإرضاءً لزوجك، كان هذا خيرا، ولك أجر ذلك إن شاء الله تعالى وهذا مما يرفع درجتك عند زوجك وأهله في الدنيا، وترتفعين به في الآخرة كذلك إن شاء الله.
وأما الاستقلال بالسكن فيجب على زوجك أن يؤمِّن لكِ المسكن الذي تستقلين فيه، ولكن لا بأس أن يسكن والداه معكما في مسكن واحد يجمعكم إذا كان في البيت سعة، ولم يكن في ذلك ضرر عليك.
وأما كون حياتكما ستكون تحت المجهر فهذا ليس من حق والديه أن يكونا متسلطين عليكما، وحاولي التفاهم مع زوجك بالحسنى، فإن استطاع أن يحسم الأمر وإلا فلا بأس أن تكلمي أهله بالحكمة والخطاب الرشيد، فإن لم يستجيبوا ودام الحال على ذلك فاصبري واحتسبي الأجر عند الله.
وأما مصافحتك للرجال من غير محارمك فحرام، فلا تطيعي أحداً في ذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. للمزيد عن حكم مصافحة الأجنبية يراجع سؤال رقم (21183)
ولا يحل لزوجك أن يذهب إلى الأعراس التي فيها الصخب والمعاصي. وللمزيد يراجع سؤال رقم (10957)
وأخيراً. .
النصيحة للأزواج أن يبروا آباءهم بالمعروف ولا يطيعوهم إذا تعدوا حدود الله ولا يعينوهم على الظلم ومن ذلك ظلم زوجات الأبناء وعليهم أن يجادلوهم بالحسنى، وألا يحولوا بينهم وبين طاعة الله تعالى، ويجب أن يكونوا جريئين في الحق، وأن يواجهوا الذين يقفون بينهم وبين تطبيقهم لشرع الله تعالى في بيوتهم؛ لأن المسلم لا يرى سلطاناً لأحد عليه إلا القرآن والسنة، وأن يحترزوا ممن يدعونهم إلى المعاصي.
وإذا رأي الزوج أن المصلحة الشرعية تقتضي أن يباعد بين بيت زوجته ويبت أهله فلا حرج عليه أن يفعل ذلك.
ولتتسع أخلاقنا وصدورنا ويتحمل بعضنا البعض ولا ننسى الفضل بيننا، وأن نأتمر بالمعروف ونصبر وندفع الإساءة بالإحسان ونقول التي هي أحسن لعباد الله حتى نلقى الله.
والله المسئول أن يصلح أحوال الجميع، وصلى الله عليه نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/910)
مشكلة عائلية بسبب أخي الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أخو زوجي دائماً في بيتنا أو يتحدث معه على الهاتف أو يأخذه خارج المنزل ولا يستطيع أن يفعل أي شيء دون زوجي، وصل الأمر بأنني لا أتحمل رؤيته أبداً، أشعر بأنه يضع أفكاراً في رأس زوجي ويبعده عن مسئولياته تجاهي وتجاه أولاده الثلاثة، نعيش حياة نشيطة مع أولادنا وأنا أحب أن أفعل كل شيء لأولادي ولكنني أحب كذلك أن يكون زوجي معنا، ولكن أخوه لا يترك لنا فرصة، وإذا خرجنا يظل يتصل حتى يجده.
حصل شجار كبير بيني وبين زوجي لأنه يعتقد أنه من السهل أن يقول لي " لا " لأنني سأسامحه وأغفر له ولكنه لا يستطيع أن يقول " لا " لأخيه لأنه سيغضب منه لفترة طويلة. يجب أن يكون مرتبطاً بنا أكثر وليس بأخيه إذا أراد أن نبقي على حياتنا العائلية. كوني امرأة مسلمة: هل أنا أطلب أكثر من حقي؟ أم أن شعور أخيه يأتي أولاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يعلم الزوج أن الله تبارك وتعالى قد أوجب عليه رعاية أبنائه وتربيتهم والقيام على شئونهم، وأوجب عليه معاشرة زوجته بالمعروف، وأن كل تقصير في هذا فإن الله سائله عنه يوم القيامة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم / 6.
وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النساء / 19.
ثانياً:
على الزوج أن لا يُدخل في حياته ما يحول بينه وبين القيام على أسرته كعملٍ متواصل أو صحبة ملهية أو قريبٍ يأخذ وقته ويتدخل في شئون بيته.
والمسلم في هذا الزمان قد لا يجد الوقت الكافي للقيام بما أوجبه الله عليه، فكيف يهون عليه تضييع وقته مع غيره على حساب القيام بتلك الواجبات؟ .
ثالثاً:
على الزوجة أن لا تفرِّق بين زوجها وأهله، ولا ينبغي لها أن تتضجر من ترداده عليهم أو زيارتهم له، إلا أن يؤثر ذلك على ما أوجبه الله عليه.
والأب لا يقدِّم أحداً على أولاده لا أخاً له ولا قريباً، فلذلك لا ينبغي إحداث فجوة في العلاقات الأسرية بين الزوج وأخيه، ولا بين الأولاد وعمهم؛ لأن لذلك أثره البعيد على طبيعة علاقاتهم مع الناس ومع رحمهم.
رابعاً:
ننصحك أيتها الأخت الفاضلة أن تتلطفي مع زوجك، وأن تظهري له عدم تضجرك من علاقته بأخيه، وأن لا تحدثي بغضاً وكراهية في نفوس أولادك تجاهه.
وإذا رأيتِ تقصيراً من زوجك في واجباته الشرعيَّة تجاهكم فليكن الإنكار عليه وتذكيره بالتي هي أحسن دون غلظة أو شدة، وليكن ذلك بالتلميح دون التصريح إلا إن احتجت لذلك.
وقد رأينا في مثل هذه الحالات من ابتليت ببعض أهلها أن يكونوا معها وفي بيتها لظروف خاصة بهم، وعليه: فإن زوجها سيحسن من معاملته لهم إذا كان قد رأى حسن معاملة من زوجته تجاه أهله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/911)
هل يوجد في الشريعة عدد أو مدّة معيّنة في وطء الزّوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يسمح للرجل والمرأة بالجماع في ليلة زواجهما؟ وإذا كانت الإجابة "نعم" فكم عدد المرات التي يسمح للزوج فيها بمجامعة زوجته، مرة في الأسبوع أم أكثر أم أقل.
أرجو ملاحظة أنني لم استطع استخدام كلمات أخرى للتعبير عما أريد أن أسأل عنه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم للزوجين الجماع في أول ليلة إذا أرادا وليس هناك في الشّريعة نصّ على عدد مرات معيّنة للوطء لأنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وما دامت القدُرات متفاوتة فليس من عادة الشّريعة أن تأتي بعدد معيّن في مثل هذا، ولكن الجماع - أي الوطء - حق للمرأة وواجب على زوجها، قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى: " والوطء واجب على الرجل - أي الزوج بأن يجامع زوجته - إذا لم يكن له عذر، وبه قال مالك " المغني 7/30.
وقد أخرج الإمام البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: فلا تفعل. صم وأفطر، قم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً وإن لزوجتك عليك حقاً) . جاء في شرح الحديث: " لا ينبغي للزوج أن يجهد نفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب. فتح الباري
ومن حق الزوجة على زوجها أن يبيت عندها زوجها. قال ابن قدامة الحنبلي: " إذا كانت له امرأة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن له عذر " المغني 7/28 ,كشف القناع 3/144.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ويجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه أو يشغله عن معيشته،.. فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة وكوطئه إذا زاد " الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص 246.
ومن المطلوب شرعا تحصين الزوجة ضد الفاحشة بوطئها من قبل زوجها بقدر كفايتها وبقدر ما يحصل به هذا التحصين، فلا وجه لتقدير ذلك بمدة معينة كأربعة أشهر أو أكثر أو أقل، وإنما يكون التقدير بقدر كفايتها وحسب قدرة الزوج على إيفائها حقها..، وهذا كله في الأحوال الاعتيادية والزوج حاضر ويعيش مع زوجته.
أما إذا كان غائباً عنها لسفره لغرض مشروع أو لعذر مشروع، ففي هذه الحالة ينبغي أن يسعى الزوج أن لا تطول غيبته عن زوجته.
وإذا كان غيابه بسبب قيامه بأعمال تنفع المسلمين كالجهاد في سبيل الله والمرابطة في ثغور المسلمين، فينبغي أن يُسمح له بالعودة إلى أهله بحيث لا تطول غيبته عنهم عن أربعة أشهر ليقضي مدة بين أهله ثم يعود إلى مرابطته أو جهاده في سبيل الله، وهكذا كانت سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد جعل مدة غيبة الجند والمرابطين في الثغور عن زوجاتهم أربعة أشهر فإذا مضت هذه المدة استُرِدّوا وأرسل بدلهم غيرهم.. المفصل في أحكام المرأة زيدان 7/239
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/912)
امتنعت عن جماعه لأنه لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي لا يصلي الصلوات الخمسة ومستمر على ذلك، كنت أحضه وأشجعه عليها ولكن بدون فائدة. حيث أنه لم يستمع لطلبي امتنعت عن الجماع.
قال بأن تصرفي غير لائق وأني أستعمل هذا العذر للامتناع عن الجماع، فهل هو صحيح؟
أرجو الإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لتعرف الأخت المسلمة أن الذي لا يصلي الصلوات كلها وهو مداوم على ذلك فهذا عند الصحابة وجمع من أهل العلم يُعد كافراً لا تجوز مناكحته ولا أكل ذبيحته وإذا كان الزوج لا يصلي على الإطلاق فإنه على خطر عظيم ولا يجوز البقاء معه، ويجب تخويفه بذلك وامتناعك عن الجماع هو الصواب، حتى يصلي لأن الذي لا يصلي يعد كافراً كما قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، وقال أيضاً: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) فالواجب تحذير الزوج من ذلك الفعل فإن أصر فلا يجوز لك حينئذ البقاء معه لأنك على الإسلام وهو على غير ذلك وفق الله المسلمين للقيام بأوامر الله وطاعته، وعليك بمناصحته وتخويفه لعل الله أن يجعل من ذلك خيراً.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/913)
هل تمتنع عن زوجها الذي لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للزوج أو الزوجة أن يمتنع بنفسه عن الآخر إذا لم يصلي؟
بمعنى آخر هل يجوز أن لا ترضى بالجماع إذا كان الطرف الآخر لا يصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
بل يجب أن تمتنع المرأة عن تلك المعاشرة وكذا العكس قال تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فلا يحل للمسلمة أن تبقى في عصمة زوج لا يصلي بالكلية أو في الأعم الأغلب بل يتعين عليها مفارقته وعدم البقاء معه نظراً لكفره وخروجه من الملة، نسأل الله السلامة والعافية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/914)
هل يخبَر الرجل بفساد زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[اطلع على زوجة تزني، فهل يجب إخبار زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
إذا أصرت، وذُكّرت ولم تتب، فنرى أنه يجب إخباره لئلا تفسد فراشه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(6/915)
ما حكم مص لبن الزوجة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا أجامع زوجتي المرضع، شربت لبنها، هل لبنها حلال لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الإجابة على السؤال لا بد من تقرير أمور مهمة في أحكام الرضاع:
1. أن الرضاع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
أما من كتاب الله فقد قال تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) . وأما من السنة حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. متفق عليه (البخاري، مسلم 1444) . أما الإجماع فقد أجمع العلماء على أثر الرضاع في تحريم التناكح والمحرمية وجواز النظر والخلوة.
2. أن الرضاع المؤثر بانتقال نفعه من المرضعة إلى الرضيع له شروط وهي:
- أن يكون الرضاع في الحولين (عامين) لقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) {البقرة: 233} .
- أن يكون عدد الرضعات خمس رضعات معلومات بحيث تكون وجبة للطفل، كالأكلة من الأكلات والشربة من الشربات أما قطع الطفل الثدي لعارض كالتنفس أو نقله من ثدي لآخر فهذه لا تعتبر رضعة وهو مذهب الشافعي واختيار ابن القيم، وتعريف الرضعة أن يلتقم الطفل الثدي فيمصه حتى يدخل اللبن إلى جوفه ثم يتركه من تلقاء نفسه، ودليل الخمس رضعات ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن. رواه مسلم (1452) أي أن نسخ تلاوة ذلك تأخر جدا حتى إنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الناس لم يبلغه نسخ تلاوته، فلما بلغهم نسخ تلاوته تركوه وأجمعوا على أنه لا يتلى مع بقاء حكمه، وهو من نسخ التلاوة دون الحكم وهو أحد أنواع النسخ. فإذا تقرر هذا فإن الرضاعة بعد الحولين لا تحرم شيئا وهذا هو رأي جمهور أهل العلم ومن أدلتهم الآية السابقة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يُحِّرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ". رواه الترمذي (رقم 1152) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا.ا. هـ.
وثمَّ جملة آثار عن الصحابة منها ما جاء عن أبي عطية الوادعي قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجُّه فأتيت أبا موسى فقال ما أفتيت هذا؟ فأخبره بالذي أفتاه فقال ابن مسعود، وأخذ بيد الرجل: أرضيعاً ترى هذا؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم، فقال أبوموسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم. رواه عبد الرزاق في المصنف (7/463 رقم13895) .
وروى مالك في الموطأ (2/603) من حديث ابن عمر قال: لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر ولا رضاعة لكبير. وإسناده صحيح.
وروى مالك أيضا في الموطأ عن عبد الله بن دينار أنه قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير؟ فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني لي وليدة وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها، فدخلت عليها فقالت: دونك، فقد والله أرضعتها. فقال عمر: أوْجِعْها وأْتِ جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغير. وإسناده صحيح.
وبهذا يتبين أن مص لبن الزوجة لا يؤثر في المحرمية قال ابن قدامة في المغني (9/201) : فإن من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين وهذا قول اكثر أهل العلم روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة وإليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور ورواية عن مالك.
وبناء على ما تقدّم فإنّ مصّ لبن الزّوجة لا يؤثّر وإن كان الأولى ترك ذلك.
وقد سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن هذه المسألة فأجاب: رضاع الكبير لا يؤثّر لأنّ الرضاع المؤثّر هو ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام، وعلى هذا فلو قُدِّر أنّ أحدا رضع من زوجته أو شرب من لبنها فإنه لا يكون ابنا لها. فتاوى إسلامية 3/338 والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/916)
زوج يهين زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني متزوجة منذ حوالي 25 سنة ولي العديد من الأبناء والبنات، وأواجه كثيراً من المشاكل من قبل زوجي فهو يكثر من إهانتي أمام أولادي وأمام القريب والبعيد ولا يقدرني أبداً من دون سبب ولا أرتاح إلا عندما يخرج من البيت، مع العلم أن هذا الرجل يصلي ويخاف الله، أرجو أن تدلوني على الطريق السليم جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك الصبر ونصيحته بالتي هي أحسن , وتذكيره بالله واليوم الآخر لعله يستجيب ويرجع إلى الحق ويدع أخلاقه السيئة , فإن لم يفعل فالإثم عليه ولك الأجر العظيم على صبرك وتحملك أذاه، ويشرع لك الدعاء له في صلاتك وغيرها بأن يهديه الله للصواب، وأن يمنحه الأخلاق الفاضلة، وأن يعيذك من شره وشر غيره.
وعليك أن تحاسبي نفسك، وأن تستقيمي في دينك، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منك من سيئات وأخطاء في حق الله أو في حق زوجك أو في حق غيره، فلعله إنما سلط عليك لمعاص اقترفتيها لأن الله سبحانه يقول: (وما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى/30، ولا مانع من أن تطلبي من أبيه أو أمه أو إخوته الكبار أو من يقدرهم من الأقارب والجيران أن ينصحوه ويوجهوه بحسن المعاشرة؛ عملاً بقول الله سبحانه: (وعاشروهن بالمعروف) النساء/19. وقوله عز وجل: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) البقرة /228.
أصلح الله حالكما وهدى زوجك ورده إلى الصواب على الخير والهدى. إنه جواد كريم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 395.(6/917)
الكلام الجنسي بين الزوجين على الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوجين أن يتحدثا عن الجنس بالهاتف ويستثيرا بعضهما حتى ينزل أحدهما أو كلاهما (بدون استعمال اليد لأنه محرم) ؟ يحصل هذا لأن زوجي يسافر دائما ولا نرى بعضنا إلا كل 4 أشهر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بقوله:
لا بأس، نعم يجوز هذا.
سؤال: ولو كان باستعمال اليد.
الجواب: استعمال اليد فيه نظر، ولا يجوز إلا إذا خاف على نفسه الزنا.
سؤال: وبدون استعمال اليد لا مانع.
الجواب: نعم بدون استعمال اليد لا مانع، يتصور أنه معها لا بأس في ذلك. أهـ وينبغي عليهما الانتباه إلى أنه لا أحد يسمع كلامهما أو يتجسس عليهما، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/918)
خيرها زوجها بين السفر معه إلى بلد كفر أو البقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[خيرها زوجها للذهاب معه للدراسة في بلاد الكفار وأخذ دورة أو الجلوس في البلد المسلم وذهابه لتحصيل منفعة دنيوية كزيادة مرتبه، فهل تسافر معه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: أرى أن تذهب معه لأن ذلك أقرب لسلامته من الفتن وهي لا ضرر عليها ما دامت تقوم بالواجب من التستر والحشمة، وأما ذهابه وحده فيخشى عليه، وهي أيضا إذا بقيت ليس عندها زوج ستكون في تعاسة.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/919)
الاستمناء بيد الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاستمناء بين الرجل وزوجته حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس الاستمناء بيد الزوجة حراما بل هو حلال لأنّه من الاستمتاع بالزوجة الذي أباحه الله ولأنّ الله تعالى قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) سورة المؤمنون.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/920)
أسلمت وتشكو من حال زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أوربية، دلها الله إلى صراط الإسلام المستقيم، ولله الحمد.
وأنا أبذل قصارى جهدي محاولة اتباع دين الله، لكني أستنصحك حول بعض المشاكل التي عرضت على علاقتي مع زوجي.
أجد أنه من الضروري أن أخبرك بأن حياتنا الزوجية تتسم بالتوتر. وقد بلغ الأمر مبلغا أني طلبت منه الطلاق لأول مرة قبل عدة أشهر من الآن، وذلك لأنه كان يتجاهل الصلاة مع أنه يعلم بالتزاماته، كما أنه اكتسب عادة سيئة أخرى وهي أنه إذا كان غاضبا، فإنه يهددني بالطلاق وقد أخرجني من البيت وهو في تلك الحالة. وعندما ثبت له أني سأتركه، تاب وغير أسلوب تعامله، ولذلك فقد سحبت طلبي وعدت إليه. ومع ذلك فإن التوتر لا يزال يخيم على علاقتنا. والسبب الرئيسي في ذلك هو أنه أضعف إيمانا مني في وقتنا الحاضر. وأنا لا أظن في نفسي الكمال، وأعلم أني أقع في المعاصي. إلا أني أراه دوما يعمل أمورا ليست بالجيدة (فهو يقع في الحرام والمكروه) ، وأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي وأسكت عن ذلك. فمن الأمثلة، استخدامه للكلمات البذيئة في حضور ابنتنا، أو ضربها لها وتقبيلها في مواضع يجدر أن نعلمها الخجل منها.. الخ. وإذا ما أخبرته بأن من غير الجيد فعل مثل هذه الأمور، وفي بعض الأحيان يسعفني الدليل من الكتاب والسنة، يرد إما بأنه يعلم بهذا، ثم يستمر فيما هو قائم عليه، أو أنه يغضب ويخبرني بأن أهتم بشؤوني الخاصة. وهذا مصدر توتر بيننا، وكل واحد منا بدأ يفقد صبره تجاه شريكه. وسؤالي هو: فيما يختبرني الله في هذه الأحداث؟ أليس من الواجب علي إخباره وتذكيره بالصحيح إذا كنت أعلمه؟ أم أن علي أن أصبر عليه وأنتظر حتى يكتشف ذلك بنفسه، فقد أخذ يقرأ الكتب الإسلامية؟ أنا أستنصحك حول هذا الموضوع لأنه بدأ يشعر بالمضايقة من هذه التنبيهات، وقد بدأت أفقد صبري وأصبحت أغضب إذا لم يستمع لما أقوله له. أرجو أن تنصحني مع تأييد ذلك باستدلالات من الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك ورزقك الحرص على طاعته ومرضاته، وأن هدى زوجك للتغيير من أسلوبه معك، ونرجو أن يكون هذا باعثا للأمل في نفسك بأن زوجك قد يحسن حاله ويستقيم أمره إن شاء الله.
واعلمي أن المرأة الصالحة بإمكانها أن تغير كثيرا من أخلاق زوجها وعاداته، إذا اتبعت في ذلك طريق الحكمة والرفق وعدم الاستعجال.
وقد ينفر بعض الأزواج من النصح المتكرر من قبل زوجاتهم، لاسيما إذا كان هذا في حضور الأبناء، وربما رأوا في ذلك تقليلا من هيبتهم أو إضعافا لشخصياتهم.
ولهذا فينبغي أن تراعي ذلك جيدا، وأن تختاري الوقت المناسب لنصحه وتذكيره بين الحين والآخر، مع مراعاة التلطف والتودد له أثناء عرض النصيحة أملا في استجابته، وقد قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل /125، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها.
والزوج أحق الناس بهذا الرفق لما له من المكانة والمنزلة.
وننصحك باتخاذ الأساليب المتنوعة لإنجاح مهمتك كإهدائه بعض الأشرطة والكتب، أو إحضارها إلى البيت ووضعها بالقرب منه، والجئي إلى الله تعالى وسليه أن يصلح حالكما، وأن يشرح صدر زوجك لمعرفة الحق والعمل به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/921)
الزوجة الغضوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي سريعة الاهتياج وتغضب مني ومن الأبناء وأي شخص بسرعة وقد تحدثت معها وهي تعترف بذلك ثم تعتذر فهل هناك آيات أو أحاديث تتلى عليها لتهدأ إنها زوجة عظيمة ما عدا هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ستجد الإجابة على هذا السؤال بالتفصيل في كتاب " شكاوى وحلول " المعروض في ركن الكتب من هذا الموقع وكذلك في السؤال رقم 658، وكونها تعتذر دليل على ندمها واعترافها بخطئها وهذا أول خطوات العلاج، فذكّرها بموقعها في البيت وكونها قدوة أمام أولادها، وأنّ هذا الخلق الذميم قد يسري إليهم وتتطبّع به شخصياتهم فتكون الجناية ممتدة الأثر، وليسعها حلمك واعترافك بأنها أم وزوجة جيدة يذكّر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) رواه مسلم 2672 قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: أي ينبغي أن لا يبغضها , لأنه إن وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا بأن تكون شرسة الخلق لكنها ديّنة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك." انتهى، نسأل الله لزوجتك الهداية وحسن الخلق، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/922)
تخيل الجماع بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يفكر الزوج والزوجة في بعضهما جنسياً حينما يكون كل منهما بعيداً عن الآخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز لكلا الزوجين أن يفكر كلٌ منهما في الآخر، ولكن لابد من بيان أمور مهمة في هذه المسألة:
1- على المسلم أن لا يبتعد عن زوجته أكثر من ستة أشهر كما وقَّت ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما رواه عنه عبد الرزاق في " مصنفه " (7 / 152) .
وإذا غاب المسلم أكثر من ذلك كان مظنة الوقوع في الفتنة لكل منهما ومظنة وسوسة الشيطان.
وقد يؤدي هذا التفكير إلى محاذير، فقد يُثار الإنسان بعد هذا التفكير ويحتاج إلى أن يفرغ شهوته، وقد يجره هذا إلى الوقوع في الحرام - والعياذ بالله –، والشهوة سلطان على عقل الإنسان، وقد يجره هذا إلى النظر إلى الصور أو المحرمات.
2- وعلى المسلم أن يكسر سلطان الشهوة بالصوم وغض البصر وتجنب الفتن أو التعرض لها، وعليه أن يتقي الله كما قال تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} البقرة / 168.
3- ومن المسائل المتعلقة بهذا الموضوع: أنه لا يجوز للمرأة أن تصف امرأةً أجنبية لزوجها حتى لا يتخيلها فكأنه ينظر إليها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها ".
رواه البخاري (4942) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/923)
تتهمه بالبخل ويتهمها بالإسراف
[السُّؤَالُ]
ـ[بيني وبين زوجتي خلافات شديدة على الأموال وهي تطلب مني باستمرار طلبات كثيرة ومكلفة وحالتي المادية لا تسمح بذلك لانخفاض مستوى الأجور وقد أخبرتها وأهلها بوضعي المالي قبل الزواج وأنا وإياها في شجار دائم هي تتهمني بالبخل وأنا أتهمها بالإسراف وتحميلي ما لا أحتمل فماذا أفعل في هذه المشكلة التي تكاد تبلغ حدّ الإنفصال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أعظم حقوق الزوجة على زوجها أن ينفق عليها، ونفقته عليها من أعظم القرب والطاعات التي يعملها العبد، والنفقة تشمل: الطعام والشراب والملبس والمسكن، وسائر ما تحتاج إليه الزوجة لإقامة مهجتها، وقوام بدنها.
وبالنسبة لما ذكرت من أن زوجتك تشكو من تقصيرك في نفقتها، فقد أخبر الله عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة، فقال تبارك وتعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ، وقد دل على وجوب هذه النفقة: الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع أهل العلم.
أما أدلة الكتاب: فمنها قوله تعالى: ومنها قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها) ، ومنها قوله تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) .
وأما أدلة السنة، فقد وردت أحاديث كثيرة تفيد وجوب نفقة الزوج على أهله وعياله، ومن تحت ولايته، كما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 8/183.
وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: " أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ. " وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ يَعْنِي أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ. رواه الترمذي 1163 وابن ماجة 1851 وقال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا علينا؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب " رواه أبو داود 2/244 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/446.
قال الإمام البغوي: قال الخطابي: في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وهو على قدر وسع الزوج، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم حضر أو غاب، فإن لم يجد في وقته كان دينا عليه كسائر الحقوق الواجبة، سواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته، أو لم يفرض. أ. هـ
وعن وهب قال: إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له: إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس، فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " رواه أحمد 2/160 وأبو داود 1692.
وأصله في مسلم 245 بلفظ: " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته ".
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان وحسنه في صحيح الجامع 1774.
وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره، فيبيعه ويستغني به، ويتصدق منه خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله، يؤتيه أو يمنعه، وذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول " رواه مسلم 3/96. وفي رواية عند أحمد 2/524: فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: امرأتك ممن تعول ".
وأما إجماع أهل العلم:
فقال الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني 7/564: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره.
وما سبق من النصوص الشرعية يدل على وجوب نفقة الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم ورعايتهم، وقد ثبتت أحاديث متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد فضل هذا وأنه من الأعمال الصالحة عند الله تعالى، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله، وهو يحتسبها، كانت صدقة له " رواه البخاري 1/136،
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/498: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم، ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع أ. هـ
وفي حديث سعد بن مالك رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر، حتى اللقمة تضعها ترفعها إلى في امرأتك " رواه البخاري 3/164 ومسلم 1628.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دينار تنفقه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ـ أي في عتقها ـ ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك " رواه مسلم 2/692.
وجاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على أولاده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " رواه الطبراني، صحيح الجامع 2/8.
وقد فقه السلف رحمه الله تعالى هذا الواجب حق الفهم، وظهر في عباراتهم، وما أعظم ما قال الإمام الرباني عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال: لا يقع موقع الكسب على شيء، ولا الجهاد في سبيل الله. السير: 8/399.
ومن جهة أخرى فعلى زوجتك أن تعلم أن إنفاق الزوج إنما هو بحسب إمكانياته ووضعه المادي، كما قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً) فلا يحق لها أن تتعنت في معاملة زوجها بكثرة طلباتها وإرهاقه في النفقة عليها، فإن ذلك من سوء العشرة. ولعلك إذا استجبت لها في طلباتها المعقولة وذكّرتها دون منّة ولا إيذاء بما وفّيت لها من الطلبات تتمكّن من امتصاص بعض فورتها وإقناعها بالكفّ عن المزيد من المطالبات، وكذلك المناقشة الهادئة - دون مراء - في درجة أهمية بعض ما تطلبه وأن توفير هذا المبلغ لأمر أهم كدفع إيجار البيت ونحو ذلك يُمكن أن يُؤدي إلى اقتناعها بالتنازل عن طلبها.
واعلم بأن كثيرا من النّقص المادي يُعوّض بالكلام الطيّب والوعد الحسنُ ولمّا ذكر الله تعالى في كتابه إيتاء ذوي القربى وصلتهم بالمال ذكر عزّ وجلّ تصرّف الإنسان الذي لا يجد ما يصل به أقاربه فقال سبحانه: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا (28) الإسراء، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: وقوله: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك" الآية: " أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة "فقل لهم قولا ميسورا" أي عدهم وعدا بسهولة ولين إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله." واعلم بأن حسن الخُلق يُنسيها ما أنت فيه من الضائقة فعليك بالصبر والمعاملة الحسنة مع تكرار نصحها ودعوتها، فإن عسرت المعيشة وازداد الوضع سوءاً بينكما حتى وصل إلى طريق مسدود ولم تُفلح جهودك في درء الشرّ وصارت الحياة لا تُطاق فإن الله تعالى قد شرع الطلاق في مثل هذه الحال وقد يكون فيه خير للطرفين كما قال تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته، وكان الله واسعاً عليماً) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/924)
تسجيل مكالمات الزوجة المشكوك فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سمع من أناس خارج البيت أن زوجته تحادث الأجانب في الهاتف بكلام محرم، وليس عنده بينة، فهل يجوز له جعل أجهزة تسجل كل مكالمات المنزل دون علم زوجته ليتأكد من صحة التهمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
إذا قويت القرائن، وعُلم خفّة ديانة الزوجة وقلّة أمانتها؛ فيجوز له ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(6/925)
تضرب زوجها عند الشجار ليصالحها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة تحب زوجها جدا، لكنها تشعر أحيانا أنه لا يهتم بها أبدا. وعندما يحدث بينهما خلاف فإنها تشعر بالخيبة وتتمنى أن لو يظهر لها زوجها شيئا من الحب وينهي الخلاف، لكنه يستمر في الصراخ عليها وكأنه لا يأبه بها، وذلك يجعلها تشعر بأنه يكرهها. وفي بعض الأحيان، يجعلها ذلك تقوم بضربه، مع أنها في الحقيقية تريده أن يأخذها بين ذراعيه منهيا بذلك كل شيء. لكنه للأسف لا يفهم ذلك ويقوم بالمقابل بضربها. وعندها وعندما تذكره بالحديث الخاص بالمعاملة الحسنة للنساء فإنه يقول "العين بالعين" وكأنها مجرد أي شخص وليست زوجته التي يجب أن يصبر عليها ويعتني بها وبحبها. أرجو أن تعلق على الموضوع..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قيام الزوجة بضرب زوجها مخالفة شرعية، وإخلال بواجبها تجاهه، ولماذا تنتظرين أنت المبادرة منه، فالواجب عليك السعي لتقليل فرص الخلاف، فبدلا من ان تطالبيه بحسن العشرة، الأولى أن تعتذري منه، وتلطفي الجو، والحياة الزوجية المستقرة مسؤلية الزوجين كليهما وليس لأحد الطرفين دون الآخر.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(6/926)
نصح المرأة لزوجها ليؤدي صلاة الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نصحت المرأة زوجها المتهاون في أداء الصلاة في المسجد أو أظهرت الغضب عليه هل تأثم على ذلك لكبر حقه عليها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تأثم المرأة في نصحها لزوجها إذا تعاطى ما حرم الله عليه كالتهاون بالصلاة مع الجماعة أو شرب المسكر أو السهر في الليل، بل هي مأجورة والمشروع أن تكون النصيحة بالرفق والأسلوب الحسن، لأن ذلك أقرب إلى قبولها والاستفادة منها.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - في مجلة الحسبة العدد 39 ص 15.(6/927)
لماذا تطيع المرأة زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يتزوج الناس، فلماذا يكون على المرأة أن تنفذ ما يقوله زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم حين يأتيه حكم شرعي أن يسلّم له ويؤمن به ولو لم يعرف الحكمة، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36.
وهو يوقن أن أحكام الشرع كلها ذات حكم بليغة، لكن قد تخفى عليه الحكمة ولا يفقهها، فحينئذ يرى أن هذا من قصور علمه والعقل البشري لا يخلو ولا يسلم من القصور.
وحين يجتمع رجل وامرأة في قارب الحياة الزوجية ويعيشان معاً فلا يخلو أن يقع خلاف في الرأي بينهما ولا بد من طرف يحسم الأمر وإلا ستتضاعف الخلافات وتكثر النزاعات فلابد من قائد لهذا المركب وإلا غرق إذا اختلف الملاحون.
ومن ثم جعل الشرع القوامة والمسؤولية في البيت للزوج على زوجته لأنه أكمل منها عقلاً في الغالب، وهذا يعني أنها يجب عليها أن تطيعه قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.
ومن أسباب ذلك:
الأول: أن الرجال أقدر على تحمل هذه المسؤولية، كما أن المرأة اقدر من الرجل على رعاية الأبناء وشؤون بيتها، فلكل منهما موقعه ومكانه الطبيعي.
الثاني: أن الرجل في الإسلام هو المكلف بالإنفاق على الزوجة، فلا يجب على الزوجة أن تعمل ولا أن تكسب الرزق، بل حتى لو كان لها دخل مستقل أو صارت ثرية وغنية فالواجب على الزوج أن ينفق عليها بالقدر الذي تحتاجه. وبما أنه يتحمل مسؤولية الإنفاق فقد صارت له القوامة والولاية.
ولذلك نرى الفوضى في المجتمعات التي تخالف ذلك، فالرجل لا يتحمل مسؤولية الإنفاق على زوجته، والمرأة غير ملزمة بطاعة زوجها، وتخرج من بيتها متى شاءت وتترك عش الزوجية خالياً والأولاد في ضياع. وعليها أن تكد وتكدح ولو كان على حساب بيتها ومنزلها.
ومما ينبغي مراعاته هنا ما يأتي:
أولاً: أن المرأة تثاب على طاعتها لزوجها وتؤجر على ذلك عند الله تعالى.
ثانيا: أن هذه الطاعة في غير معصية الله تعالى فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
ثالثا: كما أن الزوج له حق الطاعة فقد أمره الشرع بحسن التعامل مع زوجته وحسن عشرتها، قال تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف ... ) البقرة/228. فلا يعسفها ويظلمها ويصدر إليها الأوامر الفظة، وإنما يسوسها بالحكمة ويأمرها بما فيها صلاحها وصلاحه وصلاح البيت مع اللين والرفق.
وقال صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/928)
هل يجوز أن يمشي في الغرفة المغلقة بعد الجماع عارياً
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت كلامك عن بعض الأمور الممنوعة (غير المباحة) وذكرت منها المشي عرياناً. ماذا عن المشي عارياً في غرفة النوم الخاصة والمنفصلة عن المنزل وذات الأبواب المغلقة بعد جماع الزوجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الحال كما ذُكر في السؤال فإن ذلك جائز، لأنه يجوز لكل منهما النظر إلى الآخر بنيَّة الاستمتاع. ويراجع جواب سؤال رقم (3801)
والذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حفظ العورة إلا من الزوجة أو ملك اليمين فعن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ قال حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟
قَالَ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ: (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ قُلْتُ وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) رواه الترمذي (الأدب/2693) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2222) ، ويدل الحديث على أنه ينبغي على الإنسان الاستتار إذا كان خالياً، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/929)
تناول حبوب لزيادة الإخصاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكره أم يحرم أن تأخذ المرأة حبوباً منشطة للإخصاب من أجل زيادة احتمال أن تحمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت الحبوب مصنوعة من مادة مباحة طاهرة فلا بأس بأخذها ولكن تخبر الزوج بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ عبد الله الغديان.(6/930)
تشتكي من تقصير زوجها في حقوقها الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد مشكلة بيني وبين زوجي بالنسبة لحقي في الجماع، يظل سهران يقرأ ويطالع المجلات الخليعة بدلاً من أن يأتي معي للسرير، أدعوه فيعتذر بأنه متعب، بدأ هذا قبل عدة سنين، لا أشعر بالراحة في حياتي الزوجية.
هل يمكن أن تجيبوا على سؤالي فزوجي لا يقبل أن ينصحه أحد، وهذا الشيء يؤلمني وهو لا يهتم فأرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على إحدى الباحثات الاجتماعيات فأجابت مشكورة بما يلي:
أختي الفاضلة: لا نخفي عليك أنه قد يمر الطرفان وهما الزوج والزوجة في مرحلة من مراحل حياتهم الزوجية بمثل ما تمرين به الآن مع زوجك
وله أسبابه المختلفة ولا بد من معرفة تفاصيل أكثر ومتابعة إلا أننا بإذن الله سنحاول جاهدين أن نذكر لك أنسب الطرق وأفضلها.
في البداية نشكر لك حفاظك على حياتكم الزوجية وعلى عفتك وصبرك طوال هذه الفترة ونشد على يدك اعجاباً وتقديرا لنضجك وتفهمك وحرصك على استمرارية حياتكما الزوجية،
واحتسبي الاجر عند الله ... فإن الله يبتلي ليرى صبر عباده ويرفع منزلتهم عند الصبر ويأتيهم الفرج معه
وهذا من أول أسباب بل من أهمها لعلاج مثل هذه الحالات
ولعلنا نبدأ معك خطوة خطوة
ذكرتِ أول الأمر أن زوجك حين تدعينه يتعذر بكونه متعباً
بداية.. هل جربتِ أن تتناقشي معه هذا الموضوع؟ فربما تتضح أشياء لاتعرفينها. فبعض الرجال قد يصاب بعجز جنسي يجعله يتعذر من زوجته، ويخجل أن يوضح ذلك لزوجته، بل إن بعضهم يتهربون من هذه الحقيقة، فلا يسعه إلا أن يتصفح أمثال هذه المجلات السيئة ليثبت لنفسه ومن حوله بأنه مازال يحتفظ برجولته!
فعليك أن تجلسي معه جلسة مصارحة، ووضحي له أنك بجانبه بأسلوب جميل رقيق وأنك زوجته المحبة،
وأن من حقوقك عليه أن يشبع رغباتك التي أودعها الله عزوجل فيكِ، وبأنك تودين معرفة السبب وأن هذا سيزيد من قدره لديك وأن هذا لن يؤثر على حياتكم الزوجية ولا على نظرتك له. فالرجل دوما يخاف من أن يرى بعين النقص خصوصا من زوجته. وربما يذكر لك أسباب أخرى وأنتِ تقدِّرينها بحسب معرفتك لسير حياتكم الزوجية.
2- ولعلك أيضا أن تجربي أسلوب الرسالة الرقيقة فهي أيضا وسيلة جيدة نفعت بفضل من الله في حل بعض المشكلات، خصوصا عند رفض أحد الطرفين النقاش أو صعوبة النقاش معه
3- اعرفي طرق الوصول لقلب زوجك، والبسي مايعجبه من اللباس، وتعطري بالعطور الجميلة، والأقرب إلى زوجك، وجاهدى في تغيير الروتين اليومي، وادخلي تجديدا في نمط حياتكما.
4- عبري له عن حبك وتقديرك له عبر رسائل معطرة وكلمات جميلة وطرق مختلفة، كأن تضعي كلمات تسعده على المرآه مثلا، أو تقدمي له هدية وتكتبي عليها كلمات من قلبك تدل على محبتك له.
5- الابتسامة لها فعل السحر على بني البشر وخاصة الرجل، انظري إليه بودٍّ وابتسمي من قلبك وأرسلي إليه ذلك وأنتِ تنظرين إليه بدون النطق بكلمة بشرط أن يكون ذلك صادرا من أعماقك.
6- تقربي لزوجك بما يحب من الكلمات أو التصرفات إلى غير ذلك مبتغية بذلك وجه الله عز وجل،
وحينما تجدين أنك استنفذتِ ماعندك، فبإمكانك أن تدخلي وسيطا معروفا بثقة زوجك به وقربه إلى قلبه ويملك الحكمة والقدرة على الإقناع، بدون أن تذكري حقيقه ما بينكما فقط يلمح له أو يناقشه في الحقوق الزوجية بدون أن يذكر له أنك ذكرتِ ذلك له أو طلبتِ منه التدخل ولكن بشرط أن يكون شخصا معروفا بخلقه واستقامته وعفته.
7- عليك بدعوته بلطف إلى ترك ما يغضب الله كأمثال هذه المجلات بطرق غير مباشره كأن تضعي مثلا قريبا من مكان نومه فتوى بعدم جواز ذلك أو تفتحي شريطاً يحتوي دروساً ومواعظ قد تهز قلبه، وجربي أن تقرئي سورا من القرآن بجانبه.
8- أتمنى أن تبعدي فكرة الانفصال عن ذهنك، وأن تجاهدى نفسك، وأن تصبري، لتنالي الأجر الكبير والمنزلة العظيمة عند الله، لأنه قد يتم لك الانفصال، لكن ليس بالضروره أن تجدي زوجا مناسبا آخر وأيضا إن كان بينكم أبناء فهذا يستوجب المزيد من الصبر إلا إن استحال صبرك ووجدتِ نفسك مضطرة لذلك، فلك ذلك.
9- اهتمى بنفسك وحياتك وإيمانك، فتقوية العلاقة مع الله تسهل الطرق وتمنحك راحة ويقينا قويا جداً وانظري للحياة القادمة وتفاءلي بأنها ستكون أفضل مادمتِ مع الله وتسألينه ذلك في صلاتك دوما، ولو خصصتِ لك أوقاتا تشغلين فيها نفسك بأمور جيدة أو تتطوعين بعمل خيري أو نشاط مع بعض الأخوات في الدعوه إلى الله تعالى، فإن الأعمال الجيدة تمنحك شخصية جذابة وطيبة
وتغير من حياتك.
10- اجعلي تفكيرك يبتعد قليلاً ولو لبعض الوقت عن أمر زوجك، واشغلي ذهنك بأمور أخرى كمشروع بسيط أو اشتراك في مواقع عبر الإنترنيت تأخذ من وقتك، وتذكري أن ترفِّهى عن نفسك بما لا يخالف الشرع لكي يمنحك قوة المواصلة.
وبين يديك ـ أخيرا ـ ثلاثة مفاتيح تعينك في جميع أمورك بإذن الله.
المفتاح الأول: الدعاء ... فالله عز وجل لايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وتحري أوقات الاجابة
مثل آخر الليل وآخر ساعة من يوم الجمعة وبين الأذان والإقاة وأيضا عند الصوم، وفي سجودك، وأكثري الدعاء واسألي له الصلاح والهداية، وأن يؤلف الله بينكما ويذهب ماشغلك، مع عفوه وعافيته ...
المفتاح الثانى: اليقين، وحسن الظن بالله، وأنه سبحانه قادر أن يفعل ما شاء متى شاء.
المفتاح الثالث: الصبر، كما في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عته (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (2800) وكما يقال: ولم ير العالم صابراً لم ينل ما يريد، وإن لم ينل ما يريد نال ماهو أفضل وأعظم منه بإذن الله.
واعلمى بأنه لايغلب عسر يسرين، فلقد وعد الله عباده أن مع كل عسر يسران كما في قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) الشرح/5 - 6 واسألي الله عز وجل أن يوفق بينكما ويقر عينك بزوجك وأن يجمعك به في الدنيا والآخرة
سائلين الله تعالى أن ييسر أمرك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/931)
ما حكم جماع الرجل زوجته الحامل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، هل يجوز أن أجامع زوجتي وهي في مرحلة متقدمة من الحمل؟ إنها الآن في الشهر السابع من حملها. وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
يجوز للإنسان أن يُجامع زوجته الحامل متى شاء إلا إذا كان ذلك يضرّها، فإنه يحرم عليه أن يفعل ما يضر بها، وإن كان لا يضرها ولكن يشق عليها فإن الأولى عدم مجامعتها، لأن اجتناب ما يشق عليها من حسن العشرة، وقد قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء /19 ولكن المحرّم أن يجامع الرجل زوجته وهي حائض، أو يجامعها في دبرها، أو يجامعها وهي نفساء، فإن ذلك محرم ولا يجوز، وعلى المرء أن يتجنّب ذلك إلى ما أباحه الله. وإذا كانت حائضاً فله أن يستمتع بها فيما دون الفرج والدبر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) رواه مسلم (الحيض /455)
فتوى الشيخ ابن عثيمين. فتاوى العلماء في عشرة النساء ص/ 55.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/932)
زوجها لا يشبع رغبتها الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة في تعاملي مع زوجي، أعلم بأنني يجب أن أذهب لغرفته إذا دعاني حتى وإن لم أكن بحالة نفسية جيدة، وأعلم أن الكذب شيء دنيء، ولكن إرضاء زوجي هو أعظم ما أريد.
هل يجوز أن أتظاهر بأنني أشبعت رغبتي معه؟ هذه مشكلة تواجهني ولا أريد أن أكذب ولا أريد أن أحرج زوجي بأنه لا يستطيع أن يشبع رغبتي الجنسية.
هذا التظاهر لا أستطيع أن أتوقف عنه ومصارحته قد تحرجه، فأرجو أن تساعدني وأن لا تنساني من دعائك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خيرا على صبرك، وتلبية رغبة زوجك امتثالا لأمر ربك.
وعلاج ما ذكرت يكون بالمصارحة، وهي لا تعني إحراج الزوج ولا اتهامه بالضعف، فإن هذه المشكلة تعود في كثير من الأحيان إلى عدم شعور الزوج بوجود المشكلة أصلاً وليس إلى ضعفه أو عجزه جنسياً، فقد يقدم الزوج على الجماع ويترك بعض الأمور التي ينبغي له فعلها، والتي من شأنها أن تشبع حاجة المرأة، ولعلك تستعينين ببعض الكتب المعنية بتوضيح أسس العلاقة واللقاء بين الرجل والمرأة، ككتاب: تحفة العروس، لمؤلفه محمود مهدي استامبولي.
والحاصل أنه لا مانع من محاورة الزوج في هذا الأمر، وإرشاده إلى قراءة ما يتصل بذلك. وهذه المصارحة خير من المعاناة في شيء قد يكون علاجه سهلا ميسرا.
وهذا لا يعفي المرأة من المشاركة في المسئولية، فإن عليها ما ينبغي أن تفعله، من التزين لزوجها والتودد له، وترغيبه في معاشرتها.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/933)
تصرف الزوجة في مالها بدون علم زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تعمل في السعودية وتريد أن تستثمر جزءاً من راتبها في مشروع على أن هذا المال مالي أنا وتعطيني الربح ولها رأس المال على أساس أني اقترضت منها هذا المال واستثمرته ولكن بدون علم زوجها، فهل هناك حرمة عليها أو علي؟ نرجو الإفادة..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على أختك أن تعطيك مالاً قرضاً تستثمره وتستفيد من ناتجه على أن يبقى رأس المال لأختك، لكن لو أرادت أختك أن تشاركك في الربح مع الحفاظ على رأس المال فلا يجوز، لأن هذا يكون من باب " كل قرض جر نفعاً فهو ربا "، ولا يشترط علم زوجها بإعطائك المال، لأن المال مالها ولا يحل له منه شيء إلا عن طيب نفس منها، قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) النساء/4، لكن من باب العشرة بالمعروف ولكون الرجل أكثر خبرة وحنكة في أمور التجارة فإننا ننصح أن يكون الزوج على علم بما تفعله الزوجة من التصرف بمالها.
قال الشيخ عبد الله الجبرين:
تملك الزوجة مالها، ولها حق التصرف فيه، فتهدي منه وتتصدق وتبرئ غريمها، وتتنازل عن حق لها كدين وميراث لمن تشاء من قريب أو من بعيد، وليس لزوجها حق الاعتراض عليها إذا كانت رشيدة عاقلة، ولا يملك زوجها حق التصرف في مالها إلا برضاها. (فتاوى المرأة المسلمة 2/674) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/934)
ذكر اسم الزوج أو الزوجة عند الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[يُنادى الشخص بأبي فلان، أو أم فلان في العديد من الثقافات. وفي العادة فإن النساء لا ينادين أزواجهن بأسمائهم، لكن الواحدة منهن تنادي زوجها بأبي "وتورد اسم طفلهما الأكبر". فهل ورد دليل على هذا العمل في الكتاب والسنة؟ وإذا كان الجواب بلا، فكيف بدأت هذه الممارسة؟
وهل من الخطأ إسلاميا أن تورد المرأة اسم زوجها إذا ذكرته، أو أن يورد الرجل اسم زوجته إذا ذكرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعم، ثبت عن بعض الصحابيات أنهن كن يذكرن أزواجهن بالكنية ومن أمثلته:
عن عون أبي جحيفة قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان. رواه البخاري (1832) .
ومنه:
عن فاطمة بنت قيس قالت: أرسل إليَّ زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير، فقلت: أما لي نفقة إلا هذا ولا أعتد في منزلكم؟ قال: لا، قالت: فشددت عليَّ ثيابي وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كم طلقك؟ قلت: ثلاثا،: قال صدق ليس لك نفقة … رواه مسلم (2721) .
ثانياً:
وأما ذكر المرأة زوجها باسمه فلا حرج فيه أيضاً، ومن أمثلته:
عن زينب امرأة عبد الله (أي: ابن مسعود) قالت: كنت في المسجد فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تصدقن ولو من حليكن، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، قال: فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال فقلنا: سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا لا تخبر بنا، فدخل فسأله فقال: من هما؟ قال: زينب قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله، قال: نعم، لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة. رواه البخاري (1373) ومسلم (1667) .
ومنه:
عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} … ... رواه أبو داود (1893) وصححه ابن حبان والحاكم.
انظر " خلاصة البدر المنير " (2 / 229) .
ثالثاً:
أما إيراد اسم الزوج أو الزوجة عند الناس فإن ذلك راجع إلى عرف الناس في هذا المجتمع، فبعض المجتمعات تستنكر فعل ذلك، بل إن بعضهم قد يعُدُّ ذلك من قلَّة الغيرة، وفي حديث ابن مسعود السابق ذَكر بلالٌ رضي الله عنه اسمَ امرأة ابن مسعود باسمها (زينب) ، فإذا كانت المرأة مشهورة باسمها فلا حرج على غير الزوج أن يذكرها به فكيف بالزوج؟
والأفضل أن تذكر الكنية بدلاً من الاسم في بعض المجتمعات، أو أمام بعض الناس، وحصل كثير من المشكلات من وراء مثل هذا التهاون في ذكر ذلك.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/935)
خلاف حول زيارة الزوجة لأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أكرمها الله بزوج فيه خير كثير، وهو ممن يتسم بالغيرة، ولكنها قد تطغى، فبعد زواج أختها أصبح لا يسمح لها أن تذهب إلى بيت والدها؛لأن أختها وزوجها يسكنان في نفس المنزل، مع أنها ستجلس إن ذهبت إلى بيت أبيها في مكان منعزل لا يمكن أن يأتي فيه زوج أختها مع وجودها، بحجة أنه قد يراها، وإذا سمح لها بالذهاب فلوقت قصير جداً ولا يجعلها تخلع العباءة ظناً منه أن زوج أختها قد يراها، مع امتناع ذلك حقيقة؛ لأن أهل البيت محافظين إن شاء الله، فالسؤال: هل فعل هذا الزوج صحيح شرعاً وغيرته في مكانها، أم أن هذا ضرب من الوسوسة، وهل هناك حد شرعي لا يحق للزوج أن يمنع زوجته من زيارة والدها ـ أعني كحد أقصى ـ أم لا؟ وهل يمكن أن يُطلب من الزوج أن يجعل زوجته تزور أهلها مثلاً مرة في الأسبوع أو مرتين؟ أفيدونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- لو أمكن أن تكون الزيارة في الوقت الذي لا يكون فيه زوج الأخت في البيت لأمكن أن يسهم ذلك في حلّ المشكلة.
