هل تعطي زوجها توكيلاً بأموالها وهو لا يحسن التصرف في الأموال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن أبي الذي كان يملك مالاً وفيراً، وكنا نعيش حياة طبيعية، أما الآن فلا يملك سوى الشقتين اللتين سجلهما باسم أمي، وهو الآن أصبح عديم المسؤولية - للأسف - ومازال يحلم أو يعتقد أنه يمتلك المال ولا يفكر بالعمل أبداً، وعمره 55 سنة، وللأسف رغم اعتراضي لأمي لقد أعطته وكالة بالشقتين رغم أنها تعلم من هو أبي، وعندما أقول لها لمَ فعلتِ ذلك؟ تقول: " مالُه وهو حر به، فماذا أفعل؟ هل أقف في وجهه بعد أن وقف العالم كله من أهله والناس ضده وتركوه لأنه خسر الأموال؟ فماذا يقول عني؟ " معها حق، لقد كان طيباً ولا يبخل عليها بشيء ولكن تقول " إن لم أفعل يطلقني، كيف أقف في وجهه وهو من النوع العصبي، صعب التفاهم معه " ما رأيكم هل أمي على صواب بهذا؟ وهل عليها العمل وعدم الاعتماد عليه - رغم أنها لا تريد، وتقول إنه سوف يعتمد عليها -؟ والآن لقد باع إحداهما ويصرف المال يميناً وشمالاً على الناس وينسى أن له تسعة أبناء، رغم أنها تذكره بنا لأنه يعيش ببلد ونعيش ببلد، يتذكر للحظة ثم ينسى الهموم ويعود للأحلام، بماذا تنصحون قبل أن يبيع الأخرى ونندم؟ وهي وأبي الآن في شجارات قوية لتصرفاته اللامبالية، وربما يؤدي للطلاق، وأريد أن أعرف هل أبي مريض نفسيّاً أم ما حكايته؟ وما العمل معه؟ أنا محتارة، ساعدوني، فالأسرة تتدمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وصرفه في غير الوجه النافع.
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593) .
وسوء التصرف في المال يعتبره أهل العلم فساداً , كما ترجم الإمام البخاري بابا في ذلك فقال: " باب ما يُنهى عن إضاعة المال , وقول الله تبارك وتعالى: (والله لا يحب الفساد) .
" فتح الباري " (5 / 68) .
وقد يكون الإنسان عاقلاً , ولكنه لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه وينفقه في غير منفعة , وهذا يسميه العلماء (سفيهاً) فلا يجوز إعطاؤه المال , بل يمنع من التصرف فيه , لقوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء/5.
قال القرطبي رحمه الله:
" ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه؛ لأمر الله عز وجل بذلك في قوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) وقال: (فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً) ، فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف، وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير , ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ " انتهى.
" تفسير القرطبي " (5 / 30) .
وقال ابن حجر رحمه الله:
" قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم........) الآية، قال الطبري - بعد أن حكى أقوال المفسرين في المراد بالسفهاء -: " الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه صغيراً كان أو كبيرا , ذكراً كان أو أنثى، والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره " انتهى.
وقال - أيضاً -:
" والحَجر في الشرع: المنع من التصرف في المال، فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه (الإنسان) ، وتارة المحجور (المال) ، والجمهور على جواز الحجر على الكبير "انتهى.
" فتح الباري " (5 / 68) .
فإذا كان والدك لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه في غير منفعة فيجب الحجر عليه , ولا يجوز تمكينه من المال , وعلى أمك أن تلغي الوكالة التي أعطته إياها , حفاظاً على أموالكم من الضياع , وأنتم محتاجون إليها.
وعليكم بنصيحته وإعادته إلى رشده بالتذكرة والكلمة الطيبة والوعظ الذي يجعله يندم على ما فرط فيه من مال، ويحافظ على ما بقي لديه منه.
وتذكيره بالأحاديث التي تزجره عن إضاعة المال , وتذكيره بأن الله حمَّله أمانة رعايتكم، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) رواه أبو داود (1692) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1965) .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله:
" قال الخطابي: يريد من يلزمه قوته، والمعنى: كأنه قال للمتصدق: لا يتصدق بما لا فضل فيه عن قوت أهله يطلب به الأجر , فينقلب ذلك الأجر إثما إذا أنت ضيعتهم " انتهى.
" عون المعبود " (5 / 76) .
فإذا كان هذا في حق المتصدق فكيف بغيره ممن يضيع المال في غير منفعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8808)
هل لابد من الاحتلام حتى يثبت البلوغ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في السادسة عشر من عمري وقد ظهرت علي كل علامات البلوغ عدا خروج المني فهل هذا مرض أم هو طبيعي؟ مع العلم أن غذائي الأساسي نباتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البلوغ له علامات معروفة بالنسبة للذكر والأنثى، فالذكر يحصل بلوغه بواحد من ثلاثة أشياء: خروج المني، أو نبات شعر خشن حول القُبُل، أو بتمام خمس عشرة سنة.
والأنثى يحصل بلوغها بهذه العلامات الثلاثة، وتزيد علامة رابعة وهي الحيض.
ولا يشترط ظهور كل هذه العلامات، بل تحقق علامة واحدة منها كافية للحكم على الشخص بأنه قد بلغ.
انظر الشرح الممتع (6/202)
وكونك بلغت السادسة عشرة، فهذا دليل على بلوغك، ولو لم يحصل إنزال للمني.
فاعلم أنك أصبحت مكلفا، مسئولا عن أقوالك وأعمالك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ) رواه أبو داود (4402) والنسائي (3432) والترمذي (1423) وابن ماجه (2041) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد سألنا أحد الأطباء عن حالتك فأفاد بأنها قد تكون أمراً مرضياً، وقد تكون أمراً طبيعياً، فعليك أن تراجع طبيباً مختصاً للوقوف على حقيقة الأمر.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8809)
ماذا يفعل المسلم مع اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نفعل إذا اختلف علماء الحديث في تصحيح وتضعيف حديث ما يتعلق بالعبادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا فرق عند أهل العلم بين اختلاف العلماء في مسائل الحديث تصحيحا وتضعيفاً وبين اختلافهم في مسائل الفقه؛ وذلك لأن تصحيح الحديث وتضعيفه خاضع للاجتهاد، وفيه تفاوت بين العلماء في العلم بأحوال الرجال وطرق الحديث، فما يعرفه بعضهم من حالٍ للراوي قد يخفى على غيره، وما يقف عليه آخر من شواهد ومتابعات قد لا يتيسر لغيره، فيختلف حكمهم على الحديث الواحد تبعاً لذلك، وأحياناً يقف كل واحد منهم على ترجمة الراوي وطرق الحديث، ويختلف ترجيحهم تصحيحاً وتضعيفاً تبعاً لاجتهادهم في الراجح من حال الرواي، وفي الراجح من خلو طرق الحديث من الشذوذ والعلة.
قال الإمام الترمذي:
وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم.
" سنن الترمذي " (5 / 756) وهو كتاب " العلل " في آخر " السنن ".
وفي بيان أسباب اختلاف العلماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره، مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصواب معه أو مع غيره، أو معهما عند من يقول: كل مجتهد مصيب؛ ولذلك أسباب: منها: أن يكون المحدث بالحديث يعتقده أحدهما ضعيفا؛ ويعتقده الآخر ثقة، ومعرفة الرجال علم واسع؛ ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه؛ لاطلاعه على سبب جارح، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفته أن ذلك السبب غير جارح؛ إما لأن جنسه غير جارح؛ أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح.
وهذا باب واسع وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم.
ومنها: ألا يعتقد أن المحدث سمع الحديث ممن حدث عنه، وغيره يعتقد أنه سمعه لأسباب توجب ذلك معروفة.
ومنها: أن يكون للمحدث حالان: حال استقامة، وحال اضطراب؛ مثل أن يختلط أو تحترق كتبه، فما حدث به في حال الاستقامة صحيح، وما حدث به في حال الاضطراب ضعيف؛ فلا يدري ذلك الحديث من أي النوعين، وقد علم غيره أنه مما حدث به في حال الاستقامة.
ومنها: أن يكون المحدث قد نسي ذلك الحديث فلم يذكره فيما بعد، أو أنكر أن يكون حدثه معتقدا أن هذا علة توجب ترك الحديث، ويرى غيره أن هذا مما يصح الاستدلال به، والمسألة معروفة ... إلى أسباب أخر غير هذه.
" مجموع الفتاوى " (20 / 240 – 242) باختصار.
ثانياً:
أما موقف المسلم من هذا الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد: فهو الموقف ذاته من اختلافهم في الفقه، فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً من أحد الحكمَين، وإن كان غير مؤهل فواجبه التقليد، وعليه أن يأخذ بترجيح من يراه أكثر ديناً وعلماً في هذا الباب، ولا ينبغي أن يغتر بكونه فقيهاً أو أصوليّا أو مفسِّراً، بل ينبغي أن يكون المقلَّد في التصحيح والتضعيف من أهل هذه الصنعة وهذا الفن، وهو فن علم الحديث، ولا حرج عليه فيما يترتب على تقليده، فإن كان الحديث صحيحاً عنده وقلَّده فيه، وكان يحوي حكماً فقهيّاً فالواجب عليه العمل به، ولا حرج عليه إن ترك العمل به إن كان الحديث ضعيفاً.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
وإذا اختلفت العلماء عليه في الفتيا، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم مثلاً: فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه.
" لقاء الباب المفتوح " (اللقاء " 46 "، سؤال 1136) .
ولينظر جواب السؤال رقم (22652) وفيه بيان الموقف الصحيح من اختلاف العلماء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8810)
الجهل الذي يعذر صاحبه هو الجهل بالحكم لا بالعقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن ترك الصلاة عمداً بسبب الكسل يعتبر كفراً أكبر والشخص الذي يفعل ذلك يعتبر كافراً إلا إذا كان لديه عذر الجهل، ولكن ماذا يعنى عذر الجهل؟ جهل أن الصلاة فرض؟ أم الجهل بحقيقة أن ترك الصلاة عمداً كفر؟ أرجوك وضح لي مع بعض الاقتباسات من علماء السلف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل بالحكم، فمن ترك واجباً وهو لا يعلم أنه واجب، أو فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم فهذا هو الجاهل الذي يعذر بجهله.
أما من علم أن هذا الفعل محرم ففعله وهو يجهل العقوبة المترتبة عليه، فهذا لا يعتبر عذراً، لأن صاحبه أقدم على المعصية وانتهك الحرمة وهو يعلم.
فمن زنى – مثلاً – وهو لا يدري أن الزنى حرام، فلا شيء عليه، ويعذر بجهله.
أما من علم أن الزنى حرام ولكنه جهل أن الزاني عليه الحد فهذا لا يعذر، ويجب إقامة حد الزاني عليه، إذا توفرت شروط إقامته.
وكذلك من ترك الصلاة وهو يجهل أنها فرض، فهذا يعذر بجهله ولا يكفر، أما من تركها وهو يعلم أن تركها حرام ولكن لا يعلم أن تركها كفر فهذا لا يعذر.
وهذه أدلة ما سبق مع أقوال أهل العلم:
أ. منْ كان جاهلاً بالحكم المنهيِّ عنه، وفعله، وكان في إتيانه حدٌّ أو كفارةٌ: فلا شيء عليه.
والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم لمن اعترف على نفسه بالزنا " فهلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ ". رواه أبو داود (4428) ، والحديث أصله في الصحيحين.
قال ابن القيم - وصحَّحَ رواية أبي داود – فيه: أنَّ الحدَّ لا يجب على جاهلٍ بالتحريم؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الزنى، فقال " أَتَيْتُ مِنْها حَرَاماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً. اهـ. "زاد المعاد " (5 / 33) .
ب. وإن كان عالماً بالتحريم، جاهلاً بما يترتب عليه من حد أو كفارة أو غير ذلك: فيجب إقامةُ الحدِّ عليه لجرأته على فعل الحرام، ويجب عليه إخراج الكفارة إن كان الذنب له كفارة.
والدليل: حديث " ماعز " - رضي الله عنه - واعترافه على نفسه بالزنى، وفيه قوله " يَا قَوْمِ رُدُّوني إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ قَوْمي قَتَلُوني وَغَرُّوني مِنْ نَفْسِي " رواه أبو داود (4420) وجوّد إسنادَه الألبانيُّ رحمه الله في " الإرواء " (7 / 354) ، فهذا الصحابي رضي الله عنه كان عالماً بالتحريم جاهلاً بالعقوبة.
قال ابن القيم رحمه الله: وفيه: أنَّ الجهل بالعقوبة لا يُسقِط الحدَّ إن كان عالماً بالتحريم فإنَّ "ماعزاً" لم يعلم أنَّ عقوبته القتل، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحدَّ عنه. " زاد المعاد " (5 / 34) .
وكذلك الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان حيث كان عامداً عالماً بحرمته – كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (4 / 207) - بدليل قوله " هَلَكْتُ "، وفي رواية " احْتَرَقْتُ "، فقد أوجب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه الكفارة ولم يعذره بجهله بها، رواه البخاري (1834) ومسلم (1111) .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -
فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟
فالجواب: هو جاهل بما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول " هلكت "، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام، ولا يعلم أن حده الرجم، أو أن حده الجلد والتغريب، فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر." اهـ. الشرح الممتع (6/417)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8811)
هل يجوز له الأخذ من لحيته حتى لا يتعرض للأذى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سيتزوج صديقي في إحدى الدول الإسلامية، وهو مستقيم ويتبع السنة (يعفي لحيته) ، والدولة التي سيسافر إليها تحتجز الأشخاص الملتحين في المطار ثم تقوم الشرطة السرية بمتابعتهم، وصديقي لا يريد أن يسبب صعوبات لعائلة زوجته، حيث من المتوقع أن تتم متابعتهم ويتعرضون لمضايقات من قبل الحكومة، لذلك فإنه يرغب في تهذيب لحيته قليلا لهذه المناسبة فقط، ثم يطلقها مرة أخرى، وهو لم يكن ليقصر لحيته لولا الأسباب المذكورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إعفاء اللحية واجب شرعي، وحلقها محرم، وقد سبق في جواب السؤال رقم (1189) بيان حكم حلق اللحية وأن حلقها من المحرمات.
وقد نقل ابن حزم رحمه الله اتفاق العلماء على أن حلق اللحية لا يجوز.
" المحلى " (2 / 189) .
وأما حلقها خوفاً من الاعتقال أو تعرض معفيها للأذى: فإن هذا الخوف ليس على درجة واحدة، فمنه ما يكون ظنّاً راجحاً، ومنه ما يكون وهماً، ومنه ما يستوي طرفاه.
ولا يجوز له حلق لحيته أو تخفيفها إلا في حالة الظن الراجح، ولا يجوز فيما عداه.
ويدخل هذا الفعل في باب الضرورة، قال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ) البقرة/173، أو في باب الإكراه، قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106.
والإكراه المعتبر في هذا: أن يلحقه ضرر من عدم حلقها، أما مجرد المضايقة والسؤال والتحقيق، فإن هذه الأمور لا يسلم منها حالق اللحية، ولا تجيز لصاحبها الوقوع في الإثم.
وللإكراه شروط لا بدَّ من تحققها حتى يجوز للمسلم أن يترخص بفعل الحرام أو قوله إذا حصل له، ومعرفتها أمر هام لادعاء كثيرين أنهم مكرَهون وليس كذلك.
قال ابن قدامة:
ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون من قادرٍ.
الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه.
الثالث: أن يكون مما يستضر به ضرراً كثيراً , كالقتل والضرب الشديد، والقيد , والحبس الطويل، فأما الشتم والسب فليس بإكراه، وكذلك أخذ المال اليسير.
فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به: فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات على وجه يكون إخراقا بصاحبه (أي إهانةً) , وغضّاً له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره.
وإن تُوُعِد بتعذيب ولده: فقد قيل: ليس بإكراه؛ لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى: أن يكون إكراها؛ لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، والوعيد بذلك إكراه , فكذلك هذا.
" المغني " (7 / 292) باختصار.
وإذا كان الأذى يُدفع بتخفيف اللحية فلا يحلقها بل يكتفي بالتخفيف، فالحلق أشد من التخفيف.
وينبغي التنبه إلى أنه يجب أن يكون محتاجاً إلى السفر لهذا البلد، أما مع عدم الحاجة إلى ذلك فلا يجوز له حلق لحيته من أجل السفر، لأنه غير مضطر إلى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8812)
لا يتحكم بالبول وهو كبير جدّاً فهل يصوم ويصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي أصبح كبيراً في السن عمره – 105 سنوات – وهو شبه فاقد للذاكرة، ولكن أحيانا يعرفنا وأحياننا لا يعرفنا، وهو في السنوات الأخيرة لا يتحكم في البول، ونقوم بتغيير ملابسه في اليوم أكثر من مرة، فهل عليه صلاة مع عدم الطهارة؟ وهل نجعله يصوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يختلف حكم والدك تبعاً لحضور عقله وإدراكه، فإن فقد عقله وذاكرته: فلا يؤمر بطهارة ولا بصلاة ولا بصيام، وإن حضر عقله وذاكرته: فيؤمر بالتكاليف الشرعية بحسب الاستطاعة دون أن يشق على نفسه.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى -:
فاقد الذاكرة والمعتوه والصبي والمجنون هل يجب عليهم الصيام؟ .
فأجاب:
إن الله سبحانه وتعالى أوجب على المرء العبادات إذا كان أهلاً للوجوب، بأن يكون ذا عقل يدرك به الأشياء، وأما من لا عقل له فإنه لا تلزمه العبادات، وبهذا لا تلزم المجنون، ولا تلزم الصغير الذي لا يميز، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، ومثله المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حد الجنون، ومثله أيضاً الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة، كما قال هذا السائل، فإنه لا يجب عليه صوم ولا صلاة ولا طهارة؛ لأن فاقد الذاكرة هو بمنزلة الصبي الذي لم يميز، فتسقط عنه التكاليف فلا يلزم بطهارة، ولا يلزم بصلاة، ولا يلزم أيضاً بصيام، وأما الواجبات المالية فإنها تجب في ماله وإن كان في هذه الحال، فالزكاة – مثلاً - يجب على من يتولى أمره أن يخرجها من مال هذا الرجل الذي بلغ هذا الحد؛ لأن وجوب الزكاة يتعلق بالمال، كما قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَ?لِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَ?تَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَ?للَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، ولم يقل: " خذ منهم "، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ - رضي الله عنه - حينما بعثه إلى اليمن: " أعْلِمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم "، فقال: " صدقة في أموالهم " فبيَّن أنها من المال، وإن كانت تؤخذ من صاحب المال.
وعلى كل حال: الواجبات المالية لا تسقط عن شخص هذه حاله، أما العبادات البدنية كالصلاة، والطهارة، والصوم: فإنها تسقط عن مثل هذا الرجل؛ لأنه لا يعقل.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19/السؤال رقم 40) .
وسئل الشيخ - رحمه الله تعالى -:
ما حكم صيام من يعقل زمناً ويجن زمناً آخر؟ أو يهذري يوماً ويصحو يوماً آخر؟ .
فأجاب:
الحكم يدور مع علته، ففي الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً: يجب عليه الصوم، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً مهذرياً: لا صوم عليه، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً، أو يهذري يوماً ويصحو يوماً: ففي اليوم الذي يصحو فيه: يلزمه الصوم، وفي اليوم الذي لا يصحو فيه: لا يلزمه الصوم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19/السؤال رقم 43) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8813)
وجوب التكاليف على الأصم والأبكم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصم والبكم مكلفون وعليهم أداء الواجبات الشرعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن الولد الأبكم والأصم إذا كان قد بلغ الحلم يعتبر مكلفاً بأنواع التكاليف من الصلاة وغيرها، وأضاف أنه يعلم ما يلزمه بالكتابة والإشارة لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب التكاليف على من يبلغ الحلم وهو عاقل، ويحصل البلوغ بإكمال خمسة عشر عاماً أو بإنزال مني عن شهوة في الاحتلام أو غيره وبإنبات الشعر الخشن من حول الفرج وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض.
ودعا سماحته ولي أمر الأصم الأبكم إلى أن يؤدي عنه ما يلزمه من زكاة وغيرها من الحقوق المالية وعليه أن يعلمه ما يخفى عليه بالطرق الممكنة حتى يفهم ما أوجب الله عليه وما حرم عليه.
واستشهد سماحته بقول الله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وبين سماحته أن المكلف الذي لا يسمع أو لا ينطق أو قد أصيب بالصمم والبكم عليه أن يتقي الله ما استطاع بفعل الواجبات وترك المحرمات. إن عليه أن يتفقه في الدين حسب قدرته بالمشاهدة والكتابة والإشارة حتى يفهم المطلوب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/336.(5/8814)
هل تلبس الحجاب إذا كان أهلها سيتضررون بذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم في مَن ترتدي الحجاب في بلد عربي يمنع ذلك بالقوة وإلحاق الضرر دينيّاً واجتماعيّاً؟ هل عليها أن تثبت رغم تضرر أفراد عائلتها بطريقة غير مباشرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنها والله الجريمة العظيمة والفعلة النكراء، أن تُمنع المرأة المسلمة من ارتداء حجابها الذي أمرها الله به، وتلزم قانوناً بكشف رأسها ووجهها لتخرج سافرة بين الناس.
والواجب على المسلم الالتزام بأحكام الشرع، و " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "، وحجاب المرأة المسلمة من الواجبات التي يلزمها الطاعة فيها، والضرر الذي تتصور المرأة وقوعه عليها أو على أهلها قد لا يكون له أصل، وقد يكون الضرر غير بالغ، ويمكن تحمله والصبر عليه، وعليه: فيجب عليها البقاء على الالتزام بلباسها الشرعي.
فإن كان الضرر بالغاً ويقينيّاً أو بغلبة ظن راجح: فيمكن للمرأة نزع الحجاب حفاظاً على عرضها ودينها، لكن يجب عليها الالتزام بأعلى قدر ممكن من الستر والحشمة، ولا يجوز لها الخروج من المنزل على هذه الحال إلا في وقت الضرورة، ولا يجوز الترخص في الخروج على هذه الحال للدراسة أو لشراء حاجيات يمكن أن يأتي بها غيرها، بل نعني بالضرورة الخروج لعلاج لا يتيسر في البيت، أو عمل شرعي لا يمكن تركه، وما يشبههما.
سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
في بعض البلدان قد تجبر المسلمة على خلع الحجاب بالأخص غطاء الرأس، هل يجوز لها تنفيذ ذلك علما بأن من يرفض ذلك ترصد له العقوبات كالفصل من العمل أو المدرسة؟ .
فأجاب الشيخ:
هذا البلاء الذي يحدث في بعض البلدان هو من الأمور التي يمتحن بها العبد، والله سبحانه وتعالى يقول {الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} العنكبوت / 1 – 3.
فالذي أرى أنه يجب على المسلمات في هذه البلدة أن يأبين طاعة أولي الأمر في هذا الأمر المنكر؛ لأن طاعة أولي الأمر في المنكر مرفوضة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} النساء / 59.
لو تأملت هذه الآية لوجدت أن الله قال: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ، ولم يكرر الفعل ثالثة مع أولي الأمر، فدل على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله، فإذا كان أمرهم مخالفا لطاعة الله ورسوله: فإنه لا سمع لهم ولا طاعة فيما أمروا به فيما يخالف طاعة الله ورسوله، " ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
وما يصيب النساء من الأذى في هذه الناحية من الأمور التي يجب الصبر عليها والاستعانة بالله تعالى على الصبر، ونسأل الله لولاة أمورهم أن يهديهم إلي الحق، ولا أظن هذا الإجبار إلا إذا خرجت المرأة من بيتها، وأما في بيتها فلن يكون هذا الإجبار، وبإمكانها أن تبقى في بيتها حتى تسلم من هذا الأمر، أما الدراسة التي تترتب عليها معصية فإنها لا تجوز، بل عليها دراسة ما تحتاج إليه في دينها ودنياها، وهذا يكفي ويمكنها ذلك في البيت غالبا.
" أسئلة تهم الأسرة المسلمة " (ص 22، 23) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8815)
من هو الذي يعذر بالجهل في العقيدة والأمورالفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذي يعذرون بالجهل؟ وهل يعذر الإنسان بجهله في الأمور الفقهية؟ أم في أمور العقيدة والتوحيد؟ وما هو واجب العلماء نحو هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دعوى الجهل والعذر به فيه تفصيل، وليس كل واحد يعذر بالجهل، فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين لا تقبل فيها دعوى الجهل، ولا سيما ما يتعلق يالعقيدة وأصل الدين، فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليوضح للناس دينهم ويشرحه لهم وقد بلغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينها وشرح لها كل شيء وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وفي كتاب الله الهدى والنور فإذا ادعى بعض الناس الجهل فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، وقد انتشر بين المسلمين، كدعوى الجهل بالشرك وعبادة غير الله عز وجل، أو دعوى أن الصلاة غير واجبة، أو أن صيام رمضان غير واجب أو أن الزكاة غير واجبة، أو أن الحج مع الاستطاعة غير واجب فهذا وأمثاله لا تقبل فيه دعوى الجهل ممن هو بين المسلمين لأنها أمور معلومة بين المسلمين. وقد علمت بالضرورة من دين الإسلام وانتشرت بين المسلمين فلا تقبل دعوى الجهل في ذلك، وهكذا إذا ادعى أحد بأنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم، أو الذبح للأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الأحجار، أو طلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء.. فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك أكبر، وقد أوضح الله ذلك في كتابه الكريم وأوضحه رسوله صلى الله عليه وسلم وبقي ثلاث عشرة سنة في مكة وهو ينذر الناس هذا الشرك وهكذا في المدينة عشرسنين، يوضح لهم وجوب إخلاص العبادة لله وحده ويتلو عليهم كتاب الله مثل قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء/23، وقوله سبحانه: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة/5، وقوله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5، وقوله سبحانه: فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر/2-3، وقوله سبحانه: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام/162-163، وبقوله سبحانه مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) الكوثر1-2، وبقوله سبحانه وتعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) الجن/18، وبقوله سبحانه وتعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) المؤمنون/117، وهكذا الاستهزاء بالدين والطعن فيه والسخرية به والسب كل هذا من الكفر الأكبر ومما لا يعذر فيه أحد بدعوى الجهل، لأنه معلوم من الدين بالضرورة أن سب الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر الأكبر وهكذا الاستهزاء والسخرية، قال تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة/65-66.
فالواجب على أهل العلم في أي مكان أن ينشروا هذا بين الناس وأن يظهروه حتى لا يبقى للعامة عذر وحتى ينتشر بينهم هذا الأمر العظيم، وحتى يتركوا التعلق بالأموات والاستعانة بهم في أي مكان في مصر أو الشام أو العراق أو في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو في مكة أو غير ذلك وحتى ينتبه الحجيج وينتبه الناس ويعلموا شرع الله ودينه، فسكوت العلماء من أسباب هلاك العامة وجهلهم، فيجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس دين الله وأن يعلموهم توحيد الله وأنواع الشرك بالله حتى يدعوا الشرك على بصيرة وحتى يعبدوا الله وحده على بصيرة وهكذا ما يقع عند قبر البدوي أو الحسين رضي الله عنه أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني أو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أو عند غيرهم يجب التنبيه على هذا الأمر وأن يعلم الناس أن العبادة حق لله وحده ليس لأحد فيها حق كما قال الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5، وقال سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) البينة/2-3، وقال سبحانه: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء/23، يعني أمر ربك، فالواجب على أهل العلم في جميع البلاد الإسلامية وفي مناطق الأقليات الإسلامية وفي كل مكان أن يعلموا الناس توحيد الله وأن يبصروهم بمعنى عبادة الله وأن يحذروهم من الشرك بالله عز وجل الذي هو أعظم الذنوب وقد خلق الله الثقلين ليعبدوه وأمرهم بذلك. لقوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56، وعبادته هي: طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وإخلاص العبادة له وتوجيه القلوب إليه، قال تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة/21.
أما المسائل التي قد تخفى مثل بعض مسائل المعاملات وبعض شؤون الصلاة وبعض شؤون الصيام فقد يعذر فيها الجاهل كما عذر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحرم في جبة وتلطخ بالطيب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اخلع عنك الجبة واغسل عنك هذا الطيب واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك) ولم يأمره بفدية لجهله، وهكذا بعض المسائل التي قد تخفى يعلَّم فيها الجاهل ويبصر فيها، أما أصول العقيدة وأركان الإسلام والمحرمات الظاهرة فلا يقبل في ذلك دعوى الجهل من أي أحد بين المسلمين فلو قال أحد، وهو بين المسلمين، إنني ما أعرف أن الزنا حرام فلا يعذر، أو قال ما أعرف أن عقوق الوالدين حرام فلا يعذر بل يضرب ويؤدب، أو قال ما أعرف أن اللواط حرام فلا يعذر، لأن هذه أمور ظاهرة معروفة بين المسلمين في الإسلام.
لكن لو كان في بعض البلاد البعيدة عن الإسلام أو في مجاهل أفريقيا التي لا يوجد حولها مسلمون قد يقبل منه دعوى الجهل وإذا مات على ذلك يكون أمره إلى الله ويكون حكمه حكم أهل الفترة والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار، أما الذي بين المسلمين ويقوم بأعمال الكفر بالله ويترك الواجبات المعلومة، فهذا لا يعذر، لأن الأمر واضح والمسلمون بحمد الله موجودون، ويصومون ويحجون وكل هذا معروف بين المسلمين وفاش بينهم فدعوى الجهل في ذلك دعوى باطلة والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/7، ص/132.(5/8816)
أعمال الطفل الذي لم يبلغ لمن تكتب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أعمال الطفل الذي لم يبلغ - من صلاة وحج وتلاوة تُحسب كلها لوالديه أم تحسب له هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أعمال الصبي الذي لم يبلغ - والمقصود أعماله الصالحة - أجرها له هو لا لوالده ولا لغيره ولكن يؤجر والده على تعليمه إياه وتوجيهه إلى الخير وإعانته عليه لما في صحيح مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ. رواه مسلم 2378
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج للصبي، وأن أمه مأجورة على حجّها به.
وهكذا غير الوالد له أجر على ما يفعله من الخير كتعليم من لديه من الأيتام والأقارب والخدم وغيرهم من الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. " رواه مسلم في صحيحه 3509.. ولأن ذلك من التعاون على البر والتقوى والله سبحانه يثيب على ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية لابن عثيمين /526(5/8817)
عمل عند والده سنوات كثيرة بأجرة زهيدة ويرغب بالاستقلال بعملٍ فهل هو عقوق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تكمن باعتمادي على والدي منذ الصغر؛ فكان هو من يصرف عليَّ، وهو من كان يتكفل بكل شيء - ولم أوفق في إكمال تعليمي فقد توقفت عن التعليم بالصف الثاني متوسط، وبعد هذا كله أصر عليَّ والدي بالعمل معه بالتجارة، فوافقت، رغم عدم رغبتي بالعمل معه، إلا أني مع الوقت اعتدت على العمل، وأحببته بنسبة 60 %، وعملت معه بما يقارب (16) سنة متواصلة، دون انقطاع، وأيضاً: دون تطور واضح، أو أني أشعر أني أبليت بلاء حسناً، فكان والدي - جزاه الله خيراً - يصرف عليَّ كما يقال " بالقطارة "، وكنت أعمل في السنوات الأولى بلا راتب محدد، فقد كان يعطيني ما يكفي لمدة أسبوع، أو كي أكون منصفاً وصادقاً: ما يكفي (لشهر) ، ولكن هذا العطية لا تمكنِّي من التوفير أبداً. مرَّت الأيام، وقررت الزواج، وجزاه الله خيراً - والدي - تكفل بالزواج، وأسكنني في شقة في منزله، وهذا لا أنكره أبداً، ثم حدد لي مرتباً شهريّاً مقداره (2000) ريال , وبعد سنوات رفعه لي إلى 3000 ريال، ولكن كنت أشعر بعدم الرضا بعملي؛ وذلك بأن المرتب لا يفي بمتطلباتي الشخصية، والعائلية، وبعد مرور 3 سنوات بدأت أشعر بالإحباط؛ وذلك جرَّاء الإهانات من والدي، تصل في بعض الأحيان إلى الشتم، وتفضيل الغير عليَّ، وأن فلاناً أفضل منِّي، و: انظر إلى فلان أفضل منك ... الخ، أيضاً: الشعور بالإحباط بأن أرى أبي يهتم بالآخرين، ويحرص على إرضائهم، أما أنا: فلا تغيير واضح بالتعامل، غير ذلك يقوم والدي بتكليفي بمهمة في العمل، ويعدني بمكافأة إلا أنه يتراجع بقراره، ولا يفي لي بوعد، ويتحجج بعدم تذكره بهذا الوعد، أو يقول: إني كنت مقصراً بعملي، ويختلق الحجج ... الخ، وبعد هذا كله: قام بتخفيض مرتبي الشهري من 3000 إلى 2000 ريال، رغم أني رجل أبلغ من العمر الآن 37 سنة، ومتزوج، ولدي أبناء، ولدي مسؤوليات، وأنتم - بلا شك - تعلمون جيِّداً غلاء المعيشة في هذا الوقت، وكيف أن 2000 ريال شهريّاً لا تؤمِّن متطلبات شهر واحد، فكيف ستؤمِّن مستقبلاً واعداً؟ وكيف ستؤمن مستقبل الأبناء بالحاضر والمستقبل؟ . تراودني أفكار بالبحث عن عمل آخر، ولكن كلما أتذكر والدي أحزن عليه، وأخاف عليه أن يبقى وحده، حتى هو أشعر بتأثره، وأيضاً أشعر بغضبه حينما يعلم أني سوف أبحث عن عمل، فهو معتمد عليَّ بكل شيء، سواء بالعمل، أو بالمنزل، أو بما يتعلق بالعائلة، فأنا - كما يقول كل من يعرفنا - المحور الرئيسي بهذه العائلة، ويعتقدون أني أجني من وراء عملي هذا الخير الوفير، إلا أن الواقع غير ذلك، بل أشعر أن الخير الوفير فيه أني أُحسن - بإذن الله - لوالدي بما أستطيع، وأبره، ورغم كل ذلك لا أجني ما يجني إخوتي، فجميع إخوتي الذكور - وهم أصغر مني، وأنا الأكبر - بوظائف طيبة، وأقل مرتب فيهم 5000 ريال شهريّاً، وغير متزوجين، أما أنا فراتبي: 2000 ريال. أعلم أن هذا مقدر لي، وأن الله سبحانه وتعالى قدر أرزاق العباد، وأن لكل إنسان رزقه، وقدره، وأجله ... الخ، والله يشهد عليَّ أني مؤمن بذلك، وقابل، وراض بما كتب الله لي، ولا يكتب الله للإنسان إلا كل خير، والحمد الله على كل حال، ولكن الإنسان بطبعه ضعيف، وينحني، أو يميل في بعض الأحيان إلى أمور الدنيا، بحيث ينظر إلى الصديق، أو القريب، أو جميع من حوله، ويقول: لماذا لا أكون بمثل صفاتهم: يلبسون أحسن الثياب، ويركبون أفضل السيارات، ويجلبون لأبنائهم كل ما يرغبون ... الخ إلا أنا؟! فأنا اشعر في بعض اللحظات أني استسلمت للأمر الواقع، فليس لديَّ وظيفة مرموقة، وليس لدي شهادة دراسية تؤهلني للعمل بمرتب طيب أعيل به أسرتي على أكمل وجه، ولا مال - أو سيولة = أبدأ به مشروعاً طيِّباً. الخلاصة: الآن وقد زاد الأمر سوءً، ومتطلبات عائلتي زادت، وأشعر بأن الدنيا فوق رأسي، لا أكاد أتحمل وزنها، وأصبح الهمُّ رفيقي، والقلق، والاكتئاب، والإحباط يتناوبون عليَّ، ويتناوبون على زيادة همي، ومع هذا كله قررت أن أعمل بعمل آخر، وأن أبحث عن عمل يغيِّر واقع هذا الزمان: فإني أشعر بأي لحظة قد أفقد زوجتي فهيَ دائماً تحثني على العمل، والبحث عن العمل وهي موظفة، وتجني راتباً طيباً يعادل مرتبي 3 مرات، وتساعدني بأمور المنزل، بل تصرف على المنزل أكثر مما أصرف أنا فيه، ولكن لا بد أن يكون للرجل كرامته، وعزته بنفسه، أعلم بأنه لا مانع من مساعدة الزوجة زوجها بأمور هذه الدنيا، ولكن الأمر يختلف إن كنت أنا مَن يعيل الأسرة، ويلبي حاجاتها، وبعد فترة من الزمن ذهبتْ زوجتي إلى بيت أسرتها هرباً من فقر زوجها، ولعدم رضاها بهذا الواقع، وأشعر بداخلي أنها على حق، وهي كذلك، وكيف لا تذهب لبيت أسرتها؟ وهي ترى جميع أخواتها الفتيات المتزوجات، ويسكنون بمنزل ملك، ويركبون أفضل السيارات، ويقتنون أفضل الوسائل للراحة، وهي لا تملك ذلك. المهم في الاستشارة: كلما أردت - أو عزمت - على البحث عن عمل أشعر بخوف، ورهبة، من المستقبل، وخوف من الإخفاق، وعدم التوفيق، وذلك - كما ذكرت سابقاً - أني أعتمد منذ السابق على والدي، ولم يسبق لي العمل باستقلالية، بل إن والدي جعلني أعتمد عليه بكل شي، واستخدم هذه النقطة - والله أعلم - لصالحه، والآن وجدت مشروعاً طيِّباً، وبعد السؤال عن هذا المشروع وجدت فيه خيراً كثيراً، ولله الحمد، ولكن أشعر برهبة قوية بداخل أعماقي، وقمت بالاستخارة، واستخرت الله سبحانه علام الغيوب بأمري، وشعرت بالراحة له بنسبة 50 %، والباقي أجد الهم، والحيرة، والخوف، والرهبة من الإخفاق، وكي أوضح لكم الصورة هي أن العمل هو: سيارة نقل، بأن أنقل البضائع، أو السيارات، وكل ما يُحمل، وأوصله إلى المناطق المجاورة، أو لمناطق بعيدة، فالبعض - حتى إخوتي - يعايروني بهذا المهنة، حتى والدي كان من أوائل قائمة المستهزئين بي لهذا العمل، ويقولون: كيف تعمل بمهنة لا يعمل بها إلا العمالة الوافدة؟ إلا أني أجدها مهنه شريفة، أكسب منها رزقي، وأعيل بها أسرتي، وأسأل الله بها التوفيق والسداد، فما رأيكم بها كمهنة؟ وما هو الحل من وجهة نظركم بحالي ووضعي؟ وماذا أفعل وكيف أتصرف؟ وهل أكون عاقّاً لوالدي إذا عملت بعمل آخر بعيداً عنه؟ فإني أخاف الله من ذلك بان أكون عاقّاً له، وأسأل الله أن أكون خير من يبر بوالديه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مِن كمال الإيمان: أن يرضى المسلم بما قسم الله له من أمر دنيوي، كرزق، وعمل، ووظيفة ,، ومن تمام شكر النعمة: أن لا ينظر المسلم إلى من فوقه، ومن فضِّل عليه في أمر الدنيا، حتى لا يزدري نعمة الله عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِى الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ) .
رواه البخاري (6125) ومسلم (2963) .
وفي لفظ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) .
رواه البخاري (6490) ومسلم (2963)
ولا يعني ذلك أن يستسلم لأمره الواقع إن كان لا يرضاه، أو يمكنه تحصيل ما هو خير منه لدينه ودنياه، بل عليه أن يدفع قدر الله بقدر الله، فيبحث عن وسائل سعة الرزق، ويدفع الفقر بأسباب الغنى، من عمل، وتجارة، ووظيفة.
ثانياً:
برُّ الوالدين حسنة عظيمة , وقربة جليلة، ينال بها العبد رضى الله، وتوفيقه في الدنيا والآخرة , ويصرف الله بها عن العبد من البلاء، والشرور، والرزايا، والبلايا، ما الله به عليم , ولذلك عظم الله حق الوالد، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) .
رواه مسلم (1510) .
قال النووي - رحمه الله -:
أي: لا يكافئه، بإحسانه، وقضاء حقه، إلا أن يعتقه.
" شرح مسلم " (10 / 153) .
وليس من العقوق أن تخرج من العمل من عند والدك لتبحث عن عمل أفضل، ووظيفة أحسن؛ ما دمت تحسن إلى والدك، ولا تقصر تجاهه , خاصة إذا كانت أسرتك بحاجة إلى ذلك، وكان العمل الآخر أصلح لك وأنفع. ولعل بحثك عن وظيفة يغير من اتجاه الوالد نحوك؛ فيشعر بحاجته إليك، فيزيد في راتبك، ويحسِّن من وضعك المعيشي.
ثالثاً:
الخوف من المستقبل: من علامة ضعف التوكل على الله تعالى , والمؤمن قوي الإيمان لا يعطي من عمره وقتاً ليحمل هموم ما يأتي في غد، وليس يعني هذا عدم الأخذ بالأسباب لبناء مستقبل مريح، فقد كان النبي صلى الله عليه يدَّخر أحياناً قوت سنَة لأهله، وإنما أردنا أن يتحلى المؤمن بقوى الإيمان ليدفع عن نفسه وقلبه الخوف، والقلق، مما يأتيه في المستقبل.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) .
رواه مسلم (2664) .
فالمؤمن قي بتوكله، وقوي باستعانته بالله تعالى خالقه , وما يشعر به المسلم من ضعف، أو خوف: إنما هو من وسوسة الشيطان، وتثبيطه له , والواجب على المؤمن دفع هذه الوسوسة بدعائه، واستعانته بالله، وحسن توكله عليه.
فاستخر الله تعالى في العمل الذي ترغب بالالتحاق به , فإن انشرح صدرك، وتيسر أمر ذلك العمل: فأقدم، ولا تتردد، واستعن بالله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم: (20088) .
رابعاً:
العمل كسائق في نقل البضائع ليس من المهن الدنيئة , وليس عيباً على الرجل العمل بها , وإن اختص بها الوافدون في بلدكم؛ فالرعي يستنكف عنها كثير من الناس , وقد عمل بها الأنبياء والمرسلون، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) .
رواه البخاري (2143) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - أيضاً - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّاراً) .
رواه مسلم (2379) .
وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه كان يعمل في صنع الدروع للمحاربين، وأن هذا من تعليم الله له، قال تعالى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) الأنبياء/ 80.
بل لعل ما تنوي العمل به أن يكون من أفضل المكاسب؛ لأنها كسب من عمل يدك , وفي الحديث عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
رواه البخاري (1966) .
فالنصيحة لك أخي الفاضل:
أ. أن تحاول أن تكلِّم والدك بالحسنى، والكلمة الطيبة، أن يرفع راتبك , وأن يحسن وضعك، ما دمت تؤدي الذي عليك، ولا تقصر فيه , وأن تلجأ إلى الله تعالى أن يشرح صدره ويهديه لذلك،
فإن لم يستجب لذلك، ووجدت أن ما تتقاضاه لا يكفيك: فلا بأس أن تعمل بأي عمل آخر، كسائق، أو غير ذلك؛ لتحسين وضعك المعيشي، وليس هذا من العقوق , ولا تستنكف عن العمل كسائق ما دام العمل لا يدخل فيه حرام، أو شبهة , فأكل المرء من عمل يده من أطيب الكسب، وأفضله، وإن وجدت عملاً أنسب لك، ويوافق عليه والدك وإخوتك: فنرى أن تلتحق به، وأن يكون هو اختيارك؛ لتجمع بين العمل، ورضى أهلك عنك، فمن الممكن أن يسبب لك العمل سائقاً إحراجاً بين أولادك، وأقربائك، وقد لا تستطيع دفعه، فتتعقد أمورك النفسية، أما من حيث الجواز الشرعي: فهو جائز، وهو ليس معيباً بحد ذاته، ولا هو بمهنة دنيئة، لكن نرى أن مراعاة رضى أهلك، وعرف المكان الذي تعيش فيه أمرا مهما، وأنت لا تريد مخالفتهم، بل تريد عملاً تقتات منه، ويحسِّن من وضعك، فابحث عن عمل يتناسب مع بيئتك، ولك أن تتملك سيارات نقل - لا سيارة واحدة - وتستأجر أجراء ليقوموا عليها، ويكون دخلها محسِّناً لوضعك، دون الحاجة لأن تباشر سياقتها بنفسك.
وإن أمكنك أن تستفيد من خبرتك في العمل مع والدك، وأن تعمل بالتجارة: فلعل هذا أن يكون أنسب لك.
ب. ادفع خوفك من المستقبل بحسن توكلك، وإقبالك على الله تعالى، وأكثر من التضرع، والالتجاء إليه، فهو حسبك، وكافيك.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافيك وأن يوسع لك في الرزق , ويصرف عنك الخوف , وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه , وأن يشرح صدر والدك لتحسين وضعك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/1)
هل ننصحها بالتزوج ممن ابتلاه الله بالعرج والوسواس القهري؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة، أبلغ من العمر 25 سنة، مخطوبة منذ سنة لشاب تقدم إليَّ يكبرني بسنة، يعمل مهندس برمجة، مشكلتي منقسمة إلي جزئين: الأول: أن هذا الشاب لديه عيب خلقي وراثيّاً في قدمه – يعرج - إلا أن العرجة قوية، في بداية أن تقدم لي لم أبالِ اهتماما لهذا العيب، وبدأت أشعر الآن أن هذا العيب يؤثر على علاقتي به، وإقبالي عليه، إلا أن إقباله عليَّ يزيد يوماً بعد يوم، وارتباطه بي يزيد، وهو شاب متدين، ويتقي الله في عمله، ويخاف الله، ويحاول أن يعدل في كثير من الأمور، ولا يظلم أحداً، مع أن خبرته في الحياة قليلة؛ نتيجة لإحاطة والديه به؛ لما يعانيه من إعاقة، إلا أنه يحاول أن يغير من نفسه، ويراجع تصرفاته باستمرار، حتى إنه أحيانا يسألني: " هل رديت صح " أو " الكلام كان مضبوطا هكذا؟ ". أما الجزء الثاني من قصتي: أن هذا الشاب بعد الخطوبة قال لي: إنه يعاني من " الوسواس القهري "، خصوصاً في الوضوء، والطهارة، حتي إنه يصل أن يتوضأ في 20 دقيقة، ويعاني من نوبات اكتئاب، وأحياناً عندما تنتابه هذه النوبات يكون كارهاً لحياته، ويرى أنه لا فائدة منه، وما أن تزول هذه النوبات: يعود كما كان، وأحيانا يلجأ لدواء الاكتئاب، ولكنه لم يأخذها من حوالي سنة. ولكن لديه جوانب إيجابية، منها: أنه طيب، وكريم، وعادل، ولا يحب الظلم، ومتدين، وأظن أنه يتقي الله فيَّ، ولديه قدره على الاستماع لآراء الآخرين، ومن الممكن أن يقتنع ما دام تقدم إليه الدلائل، ولكن شخصيته ليست ضعيفة، وصريح جدّاً، ومن عائلة محترمة جدّاً، إلا أنه يريد بعد الزواج أن يرد كل الأموال التي يعطيها له والده في الزواج؛ لأنه يشك فيها؛ لأنها أموال موضوعة في البنوك، ونحن الآن نبدأ الإعداد للزواج. أنا الآن لا أعرف هل اختياري هذا صحيح أم لا؟ وهل أستطيع أن أكمل هذه الحياة معه، وأن أتواصل مع من حولي دون أن تؤثر عليَّ نفسيّاً؟ . أنا أنظر للموضوع من جانبين: جانب ديني، وآخر دنيوي، الجانب الديني: هو أني أريد أحداً يتقي الله فيَّ، وأريد أن أساعده في حياته، خصوصا أنه يقول لي: إنه تغيَّر كثيراً من وقت أن عرفني، أما الجانب الدنيوي: هو أني أعيش حياة مع أحد لا أخجل منه، مع العلم أنه يحبني جدّاً، وأنا أول فتاة يرتبط بها، ودائماً يقول لي: إنه مرَّ بأشياء نفسية كثيرة، سواء من زملائه في الفصل - وكانوا لا يرضون أن يلعبوا معه – أو غيرهم، وبالتالي كان ليس له أصدقاء، وحتي الآن ليس له إلا صديق واحد، وهو ابن عمه، ولديه استعداد على أن يتعرف على أزواج صديقاتي، ويكوِّن معهم صداقات، ويتعامل مع من حوله في العمل بشكل جيِّد، وبدأ أن ينضبط، وحياته معتمدة، ومتعلقة بي جدّاً، وعلى فكرة: هو أول شاب في حياتي، ولم أكلم شباباً قبل هذا، ولم تكن لي علاقة بأحد من قبل. بالله عليكم أفيدوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بخصوص النصح بالتزوج من ذلك الشاب، أو عدمه: فالأمر يرجع إليك لتقرري أنت ذلك، فأنت على علم كامل بحاله، وواقعه، والأمر يعود إليك في قدرتك على تحمل تبعات مرضه، وتصرفاته، أم لا، ووصفك الدقيق لحاله، وواقع أمره: يجعل الأمر واضحاً جليّاً بالنسبة لك، فالقرار في ذلك لك.
ولكننا هنا ننبه على أمرين اثنين:
أولاً:
أما " العرج " الذي ابتلاه الله به: فأمره هيِّن، وليس أمراً يستحق الالتفات إليه، خاصة مع توفر صفات طيبة في ذلك الرجل، وقد ابتلي كثير من السلف بالعرج، وكانوا أئمة، وفقهاء، وزهَّاداً، بل ومجاهدين! ولم ينقصهم ذلك العيب عند الله، ولا عند الناس.
ومن هؤلاء:
1. الصحابي عمرو بن الجموح الأنصاري.
وكان أعرج، شديد العرج، وقُتل " يوم أحُد ".
2. يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، من أهل المدينة، يروي عن الزهري، وروى عنه: مالك، والليث بن سعد، وابن عيينة، مات سنة تسع وثلاثين ومائة، كنيته أبو عبد الله.
" الثقات " لابن حبان (7 / 617) .
3. علقمة بن قيس بن عبد الله.
قال الذهبي رحمه الله:
فقيه العراق، الإمام، أبو شبل، النخعي، الكوفي.
كان فقيهاً، إماماً، بارعاً، طيب الصوت بالقرآن، ثبتاً فيما ينقل، صاحب ير، وورع، كان يشبه ابنَ مسعود في هديه، ودلِّه، وسمته، وفضله، وكان أعرج.
" تذكرة الحفاظ للذهبي " (1 / 39) .
4. القائد موسى بن نصير أبو عبد الرحمن.
قال ابن عساكر رحمه الله:
وهو صاحب فتوح الأندلس، وكان أعرج.
" تاريخ دمشق " (61 / 212) .
وقال الذهبي رحمه الله:
وكان أعرج مهيباً، ذا رأي وحزم.
" سير أعلام النبلاء " (4 / 497) .
وغيرهم كثير، كثير، من أهل العلم، والطاعة، والزهد، والقيادة، والجهاد.
ومع ذلك.. فإذا رأيت أن هذا العرج قد يؤثر على العلاقة بينكما، فالأمر في ذلك إليك، ولا حرج عليك من فسخ الخطبة.
ثانياً:
أما ما يتعلق بمرض (الوسواس القهري) فهذا المرض قد يتطور، ويزداد فينتقل من الطهارة إلى الصلاة، فالزواج، فالعقيدة، وهو أخطرها عليه، وهو مما قد يسبب لكما نكداً في حياتكما، فلا تهنآ بزواج، ولا استقرار.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (96273) أن الوسواس القهري قد يؤثر على الحياة الزوجية، فلا تقام على أصولها، وبذلك يكون من العيوب المنفرة.
والوسواس القهري علاجه بالذِّكر، والطاعة، وإغفال الوسوسة، وإهمالها، وتحتاج بعض الحالات إلى مراجعة الطبيب النفسي.
وينظر جواب السؤال رقم (39684) و (41027) لمزيد فائدة.
وبناء على هذا، فنقترح عليك الطلب منه أن يبدأ فوراً بعلاج نفسه، وأن تقفي معه بالتشجيع، والمتابعة لحاله، وأن يتم تأخير الدخول حتى ينتهي من آثاره السيئة، بفضل الله، ورحمته.
وننبه أخيراً إلى أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته فلا يجوز له الخلوة بها ولا مصافحتها، ولا يجوز لها أن تضع حجابها أمامه.
وإذا احتاجت أن تجلس معه فيجب أن يكون معهما أحد محارمها.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق إلى ما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/2)
توجيه قوله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بفضل الله أؤمن بالقرآن وأؤمن أنه لا تعارض بين نصوص القرآن أو بين نصوص السنة بعضها ببعض كما هو معتقد أهل السنة والجماعة وأن ما يحدث للإنسان من اشتباه وتعارض إنما يكون عن قصر فهم أو علم أو قلة بحث وكنت أود أن لو عرضت عليكم شبهتي لكي يزول ما في صدري من اشتباه.. والسؤال كيف أجمع بين قول الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وبين الواقع حيث إننا نشاهد كثيراً من الرجال تزوجوا وهم فقراء وماتوا فقراء وقد وعدهم الله بالغنى.. فهل معنى الغنى في الآية هو غنى النفس بحيث يمتلىء صدره بالرضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية الكريمة: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، وعدٌ من الله تعالى للفقراء بالغنى إن أرادوا النكاح.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغَّبهم فيه، وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى.
وعن ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) .
"تفسير الطبري" (19/166) .
وقال ابن كثير رحمه الله:
"وقد زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي لم يجد إلا إزاره، ولم يقدر على خاتم من حديد، ومع هذا فزوّجه بتلك المرأة، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما يحفظه من القرآن.
والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه وإياها ما فيه كفاية له ولها" انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/51-52) .
وقال ابن عاشور رحمه الله:
" وعد الله المتزوج من هؤلاء إن كان فقيرا أن يغنيه الله، وإغناؤه تيسير الغنى إليه إن كان حرا، وتوسعة المال على مولاه إن كان عبدا" انتهى.
"التحرير والتنوير" (ص 2901) .
وقال السعدي رحمه الله:
"فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه، وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 567) .
ويؤيد ذلك: ما رواه الترمذي (1655) عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) . وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
ولا شك أن كثيراً ممن تزوجوا لم يحصل لهم الغنى بالمال، وماتوا وهم فقراء، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أوجهاً كثيرة للجمع بين هذا الواقع، وبين هذه الآية الكريمة: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، منها:
1- أنه ليس المقصود بالغنى في الآية الغنى بالمال، وإنما المراد غنى النفس، وهو القناعة، وهذا الغنى أفضل من غنى المال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) رواه البخاري (6446) .
قال السمرقندي:
"والغنى على وجهين: غني بالمال وهو أضعف الحالين، وغنى بالقناعة وهو أقوى الحالين" انتهى.
"بحر العلوم" (3/214) .
وانظر: تفسير القرطبي (12/241، 242) .
2- أنه ليس المقصود بالفقر والغنى في الآية المال، وإنما المراد أن من أراد أن يتزوج ليعف نفسه وهو محتاج إلى ذلك، فإن الله تعالى ييسر له النكاح الحلال ليستغن به عن الزنا.
قال القرطبي: "وقيل: المعنى: إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله بالحلال ليتعففوا عن الزنا " انتهى.
"تفسير القرطبي" (12/241، 242) .
3- أن هذه الآية الكريمة: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) مقيدة بمشيئة الله تعالى، فمن شاء الله أن يغنيه أغناه، ومن شاء ألا يغنيه لم يغنه، وتقييد ذلك بمشيئة الله وإن لم يذكر في الآية الكريمة، إلا أنه معلوم، وقد ذُكر مثله في آيات أخرى، كقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) التوبة/28، وقوله تعالى: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ) الرعد/26، وقوله: (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) الأنعام/41.
قال الشوكاني:
" قال الزجاج: حث الله على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر، ولا يلزم أن يكون هذا حاصلا لكل فقير إذا تزوج؛ فإن ذلك مقيد بالمشيئة، وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا. وقيل المعنى: إنه يغنيه بغنى النفس، وقيل المعنى: إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله من فضله بالحلال ليتعففوا عن الزنا. والوجه الأول أولى ويدل عليه قوله سبحانه: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) فيحمل المطلق هنا على المقيد هناك " انتهى.
فتح القدير - (ج 4 / ص 41) .
وانظر: "تفسير القرطبي" (12/241 – 242) ، و "تفسير البيضاوي" (ص 184) .
4- أنه سواء كان المقصود الغنى بالمال، أو غنى النفس بالقناعة، فليس في الآية أن هذا الغنى يكون مستمراً في جميع الأوقات، بل متى حصل هذا الغنى ولو وقتاً يسيراً فقد تحقق الوعد المذكور في الآية الكريمة.
قال القرطبي:
"فإن قيل: فقد نجد الناكح لا يستغنى، قلنا: لا يلزم أن يكون هذا على الدوام، بل لو كان في لحظة واحدة لصدق الوعد" انتهى.
"تفسير القرطبي" (12/241 – 242) وانظر: "أحكام القرآن" (6/84) .
5- ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله: أن هذه الآية: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ليست وعداً بالغنى لكل أحد تزوج، وإنما هي وعد لمن ذكروا في الآية فقط، وهم: الأيامى أي: النساء، والعبيد والإماء، فهؤلاء هم الذين يحصل لهم الغنى، أما النساء والإماء فيحصل لهن الغنى بنفقة أزواجهن عليهن، وأما العبد فيغنيه الله إما بالعمل والكسب، وإما بإنفاق سيده عليه.
فقال رحمه الله:
" فإن قيل: فقد قال الله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقال في الآية الأخرى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فأمرهم بالاستعفاف إلى وقت الغنى وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخبر أنه تعالى يغنيهم، فما محمل كل من الآيتين؟
فالجواب: أن قوله: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) في حق الأحرار، أمرهم الله تعالى أن يستعفوا حتى يغنيهم الله من فضله؛ فإنهم إن تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا لم يقدروا عليها وليس لهم من يقوم بها عنهم. وأما قوله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فإنه سبحانه أمرهم فيها أن يُنكحوا الأيامى وهن النساء اللواتي لا أزواج لهن، هذا هو المشهور من لفظ الأيم عند الإطلاق وإن استعمل في حق الرجل بالتقييد، مع أن العزب عند الإطلاق للرجل , وإن استعمل في حق المرأة، ثم أمرهم سبحانه أن يزوجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا للنكاح. فالآية الأولى في حكم تزوجهم لأنفسهم , والثانية في حكم تزويجهم لغيرهم. وقوله في هذا القسم: (إن يكونوا فقراء) يعم الأنواع الثلاثة التي ذكرت فيه، فإن الأيم تستغني بنفقة زوجها وكذلك الأمة، وأما العبد فإنه لما كان لا مال له وكان ماله لسيده فهو فقير ما دام رقيقا، فلا يمكن أن يجعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا , بل غناه إنما يكون إذا عتق واستغنى بهذا العتق، والحاجة تدعوه إلى النكاح في الرق، فأمر سبحانه بإنكاحه وأخبر أنه يغنيه من فضله: إما بكسبه وإما بإنفاق سيده عليه وعلى امرأته، فلم يمكن أن ينتظر بنكاحه الغنى الذي ينتظر بنكاح الحر، والله أعلم" انتهى.
"روضة المحبين" (ص 317-318) .
وبهذا يتبين أنه ليس هناك تعارض بين هذه الآية الكريمة وبين الواقع من كون بعض الناس يتزوج ولا يحصل له الغنى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/3)
يجوز للمسلمة أن تظهر أمام الكافرة بلا حجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت بأن الكافرات يجوز لهن أن ينظرن إلى المسلمة بدون حجاب , وأنا لست مقتنعة بعد لأنك ذكرت حديثا واحدا أن عائشة رضي الله عنها ظهرت أمام يهودية. أرجو أن تتوسع في توضيح الموضوع حيث إن أقاربي بحكم الزوجية هم من الكفار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بنظر المرأة إلى الرجال، ولذلك لا يُأمر الرجال مسلمين أو كفار أن يتلثموا أو يستروا وجوههم، فالمرأة مأمورة بالتستر والرجل ليس كذلك، وكذلك لا مانع من نظر المرأة إلى المرأة إذا كانت إحداهما كافرة، وذلك لأن منع النظر إنما هو خشية ثوران الشهوة، ومعلوم أن المرأة لا يكون منها شهوة إذا نظرت إلى امرأة مثلها.
وأما قوله تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ) فكلمة نسائهن ليس خاصا بالمؤمنات بل يعمّ الكافرات، فالمرأة إذا نظرت إلى امرأة كافرة لم يحصل مفسدة، فلا مانع من نظرها إلى غير المسلمة، سيما إذا كانت تحتاج إلى مجالستها، كأن تكون معلمة أو طبيبة وغيرها، فمن المشقة أن تحتجب عنها أو أن تصرف نظرها عنها.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(6/4)
نصيحة للزوجين المتنازعين على مصاريف البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول السائلة: إنها معلمة بالمملكة منذ سنوات وتزوجت وجاء زوجها معها بدلاً من أخيها الذي كان يرافقها أولاً، ورزقنا الله طفلاً والحمد لله وبدأ زوجي في البحث عن عمل يناسب مؤهله العلمي ولكن لم يوفق، وأخيراً عمل بإحدى المحلات الموجودة في المنطقة الشرقية التي نعيش فيها، وبدأ الخلاف على مصاريف البيت. فهل علي أن أتحمل في مصاريف البيت؛ حيث يقول زوجي: إذا لم تدفعي في مصاريف البيت فلا عمل لك مطلقاً؟ وهل لزوجي حق في مرتبي الذي أتقاضاه مقابل عملي؟ وإذا كان علي أن أتحمل في مصاريف البيت فما النسبة بيني وبين زوجي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذه المسألة وهي مصاريف البيت بين الزوج والزوجة اللذين تغربا للعمل وطلب الرزق ينبغي فيها المصالحة بينهما وعدم النزاع، أما من حيث الواجب فهذا يختلف وفيه تفصيل، إن كان الزوج قد شرط عليك أن المصاريف بينك وبينه وإلا لم يسمح لك بالعمل فالمسلمون على شروطهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) ، فأنتما على شروطكما إن كان بينكما شروط.
أما إذا لم يكن بينكما شروط فالمصاريف كلها على الزوج، وليس على الزوجة مصاريف في البيت، وهو الذي ينفق قال الله جل وعلا: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) الطلاق/7، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَعَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، فالنفقة على الزوج؛ هو الذي يقوم بحاجات البيت وشئون البيت له ولزوجته وأولاده ومعاشها لها وراتبها لها؛ لأنه في مقابل عملها وتعبها وقد دخل على هذا ولم يشترط علها أن المصاريف عليها أو نصفها أو نحو ذلك، أما إن كان دخل على شيء فمثل ما تقدم: المسلمون على شروطهم، وإذا كان قد دخل على أنك مدرسة وعلى أنك تعملين ورضي بذلك فيلزمه الخضوع لهذا الأمر وألا ينازع في شيء من ذلك وأن يكون راتبك لك إلا إذا سمحت بشيء من الراتب عن طيب نفس، فالله جل وعلا يقول: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) النساء/4.
وينبغي لك أن تسمحي ببعض الشيء، وأنا أنصح لك أن تسمحي ببعض الراتب لزوجك تطيباً لنفسه وحلاً للنزاع وإزالة للإشكال حتى تعيشا في هدوء وراحة وطمأنينة فاتفقا على شيء بينكما كنصف الراتب أو ثلثه أو ربعه ونحو ذلك حتى تزول المشاكل وحتى يحل الوئام والراحة والطمأنينة محل النزاع.
أما إذا لم يتيسر ذلك فلا مانع إلى التحاكم إلى المحكمة ورفع القضية إلى المحكمة في البلد التي أنتما فيها وفيما تراه المحكمة الشرعية الكفاية إن شاء الله.
ولكن نصيحتي لكما جميعاً هو الصلح وعدم النزاع وعدم الترافع إلى المحكمة وأن ترضي أيتها الزوجة بشيء من المال لزوجك حتى يزول الإشكال أو يسمح هو ويرضى بما قسم الله له ويقوم بالنفقة حسب طاقته ويسمح عن راتبك كله ويترفع عن ذلك، هذا الذي ينبغي بينكما، ولكني أنصح وأكرر أن تسمحي أنت ببعض الراتب حتى تطيب نفسه وحتى تتعاونا على الخير بينكما فالبيت بيتكما والأولاد أولادكما والشيء لكما، فالذي ينبغي التسامح منك ببعض الشيء حتى يزول الإشكال. وفق الله الجميع" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1615) .(6/5)
منع الحمل بسبب قلة الدخل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استعمال مانع الحمل بسبب قلة دخلي المالي الذي لا يفي بحاجتنا المعيشية، إضافة إلى سوء صحتي وما أصاب به من الإرهاق والعسر؟ علماً بأنني أخشى أن يتضاعف ذلك حينما يكثر الأولاد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز تعاطي ما يمنع الحمل من أجل خوف ضيق المعيشة؛ فالله هو الرزاق سبحانه وتعالى، وهذا يشبه أحوال أهل الجاهلية الذين كانوا يقتلون الأولاد خشية الفقر، بل يجب حسن الظن بالله والاعتماد عليه سبحانه وتعالى.
فهو الرزاق العظيم جل وعلا، وهو القائل سبحانه وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) هود/6، فالواجب حسن الظن بالله من الزوج والزوجة وألا يتعاطوا منع الحمل.
أما إذا كان مانع الحمل لأمر آخر لمرض الأم أو لكونه يضر بصحتها أو رحمها أو يُخشى عليهما منه أو لأن الأولاد تكاثروا؛ لأنها تحمل هذا على هذا من دون فاصل فأرادت أن تتعاطى المانع لمدة يسيرة كسنة أو سنتين حتى لا يشق عليها تربية الأولاد وحتى لا تعجز عن ذلك فلا بأس لمصلحة الأولاد، لا لسوء الظن بالله سبحانه وتعالى، أو لمضرتها هي وعجزها هي، أما ما يتعلق بالرزق فالرزاق هو الله سواء كنت مريضاً أو صحيحاً، فالله هو الذي يرزقكم سبحانه وتعالى، وبيده تصريف الأمور جل وعلا، فعليك حسن الظن بالله وعليك الثقة بالله، والله سبحانه وتعالى ذو القوة المتين جل وعلا" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1626) .(6/6)
هل تتزوج برجل من غير توثيق العقد رسميّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة مغربية، أرملة، وأم لطفلين، أستفتي حضرتكم في مسألة الزواج، حيث استعسر عليَّ الزواج بشخص متزوج عن طريق القانون المغربي؛ حيث يستوجب موافقة الزوجة، التي اشترطت الطلاق في حالة إذا ما فكَّر الزوج في التعدد، فلتفادي زعزعة البيت الأول، ولتفادي تعريض الأبناء لأي انعكاس سلبي بسبب الطلاق، ولأننا حريصون على إنشاء علاقة أساسها العفة، والتكافل: فكَّرنا في الزواج بالطريقة الشرعية، بعقد عرفي، يستوفي شروط صحة الزواج في الإسلام، وهي الشهود، والولي، والمهر، والإيجاب والقبول – طبعاً -، لكن أبي لن يقبل بهذه الصيغة، مع أنها شرعية، والصيغة القانونية مستحيلة. فكرت أن أقيم وليمة، بحضور الأب والأهل، وأُشهر الزواج، دون أن أخبر أبي بالصيغة التي سيتم بها الزواج؛ وذلك بأن أدَّعي أن الإجراءات تمت في المحكمة، مع أنها عكس ذلك، ستتم عند عدول، وشهود؛ وذلك تفادياً لأي رفض يمكن أن يأتي من قبَله، فهل يكون الزواج صحيحاً؟ علماً أن العريس خطبني من أبي، وأبي وافق على الزواج، وبقي الاختلاف فقط في الصيغة. أرجو أن تفتوني بما ييسر زواجي من هذا الشخص؛ لأني أراه نعم المعين لي على تربية أبنائي، فكل المشاكل التي واجهتنا كانت نتيجة حرصه على رعايتي أنا وأبنائي، دون أن يؤثر ذلك على استقرار أسرته، خصوصاً أن زوجته لا تناقش فكرة التعدد، وتهدد بطلب الطلاق، وأي مبادرة للزواج القانوني سيتم إخبارها قانونيّاً، وينهار استقرار الأسرة، وأي إخبار لأبي بأن الزواج ليس قانونيّاً بل فقط شرعي: سيحرمني من إنسان لمست فيه الأخلاق الحسنة، وتوسمت فيه الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (133144) و (98354) الكلام على هذه القوانين التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه، وتشترط شروطاً مخالفة لكتاب الله تعالى.
وتوجهنا بالنصيحة للحكام الذين غيَّروا أحكام الله وبدَّلوها.
وكذلك للزوجة التي يريد زوجها أن يتزوج عليها، والزوج الذي يريد أن يعدد.
فراجعيه فهو مهم.
ثانياً:
الزواج الشرعي هو ما كان متحققاً فيه أركانه وشروطه الشرعية، مع خلوه من الموانع التي تمنع انعقاده، فإذا كان هناك إيجاب من ولي المرأة، وقبول من الرجل، وكان ذلك بحضور شهود يشهدون العقد، أو كان العقد معلَناً عنه: كان زواجاً شرعيَّاً، إذا خلا من الموانع، ولا يٌشترط في العقد الشرعي حتى يكون صحيحاً أن يوثق في المحاكم الشرعية، أو الأوراق الرسمية.
وليس الأمر بهذه السهولة في واقعنا المعاصر حتى نقول إنه يكفي أن يُجرى العقد من غير توثيق، بل حصل من التعقيدات في الحياة، ووُجد من فساد الذمم: ما احتيج معه إلى إيجاب توثيق العقود الزوجية؛ لما يترتب على ذلك من مصالح عظيمة، من إثبات النسب، والمهر، والميراث، ودفع التهمة عن الزوجة بعلاقتها مع رجل، وحملها منه، وهذا ما يدفعنا للتوكيد على ضرورة توثيق العقود الزوجية.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"إذا تمَّ القبول والإيجاب، مع بقية شروط النكاح، وانتفاء موانعه: صح، وإذا كان تقييده قانوناً يتوقف عليه ما للطرفين من المصالح الشرعية الحاضرة، والمستقبلة، للنكاح: وجب ذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18/87) .
وعليه، فإتمام العقد بالصورة التي تذكرينها ـ وإن كان العقد صحيحاً شرعاً ـ إلا أن فيه مجازفة، لأنه إذا حصل ورزقك الله بولد من هذا الزوج، فكيف سيتم تسجيله وإثبات نسبه؟ ثم اعلمي أن المحذور الذي تخافين منه بإثبات النكاح في الأوراق الرسمية، وهو طلب الزوجة الأولى الطلاق، لن يتم تفاديه، لأنه لا يمكن للرجل أن يخفي زواجه الثاني ويجعله سراً مدى الحياة.
فإذا علمت الزوجة الأولى بذلك ـ ولم تستطع طلب الطلاق رسمياً، لعدم إثبات الزواج الثاني ـ فإنها ستطلب الطلاق من زوجها، وتقع بينهما مشاكل، وتفسد العلاقة بينهما، حتى وإن لم يحصل طلاق.
فماذا سيفعل الزوج في هذه الحالة؟
نخشى أن يكون الحل هو طلاقك.
ولهذا نرى أن تصبري حتى يجعل الله لك مخرجا (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3.
وليحاول هذا الزوج إقناع زوجته الأولى بالموافقة، وأنه ليس من حقها شرعاً أن تطلب الطلاق من أجل أنه قد تزوج عليها.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/7)
هل يلزمها تنفيذ وصية أبيها بأن تتزوج بابن عمتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ترك والدي رحمه الله وصية فحواها أن يعقد قراني لابن عمتي ولم يسألني والدي قبل مماته عن رأيي في هذا الشخص؛ إذ إن المرض ومن ثم الوفاة حالت دون معرفته رأيي. أما الشخص المعني فقد صارحته حين فتح معي الموضوع بأنني لا أكن له سوى مشاعر الإخوة والقربى. هل أكون مخالفة للشرع؟ أو هل من عقوق إذا لم أتزوج هذا الرجل؟ علما بأن قلبي يميل لقريب آخر يحترمني ويكن لي كل المودة والتقدير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزمك تنفيذ الوصية المذكورة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن) , وفي لفظ آخر: (والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صماتها) , ونوصيك باستخارة الله سبحانه، ومشاورة من تطمئنين إليه من أقاربك أو غيرهم من العارفين بأحوال الشخصين، يسر الله لك كل خير" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (20/101) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/8)
اضطرب الحيض بسبب حبوب منع الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أستخدم حبوب تحديد النسل بسبب بعض المشاكل الطبية عندي، وقد نسيت أخذ بعض تلك الحبوب والآن أنا أعاني من النزيف. أنا أصلي يومين من الأيام التي أعاني من ذلك النزيف , إلا أنني أشعر بالإثم. فما هو الرأي الصحيح في هذا الأمر؟ أرجو الأخذ بعين الاعتبار أن أخذ تلك الحبوب بسبب مشاكل طبية , وزوجي أيضا على علم تام بهذا الأمر , فإما آخذ تلك الحبوب أو أن أواجه مشاكل صحية. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون في حاجة لذلك؛ مثل أن تكون مريضة أو ضعيفة، والحمل يزيد من مرضها أو ضعفها.
والشرط الثاني: أن يأذن لها الزوج؛ لأن للزوج حقاً في الإنجاب.
ثم لابد مع ذلك من مشاورة الطبيب الثقة في استخدام هذه الحبوب، ومدى ملاءمتها لحالتها الصحية، وهل لها أضرار مستقبلية عليها أو لا؟
وقد سبق في جواب السؤال رقم (21169) نقل ذلك عن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
ثانياً:
أما حكم هذا النزيف، وحكم الصلاة والصيام فيه، فمن المعلوم أن تناول هذه الحبوب يسبب اضطراباً في الحيض عند المرأة، فقد يزيد، وقد يتقدم.
وقد اختلف العلماء في ذلك: هل يعد حيضاً أم لا؟
فاختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن الزيادة في مدة الحيض بسبب هذه الحبوب تكون حيضاً، فقال رحمه الله:
"من مساوئ هذه الحبوب: أنها توجب اضطراب العادة على المرأة فتوقعها في الشك والحيرة وكذلك توقع المفتين في الشك والحيرة؛ لأنهم لا يدرون عن هذا الدم الذي تغير عليها أهو حيض أم لا؟
وعلى هذا: إذا كان من عادتها أن تحيض خمسة أيام واستعملت الحبوب التي لمنع الحمل ثم زادت عادتها , فإن هذه الزيادة تبع الأصل , بمعنى أنه يحكم بأنه حيض ما لم تتجاوز خمسة عشر يوماً , فإن تجاوزت خمسة عشرة يوماً صارت استحاضة , وحينئذ ترجع إلى عادتها الأولى التي هي خمسة أيام" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (123/1) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أن المرأة تنظر إلى الدم النازل بسبب هذه الحبوب، فإن كان بصفات دم الحيض فهو حيض، وإن كان بصفات الدم المعتاد فهو نزيف، وليس حيضاً.
فقد سئلوا:
في الأيام الحاضرة تستعمل النساء موانع الحمل الاصطناعية كالحبوب واللولب، وأي طبيب قبل وضع اللولب أو إعطاء الحبوب يعطي المرأة حبتين للتأكد من عدم حمل المرأة، بهذه الحالة يجب أن يأتيها الدم إن لم تكن حاملا.
والسؤال: إن هذا الدم الذي ينزل عليها خلال أيام معدودة هل حكمه حكم دم الحيض بترك الصلاة والصيام والجماع؟ علما أن فترة نزول هذا الدم ليست وقت حيضها المعتاد.
كذلك بعد وضع اللولب أو استعمال الحبوب عند بعض النساء يتغير نظام دورة الحيض فتزيد فجأة بعد استعمال المانع للحمل حتى إن بعضهن لا تطهر خلال الشهر أكثر من أسبوع، وينزل الدم عليها خلال ثلاثة أسابيع متوالية ويكون الدم النازل نفس الدم الذي ينزل عند الحيض، وكذلك نفس الدم الذي ينزل عند أخذ الحبتين للتأكد من عدم الحمل كما في السؤال السابق.
والسؤال: ما حكم المرأة خلال هذه الفترة ثلاثة أسابيع أهو حكم الحيض؟ أم تلتزم بعادتها قبل استعمال المانع أسبوع أو عشرة أيام؟
فأجابوا:
"إذا كان الدم الذي نزل بعد أخذ الحبتين هو دم العادة المعروف للمرأة فهو دم حيض تترك وقته الصوم والصلاة، وإذا كان غير ذلك فلا يعتبر دم حيض يمنع الصوم والصلاة والجماع؛ لأنه إنما نزل بسبب الحبوب " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/402) .
وقد نقل عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه سئل عن الحيض الذي ينتج عن تناول الحبوب، فقال:
"على المرأة أن تسأل الطبيب، فإذا قال: هذا حيض فهو حيض، وإذا قال: هذه عصارات من هذه الحبوب فليس بحيض " انتهى من فتاوى ودروس الحرم المكي للشيخ ابن عثيمين2/284
وهذا القول جيد، وبه يرتفع الإشكال إن شاء الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/9)
يستحب تخير الزوج الصالح حسن الصورة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثًا وأريد أن أعرف صحته، وما الأحكام المنوطة به، وما معنى سيء المنظر. ذكر القرطبي فيما معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أولياء الأمور أن لا يزوجوا بناتهم لمن كان قبيح المنظر أو دميم الخلقة. كما ذكر أيضاً أن امرأة ثابت بن قيس ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ما تجده من قبح زوجها وأنها لا تطيق أن ترى وجهه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه مهره؟ فقالت: وأكثر لو أراد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذ ما أعطيتها وخل سبيلها، فطلقها. أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي وقفنا عليه من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار الجمال في الخاطب المتقدم للفتاة، حديثان اثنان:
الحديث الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ)
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466)
والعلماء يقولون إن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للرجال هو خطاب للنساء أيضا، وقد سبق في موقعنا في جواب الرقم: (125907) ، بيان استحباب هذه الصفات في الرجال والنساء.
الحديث الثاني:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
(أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ. قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)
رواه البخاري (رقم/5273)
وفي رواية أنها قالت:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لاَ أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، وَلَكِنِّي لاَ أُطِيقُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ. قَالَتْ نَعَمْ) رواه البخاري (رقم/5275)
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث أن من أسباب طلب امرأة ثابت بن قيس الطلاق منه هو أنه دميم الخلقة. يراجع في ذلك " فتح الباري " (9/400)
وهذان الحديثان ليسا صريحين في حث الأولياء على مراعاة جمال صورة من يخطب بناتهم.
ولكن روي ذلك صريحا عن بعض الصحابة والتابعين:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح، فإنهن يُحبِبْنَ ما تحبون)
رواه سعيد بن منصور في سننه (رقم/781) ، وابن أبي شيبة في " المصنف " (4/94) ، وابن شبة في " تاريخ المدينة " (2/338) ، وابن أبي الدنيا في " العيال " (ص/272) ، من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب.
وروي أنه رضي الله عنه أُتِيَ بامرأة شابة زوجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال:
(يا أيها الناس! اتقوا الله ولينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال، - يعني: شبهها -)
رواه سعيد بن منصور في سننه (1/210)
وروى ابن أبي الدنيا أيضا في " العيال " (ص/275) بسنده عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أبو بِكرٍ دعاها إلى رجل فهويت غيره؟ قال: يلحق بهواها.
يقول الغزالي رحمه الله:
" يجب على الولي أيضا أن يراعي خصال الزوج، ولينظر لكريمته، فلا يزوجها ممن ساء خَلقُهُ أو خُلُقه، أو ضعف دينه، أو قصر عن القيام بحقها، أو كان لا يكافئها في نسبها.
قال صلى الله عليه وسلم: (النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته) - قال البيهقي في " السنن الكبرى " (7/83) : روي مرفوعا والموقوف أصح -.
والاحتياط في حقها أهم؛ لأنها رقيقة بالنكاح، لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال، ومهما زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد جنى على دينه، وتعرَّض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار.
وقال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها؟
قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها " انتهى.
" إحياء علوم الدين " (2/41)
وانظر جواب السؤال رقم: (5202) ، (6942)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/10)
تزوجها بعقد غير موثق بمحكمة وأفشت سرَّ زواجها لنسائه فطلقها وطلب إجهاض الجنين!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من إنسان متدين، ملتزم، تزوجني سرّاً عن أهله لأنه متعدد الزوجات، تنازلت عن حقوق كثيرة احتراماً لرغبته بالحفاظ على السر، فصرت أجد صعوبة في الاتصال به، وأنا في مدة سنة زواج لم أره إلا 24 يوماً، وأخيراً قررت إخبار زوجاته، وأهله؛ لعلهم يتعاطفون، ويتعاونون، فحدثت الفاجعة، وأنا حامل في الشهر السادس إذ طلقني زوجي في رسالة عبر الهاتف، ولم أجد آذاناً صاغيةً للحق، بل أكثر من هذا: طلب مني زوجي إسقاط ما في بطني! . فما قول الشرع في هذا؟ أنا ضائعة خصوصا أن عقد الزواج لم يكن مسجلاًّ رسميّاً، فقط كان شرعيّاً على يد والدي، وشاهدين، أقول حسبي الله أنا لم أفعل شيئاً سيئاً بإخبار أهله لأني ظننتم يتفهمون، لكن صار العكس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أخطأ والدك خطأً كبيراً بموافقته على إجراء العقد عرفيّاً من غير تسجيل رسمي، وقد بينَّا مراراً أن مثل هذا العقد وإن كان شرعيّاً من الناحية النظرية: إلا أنه يترتب على عدم توثيقه بالمحاكم الشرعية أضراراً عظيمة، ومفاسد جمَّة، ومن أهمها: عدم نسبة الأولاد إلى أبيهم بوثاق رسمية، ومنها عدم حفظ حقوق المرأة المالية، من المهر، والميراث، وغير ذلك مما لا يخفى على عاقل.
وانظري جوابي السؤالين: (45513) و (45663) .
ثانياً:
الطلاق يقع بكل ما يعبِّر عنه المطلق، نطقاً، أو كتابة، أو إشارة إن كان أخرس، والرسالة المبعوثة من الزوج بالجوال وفيها طلاقه لزوجته: يقع بها الطلاق، بشرط ثبوت أنه هو صاحب هذه الرسالة، وأنه أرسلها باختياره دون إكراه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (70460) و (36761) و (20660) .
ثالثاً:
يعتقد كثير من العامة أن طلاق الحامل لا يقع، وهذا ظن فاسد، واعتقاد باطل، بل طلاق الحامل شرعي، وموافق للسنَّة.
وانظري أدلة ذلك، وأقوال العلماء في جواب السؤال رقم: (12287) .
وعليه: فبما أن زوجك قد أقرَّ أنه أرسل تلك الرسالة، وأنه يعلم ما فيها، وأنه يقصد معناها: فقد وقع عليكِ طلاقه، وتُحسب عليكِ طلقة، وأنتِ ـ الآن ـ في عدة الطلاق حتى تضعي ما في بطنك؛ لقوله تعالى: (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ من الآية 4، وهذه العدة تشمل المطلقة، والمتوفى عنها زوجها.
ويترتب على الطلاق هذا: أن تبقيْ في بيت الزوجية، وأن لا تخرجي منه باختيارك، كما لا يحل له إخراجكِ منه؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ 1.
وهو أحق بردك إلى عصمته أثناء حملكِ، كما في قوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) البقرة/ من الآية 228.
رابعاً:
أما طلب زوجكِ منكِ إسقاط الجنين وأنت في الشهر السادس من الحمل: فهو طلبٌ منكر، ولا يحل لكِ مطاوعته على ما أراد، وهو قتل نفسٍ بغير حق، وفيه الإثم، والدية، وهي هنا دية جنين، قيمة عبدٍ أو أمَة، ويقدِّرها العلماء بعُشر ديَة أمِّه، والكفارة وهي صوم شهرين متتابعين، وتشتركان ـ أنتِ وزوجكِ ـ في الإثم، والدية، وعلى كل واحدٍ منكما صوم شهرين متتابعين، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (40269) ، فلينظر.
فاحذري من إجهاض جنينك، واتقي الله في فعل ما لا يحل لكِ شرعاً، وخوفيه بالله تعالى، واعلمي أنه ليس له طاعة عليك هنا؛ لأن ما يرغب به معصية، ولا طاعة لأحدٍ في معصية الله تعالى.
واحرصي على توسيط والدك، أو من ترينه من أهل العقل والحكمة، بينك وبينه، ليرجعك إلى عصمته قبل فوات الأوان، وإذا حصل هذا: فاحرصي ـ أنت ووالدك ـ أشد الحرص على توثيق عقد الزواج في محكمة شرعية، ولو ترتب عليه مشاق، وصعاب.
فإن أبى إلا الطلاق: فاصبري على هذا الابتلاء، وفوضي أمرك إلى الله، ولا تبتئسي، فلعلَّ الله تعالى لك في ولدك الذي في بطنك، وأن يرزقك زوجاً خيراً منه. وقد قال الله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء /130.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/11)
يصر والداها على إقامة حفل زفاف مشتمل على منكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 عام وقد خطبني زميل لي في العمل فقد تقدم في شهر فبراير ولكن والدي ووالدتي أصروا على تأجيل الخطبة إلى شهر ابريل لتمكنهم من عمل التجهيزات مع العلم أن الخطبة في بيتنا وليست في قاعة أو مكان آخر وصبرنا على ذلك وتمت الخطبة بحمد الله وبعدها بفترة ليست طويلة بدأت مشاكل على الشقة فخطيبي في بداية حياته كأي شاب ولكن والدي كان يصر على التمليك مع أن اتفاق خطيبي معه من البداية هو أنه إذا لم يستطع الحصول علي شقه تمليك فسوف يقوم بإيجار شقه حتى يتم الزواج ثم أخذنا فالبحث ولم يعجبهم مستوى الأماكن التي كنا نجدها مع العلم أنهم قد فرضوا علينا أماكن معينة بلا نقاش بحجه أنها يجب أن تكون قريبه منهم وعندما نحاول أن نتكلم لا يوافق أبي ويهدد بفسخ الخطبة ثم حاولنا البحث عن الإيجار الجديد ولكننا كنا نبحث عن شقة صغيرة ولكن فجأة قال لي أبي أن فكره لا يعجبه وأن الإيجار الجديد لمدة سنتين ليس ضمان وأنه خائف عليا وأني ليس لي خبرة في الحياة وأني مندفعة وراء مشاعري ويريد فسخ الخطبة واستسلمت ولكن خطيبي حاول مرة أخرى وبالفعل رجعنا مرة أخرى والحمد لله وجدنا شقة إيجار جديد وأخذناها لمدة 5 سنين ووافق أبي على مضض وهو يقول لي أنه ليس ضمان وذلك قبل رمضان بأسبوعين حاولنا أن نقنع والدتي أن نبدأ بالتجهيز حتى لا نضيع الوقت ولا نقوم بدفع إيجار الشقة بدون استعمالها فرفضت وقالت بعد رمضان وذلك وخطيبي يدفع إيجار الشقة التي اجبرنا على اختيارها واختيار مكانها وذلك حتى تعجب والدتي ووالدي وبالفعل بعد رمضان بدأنا التجهيز وقام خطيبي بالبدء في دهان الشقة وشراء الأجهزة وظهرت مشكلة لشراء الأثاث وذلك بحجة أنهم يعرفون أكثر مني في الأذواق وأن ما يعجبهم هم هو ما سيتم شرائه مهما غلا ثمنه وإلا ستنتهي الخطبة وبالفعل ذهبنا واشترينا الأثاث وكان ثمنه أربع وأربعون ألفا وذلك وينقصنا غرفة أخرى ولكن وافق خطيبي وذلك حتى لا يتركني ونحن نحاول تقصير مدة الخطوبة كي يحفظنا الله فالحب بيننا موجود والحمد لله ويزداد وأيضا نريد طاعة الله في زواجنا وخطيبي على خلق ومحبب من كل من حوله إلا أبواي للأسف وقد ساعدني على ترك استماع الأغاني وترك لبس البنطال ويحثني دائما على ترك ما فيه معصية ولكن للأسف أبي يجد ذلك تشدد وأنه قد رباني على التدين وأنه ليس كافر ولا فاسق لكي يقول لي خطيبي ما أفعل والآن نحن في مشكلة كبيرة وهي الفرح كنا نحلم أنا وخطيبي بكتب كتاب وسنحاول أن يكون فستاني واسع ولا أتزين ولا أجلس على المنصة وسط جو مليء بالاختلاط ولكن تحطمت كل هذه الأحلام مع محاولة الاتفاق مع أبى على ذلك فحدثت مشكلة وحتى عندما أردنا تبرير ذلك بأن مصاريف الفرح باهظة قال أبي وأمي لنؤجل سنه أو اثنين حتى يتوفر المبلغ للفرح وحتى عندما وافقنا ولكن لا يكون هناك أغاني ورقص اعترضوا اعتراضا رهيبا والآن وصل بي التفكير أن نطاوعهم ولكن بعد كتابة العقد قبل الفرح بيوم في البيت ألا نذهب إلى الفرح لأننا لا نرغب في أن تكون بداية حياتنا معصية لله وغناء ورقص ولكن سنتوجه لشقتنا ونتركهم ولكني أخشى أن يسبب ذلك ألما لهما ويكون فضيحة لهما وهل ما سندفعه في الفرح سيكون حراما أماذا نفعل هل نوافقهم ونذهب إلى الفرح أم نترك بعض وننهي الخطبة وأنا أريد أن أطيع ربي حتى لو رأوه أهلي تشددا ولكن هذا لن يكتمل إلا بزواجي وتركي هذا البيت فأنا لا استطيع مواجهه أهلي حتى وأنا أعلم أن ما يقولونه غير صحيح شرعا وخطيبي يقول لي إن هذا ابتلاء من الله ويجب الثبات لأننا لو وافقنا علي رأيهم وحضرنا الفرح سنكون عاصين لله ولو تركناه ولم نحضر ستكون فضيحة لأهلي أنني لم احضر مع العلم أنني سأكون قد تم عقد قراني وطاعتي وقتها لزوجي ولكني لا أريد أن أضع أهلي موضع حرج]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تعلمي أن الالتزام بشرع الله تعالى، والوقوف عند حدوده، نعمة عظيمة، لا يعرف قدرها إلا من ذاقها وعاشها، وإننا لنتأمل في سؤالك وفي موقف والديك، ثم نعجب والله مما ذكرت، فهذا التدخل المتكرر في اختيار الشقة والأثاث المكلف، ثم الحرص على إقامة الحفل الذي لا يرضي الله تعالى، ثم الاستعداد لقبول تأخير الزواج سنة أو سنتين حتى يتوفر المال للحفل، كل ذلك ثمرة البعد عن الالتزام الحقيقي، وهو ليس خطأ من جهة الشرع فحسب، بل فيه مع ذلك إضاعة المال، وتنفير الخاطب، وتعطيل مصلحة الفتاة في الزواج، فلا جرم أن المعصية: فساد في الدين والدنيا.
ثانيا:
لا يجوز إقامة الحفلات المختلطة، أو المشتملة على الغناء والموسيقى والرقص، أو ما تظهر فيه الزوجة بزينتها أمام الرجال الأجانب، فكل ذلك منكر يجب البعد عنه، والامتناع من المشاركة فيه، وإن من الغفلة بمكان أن يبدأ الزوجان حياتهما بهذا القدر من المعاصي والآثام.
ثالثا:
إذا أصر والداك على ما ذكرت، فعليكما اتباع ما يلي:
1- نصحهما، وبيان تحريم هذه الحفلات التي لا ترضي الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- الاستعانة بالعقلاء والصالحين من أهلك أو من أهل الخاطب لإقناع والديك.
3- الاستعانة بمن يقبل والدك كلامه من أهل العلم، وذلك عن طريق توجيه السؤال إليه، أو طلب النصيحة منه.
4- ينبغي تذكير الوالدين بوجوب التحاكم للشرع، وامتثال ما يأمر به، لا سيما ووالدك يحاول التأكيد على أنه مسلم مستقيم، ليس كافرا ولا فاسقا.
5- لا ينبغي للخاطب أن يضعف أمام أهل المخطوبة، بل ينبغي أن تكون له كلمته، وأن يصر على مواقفه الصحيحة؛ وإلا عرض حياته الزوجية فيما بعد للكثير من المشاكل الناتجة عن تدخل أهل زوجته فيها.
6- إذا لم تُجد الوسائل المتقدمة، فأعلنوا أنكما غير مسئولين عن هذه المنكرات، ولن تشاركوا في ترتيبها أو الإنفاق فيها، ثم إذا أقيم الحفل، تغيبتما عنه، أو حضرتما وفارقتموه عند وجود المنكر، وهذا وإن كان له أثر سيء على والديك، لكنه الحل الممكن الذي تسلمان فيه من الوقوع في الحرام، وتبنيان به علاقة صحيحة مع والديك تمنع تدخلهما في حياتك مستقبلا، ونأمل ألا تصل الأمور إلى هذا الحل الأخير، فلعل الوالدين إذا علما إصراركما التام على رفض هذا الحفل أن يرجعوا عنه.