2- كما أن بالإمكان جعل الزيارة عكسية، فأهلها هم الذين يأتون إليها.
3- قد يكون هناك شيء أحدث الريبة في نفس الزوج، كما انه قد يكون ضرباً من الوسوسة.
4- مدة الزيارة تخضع عادة للعرف والتفاهم بين الزوجين، وتنصح الزوجة دائما بتقوى الله في زوجها والحرص على طاعته وعلى الحفاظ على جوّ الأسرة من التفكك بسبب الشحناء الناتجة عن تمسك كل من الطرفين بوجهة نظره في مدة الزيارة ونحوها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(6/936)
لا يتحمل الزوج مسؤولية ديون زوجته الخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة، لكنه كان عليها ديون كثيرة قبل زواجها. وزوجها يعلم بأمور الديون تلك وكان قد وضح قبل الزواج بأنه لا يستطيع تحمل أمر تسديد ديون زوجته وربما أنه قد يقوم بذلك إذا كان هناك زيادة في دخله/ماله.
1-هل دينها هو على عاتق زوجها الآن، وهل سيكون مسؤولا عن دينها في الآخرة؟
2-إذا كان يُسمح لها بمساعدة زوجها في عمله وكانت تحصل على أجر عن تلك المساعدة، فهل يجب عليها أن تسدد ديونها تلك؟
3-ما الذي سيحصل لهما إذا لم يقم أي منهما بسداد تلك الديون في وقت استحقاقها وماتا (وهما على تلك الحالة) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدّين الذي على هذه المرأة هي التي تتحمله، ولا علاقة للزوج به، وليس مسؤولا عنه.
وإذا كانت تساعد زوجها في عمله مقابل أجر فعليها أن تحرص على سداد دينها من ذلك الأجر أو غيره.
وإذا توفيا ولم يقم أي منهما بسداد تلك الديون فإنها تبقى متعلقة بذمة تلك المرأة، وسيقتص الله لأصحاب الديون منها، إلا أن يكونوا عفوا عنها في الدنيا، أو يؤدي الله عنها الغرماء بسبب نيتها الصالحة في السداد كما جاء في الحديث: " من أخذ أموال الناس وهو يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ".
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(6/937)
هل لإتيان المرأة في الدبر كفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة جماع الزوجة من دبرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جماع الزوجة في الدبر حرام، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فاعله ملعون.
وقد سبق ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمه وبيان شيء من مفاسده في جواب السؤال (1103) و (6792) .
ولم يجعل الشرع لهذا الفعل المحرم كفارة، فلا تكفره إلا التوبة والندم، والرجوع إلى الله.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم وطء المرأة في الدبر؟ وهل على من فعل ذلك كفارة؟
فأجاب:
" وطء المرأة في الدبر من كبائر الذنوب، ومن أقبح المعاصي، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) رواه أبو داود (2162) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1166) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
والواجب على من فعل ذلك البدار بالتوبة النصوح، وهي الإقلاع عن الذنب، وتركه تعظيما لله، وحذرا من عقابه، والندم على ما قد وقع فيه من ذلك، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إلى ذلك، مع الاجتهاد في الأعمال الصالحة، ومن تاب توبة صادقة تاب الله عليه وغفر ذنبه
كما قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/72.
وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68-70. . . . .
وليس على من وطئ في الدبر كفارة في أصح قولي العلماء، ولا تحرم عليه زوجته بذلك، بل هي باقية في عصمته، وليس لها أن تطيعه في هذا المنكر العظيم، بل يجب عليها الامتناع من ذلك، والمطالبة بفسخ نكاحها منه إن لم يتب، نسأل الله العافية من ذلك" انتهى باختصار يسير من "فتاوى إسلامية" (3/256) .
وقال البهوتي رحمه الله:
" فإن فعل (أي وطئها في الدبر) عُزِّرْ (أي عاقبه الحاكم العقوبة التي تردعه وأمثاله) ، لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة " انتهى من "كشاف القناع" (5/190) .
فصَرَّح بأنها معصية، ولا كفارة فيها.
وانظر: "أسنى المطالب" (4/162) ، "مغني المحتاج" (5/624) .
ثانيا:
يخطئ كثير من الناس حين يظن أن عدم إيجاب الكفارة على الذنب المعين يعني أن أمره هين، وأنه من الصغائر، وهذا الظن ليس بصواب، بل لو قيل: إن الوطء في الدبر لم يجعل الله فيه كفارة لأنه أعظم من أن تكفره كفارة لم يكن بعيداً، كما قال الإمام مالك رحمه الله في اليمين الغموس: " الْغَمُوسُ: الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ. . . وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ " انتهى باختصار من "التاج والإكليل" (4/406) ، ونحوه في "المدونة" (1/577) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/938)
هل يجوز قراءة كتب تتعلق بالجماع للمقبل على الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص مقبل على زواجه الأول أن يطلع على بعض الكتب ليتعلم كيف يضاجع زوجته علما أنها لا تحتوي على أي صور؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في قراءة الكتب التي تعلِّم كيفية الجماع عدة محاذير، ومنها:
1. أنها قد تثير الشهوة عندك، ولا تجد تصريفها في الحلال، وهو محذور غير بعيد، وبخاصة لمن لا يستطيع الالتقاء بزوجته المعقود عليها.
2. أن أكثر هذه الكتب تعلِّم أوضاعاً شاذَّة في الجماع، فبعضها مخالف للفطرة والطبع السليم، وبعضها الآخر مخالف للشرع، كالجماع في الدبر.
3. أن قراءة هذه الأوضاع قد يزهِّد الرجل في امرأته التي لا تحسِن مثل هذه الأفعال، ويبقى قلبه متعلقاً بتلك الأوضاع وأهلها.
4. أن قراءة تلك الكتب قد يؤدي بك لطلب المزيد منها أو الإيضاح لبعضها فيدلك شياطين الإنس والجن على كتب فيها صور، فتقع في محاذير شرعية.
5. أن في قراءتها تشجيعاً على شرائها، وفي هذا إعانة على ترويجها والمزيد من الطبعات لها.
6. أنه لا يؤمن عدم وقوع تلك الكتب في يد أشخاصٍ تهيجهم على فعل الحرام، فحالكَ من حيث التعلم للزواج ليس كحال غيرك مما يمكن أن تقع في أيديهم.
ثم أن الله سبحانه وتعالى قد جعل في فطرة كل ذكر الميل إلى الأنثى وإتيان المرأة ليس من الأشياء المعقدّة التي تحتاج إلى معلومات كثيرة بل يعرفها الشخص بالطبيعة والواقع ثم لو احتاج إلى مساعدة في هذا فطريقة تلقي مثل هذه المعلومات تكون عادة من أقرب الأقربين أو أخلص الأخوان من المتزوجين ولذلك لا داعي لهذه الكتب.
ولعله يوجد غير هذا من المحاذير، لذا لا نرى لك قراءة مثل هذه الكتب، ولا يعني ذلك أنه ليس لك أن تتعلم كيفية الجماع الشرعي أو المباح، لكن ما ذكرناه هو المنع من قراءة ما يكتبه من كان بعيداً عن الشرع والذوق والفطرة السليمة.
ولك أن تقرأ ما يتعلق بالحياة الزوجية والجماع مصحوباً بأحكام شرعية وتوجيهات ونصائح خالياً مما ذكرنا من المحاذير من الأجوبة والمسائل في هذا الباب في موقعنا هذا تحت عنوان " العشرة بين الزوجين " وهو من فروع كتاب " النكاح ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/939)
زوجته لا تستر يديها فهل يهددها بالطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل لو رفضت زوجتي ستر يديها، مع أني أطلب منها ذلك في البداية ثم آمرها لكنها ترفض؟ وما تقول لو أني هددتها بالطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بينا في جواب الأسئلة (11774) و (21536) حكم تغطية المرأة لوجهها وكفيها، وأنه يجب عليها أن تسترهما أمام الأجانب عنها.
وقد أوجب الله تعالى الطاعة عليها لزوجها، وجعل الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية، كما يقوم الولاة على الرعية، بما خصه الله به من خصائص جسمية وعقلية، وبما أوجب عليه من واجبات مالية، قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء/34.
قال ابن كثير:
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (الرجال قوامون على النساء) يعني: أمراء عليهن، أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.
" تفسير ابن كثير " (1 / 492) .
وعلى الزوج مراعاة التدرج في حال مخالفتها لأمره وترفعها عن طاعته، فيبدأ أولاً بالوعظ وتخويفها من عاقبة عصيان أمره، فإن لم يُجدِ فلينتقل إلى هجرها في الفراش، فإن لم ينفع فليضربها ضرباً غير مبرح، ولا بأس من تهديدها معه بالطلاق.
قال تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) النساء/34.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
(وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل، {فَعِظُوهُنَّ} أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر.
" تفسير السعدي " (ص 142) .
ويمكنك أن تستعين على وعظها وترغيبها وترهيبها بالأشرطة والكتيبات النافعة التي تتحدث عن وجوب الحجاب على المرأة المسلمة، وبيان خطر المعصية والعقوبات المرتبة عليها في الدنيا والآخرة.
ولا بد من الرفق واللين. قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) . رواه مسلم (2593)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ) رواه مسلم (2594) . زانه أي زينه. وشانه أي عَيَّبَه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/940)
خناقة بين زوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[في الأسبوع الماضي حدث موقف بيني وبين زوجتي وابنتها التي تبلغ من العمر الآن 20 عاماً وعندها طفل ولكنها لا تزال تقيم معنا في البيت. وقد قلت لزوجتي شيئاً أغضبها مني فأفحشت لي القول وجهلت علي وسلكت معي مسلكاً فظاً وكان كل ما فعلته أن أمسكت وجهها بيدي وضغطت عليه بخفة وبدأت في الضحك. ولم أشعر إلا وهي تضربني وتركلني فأمسكت بها بحيث لا تتمكن من ضربي على وجهي وعندئذ تدخلت ابنتها وبدأت تضربني على رأسي. فتمالكت نفسي ولم أغضب. وبعد ذلك استدعت ابنتها الشرطة فحضروا واستجوبوا الجميع وحرروا محضراً. ولم تبد زوجتي أي أسف حول سلوك ابنتها وتصرفت كما لو أنه يجوز لابنتها أن تتصرف بهذا الأسلوب. وأنا لا أقيم حالياً في نفس البيت معهما، والحقيقة أنني لا أريد أن أعود ولكني في الواقع أهتم كثيراً بزوجتي وأجاهد في سبيل أن أحيا معها بالأسلوب الذي حدده لنا القرآن والسنة. وهي لا تصغي إلى القرآن والسنة إلا عندما يكون قلبها خالياً من الغضب. وقد أضعف هذا الموقف عزيمتي. إن كل ما أسعى إليه هو أن أحيا طبقاً لتعاليم الإسلام الحقة. أرجو مساعدتي في هذا الموضوع والسلام عليكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما ينبغي أن يعلم أن من أهم الأسباب التي ينتج عنها وجود المشكلات بين الزوجين والتي قد تتطور حتى تصل إلى حال سيئة جداً؛ عدم معرفة حقّ كل واحد من الزوجين على الآخر.
وقد جاء الإسلام بتقرير هذه الحقوق وإلزام كل من الزوجين بها وحثهما عليها كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) ، فنصت الآية على أن كل حق لأحد الزوجين يقابله واجب على الآخر يؤديه إليه، وبهذا يحصل التوازن بينهما من كافة النواحي مما يدعم استقرار حياة الأسرة، واستقامة أمورها، قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن أزواجهن "، وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم، وقال القرطبي: الآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية.
فمن تلك الحقوق: غض الطرف عن الهفوات والأخطاء: وخاصة التي لم يقصد منها السوء في الأقوال والأعمال وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذي 2501 صحيح الجامع 4/171.
فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحتمل صاحبه فلكل إنسان زلة، وأحق الناس بالاحتمال من كان كثير الاحتكاك بمن يعاشر. وعلى كل طرف ألا يقابل انفعال الآخر بمثله، فإذا رأى أحد الزوجين صاحبه منفعلاً بحدة فعليه أن يكظم غيظه ولا يرد الانفعال مباشرة، ولذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته: إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب. وتزوج إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله عباسة بنت المفضّل أم ولده صالح، فكان يقول في حقها: " أقامت أم صالح معي عشرين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة ".
ومن أعظم الحقوق أن ينصح كل منهما قرينه بطاعة الله عز وجل وقد جاء في الحديث الصحيح أن نفراً من الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه " رواه أحمد 5/278 والترمذي 3039 صحيح الجامع 5231.
ثم لا ينبغي للرجل أن يبغض زوجه إذا رأى منها ما يكره لأنه إن كره منها خلقاً رضي الآخر فيقابل هذا بذاك، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها غيره " رواه مسلم 36. وعن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن المرأة خلقت من ضلع وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها فدارها تعش بها " رواه أحمد 5/8 وابن حبان 1308 صحيح الجامع 2/163.
ومن أعظم ما يعين على صفاء العيش بين الزوجين حسن الخلق، ولذا رفع الإسلام من شأنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ النهاية والكمال في حسن تعامله وخلقه، وجاء من حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة " رواه الترمذي 2003 وأبوداود 4799، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم " رواه الترمذي 1/217 وأحمد 2/250 السلسلة الصحيحة 284.
ومن المعاشرة بالمعروف: التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء إلا في حقوق الله عز وجل، وذلك ما يرشدنا إليه قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) .
فإن عصت المرأة زوجها ونشزت عن طاعته فله أن يؤدبها التأديب الشرعي قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون تشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن لله كان عليا كبيراً) فأفادت الآية أن للزوج الحق في تأديب زوجته عند عصيانها أمره ونشوزها عليه تأديباً يراعى فيه التدرج الذي قد يصل إلى الضرب بشروطه، قال القرطبي رحمه الله: " اعلم أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحاً إلا هنا وفي الحدود العظام فساوى معصيتهن أزواجهن بمعصية الكبائر وولى الأزواج ذلك دون الأئمة وجعلَه لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتماناً من الله تعالى للأزواج على النساء ".والنشوز في الآية بمعنى العصيان، أي: اللاتي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج فجعل الله للتأديب مراتب:
المرتبة الأولى: الوعظ بلا هجر ولا ضرب فتذكر المرأة ما أوجب الله عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج فإن لم ينفع الوعظ والتذكير بالرفق واللين انتقل إلى:
المرتبة الثانية: وهي الهجر في المضجع وذلك بأن يوليها ظهره في المضجع أو ينفرد عنها بالفراش لكن لا ينبغي له أن يبالغ في الهجر أكثر من أربعة أشهر وهي المدة التي ضرب الله أجلاً للمولي، كما ينبغي له أن يقصد من الهجر التأديب والاستصلاح لا التشفي والانتقام.
المرتبة الثالثة: وهي الضرب غير المبرح لقوله: (واضربوهن) قال ابن عباس رضي الله عنهما: اهجرها في المضجع فإن أقبلَت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرح، وعلى الزوج أن يراعي أن المقصود من الضرب العلاج والتأديب والزجر لا غير فيراعي التخفيف فيه على أبلغ الوجوه وهذا يتحقق باللكزة ونحوها قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرّح؟ قال: السواك ونحوه (أي الضّرب بالسواك) .
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصيته لأمته: " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح. " حديث صحيح، ويجب على الزوج أن يجتنب المواضع المخوفة كالرأس والبطن وكذا الوجه فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الوجه نهياً عاماً، وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله، ما حق زوجة أحدنا علينا؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تضرب " أي: لا تضرب الوجه. رواه أبوداود 2/244 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/446.
فإذا ارتدعت، وتركت النشوز، فلا يجوز بحال أن يتمادى في عقوبتها أو يتجنى عليها بقول أو فعل كما قال تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) .
وفيما يتعلق بخصوص مشكلتك وإن لم نعلم تفاصيلها والسبب الذي دعاك إلى ضرب زوجك، ومن ثم اعتدائها عليك هي وابنتها، لكن فهمنا أنّك الذي ابتدأت بإثارة المشكلة، وأنك الذي ابتدأت بالضّرب ثمّ أغظتها بالضّحك، ثم توالت الأخطاء منها ومن ابنتها، والذي ننصحك به أن تردّ زوجتك إليك وترجعان معا في مسكن واحد وعليك أن تناصح زوجتك وتعترف لها بما أخطأت عليها، ثمّ تبيّن لها عظم ما فعلتْه من عصيانك وعدم طاعتك والقيام بالردّ عليك بالضّرب وتجريء ابنتها عليك كما ذكرت، وينبغي تفهيم البنت أنها ضيفة عند زوج أمها وينبغي أن تحترم من آواها في بيته وأحسن إليها، وإذا كان وجودها يزيد الأمور تعقيدا ويثير المشكلات ويُفاقمها فعليك بالتفاهم معهما لتخرج البنت في مسكن مستقلّ، واستعن بالله واصبر وخالق زوجتك بخلق حسن، نسأل الله أن يُصلح شأنكما ويؤلّف بين قلبكما، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/941)
مداعبة الزوجة بالأصبع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل وضع إصبعه في فرج زوجته ويلاعبه خلال الجماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أرى مانعا من هذا العمل على أن تكون باليد اليسرى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(6/942)
لا تستطيع مفارقة زوجها الذي لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي زوجي فهو لا يصلي ويشرب وعندي إحساس أنه يعرف غيري فأحيانا يصر على السفر وحده أو أجد صور له مع فتاة وقال انه تزوجها في إحدى سفراته واعتقد انه صادق وبعد مدة قال انه طلقها لبعد المسافة وعدم قدرته على تحمل المصاريف وبعدها بفترة وجدت نيجاتيف من الواضح أنها صورته مع فتاة ولكنة ادعى أنها لصاحبة.....المهم أني لا أقدر على مفارقته لوجود طفلين ولا سباب أخرى اعتقد أنى سبب فيها فهو عندما تزوجته منذ حوالي الثماني سنين لم يكن كذلك ولكن الجنس كان عنده مهم للغاية وأنا كنت مختَّنه فأخذت فترة طويلة حتى تجاوبت معه ... والآن أريد محاولة هدايته أرجو أن تنصحني بخطوات أقوم بها بالتدريج وحبذا لو كانت طرق عملية لان الكلام معه لا يفيد فقد جربت ذلك ولكن لم ينفع وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان زوجك لا يصلي فلا يجوز لك البقاء في عصمته، ولا أن تمكنيه من نفسك، وهذا لا يمنع من بَذْلك الأسباب في هدايته، لكن عليك أن تحتجبي عنه بسبب تركه للصلاة. وأما الطرق التي يمكن أن تسلك في محاولة هدايته فهي متعددة، كإحضار بعض الأشرطة التي تتحدث عن المواضيع التي تهمه، ومن أهمها التذكير بسرعة انقضاء العمر، وفناء الدنيا، وحقارتها، والتزهيد فيها، وذكر مخاطر اتباع الهوى وانه يفضي إلى سوء الخاتمة، والتذكير بالموت، والقيامة، والجنة والنار، وبركة الطاعة، وشؤم المعصية وراحة قلب المطيع لله، والوحشة التي يجدها العصاة، وكذا لو أمكن أن يتصل به بعض الدعاة، والأخيار وإمام المسجد وزيارته، ومحاولة ربطه بصحبة صالحة تعينه على الخير وتحثّه عليه، ويبين له خطورة مصاحبة الأشرار وغير ذلك من الأساليب.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: سعد الحميد.(6/943)
اغتسال الزوجين معا ونظر كل منهما إلى عورة الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج والزوجة أن يستحما معا وينظر كل منهما إلى عورة الآخر؟
قال لي أحدهم انه وقت الجماع يجب أن تكون الغرفة مظلمة تماما ولا يستطيع أحد الزوجين أن يخلع جميع ملابسه وقت الجماع فهل هذا صحيح؟
اسأل الله أن يهدينا إلى الطريق المستقيم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدن زوجها ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدن زوجته دون تفصيل لقوله تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} . (فتاوى المرأة) لابن عثيمين (121) .
وقد روى البخاري في الصحيح " برقم (250) .عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.
قال الحافظ في "الفتح" (1/364) : واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته فقال: سألت عطاء فقال سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة والله أعلم. انتهى
قلت: وأما ما ينسبه البعض إلى النبي صلى الله عليه وسلم من كراهية أن ينظر الرجل إلى فرج زوجته فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما يروى عن ابن عباس وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى، ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس. قال ابن الجوزي: موضوع. انظر "الموضوعات "لابن الجوزي (2/271-272) . والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/944)
يسيئ معاملة زوجته لكي تسجل السيارة باسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة كان عندها بعض المال جمعته من منحة تعليمية، وكان مع أخيها. وبعد أن تزوجت، طلبت منه أن يقوم باستثمار المبلغ في مشروعه وأن يقوم بإعطائها حصتها (نصيبها) . ولم يكن ينحج ذلك المشروع، ولذلك فقد أرجع المال لأخته لاحقا، فقامت هي وزوجها بشراء سيارة بذلك المبلغ. وبعد مدة غادرا البلاد وقام أخو الزوج باستخدام السيارة، ودفع ما يقرب من نصف ثمنها فقط.
والمشكلة هي:
هل ارتكبت الزوجة أمرا يخالف تعليم الإسلام لأنها لم تضع المال في يد زوجها في البداية؟ وهل كان واجبا عليها أن تسجل السيارة باسم زوجها بدلا من اسمها هي؟
هل من المقبول (إسلاميا) أن يسيء الزوج في تصرفاته تجاه زوجته، وألا يلبي حاجاتها الأساسية، نتيجة لذلك العمل؟
أليس من الواجب على الزوج أن يكون مسؤولا عن جميع احتياجات أبنائه وزوجته الأساسية؟
وهل الأمر في ذلك الخصوص واسع بالنسبة له؟ وهل ذلك (قيامه بتلبية احتياجات زوجته وأبنائه) هو صدقة من جانبه، إن هو أنفق (عليهم) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزمها أن تسلّم المال لزوجها، فمالها لها إلا إذا تنازلت عن شيء منه لزوجها أو لأخيها أو لغيرهما بطيب نفس منها، ولا يلزمها أن تسجّل سيارتها باسم زوجها إلا إذا تنازلت عنها له فلا بأس، وعلى هذا فلا يجوز لزوجها أن يسيء عشرتها لكي تتنازل عن شيء من مالها، ويجب عليه أن ينفق عليها من ماله لا من مالها، وأن يؤمّن لها السكن المناسب كغيره من الأزواج وكذلك أولاده، وإذا أنفق عليهم ونوى بذلك الأجر من الله سبحانه وتعالى حصل له ذلك إن شاء الله، وإن كان يعتبر في حقه واجباً.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(6/945)
زوجها عصبي بماذا تدعو له
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت أختي وبعد زواجها بفترة أصبح زوجها عصبياً جدا حتى وصل إلى درجة العنف فهل هناك دعاء أو سورة يمكن أن تقرأه حتى تنقذ زواجها وتعود حياتها كما كانت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك سورة مخصوصة تتلى أو دعاء مخصوص للحالة المذكورة، ولكن يمكن أن تدعو هذه الزوجة لزوجها بما يفتح الله عليها، كأن تقول: اللهم أذهب عنه الغضب، اللهم اجعله حليماً، اللهم أنزل عليه السكينة، وتناشد ربها بأسمائه الحسنى وتتضرّع إليه لتجتهد في تحري أوقات الإجابة كثلث الليل الأخير، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ويوم عرفة، وفي السجود في الصلاة ونحو ذلك، نسأل الله أن يُصلح حالهما، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/946)
هل يجوز أن يجامع زوجته في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يجامع الرجل زوجته في دورة المياه - أجلّك الله - فإن البعض يستحم مع زوجته فيفتن بها فما هو الجواب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخي السائل وفقك الله للخير وأغناك بما أحل لك عما حرم عليك، ما ذكرته في سؤالك يجاب عنه بملاحظة ما يلي:
1- دورات المياه في وضعها الحالي في البيوت الحديثة كما في بلدك تختلف اختلافاً كبيراً عن أماكن قضاء الحاجة في السابق والتي تسمى الكنف والحشوش والتي كانت مجمعاً للنجاسات والهوام والنتن، أما الدورات الحالية فليس فيها من ذلك شيء، وإنما يحافظ عليها طاهرة نظيفة وليس فيها شيء من أعيان النجاسات. وبالتالي فإن لها حالاً أخرى غير حال أماكن قضاء الحاجة في السابق، وبينهما من الفروق ما لا يخفى عند أول نظر، وعليه فلا يظهر وجود مانع معتبر يمنع من قضاء الوطر فيها عند الحاجة إلى ذلك من نحو ما ذكرته.
2- قضاء الإنسان وطره من أهله يكون في أحيان كثيرة استجابة لحالة انفعالية نتيجة رؤية أو ملامسة أو نحو ذلك، ولذا فإن إطفاء الشهوة عند ثورانها في هذه الحال سبيل للعفاف وغض البصر، وكف جموح الشهوة، وقد أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم (1403) عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب، وهي تمعس منيئة لها [أي تدلك جلدا موضوعا في الدباغ] فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) وأخرج أحمد (19403) واللفظ له، وابن ماجة (1853) وابن حبان في صحيحه (4171) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تؤدي المرأة حق الله – عز وجل – عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله، لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه) .
3- ومع ذلك فينبغي ألا يذهل المسلم مع ثوران شهوته عن استحضار نية العفاف والاستمتاع بالطيب المباح، فإن عمله بذلك يكون صدقة وبراً كما قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) . قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) أخرجه مسلم (1006) من حديث أبي ذر. وعليه أن يذكر المأثور من الذكر في هذه الحال كما قال صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً) أخرجه البخاري (6388) ، ومسلم (1434) من حديث عبد الله بن عباس. وفقك الله وبارك فيك وبارك لك.
[الْمَصْدَرُ]
د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري(6/947)
محاسبة الزوج لزوجته في صرفها للمهر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للزوج أن يحاسب زوجته ويسألها كيف أنفقت المهر الخاص بها؟ حيث أن زوجي يحاسبني على كل صغيرة وكبيرة في مهري حيث قسم المهر الى جزئين جزء خاص بي وجزء للتحضير للزواج وشراء الملابس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل للزوج أن يحاسب زوجته على مهرها الذي نحله إياها؛ لأنه حق لها عليه ودين في عنقه يجب عليه تأديته لها.
ومقابل ما أعطى الله تعالى المرأة هذا المال القليل فإنه سلب منها القوامة وأعطاها لزوجها. وكانت نفقته عليها مقابل ثمن غالٍ غير بخس، فالمهر والنفقة مقابل القوامة قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النسآء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. . .} النساء/34
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم، {بما فضل الله بعضهم على بعض} : يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن، وإنفاقهم عليهن من أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن ولذلك صاروا قوامين عليهن نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن.
" تفسير الطبري " (5 / 57) .
فالمهر حق لها كما أن القوامة حق له وكما أنه لا يحب منها أن تعصيه في قوامته فيجب عليه أن يؤدي إليها حقها.
فعلى الرجال أن يتقوا الله في مهر نسائهم وليوفوا لهن المهور فإن المرأة ضعيفة، وليؤد لها حقها الذي وجب لها عليه.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. . .} المائدة/1.
بل إن عقود الزواج من أهم العقود التي يجب على المسلمين أن يوفوها.
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ". رواه البخاري (2520) ومسلم (2542) .
وما دامت المرأة قد تملكت هذا المال بهذه الطريقة فإنه ليس لزوجها أن يجبرها على صرفه بطريقة معينة، إلا أن يكون صرفها له في أمر محرّم فإن له حق منعها من صرفه في المحرّم.
ونصيحتنا لك أيتها السائلة أن يكون تعاملك مع زوجك في أمر محاسبته لك بالرفق واللين والنقاش الهادئ لئلا يكون النزاع في هذا الأمر سبباً لدخول الشيطان بينكما لا سيما وأنتما في بداية الحياة الزوجية التي ينبغي أن تبنى على التآلف التام وعلى تحمّل كل طرف ما يكون من تعدٍ أو تقصير في حقه من الطرف الآخر، ونسأل الله تعالى أن يكتب لكما حياة سعيدة عامرة بطاعة الله واتباع شرعه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/948)
حكم الجماع في دورة المياه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل الاجتماع بزوجته بدون غطاء، وهل يجوز الجماع في دورة المياه (البانيو) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز أن يجامع الرجل زوجته بدون غطاء، كما أنه يجوز أن يجامعها في دورة المياه، ولكن سيترتب عليه مخالفة السنة في عدم ذكر الله قبل ذلك. ولعلك تعلم أن السنة إذا أراد الرجل جماع زوجته أن يقول: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. ولعلك تعلم أيضا أنه لا يصلح ذكر الله في أماكن قضاء الحاجة، فالذي سيجامع في دورة المياه كيف يستطيع الإتيان بهذا الذكر؟ إلا إذا كان سيخرج ويأتي بالذكر ثم يدخل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد(6/949)
لا يشترط رضى الزوجة الأولى للزواج من الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تساعدني في التعرف على الحديث أو على رأي الشريعة الإسلامية حول الموضوع التالي:
إذا كانت المرأة متزوجة برجل، وكان ذلك الرجل متزوج من غيرها دون أن تعلم الأخيرة بأنه متزوج. لا داعي للقول بأن هذا وضع صعب وأنه استثنائي إلى حد بعيد، لكنه يبدو أنه الأفضل فيما يتعلق بالظروف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس رضى الزوجة شرطاً للتعدد، وليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى، لكن من مكارم الأخلاق، وحسن العشرة أن يطيِّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر، وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول وبما تيسر من المال إن احتاج الرضى إلى ذلك. فتاوى إسلامية 3/204
ويجب على الزوج إذا تزوج امرأة ثانية أن يعدل بين زوجاته بقدر ما يستطيع، فإنه إذا لم يعدل فإنه يعرض نفسه للوعيد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ " رواه النسائي (عشرة النساء/3881) ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم 3682.
لأن الله لما أباح لنا أن نتزوج بأكثر من واحدة قال: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) النساء/3، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يقتصر الإنسان على واحدة إذا عرف من نفسه عدم العدل. والله الموفق.
انظر فتاوى منار الإسلام 2/570.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/950)
حدود الاستمتاع بين الزوجين وحكم رضاع الرجل من زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مص صدر المرأة عند الجماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوج أن يستمتع بزوجته بما يشاء، ولم يحرم عليه إلا الإيلاج في الدبر، والجماع في الحيض والنفاس، وما عدا ذلك فله أن يستمتع بزوجته بما يشاء كالتقبيل والمس والنظر وغير ذلك.
وحتى لو رضع من ثديها، فهو داخل في الاستمتاع المباح، ولا يقال بتأثير اللبن عليه؛ لأن رضاع الكبير غير مؤثر في التحريم، وإنما الرضاع المؤثر هو ما كان في الحولين.
قال علماء اللجنة الدائمة:
يجوز للزوج أن يستمتع من زوجته بجميع جسدها، ما عدا الدبر والجماع في الحيض والنفاس والإحرام للحج والعمرة حتى يتحلل التحلل الكامل.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 351، 352) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
يجوز للزوج أن يمص ثدي زوجته، ولا يقع تحريم بوصول اللبن إلى المعدة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله الغديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
رضاع الكبير لا يؤثر؛ لأن الرضاع المؤثر ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام، وأما رضاع الكبير فلا يؤثر، وعلى هذا فلو قدِّر أن أحداً رضع من زوجته أو شرب من لبنها: فإنه لا يكون ابناً لها. " فتاوى إسلامية " (3 / 338) .
وأما من جهة حل الاستمتاع في غير ما جاء النهي عنه: فإليك أقوال أهل العلم فيه:
قال ابن قدامة:
لا بأس بالتلذذ بها بين الأليتين من غير إيلاج ; لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر , فهو مخصوص بذلك , ولأنه حرم لأجل الأذى , وذلك مخصوص بالدبر , فاختص التحريم به. " المغني " (7 / 226) .
وقال الكاساني:
من أحكام النكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها إلى قدميها حالة الحياة ; لأن الوطء فوق النظر والمس , فكان إحلاله إحلالا للمس والنظر من طريق الأولى. " بدائع الصنائع " (2 / 231) .
وقال ابن عابدين:
سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليها هل ترى بذلك بأسا؟ قال: لا , وأرجو أن يعظم الأجر. " رد المحتار " (6 / 367) .
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المباح بمنع الجماع للحائض في الفرج وإباحة ما عداه من جسدها، وهو في غير الحائض أوضح في الإباحة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قوله: " ويستمتعُ منها بما دُونه " أي: يستمتعُ الرَّجل من الحائض بما دون الفَرْج.
فيجوز أن يستمتعَ بما فوق الإزار وبما دون الإزار، إلا أنَّه ينبغي أن تكون متَّزرة؛ لأنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان يأمر عائشة رضي الله عنها أن تَتَّزِرَ فيباشرها وهي حائض، وأَمْرُه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لها بأن تتَّزِرَ لئلا َّيَرى منها ما يكره من أثر الدَّم، وإذا شاء أن يستمتع بها بين الفخذين مثلاً: فلا بأس.
فإن قيل: كيف تجيب عن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لما سُئِلَ ماذا يَحِلُّ للرَّجُل من امرأته وهي حائض قال: " لك ما فوق الإزار "، وهذا يدلُّ على أن الاستمتاع يكون بما فوق الإزار؟ .
فالجواب عن هذا بما يلي:
1. أنَّه على سبيل التنزُّه، والبعد عن المحذور.
2. أنه يُحمَلُ على اختلاف الحال، فقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ " اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح ": هذا فيمن يملك نفسه، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: " لك ما فوق الإزار ": هذا فيمن لا يملك نفسه إما لقلِّة دينه أو قوَّة شهوته. " الشرح الممتع " (1 / 417) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/951)
أجبرت على الزواج ممن لا تريده، فهل تستخدم حبوب منع الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ فترة قصيرة، ولكنني غير سعيدة مع زوجي، وقد أجبرني أهلي على الزواج منه، ومشكلتي أنني لا أرغب في الإنجاب منه، فهل يجوز أن أدعو الله أن لا يرزقني أولاداً منه أم لا يجوز؟ وقد قرأت أنه لا يجوز استخدام حبوب منع الحمل بدون إذن الزوج، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للولي سواء أكان أبا أو غيره أن يزوج مَنْ كانت تحت ولايته دون رضاها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) رواه مسلم (1421)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419)
كما لا يجوز للولي أن يتعنت في تزويج موليته، أو يعضلها عن الزواج ممن ترغب إذا كان كفؤاً لها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم -: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني وانظر السؤال رقم (32580)
أما ما حصل معك، فلك الخيار في الاستمرار أو عدمه، فاستخيري الله عز وجل، فإن رضيت فلك الاستمرار على هذا الزواج، وإن لم تقبلي الاستمرار في زواجك فلك الحق في طلب الفسخ، لأنه وقع بدون رضاك.
فعن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. رواه البخاري (4845) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود (2096) وصححه الألباني.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرأة إذا زُوِّجت بدون رضاها فإن العقد يكون موقوفاً على إجازة المرأة، فإن أجازته صح، وإلا فلها الفسخ. وهو مذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد. انظر المغني 7 / 364،فتح الباري 9 / 194
قال الشيخ ابن عثيمين في مسألة إجبار الوالد بنته على النكاح: إجبار الرجل ابنته على الزواج برجل لا تريد الزواج منه محرم، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً، لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي، لأن مقصود الشرع بالنهي عن أمر ما، أن لا نتلبس به ولا نفعله، ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه، وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع.....
وعلى هذا فالقول الراجح يكون تزويج الوالد ابنته هذه بمن لا تريده زوجا، تزويجا فاسدا، والعقد فاسد، يجب النظر فيه من قبل المحكمة
انظر الفتاوى ص 760، وانظر أيضاً فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 10 / 73 – 78
أما أخذك لحبوب منع الحمل دون علم الزوج، فهذا ليس حلا للمشكلة، لأن هذا معناه مكوثك تحت من لا ترضين، وقد نص بعض أهل العلم كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم الموضع السابق، على أنه إذا ظهر من المرأة الرضى بزواجها ممن تزوجت منه جبرا، فإنه يسقط حقها في طلب الفسخ، وإذا سقط الحق في طلب الفسخ صار الرجل زوجا شرعيا لك، وإذا كان كذلك لم يجز لك أخذ حبوب من الحمل إلا بعلمه عند وجود ما يدعو إلى ذلك.
ويراجع السؤال (5196) (22760) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/952)
شتائم وخلافات مستمرة مع الزوج فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولي ثلاثة أطفال، دائماً في شجار مع زوجي ويدَّعي بأنني لا أطيعه، في بعض الأحيان وفي نهاية الشجار أتلفظ بألفاظ لا يتلفظ بها المتقون وربما قالها هو، وفي 80 % من الحالات أشعر بأنني امرأة سيئة، وأن الملائكة تلعنني بالليل، وأشعر بأنني يجب أن أطلب السماح حتى لو أنني لست مخطئة، حينها أشعر بالراحة، ولكنني أشعر بالذنب، حين يقول عني زوجي بأنني دائماً أشتكي، ولو قلت كل ما يقوله زوجي عني لمكثت ساعات، زوجي يبالغ ويقول بأنه يريد أن يكون هو الرجل، فقلت له: إذاً لماذا لا نفترق كما قالت الآية. لا أشعر بالسعادة في حياتي ولا هو كذلك، أشعر بأنه ليس صادقاً مع نفسه لأنني لو كنت غير مطيعة له ودائماً أشتكي وأتصرف كالرجال فلماذا أبقاني معه حتى الآن؟ . أرجو أن تساعدني وتنصحني لأنني لا أريد أن أغضب الله ولا أغضب زوجي، هو يقول بأنني أغضبه كل يوم ودائماً أجادل. أسأل الله المغفرة، وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرع الله عز وجل الزواجَ وامتنَّ به على الإنسان وجعله من آياته عز وجل، وأخبر أن من أعظم حكَم الزواج وجود السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم / 21] .
ولا يتم ما أراده الله تعالى من الزواج إلا إذا تحقق حسن العشرة بين الزوجين، وذلك بأن يؤدي كل منهما ما يجب عليه نحو الآخر.
فيجب على الزوجة أن تطيع زوجها بالمعروف، وأن تمكنه مما أباح الله له من الاستمتاع، وأن تقرَّ في بيتها ولا تخرج منه إلا بإذنه، ولها على زوجها الكسوة والنفقة والسكنى بالمعروف ولها عليه المعاشرة بالمعروف، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء / 19] .
والوصية للزوج – أولاً – أن يؤدي الذي عليه تجاه زوجته، فإن رأى منها تقصيراً في جانب فعسى أن تكون جوانب أخرى فيها تدعوه للإبقاء عليها وعدم تطليقها، قال تعالى: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء / 19] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَفْرُك مؤمنًا مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر " رواه مسلم (1469) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومعنى " يَفْرُك ": أي: يبغض.
ونحن نرى أن الزوج قد فعل هذا، وأنه مع ما يجده من زوجته إلا أنه يصبر على أذاها، ولعلَّ هذا هو ما تعجبتْ منه الأخت السائلة، وأنه لماذا لا يطلقها، فقد يرى الزوج بحكمته وعقله أنه يوجد مجال لإصلاح الزوجة وتغيير طباعها، ويرى مفاسد تشتت الأسرة وضياع الأولاد بالطلاق أكثر من مفسدة الشجار وتطاولها عليه.
والوصية للزوجة أن تتقي الله تعالى في زوجها، ولتعلم أنه جنتها ونارها، فقد تدخل بسببه الجنة وقد تدخل النار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " انظري أين أنتِ منه – أي: الزوج - فإنما هو جنتكِ وناركِ " – رواه أحمد (18524) وحسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (220) - وقد أوجب الله تعالى عليها طاعته بالمعروف، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بعظم حقه عليها وأنه لو كان آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها – كما رواه الترمذي (1159) وحسَّنه من حديث أبي هريرة -.
فالمرأة العاقلة تؤدي الذي أوجبه الله عليها، ولا تتعدى حدود الله عز وجل، ومِن تعدي المرأة على زوجها: سبُّها له، وكثرة خصامها معه، وإذا كان ثمة أولاد بينهما كان ذلك– منها – زيادة في الإثم لما في سبِّها له من تسببها في جرأة أولادها على أبيهم، وفقدان مهابته في قلوبهم، وهو ما يؤثر سلباً في تربيتهم.
وإذا كنتِ تعلمين من نفسكِ أنه يمكنكِ إصلاح ما أخطأتِ به فعليك بالمبادرة إلى الإصلاح، وذلك بالاستغفار والتوبة والندم والعزم على عدم العود لمثل تلك الفعال، كما يجب عليك طلب المسامحة من زوجك، والقيام بطاعته ومعاشرته بالمعروف، فتكسبين بذلك رضا الله، ورضا زوجكِ، وحسن تربية أبنائك، وهي السعادة البيتية التي يفتقدها الكثيرون، وحلُّها بأيديهم، لكنهم عنها غافلون أو عن إصلاحها مستكبرون.
وإن رأيتِ من نفسك عدم القدرة على إصلاحها أو عدم النية لذلك: فإننا ننصحكِ بالفراق، وطلب الخلع من زوجك، وعليك أن تؤدي له ما تصطلحون عليه من المهر أو أقل أو أكثر ليطلقكِ، وهذا خير لك من التمادي في المعصية وازدياد اكتساب الإثم.
فاحرصي – بارك الله عليكِ – على إصلاح بيتكِ وإسعادِ زوجكِ وتربية أبنائك، واحرصي على بقائك في عصمته بتحسين خلقكِ والكف عن كل ما ترينه شائناً لك ومفرِّقاً بينكِ وبين زوجكِ، ونرى في كلامكِ التحسر على ما يصدر منكِ من أفعال مخالفة للشرع، وهذا طيب ولكنه يحتاج لتقوية وتثبيت، واحرصي على الدعاء في أوقات الإجابة أن يطهر الله تعالى قلبك وجوارحكِ، وأن يرزقك حسن الأخلاق، ولا تترددي بالاعتراف بأخطائك لزوجك، وتعاهدي معه على الصلح وإصلاح نفسيكما، والكف عن الشجار والشتائم، واحرصا على الصحبة الصالحة، وننصحكما بأداء العمرة معاً، وأن يكون لكما برنامج لتقوية إيمانكما وزيادة الصلة بينكما كالصيام وقراءة القرآن وسماع الأشرطة المفيدة.
ونسأل الله أن يوفقكما لما فيه خير الدنيا والآخرة.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/953)
يريد أن يقدم هدية لزوجته في موعد زواجه من كل سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقدم لزوجتي هدية وذلك في نفس موعد زواجي من كل سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أراد الزوج أن يقدّم هدية لزوجته، فإنه يقدمها في أي وقت أو عند وجود مناسبة أو سبب يقتضي ذلك، ولا ينبغي أن يتحرى موعد زواجه من كل سنة ويقدم فيه هدية، فإن ذلك من اتخاذ هذا اليوم عيداً، وليس هناك أعياد سنوية للمسلم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وقد مرت هذه المناسبة (موعد الزواج) على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يتحرون إعطاء الهدايا لزوجاتهم في هذا اليوم، والخير كل الخير في اتباعهم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل يجوز للزوج أن يهدي زوجته هدية في ذكرى يوم زواجهما في كل سنة تجديداً للمودة والمحبة يبنهما، علماً أن الذكرى ستقتصر فقط على الهدية ولن يقيم الزوجان احتفالاً بهذه المناسبة؟
فقال:
" الذي أرى سدّ هذا الباب لأنها ستكون هذا العام هدية وفي العام الثاني قد يكون احتفالاً، ثم إن مجرّد اعتياد هذه المناسبة بهذه الهدية يعتبر عيداً لأن العيد كل ما يتكرر ويعود، والمودة لا ينبغي أن تجدد كل عام بل ينبغي أن تكون متجددة كل وقت كلّما رأت المرأة من زوجها ما يسرها، وكلما رأى الرجل من زوجته ما يسره فإنها سوف تتجدد المودة والمحبة. أ. هـ
فتاوى العلماء في عشرة النساء ص 162.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/954)
والدها أساء معاملتها وأمها فحقدت عليه وأثَّر على علاقتها بزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ عامين، وزوجي - والحمد لله - يتقي الله في معاملتي، إلا أني أواجه عقداً نفسية نتيجة لوالد لم يراع الله بي وبأخوتي وأمي، مما زرع الحقد في قلبي وقلب إخوتي له، ورغم أني تزوجت وابتعدت عن تلك الحياة المأساوية فأنا لا أستطيع سوى أن أحزن لحزن أمي وإخوتي، فهم ما زالوا يعانون مما يؤثر علي في معاملتي لزوجي الذي يحترمني، إلا أن صبره ينفذ حين يراني حزينة معظم وقتي ويعتقد أنني أحب النكد، فماذا أفعل؟ كما أنني وإخوتي لا نستطيع احترام والدنا نتيجة لطريقة معاملته لنا، فماذا نفعل للتخلص من حقدنا له؟ ، واعلم أنا نجاهد لاحترامه، ولكنه لا يحترم أحداً ويعاني من عقدة كره كل من هو أفضل منه، وعنده عقدة حب الظهور والتميز، أي: يُري الناس أنه يملك الكثير رغم أنه لا يملك شيئا بل عليه ديون. أرجو مساعدتي في حل المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما والدكم فالواجب عليكم مداومة نصحه، وتذكيره بما أوجب الله عليه تجاه نفسه وتجاه أسرته.
ولا بدَّ من تنويع طرق النصح، فقد يثقل عليه سماعها منكم، فلا تيأسوا من إيصال الذكرى والموعظة عن طريق أقربائكم أو أصحابه، ويمكنكم إسماعه ما ينفعه من أشرطة الوعظ والتذكير.
ثانياً:
وعليك أن تتقي الله تعالى في زوجكِ، فلا ينبغي أن تنقلي هموم وغموم أهلكِ وتلقيها في بيت زوجك وعلى ظهره، وخاصة أنه يحسن إليكِ ولم تري منه ما يسوؤك، فالواجب عليكِ أن تشكريه وتحسني إليه، وهو ما أمركِ الله تعالى به.
ثالثاً:
لا تخلو نفس من أمراض – إلا من رحم الله ونجاه – فكون والدكِ يحب إظهار نفسه، ويرى ذاته فوق ذوات الناس فإن هذا يوجب الشفقة عليه لا الحقد، وكونه أساء إليكم ولا يزال فإن هذا يوجب الرحمة في قلوبكم عليه، فإنه لو مات ولقي ربه بهذه الأعمال فإنه سيلقاه بذنوب وآثام عظيمة.
لذلك فعليك أنت وإخوتك وأهلكِ أن تعيدوا النظر في علاقتكم مع والدكم وموقفكم منه، فالله عز وجل أمرنا بالإحسان إليهم وبرهم حتى لو دعوْنا إلى الشرك والكفر.
قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15 وهذا إبراهيم عليه السلام يحاور والده المشرك بأدب كما ذكر الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) مريم/41–47.
فانظروا لأدب هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف يخاطب والده المشرك الذي يهدد ويتوعد ولده المسلم، وفي هذا موعظة بالغة ودرس مفيد لمن ابتلي بمثل هؤلاء الآباء فكيف بمن دونهم؟!
رابعاً:
وأما الحزن الذي أصابكم فلا ينبغي أن يكون معطِّلاً لكم عن أعمالكم، ومثبطاً لكم عن طاعتكم، ومسبِّباً لكم في التقصير فيما أوجبه الله عليكم مثل ما أوجبه الله عليكِ تجاه زوجك، وأوجب عليكم تجاه دعوة والدكم.
ونوصيكم بدعاء وقائي، وآخر علاجي:
أما الدعاء الوقائي فهو:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال ". رواه البخاري (6008) .
وأما الدعاء العلاجي فهو:
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي: إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً.
قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
رواه أحمد (3704) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/955)
هل يجوز للزوجين التجرد من الثياب وقت الجماع بدون أي غطاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن علاقة المواقعة بين الزوجين غير جائزة إذا مورست دون تغطية بملاءة أو بطانية؛ لأن الملائكة الموجودين يخجلهم ويهينهم جسدا الزوجين العارييْن وهما في وضع المواقعة، لذلك يجب على الزوجين تغطية جسديهما ببطانية خلال المواقعة ويجب ألا يكشفا عن جسديهما، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التحريم حكم شرعي لا يصح أن ينسب إلى الشرع إلا بدليل شرعي ثابت من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية على جواز التجرد من الثياب حال الجماع بين الزوجين، وقد ذهب الحنابلة إلى كراهة التجرد من الثياب وعدم الاستتار حال الجماع، مستدلين لذلك بأحاديث، لكن لا يصح منها شيء، ومنها:
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدُكم أهله فليستتر , فإنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت , فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب) .
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 63) ، والبزار وضعَّفه – كما في " نصب الراية " (4 / 247) -.
2. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم أهله فليستتر , ولا يتجرد تجرد العيرين) .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 196) والبيهقي – وضعَّفه - (7 / 193) ، وفيه: مندل بن علي، وهو ضعيف.
ورواه ابن ماجه (1921) من حديث عتبة بن عبد الله السلمي , وقد ضعفه الألباني في " إرواء الغليل " (2009) .
3. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم أهله فليستر عليه وعلى أهله , ولا يتعريان تعري الحمير) .
رواه الطبراني (8 / 164) ، وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف كما في " مجمع الزوائد " (4 / 293) .
وإذا ثبت ضعف هذه الأحاديث فلا يصح الاستدلال بها على وجوب الاستتار، والمنع من التعري أثناء الجماع، والأصل: حل الاستمتاع بين الزوجين في النظر واللمس.
وقد استدل جمهور العلماء على الجواز بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك , أو ما ملكت يمينك) قلت: يا رسول الله , أرأيت إن كان القوم بعضهم من بعض؟ قال: (إن استطعت ألا تريها أحدا فلا ترينها) قلت: يا رسول الله , فإن كان أحدنا خاليا , قال: (فالله أحق أن يستحيا منه من الناس) .
رواه الترمذى (2794) وحسَّنه، وابن ماجه (1920) , وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
واستدلوا أيضاً بحديث ضعيف، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والتعري , فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط , وحين يفضي الرجل إلى أهله , فاستحيوهم وأكرموهم) .
رواه الترمذي (2800) ، وفيه ليث بن أبي سليم، وكان قد اختلط، وضعفه الألباني في " إرواء الغليل " (64) .
والخلاصة: أنه لم يصح حديث في النهي عن التعري والتجرد من الثياب حال جماع الزوجين، وأن الأصل هو الحل، وقد ثبت ما يؤيد هذا الأصل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/956)
تشعر بالانجذاب نحو شخص آخر غير زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة ولي أطفال وزوجي يحسن معاملتي ويهتم بي كثيراً، لكني أصبحت أجد نوعاً من الانجذاب لأحد أقارب زوجي، والمذكور يصغرني في السن 10 سنوات تقريباً، وكنت أعرف أنه قد وقع في حبي منذ مدة، لقد أخبرته أن الأمر غير مطروح لكن مشاعره تجاهي تنامت أكثر وأكثر، وقد طلبت منه أن يصلي الاستخارة ويسأل الله الإرشاد ففعل وصلى الاستخارة ثلاث مرات، وفي جميع المرات الثلاث حصل على نتيجة إيجابية تجاهي، أنا لا أقابله لكني أعلم أنه شاب محترم وصادق جدّاً، وقد أخذت مشاعري تتنامى تجاهه أيضاً لكني أحاول إخفاءها دائماً، هل يجوز أن أستخير وأنا متزوجة؟ وكيف نتصرف؟ أرجو أن تدعو لي وأن تساعدني في هذا الوضع الصعب جدّاً، فأنا لا أريد أن أسبب المعاناة لزوجي وعائلتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد جعل الله تعالى الرجال يميلون إلى النساء , والنساء تملن إلى الرجال، وهذا الميل منه ما يترجم إلى علاقة محرمة كالزنا، ومنه ما يترجم إلى علاقة شرعية وهو الزواج، وقد جعل الله تعالى الزوجة ستراً لزوجها وجعل الزوج ستراً لزوجته، قال الله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) البقرة/187، ثم إن من النعم التي يخص الله تعالى بها بعض الأزواج أن يجعل بينهم المودة والرحمة , ويوفق كلا منهما لما يكون سببا في الألفة ونبذ الفرقة والشحناء في الأسرة، وهذه نعمة عظيمة جدّاً لا يشعر بقيمتها إلا من اضطربت عندهم العلاقة الأسرية , ودخل بينهم الشقاق والنزاع الذي يحوِّل العلاقة الزوجية إلى جحيم لا يطاق؛ فعند ذلك يصبح كلٌّ من الزوجين يحلم بالاستقرار الأسري حلماً، وتصبح أمنية الرجل زوجةً يهنأ معها في عيشه، وأمنية المرأة رجلا تهنأ معه في عيشها.
ويفهم من سؤالكِ أن الله قد امتنَّ عليك بهذه النعَم كلها، فالواجب عليك هو شكر الله على هذه النعم العظيمة والمحافظة عليها وعلى الأسرة التي رزقك الله إياها والتي يتمنى ملايين النساء أن تكون في مثل الحال الطيبة التي أنتِ فيها وأنتِ لا تشعرين بقيمتها.
واعلمي أن المرأة لا يجوز لها أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها , وإذا كانت متزوجة كانت هذه العلاقة بينها وبين ذلك الرجل أشد تحريماً , لأن فيها اعتداء على حق الزوج وشرفه وعرضه.
وعليه: فلا يجوز لكِ ولا لذلك العشيق المجرم أن تصليا صلاة الاستخارة؛ وذلك أن الاستخارة إنما تشرع في أمر لم يتبين خيره من شره، ولا يدري المسلم عن مصلحته فيه، فيستخير حتى يوفقه الله للخير إن كان خيراً أو يصرفه عنه إن كان شرّاً، أما أن يستخير المسلم في معصية الله ومخالفة أوامره سبحانه فهذه معصية تستوجب التوبة إلى الله منها.
وبيان ذلك: أن المرأة حين تستخير في الزواج من غير زوجها وهي على ذمة زوجها فإنها في حقيقة الأمر تستخير في هدم بيتها وأسرتها، وتستخير في تشريد أطفالها، وتستخير في الطلاق من زوج أحسن إليها واهتم بها اهتماماً كبيراً، فهي تستخير في خيانته وطعنه في ظهره بأن تشتت أسرته وليكون خراب بيته وبيتها على يديها، وهي تستخير في مقابلة المعروف الكبير والخير الكثير بالإساءة الشديدة والتنكر لصاحب المعروف وجحد حقه.
فكل هذه الأمور وغيرها كثير هي فحوى الاستخارة التي قمت بها.
وأما النتيجة الإيجابية التي تقولين إن صاحبك حصل عليها! فلا شك أنها تزيين من الشيطان واتباع لهوى النفس , وليس للمسلم أن يستخير على فعل شيء محرم , فكيف يستخير ثم يزعم أنه حصل على نتيجة إيجابية؟!
ثم إن المسلم بعد صلاة الاستخارة يعزم على أحد أمرين: إما الفعل , وإما الترك , فما يسره الله له فهو الخير , وأما أن ينتظر انشراح الصدر أو أن يرى رؤيا ونحو ذلك، فهذا في الغالب أمور وهمية , لا ينبني عليها حكم شرعي.
وبناء على ما سبق: فإنه يجب عليك أن تصرفي عنك كل وساوس الشيطان المتعلقة بهذا الموضوع وألا تجعلي للشر سبيلا عليك وعلى أسرتك وعلى أبنائك، واعلمي أنكِ وقعت في مكيدة شيطانية بأن زينكِ الشيطان لهذا الشاب وزيَّنه لك حتى يحقق فيكما أكبر ما يحلم به وهو خراب بيت مسلم آمن مستقر، وطلاق زوجين متحابين متآلفين، وتشريد أطفالكما.
فاقطعي حبل الشيطان بألا تفتحي المجال لهذا الشاب أن يخرب حياتك وأسرتك واقطعي كل طريق يمكن أن يؤدي إلى بقاء محل له في حياتك.
ومما يعينك على صرف هذه الوساوس الشيطانية أن تجيبي بينك وبين نفسك بصدق على هذه التساؤلات:
1. هذا الشاب لو كان رجلا صالحا فكيف يرضي أن يخرب بيت أخيه المسلم ويشتت له أسرته؟
2. لو كان هذا الإنسان يحبك حقيقة فلماذا يسعى في خراب بيتك ودمار أسرتك؟ فهل هو يحبك أم يحب نفسه ولا ينظر إلا إلى مصلحة شهوته؟
3. لو أنه حصل ما تمناه هذا الشاب وتم طلاقك من زوجك – لا قدر الله – فما هو مصير أبنائك الذين هم من الرعية والأمانة التي سيسألك الله عنها يوم القيامة؟
4. ما الذي يضمن لك أن تكون معاملة هذا الشاب لك بعد الزواج ومشاعره كما هي الآن؟ مع العلم أن كثيراً من الأسر التي بنيت على العشق كان مصيرها الفشل بعد أشهر قليلة من الزواج لأنها بنيت على أساس هش غر مبني على رضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
5. وهل تتوقعين أن تبقى الثقة بينكما دائماً بعد زواجكما؟ فإذا كان أحبك وأنت متزوجة، فمن أين لكِ أن لا يحب غيرك وهي متزوجة – أو غير متزوجة -؟ وكيف سيثق بكِ إن كنتِ هدمتِ بيتك من أجله، وقد تتكرر الصورة مرة أخرى وأنتِ على ذمته، فستبقى الشكوك مصدر قلق لكليكما، فكلاكما رضي بالحرام ولم تمتنعوا من إقامة علاقة محرمة مع وجود عقد شرعي بينك وبين زوجك، فمن يضمن له أنكِ لن تعيدي الكرَّة مرة أخرى؟
أما طلبك الدعاء، فأسأل الله العلي العظيم بمنه وكرمه أن ييسر لك الخير ويصرف عنك كل شر وأن يديم عليك وعلى أسرتك نعمة الاستقرار والمحبة وأن يحفظ لك زوجك وأبناءك ويبعد عنك وساوس الشيطان وتزيينه للباطل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/957)
الكلام أثناء الجماع لإثارة الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التلفظ بكلام خارج (كلام غير مباح) أثناء الجماع لإثارة الشهوة عند الزوجة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للزوج والزوجة أن يتلفظا بما يشاءان مما يثير الشهوة عند الجماع، ولا يشترط أن يكون ذلك مما ورد في السنَّة، لكن لا يجوز أن يكون الكلام من المحرمات الشرعية كأن يكون كذباً أو قذفاً، فذِكر الأعضاء الجنسية بألفاظها العرفية، أو غيرها مما يثير الشهوة بقول أو فعل فالأصل فيه الإباحة.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهية هذا، ورأوه منافياً لمكارم الأخلاق، والصحيح أنه جائز، وأننا لو قلنا بالكراهية فإنها تزول بأدنى حاجة، والحاجة متوفرة هنا.
وإذا كان يجوز للزوج لمس فرج زوجته والنظر إليه والاستمتاع به، فإن يجوز من باب أولى أن يسميه باسمه استثارة لزوجته، والعكس – كذلك -
وانظر جواب السؤال رقم: (13621) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/958)
زوجها لا يعطيها إلا النفقة ويعيش بعيداً عنها فهل تطلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقتُ مرتين، الأولى: بسبب طلبي من زوجي أن يجعل لي ولأبنائي ولو يوماً في الشهر يجلس بيننا بعيداً عن رغباته ورغبات أهله، والثانية: بسبب حبه لأخرى وإهانته لي أمام أبنائي وتفضيله لها علي وعدم مراعاة شعوري وشعور أبنائي وهو يبثها حبه وغرامه عبر الهاتف على مرأى ومسمع مني دون زواج، والآن سافر وتركني وحدي مع أبنائنا ولا يربطنا به سوى المصروف الذي يرسله عن طريق أهله.
هل لو طلقت سيعوضني الله خيراً وسيغنيني من فضله وسيعوضني عما رأيته من ظلم مع هذا القاسي أم سيكون عدم رضا بقضاء الله؟ وهل من حقي أن يكون لي زوج أعيش معه في مودة ورحمة وسكن أم أرضى وأعيش عيشة الذل أنا وأبنائي من أجل المصروف الشهري الذي يرسله كل شهر عن طريق أهله زيادة في إهانتي وذلي؟ وهل أعتبر صابرة أم ضعيفة ومنكسرة لأنني رضيت بهذه الحياة طوال 11 عاما خوفا من كلمة الطلاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أباح الله التعدد للرجل، ونهاه عن الظلم، فإن رغب الزوج في التعدد فإما أن يمسك الأولى بمعروف أو يسرحها بإحسان، ولا يحل له أن يبقيها في عصمته مع هجره لها، وعدم إعطائها حقوقها، ولا يحل له أن يفرِّط في رعاية وتربية أبنائه، فلم يشرع التعدد لهدم البيوت بل لبنائها وتكثيرها.
وهذا الهجر والتفريط حرام عليه إذا كان مقترناً بأخرى وفق الشرع، فكيف يكون الحكم لو كان هجره وتفريطه بسببٍ غير شرعي كالعلاقات المحرمة، والسهرات الفاسدة؟ .
ثانياً:
وللزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا لم يمكنها الصبر على سوء خلقه، وليس هذا من عدم الرضا بقدر الله تعالى، بل في بعض الأحيان قد يحرم البقاء مع زوج يرتكب الكبائر ولا يُؤمن جانبه على أولاده، وبما أن الطلاق مشروع، بل قد يجب أن تطلبه أحياناً، فلا وجه للظن بأن هذا يخالف الإيمان بالقدر؛ لأن الله تعالى يقدر الزواج ويقدر الطلاق.
ومن حق الزوجة أن تعيش مع زوجٍ يعاشرها بالمعروف، وأن تحظى بزوج تسكن إليه ويكون لباساً لها، ويكون بينها وبينه مودة ورحمة، وهو ما لأجله شُرع الزواج، وإن أي فقدٍ لشيء مما ذكرنا فهو مخالف للحكمة التي من أجلها شرع الزواج.
ومن هنا كان الواجب على الزوج أن يختار صاحبة الدِّين، وعلى الأولياء أن يزوجوا مولياتهم من أهل الدِّين والخلق؛ لأن البيت المسلم إذا قام على شرع الله تعالى فإنه لا يُرى فيه ظلم وتعد، فإن كرهت زوجها لسبب شرعي طلبت الطلاق أو خالعته، وإن كرهها طلقها وأعطاها حقوقها كاملة، فإما أن يمسك بمعروف أو يسرِّح بإحسان.
وإذا حصل الطلاق فقد يقدِّر الله تعالى لها زوجاً صالحاً، كما قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفرَّقا يُغْنِ الله كلاًّ مِن سَعَتِه} .
ثالثاً:
ومن النساء من تصبر على زوجها لاحتمال أن يصلح الله حاله، أو من أجل أن يبقى على اتصال بأولاده رعاية وتربية وإنفاقاً، فإن طالت المدة ولم يُصلَح حاله، أو أنه أساء كثيراً لزوجته وأولاده، وعندها ما يكفيها للنفقة على نفسها وأولادها: فلا وجه لبقائها في عصمته، بل تخلصها منه هو الصواب لتعيش حياة أكرم وأفضل، ولتربِّي أبناءها على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعليكِ أن تحاسبي نفسك، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منكِ من سيئات أو أخطاء في حق الله، أو في حق زوجك، أو في حق غيره، فلعله إن يكون ما حصل معك عقوبة لمعاصٍ اقترفتِها فالله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبةٍ فَبِمَا كَسَبت أَيْديكُم وَيعْفو عَنْ كَثِيرٍ} .
وتأملي في وضعك جيداً وفي حقيقة إمكان أن يتيسر لك زوج بعده أو تعيشي حياة هادئة بدونه، واستشيري ممن حولك ممن هو ألصق بك، وأنصح لك فإن وافقوك على الطلاق والحال على ما ذكرتِ في سؤالك فاستخيري الله تعالى فإن اطمأنت نفسك للطلاق فأقدمي وأسألي الله أن يغنيك من سعته نسأل الله أن يصلح حالك وأن يفرج همك وأن يصلح بينكما إن كان في ذلك خير لكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/959)
أخذها أهلها بدون إذن زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخ متزوج من عدة سنوات وله من الأولاد ابن وبنت وكثيرا ما تحصل خلافات بينه وبين زوجته ثم يصطلحان وكان آخر ذلك أن بدأت زوجته بسب والدي الزوج ثم تطاولت ومدت يدها على زوجها، ثم أخبرت أهلها فجاءوا وأخذوها بدون إذن زوجها، وعائلتها فيهم من الفسق وقلة الدين ما الله به عليم، وقد قمنا بمناصحتهم أكثر من مرة دون جدوى.
فأرجو مساعدتنا وإرشادنا إلى من نذهب من الجهات المختصة والشرعية حتى ننهي هذه القضية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
خروج المرأة من بيت زوجها بدون إذنه لا يحل، بل عده جماعة من أهل العلم من النشوز، ومن الخروج عن طاعة الزوج، ما لم تكن في ذلك معذورة، كأن يؤذيها زوجها إيذاء لا يمكنها دفعه أو نحو ذلك.
ثم إن منع المرأة نفسها من زوجها يسقط عنه وجوب النفقة عليها لنشوزها كما نص على ذلك الفقهاء. انظر: "المغني" (8/182) .
ثانياً:
الذي ينبغي على أخيك أن يتصرف بحكمة لإرجاع زوجته إلى بيتها، فيعظها بالله تعالى، ويذكرها به، وكذلك يفعل مع أهلها، فإن لم يتمكن من فعل ذلك بنفسه فليستعن بالأقارب من أهل العلم والخبرة والحكمة ليتدخلوا في الموضوع لحله.
وعليه أن يتأنى ولا يتعجل في اتخاذ القرار، فإن (التأني من الله، والعجلة من الشيطان) كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1795) .
وربما اتخذ الرجل قرارا في ساعة غضب ثم ندم عليه ولكن بعد فوات الأوان حين لا ينفع الندم.
وعليه أن يتحلى بالصبر ويتحمل زوجته ويحاول إنهاء ما بينه وبينها من منازعات دامت سنوات طويلة، وليبدأ معها حياة جديدة مع نسيان الماضي بنزاعاته.
ثالثاً:
لا يوجد إنسان كامل، فلنقبل الحسنات، ولنتجاوز عن السيئات، ونحاول إصلاحها بحكمة وهدوء وعقل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ –أي لا يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) .
قال النووي:
"أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لا يُبْغِضهَا , لأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ " اهـ.
وهكذا الناس كلهم فيهم الحسنات والسيئات، والعاقل هو الذي يوازن بين الحسنات والسيئات، فلنقبل الحسنات ولنتجاوز عن السيئات من محاولة إصلاحها.
رابعاً:
إن فعل الزوج كل ذلك ولم ينصلح حال المرأة فيمكنه اللجوء إلى المحاكم الشرعية لحل هذا النزاع.
والله تعالى المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/960)
من صور الاستمتاع المستقذرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج أن يدخل إصبعه في دبر زوجته ويحركه كأنه نكاح. سؤالي جاء من باب أن زوجي سأل إمام المسجد وأجاز له فعل ذلك. ولذلك أنا أسال أهل العلم من باب التأكد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يباح للرجل أن يستمتع بزوجته كيفما شاء، إذا اتقى الوطء في الحيض، والوطء في الدبر، لما روى مسلم (302) عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض. . . إلى آخر الآية) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه.
وروى الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجة (639) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى أحمد (9731) وأبو داود (2162) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأته في دبرها" والحديث حسنه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند والألباني في صحيح أبي داود.
وأما وضع الإصبع في الدبر فأقل أحواله الكراهة، لما فيه من مباشرة النجاسة والقذارة، ولما قد يفضي إليه من الوقوع في الحرام البين الذي هو الوطء في الدبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ) . رواه البخاري (52) ومسلم (1599) .
ومما يؤكد ما سبق من الكراهة، أن العلماء عللوا حرمة الوطء في الدبر بوجود الأذى، قال ابن قدامة رحمه الله: (لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر , فهو مخصوص بذلك , ولأنه حرم لأجل الأذى , وذلك مخصوص بالدبر) المغني 7/226
وإدخال الإصبع في الدبر تتحقق معه هذه العلة ولا شك.
وفيما أحل الله تعالى مما ليس فيه شبهة غنية وكفاية.
راجع السؤال رقم (40520) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/961)
السبب في تفضيل الزوج وجعل القوامة بيده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة والحمد لله وقرأت كثيرا وسمعت من العلماء عن حق الزوج على زوجته وكم هو عظيم سمعت أحاديث تشدد من عصيان المرأة لزوجها وإني لأمتثل لأمر الله ورسوله إذا تزوجت بإذن الله تعالى ولكن لدى استفسار إن جاز لي السؤال حيث هو استفسار يدور برأس الكثيرات ويخجلن من ذكره خوفا من اتهامهن بالجهل أو إنكار أمر الله ورسوله وهو ما هو فضل الزوج حتى يستحق كل هذا الحق علينا معشر النساء حتى إنه يفوق حق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عظم حق الزوج على زوجته أمر قررته الشريعة، كما في قوله سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228
وقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/34
وقوله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
ومعنى القتب: رحل صغير يوضع على البعير.
إلى غير ذلك من النصوص.
والحكمة بينها الله تعالى بقوله: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فهذا تفضيل قضاه الله عز وجل وحكم به، لا يسأل سبحانه عما يفعل وهم يسألون، ثم لما يقوم به الرجل من الإنفاق على أهله والسعي في طلب رزقهم.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/363) : (وقوله: " وللرجال عليهن درجة " أي في الفضيلة في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ") . اهـ.
وقال أيضا (1/653) : (يقول تعالى: "الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت، " بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وكذا منصب القضاء وغير ذلك، "وبما أنفقوا من أموالهم" أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيما عليها، كما قال الله تعالى: " وللرجال عليهن درجة" الآية، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "الرجال قوامون على النساء" يعني أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله) اهـ.
وقال البغوي في تفسيره (2/206) : (بما فضل الله بعضهم على بعض، يعني: الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية، وقيل: بالشهادة، لقوله تعالى: " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وقيل: بالجهاد، وقيل: بالعبادات من الجمعة والجماعة، وقيل: هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد، وقيل: بأن الطلاق بيده، وقيل: بالميراث، وقيل: بالدية، وقيل: بالنبوة) .
وقال البيضاوي في تفسيره (2/184) : (" الرجال قوامون على النساء " يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية، وعلل ذلك بأمرين، وهبي وكسبي فقال: "بما فضل الله بعضهم على بعض" بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات، ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر، والشهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها، وزيادة السهم في الميراث وبأن الطلاق بيده. "وبما أنفقوا من أموالهم" في نكاحهن كالمهر والنفقة) انتهى بتصرف يسير.
والحاصل أن الرجل أعطي القوامة لهذين السببين المذكورين في الآية، وأحد السببين هبة من الله تعالى، وهو تفضيل الله الرجال على النساء والآخر يناله الرجل بكسبه، وهو إنفاقه المال على زوجته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/962)
الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس؟ إذا كان سبب التحريم هو الدم لأنه نجس فهل يجوز الوطء بمانع مثل الواقي المطاطي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرّم الله عز وجل على الرجال وطء زوجاتهم في الفرج في زمن الحيض.
وقد نص القرآن الكريم على علّة التحريم، وهي كون المحيض أذى قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) البقرة / 222
والدراسات العلمية في هذا المجال كشفت لنا عن شيء من الأذى الذي أشارت إليه الآية الكريمة ولكنهم لم يصلوا إلى التعرف على جميع الأذى الذي عناه النص القرآني.
يقول الدكتور محيي الدين العلبي: " يجب الامتناع عن جماع المرأة الحائض لأن جماعها يؤدي إلى اشتداد النزف الطمثي، لأن عروق الرحم تكون محتقنة وسهلة التمزّق وسريعة العطب، كما أن جدار المهبل سهل الخدش، وتصبح إمكانية حدوث الالتهابات كبيرة مما يؤدي إلى التهاب الرحم أو يحدث التهاب في عضو الرجل بسبب الخدوش التي تحصل أثناء عملية الجماع، كما أن جماع الحائض يسبب اشمئزازاً لدى الرجل وزوجه على السواء بسبب وجود الدم ورائحته، مما قد يكون له تأثير على الرجل فيصاب بالعنة (البرود الجنسي)
ويقول الدكتور محمد البار متحدثاً على الأذى الذي في المحيض: يُقذف الغشاء المبطّن للرحم بأكمله أثناء الحيض.. ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك، تماماً كما يكون الجلد مسلوخاً فهو معرّض بسهولة لعدوان البكتيريا الكاسح.. ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهماً على الرحم.
لهذا فإن إدخال القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيض ليس إلا إدخالاً للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاوم.
ويرى الدكتور البار أن الأذى لا يقتصر على ما ذكره من نمو الميكروبات في الرحم والمهبل الذي يصعب علاجه، ولكن يتعداه إلى أشياء أخرى هي:
1. امتداد الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها، مما قد يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق.
2. امتداد الالتهاب إلى قناة مجرى البول، فالمثانة فالحالبين فالكلى، وأمراض الجهاز البولي خطيرة ومزمنة.
3. ازدياد الميكروبات في دم الحيض وخاصة ميكروب السيلان.
والمرأة الحائض كذلك تكون في حالة جسمية ونفسية لا تسمح لها بالجماع، فإن حدث فإنه يؤذيها أذى شديداً، ويصاحبه آلالام وأوجاع أثناء الحيض ـ يقول الدكتور البار ـ:
1. يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن، وبعض النساء تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات.
2. تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته..كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
3. تصاب بعض النساء بالصداع النصفى قرب بداية الحيض، وتكون آلالام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء.
4. تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة، بل إن كثيراً من النساء يكن عازفات تماماً عن الجماع أثناء الحيض. وتكون الأجهزة التناسيلة بأكملها في حالة شبه مرضية، فالجماع في هذه الآونة ليس طبيعياً ولا يؤدي أي وظيفة، بل على العكس يؤدي إلى الكثير من الأذى.
5. تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض درجة مئوية كاملة، ومع انخفاض درجة الحرارة يبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل.
ويذكر الدكتور البار أيضاً أن: الأذى لا يقتصر على الحائض في وطئها، وإنما ينتقل إلى الرجل الذي وطئها أيضاً مما قد يسبب له التهابات في الجهاز التناسلي الذي قد يسبب عقماً نتيجة هذه الالتهابات. كما أن الآلام المبرحة التي يعانيها المريض من هذه الالتهابات تفوق ما قد ينتج عن ذلك الالتهاب من عقم.
إلى غير ذلك من المضار الكثيرة والتي لم يكشف عنها الآن، وإنما عبّر عنها الله عز وجل بقوله: (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن) فوصفه تعالى له بأنه (أذى) أذى للزوجة، وأذى للزوج وغير ذلك من مضار كثيرة الله أعلم بها.
وبهذا يتبيّن أنه ليس المنع من وطء الزوجة في زمن الحيض من أجل الدم فقط. بل لأسباب كثيرة سبق ذكرها.
كما أن على المسلم أن يمتثل أمر الله عز وجل فإنه هو الخالق وهو أعلم بما يصلح العباد وما يضرهم، وهو القائل (فاعتزلوا النساء في المحيض) فحتى لو لم يتبيّن للشخص الحكمة من ذلك فإن عليه أن يسلّم لأمر الله الذي أمر أن يترك الرجل جماع أهله في هذه الفترة.
انظر: الحيض والنفاس والحمل بين الفقه والطب د. عمر الأشقر.
توضيح الأحكام للبسام (1/362)
ومع ذلك فإنه يجوز للرجل أن يستمع بزوجته فيما دون الفرج.
يراجع سؤال رقم (36740) و (36722) (36864) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/963)
طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة
[السُّؤَالُ]
ـ[كم هي أهمية الزوج بالنسبة لزوجته؟ هل هو أهم من أخواتها؟ لمن تجب طاعة الزوجة؟ هل الزوج أهم من والدي الزوجة وأخواتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد دل القرآن والسنة على أن للزوج حقا مؤكدا على زوجته، فهي مأمورة بطاعته، وحسن معاشرته، وتقديم طاعته على طاعة أبويها وإخوانها، بل هو جنتها ونارها، ومن ذلك: قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم) النساء/34
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه " رواه البخاري (4899)
قال الألباني رحمه الله معلقا على هذا الحديث: (فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات) انتهى من آداب الزفاف ص 282
وروى ابن حبان عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 660
وروى ابن ماجة (1853) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
ومعنى القتب: رحل صغير يوضع على البعير.
وروى أحمد (19025) والحاكم عن الحصين بن محصن: أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أذات زوج أنت؟ قالت نعم قال: كيف أنت له؟ قالت ما آلوه (أي لا أقصّر في حقه) إلا ما عجزت عنه. قال: " فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك " أي هو سبب دخولك الجنّة إن قمت بحقّه، وسبب دخولك النار عن قصّرت في ذلك.
والحديث جود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 1933
إذا تعارضت طاعة الزوج مع طاعة الأبوين، قدمت طاعة الزوج، قال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها. شرح منتهى الإرادات 3/47
وفي الإنصاف (8/362) : (لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق) .
وقد ورد في ذلك حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ما رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه.
غير أنه حديث ضعيف ضعفه الألباني في " ضعيف الترغيب والترهيب" (1212) وأنكر على المنذري تحسينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/964)
مريضة وزوجها يضغط عليها للذهاب للعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة وأود أن أعرف هل أطيع زوجي أم لا.
أنا مسلمة أعمل وكنت مريضة لمدة أسبوعين وذهبت للطبيب وأعطاني دواء وخطاب راحة من العمل، طلب مني زوجي أن أذهب للعمل حتى مع أنني لا زلت مريضة.
هذا يسبِّب مشكلة بالنسبة لي ويحصل في كل مرة أمرض فيها، زوجي يظن بأنني أدَّعي المرض وأمثِّل، ويظن بأنني لا أريد العمل، أنا أحب عملي ولا أمثِّل، فكيف أقنع زوجي بأنني مريضة ولست أقوم بالتمثيل، فهو لا يصدقني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي التنبيه على أن عمل المرأة قد يكون محرَّماً؛ كأن يكون فيه اختلاط بالرجال، أو بيع وصناعة ما هو محرَّم، أو في قطاع البنوك وما شابهها.
فإن كان الأمر على ما ذكرنا فيجب على المرأة أن تمتنع عن مثل هذه الأعمال، وأن تبحث عن عملٍ مباح، ويجب على الزوج أن ينفق عليها بالمعروف على حسب الوسع والطاقة. راجع السؤال رقم (33710) .
ثانياً:
فإن كان عملها جائزاً، وأصابها مرض، وكان ذهابها إلى العمل مما يشق عليها، أو يتأخر به الشفاء، أو يزيد به المرض فالواجب على الزوج مراعاة ذلك. ولا يحل له أن يطالب زوجته بما فيه ضرر عليها.
ويجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء /19. وليس من المعروف مطالبته لها بالذهاب إلى العمل وهي مريضة.
وقد وصّى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجال من أمته بالنسا فقال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ، ومسلم (1468) .
ومعنى الحديث: اِقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتهنَّ.اهـ من فتح الباري.
وينبغي للزوج أن لا يشكك في مصداقية زوجته، ولتكن حياته معها قائمة على الثقة والصدق دون الريبة والشك.
وإذا لم يقنع الزوج بالتقارير الطبية التي تثبت مرض زوجته، ولم يقنع بما يراه من آثار للمرض عليها: فلن يقنع بشيء، فعلى الزوجة أن تتلطف معه، وتعامله بالحسنى فلعل الله تعالى أن يهديه لما فيه خير أسرته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/965)
ضرب الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[بصراحة أنا مندهش من إجابتك على جميع الأسئلة بذكاء وفطنة، أنا حقاً أريد أن أعرف المزيد عن الإسلام ولكن في كل مرة أتعلم شيئاً جديداً أصبح مرتاباً، وأريد أن أسأل، هل صحيح أن القرآن يجيز للرجل أن يضرب أو يعض زوجته؟ وإذا كان الجواب نعم فأرجو أن تشرح ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسعدنا كثيرا اطلاعك على موقعنا، ورغبتك في التعرف على الإسلام، ونسأل الله أن يهديك لما فيه سعادتك في الدنيا والآخرة.
وليس في القرآن ما يؤخذ منه أن للرجل أن يعض زوجته.
1- وقد أمر القرآن بالإحسان إلى الزوجة، وإكرامها، ومعاشرتها بالمعروف، حتى عند انتفاء المحبة القلبية، فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء / 19.
2- وبين أن للمرأة حقوقا على زوجها، كما أن له حقوقا عليها، فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة / 228، والآية تدل على أن للرجل حقا زائدا، نظير قوامته ومسئوليته في الإنفاق وغيره.
3- وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها، بل جعل خير الناس من يحسن إلى أهله، فقال: " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي " رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
4- ومن جميل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الإحسان إلى الزوجة، أن إطعام الزوج لزوجته، ووضع اللقمة في فمها، ينال به صدقة، فقال: " وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك " رواه البخاري 6352 ومسلم 1628
4- وقال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 1218
ومعنى " ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه " أي: لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة فالنهى يتناول جميع ذلك. انتهى كلام النووي.
وأفاد الحديث أن للرجل أن يضرب زوجته ضربا غير مبرح إذا وجد ما يدعو لذلك من مخالفتها وعصيانها.
وهذا كقوله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء / 34.
فإذا تمردت المرأة على زوجها، وعصت أمره، سلك معها هذه الطرق الوعظ أو الهجر في المضجع، أو الضرب ويشترط في الضرب أن يكون غير مبرح. قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر.
وقال عطاء: قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه.
فليس الغرض إيذاء المرأة ولا إهانتها، ولكن إشعارها بأنها مخطئة في حق زوجها، وأن لزوجها الحق في إصلاحها وتقويمها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/966)
إيلاج الاصبع في الدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل مداعبة زوجته في دبرها بأصابعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لكل من الزوجين أن يستمتع بجميع بدن الآخر، وأن ينظر إليه ويمسه حتى الفرج، قال الله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة /187.
وأما مداعبة الزوج لزوجته فهو واحد من أمرين:
إما أن يكون ذلك عن طريق ملامسة حلقة الدبر، وإما أن يكون عن طريق إيلاج الإصبع في الاست.
فأما عن الملامسة لحلقة الدبر بالإصبع فلا حرج في ذلك، ولكن البعد عن ذلك أولى لعدم الانسياق لما وراءه.
وأما عن إيلاج الإصبع في الدبر فيمنع، وذلك لأمور:
1- الدبر هو محل النجاسة المغلظة.
2- من علل منع الوطء في الدبر ملاقاة العضو للنجاسة المغلظة، وكذلك إدخال الاصبع فيه ملامسة لعين النجاسة المغلظة بغير حاجة.
3- إن هذا الفعل مما تأنف منه الفطر السليمة والأذواق المستقيمة، وإنما هو تقليد أعمى لمن انتكست فطرهم، وتبلدت أذواقهم، وجعلوا كل همهم إشباع شهوتهم الحيوانية غير مراعين أدباً ولا خلقاً ولا طهارة. فأراهم هواهم حسناً ما ليس بالحسن.
4- إن استمرار ذلك الفعل والمداومة عليه قد يجر الفاعل إلى ما هو أشنع وهو الوطء في الدبر، وتلك عادة من يتبع هواه في كل ما يزينه له فإنه يتدرج لإيقاعه في الأمور العظام بتزيين ما هو أخف، ثم الانتقال به شيئاً فشيئاً حتى يوبقه ويقع في اللوطية الصغرى (وطء المرأة في دبرها) ، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلاً جلياً جليلاً فقال: " إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " مسلم (4094)
5- إن فيما شرع الله تعالى من الاتصال بين الزوجين غنى عن غيره، ولم ينه الله تعالى عن شيء إلا وفيه ضرر.
وليعلم السائل أنه من تمام حكمة الله تعالى أنه إذا حرَّم شيئا (الوطء في الدبر) حرَّم الأسباب المفضية إليه لما يؤدي إليه الوقوع في أسباب ومقدمات المحرَّم من تمكُّن تعلُّق القلب به بصورة تجعل الإنسان يعيش صراعا نفسيا قويا بين الوقوع في المنكر أو عذاب النفس بالوقوف في وسط الطريق فلا هو بالتارك للمحرم السليم القلب بالبعد عنه، ولا هو بالواقع فيه المحقق لرغبة النفس الأمَّارة بالسوء، والغالب في حال مثل هذا أن يقع فيما ظنَّ أنه لن يقع فيه من الكبائر المهلكة للإنسان المفسدة عليه أمر دينه ودنياه المنغِّصة عليه حياته الماحقة للبركة في ماله وولده جزاءً وفاقاً لبعده عن ربه وانتهاكه لحرماته واستهانته بمقام نظره إليه واطِّلاعه على حاله، والعاقل من الناس هو من لا يتساهل في أمور تؤدي به إلى كوارث حقيقية في دينه الذي هو رأس ماله قبل دنياه.
فعلى المسلم أن يدرك حقائق الأمور وما تؤدِّي إليه، وألا ينساق وراء تزيين الشيطان له وتهوين المنكرات أمام عينيه ليجرَّه ليكون من حزبه الخاسرين، وعليه أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن وأن يعلم بأن الله سبحانه يراه ويعلم نواياه وأفعاله. كما قال تعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) غافر / 19، وليعلم أن ما عند الله خير وأبقى وأن الآخرة وما فيها من نعيم خير له من الأولى وأن عاقبة الصبر عن المنكر جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما تشتهييه الأنفس من المُتع التامَّة الخالية عن المنغِّصات.
انظر سؤال رقم (36722) .
والله تعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/967)
دخل بها زوجها فوجدها ليست بكراً وهي لم تفعل الفاحشة قط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة، أخاف الله في كل أفعالي، تزوجت - والحمد لله - من رجل مثالي في كل شيء، المعاملة الطيبة المتبادلة، كانت علاقتنا جيدة في كل شيء: الحب، الاحترام، الوئام، حب عائلتينا، ولكن تأتي الرياح بما لا تحب السفن، هذه الأيام اكتشفنا أنا وزوجي أني لست عذراء، ولكني متأكدة بأني بريئة لأنه لم يمسني أحد قبله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان زوجكِ عاقلاً متديِّنا، وكانت ثقته بك عالية: فإن الواجب عليه تصديقكِ في قولك بأنكِ طاهرة من كل ما يسيء لكِ، ولاسيما وأن ما حصل من زوال البكارة قد يكون لأسباب متعددة وليس بالضرورة أن يكون بسبب فعل فاحشة الزنا.
وهذا إذا سلمنا بما اكتشفتماه من كونك لست عذراء، فقد يحصل بينكما جماع ولا يحصل فض للبكارة، ولا يكون نزيف؛ وذلك بسبب طبيعة الغشاء فإن منه ما يكون مطاطياً لا يتمزق بالجماع ويحتاج إلى تدخل طبيب كما هو معروف عند علماء هذا المجال.
وغشاء البكارة مجرد علامة مادية لا ترقى إلى مستوى القرينة على عذرية أو انحراف المرأة، ولذلك نجد المحاكم في الأغلب لا تعتبر عدم وجود هذا الغشاء سبباً للقدح في المرأة، لأنه قد يزول لأسباب كثيرة.
إذن وجود الغشاء لا يكون دليلاً أكيدًا على البكارة أو العذرية، وكذلك لا يكون غيابه دليلاً أكيدًا على عكس ذلك.
فنوصيكما بأن تقوما بمراجعة الطبيبة لاستبانة الأمر، لاحتمال وجود عارض.
والمرجو أن يعيي زوجك ما سبق وألا يتعجل في الحكم عليك، ولتعلما أن من مقاصد الشيطان التي يسعى إليها التفريق بين الرجل وامرأته، لما يترتب على ذلك من الفساد الكبير للأسر والأفراد كما في حديث جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ) مسلم 5023
فليقطع على الشيطان هذا الباب بالبعد عن التفكير في هذا الأمر، ما دام هنا الأمر محتملاً وأنت جازمة بأنه لم يقع من السوء.
ونسأل الله أن يهدي قلبه، وأن يجمع بينكما على خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/968)
لماذا شعرت سارة بالغيرة مع جلالة قدرها من هاجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أحست سارة بالغيرة من " هاجر " عندما ولدت إسماعيل (عليه السلام) ؟ إذا كان الجواب بنعم: فلماذا تشعر امرأة رفيعة المنزلة مثل " سارة " بالغيرة؟ وهل كان شعورها بالغيرة هو السبب الذي من أجله أمِرَ إبراهيم (عليه السلام) بإرسال " هاجر " و " إسماعيل " (عليه السلام) إلى الصحراء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
غيرة المرأة من ضرائرها أمرٌ جُبلت عليه، وهو غير مكتسب، ولذا فإنها لا تؤاخذ عليه إلا أن تتعدى، وتقع بسبب الغيرة فيما حرم الله عليها من ظلم أختها، فتقع في غيبة أو نميمة أو تؤدي بها غيرتها إلى طلب طلاق ضرتها أو الكيد لها وما شابه ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء، لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام، وضابط ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه: (إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ) حسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" (7/80) -، فالغيرة منهما – أي: من الزوج والزوجة - إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء، فتعذر فيها، ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل، وعلى هذا يحمل ما جاء من السلف الصالح عن النساء في ذلك. " فتح الباري " (9 / 326) .
وقال ابن مفلح رحمه الله:
قال الطبري وغيره من العلماء: الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جُبِلن عليه من ذلك. " الآداب الشرعية " (1 / 248) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله شرحاً لحديث كسر عائشة لإناء إحدى ضرائرها:
وقالوا: أي جميع من شرحوا الحديث: فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا، لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضَب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لا بَأْس بِهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا: (أَنَّ الْغَيْرَاء لا تُبْصِر أَسْفَل الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ) . " فتح الباري " (9 / 325) .
وما وقع من فضليات النساء من الغيرة إنما هو مما لم يسلم منه أحد، وهنَّ غير مؤاخذات عليه لأنه ليس في فعلهن تعدٍّ على شرع الله تعالى.
وما حصل من غيرة " سارة " من هاجر هو من هذا الباب، فطلب الزوجة من زوجها أن لا ترى ضرتها أو أن لا تجاورها أمرٌ غير مستنكر، مع أن الذي ذكره أهل العلم أن إبراهيم عليه السلام هو الذي خرج بهاجر وابنه لا أن سارة زوجه طلبت منه ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
ويقال: إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك. " فتح الباري " (6 / 401) .
ويدل عليه قول هاجر: " يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له: أالله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا " - رواه البخاري (3184) -.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان: خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء ... رواه البخاري (3185) .
قال الحافظ:
قوله – أي: ابن عباس -: " لما كان بين إبراهيم وبين أهله " يعني: سارة " ما كان " يعني: من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل. " فتح الباري " (6 / 407) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/969)
تركت بيت زوجها وأبت الرجوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إفادتي بما يجب فعله شرعا بما يرضي الله. أنا طبيب شاب تزوجت منذ ثلاث سنوات، وكانت خطيبتي (زوجتي الآن) شخصية ممتازة جداً. وكانت متفاهمة. وبعد الزواج تغير الحال فقد كنت مديونا وكانت تعلم كل دخلي ومع ذلك كانت تطالبني بمصروف خاص بها ولما حاولت إقناعها بالصبر حتى أسدد ديوني وأنها ينبغي أن تساعد على ذلك أقامت الدنيا وأخبرت حماتي التي ظلت (تلح) عليّ ولكني رفضت، ثم طالبت بالعمل مع أننا اتفقنا على عدم العمل إلا لو أنني كنت غير قادر على الكسب. وجعلت حماتي (تلح) علي كثيرا جداً حتى وافقت. وبعدها ظهرت الكثير من المشكلات، فقد كانت وما زالت تعامل أبي وأمي بشكل غير لائق ووصل الأمر للإهانة. ورزقنا الله بعد زواجنا بطفلة يحسدنا عليها الناس. المهم أنها خرجت من البيت بغير إذني أكثر من مرة ولم يردعها الكلام ولا الهجر في الفراش ولا الضرب. وفضحتني وسط سكان العمارة التي نسكن فيها لأنها كانت تحكي عن مشاكلنا للسكان والجيران ولأصدقائها وأقاربها، وفشلت المحاولات معها حتى إن شيخ المسجد كلمها دون فائدة. ونتيجة لذلك جف قلبي من ناحيتها، وتعددت الخلافات وتم الطلاق مرتين ورجعنا من أجل بنتنا الصغير التي وهبنا الله إياها. ومؤخرا جاء حماي وحماتي من السفر وذهبت إليهم بحجة أنها ستمكث بضعة أيام معهم واستمر ذلك الوضع لثلاثين يوماً بحجة أن أباها مريض وأمها كبيرة في السن، ولما طالبت برجوعها هي وابنتي إلى منزلي رفضت وعندما تكلمت مع والدها رفض رجوعها إلى منزل الزوجية. وهددتهم باللجوء للقضاء ولم يهتموا، واكتشفت غياب الأوراق الرسمية الخاصة بزوجتي وابنتي وجواز سفرهما والذهب (أخذتهم قبل ذهابها لبيت أهلها) أشيروا علي أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان الأمر كما ذكرت فقد أخطأت زوجتك أخطاء عدة، من خروجها بغير إذنك، واستمرارها في بيت أهلها، ورفضها الرجوع إليك بغير مبرر ظاهر، وقبل ذلك إلحاحها في الخروج إلى العمل مخالفةً لما تم الاتفاق عليه بينكما، ومعاملتها غير اللائقة لوالديك، وإفشائها لأسرار بيتها.
والذي نشير عليك به هو أن تسلك ما أرشد إليه رب العالمين بقوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) النساء / 35 فتخيرْ رجلا من صالحي أهلك، ليتفاوض مع رجل من صالحي أهلها، فما حكما به فالزمه فإن فيه الخير والفلاح. وإن حكما بالطلاق فلا تحزن، لقوله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء / 130
فإن لم ينفع معها أمر الحكمين فلك أن ترفع الأمر إلى القضاء لإلزامها بالرجوع إلى بيتها، أو التفريق بينكما على ما يراه القاضي.
واحرص خلال هذه الفترة على ضبط تصرفاتك وأقوالك، فإن الشيطان حريص على التفريق بين الزوجين، وقد يكون للكلمة أثر عظيم، في ظل وجود الخلاف والشقاق، وسل الله تعالى أن يلهمك رشدك، وأن يوفقك لما فيه الخير لك ولابنتك، ولا تقدم على أمر حتى تستخير الله تعالى، واحذر من العجلة فإنها لا تأت بخير، وعليك بالرفق والحلم والأناة، فكم من أسرة أوشكت على الانهيار، ثم عادت إليها الحياة والبهجة والألفة.
وعد إلى نفسك ففتش عن أخطائها، وأصلح ما بينك وبين ربك، ليصلح لك ما بينك وبين خلقه، فإن للطاعة والمعصية أثرا في استقامة البيوت أوخرابها.
نسأل الله أن يصلح حالكما، وأن يوفقكما لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/970)
زوجها على علاقة بغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد زواج 10 سنوات وحب في الحلال وإنجاب 4 أبناء أحب زوجي امرأة عرفها عن طريق النت وهي من شياطين الإنس غيرت حياتنا وباختصار أصبح لها كالعبد تأمر وتنهي وما عليه إلا التنفيذ أحالت حياتي وحياة أبنائي إلى جحيم وهو يرفض التوبة لاسيما أنه غير متزوج بها لأنها ترفض الزواج. وطلقت ولم يبق لي سوي طلقة واحدة والآن أعيش معه وهو يعيش مع الأخرى حتى في البيت عبر الموبايل والنت عندما أراه يحدثها أمامي غير مبال بمشاعري أشعر بنار تحرقني ولا ألجأ إلا إلى الله أشكو إليه بثي وحزني. عامان وأنا أتجرع مرارة الصبر وهما يعيشان في حب ونشوة كما يقول ... وكما أراه ... هل ستكون لهما نهاية وهل سأظل في هذا العذاب ... أستغفر الله العظيم أدع عليها ليل نهار وأجدها لا يحدث لها أي شيء كالجبل الذي لا ينهد وأنا بين ظلم زوجي لي وحبه لأخرى أمام عيني أشعر بأنني شبه إنسانة كل شئ في تحطم وأوشكت علي فقد الثقة في كل شيء ماذا أفعل، ادع لي الله أن ينجيني مما أنا فيه وأن يثبت إيماني ويحميني من طغيانهما وجبروتهما ... آمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرج كربك وأن يذهب همك، وأن يزيدك إيمانا وثباتا ويقينا.
وما ذكرت من حال زوجك، أمر منكر لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عباده المؤمنون.
فإقامة علاقة غرامية بين رجل وامرأة لا تحل له، حرام بيّن، سواء كان ذلك عن طريق النت أو الهاتف أو غيره. فإن تعدى ذلك إلى المواعدة واللقاء والفاحشة، فهذا هو الهلاك بعينه.
ولولا السكرة التي يعيشها زوجك، لشعر بالألم والوحشة والظلمة، وهذه أمور قلما تنفك عن العاصي المدمن على معصيته.
ولا تصدقي أنه يعيش في متعة أو نشوة، وإنما هي السكرة والغفلة والحجاب عن الله، كما قال سبحانه عن أهل الفاحشة (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) الحجر / 72
ومن أقبح الفعال أن يجاهر الإنسان بمعصيته ويفتخر بها، غير مبال بما ينتظره من العقوبة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْه " رواه البخاري (6069) .
وينبغي أن تحمدي الله تعالى أن عافاك وطهرك وصانك، وفضلك على هذه المبتلاة وأشباهها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء " رواه الترمذي (3432) وابن ماجه (3892) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
واعلمي أن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} " رواه البخاري (4409) ، فلا يغرنك بقاء هذه الظالمة وسلامتها، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
ولعلك تجدين من أهل الخير من يتولى نصحه وتذكيره بالله، ولو كان ذلك عن طريق خطيب الجمعة مثلا ليتناول هذه العلاقات المحرمة بالذم والإنكار وبيان عاقبة أهلها في الدنيا والآخرة.
وأكثري من دعاء الله تعالى لاسيما في أوقات الإجابة كثلث الليل وبين الأذان والإقامة، وبعد عصر الجمعة إلى المغرب، ولا حرج عليك من الدعاء عليها فإنها ظالمة، والأحسن من ذلك الدعاء بأن يصلح الله حالك.
وعليك أن تتلطفي مع زوجك وتتجملي له، فلعل تلك المرأة قد أسرت قلبه بكلام لين لا يجده عندك، أو بتجمل وزينة، فحاولي استمالة قلبه بذلك، وعليك بالصبر، فإن هذا بلاء من الله تعالى تكفر به سيئاتك، وترفع درجاتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/971)
الجماع في ليلة العيد ويومها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الجماع ليلة العيد ويومه ((وسؤالي يشمل العيدين)) ؟ حيث إني سمعت أنه لا يجوز من بعض الإخوه الأصدقاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما سمعته من بعض الإخوة الأصدقاء غير صحيح، فالجماع ليلة العيد ويومه مباح، ولا يحرم الجماع إلا في نهار رمضان، وحال الإحرام بحج أو عمرة، أو كانت المرأة حائضاً أو نفساء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/972)
هل لزوجها أن يترك الإفطار معها ليفطر في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإفطار في المسجد مع الجماعة أهم من الإفطار في البيت مع الزوجة إذا كانت حامل ولا تستطيع مغادرة البيت بسبب التعب؟
تزوجت منذ أشهر وهذا أول رمضان أقضيه مع زوجي وحتى الآن لم يفطر معي ولا مرة واحدة في البيت، يفطر في المسجد ولا يرجع حتى العاشرة مساء، فهل هذا تصرف صحيح إسلامياً؟ أرجو أن تجيب فأنا مسلمة جديدة وزوجي مسلم في الأصل ويقول لي بأن هذه تعاليم الإسلام ولا أظن بأن هذا من تعاليم الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن من معاشرة الزوجة بالمعروف أن يقوم الزوج بما يلزم زوجته في شؤون دينها ودنياها، وما يجب عليه تجاهها، ومن أولى الأشياء الواجبة على الزوج تجاه زوجه أن يعلمها أمر دينها وعقيدتها على الوجه الذي أمر الله تعالى به، ولا شك أن قول زوجك لك إن ما فعله هو ما تمليه عليه تعاليم الإسلام غير صحيح، وهو من القول على الله بلا علم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما كان عليه من صحبته لأصحابه، واهتمامه بأمرهم وقضاء حوائجهم، كان في خدمة أهله ورعايتهم، فعن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: (كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) رواه البخاري برقم 644، وقد قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ، وهذا يدل على أن العشرة بالمعروف أساس الحياة الزوجية التي أمر الله تعالى بها.
ومن المعلوم أن الإفطار مع الزوجة ولو في بعض الأيام نوع من أنواع العشرة بالمعروف لاسيما في بدايات الحياة الزوجية التي يهدف الشرع إلى تحقيق كلّ ما يقويها، خاصة إذا كانت الزوجة تشعر بالوحشة من عدم هذا كما أنه فرصة لتعليمها بصورة تطبيقية جملة من سنن الإفطار وآدابه.
وبناء على ما سبق فإننا نوجه الزوج الكريم إلى الاهتمام بأمر بيته وزوجه، ورعايتهم وعدم التقصير في حقهم، وليعلم أن قيامه على شؤون بيته له فيها أجر، أكثر من قيامه على شؤون من ليسوا من أهل بيته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه النسائي برقم 2528، وصححه الألباني وقال صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بمن تعول) رواه البخاري برقم 1360، ومسلم برقم 1034، وليس معنى هذا أنه يجب عليه وجوبا شرعيا أن يفطر كل يوم مع زوجته، لكن لا شك أن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يؤنسهم في وحشتهم، وأن يكون معهم إذا احتاجوه في بعض شؤونهم، لاسيما أن السائلة تقول إنها متعبة بسبب الحمل، كما إن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يكون هينا لينا معهم، يسامرهم، ويقوم عليهم، وليس من البر ما يقوم به بعض الرجال، حيث تراهم يسهرون على راحة أصدقائهم، وبالمقابل لا يبالون بأهل بيتهم وأزواجهم، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/973)
لا يستطع زوجها معاشرتها بسبب ما يحصل لها من آلام فما هو الحل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تزوجت قبل شهرين وأحب زوجي كثيراً والمشكلة أنه لا يستطيع الجماع لأن هذا يؤلمني جدّاً، وقد عشت طفولة تعيسة فقد تحرش بي عمي وأنا صغيرة ولهذا السبب لا أستطيع أن أجامع زوجي. زوجي صابر ويتحملني ولكنه لا يدري ما يفعل، أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الزوج يتلطف في جماع زوجته إذا كانت تتألم من الجماع أو يسبب لها آلاماً نفسيَّة، وعليه أن يصبر عليها حتى تشفى مما هي فيه أو تتعود عليه وتطمئن له وتشتاق هي وترغب كما هو الحال عنده.
قال ابن حزم:
وفرض على الأمَة والحرَّة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضاً أو مريضةً تتأذى بالجماع أو صائمة فرض.