رابعا:
نذكرك بأن الخاطب أجنبي عن مخطوبته كغيره من الرجال الأجانب، فلا تحل المصافحة له، أو الخلوة معه، أو الخضوع له بالقول، فهذه حدود الله التي يجب الوقوف عندها ولو خالفت العادات والأعراف الحادثة، قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229
نسأل الله تعالى أن يكتب لك التوفيق والنجاح والفلاح، وأن يزيدك إيمانا وطاعة وهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/12)
تريد مخالعة زوجها لأنه لا ينجب فهل له أن يطالبها بالتنازل عن المهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ ست سنوات ولم يتم الإنجاب حتى الآن لوجود ضعف عندي في الحيوانات المنوية ويحتاج الأمر إلى علاج طويل وقد تركتني زوجتي قبل سنة وذهبت لأهلها وتفاجأت قبل أيام أن رفعت علي قضية طلب الخلع لأنني عقيم وهي تريد الذرية وأنا ليس لدي مانع في ذلك ولكنني دفعت لها مهراً قدره (40000) ريال وشبكة بـ (7000) ريال وقد ورطتني في قرض من البنك لأقوم بترميم السكن الذي نسكن فيه بحجة أنه غير لائق وغير متناسق في الألوان لأنه بناء قديم وتريد أن تعمل له بويات ترخيم وتغير أطقم الحمامات وما إلى ذلك من التعديلات ولا زلت حتى تاريخه أسدد في ذلك القرض وقدره (50000) ريال فهل يحق لي إذا خالعتها أن أطلب كل هذه المبالغ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في العيوب التي تثبت حق الفسخ في النكاح، والراجح: "أن كل ما يفوت به مقصود النكاح، فهو عيب".
وعليه؛ فالعقم أو عدم القدرة على الإنجاب عيب، فمتى تبين للزوجة أن الزوج عقيم فلها الحق في فسخ عقد النكاح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصواب أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولا شك أن من أهم مقاصد النكاح المتعة والخدمة والإنجاب، فإذا وجد ما يمنعها فهو عيب، وعلى هذا؛ فلو وجدت الزوج عقيماً، أو وجدها هي عقيمة فهو عيب " انتهى من "الشرح الممتع" (12/220) .وينظر جواب السؤال رقم 43496.
وإذا حصل الفسخ من الزوجة بسبب عقم الزوج، وكان بعد الدخول بها، فإن الزوجة تأخذ المهر كاملا، فتأخذ النقود (40) ألفا، وتأخذ الشبكة (7000) ، وليس لك أن تطالبها بشيء، فإن الفسخ حق لها شرعا في هذه الحال، ولا تحتاج للخلع.
وما أنفقته على المسكن، فهو باختيارك، وهو راجع إليك، وليس لك أن تطالبها بشيء منه.
ثانيا:
إذا علمت الزوجة بالعيب ورضيت به، سقط حقها في الفسخ، بشرط أن يكون الرضى صريحا، وليس سكوتا لأجل التروي والنظر.
قال في "زاد المستقنع": " ومن رضي بالعيب، أو وجدت منه دلالته مع علمه فلا خيار له " انتهى.
فلو قالت زوجتك بعد علمها بحالك: إنها راضية بذلك وإنها ستبقى معك، سقط حقها في الفسخ، فإن أرادت المفارقة بعد ذلك فلها أن تلجأ للخلع، وحينئذ لك أن تشترط في الخلع أن تتنازل عن مهرها أو عن بعضه أو أكثر منه، لكن لا ينبغي أن تأخذ أكثر مما أعطيتها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والذي ينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل، فإذا كان الخطأ من المرأة فلا حرج عليه أن يطلب ما شاء، وأما إذا كان التقصير منه، وأن المرأة سئمت البقاء معه لتقصيره، فليخفف ويكتفي بما تيسر، ثم هناك فرق أيضاً بين المرأة الغنية والمرأة الفقيرة، وهذا أيضاً ينبغي للزوج أن يراعيه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (8/25) .
وانظر: " المغني" (7/247) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/13)
مسئولية الأخ الأكبر على شقيقاته الصغار والكبار بعد وفاة والده من حيث المال والتزويج
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أسئلة مهمة، وأرجو منكم الرد عليها بالرد العلمي، مع ذكر المصادر، وأقوال أهل العلم السابقين، أو اللاحقين، على أن يكون واضحاً؛ لأنني بصدد تقديمه لأحد الشيعة، وأعلم مقدماً إنني سأجد جواباً على بعض أسئلتي من ضمن موقعكم المبارك، ولكنني تعمدت أن أجعل جوابكم في ورقة واحدة غير مشتتة، فجزاكم الله عنا، وعن المسلمين خيراً. وأسئلتي هي: 1. إذا مات أبي، وجدي لأبي، وعندي أخت عمرها 10 سنوات، وقد بلغت التكليف الشرعي، وهي بكر، وعاقل، ولكوني أخاها هل لي ولاية، وسلطان، عليها، وعلى شئون حياتها إلى أن تتزوج؟ . 2. وهل هناك حادثة جرت في السنَّة الشريفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في عهد الصحابة الأوائل رضوان الله عليهم أجمعين أن قام أحد الصحابة بتزويج أخته وسأل رسول الله عن هذا الأمر لكي يوافق النص مضمون سؤالي. 3. وما هو الترتيب الشرعي لولاية البنت الصغيرة، المكلفة، البالغ، العاقل، البكر، والثيب؟ . 4. وهل يحق للثيب - المطلقة، أو الأرملة - أن تنكح نفسها من غير موافقة الولي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الولاية هي قيام شخص كبير، راشد، على شئون قاصر، الشخصية منها، والمالية، فهي على هذا نوعان:
الأولى: ولاية على النفس.
والثانية: ولاية على المال.
والولاية على النفس تشمل: شؤون التربية، والتعليم، والتطبيب، والتزويج، والأنوثة هي أحد أسباب هذه الولاية.
ففي " الموسوعة الفقهية " (45 / 168) :
الولاية على النفس عند الفقهاء: سلطة على شؤون القاصر، ونحوه، المتعلقة بشخصه، ونفسه، كالتزويج، والتعليم، والتطبيب، والتشغيل، ونحو ذلك، تقتضي تنفيذ القول عليه شاء أم أبى.
وعلى ذلك قرر الفقهاء أن أسباب الولاية على النفس ثلاثة: الصغر، والجنون - ويلحق به العته -، والأنوثة.
انتهى
وقولهم في التعريف " شاء أم أبى " مع اشتمال الولاية للتزويج " هو باعتبار قول جمهور الفقهاء أنه يجوز للولي أن يجبر موليته على الزواج بمن شاء، وهذا قول ضعيف، وانظر جواب السؤال رقم: (47439) .
وقد فرَّق العلماء بين الولاية على الذكر، وعلى الأنثى، فقال جمهورهم باستمرار ولاية أهلها عليها، ووجوب العناية بها، حتى بعد بلوغها، وبعد زواجها.
وفي " الموسوعة الفقهية " (8 / 204، 205) باختصار:
عند الحنفيّة: تنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها، فللأب والجدّ الضّمّ، لا لغيرهما كما في الابتداء.
وعند المالكيّة: ... ، وبالنّسبة للأنثى: فتستمرّ الحضانة عليها، والولاية على النّفس حتّى تتزوّج، ويدخل بها الزّوج.
وعند الشّافعيّة: تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه.
وعند الحنابلة: ... ، وإن كانت أنثى: لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب: فلوليّها وأهلها منعها من ذلك.
انتهى
هذه أقوال المذاهب في وقت انتهاء مسئولية الأهل عن أولادهم، وكلمة العلماء تكاد تكون متفقة على أن مسئولية الأهل على ابنتهم تسمر حتى لو بلغت، ومنهم من جعل زواجها نهاية تلك المسئولية؛ وذلك من أجل وجود مسئول آخر عنها، ومنهم من اشترط كونها في مكانٍ آمن لا خوف عليها فيه.
ثانياً:
لا خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة أن الأخ الكبير هو الولي على أنفس أخواته بعد وفاة أبيه وجده، وهم قد اختلفوا في ترتيب الأولياء، لكنهم لم يختلفوا فيما لو أنه لم يكن لها أب، أو جد، أو ابن، أو وصي من أب: أنه يكون أخوها الشقيق وليّاً لها.
وولاية النفس على الأنثى تشمل التزويج، والراجح من أقوال العلماء أنه لا يجوز لولي الأنثى أن يزوجها إذا كانت بالغة إلا بإذنها، كما سبق.
وأما الأمر الثاني: وهو الولاية على المال فتعني: الإشراف على شئون القاصر المالية، من حفظ المال، وإنشاء العقود، وسائر التصرفات المتعلِّقَة بالمال، وهي تختص بالصغار من الذكور والإناث، وبمن ليس أهلاً للتصرف بالمال، كمجنون، ومعتوه، فإن بلغت الأخت – أو الأخ – سن التكليف، وكانت رشيدة تحسن التصرف بالمال: فيُدفع مالها إليها؛ لقوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) النساء/ 6.
ولا يجوز للأخ أن يأخذ منه شيئاً إلا بطيب نفْسٍ منها.
ويشترط في الولي الذي يكون قيِّما على تلك النفوس، والأموال: البلوغ، والعقل، فلا تصلح الولاية لصغير، ولا لمجنون.
وللتنبيه: فإن ولاية النفس تنتقل من الأب إلى الجد، ثم إلى الأخ، ولكن ولاية المال لا تعلق لها بالخلاف في ترتيب الأولياء:
فهي عند الحنفية: للأب، ثم لوصيه، ثم للجد - أبي الأب -، ثم لوصيه، ثم للقاضي، فوصيه.
وعند المالكية والحنابلة: أنها تثبت للأب، ثم لوصيِّه، ثم للقاضي أو من يقيمه.
وهي عند الشافعية: للأب، ثم للجد، ثم لوصي الباقي منهما، ثم للقاضي أو من يقيمه.
والقول الرابع: أنّ الولاية على المال تثبت للأم بعد الأب والجد، ثمّ تكون للأقرب من العصبات بالنفس، وهو رواية عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في " الإنصاف " (5 / 324) – ورجحه الشيخ العثيمين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
فالمؤلف – أي: الشيخ موسى الحجاوي - يقول: إن الجدَّ ليس وليّاً، والأخ الكبير ليس وليّاً، والعم ليس وليّاً، والأم ليست ولية، فتنتقل الولاية من الأب مباشرة إذا لم يكن وصي إلى الحاكم، وهذا لا شك فيه نظر؛ لأن أولى الناس بهم: جدهم، أو أخوهم الكبير، أو عمهم،
والقول الثاني في المسألة: أن الولاية تكون لأوْلى الناس به، ولو كانت الأم، إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير، أو حماية المجنون، أو السفيه، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه: فهو أولى من غيره، وهذا هو الحق - إن شاء الله تعالى -، وعليه: فالجد، أو الأب: يكون وليّاً لأولاد ابنه، والأخ الشقيق وليّاً لأخيه الصغير، والأم إذا عدم العصبة: تكون ولية لابنها، نعم، إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة، والحب، والعطف: فحينئذٍ نلجأ إلى الحاكم ليولِّي من هو أولى.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (9 / 305، 306) باختصار.
ثالثاً:
أما بخصوص السؤال عن تزويج أحد من الصحابة رضي الله عنهم لأخته: فقد ثبت ذلك عن معقل بن يسار رضي الله عنه، وكان زوَّج أخته، فطلقها زوجها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها، ثم جاء ليخطبها من أخيها معقل فأبى، فأنزل الله فيه قوله (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/ 232.
عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ، وَفَرَشْتُكَ، وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا؟! لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) فَقُلْتُ: الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاه. رواه البخاري (4837) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وهي أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوِّج نفسها: لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه، وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
" فتح الباري " (9 / 187) .
رابعاً:
وليس للمرأة أن تزوج نفسها، بل لا بدَّ أن يزوجها وليها، وإلا كان عقد زواجها باطلاً، وهو مذهب جمهور العلماء، بل لا يُعرف بين الصحابة في المسألة خلاف، وقد سبق قبل قليل ذكر كلام الحافظ ابن حجر في اشتراط الولي.
وانظر أجوبة الأسئلة: (20213) و (7193) و (7989) .
وفي جواب السؤال رقم: (2127) تفصيل مهم عن " الولي " في الزواج، فانظره.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/14)
زوجته كندية من أصل عربي أخذت منه ابنته وطلبت منه الطلاق، فما النصيحة له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصري، كنت متزوجاً من مصرية، كندية، ثم سافرت معها إلى كندا - مع العلم أني أحمل الجنسية الأمريكية - عندما ذهبت إلى كندا اكتشفت أشياء غير إسلامية كثيرة في عائلتها، رغم أني سألت على هذه الأشياء قبل الزواج، مثل الصلاة، وكان الاتفاق بيني وبين زوجتي أنه في حالة عدم توفيقي في كندا، أو عدم رغبتي في المكث هناك: سأرحل إلى الخليج مرة أخرى، وهي كانت موافقة على ذلك، عندما ذهبت إلى هناك مع أسرتها، ووجدت الأوضاع غير مطمئنة، وهناك خطر علينا في الحياة هناك، وتدخل أهلها ضد أي شيء إسلامي، أو مظهر إسلامي، ومحاولتهم أجدها في تغييري، لكن المسلم المعاصر - مودرن إسلام - يعني: حجاب على الموضة، والجلوس في مجلس به خمور، وقد أقنعتني أن أشتري بيت بالتقسيط - mortgage - بعد فترة عرفت أنه حرام، وبعض العلماء أجاز ذلك للمضطر، فعزمت على بيع البيت، ولكن لم أقل لأنه حرام؛ لأنهم لم يقتنعوا، وفي تلك الأثناء حملت زوجتي، فصبرت حتى تضع، وقلت لها: هيا بنا نسافر إلى الخليج، فوافقت على مضض، ولكن أهلها رفضوا، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً بدون موافقة أمها؛ لأن الأم هي الحاكمة الآمرة في بيت أبيها - بعد عدة مشاكل قلت: أنا سأسافر، وسآتي لزيارة زوجتي - بناء على اقتراحهم - وعندما قلت أني سأبيع المنزل: جن جنونهم، ورفضوا بيع المنزل إلا في حالة الطلاق، وألَّبوا عليَّ زوجتي، وأخرجوها من منزلي، وفي مساء يومها كلمني أخوها، وطلب الطلاق - لكي يردعني عن السفر -، وطلبني بمحامي للطلاق، ثم عصفت بي الظروف الاقتصادية، حتى تنازلت عن منزلي، وأجبرت على التنازل عن حضانة ابنتي ... إلخ أنا الآن أريد السفر لبلد عربي مسلم، وأتزوج لأعف نفسي، ولكني سأترك ابنتي في كندا - هي عمرها سنة ونصف - أنا الآن مدين، قادر على أوقف أمام زوجتي السابقة ماديّاً إلى حد ما أستعيد حضانة ابنتي، ولكن يجب عليَّ أن أبقى هنا، ولكني لا أريد أن أربي أولادي الجدد - إن شاء الله - في مجتمع غير إسلامي، الرجاء النصيحة، وهل إذا تركت كندا بلا عودة إلا لزيارات ابنتي هل يحسبني الله مضيِّعاً؟ هل أكون ممن ينطبق عليهم (وكفى بالمرء أن يضيع من يعول) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التجنس بجنسية دولة كافرة، والإقامة فيها، والتزوج ممن تحمل جنسيتها: يعني الاحتمال الكبير في الفشل في الزواج، والفشل – غالباً - في تربية الأولاد، إذا كان الزوج عاقلاً متديناً، فلا يُنكر أحد ما للبيئة من أثر على تربية الزوج لزوجته وأولاده، ولا ينكر أحد ما لقوانينهم من سلطة وجبروت على ذرية من يتزوج ممن يحمل جنسية ذلك البلد.
لذا فإن الأمر الذي أصابك – أخي السائل – عظيم، ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويهديك لفعل الصواب.
والذي نشير به عليك:
هو أن تبقى في تلك البلاد محاولاً إقناع زوجتك بالاستجابة لطلبك، والرجوع معك لبلدٍ مسلم تقيمان فيه شعائر الله تعالى، وتتخلصون من تلك البيئة الموبوءة، وهذا أعلى ما يمكنك تحقيقه، وفيه الحفاظ على أسرتك بكاملها.
فإن عجزت عن إصلاح حال زوجتك، وأبت إلا المضي في غيها، واختيار أهلها عليك: فاسع للحصول على ابنتك من براثن أهلها بما تستطيعه من أسباب، وهذا الأمر واجب عليك فعله؛ لأنك مسؤول عنها، فإن قصرت فيه: فأنت مسؤول ـ ولا شك ـ عن تضييعها.
وإذا لم يحصل منك طلاق: ابق على اتصال بزوجتك؛ فلعلَّ أن يكون غيابك عنها دافعاً لها لتغيير رأيها، واللحاق بك.
فإن حصل الطلاق: فابق على اتصال بابنتك، ولا تيأس من الحصول عليها، ويمكنك توكيل محامٍ وأنت خارج تلك الديار؛ ليتابع قضية استرجاع حضانتك لها، ودوام اتصالك بابنتك لعله أن يسهم في تعلقها بك إذا كبرت، ولعلها أن تختارك لتكون معك، ولا يدري الإنسان ماذا كتب له، وما عليه إلا بذل الأسباب.
والذي نعود ونؤكد عليه: أنك لا يجوز لك أن تترك ابنتك مع أمها، والحالة ما ذكرت، بأي سبيل تستطيعه إلى ذلك؛ بالحيلة مع أمها حتى تأتي معك إلى الخليج، أو البقاء إن كانت هناك لفترة محددة، ريثما تتمكن من ضم ابنتك إليك، إن كانت هناك فرصة ذلك، ولو بالحيلة، ونحو ذلك.
وبإمكانك أن تبحث عن الزوجة المناسبة، والتي تتفهم ظروفك، وتتوافق مع قناعاتك، وإيمانك بدينك.
وفي خلال الفترة الأولى، والتي نأمل أن تحصل فيها على ابنتك، وتطمئن عليها: لن يكون هناك خطر، إن شاء الله، على أبنائك الجدد.
ومتى أحسست بأن الواجب عليك أن تنقلهم ـ كلية ـ إلى بيئة إسلامية: فارحل بهم بلد مسلم، تأمن فيه على أبنائك وذريتك، ولعل الله أن يجمع شملك بابنتك الأولى معهم.
واسأل ربك الإعانة، والتوفيق، والتيسر لما فيه خير ابنتك وخيرك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/15)
هل تأثم إذا رفضت الزواج من شاب مستقيم في دينه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 16 سنة، وقد تقدم لخطبتي شاب ملتزم، وهو مؤذن بأحد المساجد، ولكنني لا أرغب في الزواج منه؛ لأني لا أحبه، بل وأكرهه من قبل أن يخطبني؛ فهل أنا آثمة في ردي له ورفضه، وهو يدخل في ضمن من يرضى دينه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كنت لا ترغبين الزواج من شخص؛ فلا إثم عليك، ولو كان صالحًا؛ لأن الزواج مبناه على اختيار الزوج الصالح مع الارتياح النفسي إليه؛ إلا إذا كنت تكرهينه من أجل دينه؛ فإنك تأثمين في ذلك من ناحية كراهة المؤمن، والمؤمن تجب محبته لله، ولكن لا يلزمك مع محبتك له دينًا أن تتزوجي منه مادمت لا تميلين إليه نفسيًا. والله أعلم" انتهى.
فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (3/226) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/16)
تبين له أن زوجته تضع عدسة لضعف بصرها وأنجبت له غلاما ضعيف البصر فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قصير النظر، وألبس نظارة طبية، من المواصفات التي رغبت أن تتحقق في شريكة حياتي أن يكون نظرها سليماً، حتى يقع توازن بين نظرينا، بعد عقدي على زوجتي اكتشفتُ أنها تضع عدسة لاصقة على إحدى عينيها تستعين بها على ضعف بصرها وحَوَلِ عينها، ظننته نقصاً قليلاً قد يُقوَّم بالليزر، لكن بعد شهور طويلة حملتْ بغلام، وعرضتُها على طبيبة مختصة، أخبرتني - بعد أن أجرت لها تحليلات - بأن ضعفها شديد في العين التي تضع عليها عدسة لاصقة، وأنه يستحيل إجراء تقويم لعينها بالليزر، رزقت منها بغلام، وحين بلوغه سن العامين عرضته على الطبيبة نفسها، فوجدتْ عنده ضعفاً بصريّاً شديداً، وهو يضع نظارة إبصار الآن، أخاف الآن من حملٍ جديدٍ يحمل الجنين فيه الإصابة نفسها، أخبركم أني غير سعيد في هذا الزواج، أحس بأن زوجتي قد خدعتني حين لم تخبرني بعيبها، أنا دائم الحزن، وكثير التفكير بطلاقها، لكن أخاف على مصيرها، ومصير ولدي الصغير، أعلمكم أني ما قدمت على هذا الزواج حتى استخرت الله بقوة، وسألته سبحانه أن لا يكلني إلى نفسي طرفة عين في هذا الاختيار، لكن وقع ما وقع، وقدَّر الله وما شاء فعل، أشيروا عليَّ حفظكم الله، فأنا في حيرة شديدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي نشير به عليك أن تمسك عليك زوجك، وأن تتقي الله تعالى فيها، وأن تُحسن وإياها تربية أولادكم، فتنشئة الأولاد على طاعة الله تعالى، وإحسان تربيتهم من خير ما يقدمه المرء لنفسه بين يدي قدومه على ربه عز وجل، والإنسان لا يدري أين الخير له ولأهله ولأسرته، وقد يكون أعظم الخير فيما صرفه عنه ربه تعالى، وقد تكون الفتنة والبلاء فيما يحب أن يكون له، وفيما تشتهيه نفسه أن يتملكه، ومنه ما نحن بصدده، فكل الناس يتمنى لنفسه ولذريته جمال الصورة، وهذا لا شك أنه غير مخالف للشرع، فهو تمنٍّ مباح، لكن إذا قدَّر الله تعالى شيئاً آخر: فليس أمام المسلم إلا الرضا بتصوير الله تعالى، ولا يدري ماذا صرف الله تعالى عنه وعن ذريته بعدم جمال الصورة، من الفتنة، والغرور، والإعجاب بالنفس، ولذا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى لا يثيب ولا يعاقب على خِلقتنا، إنما الثواب والعقاب على العمل والأخلاق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) .
رواه مسلم (2564) .
وانظر إلى ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من آثار جمال الصورة، كيف أدى بصاحبه إلى الإعجاب بنفسه، ثم صار إلى هلاك دنيوي، وأخروي.
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .
رواه البخاري (5452) ومسلم (2088) .
وقد جاء التنبيه على ما قدمنا به كلامنا في كتاب الله تعالى عامّاً مرة، وخاصّاً بالزوجة مرة أخرى، فقال الله تعالى في الأولى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/ من الآية 216، وقال في الثانية: (عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/ 19
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –:
أي: فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه، خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس في هذه الآية: هو أن يَعْطف عليها، فيرزقَ منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح: (لا يَفْرَك – أي: لا يُبغض - مؤمنٌ مؤمنةً، إن سَخِطَ منها خُلُقاً رَضِيَ منها آخر) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 243) .
ثانياً:
نفيدك أن العيب الذي وجدته في زوجتك لو أنه كان من العيوب التي تجيز لك فسخ النكاح والرجوع بما دفعته لها: لما جاز لك المطالبة بحقك الآن؛ فإنه قد سقط هذا الحق برضاك به، وصبرك عليه، وتحملك له، فكيف إذا علمتَ أن في كونه من العيوب التي تبيح لك فسخ النكاح والرجوع بما دفعته خلافاً بين العلماء، والصحيح من أقوال العلماء أن العيوب المنفِّرة هي التي تكون لها تلك الأحكام، دون ما عداها، وقد اتفقوا على سقوط ذلك الحق بعد العلم به، والرضا بوجوده.
وللوقوف على كلام أهل العلم في هذا: انظر جواب السؤال رقم (103411) .
هذا الذي نشير به عليك، وقد شرع الله لك الطلاق، فإن كنتَ تريد إمساكها بمعروف، وإعطاءها حقوقها، ونزع الندم والحزن من حياتك، كما نرجوه منك، ونأمله فيك إن شاء الله: فخذ بما نصحناك به، وأكثر من الإنجاب ووكِّل الأمر للخالق سبحانه، ولا تلتفت لكلام الأطباء، فصفات الذرية من لغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله.
وإن كان إمساكك لها سيجدد عندك الندم، والحزن، ولن تعطيها حقوقها: فلا يحل لك إمساكها، بل يجب عليك تطليقها، ووجب عليك إعطاءها حقوقها المالية جميعها.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) -:
أي: ينبغي لكم - أيها الأزواج - أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن؛ فإن في ذلك خيراً كثيراً، من ذلك: امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة، ومنها: أن إجباره نفسَه - مع عدم محبته لها - فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة، وربما أن الكراهة تزول، وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك، وربما رزق منها ولداً صالحاً نفع والديه في الدنيا والآخرة.
وهذا كله مع الإمكان في الإمساك، وعدم المحذور، فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل: فليس الإمساك بلازم.
" تفسير السعدي " (ص 172) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/17)
لم تمكنه من الدخول بها ولا تريده فهل يخالعها ويطلب المهر والمصاريف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ عقد قرانه على فتاة واستمرت فترة الخطبة لأكثر من عام وبعد انتهاء مراسم الزواج "ليلة الدخلة" قالت له زوجته: لا تلمسني ولا أريدك، حيث إنه لم يدخل بها، سؤالي: ماذا يستحق من مبالغ شرعا من أهل البنت حيث إن تكاليف الزواج تجاوزت الثلاثين ألف دولار بين مهر وحفلات وملابس، علما أنها لو طلبت الخلع أو الانفصال خلال فترة الخطبة ما تجاوزت التكاليف 10 آلاف دولار]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد النكاح، وأراد الزوج من زوجته أن تنتقل معه إلى بيته، لزمها ذلك، وحرم عليها منع نفسها منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (3237) ومسلم (176) .
فإن كرهت زوجها، ولم تطب نفسها بالبقاء معه، فقد جعل الله لها مخرجا، وهو طلب الخلع، فترد إليه جميع المهر الذي أعطاها، ويؤمر الرجل حينئذ بقبوله ومفارقتها؛ لما روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) .
وعند ابن ماجه (2056) أنها قالت: (لا أطيقه بغضاً) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
ويصح الخلع بأكثر من المهر الذي دفعه لها إذا تراضيا على ذلك في قول جمهور أهل العلم، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وهو مذهب أحمد إلا أنه يكره عنده ويصح.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/247) : " (ولا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها) هذا القول يدل على صحة الخلع بأكثر من الصداق، وأنهما إذا تراضيا على الخلع بشيء صح. وهذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. لقول الله تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ، وقالت الربيع بنت معوذ: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي [هو ما يربط به الشعر] ، فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه. ومثل هذا يشتهر، فلم ينكر، فيكون إجماعا، ولم يصح عن علي خلافه.
فإذا ثبت هذا؛ فإنه لا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها. وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وإسحاق وأبو عبيد، فإن فعل جاز مع الكراهية، ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي. قال مالك: لم أزل أسمع إجازة الفداء بأكثر من الصداق " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والمشهور من مذهب الحنابلة الوسط بين المنع والجواز حيث قالوا: إنه يكره أن يطلب منها أكثر مما أعطاها. والذي ينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل، فإذا كان الخطأ من المرأة فلا حرج عليه أن يطلب ما شاء، وأما إذا كان التقصير منه، وأن المرأة سئمت البقاء معه لتقصيره، فليخفف ويكتفي بما تيسر، ثم هناك فرق أيضاً بين المرأة الغنية والمرأة الفقيرة، وهذا أيضاً ينبغي للزوج أن يراعيه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (8/25) .
وبناء على ذلك، فلأخيك أن يطلب المهر وما دفعه من مصاريف على الحفل وغيره، لا سيما إن كانت المرأة غنية، وإن خفف وتجاوز عن بعض ذلك، فهذا خير.
وننبه إلى أن ما بعد العقد لا يسمى فترة الخطبة، بل هو فترة العقد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/18)
لا يجوز للوالد إجبار ابنه على الزواج ممن لا يرضاها
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يريد إلزامي بالزواج من ابنة عمي، وأنا لا أريدها، ويقول لي إنني إذا لم أتزوجها سيكون غضبان علي، فهل أكون عاقاً إذا لم أتزوجها؟ وماذا أفعل لو غضب والدي علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للوالد أن يجبر ابنه ولا ابنته بالزواج ممن لا يريد، وليتأمل الأب الذي يريد أن يفعل ذلك في حاله، هل كان يقبل أن يجبره أبوه بالزواج ممن لا يريد؟
وليس ذلك من مصلحة الولد في شيء، فإن الزواج إذا لم يكن عن رضى تام، فإنه عرضه للفشل.
وإذا رفض الابن أو البنت تنفيذ رغبة الأب ورفض النكاح ممن يريد الأب، فإنه لا يكون عاقاً بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، فإن امتنع لا يكون عاقاً، كأكل ما لا يريد"
"الاختيارات" (ص 344) .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ما الحكم إذا أراد الأب أن يزوج ابنه من امرأة غير صالحة؟ وما الحكم إذا رفض أن يزوجه من امرأة صالحة؟
فأجاب:
" لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها سواء كان لعيب فيها: ديني أو خُلقي أو خْلقي، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدوهن، لكن يقول: تزوجها لأنها ابنة أخي، أو لأنها من قبيلتك، وغير ذلك، فلا يلزم الابن أن يقبل، ولا يجوز للوالد أن يجبره عليها.
كذلك لو أراد الولد أن يتزوج بامرأة صالحة، ولكن الأب منعه، فلا يلزم الابن طاعته، فإذا رضى الابن زوجة صالحة، وقال أبوه: لا تتزوج بها، فله أن يتزوج بها ولو منعه أبوه، لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شيء لا ضرر على أبيه فيه، وللولد فيه منفعة، ولو قلنا: إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شيء حتى ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب لحصل في هذا مفاسد، ولكن في مثل هذه الحال ينبغي للابن أن يكون لبقاً مع أبيه، وأن يداريه ما استطاع، وأن يقنعه ما استطاع" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/640، 641) . ترتيب أشرف بن عبد المقصود.
وأما غضب والدك عليك فالنصيحة للوالدين ألا يجعلوا بر أولادهم بهما سيفاً مسلطاً على رقاب أولادهم، فيلزمون الأولاد بما لم يريدوا تحت تهديد "سأكون غضبان عليك".
وعليك أن ترفق بوالدك وتكون حكيماً معه حتى تثنيه عن رأيه، وحاول إدخال عقلاء أهلك ليساعدوك في ذلك، كالأخوال والأعمام، فإن أصر على رأيه فلا يلزمك طاعته، ولو غضب عليك، فلا يضرك ذلك لأنه هو الظالم لك حيث يريد إلزامك بما قد يضرك في حياتك ضرراً عظيماً.
ولكن.. عليك بحسن معاملته وصحبته، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان/15.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/19)
يمنعها والدها من الزواج بحجة إكمال تعليمها
[السُّؤَالُ]
ـ[طرق بابنا بعض راغبي الزواج مني فرفض والديّ بحجة إكمال تعليمي، وقد حاولت إقناعهما كثيراً برغبتي في الزواج وأن ذلك لن يتعارض مع دراستي، ولكنهما أصرا على موقفهما، فهل يجوز لي أن أتزوج دون رضاهما؟ وإلا ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن منع والدك من تزويجك لمن هو كفء أمر محرم، والزواج أهم من الدراسة، وهو لا ينافي الدراسة، لأنه من الممكن الجمع.
وفي الحال الذي وقعت يجوز لكي أن تتصلي بالمحكمة الشرعية لإبداء ما جرى ثم بعد ذلك يكون النظر الأخير لها أي المحكمة الشرعية" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/704) . ترتيب أشرف بن عبد المقصود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/20)
طلب المرأة الطلاق من زوجها المدمن للمخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها الذي يدمن شرب المخدرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا إذا وجد سبب لذلك، قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه أحمد (21874) وأبو داود (2226) والترمذي (1187) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2035) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ) أي: من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة.
وقال الحافظ بن حجر رحمه الله في "فتح الباري":
"الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها، محمولة على إذا لم يكن بسبب يقتضي ذلك، لحديث ثوبان..... ثم ذكر الحديث المتقدم" انتهى.
ولا شك أن إدمان الرجل شرب المخدرات نقص كبير، يضر المرأة في دينها ودنياها، فإنه لا يؤمن أن يدخل عليها زوجها وهو سكران فيضربها أو يشتمها، وقد يطلب منها في ذلك الوقت فعل ما لا يجوز لها فعله.
ومثل هذا يعتبر عذراً يبيح للمرأة أن تطلب الطلاق، لكن الذي ينبغي للمرأة أن تصبر على زوجها، وتحاول إصلاحه بقدر ما تستطيع فإن عجزت عن ذلك ووجدت أن الإقامة معه تضرها، فلا حرج عليها حينئذ في طلب الطلاق.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
ما حكم طلب المرأة للطلاق من زوجها الذي يستعمل المخدرات؟ وما حكم بقائها معه؟ علماً بأنه لا يوجد أحد يعولها وأولادها سواه.
فأجاب:
"طلب المرأة من زوجها المدمن على المخدرات الطلاق جائز، لأن حال زوجها غير مرضية، وفي هذه الحال إذا طلبت منه الطلاق فإن الأولاد يتبعونها إذا كانوا دون سبع سنين، ويلزم الوالد بالإنفاق عليهم وإذا أمكن بقاؤها معه لتصلح من حاله بالنصيحة فهذا خير" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (2/745، 746) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/21)
شرب المرأة المتوفى عنها زوجها لقهوة فيها زعفران في فترة الحداد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شرب القهوة بالزعفران للمرأة في فترة الحداد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة التي توفي عنها زوجها يجب عليها أن تجتنب الزينة والطيب في فترة الحداد، وهي فترة العدة، والزعفران نوع من الطيب، فإن كان إضافته إلى القهوة تُذهب رائحته فلا حرج فيه، أما إذا كانت رائحته باقية، فيجب على المرأة اجتنابه في فترة الحداد.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن ذلك، فقال:
"إذا كانت رائحته باقية أي رائحة الزعفران باقية فإنه لا يجوز لها أن تشرب ذلك، لأنه سيظهر ريحه على فمها، وأما إذا كانت الرائحة قد زالت بطبخه فلا حرج عليها" انتهى.
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8804.shtml
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/22)
هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كل شيء منذ خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ، لأن الله سبحانه وتعالي أول ما خلق القلم قال له: (اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً ينفح فيه الروح ويكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد.
والرزق أيضاً مكتوب مقدر بأسبابه لا يزيد ولا ينقص، فمن الأسباب: أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15.
ومن الأسباب أيضاً: صلة الرحم، من بر الوالدين، وصلة القرابات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) .
ومن الأسباب: تقوى الله عز وجل، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3. ولا تقل: إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز، والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) .
وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" انتهى.
والله أعلم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب" (ص36) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/23)
إذا لعن أحد الزوجين الآخر لم يقع بذلك طلاق أو تحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة الرجل إذا لعن زوجته أو الزوجة إذا لعنت زوجها، هل أحد منهم يحرم على الثاني من ناحية الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يحرم كل منهما على الآخر بلعنه، ولا يقع بذلك طلاق، ولكن لعنه إياها ولعنها إياه من كبائر الذنوب فيجب عليهما أن يتوبا ويستغفرا الله مما حصل منهما ويستسمح كل من لعنه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/62) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/24)
عقد على زوجته بصورة غير رسمية لتأخر الإجراءات
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي طلاقا شرعيا وانتهت عدتها، وأردت الزواج من أخرى لكن عندنا في القانون المغربي لا يمكنني الزواج منها حتى أحصل على تصريح بالطلاق من المحكمة والذي يتأخر أحيانا بسبب تراكمات إدارية، فشق علي انتظاره لمدة شهرين إضافيين وأنا قد طلقت الطلاق الشرعي منذ أربعة أشهر تقريبا وحصل لي عنت كبير بسبب الانتظار. فأنا بين خيارين إما الوقوع في الزنا والعياذ بالله وهذا حال العديد من الأزواج، أو الصبر والتأذي وأنتم تعلمون العري والتفسخ الذي يعتري الشوارع المغربية. وقد أذن لي ولي خطيبتي بالزواج منها وأعطيتها المهر وشهد لنا شاهدان وكتب لنا موظف عدلي شهادة مؤقتة يحتفظ بها عنده ريثما أحصل على التصريح بالطلاق، فعلت هذا الحل ظنا مني أن أركان الزواج وشروطه مستوفية رغم أننا مضطرون لعدم إعلان هذا الزواج إلا بعد مرور هذين الشهرين. لكن أحد الإخوة قال لي إن ما فعلته غير شرعي فأريحوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان العقد الذي أشرت إليه مستوفيا الشروط والأركان، من حصول الإيجاب والقبول، ووجود الولي والشاهدين، مع رضا المرأة، فهذا عقد صحيح تترتب عليه آثاره، وتصير به المرأة زوجة لك، ولو لم يحصل الإعلان والإشهار؛ ولو لم يحصل تسجيله في الأوراق الرسمية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7557) .
وتوثيق العقد في المحكمة ونحوها ليس شرطا لصحة النكاح، لكنه لحفظ الحقوق، ولهذا لابد منه، لكن لا يضر تأخير ذلك حتى الحصول على تصريح الطلاق.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لك وعليك وأن يجمع بينكما في خير، ونوصيك بتقوى الله تعالى، والإحسان إلى زوجتك، وإقامة البيت المسلم الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/25)
الخاطب إن كان يتعامل بالربا هل تقبل به زوجاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي رجل يتعامل بالربا، فهل أقبله زوجاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الربا من كبائر الذنوب، وليس هو من الذنوب التي تخفى على المسلم حرمتها، لكنه الجشع والطمع والتعلق بالدنيا هو الذي يقود أولئك العصاة لتلك الطريق الموحلة، والتي يتعرضون فيها لسخط الله تعالى وعقابه بسببها.
وآكل الربا وموكله كلاهما ملعونان، ولهما الإثم نفسه، فالآكل هو الذي أخذ ممن أقرضه زيادة على ماله، والموكل هو الذي اقترض ذلك المال.
وقد وقع كثيرون في هذه المعصية – وللأسف -، والأخطر من الوقوع فيها هو الاستهانة بحرمتها! فتجد الناس يسأل بعضهم بعضا: أين تضعون أموالكم؟ وكم تأخذون فائدة! عليها؟ ويبدأ التحاور والجدال في أفضل البنوك، وأفضل العروض، ولو تفكَّر هؤلاء بحالهم، وحقيقة كلامهم لعلموا أنهم يفعلون ما هو أشد إثماً من الربا، وهو الاستهانة به، والله المستعان.
ثانياً:
بخصوص تقدم ذلك الرجل لكِ: فإن أمره يختلف باختلاف حاله، هل تعامله بالربا سيستمر بعد الزواج؟ أم هو نادم وتائب من ذلك؟
فإن كان الأول: فلا ننصحك بقبوله زوجاً؛ لأنه مصر على كبيرة من كبائر الذنوب.
وإن كان حاله الثاني: فلا حرج من قبوله زوجاً، ويجب إعانته على التوبة الصادقة، والمساهمة معه للتخلص من ذلك القرض الربوي، أو للتخلص مما ترتب عليه من زيادة ربوية.
فالنصيحة لكي أن لا تقبلي من يتعامل بالربا زوجاً لك، حتى يعلن توبته من ذلك الفعل المحرم.
وانظري في مواصفات الزوج الصالح: جوابي السؤالين: (8412) و (5202) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/26)
حقوق ووجبات كل من زوج الأم والربيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق البنت على زوج أمها، وما واجباتها؟ وما حقوق الرجل على ربيبته، وما واجباته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربيبة هي ابنة الزوجة من غير زوجها الحالي، وهي من المحرمات تحريما مؤبدا عليه إذا كان قد دخل بأمها، وهذا يعني أنها قد أصبحت من محارمه.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/367) :
" إذا تزوج الرجل امرأة ودخل بها حرم عليه تحريما مؤبدا التزوج بإحدى بناتها أو بنات أولادها مهما نزلوا، سواء كن من زوج سابق أو لاحق؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ - إلى قوله -: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النساء/23.
والربيبة هنا: بنت الزوجة، ويعتبر محرما لبنات من تزوجها ودخل بها، ويجوز لهن ألا يحتجبن منه " انتهى.
وسبق تقرير هذه المسألة في جواب السؤال رقم (20750) ، (33711) .
أما حقوق كل من الربيبة وزوج أمها وواجباتهما تجاه بعضهما، فتتلخص في الصلة والاحترام وحسن المعاملة، فقد أُمر المسلمون جميعا بالإحسان إلى إخوانهم المسلمين، فكيف بالمحارم بسبب المصاهرة، لا شك أن لهم من حق الإكرام والعناية أكثر مما لعموم المسلمين.
غير أن النفقة والخدمة والطاعة لا تجب بينهما، فلا تأخذ الربيبة حكم أمها في هذه الأمور من حيث الوجوب الشرعي، فإن أحسن الزوج وأنفق على ربيبته، وبادلته هي بالإحسان إحسانا فقامت على بيته بالخدمة والرعاية كان الأفضل والأحسن؛ لأن اجتماع القلوب وتآلف النفوس مقصد تحرص الشريعة على تحقيقه وتحصيله.
وليعلم الزوج أن من حسن عشرته لزوجته: أن يحسن إلى ابنتها. ولتعلم البنت أن من برها لأمها: أن تكرم زوجها وتحسن إليه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله (25/365) :
" يرجى لمن عال غير البنات: من الأخوات، والعمات، والخالات، وغيرهن من ذوي الحاجة، فأحسن إليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن، أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حق من عال ثلاث بنات، وفضل الله واسع، ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل، كما يدل على ذلك عموم الآيات والأحاديث في الإحسان إلى الفقير والمساكين من الأقارب وغيرهم، وإذا كان هذا الفضل في الإحسان إلى البنات، فالإحسان إلى الأبوين أو أحدهما أو الأجداد أو الجدات أعظم وأكثر أجرا؛ لعظم حق الوالدين ووجوب برهما والإحسان إليهما، ولا فرق في ذلك بين كون المحسن أبا أو أما أو غيرهما؛ لأن الحكم مناط بالعمل. والله ولي التوفيق " انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (25/296) :
كيف تكون هناك روابط أسرية اجتماعية في البيت المسلم؟
فأجابت:
" أمر الله بالمحافظة على ما تقوى به الروابط بين أفراد الأسر وجماعاتها، فأمر بصلة الأرحام والإحسان إليهم فقال سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) الآية، وقال: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الآيات، وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الآيات، إلى أمثال ذلك من آيات القرآن.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة قاطع) يعني: قاطع رحم، رواه البخاري ومسلم.
وقال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري. وقال: (إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات ... ) الحديث، رواه البخاري ومسلم، إلى غير ذلك من الأحايث الكثيرة في الحث على صلة الأرحام، والتمسك بآداب الإسلام، ومكارم الأخلاق، والمحافظة على حسن العشرة، فبهذا تقوى الروابط بين الأسر وأفراد الأسرة، ويجتمع كل المسلمين، لا بالتفسخ والخروج على آداب الإسلام ومكارم الأخلاق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/27)
أقل مدة للحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[بين تاريخ ميلاده وتاريخ حفل زفاف والديه ستة أشهر فهل يسأل هل هو فعلا ابن ستة أشهر أو أن أبويه عقدا النكاح قبل هذا التاريخ أم يترك الأمر وينتسب إلى والده ولا يسأل؟ وهل يسأل أبويه كذلك هل كانا يصليان ليعلم مدى صحة عقد زواجهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قرَّر العلماء رحمهم الله أن أقل مدة للحمل ستة أشهر، وأن المرأة إذا ولدت لهذه المدة من حين دخل بها زوجها فإن الولد يلحق به، ومجرد الظن والاحتمال لا ينفي الولد عن أبيه، فإن الولد للفراش.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن رجل تزوج امرأة بكراً ثم إنها ولدت بعد ستة أشهر من دخوله بها، فهل يلحق به الولد؟
فأجاب: "إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر من حين دخل بها ولو بلحظة لحقه الولد باتفاق الأئمة، ومثل هذه القصة وقعت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستدلَّ الصحابة على إمكان كون الولد لستة أشهر بقوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) الأحقاف/15، مع قوله: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) البقرة/233، فإذا كان مدة الرضاع من الثلاثين: حولين، يكون الحمل ستة أشهر، فجمع في الآية أقلَّ الحمل، وتمام الرضاع" انتهى.
وقال الحافظ ابن كثير عن استنباط علي رضي الله عنه لهذه المسألة: "وهو استنباط قوي صحيح، ووافقه عليه عثمان، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم" انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (4 /158) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (13/339) :
"أقل مدة للحمل ستة أشهر، بمقتضى دلالة القرآن فإن الله تعالى يقول: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) ويقول: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) فإذا أخذنا عامين للفصال بقى للحمل ستة أشهر، وهذا واضح" انتهى.
وعلى هذا، فانتسابك لوالدك صحيح، ولا داعي للتشكيك فيه، وكذلك لا يلزمك أن تسأل والديك هل كانا يصليان أم لا؟ فالأصل صحة عقد النكاح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/28)
زكاة الفطر عن الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة، فهل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زكاة الفطر تجب على الإنسان، وعلى من تلزمه نفقته، كالزوجة، والابن، وغيرهما؛ لما روى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) ، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم.
انظر: "المجموع" (6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" (2 / 771) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 367) .
ثانياً:
المرأة إذا طُلقت طلاقاً رجعياً، فهي في حكم الزوجات لها ما لهن من النفقة والسكنى، ما دامت في العدة، والفطرة تتبع النفقة، فما دام أن نفقة الرجعية على الزوج، فكذلك الفطرة عليه.
قال النووي في " المجموع " (6 / 74) : " قَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا " انتهى.
وقال ابن يوسف المواق من المالكية في " التاج والإكليل " (3 / 265) : " لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا " انتهى بتصرف.
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج لا يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته، بل ذلك واجب عليها هي، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين، وانظر جواب السؤال (99353) .
وينبغي للزوج أن يأخذ بالأحوط والأبرأ لذمته، فيخرج زكاة الفطر عن مطلقته الرجعية، ولا سيما وزكاة الفطر شيء يسير، لا يشق على الزوج إخراجه في الغالب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/29)
من هي ذات الدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب بدأت أفكر بالزواج، ولكن عندي بعض الإشكالات التي أود الاستفسار عنها قبل البحث عن زوجة: بالنسبة إلى الزوجة، من هي ذات الدين التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الظفر بها؟ أعلم أنها كلما كانت عالمة عابدة تقية داعية إلى الله تعالى كان ذلك أفضل، ولكن ماذا عن التي هي أقل من ذلك، كأن تكون مقتصرة على تأدية الفرائض فقط، هل تعتبر ذات دين بالمعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل التي تلبس الحجاب الكاشف للوجه أو النقاب الذي يكشف العيون لا تعتبر ذات دين؟ بمعنى آخر: إذا اختار أهل الشاب فتاة تؤدي الفرائض وتلبس حجاباً كاشفاً للوجه، هل له أن يرفض التقدم لخطبتها لأنها ليست ذات دين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوصية بنكاح ذات الدين، ومن هي ذات الدين؟ .
أ. رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين فقال: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) .
رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) .
قال عبد العظيم آبادي – رحمه الله -:
والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمحَ نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدِّين الذي هو غاية البغية.
(تربت يداك) يقال: ترب الرجل، أي: افتقر، كأنه قال: " تلصق بالتراب "، ولا يُراد به ها هنا الدعاء ‘ بل الحث على الجد، والتشمير في طلب المأمور به.
" عون المعبود " (6 / 31) .
ب. وأما صفات النساء ذوات الدِّين فقد أمكننا الوقوف على كثيرٍ من الصفات التي يصدق على من اتصف بها من النساء أن تكون من ذوات الدِّين، ومنها:
1. حسن الاعتقاد، وهذه الصفة على رأس قائمة الصفات، فمن كانت من أهل السنَّة والجماعة فإنها تكون حققت أعلى وأغلى صفة في ذوات الدين، ومن كانت من أهل البدع والضلال فإنها ليست من ذوات الدِّين اللاتي رُغِّب المسلم بالتزوج منهنَّ؛ لما لهنَّ من أثرٍ سيئ على الزوج أو على أولاده، أو على كليهما.
2. طاعة الزوج، وعدم مخالفته إذا أمر بالحق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ.
رواه النسائي (3131) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث صفات عظيمة في الزوجة الصالحة الخيِّرة، وهي:
أولها: إذا نظر إليها سرَّته بدِينها، وبأخلاقها، وبمعاملتها، وبمظهرها.
وثانيها: إذا غاب عنها حفظته في عرضها، وحفظته في ماله.
وثالثها: إذا أمرها أطاعته، ما لم يأمرها بمعصية.
3. إعانة الزوج على إيمانه ودينه، تأمره بالطاعات، وتمنعه من المحرَّمات.
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مَا نَزَلَ قَالُوا: فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ قَالَ عُمَرُ: فَأَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ فَأَوْضَعَ عَلَى بَعِيرِهِ فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ: لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ.
رواه الترمذي (3094) وحسَّنه، وفي آخره: (وَتُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) ، وابن ماجه (1856) – واللفظ له -، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال المباركفوري – رحمه الله -:
(وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) أي: على دينه، بأن تذكره الصلاة، والصوم، وغيرهما من العبادات، وتمنعه من الزنا، وسائر المحرمات.
" تحفة الأحوذي " (8 / 390) .
4. أن تكون امرأةً صالحة، ومن صفات الصالحات: أن تكون مطيعة لربها، وقائمة بحق زوجها في ماله، وفي نفسها، ولو في حال غيبة الزوج.
قال تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ: قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) النساء/34.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ) أي: مطيعات لله تعالى.
(حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ) أي: مطيعات لأزواجهن، حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها، وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه.
" تفسير السعدي " (ص 177) .
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ ألوَاسِعُ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ، وَأَرْبَع مِنَ اَلشًقَاوَةِ: اَلْجَارُ السُّوءُ، والمرأة اَلسُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " (1232) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (282) ، و" صحيح الترغيب " (1914) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة، وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة المؤمنة، إن نظرت إليها أعجبتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) .
وهي التي أمر بها النبي في قوله لما سأله المهاجرون أي المال نتخذ فقال: (لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، أو امرأة صالحةً تعين أحدكم على إيمانه) رواه الترمذي، من حديث سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان.
ويكون منها من المودة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه، فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان، خصوصا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه، أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفراق ويفسد حالهم.
" مجموع الفتاوى " (35 / 299) .
5. حسن الأدب، والعلم.
عَنْ أبي موسَى الأَشْعرِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ) . رواه البخاري (97) ومسلم (154) .
قال المباركفوري – رحمه الله -:
(فأدَّبها) : أي: علَّمها الخصال الحميدة: مما يتعلق بأدب الخدمة ; إذ الأدب هو: حسن الأحوال من القيام والتعود , وحسن الأخلاق.
(فأحسن أدبها) وفي رواية الشيخين: " فأحسن تأديبها " و " إحسان تأديبها " هو: الاستعمال علمها الرفق واللطف، وزاد في رواية الشيخين: " وعلمها فأحسن تعليمها ".
" تحفة الأحوذي " (4 / 218) .
6. القيام بالطاعات، والعفة عن المحرَّمات.
وهذا من معاني (ذات الدِّين) الواردة في الحديث الصحيح الذي سقناه في أول الجواب.
قال الخطيب الشربيني الشافعي – رحمه الله -:
والمراد بالدِّين: الطاعات، والأعمال الصالحات، والعفَّة عن المحرمات.
" مغني المحتاج " (3 / 127) .
بل إن المرأة التي تجمع بين طاعة ربها بفعل ما أمر به من الواجبات، وترك ما نهى عنه من المحرمات، وطاعة زوجها: بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بكرامة عالية عند دخول الجنة.
ففي الحديث: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رواه أحمد (1664) وغيره، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب، وكذا الأرناؤوط في تخريج المسند.
7. العابدة، والصائمة.
قال تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) التحريم/5.
قال البغوي – رحمه الله -:
(أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ) خاضعات لله بالطاعة.
(مُؤْمِنَاتٍ) مصدقات بتوحيد الله.
(قَانِتَاتٍ) طائعات، وقيل: داعيات، وقيل: مصليات.
(سَائِحَاتٍ) صائمات، وقال زيد بن أسلم: مهاجرات، وقيل: يسحن معه حيث ما ساح.
" تفسير البغوي " (8 / 168) .
وبهذا يعرف أن " الدِّين " كلمة جامعة، تشمل أصنافاً من العبادات، وأنواعاً من الطاعات، وشمائل وأخلاق، ولا بدَّ من التنبيه أن ما ذكرناه من تلك الأوصاف والأفعال ليس درجة واحدة عند النساء، بل هو درجات كما هو مشاهد ومعلوم. وكلما كانت أكثر حياء وعلماً وعبادة، كانت أقرب للمقصود من الظفر بها للنكاح.
وبكل حال فإن ذات الدين هي التي تصلح للرجل لتحفظ له دينه، وتعينه على آخرته، وتسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها، وتربي له أولاده خير تربية.
ولينظر جواب السؤال رقم (83777) للوقوف على مسألة التقدم لفتاة متدينة ولكنها ليست جميلة، فهم مهم، ومكمل لهذا الجواب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/30)
إذا طلب منها أن تقول قبلت فلانا زوجا أمام الله فهل تصبح زوجة له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أني تعرفت على شخص في النت وحبينا بعضنا لكن بعدها طلب مني أن نتزوج لكي لا يكون كلامنا حراما والطريقة هي أن أقول أنا فلانة قبلت فلانا زوجا أمام الله وبعدها طلب أن أزيل الحجاب أمامه لكني رفضت لأني لم أقتنع بهذا الزواج فيما يخص شروطه قال: القبول موجود والمهر. قلت: أعفيك منه، والشهود قال: بأنه هناك شهود لكني لم أشفهم بعيني، لكنه يلح بأنه زواج صحيح وأنا غير مقتنعة بذلك، من فضلكم أريد أن أعرف هل أنا أعتبر زوجته أو لا؟ لا أريد أن أقع في الحرام بحديثي معه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا ليس زواجا، بل انحراف، وتسميته زواجا: كذب وزور وخداع، والواجب عليك هو قطع هذه العلاقة مع هذا الرجل الذي يتلاعب بأحكام الله تعالى، ويستحل ما حرم الله، فإن زعمه أن هذا زواج يعني أنه يستبيح منك ما يستبيحه الزوج من زوجته، وهل يعجز أي زان على وجه الأرض أن يجري هذا الزواج مع الزانية الفاجرة التي تشاركه الإثم، فتكون بذلك زوجته، ولا يكونان زانيين؟!
ونحن نخشى عليك أن يتم استدراجك إلى خلع الحجاب أمامه أو ما هو أعظم، ويتم تصويرك وابتزازك بهذه الصور، وقد صار من السهل الآن تركيب الصور بعضها على بعض، ويتم تهديدك بهذه الصور إن لم تستجيبي له، وقد حدث مثل هذا كثير، وراجعي السؤال رقم (91868) لتأخذي منه العبرة.
وكم من امرأة غافلة استدرجها الذئب الماكر بمثل هذه الحيل، حتى فقدت شرفها وعفتها، ثم تركها، ناسيا زواجه المزعوم، فلا نفقة ولا حقوق، بل ولا طلاق!
إن الزواج الصحيح لابد فيه من وجود ولي المرأة وشاهدي عدل من المسلمين، وأي نكاح بدون ولي فهو باطل، ومن زوجت نفسها بدون وليها فهي زانية، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن التي تزوج نفسها هي الزانية) رواه الدارقطني.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
والذي يظهر لنا من سؤالك أنك تخافين الله تعالى، ولا تحبين لنفسك الوقوع في الحرام، والتعرض لسخط الجبار سبحانه، ولهذا ننصحك نصيحة المشفق عليك أن تتناسي هذا الرجل، وأن تقطعي كل علاقة معه، على الإنترنت أو غيره، فإن كل كلمة وابتسامة ولحظة شهوة، تسجل عليك، وغدا تسألين عنها أمام ربك، فبادري بالتوبة لتمحى عنك هذه السيئات، نسأل الله أن يعفو ويتجاوز عنك، وأن يصرفك عن هذا الفاجر، وأن يحفظ بنات المسلمين.
وراجعي للأهمية الأجوبة التالية: (21933 & 84089) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/31)
حكم إجراء عملية ولادة قيصرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اللجوء للعملية القيصرية بسبب بعض المخاوف على حياة الجنين واجبة؟ أشعر أنها كثرت، ولربما هي خطة غربية لتقليل نسل المسلمين وإضعاف أرحامهم , وأتساءل هل يجب اللجوء إليها والتعجيل بها قبل مجيء الطلق الطبيعي حرصا على الجنين، أم الأفضل هو الانتظار حتى مجيء الطلق عاش الطفل أو مات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الولادة القيصرية هي عملية جراحية يتم فيها شق البطن، لإخراج الطفل من الأم، ويقال إنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى " يوليوس قيصر "؛ لأنه أول من ولد بهذه الطريقة، إذ ماتت أمه أثناء الطلْق، وقام الطبيب بعدها بشق بطنها وأخرجه منها، وعاش قيصر ليصبح إمبراطور روما.
ثانياً:
والولادة الطبيعية هي الأفضل للأم، إلا أن هذا لا يمنع من استعمال العملية القيصرية إذا اقتضت الضرورة لذلك، ومن هذه الضرورات: نزول المشيمة أسفل الرحم، ونقص الأكسجين عن الجنين، ووجود أورام في الحوض، أو وجود ارتفاع في ضغط الدم، أو كان هناك نزيف يهدد حياة الأم وجنينها، أو في حال وجود توأمين ملتصقين، أو وجود جنين كبير الحجم، وغيرها من الضرورات التي تحتم إجراء عملية قيصرية، وهذا من نِعَم الله العظيمة، ومن رحمته بخلقه.
ويتساهل كثير من الأطباء في اللجوء إلى العملية القيصرية؛ طمعاً منهم في المال، أو لعدم صبره على الأم أثناء الطلق للولادة الطبيعية، كما أن بعض النساء تطلب هذه العملية للحفاظ على رشاقة جسدها، أو للتخلص من آلام الولادة.
ولا شك أن في هذا الفعل تضييعاً لفوائد متعددة، كما أنه قد يسبب آثاراً على الأم وولاداتها المستقبلية، ومنه ما أشار إليه الأخ السائل.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى ظاهرة ذُكِرت لنا، وهي: أن كثيراً من المولِّدين أو المولِّدات في المستشفيات يحرصون على أن تكون الولادة بطريقةِ عملية، وهي ما تسمى بالقيصرية، وأخشى أن يكون هذا كيداً للمسلمين؛ لأنه كلما كثرت الولادات على هذا الحال: ضَعُفَ جِلْدُ البطن وصار الحمل خطراً على المرأة، وصارت لا تتحمل، وقد حدَّثني بعض أهلِ المستشفيات الخاصة بأن كثيراً من النساء عُرِضْن على مستشفيات فقرر مسئولوها أنه لا بد من قيصرية، فجاءت إلى هذا المستشفى الخاص فوُلِّدت ولادة طبيعية، وذَكَرَ أكثرَ من ثمانين حالة من هذه الحالات في نحو شهر، وهذا يعني أن المسألة خطيرة، ويجب التنبُّه لها، وأن يُعْلَم أن الوضع لا بد فيه من ألم، ولا بد فيه من تعب (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) الأحقاف/15، وليس لمجرد أن تحس المرأة بالطَّلْق تذهب وتُنْزِل الولد حتى لا تحس به، فالولادة الطبيعية خير من القيصرية " انتهى بتصرف.
" لقاءات الباب المفتوح " (2 / السؤال 42) .
وسئل الشيخ – رحمه الله -:
فضيلة الشيخ! يقول الله سبحانه وتعالى في سورة عبس: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) عبس/20، فالله سبحانه وتعالى تكفل بتيسير هذا المولود، ويلاحظ كثيرٌ من الناس من الرجال والنساء الاستعجال للقيام بعملية ما تسمى بالقيصرية، فهل هذا من ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى؟ .
فأجاب:
أرى - بارك الله فيك - أن هذه الطريقة التي يستعملها الناس الآن عندما تحس المرأة بالطلْق تذهب إلى المستشفى، ويصنع لها عملية قيصرية: أرى أن هذا من وحي الشيطان، وأن ضرر هذا أكثر بكثير من نفعه؛ لأن المرأة لابد أن تجد ألماً عند الطلق، لكن ألمها هذا تستفيد منه فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تكفير للسيئات.
الثاني: أنه رفعة للدرجات إذا صبرت واحتسبت.
والثالث: أن تعرف المرأة قدْر الأم التي أصابها مثلما أصاب هذه المرأة.
والرابع: أن تعرف قدر نعمة الله تعالى عليها بالعافية.
والخامس: أن يزيد حنانها على ابنها؛ لأنه كلما كان تحصيل الشيء بمشقة كانت النفس عليه أشفق، وإليه أحن.
والسادس: أن الابن أو أن هذا الحمل يخرج من مخارجه المعروفة المألوفة، وفي هذا خير له وللمرأة.
والسابع: أنها تتوقع بذلك ضرر العملية؛ لأن العملية تضعف غشاء الرحم وغير ذلك، وربما يحصل له تمزق، وقد تنجح، وقد لا تنجح.
والثامن: أن التي تعتاد القيصرية لا تكاد تعود إلى الوضع الطبيعي؛ لأنه لا يمكنها، وخطر عليها أن تتشقق محل العمليات.
والتاسع: أن في إجراء العمليات تقليلاً للنسل، وإذا شق البطن ثلاث مرات من مواضع مختلفة وهَنَ وضعف وصار الحمل في المستقبل خطيراً.
والعاشر: أن هذه طريقة من طرق الترف، والترف سبب للهلاك، كما قال الله تعالى في أصحاب الشمال: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) الواقعة/45، فالواجب على المرأة أن تصبر وتحتسب، وأن تبقى تتولد ولادة طبيعية؛ فإن ذلك خير لها في الحال، وفي المآل، وعلى الرجال أيضاً هم بأنفسهم أن ينتبهوا لهذا الأمر، وما يدرينا فلعل أعداءنا هم الذين سهلوا علينا هذه العمليات من أجل أن تفوتنا هذه المصالح ونقع في هذه الخسائر.
السائل: ما مفهوم الترف؟ .
الشيخ: الترف: أن فيه اجتناب ألم المخاض الطبيعي، وهذا نوع من اترف، والترف إذا لم يكن معيناً على طاعة الله: فهو إما مذموم، أو على الأقل مباح.
" لقاءات الباب المفتوح " (86 / السؤال 17) .
وخلاصة الجواب: أن الولادة القيصرية لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة، بأن تتعذر الولادة الطبيعية، أو يكون فيها خطر على الأم أو على الجنين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/32)
والده يرفض تزويجه إلا بعد إكمال الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 20 عاما أعمل وأدرس وحالتي المادية جيدة جدا والحمد لله وأريد الزواج ولكن والدي لا يريد مني أن أتزوج بحجة إكمال الدراسة ولا أدري ما أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يستحب التعجيل بالزواج لمن كان قادرا عليه؛ لقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) النور/32.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذا أمر بالتزويج، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من قدر عليه. واحتجوا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود.
وقد جاء في السنن من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا توالدوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) .
الأيامى: جمع أيِّم، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها، وللرجل الذي لا زوجة له، سواء كان قد تزوج ثم فارق أو لم يتزوج واحد منهما " انتهى بتصرف.
ثانياً:
ينبغي للولد أن يصارح أباه برغبته في الزواج، وينبغي للأب أن يقدّر ذلك، وأن يعين ابنه عليه، بل ذهب كثير من الفقهاء إلى أن ذلك واجب عليه عند القدرة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته، وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي " انتهى من "المغني" (8/172) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم: إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له: تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/410) .
ومن الأخطاء الشائعة: إعراض الأب عن الاستماع إلى ابنه في هذه القضية، وتجاهله لحاجة الولد، وقد تكون حاجته إلى الزواج ملحّة، مما يترتب على تأخير زواجه وقوعه في نوع من الانحراف، ومعلوم أن الناس يتفاوتون في هذه الحاجة، وفي مدى ضبط النفس تجاهها، وقد يأثم الأب بامتناعه عن تزويج ابنه المحتاج لذلك، كما سبق.
ومن الآباء من يقدم أمر الدراسة والوظيفة على الزواج مطلقا، فليس لديه مجال للنظر أو التفكير في زواج ابنه قبل ذلك، وهذا خطأ أيضا، بل ينبغي أن يدرس الأمر، وأن يقارن بين المصالح والمفاسد، وأن يتعرف على مدى حاجة ابنه للزواج، ومدى قدرته على الجمع بينه وبين الدراسة، وأيهما أولى بالتقديم عند تعذر الجمع، فإنّ حفظ الدين معتبر، بل مقدم على حفظ البدن والمال، ومن باب أولى يقدم على الدراسة.
ثالثا:
قد يكون الأب معذورا في رفضه تزويج ابنه قبل إكمال الدراسة، إما لأنه يرى الابن غير منضبط في تصرفاته، لا يتحمل مسئولية نفسه، فضلا عن تحمل مسئولية غيره، أو يراه مهملا في دراسته، ويغلب على ظنه أنه بعد الزواج سيزداد إهمالا، أو لا يرى حاجته الماسة للزواج، وإنما هي مجرد رغبة عابرة، أو تقليد لغيره، فعلى الابن أن يلتمس العذر لأبيه، وأن يسعى لإقناعه، وأن يبين له مدى حاجته للزواج، ومدى قدرته على رعاية أهله بعد ذلك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/33)
حكم من حرم النكاح على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي فيمن حرم على نفسه الزواج وحرم على نفسه النساء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز لأحد أن يحرم ما أحل الله تعالى من النساء أو الطعام أو غير ذلك؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة/87.
وقد أراد جماعة من الصحابة أن يتبتلوا ويعتزلوا النساء، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأنزل الله عز وجل هذه الآية.
روى ابن جرير بإسناده إلى مجاهد رحمه الله قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون رضي الله عنه وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن يتبتلوا، ويَخْصُوا أنفسهم، فنزلت هذه الآية.
وروى البخاري (5074) ومسلم (1402) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا.
فالتبتل والاختصاء وتحريم النساء، كل ذلك محرم، وهو رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تزوج، ورَغَّب في الزواج، وحث عليه.
وروى البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) .
فتبين بهذا أنه ليس لأحد أن يحرم النساء على نفسه.
ثالثا:
من فعل ذلك، فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وعليه كفارة يمين، لقول الله تعالى:) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم/1-2.
فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً.
وانظر " الشرح الممتع" (10/475) .
وكفارة اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وقد سبق بيانها تفصيلا في جواب السؤال رقم (45676) .
رابعا:
النكاح يختلف حكمه بحسب الإنسان وقدرته المادية والبدنية، ومدى احتياجه له، فتارة يجب، وتارة يستحب، وتارة يكره، وانظر السؤال رقم (36486) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/34)
حكم الزواج من امرأة صوفية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز المسلم أن يتزوج من امرأة صوفية. وما هو وضع الشرعي في حال من تزوج من امرأة صوفية وهو لا يعلم أنها على المذهب الصوفي إلا بعد ما تزوجها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الصوفية طرق شتى، ومذاهب متباينة، والغالب عليها الابتداع والانحراف، على تفاوت بينها في ذلك، فمنها الغالي الذي يبلغ به الغلو حد الشرك بالله تعالى، كدعاء الأموات، والالتجاء والاعتماد عليهم في كشف الكربات، ودفع البليات، ومنها المكثر من البدع العملية، في الذكر والعبادة، وانظر السؤال رقم 4983 للوقوف على شيء من انحراف المتصوفة.
والسؤال رقم (34817) لمعرفة الشرك وأنواعه.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": " الغالب على ما يسمى بالتصوف الآن العمل بالبدع الشركية، مع بدع أخرى، كقول بعضهم: مدد يا سيد، وندائهم الأقطاب، وذكرهم الجماعي، فيما لم يسم الله به نفسه، مثل: هو هو، وآه آه، ومن قرأ كتبهم عرف كثيرا من بدعهم الشركية، وغيرها من المنكرات " انتهى.
ثانيا:
الزواج من امرأة صوفية، فيه تفصيل:
1- فإن كانت ممن يقع في الشرك اعتقادا أو عملا، كمن تعتقد في الأولياء أنهم يعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون، أو تعتقد القول بحلول أو الاتحاد، أو تصرف العبادة لغير الله، دعاء واستغاثة أو ذبحا أو نذرا، فهذه لا يجوز الزواج منها؛ لأنها واقعة في الشرك الأكبر، عياذا بالله من ذلك.
2- وإن كانت لا تقع في الشرك، لكنها تمارس بعض البدع، كالاحتفال بالمولد، أو الذكر بهيئات مخترعة، والتزام عدد معين في الأذكار لا أصل له، وكيفيات معينة، لم تثبت في الشرع، فهذه الأولى عدم الزواج منها؛ لأن البدعة خطرها عظيم، وضررها كبير، وهي أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها بخلاف البدعة، فإن صاحبها يراها دينا يتقرب به إلى الله، فكيف يقلع عنها، وأيضا: فالزواج من المبتدعة فيه خطر على الأولاد وعلى الأسرة كلها، لا سيما إذا كانت المرأة صاحبة لسان أو خلق، فينخدع بها غيرها. قال الإمام مالك رحمه الله: " لا ينكح أهل البدع؛ ولا ينكح إليهم، ولا يسلم عليهم ... " المدونة " (1/84) .
ثالثا:
إذا لم يعلم أن المرأة على المذهب الصوفي حتى تزوجها، فإن كانت من القسم الأول الذي يقع في الشرك قولا أو عملا أو اعتقادا، فإنه يدعوها وينصحها ويبين لها، فإن استقامت فالحمد لله، وإلا فارقها وجوبا؛ لأنه لا يجوز ابتداء نكاح المشركة، ولا استدامته؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الممتحنة/221
وأما إن كانت من القسم الثاني، الذي يقع في بدع الأعمال التي لا تبلغ الكفر؛ فإنه ينظر إلى كل حالة بحسبها؛ من حيث تمسك المرأة بما عندها من البدع، أو عدم تمسكها، ومن حيث آثارها على البيت والأولاد كذلك.
ثم إنه ينظر أيضا إلى الآثار المترتبة على طلاقها؛ فيغلب جانب المصلحة الشرعية في كل حالة بحسبها، وتدرأ المفاسد، أو تقلل قدر الإمكان.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/35)
تقدم لخطبتها مهندس يعمل في أحد البنوك فهل تقبله
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي شخص خريج هندسة معمارية، ويعمل في قسم الإدارة الهندسية في أحد البنوك المتخصصة في بناء الشقق والبنايات الفاخرة، فهل أقبله أم أرفضه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن تحرص المرأة على اختيار الزوج الصالح المستقيم، الذي يراقب الله تعالى فيها، ويطعمها وأولادها من الحلال، ويجنبهم الحرام.
ولهذا فنحن نشكرك على هذا السؤال الذي يدل على اهتمامك بهذا الأمر، ونقول: إن كان البنك الذي يعمل فيه هذا الشخص بنكا ربويا، يقوم تسويقه للشقق والبنايات على الربا، فلا يجوز العمل فيه، ولا إعانته على مشاريعه بأي وجه من الإعانة.
وكذلك لا يجوز العمل في بناء شقق أو أماكن للمعصية، كأماكن اللهو الباطل، أو صالات القمار، أو بنوك الربا ونحو ذلك.
وينبني على ذلك مسألة قبول هذا الخاطب أو رفضه، فإن كان عمله مباحا، وكان مرضي الدين والخلق، فاقبلي به، وإن كان عمله محرما، أو كان غير مرضي الدين والخلق، فلا تقبليه، لما يترتب على الزواج منه من مضار تعود عليك وعلى أولادك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/36)
تسأل عن الزواج من لاعب كرة قدم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج بلاعب كرة القدم في البطولة الألمانية حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا
يباح اللعب بكرة القدم بشروط:
الأول: ألا تكون على مال، لا من الفريقين ولا من أحدهما ولا من طرف ثالث؛ لأن العوض أو السبَق لا يجوز دفعه إلا في السباقات المعينة على الجهاد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) رواه الترمذي (1700) والنسائي (3585) وأبو داود (2574) وابن ماجه (2878) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والسبق: العوض أو الجائزة.
والنصل: السهم. والخف: المقصود به البعير (الإبل) . والحافر: الخيل.
وألحق بعض أهل العلم بهذه الثلاثة كل ما يعين على الجهاد ونشر الدين، كمسابقات القرآن والحديث والفقه، فيجوز أن تدفع فيها الجوائز.
وعليه فالجوائز التي تعطى لمن يفوز في مباريات كرة القدم بين فريقين أو أكثر، لا يجوز دفعها، ولا أخذها، وهي تدخل في الرهان المحرم.
الشرط الثاني: ألا يصاحبها محرم، ككشف العورة، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمعلوم أن أكثر لاعبي هذه اللعبة يكشفون عن أفخاذهم، وهذا محرم لا يجوز.
الشرط الثالث: ألا يؤدي اللعب بها إلى محرم، كتضييع الصلوات وتفويت الجمع والجماعات، ومن المؤسف أن نقول: إن كثيرا من لاعبي هذه اللعبة في الأندية يفوتون الصلاة لأجل المباراة، ومعلوم أن تأخير الصلاة عن وقتها بغير عذر كبيرة من الكبائر، والمروي عن جماعة من السلف تكفير من تعمد ذلك، فالحذر الحذر.
وهذا بالنظر إلى اللعبة في حد ذاتها، وأما أن تجعل لها مباريات، وتبذل فيها الأموال، ويشغل بها الناس، وتضيع لأجلها الأوقات، وتحيى بها العصبيات، ويُمجّد بها المسلم والكافر، والبر والفاجر، حتى يغدو اللاعب مثلا للأبناء والبنات، فهذا لا شك في منعه؛ إذ الأمة فيها من المصائب، والجهل والتخلف، ما يكفيها ويشغلها عن اللعب، الذي تبذل فيه الملايين من أموال الشعوب.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " الأصل في مثل هذه الألعاب الرياضية الجواز إذا كانت هادفة وبريئة، كما أشار إلى ذلك ابن القيم في "كتاب الفروسية" وذكره الشيخ تقي الدين ابن تيمية وغيره، وإن كان فيها تدريب على الجهاد والكر والفر وتنشيط للأبدان، وقلع للأمراض المزمنة وتقوية للروح المعنوية، فهذا يدخل في المستحبات إذا صلحت نية فاعله، ويشترط للجميع أن لا يضر بالأبدان ولا بالأنفس، وأن لا يترتب عليه شيء من الشحناء والعداوة التي تقع بين المتلاعبين غالباً، وأن لا يشغل عما هو أهم منه،وأن لا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
ولكن من تأمل حالة أهل الألعاب الرياضية اليوم وسبر ما هم عليه، وجدهم يعملون من الأعمال المنكرة ما يقتضي النهي عنها، علاوة على ما في طبيعة هذه الألعاب من التحزبات وإثارة الفتن والأحقاد والضغائن بين الغالب والمغلوب، وحزب هذا وحزب ذاك، كما هو ظاهر، وما يصاحبها من الأخطار على أبدان اللاعبين نتيجة التصادم والتلاكم، فلا تكاد تنتهي لعبتهم دون أن يصاب أحد منهم بكسر أو جرح أو إغماء، ولهذا يحضرون سيارة الإسعاف.
ومن ذلك: أنهم يزاولونها في أوقات الصلاة مما يترتب عليه ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها.
ومن ذلك: ما يتعرض له اللاعبون من كشف عوراتهم المحرمة، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، ولهذا تجد لباسهم إلى منتصف الفخذ، وبعضهم أقل من ذلك، ومعلوم أن الفخذ من العورة، لحديث: " غط فخذك فإن الفخذ من العورة " [وراه الترمذي (2797) وصححه الألباني] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي:" لا تكشف فخذلك ولا تنظر فخذ حي ولا ميت " [رواه أبو داود (4015) ] . والله أعلم "
انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" ج 8 سؤال 1948
وقال رحمه الله: "
اللعب بالكرة الآن يصاحبه من الأمور المنكرة ما يقضي بالنهي عن لعبها، هذه الأمور نلخصها فيما يأتي:
أولا: ثبت لدينا مزاولة لعبها في أوقات الصلاة مما ترتب عليه ترك اللاعبين ومشاهديهم للصلاة أو للصلاة جماعة أو تأخيرهم أداءها عن وقتها، ولا شك في تحريم أي عمل يحول دون أداء الصلاة في وقتها أو يفوت فعلها جماعة ما لم يكن ثم عذر شرعي.
ثانيا: ما في طبيعة هذه اللعبة من التحزبات أو إثارة الفتن وتنمية الأحقاد. وهذه النتائج عكس ما يدعو إليه الإسلام من وجوب التسامح والتآلف والتآخي وتطهير النفوس والضمائر من الأحقاد والضغائن والتنافر.
ثالثاً: ما يصاحب اللعب بها من الأخطار على أبدان اللاعبين بها نتيجة التصادم والتلاكم مع ما سبق ذكره. فلا ينتهي اللاعبون بها من لعبتهم في الغالب دون أن يسقط بعضهم في ميدان اللعب مغمى عليه أو مكسورة رجله أو يده،وليس أدل على صدق هذا من ضرورة وجود سيارة إسعاف طبية تقف بجانبهم وقت اللعب بها.
رابعاً: عرفنا مما تقدم أن الغرض من إباحة الألعاب الرياضية تنشيط الأبدان والتدريب على القتال وقلع الأمراض المزمنة. ولكن اللعب بالكرة الآن لا يهدف إلى شيء من ذلك فقد اقترن به مع ما سبق ذكره ابتزاز لمال بالباطل، فضلاً عن أنه يعرض الأبدان للإصابات وينمي في نفوس اللاعبين والمشاهدين الأحقاد وإثارة الفتن، بل قد يتجاوز أمر تحيز بعض المشاهدين لبعض اللاعبين إلى الاعتداء والقتل، كما حدث في إحدى مباريات جرت في إحدى المدن منذ أشهر ويكفي هذا بمفرده لمنعها. وبالله التوفيق " انتهى
وقال أيضا: " الذي يَقْوى: إذا كانت بالشكل المرتب المخصوص [كما في الأندية] فالظاهر منعها مطلقاً، ففيها أخذ للنفوس وما يصد عن ذكر الله، فهي قريبة من القمار. وسموها "رياضة" وهي لعب، وأمور الجهاد ليست من هذا النوع، وأهلها وإن كان فيهم خفة ومرونة لا يصبرون على شيء من التعب في غيرها.
ثم يدخل فيه أشياء أخر بعضهم يجعل فيه عوضاً، وهذا الميسر، والشرع ما جعل عوضاً في المسابقة إلا في الأشياء التي فيها عون للدين وتقوية له، إذا كان يقوي الدين أباح فيه الأكل بالمراهنة والمسابقة، وفي الحديث:" لا سبق إلا في خُف أو نصل أو حافرٍ " وما يؤيد الدين قياساً على الثلاث التي في الحديث " انتهى.سؤال رقم 1950
وقال أيضا: " أما الشخص والشخصان يدحوان بالكرة ويلعبان بها اللعب الغير منظم، فهذا لا بأس به، لعدم اشتماله على المحذور، والله أعلم. انتهى سؤال رقم 1949
ثانيا:
إذا تقرر هذا فالذي ننصحك به ألا تتزوجي بهذا اللاعب المنشغل الكرة، حتى يقلع عنها، سواء كان لعبه في أندية محلية أو خارجية، خاصة وأن ذلك سيترتب عليه انتقالك للحياة معه في بلاد الكفر، حيث لا تؤمن الفتن على النفس والأبناء، ويصعب على المرء أن يحافظ على دينه في وسط أجواء اللعب، وفي بلاد الكفار!!
ويمكنك مراجعة السؤال رقم (13363) لمعرفة حكم الإقامة في بلاد المشركين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/37)
هل يتزوج ممن تفوقه في المستوى الاجتماعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم والحمد لله أريد العفاف بالزواج من أخت مسلمة مستواها الاجتماعي يفوقني، ما حكم الشرع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الرجل قادرا على بذل المهر المعجل وتحمل نفقات الزواج، قادرا - كذلك - على الإنفاق على زوجه وبيته، فهو كفؤ لها في قول جمهور العلماء، من يعتبر اليسار (الغنى) شرطا في الكفاءة كالحنفية والحنابلة، ومن لا يعتبره كالمالكية والشافعية في الأصح عندهم.
وأما اشتراط أن يكون الزوج غنيا غنى مساويا للزوجة، فهو قول مرجوح ذهب إليه بعض الفقهاء.
بل الراجح من حيث الدليل أن الكفاءة لا تعتبر إلا في الدين، كما هو مذهب مالك رحمه الله.
قال ابن القيم رحمه الله: " فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح
قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات/ 13. وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات/10. وقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) التوبة/71 ...
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمى على عربي، ولا لأبيض على أسود. ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب) رواه الترمذي (3270) وحسنه الألباني.
وفي الترمذي (1085) عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. قالوا: يا رسول الله! وإن كان فيه؟ فقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ثلاث مرات) . [حسنه الألباني] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبني بياضة: (أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه) وكان حجاما. وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة ابنه، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف.
وقد قال الله تعالى: (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) النور/26. وقد قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) النساء/3.
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسبا ولا صناعة، ولا غنى ولا حرية، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات ".
وقال: " وقد تنازع الفقهاء في أوصاف الكفاءة، فقال مالك في ظاهر مذهبه إنها الدين، وفي رواية عنه: إنها ثلاثة: الدين، والحرية، والسلامة من العيوب " انتهى ـ باختصار ـ من "زاد المعاد" (5/144) . وينظر: "المغني" (7/27) ، "الموسوعة الفقهية" (34/271) .
ثانيا:
المستوى الاجتماعي يراد به النسب أو الغنى أو التعليم أو الحرفة والوظيفة، وقد تراد جميعها.
ومن كان مرضي الدين والخلق، فهو كفء للمرأة مهما كان مستواها الاجتماعي، على الراجح كما سبق. هذا هو الأصل، والحكم الشرعي، لكن يبقى النظر في حال كل خاطب، وهل يناسبه الزواج ممن تفوقه في هذا المستوى أم لا؟
والذي يظهر والله أعلم أنه إن كان التفاوت كبيرا فيما ذكرنا من النسب والغنى والتعليم والوظيفة، فلا ينصح بالإقدام على هذا الزواج؛ لأنه غالبا ما تحيط به المشاكل من جهة المرأة أو من جهة أهلها، وقد يكون الاختلاف في أسلوب الحياة، وطبيعة التعامل مع الأمور من أسباب النفرة بين الزوجين لاحقا.
أما إن كان التفاوت يسيرا، أو كان النقص في جانب يعوضه كمال في جانب آخر، فلا بأس حينئذ، كأن يكون الرجل فقيرا، لكنه حاصل على شهادات متميزة، أو يؤهل لوظيفة مرموقة، أو من عائلة ذات شرف، ونحو ذلك.
وثمة حالات تكون فيها المرأة وأهلها من الصلاح والاستقامة، ما يرفعهم عن النظر إلى الأمور المادية وقياس الناس بها، وتكون رغبتهم في الزوج الفقير لعلمه أو لصلاحه ونحو ذلك، وإن كان الأولى ـ في حق الزوج ـ أن يكون الرجحان في جانبه، في الأمور التي تعتبر في الكفاءة.
وبكل حال، فالنصح الدقيق في هذه المسألة يتوقف على معرفة الطرفين معرفة تامة، ومعرفة ما يحيط بهما وبأسرتيهما، فلعلك تسترشد بنصح من تثق فيه من أهل الخير والدراية في مجتمعك.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/38)
هل يجب عليه حضور الوليمة وفيها من يؤذيه بكلامه وحركاته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم رفض دعوة إلى وليمة من أقاربه - وقد اعتاد رؤيتهم دائما- بسبب وجود أشخاص آخرين يؤذونه نفسيا بكلامهم وحركاتهم..؟ وهل يجوز لأخت أن تقلل من الاجتماع بإخوانها الكبار لما ترى من إهمالهم لها وعدم استلطاف وجودها؟ مع العلم أنها لا تؤذيهم أبدا بكلامها وتصرفاتها وهم لا يتصلون بها ولا يعرفون ما حالها إلا عن طريق زوجها أو نسائهم فهل عليها وصلهم وهم على هذه الحال منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الوليمة إن كانت للنكاح، فإجابتها واجبة على من دعي إليها شخصياً، في قول جمهور الفقهاء.
أما إن كانت الدعوة عامة، لم يعيّن فيها باسمه، فلا يجب عليه حضورها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها , إذا لم يكن فيها لهو. وبه يقول مالك , والشافعي , وأبو حنيفة ...
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) . وفي لفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها) . وقال أبو هريرة: (شر الطعام طعام الوليمة: يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله) رواه البخاري.
ومعنى قوله: (شر الطعام طعام الوليمة) - والله أعلم - أي طعام الوليمة التي يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء , ولم يُرِدْ أن كل وليمة طعامها شر الطعام.
وإنما تجب الإجابة على من عُيّن بالدعوة , بأن يدعو رجلا بعينه , أو جماعة معينين. فإن دعا وقال: يا أيها الناس , أجيبوا إلى الوليمة، لم تجب الإجابة , ولم تستحب , بل تجوز الإجابة بهذا ; لدخوله في عموم الدعاء " انتهى من "المغني" (7/213) باختصار.
ثانيا:
إذا كان في الوليمة من يتأذى بهم، لم يجب عليه الحضور، ويكون هذا عذراً له لترك الإجابة.
وقد نص بعض الفقهاء على ذلك، وينبغي حينئذ أن يعتذر لصاحب الدعوة، أو يحضر وينصرف سريعا.
قال في "تحفة المحتاج" (7/430) وهو يذكر شروط وجوب الإجابة: " وأن لا يكون بالمكان الذي يحضر فيه من يتأذى المدعو به لعداوة ظاهرة بينهما أو لحسد أو لا يليق به مجالسته كالأراذل " انتهى باختصار وتصرف.
ثالثا:
إذا كانت الوليمة لغير النكاح، فلا تجب إجابتها، ولو عيّن بالدعوة فيها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7 / 218) : " فحكم الدعوة للختان وسائر الدعوات غير الوليمة أنها مستحبة، لما فيها من إطعام الطعام , والإجابة إليها مستحبة غير واجبة، وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه " انتهى.
وعليه فلا حرج عليك في ترك الحضور إلى هذه الولائم، إذا كانت لغير النكاح.
رابعا:
صلة المرأة لرحمها من الإخوة والأخوات، أمر مؤكد شرعا؛ لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بصلة الرحم، وتحريم قطعها، وهذه الصلة تتحقق بالزيارة والاتصال والسؤال، حسب قدرة الإنسان واستطاعته.
وينبغي ألا تقصري في هذه القربة العظيمة، وألا يدفعك إلى ذلك جفاء الإخوة وعدم استلطافهم لك، فإنك مثابة مأجورة على صلتك، ولو قصروا معك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري (5645) .
أي أن الذي يكافئ أقاربه، فيرد لهد الجميل، ويحسن إليهم إن أحسنوا إليه، ليس هذا واصلاً للرحم، كما أراد الشرع، وإنما صلة الرحم المطلوبة شرعاً أن يحسن إلى أقاربه الذين يسيئون إليه.
لكن إن كان كثرة اللقاء تسبب النفور، فلا حرج في تقليلها، مع دوام الصلة، على فترات متباعدة أو بالهاتف ونحو ذلك.
ولكن الأحسن من ذلك والأولى أن تسعي إلى إزالة ما بينكِ وبين إخوانك من سوء التفاهم، وتبذلي وسعك في تحسين علاقتك معهم، فذلك خير لكم جميعاً في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/39)
نصيحة لمن لا يريد أن يتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب لا أريد أن أتزوج، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم – أيها الأخ الكريم - أن الناس ليسوا سواء في أمر الزواج، فيشترك الناس في أصل مشروعية النكاح، الذي هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتأكد في حق شخص أكثر من غيره.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" والناس في النكاح على ثلاثة أضرب:
منهم من يخاف على نفسه الوقوع في المحظور أن ترك النكاح فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء، لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام، وطريقة النكاح.
الثاني: من يُستحب له، وهو له شهوة يأمن معها الوقوع في المحظور؛ فهذا الاشتغال به أولى من التخلي لنوافل العبادة، وهو قول أصحاب الرأي، وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم وفعلهم.
قال ابن مسعود لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوما، وليَ طَوْل النكاح فيهن [أي: القدرة عليه] ، لتزوجت مخافة الفتنة.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟
قُلْتُ: لا!!
قَالَ: فَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً. رواه البخاري (5069)
وقال إبراهيم بن ميسرة: قال لي طاوس: لتنكحن، أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور!!
القسم الثالث: من لا شهوة له؛ إما لأنه لم يخلق له شهوة كالعنين، أو كانت له شهوة فذهبت بِكِبَر أو مرض ونحوه؛ ففيه وجهان:
أحدهما: يستحب له النكاح لعموم ما ذكرنا.
والثاني: التخلي له أفضل لأنه لا يحصل مصالح النكاح، ويمنع زوجته من التحصين بغيره، ويضر بها بحبسها على نفسه، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه.. "
قال ابن قدامة رحمه الله: " وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه، وقال ينبغي للرجل أن يتزوج فإن كان عنده ما ينفق أنفق، وإن لم يكن عنده صبر..
وهذا في حق من يمكنه التزويج، فأما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) . انتهى من المغني (9/341-344) باختصار، وتصرف يسير.
وحين ذاك نسألك عن سبب هذا الترك والعزوف:
- فإن كنت تظن أن ترك الزواج عبادة تتقرب بها إلى رب العالمين، وترى أنك حين تعتزل الزواج ترفع منزلتك عند الله، فأنت حينئذ مخطئ ويخشى عليك من الإثم.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جَاءَ ثَلاثُ رَهطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسأَلُونَ عَن عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخبِرُوا كَأَنَّهُم تَقَالُّوهَا، فَقَالًُوا أَينَ نَحنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَد غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُم: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي الَّليلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهرَ وَلا أُفطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنتُمُ الَّذِينَ قلُتُم كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخشَاكُم للَّهِ وَأَتقَاكُم لَه، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي) رواه البخاري (5063) ومسلم (1401)
وانظر جواب السؤال رقم (34652)
- وإن كنت لا تريد الزواج لعدم وجود الرغبة الجنسية، أو تتوهم عدم القدرة على القيام بحقوق الزوجية، وخشية التقصير في تلبية حاجة الزوجة، فأقول لك: حينئذ لا حرج عليك في ترك الزواج، ولكن لا تعتمد على ظنونك وأوهامك، بل ينبغي لك استشارة الطبيب المختص، وتطلب النصح منه، فإنه أقدر على تشخيص حالتك، وقد يكون لديه من النصح والعلاج ما لا يخطر لك على بال، فلا تتردد في زياته، ولا يمنعك الحياء، فإن أمر العلاج لا ينبغي أن يستحيى منه.
- وأما إن قلت إنك تخشى العالة والفقر، ولا تملك من النفقة ما يمكنك من القيام على شؤون الأسرة، فأقول لك: سَدِّد وقارب، وعليك بالقناعة والكفاف، وظن بالله خيرا، فإنه سبحانه قد وعد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بإعانة من يريد العفة ويطلب الحلال بالزواج.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَونُهُم: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتِبُ الذي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الذِي يُرِيدُ العَفَافَ) رواه الترمذي (1655) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
- وإن كان عندك ما تريد إنجازه وتحقيقه: من شهادة أو منصب أو مشروع ونحو ذلك، وتقول أنجزه ثم أُقدِمُ على الزواج بعده.
فنقول لك: لم تترك الزواج تعللا بذلك؟
لم يكن الزواج يوا قط عائقا عن الإنجاز، بل غالبا ما يكون حافزا ومشجعا، وإنما تلك وسوسة شيطان، أوحاها إلى أذهان كثير من الشباب حتى غَدَت ثقافةً وعادةً في مجتمعاتنا، فأصبَحتَ تَسمَعُ الكثير ممن يؤخر زواجه أو زواج ابنه أو ابنته بمثل هذه الدعاوى، وصارت مجتمعاتنا مثقلة بآفات العزوبة والعنوسة وتأخر سن الزواج، ومع ذلك لا نجد الإنجاز ولا التطور ولا التقدم، في حين أن الجيل الأول من المسلمين كانوا يعجلون في الخير ولا يؤخرون الزواج، وكانت إنجازاتهم أعظم الإنجازات وأتمها.