" المحلى " (10 / 40) .
وهذا الأمر – لا شك – أنه صعب على النفس خاصة لمن تزوج حديثاً، لكنه خير من إحداث مشاكل تؤدي بالحياة الزوجية إلى الانهيار، وقد ذكرت الأخت السائلة أنها تحب زوجها، فعليه أن ينتبه لهذا ويستغله للوصول إلى مبتغاه الشرعي بيسر وسهولة.
ونوصي الزوج بالرجوع إلى جواب السؤال رقم (5560) ففيه زيادة بيان.
كما أن على الزوجة أن تعالج نفسها بدنيّاً ونفسيّاً، وينبغي عليها أن لا تستسلم للآلام النفسيَّة وتكون أسيرة الماضي، وزوجها ليس هو عمها الفاجر الذي تحرش بها وهي صغيرة، فهي الآن كبيرة، وهي عند زوجها، وهما حلالان لبعضهما بعضاً.
وأما الآلام البدنيَّة فهي شيء طبيعي في أول الزواج وسرعان ما تزول تلك الآلام بإذن الله، فما عليها إلا الصبر والتحمل.
وعليكما الإكثار من الدعاء والحرص على امتثال أوامر الله الشرعية من مثل المواظبة على فرائض الله في أوقاتها والالتزام بما أمر به في شأن اللباس وغيره، عسى أن يكون كل ذلك سبباً في تعجيل الله لكما بالفرج وزوال ما قد يكون من عوارض نفسية أو غيرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/974)
مباشرة المرأة وهي حائض أو نفساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز ملاعبة الزوجة وهي في فترة الحيض أو النفاس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مباشرة الرجل وملاعبته لامرأته وهي في فترة الحيض أو النفاس على ثلاثة أقسام:
أَحَدهَا:
أَنْ يُبَاشِرهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْج , فَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وبِنَصِّ الْقُرْآن الْعَزِيز
قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222.
الْقِسْم الثَّانِي:
الْمُبَاشَرَة فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة بِالْقُبْلَةِ أَوْ الْمُعَانَقَة أَوْ اللَّمْس أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ حَلال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء.
انظر: "شرح مسلم" للنووي، و "المغني" (1/414) .
الْقِسْم الثَّالِث:
الْمُبَاشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة فِي غَيْر الْقُبُل وَالدُّبُر , فهذا قد اختلف العلماء في جوازه. فذهب إلى تحريمه الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي. وذهب إلى جوازه الإمام أحمد، واختاره بعض الحنفية والمالكية والشافعية. قال النووي: هو الأقٌوى دليلاً وَهُوَ الْمُخْتَار اهـ.
واحتج القائلون بالجواز بأدلة من القرآن والسنة:
أما القرآن، فاحتجوا بالآية السابقة: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222.
قال ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/413) :
المحيض هو زمان الحيض ومكانه، ومكانه هو الفرج فما دامت حائضا فوطؤها في الفرج حرام اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/415) :
فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه اهـ.
وأما السنة فروى مسلم (302) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ. . . إِلَى آخِرِ الآيَةِ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ!!
ومعنى (لَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوت) أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ وَلَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ فِي بَيْت وَاحِد اهـ. قاله النووي.
وروى أبو داود (272) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا. قال الحافظ: إسناده قوي اهـ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (242) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/395) :
يحرم على الزوج أن يجامع زوجته في فرجها وهي حائض، وله أن يباشرها فيما عداه اهـ.
والأولى للرجل إذا أرد أن يستمتع بامرأته وهي حائض أن يأمرها أن تلبس ثوباً تستر به ما بين السرة والركبة، ثم يباشرها فيما سوى ذلك.
لما رواه البخاري (302) ومسلم (2293) عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.
وروى مسلم (294) عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ.
(فِي فَوْر حَيْضَتهَا) أي: أَوَّله وَمُعْظَمه. قَالَه الْخَطَّابِيُّ.
قال ابن القيم في "تهذيب السنن" عند شرح حديث رقم (2167) من عون المعبود:
وَحَدِيث " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ" ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِع الْحَيْض خَاصَّة , وَهُوَ النِّكَاح , وَأَبَاحَ كُلّ مَا دُونه. وَأَحَادِيث الإِزَار لا تُنَاقِضهُ، لأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي اِجْتِنَاب الأَذَى , وَهُوَ أَوْلَى اهـ. بتصرف.
ويحتمل أن يفرق بين أول الحيض وآخره، ويكون استحباب ستر ما بين السرة إلى الركبة خاصاً بوقت نزول الدم بكثرة وهذا يكون في أول الحيض.
قال الحافظ:
وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أُمّ سَلَمَة أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّقِي سَوْرَة الدَّم ثَلاثًا ثُمَّ يُبَاشِر بَعْد ذَلِكَ. اهـ بتصرف.
تنبيه:
ما سبق من الأحكام تستوي فيها الحائض والنفساء.
قال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر أقسام مباشرة الرجل لامراته وهي حائض، قال:
والنفساء كالحائض في هذا اهـ المغني (1/419) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/975)
لا يستطيع أن يصبر عن زوجته في فترة الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تستمر الدورة الشهرية لزوجته لمدة سبعة أيام ولا يستطيع أن يصبر لأن رغبته الجنسية قوية فماذا يفعل ليحل هذه المشكلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في إجابة السؤال رقم (36722) أن للرجل أن يستمتع بامرأته بكل أنواع الاستمتاع إلا الجماع، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن مباشرة الحائض: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ) يعني الجماع. رواه مسلم (302) .
وأيضاً: للزوج وسيلة أخرى مباحة لقضاء شهوته، وهي الاستمناء بيد زوجته. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المعارج/29-30.
راجع السؤال رقم (826) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/976)
هل يستمع الرجل لاقتراحات زوجته ويشاورها في أموره
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تتم معاملة الزوجة؟ هل نستمع لنصيحتها واقتراحاتها؟ أسأل هذا السؤال لأنني أرى أن النساء ينصحون ويقترحون من قلوبهن، وليس من عقولهن؟ فإلى أي حد يستمع الرجل لنصائح زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى آمراً بالإحسان إلى الزوجة: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (َاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ... فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (5186) ومسلم (1468)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3314)
ولا شك أن مشاورة الزوجة والاستماع لنصيحتها وقبولها منها، هو من تمام المعروف في العشرة، واستصلاح قلبها، وإشعارها بدورها في بيتها، ومسؤوليتها عن أسرتها، لاسيما إذا جرب الرجل من امرأته الحكمة والعقل، والروية في النظر إلى الأمور، وعدم التسرع والانسياق وراء العاطفة.
ثم إن تفاضل المصلحة في استشارة المرأة وقبول رأيها، أو عدم ذلك تختلف باختلاف الموضوع الذي تبذل المرأة فيها مشورتها، وتدلي بنصيحتها، وهل لطبيعتها العاطفية أثر في رأيها في هذه القضية أو لا.
ويختلف أيضاً باختلاف حال كل من الزوجين ومدى تقديرهما وحسن ضبطهما.
وإذا ما بدا للزوج وجه المصلحة في رد قولها، أو بدا له خطأ في مشورتها، فعليه أن يتلطف في عدم القبول، وألا يسفِّه رأيها، أو يزدري نصحها، ويبين له وجه الصواب، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وتأمل قصة الحديبية، وما جرى فيها، لتعلم قيمة مشاورة المرأة العاقلة الحكيمة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صالح قريشاً على الرجوع، وعدم دخول مكة عامهم هذا، قال لأصحابه: " قوموا فانحروا. قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم أحد منهم، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟!
أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فلما فعل ذلك قاموا فنحروا.. "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فيه فضل المشورة.. وجواز مشاورة المرأة الفاضلة " اهـ.
وتأمل أيضاً قصة موسى، وكيف رباه الله في بيت فرعون، وكم كانت لمشورة آسيا امرأة فرعون رضي الله عنها من بركة: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) القصص/9
وفي نفس السورة قصة المرأتين على ماء مدين، وكيف أن إحداهما قالت لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) القصص/26، فانظر إلى وفور عقلها، وعلمها بمن هو أهل للإجارة، وحفظ الأمانة في الأعمال، وكيف كانت بركة هذه المشورة على أهل البيت.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/977)
هجرها زوجها مدة طويلة برضاها فهل هي تأثم بعدم طلب الطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
سؤالي هو: ما الحكم في زوجة منفصل عنها زوجها منذ 4 سنوات لا هي مطلقة ولا هي زوجة، ولا تريد الطلاق عنه لأنها تحبه جدّاً، عسى الله أن يهديه وترجع له، هل هي آثمة في حقها أو حق زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد حمل الشرعُ الرجلَ مسئولية كبيرة، وهي رعاية الأسرة والقوامة، فدور الرجل في القيام بواجبات أسرته كبير جدّاً، وهذا الدور يقتضي وجوده الدائم كي يطلع على كل شيء، ويعالج الأخطاء، ويوجه الصغار من أولاده، فهو سند وحماية وقاعدة لهذا البيت.
وتجاهل الرجل دورَه يقع بسببه الظلم على المرأة، وقد قال تعالى في الحديث القدسي: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا "، وهو ما قد يؤدي بحال الأسرة إلى الانهيار، وقد يقع فساد كبير بسبب هذا الفراق على الرجل والمرأة فقد يتخذ كل واحدٍ منهما خليلا عوضا عن صاحبه، فالشيطان يستغل نقاط الضعف ويجري من ابن آدم مجرى الدم.
أضف إلى ذلك الظلم الذي سيقع على الأولاد، والتقصير الذي سيلحق بهم مما يضاعف جهد المرأة ويجعلها تلعب دور الأب والأم في آن واحد، وهذا ما لا يمكنها القيام به في معظم الأحيان، وكلنا يعلم مكانة ودور الأب في الأسرة، وما قد يحدث في حال انعدامه، وكيف ستكون تربية الأولاد، وما هي درجة العناية التي سينالونها في بُعد والدهم عنهم، وهذا ما يجعل الأولاد يكرهون آباءهم لأنهم تخلوا عنهم ولم يعتنوا بهم ويرعوهم حق رعايتهم.
ثانياً:
قد يَكْرَه الزوجُ امرأتَه ولا يطيق الاستمرار معها، والمشروع له حينئذٍ إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان وقد لا يستطيع أن يمسكها بالمعروف لشدة بغضه لها – مثلاً – أو لسبب آخر فلا يبقى إلا التسريح بإحسان، فيطلقها طلاقاً بالمعروف ويعطيها كامل حقوقها.
وقد تكون المرأة راغبة في البقاء معه زوجةً، فتطلب منه إمساكها وتسقط بعض حقوقها عليه كالقَسْم ـ وهو حقها في أن يبيت عندها ـ والنفقة، وفي هذه الحال ينبغي للرجل أن يقبل طلبها، لما في ذلك من تطييب خاطرها وعدم نسيان المعروف معها، لاسيما وأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وقد نزل في مثل ذلك قوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) النساء/128.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها – كما رواه البخاري (4910) ومسلم (3021) - أن الآية الكريمة نزلت في مثل هذا، قالت: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) : قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها يريد طلاقها ويتزوج غيرها، تقول له: أمسكني ولا تطلقني، ثم تزوج غيري، فأنت في حلٍّ من النفقة عليَّ والقسمة لي، فذلك قوله تعالى: (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير) .
والخلاصة:
لا يحل للرجل أن يهجر امرأته طول هذه المدة فإن فعل كان الحق للمرأة فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي وتطلب الطلاق رفعاً للضرر الواقع عليها.
وإن اختارت الصبر رجاء أن يهدي الله تعالى زوجها ويرجع عن ظلمه فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى بشرط ألا يكون في ذلك تعريض لها للفتنة بسبب بعدها عن زوجها.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ويلهمهم رشدهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/978)
الاستمتاع بالحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأتُ أنه لا يجوز لمس أعضاء المرأة التي توجد أسفل الوسط أثناء الدورة الشهرية ولا الجماع، أما ما فوق الوسط فيجوز ولا مانع من المداعبة مع الزوج في الجزء العلوي، فهل هذا صحيح؟ أرجو ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قرأتيه ليس بصحيح، والصحيح أنه يجوز للرجل أن يستمتع بامرأته وهي حائض بكل أنواع الاستمتاع إلا الجماع.
وقد سبق بيان أدلة ذلك في إجابة السؤال رقم (36722) .
وقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم استمتاع الرجل بامرأته وهي حائض فيما بين السرة والركبة، واستدلوا على ذلك بأدلة، ولكنها لا تخلو من اعتراضات عليها.
فمن ذلك:
1- ما رواه أبو داود (213) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: مَا فَوْقَ الإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ.
وهذا الحديث ضعيف، لا يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو داود: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ. وضعفه العراقي كما في "عون المعبود". وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (36) .
2- وروى أحمد (87) عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَصْلُحُ للرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَوْقَ الإِزَارِ.
قال أحمد شاكر في تحقيق المسند (86) إسناده ضعيف لانقطاعه اهـ.
3- وروى أبو داود أيضاً (212) عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ.
وهذا الحديث اختلف العلماء فيه، فنقل ابن القيم في "تهذيب السنن" تضعيفه عن بعض الحفاظ وأقره على ذلك , وصححه الألباني في صحيح أبي داود (197) .
ثم لو صح الحديث لم يكن دليلاً على تحريم الاستمتاع بالحائض فيما بين السرة والركبة، لأنه يمكن الجمع بينه وبين الأدلة الدالة على جواز ذلك بأحد أوجه الجمع الآتية:
1- أنه على سبيل الاستحباب والتنزه والابتعاد عن مكان الحيض، وليس على سبيل الوجوب.
2- أنه محمول على من لا يملك نفسه، لأنه لو مُكِّنَ من الاستمتاع بين الفخذين مثلاً ربما لا يملك نفسه فيجامع في الفرج، فيقع في الحرام، إما لقلة دينه، أو قوة شهوته، فتكون الأحاديث الدالة على الجواز فيمن يملك نفسه، والأحاديث الدالة على المنع فيمن يخشى على نفسه الوقوع في المحرم اهـ
من الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/416-417) بتصرف.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/979)
ما العمل إذا امتنع الرجل عن حقّ زوجته في الفراش
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك موضوعات كثيرة تتعلق بعقوبة المرأة في حالة رفضها الجماع مع زوجها. ولكن أريد أن أعرف إن كان الموضوع بالعكس؟ أي أن الزوج يرفض إقرار حق الزوجة في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
امتناع الزوج عن حق زوجته في الجماع يسميه العلماء إيلاءً، والإيلاء: هو حلف الزوج الذي يمكنه الوطء على ترك وطء زوجته أبدا أو أكثر من أربعة أشهر. والدليل عليه قول الله عزوجل
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة 226، وعن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء (لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو أن يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل) البخاري، (الطلاق/4881)
والإيلاء محرم في الإسلام لأنه يمين على ترك واجب، ويحصل الإيلاء بالحلف على عدم وطء زوجته أبداً أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر أو علقه على تركها أمراً واجبا أو فعلها أمرا محرما فهو إيلاء، وقد ألحق الفقهاء بالمولي من ترك وطء زوجته إضراراً بها بلا يمين أكثر من أربعة أشهر وهو غير معذور.
وحكمه: أنه إن حصل منه وطء زوجته في المدة فقد فاء لأن الفيئة هي الجماع وقد أتى به، وبذلك تحصل المرأة على حقها منه، وأما إن أبى الوطء بعد مضيِّ المدة المذكورة فإن الحاكم يأمره بالطلاق إن طلبت المرأة ذلك منه فإن أبى أن يفيء وأبى أن يطلّق فإن الحاكم يطلّق عليه ويفسخ لأنه يقوم مقام المؤلي عند امتناعه. والله أعلم
الملخص الفقهي للفوزان 2/321
وللاستزادة يرجع إلى زاد المعاد لابن القيم ج5/344
أما إذا كان الزوج مريضاً فقد تقدم جوابه برقم 1859 و 5684.
[الْمَصْدَرُ]
لإسلام سؤال وجواب(6/980)
يتخيل أنه يجامع غير زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا كان الرجل أثناء معاشرته زوجته يتخيل أنها امرأة أخرى ويتلذذ بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الذي يفعله هذا الرجل نص العلماء رحمهم الله على تحريمه، لأنه وإن كان لم يجامع غير امرأته إلا أنه تشبه بصورة المحرم وتلذذ بذلك.
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله:
" ويتعين عليه أن يتحفظ على نفسه بالفعل، وفي غيره بالقول من هذه الخصلة القبيحة التي عمت بها البلوى في الغالب، وهي أن الرجل إذا رأى امرأة أعجبته، وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها، وهذا نوع من الزنا، لما قاله علماؤنا فيمن أخذ كوزاً من الماء فصوَّر بين عينيه أنه خمر يشربه أن ذلك الماء يصير عليه حراماً ... وما ذكر لا يختص بالرجل وحده بل المرأة داخلة فيه بل هو أشد؛ لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج أو النظر، فإذا رأت من يعجبها تعلق بخاطرها، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني، نسأل الله العافية " انتهى.
" المدخل " (2 / 194، 195) .
وقال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله:
" وقد ذكر ابن عقيل - وجزم به في " الرعاية الكبرى " -: أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أو ذكر: أنه يأثم " انتهى.
" الفروع " (3 / 51) .
وقال ولي الدين العراقي رحمه الله:
" لو جامع أهله وفي ذهنه مجامعة من تحرم عليه، وصوَّر في ذهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرمة: فإنه يحرم عليه ذلك، وكل ذلك لتشبهه بصورة الحرام " انتهى.
" طرح التثريب " (2 / 19) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/981)
حكم قراءة القصص الجنسية بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة القصص الجنسية بين الزوجين وذلك بغية الحصول على المزيد من المتعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في قراءة القصص الجنسية ولو بين الزوجين مفاسد كثيرة منها:
أ- الحصول على هذه القصص سيكون إما بشرائها أو استعارتها وذلك لا يجوز لما فيه من تشجيع على طبعها ونشرها ونجاح ترويجها بين الناس، والله تعالى يقول (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2.
ب- وهذه القصص إنما يكتبها أهل الفسق والمجون وكثير منها يكتبها الكفار وهم لا يرعون ديناً ولا أدباً ولا خلقاً فيما يكتبون، وقراءة ذلك وسيلة لنقل انحلالهم وعاداتهم السيئة بين الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة) . رواه البخاري (5534) ومسلم (2628)
قال الحافظ: في الحديث النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا. (فتح الباري 4/410)
ج- ما في هذه القصص من الكذب والمبالغات وتخييل الأحداث ما يؤثر على نفس القاريء بالسلب والإثم والحرج وضعف رضا كل من الطرفين بشريكه.
د- لا يؤمن من وقوع هذه القصص في أيدي الأبناء فتفسد أخلاقهم وتجرهم إلى الرذيلة أو يسيئون ظنهم بوالديهم، وقد لا يشعر الأبوان بذلك فيتحملون وزر أبنائهم ولا ينفع الندم حينئذٍ.
لهذه المفاسد وغيرها لا يجوز قراءة هذه القصص أبداً، وفي الحلال غنية وفي ما فتح الله من أبواب المباح ما يكفي للمتعة التي يرضى عنها الله وتحفظ الفرد والمجتمع من انتشار الفساد والرذيلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/982)
مشاكل بسبب مرض الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج أخي من امرأة تعاني من مرض (ضمور في شبكية العين) ولم يعلم عن مرضها شيئاً إلا قبل شهرين، وكل ما كان يعرفه أن نظرها ضعيف، ثم تم الزواج، وهو الآن متردد في الانفصال عنها لإحساسه بعد مقدرتها على تربية أولاده إذا هي أنجبت.
وهو في خلاف مستمر مع والدتها لسوء ألفاظها، ويعتقد أنها سحرته ليتزوج ابنتها، وهو الآن لا يملك أعصابه أغلب الأوقات ويقوم بضرب زوجته، وقذفها بألفاظ قبيحة. أرجو الرد بالإفادة بما فيه الصالح لهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته من إصابتها بضمور في شبكية العين، ليس من العيوب التي ذكرها الفقهاء أنها توجب الخيار للزوج بفسخ عقد النكاح، وبعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ورجحه الشيخ ابن عثيمين يرون: أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " زاد المعاد 5/163، فعلى هذا يثبت الخيار بكل عيب يذهب مقصود النكاح من المودة والوطء وحصول الولد ونحو ذلك.
لكن أخاك قد علم بهذا العيب بعد ذلك، وصدر منه ما يدل على الرضا به، وهو إكماله لمعاشرتها، وعدم التعجيل بالفسخ، وهذا يوجب عند الفقهاء الرضا، وأنه لا يحق له فسخ النكاح.
لكنك تعلم أن الطلاق من حق الرجل، فله أن يطلق زوجته إذا رأى أن حياته معها لا تستقيم، وأنه لا يحس معها بالألفة والسكينة، التي هي أساس النكاح.
والذي ينصح به في مثل هذه الحال، هو الصبر على تلك الزوجة، ومحاولة حل المشاكل، فإذا كانت أمها سببا رئيسا للمشاكل، فمن الأفضل الابتعاد عنها، والسكن في سكن آخر، إن كان أخوك يسكن في نفس السكن أو قريبا منها، والاكتفاء بصلتها بالهاتف والزيارات القليلة ونحو ذلك، وإذا كان سوء خلق الزوجة سببا للمشاكل، فعلى أخيك أن يراجع نفسه، وطريقة معاملته لزوجته، فقد يكون أسلوبه في التعامل معها، وكثرة ضربها وسبها سببا لسوء خلقها، وعليه أن يستعين بأهل الخبرة في ذلك، وأن يحاول بشتى الوسائل إيجاد الحلول لكل مشكلة.
قال تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19
فإن تكاثر عليه الأمر، ووجد أنه لا سبيل إلى حل المشاكل، أو لا سبيل من جهته إلى الأنس بزوجته والعيش معها، فلا حرج عليه في طلاقها، وسيكون المهر في هذه الحال من حقها لدخوله بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/983)
وجوب العدل بين الزوجات في العطية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجتان، وأريد أن اشتري ذهباً لإحداهما على سبيل الهدية. فهل يجوز لي ذلك؟ أم يكون هذا من عدم العدل بين الزوجات. مع العلم أنني غير مقصر في حقوق الزوجة الأخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من كان له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن، ولا يحل له أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخرى من النفقة والسكنى والمبيت، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) . وفي رواية: (يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/295، 347، 471) وأخرج النسائي وابن ماجة في سننهما نحوه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) أخرجه أبو داود في سننه (2/601) ، وأخرج الترمذي في "الجامع" نحوه.
وفي هذه الأدلة دليل على توكيد وجوب العدل بين الضرائر، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخس لحق الأخرى دون ميل القلوب، فإن ميل القلب لا يملك؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القَسْم بين نسائه ويقول: (اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك) (يعني المحبة القلبية) .
وعلى ذلك لا يحل لهذا الزوج أن يخص زوجته بشيء مما يملكه دون الأخرى، فإذا وهب لإحدى زوجاته داراً ونحوها وجب عليه أن يسوي بين زوجاته في ذلك، فيعطي كل واحدة مثل ذلك أو قيمته، إلا أن تسمح الزوجة الثانية في ذلك" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (16/189) .(6/984)
زوجته ضعيفة الدين فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثلاثين من عمري، كنت قبل الزواج غير ملتزم. والآن الحمد لله على نعمة الهداية. تزوجت من فتاة متخرجة من قسم الدراسات الإسلامية. وكنت مسرورا بذلك لأنني ظننت أنها ستكون عوناً لي على طاعة الله. ولكن بعد العشرة وجدت أنها فتاة عادية جداًّ وليس لها في الالتزام شيء، وعندها كثير من السلبيات، مثل:
لا تستطيع أن تنكر أي منكر سواء كان صغيراً أو كبيراً، بل تفعل بعض المنكرات كرؤية التلفاز والغيبة وقلة العبادة. وعندها بعض الايجابيات، مثل كونها طيبة، صبورة، قائمة بجميع واجباتها الزوجية والمنزلية.
والذي يحزنني أنني أريد من يعينني على الالتزام وذلك بطريق ذات الدين لكني وجدت أن ذات الدين تحتاج من يعينها. هذه هي مشكلتي أرجو أن تجدوا لي حلا ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المشكلة التي شرحتها، يعاني منها كثير من الشباب الذين يظنون أن المرأة يمكن أن تتعلم وتدعو، وتجتهد في العبادة، وتعين زوجها على الالتزام، مهما كان زوجها مقصرا في ذلك. والواقع أن المرأة لا تقتدي بأحد اقتداءها بزوجها، فإذا لم يكن الزوج قدوة في هذه الأمور، فسرعان ما تتفلت المرأة، ويضعف التزامها وتمسكها. وهذا في الغالب، ولا يمنع أن توجد حالات مشرقة، تكون فيها المرأة هي الرائدة والمعلمة، والآخذة بيد زوجها إلى طريق الهداية.
وكونك وقفت على الحقيقة، وأن زوجتك فتاة عادية، لا يعني الفشل، ولا يبعث على الندم، بل ينبغي أن يكون ذلك محفزا لك على أن تنال أجر دعوتها وهدايتها.
وما ذكرته من صفاتها الطيبة سيساعدك على ذلك إن شاء الله.
فكن أنت الداعي والمذكر والناصح.. اشغل فراغها بما ينفع من الأشرطة والكتب والمجلات، ولا تيأس من الإنكار عليها إذا وقعت في الغيبة أو مشاهدة التلفاز، لكن اجعل ذلك على سبيل الرفق والرحمة والمحبة.
واسْع في إلحاقها بدار من دور تحفيظ القرآن الكريم، وانشط لاصطحابها معك في المحاضرات العامة، وفي تقوية الأواصر مع بعض الأسر الصالحة المستقيمة، فهذا خير ما يعين زوجتك على تقوية إيمانها.
وما ذكرته من قلة عبادتها، لعله راجع إلى قلة عبادتك، أو إهمالك لمشاركتها في العبادة، فاجتهد في إعانتها، وتذكيرها بفضل النوافل، وأجر قيام الليل، وثواب الصيام، ومارس معها ما استطعت من هذه العبادات.
وكن قواماً على أسرتك، تحجزها عن الحرام، وتمنعها مما فيه ريبة أو فساد.
وسل الله تعالى قائلا: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان/74.
نسأل الله أن يصلح حالك وأحوال المسلمين أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/985)
إجبار الزوج زوجته على الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يُجبر زوجته أو أمته على الجماع إذا رفضت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للمرأة أن تمنع نفسها من زوجها، بل يجب عليها أن تلبي طلبه كلما دعاها ما لم يضرها أو يشغلها عن واجب.
روى البخاري (3237) ومسلم (1436) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) .
فإن امتنعت من غير عذر كانت عاصية ناشزا، تسقط نفقتها وكسوتها.
وعلى الزوج أن يعظها ويخوفها من عقاب الله، ويهجرها في المضجع، وله أن يضربها ضرباً غير مُبَرِّح، قال الله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يجب على الزوج إذا منعته من نفسها إذا طلبها؟
فأجاب: (لا يحل لها النشوز عنه، ولا تمنع نفسها منه، بل إذا امتنعت منه وأصرت على ذلك فله أن يضربها ضربا غير مبرح، ولا تستحق نفقة ولا قسما) مجموع الفتاوى 32/279.
وسئل عن رجل له زوجة وهي ناشز تمنعه نفسها فهل تسقط نفقتها وكسوتها وما يجب عليها؟
فأجاب: (تسقط نفقتها وكسوتها إذا لم تمكنه من نفسها، وله أن يضربها إذا أصرت على النشوز. ولا يحل لها أن تمتنع من ذلك إذا طالبها به، بل هي عاصية لله ورسوله، وفي الصحيح: " إذا طلب الرجل المرأة إلى فراشه فأبت عليه كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى تصبح ")
انتهى من مجوع الفتاوى 32/278، والحديث رواه مسلم (1736) .
فينبغي وعظ الزوجة أولا، وتحذيرها من النشوز وغضب الله عليها ولعنة الملائكة لها، فإن لم تستجب هجرها الزوج في الفراش، فإن لم تستجب ضربها ضربا غير مبرح، فإن لم ينفع معها ذلك، منع عنها النفقة والكسوة، وله أن يطلقها أو يخالعها لتفتدي منه بمالها.
وكذلك الأمة ليس لها أن تمتنع من تلبية رغبة سيدها إلا من عذر، فإن فعلت كانت عاصية، وله أن يؤدبها بما يراه مناسباً وأذن الشرع به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/986)
يشك في زوجته النصرانية فهل له أن يتبرأ مما في بطنها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الرجل المسلم الذي يتخلى عن ولده الذي لم يولد بعد بسبب طلاقه من زوجته النصرانية؟
ما هي عقوبة الوالد إذا نشأ هذا الولد في بيئة نصرانية والوالد ينكر بأن هذا ولده، الأشعة فوق الصوتية أثبتت الشبه بالوالد وهو يقول لزوجته بأنها كاذبة، قام هذا الرجل الأب بالخطبة مؤخراً وأدى نصحي له في هذا الموضوع إلى قطعه العلاقة بي التي دامت بيننا لمدة عشرين عاماً بسبب هذا الموضوع. هل هناك من نصيحة توجهها لهذا الرجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن الولد ينسب إلى أبيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " رواه البخاري 2053، ومسلم 1457، ومعنى الحديث أن الولد يُنسب لزوج المرأة، وللزاني الخيبة والحرمان (الفتح 12 / 36) ، وهذا النسب حق للولد لا يجوز الاعتداء عليه.
لكن إن تيقن الزوج أو غلب على ظنه أن الولد ليس منه، فله أن ينفيه، بملاعنته لزوجته.
ولا ينتفي الولد عند جمهور العلماء من المذاهب الأربعة بمجرد التبرؤ منه، ولو أقرت الزوجة بالزنا، بل لابد من اللعان.
وصفة اللعان ما جاء في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) النور / 6-9.
فيقول الزوج أربعا: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، أو أشهد بالله لقد زنيتِ وما هذا ولدي. ويزيد في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
وتقول المرأة -إن لاعنت -: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، أو: أشهد بالله لقد كذب، وهذا الولد ولده. وتزيد في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
وتتم الملاعنة في المسجد بحضرة جماعة من المسلمين مع الحاكم أو نائبه أو من حكّماه من المسلمين.
قال ابن عبد البر: (وكذلك لا يختلفون أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الذي تجمع فيه الجمعة) فتح البر 10/525
وإذا تلاعن الزوجان، ترتب على ذلك أمور:
1- درء حد القذف عن الزوج.
2- درء حد الزنا عن الزوجة.
3- الفرقة بين الزوجين، ولا تتوقف على حكم الحاكم، بل تقع بمجرد اللعان عند كثير من أهل العلم.
4- التحريم المؤبد بين الزوجين.
5- انتفاء الولد، فلا ينسب للزوج، بل ينسب لأمه، ولا يكون بينه وبين الزوج توارث ولا نفقة لكونه أجنبيا عنه.
ولاشك أن ترك الولد في بيئة نصرانية تؤثر عليه، أمر عظيم وخطير، ولهذا فإن على الزوج أن لا يقدم على الملاعنة ونفي الولد إلا بعد التثبت والتأني حتى يغلب على ظنه زنا الزوجة.
وإلا كان آثما إثما عظيما بظلمه لولده، وتعريضه للكفر والانحراف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/987)
تشتكي من تعلق زوجها الداعية بهيئة الأمر بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة من شاب ملتزم ومرتاحة معه ولله الحمد، وهو متعاون مع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنا أعرف أن تعاونه معهم يعد شرفاً لي، ويعلم الله أني أفرح إذا تمكن من تغيير بعض المنكرات.
ولكن مشكلتي معه أنه متعلق بهم تعلقاً خياليّاً، مثلاً إذا كنا طالعين نتمشى ورأى شيئاً منكراً يتبعه إلى أن يتصل برجال الهيئة ويحضروا، وإذا ناقشته في الأمر ظن أنني لا أريد القضاء على المنكرات!! ويعلم الله أن هذه ليست رغبتي ولكن أريد أن يكون بقدر، وأيضاً: ما يزعجني في هذه القضية أنه يتكلم مع النساء وبكثرة , ويجن جنوني وتثار غيرتي إذا قال: هذه لابسة كذا أو هذه شكلها كذا.
دلوني ماذا أعمل، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهنئك أولاً على هذه النفسية العالية والأخلاق النبيلة في فرحك بعمل زوجك، وهو عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله.
ونوصيك بالوقوف إلى جانب زوجكِ وتشجيعه على هذا العمل، وعدم الشك فيه والتضجر من فعله واهتمامه به.
وأما بالنسبة لما يقوله لك من قضايا النساء فإنه كما هو ظاهر يخبرك به لثقته بك، ويخبرك به لا ليغيظك، ولا ليبين لك إعجابه بهن، ولكنه قد يخبرك بذلك من باب الإخبار بعض المنكرات التي يفعلها الناس لتكوني منها على حذر، أو من باب التنفيس عن نفسه، فبعض الناس إذا رأى المنكرات يكاد قلبه يحترق، فيحتاج إلى من يتحدث معه لينفس عن نفسه. فينبغي أن تنتبهي لهذا ولا يدخل الشيطان عليك من هذا الباب.
ولا مانع من نصيحته فيما يقصر فيه معكم، على أن يكون ذلك بالتي هي أحسن ودون أن يكون ذلك بالتشكيك في نزاهته وأخلاقه.
والنصيحة للزوج أن يعطي أهله حقهم، ومعاشرتهم بالمعروف، وعليه بمراعاة مشاعرهم. فلا يصف النساء أمام زوجته. فكما أن الرجل لا يرضى من زوجته أن تصف له الرجال، فكذلك المرأة لا ترضى أن يصف لها زوجها النساء.
وعليه أن يجتنب كثرة الكلام مع النساء، وليقتصر على ما يحتاج إليه فقط في تغيير المنكر أو التنبيه عليه ونحو ذلك، فإن التوسع في ذلك والتساهل فيه قد يجر إلى ما لا تحمد عقباه، وليجتهد في غض البصر، فإن النظرة سهم من سهام إبليس.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/988)
مدمن مخدرات ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج أختي يتعاطى المخدرات ويريد أن يتوقف ولكنه لا يستطيع لأنه مدمن ولكنه والحمد لله يخشى الله سبحانه وتعالى.
أختي تريد أن تعرف ما تفعل فلديها 3 أبناء منه وتخشى أن تتركه فقد يسوء الحال ويتعاطى أكثر أو ينتحر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصح أختك أن تقف بجانب زوجها في توبته ومحاولته التخلص من إدمان المخدرات، وأن لا تتركه للذئاب البشرية التي تدمر كيانه وتحطم أركانه، فهو أحوج ما يكون إليها الآن.
ولا بدَّ من أن تستعين بالمراكز الطبيَّة المتخصصة في معالجة الإدمان، ولن يؤثر ذلك عليه، بل سيعينه على التخلص مما هو فيه من بلاء وشر.
فينبغي لها أن لا تتردد في هذا، وأن تسارع للاتصال بالمختصين في معالجة هذه القضايا، مع تذكيرها الدائم له بتقوى الله والخوف منه، وتذكيره بالموت ولقاء الله تعالى، مع ترغيبه بترك ما هو عليه، وإعطائه الأمل بالشفاء وقبول توبته من ربه تبارك وتعالى.
ونرجو مراجعة جواب السؤال (6540) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/989)
حكم تقبيل الزوجة أمام الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى أي حد يمكن أن يتصرف الزوجان بعاطفة أمام الأولاد؟ هل يجوز الضم أو التقبيل أو مسك اليدين أمام الأولاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم الشرعي في هذه المسألة يتبع التفصيل التالي:
أولاً: إذا كان هذا الضم والتقبيل من جنس ما يكون بين الزوجين في خلوتهما فلا يجوز عمله أمام الأولاد صغاراً أو كباراً، قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)) النور.
يقول ابن كثير: فيؤمر الخدم والأطفال ألا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال.اهـ (3/401) .
فإذا وجب الاستئذان على الأولاد لئلا يروا شيئاً مما يكون بين الزوجين، فكيف بتعمد إظهار ذلك؟ وانظر إلى الأدب الذي كان عليه بيت النبوة وغاية ما ينقله الصحابة رضي الله عنهم
عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:
فعن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران.. الحديث رواه البخاري (4571) ومسلم (763) .
قال النووي رحمه الله: وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وان كان مميزا، قال القاضي: وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضا، قال وهذه الكلمة وإن لم تصح طريقا فهي حسنة المعنى جدا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة إلى أهله، ولا يرسله أبوه إلا إذا علم عدم حاجته إلى أهله، لأنه معلوم أنه لا يفعل حاجته مع حضرة بن عباس معهما في الوسادة، مع أنه كان مراقبا لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم ينم أو نام قليلا جدا.اهـ شرح مسلم 6/46.
كما أن إظهار ذلك يعد من خوارم المروءة.
يقول الماوردي: المروءة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها حتى لا يظهر منها قبيح عن قصد ولا يتوجه إليها ذم باستحقاق.اهـ (أدب الدنيا والدين /392) .
وما في هذه الممارسة من المفاسد التربوية كاف في منعه، فإن الأولاد فطروا على حب تقليد الوالدين ومحاكاتهم في جميع أمورهم، فيخشى أن يحاول أحدهم فعل ذلك عن غفلة وعدم وعي لما يقوم به وكفى بذلك مفسدة، ثم لا يؤمن على الأولاد الصغار أن يتحدثوا بما يرونه أمام الناس ولا يخفى ما في ذلك من الحرج وذهاب الغيرة.
ثانياً: أما إذا كانت العاطفة التي يظهرها الزوجان أمام الأولاد من جنس ما يظهر عادة من مودة ورحمة ورعاية والتي تملؤ البيت سكوناً واحتراماً وسعادة وخاصة ما يكون في المناسبات كالأعياد وغيرها، فذلك جائز.
ولإظهار ذلك أثر في راحة الأولاد النفسية حين يطمئنوا إلى ما عليه أسرتهم من التفاهم والتوافق، فلا بأس بإظهار تلك العاطفة لكن بالقدر الذي يحقق الغرض، ولا يحصل منه أدنى محظور.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/990)
هل لمس المرأة ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[الإنسان لا يستطيع أن يستغني عن أخذ وإعطاء شيء طوال يومه إلى زوجته فإذا لمس المتوضئ يد زوجته فهل ينتقض وضوءه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مس الرجل المرأة مباشرة ففيه خلاف بين أهل العلم، هل ينتقض وضوؤه أم لا. والأرجح أنه لا ينقض الوضوء سواء كان مسه إياها بشهوة أو بدونها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ولم يتوضأ؛ ولأن هذا مما تعم به البلوى فلو كان ناقضاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله سبحانه في سورة النساء والمائدة: (أو لامستم النساء) فالمراد به الجماع في أصح قولي العلماء.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/266(6/991)
ذكر ألفاظ حسّاسة بين الزوجين في الفراش
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يتعلق بمسألة استمتاع الرجل وزوجته أثناء الجماع، أو المداعبة و/أو إذا كان الزوج يجد مزيدا من اللذة إن هو استخدم بعض الكلمات التي تصف ما يقوم به كل طرف مع الآخر، وتحديدا استخدامهما لتلك الكلمات التي لا يتفوهان بها عادة أمام الغير أو ما شابه ذلك، لأنها – أي تلك الكلمات – تعتبر بذيئة، وعندما نأخذ في الحسبان حديث النبي صلى الله عليه وسلم المتعلق بأنه عليه السلام كان يكره الكلمات البذيئة وأنه لم يكن يستخدمها، فهل الكلمات من قبيل أسماء الأعضاء التناسلية حسبما يقوله العامة، تلك المسميات التي تطلق على قبُل المرأة وما شابهها من الكلمات الأخرى التي تصف عضو الرجل، فهل يجوز استخدام مثل هذه الكلمات بنية استثارة الطرف المقابل مع وضع الحديث المشار إليه أعلاه في الاعتبار؟
أم أن ذلك يندرج ضمن الأمور المحرمة في العلاقة الجنسية بين الرجل وزوجته؟ فإن من الواضح كما في النصوص، مثل الإيلاج في الدبر. . الخ. ولذلك، ولوجود القاعدة التي تقضي بأنه إن لم يكن هناك دليل يحرم النطق بمثل تلك الكلمات، فإن علينا ألا نتنطع ونحن نتذكر الحديث الذي فيه "هلك المتنطعون". أم أن القاعدة العامة المتعلقة بتجنب استخدام الكلمات البذيئة تطغى على الرأي المذكور آنفا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون سؤالي عندها: هل يجوز أن يتفوه الرجل وينطق بمسمى الأعضاء التناسلية مع زوجته، من قبيل تلك المسميات العلمية مثل "المهبل" أو تلك العامية/والمتداولة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم ينبغي أن يكون عفيفا في سائر تصرفاته سواء منها ما يتعلق بالأفعال أو الأقوال، لكن إذا لم يتمكن من الوصول إلى المراد المشروع إلا بذكر شيء مما يستحي من ذكره فلا بأس كما جاء في بعض روايات حديث ماعز حيث صرّح النبي عليه الصلاة والسلام ببعض الألفاظ التي ليس من عادته أن يصرّح بمثلها.
أما إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك ولم تكن تلك الألفاظ محرمة كالسب والشتم فعدم التصريح أولى وتكون حينئذ من قبيل المكروه، والكراهة عند أهل العلم نزول بأدنى حاجة، فعليه لا بأس حينئذ بقول ما ذكر في السؤال إذا لم يتعدّ الزوجين إلى الأولاد وغيرهم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(6/992)
ادّعت زوجته أنها تعرّضت لاغتصاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مهاجر تزوجت من امرأة منذ 18 سنة، وكان عملي يضطرني للسفر كثيراً وترك زوجتي بمفردها، وعند عودتي من إحدى هذه السفرات من خارج البلاد أخبرتني زوجتي أن رجلاً دخل عليها وقبلها وقال لها أنها صغيرة جداً.
واليوم بعد مضي 18 سنة على هذه الحادثة أخبرتني زوجتي أن الرجل دخل عليها وقبلها وجامعها وأنها استسلمت له، وأنا الآن أشعر بانهيار وأحس بالغضب الشديد لأنها خدعتني ولم تخبرني بحقيقة الأمر، وتركتني جاهلاً بالموضوع. وبسبب هذه الأزمة النفسية فإنني لم أعد راغباً في الذهاب إلى المسجد أو أداء الصلاة.
أرجو أن تعلمني ماذا علي أن أفعل؟ هل زواجنا شرعي؟ هل يجب عليّ أن أطلقها؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ما وصفَتْه أخيرا هو الذي حصل فإنّها تكون قد فعلت كبيرة عظيمة وخيانة واضحة باستجابتها لهذا المعتدي والاستسلام له وعدم محاولة الهرب أو الامتناع أو الاستغاثة ونحو ذلك، وما ذكَرَتْه بأنّها كانت مكرهة لا يُقبل منها، فإنّها لم تذكر تهديدا بسلاح أو ربطا ووثاقا ونحو ذلك، فإذا تبيّن هذا فعلا وتأكّد تفريطها فما هو الواجب عليك؟ وما هو الموقف تجاهها؟
لا شك أنّك يجب أولا أن تعظها وتذكّرها بالله وعذابه واليوم الآخر وأهواله وتبيّن لها خطورة انتهاك حدود الله وخيانة الزوج وتلويث فراشه وما جعله الشّارع من الحدّ الشنيع على الزاني المُحصن وهو قتله بالحجارة.
وبعد الموعظة إن تبيّن لك ندمها وأسفها واستقامتها فلا حرج عليك من البقاء معها ونكاحكما صحيح، والذي يغلب على الظنّ أنّ هذه المرأة نادمة وتائبة لأنها هي التي استخرجت الموضوع بعد أن كان منسيا، وصارحتك به ولعل هذا من جرّاء تأنيب ضميرها والرّغبة الصادقة في التحلل وطلب المسامحة من زوجها، وذنبها في صِغر سنها وجاهلية أمريكا مع احتمال أن تكون كارهة في بداية الاغتصاب ثمّ لانت ليس كذنب من سعت إلى المعصية برجليها وخطّطت لذلك وتعمّدته إصرارا، والنّصيحة أنّ هذه المرأة إن كانت حالها الآن الاستقامة والنّدم على ما فعلت أن تُسامحها وتعفو عنها خصوصا وأنّه قد يكون لك منها أولاد يضيعون بطلاقها، هذا مع الاستمرار في تربيتها ومراقبتها وعدم إطالة الغياب عنها. ونسأل الله أن يتوب علينا أجمعين.
وقبل مغادرة شاشة الإجابة أريد أن أنبهك على أمر خطير ورد في ثنايا سؤالك وهو قولك إنه لم يعد لديك رغبة في الذّهاب إلى المسجد والصّلاة والدّعاء نتيجة للأزمة التي تمرّ بها، وهذا عجيب جدا أيها الأخ المسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر وكَرَبه خَطْب فزع إلى الصّلاة ولجأ إلى الله يدعوه ويستغيث به وعلّمنا ذلك، وليس أن نُعرض عن بيوت الله ونترك الصّلاة وندع الدّعاء، فإلى من تأوي إذن في كربتك وبجوار من تستجير من نار مصيبتك، فعد إلى الله يا أخي وسله أن يُذهب غمّك ويشفي صدرك واستعن بالصّبر والصّلاة إنّ الله مع الصّابرين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/993)
له زوجتان في بلدين متباعدين فهل يجب عليه العدل بينهما؟ وماذا يصنع لو اجتمعا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بفضل الله متزوج من زوجتين، الأولى: مقيم معها في مصر، ولي منها ثلاثة أولاد، والثانية غير مصرية مقيمة خارج مصر، وأحاول قدر استطاعتي أن أعدل بينهما. وسؤالي هو: إذا غابت عني زوجتي الثانية أحد عشر شهراً، أو أقل، ثم جاءت إلى بلدي لمدة شهر، أو أكثر، هل خلال فترة وجودها في بلدي أبيت عندها فترة إجازتها كاملة، أم العدل يوجب أن أبيت يوماً عندها، ويوماً عند الزوجة الأولى؟ . وجهة نظري هي: أنني مع زوجتي الأولى أحد عشر شهراً فمِن حق الثانية أن أبيت معها الشهر كاملاً، لكنني أسأل عن العدل الذي يرضي الله تعالى. مع وافر احترامي. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك حرصك على العدل بين زوجتيك، وكم نتمنى أن يكون حال إخواننا المسلمين المعددين هكذا، من إقامة العدل في حياتهما الزوجية بين زوجاتهم، وتقديم نماذج طيبة للعالَم؛ تحقيقاً لحكَم تشريع التعدد الجليلة، وتشجيعاً للقادرين على التعدد لإعفاف الملايين من النساء في العالَم الإسلامي، وكفّاً لألسنة الطاعنين في أفعال المعددين.
ثانياً:
أوجب الله تعالى العدل على الرجل بين زوجاته، وقد توعَّد النبي صلى الله عليه وسلم الجائر في ذلك أن يأتي يوم القيامة وشقه مائل.
ويجب العدل بين الزوجات ولو كُنَّ في بلاد مختلفة.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"فإن كان له امرأتان في بلديْن: فعليه العدل بينهما؛ لأنه اختار المباعدة بينهما، فلا يسقط حقهما عنه بذلك، فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها، وإما أن يُقدمها إليه، ويجمع بينهما في بلد واحد.
فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان: سقط حقها؛ لنشوزها.
وإن أحب القَسْم بينهما في بلديهما: لم يمكن أن يقسم ليلة ليلة، فيجعل المدة بحسب ما يمكن، كشهر وشهر، أو أكثر، أو أقل، على حسب ما يمكنه، وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما" انتهى.
"المغني" (8/152) .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الزوجة إذا سافرت لحاجتها، أو امتنعت من القدوم إلى بلد الزوج إذا طلبها، أنه يسقط حقها من القسم، فليس لها أن تطالب بما فات من حقها مدةَ سفرها، لأن تعذر القسم في هذه الحالة كان بسبب منها.
أما إذا سافرت لحاجة الزوج، أو منعها هو من القدوم إليه والإقامة في بلده، فلا يسقط حقها في القسم، فلها أن تطالب الزوج بقضاء الأيام التي فاتتها مدة السفر.
انظر: "المغني" (10/251، 252) .
وعلى هذا؛ فتنظر في حالك أنت وزوجتك، هل ينطبق عليك الحالة الأولى أم الثانية.
فإن كانت الأولى، فإذا جاءت إلى بلدك فيجب عليك العدل بينها وبين الأولى، فتقسم بالسوية، وليس لك أن تفضلها على الأولى.
وإن كانت الثانية، فن حقها عليك أن تخصها بهذا الشهر كاملاً.
والذي ننصح به: أن تسترضي الزوجة الأولى بأن تمكث عند القامة من السفر أكثر منها، بحسب ما تطيب به نفسها، دون إكراه، أو إحراج، ولعلها تقدِّر أن لها النصيب الأوفر منك، فلتسمح نفسها، ولتطب، بالتنازل عن حقها لضرتها، وعليك أن تقدر لها هذا الإحسان وتحسن شكرها على ذلك.
وعسى الله أن يجمع بينكم جميعاً في خير، وأن يوفقكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/994)
اشترط عليها أن ترعى والده ثم تزوج عليها فطالبته بسكن منفرد وتقسيم العمل مع ضرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوَّج السائل من امرأة بعد أن حكى لها وضع والده الذي يعاني من المرض، ويحتاج إلى من يعتني به، فوافقت، ويريد الآن أن يتزوج بالثانية، ولكن الأولى قالت: إذا تزوجتَ بالثانية: فسيكون من حقي أن أطالب ببيت منفرد، ونتقاسم رعاية والدك بيننا، فما رأيكم بذلك؟ يقول السائل: كيف تطالب بهذا الأمر مع أنه اشترط عليها من البداية العناية بوالده، بل إنه ما تزوجها إلا لهذا الغرض، لا غير؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى الوفاء بالعقود، والعهود، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1.
وأولى العقود أن يُوفى بها: عقود الزواج، وسواء كان ذلك الوفاء من قبَل الزوج، أو الزوجة.
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2572) ومسلم (1418) .
وعليه: فالواجب على الزوجة الوفاء بالشرط الذي اشترطه زوجُها عليها، وهو خدمة ورعاية والده، وليس للزوجة – فيما يظهر لنا – أن تطالبه بتقسيم هذا العمل بينها وبين ضرتها؛ لعدم اشتراطها ذلك في العقد، مع علمها بإباحة الله تعالى له التزوج بغيرها، كما أنها لم تشترط عليه أن لا يتزوج عليها.
وأما المطالبة بسكنٍ منفردٍ: فإنَّ لها الحق فيه إلا أن يكون الاشتراط عليها قبل العقد أن ترعى والده في بيته، وأنه لا سكن لها مستقل عن والده، فيجب عليها – حينئذٍ – الوفاء بالشرطين – السكن، والرعاية – وليس لها المطالبة بسكنٍ منفرد، ولا بتقسيم العمل بينها وبين ضرتها، إلا أن يفعل ذلك الزوج من تلقاء نفسه.
وإذا لم تحتمل الزوجة وضعها الجديد: فلها طلب " الخلع "، فتتنازل عن مهرها لزوجها، ويطلقها.
وينظر تفصيل الخلع في جواب السؤال رقم: (26247) .
وإننا ننصح الزوج أن يكون حكيماً في تصرفه، وأن يتقي الله في زوجته الأولى، فقد قبلت به زوجاً، وقبلت بخدمة والده المريض، فليس من مكافأتها أن يأتي لها بضرة لا تشاركها عملها، وتتميز عنها بميزات تسبب له قلقاً في حياته، وتنكد عليه معيشته.