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى" (20/421) :
" الواجب البدار بالزواج، ولا ينبغي أن يتأخر الشاب عن الزواج من أجل الدراسة، ولا ينبغي أن تتأخر الفتاة عن الزواج للدراسة، فالزواج لا يمنع شيئا من ذلك، ففي الإمكان أن يتزوج الشاب، ويحفظ دينه وخلقه ويغض بصره، والزواج فيه مصالح كثيرة، ولا سيما في هذا العصر، ولما في تأخيره من الضرر على الفتاة وعلى الشاب، فالواجب على كل شاب وعلى كل فتاة البدار بالزواج إذا تيسر الخاطب الكفء للمرأة، وإذا تيسرت المخطوبة الطيبة للشاب " انتهى.
ثم فوق ذلك كله:
كيف لو علمت أنك بزواجك تحفظ نصف دينك:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن رَزَقَهُ اللَّهُ امرَأَةً صَالِحَةً فَقَد أَعَانَهُ عَلَى شَطرِ دِينِهِ، فَليَتَّقِ اللَّهَ فِي الشَّطرِ الثَّانِي) رواه الحاكم في "المستدرك" (2/175) والطبراني في "الأوسط" (1/294) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/382) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (2/192)
وكيف إذا علمت أنك بزواجك تمتثل وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَليَتَزَوَّج، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400)
وكيف لو علمت أن لك في ولدك الصالح صدقة جارية، حين تربيه على الخلق والإيمان، وأنك تؤجر على زواجك إذا احتسبته عند الله تعالى، انظر جواب السؤال رقم (8891)
وأنك بزواجك تحفظ نفسك، وتغض بصرك، وتسد عليك بابا من أعظم أبواب الشيطان التي يغوي بها الناس، وقد لا تكون تشعر بخطره الآن، ولكن الفتنة تأتي من حيث لا يعلم الإنسان، فلا بد أن يحرص على غلق الأبواب قبل أن تفتح وهو لا يشعر.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكتُ بَعدِي فِي النَّاسِ فِتنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) رواه البخاري (5096) ومسلم (2741)
إن الزواج ـ أيها الأخ الكريم ـ راحة وطمأنينة وسكينة، وهو خير متاع الدنيا، وفيه من ذلك ما جعله الله آية للناس، وذكره في كتابه ليتفكروا ويتأملوا عظيم قدرته سبحانه فقال:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21
فهل يبقى بعد ذلك كله تردد؟!
اعزم وتوكل على الله، والله يعينك، ويهيئ لك الزوجة الصالحة التي تعينك على طاعة ربك، ويرزقك الذرية الطيبة التي تكون ذخرا لك في المعاد عند الله.
وانظر جواب السؤال رقم (6254)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/40)
المصاب بالإيدز هل له أن يستمني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص حامل لفيروس نقص المناعة المسبب لمرض الإيدز ولكنه غير مصاب به أن يستمني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لحامل الفيروس أو المصاب بالإيدز أن يتزوج من صحيحة أو مصابة بالمرض، إذا قبلت ذلك، بعد علمها بحالته، ودرجة إصابته، ولهما أن يتفقا على عدم الإنجاب، أو عدم الجماع. وللزوج أن يستمني بيد زوجته، ولا حرج عليه في ذلك.
ولا يجوز له أن يتزوج إلا إذا أَخبر بمرضه، لأن كتمان ذلك غش محرم، فإن أخفى ذلك، ثم علمت الزوجة فلها حق الفسخ.
ثانيا:
الاستمناء محرم، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (329) .
لكن إذا لم يتمكن المصاب بالإيدز من الزواج، وخشي الوقوع في الزنا، جاز له الاستمناء؛ ارتكابا لأخف الضررين، وأهون الشرين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما إنزاله باختياره بأن يستمني بيده فهذا حرام عند أكثر العلماء ; وهو إحدى الروايتين عن أحمد بل أظهرهما. وفي رواية أنه مكروه، لكن إن اضطر إليه مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن , أو يخاف المرض , فهذا فيه قولان مشهوران للعلماء , وقد رخص في هذه الحال طوائف من السلف والخلف , ونهى عنه آخرون , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1/302) .
وقال في "شرح المنتهى" (3/366) : " ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرُم فعله ذلك وعزّر عليه لأنه معصية، وإن فعله خوفا من الزنا أو اللواط فلا شيء عليه، كما لو فعله خوفا على بدنه بل أولى، فلا يباح الاستمناء لرجل بيده إلا إذا لم يقدر على نكاح، لأنه مع القدرة على ذلك لا ضرورة إليه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/41)
عقد عليها ولم يوفر لها سكنا ويريد الاستمتاع بها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تمت خطوبتي على شاب منذ عامين وبعد عام من الخطوبة عقد قراني عليه لحين تجهيز منزل الزوجية. ومشكلتي معه:
أنه يريد أن يحصل بينا معاشرة زوجية كاملة ولكن دون الدخول وإن رفضت يهددني بأنه سيخونني إن لم استجب له.
أنه كثير الشك فيَّ لدرجة أنة منعني من الخروج والتحدث مع أصدقائي وجعلني أترك العمل بحجة أن في ذلك حفاظاً عليَّ من الوقوع في الحرام، مع العلم أني لم أفكر يوماً بما يفكر فيه.
وهو كذلك لا يحترم أهلي ودائماً يشتمهم ويسبهم، ويتهمهم بعدم تربيتهم لي تربية جيدة، وفي المقابل يريدني أن أذهب إلى أمه وأرضيها وإذا حصل منها خطأ علي فلا بد من الاعتذار لها حتى ترضى.
مع العلم أنه حتى الآن لم يقم بتجهيز أي شيء في المنزل ودائماً يتعذر بأوضاعه المادية السيئة. ولما كنت في عملي كان نصف راتبي تقريباً أصرفه عليه ويلزمني بشراء هدايا لأهله فهل له الحق في هذا، وهل علي شيء في حال عدم استجابتي لما يأمرني به. مع العلم أن أهلي وجميع من حولي يرون أنه غير مناسب لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا تم العقد أو ما يسمى بكتب الكتاب، فقد صرت زوجة له، ويباح للزوج أن يستمتع بزوجته كيفما شاء، لكن لها أن تمتنع من تسليم نفسها له حتى يدفع لها المهر المعجل، ويجهز لها منزل الزوجية المناسب.
وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها , حتى يعطيها مهرها. "المغني" (7/200) .
وذكر الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/19) أن المرأة لها أن تمتنع من تسليم نفسها لزوجها حتى يوفر لها سكنا.
هذا هو الحكم الشرعي في المسألة.
والذي نخشاه أن يكون هذا الزوج غير جاد في توفير السكن والسعي إلى الاستقرار فيه وبناء الأسرة، وأنه يكتفي بتحصيل متعته من اللقاء بك. ولذلك ننصحك أن لا تلبي طلبه وألا تمكنيه من الاستمتاع، حتى يوفر لك السكن، وفي هذا حث له على الاهتمام والتعجيل بالدخول، وحفظ لك، فإنه قد يقع الجماع، بإلحاح منه، وضعف منك، ويحصل الحمل، ويترتب على ذلك آثار سيئة في حالة الطلاق أو تأخر الدخول المعلن أمام الناس.
ثانيا:
إذا كان عملك مباحا سالما من المحرمات، فلا ننصحك بتركه، وليس للزوج أن يمنعك منه ما دام قد عقد عليك وأنت تمارسين هذا العمل ولم يشترط عليك تركه. وعلى أقل الأحوال فإنه ينبغي أن تحتفظي بعملك وإن انقطعتِ عنه مؤقتا، بأخذ أجازة، إلى أن يتبين لك حال زوجك
ثالثا:
ينبغي الاهتمام والنظر في دين الزوج وخلقه ومحافظته على الصلاة وبعده عن المحرمات، والذي ظهر لنا من سؤالك أنه ليس بالرجل المرضي من هذا الجانب، ولهذا سهل عليه أن يسب والديك، بل وسهل عليه أن يهددك بأنه سيخونك!! ولا ندري كيف يصدر مثل هذا الكلام من رجل عاقل يقدر الأمور، فهل يصح أن يكون هذا وسيلة للضغط على الزوجة؟ يهددها أن يرتكب الزنا عقوبةً لها! إن هذا ليدل على نقصان كبير في الدين والعقل.
ولو أنا استُشرنا في أمر الزواج منه قبل أن يتم العقد لأشرنا عليك بعدم الزواج، لكن ما دام الأمر قد حصل، فإننا نقول: إن كان متهاونا بالصلاة، فينبغي أن تنصحي له المرة بعد المرة، فإن لم ينصلح حاله، فاسعي للفراق منه، فإنه لا خير لك في زوج متهاون بالصلاة.
رابعا:
إذا تبين لك أنه زوج متلاعب غير جاد في تجهيز المسكن ونحوه، وأنه قد يسيء إليك وإلى أهلك، - حتى لو كان من أهل الصلاة - فإنا ننصحك بمفارقته، ولو أن تخالعيه بالتنازل عن بعض حقك.
وقد ذكرت أن أهلك وجميع من حولك يرون أنه غير مناسب لك، ونظرة الأهل في هذه الأمور – غالباً – تكون أقرب إلى الصواب، لأنهم ينظرون إلى الأمر بنوع من التعقل، بعيداً عن العاطفة التي قد تعمي صاحبها عن الحق أحياناً، مع علمهم وخبرتهم بمثل هذه الأمور، ولذلك نرى أن تناقشي الأمر مع أهلك، وتعملي بما يشيرون عليك، مع استخارة الله تعالى، فإنه ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويذهب همك، ويقضي لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/42)
ادعت أنها طلقت من زوجها هل يجوز تزويجها بدون بينة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل في السبعين من عمره متزوج بمقيمة على غير كفالته في مدينة ما وتقول إنها مطلقة من زوجها السابق الذي في مدينة أخرى ولها منه ابنان. الرجل نصحه أبناؤه بالابتعاد عنها أو التأكد من طلاقها السابق ولا يدري عن مدى صحة عقد الزواج ولكنه يرفض وبشدة ولا يريد التدخل بأمره بتاتا. هل يلحق أبناءه إثم من تلك القضية وماذا يجب عليهم تجاه أبيهم؟ (علما أنها تذهب بحجة أبنائها كل إجازة عيد وصيف إلى تلك المدينة وإجازة الأسبوع في نفس المدينة بحجة جماعتها رغما عن زوجها) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا ادعت المرأة أنها كانت متزوجة ثم طلقت وانتهت عدتها، فهل يقبل قولها أم لابد من بينة تثبت طلاقها؟ في ذلك خلاف للفقهاء.
فمنهم من قال: يقبل قولها، وتصدّق في ذلك؛ لأنها مؤتمنة على نفسها.
ومنهم من قال: إذا غلب على الظن صدقها جاز تصديقها.
ومنهم من فرق بين الغريبة عن البلد والتي في البلد، فيقبل قول الأولى، وأما التي في البلد فلا تزوج حتى تثبت الطلاق ببينة.
ومنهم من فرق بين إخبارها عن الطلاق من زوج معين، كأن تقول: تزوجت فلانا ثم طلقني، وبين إخبارها عن الزواج من غير معين، ففي الصورة الأولى لابد أن تأتي ببينة على أنها طلقت منه.
وهذا طرف من كلام الفقهاء:
قال في "المبسوط" (5/151) : " وإذا قالت: طلقني زوجي أو مات عنى وانقضت عدتي حل لخاطبها أن يتزوجها ويصدقها ; لأن الحل والحرمة من حق الشرع، وكل مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حق الشرع , إنما لا يقبل قوله في حق الغير إذا أكذبه من له الحق , ولا حق لأحد هنا فيما أخبرت به , فلهذا جاز قبول خبرها في ذلك , والله تعالى أعلم بالصواب " انتهى.
وقال في "البحر الرائق" (4/64) : " و [أشار] بقبول قول المطلقة إلى أن منكوحة رجل قالت لآخر: طلقني زوجي , وانقضت عدتي، جاز تصديقها إذا وقع في الظن صدقها " انتهى.
وسئل عليش المالكي رحمه الله، كما في " فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (2/78) : " (ما قولكم) في امرأة حضرت من الفيوم إلى القليوبية وقالت كنت متزوجة في الفيوم , وطلقني زوجي منذ شهرين , ومعها وثيقة متضمنة طلاقها وتاريخه بختم نائب القاضي في البلد الذي كانت فيه , وأرادت التزوج بعد وفاء العدة من تاريخ الوثيقة فهل تمكن من ذلك؟ أفيدوا الجواب.
فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، نعم تُمكّن من ذلك لأنها مصدقة في دعواها الطلاق , وانقضاء العدة في الصورة المذكورة، خصوصا وقد ترجحت دعواها بوثيقة القاضي، هذا مفاد النصوص، لكن ينبغي زيادة التثبت في هذا الأمر الآن، لما شوهد كثيرا من تخليط النساء وتزويجهن أزواجا معا، نسأل الله السلامة والعافية " انتهى.
وقال الزركشي في "المنثور في القواعد" (1/171) : " ولو قالت: طلقني زوجي فلان وانقضت عدتي وطلبت من الحاكم تزويجها، ففي أدب القضاء للدبيلي: إن كانت غريبة والزوج غائب، فالقول قولها بلا بينة ولا يمين، وإن كان الزوج في البلد وليست غريبة، فلا يعقد الحاكم عليها حتى تثبت ما ادعته.
وأطلق الرافعي في فصل التحليل قبول قولها عند الاحتمال ... ونقل (قبل) دعوى النسب عن فتاوى البغوي: أنه إذا حضر عند القاضي رجل وامرأة، واستدعت تزويجها من الرجل، وذكرت أنها كانت زوجة فلان وطلقها أو مات عنها،: لم يزوجها القاضي ما لم تقم حجة على الطلاق أو الموت لأنها أقرت بالنكاح لفلان " انتهى.
وسئل الرملي الشافعي: " عن امرأة قالت: إن زوجها (فلانا) طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها، هل للحاكم أن يزوجها بلا بينة؟ (فأجاب) بأنه ليس للحاكم أن يزوجها حتى تقيم بينة بما قالته، لأنها أقرت له بالنكاح والأصل بقاؤه، وهذا بخلاف ما إذا أقرت به لغير معيّن، وعليه يحمل ما حكاه الدبيلي في أدب القضاء [وذكر ما نقله الزركشي سابقا] ، وما ذكره القاضي في فتاويه أن المرأة لو ادعت على الولي وفاة الزوج أو طلاقه فأنكر، فإنها تحلف ويأمره الحاكم بتزويجها، أو يزوجها الحاكم " (3/161) .
وقال أيضا (3/153) : " والحاصل أن المعتمد أن المرأة إذا ادعت طلاقا من نكاح معيّن لا يزوجها الحاكم حتى تثبت، أو غير معين فله اعتماد قولها، وقد قيل غير ذلك " انتهى.
والذي يظهر أن التحري مطلوب في هذه المسألة، لاسيما مع فساد الزمان، وكثرة الحوادث التي يتبين فيها أن العقد تم على امرأة متزوجة مخادعة، ويبقى أن القاضي له الفصل في هذه المسألة، فإن رأى قبول قولها زوّجها، وإن رأى مطالبتها بالبينة، أو لم يحصل له ظن بصدقها، فإنه لا يزوجها حتى تثبت الطلاق.
والمعمول به الآن أن القاضي أو مأذون الأنكحة لا يزوج من ثبت زواجها سابقا وادعت الطلاق، حتى تأتي بوثيقة الطلاق، فلا ندري كيف تم العقد للرجل المذكور.
ثانيا:
إذا حصلت الريبة في كون المرأة مطلقة، أو لا زالت على زواجها الأول، فلأولاد المسئول عنه أن يتحروا الأمر بالسؤال عنها وعن زوجها الأول، فإن تبين أنها لم تطلق من زوجها، وجب إعلام أبيهم بذلك، والتفريق بينه وبينها حتى تنقضي عدتها منهما، ويرفع الأمر إلى القاضي ليفصل في المسألة، ولا يجوز لهم السكوت إن علموا بذلك؛ لأن الزواج من المرأة المنكوحة للغير قبل طلاقها وانقضاء عدتها، زواج باطل، والمقدم عليه مقدم على الزنا إن كان يعلم حقيقة الأمر.
لكن ننبه هنا إلى أمرين:
الأول: أن يراعي الأبناء حق أبيهم ومنزلته ومكانته، فلا يؤذونه بالحديث في هذه المسألة. ولو فرض أنهم اطلعوا على ما ينكر، فإنهم يبحثون عن الوسيلة الملائمة لنصح أبيهم، ولو وسطوا غيرهم كان أولى، مراعاة لخاطره، وحفظا على ما بينهم من المودة.
الثاني: ألا يكون الحامل لهم على الشك والريبة والاتهام كراهيتهم لزوجة أبيهم، لكونها أجنبية أو لكون أبيهم تزوجها مع كبر سنه، أو غير ذلك من الأمور الخاصة التي لا تخفى على علام الغيوب سبحانه، فليتقوا الله تعالى، وليقولوا قولا سديدا، وليحذروا من اتهام البريء، وليقدموا حسن الظن، وليمسكوا ألسنتهم عن قول ما يسيء إليهم وإلى أبيهم، ما لم يظهر لهم أمر لا يمكن السكوت عليه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَيْسَ بِالدِّينَارِ وَلا بِالدِّرْهَمِ، وَلَكِنَّهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) رواه أبو داود (5129) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والردغة: الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/43)
من هي التي تختارها زوجة لك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مواصفات الزوجة الصالحة، ولماذا نتزوج هذه الزوجة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
لما كانت الدنيا مرحلةً إلى الآخرة، يُبتلى المرء فيها لتُنظرَ أعمالُه فيجازَى عليها يوم القيامة، كان لزاما على المسلم العاقل أن يتحرَّى في دنياه كلَّ ما يعينه على تحصيل السعادة في أخراه، وأهم معين وأولى نصير هو الصاحب الصالح، والذي يبدأ بالمجتمع المسلم الذي يعيش فيه، ثم باختيار الصديق التقي كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا) رواه أبو داود (4832) وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ثم ينتهي باختيار الزوجة الصالحة التي يتوسم فيها أن تكون خير معين ورفيق إلى السعادة الأبدية في الجنة عند الله سبحانه وتعالى.
وتَوَسُّمُ صلاحِ الزوجة لا بد أن يتمثل في جميع جوانب الحياة:
فهي التي يظن فيها أن تحفظ نفسها وعرضها في حضوره ومغيبه، وفي الصغير والكبير.
يقول سبحانه وتعالى: (فالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ) النساء/34
وهي التي تتحلى بالخلق الحسن، والأدب الرفيع، فلا يُعرف منها بذاءة لسان ولا خبث جنان ولا سوء عشرة، بل تتحلى بالطيب والنقاء والصفاء، وتتزين بحسن الخطاب ولطف المعاملة، وأهم من ذلك كله أن تتقبل النصيحة وتستمع إليها بقلبها وعقلها، ولا تكون من اللواتي اعتدن الجدال والمراء والكبرياء.
قال الأصمعيّ: أخبرنا شيخٌ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث: فهينّةٌ ليّنةٌ عفيفة مسلمة، تعين أهلَها على العيش ولا تعينُ العيشَ على أهلِها، وأخرى وعاءٌ للولد، وأخرى غُلٌ قمٍِلٌ، يضعه الله في عنق من يشاء، ويفكّه عمن يشاء.
وقال بعضهم: خير النساء التي إذا أُعطيت شكرت، وإذا حُرمت صبرت، تسرك إذا نظرت، وتطيعك إذا أمرت.
وهي التي تحافظ على صلتها بربها، وتسعى دوما في رفع رصيدها من الإيمان والتقوى، فلا تترك فرضا، وتحرص على شيء من النفل، وتقدم رضى الله سبحانه على كل ما سواه.
وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
والمرأة الصالحة هي التي ترى فيها مربية صادقةً لأبنائك، تعلمهم الإسلام والخلق والقرآن، وتغرس فيهم حب الله وحب رسوله وحب الخير للناس، ولا يكون همُّها من دنياهم فقط أن يبلغوا مراتب الجاه والمال والشهادات، بل مراتب التقوى والديانة والخلق والعلم.
وبجانب ذلك كله، ينبغي أن يختار المسلم الزوجة التي تسكُنُ نفسه برؤيتها، ويرضى قلبه بحضورها، فتملأُ عليه منزله ودنياه سعة وفرحا وسرورا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ؟ قال: التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ)
رواه أحمد (2/251) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838)
قيل لعائشة رضي الله عنها: أي النساء أفضل؟ فقالت: التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها، والإبقاء في الصيانة على أهلها.
انظر "محاضرات الأدباء" الراغب الأصفهاني (1/410) وعيون الأخبار لابن قتيبة (1/375)
ويمكنك الاستفادة من سؤال رقم (6585) ، (8391) ، (26744) ، (83777)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/44)
إذا اتفقا على الخلع فهل للزوج أن يرجع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اتفق الرجل مع امرأته على الخلع على أن ترد إليه المهر، وقبل أن تعطيه المهر أراد الزوج الرجوع، فهل له ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(إن كان قد خلعها فعلا بأن جرى بينهما الفسخ ولم يبق إلا تسليم العوض فهذا لا خيار فيه، ولو لم يقبض عوضه. وإن كان قد اتفقا من دون أن يفسخها، وإنما اتفقا على أنه سيخلعها إذا سلمته العوض، فهذا لم يحصل منه فسخ، وإنما حصل منه وعد أنه سيفسخها، فإن كان لم يفسخها بعد فله الرجوع عما نواه، ولم يفعله. وإن كان قد قال: لها إن أعطيتيني المهر فقد خلعتك أو فسختك فمذهب الحنابلة: ليس له الرجوع.؟ وعند شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا لم يقبض العوض فله الرجوع. والأحوط إن كانت جرت هذه الصورة الأخيرة وأرادا الاتفاق أن يعقدا عقداً جديداً ليخرجا من الخلاف) اهـ
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى المرأة المسلمة 2/785 فتوى للشيخ عبد الرحمن السعدي.(6/45)
هل تأثم بحضورها حفلات الزواج المنكرة إن جلست بعيدا وعاونتهم في الطبخ ونحوه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يكون الاحتفال بالأعراس في بلادنا بالطبل والغناء والرقص، فهل علي من إثم لو ذهبت إلي العرس وجلست بعيداً عن مجلس الغناء وخاصة في أعراس أهل زوجي وأهلي فلا أستطيع عدم الذهاب والمعاونة في الأمور المباحة مثل الطبخ وغيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز حضور حفلات الأعراس المشتملة على المنكرات، كالأغاني المصحوبة بالطبل، أو سواه من المعازف، إلا الدف، أو المشتملة على الاختلاط بين الرجال والنساء، أو غير ذلك من المنكرات، إلا لمن يقدر على إنكارها، ويغلب على ظنه زوال المنكر بإنكاره.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا دعي إلى وليمة فيها معصية، كالخمر والزمر والعود ونحوه، وأمكنه الإنكار وإزالة المنكر، لزمه الحضور والإنكار؛ لأنه يؤدي فرضين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر. وإن لم يقدر على الإنكار، لم يحضر. وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر، أزاله، فإن لم يقدر انصرف. ونحو هذا قال الشافعي " انتهى من "المغني" (7/214) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: " إذا كانت حفلات الزواج خالية من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء والغناء الماجن أو كانت إذا حضرتْ غَيَّرت ما فيها من منكرات جاز لها أن تحضر للمشاركة في السرور، بل الحضور واجب إن كان هناك منكر تقوى على إزالته.
أما إن كان في الحفلات منكرات لا تقوى على إنكارها فيحرم عليها أن تحضرها لعموم قوله تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) الأنعام/70، وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) لقمان/6، والأحاديث الواردة في ذم الغناء والمعازف كثيرة جدا " انتهى، نقلا عن "فتاوى المرأة"، جمع: محمد المسند (ص 92) .
ثانيا:
إذا كان ذهابك للعرس ومشاركتك في الطبخ ونحوه، لا يترتب عليه سماع المنكر، أو إقراره أو الإعانة عليه، كأن يكون محل المنكر بعيدا عنك، أو أن تنصرفي من المكان قبل شروعهم في منكراتهم، فلا حرج عليك في الذهاب حينئذ، وينبغي أن تبذلي لهم النصح، وتبيني لهم حكم هذه المنكرات، وتحريم المشاركة فيها.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140:
" قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر , (إنكم إذا مثلهم) : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل: (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية " انتهى.
وقال السعدي رحمه الله:
" وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق , التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه , وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها. (إِنَّكُمْ إِذًا) أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكور (مَثَلُهُمْ) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم , والراضي بالمعصية كالفاعل لها.
والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به , فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة , أو القيام مع عدمها " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 217) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/46)
لا بأس بلبس المرأة فستان الزفاف الأبيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تلبس فستان الزفاف الأبيض ليلة زفافها؟ أم هو حرام لأنه من لباس الكافرات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن تلبس فستان الزفاف الأبيض بشرط أن لا تظهر به أمام الرجال الأجانب عنها، لأن الغالب أن فستان الزفاف يكون مزخرفاً ومزيناً، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (39570) أنه يشترط في حجاب المرأة أن لا يكون زينة في نفسه.
ويشترط أيضاً أن لا يكون ذلك الفستان عارياً يبدي مفاتن المرأة، ولو كانت لا تظهر به إلا أمام النساء، راجع السؤال (6569) ، (34745) .
وأما كونه من لباس الكافرات، فليس الأمر كذلك، بل كثير من المسلمات الآن أو أكثرهن يلبس هذا الفستان.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم لبس المرأة اللون الأبيض ليلة زفافها إذا عُلم أن هذا تشبه بالكفار؟
فأجاب:
" المرأة يجوز لها أن تلبس الثوب الأبيض بشرط أن لا يكون على تفصيل ثياب الرجل، وأما كونه تشبهاً بالكفار فقد زال الآن هذا التشبه، لكون كل المسلمين إذا أرادت النساء الزواج يلبسنه، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. فإذا زال التشبه وصار هذا شاملاً للمسلمين والكفار زال الحكم، إلا أن يكون الشيء محرماً لذاته لا للتشبه، فهذا يحرم على كل حال " اهـ.
"مجموعة أسئلة تهم المرأة" (ص 92) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن لبس الفستان الأبيض ليلة الزفاف والزينة الخاصة به هل له أصل في الإسلام؟ وإن كان له أصل هل يجوز كشف الوجه ليلة العرس؟ مع العلم أن هناك رجالا أجانب في الطريق إلى منزل الزوج؟
فأجابت يجوز للمرأة لبس ما يختص بالنساء في ليلة الزفاف وغيرها من فستان وغيره، إذا كان ساترا، وليس فيه تشبه بالرجال ولا بالنساء الكافرات، ولا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها للرجال الذين هم ليسوا من محارمها، لا في ليلة الزفاف ولا في غيرها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد العزيز آل الشيخ.. صالح الفوزان.. عبد الله بن غديان.. بكر أبو زيد
فتاوى اللجنة الدائمة (17/343)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/47)
حكم تزويج مريض الإيدز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تزويج مريض الإيدز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يزوج إلا بعد أن يبيّن أمره ويقول: بي مرض كذا، فإذا وافقوا على ذلك فبها ونعمت وإلا فلا، لأنه إذا أخفى عليهم أمره فإنه يكون قد خدعهم، وغشهم فهذه المرأة قد تنقل المرض إلى زوجها أو الزوج لامرأته ولأنجالهم بعد ذلك أما إذا رضيت بك ووافقت ورضيت بقدر الله وقضائه فلا بأس بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/48)
فك السحر عن الزوج ليلة عرسه
[السُّؤَالُ]
ـ[يحدث عندنا في مصر أن كل إنسان حينما يتزوج في أول ليلة زواجه لا يقوم بواجبه نحو زوجته بحجة أن هناك سحراً ويسمونه: رباط أو مربوط أو ربط يعني: أنه مربوط عن زوجته ولابد من شيء ليفكه، هل هذا صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس ذلك بلازم ولكنه قد يقع، فقد يبتلى بعض الناس بأن يسحره غيره بما يمنعه عن زوجته، لقول الله عز وجل: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) الآية من سورة البقرة/102، ولكنه إذا استعمل التعوذات الشرعية كفاه الله شر السحرة وغيرهم، وأزال الله ذلك عنه متى وجد. وعليه أن يقرأ على نفسه آية الكرسي، والفاتحة وآيات السحر وقل هو الله أحد والمعوذتين، ويزول بإذن الله، وقد جُرب هذا كثيراً، قد يقرأ له قارئ طيب من أهل الخير والصلاح الذين يرجى فيهم الخير، يقرأ هذا في ماء فيشرب منه ويغتسل منه فيذهب عنه الأذى، أو يقرأ عليه وينفث عليه بذلك فيشفيه الله من ذلك، وكل هذا من أسباب العافية.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله. م/8 ص / 116.(6/49)
الخطبة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مفهوم الخطبة في الإسلام؟ عادة في حفلة الخطبة يتبادل الخطيب والخطيبة خواتم الزواج، فهل هذه الطريقة التي وصفتها الشريعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخِطبة في الشرع هي أن يطلب الرجل المرأة للزواج، والذي عليه أهل العلم أن الخطبة مشروعة لمن أراد الزواج، قال تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) البقرة /235.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه خطب عائشة رضي الله عنها. البخاري (النكاح/4793) ، وفي الصحيح أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب حفصة. البخاري (النكاح/4830) .
وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد الخطبة بالنظر إلى المخطوبة، ففي الحديث: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) أبو داود (النكاح/2082) حسنه الألباني في صحيح أبي داود (1832)
إلا أنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية إجراءات محددة يجب اتباعها في الخطبة، وما يفعله بعض المسلمين من إعلان الخطبة وما يقيمونه من أفراح وما يقدمونه من هدايا كل ذلك هو من باب العادات التي هي مباحة في الأصل ولا يحرم منها إلا ما دل الشرع على تحريمه، ومن ذلك تبادل الخواتم بين الخطيبين أو ما يسمى بالدبلة، فهذا التقليد يقع فيه المخالفات التالية:
أولا: أن بعض الناس يعتقد في هذه الخواتم أنها تزيد المحبة بين الزوجين وتؤثر على علاقتهم، فهذا اعتقاد جاهلي وتعلّق بما لا أصل له شرعاً ولا حسّاً.
ثانيا: أن هذا التقليد فيه تشبه بغير المسلمين من النصارى وغيرهم وليس هو من عادات المسلمين أبدا، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من هذا بقوله: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم) . قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟) . رواه البخاري (الاعتصام بالكتاب والسنة/6889) ومسلم (العلم/6723) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (اللباس/4031) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3401)
ثالثا: أن هذا الأمر يحصل عادة قبل العقد وفي هذه الحالة لا يجوز للخاطب أن يلبس مخطوبته الخاتم بنفسه لأنها لا تزال أجنبية عنه ولم تصبح زوجته.
وأخيرا ننقل كلاما لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في هذه المسألة:
(دبلة الخطوبة عبارة عن خاتم، والخاتم في الأصل ليس فيه شيء (يعني أنه مباح) إلا أن يصحبه اعتقاد كما يفعله بعض الناس يكتب اسمه في الخاتم الذي يعطيه مخطوبته، وتكتب اسمها في الخاتم الذي تعطيه إياه زعماً منهما أن ذلك يوجب الارتباط بين الزوجين، ففي هذه الحال تكون هذه الدبلة محرّمة، لأنها تعلّق بما لا أصل له شرعاً ولا حسّاً، كذلك أيضاً لا يجوز في هذا الخاتم أن يتولى الخاطب إلباسه مخطوبته، لأنها لم تكن زوجه بعد، فهي أجنبيّة عنه، إذ لا تكون زوجة إلا بعد العقد) .
الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 3/914.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/50)
تزوج امرأة غير التي يريدها أبواه
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت النكاح على ابنة عمي في حفل خطوبتنا وكان مقرراً أن نحتفل بزفافنا في تاريخ لاحق. وقد جئت إلى الولايات المتحدة وتزوجت فتاة مسلمة أخرى دون أن أخبر أبويّ. ومضى على زواجنا الآن أربعة أشهر. وقد أخبرت أبوي بذلك فتضايقا وهما يريدان أن أطلق زوجتي وأتزوج ابنة عمي. ولكنهما الآن يقولان أن علي أن أتزوج ابنة عمي سواء أطلقت زوجتي أم لا. غير أنني أعلم أنني لن أستطيع أن أعدل بينهما. وأنا لم ألمس ابنة عمي أبداً، ولكني أعيش مع زوجتي الثانية منذ أربعة أشهر الآن. فكيف أتصرف؟ جزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت زوجتك التي معك الآن ذات دين وخلق فلست ملزما بطلاقها، وإذا كنت مطيقا للعدل بين زوجتين فلبّ طلب أبويك بالزواج من قريبتك المذكورة، داخلا في قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء 3، فإن خفت عدم العدل وظننت عدم القيام به فاكتف بواحدة، سواء الأولى أو الثانية امتثالا لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء آية 3، واسع بكلّ حال في استرضاء والديك، والله وليّ التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/51)
الزواج بعد طلاق الزوجة المسحورة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت امرأة مسلمة ثم طلقتها لعدم استطاعتي جماعها علما بأنني سليم 100% ثمّ اكتشفت أن السبب هو السّحر وقد نُصِحنا أنا ووالدي بالذهاب إلى شيخ يرقي فقرأ على المرأة فاهتزت وارتعشت ارتعاشا شديدا وكان واضحا أنّ أحدا قد عمل لها سحرا، ثم اكتشفت أن أهل زوجتي يتعاطون السحر فطلقتها لإصرارهم على باطلهم وأسأل الآن عن حلّ للتغلب على مشكلتي لأنني أريد الزواج.
وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي أراه لك أن تتوكّل على الله وتعجّل بالزواج ولن يضرّك شيء ما دمت متوكّلا على الله قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/3.
ولكن هذه المرّة ينبغي أن تدقّق في البحث وتتحرى عن حال الزوجة وأهلها وتأخذ العبرة من التجربة السابقة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ."
رواه البخاري وورد في فتح الباري برقم/6133.
ولعلّ من دواعي عدم القلق أنّ الذي يظهر من سؤالك أنّ العلّة فيها وليست فيك، ثمّ عليك أن تجتهد في قراءة المعوّذات على نفسك أدبار الصلوات وقبل النّوم وانفث في كفيك عند قراءتهما وامسح بهما وجهك وجسدك، والله يحفظنا وإياكم من كلّ سوء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/52)
زوجها لا يحترم أهلها وطلّقها بعد العقد وقبل الزفاف
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي من جزأين:
الأول: تطلقت قريبا من زوجي لعدة أسباب والسبب الرئيسي هو عدم احترام والدي ووالدتي وكلامه معهم بعنف ليس مرة واحدة ولكن عدة مرات وفكرت أنه إذا لم يحترم والداي فكيف سوف يحترمني؟ أنا أحب والديّ كثيرا ولا أريد أن أراهم يُؤذون. وسؤالي هو ما هو الواجب على الزوج تجاه أهل زوجته أليس من الواجب أن يحترم أهل زوجته أيضا؟
عندما تتزوج المرأة هل يعني هذا أن الأولوية الآن أصبحت للزوج ثم للوالدين؟
السؤال الثاني: كتبنا عقد النكاح فقط وكانت حفلة الزفاف من المفترض أن تكون في الشهر المقبل ومع هذا فقدت عذريتي. والآن خوفي من زوجي السابق أن يقول هذا في المحكمة وسيكون هذا إحراج كبير لي أمام أهلي وخصوصا والدي.
طبقا للإسلام هل هو من الخطأ أن أفقد عذريتي قبل الزفاف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للوالدين حق عظيم وللزوج حق أعظم، ولا يجوز لأي من الأطراف أن يعتدي على حق طرف الآخر، وإذا رأت الزوجة أن زوجها أخطأ في حقّ والديها فعليها بنصحه وتذكيره بأنّ قوله تعالى: (وعاشروهنّ بالمعروف) يشمل الإحسان إلى أهلها لأنّ ذلك يُفرحها وعدم مسهم بسوء لأنّ ذلك يؤذيها، وكذلك إذا أخطأ أحد والديها أو كلاهما في حقّ زوجها فعليها بنصحهما وتذكيرهما بخطورة الغيبة والظّلم والاعتداء، وإذا أمراها بشيء وأمرها زوج بشيء معارض فإنّها تقدّم أمر زوجها لأنّه أعظم في الشّريعة وليس معنى ذلك نسيان حقّهما ولكن هكذا تفعل عند التعارض.
وأما عن سؤالك الثاني فليس بحرام في الشريعة أن يطأ الرجل زوجته بعد العقد الشّرعي وقبل الزّفاف فما حصل بعد العقد الشّرعي فهو حلال وبناء عليه فليس ما حصل فضيحة تخشين عاقبتها، وإذا طلّق الرجل زوجته بعد دخوله بها فقد ثبت لها المهر كاملا.
وإذا كان بالإمكان أن يسعى بينكما الوسطاء بالخير لتعودا إلى بعضكما طبقا للشّريعة وعملا بما فيها والتزاما بآدابها فهذا خير وأقوم سبيلا، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/53)
كتابة البسملة على بطاقات الزفاف مشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز كتابة البسملة على بطاقات الزواج نظراً لأنها ترمى بعد ذلك في الشوارع أو في سلال المهملات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشرع كتابة البسملة في البطاقات وغيرها من الرسائل.. لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ رسائله بالتسمية، ولا يجوز لمن يتسلم البطاقة التي فيها ذكر الله أو آية من القرآن أن يلقيها في المزابل أو القمامات أو يجعلها في محل يُرغب عنه، وهكذا الجرائد وأشباهها لا يجوز امتهانها ولا إلقاؤها في القمامات، ولا جعلها سفر للطعام ولا ملفّاً للحاجات لما يكون فيها من ذكر الله عز وجل، والإثم على من فعل ذلك أما الكاتب فليس عليه إثم. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ابن باز /507(6/54)
تحب رجلا في سرّها وتدعو أن تتزوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الخطأ أن تحب الفتاة شخصا ما في سرها وتدعو الله أن يكون زوجا لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم تشغل هذه المحبّة عن محبّة الله ولم تؤدّ إلى حصول أقوال أو أفعال محرّمة فلا بأس إن شاء الله، ولا بأس أن تدعو الله أن يجعله من نصيبها ما دام مسلما يخاف الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/55)
لا تريد تكرار زواج فاشل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة ملتزمة والحمد لله تزوجت من رجل وسافرت معه لبلد غريب، ولسوء أخلاقه وسوء معشره تطلقت منه، وتقدم الآن لخطبتي رجل آخر يتصل علي يومياً لمعرفة رأيي، وقد اعترف بأنه كانت له علاقات حميمة وأنه كان يتناول الشراب إلا أنه أقلع عنه مؤخراً ولم يقم بأية علاقة منذ ستة أشهر بعدما ندم وتعهد بترك تلك المعاصي.
وأنا أرغب بالاستقرار والأمان وتصحيح وضع كوني أعيش وحدي ولكنني أريد من يخاف الله في معاملتي ولا أريد الخوض في تجربة فاشلة مرة أخرى. فبماذا تنصحونني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن المعلومات التي ذكرتيها عن الشخص الثاني غير مشجعة وكونه يتصل يومياً بامرأة أجنبية شيء مريب ولا يحتاج معرفة رأيها وجوابها إلى اتصال يومي وهذه التعهدات التي يتحدث عنها قد تكون صادقة وقد لا تكون، ولذلك فإننا ننصح بما يلي:
محاولة السؤال عنه، وعن وضعه الجديد الذي يدعي أنه قد صار إليه، وقد تجدين من قريباته الصالحات من تدلك على معلومات مفيدة ومعلوم أن السؤال والتأكد يحتاج إلى وقت، ولكن لا بأس لخطورة القضية، وبعد ذلك إذا ترجح لديك صدق هذا الرجل عن طريق معرفة المسجد الذي يصلي فيه أو الدروس التي يحضرها أو الأشرطة والكتب التي يقرأها ويسمعها، ووجدت في نفسك القدرة على تحمل نتائج فشل الزواج الثاني، وأن الخسارة لن تكون كبيرة مثلاً إذا انفصلت عنه في حالة ما إذا تبين أنه منافق وغشاش، عند ذلك لا نرى مانعاً من الإقدام على الزواج منه، ويمكن أن تشرطي عليه شروطاً محددة وتطلبي منه طلبات واضحة عند عقد النكاح كأداء الصلاة في أوقاتها والامتناع عن الموبقات مثل الخمر والفاحشة ونحو ذلك، وأخبريه أنك ستأخذي بالظاهر وتتعاملي معه بحسب ما يظهر منه، ولا تنسي صلاة الاستخارة ونسأل الله أن يوفقك لاتخاذ القرار الصائب. وأن يلهمك رشدك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/56)
أخذت إبراً للعقم فما الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة منذ 20 عاما، كل تلك السنوات لم تكن ترغب في الإنجاب، وذلك لخوفها من الحمل، بعد أن أجهضت في أول حمل لها، وقد استخدمت حبوب منع الحمل خلال هذه السنوات، ولكن، وبقدر لم تتمكن من منعه فأنجبت 3 أطفال، وكلهم بعمليات قيصرية وبعد الولد الأخير ذهبت لطبيبة وأعطتها إبراً تعمل على تعقيمها تماما، وهي الآن نادمة على ما فعلت وتسأل هل يلزمها شيء؟ وهي تقول: إن زوجها على علم بذلك ماذا يجب عليها غير التوبة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رَغَّب الشرع الحنيف في إنجاب الأولاد وتكثير الذرية، حتى امتن نبي الله شعيب عليه السلام على قومه بهذه النعمة، فقال لهم: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) الأعراف/86، وثبت عن معقل بن يسار - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسم - قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) رواه أبو داود (2050) ، وصححه الألباني، ويراجع السؤال رقم (13492)
وقطع النسل قطعا نهائيا له حالتان:
الأولى: أن يكون ذلك لضرورة، كما إذا ثبت بتقرير طبي موثوق أن الحمل يشكل خطرا على حياة الأم، وكان العلاج ميؤوسا منه، وتعَيَّن القطع النهائي تفادياً لخطره، فيجوز حينئذ القطع النهائي للنسل.
الثانية: ألا يكون هناك ضرورة، فلا شك أن مثل هذا العمل جرم كبير، وإثم عظيم، لأنه هو تَعَدِّ على خلق الله بدون سبب، وإيقاف للنسل الذي رغبنا فيه النبي - صلى الله عليه وسم -، وعدم شكر لنعمة الولد التي امتن الله بها على خلقه.
قال في الإنصاف:" قال في الفائق: ولا يجوز ما يقطع الحمل. " 1 / 383
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم: 39 (1/5) ما يلي: -
" يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية. . . . يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت حاجة معتبرة شرعا بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم ". انتهى.
وعليه، فإن كان قطعك للنسل لضرورة ملجئة على ما سبق بيانه، فلا شيء عليك في ذلك، وأما إذا كان لغير ضرورة، فقد ارتكبت محرماً، وعليك التوبة النصوح إلى الله تعالى، والتوقف مباشرة عن أخذ مثل تلك الحقن، وإن كان هناك ما يزيل مفعولها دون ضرر، فيجب أخذه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/57)
حكم جلوس العروس في كوشة الفرح
[السُّؤَالُ]
ـ[عن كوشة الفرح التي توضع فيها العروس وهى عبارة عن منصة أو مثل المسرح يعلو الناس الحضور حتى تكون العروسة واضحة الرؤية لجميع الحضور فهل في هذا نوع من التكبر علما بأن بعض صديقات العروسة يجلسن بجوارها أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المنصة (الكوشة) التي تجلس عليها العروس أمر معروف من قديم.
قال في المصباح المنير (ص 608) : (ونصَّ النساء العروس نصا: رفعنها على المِنصة وهي الكرسي الذي تقف عليه في جلائها (يعني في زينتها) انتهى.
وقال في شرح الكوكب المنير (3/478) : (فالنص لغة: الكشف والظهور. ومنه: نصت الظبية رأسها: أي رفعته وأظهرته ومنه: منصة العروس)
ولا حرج في جلوس العروس على المِنصّة، بشرط أن يكون ذلك مستورا عن أعين الرجال الأجانب، ولا يعد هذا من التكبر، بل الغرض كما ذكرتِ هو أن يراها الجميع.
وينبغي هنا التنبيه على ما يحصل في بعض المجتمعات من منكرات في هذا الشأن، حيث يجلس الزوج مع زوجته في تلك المنصة، وهي في أتم زينتها، ويكون ذلك أمام الرجال والنساء. أو يدخل الزوج ويجلس مع زوجته على المنصة ومعهما النساء الأجنبيات عنه في كامل زينتهن.
قال علماء اللجنة الدائمة: (ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفل الزواج، وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه، وكل متجمل أتم التجميل، وفي أتم زينته ـ لا يجوز، بل هو منكر يجب إنكاره) . فتاوى اللجنة الدائمة 19/120
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/58)
تريد أن تتزوج من شخص مريض بمرض معدٍ
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل المسلمة إذا أرادت أن تتزوج شخصاً مصاباً بمرض "الهربس" مرض جنسي؟ بالنسبة لدينه وأخلاقه فلا بأس بها ولكنه أخطأ في السابق وهو في سن المراهقة ثم تاب منه ولم يفعلها مرة أخرى.
هل سيحميني الله من المرض إذا تزوجته لسبب ديني وأطعنا الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد الشرع بأنه ينبغي للمسلم أن لا يعرض نفسه للبلاء.
ومن ذلك: مخالطة المريض مرضاً معديا، لاسيما إذا كان هذا المرض خطيراً ومزمناً - كالهربس -.
وقد توجه الخطاب من الشرع لكل من المريض والصحيح.
أما المريض فقد روى مسلم (2221) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)
(مُمْرِض) صَاحِب الإِبِل المريضة.
(مُصِحّ) صَاحِب الإِبِل الصحيحة.
فَمَعْنَى الْحَدِيث: لا يُورِد صَاحِب الإِبِل المريضة إِبِله عَلَى إِبِل صَاحِب الإِبِل الصحيحة، لئلا ينتقل المرض بالعدوى.
وأما الصحيح فقد خاطبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأَسَدِ) رواه أحمد (9429) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7530) .
والجذام مرض معدٍ معروف – نسأل الله السلامة والعافية.
وروى مسلم (2231) عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ) .
قال ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة" (2/272) :
" أرسل إلى ذلك المجذوم بالبيعة تشريعاً منه للفرار من أسباب الأذى والمكروه، وأن لا يتعرض العبد لأسباب البلاء " اهـ.
وقال القيم في "زاد المعاد" (4/147) :
" فصل في هديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التحرز من الأدواء المعدية بطبعها، وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة أهلها" اهـ ثم ذكر الأحاديث المتقدمة.
وقد يكون إرادتك للزواج من هذا الشخص المريض بمرض الهربس تحت تأثير العاطفة، وتظنين من نفسك الصبر والتحمل، ثم إذا وقع البلاء ندمت وقت لا ينفع الندم، والسلامة لا يعدلها شيء.
فالنصيحة لك عدم الزواج من هذا الشخص.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك زوجاً صاحاًً، يكون عوناً لك على أمور دينك.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/59)
يريد الزواج ووالداه يريدان تأجيل ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[بما تنصحون من لديه رغبات جنسية عارمة ولا يخرج من البيت ولا يفعل أي شيء يشبع هذه الرغبة. إنه أمر مشتت فعلا، وأفكار دائمة لا تغادر رأسي، وأنا راغب حقًا في التزوج لكن والديّ لديهما طموحات أعلى بشأن مستقبلي، فهما يريدان لي أن أصبح شخصية ذات شأن أولا ثم أفكر بعد ذلك في حياة الاستقرار والزواج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في البخاري (5065) ومسلم (3384) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) أي: قاطع للشهوة مضعف لها.
وعلى هذا فلو تيسر للإنسان أسباب الزواج ومؤونته فعليه أن يبادر بالزواج لما في ذلك من المصالح الكثيرة التي نبّه عليها النبي صلى الله عليه وسلم، من غَضِّ البصر وحفظ الفرج وتكثير الأمة والسلامة من الفتن والفساد....
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوماً، ولي طَول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة "
وقال الإمام أحمد رحمه الله: " ليست العُزْبَة من أمر الإسلام في شيء "
وإذا كنت تخشى على نفسك العنت، والوقوع في المحظور فحينئذ يجب عليك الزواج.
وفي هذه الحال ينصح الوالد بتزويج ابنه وعدم الوقوف في طريق عفته وحفظه من الفتن.
قال ابن قدامة رحمه الله: والناس في النكاح على ثلاثة أضرب، منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء، لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح.. إلخ " المغني (9/341)
وعليك بالتلطف والرفق مع الوالدين ومحاولة إقناعهما بحاجتك إلى الزواج، وأن ذلك لن يتعارض مع ما يريدانه منك في المستقبل، ويمكنك أن تستعين بالعقلاء من أقاربك من إقناع والديك.
ومما يحمد عليه السائل ما يقوم به من عدم الخروج إلى أماكن الفتن وعدم إشباع شهوته بالحرام، ونسأل أن يثبتك على دربك وأن يوفقك لزواج صالح تقرَ به عينك وعينا والديك، إنه سميع قريب مجيب.
والله تعالى الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/60)
حضور حفلات الزواج المشتملة على منكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[مناسبات الأفراح في هذا الزمان لا تخلو من ارتكاب بعض المنكرات فيها مثل الأغاني والرقص والموسيقى واللبس شبه العاري ... سؤالي مهم جدا:
1- هل يجوز حضور وإجابة الدعوة لهذه المناسبات؟
2- إن كان 99 %، من هذه المناسبات لا تخلو من الأغاني خاصة المحتوية على آلات الموسيقى المحرمة أو الكلمات الفاحشة، فهل هذا يعني الانقطاع النهائي وعدم حضور كل المناسبات؟
3- إن لم نحضر هذه المناسبات فهل هذا فيه قطيعة للأرحام والناس وإحداث العداوة بيننا وبينهم؟
4- يشترط العلماء لحضور هذه المناسبات الإنكار لكن الإنكار لا يُستجاب لك وليس هناك فرصة أصلا في مثل هذه الأوقات التي يزعمون أنهم في وقت فرح؟
أرجوكم يا فضيلة الشيخ أريد بيانا شافيا ووافيا ومفصلا إن سمح به وقتكم حول هذه المسألة المنتشرة في زماننا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- لا يجوز حضور حفلات الأعراس المشتملة على المنكرات، كالأغاني المصحوبة بالموسيقى أو المتضمنة للكلمات الفاحشة، ولا يبيح ذلك انتشار هذا الفساد بين الناس، وتقاعسهم عن إنكاره.
2- وعدم الحضور لهذه الحفلات لا يعد قطيعة للرحم، بل هو صيانة للنفس عن مشاهدة المنكر واستماعه، وينبغي أن يعلم الأهل والأقارب رغبتك في الحضور والمشاركة لولا ما أحدثوه من المنكرات.
3- إذا علم المدعو بوجود المنكر وأنه لا قدرة له على إنكاره لم يجز له الحضور.
قال ابن قدامة رحمه الله في (المغني 7/214) : " إذا دعي إلى وليمة , فيها معصية , كالخمر , والزمر , والعود ونحوه , وأمكنه الإنكار , وإزالة المنكر , لزمه الحضور والإنكار ; لأنه يؤدي فرضين ; إجابة أخيه المسلم , وإزالة المنكر. وإن لم يقدر على الإنكار , لم يحضر. وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر , أزاله , فإن لم يقدر انصرف. ونحو هذا قال الشافعي " اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: (إذا كانت حفلات الزواج خالية من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء والغناء الماجن أو كانت إذا حضرتْ غيرت ما فيها من منكرات جاز لها أن تحضر للمشاركة في السرور، بل الحضور واجب إن كان هناك منكر تقوى على إزالته.
أما إن كان في الحفلات منكرات لا تقوى على إنكارها فيحرم عليها أن تحضرها لعموم قوله تعالى:) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) الأنعام/70، وقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) لقمان/6، والأحاديث الواردة في ذم الغناء والمعازف كثيرة جدا) ، نقلا عن فتاوى المرأة، جمع: محمد المسند، ص 92
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/61)
حكمة زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعائشة رُغم فارق السنّ
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني زميل لي نصراني عن حكمة زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين وقد كان قارب الستين. وهل عاشرها معاشرة الأزواج وهي في هذه السن أم ماذا؟؟ وللحقيقة.. أنا لا أعرف الرد عن ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بعد زواجه من سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وهي – أي عائشة - البكر الوحيدة التي تزوجها صلى الله عليه وسلم. وقد دخل بها وهي بنت تسع سنين.
وكان من فضائلها رضي الله عنها أنه ما نزل الوحي في لحاف امرأة غيرها، وكانت من أحب الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات، وكانت من أفقه نسائه وأعلمهن، بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق، وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها.
أما قصة زواجها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، إذ كانت تؤويه وتنصره، وتعينه وتقف إلى جنبه، حتى سمي ذلك العام الذي توفيت فيه بعام الحزن، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة، وكانت مسنة، ولم تكن ذات جمال، وإنما تزوجها مواساة لها، حيث توفي زوجها، وبقيت بين قوم مشركين، وبعد أربع سنوات تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، وكان عمره صلى الله عليه وسلم فوق الخمسين، ولعل من الحكم في زواجه ما يلي:
أولا: أنه رأى رؤيا في زواجه صلى الله عليه وسلم منها، فقد ثبت في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أُريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقال: هذه امرأتك، فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه) رواه البخاري برقم 3682، وهل هي رؤيا نبوة على ظاهرها، أم لها تأويل، فيه خلاف بين العلماء ذكره الحافظ في فتح الباري (9/181)
ثانيا: ما رآه صلى الله عليه وسلم في عائشة رضي الله عنها من أمارات ومقدمات الذكاء والفطنة في صغرها، فأحب الزواج بها لتكون أقدر من غيرها على نقل أحواله صلى الله عليه وسلم وأقواله، وبالفعل فقد كانت رضي الله عنها – كما سبق – مرجعا للصحابة رضي الله عنهم في شؤونهم وأحكامهم.
ثالثا: محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها أبي بكر رضي الله عنه، وما ناله رضي الله عنه في سبيل دعوة الحق من الأذى الذي صبر عليه، فكان أقوى الناس إيمانا، وأصدقهم يقينا على الإطلاق بعد الأنبياء.
ويلاحظ في مجموع زواجه صلى الله عليه وسلم أن من بين زوجاته الصغيرة، والمسنة، وابنة عدو لدود، وابنة صديق حميم، ومنهن من كانت تشغل نفسها بتربية الأيتام، ومنهن من تميزت على غيرها بكثيرة الصيام والقيام.... إنهن نماذج لأفراد الإنسانية، ومن خلالهن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين تشريعا فريدا في كيفية التعامل السليم مع كل نموذج من هذه النماذج البشرية. انظر السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص711
أما مسألة صغر سنها رضي الله عنها، واستشكالك لهذا، فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ في بلاد حارة وهي أرض الجزيرة، وغالب البلاد الحارة يكون فيها البلوغ مبكرا، ويكون الزواج المبكر، وهكذا كان الناس في أرض الجزيرة إلى عهد قريب، كما أن النساء يختلفن من حيث البنية والاستعداد الجسمي لهذا الأمر وبينهن تفاوت كبير في ذلك.
وإذا تأمّلت ـ رعاك الله ـ في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوّج بكراً غير عائشة رضي الله عنها، وكلّ زوجاته سبق لهنّ الزواج قبله زال عنك ما يشيعه أكثر الطاعنين من أن زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبعثه الأساسي هو الشهوة والتنعّم بالنساء، إذ من كان هذا مقصده فإنّه لا يتخيّر في كلّ زوجاته أو معظمهن من توفرت فيها صفات الجمال والترغيب من كونها بكراً فائقة الجمال، ونحو ذلك من المعايير الحسية الزائلة.
ومثل هذه المطاعن في نبي الرحمة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكفّار ونحوهم تدلّ على تمام عجزهم من أن يطعنوا في الشرع والدين الذي جاء به من عند الله تعالى، فحاولوا أن يبحثوا عن مطاعن لهم في أمور خارجة، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.
وبالله التوفيق
للمزيد انظر (زاد المعاد 1 / 106) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/62)
الترغيب في تكثير النسل والأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ألاحظ أن الناس مختلفين إلى قسمين قسم يرغب في قلة الأولاد وآخرون يشجعون على كثرة الأولاد، فهل جاء في الأدلة ما يؤيد أحد هذين الرأيين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى أبو داود (2050) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا قَالَ لا ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ. صححه الألباني في إرواء الغليل 1784
فهذه الحديث يدل على الترغيب في نكاح المرأة الولود أو كثيرة الولادة؛ حتى تكثر الأمة، ويحصل بذلك مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته سائر الأمم، وفي ذلك الترغيب في كثرة الأولاد.
وقد ذكر الغزالي أن الرجل إذا تزوج ونوى بذلك حصول الولد كان ذلك قربة يؤجر عليها من حسنت نيته، وبَيَّن ذلك بوجوه:
الأول: موافقة محبة الله عز وجل في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.
الثاني: طلب محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تكثير من يباهي بهم الأنبياء والأمم يوم القيامة.
الثالث: طلب البركة، وكثرة الأجر، ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعده.
ومن المعلوم أن الأولاد منذ القديم كانوا أمنية الناس حتى الأنبياء والمرسلين وسائر عباد الله الصالحين، وسيظلون كذلك ما سلمت فطرة الإنسان، فالأولاد نعمة تتعلق بها قلوب البشر وترجوها.
دعا إبراهيم عليه السلام ربه قائلاً: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ) الصافات / 100.
وقال تعالى عن زكريا عليه السلام: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) مريم /3-7.
وأثنى الله تعالى على عباده الصالحين بمحامد كثيرة منها قوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان/74.
وأخبر الله تعالى أن شعيباً عليه السلام أمر قومه أن يذكروا نعمة الله عليهم إذ جعلهم كثرة بعد قلة، فقال: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ) الأعراف/86.
فاعتبر تكثيرهم بعد القلة نعمة عظمى توجب عليهم طاعة الله وطاعة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولا شك أن فوائد تكثير نسل الأمم واضحة لكل متأمل، ولذلك تحرص الشعوب المدركة لهذا الأمر على تكثير نسلها وتشجيع أفرادها على ذلك، وتسعى في المقابل لدفع أعدائها إلى تقليل النسل بشبه وحجج واهية بل وأحياناً باستعمال وسائل تؤدي إلى العقم أو قلة النسل من مثل العقاقير والأغذية الملوثة بما يضعف الإنجاب ونحو ذلك، وهو أحد وسائل حرب هذه الأمة الإسلامية من قبل أعدائها.
نسأل الله أن يكف بأس الذين كفروا ويدفع كيدهم وتلبسهم عن المسلمين
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/63)
أيهما أفضل النكاح أم الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل: أداء فريضة الحج والعمرة أم الزواج لمن كان أعزب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تخاف على نفسك من الوقوع في الزنا فقدم الزواج على أداء فريضة الحج والعمرة، وإن كنت لا تخاف على نفسك من ذلك فقدم أداء فريضة الحج والعمرة على الزواج.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (18/13) .(6/64)
هل الزواج نصف الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن من تزوج فقد أكمل نصف دينه، وما الدليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة دلت على مشروعية الزواج، وأنه سنة من سنن المرسلين وبالزواج يستطيع الإنسان بتوفيق من الله تعالى التغلب على كثير من نزعات الشر، فإن الزواج أغض للبصر، وأحصن للفرج، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (بقوله: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ... " متفق عليه.)
وقد روى الحاكم في المستدرك عن أنس مرفوعاً: " من رزقه الله امرأةً صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي "
وروى البيهقي في الشعب عن الرقاشي بلفظ: " إذا تزوج العبد فقد كمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الآخر ". (قال الألباني عن الحديثين في صحيح الترغيب والترهيب (1916) : حسن لغيره ")
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/31)(6/65)
تزوجت بغير ولي وأرادت إعادة العقد فرفض زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت قبل عدة أشهر دون علم أهلي (أهلي غير مسلمين) اتفقنا أن نبقي زواجنا سرّاً حتى يوافق أهلي عليه، كان عرساً بسيطاً جدّاً، ولكنني اكتشفت مؤخراً بأن الزواج غير صالح؛ لأنه لم يكن يوجد ولي لي وقت الزواج وكان هناك شاهدان فقط، أخبرت زوجي فور علمي، والآن يقول بأنه لا يريد أن يعيد الزواج لأنه يشعر بأنه غير مهيأ للزواج.
المشكلة بأننا كنا سويّاً وأنا الآن حامل وهو يقول بأن ولدنا من الزنا وهو ليس مسؤولاً عنه، وأن الأمر لي بشأن هذا الولد، ولكنه يفضل أن أقوم بالإجهاض لأجلنا ولأجل الولد.
أرجو النصيحة، فإذا علم أهلي فسيتبرءون مني، وليس لدي مكان أذهب إليه، حملي الآن في أسابيعه الأولى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرَّم الإسلام زواج المرأة من غير ولي، وجعل العقد عليها من غيره فاسداً، وليس للكافر على المسلمة ولاية، فإن لم يكن أحدٌ من أهلها على الإسلام: فيقوم مسؤول المسلمين أو مفتيهم أو إمام المركز الإسلامي مقام الولي.
قال ابن قدامة: أما الكافر فلا ولاية له على المسلمة بحال بإجماع أهل العلم.
" المغني " (7 / 356) .
وقد ذكرنا كل ما سبق بأدلته وأقوال أهل العلم، فلتُنظر أجوبة الأسئلة (7989) و (2127) .
فالعقد غير صحيح، ويجب فسخه والابتعاد عن الزوج، وعلى الزوج أن يعيد النكاح بالطريقة الشرعية، إن كان يرغب بالزواج منكِ، وحاولي أن توسطي بينك وبين من أهل الخير والصلاح من يستطيع إقناعه بذلك، تصحيحاً لخطئه، ومحافظة عليك وعلى ولده، فإن لم يستجب لذلك فالنصيحة لك الإعراض عنه، لأن كلامه ينافي أخلاق الرجال الأوفياء ... ثم إن قوله " إنه غير مهيأ للزواج " إشارة إلى أنه إنما أراد منك الاستمتاع فقط، ولا يريد أن يلتزم بما أمره الله به من شرعه، وما يلزمه من القوامة عليك كما يجب.
ولينظر جواب السؤال رقم (13501) .
ولا يحل له أن يطلب منك الإجهاض، ولا يحل لك القيام بالإجهاض إن كان الجنين قد نفخ فيه الروح، فإن فعلتِ كان هذا قتلاً للنفس.
وليُنظر (12118) و (13319) و (4038) .
وأما الولد فنسبه من أبيه صحيح ولا يُعتبر ولد زنى، بل هذا يعتبره العلماء من نكاح شبهة، ونكاح الشبهة يثبت به النسب. انظر المغني 11/196
أيتها المسلمة ... تذكري بأن الله سبحانه قد تكفل بالأرزاق لعباده، وقد وعدنا سبحانه بأن من اتقى الله فإنه سبحانه سيجعل له فرجاً ومخرجاً..
ثقي بالله وتوكلي عليه وتوبي إليه.. ومن توبتك أن تفارقي هذا الرجل لأن عقد النكاح باطل إذ " لا نكاح إلا بولي " كما قال صلى الله عليه وسلم، وأنت حين تفعلين ذلك إنما تفعلينه لأنه أمر الله..
واعلمي بأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ... وفقك الله ويسر أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/66)
تريد الزواج من طالب مثلها وأهلها يرفضون
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب رجل أعتقد أنه صالح الزواج مني ولقد وافقت ولكن والدىّ يعترضان لما يلي: يقولون إنني صغيرة جداً - يعتقدون أننا إذا تزوجنا لن نستطيع الإنفاق لأننا طلاب - يريدون أن أنتهي أولاً من الدراسة، فأنا طالبة في السنة النهائية في المدرسة الثانوية أو حتى أنهي الجامعة قبل الزواج لأنهم يعتقدون أنني لو تزوجت لن أكمل دراستي أرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن مثل هذا السؤال فقال:
حكْمُ ذلك أنّه خِلاف أمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عيه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضَوْنَ دينه وخلُقه فأَنْكِحُوهُ) ولا شك أن منع والدك من تزويجك لمن هو كفء أمر محَّرمٌ والزواج أهمّ من الدِّراسة وهو لا ينافي الدراسة لأنه ممكن الجمع، فالذي أنصح إخواني به من أولياء أمور النساء تكميل الدراسة والتدريس وبإمكان المرأة أن تشترط على الزوج، وأن تبقى في الدراسة حتى تنتهي دراستها.
فتاوى المرأة المسلمة (2/704-705) .
ثانياً:
بالنسبة لما ذكرت من حال المتقدم وأنه لا يزال طالباً فإن الدراسة لا تعتبر عائقاً له عن الزواج إن كان واجداً لما يتزوج به ويستطيع النفقة منه بالمعروف.
أما إن كانت دراسته تمنعه من أن يكون عنده قدرة واستطاعة مالية على الزواج ونفقاته – من غير التكاليف الباهظة التي قد تشترطها بعض الأسر – فهذا يخاطب بقوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور / 33
قال القرطبي رحمه الله (فأمر الله تعالى بهذه الآية كل من تعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم المال وعد بالإغناء من فضله فيرزقه ما يتزوج به أو يجد امرأة ترضى باليسير من الصداق أو تزول عنه شهوة النساء) تفسير القرطبي 12/242
وينبغي أن يُعلم أن المهر والنفقة حق للمرأة وليس لأوليائها، فلها أن ترضى من ذلك بالقليل وتتزوج بمن تعلم أنه فقير، ولكن لابد أن يُنبه إلى أن كثيراً من النساء قد ترضى بحال زوجها وفقره إذا تقدم لها، ثم إذا جلست معه فترة تسخطت عليه، فيؤدي هذا إلى النزاعات والطلاق، فينبغي أن يوضع هذا في الاعتبار.
ثالثاً:
ننصح الأسر وأولياء النساء ألا يكونوا حجر عثرة أمام إعفاف بناتهم ومولياتهم بسبب ما يشترطونه من تعقيدات ونفقات باهظة، بحجة الاطمئنان على مستقبل بناتهم فيسبب هذ1 انصراف الراغبين عنهن مما يؤدي إلى العنوسة وما تجر إليه من شرور لاسيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفتن فيسيئون إلى بناتهم وإلى أنفسهم من حيث أرادوا الإحسان.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/67)
حكم إبداء المرأة للرجل الرغبة في الزواج منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلمة أن ُتبدي لرجل مسلم بأنها معجبة به وأنها تريد الزواج به؟ أم يعتبر هذا وقاحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كون المرأة تبدي ذلك فهذا لا بأس به هذا من حيث الأصل، ولكن لا يكون العرض من قبل المرأة بل الأحسن أن يكون عن طريق وليها، أو أحد يعرض ذلك على الرجل، ويدل لذلك أن عمر رضي الله عنه عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعلى عثمان رضي الله عنهما
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الدكتور / خالد المشيقح(6/68)
هل للمرأة أن تبحث عن شريك حياتها بنفسها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتهَمُ بالبحث عن صديق أثناء ارتدائي الحجاب بشكل متكرر. وأنا شخصيا , لا أظن أن ارتداء الحجاب يجب أن يمنعني من اختيار شريك حياة يناسبني. وعندما أجده, سأقدمه لوالديّ وسأطلب منهما أن يبديا رأيهما فيه. ويقول البعض "أن عدم ارتدائي للحجاب بتاتا هو أفضل مما أقوم به". فهل الحق معي في قولي بأن الإسلام لا يمنع أي فتاة من البحث عن شريك مناسب , وأن ارتداء الحجاب لا دخل له في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد أن تعلم المسلمة أنه يجب عليها أن تتحجب وأن تلتزم بالحجاب الشرعي في كل وقت ولا يجوز للمرأة أن تتبرج، والتبرج كبيرة من الكبائر يستوجب فاعلُها عقابَ الله وعذابه، والمرأة كما يقال هي جوهرة فمتى تعرضت للناس وتبرجت: فقدت قيمتها.
فأنصح السائلة وكل مسلمة أن تلتزم بالحجاب الشرعي فهو مرضاة لله وطاعة له سبحانه وتعالى وهو سبب لتوفيق الله لعبده وتيسير أموره.
ثانياً:
أما الزواج فإنه قد يصبح واجباً إذا تاقت نفس الرجل والمرأة إلى الزواج، وخافا من الوقوع في الفاحشة، وهو سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} الرعد / 38.
ثالثاً:
هناك فرق بين أن تبحث المسلمة عن زوج وتتعرض في ذلك للرجال، وبين أن تجده مصادفة، فالأول: ينافي الحياء، فالمرأة مطلوب منها أن تتخلق بخلق الحياء وهو زينة للمرأة وجمال لها والبكر يُضرب بها المثل في الحياء كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء (أي البكر) في خدرها وإذا كره شيئا عُرف في وجهه ".
رواه البخاري (5751) ومسلم (2320) .
وتستطيع المرأة أن تلجأ إلى شيء أفضل من ذلك وهو الدعاء أن ييسر الله لها رجلاً طيباً صالحاً، والدعاء من أفضل ما تسلح به المسلم وأفضل ما التجأ إليه المسلم في طلب الحاجات وقضاء المطلوبات، وتستطيع أيضاً أن تُكلم بعضَ أخواتها المسلمات ممن تثق بدينها وأماناتها أن تدل عليها من يسأل أو يبحث من الشباب المسلم عن فتاة مسلمة يرغب بالزواج منها فهذا أفضل من أن تتعرض لأمر ينافي الحياء.
رابعاً:
لا شك أن من نصحكِ بخلع الحجاب وأنه أفضل من ارتدائه: أنه مخطئ، وكيف تترك المرأة دينها وحجابها وتتخلى عن أمر أمرها الله به إن تركته تستوجب سخط الله وعقابه وعدم توفيقه؟
فعلى المسلمة أن تتمسك بهذه الفضيلة التي تركها كثير من المسلمات، فهو شعار المسلمة، ودليل التزامها وصدق إيمانها وتقواها.
فأنصح الأخت السائلة أن تتقي الله وأن تتمسك بالحجاب والله سبحانه وتعالى سوف يوفقها وييسر لها أمور حياتها والله المستعان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/69)
محتار بين الزواج من بكر أو من أرملة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أرملة ولها أطفال وأنا أريد الزواج، ومتردد هل أتزوجها أو أتزوج بكراً لم يسبق لها الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا يرجع إلى حال الزوج، فقد يتناسب حاله والزواج من أرملة، فيكون ذلك أفضل.
وقد تكون الأرملة صاحبة دين وخلق لا يفرط في مثلها، ولا يجد من الأبكار من هي في مثل دينها وخلقها.
أما من حيث العموم فإن النبي صلى الله عليه وسلم رغَّب بنكاح الأبكار.
وهذا جابر رضي الله عنه قد مات والده وترك له أخوات فلم يتناسب حاله والزواج من بكر صغيرة في مثل أعمارهن، ورغب رضي الله عنه بنكاح ثيب تقوم على خدمتهن ورعايتهن، فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: تزوجت؟ قلت: نعم، قال بكرا أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن قال أما إنك قادم فإذا قدمت فالكيس الكيس.
رواه البخاري (1991) ومسلم (715) .
وفي رواية عند البخاري (2257) : " تعلمهن وتؤدبهن "
وفي رواية أخرى عند البخاري (2805) ومسلم (715) : قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي حين استأذنته هل تزوجت بكرا أم ثيبا فقلت تزوجت ثيبا فقال هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك قلت يا رسول الله توفي والدي أو استشهد ولي أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت امرأة ثيبا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت يا جابر فقلت نعم فقال بكرا أم ثيبا قلت بل ثيبا قال فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك قال فقلت له إن عبد الله هلك وترك بنات وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن فقال بارك الله لك أو قال خيرا. رواه البخاري (5052) .
قال الشيخ مصطفى الرحيباني:
(وسُن) لمن أراد نكاحا (البكر) لقوله عليه الصلاة والسلام لجابر: " فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك " متفق عليه، (إلا أن تكون مصلحته في نكاح ثيب أرجح) فيقدمها على البكر مراعاة للمصلحة. " مطالب أولي النهى " (5 / 9، 10) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/70)
زواج المسلم من نصرانية عفيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي نصرانية (من أهل الكتاب) وتريد أن تتزوج برجل مسلم ولا تريد أن تغير دينها، كلاهما يعيش في سنغافورة وقيل لي أن الإسلام يمنع زواجهما لأنها ليست مسلمة ولا يمكن حتى تسلم فهل هذا صحيح؟
إذا كان الجواب لا، فهل يجوز لهما أن يتزوجا حسب الشريعة الإسلامية حتى لو بقيت ابنتي نصرانية وهل يجوز للرجل المسلم أن يشارك في حفل زواج على تقاليد النصارى بعد أن تزوج حسب الشريعة الإسلامية؟
أعتذر عن طول السؤال ولكن هذا الموضوع سبب قلقاً في العائلة ونريد الحكم الإسلامي في هذا الموضوع لكي نحاول حل هذه المشكلة دون أن يغضب أحد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام لا يمنع الزواج بالمرأة النصرانية إذا كانت عفيفة قال الله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ... ) المائدة / 5.
ومعنى (محصنات) في هذه الآية: أي الحرائر العفيفات.
يراجع سؤال رقم (2527) .
أما إن كانت المرأة غير عفيفة، لها أصدقاء وخلان تعاشرهم فإن الإسلام يمنع من نكاحها مسلمة كانت أم كتابية، كما يمنع أن يكون للرجل صديقة أو خليلة، صيانةً للحياة الزوجية من الانهيار وحفظاً للأنساب من الاختلاط والضياع وتجنباً لأسباب الخلاف والتهمة والظنون.
وأما حضور الزوج المسلم حفلة الزواج على التقاليد النصرانية فإنه غير جائز لوجود أمور كثيرة في هذه الحفلات يحرمها الإسلام كالاختلاط بين الرجال والنساء وسماع الموسيقى وشرب الخمر والرقص وغير ذلك.
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " رواه أحمد (1/20) والبيهقي (7/366) وقال الألباني في الإرواء (7/6) : (صحيح) .
ونشكر لكم هذا الشعور النبيل وهذه الأخلاق الطيبة وحرصكم على السؤال على حكم الإسلام في هذا الأمر ونسأل الله لكم التوفيق والهداية لدين الإسلام والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/71)
حال ولد الزنا وحكم الزواج منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم حرم بشدة الزواج من ابن الزنا مع أن هذا الشخص قد يكون تقيا صالحا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت أحاديث في ذم ولد الزنا، ولكن أكثر هذه الأحاديث ضعيف لا يصح، وقد روى أبو داود في سننه (4 / 39) وأحمد في المسند (2 / 311) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ولد الزنى شر الثلاثة " يعني أكثر شرا من والديه وممن حسنه ابن القيم في المنار المنيف (133) والألباني في السلسلة الصحيحة (672)
وقد وجه العلماء الحديث بعدة توجيهات أشهرها:
ما قاله سفيان الثوري: بأنه شرّ الثلاثة إذا عمل بعمل والديه.
وقد روي ذلك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال::" هو أشر الثلاثة إذا عمل بعمل والديه. يعني ولد الزنا " وإن كان إسناده ضعيفا فقد حمله على هذا المعنى بعض السلف كما تقدم.
ويؤيد هذا التفسير ما رواه الحاكم (4 / 100) ـ بسند قال عنه الألباني: " يمكن تحسينه" ـ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء. (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ". (السلسلة الصحيحة 2186) .
وبعض العلماء قال إن هذا الحديث محمول على أن غالب أولاد الزنا يكون فيهم شر لأنهم يتخلقون من نطف خبيثة والنطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب. فإن خرج من هذه النطفة نفس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص. (انظر المنار المنيف 133) .
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَوَلَدُ الزِّنَا إنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا دَخَلَ الْجَنَّةَ , وَإِلا جُوزِيَ بِعَمَلِهِ كَمَا يُجَازَى غَيْرُهُ , وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ لا عَلَى النَّسَبِ. وَإِنَّمَا يُذَمُّ وَلَدُ الزِّنَا , لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا. كَمَا تُحْمَدُ الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الْخَيْرِ , فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ الْعَمَلُ فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ , وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ. الفتاوى الكبرى (5/83) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: " ابن الزنا إذا مات على الإسلام يدخل الجنة، ولا تأثير لكونه ابن زنا على ذلك لأنه ليس من عمله، وإنما من عمل غيره. وقد قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ولعموم قوله تعالى: (كل امرئ بما كسب رهين) وما جاء في معنى ذلك من الآيات، وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يدخل الجنَّة ولد زنية " فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق.ا. هـ
وأما ما يتعلق بحكم الزواج من ابن الزنا فلم ينص أحد من الفقهاء المعتبرين على تحريمه، وإنما وقع الاختلاف عند الحنابلة في مدى كفاءته لذات النسب فمنهم من رأى أنه كفء لها، ومنهم من لم ير ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها،ويتعدى ذلك إلى ولدها. (يراجع المغني 7 / 28) و (الموسوعة الفقهية 34 / 282) .
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل زوج ابنته على شخص تبين أنه ولد زنا فما الحكم؟ فأجاب سماحته:
" إذا كان مسلما فالنكاح صحيح، لأنه ليس عليه من ذنب أمه، ومن زنا بها شيء. لقول الله سبحانه: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . ولأنه لا عار عليه من عملهما إذا استقام على دين الله وتخلق بالأخلاق المرضية لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس قال: أتقاهم.. وقال عليه الصلاة والسلام: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ".. " ا. هـ من (الفتاوى الإسلامية 3 / 166) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/72)
أهل الزوجة مصرون على عمل منكر في حفل الزفاف
[السُّؤَالُ]
ـ[سأتزوج قريبا , وترغب الفتاة وأهلها أقامة حفل زفاف مكلف يتخلله بعض الأمور المحرمة مثل الموسيقى واختلاط الجنسين وغير ذلك. كيف أتصرف؟ هل أقوم بإلغاء هذا الارتباط وأتزوج بفتاة غيرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يريده أهل الفتاة محرم ولا شك، ولا يمكن القبول به ولا يجوز إرضاء الناس بسخط الله، ولا ننصحك مطلقا أن تبدأ حياة زوجية بحرام، وعلى المسلم أن يربأ بنفسه وأهله أن تكون امرأته سلعة رخيصة، ينظر إليها من هبّ ودبّ وهي في كامل زينتها.
وننصحك لمواجهة الموقف بالقيام بما يلي:
1. أن تنصحهم بالحسنى وتبيّن لهم الحكم الشرعي فيما ينوون فعله وتحذّرهم من إغضاب الله عزّ وجلّ وتبيّن حرمة الموسيقى والاختلاط، وأنّه يُمكنهم إقامة عرس جيّد وناجح دون هذه الأمور المحرّمة وأنّه ليس من مصلحتهم قطّ لا في الدنيا ولا في الآخرة أن يقوموا بمقابلة نعمة الله في زواج ابنتهم بأن يعصوه ويخالفوا أمره ويرتكبوا ما يُغضبه.
2. فإن لم يُجْد ذلك: فابحث عن عقلاء من أهلهم وأقربائهم ومن أهلك أيضا ممن تحسن فيهم الظن، وترجو منهم الخير، لعل الله أن يكتب على يديهم الفرج لك، وترك المنكرات ولو بالضّغط عليهم وإحراجهم.
3. فإن لم ينفع ذلك فاسعَ بتوسيط أحد أهل العلم والعقل الراجح ممن يقدِّرونه ويحترمونه، فلعله أن يستحيي منهم، أو يقنعهم بسوء ما ينوون فعله فيتركونه.
فإن لم يأت ذلك بنتيجة فلك أن تهددهم بالطلاق والفراق، ولعلهم ينتبهون أن هذا قد يسيء لهم عند الناس، فيتركون ما حرَّم الله. ولعلّ إطالة المدة بين العقد والزواج يأتي بنتيجة في إقناع هؤلاء.
4. فإن لم يستجيبوا مطلقا فإننا نحذّر تحذيرا بالغا من التورّط مع هؤلاء القوم، اللهم إذا قلنا بأنّ الفتاة ذات دين وخلق ولا ترضى بما يفعله أهلها وتستطيع أنت وهي عدم حضور المنكر وأن تنسحبا من الحفل عند الشّروع فيما يُغضب الله مع إعلان الإنكار والبراءة مما سيبدؤون به من المنكر وتترك المكان وتذكر قول الله تعالى: (فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيّره..)
والله المستعان وإليه المشتكى وعليه التُكلان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/73)
العزل واستخدام حبوب منع الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل) ولم ينهنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وأسأل عن الآتي: 1- هل يجوز استخدام الواقي أو الحبوب (المانعة للحمل) ؟ 2- إذا كان الجواب بنعم، فما هي شروط استخدامها؟ 3- ما هي النية التي يجب أن نكون عليها عند استخدام الموانع؟ 4- لماذا كان الصحابة يفعلون العزل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الذي ينبغي للمسلمين أن يكثروا من النسل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ لأن ذلك هو الأمر الذي وجه النبي صلى الله عليه وسلم إليه في قوله: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم) رواه أبو داود (2050) وصححا الألباني في صحيح أبي داود (1805) .
ولأن كثرة النسل كثرة للأمة، وكثرة الأمة من عزتها كما قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل بذلك: (وجعلناكم أكثر نفيرا) الإسراء/6 وقال شعيب لقومه: (واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم) الأعراف/86، ولا أحد يُنكر أن كثرة الأُمة سبب لعزتها وقوتها على عكس ما يتصوره أصحاب ظن السوء الذين يظنون أن كثرة الأمة سبب لفقرها وجوعها.
وإن الأمة إذا كثرت واعتمدت على الله عز وجل وآمنت بوعده في قوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) هود/6 فإن الله ييسر لها أمرها ويغنيها من فضله. بناءً على ذلك تتبين إجابة السؤال:
(الحبوب المانعة للحمل) لا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل، إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون في حاجة لذلك مثل أن تكون مريضة لا تتحمل الحمل كل سنة أو نحيفة الجسم أوبها مانع آخر يضرها أن تحمل كل سنة.
الشرط الثاني: أن يأذن لها زوجها؛ لأن للزوج حقاً في الأولاد والإنجاب، ولابد من مشاورة الطبيب في هذه الحبوب: هل أخذها ضار أو ليس بضار، فإذا تم الشرطان السابقان فلا بأس باستخدام هذه الحبوب لكن على ألا يكون ذلك على سبيل التأبيد، لأن في ذلك قطعاً للنسل.
وأما (العزل) أثناء الجماع: فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا بأس به؛ لحديث جابر رضي الله عنه: (كنا نعزل والقرآن ينزل) ، يعني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا الفعل حراماً لنهى النبي صلى لله عليه وسلم عنه، ولكن أهل العلم يقولون إنه لايعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن لها حقاً في الأولاد، ثم إن في عزله بدون إذنها نقصاً في استمتاعها، فاستمتاع المرأة لا يتم إلا بعد الإنزال.. وعلى هذا ففي عدم استئذانها تفويت لكمال استمتاعها وتفويت لما يكون من الأولاد، ولهذا اشترطنا أن يكون بإذنها. ا. هـ. من فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين.
من كتاب فتاوى إسلامية ج/3، ص/190.
ثالثاً: السبب في فعل الصحابة للعزل هو عدم الرغبة في حمل المرأة – وخصوصاً الأمة - ليحصل لهم كمال الإستمتاع بها وتتمكن في الخدمة، فقد روى أبو داود أن رجلاًً قال يارسول الله: إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل , وأنا أُريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل المؤودة الصغرى؟
قال: (كذبت اليهود لوأراد الله أن يخلقه ما استطاعت أن تصرفه) رواه أبو داوود (كتاب النكاح/1856) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1903.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/74)
حكم الحديث مع الخطيبة بالهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الحديث مع خطيبي عبر التليفون؟
أرجو المساعدة في معرفة الحكم لأن والداي لا يعرفان ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إلا في حالة وثوق كلا الطرفين ببعضهما، وأن الأبوين موافقان على الزواج غير ممانعين، ففي هذه الحالة لا بأس بالتحدث بينهما في أحاديث عادية تتعلق بما يهمّهما من أمور الحياة. وأما إن علما عدم موافقة والديهما فلا يجوز التخاطب في هذه الحالة.
الشيخ عبد الله بن جبرين.
المخطوبة امرأة أجنبية والحديث معها هو حديث مع امرأة أجنبية فيجب أن يكون بالمعروف وفي حدود الحاجة كالاتفاق على أمور معينة لما بعد الزواج ويراعى في ذلك:
1- أن يكون بموافقة وليها وعدم ممانعته للزواج.
2- أن لا يكون في الحديث ما يثير الشهوة أو يوقع في الفتنة.
3- أن لا يجد طريقاً آخر يبلغها عبره بما يريده كأخته أو أخيها أو رسالة.
4- أن لا يزيد عن الحاجة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/75)
يحبّ ابنة خاله جدا ويريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أتزوج من بنت خالي التي تصغرني بسنة ونصف؟ أحبها كثيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
ابنة خالك لا تعد من المحارم بالنسبة لك، فيجري عليها ما يجري على غيرها من النساء الأجنبيات من الأحكام ومن ضمنها جواز الزواج منها، لكن ينبغي التنبيه إلى أمر مهم وهو: أن الحب مع كونه أمرا حسنا بين الزوج وزوجته، وأنه يستحب للمرء أن يتزوج المرأة التي يحبها لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم: (لم ير للمتحابين مثل النكاح) صحيح الجامع برقم 5200، لكن ينبغي أن لا يطغى هذا الحب فيحجب عن الإنسان صفات مهمة يجب توافرها في من يريد الزواج منها، وأهمها الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه. فإن كانت ابنة خالك على دين وخلق فنعم ما اخترت، ونسأل الله أن يحقّق رغبتك ويجمع بينكما في خير وإن كانت على غير ذلك فأعد النظر في اختيارك، وفقك الله لما يحبّ ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/76)
مواصفات الزوج المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 18 عاما وقد طُلبت للزواج 5 مرات ورفضتهم جميعاً لأنني كنت صغيرة والآن أفكر بالزواج، وسؤالي هو:
ما هو الشيء الذي يجب أن أبحث عنه لكي أحصل على مسلم جيد؟
ما هي أهم الأشياء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
نشكر لك حرصك أيتها الأخت السائلة على تحري الصفات التي تعينك على اختيار زوج صالح إن شاء الله تعالى، وفيما يلي ذكْر أهم الصفات التي ينبغي توفرها فيمن تختارينه أو ترضين به زوجا لك ويكون أبا لأبنائك إن قدر الله بينكما أبناء.
- الدين: وهو أعظم ما ينبغي توفره فيمن ترغبين الزواج به، فينبغي أن يكون هذا الزوج مسلما ملتزما بشرائع الإسلام كلها في حياته، وينبغي أن يحرص ولي المرأة على تحري هذا الأمر دون الركون إلى الظاهر، ومن أعظم ما يُسأل عنه صلاة هذا الرجل، فمن ضيّع حق الله عز وجل فهو أشد تضييعا لحق من دونه، والمؤمن لا يظلم زوجته، فإن أحبّها أكرمها وإن لم يحبها لم يظلمها ولم يُهنها، وقلَّ وجود ذلك في غير المسلمين الصادقين. قال الله تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) ، وقال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال تعالى: (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي 866 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1084.
- ويستحب مع الدّين أن يكون من عائلة طيبة، ونسب معروف، فإذا تقدم للمرأة رجلان درجتهما في الدين واحدة، فيُقدَّم صاحب الأسرة الطيبة والعائلة المعروفة بالمحافظة على أمر الله ما دام الآخر لا يفضله في الدين لأنّ صلاح أقارب الزوج يسري إلى أولاده وطِيب الأصل والنّسب قد يردع عن كثير من السفاسف، وصلاح الأب والجدّ ينفع الأولاد والأحفاد: قال الله تعالى: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) فانظري كيف حفظ الله للغلامين مال أبيهما بعد موته إكراما له لصلاحه وتقواه، فكذلك الزوج من الأسرة الصالحة والأبوين الكريمين فإن الله ييسر له أمره ويحفظه إكراما لوالديه.
- وحسن أن يكون ذا مال يُعفّ به نفسه وأهل بيته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها لما جاءت تستشيره في ثلاثة رجال تقدموا لخطبتها: (أما معاوية فرجل تَرِب (أي فقير) لا مال له..) رواه مسلم 1480. ولا يشترط أن يكون صاحب تجارة وغنى، بل يكفي أن يكون له دخْل أو مال يعفّ به نفسه وأهل بيته ويغنيهم عن الناس. وإذا تعارض صاحب المال مع صاحب الدين فيقدّم صاحب الدين على صاحب المال.
- ويستحب أن يكون لطيفا رفيقا بالنساء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس في الحديث السابق: (أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه) إشارة إلى أنّه يُكثر ضرب النّساء.
- ويحسن أن يكون صحيح البدن سليما من العيوب كالأمراض ونحوها أو العجز والعقم.
- ويستحب أن يكون صاحب علم بالكتاب والسنة، وهذا إن حصل فخير وإلا فإنّ حصوله عزيز.
- ويجوز للمرأة النظر إلى المتقدم لها كما يستحب له ذلك، ويكون هذا النظر بوجود محرم لها ولا يجوز التمادي في ذلك بأن تراه وحدها في خلوة أو تخرج معه لوحدها أو أن يتكرر اللقاء دون حاجة لذلك.
- ويشرع لوليّ المرأة أن يتحرى عن خاطب موليته ويسأل عنه من يعاشره ويعرفه ممن يوثق في دينه وأمانته، ليُعطيه فيه رأيا أمينا ونُصْحا سديدا.
- وقبل هذا كله ومعه ينبغي التوجه إلى الله عز وجل بالدعاء واللجوء إليه سبحانه أن ييسر لك أمرك وأن يعينك على حسن الاختيار ويلهمك رشدك، ثم بعد بذل الجهد واستقرار رأيك على شخص بعينه يُشرع لك استخارة الله عز وجل
- ولمعرفة صفة صلاة الاستخارة ينظر السؤال رقم 2217 - ثم التوكل على الله عز وجل بعد استنفاذ الجهد فهو نعم المعين سبحانه. جامع أحكام النساء للشيخ مصطفى العدوي مع زيادة.
نسأل الله العلي القدير أن ييسر لك أمرك ويلهمك رشدك ويرزقك الزوج الصالح والذرية الطيبة إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/77)
أهله يريدون تزويجه فتاة غير متدينة ويقولون ستتغير مع الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 27 سنة وأبحث عن زوجة منذ سنتين. لا يوجد الكثير من الفتيات المسلمات في مدينتي. أهلي يريدون تزويجي لفتاة مسلمة لكنها لا تصلي كثيراً أو ترتدي النقاب. يقولون إنها ستتغير بإذن الله بعد أن تعيش معنا. مشكلتي أنه لا يوجد الكثير من الخيارات في مدينتي حيث يوجد 1500 مسلم فقط. هل تقترح أن أتزوج بهذه الفتاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من يريد الزواج بأن يحرص على المرأة المتدينة فقال صلى الله عليه وسلم:" تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".
والزوجة ستكون معاشرة للشخص ومصاحبة له طول حياته، وستكون راعية في بيته وقائمة بأموره، وستكون مربية لأولاده وموجهة لهم، والدين هو الذي يجعل المرأة عفيفة بعيدة عن السوء، ومن ثم كان لابد من الاعتناء باختيارها من ذوات الدين والتقوى.
والذي أراه لك هو السعي للتأثير عليها ودعوتها من خلال أهلك أو بعض محارمك حتى تتحسن حالها وتستقيم، فإذا استقامت وحسنت حالها تزوجتها.
وإلا فأرى أن تبحث عن غيرها، فأنت لا تضمن أن تؤثر عليها فقد لا تستجيب، وقد تتأثر بها فالإنسان مهما بلغ من الإيمان والتقوى بشر عرضة للتغير والتأثر.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش.(6/78)
حكم لبس الدبلة للخاطب والمخطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم خاتم الخطوبة أو الزواج للرجال؟ إذا كان جائز فهل يجوز أن يكون من أي معدن غير الذهب؟ ما هي المعادن التي لا يجوز للرجال استعمالها غير الذهب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أما لبس الذهب للرجل خاتماًأو غيره فلا يجوز بحال من الأحوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم الذهب على ذكور هذه الأمة، ورأى رجلاً في يده خاتم من ذهب فنزعه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من يده، وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده) ، رواه مسلم (اللباس والزينة/3897) ، فلا يجوز للذكر المسلم أن يلبس خاتم الذهب، وأما الخاتم من غير الذهب من الفضة أو غيرها من أنواع المعادن فيجوز للرجل أن يلبسه ولو كان من المعادن الثمينة.
وأما (الدِّبْلَة) فهذه ليست من عوائد المسلمين، وهي التي تلبس لمناسبة الزواج، وإذا كان يعتقد فيها أنها تسبب المحبّة بين الزوجين، وأن خلعها وعدم لبسها يؤثر على العلاقة الزوجية، فهذا يُعتبر من الشرك، ويدخل في الاعتقاد الجاهلي , وبناء على ما تقدّم فلا يجوز لبس الدبلة بحال
أولاً: لأنها تقليد لمن لا خير فيهم، وهي عادة وفدت على المسلمين من غير المسلمين.
وثانياً: أنها إذا كان يصحبها اعتقاد أنها تؤثر على العلاقة الزوجية فهذا يدخل في الشرك ولا حول ولا قوّة إلا بالله. مستفاد من فتوى الشيخ صالح الفوزان.
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم لبس دبلة الخطوبة فقال: دبلة الخطوبة عبارة عن خاتم، والخاتم في الأصل ليس فيه شيء إلا أن يصحبه اعتقاد كما يفعله بعض الناس يكتب اسمه في الخاتم الذي يعطيه مخطوبته، وتكتب اسمها في الخاتم الذي تعطيه إياه زعماً منهما أن ذلك يوجب الارتباط بين الزوجين، ففي هذه الحال تكون هذه الدبلة محرّمة، لأنها تعلّق بما لا أصل له شرعاً ولا حسّاً، كذلك أيضاً لا يجوز في هذا الخاتم أن يتولى الخاطب إلباسه مخطوبته، لأنها لم تكن زوجه بعد، فهي أجنبيّة عنه، إذ لا تكون زوجة إلا بعد العقد.
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/ 3 ص/914 -915
ويراجع سؤال رقم: (11446) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/79)
خطيبها غير ملتزم هل تتزوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة تتعلق بالزواج. فأنا مخطوبة لابن عمي/خالي. أنا وهو مسلمان، لكن يوجد فارق كبير بيني وبينه في العلم بالدين الإسلامي. أنا، في الواقع، أرتدي الحجاب وأحاول جاهدة أن أكون مسلمة صالحة، وهو يحاول أيضا أن يكون مسلما صالحا لكني أحسّ بأنه لا يبذل من الجهد إلا القليل. الرجل لطيف، لكني أشعر بالخوف أحيانا من أنه ربما يكون أقل من المطلوب فيما يتعلق بالتمسك بالإسلام. فهو، على سبيل المثال، يذهب مع أصدقائه إلى الأندية الليلية، أنا خائفة وحائرة!! هل أتزوج به؟ لقد قررنا أن نتزوج بعد 5 سنوات، فهل عندي متسع من الوقت يسمح لي بالارتباط بغيره؟ إنه يتهمني دوما أني أحاول تغييره، لكني أريده أن يتغير للأحسن. ماذا أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحن نشارك التخوف من الزواج بهذا الرجل ونحثك على الموافقة على صاحب الدين والخلق إذا تقدم لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "
ومن المستغرب ما ورد في السؤال من اتخاذ القرار بالزواج بعد خمس سنوات ولكن ما دام قريبك اختار هذه المدة الطويلة فعندك متسع من الوقت للموافقة على غيره ممن هو أصلح منه إذا تقدم في هذه الفترة مادام لم يحصل بينك وبين قريبك عقد نكاح، وأما إذا لم يأت من هو أصلح منه خلال هذه المدة فيجوز لك الزواج منه ما دام مسلماً ليس عنده ما يخرجه من الملة، ونسأل الله لك التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/80)
كم يأخذ الزوج من امرأته المختلعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلبت المرأة الخلع فكم يجوز لزوج أن يأخذ منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة (ويستحب أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها) فإن فعل ذلك كره وصح، روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس لقوله سبحانه: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وقالت الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عفاص رأسي فأجاز عليّ عثمان بن عفان، ومثل هذا يشتهر فيكون إجماعاً، إذا ثبت هذا فإنه فعل جاز مع الكراهة لأنه روي في حديث جميلة (فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد) وروي عن عطاء {عن ابن عباس} عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها، فيجمع بين الآية والخبر فنقول: الآية دلت على الجواز والنهي عن الزيادة في الخبر للكراهة.
[الْمَصْدَرُ]
العدة شرح العمدة ص 482.(6/81)
ضرب الولد للتأديب والتلويح بالعقوبة للزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل من المعصية أن يضرب الرجل ابنه بيده أو بعصى، أنا افعل ذلك فقط عندما اشعر انه قد عصى أوامري وبعد عدة تحذيرات.
وهل رفع اليد على الزوجة معصية؟ بعض الأحيان اشعر انه يجب فعلها ولكنها لم تصل ذلك الحد.
عندما اصفع ولدي اشعر بندم شديد ثم اطلب من الله تعالى المغفرة إذا كان عملي خطأ.
هل هناك دعاء أستطيع قراءته يوميا ليهدي الله أولادي ويبارك فيهم ويقوي عقيدتهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الواجب على الأب أن يحسن تربية أولاده ورعايتهم، والضرب وسيله تربوية حين يقتضي الموقف ذلك، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بضرب الأولاد على الصلاة حين يبلغون عشر سنوات، لكنه ينبغي أن يكون الوسيلة الأخيرة، حين لا تنفع سائر الوسائل مع اجتناب القسوة أو ضرب الوجه، ولا يكون الأب في حال هياج غضب ٍ شديد وأن لا يضرب بمحدّد يجرح ولا بشيء يكسر ولا يضرب في مقتل، والتلويح بالعصا قد يكون أجدى من الضّرب نفسه والمقصود أن يطبّق الأب في تأديب الولد قاعدة الأسهل فالأسهل، فلا يلجأ إلى الوسيلة الأصعب والأشدّ إذا كان يمكن تحصيل المقصود بالوسيلة الأسهل والأخفّ.
أما ضرب الزوجة فليس هو الوسيلة الأولى لتقويمها بل لا بدّ أولا أن يعظها وينصحها، فإن لم تنفع النصيحة يهجرها في الفراش، فإن لم ينفع ذلك يضربها ضرباً غير شديد، كما قال الله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) سورة النساء، وقد أخبر رسول الله أن خيار الناس ليسوا هم الذين يضربون زوجاتهم فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم) . رواه أبو داود/2146، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" برقم/5137.
أما هداية الأولاد فالواجب على الوالدين فعل الأسباب المؤدية لذلك، من تعليمهم ونصحهم وإبعادهم عن رفقاء السوء وربطهم بالصحبة الصالحة، وحسن معاملتهم، والمواظبة على الدعاء لهم بالصلاح والهداية، ومما ورد من الدعاء لهم قوله تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) ، وقوله (وأصلح لي في ذريتي) ، أو أي دعاء آخر طيّب، لكن لا بد مع الدعاء من بذل الأسباب الأخرى الموصلة إلى استقامتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/82)
هل يجوز الاستمناء إذا علم عدم قدرته على القيام بواجبات الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[حسب (شريعة) الإسلام، فإن على المرء أن يتزوج في أقرب فرصة يستطيع فيها الزواج كي يتجنب الوقوع في الممارسات الجنسية غير المشروعة، ومن ضمنها الاستمناء. لكن إذا كان الشخص متأكدا من أنه لن يتمكن من الوفاء (احترام) حقوق العباد الخاصة بزوجته عندها، ماذا يفعل؟ هل عليه أن يقدم ويتزوج، أم هل يجوز له ممارسة الاستمناء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " رواه البخاري (النكاح/4677) ،
قال ابن حجر في فتح الباري: وَقَدْ قَسَّمَ الْعُلَمَاء الرَّجُل فِي التَّرْوِيج إِلَى أَقْسَام:
الأَوَّل التَّائِق إِلَيْهِ الْقَادِر عَلَى مُؤَنه الْخَائِف عَلَى نَفْسه , فَهَذَا يُنْدَب لَهُ النِّكَاح عِنْد الْجَمِيع , وَزَادَ الْحَنَابِلَة فِي رِوَايَة أَنَّهُ يَجِب. وَالْمَشْهُور عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ لا يَجِب لِلْقَادِرِ التَّائِق إِلا إِذَا خَشِيَ الْعَنَت.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: قَسَّمَ بَعْض الْفُقَهَاء النِّكَاح إِلَى الأَحْكَام الْخَمْسَة , وَجَعَلَ الْوُجُوب فِيمَا إِذَا خَافَ الْعَنَت وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاح وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي - وَكَذَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ عَنْ بَعْض عُلَمَائِهِمْ وَهُوَ الْمَازِرِيّ قَالَ: فَالْوُجُوب فِي حَقّ مَنْ لا يَنْكَفّ عَنْ الزِّنَا إِلا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ وَالتَّحْرِيم فِي حَقّ مَنْ يُخِلّ بِالزَّوْجَةِ فِي الْوَطْء وَالإِنْفَاق مَعَ عَدَم قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَتَوَقَانه إِلَيْهِ.
قال السفّاريني: الْفَقِيرِ الَّذِي لا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ وَلَيْسَ بِذِي كَسْبٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِذِي شَهْوَةٍ. فَيُقَالُ يُكْرَهُ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ. وَعَدَمِ تَحْصِينِ زَوْجَتِهِ. وَعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ. انظر غذاء الألباب ج/2 ص/434
قَالَ عِيَاض: هُوَ مَنْدُوب فِي حَقّ كُلّ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ النَّسْل وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَطْء شَهْوَة , لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنِّي مُكَاثِر بِكَمْ " وَلِظَوَاهِر الْحَضّ عَلَى النِّكَاح وَالأَمْر بِهِ , وَكَذَا فِي حَقّ مَنْ لَهُ رَغْبَة فِي نَوْع مِنْ الاسْتِمْتَاع بِالنِّسَاءِ غَيْر الْوَطْء , فَأَمَّا مَنْ لا يُنْسِل وَلا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاء وَلا فِي الاسْتِمْتَاع فَهَذَا مُبَاح فِي حَقّه إِذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَة بِذَلِكَ وَرَضِيَتْ.
وفي الحديث دليل على تحريم الاستمناء، لأنه لو كان مشروعاً لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه، يراجع جواب سؤال رقم 329.
وإذا صبر الإنسان عما حرمه الله عليه وتركه ابتغاء مرضات الله فإن الله عز وجل يأجره يوم القيامة ويجزل له المثوبة والعطاء، لأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
ولقول الله تعالى في صفة المؤمنين: (والذين هم لفروجهم حافظون) المؤمنون/ 5
وعلى المسلم أن يسلك الطريق الشرعي الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصوم. حفظنا الله وإياك من الوقوع في الحرام. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/83)
يريد الانتحار لرفضهم تزويجه
[السُّؤَالُ]
ـ[فأنا الأخ الذي سأل فيما لو كان يجوز للفتاة التي أنوي الزواج منها أن تدرس في الجامعة حيث الأجواء الفاسدة. إلا أن عندي مشكلة جديدة الآن، فإن تلك الفتاة لم تعد ترغب بالزواج مني، لأنني من XXX وهي من XXX، وهي تعتقد أن أمها لن تسمح لنا بالزواج أبدا، وأن أمها قد تطردها لو حصل ذلك. فهل يحق لأمها أن تحول دون زواجنا لسبب واحد وهو لأننا من بلدين مختلفين؟ إن كل ذلك يجعلني أشعر بالضيق الشديد. وقد مضى على ذلك أسبوعان وأنا أشعر الآن بالحزن الممرض، فلم أكف عن البكاء ولم أطعم شيئا، ولا أستطيع النوم وأشعر وكأنني أريد أن أقتل نفسي. فقد نفد صبري فلا أستطيع أن أتحمل هذا الوضع، فماذا أفعل؟ أحتاج من يمد لي يد العون وأنتم الجهة الوحيدة الموثوقة التي يمكن أن أتوجه إليها بطلب العون، فأنا في أمس الحاجة للمساعدة. فأرجوك يا أخي أن ترد على سؤالي، فأنا لا أستطيع أن أصبر على ألمي أكثر مما صبرت. شكراً لكم، وسأكون في غاية الامتنان والشكر لأي رد ترسلونه لي. والسلام]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً ... ) سورة النساء
إن المسلم مهما وقع تحت ضغط نفسي أو كربة شديدة فإنه لا يمكن أن يقدم على قتل نفسه لأنه يعلم أن عاقبة ذلك هي النار والعذاب الأليم كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ - يطعن - بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري 5778
وتجويع الشخص نفسه بامتناعه عن الطعام إلى درجة الموت هو نوع من الانتحار والقتل المتعمد للنفس وكيف يقدم مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر على الانتقال من عذاب في الدنيا إلى عذاب وأشد وأنكى وأطول في الآخرة، إن هذا لا يفعله عاقل، ثم من أجل أي شيء؟ أمن أجل امرأة يمكن استبدالها والزواج بغيرها والنساء سواها كثير، وقد تتبدل الأحوال فيوافقون على الزواج ويغيرون رأيهم بعد مدة، ولو بحثت عن كلية أو مدرسة خاصة بالنساء في بلدك فقد تجد مكاناً خاصاً تلتحق به زوجتك فينحل جزء من المشكلة وعلى أية حال يجب عليك الاعتصام بالله والصبر (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) و (سيجعل الله بعد عسراً يسراً) ونحيلك على كتاب علاج الهموم المنشور في قسم الكتب في الصفحة لعلك تطبق بعض ما ورد فيه مما يُسكن نفسك ويعيد إليك ثباتك، والله المسؤول أن يفرج همك وينفس كربك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/84)
حكم وطء المرأة في دبرها
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتذر يا شيخنا على طرح هذا السؤال المحرج.
سؤالي هو: ما حكم إتيان الزوجة في دبرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعتذارك مقبول يا أخي والسعي لمعرفة الحكم الشرعي في هذه القضية وأمثالها ليس حراما ولا عيبا بل هو أمر مطلوب.
أما بالنسبة لما سألت عنه فإنّ إتيان الزوجة في دبرها (في موضع خروج الغائط) كبيرة عظيمة من الكبائر سواء في وقت الحيض أو غيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا فقال: " ملعون من أتى امرأة في دبرها " رواه الإمام أحمد 2/479 وهو في صحيح الجامع 5865 بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه الترمذي برقم 1/243 وهو في صحيح الجامع 5918. ورغم أن عددا من الزوجات من صاحبات الفطر السليمة يأبين ذلك إلا أن بعض الأزواج يهدد بالطلاق إن لم تطعه، وبعضهم قد يخدع زوجته التي تستحي من سؤال أهل العلم فيوهمها بأن هذا العمل حلال، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجوز للزوج أن يأتي زوجته كيف شاء من الأمام والخلف ما دام في موضع الولد ولا يخفى أن الدبر ومكان الغائط ليس موضعا للولد.
ومن أسباب هذه الجريمة - عند البعض - الدخول إلى الحياة الزوجية النظيفة بموروثات جاهلية قذرة من ممارسات شاذة محرمة أو ذاكرة مليئة بلقطات من أفلام الفاحشة دون توبة إلى الله. ومن المعلوم أن هذا الفعل محرم حتى لو وافق الطرفان فإن التراضي على الحرام لا يصيره حلالا.
وقد ذكر العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية شيئا من الحكم في حرمة إتيان المرأة في دبرها في كتابه زاد المعاد فقال رحمه الله تعالى: وأما الدبر: فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء..
وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحُشّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضاً: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوّت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يُحصّل مقصودها.
وأيضا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً.
وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عُقلاء الأطباء، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي.
وأيضاً: يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جداً لمخالفته للطبيعة.
وأيضاً: فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه، ويلابسه.
وأيضاً: فإنه يضر بالمرأة جداً، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع، منافر لها غاية المنافرة.
وأيضاً: فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكاد يُرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة.
وأيضاً: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شر يأمنه، وكيف تكون حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه.
وأيضاً: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب، استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده.
وأيضاً: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركّب الله عليه شيئاً من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نُكس الطبع انتكس القلب، والعمل، والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات..
وأيضاً: فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه.
فصلاة الله وسلامه على من سعادة الدنيا والآخرة في هديه واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه وما جاء به. انتهى مختصرا من كلامه رحمه الله روضة المحبين 4/257 - 264
وللمزيد يراجع سؤال رقم 6792
أسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعا الفقه في دينه والوقوف عند حدوده وتعظيم حرماته إنه سميع مجيب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/85)
ماذا يفعل المسلم إذا أراد الدخول بزوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيف يتم النكاح؟ أعني كيف يفترض أن يتم حفل الزفاف؟ كم عدد المدعوين؟ هل هناك عدد محدد؟
هل من الممكن استخدام الموسيقى في حفل الزفاف أو أثناء استقبال المدعوين أو عند الوليمة؟
أيضا أريد أن أعرف من هو المسئول عن إدارة حفل الزفاف والوليمة؟ هل هو العريس (الزوج) أو العروس (الزوجة) ؟
أريد معرفة الإجابة في أسرع وقت ممكن حتى أستطيع إبلاغ أسرتي، وسوف أنفذها إن شاء الله في حياتي، لعل الله أن يبارك في وفي زواجي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
- يستحب للمسلم إذا دخل على زوجته عدة أمور قد وردت في السنّة ومنها:
أولا: أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه لحديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدِ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: إِنِّي قَيَّنْتُ (أصلحت العروس) عَائِشَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جِئْتُهُ فَدَعَوْتُهُ لِجِلْوَتِهَا (فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهَا فَأُتِيَ بِعُسِّ (القدح الكبير) لَبَنٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا وَاسْتَحْيَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ لَهَا خُذِي مِنْ يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَأَخَذَتْ فَشَرِبَتْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِي تِرْبَكِ (أي صاحبك يعني نفسه) .. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني
ثانياً: وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها وأن يسمي الله تبارك وتعالى ويدعو بالبركة ويقول ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ.. قَالَ أَبُو دَاوُد زَادَ أَبُو سَعِيدٍ ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ. رواه أبو داود في سننه: كتاب النكاح: باب في جامع النّكاح وحسنه في صحيح الجامع رقم 341.
ثالثاً: ويستحب له أن يصلي بها ركعتين يؤمّها وهي خلفه لأنه منقول عن السلف، وفيه أثران: الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد وفيه أن نفراً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم علّموه فقالوا له: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوّذ به من شرّه، والثاني: عن شقيق قال: جاء رجل يقال له أبو حريز فقال (لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه) إني تزوجت جارية شابة بكرا، وإني أخاف أن تفركني (أي تكرهني) فقال عبد الله: إنّ الإلف من الله، والفرك من الشيطان يريد أن يُكرِّه إليكم ما أحلّ الله، فإذا أتتك فأْمُرْها أن تصلي وراءك ركعتين. (أخرج الأثرين السابقين ابن أبي شيبة وتخريجهما في آداب الزفاف للألباني)
رابعاً: أن يقول إذا أراد أن يأتيها ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ " رواه البخاري فتح رقم 3271
ولمزيد من التوسّع يُنظر كتاب آداب الزفاف للعلامة الألباني ص 91
- ليس هناك حدّ محدود لعدد المدعوين في وليمة النّكاح فادع من شئت من أقربائك وأقربائها وأصحابك وكلّ من في دعوته مصلحة وفائدة.
- لا يجوز لك شرعا القيام ولا السماح بأيّ منكر أو عمل محرّم كالموسيقى والاختلاط بين الرجال والنساء أو رقص النساء أمام الرّجال وغير ذلك مما يُغضب الله، وكيف تبدّل نعمة الله معصية وفسقا. ويُمكن للنساء أن يعملْن في العرس كلّ ما سمحت به الشريعة كالغناء المباح بالكلمات الطيبة، ويجوز لهنّ من أدوات اللهو الدفّ فقط ويكون ذلك بمعزل عن الرجال.
- وليمة النّكاح على الزوج ويسنّ له إذا كان مقتدرا أن يذبح شاة فأكثر لضيوف الوليمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. " رواه البخاري فتح رقم 2048.
نسأل الله أن يبارك لك ويبارك عليك ويجمع بينك وبين زوجتك على خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/86)
هل الوطء في الدّبر يُلغي عقد النّكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إذا كان الزوج يعاشر زوجته من الدبر فهل يُعتبر زواجهما باطلا وهل يجب إعادة الزواج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى ((نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين)) سورة البقرة.
لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القُبل خاصة إذ هو مزرع الذرّية، فقد شبَّه ما يلقى في أرحامهن من النُّطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النَّبْت بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه، وقوله ((أنى شئتم)) أيْ: من أيِّ جهة شئتم: من خلف وقدام وباركة ومستلقية ومضطجعة إذا كان في موضع الحرْث (أي الفرج وموضع خروج الولد)
قال الشاعر:
إنما الأرحام أرضون لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات
وعَنْ خُزَيْمَةَ بن ثابت رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ لا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ رواه الإمام أحمد5/213 حديث حسن.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ((لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأته في الدبر)) أخرجه ابن أبي شيبه 3/529 والترمذي 1165وحسنه
انظر نيل المرام لصديق حسن خان 1/151-154
أما إذا وقع هذا الأمر من رجل فإن زوجته لا تعتبر طالقا كما شاع وذاع عند كثير من الناس،
إذ أنه لم يدل دليل شرعي على ذلك البتة، إلا أن العلماء قالوا أن من اعتاد على الفعل فإن لزوجته أن تطلب الطلاق منه ذلك لأنّه فاسق يؤذيها بفعله وكذلك فإن الغرض من الزواج لا يتحصّل بهذا الأمر، ويجب على المرأة مقاومة هذا الفعل الخبيث ووعظ الزّوج وتذكيره بالله وبعاقبة من يتعدى حدود الله فإذا تاب الزّوج إلى الله من هذا الفعل فلا مانع من البقاء معه ولا يحتاج الأمر إلى تجديد عقد النكاح، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/87)
تريد الزواج وحملت بها أمها في غير نكاح شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما قام والداي بعقد النكاح كانت أمي حامل بي والآن قد توفي والدي وأنا سأتزوج قريباً وقيل لي بأن أخي الأصغر لا يمكن أن يكون ولياً لي خلال عقد النكاح ولا يمكن أن أذكر اسمي هكذا (فلانة بنت اسم عائلة والدي) فهل هذا صحيح؟
هذا سيسبب شكوكاً وأريد أن أجنب عائلتي الفضيحة وأستر الخطأ الذي قام به والداي لأنهما قد تابا، هل هناك حل لهذه الحالة؟
كطفلة جاءت من غير طريق الزواج فأنا أعلم بأنه ليس لي ذنب ولكنني أتسائل لماذا يجب أن أتحمل خطأ والداي القديم في مثل هذا الأمر المعقد (النكاح) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
ثبت في الحديث الصحيح أن الولد للفراش وللعاهر - الزاني - الحجر فلا يجوز انتسابها إلى الزاني ولا إلى زوج أمها فتنتسب إلى أمها فيقال فلانة بنت فلانة وإلا فيختار لها ولي الأمر اسماً يكون مشتركاً بحيث لا يقع على شخص بعينه، والبنت السائلة ليس عليها من ذنب أبويها شيء، وصبرها على ما تلاقيه من الأذى تؤجر عليه إن شاء الله، والله أعلم.
ويراجع السؤال رقم (6195) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/88)
هل الزواج من أعمال الدنيا أم الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج من أعمال الآخرة أم من أعمال الدنيا وحظوظ النفوس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن قصد به شيئا من الطاعات، بأن قصد الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تحصيل ولد صالح، أو إعفاف نفسه، وصيانة فرجه، وعينه، وقلبه، ونحو ذلك فهو من أعمال الآخرة ويثاب عليه، إن لم يقصد به شيئا من ذلك فهو مباح من أعمال الدنيا وحظوظ النفس، ولا ثواب فيه، ولا إثم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي ص 179.(6/89)
وجد امرأة متدينة ولكن شكلها لا يجذبه فهل يتزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج وأشاروا إلى أخت تحفظ القرآن وهي من أسرة طيبة ومن نفس جنسيتي ونشأتي ولست منجذباً إليها جسدياً، هي جذابة لكن ليست لي. فهل دينها وأسرتها وعلاقتها بالقرآن وملبسها الملائم يكفي؟ ماذا أفعل؟ وما مدى أهمية الجانب الجسدي؟ إنها ليست سيئة لكن ليست إلى الحد الذي أريده.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أردت أن تتزوج فابحث عن ذات الدين كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: فاظفر بذات الدين تربت يداك. ولا مانع من أن يبحث الإنسان مع ذلك عن ما يساعده على غض البصر من جمالٍ وغيره، وهو مطلب معتبر ولذا أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تنكح المرأة لأربع وذكر منها الجمال. فإذا خشيت أن تسيء إلى هذه المرأة بسبب عدم انجذابك لها فلا تقدم على الزواج بها. والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: الشيخ عبد الكريم الخضير(6/90)
يريد تحديد النسل لفقره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل علي أن أتريث ولا أحاول أن يكون لي أطفال, بسبب مخاوفي ألا أوفر للأطفال الذين قد يرزقني الله بهم مناخا إسلاميا في العائلة؟ علي ديون من الماضي وأنا أسددها بالإضافة إلى الفوائد التي عليها. وأنا أظن أنه يجدر بي أن أنتظر على إنجاب الأطفال حتى أتمكن من سداد الديون. فما هو رأيك في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى: (وما من دابة إلا على الله رزقها) ، وقال تعالى: (وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم) ، وقال تعالى: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)
وقال تعالى: (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له) .
وقد ذم الله أهل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر ونهى عن صنيعهم، قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) . وأمر الله عباده بالتوكل عليه في جميع الأمور وهو الكافي لمن توكل عليه، قال تعالى: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) ، وقال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) .
فعليك أيها الأخ السائل أن تتوكل على مولاك في حصول رزقك ورزق أولادك، ولا يمنعك الخوف من الفقر من طلب الأولاد والتسبب في الإنجاب فإن الله قد تكفل برزق الجميع، وفي ترك الإنجاب خوفا من الفقر مشابهة لأهل الجاهلية. ثم اعلم أيها الأخ الكريم أن الاقتراض بالفائدة هو من الربا الذي توعد الله أهله بأليم العقاب، وهو أحد السبع الموبقات أي المهلكات، قال عليه الصلاة والسلام: " اجتنبوا السبع الموبقات..... إلى قوله وأكل الربا ". وقال عليه الصلاة والسلام: " لعن الله آكل الربا وموكله ... " الحديث. وإن أكل الربا من أعظم أسباب الفقر، ومحق البركة كما قال تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) . وأظنك لا تعرف حكم الاقتراض بالفائدة فاستغفر الله مما مضى، ولا تعد، واصبر وانتظر من ربك الفرج واطلب الرزق من عنده، وتوكل عليه إن الله يحب المتوكلين.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(6/91)
متعلّقة بمسلم وتريد الزواج منه فهل لا بدّ أن تُسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسيحية أحب شابا مسلما يبلغ من العمر 19 سنة. وقد كان لطفا من هذا الشاب أن يقبل الدخول في علاقة معي مع أني غير عذراء. وقد طلب مني أن أوافق على الزواج منه، وأنا أخطط لقبول هذا العرض. فهل يلزمني أن أتحول إلى الإسلام إذا تزوجته، حتى لو لم أكن راغبة في ذلك. وقد تحدثنا عن الأطفال الذين قد نلدهم في المستقبل واتفقنا على أنهم سيكونون مسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم من الضروري جدا بالنسبة لك أن تدخلي في الإسلام وهذا سيحلّ كلّ المشكلات ابتداء من صحة عقد النكاح مرورا بمستقبل الأولاد وتوحيد وجهة تربيتهم وتعليمهم وانتهاء بالفوز في الآخرة والراحة بعد الموت، وما تشعرين به من عدم رغبتك النفسية في هذه الخطوة قد يكون مردّه إلى صعوبة ترك ما ألفتيه من الدّين الذي نشأت عليه، أو كراهية مخالفة أهلك وأقربائك أو الخوف من إيذاء الآخرين وانتقادهم أو خشية فقْد بعض الميزات الدنيوية ولكن كلّ ذلك يسهل التغلّب عليه إذا استعنتِ بالله وعزمت على اتّباع الحقّ فإنّ الإنسان العاقل مستعدّ للتضحية وتحمّل الصّعوبات في سبيل اتّباع الحقّ، لأنّ الحقّ أحقُّ أن يُتّبع وكلّ صعوبة دونه تهون لأنّ النتيجة هي السّعادة في الدنيا والآخرة والفوز بجنّة عرضها السموات والأرض ثمّ إنّ زواجك سيساعدك على معيشة توافق وتآلف مع زوجك - إذا تاب إلى الله من العلاقة المحرمة وصار ذا خلق ودين - وأهله المسلمين، ولن يكون هناك خلاف في الدّين الذي سيتربّى عليه الأولاد ولن يشعروا بأي تناقض في الأسرة التي سيعيشون فيها وسيكونون بمنأى عن العقد النّفسية الناتجة عن اختلاف دين الأبوين وقد حصل عند أحد الناس شعور مشابه للشّعور الذي تشعرين به كما جاء في القصّة التالية التي حدثت على عهد نبي الإسلام عليه السلام: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ أَسْلِمْ قَالَ أَجِدُنِي كَارِهًا قَالَ أَسْلِمْ وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا. رواه الإمام أحمد 11618 وهو في صحيح الجامع 974 فهذا هو الموقف الصّحيح الذي يجب أن يتخذه الإنسان من الدين الحقّ، ولمزيد من المعلومات حول موضوع الزواج هذا نرجو مراجعة السؤال رقم 3025 والسؤال رقم 2527 ونتمنى لكِ كلّ خير ونجاح وفلاح، والسّلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/92)
الفرق بين زواج المسلمين والكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة جديدة وأريد أن أعرف الفرق بين زواج المسلمين وزواج الكفار؟
هل العريس يلبس البياض؟ هل الزوجان يتبادلان الخواتم؟ هل الرقص جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك فروق كثيرة بين زواج المسلمين والكفار فمنها: اشتراط الولي للمرأة يعني يزوجها وليها
واشتراط الشهود وإعلان النكاح وألا تكون المرأة محرمة على الزوج ولا يلزم أن يكون الزواج في المسجد.
وللعريس أن يلبس ما أباح الله له من الألبسة بدون اشتراط لون معين.
ولا يجوز أن يتبادل مع زوجته الخواتم لأنه أمر مخترع في الدين وهو ما يسمى بالدبلة، ويزداد الأمر سوءا إذا لبس الرجل خاتم ذهب، فإن الذهب محرم على الرجال في الإسلام، ويستحب للنساء خاصة الغناء باستعمال آلة الدف دون استعمال أية معازف أخرى.
ولا يجوز اختلاط الرجال بالنساء في الزواج ولا في غيره، ولا جلوس الزوج مع زوجته أمام النساء.
وإذا كانت النساء لوحدهن لا يراهن الرجال فالرقص جائز إلا إن تسبب في إثارة الغرائز وتحريك الشهوة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/93)
تزوج فتاة ولا يشعر تجاهها بأي انجذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أود إعطائي النصيحة لمشكلة تراودني في حياتي منذ فترة طويلة. أنا مسلم أطبق تعاليم الإسلام وأنفذ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بسعادة وأتبع أوامر الله. ومنذ سنتين قررت أن أكمل نصف ديني وأتزوج وذلك لأن معيشة الإنسان أعزب في الدول الغربية تجعل الفرد أمام كل أنواع الإغراءات. وعلى أي حال فقد ذهبت إلى بلدي حيث شعرت أنني سوف أجد فيها فرصة أكبر لمقابلة الإنسانة التي تناسبني وتقدمت للعديد من البنات إلى أن صادفت امرأة أحسست أني أعرفها جيداً وبما أنني في بلاد الغرب بعيداً كان الوقت الذي أقضيه معها قليلاً. لذا فقد فعلت الأشياء التالية قبل أن أتخذ قرار الزواج منها: جلست أمي معها وأخبرتني أنها فتاة رائعة وأنها ستكون مناسبة جداً لي وسألت العديد من الناس عنها فلم أجد أي شخص يتكلم عنها بسوء. وأنا أيضاً جلست معها ووجدتها على درجة كبيرة من الخلق ومثقفة دينياً بدرجة عالية وتستحق أن تكون زوجة صالحة. وبوضوح في النهاية توكلت على الله ودعوت الله أنا وأمي أن نكون على صواب في هذا الاختيار ولقد صليت أيضاً صلاة استخارة لتعينني على أخذ هذا القرار. وبالفعل تزوجتها دون أي مشكلة وحصلت الزوجة بسهولة على تأشيرة لتأتي معي حيث أعيش اعتقدت أن كل شيء على ما يرام. والآن دعني أوضح لك شيء واحد ألا وهو حلم يحلم كل إنسان أن يعيش معه. فقد كان ليس لدي أي مشكلة معها وكان كل عائلتي يحبونها ولكن مشكلتي هي الآتي: لم أستطع في حياتي معها أن أجد أي اهتمام أو شغف جنسي بها فقبل الزواج كنت أنظر إليها باهتمام وشغف أما الآن وبسبب مجهول حتى لم أستطع الاقتراب منها جنسياً فأنا لا أستطيع أن أصف لك إلى أي مدى وصلت درجة الإحباط. وهذا لا يقودني أنا وحدي فقط إلى الجنون بل وهي أيضاً انزعجت كثيراً بهذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثم الحمد لله على كل حال
أيها الأخ المسلم إنّ ما وصفته من الحال هو فعلا شاق ومؤلم ولكن لا يملك المسلم إلا أن يرضى بقضاء الله ويواجه ما ينزل به من الصعاب باتّخاذ الأسباب الشرعية.
والذي ننصحك به ما يلي:
- مراجعة طبيبٍ نفسي مسلم تثق به.
- الإستعانة بالرقية الشرعية بحيث ترقي نفسك، أو تطلب من أحد الصالحين أن يرقيك.
- فإن لم يتغيّر الحال فنوصيك بالصّبر وتقوى الله والإلحاح بالدعاء وسيجعل الله لك فرجا ومخرجا.
- فإذا استمر الحال مدة طويلة وحلّ الضرر بالمرأة فقد لا يكون هناك إلا الفراق وسيغن الله كلا من سعته.
- وعليك بحسن الظنّ بالله والتفاؤل، وقد يكون مرور بعض الوقت من أسباب تغيّر الحال.
ونسأل الله أن يفرّج كربتك ويعجّل إعانتك والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/94)
هل الفترة الطويلة بين العقد والدخلة مكروهة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفترة الطويلة بين العقد والدخلة مكروهة شرعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
ليست مكروهة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عقد على عائشة وهي بنت ست سنين، وبنى بها ولها تسع سنين. والخاطب قد يتعجل أحيانا لشفقته على العقد ويخشى أن يتبدل رأي المرأة أو أهلها فيبادر ولا بأس بذلك شرعا، ولكني أرى أن يكون العقد عند الدخول أو قريبا منه ما أمكن تلافيا للمشكلات التي قد تحدث ; من خلاف يؤدي إلى طلاق أو حدوث وفاة أو غير ذلك.. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/95)
هل جماع الزوجة يعدل صلاة سبعين نافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[حسب صحيح مسلم فإن الرجل وزوجته يثابا على الجماع، فهل صحيح أن الثواب يعادل أجر 70 صلاة من النافلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا جامع الرجل زوجته فهو مأجور لأنه اتَّبع الحلال وترك الحرام، وهذا ما يؤكده حديثٌ النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أبي ذر: " أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليله صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ".
رواه مسلم (1674) .
أهل الدثور: أهل الأموال.
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى:
قوله صلى الله عليه وسلم " وفي بُضع أحدكم صدقة ": هو بضم الباء، ويطلق على الجماع، ويطلق على الفرج نفسه.
…وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعهما جميعا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة قوله قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر. " شرح مسلم " (7 / 92) .
ثانياً:
أما قولك " أن الثواب يعادل أجر سبعين صلاة من النافلة ":
فلعل السؤال عن ثواب المجامع لزوجته، وقولك هذا لعله جاء من قراءتك في " شرح النووي على صحيح مسلم "، وهو الكلام الذي أوردناه آنفاً حيث أن الشيخ رحمه الله تعالى تحدث في شأن الأمر بالمعروف وأنه واجب ثم تحدث في شأن التسبيح والذكر وأنه سنَّة، ثم بين أن الفريضة تعدل النافلة بسبعين درجة، ثم قال: واستأنسوا فيه بحديث.. ثم قال بعد نهاية هذا الكلام: " قوله صلى الله عليه وسلم وفي بُضع أحدكم ": فلعلك ظننتَ أن الحديث الذي استأنسوا به هو حديث " وفي بُضع أحدكم ".
فإذا كان كذلك: فاعلم أن الكلام الأول منفصل عن الذي بعده فقوله: " بحديث " يعني حديثاً ما، ولم يذكره الإمام النووي، ثم لما فرغ من حديثه عن الفرض والنافلة ودرجة كل منهما شرع في بيان قوله " وفي بضع أحدكم "؛ فوقع الوهم بهذا.
هذا ما نظنه، وأما إن أردت أن ثواب الفريضة يعدل سبعين من النافلة: فقد جاء قول النووي وذكر أن في ذلك حديثاً ولم يذكره.
وقد علمنا ما أراده النووي مما أشار إليه، وهو ما يأتي في الفائدة التي وجدناها للحافظ ابن حجر رحمه الله:
قال الحافظ:
فائدة:
نقل النووي في " زيادات الروضة " عن إمام الحرمين عن بعض العلماء أن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة بسبعين درجة، قال النووي: واستأنسوا فيه بحديث. انتهى
والحديث المذكور ذكره الإمام في " نهايته " وهو حديث سلمان مرفوعاً في شهر رمضان " مَن تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومَن أدَّى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة في غيره " انتهى
وهو حديث ضعيف، أخرجه ابن خزيمة، وعلّق القول بصحته.
" التلخيص الحبير " (3 / 118) .
ومقصوده رحمه الله بأنّ ابن خزيمة علّق القول بصحّته يتضّح بالرجوع إلى صحيح ابن خزيمة (3 / 191) ، حيث بوَّب عليه: باب فضائل شهر رمضان إن صح الخبر. أ. هـ
والحديث: فيه علي بن زيد بن جدعان وهو راو ضعيف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/96)
هل يشترط الزواج لدخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن المسلم إذا لم يتزوج فلن يدخل الجنة فهل هذا صحيح؟ إذا كان صحيحاً فعلى أي أساس؟ أتوقع أن السبب هو التكاثر وتجنب الاتصال الجنسي المحرم وهذا سبب مشترك مع بقية الأديان، ولكنني أريد معرفة النقطة الأخيرة وهي: ألا يمكن للشخص أن يكون تقياً وغير متزوج في نفس الوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط الإسلام لدخول الجنة الزواج، ولكن إذا خشي الإنسان على نفسه فعل المحرم فلا بد من الزواج، وإذا لم يتزوج والحالة هذه فهو مخطئ.
وبخصوص الفقرة الثانية فإنه يمكن أن يكون الشخص تقيا وغير متزوج ولكن هذا نادر، والغالب أن من يترك الزواج أحد الرجلين إما أن يكون عاجزا أو عاهرا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل لم يتزوج: ما يمنعك إلا عجز أو فجور.
وعلى كل حال فالإسلام يحث على الزواج ويعتبره من سنن المرسلين، وينهى عن ترك النكاح ولو لأجل الانقطاع للعبادة " ولا رهبانية في الإسلام ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/97)
تزوجها عرفيا ثم طلقها ثلاثا، هل يجوز أن ينكحها بعد ذلك نكاحا صحيحا دون أن تنكح زوجا غيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت زوجتي الثانية زواج عرفي وذلك لكي لا تعلم الزوجة الأولى وتطالب بالطلاق وحدثت مشاكل في خلال فترة زواجنا القصيرة مما نتج عنها الطلاق لثلاث مرات ... وبعد ذلك سمعت في إحدى الفتاوى أن الزواج العرفي حرام، ويعد زنا، فهل معنا ذلك أنه من الممكن أن أتزوج زوجتي الثانية زواج شرعي رسمي دون أن تنكح زوجاً غيري ... أفيدوني أفادكم الله، فالله وحده يعلم مدى المعاناة التي نعانيها الآن حيث إن الحياة مع زوجتي الأولى في طريقها للنهاية وهذا بناءًا على طلبها هي مما يتيح لي الزواج بالثانية زواج شرعي رسمي وإعلانه على كل الدنيا ... فهل الزواج العرفي فعلاً حرام، وغير معترف به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تقصد "بالزواج العرفي" أنك تزوجت المرأة زواجا شرعيا صحيحا بمهر وشهود وولي للمرأة إلا أنك لم تشهره في الناس، ولم توثقه في المحاكم، وأخفيته على زوجتك الأولى فهو زواج صحيح شرعاً، فيقع الطلاق فيه بلا إشكال، فلا يجوز لك نكاحها بعد أن طلقتها ثلاثا حتى تنكح زوجا غيرك، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له.
ولمزيد الفائدة عن بطلان نكاح التحليل وحرمته ينظر جواب السؤال رقم: (109245) .
وإذا كنت تقصد "بالزواج العرفي" أنك تزوجتها بدون إذن وليها، ولم تخبر أحداً خشية أن تعلم الزوجة الأولى، فقد اختلف العلماء في صحة نكاح المرأة بدون إذن وليها، فذهب إلى صحته الإمام أبو حنيفة رحمه الله، وذهب جمهور الأئمة إلى عدم صحته، لأدلة كثيرة، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه الترمذي وحسَّنه (1102) وأبو داود (2083) ابن ماجه (1879) من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
وعلى كلا القولين (قول أبي حنيفة، وقول الجمهور) فما دمت تزوجتها وأنت تعتقد أن النكاح صحيح، فيلزمك أحكام النكاح الصحيح، فيقع طلاقك ويحسب عليك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (32/99) .
ولا يجوز للرجل إذا طلق ثلاثاً أن يبحث عن صحة النكاح، ويريد إبطاله ليبطل الطلقات الثلاثة التي طلقها، فإن هذا تلاعب بأحكام الله، حيث يحكم بصحة النكاح عندما يكون له هوى في صحته، ويحكم بعدم صحته عندما يكون له هوى في عدم صحته.
وقد سبق عرض طائفة من أقوال العلماء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (116575) .
فعلى هذا، لا يحل لك أن تتزوج هذه المرأة حتى تنكح زوجاً غيرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/98)
تزوج أخت زوجته قبل أن يطلق زوجته، فهل أولاده منها أبناء زنا؟؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج أبي من خالتي ومن ثم دخلت مستشفي للإمراض العقلية ولا اعلم إذا تم الطلاق بينهم قبل أن يتزوج أمي وأنجبت أمي أربعة أبناء ومن ثم ماتت خالتي. هل اعتبر أنا وإخواني أبناء حرام أو زنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
من المحرمات المتفق على تحريمها بين العلماء: الجمع بين الأختين في النكاح، لقوله تعالى في تعداد المحرمات من النساء على الرجال: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) [النساء/23]
قال القرطبي: " وأجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد واحد من النكاح لهذه الآية ". انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (5/116) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (18 / 235) : " الجمع بين الأختين في عقد نكاح محرم بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، سواء كانتا أختين شقيقتين، أو من أب، أو أم، وسواء كانتا أختين من نسب أو رضاع، حرتين أو أمتين، أو حرة وأمة، وقد أجمع على ذلك أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وسائر السلف، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على القول به ". انتهى.
وبناء على ذلك:
فإن كان والدك قد تزوج أمك بعد أن طلق خالتك وانتهت عدتها، فلا إشكال في ذلك.
وأما إن تزوجها قبل أن يطلق خالتك، أو قبل انتهاء عدتها، فزواجه باطل، ويلزمه أن يفارقها، ولا يحل لها أن تمكنه من نفسها.
فإذا انتهت عدتها بعد ذلك، جاز له أن يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد.
ثانياً:
هذا النكاح وإن كان باطلا، إلا أن النسب يثبت به، ولا يعد أبناؤه من هذا الزواج الباطل أبناء زنى، نظرا لوجود شبهة عقد النكاح، وربما كان يظن أن المفارقة الحسية لزوجته الأولى، بانتقالها إلى المستشفى تبيح له الزواج من أختها.
قال ابن قدامة المقدسي عمن تزوج أختين: " وإن ولدت منه إحداهما، أو هما جميعاً، فالنسب لاحق به؛ لأنه إما من نكاح صحيح، أو نكاح فاسد، وكلاهما يلحق النسب فيه ". انتهى " المغني " (6/582) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن نكح امرأة نكاحاً فاسداً متفقاً على فساده، أو مختلفاً في فساده، ووطئها يعتقدها زوجته: فإن ولده منها يلحقه نسبه، ويتوارثان، باتفاق المسلمين ". انتهى. "مجموع الفتاوى" (34/14) مختصرا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة، ثم جمع معها بنت أختها؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" زواجهم هذا غير صحيح؛ بل هو باطل، والواجب أن يفرق بينه وبين هذه الزوجة الأخيرة ... فالواجب التفريق بين هذا الرجل وبين المرأة التي عقد عليها هذا العقد المحرم، ولا يثبت بهذا العقد شيء من أحكام النكاح؛ اللهم إلا أن تأتي بأولاد منه في حال الجهل: فإن هؤلاء الأولاد يلحق نسبهم بأبيهم فيكونون أولاداً لأبيهم وأمهم ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/99)
اشترط عليها أن ترعى والده ثم تزوج عليها فطالبته بسكن منفرد وتقسيم العمل مع ضرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوَّج السائل من امرأة بعد أن حكى لها وضع والده الذي يعاني من المرض، ويحتاج إلى من يعتني به، فوافقت، ويريد الآن أن يتزوج بالثانية، ولكن الأولى قالت: إذا تزوجتَ بالثانية: فسيكون من حقي أن أطالب ببيت منفرد، ونتقاسم رعاية والدك بيننا، فما رأيكم بذلك؟ يقول السائل: كيف تطالب بهذا الأمر مع أنه اشترط عليها من البداية العناية بوالده، بل إنه ما تزوجها إلا لهذا الغرض، لا غير؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تعالى الوفاء بالعقود، والعهود، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1.
وأولى العقود أن يُوفى بها: عقود الزواج، وسواء كان ذلك الوفاء من قبَل الزوج، أو الزوجة.
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2572) ومسلم (1418) .
وعليه: فالواجب على الزوجة الوفاء بالشرط الذي اشترطه زوجُها عليها، وهو خدمة ورعاية والده، وليس للزوجة – فيما يظهر لنا – أن تطالبه بتقسيم هذا العمل بينها وبين ضرتها؛ لعدم اشتراطها ذلك في العقد، مع علمها بإباحة الله تعالى له التزوج بغيرها، كما أنها لم تشترط عليه أن لا يتزوج عليها.
وأما المطالبة بسكنٍ منفردٍ: فإنَّ لها الحق فيه إلا أن يكون الاشتراط عليها قبل العقد أن ترعى والده في بيته، وأنه لا سكن لها مستقل عن والده، فيجب عليها – حينئذٍ – الوفاء بالشرطين – السكن، والرعاية – وليس لها المطالبة بسكنٍ منفرد، ولا بتقسيم العمل بينها وبين ضرتها، إلا أن يفعل ذلك الزوج من تلقاء نفسه.
وإذا لم تحتمل الزوجة وضعها الجديد: فلها طلب " الخلع "، فتتنازل عن مهرها لزوجها، ويطلقها.
وينظر تفصيل الخلع في جواب السؤال رقم: (26247) .
وإننا ننصح الزوج أن يكون حكيماً في تصرفه، وأن يتقي الله في زوجته الأولى، فقد قبلت به زوجاً، وقبلت بخدمة والده المريض، فليس من مكافأتها أن يأتي لها بضرة لا تشاركها عملها، وتتميز عنها بميزات تسبب له قلقاً في حياته، وتنكد عليه معيشته.
ولسنا بالذي نمنع ما أباح الله تعالى من التعدد، لكننا نعلم أنَّ مِن حسن أخلاق المرء: مكافأة من أحسن إليه، بالكلمة، والفعل، ولا نرى أن إصرار الزوج على عدم مشاركة زوجته الثانية لرعاية والده: من حسن مكافأة زوجته الأولى، وكان الأجدر به أن يشترط على الثانية ما اشترطه على الأولى، وبذلك يكون منصفاً، وحكيماً.
وبكل حال:
نرى أن على الزوجة الالتزام بشرط النكاح الذي اشتُرط عليها، ولها حق طلب الخلع إن كانت تخشى عدم الوفاء بالشرط، أو عدم الوفاء بحقوق الزوج، ونرى أن على الزوج أن يحسن التصرف ليَخرج من هذا الأمر، وذلك باشتراطه على الثانية مثل ما اشترطه على الأولى - من رعاية والده -، وإذا كان العقد قد تمَّ دون ذلك: فعليه أن يتلطف معها في الطلب أن تخدم والده، وترعى أموره بالمشاركة مع زوجته الأولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/100)
زوجها أهلها بغير رضاها ثم حصلت على طلاق مدني في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[كان عمري 16 سنة عندما زوجني أهلي غصبا عني، وأنا لا أريد الشخص، وعند الشيخ لم أتكلم بكلمة، مع العلم لست موافقة. وقال الشيخ يجب أن تكون في سن 18، ثم أهلي زوروا الأوراق وكبروني 2 سنة، وتزوجت في المحكمة، وسافر الزوج إلى أوروبا، وبعد 3 سنة جاء للزواج، صار العرس وسافر، ولم يدخل علي، أنا لن أعطيه المجال. وبعد 6 شهور سافرت إلى أوروبا إلى بيته وطلبت الطلاق منه، لم يطلقني، وذهبت إلى المحكمة، وطلبت الطلاق في أوروبا، وطلقوني وهو وقع على الطلاق بأنه لا يريدني، وأنا بعيدة عنه سنة وثلاثة شهور. هل أنا مطلقة في الإسلام، لأن الطلاق هنا فقط في المحكمة أو البلدية، لا يعترفون بزواج الإسلام في هذا البلد. مع العلم أنه يسكر، ويسب الدين. ساعدوني لو سمحتم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إجبار المرأة على الزواج ممن لا تريد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) رواه مسلم (1421) .
وقوله: (لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419) .
فإن زُوجت بغير رضاها فالنكاح لا يصح، ويجب النظر في ذلك من قبل المحكمة الشرعية.
وينظر: سؤال رقم (112796) .
وفي البلاد التي لا توجد فيها محاكم شرعية، يُرجع إلى أهل العلم في المراكز الإسلامية، فإذا حكموا بفسخ النكاح، جاز الرجوع بعد ذلك إلى المحكمة الوضعية لتوثيق الطلاق.
وأما حكم المحكمة الوضعية ابتداء فلا قيمة له، إلا أن تكون المرأة مستحقة للطلاق، وقد تلفظ الزوج بالطلاق، فيقع الطلاق لتلفظه به، لا لحكم المحكمة.
وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (127179) .
ثانيا:
إذا صدر من الزوج ما يوجب الردة عن الإسلام، كسب الدين، أو ترك الصلاة على الراجح، فإن كان قبل الدخول بالزوجة: انفسخ النكاح في الحال.
وإن كان بعد الدخول، توقف الأمر على توبته قبل انتهاء العدة، فإن تاب فالزوجية قائمة، وإن انقضت العدة ولم يتب انفسخ النكاح شرعا، ويمكن الاعتماد حينئذ على وثيقة الطلاق الصدارة من المحكمة الوضعية باعتبارها مستندا يثبت الفرقة بين الزوجين.
وإن كان يتوب ثم يعود، كأن يسب الدين ثم يستغفر ثم يعود، فللمرأة أن ترفع أمرها للمحكمة الشرعية لتطلب الطلاق.
فإن لم توجد فللمركز الإسلامي كما سبق.
وأما أن الشيخ كان قد أخبر أهلك بأن السن يجب أن يكون (18) سنة، فهذه شرط باطل، ليس له أصل في شرع الله، وأنما صات تشترطه بعض الأنظمة الوضعية في البلاد الإسلامية، تبعا للغرب، وخضوعا لرغباتهم وضغوطهم أحيانا، وهو جزء من مخطط إفساد المجتمعات الإسلامية، ليصير وضع المرأة فيه على ما هو عليه في بلاد الكفار.
ثم ننبهك أخيرا، إلى أنه ـ في حال انفصالك عن هذا الزوج ـ يجب عليك أن تعودي إلى بلدك، إن كنت تعيشين هناك بعيدا عن أسرتك، وليس معك محرم يرافقك.
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ويعينك على طاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/101)
ليس لها ولي وخاطبها في مدينة أخرى فكيف يتم النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أتزوج فتاة ليس لها ولي كما أنها لا يمكنها الحضور في المسجد لأننا نعيش بعيدا جدا عن بعضنا البعض؟ هل يمكنني أن آخذ معي ورقة تقول بأنها ترغب في الزواج مني إذا ما كان الإمام سيكون وليها؟ مع العلم أن الإمام لم يرها من قبل ولا أظنه سيراها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يكن للفتاة ولي، زوّجها القاضي الشرعي فإن لم يوجد زَوَّجها رجل ذو مكانة من المسلمين كإمام الجامع أو المركز الإسلامي، أو عالم مشهور، فإن لم يوجد زوّجها رجل من المسلمين. وينظر جواب السؤال رقم (48992) .
ويشترط لصحة النكاح شهادة شاهدين من المسلمين، يشهدان على حصول الإيجاب الصادر من الولي، والقبول الصادر من الزوج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وإذا كنت في بلد والفتاة في بلد، وليس لها ولي كما ذكرت، فإن السبيل إلى عقد النكاح أن يكون وليها من أهل مدينتها، إمام المسجد أو المركز كما سبق، فيقف على رغبتها في النكاح ورضاها بك. ثم يوكل شخصا ينوب عنه في مدينتك، يُجري معك العقد، أو يتم العقد بينك وبينه عن طريق الهاتف أو برامج المحادثة على الإنترنت في حضور شاهدين عندك أو عنده، يسمعان إيجابه وقبولك.
وإجراء النكاح عبر الهاتف، الراجح جوازه عند أمن التلاعب.
وقد توجهنا بالسؤال التالي للشيخ ابن باز رحمه الله:
" أريد أن أعقد على فتاة وأبوها في بلد آخر ولا أستطيع الآن أن أسافر إليه لنجتمع جميعا لإجراء العقد وذلك لظروف مالية أو غيرها وأنا في بلاد الغربة فهل يجوز أن أتّصل بأبيها ويقول لي: زوجتك ابنتي فلانة، وأقول: قبلت والفتاة راضية، وهناك شاهدان مسلمان يسمعان كلامي وكلامه بمكبر الصوت عبر الهاتف؟ وهل يعتبر هذا عقد نكاح شرعي؟
فأجاب بأنّ ما ذُكر إذا كان صحيحا (ولم يكن فيه تلاعب) فإنه يحصل به المقصود من شروط عقد النّكاح الشّرعي ويصحّ العقد.
وينظر جواب السؤال رقم (2201) ، ورقم (48992) .
ولله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/102)
لا يحق للجد تزويج حفيدته دون علم أبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة سافر والدها إلى بلد آخر، وبعد سفره زوجها جدها لأبيها وهي كارهة ولم يخبر والدها , وزعم الجد أن الأب موافق وتم الزواج , وعندما علم والدها رفض الزواج وعزم على تطليقها , ثم بعد عودته تراجع وأقرت الفتاة ذلك الزواج، لكن بعد فترة طويلة من البناء بها , فهل يصح هذا العقد؟ وما حكم الفترة التي كانت رافضة فيها الزواج , وهل يحق لجدها تزويجها دون علم أبيها؟ وماذا عليهم الآن وقد مر على هذا الزواج سنوات عديدة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من شروط النكاح التي لا يصح إلا بها: رضا الزوجين؛ فلا يجوز للأب ولا لغيره من الأولياء أن يزوِّج البالغة العاقلة الرشيدة إلا بإذنها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) رواه مسلم (1421) .
وعن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. رواه البخاري (5139) .
فإذا تم العقد بدون رضا المرأة فهو غير صحيح.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
"من شروط صحة النكاح: رضا الزوجين، فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح" انتهى.
"فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (10/64) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "القول الراجح في هذه المسألة: أنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد وإن كان كفؤاً.
وعلى هذا؛ فيكون إجبار الرجل ابنته على أن تتزوج بشخص لا تريد الزواج منه يكون محرماً، والمحرم لا يكون صحيحاً نافذاً، وعلى هذا القول الراجح يكون تزويج الوالد ابنته بمن لا تريد تزويجاً فاسداً، والعقد فاسد" انتهى باختصار.
"فتاوى نور على الدرب" (10/129) .
ويشترط لصحة النكاح أيضاً: أن يعقده الولي أو وكيله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) من حديث أبي موسى، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1818) .
وأبو المرأة هو أول الأولياء وأولاهم، فلا يجوز لأحد أن يزوج امرأة وأبوها موجود إلا بإذنه، وانظر جواب السؤال رقم: (45513) .
فإن زَوَّجها أحدٌ ـ الجد أو غيره ـ بدون رضا الأب أو بدون علمه فالنكاح غير صحيح، لأنه تم بدون رضا الولي.
انظر: " الموسوعة الفقهية" (33/90) (41/283) ، "المغني" (7/21) .
وعلى هذا؛
فالنكاح الذي تم غير صحيح لسببين: عدم رضا الزوجة، ولأنه تم بلا ولي.
فالذي عليهم الآن وقد رضي الولي والمرأة، أن يعيدا العقد مرة أخرى، فيقول والدها للزوج: زوجتك ابنتي. ويقول الزوج: قبلت، ويكون ذلك بحضور شاهدين، فبهذا يتم تصحيح الوضع الخاطئ، ويكون لها مهرها على هذا العقد الثاني الصحيح، ولهما أن يتفقا على المهر، أي شيء كان، مهما كان قليلا، مادامت المرأة راضية بذلك.
وأما المدة التي سبقت، فنرجو أن يعفو الله عنهم، وإن كانوا رزقوا بأولاد فهم أولاد شرعيون، لأنهم كانوا يظنون صحة العقد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/103)
عقد عليها وهي حامل من الزنى ويرفض الآن تجديد العقد
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني في حاجة لمساعدتك إن شاء الله. لقد زنيت مع رجل مسلم قبل أن اعتنق الإسلام ونتج عن ذلك حمل. وقد نطقت بالشهادتين وفي اليوم التالي وبينما أنا في الشهر السادس من الحمل تزوجنا. لقد رأيت في موقعكم في السؤال رقم 9848 أن هذا الزواج باطل. إن مشكلتي هي أن زوجي يرفض قبول بطلان الزواج ولن يقوم بكتابة عقد الزواج مرة أخري حيث انه يقول انه لا يوجد دليل علي ذلك من الكتاب أو السنة (وأنا لست على علم يكفي لمجادلته) . فهل أصبح آثمة إذا تركت البيت ورفضت الرجوع إذا لم يعترف ببطلان الزواج؟ أم هل آثم إذا بقيت معه؟ أرجو النصيحة لأن هذا الأمر يقلقني بشدة فأنا لا أريد أن أرتكب نفس الخطأ مرة أخرى حيث إنني تبت عن أفعالي السابقة وندمت عليها بشدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المذكور في موقعنا هو عدم صحة زواج الزاني من الزانية قبل التوبة وقبل استبراء الرحم، والمسألة محل خلاف بين الفقهاء، وما اعتمدناه هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله وهو الذي يشهد له الدليل، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (85335) .
ومن الفقهاء من يصحح العقد قبل التوبة، ومنهم من يصححه مع وجود الحمل، إذا كان الحمل منه.
وأنت قد مَنَّ الله عليك بالإسلام، والإسلام يهدم ما قبله من الزنى وغيره، فقد تحقق لك شرط التوبة، قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/38.
وقد ذهب الحنفية والشافعية إلى جواز العقد على الحامل من الزنا ووطئها بعد العقد إن كان الزنى منه.
وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/338) ، "حاشية ابن عابدين" (3/49) .
ولا شك أن الأحوط هو تجديد عقد النكاح، خروجا من الخلاف، فإن كان زوجك قد استفتى من يقول بصحة النكاح، أو كان مقلدا للحنفية أو الشافعية، فلا يلزمه تجديد العقد، ولا تأثمين حينئذ بالبقاء معه، نظراُ لأن المسألة من المسائل الاجتهادية، التي اختلف فيها العلماء.
وتجديد العقد لا يحتاج إلى كتابة، وإنما يتم بين الزوج والولي المسلم إن وجد، مع حضور شاهدين، وإن لم يوجد ولي مسلم، زَوَّجك إمامُ المركز الإسلامي، ويكون هو وليك في عقد النكاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/104)
حكم شهادة من لا يصلي على عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت على زوجتي، ولكن كان أحد الشاهدين على العقد تاركا للصلاة - قد يترك الجمعة أيضا -، كما أن أبا زوجتي لا أعلم هل يصلي أم لا، ولكنه يصلي الجمع ويصوم، وكان الولي في العقد، فهل العقد صحيح؟ وهل علي أن أسأل أبا زوجتي عن صلاته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يشترط لصحة النكاح: شهادة عدلين من المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " لا ينعقد النكاح إلا بشهادة مسلمين , سواء كان الزوجان مسلمين , أو الزوج وحده. نص عليه أحمد. وهو قول الشافعي.... لقوله عليه السلام: (لا نكاح إلا بولي , وشاهدي عدل) " انتهى من "المغني" (7/7) بتصرف.
ثانياً:
تارك الصلاة المقر بوجوبها فاسق في مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وكافر في مذهب أحمد وجمهور السلف من الصحابة والتابعين، وهو القول الذي تدل عليه الأدلة، وينظر جواب السؤال رقم (5208) ورقم (83165) .
وعليه؛ فلا تصح شهادته على النكاح لأنه ليس بعدل، سواء قيل بكفره أو بفسقه.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: رجل مسلم ملتزم بدينه، محافظ على الصلوات الخمس، تزوج من امرأة مسلمة، فكان أحد الشاهدين على عقد النكاح رجل لا يصلي، وربما وقع في الكبائر كشرب الخمر، فهل عقد النكاح في مثل هذه الحالة صحيح من الناحية الشرعية؟ علما بأنه قد حضر لكتابة العقد عدد كبير من الرجال المسلمين المصلين، وشهدوا بأنفسهم إجراءات الصك للزواج، فما حكم ما وقع بين الزوجين من النكاح، وهل يلزم أن نعيد كتابة العقد؟
فأجاب: "إذا كان عند العقد عند قول الولي: زوجتك، وعند قول الزوج: قبلت، لم يحضرهما إلا شاهدان أحدهما لا يصلي، فيعاد العقد؛ لأنه ليس بعدل؛ لأن العقد لا بد فيه من شاهدي عدل مع الولي، فإذا كان عند إجراء العقد، حين قال الولي: زوجتك، وحين قال الزوج: قبلت، لم يحضرهما إلا شاهدان، أحدهما فاجر معروف الفجور، أو كافر كتارك الصلاة، فإنه يجدد العقد " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (20/45) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: شخص أراد الزواج، ولما جاء عند كتابة العقد أتى بشاهدين، ولكن تبين له أن أحدهما لا يصلي، فما حكم العقد؟
فأجاب: عقد غير صحيح؛ لأن الذي لا يصلي لا تصح شهادته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ، يشترط بالشاهد أن يكون عدلاً، والذي لا يصلي ليس عدلاً، وليس مسلما فلا تصح شهادته " انتهى من "موقع الشيخ الفوزان".
ثالثاً:
إذا تم إشهار النكاح وعلم به الجمع من الناس، فإن هذا يغني عن حصول الشهادة الخاصة عند جمع من أهل العلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقال بعض العلماء: إنه يشترط إما الإشهاد، وإما الإعلان، أي الإظهار والتبيين، وأنه إذا وجد الإعلان كفى؛ لأنه أبلغ في اشتهار النكاح، وأبلغ في الأمن من اشتباهه بالزنا؛ لأن عدم الإشهاد فيه محظور، وهو أنه قد يزني بامرأة ثم يدعي أنه قد تزوجها وليس الأمر كذلك، فاشتراط الإشهاد لهذا السبب، لكن إذا وجد الإعلان انتفى هذا المحظور من باب أولى، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل قال: إن وجود الإشهاد بدون إعلان في النكاح في صحته نظر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإعلان النكاح، وقال: (أعلنوا النكاح) ، ولأن نكاح السر يخشى من المفسدة حتى ولو بالشهود؛ لأن الواحد يستطيع أن يزني والعياذ بالله بامرأة، ثم يقول: تزوجتها، ويأتي بشاهدي زور على ذلك ".
ثم قال: " فالأحوال أربعة:
الأول: أن يكون إشهاد وإعلان، وهذا لا شك في صحته ولا أحد يقول بعدم الصحة.
الثانية: أن يكون إشهاد بلا إعلان، ففي صحته نظر؛ لأنه مخالف للأمر: (أعلنوا النكاح) .
الثالثة: أن يكون إعلان بلا إشهاد، وهذا على القول الراجح جائز وصحيح.
الرابعة: ألا يكون إشهاد ولا إعلان، فهذا لا يصح النكاح؛ لأنه فات الإعلان وفات الإشهاد " انتهى من "الشرح الممتع" (12/95) .
وينظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 177.
وعلى هذا القول، فنكاحك صحيح إن حصل الإعلان والإشهار؛ لأن الإعلان كافٍ إن شاء الله، مع التنبيه على أن الشاهد لا ينحصر فيمن وقّع على العقد، بل كل رجل حضر العقد من كاتبٍ وقريبٍ، كأبيك وغيره، فهو شاهد عليه، إن كان صالحا للشهادة.
وبصحة شهادة والد الزوج قال الشافعية وأحمد في رواية. وينظر: حاشية البجيرمي (3/396) ، والإنصاف (8/105) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (124678) .
رابعاً:
ينبغي إحسان الظن بالمسلم وحمله على السلامة ما أمكن، وقد ذكرت أن والد الفتاة يصلي الجمعة ويصوم، وأنك لا تعلم هل يصلي الصلوات الخمس أم لا، فإن لم يكن عندك ما يفيد عدم صلاته، فالأصل أنه من أهل الصلاة، وبذلك تصح ولايته في النكاح، وليس عليك أن تسأله عن صلاته، ولا ينبغي ذلك؛ لما فيه من إساءة الظن، وإثارة الشحناء والبغضاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/105)
في بلاده يعقد النكاح بلا ولي فهل يلزمه تجديد العقد
[السُّؤَالُ]
ـ[ي بحضور ولي المرأة أثناء عقد الزواج وقد قمت بقراءة جميع الفتاوى الخاصة بالولي على هذا الموقع، ولاشك أن ولي المرأة هو من يمنح "الإيجاب" فى عقد الزواج لأن النساء فى الإسلام لا يمكنهن تزويج أنفسهن. وأريد أن أسأل وفقاً للشريعة إذا لم يكن هناك ولي للمرأة أثناء عقد الزواج، فهل يعد الزواج باطلاً؟ وأنا الآن أرغب فى إخباركم بكيفية الزواج ببلدنا (أوزبكستان) ، وكيف كان في حالتي: يحضر عقد الزواج الإمام والعروس والعريس وشاهدان، ويقوم الإمام أولاً بإلقاء خطبة بأن يقوم بقراءة بعض آيات من القرآن وبعض الأدعية، ثم يسأل المرأة: "جميلة بنت حسين هل تقبلين الزواج بعبد الله بن عبد الرحمن؟ " فتقول "نعم" (مع ملاحظة أنها لا تقول "أزوجك نفسى يا عبد الله بن عبد الرحمن" وأعني أن الإمام سألها كما لو كان الولي يطلب موافقتها، لأنه عند عدم وجود ولي مناسب فإن إمام المسجد يمكن أن يكون وليها أيضاً) . ثم يسأل العريس: "يا عبد الله بن عبد الرحمن هل تقبل بجميلة بنت حسين زوجة لك؟ " فيقول: "أقبل". وكما قلت لكم فقد كان هناك شاهدان وهذا هو ما حدث في حالتي. لقد كانت المشكلة لدينا في المصدر: حيث يتبع الناس هنا المذهب الحنفي وكتب الفقه المنشورة هنا هي على المذهب الحنفي. وقد عرفت مؤخراً كما فى الحديث الصحيح أن ولي العروس هو من يزوجها. وقد سألت الشيخ الذي هو أكثر معرفة بأحكام الإسلام ببلدنا عن الدليل الذى يجيز عدم حضور الولي، وكانت إجابته:" إذا كان الإسلام يجيز للمرأة حق الملكية كأن تقوم بنفسها بعقد معاملات مالية، فكيف لا يجيز لها حق ملكية نفسها بأن تزوج نفسها". فما الذى يجب فعله فى هذه الحالة؟ فأخبرونا ماذا نفعل، وما هو مصير زواجي؟ هل يجب علينا أن نعيد الزواج؟ أدعوا الله الذى أتم هذا الدين بواسطة نبيه محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وسلم بحيث جعل الدين لا يحتاج إلى أية إضافات أو تعديلات؛ أن يهديكم للإجابة التي ترضيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
دلت الأدلة الصحيحة على اشتراط الولي لصحة النكاح، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
وذهب الحنفية إلى صحة النكاح بلا ولي، واستدلوا على ذلك بأدلة ضعيفة لا تقاوم أدلة الجمهور.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وقال أبو حنيفة: لها أن تزوج نفسها وغيرها , وتوكل في النكاح ; لأن الله تعالى قال: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) أضاف النكاح إليهن , ونهى عن منعهن منه , ولأنه خالص حقها , وهي من أهل المباشرة , فصح منها , كبيع أمتها , ولأنها إذا ملكت بيع أمتها , وهو تصرف في رقبتها وسائر منافعها , ففي النكاح الذي هو عقد على بعض منافعها أولى ".
وذكر أدلة الجمهور ثم أجاب عن دليل الحنفية بقوله:
" وأما الآية , فإنَّ عَضْلها الامتناعُ من تزويجها , وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي. ويدل عليه: أنها نزلت في شأن معقل بن يسار , حين امتنع من تزويج أخته , فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجها. وأضافه إليها لأنها محل له " انتهى من "المغني" (7/6) .
وينظر: "الموسوعة الكويتية" (41/248) .
ويجاب عما ذكروه من القياس، بأنه قياس في مقابل النص، فلا يصح، وهذا يسميه العلماء: قياس فاسد الاعتبار.
ومن القواعد المقررة عند أهل العلم: "أنه لا اجتهاد مع النص".
ثانياً:
نظراً لأن المسألة اجتهادية، واختلف فيها الأئمة، فإنه إذا كان أهل بلد يعتمدون المذهب الحنفي كبلادكم وبلاد الهند وباكستان وغيرها، فيصححون النكاح بلا ولي، ويتناكحون على هذا، فإنهم يقرّون على أنكحتهم، ولا يطالبون بفسخها.
قال ابن قدامة رحمه الله في الموضع السابق: " فإن حَكَمَ بصحة هذا العقد حاكمٌ , أو كان المتولي لعقده حاكماً , لم يجز نقضه" انتهى.
وعليه؛ فلا يلزمك إعادة عقد النكاح، وينبغي أن تنصح لإخوانك وأقاربك وأن تبين لهم أهمية وجود الولي في النكاح، وأن إجراءه للعقد هو الأولى والأكمل، وفي ذلك خروج من الخلاف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/106)
شك بعد عقد النكاح بيومين أنه كان شارد الذهن وقت ترديد الصيغة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد عقد زواجي بيومين تقريباً جاءني خاطر أني كنت شارد الذهن وقت ترديد الصيغة، فأنا لم أكن أعلم تفصيلها (الإيجاب والقبول) ، ولكن كنت أعلم أنها ضرورية لإتمام العقد (الإشهار) ، فهل يؤثر ذلك على العقد (هل تحقق المراد منها) ؟ . وأخيراً - لمجرد العلم - لماذا لا يكفي التوقيع على العقد الكتابي عن الصيغة , ألا يعتبر توقيع كل من العاقدين إيجاباً وقبولاً؟ وكذلك توقيع الشهود؟ علاوة على الإشهار الذي يمكن أن يحل محل الإشهاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الإيجاب والقبول من أركان العقود التي لا تصح إلا بها، وذلك لدلالتها على رضى المتعاقدين.
ويتساهل العلماء في عقود البيع والإجارة ونحوها فيصححون العقد بالإيجاب والقبول الفعلي، كالتوقيع على العقد، أو إعطاء البائع الثمن وأخذ السلعة، من غير تلفظ.
أما في النكاح فلابد من اللفظ، وذلك احتياطاً لشأن النكاح، فإنه أخطر وأهم من البيع، وحتى يتمكن الشاهد من الشهادة على شيء واضح وصريح، ليس فيه احتمال أو غموض.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن: نكاح جرى كتابته وتم التوقيع عليه من الزوج والزوجة ووليها والشهود، ولكن لم يتم إيجاب وقبول باللفظ؟
فأجابوا:
"الواجب إعادة العقد المذكور؛ لأنه لا يجزئ في عقد النكاح مجرد التوقيع على العقد المكتوب، فلا بد من لفظ يصدر من الولي بالإيجاب، ولفظ يصدر من الزوج بالقبول بأي لفظ تعارفاً عليه، وما مضى يعتبر نكاحاً باطلاً، وعلى الجميع التوبة إلى الله من ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18 / 85-86) .
وأما الاكتفاء بالإعلان عن الشهادة، فهذا قول قوي، وهو مذهب الإمام مالك، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله.
وانظر جواب السؤال رقم (124678) .
والأحوط هو الجمع بينهما: الشهادة والإعلان.
ثانياً:
أما قولك: جاءني خاطر أني كنت شارد الذهن وقت ترديد الصيغة.
فهذا من وسوسة الشيطان، ليوقعك في الشك والحيرة والاضطراب، وليس عقد النكاح مما يطلب فيه الخشوع وحضور القلب، حتى يؤثر عليه شرود الذهن، فما دمت تعرف أن هذا الإيجاب والقبول ضروري لإتمام العقد، وقد حصل ذلك، فالعقد صحيح، ولا تلتفت إلى هذه الوسوسة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/107)
زنيا ثم تزوجا ولا يذكران هل تابا قبل العقد أم لا فهل يلزمها تجديده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولكني وزوجي وقعنا في فاحشة الزنا وبعدما قرأت جوابكم لسؤال (آثار الزواج المترتب على علاقة غير شرعية) فقد بدا الوسواس يدور بي وزوجي لأننا لا نتذكر متى تبنا عن هذه المعصية ولا أتذكر إن حضت قبل عقد الزواج، كل ما أعلمه أنني لم أحمل، نحن نادمون أشد الندم، ولا ندري ما نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للزاني أن ينكح الزانية إلا بعد التوبة؛ لقوله تعالى: (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/ 3.
فإن كنتما قد تبتما إلى الله تعالى قبل الزواج، فنكاحكما صحيح، وأما إن تم عقد النكاح قبل التوبة، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء:
فالجمهور على صحة نكاح الزاني والزانية، ولو لم يتوبا.
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يصح نكاح الزانية حتى تتوب، ولم يشترطوا توبة الزاني لصحة النكاح. "الإنصاف" (8/132) ، "كشاف القناع" (5/83) .
وعلى هذا القول، فإذا كنتِ قد تبت قبل العقد، فالنكاح صحيح، وإلا فالأحوط تجديد العقد.
والتوبة تحصل بالندم والعزم على عدم العودة إلى المعصية، فإذا كنت ندمت على الوقوع في الحرام وعزمت على تركه، وأقبلت على الزواج، فهذه توبة منك.
وأما الاستبراء أو العدة، فهو مما اختُلف فيه أيضا، والحنفية والشافعية على أنه لا يلزم ذلك.
والذي ننصح به أنه إن أمكنكما تجديد العقد دون إخبار الولي بحقيقة الأمر، فهذا هو الأحوط.
وصفة العقد: أن يقول وليك لزوجك في حضور شاهدين: زوجتك ابنتي أو أختي فلانة، ويقول زوجك: قبلت.
فإن لم يمكن تجديد العقد إلا بالإخبار عن العلاقة المحرمة، فنرجو ألا يلزمكم ذلك، وأنتم على نكاحكما، بناء على قول الجمهور في صحة هذا النكاح.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حالكما ويتقبل توبتكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/108)
قال الخاطب: هل تزوجني ابنتك؟ فقال الأب مازحاً: خذها، فهل تم النكاح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء خاطب إلى أبي ليخطبني وبعد إتمام الاتفاقات والاتفاق على الصداق قال لأبي وفى نيته أن يتزوجني (متزوجني ابنتك الآن وأخدها معايا وأنا مروح؟) ورد عليه أبى مازحاً (خدها مع السلامة) وقد حدث هذا أمام خمس رجال وجمع من النساء وبعد ذلك ادعى أنني زوجته أمام الشرع وأنني لا أستطيع الزواج من غيره حتى يطلقني مستدلاً بحديث (اثنان جدهما جد وهزلهما جد: الزواج والطلاق) فهل هذا صحيح؟ وما مدى صحة هذا الحديث؟ وهل هناك اختلاف في أقوال العلماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أركان النكاح: حصول الإيجاب والقبول، والإيجاب هو قول الولي: زوجتك ابنتي، والقبول: قول الخاطب: قبلت.
وما ذكرت قد اشتمل على ثلاث مسائل:
الأولى: انعقاد النكاح بغير لفظ: أنكحت وزوجت.
الثانية: تقديم القبول (لفظ الزوج) على الإيجاب من الولي.
الثالثة: كون اللفظ الصادر من الزوج بصيغة السؤال والاستفهام.
أما المسألة الأولى، فقد اختلف فيها الفقهاء، فالحنفية والمالكية على أن النكاح ينعقد بغير لفظي النكاح والتزويج، ولهم في ذلك تفصيل.
والراجح: انعقاد النكاح بكل ما يدل عليه. فقول الولي: "خذها مع السلامة" لفظ يدل على الرضا والقبول. وينظر: "الشرح الممتع" (2/38) .
وأما المسألة الثانية، وهي تقديم القبول على الإيجاب، فهذا لا يصح به النكاح عند الحنابلة، ويصح عند الجمهور.
وعليه؛ فالصيغة التي تم بها العقد هنا: لا تصح عند الحنابلة، من جهة تقدم القبول على الإيجاب، أي: تقدم لفظ الزوج على لفظ الولي.
قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: " إذا تقدم القبول على الإيجاب. لم يصح. رواية واحدة , سواء كان بلفظ الماضي , مثل أن يقول: تزوجت ابنتك. فيقول: زوجتك. أو بلفظ الطلب , كقوله: زوجني ابنتك. فيقول: زوجتكها.
وقال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي: يصح فيهما جميعاً ; لأنه قد وجد الإيجاب والقبول , فيصح كما لو تقدم الإيجاب.
ويدل على أنه لا يصح: أن القبول إنما يكون للإيجاب , فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً ; لعدم معناه , فلم يصح , كما لو تقدم بلفظ الاستفهام" انتهى من "المغني" (7/61) .
وأما المسألة الثالثة وهي كون اللفظ الصادر من الزوج استفهاماً، فهذا محل خلاف أيضاً:
فالحنابلة على أنه لا يصح.
والشافعية: يشترطون لصحته أن يقول الزوج بعد موافقة الولي: تزوجت.
والحنفية: يرجعون ذلك إلى الحال الذي كانا عليه، فإن كان المجلس للعقد فهو عقد، وإن كان للوعد فهو وعد.
ففي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (41/239) : " وأما صيغة الاستفهام فقال الحنفية: لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال، قال في شرح الطحاوي: لو قال: هل أعطيتنيها؟ فقال: أعطيت. إن كان المجلس للوعد فوعد، وإن كان للعقد فنكاح، قال الرحمتي: فعلمنا أن العبرة لما يظهر من كلامهما لا لنيتهما، ألا ترى أنه ينعقد مع الهزل، والهازل لم ينو النكاح.
وقال الشافعية: لو قال الزوج: أتزوجني ابنتك فقال الولي: زوجتك، لم ينعقد، إلا أن يقول الخاطب بعده: تزوجت.
ويرى الحنابلة أنه إذا تقدم الإيجاب بلفظ الاستفهام فإنه لا يصح " انتهى.
وينظر: "حاشية ابن عابدين" (3/11) ، "الأم" للشافعي (5/25) ، "روضة الطالبين" (7/39) ، "كشاف القناع" (5/40) .
وحيث إن الخاطب قد تكلم بصيغة السؤال والاستفهام، وقدّم كلامه على كلام الولي، وكان اللفظ الصادر من الولي هو " خذها مع السلامة "، فإن هذا لا يصح نكاحا عند الحنابلة؛ لوجود تقديم القبول، والاستفهام، ولكون الولي تكلم بغير لفظ التزويج والنكاح.
ولا يصح عند الشافعية، لكون الزوج لم يقل بعد موافقة الولي: تزوجت، وأيضا لكون الولي تكلم بغير لفظ التزويج والنكاح.
ولا يصح عند الحنفية، لأن الحال أن هذا مجلس خطبة ومواعدة، لا مجلس عقد.
وعلى هذا؛ فالنكاح لم ينعقد بهذا اللفظ.
وأما الحديث فهو من رواية أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وقد حسنه الألباني في "رواء الغليل" (1826) .
فلو حصل الإيجاب من الولي، ثم القبول من الزوج، وكان ذلك بصيغة الماضي، وبلفظ النكاح أو التزويج، مع وجود الشاهدين، وكان العاقدان هازلين أو كان أحدهما هازلاً صح النكاح عند جمهور الفقهاء؛ للحديث السابق.
وينظر: "فتح القدير" (3/199) ، "المغني" (7/61) ، "كشاف القناع" (5/40) ، "حاشية الدسوقي" (2/221) ، "بلغة السالك" (2/350) ، "نهاية المحتاج" (6/209) ، "روضة الطالبين" (8/54) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/109)
رفض أبوها تزويجها من غير جنسيتها فعقد لها أخوها
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة باكستانية تعاني من أمراض نفسية ولا ترغب في الحياة وقد حاولت عدة مرات أن تنتحر وقد تقدم للزواج منها شاب مسلم عربي ولكن أبويها رفضا هذا الشاب لا لسبب إلا انه غير باكستاني، هي تظن أنه الشخص المناسب لها وأنه سيعينها على تخطي المرض والشعور بطعم الحياة لذلك تزوجت به وكان وليها في ذلك أخوها. كردة فعل أرسل إليها أبواها رسالة عتاب في ذلك وهي الآن تسأل وتقول: هل ما فعلته خطأ؟ وهل سيعاقبني الله على ذلك؟ وتبرر بقولها إنها خافت على نفسها أن تقع في الحرام مع هذا الشاب فكان أولى أن تصنع ما صنعته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على هذه الفتاة أن تتقي الله تعالى وتعلم أن الانتحار كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وأن من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به في الآخرة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (70363) .
والأمراض النفسية علاجها بالذكر والطاعة والإنابة، ومراجعة المختصين.
ثانياً:
ينبغي لولي المرأة أن يسعى لتزويجها من الكفء الصالح، استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فزوِّجُوه، إِلَّا تَفْعلُوا تكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي (1084) من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وليس للولي أن يمنع موليته من الزواج من الكفء الذي رضيت به، لكونه من جنسية أخرى، ما لم يكن هناك مانع معتبر يمنع من تزويجه، وإلا كان عاضلا لها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختاً لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك أبداً. وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه. رواه البخاري ...
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلاً لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلاً لها " انتهى من "المغني" (9/383) .
والعَضْل يوجب انتقال الولاية من الولي إلى من بعده من العصبة.
وعليه؛ فإن كان هذا الخاطب كفؤاً، وقد أبى الولي تزويجه، فزوجه الأخ، فالنكاح صحيح، وعليها أن تبر أهلها وتحسن إليهم وتسعى لإرضائهم.
وأما إن كان الولي محقا في رفض الخاطب لوجود ما يمنع من تزويجه كفسقه وعدم صلاحه، فليس لأحد من الأولياء أن يزوج بعده، والنكاح لا يصح حينئذ عند جمهور الفقهاء؛ لانعقاده بغير ولي، ويلزم حينئذ إقناع الولي بتجديد عقد النكاح، أو إعلان موافقته عليه.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (13929) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/110)
كانت رافضية فمنَّ الله عليها بالهداية وأهلها يمنعونها من التزوج برجل من أهل السنَّة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر32 سنة، ولم يسبق لي الزواج، والآن أتى رجل صالح، وأهلي رافضون هذا الشاب لأنه سني، علماً بأن أهلي شيعة! وأنا متسننة منذ الصغر، هل يجوز الزواج من غير رضا الأهل، والأم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن أخرجك من الظلمات إلى النور، وأن بصَّرك بالحق، وهي نعمة جليلة، فاحرصي على شكرها، بالتمسك بها، والدعوة إليها، وتعظيمها.
ثانياً:
ليس للمرأة أن تزوج نفسها، بل لا بدَّ أن يزوجها وليها، وإلا كان عقد زواجها باطلاً، وهو مذهب جمهور العلماء، بل لا يُعرف بين الصحابة رضي الله عنهم خلاف في ذلك.
وإذا كان الحال كما تقولين، ولا يوجد مِن أهلك مَن هو على الحق في اعتقاده، وكان أهلك يعتقدون تحريف القرآن، وتكفير الصحابة، وعصمة أئمتهم، وقذف عائشة، وغيرها من الاعتقادات الكفرية، وكانوا يمنعونك من التزوج برجل صالح من أهل السنَّة: فإنه تسقط بذلك ولايتهم عليك؛ لاختلاف الدِّين بينك وبينهم من جهة، ولعضلهم لك مِن التزوج بكفء، وأحدُ السببين كافٍ لإسقاط ولايتهم في تزويجك.
وعليه؛ فيمكنك التزوج دون رضاهم، فارفعي أمرك إلى القاضي الشرعي ليقوم هو بتزويجك، فإن لم يوجد فإنه يزوجك رجل عدل من المسلمين في بلادك، ممن لهم مكانة ونوع ولاية على المسلمين.
وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (7989) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/111)
وقَّعت الزوجة على عقد الزواج بحضور وليها بدون إيجاب وقبول
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج منذ ثلاثة أشهر، في عقد نكاح زواجي حضر والدي وأخي وأخو زوجتي وصديق والدها وأمها والمأذون مع العلم أن الكل بالغ وموافق على الزواج. والد زوجتي متوفى مضيت أنا وزوجتي على عقد النكاح وكلانا راض بالزواج. لكن المأذون لم يشر إلى ولي زوجتي حيث كان الكل موافق على زواجنا. سمعت أن الولي يكون العم، لكن عم زوجتي لا يصلهم منذ وفاة أبيها أما خالها فكان موافق لكنه لم يستطع الحضور. لكن أخوها كان حاضرا وموافق على الزواج. فهل عقد النكاح هذا صحيح؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده الولي أو وكيله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7557
وولي المرأة هو: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناؤهما، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم أعمام الأب، ثم السلطان.
انظر: "المغني" (9/355) .
فإذا لم يكن للفتاة جد من جهة الأب، فوليها هو أخوها الشقيق، وإن كان لها أكثر من أخ، صح أن يزوجها أحدهم، وإن لم يكن الأكبر، بشرط أن يكون بالغا.
وينظر: "مطالب أولي النهى" (5/72) .
ثانيا:
من أركان النكاح التي لا يصح بدونها: الإيجاب والقبول، والإيجاب يكون من الولي أو وكيله، والقبول يكون من الزوج أو وكيله.
فيقول الأخ: زوجتك أختي فلانة ... وتقول أنت: قبلت.
أو يقول وكيله: زوجت أخت موكلي فلانة لفلان.
ويقول وكيلك: قبلت الزواج لموكلي فلان.
قال الخرشي في "شرح مختصر خليل" من كتب المالكية (3/172) : " النكاح له أركان خمسة، منها: الولي، فلا يصح نكاح بدونه ... ومنها: الصيغة الصادرة من الولي ومن الزوج أو من وكيلهما الدالة على انعقاد النكاح " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" من كتب الحنابلة (5/37) : "ولا ينعقد النكاح إلا بالإيجاب والقبول، والإيجاب هو اللفظ الصادر من قِبَل الولي أو من يقوم مقامه كوكيل.. " انتهى بتصرف.
فمجرد توقع المرأة على عقد النكاح في حضور وليها لا يكفي، بل لابد أن يتولى العقد وليها أو وكيله.
وعلى هذا؛ فيلزم إعادة العقد، فيقول لك أخوها في حضور شاهدين: زوجتك أختي فلانة، وتقول أنت: قبلت، وبهذا يصح العقد، ويمكنك الاكتفاء بالأوراق الرسمية التي استخرجت في العقد الأول الذي قام به المأذون، ولا يلزمك إعادتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/112)
إذا لم يكن لها ولي في النكاح إلا الرجل الذي تبناها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة متبنية من أم كافرة وأب يقول إنه مسلم مع أنه لا يصلي ولا يصوم بل يشرب الخمر في رمضان نهارا وجهرا، لا يدعني أرتدي الحجاب ويمنعني من الزواج، أنا لا أستطيع لبس النقاب وأتزوج بمن هو كفؤ لي، وقد ضربني لهذا السبب، بما أنه لا يوجد قاض شرعي في المنطقة، وأعيش بألمانيا، تزوجت بشاب مسلم يحافظ على الفرائض في إحدى المساجد، كان الفقيه وصديقه شاهدا وولي لي وليزوجني شاهده، هل تسقط ولايته عني لأني أريد الزواج، هو ليس أبي أنا لا أعرف عائلتي أبدا ليس لي أحد مسلم في هذه الدولة إلا هذا الزوج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده الولي أو وكيله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7557.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2709.
قال الترمذي رحمه الله: " والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بوليّ) عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم " انتهى.
وولي المرأة هو: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها ثم ابنه (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناء الإخوة، ثم أعمامها، ثم أبناؤهم، ثم السلطان. (المغني 9/355)
وأما الرجل الكافل لك أو المتبني لك، فلا يعتبر وليا في النكاح.
وعليه؛ فما دمت لا تعلمين أحدا أوليائك، فإن زواجك يكون إلى القاضي الشرعي، فإن لم يوجد زوّجك رئيس المركز الإسلامي أو إمام المسجد أو عالم من العلماء أو رجل عدل من المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أما من لا ولي لها فإن كان في القرية أو المحلة نائب حاكم زَوّجها.. ورئيس القرية، وإذا كان فيهم إمام مطاع زوّجها أيضاً بإذنها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/35) .
وقال ابن قدامة رحمه الله: " فإن لم يوجد للمرأة وليّ ولا سلطان، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها " انتهى من "المغني" (7/352) .
وعليه؛ فزواجك الذي تم صحيح، والحمد لله.
ثانيا:
ينبغي أن تعلمي أن التبني محرم في الإسلام، أي نسبة الطفل إلى من تبناه وجعله كأنه أحد أبنائه، وأما كفالة اليتيم فعمل صالح يؤجر عليه فاعله أجرا عظيما، لكن إذا كان الكافل رجلا، وكان المكفول فتاة، فإنها إذا بلغت لزمها الاحتجاب منه؛ لأنه أجنبي عنها.
وينظر الفرق بين التبني وكفالة اليتيم في جواب السؤال رقم (5201) .
ولكن ينبغي الإحسان إلى من أحسن إليك، ومعاملته بالاحترام والرفق والصلة ما أمكن.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك السعادة والهناء، وأن يزيدك إيمانا وصلاحا وهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/113)
تزوجها بلا مهر ولا شهود ويرفض أن يأخذها إلى بلده
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أنا مسلمة أعيش في اليابان، وقد تعرفت على شاب سعودي أتى إلى هنا لإنجاز بعض مشاريعه، وتزوجت به، ولم يكن هناك أي شاهد على هذا العقد، كما أنه لم يعطني أي مهر سوى بعض الهدايا التي يتعهدني بها من حين لآخر، مع العلم أنه متزوج هناك في السعودية، وقد طلبت منه أن يأخذني معه الى السعودية، أو إلى أي مكان قريب من حيث يعيش. ولكنه يرفض ويقول: إن ذلك صعب، ولا يمكن أن يحدث. في الحقيقة احترت معه، فما هو حقي عليه وما هي الاشياء التي استطيع أن أطالبه بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
للنكاح أركان وشروط لابد من توفرها، ومن ذلك ولي المرأة، والشاهدين، فإذا خلا النكاح من الولي والشاهدين ومن إعلان النكاح بين الناس، لم يصح.
وإذا خلا من الولي فقط، لم يصح عند الجمهور، وصح عند بعض الفقهاء.
وإذا لم يكن شهود، لكنه أعلن بين الناس، كفى هذا الإعلان عند بعض أهل العلم.
وولي المرأة المسلمة يجب أن يكون مسلما، ووليها: ابنها إن وجد، ثم أبوها، ثم جدها، ثم أخوها، وهكذا عصبتها الأقرب فالأقرب، فإن لم يوجد لها ولي مسلم، زوجها القاضي المسلم إن وجد، وإلا زوجها مسئول المركز الإسلامي ونحوه، أو زوجها عدل من المسلمين برضاها.
ويجب أن يكون للمرأة مهر ولو كان قليلا، فإن لم يذكر المهر في عقد النكاح، صح النكاح وكان لها مهر المثل؛ يعني: أنه يحكم لها بمهر يماثل مهر نظيراتها من النساء، في بلدها.
وسواء كان نكاحك صحيحا أو فاسدا، فإن المهر حق لك، وإن رزقت بمولود نسب إلى أبيه.