ولسنا بالذي نمنع ما أباح الله تعالى من التعدد، لكننا نعلم أنَّ مِن حسن أخلاق المرء: مكافأة من أحسن إليه، بالكلمة، والفعل، ولا نرى أن إصرار الزوج على عدم مشاركة زوجته الثانية لرعاية والده: من حسن مكافأة زوجته الأولى، وكان الأجدر به أن يشترط على الثانية ما اشترطه على الأولى، وبذلك يكون منصفاً، وحكيماً.
وبكل حال:
نرى أن على الزوجة الالتزام بشرط النكاح الذي اشتُرط عليها، ولها حق طلب الخلع إن كانت تخشى عدم الوفاء بالشرط، أو عدم الوفاء بحقوق الزوج، ونرى أن على الزوج أن يحسن التصرف ليَخرج من هذا الأمر، وذلك باشتراطه على الثانية مثل ما اشترطه على الأولى - من رعاية والده -، وإذا كان العقد قد تمَّ دون ذلك: فعليه أن يتلطف معها في الطلب أن تخدم والده، وترعى أموره بالمشاركة مع زوجته الأولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/995)
القوانين التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في القوانين التي تمنع تعدد الزوجات؟ أو التي تجعل من حق الزوجة أن تطلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم حاكماً أو محكوماً أن يكون تحاكمه إلى الله ورسوله، لا إلى غيرهما، فقد أمرنا الله تعالى بطاعة أولياء أمورنا، ثم أمر الجميع الحكام والمحكومين، إن تنازعوا في شيء أن يردوه إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك شرطاً في الإيمان، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59.
قال السعدي رحمه الله:
"أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها (ذَلِكَ) أي: الرد إلى الله ورسوله (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم" انتهى.
وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
فالتحاكم إلى غير الله ورسوله وإلزام الناس بذلك أمر خطير، قد يخرج صاحبه من الإيمان بالكلية.
ولذلك فإننا نتوجه بالنصيحة أولاً إلى هؤلاء الحكام الذين غَيَّروا وبَدَّلوا أحكام الله، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربع نساء، وأوجب عليه العدل بينهن، فقال تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3.
ولم يشترط الله تعالى موافقة الزوجة الأولى، ولا جعل من حقها طلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (2563) ومسلم (1504) .
فكل ما خالف كتاب الله فهو باطل، لا يجوز العمل به.
ثم لا ينقضي العجب من التضييق على الرجل فيما أحلَّ الله له، ومنعه منه، ثم فتح باب الحرام أمامه على مصراعيه.
فكثير من تلك القوانين الجاهلية التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه لا تمنع أن يتخذ الرجل عشيقة، بل عشيقات، وهذا تحريم للحلال، وتحليل للحرام، وقد وصف الله كل حكم خالف حكمه بأنه حكم جاهلي، فقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
قال ابن كثير رحمه الله:
"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان، الذي وضع لهم اليَساق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء.
قال الحسن: من حكم بغير حكم الله، فحكم الجاهلية هو.
وروى البخاري (6882) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) " انتهى بتصرف يسير.
"تفسير ابن كثير" (2/94) .
فالنصيحة للحكام أن يعودوا إلى شرع الله تعالى، فلا يحكموا غيره في قليل ولا كثير، ولن يجنوا من وراء ذلك هم وشعوبهم إلا الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، بينما لم تجن الشعوب من الإعراض عن حكم الله واستبداله إلا انتشار الظلم والفسق والمجون والتخلف والانحلال الخلقي وتفكك المجتمع وكثرة الجرائم واختلال الأمن.
ثم نتوجه بالنصيحة ثانياً إلى الزوجة التي يريد زوجها أن يتزوج عليها، بأن الواجب عليها أن ترضى بحكم الله وتسلم وتنقاد له، وما تجده في نفسها من الغيرة أو الكراهية لذلك، فهذا أمر فطري لا تلام المرأة عليه، بشرط أن لا تعترض على حكم الله، وأن لا تطلب الطلاق أو تسيء عشرة زوجها وتمنعه حقوقه بسبب ذلك.
ولا يجوز لها طلب الطلاق من أجل أن زوجها تزوج عليها، بل ذلك من كبائر الذنوب، ويدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه ابن ماجه (2055) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
ولتضع نفسها مكان أختها التي يريد زوجها أن يتزوجها، فهل كانت سترضى من زوجته الأولى أن تمنع هذا الزواج، وتهدد الزوج بطلب الطلاق إن هو فعل ذلك! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
ثم نتوجه بالنصيحة إلى الزوج الذي يريد أن يعدد، بأن الواجب عليه أن يعدل بين زوجتيه، فإن الله تعالى إنما أباح التعدد للرجل بشرط أن يعدل، فإن لم يعدل أو خاف على نفسه أن لا يعدل فالواجب عليه الاقتصار على زوجة واحدة، قال الله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3.
وأخبرنا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) رواه أبو داود (2133) والترمذي (1141) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/996)
حكم مساعدة الزوجة الأولي في رعاية أولادها في نوبة الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اكتشفت مؤخراً أني حامل في طفلي السادس كما أن زوجي قد تزوج بامرأة أخرى مؤخراً، ولأني في المراحل الأولى من الحمل أكون دائما متعبة ولا أطيق اشتمام أي رائحة مما يجعل من الصعب عليّ أن أقوم بالطهي، كما أشعر بأني أهمل في أولادي، لذلك فإني أطلب منه أن يساعدني حتى وإن لم يكن في أيام قسمتي، لكن يقول إنه لن يساعدني في رعاية الأولاد الخمسة ما لم تكن مساعدته لي في أيام قسمتي، فما أريده الآن هو أن أعرف هل ما يقوم به صواب أم خطأ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ َهُوَ: "تَوْزِيعُ الزَّمَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ، إِنْ كُنَّ ثِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ" انتهى من "كشاف القناع" (5/198) .
وقد " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُل - إِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ - أَنْ يَعْدِل فِي الْقَسْمِ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ، وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِيهِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَل بِهَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وَلَيْسَ مَعَ عَدَمِ التَّسْوِيَةِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ مُعَاشَرَةٌ لَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ".
"الموسوعة الفقهية" (33/183) .
" وَالْعَدْل الْوَاجِبُ فِي الْقَسْمِ يَكُونُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَيْتُوتَةِ وَالتَّأْنِيسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَمَّا مَا لاَ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ، وَكَالْمَيْل الْقَلْبِيِّ وَالْمَحَبَّةِ. . فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْعَدْل بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي ذَلِكَ ".
"الموسوعة الفقهية" (33/185) .
" وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِ الزَّوْجِ فِي نَوْبَةِ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ - لَيْلاً أَوْ نَهَارًا - وَدُخُولِهِ عَلَى غَيْرِهَا كَذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ دُخُولٌ فِي نَوْبَةِ زَوْجَةٍ عَلَى غَيْرِهَا لَيْلاً، لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَال حَقِّ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ، إِلاَّ لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ وَشِدَّةِ الطَّلْقِ وَخَوْفِ النَّهْبِ وَالْحَرْقِ، وَحِينَئِذٍ إِنْ طَال مُكْثُهُ عُرْفًا قَضَى لِصَاحِبَةِ النَّوْبَةِ مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُول عَلَيْهَا مِثْل مُكْثِهِ، وَإِنْ لَمْ يَطُل مُكْثُهُ فَلاَ يَقْضِي.
وَإِنْ دَخَل الزَّوْجُ فِي نَوْبَةِ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ عَلَى غَيْرِهَا نَهَارًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ؛ لأَِنَّهُ يُتَسَامَحُ فِيهِ مَا لاَ يُتَسَامَحُ فِي اللَّيْل، فَيَدْخُل لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ كَتَسْلِيمِ نَفَقَةٍ وَتَعَرُّفِ خَبَرٍ وَعِيَادَةٍ. . لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ يَوْمٌ إِلاَّ وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُل امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا.
فَإِذَا دَخَل لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَطُل مُكْثُهُ عَنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَمْ يُجَامِعْ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَلْزَمُ الزَّوْجَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي اللَّيْل.
وَالنَّوْبَةُ لاَ تَمْنَعُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الأُْخْرَى لِيَنْظُرَ فِي حَاجَتِهَا وَيُمَهِّدَ أُمُورَهَا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّهُنَّ كُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُل لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا "
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لا يَدْخُل الزَّوْجُ فِي يَوْمِ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ عَلَى ضَرَّتِهَا، أَيْ يُمْنَعُ، إِلاَّ لِحَاجَةٍ غَيْرِ الاِسْتِمْتَاعِ كَمُنَاوَلَةِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ لَهُ".
"الموسوعة الفقهية" (33/195-197) .
وقال البهوتي الحنبلي: "ويحرم أن يدخل إلى غير ذات ليلة إلا لضرورة، وفي نهارها إلا لحاجة". "الروض المربع" (6/449) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (7/234) :
" وَأَمَّا الدُّخُولُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي زَمَنِهَا: فَإِنْ كَانَ لَيْلًا لَمْ يَجُزْ إلَّا الضَّرُورَةُ , مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مَنْزُولًا بِهَا , فَيُرِيدُ أَنْ يَحْضُرَهَا , أَوْ تُوصِي إلَيْهِ , أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ , فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَلْبَثْ أَنَّ خَرَجَ , لَمْ يَقْضِ. وَإِنْ أَقَامَ وَبَرِئَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرِيضَةُ , قَضَى لِلْأُخْرَى مِنْ لَيْلَتِهَا بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا.
وَأَمَّا الدُّخُولُ فِي النَّهَارِ إلَى الْمَرْأَةِ فِي يَوْمِ غَيْرِهَا , فَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ , مِنْ دَفْعِ النَّفَقَةِ , أَوْ عِيَادَةٍ , أَوْ سُؤَالٍ عَنْ أَمْرٍ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ , أَوْ زِيَارَتِهَا لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِهَا , وَنَحْوُ ذَلِكَ ; لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ , قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَيَّ فِي يَوْمِ غَيْرِي , فَيَنَالُ مِنِّي كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ) وَإِذَا دَخَلَ إلَيْهَا لَمْ يُجَامِعْهَا , وَلَمْ يُطِلْ عِنْدَهَا ; لِأَنَّ السَّكَنَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ , وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّهُ ... فَإِنْ أَطَالَ الْمُقَامَ عِنْدَهَا , قَضَاهُ" انتهى
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن رجل تزوج بامرأة أخرى على زوجته، والزوجة الأولى مريضة، وقد وضع لكل منهما سكنا، ويقول: لا أجد عناية في البيت القديم، وأجد خدمة في البيت الأخير، فهل أنا آثم إذا جلست في البيت الأخير أكثر لسبب الخدمة، وهل أنا آثم إذا نمت أكثر عند الأخيرة، وليس قصدي شيئا إلا ما ذكرت من عدم الصحة؟
فأجابوا:
"العدل بين الزوجات واجب في المسكن والمأكل والملبس والمبيت، هذا هو الأصل، وعليك أن تتقي الله ما استطعت وتعدل بينهما، وإذا كنت تريد أن ترجح واحدة على الأخرى للأسباب التي ذكرتها فيجب أن تستبيح الزوجة الأخرى" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/179-180) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
ما حكم الذهاب إلى الزوجة الثانية في يوم الزوجة الأولى لتعليم أولاد الثانية في النهار - إذا رجعوا من المدرسة - لكي يدرّسهم؟
فأجاب:
" لا يجوز، هذا حرام ".
سؤال:
لكن لهم حاجة في التدريس؟
فأجاب:
" يأتي بهم للزوجة صاحبة اليوم " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (4031) .
وقال الشيخ السعدي:
" أما تحريم الدخول إلى غير صاحبة الليلة إلا لضرورة في الليل، أو لحاجة في النهار، فالصواب في هذا الرجوع إلى عادة الوقت، وعُرف الناس، وإذا كان دخوله على الأخرى ليلاً أو نهاراً لا يعده الناس جوراً ولا ظلماً، فالرجوع إلى العادة أصل كبير في كثير من الأمور خصوصاً في المسائل التي لا دليل عليها، وهذه من هذا الباب" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/693) جمع أشرف بن عبد المقصود.
وانظر جواب السؤال رقم: (111912) .
والخلاصة:
- يجوز للزوج تفقد أحوال وجته وأولادها في نوبة الأخرى، دون أن يمكث عندها وقتا طويلاً.
- يمكنه مراعاة أحوال أولاده، والعناية بهم في يوم نوبة الأخرى عن طريق أخذهم إلى بيت صاحبة النوبة.
- استئذان الزوجة الأخرى، وتطييب خاطرها، لتوافق على مكثه أحيانا في بيت أختها فوق المعتاد لمراعاة مصالح أولاده.
فالذي يظهر لنا أن تصرف زوجك صحيح، وإذا أراد أن يمكث عندك وقتاً طويلاً في غير أيام قسمتك فلابد من استئذان زوجته الأخرى ورضاها بذلك.
ونسأل الله تعالى أن يعينك على تربية الأولاد ويوفقك لكل خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/997)
تزوجها دون علم زوجته الأولى واكتشف سرُّه ولا يزال لا يعطيها حقها في المبيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من 4 سنوات من رجل متزوج ولديه بنت، وقال لي أن يبقى سرّاً على زوجته ووالده، إلى أن يعرفوا من الناس، وليس منه، فوافقته، ومن يوم أن تزوجنا: لم ينم عندي سوى أسبوع، على أنه مسافر، وبعد ذلك: لم ينم عندي في البيت، وكنت أعيش وحدي، وكان يأتي كل يوم، وحملتُ منه، وأنجبت طفلة، وعمرها الآن سنتان، وحتى هذا اليوم لم يسجلها باسمه! خوفاً من أن تعرف زوجته، وأنا طول الوقت صابرة، وأقول: " لا بأس "؛ لأنه بصراحة: زوجي إنسان لا مثيل له، ويحبني، ولكن بعد مرور 3 سنين ونصف: عرفت زوجته، ووالده، فطلبتْ منه أن يطلقني، وهو رفض أن يطلقني، أو يطلقها، ولكن إلى هذا الوقت لم يعدل بيننا، ولم ينم معي، ومع ابنتي أبداً، ولم يسجِّل ابنته باسمه، لا أعرف لماذا، وحتى يوم الجمعة صار صعباً أن يأتي ويزورنا؛ حتى ولو مرضتْ ابنتي بالليل لا أستطيع أن أخبره وكنت دائما أنا آخذها إلى المستشفى. ولا أعرف ماذا أفعل، والله دائماً أدعو الله أن يصبرني؛ لأنني تعبت طوال هذه السنوات، ولا أعرف إلى متى، مع العلم أن زوجي يخاف الله، ولا يقطع صلاة، ويعمل الخير دائماً، وكل ما أتناقش معه يقول لي: " كل شيء بوقته حلو، وأنتِ صبرتِ كثيراً، لستِ قادرة تصبري زيادة؟ ". أرجو منكم مساعدتي؛ لأنني حقّاً غير قادرة على الظلم أكثر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كتمان الرجل زواجه الثاني يوقعه – في الغالب – في شيء من الظلم لزوجته الجديدة، ويكون مضطرباً في حياته وتصرفاته، يخشى إن تَصرف تصرفاً ما أن تعرف زوجته الأولى بأنه تزوج عليها، وهذا قد يجره إلى سلسلة من الأخطاء.
وبما أنك قد رضيت بذلك من أول الأمر، فعليك أن تتحملي ما جرى لك من جهة، وعليك السعي لإصلاحه من جهة أخرى.
وإذا كان زوجك له عذر – عندك – قبل اكتشاف أمر زواجه بكِ: فإنه لا عذر له الآن، فالواجب عليه العدل بينك وبين زوجته الأولى في المبيت، فما يمكثه هناك من الليالي فعليه أن يمكث قدرها عندك، ولك مطالبته بهذا الحق الذي أوجبه الله عليه، وجعله لك، فإن أصرَّ على الرفض: فأنتِ بالخيار، إما أن ترضين بحياتك معه وتصبري حتى يجعل الله لك فرجا - وهو ما ننصحك به -، وإما أن تختاري فراقه.
وننصح – وقد انكشف الأمر – أن توسطي من يتصف بالعلم، والعقل، بينكما، لحلِّ قضيتك معه، وإلزامه بما ألزمه الله به: من العدل بينك وبين زوجته الأولى، ومن تسجيل ابنتكما في الأوراق الرسمية، وهذا أمر لابد منه، وكيف يرضى لابنته أن تبقى هكذا، بلا نسب، ويعرض حقوقها للضياع؟
فالأمر الآن عندك: تنصحينه، وتذكرينه بالله تعالى، فإن لم يُجْدِ ذلك: فتوسطين عقلاء من أهلك، أو من أهلك وأهله، ليتم نصحه وإلزامه بما أوجب الله عليه، من العدل بين الزوجتين، ومن تسجيل ابنته في القيود الرسمية.
واسألي الله تعالى التوفيق، والهداية، لك، وله، ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكم على خير، وييسر أمركم لما فيه رضاه تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/998)
العدل بين الزوجات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ سنة، وأعتبر الثانية، وزوجة زوجي الأولى لم تكن تعرف أن زوجها قد تزوج الثانية، صارت ظروف مفاجئة وعرفت بزواجه بي، ولم تتقبل الأمر إطلاقا، مما اضطر الزوج إلي ملازمة بيته الأول يوميا، وترك البيت الثاني إلى أن تهدأ الأوضاع. هل يجوز أن ترغمه الزوجة الأولى على تطليقي، أو تطليقها؟ وهل أنا مأجورة على الصبر إلى أن تهدا الأوضاع، مع أني في بلاد ليس لي فيها غير زوجي، وأنا حامل؟ هل الزوج آثم في إهمال بيته الثاني، إرضاء للأولى؟ أنا صابرة ومتوكلة على الله، وتنتابني أحيانا نوبات من الخوف من ضياع حياتي وأسرتي. فماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله العدل في كل شيء، ونهى عن الظلم في كل شيء، ويتأكد ذلك في حق الأواصر التي تقوم عليها المجتمعات الإسلامية، كالعدل بين الأولاد، والعدل بين الزوجات، وقد روى أبو داود (2133) وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6515) .
والعدل بين الزوجات واجب في المسكن والمأكل والملبس والمبيت، بل وفي كل شيء ظاهر، يمكنه العدل فيه.
وعلى ذلك كان حال السلف:
فعن جابر بن زيد قال: كانت لي امرأتان وكنت أعدل بينهما حتى في القبل.
وعن مجاهد قال: كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء، حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه.
وكان محمد بن سيرين يقول فيمن له امرأتان: يُكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى
"المصنف" لابن أبي شيبة (4/37)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" القول الصحيح في العدل بين الزوجات أنه يجب على الزوج أن يعدل بينهن في كل ما يمكنه العدل فيه، سواءٌ من الهدايا أو النفقات، بل وحتى الجماع إن قدر: يجب عليه أن يعدل فيه " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/252)
وقال الشيخ الفوزان:
" يجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته في الإنفاق والمسكن والكسوة والقسم في المبيت، كل هذا مما يجب عليه العدل بين الزوجات، ولا فرق بين غنية وفقيرة، لأن الكل زوجات له واجب عليه أن يعدل بينهما " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (89/24)
ثانيا:
لا شيء على الزوج إذا تزوج على الأولى بدون علمها، ولكن عليه - كما تقدم بيانه - العدل بينهما.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل توفي وترك زوجةً وأولاداً، وبعد وفاته علمت الزوجة والأسرة بأنه كان متزوجاً بامرأة أخرى منذ عدة سنوات، دون علم الزوجة الأولى والأولاد؛ فهل يأثم المتوفى على إخفاء خبر زواجه على أهله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: " لا يأثم المتوفى على إخفاء تزوجه بالمرأة، لكن يجب إعلان النكاح لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك. فإذا كان النكاح معلناً كما لو كان نكاحاً في قرية أخرى، وأعلن في القرية فإنه يكفي، وإن أخفى ذلك على أهله وعلى زوجته الأولى "
انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/261)
ثالثا:
لا يجوز للأولى أن ترغم الزوج، أو تحاول إرغامه، أو تطلب منه طلاق الأخرى:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا)
رواه البخاري (5152) ، ومسلم (1408) .
قال ابن عبد البر:
" في هذا الخبر من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، فإنما لها ما سبق به القدر عليها، لا ينقصها طلاق ضرتها شيئا مما جرى به القدر لها، ولا يزيدها " انتهى.
"التمهيد" (18/165)
وقال ابن القيم رحمه الله: "وتضمن حكمه صلى الله عليه وسلم بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها، وأنه لا يجب الوفاء به " انتهى. "زاد المعاد" (5/107)
وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل تزوج بامرأة ثم أراد زواج أخرى، فاشترطت الأخرى طلاق الأولى؟
فأجابت:
" لا يلزمك الوفاء بالشرط، وهو طلاق زوجتك الأولى؛ لأنه شرط فاسد " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/398)
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" إذا قالوا: نزوجك بشرط أن تطلق زوجتك التي معك، فهذا شرط باطل، ولا يجوز الوفاء به، ولا يلزمه أن يوفي به، وليس للزوجة الجديدة ولا لوليها أن يفسخوا النكاح إذا لم يطلق المرأة، وذلك لأنه شرط باطل " انتهى بمعناه.
"اللقاء الشهري" (47/18)
وانظر "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/106-107) – "الشرح الممتع" (12/72)
كما أنه لا يجوز لها أن تطلب الطلاق لنفسها منه لمجرد زواجه الثاني، وذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ " رواه الترمذي (1187) وحسنه، وصححه الألباني في "الإرواء" (7/100)
رابعا:
ما ذكرتيه من الصبر على هذه المحنة والرضا بما قدر الله هو عين الصواب، وسوف تؤجرين عليه إن شاء الله، ولا شيء أنفع للمرء في ورطاته وأزماته من الصبر: الصبر مطية لا تكبو!! فاصبري واحتسبي، وسامحي الزوج، وأحسني إليه، قدر ما استطعت:
(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف/90.
وارأفي بحال أختك زوجته الأولى، وقدري حجم المشكلة عندها، واسألي الله العفو عنها، وأن يجمع بينكما ومعكما الزوج في حياة طيبة وعيشة هنية، وليس ذلك على الله بعزيز.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" بالنسبة للزوجة المضرورة المظلومة فأشير عليها بالصبر والاحتساب، وأخبرها أنها بالصبر واحتساب الأجر من الله تعالى تكون مثابة على ذلك، وأبشرها بأن دوام الحال من المحال، وأنها مع تقوى الله عز وجل والصبر ربما يسخّر الله لها زوجها فيعود ويعدل بينها وبين الزوجة الأخرى " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/258)
وقال أيضا:
" ينبغي للمرأة الأخرى أن تتسامح مع الزوج؛ لأن تسامحها معه أدعى إلى قوة محبته لها، وكلما تسامحت المرأة وصبرت واحتسبت، ولم تنازع الزوج: كان ذلك أدوم لبقائها معه وأعظم أجراً عند الله سبحانه وتعالى.
ونقول للزوج: يجب عليك أن تعدل بين زوجتيك في كل ما تملكه، أي في كل ما تستطيعه من عدل.
وبالنسبة للزوجة التي ترى أنها مهضومة أوصيها بالصبر واحتساب الأجر وأقول: إن ذلك مما تنال به الأجر عند الله عز وجل والعاقبة للمتقين، وعدم نزاع الزوج أدوم لمحبته "
انتهى ملخصا.
"فتاوى نور على الدرب" (10/260)
راجعي السؤال رقم (10091) - (14021)
خامسا:
وأما أنك تخافين من ضياع نفسك وأسرتك، فاعلمي أن من أركان الإيمان: الإيمان بقضاء الله وقدره، واعلمي أن الله هو ربك، رازقك، وحافظك، ومقدر أمرك؛ وليس الزوج ولا زوجته الأخرى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس /84.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ:
(يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)
رواه الإمام أحمد (2664) والترمذي (2516) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الألباني.
وأخيرا، نوصيك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ بمداومة ذكر الله جل جلاله، عند كل هم وحزن: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد /28.
وعليك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري (6369) عن أنس رضي الله عنه: قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ، يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)
رواه البخاري (6345) ومسلم (2730) .
نسأل الله أن يصلح شأنك، ويصلح لك زوجك، ويجمع بينكما في خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/999)
تزوج الثانية برغبة أمه وهو لا يحبها ولا يعطيها حقها من العشرة الحسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من امرأتين، لكن قلبي معلق في الأولى، وأهلي لا يحبونها بسبب سوء تفاهم كبير حصل بينهم على فترة 4 سنوات، فتزوجت تحت رغبة والدتي غير المعلنة من امرأة ثانية، لكن الزواج كان تقليديّاً , ولم أشعر بأني تزوجت إلا عند ليلة الدخول، عندها تساءلتُ ماذا فعلت؟ وأصبح الآن لي ولد من الثانية، لكن لا أملك أي شعور تجاه الزوجة الثانية منذ البداية حتى هذه اللحظة، حتى إني أجد صعوبة بالغة في إعطائها حقها الشرعي، أو أن أقول لها كلمة جميلة، وكل يوم تزداد الفجوة بيننا، ويزداد عذابي، مع العلم أنها متدينة، وأهلي يحبونها، لكن المشكلة عندي، أحب أن أتهرب حتى من الانفراد معها، لكني لا أكرهها، ولا أحبها , ماذا أفعل؟ . جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أخطأت أيها الفاضل في زواجك الثاني، وإنما كان يجب أن يكون زواجك تبعاً لرغبتك واختيارك، لا لرغبة والدتك واختيارها، وهو ما سبَّب لك تلك المعاناة، والعذاب، وما ذاك إلا لأنك واجهتَ أمر الزواج عمليّاً، وأصبحت تعرف مخالفتك للشرع بظلم تلك المرأة الثانية والتي لا ذنب لها بسوء معاملتك لها.
والحل الذي تطلبه منا موجود في كتاب الله تعالى:
1. أن تعاشرها بالمعروف، وتعطيها حقها، قولاً، وفعلاً.
قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/ من الآية 228.
وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/ من الآية 19.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وهذا يشمل المعاشرة القولية، والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة، والكسوة، والمسكن، اللائق بحاله، ويصاحبها صحبة جميلة، بكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، والخلق، وأن لا يمطلها بحقها، وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة، وكل ذلك يتبع العرف، في كل زمان، ومكان، وحال، ما يليق به.
" تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " (ص 132) .
2. فإن لم تستطع إعطاءها حقوقها من العشرة الحسنة: فسرحها، وتخلص من عذابك، وتعذيبك لها.
قال تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) البقرة/ من الآية 231.
وننبهك أخي الفاضل إلى أمرين:
الأول: أنك قد تكره زوجتك لعدم التوافق بينكما، لكن يجعل الله تعالى في حياتكما خيراً عظيماً عميماً، وذلك بأن تُرزق بسبب تدينها، وطاعتها، ودعائها، أو تُرزق منها بذرية صالحة طيبة، تكون لك ذخراً في الدنيا، والآخرة.
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/ من الآية 19.
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -:
وقوله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً) ، أي: فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن: فيه خير كثير لكم في الدنيا، والآخرة، كما قال ابن عباس في هذه الآية: هو أن يَعْطف عليها، فيرزقَ منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح: (لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 243) .
الثاني: أنه ليس من اللازم أن تكون تحبها، حتى تعطيها حقها، بل حقها واجب عليك، حتى ولو كنت تكرهها، ومن باب أولى: إن كنت لا تكرهها، كما تقول أنت، ولو كان ذلك بتكلف، واستكراه لنفسك، ولو كنت تتعاطى الدواء الذي يعينك على عفتها، فافعل، وأعطها حقها عليك.
قال عمر رضي الله عنه لرجل همّ بطلاق امرأته: لم تطلقها؟
قال: لا أحبّها.
قال: أوكل البيوت بنيت على الحب، وأين الرعاية والتذّمم؟!! [عيون الأخبار، لابن قتيبة 3/18] .
والمعنى: اصبر على أذية صديقك وأهلك؛ فإن حال الناس مع أهلهم وأصدقائهم مثل حالك ونحوه، وربما اجتمع القوم على غير رضا بعضهم ببعض، ومحبة بعضهم لبعض، ولكن حاجة كل واحد منهم إلى الآخر تجمعهم!!
فبالرعاية يتراحم أهل البيت فيما بينهم، ويعرف كل واحد منهم واجبه تجاه الآخر،
وبالتذمم، وهو التحرج، يحاذر كل واحد أن يفترق الطريق عنده، أو يتشتت الشمل على يديه.
وكل ما نريد أن نقوله هنا: إنه من الممكن دائما أن تسير سفينة البيت، والمجتمع أيضا، نحو بر النجاة، حتى ينزل ركابها، كلٌ في مرساه، رغم كل ما يواجهها من رياح وعواصف، ومن الممكن أن نمضي في الطريق إلى آخره، رغم كل ما يواجهنا من عقبات ومزالق، إذا نحن تعلمنا كيف نسير، وحاذرنا من الوقوف في بنيات الطريق!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1000)
اختلافات شديدة بين زوجين، فهل ننصحه بالطلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متأهل، ولديَّ أولاد وزوجة، ولكن دائم الاختلاف مع زوجتي، وقد حاولت مراراً أن أحل مشكلتي معها ولكن دون فائدة، وهي ليست راضية بالطلاق، ولا ترضيني من الناحية الجنسية، وعرفاً ليس مسموحاً عندنا أن نتزوج بالزوجة الثانية، أو لا يزوجون بناتهم بالرجل المتأهل، وأنا خائف إن استمر الوضع هكذا أن أرتكب المحذور، فأفيدوني، وأرشدوني، وأرجو منكم النصيحة، وكيفية الخلاص من مشكلتي هذه، وماذا هو الحل الأمثل؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تخلو بيوت الناس من مشكلات، وبعضها يسهل حلها، وبعضها يصعب، ولا بدَّ لمن أراد حل مشكلاته، أو مشكلات غيره أن يكون على علم بالأسباب التي أدت إلى ذلك الاختلاف، والتخاصم، والتنافر، سواء بين الزوجين، أو بين الصديقين، أو بين الأب وابنه، وعموم أطراف النزاع.
ونحن لا ندري عن سبب الاختلاف بينك وبين زوجتك، لذا فلن يكون منَّا إلا الإرشاد العام الذي يصلح لك ولغيرك.
ابحث – أخي السائل – عن سبب تلك الاختلافات بينك وبين زوجتك، فقد تكون أنت سبباً رئيساً وكبيراً فيها، بطبعٍ لك لا تستطيع تغييره، أو بسبب سوء معاملة منك لزوجتك، أو لقلة اهتمامك بها وبأولادك، أو لغير ذلك مما لا يحصى كثرة، فعليك معالجة أخطائك، وعليك أن تقضي على تلك الاختلافات بالقضاء على أسبابها إن كانت من طرفك، ولا يخفى عليك أن حسن العشرة للزوجة، وجميل الاهتمام بها، والثناء عليها بأعمالها، وحسن الرعاية للأولاد، مع الحرص على الإتيان بلوازم البيت: كل ذلك يجعل في قلب الزوجة رضا عن زوجها، وهو مما يجلب المودة بينهما، وينشر الرحمة في أرجاء البيت.
وأما إن كانت أسباب المشكلات والاختلافات بينكما هو: الزوجة، فعليك أيضاً معالجة ذلك عندها بالحكمة والموعظة الحسنة، وأسهل شيء على الزوج – في الأصل والغالب – أن يطوِّع زوجته لطرفه، وأن يجعلها تحب ما تبغض، وتبغض ما تحب؛ لأن الزوجة عندما ترضى برجل لها زوجاً فهي ترضى بأن تعيش وفق رغباته، واهتماماته، وليس شرطاً أن تكون محبة لذلك راضية عنه، وهذا طبع الزوجات في الأصل، لذا فإن المرأة تكون تابعةً لزوجها، ومن هنا كان تحريم تزويج المرأة المسلمة لكافر، ومن هنا أيضاً كانت الوصية بحسن اختيار الزوج، وأنه يكون صاحب خلُق ودِين؛ لئلاَّ تتأثر المرأة سلباً بدينه، وخلقه.
ثانياً:
وقد لا يتوافق زوجة مع زوجته في طبعهما، فلا هو بالقادر على تحسين تعامله مع زوجته، ولا هي بالراضخة لرغبات زوجها المباحة، وهنا تكون محطة الفراق بينهما، ويكون بقاؤهما زوجين تضييعاً للوقت، وتكثيراً للمشكلات، والآثام، وليعلم كلا الطرفين أنه لن يكون ناجحاً في زواجه الثاني إن كان الأول فاشلاً بسببه، ولعدم تغيير طباعه وسلوكه.
وبحسب ما جاء في السؤال: فإننا نقول: إذا لم ير الزوج إصلاحاً من الزوجة لنفسها تجاهه، وليس هو السبب في تلك المشكلات: فليس أمامه إلا الطلاق، وآخر الدواء الكي! ، وليس شرطاً أن ترضى الزوجة به حلاًّ، فرضاها ليس معتبراً لوقوع الطلاق، وإنما قلنا إن حل تلك المشكلات هو الطلاق لأسباب – من خلال سؤالك -:
الأول: تعذر صلاح حال زوجتك، وطول المدة التي استمرت بها تلك الاختلافات بينكما.
الثاني: عدم قدرتك على التزوج من أخرى، بسبب بيئتك.
الثالث: خشية وقوعك في الحرام بسبب عدم تلبيتها رغبتك الجنسية.
فأعطها فرصة أخيرة، وحدد لها وقتاً لتصلح نفسها، وحالها، فإن لم يحدث تغيير من طرفها: فلا تتردد في إيقاع الطلاق، واحذر من الوقوع في الحرام، فأنت الآن في شرع الله محصن، وحدُّك الرجم إن وقعت – لا قدر الله – في الحرام، وقد كثر الوعيد في الإسلام للمتعدي على حرمات غيره، وللواقع فيما حرَّم الله عليه من الفواحش، فاحذر أشد الحذر.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1001)
شكوى من زوجة على زوجها المعدد، وبيان حكم الشرع فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ميزان العدل بين الزوجات؟ فلقد طلبت من زوجي أن يُحضر لي خادمة؛ وذلك بسبب عدم قدرتي على القيام بشغل المنزل والأولاد، ووافق على الطلب، ولكن بشرط أن تكون الخادمة يوماً في بيتي، واليوم التالي عند ضرتي، مع العلم بأن بيتي كبير، وعندي أطفال أكثر منها، وهي بالعكس، بحكم أنها الزوجة الثانية. وعندما أطلب منه أن يحضر لي حاجة نفسي فيها يحضر لها مثلها، وقبل أيام طلبت منه أن يدفع قيمة كفارة يمين، وبعد أن دفعها طلب مني المال لأنه يرى أن هذا شيء يخصني لذلك عليَّ أن أسدده من مصروفي الشخصي، وللمعلوم فإن المصروف لا يتعدى 1000 ريال، منه الكسوة، والزينة، وفاتورة الجوال، والهدايا. فما هو العدل في هذه الأمور؟ فلقد تعبتْ نفسيتي جدّاً، هو رجل يريد أن يعدل، وجزاه الله عني كل خير، ولكني أراه يشدد عليَّ، فما هو الطريق الصحيح للعدل لكي يأخذ كل طرف حقه، ولا يشعر أن هناك ظلماً. وأخيراً: هل الزوج المعدد هو الذي ينظر للعدل أم الغير معدد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العدل الواجب على المعدِّد هو: أن يعدل في نفقته على نسائه، وفي المبيت، وفي السكن، وفي الكسوة، وتجدون تفصيل هذه الثلاثة في جواب السؤال رقم: (10091) .
وفي الهدية: لا يُلزم المعدد أن يسوِّي فيها بين نسائه، كما سبق في جواب السؤال رقم: (13268) ، وإن كان الأفضل أن يحرص على التسوية بين نسائه فيها، وهو أسلم له مما يمكن أن يقع بين نسائه من آثار غيرتهن السيئة.
ثانياً:
بخصوص الخادمة في البيت:
1. قد تكلمنا بتوسع عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) ، فلينظر للأهمية.
2. وإذا لم يكن في وجود الخادمة في البيت محاذير شرعية: فإن ما فعله الزوج من جعل الخادمة يوماً عندك، ويوماً آخر عند ضرتك: أمر لا حرج فيه عليه، ولكن على الزوج أن يعلم أن نفقته على امرأته التي عندها أولاد كثر ليست كالنفقة على من عندها أقل، أو من لم يكن عندها أولاد، والأمر نفسه ينبغي أن يراعى في أمر الخادمة، وليس تقسيم عمل الخادمة بين بيتيه مع كبَر حجم أحد البيتين، وكثرة الأعمال فيه من العدل الذي يظن الزوج أنه حققه، بل عليه أن يراعي هذه الأمور، وقد لا تكون إحدى نسائه بحاجة لخادمة أصلاً، وفرق بين كون عمل الخادمة في بيت من الضرورات، أو الحاجات الماسة، وبين كونها في بيت آخر من الكماليات! ، فعلى الأزواج أن يراعوا هذا في جانب الخدمة، والإعانة على عمل البيت كما أن الواجب عليهم أن يراعو اختلاف النفقة على البيوت باختلاف عدد أفرادها، وكثرة احتياجاتهم.
ثالثاً:
كفارة اليمين ليست مالاً يُدفع للفقراء، بل الواجب إخراجها طعاماً، كما نصَّ الله تعالى عليه في قوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وتجدون تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (45676) .
وقد صدق الزوج في كون الكفارة تلزمك من مالكِ، ولا يظهر أن في إخراج الكفارة من مصروفك الذي حدده لك: إجحافا بحقك، أو التزاماتك، أو تشديدا عليك، ونظر الزوج ـ الفطن ـ هنا لما يقتضيه الحال: أمر مهم في تقدير حالكم، وما يصلح لظرفكم.
لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز له الإطعام عنكِ، وأنه إن فعل فقد وقع في الظلم! بل هذا خلل في فهم " العدل " الواجب بين الزوجات، والإطعام عنكِ لكفارة يمينك لا شك أنه يدخل في " العشرة بالمعروف "، ولا يلزمه إعطاء الزوجة الثانية مثل ما بذل عنك، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولا يُعرف في عالم المعددين من السلف، والخلف.
رابعاً:
العدل الواجب، لا يرجع تقديره للزوج المعدد، ولا لغير المعدد، بل هو للشرع، فنصوص الوحيين هي التي تُلزم الزوج بالقيام بما أوجبته الشريعة عليه.
ولا يُعرف عدل الزوج بين نسائه من مجرد حكم الناس عليه، بل بما يقوم به بالفعل، فقد تكون ثمة أمور خفية عن الناس ظاهرها الظلم، وحقيقتها العدل، كما أن العكس صحيح، فمن الممكن أن يظهر للناس عدل ذاك الزوج، ويكون في حقيقة الأمر من كبار الظالمين.
وأخيراً:
فإننا نوصي الزوج الفاضل أن يحقق العدل الواجب عليه بين نسائه وفقاً لشرع الله تعالى، وأن يكون حكيماً في إدارة البيتين، وأن يُعطي كل ذي حق حقَّه، ويراعي أنه ثمة اختلاف في واقع الأمر بين بيتيه إن كان في أحدهما له أولاد، وليس في الآخر مثله، وهذا يستوجب عليه العناية بنفقتهم، وتربيتهم، وخدمتهم، بما لا يظلم زوجته الثانية، وبما يحقق مقصود الشرع من التعدد.
كما أن عليكِ – أختي السائلة – أن تتلطفي مع زوجك، وأن تحرصي على الأسلوب الحسن في التعامل معه، وأن لا تحملك الغيرة على محاسبته بالدقة في أموره كلها؛ فإن هذا مما يسبب انزعاجاً للزوج، وكراهية للبقاء في بيت يأتي له بالصداع! لا سيما وظاهر زوجك الصلاح والديانة، والحرص على الخير، فكوني له عونا على الخير، ولا تكوني عونا للشيطان عليه.
وهذا لا يعني أننا نلزمك بالتنازل عن حقك، بل حقك مكفول لك بشرع الله تعالى، لكن لا تنسي الإحسان في طلب الحق، والسماحة في أخذه، قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة /195، وقال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة /237.
وروى البخاري في صحيحه (2076) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) .
نسأل الله تعالى أن يجمع بينكم على خير، وأن يوفقكم لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1002)
نصائح، وتوجيهات لمعدِّد يشتكي حال زوجتيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: سؤالي يا شيخ هو في كيفية التعامل مع الزوجات: حيث أني متزوج بزوجتين: الأولى عندي منها ثلاثة أطفال، وهي الآن حامل، والثانية متزوج منها قبل ما يقارب السبعة أشهر تقريباً، السؤال هو: في يوم - يا شيخ - قالت لي الثانية: إن زوجتك الأولى تقول لي - يعني كنصيحة أخوية فيما تزعم – " إنكِ سوف تندمين لزواجك من " ... " - أنا يعني -، وأنا صابرة عليه منذ زمن؛ وذلك لأجل أولادي "، وقالت الثانية: " إن هناك كلام كثير قالته لي عنك، ولكني أسكتها "، وقلت لها: هل تعلمين أن هذا يعد غيبة؟ ونصحتها وخوفتها بالله. ما العمل في مثل هذه المواقف؟ علماً بأني لم أقصر مع أي منهما، وأحب أن يكونا أختين، وأتعامل معهما على هذا الأساس، وأحاول قدر المستطاع أن أستر على أي كلام يصدر منهما على أي واحدة منهما، وأحاول قدر المستطاع أن أعدل بينهما في المصروف الشخصي، والمبيت، وأي شيء يتعلق بالحياة الزوجية معهما، وأحب أن نذهب ونجيء مع بعضنا البعض كأسرة واحدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما يحدث مع الزوج المعدد في بيوت الزوجية بين نسائه أمرٌ طبيعي، وقد جبل الله النساء على الغيرة من الضرائر، ولم يسلم من هذا حتى النساء العظيمات، وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ولنذكر في ذلك قصتين من قصصهنَّ – رضي الله عنهن -:
1. عَنْ أَنَسِ بن مالك قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ) ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ. رواه البخاري (4927) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقالوا - أي: جميع من شرح الحديث -: فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعاً (أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه) .
" فتح الباري " (9 / 325) .
2. عَنْ أَنَسِ بن مالك قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: " هَذِهِ زَيْنَبُ "! فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا فَقَالَ: " اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ "، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا، وَقَالَ: " أَتَصْنَعِينَ هَذَا؟ ". رواه مسلم (1462) .
(اسْتَخَبَتا) : من السَّخَب، وهو اختلاط الأصوات، وارتفاعها.
قال النووي - رحمه الله -:
وأما مدُّ يده إلى زينب، وقول عائشة " هذه زينب " فقيل: إنه لم يكن عمداً، بل ظنها عائشة صاحبة النوبة؛ لأنه كان في الليل، وليس في البيوت مصابيح، وقيل: كان مثل هذا برضاهن ….
وفي هذا الحديث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن الخلق، وملاطفة الجميع.
" شرح مسلم " (10 / 47، 48) .
فهذه بعض أحوال الضرائر، وهؤلاء هن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، والزوج هو النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أراد التعدد فليكن على باله أنه سيحصل بين نسائه من الغيرة والتنافس الشيء الكثير، وليكن قدوته في معالجة تلك المواقف: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فلن تستقيم حياته معهن.
فيحتاج الأمر – أخي السائل – إلى حكمة، وصبر، وتقدير لحال الضرائر، وما جبلهن الله تعالى عليه من الغيرة.
وقد نقل الإمام الذهبي رحمه الله عن المغيرة بن شعبة قوله: " صاحب الواحدة: إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان ".
" سير أعلام النبلاء " (3 / 31) .
ثانياً:
مما هو متوقع أن يصدر من النساء: التقرب إلى الزوج بطعن إحداهن بالأخرى، وبتأليب الزوج عليها، ومما هو متوقع منهن: كذب إحداهن على الأخرى؛ لتظهر أن زوجها يحبها أكثر، أو يسعد في ليلتها أكثر من الأخرى.
عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) . رواه البخاري (4921) ومسلم (2130) .
وبوَّب البخاري على الحديث بقوله: " المتشبِّع بما لم ينل، وما يُنهى من افتخار الضَّرَّة ".
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قوله (المتشبِّع) أي: المتزين بما ليس عنده، يتكثر بذلك، ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة، فتدَّعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده؛ تريد بذلك غيظ ضرتها ... .
وأما حكم التثنية في قوله (ثوبي زور) : فللإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى؛ لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ، وعلى غيره بما لم يُعطَ، وكذلك شاهد الزور، يظلم نفسه، ويظلم المشهود عليه ...
وأراد بذلك: تنفير المرأة عمَّا ذكرت؛ خوفاً من الفساد بين زوجها وضرتها، ويورث بينهما البغضاء، فيصير كالسحر الذي يفرِّق بين المرء وزوجه.
" فتح الباري " (9 / 317، 318) .
ثالثاً:
ما تنشده – أخي السائل – من رغبتك في الجمع بين زوجتيك، وجعلهما بمثابة الأختين: أمر طيب، وهي لعلها رغبة كل من يتزوج أكثر من واحدة، لكنَّ واقع الضرائر يفرض عليك التعامل معهن على أن بينهما من الغيرة والتنافس عليك ما يجعلك تعالج الأمر وفق هذا الواقع.
ويمكننا نصحك بنصائح نافعة لعلها تساهم في حل مشكلاتك الزوجية، ومن ذلك:
1. لا تصغي لكلام واحدة منهن في الأخرى، واقطع أصل هذا بعدم السماح أصلاً بأن تنقل لك إحداهما ما جرى بينها وبين ضرتها.
2. إذا حصل بين الزوجتين مشكلة: فالنصيحة لك أن تجمع بينهما في مجلس واحد، وتسمع من الطرفين، وتدلي كل واحدة بحجتها، ومن شأن هذا أن يخفف كثيراً من الكذب، والافتراء، والمبالغة، في حديث كل واحدة عن الأخرى.
3. لا تظهر لواحدة من الزوجتين سوء الأخرى، ولا تنقل لها ما يجري بينك وبين ضرتها، لا كلام خير؛ لئلا تحسدها، وتغار منها، ولا كلام شرٍّ وسوء؛ لئلا تشمت بها.
4. احرص على العدل بين الزوجتين في كل ما تستطيع، ولا تقصِّر في هذا الباب، حتى فيما لا تراه واجباً عليك.
قال جابر بن زيد: " كانت لي امرأتان، فكنت أعدل بينهما حتى في القُبَل ".
وقال مجاهد: " كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء حتى في الطيب: يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه ".
وقال محمد بن سيرين: " إنه يكره للزوج أن يتوضأ في بيت إحدى زوجتيه دون الأخرى ".
واعلم أن من شأن هذا العدل التام أن يقطع كثيراً من المشكلات بين الضرائر.
5. لا بأس باستعمال الشدَّة في بعض الأمور التي ترى أنه من المناسب وضع حدٍّ لها، فنحن نعترف أن الكمال هو في الرفق، واللين، ولكن قد لا يصادف هذا الرفق واللين من يقدِّره، ومن يؤثر فيه إيجاباً، لذا يجوز للزوج أن يستعمل الشدة – أحياناً – مع نسائه إذا رأى أن ذلك يصلحهن، وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الرفق واللين في تعامله مع نسائه: فقد استعمل الشدة أحياناً، كما صحَّ عنه أنه هجر نساءه شهراً كاملاً خارج بيوتهن، ولا شك أن هذا كان شديداً عليهنَّ، وهذه هي " الحكمة " التي ذكرناها في أول الجواب، فليست الحكمة هي اللين والرفق مطلقاً، بل وضع الشيء في مكانه المناسب، وهي استعمال الدواء النافع لكل موقف بما يناسبه، شدةً، أو ليناً.
6. من الضروري أن تتعاهد نساءك بالوعظ، والتوجيه، والنصح؛ فإنهن أحوج ما يكنَّ لمثل هذا، وما أكثر غفلتهن عن فعل ما يقربهن إلى الله، وترك التنافس على الدنيا وزينتها، وما يحدث منهن من أجل ذلك من الكذب، والغيبة، والنميمة، وإفساد ذات البيْن، فكن على علم بهذا وإدراك، ولا تقصِّر في هذا الباب، وسترى أثر ذلك إن شاء الله سعادة وهناءة في حياتك الزوجية معهما.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه، وأن يتولاك بعنايته، ورعايته.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1003)
لم يرزق بأولاد من عشر سنين ويريد أن يتزوج وتهدد الأولى بالانتحار
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ عامي الأربعين، متزوج من عشرة أعوام , لم أرزق بأي طفل حتى الآن , وذلك بسبب وجود مشاكل في الجهاز التناسلي لزوجتي , راجعنا الكثير من الأطباء، وجربنا الكثير من الأدوية، ولكن بلا فائدة. أهلي يضغطون علي لكي أتزوج، وأنا مقتنعٌ بالفكرة ولكن لا أريد أن أجرح زوجتي، حيث إنها رفضت الفكرة وتهدد بالانتحار في حال أقدمت على الزواج بأخرى , أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من حكمة الله تعالى أن وهب لبعض عباده ذكورا، ووهب لبعضهم إناثا، ووهب لعضهم الجنسين، وجعل من يشاء منهم عقيما، له في ذلك الحكمة التامة، سبحانه وتعالى وتقدس، يعلم حال عباده وما يصلح لهم، قال عز وجل: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) الشورى/49، 50.
والولد نعمة من النعم، وتحصيله مقصد من المقاصد التي شرع لأجلها النكاح، ولهذا كانت وصية النبي صلى الله عليه بتزوج المرأة الولود، كما روى أبو داود (2050) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (1805) .
وقد يتأخر الولد، وقد يجزم الأطباء بعدم حصوله، ثم ينعم الله به، وذلك أمر مشاهد معلوم.
ولا حرج على الرجل أن يتزوج بثانية لهذا السبب أو لغيره، بشرط أن يعدل ولا يحيف، ولا يشترط رضا الأولى ولا استئذانها.
وأنت بين أمرين: إما أن تصبر على زوجتك، وتحسن إليها، وترجو من الله أن يرزقك الولد منها، وإما أن تتزوج بأخرى مع احتمال أن تضطر لفراق لأولى، إذا كرهت البقاء معك، وطلبت الطلاق، أو نغصت عليك الحياة، وأرهقتك بالمشاكل، أو أقدمت على الانتحار كما زعمت، فوازن بين الأمرين، واستخر الله تعالى.
وينبغي نصح الزوجة - في جميع الأحوال – بأن التفكير في الانتحار ليس من حال أهل الإيمان، فإن الانتحار جريمة عظيمة، وكبيرة منكرة، وقد جاء فيها نصوص كثيرة من الوعيد، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) النساء/29، 30.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه [أي: يطعن] في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113) .
ونسأل الله تعالى أن يهيئ لك من أمرك رشدا، وأن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1004)
هل يلزمه إخبار الزوجة الثانية بأنه متزوج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت بأجنبية بعدما أعلنت إسلامها زواجا شرعيا على سنة الله ورسوله , وأخفيت عنها أني متزوج من قبل، فهل زواجي شرعي أو يجب إخبارها بأنني متزوج وبأنها الزوجة الثانية؟ مع العلم أنني أخفيت عنها هذا الأمر لأن البلد التي نعيش فيها لا يسمح بتعدد الزوجات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الزوج إخبار الزوجة الثانية بأنه متزوج، ولا يؤثر هذا على صحة نكاحه منها، فحيث كان النكاح مستوفيا أركانه وشروطه فهو صحيح.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: هل يشترط لصحة الزواج أن يخبر الرجل من يريد الزواج منها بأنه متزوج من أخرى، إن لم يُسأل عن ذلك، وهل يترتب شيء على إنكاره إن سئل؟
فأجاب: "لا يلزم الرجل إخبار الزوجة أو أهلها بأنه متزوج إن لم يسألوه، لكن ذلك لا يخفى غالباً، فإن الزواج لا يتم إلا بعد مدة وبحث وسؤال عن كل من الزوجين وتحقق صلاحيتهما، لكن لا يجوز كتمان شيء من الواقع، فإن وقع كذب من أحد الزوجين وبنى عليه الطرف الثاني فإنه يثبت الخيار، فلو ذكر أنه غير متزوج وكذب في ذلك فلها الفسخ، ولو قالوا إنها بكر وهي ثيب فله الخيار أن يُتم الزواج أو يتركها " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/129) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1005)
هل يقسم للحائض والنفساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الرجل الذي لدية أكثر من زوجة، أن يقسم للحائض والنفساء منهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل هو وجوب القسم لهما، عملاً بالعدل بين الزوجات.