وفي حال كون النكاح فاسدا لعدم وجود الولي والشهود والإعلان، يلزمك الامتناع من هذا الزوج، حتى يجدد عقد النكاح الصحيح، وينبغي حينئذ توثيق العقد وإجراؤه في السفارة السعودية في بلدك، لضمان حقوقك وحقوق أولادك مستقبلا.
ثانيا:
يجب على الزوج توفير المسكن اللائق بزوجته، والنفقة التي تحتاجها، وليس له أن يتركها في بلد لا تأمن على نفسها فيه، وليس له أن يغيب عنها أكثر من ستة أشهر إلا برضاها، فإذا انتهت حاجته في البلد الذي تزوج فيه، سواء كانت هذه الحاجة تجارة أو دارسة، أو غير ذلك، وأراد الانتقال إلى بلده الأصلي: فالواجب عليه أن يصطحب زوجته معه، وعلى الأقل: يسكنها في مدينة أخرى غير المدينة التي تعيش فيها زوجته الأولى: حتى يتم له تمهيد الأمر مع أسرته الأولى.
فإن أبى أن يعطيها حقها، أو يصطحبها معه، وأراد تركها في بلدها الذي تزوجها فيه ـ أكثر من المدة التي ذكرناها، ولم ترض هي بذلك: فلها الحق في طلب الطلاق.
والذي ننصح به المسلمات اللاتي يعيشون في مثل بلدك، وننصح به أولياءهن أيضا: أن يتمهلوا، ويتحروا غاية التحري، ويدققوا في حال من يريد الزواج من بناتهم من المغتربين في بلادهم لحاجة: إما حاجة دراسة، أو حاجة تجارة أو سياحة، ونحو ذلك، فكثير من هؤلاء، وكثير جدا: من لا يكون جادا في أمر زواجه، ولا يريد الميثاق الغليظ الذي يبني به بيتا، ويعول أسرة، وإنما كل همه: قضاء شهوة عاجلة، حتى إذا فرغ من حاجته: ترك البلد، وترك فيها زوجته، وربما أولاده أيضا، إن كان له أولاد: (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) المائدة /14.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/114)
إذا كان الولي لا يصلي ثم طلق الرجل زوجته فهل يقع الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت امرأة ثيباً عبر الهاتف بموافقة أخيها، ولكن بعد الدخول بها، قالت لي إن وليها (أخوها) لا يصلي. إذاً العقد فاسد. وكنت طلقتها من قبل، فهل ذلك الطلاق يقع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة أو وكيله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع 2709.
وولي المرأة هو: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها ثم ابنه (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناؤهما، ثم العمومة، ثم أبناؤهم، ثم عمومة الأب، ثم السلطان.
"المغني" (9/355) .
ثانيا:
تارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا كافر على الصحيح من قولي العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (2182) ورقم (5208) .
وعليه؛ فلا يصح أن يكون وليا في النكاح؛ لأن الكافر لا يلي نكاح المسلمة إجماعا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/377) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان لا يصلي لا يحل أن يعقد النكاح لأحد من بناته، وإذا عقد النكاح صار العقد فاسداً؛ لأن من شرط الولي على المسلمة أن يكون مسلماًَ " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ثالثا:
إذا عقد الولي التارك للصلاة نكاح موليته، فهو نكاح فاسد؛ لأن وجود هذا الولي كعدمه، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن النكاح بلا ولي غير صحيح، خلافا للحنفية.
وهذا النكاح الفاسد من أقدم عليه معتقدا فساده، فهو زان، وأما من أقدم عليه معتقدا صحته - وهذا حال أكثر الناس حين يقدمون على الأنكحة المختلف فيها، كالنكاح بدون ولي، والنكاح مع فسق الولي أو الشاهدين - فإنه لا يعد زانيا، ويترتب على نكاحه أكثر أحكام النكاح الصحيح: فيلزمه المهر، وينسب إليه الولد، ويقع طلاقه لو طلق.
وليس لأحد بعد وقوع الطلاق أن يبحث في أصل عقد النكاح، هل كان صحيحا أو فاسدا، ليتخلص من الطلاق، فإن هذا تلاعب بالدين، فإنه كان يستمتع بزوجته على أنها زوجة له، ثم طلقها ليرفع حكم الزوجية التي كان يعتقد وجودها، فكيف يعود ليقول: إن النكاح لم يكن صحيحاً؟!
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة وليها فاسق , يأكل الحرام , ويشرب الخمر , والشهود أيضا كذلك , وقد وقع به الطلاق الثلاث فهل له بذلك الرخصة في رجعتها؟
فأجاب: إذا طلقها ثلاثا وقع به الطلاق , ومن أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة العقد ولم ينظر في صفته قبل ذلك , فهو من المتعدين لحدود الله , فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده. والطلاق في النكاح الفاسد المختلف فيه [يقع] عند مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة , والنكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة. والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/101) .
وسئل عمن تزوج بولاية أجنبي، مع وجود ولي المرأة معتقدا أن الأجنبي حاكم عليها، ودخل بها واستولدها ثم طلقها ثلاثا , ثم أراد ردّها قبل أن تنكح زوجا غيره , فهل له ذلك لبطلان النكاح الأول بغير ولي , أم لا؟ وهل يترتب إسقاط الحد ووجوب المهر ويلحق النسب والإحصان؟
فأجاب: لا يجب في هذا النكاح حد إذا اعتقد صحته , بل يلحق به النسب ويجب فيه المهر , ولا يحصل الإحصان بالنكاح الفاسد , ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/84) .
وقال ابن رجب رحمه الله: " ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح، من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة، ووجوب المهر فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة، فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح " انتهى من "القواعد" ص (68) .
وينظر: "المدونة" (2/98، 120) ، "تحفة المحتاج" (7/232) .
وبهذا يتبين أن طلاقك لزوجتك طلاق صحيح واقع، وأنه لا يجوز لك التحيّل لإسقاطه بكون الولي كان تاركا للصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/115)
شهادة أصول الزوجين أو فروعهما على النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لجد المرأة لأم أو جد لأب أن يشهد على عقد النكاح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة النكاح عند جمهور العلماء شهادة شاهدين عدلين من المسلمين، ويصح أن يكون الشاهد جد المرأة لأمها أو لأبيها، على الراجح.
ومنع بعض الفقهاء شهادة أصول الزوجين أو الولي أو فروعهم.
قال في "كشاف القناع" (5/66) : "ولا ينعقد النكاح بمتهم لرحم [أي قريب] كابني الزوجين أو ابني أحدهما ونحوه، كأبويهما وابن أحدهما وأبي الآخر، للتهمة " انتهى بتصرف.
أي: أنه متهم في تلك الشهادة، لأنه يشهد لوالده أو ولده.
وقال في "شرح المنتهى" (2/648) : "لا تصح شهادة أبي الزوجة أو جدها فيه [يعني في عقد النكاح] ولا ابنها وابنه , وكذا أبو الزوج وجده وابنه وابن ابنه؛ للتهمة، وكذا أبو الولي وابنه" انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (41/300) في بيان شروط شاهدي النكاح: " أن لا يكون الشاهدان ابني الزوجين:
نص الحنابلة - في المذهب عندهم كما قال المرداوي - على أنه يشترط في كلٍّ من شاهدي النكاح أن لا يكون ابن أحد الزوجين، فلا ينعقد النكاح عندهم بشهادة ابني الزوجين ولا بشهادة ابن أحدهما.
وهذا ما يؤخذ من عموم قول الحنفية والمالكية أنه لا تقبل شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده.
وفي المسألة عند الشافعية أوجه، أصحها: الانعقاد " انتهى.
وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية بصحة شهادة الأصل والفرع، اختارها جماعة من أصحابه. "الإنصاف" (8/105) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القول الثاني في المسألة: أنه يصح أن يكون الشاهدان أو أحدهما من الأصول أو من الفروع، وهذا القول هو الصحيح بلا شك؛ لأن شهادة الأصول والفروع ممنوعة حيث كانت شهادة للإنسان؛ خشية التهمة، أما حيث تكون الشهادة عليه وله، كما هو الحال في عقد النكاح فلا تمنع ...
فالنكاح في الحقيقة ليس حقا للزوج أو للزوجة، ولا حقا عليه، بل هو له وعليه؛ لأنه يوجب حقوقا للعاقد وحقوقا عليه، فالصواب إذاً أنه يصح العقد، وهو رواية عن أحمد رحمه الله، واختارها كثير من الأصحاب" انتهى من "الشرح الممتع" (12/99) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/116)
هل يلزمه الزواج من قريبته التي لمسها بالحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في وضع مزعج للغاية. فقد وقعت في ذنب حيث قمت بملامسة امرأة غير متزوجة، وهي من أقاربي. أنا لم أجامعها، لكني لامستها وهي لامستني أيضا. وبما أنها من الأقارب (ابنة خالي) ، فأنا أخاف أن تخبر الآخرين. لقد كيفت حياتي بما يتفق والشريعة الإسلامية، ولذلك فإن الناس يحترموني كثيرا. أنا لست متزوجا، لكني سأتزوج من فتاة صالحة (قريبا) . فهل علي أن أتزوج بالمرأة التي لمستها؟ أنا أخاف كثيرا من هذه المرأة، فهي جارة عائلتي. ماذا علي أن أفعل كي أتخلص من هذا الوضع؟ أعلم أني ارتكبت معصية. وأنا أدعو الله أن يغفر لي ذنبي. أنا لا أستطيع تخيل الزواج بهذه المرأة التي كانت دائما ما تستخدم الحيل لتلفت انتباهي. أنا الآن في ورطة. هل علي أن أخبر والداي بالأمر؟ هل علي أن أخبر الفتاة التي سأتزوج بها عن القصة؟ هل يمكن لهذه الفتاة التي لمستها أن تجبرني على الزواج بها وفقا للشريعة الإسلامية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بعد فيجب عليك أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه مما بدر منك، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا. ولمسك لهذه المرأة لا يوجب زواجك منها، وليس في الشريعة ما يجبر المكلف على الزواج من امرأة لا يرغب فيها ولا يختارها، ولا يصح النكاح إلا بعقد مستوف لشروطه ومنها رضا الزوج المكلف.
ولا يلزمك إخبار والديك ولا الفتاة التي ستتزوجها بما حدث، بل أنت مأمور بالستر على نفسك، والتوبة فيما بينك وبين ربك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن أَلمَّ فليستتر بستر الله عز وجل " رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663
والقاذورة هي الفعل القبيح والقول السيء مما نهى الله عنه، سبل السلام (3/31)
ألّمَ أي ارتكب وفعل
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/117)
يريد تقديم الحج ووالده يريد تقديم الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكون عاقا لأبي للأسباب الآتية: 1- كان أبي رحمه الله يريد مني البدء في مشروع الزواج وكنت أرفض لأنني كنت أريد إكمال الدراسة العليا. 2- المبلغ الذي وفرته كان يكفي البدء في المشروع (العقد فقط) مع العلم بأنني موظف. 3-ثم لم أستطع السفر لإكمال الدراسة، فقررت بأن أدخل مشروعا صغيرا على أمل أن أجني منه مبلغا ثم الحج به، والمشروع مشترك بيني وبينه عبارة عن قطعة أرض مشتركة (وسعرها لا يفي بمبلغ الحج) كنا ننوي تغيير المسكن الذي نعيش فيه بسبب الأذى الذي نلقاه من الجيران هداهم الله. 5-رفض أبي الحج بهذا المبلغ لأنه قال إنه مُلكي وليس من ماله. 6- بعد النقاش (لم يثمر أي شيء) قلت سوف أحج أنا قال الزواج أولا. 7-الآن بعد موته في رمضان يطالبوني بأن أنفذ ما أراد وأنا أقول لهم الحج أولا. 8-الأرض الآن تؤتي المبلغ الكافي لإتمام فريضة الحج وقد انتهينا أنا وهو من سداد الدين (قيمة الأرض) قبل مماته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، كما هو مبين في الجواب رقم (41702) ، وإذا كان المال الموجود يكفي إما للحج وإما للزواج، فإنه يقدم الزواج إذا كان محتاجاً إليه، ويخشى الوقوع في الحرام، ويقدم الحج إذا لم يكن محتاجاً إلى الزواج.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة؟
فأجاب:
"لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته، فهو مثل الأكل والشرب، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة.
وعلى هذا فنقول: إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97. أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح " انتهى من "فتاوى منار الإسلام" (2/375) .
وعليه؛ فإن لم تخش على نفسك من تأخير الزواج، فبادر بالحج، والله يخلف عليك خيرا؛ لأن الحج فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وشرائعه العظام.
ولا يلزمك تنفيذ مراد أبيك في هذه المسألة، لا في حياته ولا بعد مماته، لأنه يترتب عليه تأخير الحج من غير ضرورة لذلك.
ثانيا:
كان ينبغي أن ترضي أباك، وتقدم الزواج على إكمال الدراسة العليا، فقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما ظاهره: أن النكاح يجب إذا أمر به أحد الوالدين.
قال المرداوي: هل يجب (يعني النكاح) بأمر الأبوين , أو بأمر أحدهما به؟ قال الإمام أحمد رحمه الله: إن كان له أبوان يأمرانه بالتزويج: أمرته أن يتزوج , أو كان شابا يخاف على نفسه العنت: أمرته أن يتزوج.
فجعل أمر الأبوين له بذلك بمنزلة خوفه على نفسه العنت" انتهى من "الإنصاف" (8/14) .
ثالثا:
لا حرج على الأب فيما لو حج بمال ابنه، بل لا حرج على الإنسان أن يحج بمال غيره مطلقا، لكن من لم يحج حج الفريضة لعجزه عن تكاليف الحج هل يصير قادرا ببذل غيره المال له، وهل يلزمه قبول هذا المال ليحج؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يلزمه الحج ببذل غيره له , ولا يصير مستطيعا بذلك , سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا , وسواء بذل له الركوب والزاد , أو بذل له مالا. وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج , لزمه ; لأنه أمكنه الحج من غير مِنّة تلزمه , ولا ضرر يلحقه , فلزمه الحج , كما لو ملك الزاد والراحلة.
ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يوجب الحج (الزاد والراحلة) , يتعين فيه تقدير ملك ذلك , أو ملك ما يحصل به , بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا , ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة , ولا ثمنهما , فلم يلزمه الحج , كما لو بذل له والده , ولا نسلم أنه لا يلزمه مِنّة , ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالدة , وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونِعَم " انتهى من "المغني" (3/87) .
وحاصل الجواب: أنه يلزمك المبادرة إلى الحج، ما لم تخف على نفسك الوقوع في الحرام بتأخير الزواج، وأن تستغفر الله تعالى من مخالفة والدك في أمر الزواج أولا.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/118)
زوجها عمها بغير رضاها وزوجها يشرب الخمر ويضربها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أقص لكم قصتي ومشكلتي. راجيا منكم الإجابة. قبل سنة تعرفت مع فتاة طيبة الخلق وتواعدنا على الزواج بعد إكمال الدراسة. ولكن في يوم من الأيام جاءني الخبر أنه عرضت لها خطبة من قبل إنسان غير معروف لديها وأن عمها وافق بل تعهد أن يزوجها منه مع وجود الأب والأخ، والأب كان ساكتا لم يقل شيئا مع أنه وابنته غير موافقين على هذا الزواج والكلمة الأخيرة عند العم لأنه هو الأكبر في العائلة جميعا. وبعد المخاصمة الطويلة أجبرها عمها بدون إذنها على النكاح مع كونها بكرا. وبعد مضي شهر تبين أن زوجها يشرب الخمر وكثيرا ما يأتي إلى البيت وهو سكران ويضربها ويسبها. ولا يتمسك بأحكام الدين تماما. مع كوني متمسك متدين والحمد لله حتى قلت لها لو تزوجتك ستلبسين الحجاب وشرحت لها كل واجبات المرأة فكانت راضية بذلك. عندما رجع أخوها الأكبر من السفر كان غائبا حينذاك علم أن أخته تزوجت مجبرة من دون إذنها وأن زوجها يشرب خمرا ويضربها فأعادها إلى البيت وهي غير مطلقة -الآن هي في البيت-. السؤال الأول: هل يعتبر هذا النكاح صحيحا بدون إذنها؟ وهل كان العم مستحقا أن يزوجها مع وجود الأب والأخ؟ السؤال الثاني: لو عرض له الطلاق لن يوافق على الطلاق لأنه يعرف أنني أريد زواجها، الآن بعدما أعادها الأخ إلى البيت هل يجوز للقاضي أو الإمام أن يطلقها؟ لو رفض زوجها الطلاق؟ وهل في الإسلام تكافئ في الدين؟ ألست أحقا بها منه مع كوني الآن طالب علم في الجامعة الإسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إجبار المرأة على الزواج ممن لا تريد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) رواه مسلم (1421) .
وقوله: (لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419) .
فإن زُوجت بغير رضاها فالنكاح لا يصح، على الراجح، وأولى إذا زوجت بغير كفء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/31) : " إذا زوجها من غير كفء , فنكاحها باطل. وهو إحدى الروايتين عن أحمد , وأحد قولي الشافعي لأنه لا يجوز له تزويجها من غير كفء , فلم يصح. كسائر الأنكحة المحرمة , ولأنه عقد لموليته عقدا لا حظ لها فيه بغير إذنها , فلم يصح , كبيعه عقارها من غير غبطة ولا حاجة , أو بيعه بدون ثمن مثله , ولأنه نائب عنها شرعا , فلم يصح تصرفه لها شرعا بما لا حظ لها فيه كالوكيل " انتهى.
والأصل في ذلك ما جاء عن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. رواه البخاري (4845) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود (2096) وصححه الألباني.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولكن القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد وإن كان كفئاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنكح البكر حتى تستأذن) وهذا عام لم يستثن منه أحد من الأولياء بل قد ورد في صحيح مسلم (البكر يستأذنها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب وهذا نص في محل النزاع فيجب المصير إليه، وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته على أن تتزوج بشخص لا تريد الزواج منه يكون محرماً والمحرم لا يكون صحيحاً نافذاً لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي، وما نهى الشرع عنه فإنه يريد من الأمّة ألا تتلبس به أو تفعله ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع وهذا أمر لا يكون، وعلى هذا القول الراجح يكون تزويج والدك ابنته هذه بمن لا تريد يكون تزويجاً فاسداً والعقد فاسد فيجب النظر في ذلك من قبل المحكمة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وعليه فلهذه الفتاة أن تراجع المحكمة وتطلب فسخ النكاح؛ لعدم رضاها بالزوج ابتداء، ولسوء عشرته وضربه لها أيضا.
ثانيا:
الأحق بتزويج المرأة أبوها ثم جدها وإن علا، ثم أخوها الشقيق، ثم لأب، ثم أبناؤهما، وكل هؤلاء مقدمون على العم، ولا تصح ولاية الأبعد كالعم، مع وجود الأقرب.
ثالثا:
ما دام النكاح قائما لم يفسخ، فليس لك التقدم لخطبة هذه المرأة، فإذا فسخ النكاح، وانقضت العدة جاز لك خطبتها من وليها.
رابعا:
قد علم مما سبق أن النكاح مع عدم رضى المرأة لا يصح عند بعض أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أنه يوقف على إجازة المرأة، وعليه فإذا رفضت المرأة الاستمرار في الزواج، طلقها القاضي، دون التفات لرأي الزوج. وكذلك للقاضي أن يطلق على الزوج إذا ثبت لديه وقوع الضرر على المرأة لفسق الرجل وسوء معاملته لها.
فإذا لم يكن القاضي في بلدها يطلقها بمثل ذلك، فبإمكانها أن تختلع من هذا الزوج وتفدي نفسها منه، ولو اسقطت حقها كله، أو بعضه، صيانة لنفسها ودينها من مثل هذا الزوج.
خامسا:
الكفاءة معتبرة في النكاح، وهي كفاءة الدين، فلا يزوج كافر من مسلمة، ولا فاسق من عفيفة.
وينظر: سؤال رقم (84306) .
قال في "زاد المستقنع": " فلو زوج الأب عفيفة بفاجر فلمن لم يَرْضَ من المرأة أو الأولياء الفسخ " انتهى مختصرا.
ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن النكاح لا يملك الأولياء فسخه بكل فسق، وأن لهم فسخه في حال شرب الزوج للخمر لأنه ضرره متعد للزوجة وأولادها.
قال رحمه الله: " فإذا عُرف أن هذا الزوج يشرب الخمر فللبعيد من الأولياء أن يطالب بفسخ النكاح " انتهى من "الشرح الممتع" (12/105) .
وننبه على أنك أجنبي عن هذه المرأة فليس لك الاتصال بها أو الحديث معها في أمر الزواج أو غيره، سدا للذريعة وبعدا عن أسباب الفتنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/119)
يريد الزواج من نصرانية، فهل يجب إخبار أهلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج بامرأة نصرانية من الفلبين، وهي تعمل في إحدى الدول الإسلامية، هل يجب علي أن أخبر أهلها بهذا الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجب عليك أن تخبر أهلها، بل لا يصح عقد النكاح إلا إذا عقده وليها أو وَكَّل من يعقده نيابةً عنه، فإن امتنع أقاربها من تزويجها انتقلت الولاية إلى الحاكم المسلم فيعقد لها النكاح.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: كتابية رغبت في الزواج من مسلم، ولما توقع والدها وهو كتابي أيضا أن ابنته ربما تدخل في الإسلام بعد زواجها من الشاب المسلم رفض أن يكون وليها في الزواج، بل رفض زواجها منه، علما بأنها لم تدخل في الإسلام بعد، فمن يكون وليها في هذه الحالة؟
فأجابوا: الكتابية يزوجها والدها، فإن لم يوجد أو وجد وامتنع زوجها أقرب عصبتها، فإن لم يوجدوا أو وجدوا وامتنعوا زوجها القاضي المسلم إن وجد، فإن لم يوجد زوجها أمير المركز الإسلامي في منطقتها؛ لأن الأصل في ولاية النكاح أنها للأب ثم للعصبة الأقرب فالأقرب، فإذا عدموا، أو كانوا ليسوا أهلا للولاية لأي مانع من الموانع، أو امتنعوا بغير حق، انتقلت الولاية إلى الحاكم أو من ينيبه، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة/71، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت مسلمة وأبو سفيان لم يسلم، وَكَّل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فتزوجها من ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص وكان مسلما.
وإن عضل أقرب أولياء حرة فلم يزوجها بكفء رضيته زَوَّجَها الأبعدُ، فإن لم يكن فالحاكم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السلطان ولي من لا ولي له)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/162) .
نسأل الله أن يوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/120)
اشترط على زوج ابنته بقاء ابنته في بيته لخدمته ثم حصل بينهما منازعات
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل زوج ابنته لرجل وشرط عليه قبل العقد بقاء ابنته في بيته لقصد خدمته، وقبل الزوج ذلك، ثم إنه حدث بينهما من الخلاف ما جعل العلاقة تسوء بينه وبين الزوج مما أدى إلى خروج زوج بنته من البيت، ومنع الأب ابنته من الذهاب مع زوجها، والبنت تطلب اللحاق بزوجها. فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الشروط في النكاح قد عقد لها الفقهاء باباً خاصاً في كتاب النكاح، وبينوا فيه الصحيح؛ ومنها الذي يتعين الوفاء به، والمعتبر منها وغير المعتبر، وخلافه من الشروط الفاسدة التي منها ما يبطل العقد من أصله، والتي منها ما يصح معه النكاح.
وهذه الشروط خاصة بالزوج والزوجة.
إذا علم هذا؛ فالشرط الذي شرطه والد البنت شرط لا قيمة له، ولا يترتب عليه التزام ولا وفاء البتة، وليس له أن يحول بين الزوج وزوجته ما دام الحال صالحة بينهما، والزوجة راضية بزوجها؛ لأن والدها لا يملك من أمرها شيئاً سوى أنه وليها يزوجها متى ما تقدم إليها خاطب كفؤ في دينه وأمانته" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (10/151) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/121)
اشترطت على زوجها أن لا يشرب الدخان ولم يلتزم بالشرط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمرأة أن تشترط على من يريد الزواج بها أن يترك التدخين؟ وماذا تفعل لو لم يلتزم بهذا الشرط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرب الدخان محرم، لما فيه من تضييع المال والإضرار بالصحة، والإضرار بالآخرين.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10922) .
ثانياً:
ما يشترطه الزوجان عند العقد أحدهما على الأخر، فالأصل صحة هذه الشروط ووجوب الوفاء بها، ما لم تكن مخالفة للشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418) .
وإذا لم يقم الزوج بما اشتُرط عليه والتزم به، فللمرأة الحق في فسخ العقد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولو شرط عليها أن تحافظ على الصلوات الخمس، أو تلزم الصدق والأمانة فيما بعد العقد، فتركته فيما بعدُ فَلَكَ الفسخ" انتهى.
"الاختيارات الفقهية" (ص 219) .
فمثله لو اشترطت المرأة على زوجها ترك الدخان، ولم يتركه، فلها فسخ العقد.
وقد سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
عن امرأة خطبها رجل فاشترطت عليه أن لا يشرب الدخان، فوافق، فتزوجته، ثم تبين لها أنه يشرب الدخان، فماذا يكون أمرها؟
فأجاب:
"الحمد لله. إذا كان الأمر كما ذكر فإن للمرأة المذكورة الخيار في فسخ نكاحها منه، أو البقاء معه" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (10/149) .
ولكن النصيحة لها قبل أن تفسخ العقد أن تحاول إصلاح زوجها، وإعانته على ترك هذا المحرم، فإن استقام، فالحمد لله، وإن أصر على ما هو عليه، فإنها تقارن بين المصالح والمفاسد، فقد يكون بقاؤها معه أصلح، من أجل تربية الأولاد ونحو ذلك....
ولعل الله أن يهديه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/122)
دخل بزوجته فوجدها ثيباً
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجتُ على أساس أنها بكر، فدخلتُ بها ووجدتها ثيباً، فطلقتُها، وأخذت منهم المهر الذي أعطيتهم إياه، مع العلم أنها أقرَّت في تلك الليلة أن أباها وأمها يعلمون هذا، ويريدون أن يدلسوا عليَّ لعله لن ينتبه لذلك، وأقرت بأن زوج خالتها هو الذي فعل بها تلك الفعلة الشنيعة، وهو الذي توسط لنا بينهم. هل عليَّ شيء في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن فاحشة الزنا من أعظم الفواحش التي جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير منها، وقد شرع الله تعالى أحكاماً كثيرة ليُحال دون الوصول إلى تلك الفاحشة، فحرَّم النظر إلى الأجنبيات، ومسهن، والخلوة بهن، وحرَّم سفر المرأة وحدها، وغير ذلك مما يقطع الطريق على الشيطان أن يزيِّن تلك الفاحشة لأحدٍ من المسلمين، ثم شرع الله تعالى حدوداً عظيمة بحق مرتكب هذه الفاحشة، فشرع الجلد مائة جلدة للزاني والزانية غير المحصنين، وشرع الرجم بالحجارة حتى الموت لمن أُحصن منهما.
وقد ارتكبت تلك الزوجة وزوج خالتها إثماً عظيماً بزناهما، واستحقا الإثم والوعيد الوارد في حق الزناة، فعليهما التوبة والاستغفار والندم على ما فات.
ثانياً:
أما بخصوص كتمان الزوجة وأهلها لذهاب بكارتها: فهو غير مخالف للشرع؛ لأن الله تعالى يحب السِّتر، ويجازي خيراً عليه، ولا يلزم الزوجة أن تخبر زوجها بذهاب بكارتها إن كانت قد فقدتها بوثبة أو حيضة شديدة أو بزنا تابت منه.
وهذه بعض فتاوى لعلماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز رحمه الله في هذه المسألة:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
مسلمة تعرضت لحادثة في الصغر فقد منها غشاء البكارة، وقد تم عقد زواجها، ولم يتم البناء بعد، وحالة أخرى تعرضت لنفس الحادث، والآن يتقدم لها إخوة ملتزمون للخطبة والزواج، وهما في حيرة من أمرهما، أيهما أفضل: المتزوجة تخبر زوجها قبل البناء، أو تكتم هذا الخبر، والتي لم تتزوج بعد هل تستر هذا الأمر خشية أن ينتشر عنها ويظن بها سوء، وهذا كان في الصغر، وكانت غير مكلفة، أم هذا يعتبر من الغش والخيانة، هل تخبر من تقدم إليها أم لا لأجل العقد؟ .
فأجابوا:
لا مانع شرعا من الكتمان، ثم إذا سألها بعد الدخول أخبرته بالحقيقة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 5) .
2. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
فإذا ادَّعت أنَّها زالت البكارة في أمر غير الفاحشة: فلا حرج عليه، أو بالفاحشة ولكنها ذكرت له أنها مغصوبة ومكرهة: فإن هذا لا يضره أيضاً، إذا كانت قد مضى عليها حيضة بعد الحادث، أو ذكرت أنها تابت وندمت، وأن هذا فعلته في حال سفهها وجهلها ثم تابت وندمت: فإنه لا يضره، ولا ينبغي أن يشيع ذلك، بل ينبغي أن يستر عليها، فإن غلب على ظنه صدقها واستقامتها: أبقاها، وإلا طلقها مع الستر، وعدم إظهار ما يسبب الفتنة والشرّ.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 286، 287) .
ثالثاً:
إذا اشترط الزوج أن تكون الزوجة بكراً وبانت بخلاف ذلك فله الحق في فسخ العقد، فإن كان ذلك قبل الدخول فلا شيء لها من المهر، وإن كان بعد الدخول، فإن كانت هي التي خدعته ردَّت إليه المهر، وإن كان الذي خدعه هو وليها أو غيره دفع المهر للزوج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لو شرط أحد الزوجين في الآخر صفةً مقصودة، كالمال، والجمال، والبكارة، ونحو ذلك: صح ذلك، وملك المشترِط الفسخ عند فواته في أصح الروايتين عن أحمد، وأصح وجهي الشافعي، وظاهر مذهب مالك، والرواية الأخرى: لا يملك الفسخ إلا في شرط الحرية والدِّين.
" مجموع الفتاوى " (29 / 175) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
إذا اشترط السلامة، أو شرط الجمال: فبانت شوهاء، أو شرطها شابة حديثة السن: فبانت عجوزاً شمطاء، أو شرطها بيضاء: فبانت سوداء، أو بكراً: فبانت ثيِّباً: فله الفسخ في ذلك كله.
فإن كان قبل الدخول: فلا مهر لها، وإن كان بعده: فلها المهر، وهو غُرم على وليِّها إن كان غرَّه، وإن كانت هي الغارَّة سقط مهرها، أو رجع عليها به إن كانت قبضته، ونص على هذا أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهو أقيسهما، وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترِط.
" زاد المعاد " (5 / 184، 185) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إذا زالت بكارة المرأة بوطء مشروع أو غير مشروع، فما الحكم الشرعي إذا عَقَدَ رجلٌ عليها في حالتين:
الحالة الأولى: إذا اشترط البكارة.
والحالة الثانية: إذا لم يشترط البكارة، فهل له حق الفسخ أم لا؟ .
فأجاب:
المعروف عند الفقهاء: أن الإنسان إذا تزوج امرأة على أنها بكر، ولم يشترط أن تكون بكراً: فإنه لا خيار له؛ وذلك لأن البكارة قد تزول بعبث المرأة بنفسها، أو بقفزة قوية تُمَزِّق البكارة، أو بإكراه على زنا، فما دام هذا الاحتمال وارداً: فإنه لا فسخ للرجل إذا وجدها غير بكر.
أما إذا اشترط أن تكون بكراً: فإن وجدها غير بكر: فله الخيار.
" لقاءات الباب المفتوح " (67 / السؤال رقم 13) .
وعلى هذا؛ فإذا كنت اشترطت عليهم أن تكون بكراً، فلك لحق في استرداد المهر.
أما إذا كنت لم تشترط ذلك، فلك أن تطلقها إن شئت إذا لم تطب نفسك بالعيش معها، ولكن لا حق لك في المهر.
وإن كنا نختار لك أن تبقيها وتستر عليها إن كانت قد تابت توبة نصوحا واستقامت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/123)
أقسام الشروط في عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب خاطب ومقبل على الزواج وسمعت أن للزوجة عند العقد أن تشترط شرطاً في العقد. وسؤالي: ما حدود هذا الشرط؟ وماذا يحدث إذا حدث إخلال بهذا الشرط؟ وهل من الممكن أن تعطي الزوجة نفسها الحق في الطلاق إذا أخليت بهذا الشرط؟ وهل من الممكن أن يكون الشرط مثلاً ألا أتزوج عليها؟ وفي حالة زواجي تكون هي طالق مني.. أرجو الإفادة بالشرح المفصل لهذا الأمر وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل فيما يشترطه الزوجان في عقد النكاح أنه شرط صحيح يجب الوفاء به، ولا يجوز الإخلال به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الأصل في الشروط في العقود: الصحة، حتى يقوم دليل على المنع، والدليل على هذا عموم الأدلة على الوفاء بالعقد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) الإسراء/34، وكذلك الحديث الذي روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (2155) ومسلم (1504) .
فالحاصل: أن الأصل في الشروط: الحل والصحة، سواء في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف. وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة أنه يجب الوفاء بها، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1" انتهى.
"الشرح الممتع" (5/241) من الطبعة المصرية.
وانظر أمثلة ذلك في جواب السؤال رقم: (20757) ، (10343) .
أما اشتراط المرأة ألا يتزوج عليها: فالذي ذهب إليه المحققون من أهل العلم جواز هذا الشرط، فإذا أخل به الزوج كان للزوجة الحق في فسخ النكاح، وأخذ حقوقها كاملة.
قال ابن قدامة رحمه الله: إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، روى هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم" انتهى باختصار.
"المغني" (9/483) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها فإن هذا يجوز. وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ لأنه حجر على الزوج فيما أباح الله له، فهو مخالف للقرآن: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3، فيقال في الجواب على ذلك: هي لها غرض في عدم زواجه، ولم تعتد على أحد، والزوج هو الذي أسقط حقه، فإذا كان له الحق في أن يتزوج أكثر من واحدة أسقطه، فما المانع من صحة هذا الشرط؟!
ولهذا؛ فالصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن ذلك الشرط صحيح" انتهى.
"الشرح الممتع" (5/243) .
وينبغي أن يُعلم أن الزوج إذا أخل بهذا الشرط لم تطلق زوجته بمجرد ذلك، بل يثبت لها الحق في فسخ النكاح، فإما أن تفسخ وإما أن تتنازل عن الشرط وترضى بما فعل الزوج، وتبقى زوجة له.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"من الشروط الصحيحة في النكاح: إذا شرطت عليه أن لا يتسرى، أو لا يتزوج عليها، فإن وفّى، وإلا فلها الفسخ؛ لحديث: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) وكذا لو شرطت أن لا يفرق بينها وبين أولادها أو أبويها؛ صح هذا الشرط، فإن خالفه؛ فلها الفسخ. ولو اشترطت زيادة في مهرها، أو كونه من نقد معين؛ صح الشرط، وكان لازما، ويجب عليه الوفاء به، ولها الفسخ بعدمه، وخيارها في ذلك على التراخي، فتفسخ متى شاءت؛ ما لم يوجد منها ما يدل على رضاها مع علمها بمخالفته لما شرطته عليه؛ فحينئذ يسقط خيارها.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذي قضى عليه بلزوم ما شرطته عليه زوجته فقال الرجل إذاً يطلقننا. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. ولحديث: (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطهمْ) قال العلامة ابن القيم: "يجب الوفاء بهذه الروط التي هي أحق أن يوفيها، وهو مقتضى الشرع والعقل والقياس الصحيح؛ فإن المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط، ولو لم يجب الوفاء به؛ لم يكن العقد عن تراض، وكان إلزاماً بما لم يلزمها الله به ورسوله" انتهى.
"الملخص الفقهي" (2/345، 346) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/124)
تزوج نصرانية ورزق بمولود وتريد تعميده في الكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم سني متزوج من مسيحية وأعيش في لبنان وهي تعيش في بلدها وقد رزقنا الله بطفل يعيش الآن مع أمه ويبلغ من العمر شهرين، وقد طلبت مني أن يكون طفلنا مسيحيًا وترغب في الذهاب به إلى الكنيسة لتعميده، فماذا أفعل؟ وماذا أقول لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمسلم أن يتزوج من النصرانية، إذا كانت عفيفة، لقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة/5.
ومع ذلك فلا ينصح بالزواج من الكتابية في هذا الزمن، لما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بتربية الأولاد.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة والبعد عن وسائل الفواحش جاز؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم.
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبّب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ... لكن إن احتاج إلى ذلك فلا بأس حتى يعف بها فرجه ويغض بها بصره، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام، والحذر من شرها وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/172) .
ومنه تعلم أن تنصير الأولاد من أكبر المحاذير التي يخشى أن تترتب على الزواج من النصرانية. ولا شك أنه لا يجوز لك السماح بذلك بحال من الأحوال، وكان عليك أن توضح لها قبل الزواج أن أولادك مسلمون ولا يمكن تنصيرهم، وأن هذه مسألة لا تقبل النقاش أو المساومة.
والواجب عليك الآن أن تحفظ دين ولدك، وأن تحول دون تنصيره، وإذا كانت الزوجة مصرة على ذلك فإنه ليس أمامك إلا أن تلزمها بالبقاء معك في بلدك، أو تستبقي الابن فقط، ولو أدى ذلك إلى فراقها وطلاقها، فإن الأمر عظيم، والمسألة كبيرة، فهي مسألة كفر وإيمان، نعوذ بالله من الخذلان.
واعلم أن تعميد الولد لا يعني أنه يصير نصرانيا بالفعل، بل هو مسلم يتبع دين أبيه المسلم، ولا يصير نصرانيا حتى يعقل النصرانية ويختارها بنفسه، وأما تعميده فلا اختيار له فيه، ولا يؤثر على دينه الذي فطره الله عليه وهو الإسلام.
فابذل كل وسيلة لتحافظ على هذا الابن، وتحول دون تلقينه تعاليم النصرانية، واعلم أنك مسؤول عنه، وأن أعظم التفريط والخيانة لهذه الأمانة أن تتركه يكفر بالله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يحفظك وذريتك، وأن يصرف عنكم السوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/125)
أجبرها أهلها على زواج صوري ليحصل الزوج على إقامة وجنسية!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، أعيش في ألمانيا منذ 15 سنة مع والدتي وأخي، وذلك أثر طلاق والداي، قبل سنة أرغمتني والدتي على الزواج برجل ادَّعت أنه في حاجة ماسة للإعانة، وأمام غطرستها، وتهديدها الدائم لي بالغضب عليَّ، وانعدام المسؤولية عند أخي: لم يكن لي أي خيار، منذ قليل اكتشفت حماقتي، وجهلي , إذ إن أمي تبرر كل أوامرها بحجج تدَّعي أنها من الدين، وتم الزواج لدى المحاكم الألمانية , زواج صوري، يمكِّن هذا الرجل الذي لم أره سوى عند كتابة العقد من البقاء في ألمانيا والحصول على الجنسية الألمانية بعد سنتين، بعد محاولات عديدة أمكن لي الحصول على موافقة والدتي للبداية في إجراءات الطلاق، الرجل الذي أصبح اليوم قادراً على البقاء في ألمانيا موافق على طلاق التراضي، كما كان اتفاقه مع والدتي منذ البداية. سؤالي هو الآتي: كيف أكفِّر عن ذنبي؟ هل عليَّ عدة المطلقات؟ لقد تقدم شاب لي، ويود الزواج بي، وأنا حائرة، إن أعلمته أخشى أن يتركني، وإن لم أفعل أكون خدعته، ثم متى أحل له، أبعد الطلاق من الزواج الباطل أم قبل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحدٍ أن يُكره موليته على النكاح ممن لا ترغب، والعقد الذي يثبت أن المرأة البالغ زُوِّجت فيه بغير إرادتها: باطل عند بعض العلماء، ومتوقف عليها لإمضائه عند آخرين، وفي كل الأحوال لا يجوز أن تُجبر البالغ على الزواج.
وتفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (47439) .
ولا نرى أنك صغيرة بحيث يتحكم في تزويجك والدتك وأخوك، فكان الأجدر بك الوقوف في وجوههم، والاعتراض على مثل هذا الزوج والزواج، وبخاصة أنكم في بلد يدَّعي أهله أنهم ينصرون النساء! .
ثانياً:
العقود التي تُجرى في محاكم الدول الكافرة: قد تكون عقوداً باطلة، وقد تكون صحيحة، فإن كان سبقها عقد شرعي، اشتمل على إيجاب، وقبول، وموافقة ولي، وشهود أو إعلان: كانت العقود أمام تلك المحاكم للتوثيق، والتثبيت، لا للإنشاء، وإن لم يسبقها عقود شرعية: فلا قيمة لها، ولا يُبنى عليها أحكام؛ لأنها باطلة أصلاً.
وينظر جواب السؤال رقم: (4458) .
ثالثاً:
ثمة عقود زواج تُبرم في دول الكفر لا لأجل العفاف والستر وإنشاء أسرة، بل لغايات الإقامة والجنسية! وليُعلم أن الزواج هو " كلمة الله " وهو " الميثاق الغليظ "، وأنه لا يجوز الاستهانة بهذه العقود، وجعلها مجالاً للعبث.
وليُعلم أن هذه العقود " الصُّورية " أو " الشكلية " إذا تمَّت وفق الشرع فإنه تترتب عليها آثارها الشرعية، من المهر، والعدَّة، وغير ذلك، وأما إذا لم تتم وفق الأحكام الشروط الشرعية: فإنه لا تترتب عليها آثارها الشرعية، مع وجود الإثم.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
نحن شباب مسلم - والحمد لله -، من مصر، ولكننا نقيم في هولندا، ونسأل عن حكم الإسلام في بعض الشباب المسلم الذي يلجأ للزواج من الأوربية، أو بعض النسوة الأجنبيات اللاتي معهن أوراق الإقامة، وذلك للحصول على الإقامة في هولندا، مع العلم أن هذا الزواج صوري، أي: حبر على ورق - كما يقولون – أي: أنه لا يعيش معها، ولا يعاشرها كزوجة، هو فقط يذهب معها إلى مبنى الحكومة، ومعه شاهدان، ويتم توثيق العقد، وبعد ذلك كل ينصرف لطريقه؟ .
فأجابوا:
عقد النكاح من العقود التي أكد الله عِظم شأنها، وسمَّاه " ميثاقاً غليظاً "، فلا يجوز إبرام عقد النكاح على غير الحقيقة من أجل الحصول على الإقامة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 98، 99) .
وفي جواب السؤال رقم: (2886) فتوى أخرى بالتحريم والمنع، فلتنظر.
فالذي يظهر لنا أن والدك موجود وعلى قيد الحياة، وهو في هذه الحال وليك في الزواج، ولو كان مطلِّقاً لأمك، وأخوك ليس وليّاً لك مع وجود والدكِ، فإذا تمَّ الزواج بموافقة والدك، وحضور شهود، مع رضاكِ به: فهو عقد شرعي تترتب عليه آثاره، ولو لم يكن من أجل العيش معه؛ لأن واقعه – والحالة هذه – أنه عقد شرعي مكتمل الأركان، فلا يحل لك الزواج بغيره إلا بعد أن تحصلي على الطلاق، وتنتهي عدتك.
وأما إن تمَّ العقد في الدوائر الرسمية فقط، ودون موافقتك أو موافقة والدك: فهو عقد غير شرعي، ولا تترتب عليه آثاره، ولا حاجة للحصول على الطلاق، إلا من أجل أنك زوجة في الأوراق الرسمية، لا من أجل أنك زوجة شرعاً، مع استحقاق من ساهم في وجوده للإثم؛ لاستهانته بالعقد الشرعي، وجعله مجالاً للعبث.
والخلاصة: أن الواجب عليك الاحتياط في أمر زواجك الجديد، على الأقل، وألا تقدمي على إتمام الخطبة الجديدة، إلا بعد طلاقك من الأول، وبإمكانك إتمام الخطبة والزواج الجديد بمجرد إنهاء الطلاق من الأول، وليس عليك عدة تنتظرينها، ولا فاصل زمني بين الزواجين.
وأما بخصوص إعلام الخاطب الجديد، فإن كان يغلب على ظنك أنه لن يعلم بما حدث، فلا ننصحك بإخباره، وأتمي زواجك به، كأن شيئاً لم يكن.
وإن كنت تظنين أنه سوف يعلم ذلك، فليعلمه منك أفضل وأكرم، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف شاء، فاستعين بربك سبحانه، على صرف قلبه إليك، إن كان في زواجك منه خير لك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/126)
إذا كان أخوها هو وليها ثم وكل خالها في عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة تعيش مع جدتها وخالها ولها أخ مقيم في دولة أخرى وليس لها أقارب عصبة في دولتها وأخوها هو أولى من يلي عقد نكاحها، لكنه وَكَّل خالها في إجرائه حيث لا يوجد غيره، وقام أحد طلبة العلم بإجراء الزواج بشهادة الشهود ووكالة خالها نيابة عن أخيها، فهل الزواج صحيح أم لا؟ وقد عقد بالفعل ولم يدخل بها فهل لو حضر أخوها حفل الدخول بها تعاد صيغة العقد أم العقد صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للولي أن يوكل غيره في عقد النكاح لموليته، سواء وكل قريبا لها كخالها، أو غيره.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/14) : "يجوز التوكيل في النكاح , سواء كان الولي حاضرا أو غائبا , لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم (وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة , ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة) . ولأنه عقد معاوضة , فجاز التوكيل فيه كالبيع" انتهى باختصار.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/103) : " عقد النكاح يكون بالصيغة الشرعية، وهي الإيجاب من الولي أو وكيله، والقبول من الزوج أو وكيله، ويكون ذلك بحضور شاهدين عدلين " انتهى.
وعليه؛ فالعقد الذي أجراه الخال هنا نيابة عن الأخ، عقد صحيح، ولا يشترط حضور الأخ يوم الزفاف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/127)
كانا على علاقة محرمة ثم تابا وتزوجا من غير ولي فكيف يتصرفون الآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم بفرنسا، تزوجت بامرأة أرملة لها أولاد، وكانت لي معها علاقة غير شرعية – زنا – وتزوجنا بعدها وتبنا إلى الله توبة نصوحاً، وقد حضر زواجنا إمام من تلك البلدة، وشهود، كانوا 5 أشخاص، ولم أدرِ في ذلك الوقت بشرط الولي في الزواج، وبعد زواجنا سألتها عن رأي والديها، قالت لي: بأنهما غير موافقين على الزواج، مع العلم أن والديها يعيشان في المغرب، وهي تعيش بفرنسا، لكن بعد الزواج سامحوها، والآن العلاقة معهم حميمة، فزارونا، وزرناهم، والآن لدي معها بنتان، فأرشدوني، جزاكم الله خيراً، هل العقد صحيح أم لا؟ وما عليَّ فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما، ويغفر لكما، ويعينكما على طاعته، وحسن عبادته.
ثانياً:
عقدكم النكاح من غير موافقة ولي الزوجة عليه: باطل، ويجب عليكم إعادته، بحضور الولي، وإن لم يحضر فإنه يوكل من يعقد النكاح نيابةً عنه.
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَليٍّ) .
رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"جمهور العلماء يقولون: النكاح بغير ولي باطل، يعزرون من يفعل ذلك، اقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا مذهب الشافعي، بل طائفة منهم يقيمون الحد في ذلك بالرجم، وغيره" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (32 / 21) .
وقال - أيضا -:
"دلَّ القرآن في غير موضع، والسنَّة في غير موضع، وهو عادة الصحابة، إنما كان يُزَوِّج النساءَ الرجالُ، لا يعرف عن امرأة تزوج نفسها، وهذا مما يفرق فيه بين النكاح، ومتخذات أخدان، ولهذا قالت عائشة: (لا تزوج المرأة نفسها؛ فإن البغي هي التي تزوج نفسها) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (32 / 131) .
وقال صاحب " عون المعبود " (6 / 101) :
"والحق: أن النكاح بغير الولي باطل، كما يدل عليه الحديث" انتهى.
والواجب عليكما الآن إذا أردتما تصحيح العقد وجعله موافقاً للشرع: أن يُعاد العقد مرة أخرى بحضور ولي الزوجة وموافقته.
وينبغي أن يُعلم أن عليكم الإسراع بتصحيح هذا الوضع، لأن إقامتكم الآن معاً محرمة، لأن العقد الذي تم بينكما في السابق غير صحيح.
ويمكنك ـ من أجل المبادرة إلى ذلك ـ أن تتصل بأبيها في الهاتف ويقول لك: زوجتك ابنتي فلانة وتقول قبلت، وذلك في حضور شاهدين يعلمان صوت الأب ويسمعانه.
ثالثاً:
أما بخصوص الأبناء: فإنهم يُنسبون إليك لأنك عقدت النكاح بدون الولي وأنت تظن أنه صحيح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/128)
يريد الزواج من نصرانية تقيم في دولة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الجزائر وأقيم في الجزائر وقد تعرفت على امرأة أصلها من الفلبين وتقيم بالإمارات العربية وهي مسيحية كاثوليكية وأريد الزواج منها وهي كذلك، وقالت لي تعال: إلى الإمارات ونتزوج هنا، فهل يجوز لي هذا الزواج؟ وكيف أدعوها إلى الإسلام بعد زواجنا؟ وأعرف أنها ستشترط أن تبقى في العمل، لأن إقامتها في الإمارات بتأشيرة العمل. وأريد أن أسألكم سؤال إنها تلقي علي تحية السلام عليكم وأرد عليها وعليكم السلام. وأريد منكم أن تدلوني على كتب أو عناوين بريدية باللغة الإنكليزية لأعلمها الإسلام أو أدلها عليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الإسلام لا يمانع من زواج المسلم بالمرأة النصرانية إذا كانت عفيفة، وذلك لقوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ... ) المائدة/5.
ومعنى (محصنات) في هذه الآية: أي الحرائر العفيفات.
ويراجع في هذا جواب السؤال رقم (2527) و (26885) .
أما إن كانت المرأة غير عفيفة، وهي التي لها أصدقاء وخلان تعاشرهم فإن الإسلام يمنع من نكاحها مسلمة كانت أم كتابية، كما يمنع أن يكون للرجل صديقة أو خليلة، صيانةً للحياة الزوجية من الانهيار، وحفظاً للأنساب من الاختلاط والضياع، وتجنباً لأسباب الخلاف والتهمة والظنون.
والواجب على من يتزوج امرأة كتابية أن يدعوها إلى الإسلام، على الدوام، فهذا حقها عليه، وهذا واجبه نحوها، وهي أولى من غيرها بالدعوة إلى الإسلام، فحق الزوجة على زوجها كبير ولو كانت كتابية، ومن أهم تلك الحقوق: دعوتها إلى الطاعة، وأصل الطاعة: الإيمان بالله تعالى، قال الله عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران/110.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري (3009) .
وباب الدعوة إلى الله واسع، فاجتهد في دعوتها ودعوة غيرها من الكفار إلى الإسلام، ويمكن أن تسترشد بتجارب المراكز والمساجد الإسلامية الموثوقة في البلد الذي تعيش فيه لتوفير الكتب المناسبة، والأشرطة المناسبة للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وفقك الله لما يحب ويرضى.
وراجع هذين الموقعين للحصول على معلومات أكثر عن الإسلام باللغة الإنجليزية.
http://www.islamworld.net/
وhttp://www.islamtomorrow.com/.
ثانياً:
إذا سلم غير المسلم سلاما واضحا: السلام عليكم، فإنه يرد عليه: وعليكم السلام.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (43154) .
ويستوي في هذا الحكم الزوجة الكتابية وغيرها، لعموم النصوص الواردة في ذلك.
ثالثاً:
الذي يظهر لنا من سؤالك أنك تعرفت عليها عن طريق المحادثات، فينبغي أن تعلم أن محادثة الرجل للمرأة الأجنبية -كما هو واقع الآن بكثرة- لا يخلو من الوقوع في محذورات شرعية، ويخشى منها الفتنة، ولذلك فعليك أن تعزم على الزواج منها وتسعى في ذلك، أو تقطع علاقتك بها.
وينظر للفائدة سؤال (45645) .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/129)
حكم النكاح والطلاق على الورق بقصد الإقامة في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في شخص قام بتطليق زوجته إداريّاً فقط، أي: قام باستخراج ورقة الطلاق من المصالح المعنية، دون أن يطلقها طلاقاً حقيقيّاً، أي: دون أن يتلفظ بكلمة الطلاق، وهذا بقصد أن يستخدم ورقة الطلاق تلك للزواج من فتاة أوربية للحصول على وثائق الإقامة، وبعد أن يتم له ذلك يطلق هذه الأخيرة، ويعيد العقد على الزوجة الأولى. فما رأي الشرع في مثل هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النكاح هو الميثاق الغليظ، وهو من أحكام الشرع العظيمة، تستباح به الفروج، وتثبت به الحقوق كالمهر والميراث، وينتسب الأولاد به لأبيهم، إلى غير ذلك من الأحكام.
وبالطلاق تحرم المرأة على زوجها، وتُحرم من الميراث، وتحل لغير ذلك الزوج، بشروط معروفة، وغرضنا من هذا البيان: تنبيه المسلمين إلى ضرورة عدم استعمال هذين العقدين في غير ما شرع الله تعالى، وعدم اتخاذهما هزوا ولعباً، وقد رأينا – وللأسف – من يعقد على امرأة لا ليباح له منها ما كان يحرم عليه من الاستمتاع، ولا ليُكَوِّن معها أسرة – كما هو حال العقد الشرعي – بل ليتوصل به لغرض دنيوي، كتسجيل أرض، أو استخراج رخصة محل، أو الحصول على إقامة، أو ليمكّن المرأة من السفر خارج بلدها، وكل ذلك لا يكون فيه الرجل زوجاً حقيقيا، ولا تكون المرأة زوجة حقيقية، بل هو زواج صوري! حبر على ورق! وهذا من اللعب والعبث بأحكام الشرع، لا يحل فعله، ولا المساهمة في إنشائه، ويتعين المنع منه في حال أن يراد التوصل به لأمرٍ محرَّم كمن يفعل ذلك من أجل الإقامة في دولة غير مسلمة.
وقل مثل ذلك في الطلاق، فهو حكم شرعي، لا يجوز لأحدٍ الهزل به، ولا العبث بأحكامه، ويسمون ذلك " الطلاق الصوري "! حبر على ورق!
وليعلم هؤلاء جميعاً أنهم آثمون بفعلهم هذا، فلم يشرع الله تعالى النكاح والطلاق لتكون الزوجة اسماً على عقد، ليس لها أحكام، وليس عليها حقوق، وليعلموا أن هذا النكاح تثبت أحكامه بمجرد العقد، إن تمت شروطه وأركانه – وإن فَقَدَ منها شيئاً فهو باطل - وأن الطلاق من الزوج يقع على زوجته بمجرد التلفظ به، فليس في الشرع نكاح صوري، ولا طلاق صوري، وأن الإثم يزيد على فاعلهما لو قصدا التوصل إلى فعل محرَّم أصلاً، كمن يتوصل به للتهرب من حقوق الناس وديونهم، ولتتوصل المرأة من أخذ إعانة مطلقة من دولة أو مؤسسة، أو ليتوصل به لأن يقيم في دولة غير مسلمة يحرم عليها الإقامة فيها، وغير ذلك من المقاصد الباطلة المحرَّمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الشارع منع أن تتخذ آيات الله هزواً، وأن يتكلم الرجل بآيات الله التي هي العقود إلا على وجه الجد الذي يقصد به موجباتها الشرعية، ولهذا ينهى عن الهزل بها، وعن التلجئة، كما ينهى عن التحليل، وقد دل على ذلك قوله سبحانه: (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزؤن بآياته، طلقتك، راجعتك، طلقتك، راجعتك) فعلم أن اللعب بها حرام " انتهى.
" الفتاوى الكبرى " (6 / 65) .
وعليه:
فإذا تزوج رجل امرأةً تحل له، وكان ذلك وفق الشروط الشرعية، وقيام الأركان وخلو الموانع: فإنه نكاح صحيح تترتب عليه آثاره.
وإذا طلَّق الرجل امرأته لفظاً، وقع طلاقه، ولو كان لا يقصد به إنفاذ الطلاق.
وأما التطليق بالكتابة من غير لفظ ففيه تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم (72291) .
ثانياً:
الزواج من تلك الأوربية بقصد الحصول على الإقامة ثم يطلقها بعد ذلك، فعل محرَّم، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في تحريم هذا الفعل في جواب السؤال رقم: (2886) .
وهو إن تزوجها من غير إتمام شروط النكاح، كالزواج من غير ولي، أو مع وجود مانع من صحة النكاح، كأن تكون زانية ولم تتب، أو تكون غير كتابية: فنكاحه لها محرَّم، وهو باطل.
وإن تزوجها زواجاً تامة أركانه وشروطه، وخاليا من الموانع: فزواجه صحيح، وتترتب عليه آثاره، وتحرم عليه نيته.
ثالثاً:
في تلك الأفعال القبيحة من الحصول على ورقة طلاق للزوجة الأولى، والتزوج بثانية من أجل الإقامة ثم تطليقها: محذوران آخران:
الأول: التحايل، والكذب، وشهادة الزور، فهو يتحايل على الدولة ويخدعها من أجل الحصول على الجنسية، وهذا محرم.
والثاني: أنه يريد التوصل بالطلاق والزواج الصوريين للإقامة في بلاد الكفار، وقد جاء في ديننا النهي عن الإقامة بين الكفار لغير حاجة، لما في ذلك من الخطر العظيم على الدين والأخلاق، وعلى الفرد والأسرة.
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَنَا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسلِمٍ يُقِيمُ بَينَ أَظهُرِ المُشرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (27211) .
فالذي ننصح به إخواننا هو أن يتقوا الله تعالى في العقود الشرعية، وأن لا يتخذوها مطايا لغايات دنيوية، وأولى أن يمتنعوا إن كانت الغايات محرَّمة، وليتقوا الله تعالى في زوجاتهم، وأولادهم، وليتأملوا فيما يمكن أن تسببه أفعالهم في إيقاعهم في الحرج الشديد، أو الحرمان من الحقوق، وغير ذلك من المفاسد المترتبة على مباشرة تلك العقود بتلك الصور الفاسدة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/130)
أبوها وإخوانها لا يصلون فهل يزوجها أخوها الأصغر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي الزواج من فتاة ملتزمة من فرنسا وأنا في كندا، لكن المشكل هو في ولايتها، فأبوها وإخوانها لا يصلون أبدا؟ فما العمل لاجتناب إحراجها؟ الوحيد الذي يصلي هو أخوها الأصغر وهو غير مواظب عليها في أوقاتها ماذا أفعل أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ الفتاة أحسبها صالحة وهي متمسكة كثيرا بدينها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يتولاه ولي المرأة أو من يقوم مقامه كوكيله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
ثانيا:
إذا كانت المرأة مسلمة، اشترط إسلام وليها بإجماع العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/377) .
ثالثا:
تارك الصلاة إن كان جاحدا لها، فهو كافر بالإجماع، وإن كان تركها تكاسلا وتهاونا، فقد اختلف العلماء في كفره، والراجح الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أنه كافر، وينظر جواب السؤال رقم (5208) .
وعلى هذا فمن ترك الصلاة لم يجز أن يلي عقد النكاح على مسلمة.
وعلى هذا تنتقل الولاية إلى من يليه وهو الجد، فإن لم يوجد أو كان غير صالح للولاية انتقلت إلى الإخوة الأشقاء، فإن كان أصغرهم هو الذي يصلي، انتقلت الولاية إليه إن كان بالغا، وإلا انتقلت الولاية لمن بعده، من أبناء الإخوة، ثم الأعمام، ثم أبنائهم، ثم القاضي الشرعي إن وجد، وينظر جواب السؤال رقم (48992)
ولدفع الحرج في هذه المسألة، يمكن أن يعقد النكاح لك أخوها أو من تصح ولايته – كما سبق - في حضور شاهدين عدلين، وهذا هو العقد الصحيح المعوّل عليه، وأما عقد النكاح من قبل أبيها، فلا يصح، ولا حرج عليك أن تجريه معه، دفعا للحرج، ودرءا للمفسدة، مع الاجتهاد في دعوته إلى أداء الصلاة.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/131)
حكم زواج المرأة بمن يحضر الموالد وعنده بعض البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال صعب، فأخت زوجتي ستتزوج قريباً، وهي متخوفة من نوعية الشخص الذي ستتزوج به، وحتى أكون واضحاً معك، فقد سألتْني ما إذا كان يصح الزواج برجلٍ يؤيِّد بشدة المولد أو الاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم - أنا أفهم أن هذا العمل في ذاته بدعة في الإسلام، لكن، الصعوبة تكمن في ما إذا كان يمكن للمسلمة أن تتزوج بمن يقيمون الموالد، وفي البلد الذي أقيم فيه فإن الناس الذين يقيمون هذا العمل يفعلونه كعبادة، وفي هذه المناسبة يدعى الناس لحضور الاحتفال حيث تقرأ بعض الأحاديث وتُغنى بعض الأغنيات ويقال الدعاء، والناس في الحقيقة يقفون ويغنون! وأنا أتمنى أن يكون هذا هو الفعل الذي تشير إليه الفتوى في موقعك. أما عن السؤال فهو: هل يجوز للمسلمة الزواج بمن يفعل هذا الفعل؟ والسؤال الأصعب والذي أخشى من طرحه هو: هل مَن يفعل هذا الفعل يعتبر مسلماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فأما ما يتعلق بحكم المولد، وهل يعتبر فاعله مسلماً: فالجواب تجده بالتفصيل في زاوية " مواضيع في المناسبات " من هذا الموقع، وخلاصته: أن الذين يفعلون هذا الأمر هم أصناف كثيرة بحسب ما يقومون به من أعمال ـ وإن كان المولد في حد ذاته بدعة ـ لكن الحكم على فاعله يختلف بقدر ما يرتكبه في هذا المولد من مخالفات، وبالتالي فقد يصل الأمر إلى حد الشرك والخروج من الملة؛ إذا ارتكب في هذا المولد شيئاً مِن المكفرات المعلومة، كدعاء غير الله، أو وصف النَّبي صلى الله عليه وسلم بصفات الربوبية، أو ما شابه ذلك، وأما إن كان لم يصل إلى هذا الحد فهو فاسق وليس بكافر، ويتفاوت فسقه بقدر ما يرتكب في هذا المولد من مخالفات وبدع.
وأما مسألة الزواج من الرجل الذي يشارك في مثل هذه الموالد فحكمه يختلف بحسب حال هذا الرجل؛ فإن كان يقع في المكفرات فلا يجوز الزواج منه بحال من الأحوال لأن الله يقول {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم} البقرة/221 والعقد يعتبر باطلاً، وهذا بإجماع أهل العلم.
وأما إن كان المبتدع لم يصل ببدعته إلى حد الكفر؛ فإن العلماء قد حذروا من مناكحة أهل البدع تحذيراً شديداً، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله: " لا ينكح أهل البدع؛ ولا ينكح إليهم، ولا يسلم عليهم.. " المدونة " 1 / 84، وقريب منه قول الإمام أحمد رحمه الله.
وقد قررّ الأئمة الأربعة رحمهم الله أن مسألة الكفاءة في الدين بين الرجل والمرأة في النكاح من الأمور المعتبرة؛ فالفاسق ليس بكفؤ للمسلمة المتدينة المستقيمة لأن الله قال: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) ولاشك أن البدعة في الدين من أشد أنواع الفسق، ومعنى اعتبار الكفاءة في الدين: أنه لو اكتشفت المرأةُ أن الزوج فاسقٌ أو تبيَّن لأوليائها أن الزوج فاسق بعد أن تمَّ العقد فإنه يحق للمرأة أو لأوليائها الاعتراض على هذا العقد وطلب فسخه، أما إذا أسقطوا هذا الحق برضاهم فإن العقد صحيح.
ولذا فينبغي الحذر من مثل هذ1النكاح؛ خصوصاً وأن القوامة تكون للرجل فربَّما ضايق المرأة؛ وأجبرها على ارتكاب بعض البدع، أو ألزمها بمخالفة السنَّة في بعض الأمور؛ أما الأولاد فشأنهم أخطر، فهم عرضة لأن يربيهم على بدعته فينشئون مخالفين لأهل السنَّة، وفي هذا من الحرج والضيق على الأم المتبعة لمنهج أهل السنة والجماعة ما فيه.
وخلاصة القول: أن نكاح المرأة لرجل مسلم من أهل البدع مكروه عند أهل السنة كراهة شديدة، لما يترتب عليها من المفاسد، وتعطيل كثير من المصالح.
ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه.
راجع " موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع " د. إبراهيم الرحيلي (1 / 373 – 388) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد(6/132)
من هو ولي النكاح عند فقد الأب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت فتاة من إحدى الدول الإسلامية ولقد طلقتها مرتين، وكان زواجنا زواجاً عرفياً دون أي تسجيل قانوني، وكان وكيلها شيخ دين تم توكيله عن طريق أبيها، ولقد مات والدها منذ مدة وجميع أشقائها أصغر منها سناً ولا أعرف لها ولياً، وأنا أرغب حالياً في ردها إلى ذمتي وذلك بعد طلاقٍ امتد إلى أكثر من سنتين، فهل وجود الولي لازم لإتمام الزواج مع وفاة أبيها وصغر إخوانها؟ أم يحق لي بأن أرجعها دون حاجةٍ إلى ولي؟ خاصةً وأنها كانت زوجتي فيما مضى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته وانقضت العدة لم تحل له إلا بعقد جديد، والولي أحد شروط صحة عقد النكاح، فلا يصح الزواج بدونه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/5) : " النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح النكاح" انتهى.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وبما أنك قد طلقت هذه الزوجة من سنتين فقد انقضت عدتها، والزوج بعد انقضاء عدة مطلقته يكون أجنبياً عنها كغيره من الرجال. فلا تحل لك إلا بعقد جديد، ولا بد أن يتولى هذا العقد وليها، أو يوكِّل وَلِيُّها مَنْ يعقد لك النكاح.
وفي حالة عدم وجود الأب، فالجد هو الولي، فإن لم يوجد فإخوانها هم أولياؤها، ولا يضر كونهم أصغر منها سنا، ولكن يشترط في الولي: البلوغ، فإذا كان أحد إخوانها بالغاً فهو وليها، وإن كان أصغر منها.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/147) : " لا يتولى عقد نكاح المرأة إلا مكلف رشيد، فإن لم يكن فالقاضي، لأن السلطان ولي من لا ولي له، والقاضي هو نائبه في مثل هذا والتكليف يكون بإنزال المني عن شهوة سواء كان بالاحتلام أو غيره، أو نبات الشعر الخشن حول القبل، أو إكمال خمس عشر سنة، والرشيد هو الذي يحسن التصرف وذلك بأن يتحرى الكفء المناسب الذي يصلح لموليته " انتهى.
وإن كان جميع إخوانها صغاراً، بأن لم يكن فيهم أحد بالغ، انتقلت الولاية إلى من بعدهم، وهم الأعمام، فإن لم يوجد منهم أحد فأبناء الأعمام.
فإذا لم يكن هناك أحد من هؤلاء الأولياء فيتولى عقد نكاحها القاضي الشرعي، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) رواه أبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعلى هذا؛ فإن أردت الزواج بهذه المرأة ولم يكن لها أحد من الأولياء، فعليك أن ترجع إلى القاضي الشرعي في المحكمة ليتولى تزويجها.
تنبيه: قولك عن النكاح الأول إنه تم بدون تسجيل قانوني. فهذا وإن كان صحيحاً إذا توفرت شروطه وأركانه، لأنه ليس من شروط صحة عقد النكاح تسجيله الرسمي، غير أننا نؤكد على أهمية تسجيل النكاح، وننصح بعدم التساهل في ذلك، حفظاً للحقوق، وحتى لا يقع التلاعب بعقود النكاح من قِبَل السفهاء من الرجال أو النساء.
وانظر جواب السؤال رقم (22728)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/133)
هل يتزوج مطلقة، رغم معارضة والديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل ملتزم دينيا، وأريد أن أتزوج، وقد تعرفت على سيدة مطلقة، وهي أكبر مني بعدة سنوات، وصاحبة دين ولقد أردت دائما أن أظفر بذات الدين، والحمد لله وجدتها هي ذات الدين والجمال والخلق والنسب والمال كما دلنا الرسول على مواصفات الزوجة الصالحة؛ لقد أحببتها حبا جما لصفاتها الحسنة وعقلها المتزن , وتلك الصفات لا أجدها أبدا فيمن في سني!! عرضت الموضوع على أهلي فرفضوا بشدة، وأنا أعلم أني في حال عدم زواجي بها لن تستقيم حياتي أبدا، وسأكره والدي كرها لم يره بشر من قبل، ولكنى سأعاملهما بالحسنى ابتغاء مرضاة الله فقط. فهل يجوز لي الزواج بغير رضا والدي؟ وما يعاقب والدي لأنهما منعا حلال الله لأسباب دنيويه، وليس لأسباب دينية؟ وفى حال رفض أهلها أيضا؛ بم تنصحونهم؟ وأريد أن أعف نفسي بالزواج، حيث إنى أستطيع الباءة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فإنك أيها الأخ الكريم قد أبديت شدة احتياجك إلى هذه النصيحة، فنسأل الله تعالى أن يوفقك للانتفاع بها، على قدر ما أبديت من حاجة إليها، وألا يكلك إلى نفسك التي سولت لك أن والديك غير ناصحين لك، وأنك قد تكرههما كرها لم يره بشر إذا حالا بينك وبين هواك؟!!
أيها الأخ الكريم؛ أتريد أن نتحدث معك من خلال عقلك الكبير الذي يسبق سنك، ولا يتفهمه والداك؟
أم تريد منا أن نتحدث معك من خلال عاطفتك التي طغت على كل شيء عندك، حتى على نظرتك إلى أبويك؟
أما العقل الكبير، فلن نقول لك هنا: كم من أناس أهلكتهم عقولهم، وأرداهم إعجابهم برأيهم..، لن نحتاج إلى أن نقول لك شيئا من ذلك؛ بل نقول لك، وهذا لا بد أن تعلمه من نفسك، كما يعلمه كل عاقل، وتشهد به التجارب: لقد خسرت قسطا كبيرا من عقلك هذا (الكبير) من جراء ما أنت فيه، وصرت تفكر بعاطفتك الجياشة، التي ملكت عليك حياتك!!
فإن كابرت في تلك الحقيقة، نعيذك بالله من هذا، فاستمع الآن، وأنت المتديِّن جدا، على حد قولك، إلى قول رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء:
(مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ) رواه البخاري (304) ومسلم (80) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (أَذْهَبُ) أَيْ أَشَدّ إِذْهَابًا , وَاللُّبّ أَخَصّ مِنْ الْعَقْل وَهُوَ الْخَالِص مِنْهُ , (الْحَازِم) الضَّابِط لِأَمْرِهِ , وَهَذِهِ مُبَالَغَة فِي وَصْفهنَّ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الضَّابِط لِأَمْرِهِ إِذَا كَانَ يَنْقَاد لَهُنَّ فَغَيْر الضَّابِط أَوْلَى " انتهى.
وصدق الأعشى حين قال:
وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ!!
فنرجو منك أن تفتح لما تقرأ الآن قلبك عقلك، واصدق الله وانصح لنفسك: كيف تعرفت على هذه المرأة؟ وكيف وصل بك الحال إلى أن (أحببتها حبا جما) ؟
اعلم أنك لو تعرفت عليها تعرفا أدى بك إلى هذه الحال في مجلس تحفيظ للقرآن الكريم، لكان هذا المجلس آثما ينهى عن مثله، فكيف بغيره من المجالس والملتقيات؟
إنك ما أحببتها حبا جما إلا بعد نظر محرم، استماع محرم، واتباع لخطوات الشيطان حتى جعلك ترى هذه المرأة على تلك الصورة التي ربما لم تكن عليها في واقع الأمر؛ فألقى في قلبك أن ليس في الناس مثلها، حتى آل بك الأمر إلى أن ترى والديك يحولان بينك وبين سعادتك، وإلى أن تكرههما كرها لم يره بشر، يا أيها المتدين العاقل؟!!
وحتى رحت تسأل: " وما عقاب والدي عند الله لأنهما منعا حلال الله لأسباب دنيويه.. "
أتريد أن تتشفى بما يكون لهما من العقاب عند الله، لتبرد نار الشوق والحرمان في صدرك؟!! أم أنك مشفق عليهما من عقاب الله وعذابه؟!!
على أية حال، والله ما نعلم لهما عقابا عند الله، ما داما يجتهدان في النصح لك، والسعي فيما يصلحك، ويصلح لك؛ هذا إن أخطآ، فكيف إن أصابا في ذلك، وإنا لنسأل الله ألا يحرمهما من الأجر على كل حال؛ أجر تربيتك، والصبر عليك، والنصح لك، والاهتمام بأمرك ...
ولو سألت عن الاختيار بين الأمرين: أن تبدأ حياتك بطريقة تغضب والديك، وتسبب القطيعة، أو ترضيهما على حساب عاطفتك، واختيارك لنفسك؟!!
لقلنا: السؤال خطأ، فرضا الوالدين لا يعدله شيء، فيكف يوزن بمثل ذلك؟!!
وإن أردت نصيحتنا، فلا تقدم على شيء لا يرضاه والداك، وإن كنت تريد صاحبة الدين، فصاحبات الدين سواها كثير، فاختر منهن ما تناسبك، وترضي والديك، لتجمع بين الحسنيين، وليست المرأة التي تفوتك هي نهاية العالم، كما يتصور العاشقون، بل أمر الزواج أيسر من ذلك، إنما هو المودة والرحمة والسكن، وهذا من الممكن تحصيله ـ بسهولة ـ بين الأشخاص الأسوياء!!
وهذا كله نقوله لك، إن كنت ترضى منا أن نخاطبك من خلال عقلك الكبير، فاحذر أن تكون ما أنت فيه جذوة من الشوق، لا تلبث أن تخبو عند مصادمة الحياة الواقعية.
فأما إن أبيت ذلك، ورأيت أنك لن تستقيم حياتك، وسوف تكره ... ، معاذ الله، فلنخاطبك الآن بحكم عاطفتك التي أسكرتك، وغطت على عقلك، حتى لم تقدر لما تقوله وزنا؛ فالهوى والعشق حالة مضية، كما قال ابن القيم رحمه الله:
" فصل: في ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكلام الناس فيه:
فالذي عليه الأطباء قاطبة أنه مرض وسواسي، شبيه بالماليخوليا، يجلبه المرء إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور والشمائل، وسببه النفساني الاستحسان والفكر " انتهى من روضة المحبين (137) .
فلتتزوج هذه المرأة التي تعلقت بها، وليس هناك ما يمنع من ذلك، حتى وإن لم تتقبل أعراف الناس ذلك بسهولة، لكننا ننصحك أن تستشير في ذلك من تثق بعقله ودينه ممن يعرفك ويعرفها، أو على الأقل أن تتحرى عن دينها، من طرف محايد، لا يتأثر رأيه بعاطفة جياشة، ولا بموقف رافض لفكرة زواجك بها من الأساس.
فإن صح لك أنها صاحبة الدين التي تبحث عنها لتعف نفسك، فلا يعنينا الآن أن يكون ما قالته عن زوجها صحيحا، لأن مثل هذا الأمر لا يجوز الخوض فيه , ولا قبول رأيها فيها، لأن بينهما خصومة، وليس من اللازم للطلاق أن تقع تلك الجرائم، وليس من اللازم أيضا للزواج بالمطلقة أن تكون ضحية لمثل ذلك، فقد يكون هو زوجا صالحا خيرا، وتكون هي كذلك، لكن الحياة لم تستقم بينهما!!
إننا معك في أن نظرة المجتمعات للمطلقات، بل وللأرامل أيضا، هي نظرة جاهلية في المقام الأول، حتى لتكاد تحكم على الواحدة منهن بالإعدام من الحياة الاجتماعية السوية، وأخذ فرصة أخرى للعيش الكريم.
وفي هذه الحال ننصح والديك بالتوقف عن معارضة زواجة، مراعاة لما وصل إليه أمرك، ما دام أنه لا يوجد ما يطعن في دين المرأة ولا خلقها، وليس من حقهما حينئذ ـ وقد بذلا نصحهما ـ أن يكرهاك على أمر لا تريده، أو يمنعاك مما تعلقت به نفسك.
وانظر جوابي السؤالين رقم (30796) ورقم (20152) .
لكن يبقى موافقة أهلها هي على ذلك، فهذا ليس له حل عندنا، بل لا بد من موافقة أهلها، ولا يحل لك أن تنكحها من غير إذن وليها، ولو قدر أن هذا يحل، أفيعقل أن تعيشا في منعزل عن أهلك وأهلها، وأن تعادي أنت أهلك لأجلها، وتعادي هي أهلها لأجلك؟!!
هذا ـ فقط ـ في قصص العشاق، وأفلام العواطف الجياشة، وأما الحياة الواقعية، فينبغي أن تكون لها موازينها وضوابطها.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، وألهمنا رشدنا، ووقانا شر أنفسنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/134)
كان خالها وليها في النكاح فهل تجدد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ أكثر من 7 سنين وعندي ثلاثة أولاد وسؤالي هو أن أبي وأمي منفصلين منذ صغري، وأنا لم أر أبي رحمه الله سوى مرة واحدة في حياتي. فهو كان متزوجا في غير المدينة التي نعيش بها وليس لنا أي علاقة به، ولذلك حين تزوجت كان خالي هو وليي، وقد كان أخي موجوداً ولم يعترض على هذا، ولكني علمت أن هذا لا يجوز، وأنه في حالة غياب الأب يجب أن يتولى الولاية من يليه، فأنا لا أعلم بذلك. هل زواجي هذا باطلٌ أم لا؟ وإن كان باطلا - لا قدر الله - فماذا عليّ أن افعل الآن وأنا عندي 3 أولاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الخال لا يكون وليا في النكاح؛ لأن الولاية مختصة بالعصبة، وهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم الخ.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/13) : " ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب , كالأخ من الأم , والخال , وعم الأم , والجد أبي الأم ونحوهم. نص عليه أحمد في مواضع. وهو قول الشافعي , وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة " انتهى.
ثانيا:
الأب أحق بتزويج ابنته من غيره، ولا يسقط حقه في الولاية بتقصيره وتفريطه في رعاية أبنائه. وكذلك غيابه لا يسقط ولايته، إلا إن غاب غيبة منقطعة بحيث لا يمكن الوصول إليه ولا الاتصال به، فتنتقل الولاية حينئذ إلى من بعده من الأولياء.
وعليه، فقد كان الواجب عليكم إعلامه بالخاطب، ليتولى عقد نكاحك أو يوكل من يتولى العقد، فإن أبى وكان الخاطب كفؤا، انتقلت الولاية إلى من بعده، وهو الجد إن كان موجودا، وإلا فالولاية للأخ إن كان بالغا، وإذا لم يوجد أحد من العصبة، انتقلت الولاية للقاضي.
ثالثا:
بناء على ما سبق، فقد تم نكاحك بغير ولي، والنكاح بغير ولي لا يصح عند جمهور العلماء، ويصح عند أبي حنيفة رحمه الله.
وعليه: فإن كان القضاء في بلدك يأخذ بالمذهب الحنفي، ويصحح النكاح بلا ولي، فالنكاح مستمر، ولا ينقض.
وإن لم يكن القضاء عندكم على هذا، فالعقد لاغ. ثم إن كان كل منكما الآن راغباً في الآخر، فيجدد العقد بحضور وليك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/6) بعد أن قرر أن النكاح لا يصح إلا بولي، قال: " فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم، لم يجز نقضه، لأنها مسألة مختلف فيها، والأحاديث الواردة فيها يمكن تأويلها، وقد ضعفها بعض أهل العلم. انتهى بتصرف
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن فتاة زوجها خالها، فأجاب: " هذا العقد غير صحيح، لعدم الولي، والولي شرط من شروط النكاح، والخال ليس ولياً في النكاح، وإذا فقد الولي فالنكاح فاسد، هذا قول الجماهير من أهل العلم، وهو المشهور من المذهب واستدلوا لذلك بما روى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) رواه الخمسة وصححه ابن المديني. وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
فإن كان هناك دعوى غرور [أي أن يدعي الزوج أنه خدع وغُرر به] فلا مانع من سماعها، وإن كان كل منهما يرغب استمرار النكاح بينهما فيجدّد له العقد، ولا تحتاج إلى عدة لأن الماء ماؤه، وإلا [أي إذا كان أحدهما لا يرغب في الآخر] فيفرق بينهما، وعليه أن يطلقها لأن العقد الفاسد يحتاج إلى طلاق، فإن أبى فسخه الحاكم " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/73) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/135)
هل يتزوج الخادمة ويكون وليها كفيلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل لديه زوجة مريضة بمرض مزمن، وله منها ثلاثة أولاد , وعمله في مكان بعيد عن أهله، والزوجة قد تمر بها حالات فتنوّم في المستشفى لعدة أيام، والرجل يصبح ضائعاً بين أولاده وعمله، فقرر جلب خادمة أمينة , ووجد خادمة كانت تعمل عند قوم، ووصفوها بالأمانة في الشغل ورعاية الأطفال، وجلست عنده مدة، ووجدها كما تم وصفها، لكنه يقول إنه لا يستطيع أن يفرض عليها الحجاب , وقد يقع نظره عليها، وكذلك قد تبقى زوجته في المستشفى فيصيرون في خلوة، فيسأل هل له أن يتزوجها - وخاصة أنها مطلقة -؟ وليست له نية تطليقها ما دامت موجودة، وسمع من أحد الشيوخ أن الكفيل هو ولي الخادمة، فهل يزوجها لنفسه سرّاً عن زوجته، وبشهود؛ لدرء الفتنة التي يخاف أن تقع؟ أم ماذا يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط، كالموظف.
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) .
ثانياً:
لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بأن الخادمة يكون وليها كفيلها، والخادمة حرَّة، فوليها والدها، أو ابنها، أو أخوها، أما وكفيلها فهو أجنبي عنها لا ولاية له عليها.
ثالثاً:
لا يجوز لمن تعاقد مع خادمة على العمل في بيته أن ينظر إليها، أو أن يخلو بها؛ فهي أجنبية عنه، وهو أجنبي عنها، ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من النساء الأجنبيات.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الخادمات خطرهن عظيم، والبلية بهن كبيرة، فلا يجوز للمسلم أن يخلو بالأجنبية سواء كانت خادمة، أو غيرها، كزوجة أخيه، وزوجة عمه، وأخت زوجته، وزوجة خاله، وغير ذلك , ولا يخلو بامرأة من جيرانه، ولا غيرهن من الأجنبيات.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما) ، فليس له أن يخلو بامرأة أجنبية، لا خادمة، ولا غيرها، وليس له أن يستقدم خدماً كفاراً، ولا عمالاً كفاراً، ولا خادمات كافرات في هذه الجزيرة ". انتهى " فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 40، 41) .
رابعاً:
وتفكير الأخ السائل بالزواج من الخادمة التي تعمل في بيته تفكير سليم؛ ليتجنب الحرام الذي يمكن أن يقع فيه معها من النظر، والخلوة، أو ما هو أشد من ذلك – لا قدَّر الله -، لكن يجب أن ينتبه لأمور مهمة قبل الإقدام على الزواج من تلك الخادمة، ومنها:
1. يجب عليه أن يؤدي لهذه الزوجة كامل حقوقها: من المهر الذي تستحقه، ومن المبيت، والنفقة، ويجب أن يعدل بينها وبين زوجته الأولى، وحقوقها ليست منقوصة لأنها خادمة؛ لأنها ستصبح زوجته، ولها ما للأولى، وعليها ما على الأولى.
2. لا يحل له نكاحها إلا برضا وليها، ووليها هو والدها، فإما أن يحضر الولي بنفسه، أو يوكِّل من يشاء ليقوم مقامه.
3. يجب أن يشهد على العقد شاهدا عدل، أو أن يعلن الزواج أمام ملأ من الناس، ولا يشترط إخبار زوجته الأولى، لكن لا يحل له إخفاؤه عن الناس؛ لما يترتب على الإخفاء من ضرر عليك وعليها؛ ولما يترتب عليه من هضم حقوقها الزوجية، كالمهر، وإثبات نسب أولادها، ونصيبهم من الميراث منه، وغير ذلك.
4. لا يجوز له منعها من حقوقها مثل: الاستمتاع، والإنجاب، فلا يجوز له العزل في الجماع إلا بإذنها، ولا يجوز له منعها من الإنجاب إلا بإذنها أيضاً؛ لأن حق الاستمتاع والولد مشترك بينهما، فلا يجوز له حرمانها منهما أو من أحدهما.
5. يجب أن ينتبه لطريقة تعامل زوجته الأولى وأولاده لها، فهي زوجته، ويجب أن يكون لها من الاحترام والتقدير ما يناسب كرامتها، ولا يحل له أن يرضى بسوء معاملتهم لها على أنها خادمة أجنبية، وهي في حقيقة الحال زوجته.
فعليه أن يأخذ ما ذكرناه بالاعتبار ليكون زواجاً شرعيّاً، يخلو مما يبطله أو ينقصه، ونسأل الله تعالى أن يشفي زوجته، وأن ييسر له أمر زواجه إن كان لهما فيه خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/136)
أهلها لا يرغبون في تزويجها وتفكر في الزواج العرفي بلا ولي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 31 سنة، لا أعمل.. حالتي المادية ضعيفة، منذ سنة تقريبا تعرفت على شاب عن طريق الانترنت تعارف "بريء" وقد عرض عليا فكرة الزواج حيث أنه لا يؤيد فكرة التعارف بين الشاب والشابة دون مغزى.. حدثت أمي بالموضوع ولكنها رفضت بحجة انه من مستوى اجتماعي أعلى من مستوانا الاجتماعي، وهذا قد يؤدي إلى التكبر علينا واحتقارنا من عائلته ناقشتها عدة مرات في موضوع الزواج ولكنها تقول: ماذا تريدين من الزواج؟ أنتي ببيت اهلك معززة مكرمة"!!! أخبرت ذلك الشاب أني لا أستطيع الزواج منه ومضى كل منا في طريق.. منذ أشهر تعرفت على شخص عن طريق أحد مواقع الزواج.. وهو متزوج وأنا لا أمانع لكن أمي لم توافق بحجة انه متزوج وأيضاً لأنه من قبيلة مختلفة عن قبيلتنا حالتنا المادية صعبة وأجوائنا العائلية أصعب وقد تعبت نفسيا من الوضع.. ومع أني أخاف ربي لكن تجرأت مرة ومرتين في فعل أمور لا أحب أن أذكرها.. فضيلة الشيخ.. أنا لا أود الوقوع في الحرام لكن الحل الوحيد هو في زواجي من الرجل الأخير الذي عرفته عن طريق موقع للزواج، هو مستعد للزواج ونحن متفقان والحمد لله سؤالي هو: أود الزواج منه دون أعلام أهلي.. زواج عرفي لكن بشهود وعقد ومهر وشروط لكن دون ولي الأمر لان والدي ضعيف الشخصية والكلمة الأخيرة لأمي وغير الشهود الأساسيين هناك اثنتين من صديقاتي.. فهل أستطيع الزواج منه؟ مع العلم أني لن أبقى متزوجة بهذه الطريقة فترة طويلة لفترة فقط أصون نفسي عن الحرام إلى أن أجد الوقت المناسب لأخبر أهلي بذلك..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يصح النكاح إلا بولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
ثانيا:
إذا منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيتْ به، فقد عضلها، وتنتقل الولاية لمن بعده من العصبة، ثم إلى القاضي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتُك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله، لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (فلا تعضلوهن) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. فزوجها إياه. رواه البخاري.
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد.
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها "
المغني (9/383)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخُطَّاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء. ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زَوَّجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها؟
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148) .
ثانيا:
ينبغي أن تستعيني بمن ينصح أباك وأمك، ويحثهما على تزويجك، ويحذرهما من إثم العضل والظلم.
وعلى الراغب في خطبتك أن يتقدم إلى وليك، فإن رفضه لغير سبب ظاهر، فارفعي أمرك للقاضي ليتولى تزويجك، وليس لك أن تزوجي نفسك، لا سيما الزواج العرفي الذي لا ضمان فيه لحقك، فما أسهل أن يتخلى الزوج فيه عن زوجته، وأن يتنكر لها، ولا يعترف لها بشيء، وفي ذلك قصص مشهورة، توجب العظة والاعتبار.
ثالثا:
ينبغي أن تحذري من إقامة أي علاقة مع الرجال عبر الإنترنت أو غيره، وأن تعلمي أن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، وأن المعصية سبب رئيس للحرمان من الرزق والخير.
وانظري جواب السؤال رقم (34841) و (26890) و (23349) .
ونسأل الله تعالى أن يهدي والديك، وأن ييسر أمرك، وأن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/137)
حكم زواج المسيار، وأجر صبر الزوجة على كثرة زواج زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل زواج المسيار أن تكون الزوجة متنازلة عن حقوقها؟ أنا زوجي متزوج ثالثة، ولا يعدل بيننا، ويقول: زواج المسيار ليس له عدل بينكن، وهل لي أجر على تحمل زوجي بتعدده للزوجات وإلا طلبت الطلاق منه لأنه مفتون بالنساء؟ مع العلم أني زوجته الأولى وأم أولاده وبناته، هل لنا أجر على تحملنا الهم والعذاب الذي نراه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من توفر شروط وأركان حتى يكون النكاح صحيحاً، ومنها:
تعيين الزوجين، ورضاهما، وموافقة ولي المرأة وتوليه العقد، والإشهاد أو الإشهار....
وتجد تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (2127) .
ثانياً:
وزواج " المسيار" يصح إذا توفرت فيه شروط عقد النكاح وأركانه، وصورة هذا الزواج موجودة في القديم، وفيه يَشترط الزوج على المرأة التي يرغب بالتزوج منها أن لا يقسم بينها وبين نسائه بالتساوي، أو لا ينفق عليها، أو لا يسكنها، وقد يشترط أن يكون لها النهار دون الليل، وهو ما يسمى " النهاريات "، وقد تكون المرأة هي المبادرة بإسقاط حقوقها، فقد تكون صاحبة مال ومسكن فتُسقطهما عنه، وقد ترضى بالنهار دون الليل، وقد ترضى بعدد أيام دون أيام ضرائرها، وهذا هو المشهور في زماننا.
وهذا الإسقاط للحقوق من كلا الطرفين لا يجعل النكاح محرَّماً، وإن كرهه بعض أهل العلم لكنه لا يخرج عن الجواز من حيث شروطه وأركانه.
وفي " مصنف ابن أبي شيبة " (3 / 337) :
عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح أنهما كانا لا يريان بأسا بتزويج النهاريات.
وفي (3 / 338) :
عن عامر الشعبي أنه سئل عن الرجل يكون له امرأة فيتزوج المرأة، فيشترط لهذه يوماً ولهذه يومين؟ قال: لا بأس به. انتهى
وفي المرجع السابق ذَكَر أنه كرهه محمد بن سيرين، وحماد بن أبي سليمان، والزهري.
وقد أفتى كثير من علمائنا المعاصرين بإباحته.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
عن زواج المسيار، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتها، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، فما حكم الشريعة في مثل هذا الزواج؟ .
فأجاب - رحمه الله -:
" لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) ، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً، أو في أيام معينة، أو ليالي معينة: فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه ".
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 450، 451) .
لكن لما أسيء استعماله من قبَل كثيرين توقف بعض أولئك العلماء الذين كانوا يفتون بجوازه، توقفوا عن القول بالجواز، ومن أبرز هؤلاء الشيخان عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي، وما الشروط الواجب توافرها لزواج المسيار؟ فأجاب:
" الواجب على كل مسلم أن يتزوج الزواج الشرعي، وأن يحذر ما يخالف ذلك، سواء سمي " زواج مسيار "، أو غير ذلك، ومن شرط الزواج الشرعي الإعلان، فإذا كتمه الزوجان: لم يصح؛ لأنه والحال ما ذكر أشبه بالزنى " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (20 / 431، 432) .
والحقيقة أن هذا النكاح حل لكثير من مشكلات العنوسة التي تفشت في المجتمعات الإسلامية، فلا يستطيع الرجل أن يلتزم بالقسْم بين نسائه، أو لا يستطيع النفقة على زوجتين، ويوجد من النساء من تملك مالاً ومسكناً وترغب في إعفاف نفسها، فيأتيها الزوج في أيامٍ من الأسبوع، أو في فترة من الشهر، وقد يقدِّر الله بينهما من الألفة والعشرة وحسن الظروف ما يتغير حال زواجه منها إلى الأفضل، فيقسم بالعدل، وينفق عليها بنفسه ويسكنها.
وفيه أيضاً مفاسد لا تخفى، من الاختلاف بعد وفاة الزوج على التركة، ومن إخفائه وعدم إعلانه، ومن التذرع بهذا الزواج من قبَل بعض المفسدين والمفسدات، فتكون علاقتهما محرَّمة، ويسكنان بعيداً عن أعين الأقرباء والجيران، فإذا رآهما أحد قالا: هذا زواج مسيار!