ولكن جرى العرف في كثير من البلاد أن المرأة إذا ولدت تبقى عند أمها أربعين يوماً أو أقل من ذلك حتى تقوم أمها على خدمتها، وقد تأتي أمها للإقامة معها في بيتها وفي كلتا الحالتين، لا يجب القسم لها، وتكون هي راضية بإسقاط حقها في القسم.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: هل يجب القسم للحائض والنفساء؟
فأجاب:
"المشهور من المذهب [مذهب الإمام أحمد] وجوب القسم لكل منهما، لأن الجميع زوجات، ولكن الصحيح الذي عليه العمل أن الحائض لها القسم، وأما النفساء، فلا قسم لها لجريان العادة بذلك، ورضاها بترك القسم، بل الغالب أن المرأة ما دامت نفساء لا ترغب أن يقسم لها زوجها، وهذا وجه في المذهب" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/693) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1006)
وجوب التسوية بين الزوجات في النفقة والكسوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يفضل إحدى زوجتيه على الأخرى في النفقة أو السكن، مع أن الثانية عندها ما يكفيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل أن يعدل بين نسائه ويسوي بينهن في النفقة والكسوة والسكن والقسم.
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج إذا أعطى كل زوجة من زوجاته كفايتها من النفقة، فله أن يفضل إحداهن، ويوسع عليها في النفقة أو السكن.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن. قال أحمد في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكن، إذا كانت الأخرى في كفاية، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه، وتكون تلك في كفاية" انتهى.
"المغني" (10/242)
وورد عن الإمام أحمد رحمه الله رواية أخرى:
أنه يجب العدل بين زوجاته في النفقة والكسوة، وليس له أن يفضل إحداهما على الأخرى.
وقد اختار هذا القول الثاني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وانظر: "مجموع الفتاوى" (32/270) .
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: هل تجب التسوية بين الزوجات في النفقة والكسوة؟
فأجاب:
"الصحيح الرواية الأخرى التي اختارها شيخ الإسلام أنه يجب التسوية في ذلك، لأن عدم التسوية ظلم وجور ليس لأجل عدم القيام بالواجب، بل لأن كل عدل يقدر عليه بين زوجاته فإنه واجب عليه، بخلاف ما لا يقدر قدرة له كالوطء وتوابعه" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/692) جمع أشرف بن عبد المقصود.
وقد نقلنا فتوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في ذلك في جواب السؤال رقم (34701) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1007)
حكم الدخول إلى بيت الضرة في ليلة الأخرى أو يومها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدخول إلى بيت الضرة في ليلة الأخرى أو يومها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما تحريم الدخول إلى غير صاحبة الليلة إلا لضرورة في الليل، أو لحاجة في النهار، فالصواب في هذا الرجوع إلى عادة الوقت، وعُرف الناس، وإذا كان دخوله على الأخرى ليلاً أو نهاراً لا يعده الناس جوراً ولا ظلماً، فالرجوع إلى العادة أصل كبير في كثير من الأمور خصوصاً في المسائل التي لا دليل عليها، وهذه من هذا الباب" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/693) جمع أشرف بن عبد المقصود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1008)
معاناة بين الزوج والأم؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعلم كيف أبدأ بطرح المشكلة، كانت والدتي رافضة زواجي بسبب المال الذي تصرفه الدولة لي بسبب مرضي، فقررت أن أسجل بموقع زواج، ووقف أبي معي، وتم زواجي منذ أربعة شهور، ولكن دون أن يراني أو أراه، جاء إلى البيت مباشرة، وهو إنسان متزوج، وفقير، وزوجته الأولى تعمل، وتساعده في إيجار منزله، ولم يأت إلا يومين عند إجازته السنوية، وعند انتهاء إجازته يأتي يوماً واحداً، المغرب، ويذهب فجراً، حيث مكان عمله يبعد ثلاث ساعات، وسكنت مع والدي بسبب ظروفه المادية، ولكن والدتي ظلت تستهزئ بي أن زوجك هرب، أو: خرج ولم يعد، وتطلب مني مالاً، مصروفي الشهري: ألف درهم إماراتي، وأعطيتها خمسمائة، ولكن ظلت تطلب مني كل يوم مبلغاً مما جعلني في توتر مع زوجي، وهو لا يعلم ما أنا فيه، وتشاجرت معه، اتصلت به في عمله، وبعثت له رسائل، وهو مشغول جدّاً، فزعل، وعندما أخبرته من كلام والدتي أنه خرج ولم يعد: أخذ موقفا من والدتي، ولم يكن كما كان من قبل، منذ شهرين لم يتصل، أنا فقط أتصل به، وأحيانا لا يرد عليَّ، حاولت إرضاءه، ولكن دون جدوى، وأهديته هدية حتى تقربنا من بعضنا لكني أحس أنه جاف معي، لا أعلم ما هو الحل، والدتي سبب دماري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزواج عن طريق الفضائيات والمنتديات والمواقع لا يخلو من سلبيات، ولا نرى أن مثل هذا الزواج ينجح في غالب الأحيان، وثمة من يتخذه طريقاً للتسلية والمتعة، وثمة من تتخذه مجالاً للهو والعبث، ولا يسعى أولئك للاستقرار، ولا للبحث عن شريك حقيقي لإعمار بيت وإنشاء أسرة، والنادر لا حكم له، فلذلك نربأ بإخواننا وأخواتنا سلوك ذلك الطريق في البحث عن شريك بيت الزوجية.
ثانياً:
عدم رؤيتكِ للخاطب، وعدم رؤيته لك قبل الزواج فيه مخالفة للشرع، ومن حكمة الشرع في نظر الخاطب لخطيبته والعكس: أنه أحرى أن يؤدم بينهما، فنظر كل واحدٍ للآخر هو بداية القبول أو الرفض، وأما أن يفاجأ كل واحدٍ الآخر ليلة الدخلة: فهذا مما يخالف الشرع، والعقل؛ حيث يرسم كل واحد في مخيلته صورة لشريكه، وإذا به يفاجأ بغير الذي فيها، فتقع المشكلات، وتبدأ إجراءات الفراق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا.
رواه مسلم (2414) .
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا.
رواه الترمذي (1087) - وحسَّنه -، والنسائي (3235) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الترمذي: ومعنى قوله " أحرى أن يؤدم بينكما ": أحرى أن تدوم المودة بينكما.
ثالثاً:
كان الأليق بوالدتك أن تحذو حذو والدكِ في تشجيعك على الزواج، والوقوف إلى جانبك، وهي تعلم أن في الزواج إعفافاً لكِ، وهو ما تسعى إليه الأمهات العاقلات، وما أسعدها من لحظة لدى تلك الأم الحنونة العاقلة، يوم ترى ابنتها تُزف إلى زوجها، ليساهما في إنشاء عش الزوجية، وتأسيس بيت على الطاعة والانقياد، يملؤه الحب، وتغمره المودة.
وفي الوقت نفسه لم يكن للزوج أن يغضب من كلمات أمك، فيهجرك، ويقطع مجيئه، فليس في كلام أمك الذي ذكرتيه ما يستوجب كل ذلك؛ ولعله كان يريد فرصة ليفعل ذلك، وما كلام أمك إلا ذريعة له ليتخلص من زواج لعله ليس له فيه رغبة.
وعلى كل حال: فيجب أن يكون لوالدك تدخل في الأمر، وعليه أن يبادر للقائه ومواجهته، والمصارحة الواضحة في الحديث معه، وعلى الزوج أن يقرر مصير زواجه هذا، فإما أن يرجع زوجاً ويعطيك حقك الذي أوجبه الله عليه، أو يسرحك بإحسان، ويعطيك حقوقك، ثم تسألين الله تعالى أن يؤجرك في مصيبتك، وأن يخلفك خيراً منها.
وليس للزوج أن يماطل، ولا أن يتلكأ في الجواب، ولا أن يكتم ما في قلبه، بل عليه إظهاره؛ لكي تحددي مصيرك، ولا تستمري في ذلٍّ لرجل قد لا يكون له رغبة باستمرار العلاقة الزوجية.
كما لا ينبغي له معاقبتك على كلام صدر من أمك، فليس لك ذنب به، ولا تتحملين آثاره، وقد أخطأتِ جدّاً بنقله – أصلاً – له.
رابعاً:
على الزوج إن رجع إليك أن يتقي الله فيك، وأن يحسن عشرتك، كما يجب عليه أن يعدل بينك وبين زوجته الأخرى في المبيت، والنفقة، والكسوة، ولا يحل له تفضيل زوجته الأولى بسبب غناها، ولا أن يسلبك حقوقك بسبب فقرك، إلا أن يحدث تنازل منكِ لبعض حقوقك من طيب نفس وخاطر، وقد أوجب الله تعالى على المعددين العدل بين نسائهم، وحذَّرهم من الظلم وسلب الحقوق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ) .
رواه الترمذي (1141) والنسائي (3942) وأبو داود (2133) وابن ماجه (1969) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله –:
الحديث معناه الوعيد في حق من لم يعدل بين زوجاته العدل المستطاع، وهو المساواة بينهن في الإنفاق، والمسكن، والملبس، والمبيت، والمراد بالشق هنا: نصفه، وميلانه: عقوبة له على جوره؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما مالَ في معاملته لزوجته: أمال الله شقَّه، وجعل جسمه غير معتدل، عقوبةً له، وقد قال تعالى (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) - النساء/ من الآية 129 -.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 179، السؤال 194) .
وسبق الكلام على العدل بين الزوجات في أجوبة عديدة، فانظري رقم (10091) ، (20455) ، (34701) .
خامساً:
اعلمي أن بر أمك واجب حتمي عليكِ، وأنه يحرم عليك عقوقها والإساءة إليها، ولو حصل منها ذاك الذي حصل، وإنما عليك بذل النصح لها، والتوجيه لأفضل الأقوال والأفعال بأحسن أسلوب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ.
رواه البخاري (5626) ومسلم (2548) .
قال النووي – رحمه الله –:
وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب، فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم: كثرة تعبها عليه، وشفقتها، وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته، وخدمته، وتمريضه، وغير ذلك. " شرح مسلم " (16 / 102) .
وقد أحسنتِ في بذل نصف راتبك لأمك، ونسأل الله تعالى أن يخلفك خيراً مما بذلتِ، وأن يأجرك أجراً جزيلاً، وليس لأمك أن تضيِّق عليك بطلب ما ليس لها فيه حق، ولا يجب عليك دفع شيء من مالك لها إلا أن تكوني قادرة عليه، وتكون هي بحاجة ماسة له، وليس عندها من ينفق عليها، وليس للوالدين – أو أحدهما – أن يتسلطا على مال أولادهم، ويخطئ كثيرون في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) ، وليس معنى الحديث الاستيلاء على مال الولد، ولا هو أنه يشارك ولده في تملكه، ولو كان هذا الفهم صحيحاً لأخذ الوالد المال كله عند وفاة ولده، وإنما معنى الحديث أن للأب – ويدخل فيه الأم – الحق في أموال أولادهم إن كانوا لا يملكون المال، وكان أولادهم قادرين على الإعطاء والإنفاق عليهم.
وقد بينَّا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في أجوبة الأسئلة: (13662) و (4282) و (82761) و (9594) .
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرِّج كربك، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1009)
زوج لا يصلي، ويسكن زوجته في غرفة واحدة مع ضرتها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مغربي , 25 سنة , ذو عمل، أبي متزوج من ثلاث نساء , أمي هي الزوجة الأولى، المشكلة هو أننا نسكن في بيت واحد، وهو صغير، به ثلاث غرف، لا غير، المشكلة الأكبر أن أمي تسكن – مرغمة - في غرفة واحدة مع الزوجة الثالثة، وهي تكبر أختي الكبيرة بـ 3 سنوات، ولكم أن تتصوروا معاناة والدتي مع ضرتها، مستوانا المعيشي في تدهور مستمر، أبي لا يصلي، ويذكر أهل السنة بالشر، يصل في بعض الأحيان إلى سبهم، مما جعلني أتوقف عن محاولاتي لإقناعه بالصلاة، لكن بدون جدوى، ففي كل مرة أذكره بها يتعصب ويقول كلاماً يعمِّق جرحي، المهم أننا - والله أعلم بحالنا - صبرنا كثيراً، ووالدتي لم تعد تحتمل، فهي مريضة، نحن 15 فرداً نسكن في هذا البيت، إخوتي الأشقاء يصلون - والحمد لله - وأنا ماضٍ في طريق الالتزام. سؤالي هو: هل يجوز لي أن أخرج مع والدتي من البيت لنسكن في بيت آخر بعيداً عن أبي، وزوجاته، وإخواني غير الأشقاء؟ . جزاكم الله عنَّا كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عدم صلاة والدك، واستمراره على ذلك رغم النصح والتذكير: يوجب فسخ عقد النكاح، فلا تحل له زوجاته المصليات، ولا يحل لهن، ويجب عليكم أن تسعوا في فسخ النكاح بالطرق المتيسرة لكم، فإن كانوا في بلدكم يعتبرون ترك الصلاة موجباً لفسخ النكاح فقدموا هذا السبب لفسخه، وإن لم يكونوا يعتبرونه موجباً للفسخ: فاسعوا في طلب الطلاق بسبب الضرر الواقع على أمكم جراء جمع والدكم لها ولضرتها في بيت واحد، وهو ما أحدث ضرراً على حياتها ومعيشتها، والمهم أن تعلموا أنه لا يحل لكم أن تمكنوه من قرب والدتكم، ولا من جماعها إلا أن يعود لدينه بإقامة الصلاة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
الزوج الذي لا يصلي كافر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه.
وسواء كان جاحداً لوجوبها، أم لم يجحد وجوبها، لكنه إذا كان جاحداً لوجوبها: فهو كافر بإجماع المسلمين، أما إذا تركها تهاوناً وتكاسلاً عنها، ولم يجحد وجوبها: فهو كافر في أصح قولي العلماء؛ للحديثين المذكورين؛ وما جاء في معناهما.
ولا يجوز لكِ أيتها السائلة الرجوع إلى زوجك المذكور، حتى يتوب إلى الله سبحانه، ويحافظ على الصلاة، هداه الله ومنَّ عليه بالتوبة النصوح.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 269، 270) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الذي لا يصلي سواء يستعمل المخدرات أو لا: كافر، مثل اليهود والنصارى، أو أشد؛ لأن اليهود والنصارى يمكن إقرارهم على دينهم بالجزية – مثلاً -، لكن الذي لا يصلي، وكان مسلماً: فهذا مرتد، لا يجوز إقراره، ولا يجوز أن يبقى على الحياة، بل يؤمر بالصلاة، فإن صلى: فذاك، وإلا وجب قتله مرتداً، هذه أحكام المرتد، كما ذكرها العلماء رحمهم الله في كتبهم، ويجب على زوجته أن تفارقه الآن، ولا يحل له أن يجامعها، ولا يحل لها أن تمكِّنه من الجماع، بل ولا من التقبيل، بل ولا من الخلوة بها، يجب أن تفارقه الآن ما لم يرجع إلى الإسلام، ولتعلم أنها إذا مكنته من نفسها: فهي كما لو مكنت رجلاً أجنبيّاً، نسأل الله العافية، فالواجب عليها الفرار منه كما تفر من الأسد ...
ويمهل حتى تنقضي العدة، فإن رجع قبل انقضاء العدة إلى الإسلام: فهي زوجته، وإن لم يرجع: فإن النكاح يتبين أنه انفسخ منذ ارتداد هذا الرجل، ويرى بعض العلماء أنها إن بقيت بلا زوج وعاد إلى الإسلام ولو بعد انقضاء العدة ورغبت أن يرجع إليها: فلا بأس، هذا بالنسبة لزوجته.
أما بالنسبة لحاله: فإنه لو مات على هذه الحالة: حرُم أن يغسَّل، أو يكفَّن، أو يصلَّى عليه، أو يدفن مع المسلمين، أو يدعى له بالرحمة والمغفرة، أو يتصدق عنه، أو يحج عنه؛ لأنه كافر، وقد قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ 113.
ونعني بهذا: مَن لا يصلي، لا في المسجد، ولا في بيته، أما من صلَّى في بيته: فهو آثم عاصٍ، وإذا استمر على ذلك: فهو من الفاسقين، ولكنه لا يكفر، وإنما نريد الذي لا يصلي نهائيّاً، فهذا حكمه كما ذكرت.
ونصيحتي لزوجته: أن تتقي الله عز وجل، وأن تفر منه إلى أهلها، حتى يهديه الله تعالى إلى الإسلام، والله عز وجل لم يجبره على ترك الصلاة، الأمر له بالخيار، كما أنه بالخيار أن يذهب إلى السوق، أو إلى المسجد، أو إلى أي مكان، فإنه بالخيار أيضاً أن يصلي، أو لا يصلي.
" لقاءات الباب المفتوح " (77 / السؤال رقم 2) .
ثانياً:
حتى لو صلَّى فإنه لا يجوز له أن يجمع بين زوجتين في غرفة واحدة، ومن حق كل زوجة أن يكون لها مسكن مستقل عن باقي الزوجات، وإن أصرَّ على ذلك: فلكم أن ترفعوا الضرر ع والدتكم بإخراجها من ذلك المسكن؛ للضغط عليه بأن يعطي كل زوجة حقها الذي أوجبه الله تعالى عليه.
وانظر جوابي السؤالين: (7653) و (96455) ففيهما بيان حق الزوجة في السكن المستقل، وتفصيلات مهمة في ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1010)
هل يجوز التزوج بزوجة ثانية إذا كان ينتج منه تدمير البيت الأول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يتزوج زوجة ثانية، حتى لو كان هذا سيؤدي إلى تدمير حياته مع زوجته الأولى، ويحدث مشكلات رهيبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يشرع الإسلام ما فيه ضرر على الفرد والمجتمع، بل كل تشريعات الإسلام فيها الحياة والبناء والاجتماع والطهارة والعفاف وكل المعاني السامية العالية، وإنما يحدث الخلل من المسلمين الذين لا يُحسنون فهم شرع الله تعالى، أو يفهمون ولا يستجيبون، وغالباً ما يكون عدم الاستجابة من جراء أهواء نفوسهم.
ولنأخذ مثالاً لما تقدم، وهو " تعدد الزوجات "، فقد يكون الزوج هو السبب في تدمير أسرته الأولى؛ وذلك بسبب ظلمه لها، واتباعه لهواه، وعدم إعطاء الزوجة الأولى حقها، أو بسبب أنه لم يحسن التصرف في إخبارها بأمر زواجه من أخرى، أو أنه لم يحسن التصرف بعد أن علمت، وذلك بتخفيف آلامها، بحسن العشرة، والهدية، وما شابه ذلك.
وقد تكون الزوجة الأولى هي السبب في تدمير أسرتها؛ وذلك بسبب عدم تقبلها لزواج زوجها، وإحداث النكد في حياته معها، وعدم إحسان التصرف حيال هذا الأمر، والعجب من النساء اللاتي ترضى إحداهن أن تدمِّر بيتاً بنته بعرق جبينها، وجهدها طوال سنوات، وترى دمار أولادها أمامها، وترضى أن تكون ذليلة في بيت أهلها، وترضى أن تكون خادمة عند زوجات أشقائها، بعد أن كانت ملكة في بيتها، وكل ذلك بسبب أن زوجها تزوج عليها!
والعجيب أيضاً من أولئك الزوجات أنها لا تتأثر بترك زوجها لواجب شرعي، أو فعله لأمر محرَّم، بل هي إما أن تعينه على ذلك، أو على الأقل تسكت، ولا تحرك ساكناً، وفي أحسن الأحوال يكون منها إنكار باللسان، فإذا قام بفعل " مباح " وهو الزواج من أخرى قامت قيامتها، ورضيت بتدمير بيتها وأسرتها، وهي التي سكتت لما فعل زوجها " محرَّما " عن عمدٍ ولم تفعل ما فعلته لما فعل ذلك " المباح "، بل إن كثيرات لما كنَّ يسألن عن حكم فعل أزواجهن لبعض المحرمات، كشرب الخمر، وترك الصلاة، وغير ذلك: كنَّا نقول لأولئك الزوجات بتحريم بقائكن مع أزواجكم، إما بسبب الضرر الذي يمكن أن يقع عليكن أو على أولادكم نتيجة شربه للخمر، وتناوله للمخدرات، أو بسبب فسخ العقد نتيجة لتركه للصلاة، أو سبه للدين: لما كنِّا نقول ذلك لتلك الزوجات كانت تقول كثيرات منهن: وبيتي؟ وأولادي؟ أين أذهب؟ ومن سينفق عليهم؟ وهكذا ترضى لنفسها بالحرام بحجة بيتها وأولادها، فإذا قام زوجها بالتزوج عليها وجدت مئات الأماكن لتذهب إليها، ووجدت طرقاً كثيرة للإنفاق على نفسها وأولادها.
هذه حقائق لا ينبغي إغفالها، ونحن نجيب على تساؤل الأخ السائل، ولو أن كل واحدٍ من الزوجين عقل ما أمره الله به، واستجاب لتلك الأوامر، وأحسن التصرف في حياته الزوجية: لما رأيت الحاجة قائمة أصلا لمثل هذا السؤال.
وتخصيصاً للجواب نقول:
لا يمكن لامرأة عاقلة أن تفعل ما ينافي العقل بعد أن تعلم بنية زوجها الزواج عليها، أو عندما يقوم بذلك الفعل، بل عليها أن تصبر وتحتسب أجر صبرها عند ربها، وأن تحسن عشرة زوجها، وتؤدي له حقوقه كاملة، ولا ترضى بتدمير بيتها، وأسرتها بسبب زواج زوجها لزوجة أخرى، وهو شيء أباحه له ربه تعالى، وله حكَم جليلة.
كما لا يمكن لزوج عاقل أن يرضى أن يكون بناء بيته الثاني على أنقاض بيته الأول! ولا يرضى أن يضيع جهوداً بذلها، وأموالاً أنفقها، وأوقاتاً صرفها في بناء ذلك البيت من أجل زواج آخر لا يحتاجه حاجة ماسَّة، وعليه أن يحسن التخطيط لهذا الأمر إن كان يعلم من حال زوجته الأولى أنها ستسيء التصرف، وتدمِّر عليه حياته معها، وليكن حكيماً في تصرفاته، عاقلاً في أفعاله، وإن لم يكن بحاجة ماسَّة للزواج الثاني وكان يعلم من حال زوجته الأولى أنها ستدمر بيته الأول: فلا نرى أن يتزوج عليها.
وإن كان يعلم من حالها أن أفعال مؤقتة، وأنها ستبقى له زوجة تؤدي رسالتها: فليتزوج، وليحسن إليها، وليعط كل ذي حقٍّ حقه، لكن نعود لنؤكد على الحكمة والأناة في مثل ذلك، وألا يخاطر ببيته الأولى، كمن يهدم مصرا، ليبني قصرا.
فالأمر يعود إليه، وهو الذي يقرر ما يصلح له في حياته، ولا يمكن أن يقال له لا تتزوج من أخرى إن كانت الأولى لا تشبع شهوته، أو كان يخاف على نفسه الوقوع في الحرام، وفي هذه الحال يتزوج، ولو كانت النتائج سيئة، فيصبر عليها، ويحتسب مصيبته عند ربه، ويحسن التعامل معها بحكمة.
وأخيراً:
1. ليعلم الزوج أن زواجه الثاني مباح، لكن قد يصير واجباً إن كان يخشى الوقوع في الحرام، وكان قادراً على العدل بينهما.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أنا رجل متزوج منذ سنين، ولي عدد من الأولاد، وسعيد في حياتي العائلية، ولكنني أشعر أني بحاجة إلى زوجة أخرى؛ لأنني أريد أن أكون مستقيماً؛ وزوجة واحدة لا تكفيني حيث لدي كرجل طاقة تزيد عن طاقة المرأة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فأنا أريد زوجة فيها شروط معينة ليست متوفرة في زوجتى التي معي؛ ولأنني لا أريد أن أقع في الحرم، وفي نفس الوقت أجد صعوبة في الزواج من امرة أخرى بحكم العشرة، ولأن زوجتي التي لم أر منها مكروها ترفض الزوجة الثانية رفضاً مطلقاً، فماذا تنصحوني؟ .
فأجاب: " إذا كان الواقع هو ما ذكرته في السؤال: فإنه يشرع لك أن تتزوج زوجة ثانية، وثالثة، ورابعة، حسب قدرتك، وحاجتك لإحصان فرجك وبصرك إذا كنتَ قادراً على العدل، عملاً بقول الله عز وجل (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق على صحته، ولما في ذلك من التسبب في كثرة النسل، والشريعة تهدف لكثرة النسل، وتدعو إلى ذلك لقول النبي، صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) " انتهى. " فتاوى إسلامية " (3 / 203) .
2. وليعلم أن الزواج الثاني يكون حراماً عليه إن كان لا يستطيع العدل بين زوجاته في النفقة، والكسوة، والمبيت.
3. وليعلم أن بناء البيت الثاني لا يعني التفريط في الأول، فهم أسرته، ولا يحل له التهاون في تربيتهم، والتفريط في رعايتهم، وليحسن لزوجته، وليسترضيها؛ حفاظاً على بيته أن يُهدم بكيد شياطين الإنس والجن.
قال علماء اللجنة الدائمة: " ليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يُرضي زوجته الأولى، لكن من مكارم الأخلاق، وحسن العشرة: أن يطيب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر، وذلك بالبشاشة، وحسن اللقاء، وجميل القول، وبما تيسر من المال إن احتاج الرضا إلى ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 402) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1011)
تزوج من ثانية وتغيرت معاملته لها فأبغضته
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أعيش حياة سعيدة مع زوجي وأبنائي، إلى أن تزوج زوجة ثانية، فبدأ في معاملتي بشكل زرع في نفسي مشاعر البغض كلما رأيته، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مشاعر البغض التي تجدينها في نفسك كلما رأيت زوجك لا ندري هل هي بسبب نقمتك عليه لزواجه بأخرى، أم بسبب معاملته السيئة لك، وتفضيل الزوجة الجديدة عليك.
فإن كانت الأولى فنقول: ليس في زواج الرجل بامرأة ثانية ذنب، أو إثم، بل قد يجب على الزوج، وكل ذلك مشروط بإقامة العدل بين زوجاته، فقد أباح الله للرجل أن يجمع أربع نسوة إن استطاع أن يعدل بينهن، بالنفقة، والكسوة، والمبيت، فإن لم يستطع ذلك: فيحرم عليه التعدد، وليكتفِ بزوجة واحدة.
قال الله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) النساء/ 3.
ولا يتزوج الرجل عادة من أخرى إلا وهو محتاج له؛ لأن إقامة بيت آخر يعني زيادة عبء على هذا الزوج، ولا يريد الرجل تحميل نفسه عبئاً آخر من غير حاجة، أو قد يصادف امرأة يتعلق قلبه بها، ويريد الاجتماع معها على شرع الله تعالى، وليس ذلك بممكن من غير الزواج بها، وحكم التعدد لمن تأملها جليلة، ولذلك لا ينبغي للمعدد أن يكون قدوة سيئة عند الناس بظلمه وتجنيه وسلبه لحقوق بعض نسائه.
ونقول للأخت الفاضلة إن ما يحدث من غيرة بين النساء، أو مشكلات في الحياة الزوجية عند المعدد يحصل أضعافه عند غير المعدد، بل إن نسبة الطلاق المهولة في العالم الإسلامي ليست من معددين، والمشكلات تحصل في كل بيت، حتى لو لم يكن فيه ضرائر.
وإن كان السبب في تغير زوجك نحوك: ميله للثانية؛ لجمالها؛ أو لصغر سنِّها – مثلاً -: فهو ظالم آثم، ويجب عليه الالتزام بشرع الله تعالى الذي أمره بالعدل بين الزوجات، وأن يعطي كل واحدة حقَّها الذي أوجبه الله عليه.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق، وأعدلها، هي: إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كلُّ العُقَلاء
منها: أن المرأة الواحدة تحيض، وتمرض، وتنفَس، إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأُمة، فلو حبس عليها في أحوال أعذارها: لعطلت منافعه باطلاً في غير ذنب.
ومنها: أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عدداً من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضاً لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة، فلو قصر الرجل على واحدة: لبقي عدد ضخم من النساء محروماً من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة، فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف، والمروءة، والأخلاق، فسبحان الحكيم الخبير، كتاب حكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
ومنها: أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج؛ لفقرهم، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر، وعدم القدرة على لوازم النكاح، فلو قصر الواحد على الواحدة: لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضاً بعدم وجود أزواج، فيكون ذلك سبباً لضياع الفضيلة، وتفشي الرزيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية، كما هو واضح.
فإن خاف الرجل ألا يعدل بينهن: وجب عليه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمينه؛ لأن الله يقول: (إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان) النحل/ 90، والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن: لا يجوز؛ لقوله تعالى: (فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل فَتَذَرُوهَا كالمعلقة) النساء/ 129، أما الميل الطبيعي بمحبة بعضهن أكثر من بعض: فهو غير مستطاع دفعه للبشر؛ لأنه انفعال، وتأثر نفساني، لا فعل، وهو المراد بقوله: (وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء) النساء/ 129، كما أوضحناه في غير هذا الموضع.
وما يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام، من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام، والشغب الدائم، المفضي إلى نكد الحياة؛ لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين: سَخطت الأخرى، فهو بين سخطتين دائماً، وأن هذا ليس من الحكمة: فهو كلام ساقط، يظهر سقوطه لكل عاقل؛ لأن الخصام، والمشاغبة بين أفراد أهل البيت: لا انفكاك عنه ألبتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة، فهو أمر عادي، ليس له كبير شأن، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من صيانة النساء، وتيسير التزويج لجميعهن، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه الإسلام: كلا شيء؛ لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى.
فلو فرضنا أن المشاغَبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة: لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا، كما هو معروف في الأصول " انتهى. " أضواء البيان " (3 / 114، 115) .
ثانياً:
ونوصي الزوجة التي تغير زوجها عليها بالبحث عن أسباب تغيره، فإن كان بسبب تقصيرها في حقه: فلتعالج نفسها، ولتنتبه لحقوق زوجها التي قصَّرت بها، فبعض النساء لا تلتفت لأهمية تجملها، وحسن منطقها، وجمال هندامها، وتعيش مع زوجها " روتيناً " قاتلاً، ولا شك أن الرجال يرون ما تشيب له الرؤوس من النساء في الطرقات، والعمل، والفضائيات، وعموم وسائل الإعلام، والمرأة العاقلة تعي هذا وتنتبه له، فهي تتجمل، وتتعطر، وتحسن من خدمة زوجها والعناية به، وهي تكفيه عن الأسباب التي قد تؤدي به للزواج من غيرها، كما أن بعض النساء تنشغل بأولادها انشغالاً كاملاً، ويكون ذلك على حساب حقوق زوجها، وحاجته لها، وهو ما يؤدي به للتفكير في نفسه، وفي بناء بيت آخر، فلتعقل الزوجات هذا، ولينتبهن له.
وإن كان تغير زوجها لهوى في نفسه: فهو بحاجة لوعظ وتذكير، وإن كان بسبب حسدٍ، أو عين، أو سحر: فهو بحاجة لرقية شرعية؛ لأن مثل هذا يحدث، ولا ينبغي إنكاره، كما لا ينبغي توهمه، واعتقاده، وليس الأمر كذلك في حقيقة الحال.
والحاصل: أن الواجب أن تبحث المرأة في نفسها أولا، فإن وجدت تقصيرا أو خللا سبب ذلك، فلتبادر بإصلاح نفسها، وإكمال ما عندها.
وإن كان التقصير من ناحية الزوج: فلتصبر على ذلك البلاء، وليس لها أن تعينه على التمادي في تقصيره وظلمه وإساءته، بما يحصل من ردود الأفعال، بل الواجب أن تعينه على الكف عن ظلمه، أو التقليل منه، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
ولتعلم أن بيتها، وكنف زوجها، مع كل ذلك التقصير والتفريط: خير لها من هدم البيت، وتشريد الأولاد.
وكثير من الأزواج يقع في ذلك الظلم فترة معينة، ربما لانبهاره بالزوجة الصغيرة الجديدة، التي لم يشن جمالها الحمل والرضاع، ولم يشغلها عنه البيت والأولاد، وسرعان ما تلحق الثانية بحال الأولى، وتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي.
وتذكري ـ يا أمة الله ـ وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس، وهو غلام، وهي وصية معروفة مشهورة، وفي آخرها: (.. يَا غُلَامُ ... احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ؛ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (2800) ، وصححه محققو المسند.
ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكما على خير، وأن يجعل ما أصابك سبباً لتكفير سيئاته، وتغيير حالك إلى ما هو أفضل لك عند ربك تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1012)
اشترطت عليه للرجوع له أن يطلق الثانية وهو يحب الأولى وأهله يحبون الثانية!
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من فترة ستة شهور على زوجتي الأولى، وبدون علمها، وعرفتْ بعدها عن طريق أناس لا نعرفهم، ولي من زوجتي الأولى بنتان 4 سنوات، وسنتان , لكن زوجتي الأولى على خلاف كبير مع أهلي منذ فترة، وهي ساكنة في بيت مستقل، وأهلي لا يكنون لها المحبة بسبب الخلاف الكبير، وعدم احترامها لهم. السؤال يا شيخي: زوجتي الأولى مصممة على الطلاق، ورفعت دعوى في المحكمة، وشرطها لكي ترجع هو أن أطلق زوجتي الثانية، مع العلم أن الزوجة الثانية على حب كبير مع أهلي , ومشكلتي هي أني أحب زوجتي الأولى أم بناتي لحكم العشرة، وقرارها غير قابل للنقاش، إما أن أطلق الزوجة الثانية، أو تستمر هي في المحكمة حتى تحصل على الطلاق , وبالنسبة لي: أميل للأولى أكثر من الثانية بكثير، وأخشى أن أظلمها، أي: الثانية لكوني متعلقاً بالأولى، فانصحني، جزاك الله كل خير؛ لأني – والله - تعبت، ولا أعرف ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل لزوجتك الأولى أن تسألك طلاق ضرتها، وقد جاء تحريم ذلك نصّاً في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) . رواه البخاري (4857) ومسلم (1413) .
وفي لفظ: (وَلَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا - أَوْ مَا فِي صَحْفَتِهَا -) . رواه البخاري (2574) ومسلم (1413) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"قوله: (لا يحل) ظاهر في تحريم ذلك " انتهى. " فتح الباري " (9 / 220) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
"لا ينبغي أن تسأل المرأةُ زوجَها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، فإنما لها ما سبق به القدر عليها، لا ينقصها طلاق ضرتها شيئاً مما جرى به القدر لها، ولا يزيدها" انتهى.
" التمهيد " (18 / 165) .
وقال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله في بيان فوائد الحديث -:
"تحريم سؤال المرأة زوجَها أن يطلِّق ضرتَها، أو توغير صدره عليها، أو الفتنة بينهما، ليحصل بينهما الشر، فيفارقها، فهذا حرام؛ لما يحتوى عليه من المفاسد الكبيرة، من توريث العداوات، وجلب الإحن، وقطع رزق المطلقة الذي كنَّى عنه بِكَفْءِ ما في إنائها من الخير، الذي سببه النكاح، وما يوجبه من نفقة، وكسوة، وغيرها من الحقوق الزوجية.
فهذه أحكام جليلة، وآداب سامية، لتنظيم حال المجتمع، وإبعاده عما يسبب الشر، والعداوة، والبغضاء، ليحل محل ذلك المحبة، والمودة، والوئام، والسلام" انتهى.
" تيسر العلام شرح عمدة الأحكام " (2 / 305) .
ثانياً:
أما نصيحتنا لك: فهي أن تسعى بكل جهدك لإرجاع الأولى، وعدم طلاق الثانية، ولا تحرص على غير ذلك، فالزوجة الأولى هي أم أولادك، وهي محبوبتك، ويُخشى على أولادك من الضياع بعد الطلاق، ويمكنك إصلاح ما بينها وبين أهلك فيما بعد، والزوجة الثانية هي محبوبة أهلك، ولا ذنب لها بكونك تميل للأولى حبّاً وتعلقاً، فهي زوجتك، ولها حقوق عليك، فاحرص أشد الحرص على الجمع بينهما، واحذر من العجلة في التطليق.
وأما قولك: إنك تخشى أن تظلم الثانية لأنك تميل إلى الأولى.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تزوجت الثانية؟ والله تعالى يقول: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النساء/3.
فلا يجوز لمن يخشى من نفسه ألا يعدل بين زوجتيه أن يتزوج الثانية.
فعليك أن تحرص على الجمع بينهما، والعدل بينهما، لا ننصحك بغير هذا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1013)
الخروج إلى بيت زوجته الثانية في غير يومها وليلتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج أن يذهب إلى زوجته الثانية في يوم الأولى للاطمئنان عليها، لأنها مريضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروج الزوج من بيت صاحبة النوبة ودخوله بيت الأخرى فيه تفصيل:
أ- فإن كان ذلك في النهار، وكان عماد القسم في الليل، فإنه يجوز للحاجة، كوضع متاع، وتسليم نفقة وتعرف خبرٍ، وعيادة، ونحو ذلك؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا، وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمِي لِعَائِشَةَ. فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا) رواه أبو داود (2135) وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح.
ويجوز للزوج أن يستمتع بزوجته عند دخوله عليها، بغير الجماع؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليّ في يوم غيري، فينال مني كل شيء، إلا الجماع) حسنه الألباني في "إرواء الغليل " (2023) .
وينبغي له أن لا يطيل المكث عندها، فإن أطال قضى لصاحبة النوبة.
ب- وأما الخروج للزوجة الأخرى ليلا، فلا يجوز إلا لضرورة، كمرضها المخوف، وشدة الطلق، وخوف النهب والحرق، فإن أطال المكث قضى لصاحبة النوبة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وأما الدخول على ضرتها في زمنها:
فإن كان ليلا لم يجز إلا لضرورة , مثل أن تكون منزولاً بها (أي حضرها الموت) , فيريد أن يحضرها , أو توصي إليه , أو ما لا بد منه , فإن فعل ذلك , ولم يلبث أن خرج , لم يقض. وإن أقام وبرئت المرأة المريضة , قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها.
وإن خرج لحاجة غير ضرورية: أثم. والحكم في القضاء , كما لو دخل لضرورة , لأنه لا فائدة في قضاء اليسير.
وأما الدخول في النهار إلى المرأة في يوم غيرها , فيجوز للحاجة , من دفع النفقة , أو عيادة , أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته , أو زيارتها لبعد عهده بها , ونحو ذلك ; لما روت عائشة , قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري , فينال مني كل شيء إلا الجماع) وإذا دخل إليها لم يجامعها , ولم يطل عندها ; لأن السكن يحصل بذلك , وهي لا تستحقه.
فإن أطال المقام عندها , قضاه" انتهى من "المغني" (7/234) باختصار.
وبناء على ذلك: فإن كان ذهاب الزوج إلى بيت زوجته في غير نوبتها، نهارا، لما ذكرت من الاطمئنان عليها، فلا شيء عليه في ذلك، وينبغي ألا يطيل المكث عندها إلا للضرورة.
وإن كان ذلك ليلا، لم يجز الذهاب إليها إلا عند الضرورة كاشتداد المرض، أو بإذن صاحبة النوبة، فإن أطال المكث قضى من ليلة الأخرى بقدر ما جلس عندها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1014)
وجوب العدل بين الزوجات وشيء من أحكام السفر للمعددين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل إذا كان متزوجاً من امرأتين أن يصطحب زوجته الثانية في كل مرة يسافر فيها، علماً بأن الزوجة الأولى لا تستطيع السفر نظراً لرعايتها لأبنائها؟ . وما الواجب عليها إذا شعرت أن زوجها لا يريد توزيع وقته بالتساوي بينهما؟ هل من موقع جيد على الإنترنت يتناول موضوع تعدد الزوجات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله بإقامة العدل في كل شيء، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) النحل/ 90.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله:
إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل، وهو الإنصاف.
" تفسير الطبري " (17 / 279) .
وحرَّم الله تعالى على عباده الظلم، وتوعد الظالمين بالعقوبة في الدنيا والآخرة.
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا) . رواه مسلم (2577) .
وقد أمر الله تعالى بالعدل بين الزوجات، وجاء الوعيد في ظلم بعضهن على حساب بعض.
قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) النساء / 3
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: مَنْ أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثاً فليفعل، أو أربعاً فليفعل، ولا يزيد عليها؛ لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى، إجماعاً؛ وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، فأبيح له واحدة بعد واحدة، حتى يبلغ أربعاً؛ لأن في الأربع غنية لكل أحد، إلا ما ندر، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمِن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن.
فإن خاف شيئاً من هذا: فليقتصر على واحدة، أو على ملك يمينه، فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين.
(ذَلِك) أي: الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين:
(أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) أي: تظلموا.
وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب - ولو كان مباحاً- أنه لا ينبغي له أن يتعرض له، بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد.
" تفسير السعدي " (ص 163) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) . وفي رواية: (أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ) .
رواه الترمذي (1141) وأبو داود (2133) والنسائي (3942) وابن ماجه (1969) .
وصحح الألباني الروايتين في " صحيح الترغيب والترهيب " برقم (1949) .
قال الشيخ المباركفوري رحمه الله:
قال الطيبي في شرح قوله (وشقه ساقط) : أي: نصفه مائل، قيل: بحيث يراه أهل العرصات ليكون هذا زيادة في التعذيب.
" تحفة الأحوذي " (4 / 248) .
ومن رأت من زوجها ميلاً للأخرى على حسابها، أو ظلماً لها في حقها: فلتبادر لنصح زوجها بالتي هي أحسن، ولتذكره بما أوجبه الله عليه من العدل، وبما حرَّمه الله عليه من الظلم، ولتبادر – كذلك – لنصح أختها لئلا تقبل بالظلم، ولا بأخذ ما ليس لها من حق، وعسى الله أن يهديه لإقامة العدل، وإعطاء كل ذي حق حقَّه.
ثانياًً:
من العدل بين الزوجات: أن يقرع الزوج بينهن إذا أراد السفر بإحداهن دون الباقيات، وهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم مع نسائه.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ) . رواه البخاري (2454) ومسلم (2770) .
قال النووي رحمه الله:
فيه: أن من أراد سفراً ببعض نسائه: أقرع بينهن كذلك، وهذا الإقراع عندنا واجب.
" شرح مسلم " (15 / 210) .
وقال ابن حزم رحمه الله:
ولا يجوز له أن يخص امرأة مِن نسائه بأن تسافر معه إلا بقرعة.
" المحلى " (9 / 212) .
ومثله قاله الشوكاني رحمه الله في " السيل الجرار " (2 / 304) .
وإذا رجع من سفره فإنه لا يحسب مدة سفره على التي سافرت معه بقرعة.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
فإذا رجع من سفره: استأنف القسمة بينهن، ولم يحاسب التي خرجت معه بأيام سفره معها، وكانت مشقتها في سفرها ونصبها فيه بإزاء نصيبها منه، وكونها معه.
" التمهيد " (19 / 266) .
ثالثاً:
لو فُرض عدم استطاعة إحدى نسائه السفر معه: فمن العبث إدخالها بالقرعة، وهي لا تستطيع السفر معه، فتكون القرعة – والحالة هذه – بين من تساوت أحوالهن في القدرة على السفر، فل يقرع بين من تستطيع ومن لا تستطيع، على أن يكون ذلك حقيقة وليس وهماً أو ظلماً لها؛ كأن تكون مريضة، أو عندها من الأولاد ما تعجز عن تركهم من غير رعاية، أو أنها ممنوعة من السفر، وما شابه ذلك من الأعذار، وليس لحبه سفر الأخرى معه دون الأولى، وإلا كان ظالماً.
وعليه في هذه الحالة أن يسترضي زوجتيه، ولو بتعويض التي لم تسافر ببعض الأيام إذا رجع من السفر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقال القرطبي: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء، وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن؛ لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحاً بغير مرجح.
" فتح الباري " (9 / 311) .
وقال الدكتور أحمد الريان:
إذا تساوت ظروف الزوجات في كل النواحي التي يحرص على حفظها ورعايتها سفراً وحضراً: فالاقتراع هو المتعين، أما إذا تفاوتت الزوجات في ذلك: فلا بأس من الاختيار مع مراعاة شرطيْ عدم الميل، وعدم قصد الإضرار.
" تعدد الزوجات " (ص 71) .
هذا، ولا نعلم موقعاً مختصاً بمسائل تعدد الزوجات، ويمكنك الاطلاع على موقعنا، وعلى مواقع الفتاوى الموثوقة ففيها جملة وافرة من أحكام التعدد.
وقد خصصنا تصنيفاً مستقلا لمسائل وأحكام تعدد الزوجات في موقعنا هذا تحت هذا الرابط:
http://www.islam-qa.com/ar/cat/355
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1015)
هل يجب العدل بين نسائه في الهدية والوطء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب العدل بين نسائه في الهدية والوطء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة:
وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن.
قال أحمد في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسى، إذا كانت الأخرى في كفاية، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه، وتكون تلك في كفاية. وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج، فسقط وجوبه، كالتسوية في الوطء.
[الْمَصْدَرُ]
" المغني " (7 / 233) .(6/1016)
إمامة المرأة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك مجموعة من النساء، وحضر وقت الصلاة، فهل عليهن الأذان والإقامة؟ وهل يمكنهن الصلاة جماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع للمرأة الأذان والإقامة كما يشرعان للرجال، لكن لو أذنت وأقامت فلها ثلاث أحوال:
1. أذانها وإقامتها لجماعة الرجال فقط أو للرجال والنساء معاً، ولا يشرعان ولا يجوزان لها في هذه الحالة، ولا يجزئ أذانها أو إقامتها لجماعة الرجال.
2. لجماعة النساء وحدهن.
3. أو لنفسها منفردة، فيجوز لها أن تؤذن لجماعة النساء أو لنفسها، لكن ليس كالرجال، لأنه في حقهم آكد، والنساء لو أذن فجائز، ولو تركن فجائز، ولو أذنت المرأة وجب خفض الصوت، فلا ترفع فوق ما تسمع صواحبها.
أما إقامتها لنفسها أو لجماعة النساء فإنها أولى وأقرب إلى الاستحباب، لكن لو لم تقم لصحت الصلاة.
أما عن إمامة المرأة للإمامة في الصلاة فله صورتان من حيث الحكم:
1. إمامة المرأة للرجال، أو للرجال والنساء معاً: فلا تصح إمامة المرأة للرجال في الصلاة مطلقاً، وسواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً.
2. إمامة المرأة للنساء: فيستحب أن تصلي النساء جماعة إذا اجتمعن في مكان، وتؤمهن امرأة منهن، ولكن تقف معهن في وسط الصف، فإمامة المرأة للنساء جائزة وصحيحة.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب ولاية المرأة في الفقه الإسلامي 176(6/1017)
كيف يعدل بين زوجتيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن لا يقسم وقته بين زوجتيه بطريقة سليمة؟ هل يجوز له أن يغادر منزل زوجته الثانية متأخراً ساعتين أو ثلاث ساعات مما يسبب ضيقاً للزوجة الأولى بسبب تأخيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الشرع على الرجل المتزوج بأكثر من امرأة أن يعدل بين زوجاته.
والمراد بذلك: العدل في المبيت والسكن والنفقة والكسوة.
ومعنى العدل في المبيت: أن يقسم وقته بين نسائه بالعدل، فإذا بات عند الأولى ليلة أو ليلتين، بات عند كل واحدة من نسائه بقدر ذلك.
قال الشافعي:
ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجور فيه.
" الأم " (5 / 110) .
ومعنى العدل في السكن: أن يكون لكل واحدة منهن مسكناً خاصَّاً يأتيها فيه، ويجب أن لا تكون مساكنهن متفاوتة بقصد الظلم.
قال ابن قدامة:
وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً؛ لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة، واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة، وتسمع كل واحد منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى أو ترى ذلك، فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه.
" المغني " (7 / 229) .
وقال الكاساني:
ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك عليه: فإن عليه أن يسكنها في منزل مفرد؛ لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة، وإباؤها دليل الأذى والضرر؛ ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث.
" بدائع الصنائع " (4 / 23) .
ومعنى العدل في النفقة والكسوة: أن ينفق عليهن على قدر الوسع والطاقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنَّة أيضاً اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة ….
" مجموع الفتاوى " (32 / 269) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
وكان يقسم صلى الله عليه وسلم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة ….
" زاد المعاد " (1 / 151) .
وأما ما عدا ذلك فلا يضره أن لا يعدل بينهن، كأن يهدي لواحدة منهن هدية، أو يميل قلبه إلى واحدة منهن، أو يكسوها فوق الواجب عليه، أو يجامع واحدة أكثر من غيرها دون قصد الإضرار بغيرها، فإن عدل كان أفضل.
قال ابن قدامة:
وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن.
قال أحمد - في الرجل له امرأتان -: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسي إذا كانت الأخرى في كفاية ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية.
وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقط وجوبه كالتسوية في الوطء.
" المغني " (7 / 232) .
وقال الحافظ ابن حجر:
فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها: لم يضرَّه ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة ….
" فتح الباري " (9 / 391) ,
وقال النووي:
قال أصحابنا: وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه، بل له أن يبيت عندهن ولا يطأ واحدة منهن، وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض، لكن يستحب أن لا يعطلهن، وأن يسوِّي بينهن في ذلك.
" شرح مسلم " (10 / 46) .
وقال ابن قدامة:
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع، وهو مذهب مالك والشافعي وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل، ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك؛ فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى، قال الله تعالى {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} سورة النساء، قال عبيدة السلماني: في الحب والجماع.
وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع: كان أحسن وأولى؛ فإنه أبلغ في العدل، … ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبل واللمس ونحوهما؛ لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع: ففي دواعيه أولى.
" المغني " (7 / 234، 235) .
ثانياً:
وأما خروج الزوج من عند إحدى زوجتيه، فإن كان لحاجة ولا يقصد الإضرار بها ولم يكن خروجه للثانية: فلا حرج إن شاء الله، وإنما عماد القسم الليل، فيلزمه البقاء أكثر الليل لصاحبة النوبة، ما جعل الله في دينه من حرج، فلا يمنع الزوج من الخروج أو التسوق أو حضور مجالس العلم في وقت إحدى نسائه إذا كان الخروج لم يقصد به الإضرار والبقاء أكثر الليل خارج بيت صاحبة النوبة.
قال الدكتور أحمد ريان:
وقد تشدد بعض العلماء في وضع معايير للقسْم، ونفوا العدل عن كل ما يخالفها، حتى قال بعضهم: لو جاء للأولى بعد الغروب وللثانية بعد العشاء فقد ترك القسْم ".
ومعنى ذلك: أن الزوج يجب عليه أن يُنهي كل متعلقات النهار قبيل غروب الشمس حتى يتفرغ لضبط أوقات الدخول عند زوجاته يوميا بيث يكون ذلك في ساعة محددة يوميا، وإذا كان حدوث ذلك ممكناً فيما مضى لبساطة الحياة وقلة الضرورات وحصول الكفاية في المعاش بالقليل، فإنه غير ممكن الآن، فكم من الرجال الآن يستطيع أن يتحكم في حركته بحيث يقيد نفسه داخل المنزل من قبل غروب الشمس يوميا حتى يكون القسم في المبيت تاماً؟ .
إنما الأنسب أن يقال: يجب أن يمكث مع أهله في المنزل أكثر الليل دون تحديد لوقت الدخول أو الخروج، إذ ربما اضطرته ظروف المعاش أو قضاء الحقوق أو طلب العلم أو غير ذلك من ظروف الحياة أن يدخل بيته متأخراً أو يخرج منه مبكراً، فالعبرة بالبقاء مع الزوجة صاحبة النوبة أكثر الليل، لأن المقصود هو الأنس والاستمتاع، وهما يتحققان ببقاء الزوج أكثر الليل في منزله، وقد رأينا في الأحاديث المتقدمة الكيفية التي كان يتحقق بها القسم في الأسرة النبوية الطاهرة، ولم تكن زياراته صلى الله عليه وسلم لبقية أزواجه ليلاً أو نهاراً أو اجتماعه بهن في بيت صاحبة النوبة منافية لهذا القسم مع ما هو معلوم أن تلك الزيارات وذلك الاجتماع قد يفوِّت على صاحبة الليلة بعض حقها إذ كان يأخذ جزءاً من الوقت الخاص بها والتي كان من حقها أن تستأثر به دون صواحباتها.
لذلك أرى أن العبرة بالقسم هو أكثر الليل مع تقييد ذلك التأخير بألا يكون المقصود منه هو ضرر الزوجة صاحبة الليلة، بل كان ذلك نتيجة لمشاغل الزوج اليومية.
" تعدد الزوجات " (ص 60-61) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1018)
إذا نامت الزوجة في المستشفى أو ذهبت لزيارة أهلها هل يسقط حقها في القسم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ لدي سؤال في العدل بين الزوجات وهو في حالة 1- مرض إحداهن وتنومها في المستشفى لمدة خمسة أيام وقد كنت خلال هذه الفترة أبيت عند الأخرى فهل يجب علي تعويضها بنفس الأيام؟ 2- في حالة ذهاب إحداهن لزيارة أهلها لبعض الأيام هل يحق لها المطالبة بالمبيت بنفس الأيام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا مرضت الزوجة وبقيت في المستشفى أياما، فإنها لا تستحق القسْم في هذه الأيام؛ لأن تفويت الحق جاء من قِبَلها، وفي إلزام زوجها بالقسْم لها إضرار به حيث يبقى معها في المستشفى ليوفيها قسمها.
وهذا يعلم من تعليل الفقهاء لعدم القسم للمحبوسة، ومن قولهم: " وتستحق القسْم مريضة، ما لم يسافر بهن وتتخلف بسبب المرض فلا قسم لها " نهاية المحتاج (6/380) .
وإذا سقط القسم، سقط القضاء، فلا يقضي الزوج لها تلك الأيام التي غابت فيها.
ثانيا:
إذا ذهبت الزوجة لزيارة أهلها بعض الأيام، أو سافرت إلى مكان ما، فإن كان ذلك لحاجتها، فإن الزوج لا يقضي لها. وإن كان لحاجته هو قضى لها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/202) : " وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها , وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة: قالوا: إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك فلا قسم لها ; لأن القسم للأُنس وقد امتنع بسببٍ من جهتها فسقط.
وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته فإنه يقضي لها ما فاتها بحسب ما أقام عند ضرتها لأنها سافرت بإذنه ولغرضه , فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه بإرسالها.
وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها لا يقضي لها (عند الحنابلة وفي الجديد عند الشافعية) لأنها فوتت حقه في الاستمتاع بها ولم تكن في قبضته , وإذنه لها بالسفر رافع للإثم خاصة ...
ولو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معا لم يسقط حقها كما قال الزركشي وغيره بالنسبة للنفقة ومثلها القسم , خلافا لما بحثه ابن العماد من السقوط " انتهى.
وينظر: الشرح الممتع (12/433) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1019)
هل يأثم إذا أبقى زوجة معه وأرسل الأخرى إلى بلده
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أحد إخوتي متزوج زوجتين وهو يعيش خارج البلاد ونظرا لظروفه المادية أبقى عنده زوجته الأولى، وزوجته الثانية قال لها تذهب إلى أهلها فترة معينة حتى تتحسن ظروفه المادية لأنه لا يستطيع أن يوفر منزلين لكلا الزوجتين خصوصا في بلاد الغربة.وهو دائما يسأل ويخاف أنه ظلم الزوجة الثانية رغم أنه أعطاها نفقتها قبل أن تسافر وهي راضية عما فعله ولكن دائما يحس بالذنب فهل عليه ذنب فيما فعل أهو ظالم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته في المبيت والنفقة والسكنى، وهذا العدل شرط لجواز التعدد، قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3. وروى أبو داود (2133) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) وصححه الألباني في "أوراء الغليل" (2017)
فليس للزوج أن يفضل إحدى الزوجتين بالبقاء معه ويرسل الأخرى إلى أهلها، بل يجب أن يعدل بينهما فيبقي إحداهما مدة، ويرسل الأخرى، ثم يعكس الأمر، وهكذا حتى تأخذ كل منهما حقها الذي شرعه الله لها.
وإذا رضيت إحدى الزوجتين بإسقاط حقها أو تفضيل الأخرى عليها، فلا حرج في ذلك، لكن بشرط أن يكون ذلك برضاها من غير إكراه أو إلحاح من الزوج، وكلما أمكن أن يعدل الرجل بين زوجتيه فهو المطلوب
وقد عرضنا سؤالك على الشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأجاب: " نعم، يجب عليه أن يعدل بين زوجاته لقول الله عز وجل: (وعاشروهن بالمعروف) وليس من المعاشرة بالمعروف أن يبقي واحدة ويرد الأخرى، بل عليه أن يعدل، إما أن يبقي هذه فترة ثم يردها ويأتي بالأخرى، وهكذا أو يصطلح من التي ردها بأن يأتي لها إلى بلدها أو يعطيها شيئا من المال ويراضيها ونحو ذلك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1020)
دولته تمنع التعدد ويريد الزواج بامرأة ثانية بإذن أخيها دون والدها!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنتمي لدولة يمنع فيها الزواج لأكثر من واحدة , وبالتالي يمنع التعامل بالزواج العرفي، ولا يمكن توثيقه يوماً في سجلات الحالة المدنية , مع أن عقل الولي غير مهيأ اجتماعيّاً لمثل هذا الزواج لأحد بناته , فما هو الحل لمتزوج تعلق بأخرى أرادته زوجاً لها وارتضت طريقة الزواج المذكور؟ ألاحظ أن أحد إخوتها (الأصغر) والبالغ 25 سنة موافق، ولكن يطلب أن يبقى هذا سرّاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ندري كيف تبلغ الجرأة ببعض من ولاهم الله أمر المسلمين أن يحاد الله ودينه، فلا يكتفي بترك الحكم بما أنزل الله حتى يضيف إليه مضادة الشريعة ومحاربة أحكامها والسخرية بها، ومن ذلك: تضييقهم على الحلال ومنعهم منه، ونشرهم للحرام ورضاهم عنه، ولو كانت معصية الإنسان تخصه نفسه لهان الخطب عليه بالنسبة لما تكون هذه المعاصي بقوة القانون، فيثاب فاعلها، ويعاقب تاركها! والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، ولو فكَّر هؤلاء للحظات يسيرة أن مآلهم إلى حفرة ضيقة لن يكون معهم خدمهم وحشمهم ووزراؤهم وأموالهم وتيجانهم وطعامهم وشرابهم: لعلموا هول الأمر، وأنه جد ليس بالهزل، ولو فكَّر هؤلاء في لقاء ربهم لأمكن أن يعيدوا النظر بحياتهم كلها، ولو علم الله فيهم خيراً لهداهم.
ثانياً:
اعلم أخي السائل: أنه لا يجوز لك التزوج من غير ولي للمرأة، واعلم أنه بوجود والدها ليس لأخيها أن يزوجها، وتُرفع ولاية الأب إن ثبت منعه لابنته من الزواج بكل أحد، ولغير سبب شرعي أو معقول يتوافق مع الشرع، ومنعه من تزويجها في مثل الحال التي ذكرتَ أمرٌ حسنٌ منه، وموافق للشرع والعقل، فكيف تريده أن يزوج ابنته من غير وثيقة معترف بها في دولته؟! وهل تعلم ماذا يترتب على ذلك لو حصل من مفاسد؟ .
إن توثيق عقود الزواج – بل وغيره من المعاملات – ليس بدعة في الدين، بل هو من المصالح المرسلة التي تتوافق مع الشرع.
والمصلحة المرسلة: هي المصلحة التي أرسلها الشارع، أي: أطلقها، فلم يعتبرها، ولم يلغها، وحكم هذه المصالح يرجع إلى القواعد الشرعية العامة، فما كان داخلاً في قواعد المصلحة المعتبرة أُلحق بها، وما كان داخلاً في قواعد المصلحة الملغاة أُلحق بها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في بيان تعريف " المصالح المرسلة " -:
وهو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة، وليس في الشرع ما ينفيه.
" مجموع الفتاوى " (11 / 342، 343) .
وفي توثيق الزواج مصالح متعددة، ومنها:
1. حفظ حق الزوجة، من حيث تثبيت مهرها المؤخر، وذِكر شروطها فيه، وأخذ نصيبها من ميراث زوجها وأولادها.
2. إثبات نسب أولادها لها ولأبيهم.
3. منع عقد زواج لها، وهي على ذمة زوج غيره.
4. حفظ حقوق الزوج، من حيث ذِكر ما استلمته الزوجة من مهرها.
5. منع الزوج من التزوج بأكثر من أربع نساء.
وهكذا في مصالح كثيرة متعددة، لا يمكن للشريعة أن تمنع من قيامه وإنشائه، بل وتشترطه في الزواج، حفظاً للحقوق، ومنعاً للمفاسد.
وفي " الموسوعة الفقهية " (6 / 170) :
شرع الله سبحانه وتعالى الكتابة والإشهاد صيانةً للحقوق، وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282، (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) ، (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ) ، وقد أوجب الشّرع توثيق بعض الالتزامات لخطره، كالنّكاح.
انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يتعين للزوج أن يقوم بعقده شخص يتولى تلقين ولي الزوجة الإيجاب، وتلقين الزوج القبول، أم يصح الزواج دون ذلك الشخص إذا كان النكاح مستكملا شروطه وأركانه؟ .
فأجابوا:
إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال من الإيجاب والقبول منك ومن أبيها، مع حضور الشهود ورضا البنت المسماة في العقد: فالنكاح صحيح، وإن لم يتول عقد النكاح بينكما شخص آخر، فإن ذلك ليس بشرط في صحة النكاح ولا كماله، وإنما ألزمت الحكومة رعيتها بإجراء العقد على يد من أذنت له في ذلك وكتابته قضاء على الفوضى، ومنعا للتلاعب، ومحافظة على النسب والأعراض والحقوق، ودفعا للتناكر عند النزاع، وطاعة ولي الأمر في ذلك وأمثاله من المعروف واجبة، لما في ذلك من إعانته على ضبط شؤون رعيته وتحقيق المصلحة لهم.
الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 105، 106) .
وعليه: فمنع والد المرأة إياك من الزواج بها لمنع الدولة من التعدد: أمرٌ مقبول منه، وليس في فعله مخالفة للشرع، ولا يحل لك الزواج بها من غير إذن والدها، وولاية أخيها باطلة مع وجود والدها، والعقد عليها باطل فاسد لو حصل.
ثالثاً:
أما " الزواج العرفي " فله صورتان:
الصورة الأولى: تزوج المرأة في السرّ، ودون موافقة وليها، وهذا هو المتبادر من استعمال الناس لهذه التسمية، وإذا كان كذلك: فهو عقد محرّم ولا يصح أيضاً؛ لن موافقة الولي من شروط صحة عقد النكاح.
والصورة الثانية: التزوج بموافقة الولي، ولكن دون إشهار أو إعلان، أو توثيق في المحاكم، وهذا وإن كان زواجاً صحيحاً من حيث الشروط والأركان، لكن يترتب عليه مفاسد كثيرة، من وقف عليها جزم بالمنع منه، وبخاصة مسألة " التوثيق ".
وفي حالتك التي سألت عنها ليس والد المرأة موافقاً على الزواج، فصار المنع من جهتين:
أ. من جهة عدم موافقة الولي.
ب. ومن جهة عدم توثيقه.
وفي جواب السؤال: (2127) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه، وشروط الولي. وفي جواب السؤال: (7989) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح.
وفي جوابي السؤالين: (45513) (45663) تجد بيان حكم الزواج العرفي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1021)
حكم زواج المسيار، وأجر صبر الزوجة على كثرة زواج زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل زواج المسيار أن تكون الزوجة متنازلة عن حقوقها؟ أنا زوجي متزوج ثالثة، ولا يعدل بيننا، ويقول: زواج المسيار ليس له عدل بينكن، وهل لي أجر على تحمل زوجي بتعدده للزوجات وإلا طلبت الطلاق منه لأنه مفتون بالنساء؟ مع العلم أني زوجته الأولى وأم أولاده وبناته، هل لنا أجر على تحملنا الهم والعذاب الذي نراه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من توفر شروط وأركان حتى يكون النكاح صحيحاً، ومنها:
تعيين الزوجين، ورضاهما، وموافقة ولي المرأة وتوليه العقد، والإشهاد أو الإشهار....
وتجد تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (2127) .
ثانياً:
وزواج " المسيار" يصح إذا توفرت فيه شروط عقد النكاح وأركانه، وصورة هذا الزواج موجودة في القديم، وفيه يَشترط الزوج على المرأة التي يرغب بالتزوج منها أن لا يقسم بينها وبين نسائه بالتساوي، أو لا ينفق عليها، أو لا يسكنها، وقد يشترط أن يكون لها النهار دون الليل، وهو ما يسمى " النهاريات "، وقد تكون المرأة هي المبادرة بإسقاط حقوقها، فقد تكون صاحبة مال ومسكن فتُسقطهما عنه، وقد ترضى بالنهار دون الليل، وقد ترضى بعدد أيام دون أيام ضرائرها، وهذا هو المشهور في زماننا.
وهذا الإسقاط للحقوق من كلا الطرفين لا يجعل النكاح محرَّماً، وإن كرهه بعض أهل العلم لكنه لا يخرج عن الجواز من حيث شروطه وأركانه.
وفي " مصنف ابن أبي شيبة " (3 / 337) :
عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح أنهما كانا لا يريان بأسا بتزويج النهاريات.
وفي (3 / 338) :
عن عامر الشعبي أنه سئل عن الرجل يكون له امرأة فيتزوج المرأة، فيشترط لهذه يوماً ولهذه يومين؟ قال: لا بأس به. انتهى
وفي المرجع السابق ذَكَر أنه كرهه محمد بن سيرين، وحماد بن أبي سليمان، والزهري.
وقد أفتى كثير من علمائنا المعاصرين بإباحته.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
عن زواج المسيار، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتها، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، فما حكم الشريعة في مثل هذا الزواج؟ .
فأجاب - رحمه الله -:
" لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) ، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً، أو في أيام معينة، أو ليالي معينة: فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه ".
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 450، 451) .
لكن لما أسيء استعماله من قبَل كثيرين توقف بعض أولئك العلماء الذين كانوا يفتون بجوازه، توقفوا عن القول بالجواز، ومن أبرز هؤلاء الشيخان عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي، وما الشروط الواجب توافرها لزواج المسيار؟ فأجاب:
" الواجب على كل مسلم أن يتزوج الزواج الشرعي، وأن يحذر ما يخالف ذلك، سواء سمي " زواج مسيار "، أو غير ذلك، ومن شرط الزواج الشرعي الإعلان، فإذا كتمه الزوجان: لم يصح؛ لأنه والحال ما ذكر أشبه بالزنى " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 431، 432) .
والحقيقة أن هذا النكاح حل لكثير من مشكلات العنوسة التي تفشت في المجتمعات الإسلامية، فلا يستطيع الرجل أن يلتزم بالقسْم بين نسائه، أو لا يستطيع النفقة على زوجتين، ويوجد من النساء من تملك مالاً ومسكناً وترغب في إعفاف نفسها، فيأتيها الزوج في أيامٍ من الأسبوع، أو في فترة من الشهر، وقد يقدِّر الله بينهما من الألفة والعشرة وحسن الظروف ما يتغير حال زواجه منها إلى الأفضل، فيقسم بالعدل، وينفق عليها بنفسه ويسكنها.
وفيه أيضاً مفاسد لا تخفى، من الاختلاف بعد وفاة الزوج على التركة، ومن إخفائه وعدم إعلانه، ومن التذرع بهذا الزواج من قبَل بعض المفسدين والمفسدات، فتكون علاقتهما محرَّمة، ويسكنان بعيداً عن أعين الأقرباء والجيران، فإذا رآهما أحد قالا: هذا زواج مسيار!
وبعد هذا يتبين لك أختنا السائلة أنه لا يجوز لزوجك أن يقتطع حقك ويظلمك في حقوقك؛ لأنه لم يتزوجك بتلك الشروط، وأنتِ زوجته الأولى، وإن كان هناك نقص في أيام البيات فليكن عند نسائه الأخريات لا عندك، فمن تزوجها منهن زواج مسيار هي التي تسقط حقها في النفقة أو السكن أو المبيت (حسب ما تم الاتفاق عليه) ، ولا يحل له أن يمكث أيامه ولياليه عند نسائه ظالماً لك، وخاصة أنك لم تتنازلي عن حقك.
ثالثاً:
تزوج الرجل بامرأة أخرى قد يكون سببه الزوج، وقد يكون سببه الزوجة، فقد يكون الزوج قوي الشهوة ولا تكفيه واحدة، وقد يكون كثير الأسفار لبلد معيَّن، فيحتاج لزوجة تعفه، وتخدمه.
وقد يكون السبب من المرأة؛ وذلك بتقصيرها في نظافة بيتها، والعناية بأولادها، وتجملها لزوجها وإعفافه، فإن كان الأمر هو الثاني فعليكِ مراجعة نفسك، والبحث عن الخلل الذي كان سبباً لزوجك لأن يتزوج من أخرى، وإن كان الأمر هو الأول: فليس لك إلا الصبر، والصبر له منزلة عظيمة في الشرع، والصابر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى قضاء الله تعالى له من الأجور العظيمة عند الله تعالى بغير حساب، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10.
وأنت لك من الأجر العظيم عند الله تعالى إن اتقيتيه في حياتك الزوجية، وفي القيام بحقوق الزوج، والعناية بالأولاد وتربيتهم، كما لك أجر عند الله إن صبرتِ على زوجك في تزوجه بأخرى غيرك.
وانظري جواب السؤال رقم (21421) ففيه تفصيل هذا الأمر.
نسال الله تعالى أن يرزقك الصبر والرضى ويصلح لك زوجك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1022)
يريد أن يتزوج بثانية زواجاً عرفياً حتى لا تعرف الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ولي ثلاث أطفال أريد أن أتزوج من امرأة أحبها وتحبني وهي تعرف أني متزوج ولا أريد أن تعرف زوجتي الأولى حتى بعد مماتي فقررت أن أتزوجها عرفياً وأن أكتب لها ميراثها حتى لا ينكشف الأمر بعد مماتي عند توزيع الميراث وضمنت لها كل حقوقها وسيعرف بذلك أخوها وأهلها وأمي، ويظل هذا الزواج سراً حتى بعد مماتي لأني أحب أولادي وأخاف أن يدعو علي وزوجتي أيضا ولكن المرأة رفضت وتريد الزواج الرسمي فهل هذا الزواج حرام مع العلم أنه لم يتم بعد؟ ما زال الموضوع في نقاش ومع العلم أيضا أنني كنت متزوجها رسميا منذ سنة، سرا من ناحية أهلي فقط، أخي كان يعرف وانفصلنا خوفا من أن تعرف زوجتي. أريد الحل أتزوجها عرفياً أم رسمياً أم لا أتزوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الزواج العرفي إن توفرت فيه شروط النكاح وأركانه، من رضى الزوجين وحضور الولي والشاهدين فهو زواج صحيح شرعا، لكن ينقصه التوثيق الذي يحفظ حق الزوج والزوجة والأولاد، وهذا التوثيق أمر مهم في هذا الزمان، بسبب فساد الذمم، وضعف التدين، فلا يبعد أن يُفتى بوجوبه.
وقد سبق بيان شروط النكاح وأركانه في جواب السؤال رقم (2127)
ثانيا:
لا يصح أن تكتب ميراث هذه الزوجة من الآن؛ لأنه لا يُدرى من يموت أولا، كما لا يدرى كم ستكون التركة عند موتك، فقد تزيد عن مالك الموجود الآن، وقد تنقص. وأيضا فهذا لا يحل المشكلة، فقد ترزق منها بأولاد، ولهم حق في الميراث كبقية أولادك. فالواجب ترك مسألة الميراث إلى وقتها الذي يقدره الله تعالى.
وزواج الرجل من زوجة ثانية ليس نقصا ولا عيبا، ولا يضره تضايق أولاده منه في حال علمهم به، كما لا يضره دعاؤهم، ما دام قائما بحقوقهم، غير ظالم لهم.
وإصرار هذه المرأة على تسجيل الزواج رسميا، حق لها، وهو الصواب كما أشرنا، لما فيه من حفظ الحقوق للجميع.
ونحن نشير عليك بأن لا تتزوج إلا زواجاً رسمياً موثّقاً. أما زواجك منها أو عدمه، فهذا القرار يخضع لعوامل كثيرة، منها حاجتك إلى الزواج، وصبرك على تركه، ومدى قدرتك على القيام بالمسئولية، وطبيعة المشاكل التي قد تحدث في حال علم زوجتك الأولى، فعليك بالتفكير في العواقب جيداً مع استخارة الله عز وجل.
ونسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1023)
الزواج بنية الطلاق والآثار السيئة المترتبة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول إنها اعتنقت الإسلام منذ 12 سنة قبل أن تتزوج، وهي الزوجة الثانية، ومشكلتها أن زوجها اعتاد أن يتزوج امرأة ثالثة سرّاً، وعادة ما تكون غير مسلمة، دون أن يخبرها، أو يخبر زوجته الأولى، أو أحداً من أقاربه، وأنه قد يظل مع زوجته الثالثة عاما أو عامين قبل أن يفترقا، ثم يجد أخرى، وأنه قد تزوج ثلاث نساء منذ أن تزوجها، وأنها تعلم بزواجه عندما يغيب عن البيت أسبوعاً أو أسبوعين، ويسافر للخارج دون أن يخبر أحداً، ثم بعد ذلك ينكر للجميع أنه كان مع امرأة أخرى، وتقول إن بعض العلماء يقولون إن هذا النوع من الزواج السري حلال، وتقول: كيف يكون كذلك وهو يدفع الزوج للكذب كثيراً، ويصيب الزوجات بالاكتئاب؟ أليس من حق الزوجة أن تعرف كم عدد زوجات زوجها؟ ومتى سيكون عندها؟ وتقول إن الأمور تكون على ما يرام عندما لا تكون هناك زوجة ثالثة، وأن زوجها عندئذ يكون لطيفاً ويعدل بينها وبين زوجته الأولى، ثم تتغير الحال عندما يتزوج الثالثة، وتقول إن قول العلماء بحل هذا الزواج شجع الرجال على الإقدام عليه، والكذب على زوجاتهم، وعدم العدل بينهن، وبذلك تفسد الحياة الأسرية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجب على الزوج أن يخبر زوجاته بأنه سيتزوج، لكنه إن تزوج وجب عليه إخبارهنَّ؛ لأن عدم إخبارهنَّ قد يسبب سوء ظن به أن له علاقات مشبوهة؛ ولأن لهنَّ الحق بمطالبته بالعدل في القسْم، وهي في حال علمها بزواجه من غيرها تعلم أن لزوجته الجديدة مثل الحق الذي لزوجاته قبلها.
ثانياً:
يجب على الزوج أن يتقي الله ويعدل بين نسائه، والعدل الواجب بين نسائه هو العدل في النفقة، والمسكن، والمبيت.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
القسم اللازم هو المبيت، نعم، يجب عليك أن تقسم بينهما، وكذلك النفقة، يجب عليك التسوية بينهما في النفقة، والإسكان، والكسوة، هذه الأمور لابد من العدل فيها، بإعطاء الكفاية لما يكفي لكل واحدة منهما من المسكن ومن المأكل والمشرب ومن الكسوة، وكذلك المبيت يجب عليك القسم بين الزوجات، هذا هو العدل الواجب الذي قال الله تعالى فيه: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) النساء/3، هذا هو العدل المشترط لتعدد الزوجات.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / السؤال رقم 384) .
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (10091) .
ثالثاً:
ويجب على الرجال أن يتقوا الله في النساء، وأن يعلموا أن الناس يثقون بدينهم الظاهر، والتزامهم بالسنَّة، وعندما يطلب أحد هؤلاء امرأة فإنه يُعطاها بناء على ما يظهر من استقامته ودينه، فليحذر أن يستغل هذه الشعائر الظاهرة للعبث بأعراض الناس، فيأخذ بناتهم ثم يرجعهنَّ بعد أن يقضي شهوته، وليحذر أن يكون سبباً في ردة بعضهن أو مرضهن أو سلوكهن سبيل الانحراف، ولا نظن واحداً من هؤلاء يرضى أن يفعل أحدٌ مثل هذا بابنته أو أخته، فلمَ يرضى هذا لبنات الناس؟
وليحذر من استغلال ضعف وحاجة الناس بعرض الأموال وإغراء أهلها به؛ فإن هذا منافٍ للمروءة والأخلاق، ولا نعتقد أن هؤلاء يستطيعون فعل الأمر نفسه مع بنات علية القوم، أو مع بنات عمهم، أو أقربائهم، ولو كان زواجاً شرعيّاً ثم لم يحصل وفاق وطلقها لما أنكرنا أفعالهم، لكن أن يكون الزواج من أجل قضاء الشهوة عازماً على (تغييرها) بعد فترة: فهذا من العبث الذي لا تقره الشريعة، وهو نكاح متعة أو شبيه بالمتعة، ولذا لا تجد هؤلاء يحرصون على ذوات الدين، بل يتزوج المرأة لجمالها حتى لو لم تنته عدتها! وحتى لو كانت مشهورة بالفسق والفجور، فقضاء شهوته معها في فندق لمدة ثلاثة أيام لا يستلزم من هذا العابث أن يهتم لدينها وشرفها؛ فهي لن تكون زوجة له دائمة، ولن تكون أمّاً لأولاده! فلم الاهتمام؟! .
وهذه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة ترد على هذه الأفعال وتبين حكم هذا الزواج:
سئل علماء اللجنة الدائمة:
انتشر بين أوساط الشباب السفر خارج البلاد للزواج بنية الطلاق، والزواج هو الهدف في السفر استناداً على فتوى بهذا الخصوص، وقد فهم الكثير من الناس الفتوى خطأ، فما حكم هذا؟ .
فأجابوا:
الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية، والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 448، 449) .
ومَن أفتى من أهل العلم بإباحة ذلك إنما هو لمن يدرس أو يعمل في بلاد غربة ويخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، فهذا يتزوج ولو نوى أن يطلِّق فإنه قد يقدِّر الله بينهما أولاداً فيتعلق بهم وبأمهم، وقد يقدر الله بينهما عشرة حسنة فيدوم زواجهما، وليست الفتوى لم يتقصد السفر من أجل الزواج، وليست الفتوى فيمن يذهب ليلتين لبد فقير فيفض بكارة أنثى أو أكثر! ومن لم يستطع ضبط نفسه في سفر لمدة يومين – وبعضها أعمال دعوية وخيرية – فيحرم عليه السفر أصلاً، ولينظر العاقل في آثار ما يفتي به وما يفعله، وأثر ذلك على الإسلام، فإن الإسلام لم يُشوَّه من أعدائه بقدر ما شوِّه من أهله بأفعالهم وأخلاقهم.
فعلى المسلم الذي يسَّر الله له زوجة – أو أكثر – أن يحمد الله تعالى ويشكره، وعليه أن يلتفت لهنَّ ولأولاده، ليقوم بتعليمهم وتربيتهم التربية الإسلامية الحقة، لا أن يكفر هذه النعمة بترك زوجاته وأولاده دون إصلاح وتربية، ويبحث عن ملذات زائلة لا تقيم أسرة ولا تكسب سعادة، فضلا عن تعرضه للظلم لنفسه ولزوجاته ولأولاده.
ولا مانع من أن يتزوج زواجاً شرعيّاً، وقد أباح له الشرع أن يتزوج بأربع نسوة، لكن ليعلم أن الشرع قد رغَّبه بنكاح ذات الدين؛ لأنها ستكون عِرضه وأم ولده وحامية بيته وماله ومربية ولده، فلا يليق بالمسلم أن ينسى مقاصد الزواج وحِكَمه وأحكامه ليقوم بالبحث عن شهوة يقضيها هنا وهناك، ثم الأدهى أن ينسب فعله إلى الإسلام!
ولينظر هذا الزوج إلى آثار فعله من الكذب، وعدم إعطاء نسائه حقهنَّ، وعدم العدل بينهن وبين من يتزوجها، ثم لينظر لنفسه في حسن اختياره للزوجة التي ينوي طلاقها، وإذا أحسن الاختيار فلينظر إلى الأثر الذي سيخلفه وراءه عليها وعلى أهلها، ولينظر لنفسه على أنه مسلم يمثِّل الإسلام بأحكامه وأخلاقه، وخاصة إذا تعلق الأمر بالثقة بهيئته أو ظاهر استقامته، فإنه سيكون سبباً لنزع ثقة الناس بأمثاله، إن لم يؤدِّ إلى ما هو أعظم وأخطر.
وقد بلغنا من الآثار السيئة للزواج بنية الطلاق ما يجزم المرء المسلم أن لو وقف العلماء القائلون بإباحته على بعضها لكان لزاماً عليهم أن يمنعوا منه، أو يتوقفوا عن القول بإباحته على أقل تقدير، فبعض هؤلاء الزوجات اتُّهمت بعِرضها وشرفها بعد أن تزوجها مَن ظاهرُه الاستقامة، ثم لما قضى شهوته منها في فندق في بلدها أعطاها مؤخرها أو قليلا من المال وأركبها سيارة أجرة إلى أهلها مطلِّقاً لها! وبعضهن قد وثق أهلها بهذا " المستقيم في الظاهر " فسلَّمه ابنته – عرضه – دون عقد رسمي ثقة بأنه سيعقد عليها بوكالة في بلده، أو بعد أن يأتي بالتصريح! ثم يقضي شهوته معها ويرجعها إلى أهلها ثيباً بعد أن أخذها بكراً! فانظر أيها العاقل إلى موقف أهلها كيف سيكون أمام جيرانهم وأقربائهم؟ وماذا سيقولون لهم؟ وهل أصبح العِرض سيارة تُستأجر وتُرجع بعد انتهاء المدة؟! ألا يخشى هؤلاء أن يعاقبهم الله ببناتهم وأخواتهم؟!
وبعض أولئك النسوة عندما علمت أن (مدتها) قد انتهت مع هذا الزوج توسلت له بأن لا يطلقها، وأن يأخذها لبلده – كما أوهمها – خادمة له ولنسائه ولأولاده! وأنها لو رجعت فستتعرض للسوء من أقربائها وجيرانها، وقد يؤدي ذلك لقتلها! وهذا " المستقيم في الظاهر " يرفض هذه التوسلات ويأبى الاستجابة لبكائها وتوسلاتها.
وأخرى انتهت (مدتها) وطلقها زوجها، واتصل بأخيها ليأخذها لأهلها! فلم يكن منها إلا أن ادعت أمام الناس أنه توفي في حادث سيارة! حفاظاً على كرامتها وعرضها من مقالة السوء. فالله المستعان، وعليه التكلان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1024)
في نفسها حرج وضيق من كون الزوجة الثانية قد ترث مثلها
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي تزوج من امرأة ثانية من فترة وهذا بعد زواجه من أمي لمدة خمسة وعشرين سنة. منذ ذلك الوقت الوالدة مقهورة أن هذه المرأة سترث كما سترث وهي تقول: أنا تعبت طيلة هذه السنين وتأتي هذه المرأة وتحصل من الإرث نفس القسمة التي سأحصلها، أنا لا أقبل بهذا أبدا. وعندما سألت شيخا بخصوص هذا الموضوع قال لي إن في بلاده عرفاً في الورث وهو أن المرأة الثانية لا ترث من الممتلكات التي وجدت خلال فترة زواج الرجل الأول وفي فترة الزواج الثاني كلا الزوجتين ترثان مما زاد من الممتلكات. فهل هذا يصح؟ وهل توجد حلول أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قد أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع، يجمع بينهن، كما قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) النساء/3.
وإذا تزوج الرجل بثانية، ثم مات، اشتركت الزوجتان في إرثه، لا مزية لواحدة على الأخرى، وتدخلان في قوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12.
هذا حكم الله تعالى، وهو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يسلم وينقاد ويذعن، وألا يكون في نفسه حرج ولا ضيق من حكم الله تعالى وما شرعه، كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) الأحزاب/36.
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
والنصيحة للوالدة الكريمة أن تتقي الله تعالى، وأن ترضى بما قسم سبحانه، وأن توقن بأن حكم الله تعالى هو العدل والرحمة والخير والهدى (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
وأن تحذر أشد الحذر من الاعتراض على حكم الله أو الرفض له أو وجود الحرج والضيق النفسي منه، فإن ذلك عظيم الخطر.
ولا يدري الإنسان أيكون وارثا أو موروثا، فلم التعلق بالدنيا والركون إليها مع خسارة الدين بالاعتراض وعدم الرضى بما قسم الله؟
ثانيا:
الممتلكات التي وجدت خلال فترة الزواج الأول، على نوعين:
الأول: ما انتقلت ملكيته من الزوج إلى الزوجة بهبة أو لكونه جزءا من صداقها أو غير ذلك، فهذا صار ملكا للزوجة، ولا يدخل في تركة الزوج إن مات. ومثاله: أن يهب الزوج لزوجته بيتا أو ذهبا أو أثاثا. أو أن يكون الذهب أو الأثاث جزءا من المهر، كما هو العرف في بعض البلدان.
الثاني: ما كان ملكا للزوج واستمرت ملكيته له حتى مات، فهذا يدخل في تركته، ويوزع على جميع ورثته حسب أنصبائهم. ومثاله: أن يكون للزوج عقارات أو نقود، ملكها قبل زواجه الأول، أو بعده، أو بعد زواجه الثاني، ولم يُخرجه من ملكه بهبة ونحوها، فهذا يدخل في تركته بعد موته.
ولعل ما ذكره الشيخ المشار إليه ينطبق على أثاث البيت ونحوه، مما تعارف الناس في بعض البلدان على أنه من مهر الزوجة، فيكون ملكا لها، ولا يدخل في تركة الزوج.
وكذلك مؤخر الصداق (المهر) للزوجة أن تأخذه من التركة قبل قسمتها؛ لأنه في حكم الديْن.
وبعض الأزواج يهبون الزوجة الأولى بعض المال أو العقار ليكون ملكا لها، وهذا إن كان قبل الزواج الثاني فلا حرج فيه، وإن كان بعده فلا يجوز إلا أن يعطي الأخرى مثلها، وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء: لي زوجتان، وأريد أن اشتري ذهباً لإحداهما على سبيل الهدية. فهل يجوز لي ذلك؟ أم يكون هذا من عدم العدل بين الزوجات. مع العلم أنني غير مقصر في حقوق الزوجة الأخرى.
فأجابت: " من كان له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن، ولا يحل له أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخرى من النفقة والسكنى والمبيت، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) . وفي رواية: (يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/295، 347، 471) وأخرج النسائي وابن ماجة في سننهما نحوه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) أخرجه أبو داود في سننه (2/601) ، وأخرج الترمذي في "الجامع" نحوه.
وفي هذه الأدلة دليل على توكيد وجوب العدل بين الضرائر، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخسٌ لحق الأخرى دون ميل القلوب، فإن ميل القلب لا يملك؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القَسْم بين نسائه ويقول: (اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك) (يعني المحبة القلبية) .
وعلى ذلك لا يحل لهذا الزوج أن يخص زوجته بشيء مما يملكه دون الأخرى، فإذا وهب لإحدى زوجاته داراً ونحوها وجب عليه أن يسوي بين زوجاته في ذلك، فيعطي كل واحدة مثل ذلك أو قيمته، إلا أن تسمح الزوجة الثانية في ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/189) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1025)
ندم على زواجه الأول ويريد الزواج من ثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ سنة ونصف، ولم أجد في زوجتي ما يُعِفُّني؛ لأنها ليست جميلة، وشعرت بالندم بعد الزواج، الأمر الذي يجعلني أفكر في الزواج من أخرى، بالرغم من أن زوجتي تحبني جدا، وهى طيبة، ولكن مشكلتي أني أنظر إلى النساء بغرض الزواج؛ ولكن عندما أثير قضية الزواج بأخرى لزوجتي، ترد على بأنها لا تستطيع العيش معي في وجود امرأة أخرى!!
فماذا أفعل، وأنا لا أريد أن أطلقها؟!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن مشكلتك الحقيقية هي ما ذكرت من نظرك إلى النساء، ولو كان بغرض الزواج كما تقول؛ فإن من نظر إلى النساء، رق دينه، وضعف إيمانه، وهانت عنده زوجته، وهام بالحياة مع غيرها، وهذا ـ بالطبع ـ يزيده من نفورا من زوجته، ويزيد قلبه تعلقا بالزواج الثاني، ظنا منه أنه المخرج. ومن خبر أحوال الناس علم أنهم بهذا النظر المحرم، يستقبحون اليوم ما كان بالأمس جميلا، والجديدة تمر عليها الأيام فتصير قديمة مملولة؛ فلا يهدأ لهم بال، ولا يستقر لهم رأي، ولا تكفيهم زوجة ولا اثنتان.
ولهذا نقول: اتق الله تعالى، وغض بصرك عما حرم الله، وعد إلى زوجتك فتأمل ما فيها من المحاسن، وما تحلت به من الشمائل، وستجد خيرا كثيرا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (2672) .
والفرْك: البغض.
ومن أراد الزواج لم يُبح له أن ينظر في كل غاد ورائح، بل يباح له النظر إلى المخطوبة متى عزم واستقر في نفسه خطبتها، كأن يُخبر عن امرأة، فيرضى دينها وخلقها وأهلها، ثم يبقى النظر إليها، فيباح له ذلك بعلمها وبدون علمها، نظرا من غير شهوة.
وأما ما يفعله البعض من إطلاق النظر إلى النساء يمينا وشمالا، بحجة اختيار إحداهن، فهذا محرم، لا تأتي به شريعة، ولا تقبله فطرة، ولا يرضاه أحد لنفسه وأهله.
ونظنك ـ أخانا السائل ـ تدرك ذلك كله، وتدرك في قرار نفسك أن قضية اختيار زوجة ثانية عن طريق النظر في النساء الرائحات والغاديات، ما هي إلا حيلة، احتال الشيطان عليك بها من أجل أن يوقعك في النظر المحرم الذي لا يزيدك الاستمرار فيها إلا تعبا ونكدا وتنغيصا، عدا ما فيه من معصية الرحمن جل جلاله، وطاعة الشيطان، والوقوع في حباله.
ثانيا:
يباح للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع، إذا كان قادرا ماديا وبدنيا، وكان يرجو من نفسه العدل بين نسائه.
ولا يشترط في زواجه الثاني إذن الزوجة الأولى، وغالب النساء لا يرضين بالتعدد، ويرين استحالة الحياة مع وجوده! وهذا راجع إلى أسباب كثيرة منها الدعايات الإعلامية المغرضة، التي جعلت من التعدد جريمة ومنكرا، وعارا ومذمة على الزوجة الأولى، ومنها سوء استعمال الرجال لهذا الحق، وجنوح عدد منهم إلى الظلم والتجاوز، إلا من عصم الله تعالى.
وعلى العاقل أن ينظر في حال أهله ومدى استعدادهن لقبول التعدد، وأن يوازن بين حياته المستقرة الآن، وبين ما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، وأن يقدر تقديرا صحيحا - بعيدا عن العاطفة – مدى حاجته للزوجة الثانية، ومدى قدرته على القيام بمسئولية بيتين، وأسرتين، وأن يستخير الله تعالى قبل الإقدام على أمر الزواج، وأن يحسن الاختيار، حتى لا يعود بالندم، ويدرك بعد فوات الأوان أنه يبحث عن شيء لن يدركه، ولو تزوج من النساء من تزوج.
فإذا وقع في قلبه أمر الزواج الثاني، وكانت ظروفه العامة تسمح به، على ما قلناه، وكان جادا في إمضائه، فهنا ـ فقط ـ يباح له النظر إلى المرأة التي وقع في نفسه خطبتها.
على أننا ننبهك هنا إلى خطأ يقع فيه كثير من الأزواج، حين ينغص على نفسه وعلى أهل بيته عيشهم بإثارة هذه القضية بين الحين والآخر؛ فما الفائدة من إثارة هذه القضية المنغصة: أتريد أن تميتها موتتين؟!!
حينما تكون جادا، ونظن أن هذا الأمر سابق لأوانه جدا بالنسبة للفترة القصيرة التي أمضيتها في تجربتك الأولى، فتوكل على الله، وساعتها يكون لكل حادث حديث، كما يقولون!!
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1026)
زواج المسيار، تعريفه، وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[طرح على موقع ... " زواج المسيار "، فما هذا الزواج؟ وهل هو حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زواج المسيار هو: أن يعقد الرجل زواجه على امرأة عقدًا شرعيّاً مستوفي الأركان والشروط، لكن تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها كالسكن أو النفقة أو المبيت.
والأسباب التي أدت إلى ظهور هذا الزواج كثيرة، منها:
1. ازدياد العنوسة في صفوف النساء بسبب انصراف الشباب عن الزواج لغلاء المهور وتكاليف الزواج، أو بسبب كثرة الطلاق، فلمثل هذه الأحوال ترضى بعض النساء بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة وتتنازل عن بعض حقوقها.
2. احتياج بعض النساء للبقاء في بيوت أهاليهن إما لكونها الراعية الوحيدة لبعض أهلها، أو لكونها مصابة بإعاقة ولا يرغب أهلها بتحميل زوجها ما لا يطيق، ويبقى على اتصال معها دون ملل أو تكلف، أو لكونها عندها أولاد، ولا تستطيع الانتقال بهم إلى بيت زوجها ونحو ذلك من الأسباب.
3. رغبة بعض الرجال من المتزوجين في إعفاف بعض النساء لحاجتهن لذلك، أو لحاجته للتنوع والمتعة المباحة، دون أن يؤثر ذلك على بيته الأول وأولاده.
4. رغبة الزوج أحياناً في عدم إظهار زواجه الثاني أمام زوجته الأولى لخشيته مما يترتب على ذلك من فساد العشرة بينهما.
5. كثرة سفر الرجل إلى بلد معين ومكثه فيه لمدد متطاولة، ولا شك أن بقاءه فيه مع زوجة أحفظ لنفسه من عدمه.
فهذه أبرز أسباب ظهور مثل هذا الزواج.
ثانياً:
اختلف أهل العلم في حكم هذا النوع من الزواج إلى أقوال، فمن قائل بالإباحة إلى الإباحة مع الكراهة إلى المنع منه، وننبه هنا على أمور:
الأول: أنه لم يقل أحد من أهل العلم ببطلانه أو عدم صحته، بل منعوا منه لما يترتب عليه من مفاسد تتعلق بالمرأة من حيث إنه مهين لها، ومن تعلقه بالمجتمع من حيث استغلال هذا العقد من قبل أهل السوء وادعاء أن عشيقها هو زوجها، ومن تعلقه بالأبناء حيث سيكون تضييع لهم ولتربيتهم بسبب غياب الأب.
الثاني: أن بعض من قال بإباحته رجع إلى التوقف عن القول بإباحته، ومن أبرز من قال بإباحته هو الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، ومن أبرز من قال كان يقول بإباحته ثم توقف فيه هو الشيخ العثيمين، كما أن من أبرز من قال بالمنع منه بالكلية هو الشيخ الألباني.
الثالث: أن من قال بإباحة هذا الزواج لم يقل بتوقيته بزمان محدد مشابهة للمتعة، ولم يقل بجوازه من غير ولي؛ إذ الزواج من غير ولي باطل، ولم يقل بجواز انعقاده من غير شهود أو إعلان، بل لا بدَّ من أحدهما.
ثالثاً:
أقوال العلماء في هذا الزواج:
1. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عن زواج المسيار، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتها، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، فما حكم الشريعة في مثل هذا الزواج؟ .
فأجاب:
"لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) ، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً، أو في أيام معينة، أو ليالي معينة: فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه" انتهى.
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 450، 451) ، و" جريدة الجزيرة " عدد (8768) الاثنين 18 جمادى الأولى 1417هـ.
هذا، وقد نقل بعض تلامذة الشيخ رحمه الله أنه توقف عن القول بإباحته آخر أمره، لكن لم نجد شيئاً مكتوباً حتى نوثقه.
2. وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله:
يدور كلام كثير حول تحريم وتحليل زواج المسيار، ونود من سماحتكم قولا فصلاً في هذا الشأن مع بيان شروطه وواجباته إن كان في حكم الحل؟ .
فأجاب:
"شروط النكاح هي تعيين الزوجين ورضاهما والولي والشاهدان، فإذا كملت الشروط وأعلن النكاح ولم يتواصوا على كتمانه لا الزوج ولا الزوجة ولا أولياؤهما وأولم على عرسه مع هذا كله فإن هذا نكاح صحيح، سمِّه بعد ذلك ما شئت" انتهى.
" جريدة الجزيرة " الجمعة 15 ربيع الثاني 1422 هـ، العدد: 10508.
3. وقد سئل الشيخ الألباني عن زواج المسيار فمنع منه لسببين:
الأول: أن المقصود من النكاح هو " السكن " كما قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21، وهذا الزواج لا يتحقق فيه هذا الأمر.
والثاني: أنه قد يقدَّر للزوج أولاد من هذه المرأة، وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها سينعكس ذلك سلباً على أولاده في تربيتهم وخلقهم.
انظر: " أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة " (ص 28، 29) .
4. وكان الشيخ ابن عثيين رحمه الله يرى الجواز ثم توقف فيه بسبب ما تخلله من فساد في التطبيق من بعض المسيئين.
والذي نراه أخيراً:
أن زواج المسيار إذا استوفى شروط الزواج الصحيح من الإيجاب والقبول ورضا الولي والشهود أو الإعلان: فإنه عقد صحيح، وهو صالح لأصنافٍ معينة من الرجال والنساء تقتضي ظروفهم مثل هذا النوع من العقود، وأنه قد استغل هذا الجواز بعض ضعاف الدين، لذا فالواجب عدم تعميم هذه الإباحة بفتوى، بل يُنظر في ظرف كلٍّ من الزوجين، فإن صلح لهما هذا النوع من النكاح أجيز لهما وإلا منعا من عقده؛ وذلك منعاً من التزوج لأجل المتعة المجردة مع تضييع مقاصد النكاح الأخرى، وقطعاً للسبيل أمام بعض الزيجات التي يمكن الجزم بأنها ستكون فاشلة وتسبب ضياع الزوجة، كمن يغيب عن امرأته الشهور الطويلة ويتركها في شقة وحدها تنظر إلى القنوات، وتتصفح المنتديات، وتدخل عالم الإنترنت، فكيف يمكن لمثل هذه المرأة الضعيفة أن تقضي وقتها؟! وهذا بخلاف من كانت تعيش مع أهلها، أو مع أبنائها، وعندها من الدين والطاعة والعفاف والستر ما يمكن أن يصبرها أثناء غياب زوجها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1027)
زوجته حامل ويريد أن يتزوج بثانية فهل يؤخر العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج ولدى أسرة رائعة. لقد تلقيت اتصالاً من أخت كنت أنوي الزواج بها قبل هذا الموقف الحالي. لقد تمت إثارة موضوع تعدد الزوجات ومن خلال المزيد من المحادثات بدأت في اتخاذ الخطط لتوسيع أسرتي. لقد استمر اتصالنا لفترة من الزمن عبر الإنترنت والهاتف. ولأن زوجتي كانت حاملا فقد كنت أقوم بتأجيل أي فرصة للزواج الفعلي. وأنا أريد عقد القران حتى لا أقع في الإثم. بم تنصحني؟ وهي تتمنى الزواج ولا ترغب في الانتظار. هل يمكننا عقد القران وتأجيل الدخول إلى أن تضع زوجتي طفلها؟ أم أنني يجب أن أنتظر وأتوب إلى الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للرجل أن يتزوج بواحدة وثانية وأن يجمع بين أربعة نسوة، لقوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3.
وهذا مشروط بوجود القدرة المادية والبدنية وتحقيق العدل.
ثانيا:
لك أن تعقد الزواج الآن، وتؤخر الدخول إلى أن تضع زوجتك الأولى حملها، ولك أن تجمع بين العقد والدخول، إذ لا علاقة لحمل زوجتك بزواجك الثاني.
ولا شك أن في مثل حالتك تعجيل عقد النكاح أولى حتى لا تقع في محرم، فبالعقد تصبح المرأة زوجة لك يجوز لك محادثتها والخلوة بها ولمسها...... وكل شيء يباح للرجل من زوجته.
ولكن عليك أن تتقي الله تعالى وتعدل بين الزوجتين، ولا يجوز لك أن تميل إلى إحداهما على حساب الأخرى.
ولا يجوز لك إقامة علاقة مع امرأة أجنبية، وإن كان قد حصل شيء من ذلك فالواجب هو التوبة إلى الله تعالى، وقطع هذه العلاقة، حتى يتم عقد النكاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1028)
الخروج إلى زوجته الثانية التي تسكن مع أمه في غير يومها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت إحدى الزوجتين تسكن مع حماتها المريضة التي تحتاج للرعاية، هل يجوز للزوج الذهاب لأمه لتفقد حالها قليلا من الوقت ثم الذهاب إلى صاحبة النوبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للزوج أن يذهب إلى زوجته الثانية نهاراً إذا كان ذلك لحاجة، كالاطمئنان عليها، أو تسليمها نفقة أو أخذ شيء من البيت ونحو ذلك.
وله أن يستمتع بها بما شاء إلا الجماع، ولكن ليس له أن يطيل المقام عندها.
أما إذا كان ذلك ليلاً، فلا يجوز ذهابه إليها إلا لضرورة كاشتداد مرضها، أو حصول حريق ونحو ذلك.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (106513) .
ولكن الذي يظهر أن خروجك لزيارة والدتك المريضة والسؤال عنها يجوز ليلاً ونهاراً، ما دمت قاصداً زيارة والدتك، ولم تقصد زيارة زوجتك.
وعليك في هذه الحال أن تكون زيارتك بقدر الحاجة، فإذا حصل المقصود من الاطمئنان على والدتك ورعايتها ومساعدتها فيما تحتاج إليه وإيناسها فإنك تنصرف إلى زوجتك الأخرى، ولا تطيل الجلوس عند والدتك من غير حاجة داعية إلى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1029)
إباحة التزوج بأكثر من امرأة يشمل جميع الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو هل ممكن الحصول على دليل نصي على أن القائد في الإسلام، أو صاحب الرتبة العالية له أنه يتزوج أكثر من زوجة واحدة، أو أن الذي يتزوج زوجتان أو أكثر يجب أن يكون قائدا؟ الرجاء الإدلاء بالحكم والمصدر لهذا الحكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد قال الله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) النساء/3.
وهذه الآية عامة في إباحة التزوج بأكثر من امرأة لجميع الرجال دون تخصيص أحد من المكلفين بهذا الحكم دون غيره، وذلك ما لم يوجد مانع معتبر شرعا يمنع من التعدد.