وبعد هذا يتبين لك أختنا السائلة أنه لا يجوز لزوجك أن يقتطع حقك ويظلمك في حقوقك؛ لأنه لم يتزوجك بتلك الشروط، وأنتِ زوجته الأولى، وإن كان هناك نقص في أيام البيات فليكن عند نسائه الأخريات لا عندك، فمن تزوجها منهن زواج مسيار هي التي تسقط حقها في النفقة أو السكن أو المبيت (حسب ما تم الاتفاق عليه) ، ولا يحل له أن يمكث أيامه ولياليه عند نسائه ظالماً لك، وخاصة أنك لم تتنازلي عن حقك.
ثالثاً:
تزوج الرجل بامرأة أخرى قد يكون سببه الزوج، وقد يكون سببه الزوجة، فقد يكون الزوج قوي الشهوة ولا تكفيه واحدة، وقد يكون كثير الأسفار لبلد معيَّن، فيحتاج لزوجة تعفه، وتخدمه.
وقد يكون السبب من المرأة؛ وذلك بتقصيرها في نظافة بيتها، والعناية بأولادها، وتجملها لزوجها وإعفافه، فإن كان الأمر هو الثاني فعليكِ مراجعة نفسك، والبحث عن الخلل الذي كان سبباً لزوجك لأن يتزوج من أخرى، وإن كان الأمر هو الأول: فليس لك إلا الصبر، والصبر له منزلة عظيمة في الشرع، والصابر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى قضاء الله تعالى له من الأجور العظيمة عند الله تعالى بغير حساب، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10.
وأنت لك من الأجر العظيم عند الله تعالى إن اتقيتيه في حياتك الزوجية، وفي القيام بحقوق الزوج، والعناية بالأولاد وتربيتهم، كما لك أجر عند الله إن صبرتِ على زوجك في تزوجه بأخرى غيرك.
وانظري جواب السؤال رقم (21421) ففيه تفصيل هذا الأمر.
نسال الله تعالى أن يرزقك الصبر والرضى ويصلح لك زوجك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/138)
هل يصح النكاح إذا قالت المرأة لخاطبها زوجتك نفسي في حضور وليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عقد النكاح صحيح إذا باشرت المرأة العقد بنفسها مع خاطبها بقولها له: (زوجتك نفسي) بحضور وليها وهو أبوها وإذنه بالزواج وشاهدين عدلين وكثير من أهلها وأهل الخاطب وتم الإيجاب والقبول على ذلك بإذن وليها وهو أبوها وموافقته على الزواج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للمرأة أن تباشر عقد النكاح بنفسها، في قول جمهور العلماء، سواء أذن لها الولي أم لم يأذن، والواجب أن يباشر ولي المرأة بنفسه عقد النكاح أو يوكل رجلاً يتولى العقد نيابة عنه.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: 0 لا نكاح إلا بوليّ) رواه أبو داود (2085) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1839) .
وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: رجاله ثقات.
وصححه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/285) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1848) .
قال الصنعاني في سبل السلام:
" فيه دليل على أن المرأة ليس لها ولاية في النكاح لنفسها ولا لغيرها،..فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة، وهو قول الجمهور " انتهى باختصار
وقال في "مغني المحتاج" من كتب الشافعية (4/239) : " (لا تزوج امرأة نفسها) أي لا تملك مباشرة ذلك بحال لا بإذن ولا بغيره، سواء الإيجاب والقبول ; إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلا.
وروى ابن ماجه: (لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها) وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين " انتهى باختصار.
وعلى هذا، فإن كان قد تم عقد النكاح بالصورة المسئول عنها، فإنه لا يصح، ويلزم إعادته ويتولاه الولي بنفسه أو من يوكله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/139)
خطبها من أبيها ومات أبوها ويريد أعمامها تغيير الاتفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 29عاماً، وتقدمت من حوالي عامين ونصف لخطبة زميلتي في العمل، وبعد الاتفاق مع والدها تمت الخطبة بإذن الله، وخلال تلك الفترة كانت المشكلات بيننا من النوع الطبيعي في هذه العلاقة، وارتبطت مع والدها بعلاقة طيبة جدّاً إلى أن توفاه الله في شهر يناير الماضي، ومنذ هذا الوقت تدخَّل أعمامها في كل شيء خاص بنا، وحاولوا تغيير الاتفاق في نقاط عديدة، وفي نهاية الأمر قام أحد أعمامها بإرجاع الشبكة إليَّ في منزلي، علماً بأن كلا منا يريد الآخر، وقد تدخَّل عدد من الحكماء لحل هذه الأزمة، وقد أبدى الأهل في العائلتين الرغبة في الرجوع، ولكن ما يزال أعمامها يضعون شروطاً غير منطقية لإتمام الزواج، تختلف مع ما تم الاتفاق عليه مع والدها المتوفى، فما هو موقف الدين من مثل هذه الحالة؟ وهل يجوز أن يحل أخوالها في عقد الزواج؟ وما هو الحل في ظل هذا التعنت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة على سؤالك لا بدَّ من تنبيهك على أن العمل في الأماكن المختلطة، الرجال والنساء جميعاً لا يجوز، وهو من أبواب الفساد التي لم تعد تخفى آثارها على المجتمعات.
وقد ذكرنا أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) .
وعلى من ابتلي بالعمل في مكان مختلط – إن لم يستطع ترك العمل – أن يتجنب النظر إلى النساء، والخلوة بهن، ومحادثتهن فيما لا يتعلق بالعمل.
ومن مفاسد هذا الاختلاط المحرَّم: ما يحدث بين الرجل والمرأة الأجنبية مما يسمونها " زميلة عمل "! من نظر محرَّم، ومحادثة، ومراسلة، وهو ما يتسبب في كثير من الأحيان في علاقات محرَّمة.
ثانياً:
أما ما يتعلق بجواب سؤالك، فالذي يظهر من سؤالك أنك لم تعقد النكاح على هذه المرأة وعليه؛ فأنت لا تزال أجنبيّاً عنها، فلا يحل لك أن تخلو بها، ولا أن تكثر من محادثتها، حتى يتم العقد بينكما، ولا يصح عقد النكاح على المرأة إلا بحضور وليها، وبما أن والدها قد توفي، فإن الولاية تنتقل إلى جدها لأبيها، فإن لم يوجد، فإلى أحد إخوانها، فإن لم يوجد، انتقلت الولاية إلى أعمامها، وليس للولي أن يمنعها من التزوج لغير عذر شرعي أو مقبول، فإن منعها فإن الولاية تنتقل عنه إلى من بعده من الأولياء، ثم إلى القاضي الشرعي أو من يقوم مقامه، مع التنبيه على أن الأخوال لا يكونون أولياء للمرأة.
وانظر ترتيب الأولياء في جواب السؤال رقم: (2127) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإذا رضيتْ رجلاً، وكان كفؤا لها: وجب على وليها كالأخ ثم العم أن يزوجها به، فإن عضلها وامتنع من تزويجها: زوَّجها الولي الأبعد منه، أو الحاكم، بغير إذنه، باتفاق العلماء، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤاً باتفاق الأئمة، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوِّجون نساءهم لمن يختارونه لغرض لا لمصلحة المرأة، ويكرهونها على ذلك، أو يخجلونها حتى تفعل، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤاً لها لعداوة، أو غرض، وهذا كله من عمل الجاهلية، والظلم، والعدوان، وهو مما حرَّمه الله ورسوله، واتفق المسلمون على تحريمه، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة لا في أهوائهم، كسائر الأولياء والوكلاء ممن تصرف لغيره، فإنه يقصد مصلحة من تصرف له، لا يقصد هواه، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدَّى إلى أهلها فقال: (إنَّ الله يأمُرُكم أّنْ تُؤدوا الأَمَاناتِ إِلى أَهْلِها وَإذا حَكَمتُم بَيْنَ النَّاسِ أنْ تَحْكُموا بِالعَدْل) ، وهذا من النصيحة الواجبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) .
" مجموع الفتاوى " (32 / 52، 53) .
على أننا ننصحك ألا تتزوجها بدون موافقة أهلها، فلا بد من إرضائهم، وكسب مودتهم، حتى لا تكون سببا في قطيعة رحم، قد لا توصل بعد ذلك أبداً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/140)
تكرر رفض وليها للخطّاب فهل تزوج نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة سني 31 سنة أعمل بالتربية والتعليم منذ أول 1996 وفي آخر 1997 تقدم لي في المدرسة زميل، وطلب منى التقدم لخطبتي، فطلبت منه الانتظار لحين زواج أختي الكبرى. وبعد زواجها عام 2000 تقدم هذا المعلم لخطبتي في المنزل، ولكن أبي رفض رغم موافقة والدتي، بحجة أنها أمامها دراسات عليا واحتمال تعينها في الجامعة كمعيدة، وكذلك تم رفض العديد من المتقدمين خلال هذه الفترة، والسبب أنه بعد العمل بالجامعة سيأتي من هم أفضل من هؤلاء (من المهن التي رفضت مهندس، وغيرها) . وفي عام 2002 تم تعيني بالجامعة كمعيدة، وتقدم آخرون، ولكن كان الرفض أيضاً لأسباب مختلفة، وكان سبب الرفض الذي يقال للمتقدمين أنها مشغولة بالدراسات العليا ... منها طبيب بحجة طامع في مرتبك. ـ وتقدم لي المدرس التي تقدم أول مرة، ورغم إعلاني بموافقتي التامة إلا أن أبي رفض بحجة اختلاف المهن (مدرس ـ معيدة) ، رغم أن يتناسب معي علمياً حيث أنه يستكمل دراساته العليا في نفس المجال، ويتناسب معي ثقافياً واجتماعيا، كما أنه متيسر مادياً وعلى خلق ودين. ـ ومنذ 2003 حتى الآن آخر 2006 لم يتقدم أحد سوى هذا الشخص الذي مازال متمسكا بالزواج مني، وأنا أرغب في الزواج منه، وأخبرني أبي أنه من الأفضل أن أبقى بلا زواج، أفضل من الزواج من مدرس، بحجة أنني أعمل في وظيفة مضمونة ولي دخل كبير وغير محتاجة للزواج، إلا إذا جاءت الفرصة المناسبة، والتي تتمثل في مهن معينة قليلة بشروط مادية معينة، وهو جاد في هذا، وهذا يسبب لي ضرراً نفسياً بالغاً، حيث إنني لا أرى طموحي في العمل بل في تكوين أسرة. والسؤال: ـ فهل يحق لي تزويج نفسي به بدون علم الولي؟ وهل يعتبر غير كفء لي، أفيدوني يرحمكم الله أرجو تفصيل الرد وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز النكاح ولا يصح إلا بولي، في قول جمهور الفقهاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7557
وقوله صلى الله عليه وسلم:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وولي المرأة: أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب، ثم السلطان. (المغني 9/355)
ولكن إذا تكرر رفض الولي للخاطب الكفؤ، اعتبر عاضلا لموليته، وسقطت ولايته بذلك، وانتقل الحق إلى من بعده من العصبات.
ثانيا:
الكفاءة المعتبرة هي الكفاءة في الدين، فلا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا أحمر ولا أبيض إلا بالتقوى. واعتبر بعض الفقهاء شروطا أخرى في الكفاءة، كالنسب، وغيره، وكون الخاطب مدرسا وأنت معيدة، لا يعني أنه غير كفؤ لك، ما دام على خلق ودين ومتيسر ماديا كما ذكرت.
ثالثا:
الذي نراه هو معاودة نصح الوالد، والاستعانة في ذلك بمن له قبول عنده من قريب أو صديق، فإن رضي تزويجك بهذا الخاطب، فهذا هو المراد، وإلا فاعرضي الأمر على من بعده من الأولياء حسب الترتيب السابق، فإن أبى تزويجك، أو حصل نزاع بين الأولياء، فارفعي الأمر إلى القاضي، ويتولى هو تزويجك.
رابعا:
إن من أعجب العجب ما يفعله هذا الولي، وأشباهه، من تحويل بناتهم إلى سلع تجارية لمن يدفع أكثر، أو لمن يكون أيسر يدا من الآخر، ثم أعجب من ذلك أن يزعم أنها ليست بحاجة إلى الزواج!! فماذا يفهم من الحاجة هذا المسكين، ألم يعلم حاجة النفوس إلى السكن، والمودة والرحمة، وحاجة النفوس الطبيعية التي غرسها الله فيها، لحكمه البالغة، سبحانه. فعلى ولي المرأة أن يتقي الله تعالى، وأن يعلم أن منع ابنته أو أخته من الزواج بالكفء الذي رضيته، يعتبر ظلما وعدوانا، يوجب فسقه وسقوط عدالته وردّ شهادته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه، وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها، أن يزوجها، لأن له ولاية عامة، ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا، وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته، فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين، وهذا أمر خطير!!
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن، وهم أكفاء.
ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج، وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه، فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج، مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء.
أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق) انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/148) .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/141)
إذا عضلها الأولياء وعلمت أن القاضي لا يحكم في قضايا العضل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه أشرفت على بلوغ ال 25 عاما وبضاعتي في الجمال قليلة، لم يتقدم لي إلى الآن أحد ممن أرجو خلقه ودينه ويكون كفئاً لي. تقدم لي شاب يبلغ من العمر 28 عاما على خلق ودين، كفؤ لي من حيث المستوى العلمي والاجتماعي، ولكن أهلي رفضوه لا لعيب فيه، ولكن لأنه ليس من جنسيتي.
أهلي يعضلوني وأنا أريد هذا الإنسان، وتعلقت به، فأرى فيه من يحفظني ويحفظ لي ديني في هذا الزمن المليء بالفتن.
وهنا في بلدي قضايا العضل لا تقبل، وإن قبلها القاضي فإنه لا يحكم للفتاة، لتجنب المشاكل، وهذا عن علم ممن يعمل في القضاء.
لا يعلم بأمر هذا الخاطب إلا أمي وأختي، واثنان من إخوتي الرجال الأربع، أحدهما ضربني وأهانني بسبب طلبي هذا الأمر، ويجبروني على أن أبدو أمام الناس طبيعية وإلا ضربت وأهنت مرة أخرى، يطلبون مني ما لا أقوى عليه، فأنا في كرب وهم وحزن شديد، أبي متوفى ولي عم واحد واثنان من أبناء عمي وهم بنفس تفكير أهلي العاضلين لي وأشد، ولا يعلمون بأمر هذا الخاطب وأستطيع أن أؤكد أنهم سوف يعضلوني إن علموا بالأمر، ووصولي لهم وإبلاغهم صعب للغاية، خاصة أبناء عمي، فأنا ليس لي أي علاقة بهم، ولا أعرف كيفية الوصول إليهم في ظل تحجر إخوتي معي، وظلمهم الشديد لي، والأذى الذي يقع علي منهم، فهل عضل إخوتي لي وعلمي المسبق بعضل عمي وأبناء عمي مع الضرر الأكبر الذي قد يقع علي إن علموا يسقط ولايتهم علي أجمعين، فأختار أنا ولياً صالحاً لي يزوجني مع عدم قدرتي على اللجوء للقضاء، لأنه لا يطبق شرع الله، وهل إن فعلت ذلك أكون عاقة لأهلي وأمي التي تعارض الزواج لنفس السبب، مع العلم أنها من نفس جنسية هذا الخاطب!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يصح النكاح إلا بولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. . . فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
ثانيا:
إذا منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيتْ به، فقد عضلها. وبعض أهل العلم يشترط لثبوت العضل أن يتكرر المنع، فإذا تكرر منعها من الكفء، فهو عاضل، تنتقل الولاية لمن بعده من العصبة، ثم إلى القاضي.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/383) : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتُك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (فلا تعضلوهن) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه. رواه البخاري.
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد.
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء. ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148) .
ثالثا:
الذي يظهر من سؤالك أن إخوانك لم يمنعوك من كفء آخر، وعليه فلا تتعجلي الأمر، فقد يسوق الله إليك من ترضين دينه وخلقه، ويرضى به إخوانك.
على أنه قد يكون إخوانك معذورين لرفضهم هذا الخاطب، لأنه من غير جنسيتك، وقد ثبت في الواقع حصول كثير من المشكلات بسبب مثل هذا الزواج.
فإذا تكرر منعهم من تزويجك ممن يكافئك، كان لك الحق في الذهاب إلى القضاء، فإن كان القاضي جباناً، فلم يزوجك خوفاً من أوليائك، فما بقي أمامك إلا أن تأخذي بقول الإمام أبي حنيفة رحمه الله: وتزوجي نفسك، ويكون هذا موضع ضرورة.
والأولى لك أن تولي أمرك لرجل صالح من المسلمين يعقد لك النكاح.
هذا هو الحكم في مثل هذه الحالة.
إلا أننا لا نشير عليك أن تتزوجي بدون رضا أهلك، لأن من تختار ذلك – في الغالب – قد خسرت أهلها إلى الأبد، وعلى هذا، فقبل الاختيار، لا بد من المقارنة بين أمرين:
إما أن تتزوج بهذه الطريقة وتخسر أهلها، وإما أن تصبر وتنتظر لعلها يأتيها من يرضاه أهلها، ويكون مرضياً عندها أيضاً.
والمقارنة بين هذين الأمرين تختلف باختلاف الأحوال، فقد يكون الخيار الأول مقبولاً عند من كبر سنها، وتضاءلت أمامها فرص الزواج، ويكون الخيار الثاني مقبولاً، عند من دونها في السن، وترجو إن هي انتظرت سنة أو سنتين أن يوفقها الله لزوج صالح، ويزيل شكايتها.
وأخيرا. . الأمر كله بيد الله تعالى، فعليك بالالتجاء إليه، ودعاؤه أن يهدي أهلك، ويرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة التي تقر بها عينك.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، ويفرج كربك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/142)
ترغب بالزواج من شخص ووالدها غير موافق فهل تخالفه وتتزوج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عربية مسلمة أبلغ من العمر 28 سنة، بدأت العمل في إحدى الإدارات الحكومية منذ 6 أشهر، تعرفت على شاب في أوروبا وهو على خلق كبير ويريد الزواج مني بشرط أن أذهب معه إلى مكان إقامته، لكن أبي يقول بأن لدي مستقبلا كبيراً في عملي، وأنا أرى أن المرأة عملها في البيت أن تهتم بأطفالها، ما حكم الشرع إذا خالفتُ رأي أبي، وأنا متأكدة أن الشاب مسلم وعلى خلق، وهو أيضا من نفس البلد الذي أعيش فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم نعَم الله على الفتاة في هذا الزمان المليء بالفتن أن تُرزق بزوج صالح مستقيم في دينه، يرعى حقوق ربه وحقوق زوجته، والمرأة العاقلة المستقيمة إن تقدَّم لها من يرتضى دينه وخلقه لا ترفضه بحجة دراستها أو وظيفتها؛ لأنها إن رفضت الزواج في هذا السن وتقدم بها العمر، فسوف تتنازل عند الزواج عن كثير مما كانت تحرص عليه، حينما كانت صغيرة مرغوبة لكل خاطب.
ثانياً:
أما عن مخالفة الوالد في شأن الزواج أو عدمه أو في اختيار الزوج: ففيه تفصيل:
فإن كان للأب في معارضته سبب شرعي: فإنه يجب أن يطاع ولا يعصى وتكون معصيته ومخالفة أمره من العقوق الذي هو من كبائر الذنوب.
وإن كان السبب في المعارضة دنيويّاً أو اجتماعيّاً مخالفاً للدين ولمقاصد الشرع: فإنه لا إثم في مخالفته مع الحرص الشديد على رضاه وإقناعه.
مع التنبيه الشديد على ضرورة الاستجابة لرغبة الأب العاقل؛ لأنه أدرى بمصلحة ابنته منها، وأنت إن يسَّر الله لك الزواج ستكونين أمّاً، فكيف سيكون شعورك لو أن رجلاً تقدَّم لابنتك راغبا الزواج بها ورأيتِ أنت وزوجك عدم صلاحيته للزواج من ابنتك؟ وهل سترضين بمخالفة ابنتكِ لكِ ولأبيها؟!
وقد يرى الأب لابنته أحياناً ألاّ تتغرب بعد زواجها وأن تبقى قريبة منه، وذلك لمظنة أن تظلم أو يهضم حقها في حال بعدها عن أهلها وعيشها مع الزوج في الغربة، وهذا الحكم مبني على واقع وخبرة في الحياة ولا شك.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 242) .
وقلنا في جواب السؤال (6398) :
الأهل هم الأقدر – عادة وغالباً – على تحديد الأفضل لابنتهم ومن يصلح للزواج منها؛ لأن الغالب على البنت هو قلة العلم وقلة الخبرة بالحياة وما يصلح فيها وقد تخدع ببعض الكلمات فتحكم عاطفتها دون عقلها.
لذلك فإن على البنت أن لا تخرج عن رأي أهلها إن عُرف عنهم الدين والعقل.
انتهى
وانظري جواب السؤال رقم (20162) لتقفي على قصة بعض النساء اللاتي خالفن رأي أهلهن وتزوجن بمن يرغبن.
ثالثاً:
: لا بد للمرأة من ولي يزوجها ويباشر عقد النكاح، وهو من أركان العقد الشرعي، ولا يحل للمرأة أن تزوِّج نفسها بغير ولي شرعي، فإن خالفت فالعقد باطل ولا يأخذ صفة عقد النكاح الشرعي الحلال؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أًيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَت بِغَيْرِ إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكاحُها بَاطِلٌ فَنكاحُها بَاطِل فنكاحها باطل ... " الحديث، رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وانظري جواب الأسئلة: و (7989) .
رابعاً:
لا يجوز العيش والسكنى في بلاد الشرك والكفر إلا لعذر شرعي ليس فيه إقامة، كعلاج، وتجارة، ودعوة، وما شابه ذلك من الأمور التي لا بد منها، أما أن يعيش في بلادهم ويستقر بينهم فذلك لا يحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ " رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
خامساً:
وننبه على شيئين وردا في سؤالك، وهما: عملكِ، وتعرفكِ على الشاب الذي يرغب بالزواج منكِ:
أما عمل المرأة فلا شك أن ما ذكرتيه من كون الأصل في عمل المرأة هو أن يكون في بيتها لرعاية حق زوجها وأبنائها، ولكن إن كانت المرأة تعمل خارج بيتها: فلا بدَّ أن يخلو عملها من طبيعة محرَّمة ومن بيئة غير شرعية، فإن كان عملها في بنك ربوي أو مؤسسة تأمين أو محل يقدم المنكرات أو يبيعها: فلا يحل لها العمل فيه.
وإن كانت طبيعة العمل مباحة لكن بيئته ليست كذلك كأن يكون فيه اختلاط غير منضبط مع الرجال، ويفتح باب التعامل معهم، والتعارف عليهم: فلا يجوز لها العمل فيه.
وأما تعرفكِ على الشاب: فإن كان عن طريق محرَّم كالمراسلة أو المحادثة أو ما يسمى برامج التعارف بين الجنسين: فإن هذا يستوجب عليك التوبة والاستغفار؛ لأن محادثة الأجنبي ومراسلته لا تحل لامرأة أجنبية عنه، وهذا سبب موجب لمنعه من التزوج بك.
وقد بيَّنا حكم هذا الفعل في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة: (78375)
والخلاصة فيما يتعلق بمشكلتك هذه أنه لا ينبغي لك التعجل في أمر هذا الزواج الذي لا يريده وليك، فإن رأيت أنه ليس لرفض والدك سبب شرعي مقبول، فاجتهدي في إقناعه بالقبول، عن طريق والدتك أو من له رأي عند أبيك من أهلك وأقاربك، لا سيما وأن سنك قد بدأت في الزحف نحو الثلاثين، وهو أمر يوجب على وليك أن يكون همه الأول اختيار الزوج المناسب لك، وليس الوظيفة المناسبة.
وأسأل الله العلي القدير أن يختار لك الخير في أمر دينك ودنياك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/143)
والدها يرفض زواجها من هذا الشخص وهي تحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا واقعة في مصيبة، وأرجوا أن تقفوا بجانبي: تقدم لخطبتي شخص ذو خلق ودين، وحالته المادية جيدة، وبصراحة: أنا أحبه!! لكن والدي رافض لأسباب غير مقنعة، يقول إنه لا يحب أهل البلد التي منها هذا الشاب!! وقد استخرت الله تعالى، ولا أعرف ماذا أفعل، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس عليك أيتها السائلة الكريمة، فكل مصيبة تهون إلا مصيبة الدين؛ فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا!!
إن المسلم يعلم أن دار الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنه متى تلقى المصائب والمحن بقبول حسن؛ من الصبر الجميل، والرضا بقضاء الله وقدره؛ فإنها تصير في حقه هبات وعطايا من رب العالمين؛ تُرفع بها الدرجات، وتُكَفَّر بها الخطيئات:
روى الإمام أحمد (21833) وأبو داود (3090) عن أبي خالد السُّلَمي رضي الله عنه أَنَّهُ خَرَجَ زَائِرًا لِرَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ، فَبَلَغَهُ شَكَاتُهُ [يعني: بلغه أنه مريض] . قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتَيْتُكَ زَائِرًا، عَائِدًا وَمُبَشِّرًا!!
قَالَ: كَيْفَ جَمَعْتَ هَذَا كُلَّهُ؟!!
قَالَ: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ زِيَارَتَكَ، فَبَلَغَتْنِي شَكَاتُكَ، فَكَانَتْ عِيَادَةً، وَأُبَشِّرُكَ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ) صححه الألباني بشواهده في الصحيحة (2599) .
واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الله تعالى لما شرع لعباده ألا تزوج المرأة نفسها، واشترط أن يكون وليها هو الذي يتولى تزويجها، إنما شرع ذلك رحمة منه بعباده، وحفاظا على مصالحهم العظيمة التي تضيع هدرا حينما يتهاون الناس في ذلك؛ واسألي عن قصص الزيجات التي بنيت على ذلك، وكيف تحولت عيشتهم إلى هم وندم، هذا إن دامت بينهم عشرة.
على أننا لا نحتاج إلى التجربة لكي نطيع أمر ربنا عز وجل، أو نعرف ما فيه من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية لنا، فوظيفة المؤمن أمام أمر الله تعالى أن يقول: سمعنا وأطعنا!!
[يمكن مراجعة السؤال (2127) (31119) حول اشتراط الولي في النكاح] .
فالذي ننصحك به ـ أختنا الكريمة ـ ألا تستبدي بأمرك، ولا تجعلي العاطفة هي مقياس الحكم على الأمور، ولا تنظري إلى مشكلتك بعين واحدة، بل استعيني بالناصح الأمين من أهلك والأقربين منك، ممن يعرفكم ويعرفه، ومن له ود عند أبيك، وقبول في نفسه، ويثق والدك في رأيه.
ثم استخيري الله عز وجل، واعلمي أنك متى استخرت ربك، وأنت صادقة في اللجوء إليه، والافتقار إلى عونه وتوفيقه، فإن الله تعالى لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير، وسواء كان ما قضاه موافقا لما تحبين وتطلبين أو مخالفا؛ فإن أمر المؤمن كله خير، فارضي حينئذ بما قدره الله، وجعله من نصيبك.
ولك هنا أن تستعيني بمن يمكنه إقناع والدك بأن يزوجك ممن ترغبين، إذا كان الحال على ما ذكرت من الدين والخلق.
ولكي تستفيدي من ذلك، لا بد من ترك الفرصة للوالد في التفكير، ولا تحاولي أن تحسمي الأمر معه مبكرا، بمعنى أنني لا أنصحك بإبداء الإصرار الكبير من البداية على الزواج من هذا المتقدم، ولا تحاولي أن تدخلي في جدال أو مشادة مع الوالد، فيؤدي ذلك إلى تعنته وتشدده، بل حاوريه بالحسنى فقط، واستخدمي ألفاظ التفويض والولاية، كأن تقولي له: أنت والدي وولي أمري وتعرف مصلحتي فأرجو أن تعيد التفكير وتقلبه، ونحو ذلك من الأساليب التي تترك مجالا للحوار، ولا تتعجلي الجواب من الوالد، فكلما طال الأمر والانتظار اقترب الفرج إن شاء الله.
ثم قبل ذلك كله وبعده، أرى أن معك حلا صائبا إن شاء الله، هو بلا شك أنفع من كل ما سبق، ولا أراه يخيب أبدا، وهو الإلحاح على الله في الدعاء، لا أقول الدعاء فقط، بل الإلحاح والتذلل والانطراح على أبواب رحمة الله، وسؤاله الخير والفرج والسعادة، وإذا رأى الله منك صدق الدعاء، أعطاك بإذنه سبحانه ما تحبين، كيف لا وهو الجواد الكريم.
ولا نحب لك - أختنا الكريمة - وأنت في غمرة الشعور باللوم للوالد، والنظر إليه على أنه متعنت في منعك من هذا الزواج، واستعمال ولايته عليك، لا نحب لك أن تنسي أن علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لا بد أنها لم تصل إلى تلك الدرجة من التعلق القلبي بينهما إلا بقدر كبير من التفريط في مراعاة حدود الله، وحفظها وعدم تعديها؛ من كلام، ووعد، ونظر ...
فعليك أختنا بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وإياك ومصيبة الدين، فتلك هي المصيبة حقا، وأما أن زوجا يذهب أو يجيء، ومال يكتسب أو يضيع ... ، فكل ذلك يهون أمام المصاب في الدين:
من كل شيءٍ إذا ضيعته عوضٌ وليس في الله إن ضيعته عوضُ
فإذا كان قد صدر شيء من ذلك منكما فسارعا إلى التوبة منه، فقد يكون الله تعالى قد أخر عنك قبول والدك حتى يرى صدقكما في الالتزام بأمره سبحانه، ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3
والله أعلم.
ويمكنك مراجعة بعض النصائح والأحكام المتعلقة بمشكلتك في موقعنا في الإجابات التالية:
(6398) (10196) (23420) (36209)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/144)
عن التمثيل، وحكم تزويج البنات الصغيرات
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما هو حكم الإسلام في التمثيل في الأفلام؟ إذا كان ذلك جائزا فأي نوع من الأفلام؟ وما هو دور النساء في الأفلام؟
2- لماذا يسمح الإسلام بتزويج الأطفال من الفتيات بأعمار أقل من عشر سنين بدون إذنهن.
(يقال إنه بالنسبة للأطفال يتطلب اهتمام أهلهم فقط، أنا أعلم أنه يتطلب الإذن بالنسبة للبالغين) في الحقيقة الزواج يجب أن يكون بين الأشخاص الذين لديهم بعض النضج، ولكن بين الأطفال لا يحصل ذلك، هل يمكنكم إيضاح حكم الشرع في زواج الأطفال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق الجواب عن التمثيل وما يتعلق به في السؤال رقم (10836) ، فيرجى مراجعته، ونضيف إليه:
قال الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله -: المروءةُ مِنْ مقاصدِ الشرعِ، وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاءً، والشرع يأمر بمعالي الأخلاق، وينهى عن سفاسفها، فكم رأى الراؤون الممثل يفعل بنفسه الأفاعيل في أيِّ عضوٍ مِن أعضائه، وفي حركاته وصوته واختلاج أعضائه، بل يمثل دور مجنونٍ أو معتوهٍ أو أبلهٍ ... وعليه: فلا يمتري عاقل أنَّ التمثيل مِن أولى خوارم المروءة، ولذا فهو مِن مسقطات الشهادة قضاءً، وما كان كذلك: فإنَّ الشرع لا يُقرُّه في جملته ... .
انظر: " المروءة وخوارمها " (ص221) لمشهور حسن.
ثانياً:
زواج الصغيرة قبل بلوغها: جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء.
أ. قال الله عز وجل: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) الطلاق / 4.
وفي هذه الآية: نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن أن الله تعالى جعله زواجاً معتدّاً به.
ب. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً.
رواه البخاري (4840) ومسلم (1422) .
“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده "سبع سنين".
ولا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها، بل لا توطأ إلا إن صارت مؤهلة لذلك؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها.
قال النووي:
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها: فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عُمل به، وإن اختلفا: فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها.
" شرح مسلم " (9 / 206) .
والمستحب أن لا يزوج الوليُّ ابنته وهي صغيرة إلا إذا كانت هناك مصلحة من ذلك.
قال النووي:
واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب أن لا يزوِّج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة، فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها، والله أعلم.
" شرح مسلم " (9 / 206) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/145)
كافر تزوج مسلمة ثم أسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هندوسي تزوج مسلمة أرملة وبعد عدة سنين أسلم الرجل نظراً لحسن تعامل زوجته فهل يجب أن يعيدا الزواج أم أن زواجهما الأول لازال قائماً؟
المسلمون في الهند يقرءون الصلوات النارية 4444 مرة لكي يحصلوا على الأجر ويتجنبوا الفواجع، مع أننا شرحنا لهم بأنه يكفي الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما قال هو وأن لا نتلو الصلوات النارية فإنهم لا زالوا يتلونها وقالوا بأنه لا بأس بها.
هل يجوز قراءتها وأرجو التوضيح إذا كان هناك أي شرك مقرون بمعنى الصلوات النارية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. زواج المسلمة من الكافر أياً كان ديانته باطل شرعاً ولقاؤهما سفاح، ويجب التفريق بينهما لقول الله عز وجل: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) . البقرة / 221.
وقال تعالى في بيان عدم حل نساء المسلمين للكفار (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) الممتحنة / 10
قال القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه الجامع لأحكام القرآن (3/72) : وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. أ. هـ
وإذا أسلم الرجل – كما في السؤال – فإنه يجب أن يعقد على المرأة عقداً جديداً، لأن العقد الأول باطل ولا عبرة به شرعاً.
وقال الشيخ عطية محمد سالم في إكماله لأضواء البيان (8/164-165) :
لماذا حلت الكافرة من أهل الكتاب للمسلم، ولم تحل المسلمة للكافر من أهل الكتاب؟
والجواب من جانبين:
الأول: أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والقوامة في الزواج للزوج قطعا لجانب الرجولة، فقد يؤثر الرجل على امرأته فلا تستطيع القيام بدينها كما يجب، وقد تترك دينها بالكلية. وكذلك الأولاد سيكونون تابعين لأبيهم في الدين.
والجانب الثاني: شمول الإسلام وقصور غيره، وينبني عليه أمر اجتماعي له مساس بكيان الأسرة وحسن العشرة، وذلك أن المسلم إذا تزوج كتابية، فهو يؤمن بكتابها ورسولها، فسيكون معها على مبدأ من يحترم دينها لإيمانه به في الجملة، فسيكون هناك مجال للتفاهم، وقد يحصل التوصل إلى إسلامها بموجب كتابها، أما الكتابي إذا تزوج مسلمة، فهو لا يؤمن بدينها، فلا تجد منه احتراما لمبدئها ودينها، ولا مجال للمفاهمة معه في أمر لا يؤمن به كلية، وبالتالي فلا مجال للتفاهم ولا للوئام، وإذاً فلا جدوى من هذا الزواج بالكلية، فمنع منه ابتداءً. اهـ بتصرف.
وعليه فيجب إنشاء عقد جديد والله تعالى أعلم.
وبالنسبة للسؤال عن الصلاة النارية فيراجع السؤال رقم (7505) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/146)
جامع أجنبية في دبرها وتابا فهل يجوز له تزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تبنا وندمنا من علاقة جنسية حدث فيها إيلاج من الدبر، ونحن نحب بعضنا حبّاً شديداً لا نستطيع الفراق، ونريد أن نتزوج ونعيش حياةً سعيدةً، هل يجوز لي الزواج منها؟ علما بأن مذهبنا الإباضية يحرم زواج الزاني بمزنيته وإن تابا، بدليل أن عمر بن الخطاب فصل بين رجل تزوج امرأة أثناء عدتها ثم قال: (لا يجتمعان أبداً) ، ودليل آخر ثبت عن علي وعائشة والبراء بن عازب بأنه (إذا تزوج اثنان زانيان فهما زانيان أبداً) ، ذلك بأن الطمأنينة ستكون معدومة بين اثنين اختبر كل منهما الآخر قبل الزواج، فما رأي سماحتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أن البحث عن الصواب في المسائل الفقهية العملية أمرٌ حسن، وهو يدل على أن صاحبه ينشد الحق الذي حكم الله تعالى به، وأحسن من هذا هو أن يبحث المسلم عن الاعتقاد الصحيح الذي ينجيه من فرق الضلال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي اثنتان وسبعون فرقة، وقد قال عنها: (كلها في النار) ومعناه: أنها ضالة تستحق الوعيد بالنار؛ لأنها تنكبت طريق الحق، وطريق الحق الذي ينجو صاحبه إذا عليه هو طريق الفرقة الناجية، والتي حكم لها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة في قوله: (كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي؟ قال: هي من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) .
واعلم أنه لا يسع المسلم أن يعتقد ما يشاء، بل لا بدَّ له حتى ينجو من الإثم والوزر أن يعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان والصفات والقرآن وغيرها من مسائل العقيدة والتوحيد.
ولا نريد إحراجك، لكننا لا نريد ترك نصحك، ونكون غاشين لك إن دللناك على الحق في مسألة فقهية، وتركنا أمر اعتقادك يمر هنا دون نصح وتوجيه.
لذا فإننا ندعوك – قبل الإجابة عن استفسارك – أن تنظر وتتأمل في جواب السؤال رقم (11529) راجين لك التوفيق والهداية.
ثانياً:
جماع الزوجة في دبرها من المحرمات ومن كبائر الذنوب، فكيف يكون حكم جماع الأجنبية في دبرها؟ لا شك أن إثم هذا الفعل أعظم بكثير من جماع الزوجة في دبرها.
ثالثاً:
قد أحسنتما بالتوبة من هذه المعصية الكبيرة، والندم عليها، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما، وعليكما الاجتهاد في العمل الصالح، فإن ذلك من تمام التوبة وكمالها، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وأما بالنسبة لزواجكما: فلا حرج من ذلك ما دمتما قد تبتما إلى الله، وانظر جواب السؤال رقم (14381) و (11195) .
فإذا ندمتما على فعلكما وتبتما توبة صادقة: جاز لكما الزواج، ولا يوجد ما يمنع منه.
وأما ما ذكرتَه عن عمر بن الخطاب من منعه من تزوج امرأة في عدتها أن يتزوجها أبداً: فالظاهر – إن صح هذا عنه – أنه من باب التعزير والعقاب لمن فعل معصية، وليس بياناً لحكم شرعي بأن هذا محرم.
وما نقلته عن بعض الصحابة من حكمهم على زانٍ تزوج زانية أنهما زانيان أبداً: فهو محمول على كونهما لم يتوبا.
قال ابن حزم رحمه الله:
"عن ابن مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود: لا يزالان زانيين.
ثم روى عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سُئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ فقال سالم: سئل عن ذلك ابن مسعود فقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) الشورى/25.
قال ابن حزم:
القولان منه متفقان؛ لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة" انتهى.
" المحلى " (9 / 63) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/147)
حكم زواج المسلم من غير المسلمة والعكس
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي؟ هل يجوز لمن يدين بالإسلام أن يتزوج ممن لا يدين بالإسلام دون أن يتحول للإسلام حتى بعد الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحل للمسلم أن ينكح غير المسلمة إن كانت نصرانية أو يهودية، ولا يحل له أن ينكح امرأة من غير المسلمين تدين بغير هاتين الديانتين والدليل على ذلك قوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان..) المائدة/4.
قال الإمام الطبري في تأويل هذه الآية: " (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) يعني: والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن تنكحوهن أيضاً، (إذا آتيتموهن أجورهن) يعني: إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن وهي مهورهن " (تفسير الطبري 6/104) .
ولكن لا يحل له أن ينكح المجوسية ولا الشيوعية ولا الوثنية أو ما يشبههم.
والدليل على ذلك قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم..) البقرة/221.
والمشركة هي الوثنية التي تعبد الأحجار من العرب أو غيرهم.
ولا يحل للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم من الديانات الأخرى لا من اليهود والنصارى ولا من غيرهم من الكفار، فلا يحل لها أن ينكحها اليهودي أو النصراني ولا المجوسي ولا الشيوعي والوثني أو غير ذلك.
والدليل على ذلك قوله تعالى: ( ... ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه وبيين آياته للناس لعلهم يتذكرون) البقرة/221.
قال الإمام الطبري:
القول في تأويل قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان، فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم، ولَأَنْ تُزَوّجُوهنّ من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تُزَوّجُوهنّ من حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله وإن أعجبكم حسبه ونسبه..
عن قتادة والزهري في قوله: (ولا تنكحوا المشركين) قال: لا يحل لك أن تنكح يهودياً أو نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك. (تفسير الطبري 2/379) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/148)
تزوج امرأة بدون ولي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلد أجنبي وتزوجت فتاة نصرانية أجنبية عن هذا البلد أيضاً وليس لنا أي أقارب فتقدمت لها فقبلتني ثم تلونا صيغة الإيجاب والقبول ونسيت المهر ثم دفعت لها مبلغاً وليس لها وصي فهي بالغة ومستقلة ولم يكن هناك شهود
هل هذا زواج صحيح. فقد تزوجنا بغض النظر عن تقاليد المجتمع فقد كان هدفنا الله ورضاه. ولخشية أن لا يكون زواجنا صحيحاً فقد طلق بعضنا بعضاً فهل هذا صحيح. هل يجب أن أجري عقد الزواج مرة ثانية أمام شهود وأي ولي لها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأحمد مستدلين بأدلة منها:
قوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} .
وقوله تعالى: {ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} .
وقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} .
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه.
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله: " باب من قال " لا نكاح إلا بولي ".
وعن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي ".
رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " (1 / 318) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له.
رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) .
وصححه الألباني في إرواء الغليل (1840) .
(اشتجروا) : أي تنازعوا
ثانياً: فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً.
ثالثاً: فإن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها للحديث السابق (… فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) .
رابعاً: فإن عدم الولي والسلطان زوجها رجل له سلطان في مكانها، ككبير القرية، أو حاكم الولاية ما أشبه ذلك، فإن لم يوجد فإنها توكل رجلاً مسلماً أميناً يزوجها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد ممن له نوع ولاية في غير النكاح كرئيس القرية وأمير القافلة ونحوه. الإختيارات (ص: 350) .
وقال ابن قدامة: فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها. المغني (9 / 362) .
وقال الشيخ عمر الأشقر:
إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقا كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها، وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم. " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " (ص 70) .
ويجب أن يشهد على عقد النكاح رجلان مسلمان بالغان عاقلان. انظر سؤال رقم (2127)
ولذا فإن زواجكما الأول باطل فعليك أن تعيد العقد ولابد من وجود ولي للمرأة كما سبق وشاهدين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/149)
الزواج من ثانية مع عدم القدرة على إعالة زوجتين
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم رجل مسلم لخطبتي وهو أكبر مني بعشرين سنة، ولا يزال مع زوجته الأولى، ساعدني كثيراً في حياتي ودلني على بداية الطريق للإسلام، والداي مسلمان ولكنهما لم يعلماني شيئاً عن الصلاة أو الصيام أو الزكاة.
يريد هذا الرجل أن يتزوج امرأتين ولكنه ليس بقادر على إعالتهما معاً.
سألت عن هذه المشكلة والبعض كان رأيه إيجابي والبعض لم يوافق، أكن احتراماً لهذا الرجل ولكنني لست متأكدة من قدرتي على العيش معه.
أرجو أن تنصحني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ألزم الله تعالى الرجل إذا أراد أن يتزوج بأكثر من واحدة بأشياء قبل إقدامه على الزواج الثاني، ومنها القدرة على العدل في النفقة والمبيت والسكن، فإن علِم من نفسه عدم القدرة أو غلب على ظنه ذلك: فلا يحل له أن يتزوج أكثر من واحدة.
قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} النساء / 3. قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة، بل الزموا التسوية في القسم والنفقة، لأن هذا مما يستطاع.
" تفسير القرطبي" (5 / 407) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنَّة أيضاً اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة …
" مجموع الفتاوى " (32 / 269) .
وقال ابن القيم رحمه الله: وكان يقسم صلى الله عليه وسلم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة…. ولا تجب التسوية في ذلك - أي الحب والجماع - لأنه مما لا يملك.
" زاد المعاد " (1 / 151) .
قال الحافظ ابن حجر: فإذا وفّى لكلِّ واحدةٍ منهنَّ كسوتها ونفقتها والإيواء إليها: لم يضرَّه ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة (أي هدية) ...
" الفتح " (9 / 391) .
فهذا هو الذي أوجب الله تعالى على من أراد أن يتزوج أكثر من واحدة، فإن كان الرجل قادراً على ذلك فلا حرج من قبول الزواج به، وإلا فلا ننصح بذلك، بل لا يجوز له – أصلاً – أن يُقدِم هو على الزواج.
وأما قولك: (أنه غير قادر على إعالة زوجتين) فإن كان الرجل صاحب دين وخلق وترين من نفسك الصبر على ضيق العيش وتحمل ذلك فلا حرج عليك من قبول الزواج به، وقد وعد الله تعالى الرجل الفقير الذي يريد الزواج بالغنى فقال تعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) النور / 32، حتى كان بعض السلف يتزوج طلباً للرزق عملاً بهذه الآية الكريمة، وإذا كنت ترين من نفسك عدم الصبر على ضيق العيش فلا حرج عليك من رفض الزواج به، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بنت قيس لما خطبها معاوية رضي الله عنه بألا تتزوجه فقال: (إنه صعلوك لا مال له) رواه مسلم (1480) .
ونرجو أن لا تكون بينكما علاقة غير مشروعة سواء الآن أو بعد رفضكِ الزواج منه، ولو كان له فضل عليكِ في الدلالة على الخير والعلم فإن هذا ليس مسوِّغاً للقاء والمراسلة والمحادثة الخاصة وما يشبه ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/150)
دفع مهر البنت من مال أخيها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان للوالدين ابناً وبنتاً وبعد بحث طويل وجدا زوجاً لابنتهما ولكن العريس طلب مهراً وكان الوالدان ليس لديهم المقدرة على دفع هذا المهر لذلك فهما يحاولان أن يجدا مهراً لابنهما لكي يدفعوه مهراً لابنتهما. بالتأكيد فهم لن يستعملوا مهر ولدهما إلا ليدفعا مهر ابنتهما. أرجو تسليط بعض الضوء وانصحنا لكي نواجه تلك المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ـ من الغريب العجيب أن في بعض البلدان يكون المهر من الزوجة أو أهلها ويدفع المهر إلى الزوج أو أهله، وهذا خلاف الأصل حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر الرجل المتزوج أن يلتمس مهراً ولو خاتماً من حديد فلما لم يجد جعل مهرها أن يعلمها مما يحفظه من القرآن.
والمهم أن يكون في مسمى العقد شيء من المهر على الزوج ولو قليلاً.
عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني وهبت منك نفسي فقامت طويلا فقال رجل: زوِّجْنيها إن لم تكن لك بها حاجة، قال: هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري، فقال: إن أعطيتَها إياه جلستَ لا إزار لك، فالتمس شيئاً، فقال: ما أجد شيئاً، فقال: التمس ولو خاتَماً مِن حديد، فلم يجد، فقال: أمَعَكَ من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا - لِسُورٍ سمَّاها - فقال: زوَّجناكها بما معك من القرآن. رواه البخاري (4842) ومسلم (1425) .
فالحديث فيه دلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض للرجل أن يتزوج إلا بمهر يدفعه للمرأة ولم يسأل المرأة شيئاً.
ثم إن من مفهوم القوامة التي أوجبها الله تعالى للرجال على النساء أن يكون الرجل هو الذي يدفع للمرأة لأنه هو معيلها وهي ضعيفة عنده.
قال الله تعالى: {الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا مِن أموالهم. . .} النساء / 34.
ثم إن المهر حق للمرأة لأن الرجل يستمتع بها والمهر هو بدل الاستمتاع.
قال الله تعالى: {. . . فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة. . .} النساء/24.
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -:
(وقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} أي: كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك كما قال تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} ، وكقوله تعالى {وآتوا النساء صدُقاتهنَّ نِحلة} ، وكقوله {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً} . " تفسير ابن كثير " (1 / 475) .
عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) . قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن.
فمن هذا يتبين أن المهر يكون من الرجل للمرأة لا من المرأة للرجل.
قال الشيخ عبد الله بن قعود: " المهر حقٌ للزوجة ويجب أن يُسمى ولا يجب على الزوجة أو أهلها شيء إلا أن يتطوعوا ".
وبناءً عليه لا يجوز لكم أن تأخذوا من مال الولد لتدفعوه مهراً للبنت، قال الشيخ البراك: " إذا كان لا يجوز للولد أن يأخذ المبلغ أصلاً فلا يجوز أخذه للبنت ".
وإذا اتقيتم الله فسيجعل الله لابنتكم فرجاً ومخرجا، فعليها أن تصبر وتحتسب، وتلح على الله بالدعاء، والله عند حسن ظن العبد.
وينبغي على علماء بلدكم ووجهائها وعامة الناس العمل على تغيير هذه العادة السيئة واتباع السنة، والصواب الذي لا يجوز مخالفته، وذلك بإقامة الحجة على الناس من القرآن والسُنَّة وأقوال العلماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/151)
إعلان النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت في سؤال عن الزواج " إعلان الزواج "، فما هو السبب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إعلان النكاح واجب والسبب في ذلك:
1- أن السنة وردت بالأمر به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا هذا النكاح) رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1072)
2- كي يتميز النكاح الشرعي الصحيح الذي جاء به الشرع عن السفاح لان الزنى هو نكاح السر، أما النكاح الشرعي فهو النكاح المعلن والمظهر لكي يتميز هذا عن هذا، لذا كان من الحكمة إعلان النكاح.
[الْمَصْدَرُ]
د. خالد بن علي المشيقح(6/152)
هل تقبل الزواج مع أنها لم تحض
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أكمل تماما سن البلوغ، فهل صحيح أنه يمكن للفتاة أن تتزوج قبل أن تحيض، أم أنه أسطورة تقليدية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زواج الصغيرة قبل بلوغها: جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء.
أ. قال الله عز وجل {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} الطلاق / 4.
وفي هذه الآية: نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن على أنه يجوز للصغيرة التي لم تحض أن تتزوج.
قال الطبري رحمه الله:
تأويل الآية: {واللائي يئسن من المحيض … فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} يقول: وكذلك عدة اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول.
" تفسير الطبري " (14/142) .
ب. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً.
رواه البخاري (4840) ومسلم (1422) .
قال ابن عبد البر:
أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها.
" الاستذكار " (16 / 49 - 50) .
ثانياً:
لا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها، بل لا توطأ إلا إذا صارت مؤهلة لذلك؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/153)
موافقة الأب وإسلام الخاطب شرطان للزواج من مسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم وأختي مخطوبة من نصراني وقد وَافَقَت وخططوا للزواج. الرجل يريد أن يعتنق الإسلام، لا أدري ما الذي عليّ فعله، هل لي الحق في أن أمانع هذا الزواج، والدايّ معارضان بالكلية على هذا الزواج ويساورهما قلق عميق وذلك بسبب رئيسي هو أن الرجل من بيئة (ثقافة) أخرى، وليس من الأقارب.
أرجو منك نصيحتي ماذا أفعل لأنني مضطرب والوقت يمضي سريعاً. شكراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأختك أن تتزوج هذا الرجل إلا إذا توفّر أمران:
الأول: دخول هذا الرّجل في الإسلام
الثاني: موافقة أبيك وهو وليها الذي سيزوجها
فإذا لم يحصل أيّ منهما فعليك بالسعي لمنع هذا المنكر بكلّ سبيل. والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/154)
تزوجت دون علم والديها فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج السري جائز؟ صديقتي ذهبت للمسجد بدون علم والديها وتزوجت هناك وكان هناك شاهد واحد فقط، فهل هذا الزواج قائم؟
أرجو الجواب وبارك الله فيك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج لابد فيه من ولي وشاهدي عدل لحديث (لا نكاح إلا بولي) (وأيما امرأة تزوجت بدون إذن وليها فنكاحها باطل) . وعلى هذا لابد من تجديد العقد إن رضي وليها بحضور شاهدين عدلين انظر السؤال رقم 2127.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/155)
الزواج من الكتابية هل تنصحون به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم السلفي أن يتزوج بامرأة نصرانية؟ البعض يقول بأن هناك العديد من الشروط لهذا، فأرجو ذكر هذه الشروط إن وجدت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في جواب السؤال رقم (45645) حكم الزواج من كتابية وأنه حلال بالنص، وذكرنا الشروط الواجب توفرها في المرأة الكتابية، ولم نحبذ الزواج منهن لما في ذلك من الضرر وعدم تحقق بعض الشروط في بعضهن.
وفي أجوبة الأسئلة: (12283) و (20227) و (44695) ذكرنا بعض مفاسد الزواج من الكتابية في هذا العصر، ومنها ما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولاداً من غيره.
انتهى.
وتجد في جواب السؤال رقم (2527) شروط الزواج من الكتابية، فانظره فهو مهم.
وليعلم أنه من ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/156)
كيف تتأكّد من إسلام شخص تحبّه لتتزوّجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب شخصاً غير مسلم، ولكنه يريد أن يسلم، ولكن إذا لم تأت من القلب فلن يكون إسلامه مقبولاً، أعلم بأن والداي لن يقبلا به لأنه من أبوين أسود وبيضاء، لا أريد أن أخسر والداي، وحتى لو أسلم الرجل فكيف أتأكد بأنه سيتمسك بالإسلام ولا يرتد عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
1. اعلمي وفقكِ الله وثبتك على الإسلام أنه لا يحلّ للمسلم أن يحب الكافر لقول الله عز وجل: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} [المجادلة 22] .
2. وأما قولك بأنك قد أحببْتِه فإنّ عليك ترك هذا الحب لأجل الله عزّ وجلّ ومن ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه.
3. إذا أظهر هذا الشاب إسلامه وخشيت أن لا يكون صادقا في إسلامه لقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهن ولا هم يحلون لهم} [الممتحنة 10] .
وامتحانه يكون بسؤاله عن الله ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا عن دينه هو الذي أظهر تركه.
وكذلك يُمكن التأكّد من إسلامه بالنّظر لمداومته على العبادات الواجبة كالصلاة وخصوصا إذا كان هناك مسجد قريب وكذلك الصيام.
والشّخص الجادّ في إسلامه تتبيّن جديّته أيضا من أمور مثل اهتمامه بالسؤال عن أحكام الحلال والحرام وخصوصا المسلم الجديد.
وكذلك يتبيّن الاهتمام بتغيير الحال التي كان عليها من شعائر الكفر وتركه للمنكرات والمحرّمات التي كان يقارفها أيّام جاهليته.
ويتبيّن كذلك حُسْن إسْلامه بكرهه لما كان عليه من الكفْر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ. " رواه البخاري 21
ونريد التأكيد على عدم إقامة أيّ علاقة محرّمة لأنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تفعل ذلك فلا تلمس ولا تخلو بأجنبي، ونسأل الله أن يختار لك الخير وأن يقدّره لك ويحفظك من كل سوء، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/157)
زواج حديث الإسلام، وهل يشترط أن تكون من نفس العرق الذي ينتمي إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحتاج نصحك، لقد أسلمت قبل 5 سنوات، وأنا مؤمن بالله، أصلي الخمس وأصوم رمضان. وأنا أبحث عن الزواج، لكني عندما قابلت المسلمة التي رغبت فيها، وجدت أنه لأن أهلها ليسوا من نفس العرق، فإنهم لن يقبلوا بي زوجاً لابنتهم.
المذكورة متمسكة بالإسلام وهي ترجع لأصل هندي / آسيوي / باكستاني / بنغالي، ومن المعروف أن هؤلاء لا يسمحون لأبنائهم (وبناتهم على وجه الخصوص) بالزواج من أناس لا ينتمون لنفس ثقافتهم، حتى وإن كان المتقدم مسلما مستقيما.
المهم أني لن أتمكن من الزواج بها (من أجل أني مستقيم على الإسلام فحسب) . وبما أن أغلب المسلمين المستقيمين في هذا البلد هم من شبه القارة الهندية، فسأسأل عن التالي:
1- كيف يمكن لمسلم حديث عهد بالإسلام نسبيا مثلي أن يتزوج؟
2- هل يقتصر زواج المرء الذي دخل في الإسلام من امرأة دخلت هي أيضا في الإسلام وحسب؟ وهل هناك أي أساس لمثل هذه التفرقة بين الثقافات في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فبالنسبة للسؤال الأول، والثاني فإنك بمجرد دخولك في الإسلام قد أصبحت فرداً من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم، وعليه فإنه يجب عليك أن تسعى في تحصين فرجك بالزواج من امرأة مستقيمة صالحة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم " فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) ، سواء كانت هذه المرأة حديثة الإسلام أو لم تكن، المهم أن تكون صالحة كما ذكرت لك.
ثم إذا تقدمت لخطبة امرأة مستقيمة، ولم توافق هي أو لم يوافق أهلها، فعليك بالصبر ومواصلة البحث مع مداومة الدعاء بأن ييسر الله لك المرأة الصالحة التي تعينك على طاعة ربك.
ثانياً:
وأما بالنسبة للتفرقة التي أشرت إليها فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات / 13.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت؟ قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد (5 / 411) وصححه الألباني في " غاية المرام " (313) ونقل تصحيح إسناده أيضاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " (69) .
وفي الحديث الآخر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ..أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَاب " أخرجه الترمذي (3890) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " برقم (3100) ، وفي " غاية المرام " (312) ونقل تصحيح الترمذي وشيخ الإسلام له.
" والجُعَل ": بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ وَهُوَ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ يُقَالُ لَهَا الْخُنْفُسَاءُ.
ومعنى " يُدَهْدِهُ ": أَيْ يُدَحْرِجُهُ " بِأَنْفِهِ، وَالْخِرَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَمْدُودًا وَهُوَ الْعُذْرَةُ.
وعُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ " بِضَمِّ الْعَيْنِ ِ وَكَسْرِ الْباءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ الياءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ نَخْوَتَهَا وَكِبْرَهَا.
وبهذا يتضح لك بجلاء أن الإسلام لا يفرق بين أي مسلم وأخيه بأي مقياس أرضي من لون أو حسب أو مال أو بلد، بل المقياس الوحيد الذي يتفاضل به الناس عند الله هو التقوى، بل إن الشرع أمر ولي المرأة أنه إذا وجد الشخص المرضي في الدين والخلق المأمون على المرأة أن يبادر إلى تزويجه وحذر من رده وعدم قبوله كما قال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَاد.ٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ " رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (866) .
وللاستزادة يراجع سؤال (13993) .
نسأل الله أن ييسر لك الزواج بالمرأة التي تعيينك على طاعة ربك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/158)
عقد النكاح إذا لم يُشهدا عليه يُعاد بوليّ وشاهدين
[السُّؤَالُ]
ـ[قالت المرأة للرجل قبلتك زوجا وكذا قال لها وأشهدا الله على ذلك دون حضور أحد من الناس وعملا بعد ذلك احتفالا أخبرا به الناس أنهما قد تزوجا فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين ". حديث صحيح بشواهده: إرواء الغليل رقم 1858
قال الإمام الترمذي رحمه الله: وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ لا نِكَاحَ إِلا بِبَيِّنَةٍ.. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا لا نِكَاحَ إِلا بِشُهُودٍ.. جامع الترمذي 4/235
فإذا لم يلتزم المعنيان بالسؤال ذلك فعليهما إعادة العقد بالوليّ والشاهدين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/159)
تحب ابن عمها وأبوها يرفض تزويجها له لأنه متزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ابلغ من العمر 16 سنة أوقفت تعليمي وقعدت بالبيت لأتعلم وظائف البيت والزوج من والدتي لمستقبلي وهذا كان بإرادتي وليس إجباريّاً. لي ابن عم يبلغ الـ 32 سنة متزوج، يملك حسن الأخلاق والدين ووسيم وماديته عالية , وأنا أحبه لدرجة الجنون ولكني لم أبح لأحد عن حبي له، ابن عمي أراد زواج الثانية , ومن حظي اختارني أنا من بين كل البنات , وفقط حينها عرف عن حبي وأنا قلت للجميع إنني أحبه وموافقة على نفسي أن أكون له زوجة ثانية , وفعلا أتى وطلبني من أبي، ولكن أبي رفضه وقال لي: لن أزوجكِ لرجل متزوج، أنت ما زلت صغيرة ولا تعرفين مصلحتك. ابن عمي لم يستسلم وما زال مصرّاً على الزواج مني، ولكنه لم يعد يدخل بيتنا كالماضي , حرصاً من الكلام الزائد ولعدم إحراجي وإحراج الجميع , ولكنه يأتي عادة إلى ساحة بيوت العائلة ويقعد في الديوان مع جدي وأعمامي , والجدير بالذكر أني أراه كل يوم ولكنه لم يكلمني أبداً. أنا ملتزمة بالدين وأعلم أن كل إنسان بالغ عاقل مسؤول عن أعماله ويحاسب عليها أمام ربه , وليس من حق أبي أن يحرم ما الذي أحله الله " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". أرجو منكم الإجابة، والنصيحة منكم، ماذا أفعل بدون معصية أبي، وحتى ابن عمي ماذا يفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرع الله تعالى أحكامه وفيها الحكمة البالغة، ومن ذلك: أن جعل موافقة الولي شرطاً من شروط صحة النكاح، ولم يجعل الأمر للمرأة تزوج نفسها دونه.
وقد تجد بعض النساء في ذلك غضاضة وخاصة إذا كانت صغيرة أو جاهلة بأحكام وحِكَم الشرع المطهَّر، لكن سرعان ما يتبيَّن للجميع أن ما شرعه الله تعالى هو غاية الحكمة، وذلك – مثلاً – عندما تكبر هذه المرأة وتتزوج ويكون لها بنات وتصل إحدى بناتها إلى سن الزواج، فهل ترضى هذه الأم لابنتها أن تختار مَن تشاء مِن الرجال لتتزوجه من غير رضا والديها؟ إن المؤمنات العاقلات ليعلمن أن هذا لو كان موجوداً لكان انتشر بسببه الفساد والانحلال في المجتمعات، وحاشا أن يكون هذا في شرع الله.
وكل من يفكِّر بعاطفته فهو يفكر بعقل ناقص، ولذلك وجبت موافقة الولي؛ لأنه أقدر على التحري ومعرفة الصواب وتقييم الرجال من المرأة، وكم تندمت نساء أن تزوجن برجال من غير موافقة أهلهن، وكم من بيوت تهدمت جراء التعدي على حكم الله في هذا الباب.
وفي الوقت نفسه: لم تُجِز الشريعة للأولياء التحكم التعسفي ببناتهم، وقد حرَّم الله تعالى عليهم عضل بناتهم ومنعهن من التزوج، لكن هذا التحريم هو في حال تقدم الكفء والموثوق في دينه وخلقه، أما إن جاء من ليس كذلك ورفضه الأب، فهو مأجور على رفضه، ولو مكثت المرأة حياتها كلها من غير زواج.
وليس للأب أن يجبر ابنته على من لا ترغب بنكاحه، وإذا فعل الأب ذلك كان آثماً، وللمرأة أن تطالب بفسخ النكاح إن أثبتت ذلك الإجبار.
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:
تعلمون - حفظكم الله - أن النساء ناقصات عقل ودين، وهنا تعرض مسألة وهي أن المرأة إذا اختارت رجلا غير صالح، وكان الرجل الذي اختاره والدها رجلا صالحا، فهل يؤخذ برأيها أم تجبر على من أن أراد والدها؟ .
فأجاب:
أما جبرها على من أراد والدها: فإنه لا يجوز حتى وإن كان صالحا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر "، وفي لفظ لمسلم: " والبكر يستأذنها أبوها في نفسها ".
وأما تزوجيها بمن لا يرضى دينه ولا خلقه: فلا يجوز أيضا، وعلى وليها أن يمنعها وأن يقول لا أزوجك من هذا الرجل الذي تريدينه إذا كان غير صالح.
فإن قال قائل: لو أصرت المرأة على أن لا تتزوج إلا هذا الرجل.
فالجواب: أنا لا نزوجها به وليس علينا من إثمها شيء، نعم لو أن الإنسان خاف مفسدة وهو أن يحصل بينها وبين هذا الخاطب فتنة تنافي العفة، وليس في الرجل شي يمنع من تزويجها به شرعا، فهنا نزوجها به درءاً للمفسدة.
" مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة " (ص 42) .
ثانياً:
يجب على الأب أن يحسن اختيار الزوج الصالح لابنته، ويجوز له أن يرد الخاطب لكونه متزوجاً، حتى لو كان قادراً على العدل؛ وهذا الأمر ليس فيه ما يوجب الإثم على الولي؛ لأن للولي أن يشترط على الزوج أن لا يتزوج على ابنته، فهو شرط مباح – على الصحيح؛ وبخاصة أن القليل ممن يعدِّد ليس عنده من المقومات ما تقوم به بيوته على العدل والمحبة وحسن التربية، وقد جاء في سنن النسائي (3221) أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خطبا فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها صغيرة "، فخطبها عليٌّ فزوَّجها منه.
وبه يعرف أنه يمكن رد صاحب الخلق والدين إن كان يرى الولي أن ابنته لا تناسبه، أو أنه لا يستطيع العدل بينها وبين زوجاته، والمحذور هو رد صاحب الخلق والدين والقبول بالفسقة أزواجاً لمن ولاهم الله تعالى أمرهن.
وليس لكِ أن تخالفي شرع الله تعالى في التزوج بغير ولي، وهو نكاح باطل إن حصل، كما لا يجوز لك أن تحادثي أو تراسلي ابن عمك، ولا يجوز ك النظر إليه؛ لأنه أجنبي عنكِ، ولا يجوز لك أن تخبري الناس بحبك له – أو لغيره من الأجانب – فهذا مما يعيب المرأة ويحرم عليها، فاكتمي ذلك إلى أن ييسر الله لك ابن عمك زوجاً أو يبدلك الله تعالى خيراً منه.
وقد تعجبنا من وصفكِ نفسك في آخر السؤال أنك " ملتزمة بالدين " وقولك في أول السؤال أنك تحبينه لدرجة الجنون! والواقع من الملتزمين والملتزمات ليس هذا، فقد يحب الرجل امرأة والعكس، لكن لا يصل الحب لهذه الدرجة إلا ممن نقص إيمانه، وسفه عقله؛ ولا ينبغي أن يتعدى هذا الأمر درجة الإعجاب والرغبة في النكاح، فإن حصل فخير، وإلا فلا يجوز أن ينشغل الطرفان بهذا الأمر حتى يغطي على العقل والتفكير السليم، والقصص المؤلمة في الحب الجنوني كثيرة أدت بأصحابها إلى جنون العقل، أو الوقوع في الفاحشة، أو ترك الدين لأجل الدخول في دين معشوقته، ونحن نربأُ بك عن هذا كله.
فاصبري حتى يفرج الله الأمر، واستمعي لكلام أهلك، ولا تخالفيهم، وعليك بالإكثار من التزود بالإيمان والتقوى، وإعمار قلبكِ بالحب لله ولدينه وللطاعة، واسألي الله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً، وتذكري بأنه سيكون لك – إن شاء الله – بنات فلا ترضي لنفسك ما لا ترضينه لهم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/160)
هل يتزوج نصرانية ويرغمها على الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معجب بفتاة وسنتزوج في المستقبل … وأبواي موافقان تماماً على قراري، وأيضا أبواها، وكل شئ على ما يرام … المشكلة التي تواجهني هي أنها مسيحية، وأثناء مناقشتنا معا سألتها أن تعتنق الإسلام وأعطيتها الكثير من المعلومات عن الإسلام حتى تفهم كل شيء، ولكن يبدو أنها لا تريد أن تعتنق الإسلام فكما قالت "أنا مسيحية قويَّة جدّاً جدّاً ولا أستطيع أن أقبل أي دين آخر غير المسيحية ولا يمكن أن أصير مسلمة "، وهي لا تأكل الخنزير ولا تشرب الخمر، فهي امرأة طاهرة في مشاعرها الحقيقية ولها قلب نقى، وفي الحقيقة هي لا تعترض على ديني وتوافق أن تتقبلني كما أنا وتريدني أن أتقبلها بدينها والأطفال سيكونون مسلمين، هذا ما قررناه حتى الآن.
بعض أصدقائي نصحوني أن أرغمها على دخول الإسلام أي: أهددها " لن أتزوجك إن لم تعتنقي الإسلام " هذا ما نصحني به أصدقائي ولكن على قدر علمي هذا لن يكون عدلا لها على الإطلاق، أرجوك أخبرني هل يجب أن أجبرها على الإسلام؟ أعتقد أنه لتكون مسلمة يجب أن يكون لديها الإحساس بأن الله واحد ويجب أن يكون لديها مشاعر حقيقية وليست مزيفة، وأنا لا أريد أن أرغمها لأني أخاف أنها إذا أصبحت مسلمة لتريني وتتزوجني فقط فإن هذه ستكون خطيئة على … أريدها أن تصبح مسلمة بمشاعرها الحقيقية وإحساس حقيقي بوحدانية الله وأنا أبذل قصارى جهدي لأمدها بمعلومات عن الإسلام وأريها الطريق الصحيح … أرجوك أخبرني هل يجب أن أرغمها؟ وإذا رفضت أن تعتنق الإسلام هل من الممكن أن أتزوجها؟ هل من الممكن أن نتزوج ونعيش كزوج وزوجة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أباح الله تعالى الزواج من اليهودية والنصرانية، بشرط أن تكون محصنة – أي: عفيفة عن الزنا -، وأن تكون الولاية للمسلم عليها.
قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} المائدة / 5.
والمراد بالإحصان العفة من الزنا.
قال ابن كثير:
وهو قول الجمهور ها هنا، وهو الأشبه، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا.ا. هـ.
" تفسير ابن كثير " (3 / 55) .
وأما شرط الولاية فيدل عليه قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} النساء / 141.
ومع هذا فإننا لا ننصحك – أخي الفاضل – بالتزوج من غير مسلمة، بل لا ننصحك بالتزوج من أي مسلمة، فليست الحياة الزوجية قائمة – فقط – على الجمال والإعجاب، بل لا بدَّ للمسلم العاقل أن ينظر بعين بصيرته إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو محتاج إلى حفظ بيته في غيابه، وهو محتاج إلى تربية أولاده، وهو لن يجد هذا ولا غيره مما ينشده كل زوج عاقل إلا في ذات الدين من المسلمات، وهي وصيَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تُنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك.
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
قال النووي:
الصحيح في معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك.
وفي هذا الحديث: الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم.
" شرح مسلم " (10 / 52) .
وفي الزواج من الكتابيات مفاسد كثيرة ومنها:
1. مجاملته – على حساب دينه – لزوجته هذه، خاصة وأنها " ملتزمة جدّاً " بدينها، وهذا سيترتب عليه تعليقها للصليب وذهابها للكنيسة، ولا يؤمن الأولاد عندها والحالة هذه.
2. وهي لن تحافظ على اغتسالها من الحيض ولن تمانع من إتيانه لها في حيضها، وهو ما سيسبب له حرجاً شرعيّاً وأذىً جسديّاً.
3. وقوعه في الإحراج نتيجة لتساهلها في لباسها واختلاطها بالرجال ومخاطبتهم.
4. وقوف دول وحكومات هؤلاء الكتابيات معهن في ضم الأولاد إليهن عند الاختلاف ووقوع الطلاق، وهو ما يسبب ضياعاً لأولاده ووقوعهم في الكفر، والقضايا في هذا أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تُعد.
وقال بعض الشعراء:
زواجُ النَّصَارى قبحُهُ متزايدٌ ... يؤدِي إلى كُفرِ البنينَ مؤكَّدا
ومَنْ يرضَ كُفرَ ابنٍ له فهو كَافرٌ ... وإنْ زعَمَ الإسْلامَ قَولاً مفنَّدا
وقد يكفر الزوج اتباعاً لزوجهِ ... فيدخلَ في نارِ الجَحيمِ مخلَّدا
عليكَ بذاتِ الدين إن كنتَ راغباً ... زواجاً صحيحاً تبدُ فيه مسدَّدا
وذَرْ عنكَ أهلَ الكفر واحذرْ زواجهمُ ... فشَرهموا يبدوا كثيراً مُندَّدا
وأولادُ هذا العقدِ ليسوا لرشدةٍ ... فيكثرُ جيلُ الخبثِ فَرعَاً ومَحتَدا
ثانياً:
لا يجوز لك أن ترغم زوجتك النصرانية – إذا تزوجتها – على الإسلام، قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة / 256.
قال ابن كثير:
يقول تعالى: {لا إكراه في الدين} أي: لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيِّن واضح جليٌّ دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يُكره أحدٌ على الدخول فيه، بل مَن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بيِّنة، ومَن أعمى الله قلبَه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسوراً، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار وإن كان حكمها عامّاً.
" تفسير ابن كثير " (1 / 311) .
ونوصيك – مرة أخرى – بتركها ودعاء الله سبحانه وتعالى أن يصرف قلبك إلى ما هو أصلح لدينك، وما دام هذا الترك لله فقوِّ يقينك بأن الله سيبدلك خيراً منها، إذ من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/161)
زنا بكافرة مرارا ثم أسلمت ويريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أدرس بأوروبا منذ خمس سنوات وأثناء دراستي قابلت فتاه من XXX وأحببتها لعامين وأنا أعترف أني قد ارتكبت معها كبيرة الزنا وفي الشهور القليلة الماضية اعتنقت الفتاة الإسلام وأنا الآن أود الزواج منها على سنة الله ورسوله فهل يباح لي الزواج بها وهل هناك أي إجراء خاص يجب علي اتخاذه؟ جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا (32) سورة الإسراء.
قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى ناهيا عباده عن الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة" أي ذنبا عظيما "وساء سبيلا" أي وبئس طريقا ومسلكا. وقد قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا جرير حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة أن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: " أدنه "، فدنا منه قريبا فقال: " اجلس "، فجلس فقال: " أتحبه لأمك "؟ قال لا والله، جعلني الله فداك، قال: " ولا الناس يحبونه لأمهاتهم "، قال: " أفتحبه لابنتك "؟ قال لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: " ولا الناس يحبونه لبناتهم "، قال " أفتحبه لأختك "؟ قال لا والله، جعلني الله فداك، قال: " ولا الناس يحبونه لأخواتهم "، قال " أفتحبه لعمتك "؟ قال لا والله، جعلني الله فداك، قال: " ولا الناس يحبونه لعماتهم "، قال " أفتحبه لخالتك "؟ قال لا والله، جعلني الله فداك، قال: " ولا الناس يحبونه لخالاتهم "، قال فوضع يده عليه وقال: " اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وأحصن فرجه "، قال فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. انتهى
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) سورة الفرقان
ولا يجوز زواج الزاني من الزانية إلا إذا تاب كل منهما توبة صحيحة إلى الله عزّ وجلّ بحيث يزول عنهما وصف الزنا وذلك لقوله تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) سورة النور.
فعليك بالتوبة العظيمة إلى الله عزّ وجلّ وأتبع كبيرتك التي تكررت منك بحسنات كثيرة لعلّ الله أن يتجاوز عنك فإذا صدقت توبتك وتوبتها والتزمتما بشرع الله فلا بأس بعد ذلك من زواجك بها، والله يتوب على من تاب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/162)
تزوجت بغير رضا والدها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت أختي رجلا كان مسلمًا نعم، لكنها تزوجته دون موافقة أبي. وقد رفض أبي ـ المتدين ـ هذا الرجل لسوء أخلاقه، مما دفع أختي إلى الهروب والزواج بدون ولي. وسؤالي: هل هذا الزواج صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أحسن والدُك بعدم موافقته على الزواج من ذلك الرجل سيئ الأخلاق، وقد جعله الله تعالى مستأمناً على بناته ومن يعول، ويجب عليه أن يحسن اختيار الزوج المناسب من الناحية الشرعيَّة.
ولقد أساءت أختك عدة إساءات، منها: سوء اختيارها لهذا الرجل سيئ الأخلاق، ومنها: الهروب من بيت والدها، ومنها – وهو أعظمها -: الزواج بغير ولي.
وواحد من إساءاتها تلك يكفيها لأن تعلَم مدى ما صنعت وارتكبت في حق ربها ونفسها وأهلها، فكيف بها مجتمعة؟ .
أما الزواج: فهو باطل غير صحيح، وموافقة الولي ركن في الزواج الصحيح، وهو ما دلَّت عليه نصوص القرآن والسنَّة:
1- قال تعالى {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} البقرة / 232.
2- وقال تعالى {ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} البقرة / 221.
3- وقال تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم} النور / 32.
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه وخاصة في الآية الأولى كما سيأتي.
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله " باب من قال " لا نكاح إلا بولي ".
وأما من السنَّة:
1- عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي ".
رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) . وصححه الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " (1 / 318) .
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له.
رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) . والحديث: حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان (9 / 384) والحاكم (2 / 183) .
فعلى أختك التوبة والاستغفار، والرجوع إلى والدها وطلب المسامحة منه، ولتعلم أن نكاحها باطل وعقدها مفسوخ وعلى هذا فلا يجوز لها البقاء مع هذا الرجل لكونه ليس زوجاً شرعياً لها. فإما أن يتم تجديد العقد بوجود وليها إن رضي باستمرارها مع هذا الرجل بعد مقارنته بين مفسدة سوء خلقه ومفسدة مفارقتها له. وإن لم يرض باستمرارها فإن عقدها ينفسخ تلقائياً، ويُلزم هذا الرجل بتطليقها دفعاً لما قد يبقى من شبهة بقاء العقد الباطل.
ويجب عليها أن ترضى بمن يختاره لها والدها والذي عليه أن يبحث عن سعادة ابنته مع من يخاف الله من أهل الدين والخلق الحسن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/163)
يجب إعادة العقد الفاسد ولو مضى عليه عشر سنين
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن زواج المرأة بدون موافقة وليها لا يتم، وذلك حسب الشريعة الإسلامية. هناك الكثير من الحالات حيث يتفق الاثنان وتهرب الفتاة معه ويتزوجان.
سؤالي هو: إذا كان الزواج غير صحيح فكيف لهؤلاء الناس أن يجعلوه صحيحاً، فلنقل بعد 5 أو 10 سنوات من الزواج ولديهما أطفال؟
سؤالي الآخر: إذا هرب الاثنان وتزوجا وبعد مدة من الزمن ولنقل سنتين أو أربع قرر الوالدين الموافقة على الزواج، فهل يصبح الزواج صحيحاً؟ كيف يجعل الشخص هذا الزواج صحيحاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة التي تزوجت بدون موافقة وليها نكاحها باطل ولا يصح ولو مضى عليه عشر سنوات، ولو كان لديهما أطفال، ويجب إعادة العقد بعد موافقة الولي، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين) رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي انظر صحيح الجامع 7558
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من تزوج نفسها، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا. " رواه ابن ماجة (1782) وهو في صحيح الجامع (7298)
وبالنسبة للسؤال الثاني: وهو فيما لو وافق الولي، فالواجب إعادة العقد لأن العقد الأول غير صحيح.
وعلى الزوجين التوبة العظيمة إلى الله مما فعلا والله غفور رحيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/164)
تزوج نصرانية بحضور أخيها الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[زنيت بنصرانية ثم حملت، من جهلي شعرت بأني يمكن أن أصحح الأمر بأن أتزوجها، تزوجنا في المسجد بحضور الإمام وأخ مسلم وأخيها وأمها كشهود، لم تكن مسلمة ذلك الوقت ثم أسلمت قبل أن تلد. فما هو حكم زواجنا؟ ما حكم هذا المولود؟ ما حكم أولادي الآخرين منها؟ ندمت على ما فعلت ولا أريد أن أعود لما كنت عليه، ولكنني أخشى أن لا يكون زواجي شرعياً وبذلك فسأكون في نفس الذنب الذي كنت عليه.
ماذا أفعل لأريح نفسي من المأزق الذي وضعت نفسي فيه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
نعتبر هذا العقد فاسداً لأنه وقع وهي حامل من الزنى، ولأنه فقد أحد الشروط وهو حضور شاهدين ذكرين والإيجاب من وليها فعلى هذا يلزم تجديد العقد من وليها المسلم أو من القاضي المسلم فأما الأولاد فإنهم ينسبون إلى والدهم الذي ولدوا على فراشه ولا يتبرأ من أحدٍ منهم فإن الولد للفراش.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: ابن جبرين.(6/165)
ولي النصرانية التي أسلمت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أسرة مسلمة، نشأتُ على العقيدة الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك فقد مررت بمرحلة من مراحل حياتي أعتبرها (مرحلة الظلام) . وفي هذه المرحلة مارست بعض الأعمال الجاهلية لعدة سنوات (وهي تلك الأفعال الآثمة غير المسئولة) .
ولكن ولله الحمد قد أنعم الله علي بالهداية وأعادني إلى صراطه المستقيم.
وخلال تلك الفترة كانت لي علاقة بفتاة نصرانية والتي بحمد الله أسلمت حديثا بإرادة الله. ونحن نخطط للزواج بعد أن نستقر.
إحدى المشاكل التي واجهتنا أنها من أسرة نصرانية متدينة، بالإضافة إلى أن والدها قس نصراني. وعندما علمت الأسرة بارتباطنا حاولت فصلنا بشتى الوسائل مع أننا لم نخبرهم بإسلام صديقتي.
والآن قد وصلت علاقتنا ببعضنا إلى درجة أنها على استعداد لمعارضة جميع أسرتها والهرب معي.
على الرغم من علمنا بصعوبة المضي في هذا الأمر، إلا أننا نحب بعضنا حبا شديدا. وكما أعلم أن الشريعة الإسلامية تطلب عند النكاح وجود ولي للمرأة، والذي -حسب علمي- يشترط أن يكون من عائلة المرأة.
وسؤالي الأول: هل تخطيطنا للزواج بدون موافقة أسرتها متوافق مع الشريعة الإسلامية؟
والثاني: إذا كان ذلك جائزا، فمن يمكن أن يكون ولي المرأة؟ حيث أنه لا يوجد أحد من أفراد عائلتها يوافق على الزواج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: نحمد الله صاحب المنّة والفضل على أن هداك لطريق الحقّ بعد رحلة الجاهلية المضنية المظلمة وبعد الحيرة في دروب التيه والضياع والله يهدي من يشاء وعليك الآن شكر النّعمة بالقيام بحقّ الله وترك ما يُغضب الله وأن يكون الله أحبّ إليك من كلّ شيء وأن تسعى في استدراك ما فات من عمرك وتضاعف الجهد في فعل الطاعات والمسارعة من الخيرات.
ثانيا: حيث أنّ هذه المرأة قد أسلمت ولله الحمد فليس لأحد من أقربائها الكفرة ولاية عليها لأنّه لا ولاية لمسلم على كافر فإن كان في البلد التي هي فيه صاحب سلطان مسلم فإنّه يصير وليّها لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نِكَاحَ إِلاّ بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ * رواه ابن ماجة رقم 1880 والإمام أحمد وهو في صحيح الجامع رقم 7556
فإن لم يكن هناك سلطان مسلم فيُلجأ إلى مرجع المسلمين في تلك الناحية وصاحب الكلمة المسموعة بينهم كمدير المركز الإسلامي أو إمامه وخطيبه يعقد لها عقد نكاحها. وانظر جواب سؤال رقم (2127) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/166)
شرطت عليه إن تزوج عليها فزوجته الثانية تكون طالقاً
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تزوج وشرطوا عليه في العقد أن كلَّ امرأةٍ يتزوج بها تكون طالقاً،، ثم إنَّه تزوج، فما الحكم في المذاهب الأربعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية السؤال السابق فأجاب:
هذا الشرط غير لازمٍ في مذهب الإمام الشافعي، ولازم له في مذهب أبي حنيفة متى تزوج وقع به الطلاق، ومتى تسرَّى عتقت عليه الأمة، وكذلك مذهب مالك، وأما مذهب أحمد: فلا يقع به الطلاق ولا العتاق، لكن إذا تزوج وتسرَّى كان الأمر بيدها، إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج "؛ ولأن رجلاً تزوَّج امرأة بشرط أن لا يتزوج عليها، فرفع ذلك إلى عمر، فقال: " مقاطع الحقوق عند الشروط ".
فالأقوال في هذه المسألة ثلاث:
أحدها: يقع به الطلاق والعتاق.
والثاني: لا يقع به، ولا تملك امرأته فراقه.
والثالث: وهو أعدل الأقوال: أنه لا يقع به طلاق ولا عتاق، لكن لامرأته ما شرط لها، فإن شاءت أن تقيم معه، وإن شاءت أن تفارقه، وهذا أوسط الأقوال.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (3 / 125) .(6/167)
نساء يجوز الزواج منهن في حالة ولا يجوز في حالة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حالات في الإسلام يجوز الزواج من امرأة في حالة ولا يجوز الزواج من نفس المرأة في حالة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يوجد ذلك وفيما يلي أمثلة توضح ذلك:
1- يحرم تزوج المعتدة من الغير، لقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ومن الحكمة في ذلك أنه لا يؤمن أن تكون حاملاً، فيفضي ذلك إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب.
2- ويحرم تزوج الزانية إذا علم زناها حتى تتوب وتنقضي عدتها، لقوله تعالى: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) .
3- ويحرم على الرجل أن يتزوج من طلقها ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح، لقوله تعالى: (الطلاق مرتان ... ) إلى قوله: (فإن طلقها) يعني الثالثة، (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) .
4- ويحرم تزوج المحرمة حتى تحل من إحرامها.
5- ويحرم الجمع بين الأختين، لقوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الأختين) ، وكذا يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) متفق عليه، وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك حين قال عليه الصلاة والسلام: (إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم) ، وذلك لما يكون بين الضرائر من الغيرة، فإذا كانت إحداهما من أقارب الأخرى، حصلت القطيعة بينهما، فإذا طلقت المرأة وانتهت عدتها، حلت أختها وعمتها وخالتها، لانتفاء المحذور.
6- ولا يجوز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تحته أكثر من أربع لما أسلم أن يفارق ما زاد عن أربع.
والله اعلم
[الْمَصْدَرُ]
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 2/271.(6/168)
مواصفات الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة من لبنان وعمري 24 عاماً وأعيش في أوتاوا بكندا بعيداً عن وطني وأحس أنني بحاجة إلى مزيد من الإرشاد.
ماذا يجب أن يكون في الرجل غير كونه مسلماً؟
هل هناك نصيحة في تربية الأبناء حتى يكونوا قريبين من الإيمان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أنصحكِ بأن تحضري إلى أحد المساجد أو المراكز القريبة، وأن تحرصي على الحضور إليها كلما أمكنك ذلك فهذا سببٌ لأن تتعرفي على بعض الأخوات الصالحات، وأن تستفيدي مما تسمعينه منهن.
ثانياً: الرجل الذي ترضاه المرأة زوجاً لها ينبغي أن يكون متمسكاً بالإسلام ملتزماً بأحكامه، متخلقاً بأخلاقه، وما سوى ذلك من الصفات أمرٌ يختلف فيه الناس.
ثالثاً: أما ما يتعلق بتربية الأبناء فمن أهم الأمور التي تعين على تربيتهم تهيئة البيئة الحسنة لهم: ومن ذلك اختيار الزوج المناسب، واختيار السكن المناسب بحيث يجاور الصالحين ومن يرضى أن يكون صديقاً لهم، واختيار المدرسة المناسبة لهم، وإبعاد وسائل الفساد عن المنزل، ومن ذلك أن تكون العلاقة حسنة بين الزوجين، وأن يتفقا على أمور التربية والتعامل مع الأطفال فلا يحصل هناك تناقضٌ بينهم، كما أنه من المهم للوالدين أن يقرءا بعض الكتب المناسبة حول تربية الأولاد، وأن يستفيدا ممّن يرون أنه متميزٌ في تربية أولاده، وأن يكون الوالدان قدوةً حسنة لهما.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد الدويش(6/169)
من هي الكتابية التي يجوز للمسلم الزواج بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن اعرف ما تعنيه بعبارة (تزوج العفيفات) من أهل الكتاب المسيحيات أو اليهوديات؟ فهل اللمس والتقبيل يحول دون الزواج من الكتابية؟ لقد قرأت في إجابتك أن المسلم يجب أن يتزوج المرأة العفيفة فهل ينطبق ذلك فقط على المرأة الكتابية أم يشمل أيضا الفتاة المسلمة؟ وهل اللمس والتقبيل يدخل ضمن تعريف كلمة العفاف؟ وما هي النصيحة التي يمكنك تقديمها إلى شاب مسلم يعتقد بأن اللمس ضروري قبل الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " (8/165) في تعريف المُحصنة:
حَصُنت هي فهي تَحصُن حَصَانة إذا عفَّت، وهي حاصنٌ من النساء عفيفة … ويقال أيضا، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور: " قد أحصنت فرجها فهي محصنة كما قال جل ثناؤه " ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها " بمعنى حفظته من الرِّيبة، ومنعته من الفجور. ثم ذكر الأقوال في تأويل قوله تعالى (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم …) ومما ذكره:
وقال آخرون إنما عنى الله بقوله {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} العفائف من الفريقين إماء كن أو حرائر فأجاز قائل هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية وحرموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب. " ثم ذكر رحمه الله الآثار على هذا القول.
وقال أيضا: " ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " أعام أم خاص؟ فقال بعضهم: هو عام في العفائف منهن لأن المحصنات العفائف وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابية، حربية كانت أو ذمية. واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، وأن المعنىَّ بهن العفائف، كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عنى بـ "المحصنات " في هذا الموضع: العفائف..
وقال آخرون: بل ذلك معنيّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد. فأما أهل الحرب، فإنَّ نساءهم حرام على المسلمين.
وذكر رحمه الله شرطا مهما لنكاح الكتابية ينبغي أن يتمعّن فيه ويقف عنده كلّ مسلم يريد أن يتزوج منهن في بلاد الكفر وهذا الشّرط هو: " أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يُجبر على الكفر ".ا. هـ ومن أوضح تطبيقات هذا الكلام في واقعنا أن لا يكون في بلاد الكفر ما يُجبر المسلم على تنشئة ولده على دين أهل الكفر بحيث يُدرّس الولد إجباريا شيئا من دين النصارى مثلا أو يُؤخذ إلى الكنيسة يوم الأحد أو يكون القانون في صفّ المرأة الكافرة بحيث تأخذ الولد إذا شاءت فتربيه على دين قومها ونحو ذلك نسأل الله العافية ونعوذ به من الخذلان.
وقال الشيخ السعدي في تفسيره (1/458) :
{و} أحل لكم {المحصنات} أي: الحرائر العفيفات {من المؤمنات} ، {والمحصنات} الحرائر العفيفات {من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} أي: من اليهود والنصارى وهذا مُخصِّص لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} .
.. وأما الفاجرات، غير العفيفات عن الزنا، فلا يباح نكاحهن، سواء كن مسلمات، أو كتابيات، حتى يتبن لقوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) الآية.
والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/170)
الزواج بغير المسلمة للحصول على حقّ الإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج بكافرة من أجل الحصول على حقّ الإقامة في البلد وعلى جواز السّفر؟ وهل يجوز أن أتزوجها لهذا الغرض فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله، عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي:
إذا كانت ممن يحل نكاحها فلا حرج في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تنكح المرأة لأربع.. فذكر المال ".. وهذا مثله، فإذا تزوجها من أجل الحصول على الإقامة فلا بأس بشرط أن لا يكون في نيته أنه إذا حصل على الإقامة طلّقها.. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/171)
تُنزع ولاية النكاح ممن لا يؤمن بالسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يكون مسلم منحرف وليَاً (في الزواج لابنته) ذات العقيدة السليمة؟ مثلاً هل يمكن لأب لا يؤمن بوجوب اتباع الحديث والسنة أن يكون ولياً لامرأة تقبل الإسلام (القرآن والسنة) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. ذكر أهل العلم رحمهم الله شروطاً لولي المرأة في النكاح، منها ما اتفقوا عليه، ومنها ما اختلفوا فيه. فأما التي اتفقوا عليها:
أ. الإسلام
قال ابن قدامة: أما الكافر فلا ولاية له على المسلمة بحال بإجماع أهل العلم.أ. هـ
ونقله كذلك عن ابن المنذر.
" المغني " (7 / 356) .
ب. العقل.
ت. البلوغ.
ث. الذكورة.
= قال ابن رشد: اتفقوا على أن من شرط ولاية: الإسلام، والبلوغ، والذكورة. أ. هـ
" بداية المجتهد " (2 / 12) .
= وقال ابن قدامة: الذكورية شرطٌ للولاية في قول الجميع. أ. هـ
" المغني " (7 / 356) .
وأما الشروط التي اختلفوا فيها، فمنها:
أ. الحرية.
واشتراط الحرية هو قول أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك الحنفية.
وتعليل من اشترط الحرية هو: أن العبد لا ولاية له على نفسه، فعدم ولايته على غيره أولى.
انظر: المرجعين السابقين.
ب. العدالة
وإلى اشتراطها في الولي ذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد.
والمقصود بالعدالة هنا: العدالة الظاهرة، ولا يشترط أن يكون الولي عدلاً ظاهراً وباطناً، وإلا أوجب ذلك حرجاً ومشقة، وأفضى إلى بطلان غالب الأنكحة. كذا في " كشاف القناع " (3 / 30) .
وهنا تنبيه وهو أنه قد يكون للسائل رغبة في المرأة، ثم يناقش وليها في مسألة أو أكثر فيختلفان، فيتهم الزوج الوليَّ أنه لا يؤمن بالرجوع إلى الكتاب والسنَّة!. وهذا تعدّ خطير وإثم كبير أنه فيه اتهام لمسلم بما يخرجه عن الملّة.
وأما إن كان ولي الزوجة حقيقة لا يؤمن بالسنة مثل هذه الطائفة الذين يتسمون بالقرآنيين فإنه يُناقش ويبين له الحق وتُزال شبهته وتُقام عليه الحجة فإن أصر فهو كافر، ولا يجوز له أن يتولى على أمرأة مسلمة في النكاح ولو كانت ابنته، وتُنزع ولايته حينئذ وتعطى لأقرب ولي مسلم لهذه المرأة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/172)
ملخّص مهم في أركان النّكاح وشروطه وشروط الوليّ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أركان عقد النكاح؟ وما شروطه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أركان عقد النكاح في الإسلام ثلاثة:
أولا: وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالمحرمية من نسب أو رضاع ونحوه وككون الرجل كافرا والمرأة مسلمة إلى غير ذلك.
ثانيا: حصول الإيجاب وهو اللفظ الصّادر من الولي أو من يقوم مقامه بأن يقول للزوج زوجتك فلانة ونحو ذلك.
ثالثا: حصول القبول وهو اللفظ الصّادر من الزوج أو من يقوم مقامه بأن يقول: قبلت ونحو ذلك.
وأمّا شروط صحة النكاح فهي:
أولا: تعيين كل من الزوجين بالإشارة أو التسمية أو الوصف ونحو ذلك.
ثانيا: رضى كلّ من الزوجين بالآخر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ (وهي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق) حَتَّى تُسْتَأْمَرَ (أي يُطلب الأمر منها فلا بدّ من تصريحها) وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ (أي حتى توافق بكلام أو سكوت) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا (أي لأنها تستحيي) قَالَ أَنْ تَسْكُتَ رواه البخاري 4741
ثالثا: أن يعقد للمرأة وليّها لأنّ الله خاطب الأولياء بالنكاح فقال: (وأَنْكِحوا الأيامى منكم) ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " رواه الترمذي 1021 وغيره وهو حديث صحيح.
رابعا: الشّهادة على عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين) رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع 7558
ويتأكّد إعلان النّكاح لقوله صلى الله عليه وسلم: " أَعْلِنُوا النِّكَاحَ. " رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 1072
فأما الولي فيُشترط فيه ما يلي:
1- العقل
2- البلوغ
3- الحريّة
4- اتحاد الدّين فلا ولاية لكافر على مسلم ولا مسلمة وكذلك لا ولاية لمسلم على كافر أو كافرة، وتثبت للكافر ولاية التزويج على الكافرة ولو اختلف دينهما، ولا ولاية لمرتدّ على أحد
5- العدالة: المنافية للفسق وهي شرط عند بعض العلماء واكتفى بعضهم بالعدالة الظّاهرة وقال بعضهم يكفي أن يحصل منه النّظر في مصلحة من تولّى أمر تزويجها.
6- الذّكورة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا. " رواه ابن ماجة 1782 وهو في صحيح الجامع 7298
7- الرّشد: وهو القدرة على معرفة الكفؤ ومصالح النكاح.
وللأولياء ترتيب عند الفقهاء فلا يجوز تعدّي الولي الأقرب إلا عند فقده أو فقد شروطه. ووليّ المرأة أبوها ثمّ وصيّه فيها ثمّ جدّها لأب وإن علا ثمّ ابنها ثم بنوه وإن نزلوا ثمّ أخوها لأبوين ثم أخوها لأب ثمّ بنوهما ثمّ عمّها لأبوين ثمّ عمها لأب ثمّ بنوهما ثمّ الأقرب فالأقرب نسبا من العصبة كالإرث، والسّلطان المسلم (ومن ينوب عنه كالقاضي) وليّ من لا وليّ له. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(6/173)
هل تجب طاعة أبي في اختيار الزوج وكيف أعدّل من أخلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[يظن والدي إن من سيتزوج ابنته يجب أن يكون من نفس جنسيتنا، يحب والدي التحكم في جميع تصرفاتنا، هل يمكن أن تعطيني دليلاً على أن الفتاة لها حق اختيار زوجها بغض النظر عن جنسيته، ما دام متديناً ووضعه جيد، يعتقد والدي بأن الفتاة ليس لها حق الاختيار وهذا الحق له هو وحده، ولكنني أظن بأنه سيختار شخصاً لمركزه ولجنسيته، فهل يجوز للفتاة أن تختار بنفسها إذا وجدت الشخص الكفء حتى لو كان والدها غير موافق عليه بسبب جنسيته؟
كما أن والدي يختار من الدين ما يوافق هواه، فهو يحب أن يري الناس ثروته وسلطته وقوة اسمه، هل يمكن أن تعطيني أي دعاء أدعو به لتتحسن أخلاقه ويصبح شخصاً سهل المعاملة؟ أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اشتراط الولي شرط من شروط النكاح، ولا يصح زواج المرأة بدون هذا الشرط، وهذا هو الصحيح وهو قول جمهور العلماء. راجع سؤال رقم (2127)
وأحق الناس بالولاية هو الأب، لكن إن ثبتت عدم أهليته انتقلت الولاية إلى من يليه، كالجد مثلا.
ويراجع في تفاصيل هذه المسألة وأدلتها السؤال رقم (7193) ورقم (31119) .
ثانيا:
أما الشروط والموصفات الشرعية التي ينبغي اعتبارها في الزوج، فأهمها الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) أخرجه الترمذي (1005) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1084) .
وراجع السؤال رقم (6942) و (5202) .
ثالثا:
أن من الشروط الشرعية رضا الزوجة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت " أخرجه البخاري (4741) ، ومسلم (2543) .
فليس لأحد إجبارها على الزواج من شخص ما، وفي الحين نفسه ليس لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها.
فوجود الولي شرط مهم لصحة النكاح، وهي لا تُجبر على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه، ولا تعتبر عاقةً بذلك، قال شيخ الإسلام: " وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، فإن امتنع لا يكون عاقاً، كأكل ما لا يريد " الاختيارات ص 344.
رابعا:
بالنسبة لوالدك وما هو عليه، فننصحك بالتالي:
الأول: الدعاء له بظهر الغيب، وليس هناك دعاء معين، فادعي الله أن يصلحه، وأن يفتح على قلبه.
ثانيا: الاستعانة ببعض زملاء الوالد أو الأقارب ممن يثق فيهم في محاولة إصلاحه.
ثالثاً: توفير ما تستطيعين من كتيبات وأشرطة بلغتك يكون فيها ترغيب في حسن الخلق، وترهيب من ضده وإهداؤها له بأسلوب لطيف عسى الله أن يجعله سبباً في صلاحه.
نسأل الله أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/174)
لماذا لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[يجوز للمسلمين الزواج من نساء لسن مسلمات، فلماذا لا يُسمح للمسلمات أيضا بالزواج من رجال يدينون بغير الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمسلم أن يتزوج الذمّية من أهل الكتاب يهودية كانت أو نصرانية دون غيرهما من طوائف الكفر كما قال تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن) يعني العفيفات من الكتابيات دون الفاجرات. ولا يجوز للمسلمة ان تنكح مشركا غير مسلم مهما كانت ديانته قال تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار) ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه كما هو مقرر في دين الإسلام.
الشيخ عبد الكريم الخضير
ومعلوم أن الرجل هو الطرف الأقوى وصاحب هيمنة على الأسرة من الزوجة والأولاد فليس من الحكمة أن تتزوج مسلمة كافراً يهيمن عليها وعلى أولادها ويكون من جراء ذلك الخطر الكبير باحتمال أن يحرفها عن دينه وأن يربي الأولاد على دينه هو.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/175)
لا يشترط لصحة الإسلام إعلانه أمام شهود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج من مسلمة وأهلها غير مسلمين، وكانت قد أسلمت وتعلمت بعض السور والصلاة عن طريق الإنترنت وبعد الزواج سألتها على يد من أسلمتِ؟ قالت: أسلمت وحدي، فقلت لها: يجب نطق الشهادتين فنطقت بهما أمامي فهل هذا صحيح؟
مع العلم لقد تزوجنا في المسجد أمام الشيخ وعدد من الشهود وكذلك حصلت على تعريف يفيد بأنها مسلمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يشترط حتى يكون المرء مسلماً أن يعلن إسلامه بين يدي أحدٍ من الناس، فالإسلام أمر بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وإذا أشهد على إسلامه لتوثيق ذلك في وثائقه الخاصة فلا بأس , لكن دون جعل ذلك شرطاً في صحة إسلامه.
وقد سبق بيان هذا في أكثر من جواب، فلتنظر أجوبة الأسئلة: (11936) و (655) و (6542) و (6703) .
ثانياً:
ولا يصح عقد نكاحٍ أحد بغير ولي للزوجة، ولا ولاية لكافرٍ على مسلمة، فإن لم يوجد وليٌّ لها مسلم فيقوم القاضي أو إمام المسجد أو مفتي المنطقة مقام الولي.
وفي جواب السؤال (7714) و (7989) تجد تفصيل حكم المرأة في بلاد الكفر حيث لا يوجد لها ولي مسلم.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما , ويبارك عليكما , ويجمع بينكما في خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/176)
لا ينبغي اعتبار كون المرأة أكبر من الرجل مانعاً من الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أبلغ من العمر 21 عاماً. أُريد أن أتزوج في القريب العاجل. وبالأخص أريد أن أتزوج مِن مَن تكون أكبر مني سناً (مثلا أكبر بحوالي سبع سنوات) . هل هناك شيء "خطأ" في فعل ذلك؟ أعرف أن زوجة الرسول الأولى كانت تكبره بخمسة عشر عاماً. قد يعتقد البعض أن ما أفضله شاذ بعض الشيء، فهذا أمر لا يحدث كثيراً في أيامنا هذه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكبر لا يضر، ولا حرج أن تكون المرأة أكبر، ولا حرج أن يكون الزوج أكبر، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وهي بنت أربعين وهو ابن خمس وعشرين، والذي ينبغي للرجل أن يعتني بالمرأة الصالحة ذات الدين ولو كانت أكبر منه إذا كانت في سن الشباب وسن الإنجاب، فالحاصل أن السن لا ينبغي أن يكون عذراً ولا ينبغي أن يكون عيباً ما دام الرجل صالحاً والفتاة صالحة أصلح الله حال الجميع.
باختصار من فتوى الشيخ ابن باز كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/107
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/177)
مسلمة جديدة تزوجت مسلماً بدون علم والديها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة من الصين، تزوجت من رجل مسلم لبناني، وهذا هو السبب الأول والرئيس لإسلامي.. ولقد تزوجنا بطريقة إسلامية، ولكن هذا الزواج تمّ بدون علم عائلتينا بسبب بعض الظروف الصعبة. هل تعتقد أن هذا حرام؟ أعنى في هذا مخالفة للقرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية على أن المرأة لا تتزوج بغير وليّ يحتاط لها ويتحرى مصلحتها مخافة أن يخدعها شياطين الرجال، وقد قال تعالى: (فانكحوهنّ بإذن أهلهن)
وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بوليّ) رواه الخمسة وصححه ابن المديني.
قال الترمذي: والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بوليّ) عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم. اهـ.
فإذا كان أحد من أوليائك مسلماً كالأب أو الإخوة أو الأعمام أو أبناء الأعمام فهو وليّك في النكاح، ولا يصحّ نكاحك من غير إذنه ورضاه. فيباشر هو العقد بنفسه أو يوكّل من يعقد لك الزواج نيابة عنه.
فإن كان أولياؤك كلهم من غير مسلمين فإنه لا ولاية لكافر على مسلم.
قال ابن قدامة: أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم.
قال ابن المنذر: أجمع عامة من نحفظ عنهم العلم على هذا.
وقال الإمام أحمد: بلغنا أن علّياً أجاز نكاح الأخ، وردّ نكاح الأب وكان نصرانياً.
المغني (7/356) .
بل لا ولاية لمسلم على أولاده الكفّار في النكاح.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، عن رجل أسلم هل يبقى له ولاية على أولاده الكتابيين؟
فأجاب: لا ولاية له عليهم في النكاح، كما لا ولاية له عليهم في الميراث، فلا يزوج المسلم كافرة سواء كانت بنته أو غيرها، ولا يرث كافرٌ مسلماً ولا مسلمٌ كافراً، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف، والله سبحانه وتعالى قد قطع الولاية في كتابه بين المؤمنين والكافرين وأوجب البراءة بينهم من الطرفين، وأثبت الولاية بين المؤمنين (32/35)
ولكن ينبغي للمسلمة أن تخبر بذلك أهلها وأن تترضاهم لعل ذلك يكون سبباً في تألفهم على الإسلام.
والسؤال هنا: كيف تصنع المسلمة التي ليس لها ولي مسلم؟
فالجواب:
أنه يزوجها مسلم ذو سلطان ومكانة كرئيس المركز الإسلامي أو إمام مسجد أو عالم من العلماء فإذا لم تجد جعلت أمرها إلى رجل عدل من المسلمين فيباشر تزويجها.
قال شيخ الإسلام: أما من لا ولي لها فإن كان في القرية أو المحلة نائب حاكم زوجها.. ورئيس القرية وإذا كان فيهم إمام مطاع زوّجها أيضاً بإذنها. (32/35)
قال ابن قدامة: فإن لم يوجد للمرأة وليّ ولا سلطان، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها (7/352)
وقال الجويني: إذا لم يكن لها وليّ حاضر، وشغر الزمان (أي خلا) عن السلطان، فنعلم قطعاً أن حسم باب النكاح مُحال في الشريعة، ومن أبدى في ذلك تشككاً فليس على بصيرة بوضع الشرع، والمصير إلى سد باب النكاح يضاهي الذهاب إلى تحريم الاكتساب. الغياثي (388) ، ثم ذكر أن الذي يباشر ذلك هم العلماء.
والخلاصة:
إن كان عقد النكاح قد تمّ بهذه الصورة، وقد زوجك منه إمام المركز الإسلامي عندكم أو رجل عدل من المسلمين فالنكاح صحيح، وأما إن كنت باشرت عقد النكاح بنفسك فعليك الذهاب مع زوجك إلى أقرب مركز إسلامي وإعادة عقد النكاح، ويتولى رئيسه مثلاً ـ تزويجك.
أما بالنسبة لزوجك فإنه لا يلزمه أن يُعلم عائلته، لأنه لا يُشترط الولي للزوج.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/178)
الولاية على نكاح المرأة وأموالها
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أنه إذا أرادت المرأة أن تتزوج فيجب أن يكون وليها هو من يعقد لها، ولكن كيف لها أن تحدد الولي؟ وهل يجب أن يقوم الولي بإتمام جميع معاملات المرأة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسباب ولاية النكاح خمسة: المُلْك، والقرابة، والولاء، والإمامة، والوصاية.
الولي شرط في صحة النكاح، ولا يجوز للمرأة أن تتولى نكاح نفسها أو غيرها بسبب من الأسباب، لا أصالة ولا نيابة ولا وكالة، لو باشرت العقد كان النكاح باطلاً.
للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تتولى مالها، وتتصرف فيه كما تشاء بعوض أو بغير عوض كبيع أو شراء، أو إجارة، أو إقراض، أو تصدق أو هبة كله أو جزء منه، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك، ولا تحتاج إلى إذن أحد، سواء كانت بكراً ذات أب، أو غير ذات أب، أو ذات زوج.
يجوز للمرأة أن تتصرف في مال أولادها من أكل وغيره، كما هو مسموح للرجل في مال أولاده، ويجوز لها أن تتصرف وتأكل من مال أبويها بما هو مباح لها.
وللأم ولاية مال أولادها الصغار والمجنون، لأنها أشفق على ولدها من غيرها.
ليس للمرأة أن تتصرف وتتصدق من مال زوجها إلا بإذنه، سواء كان الإذن صريحاً أو مفهوماً من العادة والعرف.
ويجوز لها أن تكون وصية، فلها ولاية المال بالوصاية إذا توفر فيها شروط الوصي، سواء كانت أم الأطفال، أو أجنبية عنهم.
يجوز للمرأة أن تكون ناظرة وقف، وتكون لها ولاية النظر على الوقف والتصرف فيه باتفاق.
[الْمَصْدَرُ]
ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 691.(6/179)
أجبرت على الزواج ممن لا تريده، فهل تستخدم حبوب منع الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ فترة قصيرة، ولكنني غير سعيدة مع زوجي، وقد أجبرني أهلي على الزواج منه، ومشكلتي أنني لا أرغب في الإنجاب منه، فهل يجوز أن أدعو الله أن لا يرزقني أولاداً منه أم لا يجوز؟ وقد قرأت أنه لا يجوز استخدام حبوب منع الحمل بدون إذن الزوج، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للولي سواء أكان أبا أو غيره أن يزوج مَنْ كانت تحت ولايته دون رضاها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) رواه مسلم (1421)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419)
كما لا يجوز للولي أن يتعنت في تزويج موليته، أو يعضلها عن الزواج ممن ترغب إذا كان كفؤاً لها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم -: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني وانظر السؤال رقم (32580)
أما ما حصل معك، فلك الخيار في الاستمرار أو عدمه، فاستخيري الله عز وجل، فإن رضيت فلك الاستمرار على هذا الزواج، وإن لم تقبلي الاستمرار في زواجك فلك الحق في طلب الفسخ، لأنه وقع بدون رضاك.
فعن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. رواه البخاري (4845) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود (2096) وصححه الألباني.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرأة إذا زُوِّجت بدون رضاها فإن العقد يكون موقوفاً على إجازة المرأة، فإن أجازته صح، وإلا فلها الفسخ. وهو مذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد. انظر المغني 7 / 364،فتح الباري 9 / 194
قال الشيخ ابن عثيمين في مسألة إجبار الوالد بنته على النكاح: إجبار الرجل ابنته على الزواج برجل لا تريد الزواج منه محرم، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً، لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي، لأن مقصود الشرع بالنهي عن أمر ما، أن لا نتلبس به ولا نفعله، ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه، وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع.....
وعلى هذا فالقول الراجح يكون تزويج الوالد ابنته هذه بمن لا تريده زوجا، تزويجا فاسدا، والعقد فاسد، يجب النظر فيه من قبل المحكمة
انظر الفتاوى ص 760، وانظر أيضاً فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 10 / 73 – 78
أما أخذك لحبوب منع الحمل دون علم الزوج، فهذا ليس حلا للمشكلة، لأن هذا معناه مكوثك تحت من لا ترضين، وقد نص بعض أهل العلم كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم الموضع السابق، على أنه إذا ظهر من المرأة الرضى بزواجها ممن تزوجت منه جبرا، فإنه يسقط حقها في طلب الفسخ، وإذا سقط الحق في طلب الفسخ صار الرجل زوجا شرعيا لك، وإذا كان كذلك لم يجز لك أخذ حبوب من الحمل إلا بعلمه عند وجود ما يدعو إلى ذلك.
ويراجع السؤال (5196) (22760) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/180)
نصرانية تسأل عن صحة زواجها من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة نصرانية، وقد تزوجب منذ فترة قريبة بمسلم. وبسبب اختلاف عقائدنا، فقد تم عقد زواجنا في دار العدل، الذي يقابل المسجد (عندكم) . فهل ينظر الإسلام إلى هذه الزيجة على أنها صحيحة "حقيقية"؟ لقد بحثت عن هذا، وتفاجأت عندما قرأت أن الإسلام لا يعترف ولا يعتبر (مثل) هذا زواجا حقيقيا صحيحا؟ أرجو أن تؤكد هذا.. أنا أحب هذا الرجل كثيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إذا تم النكاح بوجود:
1ـ الإيجاب من ولي أمرك ـ وهو أبوك أو من يقوم مقامه إن لم يوجد بشرط أن يكون على دينك ـ وذلك بأن يقول ـ مثلاً ـ زوجتك ابنتي.
2ـ والقبول من الزوج بأن يقول ـ مثلاً ـ قبلت.
3ـ وأن يكون العقد بحضور شاهدين مسلمين.
فإن النكاح صحيح، (لمزيد من التفصيل حول شروط النكاح يراجع السؤال رقم 2127 وكذلك ملف شروط النكاح الموجود في الصفحة.) ، وإذا نقص شرط من هذه الشروط فإن النكاح لايصح، ويلزمكما إعادة العقد من جديد. ومكان العقد لا يؤثّر في صحة النكاح
ثانياً: لقد لفت هذا السؤال انتباهنا وذلك لحرصك أيتها السائلة الحصيفة على معرفة أحكام الدين الإسلامي الحنيف في هذه القضية،ولعل هذا يكون سبباً للبحث عن الحقيقة الأكبر، والأهم وهي ما هو دين الحق؟
فاسمحي لنا أيتها السائلة أن نتوجه لك بهذه الأسئلة:
هل تريدين الحياة السعيدة؟ وهل تفكرين في الطمأنينة؟ وهل تبحثين عن الحقيقة؟
وهل تريدين لأولادك حياةً مستقيمة؟؟؟؟؟
إذاً فاعلمي هدانا الله وإياك إلى الحق ...
أن الله خلق الخلق لغاية عظيمة، ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك له، قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أُريد منهم من رزق وما أُريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) سورة الذاريات (57) .
فأرسل الله الرسل لدعوة الناس إلى هذه الغاية، قال الله تعالى: " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) .
ثم ختم الرسالة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام فكان آخر الأنبياء والرسل قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) سورة الأحزاب/40.
وقال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) سورة الفتح/29.
وكان من حكمة إرسال الرسل هو إقامة الحجة على الناس لئلا يقولوا ما جاءنا من رسول ولم يُخبرنا أحدٌ بأمر الله لنا بعبادته قال الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) سورة النساء/163-165.
فنحن ندعوك أيتها السائلة وندعوا كل من لا يدين بدين الإسلام أن يبادر بامتثال أمر الله بالإيمان به وحده لا شريك له والإيمان بنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله للخلق أجمعين من إنسٍ وجن، فقد أمرهم الله بذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى الله إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا اْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلاً) سورة النساء/170-171.
وقد أخبر الله في كتابه الكريم (القرآن) بأنه لا يقبل من أحدٍ ديناً سوى دين الإسلام، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنْ الْخَاسِرِينَ) سورة آل عمران/85، وقال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) سورة آل عمران/18-19.
ثم لا تنسي أن إسلامك أفضل للأولاد أيضاً حتى لا يقعوا في شتات ذهني وعذاب نفسي فيقولوا أبونا مسلم وأمنا نصرانية فبمن نقتدي؟
ولعل المزيد من التأمل والتعقل يقود إلى نتيجة طيبة بإذن الله، واحرصي أن تقرئي ترجمة صحيحة للقرآن الذي يعتبر معجزة نبي الإسلام، ثم اقرئي سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف أن الله جعل العاقبة الحميدة له ولأصحابه، وكيف أجرى الله على يديه المعجزات من خوارق العادات، كنبع الماء من بين أصابعه وانفلاق القمر فلقتين عندما طلب منه المشركون آية فأمر القمر أن ينفلق، فانفلق فلقتين، وغير ذلك مما هو موجود في السيرة، وكذلك إخباره عن المغيبات التي لايمكن أن تُعلم إلا عن طريق الوحي كإخباره بفتح مملكة الفرس والروم قبل فتحهما، وغير ذلك مما يدل على نبوته. نسأل الله الهداية للجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/181)
حكم الزواج العرفي، وهل يجوز للزوجة أن تنتقل لولي آخر بإرادتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تعج بلدنا ببؤر الشر والفساد، ويزداد الأمر سوءاً في الجامعات، ولهذا السبب فإن الطلاب يتطلعون للزواج قبل تخرجهم، لكن الأهل يمثلون أكبر عائق أمامهم، وفيما يتعلق بالشاب فإننا نسمع أنهم لا يحتاجون لإذن من أوليائهم، لكن بالنسبة للفتيات فنحن نروغ من هذا عن طريق التقدم بالخطبة، وإذا تحجج والد إحداهن بسبب غير إسلامي، مثلا: أنا لا أريدك أن تتزوجي الآن، أنا لا تعجبني قبيلته، أنا غير مسرور من بنطاله الوسيع أو لحيته أو دينه، إذا كان الشاب سنيّاً صالحاً وكان ولي الفتاة على خلاف ذلك: فإننا نتركه ونذهب للجد أو الأخ، وإذا رفض أي منهما فإننا نتمم الزواج بإذن أمير جماعتنا - جماعة الطلاب المسلمين - هل فعلنا هذا صحيح؟ وكيف يتم ذلك بطريقة صحيحة؟ أرجو أن توضح كل شيء حول هذه المسألة؛ لأنها الطريقة الوحيدة، وهذا الإجراء منتشر الآن بشكل واسع حولنا، وإذا كان خطأ فكيف يتصرف أولئك الذين تزوجوا بهذه الطريقة وبعضهم له أبناء الآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بغير إذن وليِّها، بل لا بد لها من ولي لها يزوجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) وصححه الشيخ الألباني؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل) رواه الترمذي وحسَّنه (1102) وأبو داود (2083) ابن ماجه (1879) من حديث عائشة، صححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
وقال الترمذي تعليقا عليه:
" والعمل على هذا عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي، منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحق. انتهى.
وفي جواب السؤال (2127) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه، وشروط الولي.
وفي جواب السؤال (7989) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح.
ثانياً:
وقد أمر الله تعالى الأولياء أن يزوِّجوا من تحت ولايتهم من النساء، وأن لا يعضلوهن بمنعهن من النكاح لغير سبب شرعي، قال سبحانه: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32.
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء ألا يمتنعوا من تزويج من ولاهم الله عليهن من النساء في حال تقدم الخاطب الصالح في دينه وخلقه فقال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي (1084) وحسَّنه، حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1868) .
وفي كل من الآية والحديث المذكورين دلالتان واضحتان وهما:
1. أن الشرع خاطبَ الوليَّ بالتزويج، وهذا يدل على أن الأمر متعلق به لا يتم النكاح إلا بأن يباشر هو تزويج موليته لخاطبها، وما ذكرناه من الأحاديث يوضح هذا ويؤكده.
2. أنه لا يحل للولي عضل موليته ومنعها حقها في النكاح وأن ذلك من الظلم الذي يؤدي إلى الفساد الكبير في الدين والدنيا.
وإذا عمل كلٌّ من النساء وأوليائهن بمقتضى ذلك حصل الأمن الأسري، وارتفع كثير من الشر والفساد في الدين والأخلاق.
فإن امتنع الولي من إعطائها حقها في الزواج بغير عذر شرعي: جاز أن تتجاوزه إلى الولي الأبعد كأخيها الأكبر أو عمها أو جدها، على أن يكون ذلك من قبَل القاضي الشرعي، لا من قبَلها هي ولا من قبَل أوليائها، فإن تعذر الولي من أهلها جاز أن يتولى تزويجها القاضي أو من في حكمه؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) وسبق تخريجه وتصحيحه.
وبناء عليه فلا حرج على المرأة إن منعها وليها حقها في الزواج أن ترفع الأمر إلى القاضي الشرعي فيجعل الولاية لجدها أو عمها أو أخيها الأكبر.
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان عن مسألة قريبة من هذه فأجاب:
" لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها، فإن زوجت نفسها فنكاحها باطل عند جمهور أهل العلم سلفاً وخلفاً؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب بالتزويج أولياء أمور النساء قال: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) .
أما ما ذكرت السائلة من أنها قرأت في بعض كتب الفقه أن المرأة تزوج نفسها: فهذا قول مرجوح، والصحيح الذي يقوم عليه الدليل خلافه.
وأما ما ذكرتْ من واقعتها وأن لها رأياً يخالف رأي أبيها لأن أباها يريد لها زوجاً ذا حسب ونسب يكافئها، وهي لا ترى ذلك، وإنما تميل إلى أن تتزوج شخصاً ترى أنه ذو دين وإن لم يكن ذا حسب ونسب، فالحق مع أبيها في هذا، وأبوها أبعد منها نظراً، فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها، وإذا تحقق أن شخصاً غيره يصلح لها ويكافئها في مقامه وحسبه ودينه وأبى أبوها أن يزوجها به: فإنه حينئذ يكون عاضلاً وتنتقل الولاية إلى من بعده من بقية الأولياء، ولكن هنا لابد فيه من مراجعة القاضي لينقل الولاية من الأب العاضل إلى من بعده من بقية الأولياء، وليس لها هي أن تتصرف أو يتصرف أحد أوليائها بدون رضى أبيها، لا بد من الرجوع إلى القاضي الشرعي وهو ينظر في الموضوع وملابسات الواقعة، وإذا رأى نقل الولاية إلى آخر نقلها حسب المصلحة: فلا بدَّ من ضبط الأمور في الزواج. . . " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 242، 243) .
ثالثاً:
ومن تزوجت بطريقة غير شرعية، كأن تتزوج المرأة من غير ولي: فنكاحها فاسد، ويجب التفريق بينهما فوراً، والأبناء ينسبون إلى من تزوجها إن كانوا يظنون أن ما فعلوه جائزاً، فإن كانوا يعلمون بطلان نكاحهم فلا ينسب الأبناء إلا إلى أمهم.
ولهذا النكاح الباطل مفاسد كثيرة تترتب عليه، منها: ضياع حقوق المرأة؛ لعدم وجود ما يثبت هذا النكاح، فلا يثبت لها مهر، ولا نفقة به. ومنها: انتشار الرذائل والفساد في المجتمعات، وخاصة الطلابية منها؛ إذ يمكن من خلال هذه العقود الفاسدة أن تدَّعي كل امرأة حامل، أو رجل وامرأة وُجدا في وضع مشين، أنهما متزوجان زواجاً عرفيّاً. ومنها: أنه لا يمكن من خلال هذا الزواج إثبات نسب الأولاد حال وجودهم - كما ذكرنا -؛ وهو ما يعني ضياعهم وضياع نسبهم.
والسبيل إلى تصحيح هذا الوضع: هو بالذهاب إلى الولي ومصارحته بما حصل، ثم يتم العقد مرة أخرى بموافقته، فإن لم يوافق فُرِّق بينهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/182)
نظرة واقعية للزواج من الكتابيات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للرجل المسلم الزواج من امرأة نصرانية أو يهودية كما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية، بل كانت أمَة له، وكان قد أهداها له المقوقس صاحب مصر، وذلك بعد صلح الحديبية.
والأمة يجوز الاستمتاع بها ومعاشرتها حتى لو لم تكن مسلمة لأنها من ملك اليمين والله تعالى أباح ملك اليمين من غير شرط الإسلام قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) سورة المؤمنون/5-6
أما الزواج من نصرانية أو يهودية فهو جائز بنص القرآن بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة / 5.
قال ابن القيم:
ويجوز نكاح الكتابية بنص القرآن، قال تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} ، والمحصنات هنا هن العفائف، وأما المحصنات المحرمات في سورة النساء فهن المزوجات، وقيل: المحصنات اللاتي أُبحن هن الحرائر، ولهذا لم تحل إماء أهل الكتاب، والصحيح: الأول لوجوه – وذكرها -.
والمقصود: أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب، وفعله أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، فتزوج عثمان نصرانية، وتزوج طلحة بن عبيد الله نصرانية، وتزوج حذيفة يهودية.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن المسلم يتزوج النصرانية أو اليهودية، فقال: ما أحب أن يفعل ذلك، فإن فعل فقد فعل ذلك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
" أحكام أهل الذمة " (2 / 794، 795) .
ونحن وإن قلنا بالجواز، ولا نشك بذلك للنص الواضح فيه، إلا أننا لا نرى أن يتزوج المسلم كتابية، وذلك لأمور:
الأول: أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون عفيفة، وقلَّ أن يوجد في تلك البيئات من هن عفيفات.
والثاني: أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون الولاية للمسلم، والحاصل في هذا الزمان أن من يتزوج من بلد كافر فإنه يتزوجهن وفق قوانينها، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته وأخذت أولادها بقوة قانون بلدها، وبإعانة سفاراتها في كافة البلاد، ولا يخفى الضعف والعجز في مواجهة تلك البلاد وسفاراتها في بلدان المسلمين.
والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رغَّبنا بذات الدين من المسلمات، فلو كانت مسلمة توحد الله لكنها ليست ذات دين وخلق فإنه لا يرغب بزواجها، لأن الزواج ليس هو الاستمتاع بالجماع فقط، بل هو رعاية لحق الله وحق الزوج، وحفظ لبيته وعرضه وماله، وتربية لأولاده، فكيف يأمن من يتزوج كتابية على تربية أبنائه وبناته على الدين والطاعة، وهو تارك لهم بين يدي تلك الأم التي تكفر بالله تعالى وتشرك معه آلهة؟ .
لذا وإن قلنا بجواز التزوج من كتابية إلا أنه غير محبَّذٍ ولا يُنصح به، لما يترتب عليه من عواقب، فعلى الإنسان المسلم العاقل أن يتخيّر لنطفته أين يضعها. وأن ينظر نظراً مستقبلياً لحال أولاده ودينهم، وألا يعميه عن النظر الواعي شهوة جارفة، أو مصلحة دنيوية عاجلة أو جمال ظاهري خادع، فإنما الجمال جمال الدين والأخلاق.
وليعلم أنه إن ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. انظر جواب السؤال رقم: (2527) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/183)
هل اليهود والنصارى في هذا العصر مشركون وهل يجوز الزواج منهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزواج باليهودية أو النصرانية؟ وهل نعتبر نصراني ويهودي هذا العصر كتابيا أم مشركا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج من اليهودية أو النصرانية جائز في قول جماهير أهل العلم، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/99) : (ليس بين أهل العلم , بحمد الله , اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب. وممن روي عنه ذلك عمر , وعثمان , وطلحة , وحذيفة وسلمان , وجابر , وغيرهم.
قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك. وروى الخلال , بإسناده , أن حذيفة , وطلحة , والجارود بن المعلى , وأذينة العبدي , تزوجوا نساء من أهل الكتاب. وبه قال سائر أهل العلم) اهـ.
والأصل في ذلك قوله سبحانه:) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين َ) المائدة/5
والمراد بالمحصنة هنا: الحرة العفيفة، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (وهو قول الجمهور ههنا، وهو الأشبه؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: حشف وسوء كيل، والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات: العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَان ٍ) النساء/25. انتهى.
والنصارى واليهود كفار مشركون بنص القرآن، لكن إباحة نسائهم مخصص لقوله سبحانه:
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) البقرة/221 وهذا أظهر الوجوه في الجمع بين الآيتين.
وقد وصفهم الله بالشرك في قوله: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31
فهم كفار مشركون، لكن الله تعالى أحل ذبائحهم ونساءهم إذا كن محصنات، وهذا تخصيص لعموم آية البقرة.
لكن ينبغي أن يعلم أن الأولى والأسلم ترك نكاح الكتابيات، لاسيما في هذا الزمن، قال ابن قدامة رحمه الله: (إذا ثبت هذا , فالأولى أن لا يتزوج كتابية ; لأن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن. فطلقوهن إلا حذيفة , فقال له عمر: طلقها. قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي جمرة , طلقها. قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي جمرة. قال: قد علمت أنها جمرة , ولكنها لي حلال. فلما كان بعدُ طلقها , فقيل له: ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ قال: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي. ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته , وربما كان بينهما ولد فيميل إليها) اهـ. المغني 7/99
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة والبعد عن وسائل الفواحش جاز؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم.
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ... لكن إن احتاج إلى ذلك فلا بأس حتى يعف بها فرجه ويغض بها بصره، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام، والحذر من شرها وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد) اهـ.
فتاوى إسلامية 3/172
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/184)
عوائق في زواج نصرانية من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي مسلم وهو يواجه مشاكل مع والديه حتى يقبلوا بي. هما لم يقابلاني مطلقا، لكن والدته أخبرته مرارا بأنه إن لم يتركني، فإنه لن يدخل البيت أبدا، وقد هددته بأنهما سيتوقفان عن الحديث معه. وأنا لا أعرف موقف والده، وهو يتحدث إلى والدته في أغلب الأحيان. (ومما أفهمه أن التحدث إلى الوالد غالبا ما يكون صعبا عند المسلمين) .
وأعلم أيضا أنه يجوز للمسلم الزواج من النصرانيات أو اليهوديات إذا كن عفيفات، وأعلم أيضا أنه لا يجوز لوالديه أن يهجراه لمجرد أنهما لا يوافقانه على علاقته بي، لكن كيف نتصرف وهما لا يسمحان حتى بمناقشة هذا الموضوع؟ ماذا أفعل وهما قد حكما عليّ حتى قبل أن يتعرفا عليّ؟ أنا وهو صديقان، والإسلام لا يقبل بهذه العلاقة، لكننا نرغب في الزواج. (وسوف ينشأ أطفالنا على الإسلام، كما أني عازمة أن أتعرف على الإسلام، ولذلك فلا تعارض في المسألة) .
صديقي لا يريد أن يجرح أي شخص، خصوصا والده ووالدته، فهو يكن لهما الاحترام الشديد. لقد أخفق في أن يظهر لوالديه أنه يحبني كثيرا وأني فتاة جيدة. وأنا لا أستطيع مساعدته بالتحدث إليهما، حيث أخبرني أنه من غير المقبول أن يأتي الشاب بفتاة إلى منزل والديه. فكيف أساعده في هذا الموضوع؟ لماذا يُمنع التحدث في موضوع كهذا؟ كيف يمكن حل المشاكل إذا كان حتى مجرد النقاش غير ممكن؟ ألم يخلق الله الناس ليعرف بعضهم بعضا؟ أنا أؤمن بالله، وأحاول أن أكون امرأة صالحة، وأدعو لذلك كل يوم.
والداي نشآني على النصرانية، لكني منذ أن أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا. أظن أن الإسلام (هو الدين المناسب لي) لكني اتفقت مع صديقي أن نركز على هذا بعد أن تحل مشكلتنا – وهي قبول والديه بنا. أريد أن تكون علاقتي بالله صافية وألا تؤثر عليها أمور أخرى؛ فالصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبولي للإسلام، أليس كذلك؟
هل أكون مستحقة للملامة إن أنا قبلت الإسلام - وأستمر في إيماني بالله حسب اعتقادي فيه الآن - لا لشيء إلا لتسهيل الأمور بالنسبة لنا، حيث أن الوالدان يريدان ذلك؟ أعلم أن المسلم الحقيقي لا يفكر في نفسه فحسب بل عليه أن يفكر في جميع الناس حوله، لكني لا أستطيع أن أقبل بأن حبنا يجب أن يتوقف، لمجرد أن والديه يريدان ذلك. أهذه مشيئة الله؟ أرجو أن تنصحنا حول هذا. لماذا لا يتحدثان معي؟ كيف يمكن أن نفهمها أنهما لا يمكنها الحكم عليّ قبل أن يتعرفا عليّ؟ وهل لديك أي نصائح له، وهل سيكون القرار قرارا شديد الصعوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله عز وجل أن يمن عليك بالهداية، وسلوك طريق الرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أولاً: نشكرك على طرح السؤال وتوجيهه إلى هذا الموقع الإسلامي مما يدلّ على ثقتك ورغبتك في معرفة الجواب الصحيح.
ثانياً:
إن عدداً من الاستغرابات التي أوردتيها في سؤالك تعتبر عندنا معشر المسلمين أموراً مسلّمة، بينما تعتبر عند غيرنا مستنكرة.
ومعرفة السبب معهم، وهو أن المسلم ينطلق في مواقفه وآرائه من التسليم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الطاعة المطلقة للخالق الرازق المحيي المميت، لأنه أوجب علينا ذلك وهو أعلم بما يصلحنا.
فعلى سبيل المثال: أنت تستغربين جداً استنكار والدي عشيقك للعلاقة بينكما لأنك ترين بما تربيت عليه واعتدتيه وألفتيه في الواقع غير الإسلامي الذي تعيشين فيه أن هذه العلاقة أمر طبيعي وعادي ومألوف وتقارب بين نفسيات البشر وارتياح عاطفي أو غريزي، وقد يؤدي لك خدمات وتؤدين له خدمات في المقابل، ويلين معك بالكلام، وأنت تلاطفينه أيضاً وبينكما هداياً.. إلخ
والإسلام لا يحرّم حسن الكلام وطيب المعاملة والهدايا ولكن ليس لرجل مسلم أن يخلو بامرأة أجنبية ويستمتع بها خارج إطار الزواج لأن مفسدة هذا ومضرّته في الإسلام من فقدان العفّة والوقوع في الزنا، وانتهاك العرض والحمل بالولد الحرام وإضاعة النسب أخطر بكثير وأسوأ من تعاملات لطيفة وتبادل للهدايا.
ولولا استمتاع كل منكما بالآخر ربما لم يحصل مثل هذا التعامل.
وكذلك فإن وجود نيّة أكيدة وعزم على الزواج في المستقبل وإنجاب أولاد يعيشون مسلمين لا يبرر أبداً إقامة مثل هذه العلاقة المحرّمة التي تحدث فيها كثير من المحظورات الشرعية إسلامياً.
ولنا أن نتساءل إذا كانت العلاقة حميمة وقويّة إلى هذه الدرجة والنيّة صادقة في الزواج لماذا لا تتم توبة كلّ منكما من هذه العلاقة المحرّمة والدخول مباشرة في علاقة شرعية إسلامية قائمة على الزواج الذي شرعه الله.
أما العقد الشرعي في الإسلام فليس أمراً صعباً ومعقداً بل يسير وسهل وراجعي سؤال رقم (2127) و (813) للتعرف على المزيد من صفة عقد النكاح في الإسلام.
ثالثاً: ليس صحيحا أن التحدث إلى الوالد صعب عند المسلمين، فإنه ليس هناك مجتمع يتميز بالتماسك الأسرى، والترابط فيما بين أفراده مثل المجتمعات الإسلامية، بل نظرة سريعة في حال الأسرة في الغرب، يجد الإنسان فيها أن الولد عيد عن أبويه كل البعد، وأن الوالدين لا يقوم أحد بحقوقهما، فضلا عما يسببه ذلك من تشرد الأولاد، وضياع البنات، والإسلام يفرض على الأولاد نوعاً من الاحترام والتوقير للوالدين، يعلم هذا جيّداً من يفتقده من غير المسلمين، ونظراً لما تتمتع به الأم من اللين والعطف والحنان على أولادها، وما يتمتع به الأب من الحزم والنظر إلى الأمور بتعقّل بعيداً عن العواطف، فإن كثيراً من الأولاد يجدون أن الحديث مع الأم أسهل من الحديث مع الأب لاسيما في المشاكل التي تتعلق بعواطف الأولاد ومشاعرهم، وليس معنى ذلك أن الحديث مع الأب صعب عند المسلمين.
ولكن قد يكون بعض الناس تربى تربية فيها بعض الأخطاء، فأثرت بالتالي على بعض سلوكياته، ولكن بشكل عام، فإن المسلم يحب أخاه المسلم الغريب، فكيف بالقريب، فكيف بالابن والأب، فالكل يحرص على مصلحة الآخر، ويراعي أموره، ويحب له الأفضل، وهذا ما ينقلنا إلى النقطة الثانية، ألا وهي:
ثانياً: أن رفض والديه لهذا الزواج ليس من باب التحكم، أو أنهم قد حكموا عليك ولم يروك، بل كل أب (خاصة المجتمع المسلم) يحب لابنه أن يعيش أفضل عيشة، وبحكم خبرة الأب الكبيرة في الحياة، وبحكم كبر سنه، وعلمه بالأمور كيف تسير، فإنه لا يحب أن يقع ابنه في مغامرة، بحيث يتعجل أمرا، ثم يندم عليه.
إن الأب يحاول أن يبعد ابنه عن كل شيء اسمه " فشل "، لذلك هو لا يحبه أن يخوض غمار مثل هذا الزواج، خاصة أن الزواج في الإسلام علاقة قوية، لا تدوم لفترة محددة كحب العاشقين المحرم، بل هو علاقة بين الزوجين المقصود منها الاستقرار والدوام، فالاختيار لا بد أن يكون عن دراسة جادة، وتأن واضح، واستشارة لمن هم أعلم منا في هذه الحياة، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف الدين –سببا في الشقاق بين الزوجين، أو حدوث مشاكل في المستقبل خاصة بعد وجود الأبناء، وقد مر علينا في هذا الموقع العديد من تلك المشاكل.
نعم، الإسلام لا يمنع المسلم من تزوّج النصرانية أو اليهودية العفيفة فإن الإسلام يبيح هذا، ومع هذه الإباحة فإن الإسلام لا يحبّذه ولا يدعو إليه، فقد حثّنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة صاحبة الدين والخلق.
لذلك كان حكم أبويه على هذا الزواج بالرفض، ليس من باب استعجال الحكم، بل من باب المعرفة بالأمور كيف تسير.
قد تقولين: إن زواجي بهذا الشاب مختلف، لكنهم لا يدركون ذلك؟
فأعود وأقول: وإن كان مختلفا، لكن كل أب لا يحب لابنه أن يخوض تجربة هو في غنى عنها، خاصة وأن العلاقة الآن بينكما محرمة في دين الإسلام الطاهر النقي.
رابعاً: قولك: هل علي ملامة إن قبلت بالإسلام – يعني صوريا – وبقيت على اعتقادك في الله كما أنت؟
فالجواب أن هذا أمر عظيم، فإن ديننا الحنيف لا يقبل من إنسان أن يدخله متلاعبا، أو مستغلا له لأغراض شخصية، ولهذا كان من أسس هذا الدين {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} ، وإذا دخل الإنسان فيه دين الله متلاعبا، حقت عليه لعنة الله، وكان مع القوم الكافرين، كما قال تعالى {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} .
خامساً:
أما حل المشكلة فإنه يمكن أن يكون بعدة أمور، أولاها وأفضلها وأسرعها أن تبدئي التعرف الحقيقي على الإسلام، وشمولية هذا الدين، وموافقته للفطر السليمة، والطبائع المستقيمة، فتعرفي على دين الإسلام، لا لشيء، إلا لرغبة الوصول إلى الحق، والخروج من دوامة الآراء المتخبطة، والأفكار المنافية للفطر والعقول السليمة.
حينئذ – وبالمثابرة والاجتهاد – ستعلمين الحق المبين، وسيلوح لك نور اليقين الساطع، وسيتيسر لك – بإذن الله – أمر الزواج، ولا حرج في أن يكون أمر زواجك من ذلك الرجل سببا في تعرفك على دين الإسلام.
لكن أن تبدئي بهذه الخطوة أولى وأوجب من أن تتزوجي ثم تفكري في الإسلام.
إن الأسرة إذا تكونت من بدايتها من زوجين مسلمين، فإن الله تعالى يبارك فيها، ويرعاها بعنايته، فكلا عمودي الأسرة محبوب لله، لأنه مسلم.
ولعل إعلان توبتك أنت وهذا العشيق وعقد القران حسب الشريعة الإسلامية يخفف من هجوم والدي زوجك وموقفهما السلبي.
وإذا أعلنت دخولك في الإسلام فسيرضى أيضاً عن ذلك من هو أهم من الجميع، وهو الله عز وجلّ، وإذا أرضيت الله ولو سخط من سخط من أهلك فسيرضى الله عليك ويُرضي عنك الناس
وقد يكون من المناسب ـ وهذا يحتاج إلى تفكير وتوقيت سليم أن تقومي بزيارة والدته أنت شخصياً دون أن يكون عشيقك هذا مرافقاً لك ولا موجوداً معك، وتعربين لها عن رغبتك في الإسلام والتوبة من العلاقة المحرّمة والزواج من ابنها على شرع الله وحكمه.
وإذا كنت تقرين أن الإسلام يبيح الزواج من غير المسلمات العفيفات فلماذا لا تنتقلين إلى حياة العفّة والطهر وتمتنعين عن أي علاقة تخالف ذلك.
وقولك الصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبول الإسلام له معنى صحيح، وهو أنك ستسلمين ليس محبة في هذا الشخص ولكن محبة في الحقّ ومحبة لله الذي رضي الإسلام ديناً للبشر، وأدلّة هذا واضحة وبيّنة ولا تحتاج إلى قوة عاطفية تدفع. لأن الأدلة والبراهين على الحق كافية جداً.
ولا ننسى قبل أن نفارق هذا الجواب أن نثني على تلك العبارة التي وردت في سؤالك وهي قولك: " أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع اإيمان بالطرق النصرانية أبدا ". وهذا يدل على قربك من الحق جداً وأن قناعاتك تتكون بشكل سليم وعلى أن الحقّ والباطل لا يلتقيان عندك وهذه بشائر خير.
فاسألي الله الهداية إلى طريق الحق، وافتحي بصرك وبصيرتك للنور القادم، وفقك الله لسلوك طريق الهداية، والله أعلم.
للمزيد (33656، 20884، 2527) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/185)
حكم العقد على المرأة وهي حائض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز عقد النكاح إذا كانت البنت في فترة الدورة الشهرية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في ذلك الجواز ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس صحيح. ولا أعلم أحداً من أهل العلم حرّم ذلك أو كرهه. غير أن بعض الفقهاء يكره زفَّ المرأة لزوجها وقت الحيض لئلا يواقعها في ذلك فيبوء بالإثم.
وقد يلتبس على العامة حكم هذه المسألة بحكم الطلاق في الحيض، وليس بينهما جامع.
فالعقد على الحائض جائز اتفاقاً وطلاق الحائض المدخول بها حرام اتفاقاً.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ / سليمان بن ناصر العلوان(6/186)
هل يصح أن يكون والد الزوج شاهدا على عقد نكاحه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ عامين ولكن زواجي تم بالطريقة التالية: بعد مرور عامين على الخطبة قررنا كتابة العقد فذهبت مع والدي وخطيبتي آنذاك ووالدها عند العدول ولكن وجدنا موثقا واحدا وصاحبه كان غائبا مع العلم بأنه سيوقع هو وصاحبه على العقد والموثق الحاضر يعرف أبي، أخذ الموثق بكتابة العقد فسأل والد زوجتي عن الصداق وهل تسلمه فقال له بأنه تسلمه، في حين لم يتسلم سوى النصف وأمضينا على العقد، حين خرجنا لم أرتح لهذا فسألت والدي عن مدى مشروعية العقد حيث يجب حضور شاهدين ولم يكن سوى واحد فأجابني والدي بأن لا شيء في ذلك، فسكت وإلى الآن لم أقتنع بهذا، ولهذا أسال هل زواجي مشروع وهل فيه من محظور وهل يمكن اعتبار والدي كشاهد وإن كان غير مشروع فما هو الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقد المذكور صحيح، ويعتبر والدك شاهدا على نكاحك، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد القولين للإمام أحمد رحمهما الله.
انظر: "نهاية المحتاج" (6/218) ، "الإنصاف" (8/105) .
وذلك لأنه ليس وليا في النكاح، فصح أن يكون شاهدا، بخلاف والد الزوجة.
وقد اختار القول بالصحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقد قال بعد أن ذكر القول الأول في المسألة وهو عدم جواز شهادة أحد من أصول الزوجين أو فروعهما على النكاح (والمراد بالأصول هنا الآباء والأجداد، وبالفروع الأبناء وأبناؤهم) ، قال: "والقول الثاني: أن ذلك يصح، وهو أن يكون الشاهدان أو أحدهما من الأصول أو الفروع. . .
ثم قال:
فالصواب إذاً أنه يصح العقد، وهو رواية عن أحمد واختارها كثير من الأصحاب" اهـ. الشرح الممتع (5/163) .
ثم إنك قد ذكرت أنك متزوج من عامين، والغالب أنه يكون قد حصل إعلان للنكاح وإشهار له بمثل دعوة الناس وما أشبه ذلك مما اعتاده الناس الآن. وهذا يكفي لصحة النكاح، ولو لم يشهد عليه شاهدان عند بعض أهل العلم. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله: " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح، وإن لم يشهد شاهدان " اهـ.
الاختيارات (ص 210) .
وقد أخطأ والد الزوجة في قوله إنه تسلم الصداق والواقع أنه لم يتسلم إلا نصفه، لكن ذلك لا يؤثر على صحة عقد النكاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/187)
أبوها يرفض تزويجها بحجة إتمام الدراسة فهل تسقط ولايته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 17 سنة , أسلمت منذ سنة , أبي مسلم وأمي مسيحية. أبي لا يدعني أرتدي النقاب ويمنعني من الزواج بدعوى إتمام دراستي العليا لدرجة أني مرة فررت من المنزل , ولم أرجع إلا بتعهد أبي أمام إمام المسجد وبحضور شاهدين , أني أستطيع لبس النقاب وأتزوج بمن هو كفؤ لي إلا أن أبي لم يف بعهده وهو يمنعني حتى الآن من الزواج. وأحيطكم علما أنه يصلي تارة ويدعها أخرى، ويشرب أحياناً الخمر.
الآن سؤالي: هل تسقط ولايته عني لأني أريد الزواج وهناك من يخطبني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك ونبارك لك إسلامك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى.
ثانيا:
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب، واجب في أصح قولي العلماء، وقد بينا أدلة ذلك في الجواب رقم (11774) .
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته من ارتداء النقاب.
ثالثا:
إذا كان الأب متهاونا في الصلاة ويشرب الخمر أحيانا، فهو فاسق، وولايته للنكاح محل خلاف بين الفقهاء، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولاية الفاسق. وينظر: "نهاية المحتاج" (6/238) ، "الإنصاف" (8/73) ، "حاشة ابن عابدين" (3/55) ، "حاشية الدسوقي" (2/230) ، "منح الجليل" (3/289) .
وعلى القول بعدم ولايته، فإن الولاية تنتقل لمن بعده من العصبات. وأحق الناس بتزويج المرأة بعد أبيها: الجد، ثم ابنها، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم أبناؤهم، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم عمومة الأب، ثم السلطان (القاضي) .
انظر "المغني" (7/346) .
رابعا:
من منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه، كان عاضلا لها، تنتقل الولاية منه إلى من بعده.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (فلا تَعْضُلُوهُنَّ) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه. رواه البخاري.
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة، ولم يقدح فيه الولي بما يُبعده عن أمثالها ويُثْبت ما يدعيه، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها، فإن امتنع عن ذلك نُبّه إلى وجوب مراعاة جانب موليته، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله (10/97) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأَوْلى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أَكْفاء. ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوّجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخله فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148) .
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً: " وليت أنَّا نصل إلى درجةٍ تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خُلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها: زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها (أن تشكوه للقاضي) وهذا حقٌ شرعي. فليتنا نصل إلى هذه الدرجة، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك " انتهى نقلا عن "اللقاء الشهري" وينظر جواب السؤال رقم (10196) .
فإذا امتنع أبوك من تزويجك من الكفؤ الذي ترضينه، فإنه يكون بذلك عاضلا، وتنتقل الولاية إلى من بعده من العصبات حسب الترتيب الذي ذكرنا، فإن امتنعوا من تزويجك أو لم يوجدوا، انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي، وينوب عنه المركز الإسلامي في البلاد التي لا يوجد فيها قضاء شرعي.
ولا يجوز بحالٍ أن تتزوجي من دون ولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
نسال الله لك الثبات والتوفيق، ولوالدك الهداية والمغفرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/188)
أحبته وأحسن إلى يتمتها وأهلهما يرفضان زواجهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتبطت أنا وإنسان فاضل جداً بقصة حب شديدة ولكن أهله يرفضوني بشدة، السبب الأول في الرفض أني كنت متزوجة قبل ذلك وعندي طفلة، والسبب الآخر هو أني قد خدعتهم بكذبة كبيرة قبل ذلك ولكني ـ والله العظيم ـ أكفر عن هذه الكذبة الآن، وأدعو الله أن يسامحني وأن يسامحوني، وأنا الآن والحمد لله أصبحت أكثر التزاماً بالدين وارتديت النقاب وأحفظ كتاب الله ـ والحمد لله ـ
والسؤال الآن: هل يصح زواجنا بدون موافقة أهله؟ وهل زواجه بي يعتبر عقوقاً لهم؟ رغم أننا متحابَّين جدا، واعترف والحمد لله أن هذا الشخص غيَّر أشياء كثيرة بي وجعلني أكثر تديُّناً
وهل يجوز لي الزواج بدون ولي لأن والدي أيضا يصر علي موافقة أهله، أو يرفض أي شئ طالما أن أهله رافضين، مع العلم أن أبي يتركني ولا يسأل عنيَّ إلا نادراً، وهذا الرجل ـ جزاه الله كل خيرـ هو الذي يرعاني أنا وابنتي، ويعطي لنا كل الحب والأمان، ويعطي ابنتي اليتيمة مكانة الأب المتوفى، يعمل معها ما لم يعمله معها أهلها من حب ورعاية، سيدي الفاضل أنا وابنتي في حاجة شديدة لحبه ورعايته لنا. أرجو من سيادتكم الإفادة ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك ـ رعاك الله ـ يتضمن عدة أمور، بعضها توجه إليه السؤال، وبعضها يحتاج إلى التنبيه عليه:
فمما ورد السؤال عنه: سؤالك عن موافقة والدك: فلا بدَّ أن تعلمي أن الشرع قد اشترط الولي لصحة العقد لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي ". رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله (6 / 235) .
ولله تعالى الحكمة البالغة فيما شرعه من اشتراط الولي، منها أن الأصل في الرجال أنهم أكمل عقلاً وأدرى بالمصالح وأشد إطلاَّعاً على أحوال الرجال ومعرفة ما يناسب المرأة وأقدر على اتخاذ القرار، لاسيما وأن المرأة قد تغلبها عاطفتها وتغطي عليها، ولو فُرض وجود عائق في الولي لا يجعله أهلاً لتولي شئون موليته أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء وليس له عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً. (وراجعي في تفاصيل هذه المسألة السؤال رقم 7193 في الموقع) .
أما موافقة أهله: فإنها ليست شرطاً لصحة الزواج لأن الرجل هو ولي نفسه فزواجه لا يحتاج إلى موافقة أهله، وليس لهم أن يمنعوه من الزواج بغير سبب شرعي، أما مراعاته لرضاهم لا سيما الوالدين فهو أمر مستحسن، ويمكن الوصول إليه من خلال الإحسان إلى الوالدين، وإظهار ما يمكن أن يجعلهم يوافقون على اختياره، ويستعين على هذا بالدعاء والمناقشة بالحسنى وسلوك سبيل الإقناع الهادئ ويسعدنا أيتها السائلة أن نهنئكِ على ما منَّ الله به عليكِ من التوفيق إلى التقيُّد بالحجاب الشرعي، وما يسّره لكِ من حفظ كتابه الكريم، ونسأله أن يجعلنا وإيَّاك من العاملين به.
ونودُّ أن ننبهك أيتها الأخت الكريمة إلى بعض ما ذكرتيه في السؤال من قولك " بقصة حب شديدة "، " إننا متحابين جدا " , " يعطي لنا كل الحب " و " أنا وابنتي بحاجة شديدة لحبه "، فينبغي عليك أن تعلمي أن على المسلم والمسلمة أن يصون نفسه عن أسباب تعلُّق القلب بمن ليس زوجاً له، ومع التسليم بأن من المحبة ما لا يد للإنسان فيها، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي يقوم بها المرء مما يحصل بها زيادة التعلُّق، وهذه هي التي يتوجه إليها النهي، ومن أمثلة ذلك الحديث بين الرجل والمرأة الذي يترتب عليه تحرك لهذه العواطف والغرائز، وكالزيارات المتكررة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) . فإن هذه الأمور تحرم سداً للباب ودفعاً لما قد ينشأ عنها، ومن حكمة هذا ألاَّ يتعلق القلب بمن قد لا يتيسر له الزواج منه فيحصل في هذا الأمر من التعذُّب للطرفين ما يُعلم مثله من أحوال من المحبين في القديم والحديث، ويسبِّب هذا الأمر إشغالاً للقلب عن ما يجب عليه من محبة الله تعالى وطاعته. وقد أفاض في الكلام عن أضرار هذا التعلُّق ابن القيم في بعض كتبه ككتاب " الداء والدواء" و " إغاثة اللهفان " فيحسن أن ترجعي إليهما، ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم 9465.
والذي نوصيك به مادام الله تعالى قد وفقك للحجاب أن تُكمِّلي حجاب الثوب بحجاب القلب بأن تنظري بكل تجرُّد إلى العلاقة الحالية معه، وأن تبتعدي عن كل ما يُثير عندك التعلُّق به، من مثل التحدث معه أو زيارته لكم، أو نحو ذلك مما يكون محرماً أو مشتبهاً فيه، وأن يحرص هو ـ وهو على ما ذكرت ِمن التدُّين ـ أن يكون أشدَّ بعداً عن هذه الأمور؛ خشية دخول الشيطان بينكما.
أما إحسانه إلى ابنتك فنسأل الله أن يأجره عليه، ولكن يجب ألاَّ يلزم من ذلك محظور كدخوله عليكِ وليس معكِ غير ابنتك؛ لأن وجودها معك لا يزيل الخلوة المحرَّمة التي حذَّر منها النبي صلّى الله عليه وسلَّم بقوله (لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) . رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546. ويمكنك الرجوع إلى السؤال 2986.
أما ما ترجينه من خير في زواجك به، ورجاؤك أن يتم ذلك فإننا نوصيك بأمور:
1. الإكثار من صلاة الاستخارة حتى يختار لك مولاك سبحانه وتعالى الأصلح لك في أمر الدنيا والآخرة. ويمكنك مراجعة كيفيتها في السؤال رقم 2217.
2. الابتعاد عمّا تمت الإشارة إليه من أسباب التعلُّق، إذ إن من أهم ما يتوصل به العبد للمطلوب الذي يريده امتثاله لشرع الله وتقيُّده به.
3. السعي لتخفيف حَدِّة ما ورد ذكره في السؤال من هذه المحبة من خلال إدراك خطرها، وربط القلب بالله تعالى والتدبُّر في كلامه سبحانه الذي زيًّن الله قلبك بحفظه.
4. التقرُّب من والدك والإحسان إليه والحرص على برِّه، لعلّ ذلك أن يلِّين قلبه وأن يجعله يحرص على ما يكون فيه سعادتك واستقرارك.
5. الاعتذار إلى أهل الزوج ومعاملتهم بما يدلُّ على ندمك عمَّا بدر منكِ تجاههم لعل الله أن ييسر قبولهم بهذا الزواج، مما ييسر من أمر قبول أبيك.
6. تهيئة النفس وتوطينها على الرضا بما يقدِّره الله ـ ولو لم يكن محبوباً للنفس ـ وتوقُّع أشدِّها على النفس، كعدم تيسُّر الزواج مطلقاً، إذ من فوائد هذا التوطين للنفس ألاَّ تحدث صدمة عند وقوع ما لا يحبه الإنسان فتؤدي إلى إحباط أو ضعف في الإيمان، أو ظن سيئ بالله تعالى وحكمته.
7. الحرص على تنشئة هذه اليتيمة التي جعلها الله تحت يدك تنشئة إسلامية، والإحسان إليها، إذ في تربية اليتيم وكفالته من الأجر ما لعله أن يكون سبباً جالباً للبركة لكِ في وقتكِ والتوفيق في جميع أمورك.
نسأل الله تعالى أن يتمم عليك نعمه، وأن يثبت الإيمان في قلبك، وأن يوفقك لكل خير، وأن ييسر هذا الزواج إن كان الخير لكما فيه، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/189)
هل يتزوج بغير رضى والده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يتزوج الرجل بمن يعجبه دينها وخلقها ووالده غير راض عن ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يخطئ الابن في اختياره ذات الدين والخُلُق فهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للراغب في النكاح، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تُنكح المرأة لأربعٍ: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ".
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
وإليك نصيحة لوالدك ولك من فضيلة الشيخ ابن عثيمين تتعلق بموضوعك:
قال الشيخ – رحمه الله –:
هذا السؤال يقتضي أن نوجه نصيحتين؛ النصيحة الأولى لوالدك حيث أصرَّ على منعك من الزواج بهذه المرأة التي وصفتَها بأنها ذات خلق ودين، فإن الواجب عليه أن يأذن لك في تزوجها إلا أن يكون لديه سبب شرعي يعلمه ويبينه حتى تقتنع أنت وتطمئن نفسك، وعليه أن يقدِّر هذا الأمر في نفسه لو كان أبوه منعه من أن يتزوج امرأة أعجبته في دينها وأخلاقها، أفلا يرى أن ذلك فيه شيء من الغضاضة وكبت حريته؟ فإذا كان هو لا يرضى أن يقع من والده عليه مثل هذا فكيف يرضى أن يقع منه على ولده مثل هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
فلا يحل لأبيك أن يمنعك من التزوج بهذه المرأة بدون سبب شرعي، وإذا كان هناك سبب شرعي فليبينه لك حتى تكون على بصيرة.
أما النصيحة التي أوجهها إليك أيها السائل: فأنا أقول: إذا كان يمكنك أن تعدل عن هذه المرأة إلى امرأة أخرى: فإرضاء لأبيك وحثّاً على لمِّ الشمل وعدم الفرقة فافعل.
وإذا كان لا يمكنك بحيث يكون قلبك متعلقا بها وتخشى أيضا أنك لو خطبت امرأة أخرى أن يمنعك أبوك من زواجك بها – لأن بعض الناس قد يكون في قلبه غيرة أو حسد ولو لأبنائه فيمنعهم مما يريدون – أقول: إذا كنتَ تخشى هذا ولا تتمكن من الصبر عن هذه المرأة التي تعلَّق بها قلبك: فلا حرج عليك أن تتزوجها ولو كره والدك، ولعله بعد الزواج يقتنع بما حصل ويزول ما في قلبه، ونسأل الله أن يقدر لك ما فيه خير الأمرين.
" فتاوى إسلامية " (4 / 193، 194) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/190)
زوَّجها أخوها من غير رضا الأب ثم وافق بعد سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ عام، وقد كان أخي وليا عني، لأن أبي كان يعارض تزويجي. وبعد مرور عام، قبل والدي زواجي وهو سعيد بذلك. لكني أتريب أحيانا بخصوص صحة نكاحي وشرعيته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نوجه نصيحة للآباء.
الواجب على الآباء البِدَار بتزويج من لهم ولاية عليهم من النساء إذا تقدَّم لخطبتهن أحد، وكان كفؤاً ورضيت المرأة بذلك، ومن يخالف ذلك فإنما هو مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي (النكاح/1004) وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (865) ، ولا يجوز عضلهن لأي غرض من الأغراض التي لم يشرعها الله ورسوله.
والعضل كما عرَّفه ابن قدامة قال: وَمَعْنَى الْعَضْلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ , وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ. انظر المغني ج/7 ص/24، فينبغي على الأولياء التعجيل في تزويج مولياتهم وذلك لأن فيه حفاظاً لهن عن الوقوع فيما حرّمه الله، وحتى لا يقع الولي أيضاً فيما حرّمه الله من الإثم بالعضل. والأَصْلُ أَنَّ عَضْلَ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلايَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ ; لأَنَّهُ ظُلْمٌ , وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمِنْ تَرْضَاهُ , وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأَوْلِيَاءَ: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن َّ) البقرة/232
ثانيا:
الحكم في هذه المسألة له صورتان:
الصورة الأولى: إذا كان الوليّ الأقرب عاضلاً للمرأة ـ وتقدَّم تعريف العضل ـ فإنه يصح أن يزوِّج الولي الأبعد حتى مع وجود الأقرب لأنه يكون حينئذٍ لا ولاية له.
قال المرداوي: قَوْلُهُ (وَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ زَوَّجَ الأَبْعَدُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ.. . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ: إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا , لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ.
الإنصاف ج/5 ص/74
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَإِذَا رَضِيَتْ رَجُلا وَكَانَ كُفُؤًا لَهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا كَالأَخِ ثُمَّ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ , فَإِنْ عَضَلَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا , زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ مِنْهُ..
الفتاوى الكبرى ج/3 ص/83
قال ابن قدامة: إذَا عَضَلِهَا وَلِيُّهَا الأَقْرَبُ , انْتَقَلَتْ الْوِلايَةُ إلَى الأَبْعَدِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.. المغني لابن قدامة ج/7 ص/24
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا منع الأب تزويج بنته لكفء فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى.
فتاوى إسلامية ج/3 ص/149
الصورة الثانية: إذا زوَّج الأبعد مع وجود الولي الأقرب ولم يكن الولي عاضلاً لها:
قال المرداوي: (وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلأَقْرَبِ , أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ: لَمْ يَصِحَّ) الإنصاف ج/8 ص/82.
وقال البهوتي: (وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِلا قُرْبٍ) لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ... لأَنَّ الأَبْعَدَ لا وِلايَةَ لَهُ مَعَ الأَقْرَبِ. كشَّاف القناع ج/5 ص/56.
ويتفرَّع من هذه المسألة، ما إذا أجاز الولي الأقرب هذا النكاح فما حكمه؟
إن أجاز الوليّ الأقرب هذا النكاح هل تصحح إجازته النكاح أم لا؟!
قال العلماء: مَسْأَلَةٌ: (وَإِذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ , وَهُوَ حَاضِرٌ , وَلَمْ يَعْضُلْهَا , فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلاثَةٍ ; أَحَدُهَا , أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ , مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الأَقْرَبِ , فَأَجَابَتْهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ , لَمْ يَصِحَّ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ ; لأَنَّ هَذَا وَلِيٌّ , فَصَحَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا كَالأَقْرَبِ.
الْحُكْمُ الثَّانِي , أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ فَاسِدًا , لا يَقِفُ عَلَ الإِجَازَةِ , وَلا يَصِيرُ بِالإِجَازَةِ صَحِيحًا , ... وَالنِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ , فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى , أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ ; فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ , وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَسَدَ.
(إنْكَاحُ الْفُضُولِيِّ) والفضولي:
وهو َفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْفُضُولِيُّ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِكَوْنِ تَصَرُّفِهِ صَادِرًا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلا وَكَالَةٍ وَلا وِلايَةٍ. الموسوعة الفقهية ج/32 ص/171
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إنْكَاحِ الْفُضُولِيِّ مِنْ غَيْرِ وِلايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ منها:
لِلْحَنَابِلَةِ , وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: هُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ لا تُؤَثِّرُ فِيهِ إجَازَةُ الْوَلِيِّ. (أي لا بد من إعادة العقد من جديد) .
وَالثَّانِي: لأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ , وَأَبِي يُوسُفَ: وَهُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ , لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ , فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ , وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ.
الموسوعة الفقهية ج/32 ص/175
والخلاصة: أن بعض العلماء قد قال بصحَّةِ العقد إذا أجازه الوليّ ـ كما رأيت ـ وإن كنتِ تريدين مزيداً من الاطمئنَانِ والخروج من خلاف أهل العلم فأعيدوا عقد النكاح، ولا يلزم لذلك إلا الإيجاب من ولِّيك ـ وهو الأب ـ والقبول من الزوج، وشهادة رجلين مسلمين، مع التوبة بما حصل قبل ذلك.
ونسأل الله لك التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/191)
اعترض الأب على الزواج فما الحلّ
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال حول الزواج. إذا اعترض الأب على الزواج لأسباب عنصرية أو لأن المتقدم للزواج على منهج السلف، ولا يوجد قاض شرعي في المنطقة، مثل الكاريبي، فماذا يستطيع الشخص أن يفعل وفقا للقرآن والسنة؟
يتزوج أو لا يتزوج
من المهم جدا أن أحصل على إجابة عن هذا السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً: لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك واحمد مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:
" لا نكاح إلا بولي ". رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله (6 / 235) .
وقوله " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له ". رواه الترمذي (1102) وحسَّنه وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) .
ثانياً: فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً.
ثالثاً: إن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها لحديث " … فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له ". والسلطان هو الحاكم الشرعي.
والولي ليس له أن يعضل ويمنع المرأة من الزواج لهواه دون عذر شرعي.
عن الحسن، قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: زوَّجتُ أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوَّجتُك وفرشتُك وأكرمتُك فطلقتَها، ثم جئتَ تخطبها لا والله لا تعود إليك أبداً، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية {فلا تعضلوهن} ، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجها إياه. رواه البخاري (4837)
وفي رواية قال:
ففيّ نزلت هذه الآية: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ} [سورة البقرة /232] .
رابعاً: فإن عدم الولي والسلطان فيصير أمرها إلى الوالي أو من يقوم مقامه فإن عدم فإلى المحاكم الشرعية فإن عدمت فإلى رجل رئيس في قومه عدل في دينه. فإن عدم فأي رجل ثقة عدل يصلح أن يكون ولياً.
يقول ابن قدامة: فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أن يزوجها رجل عدل بإذنها. " المغني " 7 / 352.
ويقول الشيخ عمر الأشقر: إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقاً كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها. وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم. " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " (ص70) .
وكل ذلك يكون بشرط موافقه الفتاة وعدم ترتب مفاسد أعظم من منفعة زواجك منها وبشرط أن يكون سبب المنع غير شرعي كما أوضحت.
خامساً: ولا يحل للولي أن يرفض الزوج لأنه ليس على منهجه في الدعوة! أو لأنه ليس من قبيلته أو أهل بلده، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج أهل الدين وعدم رفضهم وإلا ترتب على ذلك المنع مفاسد وفتن.
فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) وصححه الألباني رحمه الله في " السلسلة الصحيحة " (1022) .
سادساً: وكذلك لا يجوز للمرأة أن تسوغ لنفسها التزوج بمن تشاء بحجة أن هذا على منهجها في الدعوة، فيكفيها أن يكون المتقدم لها صاحب دين وخلق.
وليراقب الجميع ربهم تبارك وتعالى.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/192)
زواج المسلم من نصرانية ولم يكن نصرانيا من قبل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للمسلم أن يتزوج من نصرانية كاثوليكية بدون أن يصبح نصراني أو أن يكون نصرانيا سابقا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوّج كافرا أبدا مهما كانت ديانته لقوله تعالى (ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) . ويجوز للمسلم أن يتزوج امرأة نصرانية إذا كانت عفيفة وذلك لقوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) .
ونعيد تذكير المسلمين في الخارج بأنّ عليهم أن يتريّثوا ويفكّروا مليا إذا ما أرادوا الإقدام على خطوة كهذه وإن كانت في الأصل مباحة، لأنّ احتمال تنصّر أولادهم وارد جدا وخصوصا إذا كان القانون مع الأم الكافرة، والواقع مليء بمآسٍ كثيرة.
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/193)
يدعي الإسلام ولكن لا يطبقه ومستعد للتعلم فهل تتزوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن أتزوج رجلاً لا يعرف عن الإسلام شيئ ووالداه مسلمان ولم يعلماه دينه واحتفظا بإسلامهما لنفسيهما ولكن هذا الشخص عندما يكلمه أحد عن الدين يكلمه بسعادة وشغف ويطبق ما عرف عندي شغف بديني رغم أنني لست متعمقة في الإسلام عارفة جداً واحب هذا الشخص جداً وأعتقد أنني بعد الزواج سوف أضعه على الطريق الصحيح إن شاء الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
فأجاب حفظه الله بقوله:
إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد أسلم، فتحل له. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(6/194)
تحب رجلاً من غير أهل السنة وتريد الزواج منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف رجلا شيعيا يحبني كثيرا ويريد أن يتزوجني زواج دائم وليس زواج متعة، أعرف أن معتقد الشيعة مختلف عن معتقد السنة فناقشت هذا معه ووافق على أن يبحث عن الفروق بين المعتقدين، وأتمنى أن هذه الطريقة سوف تمكنه من أن يكتشف بنفسه الطريق الصحيح.
المشكلة أنني لم أستطع العثور على موقع على الإنترنت يزودني بمعلومات عن هذا الموضوع ويوضح الفروق ولا يتهم الشيعة مباشرة بأنهم مخطئين.
أتمنى أن أتحدث مع شخص عن هذا الموضوع لأن عندي أسئلة كثيرة وأحتاج مساعدة وأتمنى أن أتحدث مع شخص ما أو أن أحصل على مصدر يسهل عليه البحث ولا يجعله متهما أو أن يحط من قيمة مذهبه.
أعتقد أن الحديث معه بأسلوب جيد وبلطف تجعله أكثر قابلية للقبول والسماع من محاولة إقناعه بأنه على خطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحن معشر أهل السنة نحب الخير للجميع، ونسأل الله تعالى أن يهدي كل ضال، ويثيب كل مطيع، ونرجو الله أن يهدي أولئك الرافضة..
إن الفروق بين مذهب أهل السنة والرافضة جذرية وكبيرة جداً منها أن الرافضة يقولون بتحريف القرآن الكريم، ويطعنون ويضللون جمهور الصحابة رضي الله عنهم، ويغلون في أئمتهم ويعبدونهم، ويفضلونهم على الأنبياء والملائكة، ويحجّون إلى المشاهد والقبور، ويمارسون عندها أنواعاً من الشرك بالله تعالى، كما يعتقدون بالنفاق ويسمونها (التقية) ، كما يقولون بالبداء والرجعة والعصمة المطلقة للأئمة، وعقيدة الطينة.. وننصحك بقراءة رسالة الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب أو كتاب مختصر التحفة الأثني عشرية للدهلوي، أو فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة لناصر القفاري، وننصحك بعدم التفكير بالزواج منه.. ومن ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، نسأل الله لك التوفيق والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
ونذكّرك بالامتناع عن إقامة العلاقة مع الرجال الأجانب كما تجدين توضيحه في سؤال رقم 1114و9465و2005، نسأل الله أن يوفقك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد آل عبد اللطيف(6/195)
اختيار الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهم الأمور التي على أساسها تختار الفتاة زوجها وهل رفض الزوج الصالح لأغراض دنيوية يعرضها لعقوبة الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهم الأوصاف التي ينبغي للمرأة أن تختار الخاطب من أجلها هي الخلق والدين أما المال والنسب فهذا أمر ثانوي لكن أهم شيء أن يكون الخاطب ذا دين وخلق لأن صاحب الدين والخلق لا تفقد المرأة منه شيئاً إن أمسكها أمسكها بمعروف وإن سرحها سرحها بإحسان ثم إن صاحب الدين والخلق يكون مباركاً عليها وعلى ذريتها. تتعلم منه الأخلاق والدين أما إن كان غير ذلك فعليها أن تبتعد عنه ولا سيما بعض الذين يتهاون بأداء الصلاة أو من عرفوا بشرب الخمر والعياذ بالله.
أما الذين لا يصلون أبداً فهم كفار لا تحل لهم المؤمنات ولا هم يحلون لهن والمهم أن تركز المرأة على الخلق والدين، أما النسب فإن حصل فهذا أولى لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) .
ولكن إذا حصل التكافؤ فهو أفضل.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى المرأة.(6/196)
كان مترددا في استمرار الزواج عند عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لدي تردد شديد أيام خطوبتي، ولظروف السفر استعجلت العقد، وبعد تحديد يوم العقد والاتفاق مع أهل زوجتي ودعوة الناس تجدد التردد لدي، وطلبت من زوجتي إلغاء العقد، ولكن الوقت كان غير مناسب، وذهبت للعقد وأنا مضطر، ونويت أن أتم العقد الآن، وبعد السفر أقرر أن أكمل معها أو أنفصل رسميا. ولكن بعدما سافرت اشتقت لها جداً وشعرت بقيمة من ارتبطت بها، ونزلت بعد سنة، وتم البناء. فهل الرضا شرط في صحة العقد حيث لم أكن راضيا عند العقد، وكنت مترددا وخائفا من المستقبل، ولكن عند البناء كنت راضيا، أرجو إفادتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الحيرة والشك وعدم القناعة التامة لا تأثير لها في صحة عقد النكاح، إذا توفرت فيه أركانه وشروطه من اللفظ القائم على الإيجاب من ولي المرأة والقبول من الزوج، ووجود الشهود.
وينظر جواب السؤال (2127) .
والرضا أمر قلبي لا يمكن الاستدلال عليه إلا باللفظ أو الفعل الدال على ذلك، والأحكام إنما تُبنى على الظاهر، وبما أنك قد أتممت عقد النكاح ولم يصدر منك ما يدل على عدم الرضا، فهو عقد صحيح.
ولا عبرة بما كان في نفسك من تردد في استمراره بعد ذلك أو لا.
قال ابْنُ الْقَيِّمِ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ الأَْلْفَاظَ بَيْنَ عِبَادِهِ تَعْرِيفًا وَدَلاَلَةً عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ مِنَ الآْخَرِ شَيْئًا عَرَّفَهُ بِمُرَادِهِ وَمَا فِي نَفْسِهِ بِلَفْظِهِ، وَرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الإِْرَادَاتِ وَالْمَقَاصِدِ أَحْكَامَهَا بِوَاسِطَةِ الأَْلْفَاظِ.
وَلَمْ يُرَتِّبْ تِلْكَ الأَْحْكَامَ عَلَى مُجَرَّدِ مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ غَيْرِ دَلاَلَةِ فِعْلٍ، أَوْ قَوْلٍ، وَلاَ عَلَى مُجَرَّدِ أَلْفَاظٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا لَمْ يُرِدْ مَعَانِيَهَا وَلَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا، بَل تَجَاوَزَ لِلأُْمَّةِ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَل، أَوْ تُكَلِّمْ بِهِ.
فَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَصْدُ وَالدَّلاَلَةُ الْقَوْلِيَّةُ أَوِ الْفِعْلِيَّةُ: تَرَتَّبَ الْحُكْمُ، هَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَدْل اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنَّ خَوَاطِرَ الْقُلُوبِ وَإِرَادَةَ النُّفُوسِ لاَ تَدْخُل تَحْتَ الاِخْتِيَارِ ".
انتهى من " إعلام الموقعين" (3 /105) .
ثم إنك ذكرت أنك نويت أن تتم العقد ثم بعد السفر تقرر، هل تكمل معها أم لا؟ وهذا معناه أنك رضيت بإتمام العقد.
فالحاصل: أن العقد صحيح، ولا يؤثر فيه ترددك في استمرار العلاقة في المستقبل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/197)
وقت وليمة النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقبل على الزّواج إن شاء الله، وأريد أن أطبّق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بأداء وليمة الزواج. وسؤالي هو: متى يدخل وقتها؟ وكم هو العدد المحدد لها؟ علما أنه في بلادنا يتم دعوة وإطعام المدعوين قبل عقد الزواج، فهل تعد هذه وليمة، وهل تسقط بذلك عن صاحبها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
الأفضل فعلُ وليمة النكاح بعد الدخول اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتيسر ذلك فلا حرج من فعلها قبل الدخول، أو عند العقد أو بعده.
والأمر في هذا واسع، ومراعاة الإنسان ما جرى عليه عمل أهل بلده أولى، لعدم وجود نص شرعي يدل على إيجاب أو استحباب فعلها في وقت محدد.
قال الحافظ ابن حجر: "وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي وَقْتهَا، هَلْ هُوَ عِنْد الْعَقْد، أَوْ عَقِبه، أَوْ عِنْد الدُّخُول، أَوْ عَقِبه، أَوْ مُوَسَّع مِنْ اِبْتِدَاء الْعَقْد إِلَى اِنْتِهَاء الدُّخُول، عَلَى أَقْوَال" انتهى.
"فتح الباري" (9/230) .
وقال الصنعاني:
"وصرح الماوردي من الشافعية بأنها عند الدخول.
قال السبكي: والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها بعد الدخول.
وكأنه يشير إلى قصة زواج زينب بنت جحش، لقول أنس: أصبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم عروساً بزينب، فدعا القوم.
وقد ترجم عليه البيهقي (باب: وقت الوليمة) ". انتهى من " سبل السلام" (1/154) .
وحديث أنس رواه البخاري (4793) ومسلم (1428) بلفظ: (أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ ... )
وفي لفظ للبخاري (5166) : (أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنْ الطَّعَامِ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ووقت الوليمة في حديث زينب وصفته، يدل على أنه عقب الدخول". انتهى من "الاختيارات العلمية " ص 346.
وقال الحافظ ابن حجر: "وَحَدِيث أَنَس صَرِيح فِي أَنَّهَا بَعْد الدُّخُول؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ: (أَصْبَحَ عَرُوسًا بِزَيْنَب فَدَعَا الْقَوْم) .
وَاسْتَحَبَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة أَنْ تَكُون عِنْد الْبِنَاء وَيَقَع الدُّخُول عَقِبهَا، وَعَلَيْهِ عَمَل النَّاس الْيَوْم ". انتهى.
" فتح الباري " (9/231) .
وقال المرداوي: " الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ مُوَسَّعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ إلَى انْتِهَاءِ أَيَّامِ الْعُرْسِ.
لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا، وَكَمَالِ السُّرُورِ بَعْدَ الدُّخُولِ، لَكِنْ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِعْلَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِيَسِيرٍ " انتهى.
" الإنصاف " (8 /317) .
وقال البخاري: " بَاب حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ، وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ، وَلَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ ".
قال الحافظ: " أَيْ لَمْ يَجْعَل لِلْوَلِيمَةِ وَقْتًا مُعَيَّنًا يَخْتَصّ بِهِ الْإِيجَاب أَوْ الِاسْتِحْبَاب، وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ الْإِطْلَاق ".
وقال الدَّميري: " لَمْ يَتَعَرَّضْ الْفُقَهَاءُ لِوَقْتِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، قَالَ الشَيْخُ [يقصد السبكي] : وَهِيَ جَائِزَةٌ قَبْلَهُ، وَبَعْدَهُ، وَوَقْتُهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ ".
"النجم الوهاج" (7/393) .
وقال ابن طولون: " والأقرب: الرجوع إلى العرف ". انتهى من "فص الخواتم فيما قيل في الولائم" صـ 44.
وقال الشيخ صالح الفوزان: " ووقت إقامة وليمة العرس موسع، يبدأ من عقد النكاح إلى انتهاء أيام العرس " انتهى من " الملخص الفقهي" (2/364) .
ثانياً:
ليس لعدد المدعوين لوليمة النكاح حدٌ معين، بل ذلك راجع إلى قدرة الشخص وطاقته.
قال ابن بطال: " الوليمة إنما تجب على قدر الوجود واليسار، وليس فيها حدٌّ لا يجوز الاقتصار على دونه ". انتهى من " شرح صحيح البخاري" (13 /283) .
وقال: " كل من زاد في وليمته فهو أفضل؛ لأن ذلك زيادة في الإعلان، واستزادة من الدعاء بالبركة في الأهل والمال " انتهى من " شرح صحيح البخاري" (13 /282) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/198)
حكم قراءة الفاتحة على نية التوفيق في الخطبة أو الشراكة أو غير ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة الفاتحة على نية التوفيق: 1- عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما. 2-عند الخطبة. 3- في المعاملات التجارية. 4- في باقي الحالات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشرع قراءة الفاتحة عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما أو عند الخِطْبة أو في المعاملات التجارية أو غير ذلك من الأمور، بل هذا من البدع المحدثة، ولم يكن من فعل سلفنا الصالح، من الصحابة والتابعين، ولو كان خيراً، لكانوا أسبق الناس إليه.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (19/146) :
"قراءة الفاتحة عند خِطْبة الرجل امرأة أو عقد نكاحه عليها بدعة" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
قراءة الفاتحة عند عقد الزواج حتى قد أصبح البعض يطلق عليها قراءة الفاتحة وليس العقد فيقول قرأت فاتحتي على فلانة هل هذا مشروع؟
فأجاب: "هذا ليس بمشروع، بل هذا بدعة، وقراءة الفاتحة أو غيرها من السور المعينة لا تقرأ إلا في الأماكن التي شرعها الشرع، فإن قرأت في غير الأماكن تعبداً فإنها تعتبر من البدع، وقد رأينا كثيراً من الناس يقرؤون الفاتحة في كل المناسبات حتى إننا سمعنا من يقول: اقرءوا الفاتحة على الميت، وعلى كذا وعلى كذا، وهذا كله من الأمور المبتدعة ومنكرة؛ فالفاتحة وغيرها من السور لا تقرأ في أي حال وفي أي مكان وفي أي زمان إلا إذا كان ذلك مشروعاً بكتاب الله أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا فهي بدعة ينكر على فاعلها" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/95) .
والمشروع فيما يتعلق بأمر الزواج أو غيره من الأمور التي يريد الإنسان فعلها أن يستشير أهل الخبرة والمعرفة، ثم إذا هم بالأمر استخار الله تعالى، ثم يعزم على ما يريد فعله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/199)
وجوب توثيق عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: في بلادنا: إذا مات الزوج يكون من حق الزوجة الانتفاع بعائد مادي يسمى (المعاش) .. لكن إذا تزوجت بآخر تقطع الدولة هذا المعاش عنها..بعض الأرامل يلجأن إلى عدم توثيق الزواج حتى تحفظ معاشها من الزوج الأول.. وهذا الزواج غير الموثق يكون بولي وشهود (معلن) .. لكن لا يترتب عليه أي حقوق للزوجة عند الدولة.. فلو مات زوجها لا ترثه ولو طلقها ليس لها نفقة فالدولة لا تعترف بهذا الزواج سوى في قضايا النسب.. ونحن لسنا في مجتمع القبيلة حتى تضمن القبيلة الحقوق.. أعرف أن المعاش الذي تأخذه الزوجة حرام.. لكن ما حكم هذا الزواج غير الموثق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان المعاش تصرفه الدولة للأرملة فقط وينقطع بزواجها، فلا يجوز التحايل على ذلك؛ لأنه من أكل المال بالباطل، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29.
ثانياً:
يشترط لصحة الزواج: رضا الزوجين، وحضور ولي المرأة، وشاهدين عدلين من المسلمين، وخلو الزوجين من الموانع.
فإذا توفر هذا، وحصل العقد بالإيجاب والقبول من الولي والزوج، فقد تم النكاح.
وأما توثيقه في المحكمة فلأجل حفظ الحقوق وقطع النزاع.
والذي يظهر لنا أن هذا التوثيق واجب الآن، لفساد الذمم، ورقة الدين، ولما يترتب على تركه من ضياع الحقوق كالإرث والمهر المؤخر والنفقة والولاية على الزوجة وعلى أولادها. ثم إنه قد يسيء الرجل إلى زوجته ويضر بها ثم يأبى طلاقها، فتظل معلقة لا يمكنها شرعا الزواج من غيره، ولا يمكنها اللجوء للمحكمة لتجبر زوجها على تطليقها.
وقد تنحرف الزوجة فتميل إلى آخر فتتزوج به تاركة زوجها الذي لا يملك إرجاعها إليه.
وقد وجد من أصحاب القلوب المريضة والضمائر الخاوية من تزوج بلا توثيق ثم تبرأ من الزوجة وأولادها فلم ينسبهم إليه.
وأمام هذه المفاسد يظهر وجه القول بوجوب التوثيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/200)
هل يعقد النكاح وقد توفي والد الفتاة ولا تزال أمها في الإحداد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي عقد قراني (بدون مظاهر الفرح) على فتاة وعائلتها في حزن لفقدان ربّ الأسرة، أي أن فترة عِدة والدتها لم تنقضِ بعد (عند موعد العقد يكون قد مرّ 3 أشهر على وفاة والدها) . العقد متفق عليه ومبرمج قبل وفاة والدها، هل أؤجله؟ علما أني مغترب عن بلدي ويشق علي ترتيب العقد في وقت لاحق لظروف العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن تعقد الزواج على هذه الفتاة ولو كانت أمها لا تزال في عدة الوفاة، لعدم ما يمنع من ذلك شرعا، ولا يشترط في العقد حصول مظاهر الفرح، إذ يكفي حضور الولي والشاهدين، لكن ينبغي مراعاة مشاعر الفتاة وأسرتها، فإن كان هذا لا يؤذيهم، ولا ينغص عليهم فرحهم، فالحمد لله، وإلا فينبغي تأجيل العقد حتى يذهب حزنهم على مصابهم، وتتمكن الأم من أخذ زينتها في عقد ابنتها إن رغبت في ذلك، ومعلوم أن المرأة في عدة الوفاة تمنع من لبس الحلي والتزين والتطيّب، وينظر جواب السؤال رقم (13966) .