ويمكن مراجعة تفاصيل أخرى حول تعدد الزوجات، وحكمه في إجابة الأسئلة (14022) ، (49044) ، (36486) .
وقد أجمع أهل العمل على مشروعية ذلك، من حيث الجملة، وأنه لا يجوز لأحد من الأمة أن يجمع بين أكثر من أربع.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قَالَ [يعني: الخرقي] : (وَلَيْسَ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا , وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُ مِنْهُمْ , إلَّا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ , أَنَّهُ أَبَاحَ تِسْعًا ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} . وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ ; وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ عَنْ تِسْعٍ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ , وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ , حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا , وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ.} وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: {أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ , فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَارِقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ.} رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ , فِي " مُسْنَدِهِ ". وَإِذَا مُنِعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ زِيَادَةٍ عَنْ أَرْبَعٍ , فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى , فَالْآيَةُ أُرِيدَ بِهَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ , كَمَا قَالَ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ , وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: تِسْعَةً. وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ مَعْنًى , وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ. وَأَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَخْصُوصٌ بِذَلِكَ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ.
" انتهى من المغني (7/65) .
وأما ما ذكرت من التخصيص بجواز ذلك للقائد دون غيره فليس له دليل في كتاب الله أو سنة رسوله، ولا نعلم أحدا من المنتسبين إلى العلم قال به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1030)
هل يتزوج الثانية وله حاجة ملحة وقد يؤدي لطلاق الأولى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 48 عاماً، متزوج منذ 20 عاماً ولي 3 أولاد، زوجتي امرأة فاضلة جدّاً، رزقني الله رزقاً واسعاً من فضله، أريد أن أتزوج أي أخت مسلمة بحيث يكون هذا الزواج عظيم النفع لها، مثل الأرملة ذات الأيتام الفقراء، أو المطلقة لأنها لا تنجب، أو البكر التي تعدت سن الزواج وهنَّ كثيرات جدّاً، ويشتكين عدم الزواج، والمشكلة في اعتراض الزوجة الأولى وتهديدها بالطلاق، وأنا لا أريد خسارتها لدينها الذي تبذل من أجله ما تستطيع وتحب جميع شرائعه، إلا موضوع تعدد الزوجات هذا، فهي مثل أغلب النساء في مصر لا تطيقه، علما بأني أحتاج هذا الأمر لدفع فتنة النساء فما هو التصرف السليم مع هذه الزوجة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أباح الله عز وجل التعدد للرجل القادر على العدل بين نسائه في النفقة والكسوة والمبيت، وحرَّم على من لم يقدر على العدل أن يعدد، قال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) النساء / 3، ومعنى " تعولوا " أي: تظلموا وتجوروا.
قال الشيخ الفوزان – حفظه الله -:
والآية الكريمة تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام: فله أن يعدِّد الزوجات إلى أربع، والذي ليس عنده الاستعداد يقتصر على واحدة، أو على ملك اليمين.
والعدل هاهنا هو العدل المستطاع، وهو القَسم والنفقة والسكن، وأما العدل غير المستطاع فهو المحبة القلبية، وهذا لا دخل له في منع التعدد.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 252) .
ويجب أن تعلم المرأة أن كراهيتها لحكمٍ من أحكام الله تعالى قد يكون كفراً أو قد يؤدي بها إلى الكفر المخرج من الملة.
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
ما حكم من يَكرَه ويُكرِّه الناس من الزواج بأربع زوجات؟ .
فأجاب:
لا يجوز للمسلم أن يكره ما شرعه الله وينفِّر الناس منه، وهذا يعتبر ردة عن دين الإسلام؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد / 9] ؛ فالأمر خطير، وسببه التأثر بدعايات الكفار الذين ينفرون من الإسلام، ويلقون الشبه التي تروج على السذج من المسلمين، الذين تخفى عليهم حكم التشريع الإسلامي التي من أعظمها تشريع تعدد الزوجات؛ لما فيه من مصلحة النساء قبل الرجال.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 251) .
على أنه ليس من اللازم، إذا غارت المرأة على زوجها، أو غضبت من زواجها بأخرى، أن تكون كارهة لهذه التشريع الإلهي؛ بل هناك من النساء من تعلم أن ذلك من شرع الله، وتؤمن بما أنزل الله من شرعه، وتحب دينه، إلا أنها تكره أن تزاحم في زوجها، وتغار من ذلك، لضعف نفسها، وغلبة طبعها من غير أن تحرم ما أحل الله، أو تكره شرعه.
وما ينوي الزوج فعله من التزوج بالأرملة أو المطلقة أو من فاتها الزواج من الأبكار، أمرٌ يُشكر عليه، وينبغي تشجيعه عليه من قبَل الناس، ومن قبَل زوجته، فهذا من الأخلاق النبيلة، ويجب على الزوجة أن تحب لغيرها ما تحب لنفسها، فهي تحب أن يكون لها زوج وأولاد، فكذلك ينبغي أن تحب لغيرها هذا، بل لو كانت ابنتها على مثل هذه الحال لتمنت الزوج الذي يستر عليها ويحفظها ولو كان متزوجاً من أكثر من واحدة، فلتعلم أن هذا هو شعور النساء وأمهاتهن.
ومما لاشك فيه أن تعدد الزوجات هو من الحلول المثلى لمشكلة العنوسة التي تفشت في بلاد المسلمين، وتسببت في حوادث مميتة وأخلاق ساقطة.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
إن من أسباب القضاء على العنوسة تعدد الزوجات؛ فكون المرأة تتزوج من رجل يقوم بكفالتها ويصونها وتأتيها منه ذرية صالحة ولو كانت رابعة أربع: أحسن من كونها تبقى أيِّمًا محرومة من مصالح الزواج ومعرضة للفتنة، وهذا من أعظم الحِكَم في مشروعية تعدد الزوجات، وهو في صالح المرأة أكثر منه في صالح الرجل، وكون المرأة قد تجد مشقة في معايشة الضرة: يقابله ما تحصل عليه من المصالح الراجحة في الزواج، والعاقل يقارن بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، ويعتبر الراجح منها، ومصالح الزواج أرجح من المضار المترتبة على التعدد إن وجدت.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 168) .
قالت إحدى النساء العاقلات:
" بعدما وصلت العنوسة إلى كل البيوت , فلن أقف في طريق زوجي أبدا، بل أنا التي سأدفعه إلى أن يستعد للزواج بأخرى، فغيرتي على ديني أكبر من غيرتي على زوجي ".
وإذا لم تشترط المرأة ذلك في عقد النكاح: فلا يجوز لها أن تطلب الطلاق، فإن فعلت فهي آثمة.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود (2226) وابن ماجه (2055) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه " (1685) .
وننصح المرأة وكل امرأة تزوج عليها زوجها أن ترضى بحكم الله، وتسأل الله أن يذهب ما في قلبها من الغيرة وأن تصبر وتبقى عند زوجها.
ونقول – أخيراً – للزوج الفاضل: لا تبنِ بيتاً على حساب آخر، ولا تتزوج أخرى والثمن طلاق الأولى، فمقصودك من التعدد مقصود طيب، لكن قد لا يتيسر لك الأمر بسهولة، فيمكنك التدرج مع زوجتك لإقناعها بالأمر عن طريق تقوية إيمانها، ودلالتها على نماذج فاضلة، وعدلٍ متحقق عند إخوة لك معددين، ولا تتعجل بالأمر قبل نجاحك في هذا الأمر، وقد قالت امرأة تزوج زوجها من عانس وقد ظلم الأولى في معاملته – تخاطب صحافية -:
" اكتبي لمن يرى في التعدد الحل لمشاكل العوانس والمطلقات: أن الرجال يحلون مشكلة امرأة على أنقاض امرأة أخرى! ويبنون بيوتاً على هدم بيوت أخرى عندما يعجزهم العدل ".
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1031)
تريد أن تتزوج رجلاً والقانون لا يبيح له التعدد، فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت مؤخرا، وقبل أن أسلم، كنت أواعد مسلما متزوجا. وقد أحب كل منا الآخر، ونحن لا نزال على علاقتنا إلى الآن؛ أنا أشعر بالذنب الشديد؛ أنا أحبه، وهو يحبني؛ وأنا أفهم بأن علي أن أنهي العلاقة معه إذا لم نجد حلا لمشكلتنا.
إنه يشعر بالذنب كما أشعر به أنا؛ وقد طلب مني أن أتزوج به، لكنه متزوج، ونحن نعيش في بلاد لا تجيز التعدد. هل توجد أية طريقة لأن نتزوج بطريقة إسلامية، لكن لا تعترف به الدولة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نحمد الله تعالى أن هداك للإسلام، ونسأله سبحانه أن يزيدك هدى وتقوى.
ثانياً: الإسلام يجيز التعدد، حتى لو كنتم في بلد لا تجيز التعدد. فالله عز وجل يقول: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء /3.
وفي حديث ابن عباس في البخاري: خير هذه الأمة أكثرها نساءً. فالنبي صلى الله عليه وسلم عدَّدَ، وكذلك الخلفاء الراشدون، والإجماع قائم على ذلك؛ وبإمكان الأخت السائلة أن تتزوج بهذا الرجل؛ بحيث يحضر الولي والشاهدان، ويعلن النكاح، لتكتمل الأركان والشروط، ولا يشترط أن يكون ذلك مسجلاً في الأوراق الرسمية. ولا يشترط كذلك أن تعلم به زوجته الأولى. هذا إذا أمكن؛ وإن لم يمكن فالنصيحة للأخت السائلة أن تعزف بقلبها عن هذا الرجل؛ ما دام أن الأمر فيه صعوبة، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق /2. وقل عز وجل: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ) النساء /130.
فقد يكون الخير كل الخير في ترك الزواج من هذا الرجل؛ ويوفقها الله عز وجل بزوج آخر، وقد أصابت في قولها: " وأنا أفهم بأن علي أن أنهي العلاقة معه إذا لم نجد حلا لمشكلتنا ".
فعليها أن تصرف قلبها للعبادة؛ وتعلُم أحكام الإسلام وتقوية الإيمان وتكثر من اللجوء والتضرع الى الله عز وجل بالتوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ خالد بن علي المشيقح(6/1032)
إذا تزوج زوجي بثانية فهل لي أجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أجر الزوجة الأولى إذا صبرت على زواج زوجها بامرأة أخرى؟ هل هناك أجر خاص لهذه الحالة أم أنه نفس الأجر الذي تناله أي زوجة في طاعة زوجها وأدائها لفروضها؟ إذا عرفت أن هناك أجرا خاصا لهذا فسيساعدني على قبول هذا الحال بسهولة أكبر.
قيل لي إن أجر المرأة التي تصبر على هذا أكبر من أجر المؤمن الذي يذهب للجهاد، وبما أن الحج هو جهاد المرأة فإن قبول التعدد أعظم من الجهاد. هل هناك دليل على هذا؟ وهل تعلم أن هناك أي أجر آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم نقف على دليل صحيح يتضمن ما ذكرت من الأجر، لكن روى الطبراني من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى كتب الغيرة على النساء والجهاد على الرجال، فمن صبر منهن إيمانا واحتسابا كان لها مثل أجر الشهيد " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم 1626
ثانياً:
إن صبر المرأة على طاعة زوجها سبب من أسباب دخول الجنة، كما في الحديث الذي رواه ابن حبان " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 660
وصبرها على زواج زوجها بامرأة أخرى له أجر خاص فوق هذا من عدة وجوه:
الأول: أن زواج زوجها عليها يعد ابتلاء وامتحانا لها، فإن صبرت على ذلك كان لها أجر الصبر على البلاء، كما قال الله (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر /10.
وفي الحديث " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري (5642) ومسلم (2573) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.
وروى الترمذي (2399) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5815
الثاني: أن المرأة إن قابلت ذلك بالإحسان إلى زوجها وإلى الزوجة الأخرى كان لها جزاء المحسنين (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) يوسف / 90، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) الرحمن /60، (وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت /69.
الثالث: أنها إن حصل لها غيظ من ذلك، فكظمت غيظها، وكفت لسانها كان لها من كظم غيظه، قال الله عن أهل الجنة (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) آل عمران /134.
فهذه أجور زائدة على أجر طاعة المرأة لزوجها في الأحوال العادية.
وينبغي للمرأة العاقلة أن ترضى بما قسم الله تعالى لها، وأن تعلم أن زواج زوجها من امرأة أخرى أمرٌ مباح فلا وجه للاعتراض عليه. وقد يكون في زواجه مزيد إعفاف وإحصان له، يمنعه من الوقوع في الحرام.
ومن المؤسف حقا أن من النسوة من يكون اعتراضهن على اقتراف الزوج للحرام أقل من اعتراضهن على زواجه بامرأة أخرى في الحلال، وهذا من قلة العقل ونقص الدين.
وينبغي للمرأة أن يكون لها أسوة حسنة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصبرهن واحتسابهن مع وجود الغيرة عند كثير منهن، فإن أقدم زوجك على الزواج بثانية فعليك بالصبر والرضا والإحسان إليه لتنالي أجر الصابرين والمحسنين.
واعلمي أن هذه الحياة حياة ابتلاء واختبار وما أسرع انقضائها، فهنيئا لمن صبر فيها على طاعة الله حتى يفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1033)
هل يجوز لشخص متزوج من امرأتين أن يذهب لزوجته الأولى كل يوم من أيام الأسبوع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يقوم بالتالي: يأتي لبيتي يومين في الأسبوع متأخراً بعد العشاء ويذهب قبل الفجر، يأخذ زوجته الأولى للعمل كل يوم ويأخذ أطفالها لمدارسهم، يتركني آخذ أطفالي للمدارس وأذهب للعمل بمفردي، يفعل هذا مرة أخرى بعد نهاية الدوام، يذهب لبيتها ويمدد رجليه وإذا لم يبق شيء يفعله هناك يأتي لبيتي في وقت متأخر من الليل.
لا يخصص أياماً معينة لي ولأولادي، يظن بأنه يمكن أن يفعل أي شيء يريده أثناء النهار ويمكن أن يذهب لبيته الثاني أغلب الوقت ما دام أنه يأتي لعندي في الليل، يقضي كل رمضان في المسجد معها.
والعذر الوحيد له أنني لا أتفق معها فقرر أن يتصرف حسبما يراه مناسباً.
هذا الحال تسبب في خلاف كبير بيننا، ولذلك فأنا أريد الطلاق من زوجي بسبب الظلم الذي يقع علي ولا أستطيع أن أكون معه تحت الظروف الحالية، لأن زوجي لا يخاف الله لدرجة كافية تجعله يرى أن ما يفعله خطأ وأنه سيحاسب عليه يوم القيامة، ولا يبدو أنه سيتغير، وهذا غير مقبول بالنسبة لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج من النساء بأربع، لما في ذلك من المصالح العظيمة التي ليس هذا مقام بسطها والإسهاب فيها، ولكنه مع هذا لم يترك المسألة هكذا تعود لرغبة الرجال وأهوائهم، بل ضبط المسألة بشروط وضوابط كي يتحقق من ذلك المقصود الأسمى من التعدد في النكاح.
وهذه المشكلة التي تعانين منها إنما تعود إلى الإخلال ببعض هذه الحقوق والضوابط،وهو الإخلال بحق القسم، إذ يجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته في القسم في يومه وليلته، فيقسم أيامه بينهن بالسوية، ولا يجوزله بعد ذلك أن يخص واحدة منهن بزيادة من أجل مبيت أو إقامة، إلا إن كان ذلك بطيب نفس من الأخرى، فيحق لها إسقاطه، أما بغير ذلك فلا يجوز مطلقاً، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء / 19، وليس من المعاشرة بالمعروف أن يخص واحدة من نسائه بهذا، وإليك بعض النصوص من كلام العلماء التي تبين ذلك:
قال الشافعي رحمه الله: ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك ... "الأم" (5/158) . وقال: ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن.أ. هـ."الأم" (5/280) .
وقال البغوي رحمه الله: إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر، سواء كن مسلمات أو كتابيات.. فإن ترك التسوية في فعل القَسْم: عصى الله سبحانه وتعالى، وعليه القضاء للمظلومة، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " (رواه: أبو داود (2/242) والترمذي (3/447) والنسائي (7/64) وابن ماجه (1/633) وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (3/310) والألباني "إرواء الغليل " (7/80)) –
وأراد بهذا الميل: الميل بالفعل، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم، قال الله سبحانه وتعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) معناه: لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب، فلا تميلوا كل الميل، أي: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم.. .أ. هـ. " شرح السنة (9/150-151) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له امرأتان.." فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا: بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم.أ. هـ " مجموع الفتاوى (32/269) .
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} ، وليس مع الميل معروف.أ. هـ. " المغني (8/138) .
وعلى هذا فما يفعله زوجك من عدم العدل في القسم هو معصية عظيمة عند الله، فالله تعالى لا يحب الظلم، ولا يحب الظالمين، وأما كونه يظن أنه يجوز له في اليوم الذي خصصه لك أن يذهب إلى زوجته الأخرى فهذا ظن خاطئ كذلك.
قال الشيخ منصور البهوتي " ويحرم أن يدخل إلى غير ذات ليلة إلا لضرورة، وفي نهارها إلا لحاجة " الروض المربع شرح زاد المستقنع6/449
وأما كونه يعتذر عن كل ما يفعل بأنك لا تتفقين مع زوجته الأولى، فهذا خطأ آخر، وليس من الحل لهذه القضية أن يقع في ظلم الآخرين، بل عليه أن يلتزم أوامر الشرع في حله لهذه القضية، لا أن يتصرف بما يراه هو مناسباً، ثم ماذا استفاد من فعله هذا؟ هل حل به المشكلة أم زادها تعقيداً؟!!
وأما بالنسبة لطلبك الطلاق منه، فلعل صبرك عليه أفضل مع بذلك الجهد في إصلاحه، فأنت تعلمين أن الطلاق حل متأخر جداً، لما يترتب عليه من مفاسد عديدة، فعليك أن تكثري من نصحه وتذكيره بالله تعالى، وبأن هذه الدنيا فانية وغداً سوف يلقى الله تعالى، فكيف سيجيبه عن هذا الظلم الواضح؟
كما يمكنك أن تخوفيه بأنه إذا استمر على هذه الحال فإنك ربما تطلبين الطلاق، عسى أن يفهم من هذا أنه لا يمكنك أن تتحملي مثل هذه التصرفات التي لا يُجيزها الشرع ولا العقل، وبإمكانك أيضاً الاستعانة بالعقلاء من أهلك لكي يكلموه في ذلك.
وعليك مع الصبر عليه أن تشتغلي بالدعاء الصادق أن يهديه الله، ويتوب عليه من هذا.
وأما قولك: (لا يبدو أنه سيتغير) فهذا ظن منك، وكم من ظالم وفاسق بل وكافر قد هداهم الله وأصلحهم، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
نسأل الله تعالى أن يهدي زوجك ويوفقكما لما فيه الخير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1034)
اقترض من زوجته ويريد أن يتزوج عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما تزوجت زوجي من 11 عاماً واقترض مني 40000 ريال ووقع ورقة بالدين وهو يتكلم عن أنه سوف يتزوج مما يعني أن معه مال كثير فهل لي أن أطالب بمالي أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع أن تطالب الزوجة بمالها من زوجها، فهو حق خالص لها، لكن ننبه إلى أمور:
1. لا ينبغي للزوجة أن تضيق على زوجها فقط من أجل أنه يرغب بالزواج من ثانية، والأصل أن يكون التعاون بين الناس – وبين الزوجين أولى وأحرى - على البر والتقوى، وأن لا يضيَّق على مريد الحلال.
2. لا ينبغي لصاحب المال أن يطالب المعسِر بدَيْنه، وقد قال الله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرَة إلى ميسرة} البقرة / 280.
3. لا يحل للمدين والذي يجد من المال ما يسدد به دينه أن يماطل بسداد ديْنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مطلُ الغني ظلم ".
رواه البخاري (2166) ومسلم (1564) .
4. لا نرى للزوج أن يتزوج من مال زوجته، فإن هذا مؤذٍ لها، فعليه أن يرد الدين لزوجته، فإن بقي معه ما يتزوج به تزوج وإلا فلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1035)
حكمة جواز التعدد للرجل دون المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي؟ أظن أن الإسلام يبيح للرجل أن يتزوج أكثر من زوجة واحدة إذا كان يستطيع أن يعيلهم جميعاً من جميع النواحي، فهل يجيز الإسلام للمرأة أن يكون لها أكثر من زوج؟ لماذا لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما لماذا لا يجيز الإسلام للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل واحد، فقد بيّن الأئمة رحمهم الله حكمة الرب عز وجل من ذلك، ومنهم الإمام ابن القيم – رحمه الله – حيث قال:
فذلك من حكمة الرب تعالى وإحسانه ورحمته بخلقه ورعاية مصالحهم، ويتعالى سبحانه عن خلاف ذلك، وينزّه شرعه أن يأتي بغير هذا، ولو أبيح للمرأة أن تكون عند زوجين فأكثر، لفسد العالم، وضاعت الأنساب، وقتل الأزواج بعضهم بعضاً، وعظمت البلية، واشتدت الفتنة، وقامت سوق الحرب على ساق.
وكيف يستقيم حال امرأة فيها شركاء متشاكسون؟ وكيف يستقيم حال الشركاء فيها؟ .
فمجيء الشريعة بما جاءت به من خلاف هذا من أعظم الأدلة على حكمة الشارع ورحمته وعنايته.
فإن قيل: فكيف روعي جانب الرجل، وأطلق له أن يسيم طرفه ويقضي وطره وينتقل من واحدة إلى واحدة بحسب شهوته وحاجته وداعي المرأة داعيه وشهوتها شهوته؟
فالجواب: لما كانت المرأة من عادتها أن تكون مخبأة من وراء الخدور ومحجوبة في كنّ بيتها وكان مزاجها أبرد من مزاج الرجل وحركتها الظاهرة والباطنة أقل من حركته وكان الرجل قد أعطي من القوة والحرارة التي هي سلطان الشهوة أكثر مما أعطيته المرأة وبُلي بما لم تُبْل به، أطلق له من عدد المنكوحات ما لم يطلق للمرأة، وهذا مما خص الله به الرجال وفضّلهم به على النساء كما فضلهم عليهن بالرسالة والنبوة والخلافة والملك والإمارة وولاية الحكم والجهاد وغير ذلك وجعل الرجال قوامين على النساء ساعين في مصالحهن يدأبون في أسباب معيشتهن ويركبون الأخطار ويجوبون القفار ويعرضون أنفسهم لكل بلية ومحنة في مصالح الزوجات.
والرب تعالى شكور حليم فشكر لهم ذلك وجبرهم بأن مكنهم مما لم يمكن منه الزوجات.
وأنت إذا قايست بين تعب الرجال وشقائهم وكدهم ونصبهم في مصالح النساء وبين ما ابتلي به النساء من الغيرة وجدت حظ الرجال أن تحمل ذلك التعب والنصب والدأب أكثر من حظ النساء من تحمل الغيرة.
فهذا من كمال عدل الله وحكمته ورحمته فله الحمد ما هو أهله.
انظر السؤال رقم (10009) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1036)
حكم تعدد الزوجات وشرطه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعدد الزوجات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أباح الله تعالى للرجال تعدد الزوجات حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) النساء/3.
فهذا نص في إباحة التعدد، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، ولا يجوز له الزيادة على الأربع، وبهذا قال المفسرون والفقهاء، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه.
وليُعلم أن التعدد له شروط:
1- العدل
لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) النساء/3، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة. والمقصود بالعدل هنا التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته.
وأما العدل في المحبة فغير مكلف بها، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها، وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) النساء/129 يعني في المحبة القلبية.
2- القدرة على الإنفاق على الزوجات:
والدليل على هذا الشرط قوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) النور/33. فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولكنه لا يجده وتعذر عليه، أن يستعفف، ومن أسباب تعذر النكاح: أن لا يجد ما ينكح به من مهر، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته ". المفصل في أحكام المرأة ج6 ص286
وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن التعدد أفضل من الاقتصار على زوجة واحدة. سئل الشيخ بن باز رحمه الله هل الأصل في الزواج التعدد أم الواحدة فأجاب: " الأصل في ذلك شرعية التعدد لمن استطاع ذلك ولم يخف الجور لما في ذلك من المصالح الكثيرة في عفة فرجه وعفة من يتزوجن والإحسان إليهن، وتكثير النسل الذي به تكثر الأمة، ويكثر من يعبد الله وحده. ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) النساء/3، ولأنه صلى الله عليه وسلم تزوج أكثر من واحدة وقد قال الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21، وقال صلى الله عليه وسلم لما قال بعض الصحابة: أما أنا فلا آكل اللحم وقال آخر: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال آخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) وهذا اللفظ العظيم منه صلى الله عليه وسلم يعم الواحدة والعدد ". مجلة البلاغ العدد 1015، فتاوى علماء البلد الحرام ص 386.
ويراجع جواب سؤال رقم (14022) للأهمية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1037)
تطالب زوجها بطلاق ضرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تركت بلدي لأعيش في بيئة تساعد على تعلم الإسلام، وقد مكنني الله من الوصول إلى عائلة محترمة تقوم على رعايتي، جزى الله أفرادها خيرا. فقد تولى الأب، في هذه العائلة، مسؤولية الولاية علي (حيث أن عائلتي غير مسلمة) – فكان يبحث لي عن زوج مناسب، وكان يقوم على الترتيبات اللازمة لسكني، ومصاريفي، وتلقيّ للتعليم الإسلامي. وبينما كنا نتناقش حول أمور زواجي المحتمل، لاحظ – المذكور – أن أغلب الصفات التي كنت أبحث عنها موجودة فيه. وقد ناقش الموضوع مع زوجته أولا، ثم فاتحني بالأمر بعدها بعدة أشهر.
إلا أن زوجته الأولى أوضحت لي بجلاء عن معارضتها للزواج، وطلبتُ من مسلم آخر أن يقوم مقام الولي عني، وبناء على نصيحته، ونصيحة بعض أصحاب العلم، وهم ممن عرفوه وعرفوا عائلته، وبعد العديد من الاستخارات، تزوجته. وسؤالي ينقسم إلى شقين – فالزوجة الأولى تدعي، الآن، أن زواجي بزوجها فيه نكران لجمائلها السابقة علي، وأني ظلمتها بقبولي طلب الزواج دون رجوعي إليها، ولأني وافقت على الزواج من زوجها وأنا أعلم أنها لن تكون سعيدة بذلك.
1- هل الأمور التي ادعتها مقبولة؟ هل أنا ظلمتها، وهل صداقتي السابقة بها أوجدت علاقة - بيني وبينها – كان من المفروض أن تمنعني من الزواج بزوجها؟ ومنذ ذلك الحين، وهي تصر على الطلاق إن استمر رجلها معي. ولأن الزوجة الأولى عندها 7 أطفال، وأنا لا أطفال عندي، فقد كانت المفسدة الناتجة عن طلاقها أعظم من طلاقي. ولذلك، فقد أجبرته أن يطلقني، مع أني تنازلت عن الكثير من حقوقي في الوقت وقبلت بشرطها وهو ألا يعلم أبناؤها بالموضوع.
2-هل من حقوق الزوجة الأولى أن تجبر زوجها على تطليق زوجته الثانية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها طلاق زوجته الثانية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم … لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها " رواه البخاري (5144) – واللفظ له – ومسلم (1413) .
وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها " رواه البخاري (2577) ، وبوّب له البخاري رحمه الله: باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح.
أ- قال ابن القيم رحمه الله: وتضمن حكمه صلى الله عليه وسلم بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها، وأنه لا يجب الوفاء به.أ. هـ. "زاد المعاد" (5/107) .
ب- قال الحافظ ابن حجر: قوله "لا يحل" ظاهر في تحريم ذلك. وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوِّز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج، أو للزوج منها …. قال ابن بطال: نفى الحل صريح في التحريم، لكن لا يلزم منه فسخ النكاح، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى، ولترضى بما قسم الله لها.أ. هـ. "الفتح" (9/274) .
ج- وقال النووي: ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل طلاق زوجته، وان ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازا.أ. هـ. "شرح مسلم" (9/193) .
وبناءً عليه، فلا يجوز للمرأة الأولى أن تطالب زوجها بطلاقك، ولا تلتفتي إلى ما تقوله، واعلمي أن هذا من الغيرة الموجودة عند النساء عموماً، بل قد وجدت الغيرة عند أفضل النساء وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، فالغيرة أمرٌ طبيعي.
ثانياً:
وأما كونها قد أحسنت إليك، فهذا عمل تؤجر عليه، ولكنه لا يُجيز لها أن تطالب زوجها بطلاقك.
فاصبري، وتجاهلي أمرها، وأحسني إليها قدر استطاعتك، ولتعلم الزوجة الأولى أنه ليس لها إلا ما قُدِّر لها كما في آخر الحديث السابق من رواية البخاري.
قال الحافظ ابن حجر:
ولهذا ختم بقوله " فإنما لها ما قُدِّر لها " إشارة إلى أنها وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلا ما قدره الله ... "الفتح" (9/275) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1038)
اختلاف النفقة على الزوجتين والإنفاق على أولاد الزوجة من غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني متزوج من زوجتين كل واحدة منهما تسكن في بيت مستقل، وأحاول أن أعدل بينهما في الأمور المالية وإحداهما لديها طفلان من غيري فهل يجب علي الإنفاق عليهما؟ أيضاً النفقات المالية الضرورية (الغذاء - الكهرباء - الغاز - النقل …) تختلف بين المنزلين. فكيف أعدل في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت واجب، إلا إذا تنازلت إحداهما عن شيءٍ من حقها، وكذلك العدل بين الأولاد لكن أولاد الزوجة من غيرك لا تلزمك نفقتهم إلا إذا لم يوجد من ينفق عليهم فنفقتهم على عموم المسلمين وأنت واحد منهم.
وإذا اختلف منزل عن آخر في بعض الضروريات تبعاً لكثرة إحدى العائلتين دون الأخرى فلا حرج، لكن بقدر الزيادة في الأفراد تكون الزيادة في النفقة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(6/1039)
حكم تعدد الزوجات والحكمة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت عندي رغبة حقيقية في الإسلام. وقد زرت هذا الموقع لأتعرف على كيفية الدخول في هذا الدين. وبينا أنا أتصفح الموقع، تعرفت على أمور كثيرة متعلقة بهذا الدين لم أكن أعرفها من قبل. وهذه الأمور شوشت علي، وربما أوصلتني إلى مرحلة العدول عن الدخول في الإسلام. أنا آسف لأني أشعر بذلك، لكنها الحقيقة. وأحد الأمور التي أزعجتني هو تعدد الزوجات، فأنا أريد أن أعرف أين ورد ذلك في القرآن، أرجو أن تقدم لي إرشادات تمكنني من العيش وفق تلك الصورة دون أن أفقد صوابي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الله قد ختم الرسالة بدين الإسلام الذي أخبر سبحانه بأنه لا يقبل ديناً غيره فقال: (إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يٌبقل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران/85.
وتراجعك عن دين الإسلام يعتبر خسارة لك وفقدٌ للسعادة التي كانت تنتظرك لو أنك دخلت في الإسلام.
فعليك بالمبادرة بالدخول في الإسلام، وإياك والتأخير فقد يؤدي بك التأخير إلى ما لا تُحمد عقباه ...
وأما ما ذكرت من أن السبب في تراجعك عن الإسلام هو تعدد الزوجات، فإليك أولاً حكم التعدد في الإسلام ثم الحِكَم والغايات المحمودة من التعدد ...
أولاً: حُكم التعدد في الإسلام:
- النص الشرعي في إباحة التعدد:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) النساء/3.
فهذا نص في إباحة التعدد فقد أفادت الآية الكريمة إباحته، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات، ولا يجوز له الزيادة على الأربع، وبهذا قال المفسرون والفقهاء، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه.
وليُعلم بأن التعدد له شروط:
أولاً: العدل
لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) النساء/3، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة. والمقصود بالعدل المطلوب من الرجل لإباحة التعدد له، هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته.
وأما العدل في المحبة فغير مكلف بها، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها، وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) النساء/129
ثانياً: القدرة على الإنفاق على الزوجات:
والدليل على هذا الشرط قوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) النور/33. فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح: من لا يجد ما ينكح به من مهر، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته ". المفصل في أحكام المرأة ج6 ص286
ثانياً: الحكمة من إباحة التعدد:
1- التعدد سبب لتكثير الأمة، ومعلوم أنه لا تحصل الكثرة إلا بالزواج. وما يحصل من كثرة النسل من جراء تعدد الزوجات أكثر مما يحصل بزوجة واحدة.
ومعلوم لدى العقلاء أن زيادة عدد السكان سبب في تقوية الأمة، وزيادة الأيدي العاملة فيها مما يسبب ارتفاع الاقتصاد – لو أحسن القادة تدبير أمور الدولة والانتفاع من مواردها كما ينبغي – ودع عنك أقاويل الذين يزعمون أن تكثير البشرية خطر على موارد الأرض وأنها لا تكفيهم فإن الله الحكيم الذي شرع التعدد قد تكفّل برزق العباد وجعل في الأرض ما يغنيهم وزيادة وما يحصل من النقص فهو من ظلم الإدارات والحكومات والأفراد وسوء التدبير، وانظر إلى الصين مثلاً أكبر دولة في العالم من حيث تعداد السكان، وتعتبر من أقوى دول العالم بل ويُحسب لها ألف حساب، كما أنها من الدول الصناعية الكبرى. فمن ذا الذي يفكر بغزو الصين ويجرؤ على ذلك يا ترى؟ ولماذا؟
2- تبين من خلال الإحصائيات أن عدد النساء أكثر من الرجال، فلو أن كل رجل تزوج امرأةً واحدة فهذا يعني أن من النساء من ستبقى بلا زوج، مما يعود بالضرر عليها وعلى المجتمع:
أما الضرر الذي سيلحقها فهو أنها لن تجد لها زوجاً يقوم على مصالحها، ويوفر لها المسكن والمعاش، ويحصنها من الشهوات المحرمة، وترزق منه بأولاد تقرُّ بهم عينها، مما قد يؤدي بها إلى الانحراف والضياع إلا من رحم ربك.
وأما الضرر العائد على المجتمع فمعلوم أن هذه المرأة التي ستجلس بلا زوج، قد تنحرف عن الجادة وتسلك طرق الغواية والرذيلة، فتقع في مستنقع الزنا والدعارة - نسأل الله السلامة – مما يؤدي إلى انتشار الفاحشة فتظهر الأمراض الفتاكة من الإيدز وغيره من الأمراض المستعصية المعدية التي لا يوجد لها علاج، وتتفكك الأسر، ويولد أولاد مجهولي الهوية، لا يَعرفون من أبوهم؟
فلا يجدون يداً حانية تعطف عليهم، ولا عقلاً سديداً يُحسن تربيتهم، فإذا خرجوا إلى الحياة وعرفوا حقيقتهم وأنهم أولاد زنا فينعكس ذلك على سلوكهم، ويكونون عرضة للانحراف والضياع، بل وسينقمون على مجتمعاتهم، ومن يدري فربما يكونون معاول الهدم لبلادهم، وقادة للعصابات المنحرفة، كما هو الحال في كثير من دول العالم.
3- الرجال عرضة للحوادث التي قد تودي بحياتهم، لأنهم يعملون في المهن الشاقة، وهم جنود المعارك، فاحتمال الوفاة في صفوفهم أكثر منه في صفوف النساء، وهذا من أسباب ارتفاع معدل العنوسة في صفوف النساء، والحل الوحيد للقضاء على هذه المشكلة هو التعدد.
4- من الرجال من يكون قوي الشهوة، ولا تكفيه امرأة واحدة، ولو سُدَّ الباب عليه وقيل له لا يُسمح لك إلا بامرأة واحدة لوقع في المشقة الشديدة، وربما صرف شهوته بطريقة محرمة.
أضف إلى ذلك أن المرأة تحيض كل شهر وإذا ولدت قعدت أربعين يوماً في دم النفاس فلا يستطيع الرجل جماع زوجته، لأن الجماع في الحيض أو النفاس محرم، وقد ثبت ضرره طبياً. فأُبيح التعدد عند القدرة على العدل.
5- التعدد ليس في دين الإسلام فقط بل كان معروفاً عند الأمم السابقة، وكان بعض الأنبياء متزوجاً بأكثر من امرأة، فهذا نبي الله سليمان كان له تسعون امرأة، وقد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجال بعضهم كان متزوجاً بثمان نساء، وبعضهم بخمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإبقاء أربع نساء وطلاق البقية.
6- " قد تكون الزوجة عقيمة أو لا تفي بحاجة الزوج أو لا يمكن معاشرتها لمرضها، والزوج يتطلع إلى الذرية وهو تطلع مشروع، ويريد ممارسة الحياة الزوجية الجنسية وهو شيء مباح، ولا سبيل إلا بالزواج بأخرى، فمن العدل والإنصاف والخير للزوجة نفسها أن ترضى بالبقاء زوجة، وأن يسمح للرجل بالزواج بأخرى.
7- وقد تكون المرأة من أقارب الرجل ولا معيل لها، وهي غير متزوجة، أو أرملة مات زوجها، ويرى هذا الرجل أن من أحسن الإحسان لها أن يضمها إلى بيته زوجة مع زوجته الأولى، فيجمع لها بين الإعفاف والإنفاق عليها، وهذا خير لها من تركها وحيدة ويكتفي بالإنفاق عليها.
8- هناك مصالح مشروعة تدعو إلى الأخذ بالتعدد: كالحاجة إلى توثيق روابط بين عائلتين، أو توثيق الروابط بين رئيس وبعض أفراد رعيته أو جماعته، ويرى أن مما يحقق هذا الغرض هو المصاهرة – أي الزواج – وإن ترتب عليه تعدد الزوجات.
اعتراض:
قد يعترض البعض ويقول: إن في تعدد الزوجات وجود الضرائر في البيت الواحد، وما ينشأ عن ذلك من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم، وهذا ضرر، والضرر يزال، ولا سبيل إلى منعه إلا بمنع تعدد الزوجات.
دفع الاعتراض:
والجواب: أن النزاع في العائلة قد يقع بوجود زوجة واحدة، وقد لا يقع مع وجود أكثر من زوجة واحدة كما هو المشاهد، وحتى لو سلمنا باحتمال النزاع والخصام على نحو أكثر مما قد يحصل مع الزوجة الواحدة فهذا النزاع حتى لو اعتبرناه ضرراً وشراً إلا أنه ضرر مغمور في خير كثير وليس في الحياة شر محض ولا خير محض، والمطلوب دائماً تغليب ما كثر خيره وترجيحه على ما كثر شره، وهذا القانون هو المأخوذ والملاحظ في إباحة تعدد الزوجات.
ثم إن لكل زوجة الحق في مسكن شرعي مستقل، ولا يجوز للزوج إجبار زوجاته على العيش في بيت واحد مشترك.
اعتراض آخر:
إذا كنتم تبيحون التعدد للرجل، فلماذا لا تبيحون التعدد للمرأة، بمعنى أن المرأة لها الحق في أن تتزوج أكثر من رجل؟
الجواب على هذا الاعتراض:
المرأة لا يفيدها أن تُعطى حق تعدد الأزواج، بل يحطّ من قدرها وكرامتها، ويُضيع عليها نسب ولدها؛ لأنها مستودع تكوين النسل، وتكوينه لا يجوز أن يكون من مياه عدد من الرجال وإلا ضاع نسب الولد، وضاعت مسؤولية تربيته، وتفككت الأسرة، وانحلت روابط الأبوة مع الأولاد، وليس هذا بجائز في الإسلام، كما أنه ليس في مصلحة المرأة، ولا الولد ولا المجتمع ". المفصل في أحكام المرأة ج6 ص 290.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1040)
استئذان الزوجة زوجها في الصوم وله زوجة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الزوجة أن تستأذن زوجها في الصيام إذا كان في يوم الزوجة الأخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان شاهداً عندها فلا تصوم إلا بإذنه لأنه قد يحتاجها وأما إذا كان عند الزوجة الأخرى وهو يوم الزوجة الأخرى فالظاهر أنه لا بأس أن تصوم سواء استأذنت أن لم تستأذن.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح العثيمين في مجلة الدعوة العدد 1823 ص 54.(6/1041)
حكم كره المرأة للتعدد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كره المرأة للتعدد بحكم الغيرة مع أن الغيرة فطرية عند المرأة ونحن نقرأ عن غيرة عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن مع أنني قرأت في بعض الكتب أن الكراهية لحكم من أحكام الشريعة يعد كفراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
غيرة المرأة على زوجها أمر جبلي فطري ولا يمكن أن يقال للمرأة لا تغاري على زوجك، وكراهة الإنسان الشيء وإن كان مشروعاً لا يضره ما دام لم يكره مشروعيته، قال الله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم)
والمرأة التي عندها غيرة لا تكره أن الله أباح لزوجها أن يتزوج أكثر من واحدة لكن تكره الزوجة معها، وبين الأمرين فرق ظاهر، ولهذا أرجو من الأخ السائل وغيره أن يتمعنوا في الأمور وألا يتسرعوا وأن يعرفوا الفروق الدقيقة التي تختلف بها الأحكام اختلافاً ظاهرياً.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة.(6/1042)
هل يجوز أن يوقف القسمة بين الزوجات يوم العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يُوقِفَ القَسْمَة يوم العيد، ويقضيه مع زوجتيه كلتيهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
إذا رضيتا بذلك فلا بأس. وإذا تمسكت صاحبة الدور بيومها فهو يومها. لكني أشير على النساء أن يتهاونّ بهذا الأمر ويتساهلن، لأن من يسّر يسّر الله عليه، ويوم العيد ينبغي أن يكون يوم اجتماع للجميع حتى يفرح الناس بعيدهم. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1043)
اتهمته زوجته وأهلها بأن في عقله شيئاً فهل يتزوج عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 24 سنه تزوجت قبل سنة ودامت زيجتي ستة أشهر فقط، وبعدها اتهمني أهل زوجتي بأني رجل مريض عقليّاً، علما بأنني قمت بإثبات عكس هذا عن طريق الطبيب النفسي الحكومي، وقد تسبب لي هذا الشيء بموافقة زوجتي سامحها الله بالسوء، فماذا أفعل؟ هل أتزوج؟ علما أن مشكلتي مع زوجتي أصبحت في المحاكم قيد الطلاق، فهل إذا تزوجت الآن عليَّ إثم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن إثبات سلامة عقل الإنسان وحسن تصرفه مع الآخرين لا يحتاج إلى شهادة طبيب، فالعبرة بما يراه الإنسان لا بما يُحضره من أوراق.
لذا فإن اتهام أهل زوجتك لك إن كان نابعاً من أشياء يرونها منك، وكلمات يسمعونها منك: فإنهم قد يكون لهم ما يعذرهم، وعليك أن تعالج نفسك وتصلح من حالك لترفع عن نفسك ما حكم من أجله الآخرون عليك.
وإن كان ما قالوه في حقك ليس له أساس من الصحة، بل هو شهادة زور وإثم: فنرى أن تنصحهم وأن تبين لهم إثم اتهامهم لك بالباطل وأثر ذلك في التفريق بينك وبين زوجتك، فإن ارتدعوا فذاك وإلا فإن لك أن تقاطعهم، وأن تمنعهم من زيارتك وتمنع زوجتك من زيارتهم خشية من إفسادها عليك.
أما فيما يتعلق بنيتك الزواج من أخرى فالذي ننصحك به أن تتروى وتتأنى وتنظر في الدافع الحقيقي له، إذ كثيرا ما يكون القرار في مثل هذه الأحوال نابعاً من حب الانتقام من الزوجة وأهلها بسبب أذيتهم، وغالبا ما يتسبب هذا الزواج بهذه النفسية في إيذاء الزوجة الثانية إذا ما أصلح الزوج أمره مع الأولى وأهلها.
فإن لم ينصلح الحال بينك وبين زوجتك وأهلها: فنرى أن تتزوج عليها إما مع تسريحها وطلاقها، وإما بدون ذلك إن كان في نيتك الجمع بينهما فيما لو أصلحها الله تعالى، مع نصحنا لك بأن تحسن النية وتقصد الإصلاح فالله تعالى يقول في حق من يحصل بينهم شقاق من الأزواج (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/35
وننصحك أن تتقي الله تعالى في كل خطواتك وألا يدعوك هذا الأمر إلى عدم العدل في حقها، أو تذكيرها بما وقع منها مما اعتذرت عنه.
ونسأل الله أن يصلح أمرك وييسر لكم الخير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1044)
حكم تدريس أولاد الزوجة الثانية في يوم الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب إلى الزوجة الثانية في يوم الزوجة الأولى لتعليم أولاد الثانية في النهار - إذا رجعوا من المدرسة - لكي يدرّسهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا يجوز، هذا حرام.
سؤال:
لكن لهم حاجة في التدريس؟
الجواب:
يأتي بهم للزوجة صاحبة اليوم. ولله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/1045)
زوجته لا تنجب الآن ويرغب في المزيد من الأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ عامين ماضيين أجرت زوجتي عملية جراحية لاستئصال الرحم والأجزاء التناسلية وقد اتخذت هذه الخطوة على مسئوليتها بعد موافقة الطبيب نظرا للمضاعفات التي قد تصيب المبيضين والتي قد تترك آثارا غير حميدة على المدى البعيد. لكني كنت أريد أن انجب منها المزيد من الأطفال والآن ونحن مسلمين ارغب في تحقيق هذه الأمنية لأنشأ أطفالي في ظل الدين الإسلامي. لقد شعرت بأسى وحزن عندما أجرت زوجتي العملية وترددت في إخبارها بأي شيء يجول بخاطري حتى لا أزيد من قلقها وبعد إجراء العملية فوجئت بتغير زوجتي فقد حدثت لها مضاعفات كثيرة وفترت رغبتها فيّ وأنا لا أزال أرغب في المزيد من الأطفال خاصة والعمر يمضي بي. نحن لدينا طفلين أحدهما ابننا وعمره 11 سنة والآخر ابن زوجتي وعمره 15 سنة وقد تقبل الطفل الصغير التعاليم الإسلامية واعتنق الإسلام لكن الصبي الكبير رفض الإسلام كلية. أنا احب كليهما لكن ما حدث لزوجتي فاجأني. أنا ارغب في بدء حياة جديدة مع عدم التخلي عن أسرتي الحالية وقد رفضت زوجتي أن أتزوج بأخرى لكنها لم تشترط علي ذلك في العقد وأعرف أنها سوف تتركني إذا أنا أقدمت على مثل هذه الخطوة. وسؤالي هو ما هي نصيحتك لي؟ أنا احب زوجتي لكني أريد المزيد من الأطفال ورغبتي قوية في أن أكون أب للمرة الثانية وأن أربي أطفالي بين أحضان الدين الإسلامي لكن زوجتي ترفض أن أتزوج مرة أخرى حتى وإن كان حلالا يبيحه الدين.
أنا ابحث عن مخرج للمأزق الذي أعيش فيه. هل تعتقد أن رغبتي في البدء بحياة أسرية جديدة تعد حلالا؟ وما هو رأي الدين في هذا الأمر. وشكرا ……]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رغبتك في تكوين عائلة أخرى حلال، ومقصدك في مزيد من الأطفال شرعي تماما وليس لزوجتك حقّ في الاعتراض عليك، فإن تركتك إذا تزوجت امرأة أخرى فهي آثمة، فمرها بالصّبر على ما قدّر الله عليها وأخبرها أنك ستعدل كما أمر الله إذا تزوجت امرأة أخرى واكسر عنك حاجز الخوف وابحث عن ودود ولود وذات دين، وصلّ صلاة الاستخارة إذا ما عزمت وتوكّل على الله ومن يتوكّل على الله فهو حسبه وتفاءل بأنّ الله تعالى سيفرّج همّك ويجعل لك من بعد عُسر يُسرا، واستمرّ في دعوة الولد الآخر إلى الإسلام لعلّ الله يفتح قلبه ويهديه على يديك، ونسأل الله لك التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1046)
إعطاء هدية لمن ولدت من زوجتيه دون الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عنده زوجتان، ومن المتعارف عليه عندنا أن التي تنجب يعطيها زوجها هدية بعد النفاس، فهل يلزمه أن يعطي الزوجتين إذا ولدت إحداهما، أو يعطي لمن ولدت فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه لا يلزمه أن يعطي الأخرى التي لم تلد، كما أن الأخرى التي لم تلد إذا ولدت فإنه يعطيها ولا يعطي الثانية، والعدل أن يسوي بينهما في العطاء، بمعنى أنه إذا أعطى التي ولدت أولاً مائة، يعطي الأخرى مائة إذا ولدت، ولا يلزمه أن يعطيها قبل أن تلد، لكن إن كان يخشى من المشاكل ورأى أن يعطي الثنتين جميعاً كلما ولدت واحدة دفعاً للمشاكل، فهذا طيب ومن باب التأليف. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 59/200(6/1047)
متزوج باثنتين ولا يعمل فهل يطلق إحداهما
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي متزوج باثنتين وهو لا يعمل , فهل يُطلق الأولى أم الثانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رزق الإنسان مكتوب له، ورزق عياله مكتوب ومقدر، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . وطلاق الزوجة لا يزيد في الرزق، ولا يوسع فيه بل إن الزواج والاستقرار الأسري يجلب البركة والرزق، ولهذا قال تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فدلت هذه الآية على أن النكاح سبب لجلب الرزق.
وأيضاً فقد أمر الله سبحانه وتعالى الرجال بالإنفاق على عيالهم، وأمر من قُدِرَ عليه في الرزق أن ينفق مما آتاه الله قدر استطاعته، ولم يأمره بالطلاق، بل أخبر أنه سيجعل بعد العسر اليسر وبعد الضيق السعة، قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) .
فننصح أن لا يطلق الزوج أياً من زوجاته، وأن يتوكل على الله يصبر ويسعى في طلب الرزق، وأن لا يتكاسل أو يتواكل، بل عليه أن يتوكل على الله حق التوكل، قال صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا - جائعة - وَتَرُوحُ بِطَانًا - ترجع شبعانة - " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري: " الْمُرَاد بِالتَّوَكُّلِ اِعْتِقَاد مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَة: (وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأَرْض إِلا عَلَى اللَّه رِزْقُهَا) ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ تَرْك التَّسَبُّب وَالاعْتِمَاد عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، لأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرّ إِلَى ضِدّ مَا يَرَاهُ مِنْ التَّوَكُّل. وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَد عَنْ رَجُل جَلَسَ فِي بَيْته أَوْ فِي الْمَسْجِد وَقَالَ لا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي فَقَالَ: هَذَا رَجُل جَهِلَ الْعِلْم، فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه جَعَلَ رِزْقِي تَحْت ظِلّ رُمْحِي " وَقَالَ " لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّه حَقّ تَوَكُّله لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُق الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا " فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو وَتَرُوح فِي طَلَب الرِّزْق قَالَ: وَكَانَ الصَّحَابَة يَتَّجِرُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخِيلهمْ، وَالْقُدْوَة بِهِمْ ".
وعلى الزوجات أن يساعدن أزواجهن، وأن يراعين حال الزوج وقدرته ولا يُكّلِّفْنَهُ أكثر من استطاعته، وإن أمكنكما أن تعملا عملا مناسباً وتعينان الزوج في النفقة دون أن تخلاّ بالضوابط الشرعية وحاجة البيت والأبناء، فلكما أجر ذلك، جاء في الحديث أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا وَلَيْسَ لِي وَلا لِوَلَدِي وَلا لِزَوْجِي نَفَقَةٌ غَيْرَهَا وَقَدْ شَغَلُونِي عَنْ الصَّدَقَةِ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَهَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِيمَا أَنْفَقْتُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَإِنَّ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ " رواه أحمد برقم 15504، وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله قال: " لَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ ".
نسأل الله أن يرزقنا العفاف والغنى، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/1048)