والحاصل: أنه لا مانع من جهة الشرع في إجراء العقد في مثل هذه الحال، إذا رضيت الفتاة وأهلها، ولم يسبب لهم ذلك ضررا وأذى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/201)
حكم إجراء عقد النكاح بالهاتف، وماذا يترتب عليه من أحكام لمن فعله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم التكرم بإجابتي على سؤالي حيث أني في أمس الحاجة إلى مساعدتكم بسرعة الإجابة 1) تزوجت امرأة مسلمة كانت تعمل عندنا بالبيت، وذلك بعد موافقتها - لدرء الكثير من أبواب ومصادر الفتن – وبمباركة من زوجتي المقبلة على عملية جراحية – حيث كانت هي من تبنى الفكرة -؛ فتم إحضار شاهدين في وجودها، وتم كتابة العقد، وتحديد المهر، ثم تم الاتصال بولي أمرها – والدها - في بلدها البعيد، ولم نجده، ووجدنا أختها، فأخبرتْنا بموافقتها على ذلك، ووعدت بإخبار والدها - الذي حسب قولها لا مانع لديه من إتمام الزواج -، وتم توقيعها على عقد الزواج، وتوقيع الشاهدين، وتسليمها المهر، وأجَّلتُ الدخول بها لحين سماع رأي والدها، إلا أنني لم أرتح، وواصلت أنا والشاهدان الاتصال بوالدها، دون جدوى، وبعد يومين أعطتنا هي رقم تلفون آخر، وتم الاتصال، وأعطتني الهاتف، وأخبرتني أن الذي على الخط هو والدها، فطلبتُ منه رأيه في الموضوع، فوافق بقوله " حلال، حلال "، ثم أعطيتها الهاتف وهي في غاية السعادة، وبحضور زوجتي الأولى التي باركت الأمر، وفي تلك الليلة تم الدخول بها، وسارت الأمور على طبيعتها، وفي ظهر اليوم التالي: أحضرتْ هذه المرأة إلى زوجتي الأولى صورة لزوجها السابق الذي توفي قبل 3 أعوام، وقالت: " حرام، حرام "، وفي اعتقادها أن زواجها بي يعد خيانة لزوجها السابق! ، ثم أخبرتني أن الشخص الذي هاتفني ليس والدها بل زوج أختها!! ومن ذلك الحين وأنا في حيرة من أمري، ثم حصلت مشكلة بين زوجتي الأولى وبينها، وعزمت زوجتي الأولى على مغادرة البيت وعدم الرجوع إلا إذا طلقت هذه المرأة، فكررتُ ثلاثاً أمامها - وأنا مكره -: " والله إن " فلانة " طالق، والله إن " فلانة " طالق، والله إن " فلانة " طالق "، وبعد أن هدأت زوجتي الأولى ذهبنا سويا إلى هذه المرأه وقلت لها: " أنتِ طالق، طالق "، ولم أكمل الثالثة، فلم تفهم لغتي، وسألت زوجتي الأولى عن معنى هاتين الكلمتين، ففسرت لها. فما حكم كل ما جرى – يا فضيلة الشيخ – " الزواج، الطلاق، استحقاقها للمهر - حيث إنها طلبت مني إرساله لوالدها، وأضاعت رقم حسابها -. 2) نصحني أحد الإخوة بإرسال شخص من بني جنسها إلى بلادها؛ ليتصل بأهلها، ويأخذ الموافقة من والدها شخصيّاً، وأعلم أحد الإخوة الفاضل الدعاة مسافراً إلى هناك، وهو من نفس جنسية هذه المرأة، فهل أكلفه بالمهمة - علماً بأنه أحد الشهود على العقد -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن عقد النكاح الذي تم بينك وبين تلك المرأة باطل شرعاً، ومن شروط النكاح: موافقة ولي المرأة، وهو هنا لم يكن أثناء كتابة العقد، وهذا يفسده، ويجعله باطلاً.
وما حصل من اتصال بعد كتابة العقد: لا يستفاد منه؛ لأن الولي هو الذي يزوِّجك، وليس يُطلب منه الموافقة على العقد بعد إتمامه.
هذا، مع العلم بأنه لو تمَّ عقد النكاح بالهاتف ابتداء، وأخذتم موافقته على العقد قبل إنشائه ما كان العقد صحيحاً! فكيف أن يتم أخذ موافقته بعده؟! ؛ وذلك أن إجراء عقد النكاح بالهاتف تعتريه أشياء يمكن أن ترجع عليه بالفساد، وعقد الزواج ميثاق غليظ، وهو كلمة الله، به تُستحل الفروج المحرَّمة، ويثبت به النسب، فلا يمكن لمثل هذه العقود أن تُجرى بالهاتف الذي لا يُطلَّع على حقيقة أمر الولي فيه، فقد يكون سفيهاً، أو مجنوناً، أو غير مسلم، أو يقلِّد أحد صوته، أو يُزعم بأنه هو الولي وليس الأمر كذلك، وقضيتك هذه تؤكد مثل هذا المنع، ولذلك كان الصواب في منع إجراء عقود النكاح بالهاتف.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
إذا توفرت أركان النكاح، وشروطه، إلا أن الولي والزوج كلٌّ منهما في بلد، فهل يجوز العقد تليفونيّاً، أو لا؟ .
فأجابوا:
نظراً إلى ما كثُر في هذه الأيام من التغرير، والخداع، والمهارة في تقليد بعض الناس بعضاً في الكلام، وإحكام محاكاة غيرهم في الأصوات، حتى إن أحدهم يقوى على أن يمثل جماعة من الذكور، والإناث، صغاراً، وكباراً، ويحاكيهم في أصواتهم، وفي لغاتهم المختلفة محاكاة تلقي في نفس السامع أن المتكلمين أشخاص، وما هو إلا شخص واحد، ونظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بحفظ الفروج، والأعراض، والاحتياط لذلك أكثر من الاحتياط لغيرها من عقود المعاملات: رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب، والقبول، والتوكيل على المحادثات التليفونية؛ تحقيقاً لمقاصد الشريعة، ومزيد عناية في حفظ الفروج، والأعراض، حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش، والخداع.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 91) .
وسئل الشيخ عبد العزيز الراجحي
هل يجوز عقد النكاح عن طريق الهاتف؟ .
فأجاب:
لا، لا يجوز عقد النكاح في الهاتف؛ لأن عقد النكاح لا بد فيه من أربعة: الولي، والزوج، والشاهدان، ولا يمكن أن يجتمعوا في الهاتف، ولا يكفي معرفة الصوت؛ لأنه قد يتكلم في الهاتف من لا يكون وليّاً، وقد يقبل من ايكون زوجاً، وقد يتكلم من الشهود من لا يكون عدلاً، وقد يكون الواحد يغير الصوت فهو الولي، وهو الشاهد، المقصود: أنه لا يجوز عقد النكاح في الهاتف، لا بد من حضور الأربعة في المجلس: الولي، والزوج، والشاهدان العدلان.
" فتاوى الشيخ عبد العزيز الراجحي " (1 / 53) – ترقيم الشاملة -، رقم الفتوى: (1726) .
وهو نفس الأمر الذي انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي، بجدة.
انظر: فقه النوازل، للدكتور محمد بن حسين الجيزاني (3/106-107) .
وكلام العلماء هنا متقن غاية الإتقان، وأنت ترى واقع مخالفته في قضيتك، فلا الولي تكلم أمام الشهود بالموافقة، ولا أنتم عرفتم – أصلاً – أنه وليها، ثم إن الذي زعم لكم أنه هو الولي قد أنكر ذلك، وليس إثباته مقدماً على نفيه! .
وعلى كل حال: فالعقد باطل أصلاً، ويلزمكم جميعاً التوبة والاستغفار من فعلكم ذاك، ويجب عليك دفع المهر كاملاً لها، وما وقع بعد ذلك من طلاق: فقد وقع في غير محله، وهو لا قيمة له.
وإذا أردت الزواج بها نفسها: فيمكنك ذلك، وعلى الولي الحضور شخصيّاً، أو يمكنه أن يوكِّل من يقوم مقامه، وليكن صاحبك الداعية الذي من بني جنسه، ليتأكد من هويته، وعقله، ودينه.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ويجوز التوكيل في عقد النكاح في الإيجاب والقبول ; لأن " النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل عمرو بن أمية , وأبا رافع , في قبول النكاح له "؛ ولأن الحاجة تدعو إليه , فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد , لا يمكنه السفر إليه , فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة , وهي يومئذ بأرض الحبشة.
ويجوز التوكيل في الطلاق , والخلع , والرجعة , والعتاق ; لأن الحاجة تدعو إليه , كدعائها إلى التوكيل في البيع والنكاح.
" المغني " (5 / 52) .
وننبه إلى أن ما ذكرناه في جواب السؤال رقم (2201) عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه لا يخالف ما قررناه هنا – وهو من الموقعين على فتوى اللجنة الدائمة التي نقلناها هنا – حيث ذكر أن الولي أظهر موافقته أمام الشهود بمكبر الصوت، وهو الذي قام بالتزويج، بل ظاهر السؤال أن هناك معرفة سابقة بين أطراف العقد، بحيث يؤمن ـ هناك ـ الإيهام أو التلاعب.
إلا أن ما ذكرناه من المنع مطلقا هو الذي ينبغي أن يُفتى به؛ قطعاً لدابر التلاعب من أصله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/202)
عقد النكاح في السفارة بشهادة اثنين من غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت في بلد غير بلاد المسلمين في سفارة البلد التي منها الزوجة ليكون لها ولي ولكن الشهود كانوا غير مسلمين فهل يجوز زواجي على ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة النكاح: شهادة شاهدين عدلين من المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " لا ينعقد النكاح إلا بشهادة مسلمين , سواء كان الزوجان مسلمين , أو الزوج وحده. نص عليه أحمد. وهو قول الشافعي.... لقوله عليه السلام: (لا نكاح إلا بولي , وشاهدي عدل) " انتهى من "المغني" (7/7) باختصار وتصرف.
وجمهور العلماء على اشتراط الشهادة لصحة النكاح، إلا أن المالكية ذهبوا إلى جواز تأخير الشهادة إلى ما قبل الدخول، ولا يجب أن تكون وقت العقد، وعليه فلو شهد اثنان من المسلمين الآن على نكاحكما، قبل الدخول، صح. وينظر: "حاشية الدسوقي" (2/216) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الشهادة ليست شرطا، بل يكفي إعلان النكاح، فحيث اشتهر النكاح وأعلن، صحَّ ـ وهو قول الزهري والإمام مالك.
وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. ينظر: "الشرح الممتع" (12/94) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان. وأما مع الكتمان والإشهاد: فهذا مما ينظر فيه.
وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا لا نزاع في صحته.
وإذا انتفى الإشهاد والإعلان: فهو باطل عند عامة العلماء. وإن قُدّر فيه خلاف فهو قليل " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ص 177.
وعليه: فإن كان النكاح قد أعلن واشتهر، فهو صحيح، لكن الأولى إعادة عقد النكاح، بحضور الولي وشاهدين عدلين من المسلمين، بناء على قول الجمهور.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/203)
سافر أبوها فزوجها الجد وهي كارهة، فهل يصح العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: فتاة سافر والدها إلى بلد آخر، وبعد سفره زوجها جدها لأبيها وهي كارهة ولم يخبر والدها , وزعم الجد أن الأب موافق وتم الزواج , وعندما علم والدها رفض الزواج وعزم على تطليقها , ثم بعد عودته تراجع وأقرت الفتاة ذلك الزواج، لكن بعد فترة طويلة من البناء بها , فهل يصح هذا العقد؟ وما حكم الفترة التي كانت رافضة فيها الزواج , وهل يحق لجدها تزويجها دون علم أبيها؟ وماذا عليهم الآن وقد مر على هذا الزواج سنوات عديدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده الولي أو وكيله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وولي المرأة هو: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها وابنه (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناؤهم، ثم أعمامها، ثم أبناء الأعمام، ثم أعمام الأب، ثم السلطان. ينظر "المغني" (9/355) .
وليس للولي الأبعد أن يزوج مع وجود الولي الأقرب، وإمكان حضوره أو توكيله.
وإذا زوج الأبعد عند غياب الولي الأقرب، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إن غاب غيبة منقطعة، جاز للأبعد تزويجها، ومنهم من قال: إن لم تمكن مراجعة الولي الأقرب وخيف فوات الخاطب الكفء زوجها الأبعد، ومنهم من قال: لا يزوجها الولي الأبعد بحال، بل يزوجها السطان.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (31/322) : " لا يصح النكاح بغير ولي عند الجمهور، ويراعى في النكاح ولاية الأقرب فالأقرب , واختلفوا فيما إذا غاب الأقرب:
فقال الحنفية والحنابلة: إنه إذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج، فإذا غاب الأب مثلا زوجها الجد , وهو مقدم على السلطان , كما إذا مات الأقرب.
وحد الغيبة المنقطعة عند الحنفية هو أن يكون في بلد لا تصل إليها القوافل في السنة إلا مرة واحدة , وهو اختيار القدوري , وقيل: أدنى مدة السفر ; لأنه لا نهاية لأقصاه , وقيل: إذا كان بحال يفوت الخاطب الكفء باستطلاع رأي الولي.
وذهب الحنابلة إلى أن الغيبة المنقطعة هي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة , قال البهوتي نقلا عن الموفق: وهذا أقرب إلى الصواب ... وتكون الغيبة المنقطعة فوق مسافة القصر , لأن من دون ذلك في حكم الحاضر.
أما المالكية فقد نصوا على أن الولي المجبر الأقرب إذا كان غائبا غيبة بعيدة زوج الحاكم ابنة الغائب المجبرة , دون غيره من الأولياء , ولا يجوز تزويجها في غيبة قريبة , لا للحاكم ولا لغيره من الأولياء بغير إذن الولي المجبر وبدون تفويضه , حتى إنهم قالوا: يفسخ النكاح أبدا إذا زوج الحاكم أو غيره من الأولياء , ولو أجازه المجبر بعد علمه , ولو ولدت الأولاد.
وقال الشافعية: لو غاب الولي الأقرب نسبا أو ولاء إلى مرحلتين ولا وكيل له بالبلد , أو دون مسافة القصر , زوج سلطان بلد الزوجة أو نائبه , لا سلطان غير بلدها , ولا الأبعد على الأصح " انتهى مختصرا.
وقال في "زاد المستقنع": " فإن عضل الأقرب، أو لم يكن أهلا، أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: «أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد» ، أي: غاب عن بلد المرأة المخطوبة أبوها مثلا، أو أخوها، أو وليها، غيبة منقطعة، وفسرها بقوله: «لا تقطع إلا بكلفة ومشقة» فإنه يزوج الأبعد.
والمؤلف ـ رحمه الله ـ قيد الغيبة بالتي لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، وهذا يختلف باختلاف الأزمان، ففيما سبق كانت المسافات بين المدن لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، والآن بأسهل السبل، فربما لا يحتاج إلى سفر، فيمكن يخاطب بالهاتف، أو يكتب الأب بالفاكس وكالة ويرسلها بدقائق، فالمسألة تغيرت.
وقيده بعض أهل العلم بما إذا غاب غيبة يفوت بها الخاطب، يعني ـ مثلا ـ قال الخاطب: أنا لا أنتظر إلى يومين أو ثلاثة أو عشرة أيام، أو شهر، أعطوني خبرا في خلال يوم، وإلا فلا.
فبعض العلماء يقول: إذا كانت الغيبة يفوت بها الخاطب الكفء فإنه تسقط ولايته ...
والذي ينبغي أن يقال: إن كانت مراجعته ممكنة فإنه لا يزوِّج الأبعد؛ والسبب في هذا أننا لو قلنا بتزويج الأبعد في هذه الحال مع إمكان المراجعة؛ لأدى ذلك إلى الفوضى، وصار كل إنسان يريد امرأة يذهب إلى ابن عمها إذا غاب أبوها ـ مثلاً ـ في سفر حج، أو نحوه، ثم يقول: زوجني، فيحصل بذلك فوضى ما لها حد، فالصواب أنه يجب مراعاة الولي الأقرب لا سيما في الأبوة فلا يُزوج إلا إذا تعذر.
فمثلا لو فرضنا أن الأب سافر إلى بلاد أوربية، ولا نعلم عنه خبرا فهنا نقول: ما نفوت مصلحة البنت من أجل أن نطلب هذا الرجل؛ لأننا يمكن أن نبقى شهرين أو ثلاثة أو سنة ما نعلم عنه، فالصواب أنه متى أمكن مراجعة الولي الأقرب فه واجب، وإذا لم يمكن، وكان يفوت به الكفء فليزوجها الأبعد " انتهى من "الشرح الممتع" (12/89-91) .
ثانيا:
يشترط لصحة النكاح رضا الزوجين، وليس لغير الأب من الأولياء أن يجبر ابنته البكر البالغة العاقلة على النكاح، عند جمهور الفقهاء، فليس للجد ولاية إجبار على البكر العاقلة، فإذا زوجها وهي كارهة لم يصح النكاح.
وينظر تفصيل ذلك في "الموسوعة الفقهية" (41/259- 267) .
والراجح أن الأب – أيضا – ليس له أن يجبر ابنته البكر البالغة العاقلة على النكاح، بل يلزمه استئذانها؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ) رواه البخاري (5136) ومسلم (1419) .
وبناء على ما سبق من كلام الفقهاء، ومن كون الأب لم يغب غيبة يشق معها الوصول إليه، - إذ يسهل الوصول والاتصال بكل مسافر الآن -، مع رفضه للنكاح حين علم به، وكون الزوجة كارهة أثناء العقد، فإننا نرى تجديد عقد النكاح، وإن كان لهما أولاد فإنهم ينسبون إلى أبيهم؛ لأنه عَقَدَ نكاحاً يعتقد صحته.
وعلى الأولياء أن يتقوا الله تعالى، وأن يحذروا من تزويج المرأة بمن لا ترضى، وأن يراعوا حدود الله، فلا يتقدموا على من حقه التقديم.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/204)
نصيحة لمن ترفض الزواج بحجة الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ لدي ابنة أخ متوفى، وأنا الوصي عليها بعد وفاة الوالد - رحمه الله تعالى - وهذه الابنة ترفض الزواج بالرغم من تقدم الرجل الكفء لها، وللأسف تحتج بمواصلة الدراسة الجامعية بالرغم من عدم موافقتي على إتمام دراستها في الجامعة وان كانت بطريقة الانتساب، حيث لا يخفى عليكم الفتن والاختلاط الموجود في الجامعات في بعض البلدان، وكذلك لبعد الجامعة عن المكان التي تعيش فيه قرابة 25 كم، وتحتاج إلى المواصلات العامة للوصول إلى الجامعة، وللمعلومية فإني ولله الحمد متكفل بكل ما تحتاج إليه هذه الابنة، والدراسة ليست بذات أهمية لكسب العيش، حيث إنها تدرس تخصص الفلسفة، وهذا ما يجعلني أرفض الأمر بالكلية، راجين منكم التوجيه، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يوفقك ويعينك على هذه المهمة الملقاة على عاتقك، وأن يجزيك على ذلك خير الجزاء.
ثانيا:
ينبغي للفتاة أن تحمد الله تعالى أن هيأ لها أسباب الزواج، وأن تبادر بذلك امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
وينبغي أن تدرك أن هذه نعمة تستحق الشكر، وتعلم أن هناك من لا تجد هذه النعمة ولا تتيسر لها.
وأما الدراسة فإنها لا تتعارض مع الزواج، فيمكن الجمع بينهما، ولو بالدراسة عن طريق الانتساب.
وقد تقد الكلام على الاختلاط في العمل والدراسة في جواب السؤال رقم (1200) و (103044) .
كما تقدم حكم دراسة الفلسفة في جواب السؤال رقم (88184) .
ونحن نضع بين يديك نصيحة للشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله فيما يتعلق بالزواج والدراسة:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " الواجب البدار بالزواج، ولا ينبغي أن يتأخر الشاب عن الزواج من أجل الدراسة، ولا ينبغي أن تتأخر الفتاة عن الزواج للدراسة؛ فالزواج لا يمنع شيئاً من ذلك، ففي الإمكان أن يتزوج الشاب، ويحفظ دينه وخلقه ويغض بصره، ومع هذا يستمر في الدراسة. وهكذا الفتاة إذا يسر الله لها الكفء، فينبغي البدار بالزواج وإن كانت في الدراسة - سواء كانت في الثانوية أو في الدراسات العليا - كل ذلك لا يمنع.
فالواجب البدار والموافقة على الزواج إذا خطب الكفء، والدراسة لا تمنع من ذلك.
ولو قطعت من الدراسة شيئا فلا بأس. المهم أن تتعلم ما تعرف به دينها، والباقي فائدة.
والزواج فيه مصالح كثيرة، ولا سيما في هذا العصر؛ ولما في تأخيره من الضرر على الفتاة وعلى الشاب.
فالواجب على كل شاب وعلى كل فتاة البدار بالزواج إذا تيسر الخاطب الكفء للمرأة. وإذا تيسرت المخطوبة الطيبة للشاب، فليبادر؛ عملا بقول الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام – فى الحديث الصحيح: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإن له وجاء) متفق على صحته.
وهذا يعم الشباب من الرجال والفتيات من النساء، وليس خاصا بالرجال، بل يعم الجميع، وكلهم بحاجة إلى الزواج. نسأل الله للجميع الهداية " انتهى من " مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (20/421) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هناك عادة منتشرة، وهي رفض الفتاة أو والدها الزواج ممن يخطبها، لأجل أن تكمل تعليمها الثانوي أو الجامعي، أو حتى لأجل أن تُدَرِّس لعدة سنوات، فما حكم ذلك، وما نصيحتك لمن يفعله؛ فربما بلغ بعض الفتيات سن الثلاثين أو أكثر، بدون زواج؟
فأجاب: حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) الترمذي (1084) وقال: (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) .
وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج؛ فالذي أنصح به إخواني المسلمين، من أولياء النساء، وأخواتي من النساء، ألا يمتنعن من الزواج من أجل تكميل الدراسة أو التدريس، وبإمكان المرأة أن تشترط على الزوج أن تبقى في الدراسة حتى تنتهي دراستها، وكذلك تبقى مدرسة، لمدة سنة أو سنتين، ما دامت غير مشغولة بأولادها، وهذا لا بأس به.
على أن كون المرأة تترقى في العلوم الجامعية ـ مما ليس لنا به حاجة ـ أمر يحتاج إلى نظر.
فالذي أره أن المرأة إذا أنهت المرحلة الابتدائية، وصارت تعرف القراءة والكتابة، بحيث تنتفع بهذا العلم في قراءة كتاب الله وتفسيره، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها، فإن ذلك كاف؛ اللهم إلا أن تترقى لعلوم لا بد للناس منها؛ كعلم الطب وما أشبهه؛ إذا لم يكن في دراسته شيء محذور، من اختلاط وغيره " انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" ص (390) .
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/205)
تزوجت دون كتابة عقد النكاح فهل تعيد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ عام ونصف العام من رجل مسلم، ثم أسلمت بعد زواجنا بعام وشهر، وقد تزوجنا زواجاً إسلامياً، فقد طلب موافقة والدي، وكان هناك شاهدان على الزواج، وسألني عن المهر الذي أريده، لكننا لم نحرر عقد زواج، فهل يجب علينا تحرير عقد زواج؟ ، وهل زواجنا صحيح؟ ، كما أنه ليس لدي ولي، فهل أنا بحاجة إلى وجود ولي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نبارك لك ونهنئك بنعمة الإسلام فإنها أعظم النعم، كما نبارك لك زواجك، ونسأل الله أن يديم عليم نعمه، وأن يزيدك من فضله، وأن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة.
ثانيا:
إذا كان الزواج قد تم بموافقة والدك، وشهادة شاهدين، فهو زواج صحيح، ولا يضر عدم كتابة عقد الزواج أو عدم تسجيل المهر، وينبغي كتابة العقد لما في ذلك من حفظ الحقوق.
وحيث إن زواجك قد تم قبل إسلامك، فإن وليك هو أبوك الموافق لك في الدين، فلو أعدت كتابة ما جرى في العقد من باب التوثيق فلا حرج.
وأما الآن فوالدك لا يصلح أن يكون وليا لك، لاختلاف الدين، وينظر جواب السؤال رقم (48992) .
لكنك لا تحتاجين إلى الولي الآن، لصحة عقد النكاح السابق كما ذكرنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/206)
جامع زوجته بعد العقد وقبل الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب فى ال 20 من العمر والدي متوفى ولى أخت تم العقد عليها من حوالي شهر ونصف وزوجها بالسعودية ولكنه لم يدخل بها، وبعدما سافر اكتشفت أنه قد وقع بها وأنه لم يعلمنا بل علم البعض من أهله فقط فأنا الآن في حيرة من أمري هل أبلغ أمي وما هو واجبي الشرعي في هذا الموضوع مع مراعاة حجم المشاكل التي ستحدث لو عُلم هذا الموضوع في الأسرة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم العقد الشرعي، أصبحت المرأة زوجة، يحل لزوجها منها ما يحل لسائر الأزواج مع زوجاتهم، إلا أنه ينبغي تأخير الوطء إلى يوم الدخول، تجنبا لما قد ينشأ عن ذلك من مفاسد.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الذي يحل للزوج من زوجته بعد عقد القران وقبل البناء بها؟
فأجابت: "يحلّ ما يحل للزوج من زوجته التي دخل بها من النظر وقبلة وخلوة وسفر بها وجماع.. إلخ " انتهى من " الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (2/540) .
وسئلت أيضا: هل جماع الزوج زوجته بعد العقد وقبل إعلان الزفاف على الناس فيه شيء شرعا؛ لأن العرف يعارض ذلك؟
فأجابت: "ليس في جماع الزوج زوجته بعد العقد وقبل الزفاف بأس من الناحية الشرعية، لكن إذا كان يخشى من ترتب آثار سيئة على ذلك فإنه يمتنع عن ذلك؛ لأن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/271) .
وعليه؛ فلا يلزم إخبار أهلك وأسرتك، لما قد ينشأ عن ذلك من مشاكل كما ذكرت، لكن ينبغي حث الزوجين على التعجيل بالدخول خشية حدوث الحمل.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/207)
امتنع أبوها من تزويجها فهل يزوجها أخوها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحبة السؤال رقم (112758) وقد امتنعت من كتابة البيت باسم أبي، حفاظاً على حق أمي وأخي، وما كان من أبي إلا أن طردني أنا وأمي وأخي من الدار. والآن تقدم لي شاب متدين وأبي يقول إنه لن يعقد لي لأنني لم أسانده على أمر لا يرضاه الشرع، وإنني لست ابنته لأنني لم أحول له ملكية الدار , ماذا أفعل؟ هل يحق لي أن يعقد لي أخي الأصغر الذي عمره 34 عاما لأن أخي الأكبر مسافر ولا يستطيع الحضور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يهدي والدك، وأن يصلح حالكم، ويؤلف بين قلوبكم.
لا يجوز للولي أن يمتنع من تزويج موليته من الكفء الذي رضيت به.
وإذا ثبت هذا انتقلت الولاية من الأب إلى من بعده من العصبة، وهو الأخ هنا، فترفعين الأمر للقاضي الشرعي – إن وجد - ليلزم أباك بتزويجك، فإن رفض انتقلت الولاية لأخيك، فإن لم يوجد قاض شرعي فلا حرج أن يتولى تزويجك أخوك.
ولا يعد هذا عقوقا أو إساءة للأب، بل هذا طريق مشروع لتزويج المرأة وإعفافها ومنع تسلط الولي عليها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقاً وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماماً في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفاً يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء. ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق" انتهى، نقلاً عن فتاوى إسلامية (3/148) .
ثانياً:
إذا كان للمرأة أكثر من ولي من درجة واحدة كإخوة أشقاء، فكلهم يصح تزويجهم لها، ولا يشترط أن يزوجها الأكبر.
وينظر: "مطالب أولي النهى" (5/72) .
وعلى هذا، فلا حرج أن يتولى تزويجك أخوك الأصغر.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك ويوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/208)
حكم الزواج المدني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج المدني جائز في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج في الإسلام له أركان وشروط، إذا توفرت فهو زواج صحيح، فركنه: الإيجاب والقبول، والإيجاب أن يقول ولي المرأة: زوجتك فلانة أو ابنتي أو أختي، والقبول أن يقول الخطاب: قبلت الزواج من فلانة.
ومن شروط النكاح: تعيين الزوجين، ورضاهما، وأن يعقده الولي أو وكيله، ووجود شاهدين عدلين من المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ورواه البيهقي من حديث عمران وعائشة رضي الله عنهما بلفظ: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا حصل الإعلان، فإنه يغني عن حضور شاهدين للعقد.
والزواج المدني الذي يتم في المحكمة الوضعية، إن كان المراد منه هو توثيق النكاح وتسجيله فهذا مطلوب؛ حفظا للحقوق ومنعا للتلاعب. وإن كان لا تتوفر فيه شروط النكاح، أو يترتب عليه أمور باطلة فيما يتعلق بالطلاق وغيره، فلا يجوز الإقدام عليه، إلا أن يتعذر توثيق النكاح بدونه، أو أن يضطر الإنسان إليه، فيعقد النكاح عقداً صحيحاً شرعياً في أحد المراكز الإسلامية، ثم يعقد العقد المدني في المحكمة، مع العزم على التحاكم إلى الشرع في حال حدوث النزاع، ومع البراءة من الطقوس الباطلة التي تصاحب عقد النكاح في بعض البلدان، وعلى المسلمين الموجودين في بلاد الغرب أن يسعوا إلى جعل أمور النكاح تسجل رسميا في المراكز الإسلامية، دون الحاجة إلى مراجعة مكتب الزواج المدني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/209)
اشتراط البلوغ في شاهدي النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الأطفال شهوداً في عقد الزواج اللفظي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة النكاح شهادة شاهدي عدل من المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
ويشترط في الشاهد أن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً، فلا تصح شهادة الطفل، ولا شهادة المرأة، ولا شهادة المجنون.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/648) : "فلا ينعقد النكاح إلا بشهادة ذكرين بالغين عاقلين متكلمين سميعين مسلمين - ولو أن الزوجة ذمية - عدلين ولو ظاهراً " انتهى بتصرف.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (41/296) : " ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط في شاهدي النكاح التكليف، أي: أن يكون كل منهما عاقلاً بالغاً، فلا تقبل شهادة مجنون بالإجماع، ولا شهادة صبي؛ لقول الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) ولأنهما ليسا من أهل الشهادة ... " انتهى.
والشهادة شرط في عقد النكاح سواء تم العقد باللفظ أو بالكتابة في حال عدم قدرة الزوج أو الولي على النطق.
وعلى هذا، فلا تصح شهادة الأطفال على عقد النكاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/210)
هل يصح عقد النكاح بغير اللغة العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج بامرأة غير عربية، كيف يتم عقد النكاح وهي تتكلم الانجليزية فقط، وأنا لا أتكلم إلا العربية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط في عقد الزواج أن يكون باللغة العربية، بل يصح باللغة التي يفهم بها كل طرف ما يقوله الطرف الآخر.
والذي سيعقد النكاح لها هو وليها، فإن كان يتكلم باللغة العربية، تم العقد بينكما بها، وإن كان لا يتكلم العربية، فكل منكما يتكلم بلغته، فيقول هو لك: زوجتك فلانة. وتقول أنت: قبلت. ويكون بينكما مترجم.
قال ابن قدامة في "المغني":
"من لا يحسن العربية , فيصح منه عقد النكاح بلسانه ; لأنه عاجز عما سواه , فسقط عنه كالأخرس , ويحتاج أن يأتي بمعناهما الخاص , بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي. وليس على من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ النكاح بها.
فإن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر , أتى الذي يحسن العربية بها , والآخر يأتي بلسانه. فإن كان أحدهما لا يحسن لسان الآخر , احتاج أن يعلم أن اللفظة التي أتى بها صاحبه لفظة الإنكاح , بأن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا" انتهى باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/211)
هل ينفسخ نكاح الزانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا زنت المرأة وهي متزوجة هل لا تزال زوجة، أم ينفسخ نكاحها وتطلق بهذا الفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا زنت المرأة وهي متزوجة فلا ينفسخ نكاحها ولا تطلق بمجرد وقوعها في هذه المعصية، لكن.. يؤمر زوجها إذا لم تتب وأصرت على هذه الفاحشة أن يطلقها، حفاظاً على عرضه، وأولاده.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وإن زنت امرأة رجل , أو زنى زوجها , لم ينفسخ النكاح , سواء كان قبل الدخول أو بعده , في قول عامة أهل العلم. وبذلك قال مجاهد وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولكن أحمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت , وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه. وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه , وتلحق به ولدا ليس منه. قال ابن المنذر: لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم , فيكون مثل قول أحمد هذا.
قال أحمد: ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض ...
والأولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة" انتهى بتصرف.
"المغني" (9/565) .
وقال في "كشاف القناع" (5/2) :
"وإن زنت امرأة قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح، أو زنى رجل قبل الدخول بزوجته أو بعده لم ينفسخ النكاح بالزنا، لأنه معصية لا تخرج عن الإسلام أشبه السرقة , لكن لا يطؤها حتى تعتد إذا كانت هي الزانية " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
"اعلم أن من تزوج امرأة يظنها عفيفة، ثم زنت وهي في عصمته: أن أظهر القولين: أن نكاحها لا يفسخ، ولا يحرم عليه الدوام على نكاحها، وقد قال بهذا بعض من منع نكاح الزانية مفرِّقاً بين الدوام على نكاحها، وبين ابتدائه.
واستدل من قال هذا بحديث عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه، وذَكَّر، ووعظ ثم قال: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) .
قال الشوكاني في حديث عمرو بن الأحوص هذا: أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه، وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة عمرو بن الأحوص المذكور، وحديثه في الخطبة صحيح ا. هـ.
وحديثه في الخطبة هو هذا الحديث بدليل قوله " فحمد الله وأثنى عليه وذَكَّر ووعظ "، وهذا التذكير والوعظ هو الخطبة كما هو معروف ... .
وبه تعلم أن قول من قال: إن من زنت زوجته فسخ نكاحها وحرمت عليه: خلاف التحقيق، والعلم عند الله تعالى " انتهى.
" أضواء البيان " (6 / 82، 83) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/212)
هل يأثم بطلاق زوجته التي كان لها علاقات سابقة قبل التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج منذ 3 سنوات بزوجة أقل مني سنّاً بسنة، ورزقت منها - والحمد لله - منذ سنتين ببنت، المشكلة أنه ليس هناك تفاهم بيننا، فنحن دائما في تصادم، حيث إنها عصبية وغالباً لا يعجبها أي شيء، وكثيرة الشكوى، ولا تتفاهم مع عائلتي، زد على ذلك أني أشكُ في ماضيها، فقد كانت قبل زواجنا تدخن، ومِن رواد الملاهي الليلية حين كانت طالبة جامعية، وقد اعترفت لي بذلك قبل الزواج وأكدت بأنها لم تتجاوز تلك الأمور، ومنذ سنة اكتشفت بالصدفة في أوراقها الخاصة شهادة طبية (يرجع تاريخها إلى سنة قبل الزواج) تثبت بأنها بكر فواجهتها وطلبت منها تبرير ذهابها للطبيب للحصول على هذه الشهادة إن كانت لا تشكُ في عذريتها فقالت: إنه قيل لها من قبَل بعض صديقاتها إنه إجراء روتيني تقوم به الفتاة لتفادي المشاكل التي قد تحصل ليلة الدخلة من قبل بعض الأزواج، ولكني لم أقتنع وبقيت أشكٌ بالأمر رغم تأكدي من عذريتها، وبسبب كثرة المشاكل التي بيننا وصعوبة التفاهم إلى جانب الشكٌ أصبحت أفكر جديّاً في الطلاق تجنباً للفتنة ورحمة لي ولها. وسؤالي هو: هل الطلاق في كل الأحوال حرام أم حلال؟ وفي حالتي هل أعتبر آثما إذا طلقت؟ . أرجو الإجابة الشافية، مع الشكر الجزيل لسعة صدوركم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل في الطلاق أنه يخالف مقصود الشرع من الاجتماع بين الزوج وزوجته في بيتٍ واحدٍ بألفة ومودة، وقد امتن الله تعالى على الناس بهذه الألفة والمودة، وجعل ذلك من آياته عز وجل، بالإضافة إلى ما ينتج عن هذا الزواج من ذرية طيبة.
وقد دلَّت نصوص شرعية على أن التفريق بين الزوجين هو من أخس أفعال السحرة، قال تعالى – عن السحرة -: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة /، وهو من أعظم أفعال الشياطين التي تقربهم إلى إبليس، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين أهله، فيدنيه منه، ويقول: نِعْم أنتَ ". رواه مسلم (2813) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأصل في الطلاق الحظر وإنما أبيح منه قدر الحاجة" اهـ مجموع الفتاوى (33/81) .
لكن هذا لا يعني المنع من الطلاق أو حرمته، بل قد يكون واجباً، أو مستحبّاً، أو مباحاً، أو مكروهاً.
فيكون واجبا في أحوال، منها: إذا كان الدافع له أموراً تهدم الحياة الزوجية كتهاونها في عرضها وشرفها، أو عند العجز عن الإصلاح بينهما في حال وجود الشقاق، أو كان بالزوج عيبٌ يحول بين الحياة الزوجية وبين أدائها وظيفتها ككونه عنِّيناً أو مجبوباً، والزوجة تحتاج إلى العفاف. ويكون واجباً إن كان إمساكها بغير معروف، ولا يؤدي ما أوجبه الله عليه تجاهها.
ويكون الطلاق مستحباً: إذا كان الدافع له سوء أخلاق الزوجة، وتسببها في إيذاء زوجها أو أقاربه أو جيرانه بالقول أو بالفعل، أو كان الطلاق بسبب نفورها منه.
ويكون مباحاً: إذا أراد طلاقها للتزوج بأخرى وليس عنده قدرة على التعدد، أو بسبب نفورٍ طبيعي.
ويكون مكروهاً: إذا كان مع استقامة حالها وخلقها، وكان بينهما أولاد يخاف ضياعهم، أو كانت فقيرة أو غريبة عن بلدها.
ثانياً:
إننا نتعجب منك – أخي الفاضل – حيث تقول إن زوجتك قد اعترفت لك أنها كانت – قبل الزواج – من رواد الملاهي الليلية، وقد قبلتَ بها بعد أن تابت، ثم أغاظك أنك رأيت شهادة تثبت عذريتها! بل إن هذا يؤكد كلامها أنها لم تقع في الفاحشة الكبرى، وقد تكون صادقة في قولها أنها فحصت من أجل إثبات عذريتها لليلة الدخلة.
وعلى كل حال: إن كنتَ قبلتَ كلامها في أنها تابت وتركتْ جاهليتها خلف ظهرها: فإن هذه الشهادة لا ينبغي أن تغير من نظرتك لها، وهي – في أسوأ الأحوال – كانت في تلك الفترة التي كانت فيها ترتاد أماكن الفساد والانحراف.
وإن كنت لا زلت في شك من صدق توبتها، وترى أنه لا يمكن لحالك أن تستقيم معها، وسوف يبقى الشك ينغص عليك عيشك معها، لا سيما مع وجود المشاكل الأسرية، فالذي نراه لك أن تطلقها، وتحسن إليها، كما أمرك الله: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229، ونسأل الله أن يغني كلا منكما من سعته، وأن يبدلك خيراً منها، ويبدلها خيراً منك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/213)
الشاهد الثاني لم يحضر صيغة العقد فهل نكاحه صحيح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت ولله الحمد لكن هناك أمر يؤرقني وهو أنني حين عقدت قراني عقدته في المحكمة (في سوريا) وسألت عن المأذون فقيل لي إنه مسلم ويصلي لكنه حليق، والمشكلة هي أنه حين العقد لم يكن هناك سوى شاهد واحد هو عمي أخو أبي شهد على صيغة العقد، والشاهد الآخر محام مسلم دخل ووقع وخرج ولم يشهد الصيغة، فهل هذا العقد بهذه الهيئة صحيح أم أنه لا بد للشاهد من سماع الصيغة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقصود من الشهادة في النكاح، الشهادة على العقد، أي سماع الإيجاب من ولي المرأة أو ممن يقوم مقامه كالوكيل، وسماع القبول من الزوج أو ممن يقوم مقامه. ولو كُتب الإيجاب والقبول، وكان الشاهد أصمّ مثلا فشهد على المكتوب أثناء العقد، صحت شهادته؛ لقوله تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) فإذا وصل العلم للشاهد كفى.
"الشرح الممتع" (5/162) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن إعلان النكاح وإشهاره، ومعرفة الناس به، يغني عن الشهادة الخاصة، بل هو أقوى منها، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقال بعض العلماء: إنه يشترط إما الإشهاد وإما الإعلان، أي الإظهار والتبيين، وأنه إذا وجد الإعلان كفى؛ لأنه أبلغ في الأمر من اشتباهه بالزنا، فعدم الإشهاد فيه محظور وهو أنه قد يزني بامرأة فإذا حملت منه ادعى أنه قد تزوجها وليس الأمر كذلك، فاشترط الإشهاد لهذا السبب.
لكن إذا وجد الإعلان انتفى هذا المحظور من باب أولى؛ لأنه أبلغ من الإشهاد، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه يشترط إما الإشهاد وإما الإعلان، بل قال رحمه الله: إن وجود الإشهاد بدون إعلان، في صحة النكاح فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعلان النكاح فقال: (أَعْلِنُوا النِّكَاحَ) ولأن نكاح السر يخشى منه المفسدة حتى لو كان بالشهود؛ لأنه يمكن أن يزني واحد والعياذ بالله بامرأة ثم يقول: تزوجتها، ثم يأتي بشاهدي زور ويشهدان " انتهى من "الشرح الممتع" (5/160) .
وهذا يبين أن إعلان النكاح أقوى من مجرد الإشهاد على العقد.
وقد لخص شيخ الإسلام رحمه الله مسألة الإشهاد والإعلان بقوله: " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان. وأما مع الكتمان والإشهاد: فهذا مما ينظر فيه.
وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا لا نزاع في صحته.
وإذا انتفى الإشهاد والإعلان: فهو باطل عند عامة العلماء. وإن قُدّر فيه خلاف فهو قليل " انتهى من "الاختيارات الفقهية" (ص 177) .
فقوله: " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان " يفيد أنه لا داعي للقلق بشأن ما ذكرت، فعلى فرض عدم صحة الشهادة، فإن الإعلان كافٍ إن شاء الله.
مع التنبيه على أن الشاهد لا ينحصر فيمن وقّع على العقد، بل كل من حضر العقد، من كاتبٍ وقريبٍ ومأذون وغيره، فهو شاهد عليه، إن كان صالحا للشهادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/214)
أخوها في السجن وأعمامها في بلد آخر فمن يكون وليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت حديثا ولكن أعمامي مسلمون ويعيشون في دول أخرى، توفى أبي ولهذا تربيت أنا وأخي كغير مسلمين، أخي أسلم أيضاً ولكنه في السجن حالياً، أعيش مع أمي النصرانية وهي غير متزوجة، المحرم الوحيد لي هو جدي والد أمي ولكنه نصراني أيضاً، وأخي طبعا لكنه في السجن. من هو الولي في هذا الحالة؟ هل هو إمام المسجد الذي أصلي فيه؟ أم أحد أعمامي؟ أم أخي مهما كانت الظروف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك للإسلام، ونسأله أن يزيدك إيمانا وعلما وثباتا وهدى.
ثانيا:
ولي المرأة: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها، ثم ابنه [هذا إن كان لها أبناء] ، ثم أخوها الشقيق، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناء أخيها الشقيق، ثم أبناء أخيها من الأب، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم أعمام الأب، ثم الحاكم. "المغني" (9/355) .
والذي له ولاية من الأجداد هو الجد من جهة الأب (أبو الأب) أما أبو الأم فإنه لا يكون ولياً.
وعلى هذا فوليك هو أخوك المسلم، وكونه مسجوناً لا يمنع أن يكون ولياً، فإنه يمكن الاتصال به ويمكن زيارته، وحينئذٍ يوكل هو من يعقد لك النكاح نيابة عنه، فإن لم يمكن ذلك فوليك هو عمك، ولا يضر كونه في بلد آخر، فله أن يوكّل من يعقد لك، أو أن يجري عقد النكاح بواسطة الوسائل الحديثة كالهاتف والإنترنت.
وينظر جواب السؤال رقم (2201) ورقم (105531) .
نسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/215)
طلق زوجته وانتهت العدة فهل يعقد عليها دون رجوع للمحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي وانقضت عدتها لكن دون تحرير وتوثيق الطلاق في المحكمة، وهي في نظر القانون مازالت زوجتي، وأنا الآن أقيم في بلد آخر بعيد عن بلدي. السؤال: أنا أريد أن أردها بعقد نكاح جديد بشهود ومهر جديد وأن يبقى العقد الأول الذي سجل سابقا في المحكمة ساري المفعول، والواجب في عقد النكاح هو الشهود والصداق ليس تسجيله. أفتوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية وانقضت عدتها، فله أن يرجعها بعقد جديد مستوفٍ لشروطه وأركانه، من رضا المرأة، والولي، والشاهدين، مع المهر.
وتسجيل النكاح أو الطلاق في المحكمة ليس شرطا لصحته، لكنه ضمان لحق الزوجة والزوج والأولاد، ولهذا يتأكد الالتزام به.
ولا يظهر لنا مانع من عقد النكاح الآن، والاكتفاء بأوراق التوثيق السابقة، لأنه يحصل بها المقصود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/216)
آثار الزواج المترتب على علاقة غير شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة في عمر 27 سنة، تقدَّم لها شخص للزواج، وعارض أهلها؛ للفرق التعليمي بينهما فقط، علماً أن المرأة موافقة، فتعاهد الرجل والمرأة على محاولة إقناع الأهل على الموافقة، مع العمل من قبَل الرجل لتحسين المركز العلمي، وعلى مدى أربع سنوات ناضل الرجل والمرأة لكي يحصلوا على الموافقة للحب الذي يجمعهم، والذي تعاهدوا به أمام الله بألا يفترقوا أبداً، والحمد لله جاءت موافقة الأهل، وتم عقد القران بوجود الجميع الوالد، والوالدة، وأهله، والشهود، مبارك من الكل، ولكن خلال الأربع سنوات الماضية تمت لقاءات محرَّمة بين الاثنين! يشهد الله أن الاثنين لا يريدون أن يذكروها، الحمد لله بعد الزواج استقاموا على حياة كريمة، أنجبوا، وأصبحت لهم عائلة طيبة، واستقام الاثنان على الابتعاد عن كل ما يغضب الله، ويسر لهم الله الذهاب إلى الحج، وأداء العمرة عدة مرات، وهم في محبة عظيمة - بفضل الله - إلى أن كان يوم، وبعد عشرة سنوات، سمعا على الراديو أحد الشيوخ يقول: إن من كانت له علاقة محرمة يجب أن يعلن توبته قبل الزواج، وإلا فالنكاح باطل، ومن هنا بدأت الشكوك، هل هذا يطبق عليهم، أي: هل يفسخ العقد أم لا؟ وبعد هذه المدة الطويلة، إذ منذ العقد لم يرتكبوا أي زلة في حق الله، ويحاولون أن يجعلوا حياتهم صالحة، ولا كان في حياة كل منهما شخص آخر، ونظراً لبُعد الوقت فهم في حيرة من أمرهم، إذ هل كان هناك ملامسة تستحق التعزير، أم الحد، ولكن الأكيد أن الدخول الكامل كان بعد الزواج، أي: أنهم ليسوا متأكدين من وقوع الفاحشة إذ لم تكن هناك أي دلائل تشير لها، فهل هما زانيان؟ وتطبق عليهما ما جاء في سورة النور إذ تبينا معناها على مختلف التفاسير أن هذه الآية تدل على الأشخاص الذين يتخذون هذا السلوك دائماً؟ . هذه باختصار المشكلة، فهل يفسخ العقد أم لا؟ وإذا تم هذا الأمر بدون معرفة ما هو مطلوب قبل الزواج، فهل هم ملامون على عدم المعرفة؟ ولما تم تذكره أن المرأة استحاضت بعد الزواج، وقبل العقد أيضا، ولكنها غير واثقة من التوقيت، أي: قبله مباشرة أم قبل وقت أطول، بقي شيء واحد: لو أن أحد الطرفين ارتكب وهو في سن ال 16 شيئاً من هذه القاذورات مع من هو أصغر سنّاً لفترة في عمر المراهقة وتوقف عن هذا الفعل سنين عديدة، لم يفكر أن يفعله أبداً إلى أن التقى بالشخص الذي تزوج منه، فهل يؤثر في الحكم على المشكلة الحالية؟ أم يسترها ولا يذكرها؟ . أرجو إفادتنا مع الحلول التي تجعلنا بعيدين عن ملاقاة الله ووجوهنا ذليلة أمامه بالمعاصي، ولكن بقلوب علمت ما حرَّم الله، وأصلحت طريقها إلى الآخرة، ما نريد أن نعرف هل حياتهم الآن حلال أم حرام؛ لأنه منذ علموا بالأمر وحياتهم تعكرها الوساوس بعدما كانا سعيدين. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد ذكرنا بتفصيلٍ وافٍ ما يؤيد الذي سمعتموه من أن المسلم لا يحل له التزوج بزانية، وأنها لا تتزوج بزانٍ إلا أن يتوب كلاهما، وأن تستبرئ بحيضة قبل الزواج.
وينظر تفصيل ذلك في أجوبة الأسئلة: (87894) و (50508) و (85335) .
والذي نريد التحقق منه من الطرفين هو مسألتان مهمتان، وعليهما يبنى الجواب:
الأولى: هل وقع الزنى بينهما؟ ونعني به: الإيلاج، وليس المماسة، وقضاء الشهوة، ولو تم الإنزال.
والثانية: هل حصلت توبة منهما قبل عقد النكاح؟ .
وعلى ضوء هاتين المسألتين نستطيع الإجابة على تساؤلهما:
فإن وقع الزنى، ولم تحدث منهما توبة: انطبق الكلام الذي سمعوه – وكذا الذي أحلناهما عليه – على حالهما.
وإن وقع بينهما زنى، وكانا قد ندما وتابا: فإن نكاحهما صحيح، ولا داعي للتشكك فيه.
وإن لم يقع الزنى منهما، بل كانت علاقة مماسة ومباشرة، ولم يحدث إيلاج: فإنهما لا يسمَّيان زانيين، ولو حصل إنزال، مع وجود الآثام العظيمة على تلك الأفعال، لكن لا يسمى زنى إلا أن يكون فيه إيلاج الفرج في الفرج.
وعليه:
1. فعدم حصول الزنى، أو حصوله مع التوبة: لا يحتاج معه إلى شيء، بل يستمران على زواجهما، وليكثرا من الأعمال الصالحة.
2. وإن كان حصل بينهما زنى، ولم تحض قبل الزواج: فتكون زوِّجت قبل الاستبراء، وهذا موجب لفسخ العقد.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله -:
لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب ... وإذا أراد رجلٌ أن يتزوجها: وجب عليه أن يستبرئها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح، وإن تبين حملها: لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها.
" الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة " (2 / 584) .
ومثله عن علماء اللجنة الدائمة كما في " فتاواهم " (18 / 383، 384) .
3. وإذا حصل بينهما زنى، ولم تصدر منهما توبة: فعليهما فسخ العقد، واستبراؤها بحيضة، وله أن يعيد العقد عليها، خاطباً جديداً، بعقد ومهرٍ جديدين.
وقد قلنا في الجواب الأخير مما أحلناك عليها:
" وعلى من ابتُلي بذلك، وعقد النكاح قبل التوبة: أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما فعل، ويعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب، ثم يعيد عقد النكاح مرة أخرى ".انتهى
4. وإذا كان لكما أولاد في زواجكما هذا: فإن الأولاد يُنسبون لأبيهم؛ لأن ما حصل هو عقد شبهة، وهو لم يكن يعلم بحرمة العقد – إن كان وقع الزنى ولم يتب منه -، وهذا بخلاف الإنجاب من الزنا؛ فإنه لا يثبت نسب الأولاد للزاني، بل لأمهم.
قال علماء اللجنة الدائمة:
الصحيح من أقوال العلماء: أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ، إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح، أو فاسد، أو نكاح شبهة، أو ملك يمين، أو شبهة ملك يمين، فيثبت نسبه إلى الواطئ، ويتوارثان، أما إن كان الوطء زنا: فلا يلحق الولد الزاني، ولا يثبت نسبه إليه، وعلى ذلك لا يرثه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 387) .
ومن يتأمل السؤال يجد عدم وضوح الحال من السائل، فلا ندري وقع الزنا أم لا، ولا ندري حصلت التوبة أم لا، ولا ندري حاضت المرأة قبل النكاح أم لا، وكل ذلك مؤثر في الجواب، ولذا ذكرنا الإجابة على الوجوه كلها، وحبذا أن يتم السؤال مباشرة مع أحد أهل العلم ليوقفه الرجل على حقيقة الحال، أو يوضح متعلقات السؤال كاملة، ونرجو أن يكون الجواب مُفهماً له، ومغنياً عن الاستفسار والتوضيح.
على أن قول السائل في سؤاله: " ولكن الأكيد أن الدخول الكامل كان بعد الزواج، أي: أنهم ليسوا متأكدين من وقوع الفاحشة إذ لم تكن هناك أي دلائل تشير لها "، إن كان حقا كما يقول: من أن الزنى هنا غير مقطوع بحصوله، والأكيد أن الدخول الكامل كان بعد الزواج، فالجواب واضح مما ذكرنا من أن ذلك لا يؤثر في صحة النكاح والعقد شيئا، ولا يحتاج إلى فسخ ولا عقد جديد، ولا داعي لفتح باب الوسوسة في أمر زواجهما، وإنما عليهما أن يتقيا الله تعالى فيما بقي، وأن يجتهدا في العمل الصالح، عسى الله أن يتوب عليهما، ويبدل سيئاتهما حسنات: إنه كان غفورا رحيما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/217)
حكم إجراء عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح عقد النكاح عبر كاميرا الإنترنت؟ لأني سمعت أنه لا يجوز لأن من شروط عقد الزواج اتحاد المجلس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإيجاب والقبول ركن من أركان النكاح، لا يصح بدونه، والإيجاب هو اللفظ الصادر من الولي أو وكيله. والقبول: هو اللفظ الصادر من الزوج أو وكيله.
ويشترط أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، قال في "كشاف القناع" (5/41) : "وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا ولو طال الفصل؛ وإن تفرقا قبل القبول بعد الإيجاب بطل الإيجاب وكذا إن تشاغلا بما يقطعه عرفا؛ لأن ذلك إعراض عنه أشبه ما لو رده " انتهى بتصرف.
كما تشترط الشهادة لصحة النكاح.
وبناء على ذلك؛ فقد اختلف أهل العلم في إجراء عقد النكاح بالوسائل الحديثة كالهاتف والإنترنت، فمنهم من منع ذلك لعدم وجود الشهادة، مع التسليم بأن وجود شخصين على الهاتف في نفس الوقت له حكم المجلس الواحد، وهذا ما اعتمده مجمع الفقه الإسلامي.
ومنهم من منع ذلك احتياطا للنكاح؛ لأنه يمكن أن يُقلد الصوت ويحصل الخداع، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء.
ومنهم من جوز ذلك إذا أُمن التلاعب، وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز رحمه الله.
وبهذا يعلم أن الإشكال ليس في مسألة اتحاد المجلس، فإن الاتصال الهاتفي أو الإنترنتي من الطرفين في نفس الوقت يأخذ حكم المجلس الواحد.
والشهادة على هذا العقد ممكنة، بسماع صوت المتكلم عبر الهاتف أو الإنترنت، بل في ظل التقدم العلمي اليوم يمكن مشاهدة الولي وسماع صوته أثناء الإيجاب، كما يمكن مشاهدة الزوج أيضا.
ولهذا؛ فالقول الظاهر في هذه المسألة: أنه يجوز عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنترنت إذا أُمن التلاعب، وتُحقق من شخص الزوج والولي، وسمع الشاهدان الإيجابَ والقبول. وهذا ما أفتى به الشيخ ابن باز رحمه الله، كما سبق، وهو مقتضى فتوى اللجنة الدائمة التي منعت النكاح هنا لأجل الاحتياط وخوف الخداع.
ومن أراد السلامة، فيمكنه إجراء النكاح عن طريق التوكيل، فيوكل الزوجُ أو الولي من يعقد له أمام شاهدين.
وهذا نص ما أشرنا إليه من كلام أهل العلم:
1- قرار مجمع الفقه الإسلامي:
قرار رقم: 52 (2/6) بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
بعد ما قرر المجمع جواز إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة قال:
"إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه" انتهى.
2- فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء:
السؤال: إذا توفرت أركان النكاح وشروطه إلا أن الولي والزوج كل منهما في بلد، فهل يجوز العقد تليفونيا أو لا؟
"نظرا إلى ما كثر في هذه الأيام من التغرير والخداع، والمهارة في تقليد بعض الناس بعضا في الكلام وإحكام محاكاة غيرهم في الأصوات حتى إن أحدهم يقوى على أن يمثل جماعة من الذكور والإناث صغارا وكبارا، ويحاكيهم في أصواتهم وفي لغاتهم المختلفة محاكاة تلقي في نفس السامع أن المتكلمين أشخاص، وما هو إلا شخص واحد، ونظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بحفظ الفروج والأعراض، والاحتياط لذلك أكثر من الاحتياط لغيرها من عقود المعاملات - رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول والتوكيل على المحادثات التليفونية؛ تحقيقا لمقاصد الشريعة، ومزيد عناية في حفظ الفروج والأعراض حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش والخداع. وبالله التوفيق" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/90) .
3- فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله:
السؤال: أريد أن أعقد على فتاة وأبوها في بلد آخر ولا أستطيع الآن أن أسافر إليه لنجتمع جميعا لإجراء العقد وذلك لظروف مالية أو غيرها وأنا في بلاد الغربة فهل يجوز أن أتّصل بأبيها ويقول لي: زوجتك ابنتي فلانة. وأقول: قبلت، والفتاة راضية، وهناك شاهدان مسلمان يسمعان كلامي وكلامه بمكبر الصوت عبر الهاتف؟ وهل يعتبر هذا عقد نكاح شرعي؟
الجواب: "توجه الموقع بهذا السؤال إلى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله فأجاب بأنّ ما ذُكر إذا كان صحيحا (ولم يكن فيه تلاعب) فإنه يحصل به المقصود من شروط عقد النّكاح الشّرعي ويصحّ العقد. ينظر جواب السؤال رقم (2201) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/218)
خطبها شاب متدين ورفضه أبوها لأنه غير قبلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة تقدم لي شاب ذو خلق ودين ويصلي وحافظا نفسه ودينه وصليت الاستخارة وارتحت له وموافقة وراضية تمام الرضا به رفضه والدي بحجة أنه ليس بقبلي. تحدثت مع والدي بشأنه وأنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بتقوى الله، وأني بحاجة للستر والعفاف فقال لي إني إنسانة لا حياء لي إذ إني أسأله الموافقة وأنا بكر لم يسبق لي الزواج، مع معرفتي أن لا حياء في الدين فضربني ضربا مبرحا، وقلت له إن الله لا يرضي هذا الظلم وإن الموافقة من حقي، فقال إن الشريعة لا تجيز تزويج الفتاة من ليس بقبلي حتى لا يحدث بين العائلة مشاكل، مع العلم أني رافضة للزواج من داخل العائلة بتاتا لكثرة مشاكلهم وعدم تفاهمهم، وقلت له أن يسأل المشايخ والدعاة إذا كان الحق فيما قال فسأتزوج برأيه وإن كان الحق لي في الاختيار فسأتزوج هذا الشاب.... مع العلم والدي متدين ورفضه فقط حتى لا تحدث مشاكل بين العائلة، وأنه لن يرضيني أنا ويغضب باقي العائلة 0 فأرجو منكم الرد على الفتوى، وسيراها والدي، أرجو نصحكم ... جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفاءةَ شرط في لزوم النكاح، ثم اختلفوا في الصفات المعتبرة في الكفاءة، فمنهم من اعتبر النسب، ومنهم من اعتبر الحرفة والصناعة، ومنهم من اعتبر اليسار والغنى.
والراجح أن الكفاءة المعتبرة إنما هي في الدين فقط، فلا يزوج الكافر بالمسلمة، ولا الفاسق بالعفيفة.
قال ابن القيم رحمه الله مبينا أدلة هذا المذهب: " فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات / 13، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات / 10، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة /71، وقال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/ 195.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا) .
وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. قالوا: يا رسول الله! وإن كان فيه؟ فقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. ثلاث مرات) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبني بياضة: (أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه. وكان حجاما) .
وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة بن زيد، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف، وقد قال الله تعالى: (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) النور/26. وقد قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) النساء / 3.
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسبا ولا صناعة، ولا غنى ولا حرية، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات "
انتهى من زاد المعاد 5/144.
والقول بأن المعتبر في الكفاءة هو الدين فقط يروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وبه جزم الإمام مالك، وهو رواية عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله.
وينظر:"المغني " (7/27) ، "الموسوعة الفقهية" (34/271) ، "حاشية الدسوقي" (2/249) ، "الفتاوى الهندية" (1/290) ، "تحفة المحتاج" (7/280) ، "كشاف القناع" (5/67) .
فإذا تقدم للمرأة من يرضى دينه وخلقه فإنه لا يرد، كما جاء في الحديث، سواء كان قبليا أم غير قبلي.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ومن ذلك أيضاً ما يجري بين الناس الآن من كون القبيلية لا تتزوج بخضيري، والخضيري لا يتزوج بقبيلية، والخضيري: هو الذي لا ينتسب لقبيلة من قبائل العرب وأصله من الموالي، والموالي دخلوا في القبائل وصاروا مندمجين بهم، لكن لما كان أصله غير قبيلي صاروا يسمونه خضيري والآخر قبيلي، فمن العادات الباطلة أنه لا يزوج قبيلي بخضيرية ولا خضيري بقبيلية.
فأما الأول وهو ألا يزوج قبيلي بخضيرية، فما علمت أحداً من العلماء قال به إطلاقاً؛ لأن الزوج أشرف نسباً من الزوجة، الزوج قبيلي ينتسب إلى قبيلة معروفة من العرب، والزوجة غير قبيلية، فهذه ما علمت أحداً من العلماء قال: إن القبيلي لا يتزوج بخضيرية، لكن قال بعض العلماء: إنه لا تزوج القبيلية بخضيري إذا عارض بعض الأولياء، وإن كان هذا القول مرجوحاً لكنه قد قيل به، أما الأول فلم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم.
وهذه من العادات السيئة التي ينبغي أن تمحى من أفكار الناس، ويقال: أليست هذه الخضيرية أو هذا الخضيري أليس حراً؟ صحيح أن الأمة المملوكة لا يتزوجها الحر بنص القرآن إلا بشروط، لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ) النساء/25، لكن امرأة حرة نقول: لا يتزوجها الحر، في دين مَنْ؟ ولهذا كان قول بعض العلماء: إنه لا تزوج القبيلية برجل خضيري إذا عارض بعض الأولياء، بل غلا بعض العلماء: وقال: لا يصح النكاح أصلاً، فإن هذه أقوال ضعيفة لا مُعوّل عليها، فالمؤمنون بعضهم لبعض أكفاء، المسلمون تتكافأ دماؤهم وتتكافأ أحوالهم، ولا دليل على التفريق " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 20.
ثانيا:
إذا تبين هذا فإن وصيتنا للأب أن يفتش عن حال هذا الخاطب فإن كان صالحا مستقيما، فليزوجه من ابنته، فإن صاحب الدين هو الذي يحفظها ويرعاها، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها.
ولا لوم على الفتاة لو أبدت رأيها، وبينت رغبتها في قبول الخاطب الذي تراه كفؤا، فإنها إنما تسعى في الحلال، وترغب في العفاف.
وإذا كان التشدد في أمر النسب من العادات السيئة التي ينبغي أن تمحى كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فلا ينبغي للأب أن يلتفت إلى اعتراض بعض أفراد العائلة، بل قبوله لتزويج غير القبلي، وقبول غيره لذلك مما يساعد على محو تلك العادة.
وكم جَرَّت هذه العادة على المجتمع من مفاسد، حتى كثرت العنوسة، وكثرت حالات الطلاق أيضا؛ لأن المعول عليه هو أمر القبيلة، دون نظر في دين الشخص واستقامته، وقد يتزوج الرجل من لا يرغب فيها، وتتزوج المرأة من لا ترغب فيه للاعتبار القبلي، فتحدث المشاكل والقلاقل، ويكون المصير هو الفراق.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا وإياكم الرشد والصواب، وأن يوفقنا لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/219)
تزوجت مكرهة من والدها وزوجها يصر على الانتقام منها وعدم تطليقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب لكم قصتي هذه ودموعي على خدي، قصتي بدأت منذ أربع سنوات، وبالتحديد حين كنت في السنة الأولى في الجامعة، حيث تقدم ابن عمتي لأبي طالباً الزواج مني، وحينها رفضت هذا الزوج؛ نظراً لرغبتي الأولى والأهم، وهي إكمال دراستي، والسبب الآخر هو أن علاقة والدتي وعمتي ليست علاقة صافية، حيث كانت تشوبها المشاكل، والتي أثرت على علاقتي وإخواني بعمتي وأبنائها منذ صغرنا، وقد قام والدي بعدة محاولات لإقناعي بالقبول، ولكني رفضت وبكل شدة، وبتأييد من والدتي وجميع إخواني، وكذلك من بعض الأقارب , بعد ذلك قام والدي بالضغط عليَّ وإرغامي على الموافقة، وكنت مستمرة في الرفض، وعندها غضب مني والدي، وربط موافقتي بإكمالي للدراسة حيث قال لي: إن رفضتِ الزواج: فلن تكملي دراستك، وأصبح لا يكلمني لعدة أيام، وحتى لا يريد النظر إليَّ، عندها اضطررت إلى الموافقة على مضض، وذلك حتى لا أخسر والدي، والجامعة، وتم عقد القران مع وجود شرط من والدتي بألا يتم الزواج قبل سنتين من تاريخ المِلكة، ومن يوم الملكة لم أرَ زوجي، وحتى لم يقم بالاتصال بي أو السؤال عني كأي زوجين يعيشان أحلى فترة وهي فترة المِلكة، ومضت سنة وسنتان وثلاث وأربع ونحن على نفس الحال لم أرَ زوجي من يوم المِلكة، وحتى كتابة هذه السطور، وكذلك لم يتم تحديد موعد للزواج، فأصبحت معلقة، لا أدري ما هو مصيري، أنا متزوجة بدون زوج، وكان رد عمتي عند أي سؤال منا في هذه الفترة حول الزواج تقول: قريباً بإذن الله، إلى أن تخرجت من الجامعة، وحينها علمت عمتي برغبتي بالعمل، أخبرتني بأن ابنها يرفض عمل المرأة، ويجب ألا تعملي، وبعد مناقشة لهذا الموضوع بوجود والدي ووالدتي وعمتي قالت عمتي لأبي: أنا سأخبرك بأني تعبت كثيرا لأقنع ابني بإتمام الزواج، ولكنه رافض، وطلبت من والدي بأن يقوم هو بإقناع ولدها بإتمام الزواج، وحينها غضب والدي، ورفض، ولكنها قالت: بأنها ستقنعه، وبعدها قام زوجي بالاتصال بي، وكان يكلمني بدون نفس، ويحاول استفزازي في المكالمة، ولم أعرف ماذا يريد من هذا الاتصال، وبعد عدة أيام اتصلت عمتي وأخبرتنا بأنها ستقوم باختيار قاعة لإقامة الزواج في الصيف، وبعدها قام زوجي بمكالمتي مرة أخرى، وأخبرني بأنه لا يحبني، ولا يريدني، ولكنه يريد الانتقام فقط، ولا أعلم ما السبب في جعله يحمل كل هذه العداوة تجاهي، عندها قررت أن أصارحه بالحقيقة - والتي هددني والدي بالقتل إن ذكرتها - وهي أني وافقت رغماً عني، وعند علمه غضب بشدة، وقال لي: لن أطلقك بعد 4 سنوات ضاعت من حياتي، ولن أكون الضحية وحدي، بل يجب أن تخسري أنت كذلك، وسأتزوجك، وأطلقك بعد شهر، أو شهرين، حتى تخسري أنت كذلك، وإذا كنتِ لا تريدين مني الدخول عليكِ فلن أدخل، وبعد يومين، أو ثلاثة، اتصلت عمتي، وأخبرتنا بتحديد موعد الزواج، وقمت وقتها بالاتصال على زوجي، وبأملي الأخير بأن يطلقني، وحاولت معه، لكنه رفض بشدة بحجة الانتقام، وعند إخباري لوالدي ووالدتي - والتي تغيرت من تأييدي إلى تأييد أبي خوفا من كلام الناس - بكلامه قالا لي: إن كل شيء سيتغير بعد الزواج، كما قالا لي: بأن الناس سيتكلمون كثيراً إذا طلقك بعد 4 سنوات من الملكة؛ حيث إن هم أهلي الأول والأخير هو كلام الناس وبدون تفكير في مصيري أنا، وقد قام إخواني وبعض أقاربي بمحاولة إقناع والداي بعدم إتمام الزواج، ولكن دون جدوى. أنا الآن أرى الأيام تسير بسرعة، ولا أستطيع فعل أي شيء في زواج أرى أنه فاشل، ولن يستمر أبدا، نظراً لكرهنا لبعضنا، علما بأن الزواج تم تحديده في بداية شهر رجب. آمل منكم إفادتي عن صحة هذا الزواج شرعيّاً، خاصة إنني مرغمة ومجبرة على الموافقة، وماذا يجب عليَّ فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أخطأ والدك خطأ بالغاً إذ أكرهك على الزواج بمن لا ترغبين، وممارسته للضغوط عليكِ حتى توافقي على ابن عمتك أمر لا يرضى به الشرع، ولا تترتب على ذلك الإكراه آثار الزواج الشرعي.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) . رواه مسلم (1421) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"المرأة لا ينبغي لأحدٍ أن يزوِّجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت ذلك: لم تُجبر على النكاح، إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها، ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب: فلا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب، ولا لغيره، بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزوجيها بدون إذنها، بإجماع المسلمين، فأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها، واختلف العلماء في استئذانها هل هو واجب أو مستحب، والصحيح: أنه واجب، ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وينظر في الزوج هل هو كفؤ أو غير كفؤ؛ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته، وليس له أن يزوجها بزوج ناقص لغرض له" انتهى.
" مجمع الفتاوى " (32 / 39، 40) .
ثانياً:
إذا زوج الأب ابنته بدون رضاها، فالنكاح غير لازم لها، فإن شاءت ردَّت النكاح، وإن شاءت أمضته.
بوَّب البخاري رحمه الله: " باب إذا زوَّج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود ".
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه أبو داود (2096) وابن ماجه (1875) ، وصححه ابن القيم في " تهذيب السنن " (3/40) والألباني في " صحيح أبي داود ".
والذي ننصحك بفعله هو الإكثار من دعاء الله تعالى الذي يجيب المضطر إذا دعاه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النحل/62.
واستعيني بعقلاء أهلك: أعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك ونحوهم ويجب عليهم أن يتدخلوا وينصحوا أباك وينصحوا الزوج بأن يطلق.
فإن لم يفد ذلك فنرى أن ترفعي أمرك إلى القاضي الشرعي، ونسأل الله تعالى أن يفرج كربك.
ثالثاً:
نوصي الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يكف ظلمه عمن عقد عليها، ونوصيه أن يسرحها بإحسان، ولا ندري كيف يقبل مسلم أن يقبل الزواج بامرأة لا ترغب بالزواج منه، ونذكر هذا الزوج بأن كل الذنوب يؤخرها الله إلا الظلم والعقوق، وليعلم أنه سيتزوج عاجلاً أم آجلاً، وأنه قد يرزق بنين وبنات، فليحذر من أن يعاقبه الله في بناته بأن يتزوجها من يرغب بالانتقام منها أو من أهلها، فيكون هذا ابتلاء لها وعقوبة له، وليحذر من عقوبة الله له دنيا وأخرى، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) . رواه مسلم (2577) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه البخاري (2315) ومسلم (2579) .
وقال بعض السلف: " إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك "
ولله در الشاعر حين قال:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
فتذكر أيها الزوج موقفك أمام الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة، يوماً يشيب منه الولدان، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوماً ينادي الملك الجبار خالق كل شيء: لمن الملك اليوم؟ ولا مجيب، فليس هناك مَلِكٌ إلا هو، وليس هناك صاحب سلطان إلا هو عز وجل.
ونوص أباك وأهلك جميعاً أن يتقوا الله تعالى ولا يحملنهم الخوف من كلام الناس على ظلمك، فإنهم مسئولون عن هذا الظلم يوم القيامة (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (893) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه مسلم (142) .
وما يريده أبوك وأمك منك هو من الغش لك وعدم النصح، فليحذروا من هذا الوعيد الشديد الوارد في هذا الحديث، ونسأل الله تعالى أن يهدي أهلك، ويفرج كربك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/220)
إذا كان الزوج هو الولي، فهل يزوج نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بنت عمي شقيق والدي، أرغب في الزواج منها، وأنا وليها بموجب وكالة شرعية، وأرغب في أن أتزوجها، وليس لدينا أقرباء عصبة، ولا إخوة، ولا يوجد من يحل محلي في ولايتها، فهل أقول لها: " زوجتك نفسي " بحضور الشهود وتقول لي: قبلت؟ أم أوكل المأذون؟ أم ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ولي المرأة في النكاح هو ابن عمها وأراد أن يتزوجها، فلا حرج في ذلك إن رضيت به.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وليُّ المرأة التي يحل له نكاحها - وهو ابن العم، أو المولى، أو الحاكم، أو السلطان - إذا أذِنت له أن يتزوجها: فله ذلك" انتهى.
"المغني" (7/360) .
وفي هذه الحال له أن يتولى عقد النكاح عن نفسه وعن المرأة لأنه وليها، فيقول: قد تزوجتك، أو زوجت نفسي فلانة، ونحو ذلك من العبارات، ولا يحتاج أن يقول: قبلت، لأن إيجابه يتضمن القبول، ولا تحتاج هي أيضا أن تقول: قبلت، لأن المرأة لا تتولى عقد النكاح لا لنفسها ولا لغيرها، وإنما يعقد لها وليها.
وله أن يوكل رجلاً يتولى إنكاحها له نيابة عنه، سواء كان هذا الوكيل المأذون أم غيره.
وحينئذ يقول وكيله: زوجتك فلانة، ويقول هو: قبلت. وبهذا ينعقد النكاح، وهذان الأمران قد ورد فعلهما عن الصحابة رضي الله عنهم.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
"بَاب إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْخَاطِبَ. وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لِيُشْهِدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُكِ، أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا" انتهى
وصحح الألباني أثر المغيرة بن شعبة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في " إرواء الغليل " (1854) ، (1855) .
وينبغي أن يعلم أنه لابد من الإشهاد على العقد في الحالين، ولمعرفة أركان النكاح وشروطه راجع جواب السؤال رقم (2127) .
انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/221)
تزوجها ثم اكتشف أن اسمَها مزوَّر
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت قبل عام، واكتملت شروط النكاح المعروفة لدي، من موافقة ولي أمرها وشهود ومهر وغيرها، وأخبرتني قبل الزواج أن اسمها الثلاثي (أم د) كما جاء في أوراقها الرسمية، وبعد عام اكتشفت أن اسمها (أس ى) ، وأنها غيرت اسم والدها وجدها بأسماء لا تربطها بهم صلة، لكي يسهل عليها دخول المملكة، وجعلتني أردد اسمها غير الحقيقي لمدة عام، ولم تصارحني بالحقيقة، علماً بأنها دائماً تكذب حتى في أبسط الأشياء، فهل عقد النكاح هذا باطل؟ علماً بأني لم أسمع حتى من ولي أمرها أنه ذكر اسمها الحقيقي أثناء عقد النكاح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليس من أركان عقد النكاح ولا من شروطه التسمي بالاسم الصحيح، بل يكفي تعيين المرأة المراد خطبتها والعقد عليها، فإن حصل خطأ أو تزوير في الاسم فلا يؤثر ذلك على صحة النكاح.
جاء في "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (12،48،49) في معرض ذكر شروط النكاح:
" (أحدها: تعيين الزوجين) لأن عقد النكاح على أعيانهما، الزوج والزوجة؛ والمقام مقام عظيم يترتب عليه أنساب، وميراث، وحقوق، فلذلك لا بد من تعيين الزوجين، فلا يصح أن يقول: زوجت أحد أولادك، أو زوجت أحد هذين الرجلين، أو زوجت طالباً في الكلية، بل لا بد أن يعين، وكذلك الزوجة فلا بد أن يعيِّنها فيقول: زوجتك بنتي.
والتعيين له طرق:
الأول: الإشارة، بأن يقول زوجتك ابنتي هذه، فيقول: قبلت.
الثاني: التسمية باسمها الخاص، بأن يقول: زوجتك بنتي فاطمة، وليس له بنت بهذا الاسم سواها.
الثالث: أن يصفها بما تتميز به، مثل أن يقول: ابنتي التي أخذت الشهادة السادسة هذا العام، أو ابنتي الطويلة، أو ابنتي القصيرة، أو البيضاء، أو السوداء، أو العوراء، أو ما أشبه ذلك.
الرابع: أن يكون التعيين بالواقع، مثل أن يقول: زوجتك ابنتي، وليس له سواها " انتهى باختصار.
فالنكاح من حيث الصحة: صحيح.
أما ما فعلته تلك الفتاة فهو من المحرمات التي لا خلاف في تحريمها، أن ينتسب المسلم إلى غير أبيه، وقد عدها أهل العلم من الكبائر لما جاء فيها من التغليظ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (638) ، (1942) .
فالواجب عليها التوبة من فعلتها تلك وتصحيح الاسم، وتقوى الله تعالى في لسانها فلا تتحدث إلا بالصدق، واللسان سبيل إلى الجنة أو إلى النار، ويجب على المسلم أن يتحرى فيه الحق والعدل والصدق والإنصاف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/222)
تريد مفارقته، وهو لا يرغب بذلك، والحكومة لا تعترف بعقد زواجهما!
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تزوجت رجلاً إسلاميّاً، والعقد الإسلامي لا يُعترف به هنا في ألمانيا، والآن تريد أن تتطلق منه، وهو لا يريد، ويقول: إنها لا تستطيع، ماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا توفرت أركان عقد الزواج كاملة: فالعقد صحيح، وإن لم يوثَّق في الدوائر الرسمية.
ولكن ينبغي عدم التهاون في تسجيله حتى لا يؤدي ذلك إلى التلاعب أو إنكار أحد الزوجين للعقد.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من غير ضرورة أو حاجة ملحة.
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (1187) وأبو داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل هناك دليل شرعي فيه لعن للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب شرعي؟ .
فأجاب:
"لا أحفظ حديثاً في اللعن، لكن هناك وعيد شديد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وهذا وعيد شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن رائحة الجنة حرام عليها، فهذا وعيد شديد، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها، وفي بعلها، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس" انتهى. وستأتي قصتها.
" لقاءات الباب المفتوح " (8 / السؤال رقم 18) .
وينبغي التنبه إلى أن الممنوع في حقها هو طلب الطلاق من غير بأس، فإن كانت كراهيتها للبقاء معه بسبب سوء خلقه، أو تقصيره في الحقوق الزوجية: جاز لها طلب الطلاق، وبالطلاق تأخذ كامل حقوقها المالية منه، وأما إن كانت الكراهية من قبَلها، وكانت لا تستطيع البقاء معه مع عدم وجود ما يعيبه في دينه وخلقه: فإنها لا تطلب الطلاق، بل تطالب بالمخالعة، فتدفع له المهر الذي أعطاها، ثم يفارقها.
وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله:
رجل تزوج امرأة، ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته، فقال لها بعد الدخول: إن شئت خالعتك، فرفعت أمرها للقضاء، وحصلت على الطلاق، وهو يرغب في بقائها معه، فهل يقع هذا الطلاق؟ .
فأجاب:
"هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع - والخلع معناه: أن يفارق الزوج زوجته بعوَض، سواء كان العوض منها، أو من أبيها، أو من رجل أجنبي - ونحن نقول:
أولاً: لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، أما إذا كان هناك سبب شرعي، بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلُقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين: فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها، ثم يفسخ نكاحها.
ودليل ذلك: (أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة، فقالت: نعم يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) ، فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها: فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ إنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها.
أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) .
وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة: فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً، حتى يكون ذلك خلعاً شرعيّاً" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (54 / السؤال رقم 1) .
والخلاصة:
أن العقد بين الزوجين – كما هو الظاهر –صحيح، ولا يجوز لها طلب الطلاق من زوجها إلا من ضرورة، فإن كانت كراهية البقاء معه بسبب من الزوج: طلبت الطلاق وأخذت حقوقها كاملة، وإن كانت الكراهية من قبَلها: طلبت المخالعة، ويفضَّل أن يقبل بها، ولا يمانع.
والذي نشير به عليهما: توسيط أهل الخير من أهل العلم والحكمة للإصلاح بينهما، فإن وصلت الأمور لطريق مسدودة: فلا يجوز لها الزواج من غيره اعتماداً على عدم اعتراف الحكومة الألمانية بعقد زواجها، بل لا بدَّ من أن يكون الفراق بينها وبين زوجها وفق الكتاب والسَّة، وحينئذ، فلابد للزوجين من الذهاب إلى أحد المراكز الإسلامية ليتم حل مشكلتهما وفق أحكام الشريعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/223)
هل يجب إقامة حفلة زواج
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة في العمل، رئيسي في العمل طلب مني وثيقة تثبت أنه في الدين الإسلامي عندما نتزوج (قانوناً نحن متزوجون) ولكننا لا نكون متزوجون حقاً حتى نحتفل بالعرس.
سؤالي هو: هل يمكن أن تساعدني أن أجد مصدراً أجد فيه ما أريد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يثبت الزواج شرعا بالعقد بين الزوجين بموافقة ولي المرأة وحضور شاهدين، ويكون العقد بذلك تاما ولو لم يتم الاحتفال. راجع سؤال رقم (2127)
وأما الاحتفال بالزواج وإعلانه والدعوة إلى الوليمة في هذه المناسبة إظهارا للفرح وإشهارا لعقد الزواج فكل هذا مما يستحب عند النكاح، قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح) أخرجه أحمد 4/5 وصححه الحاكم 2/200 وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1072)
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف عندما تزوج: (أولم ولو بشاة) رواه البخاري (1943) ومسلم (3475)
راجع المغني 8/105.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/224)
تم عقد الزواج في المحكمة دون حضور ولي المرأة وعلى المذهب الحنفي!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من العراق، وتزوجت قبل 6 سنوات، وعندي طفل، وفي العراق عقد النكاح يتم في المحكمة، وعلى المذهب الحنفي، وعند العقد كان والدها حاضراً، ولكن لا يجوز أن يدخل على القاضي سوى أنا، وهي، ولكن والدها وقَّع في الأوراق كشاهد مع والدي، فهل زواجنا صحيح أم باطل؟ وهل عليَّ فعل شيء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جزاك الله خيراً على حرصك، وتحريك عن أمور دينك، وعتبنا عليك أن ذلك جاء متأخراً! فمن المفترض أن يكون سؤالك بعد الحدث مباشرة دون تأخير، ولكن لعلك لم تكن تعلم خطأ عقد النكاح بتلك الطريقة.
ثانياً:
تعقد بعض الدول عقود النكاح في محاكمها الشرعية وفق الأحكام في المذهب الحنفي، وتجد (المأذون) يجهر بأن عقد التزويج على الكتاب والسنَّة ومذهب الإمام أبي حنيفة! وهذا مخالف للشرع، ولا ينبغي اعتماد مذهب بعينه في عبادة المسلم ومعاملاته، ولا ينبغي للدول فعل ذلك، فقد يكون في هذا المذهب ما هو مخالف للشرع، وقد يوجد ما هو أصوب منه، فكيف يُعتمد مذهبٌ بعينه في أمور المعاملات كلها؟! ومن أسهل الطرق في الرد على من يتمسك بعقد النكاح بهذه الطريقة، أن يقال لهم: كيف كانت تعقد الأنكحة قبل الإمام أبي حنيفة رحمه الله؟!
والعاقل يعلم أن هذه العبارة عبارة باطلة، ويعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يتزوج أحد منهم بهذه العبارة، ويعلم أن الأئمة لم يتزوجوا كذلك، ومنهم الإمام أبو حنيفة نفسه! بل ما عُرف ذلك إلا من المتعصبة، والذين بلغ ببعضهم التعصب أن زعم أن عيسى عليه السلام عندما ينزل سيحكم بالمذهب الحنفي!
والمذهب الحنفي لا يَشترط الولي في عقد النكاح، فيجوز عندهم أن تزوِّج المرأة نفسها بنفسها، وهذا مخالف للقرآن والسنَّة الصحيحة.
وإذا تمَّ عقد زواج المرأة بدون وليها فنكاحها باطل – وانظر جواب السؤال (7989) . وفي غالب الأحيان يتم عقد الزوجية قبل ذهاب العروسين للمحكمة، فيطلب الرجلُ المرأةَ من وليها، وتتم الموافقة، وتحديد المهر، ويتم العقد في حضور بعض أفراد الأسرتين، ثم يتم توثيق ذلك في المحكمة الشرعية، أو غيرها، فيكون دور المحكمة أو المأذون هو التوثيق فقط، وهذا لا بأس به.
لكن. . نظرا لاختلاف العلماء في صحة هذا العقد، فإنه إذا حكم به الحاكم لم ينقض حكمه، ويقال حينئذ بصحته، حتى لا يقع اضطراب بين الناس.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/346) عن العقد بدون ولي:
"فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم , أو كان المتولي لعقده حاكما , لم يجز نقضه، وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة. وذهب بعض العلماء إلى أنه ينقض، لأنه خالف نصا. والأول أولى ; لأنها مسألة مختلف فيها , ويسوغ فيها الاجتهاد" انتهى بتصرف.
وإذا أردت الاحتياط، فعليك أن تطلب من أبيها أن يعيد العقد مرة أخرى، فيقول لك: زوجتك ابنتي. وتقول: قبلت، ويُكتفى بما سبق من التوثيق. هذا هو الأولى والذي يقتضيه الاحتياط لعقد النكاح، حتى يكون العقد صحيحا بلا شبهة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/225)
معنى (الخبيثات للخبيثين) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[كتبت هذه الرسالة بعد قراءتي لمقال وفي آخر المقال ذكر الموقف التالي: ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ، فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه. فما هو تفسير آية (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ؟! وقد حدثت لي تجربة شخصية من عهد قريب، حيث تزوجت من فتاة كنت أعتقد فيها الصلاح، وكان هدفي هو إقامة بيت مسلم أحاول فيه بكل جهدي أن أسير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن بعده صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وبدون الكثير من التفاصيل فقد قصَّرت في حق نفسي، ولم أُحسن السؤال عنها وعن أخلاقها، ووجدتها - غفر الله لي ولها - على جانب عظيم من الخبث، وأكثر حديثها كذب وخداع، ولم أشعر أن عندها أي حب للدين أو للالتزام، وقد طلقتها بعد أن أنجبتُ منها مرة واحدة بعدما يئستُ تماماً من الإصلاح، وأنا في قلبي حب شديد للدِّين، ولمن أراه من الصالحين، وفي المقابل عندي بغض شديد لمن أراه غير ملتزم، وبالذات إن كان يصر على المعصية أو يجاهر بها، المهم كانت تجربة زواجي وطلاقي أقسى وأمرّ ما مررت به في حياتي، وأنا الآن خائف من تكرار التجربة، وهل سأجد من تعينني على الصلاح، وكيف أطمئن طالما تعوَّد الناس على إظهار غير حقيقتهم وبالذات عند هذه الأمور؟ لأني قبل أن أتزوج تلك الفتاة كنت قد استخرت الله كثيراً، وكنت أحيانا أبكي أثناء الصلاة ليرشدني الله، وبالذات لما كنت أرى علامات منها، أو من أسرتها لا تدل على الالتزام الحقيقي، أنا لا أبرئ نفسي من الخطأ والتقصير، ولا أزكى نفسي، ولكني - والله - أحب دينه، وأغار عليه بشدة، وأبغض الكذب بغضاً شديداً، باختصار: فإني لست أظن مهما سألت أو جمعت المعلومات أو حاولت دراسة شخصية الفتاة قبل الارتباط بها - مع الضوابط الشرعية بالطبع - أني سأحسن الاختيار، إلا برحمة وفضل من الله، كما أن الزواج أصبح شديد الصعوبة هذه الأيام، وأصعب وأشد ما فيه هو كيف أجد هذه الزوجة الصالحة، فوالله إني لأظنه الآن من أصعب الأمور، وأكاد أظنه من المستحيلات إلا بقدر الله وتوفيقه عز وجل، وعندما أسمع أو أقرأ هذه الآية فإني بدون إرادتي أشعر بالحزن الشديد، فهل تعني هذه الآية أنني ما تزوجت هذه الفتاة إلا لأني أستحقها؟ أعلم أنه بلاء من الله، ولكني أبغي سماع رأي واضح في تفسير الآية، وإن أمكن الرد على باقي ما ذكرته من الاستفسارات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/ 26، فقال بعضهم: هو الخبث والطِّيب في الأقوال، فيكون معنى الآية: الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.
وقال آخرون: هو الخبث والطيب من الأفعال، فيكون معنى الآية: الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال.
والقول الثالث في الآية: أن الخبث والطيب هو من الأشخاص في النكاح، فيكون معنى الآية: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء.
ولا مانع من حمل الآية على المعاني جميعها، وإن كان أظهر الأقوال هو القول الأول، وعليه الجمهور من المفسرين، ويليه: القول الثاني.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومُشاكِل له، وكل طيِّب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال مناسب للطيب، وموافِق له، ومقترن به، ومشاكِل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته: أن الأنبياء - خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقن، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح.
فكيف وهي هي؟ صدِّيقة النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك بحيث لا يُبقي لمُبطل مقالاً، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال:
(أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا.
(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تستغرق الذنوب.
(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الجنة صادر من الرب الكريم.
" تفسير السعدي " (ص 563) .
ثانياً:
ما نقلتَه بشأن قتل من قذف عائشة رضي الله عنها صحيح، وهذا هو الذي ينبغي على الحكام المسلمين أن يفعلوه، وهو قتل كل من قذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن الطعن في عرض عائشة تكذيب للقرآن، وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحدٍ من هذين يوجب الكفر المخرج من الملة، ويستحق فاعله القتل على الردة.
وفي " الموسوعة الفقهية " (22 / 185) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي الله عنها: فقد كذّب صريح القرآن الّذي نزل بحقّها، وهو بذلك كافر، قال تعالى - في حديث الإفك بعد أن برّأها الله منه -: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ، فمن عاد لذلك: فليس بمؤمنٍ.
وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ؟ .
قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة: إنّهنّ مثلها في ذلك، واستدلّ لذلك بقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) .
والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه، وذلك ممنوع.
والقول الآخر وهو مذهب الشّافعيّة والرّواية الأخرى للحنابلة: أنّهنّ - سوى عائشة - كسائر الصّحابة، وسابّهنّ يجلد، لأنّه قاذف.
انتهى
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قذْف عائشة بما برأها الله منه: كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن، وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم، أصحهما: أنه كفر؛ لأنه قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن (الخبيثات للخبيثين) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (5 / ص 86) .
وانظر جواب السؤال رقم: (954) .
ثالثاً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) .
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
ليس من المستحيل أن يجد الرجل امرأة صالحة تعينه على طاعة الله، وتقوم بخدمته، وتربي أولاده، وتحفظ ماله وبيته، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح ذات الدِّين، ولولا أنه بمقدور الرجل واستطاعته أن يجد تلك المرأة المتدينة لما أوصاه نبيه صلى الله عليه وسلم بتزوجها، وهو الذي أخبر في الحديث نفسه أن من الرجال من ينكح المرأة لجمالها، ومنهم من ينكحها لحسبها، ومالها، فالرجال يختارون من النساء كلٌّ حسب رغبته، وعادته، وعرفه، والوصية لجميع المسلمين بأن يكون البحث عن ذات الدين، والاقتران بها؛ لأن في التزوج منها خيراً يراه الرجل في نفسه، وفي بيته، وعلى أولاده.
ولا ينبغي لك أخي السائل قطع الأمل من وجود امرأة صاحبة دين وخلق، فما تزال أمة الإسلام بخير، وما تزال بيوت المسلمين تربي أجيالاً من النساء يحملن أخلاق الإسلام، ويتربين عليه.
ولا يعني فشل تجربة في الزواج أن الحكم سينساق ليشمل كل زواج بعده، فلا يخرج ما حصل معك أولاً عن كونه عقوبة لك بسبب تقصيرك في السؤال والاستفصال عن المرأة التي تزوجتها.
والناس يعرف بعضهم بعضاً، ويختلط بعضهم ببعض، فلا يخفى حال الأسرة وأفرادها عن أقربائهم، وجيرانهم، كما أن أفراد الأسرة يختلطون في المسجد، والمدرسة، والزيارات، فتُعرف المرأة الصالحة من عكسها، ويُعرف الرجل المتدين من عكسه؛ وذلك بمحافظتهما على الصلاة، والالتزام بالشرائع الظاهرة، والأخلاق في التعامل مع الآخرين، وما يخفيه أحدهم في باطنه: فهذا مما لا يمكن لأحد معرفته، ولا يلام من اغتر بصلاح الظاهر وخفي عليه فساد الباطن؛ إذ لم يكلفنا ربنا بشق بواطن الناس والاطلاع عليها.
ثم إن ما يجري على النساء اللاتي تبحث بينهن عن شريكةٍ لحياتك يجري عليك أيضاً! فما الذي يُدري الناس بحقيقة أمرك، وعلم باطنك؟! وقد أوصي الأولياء بأن يزوجوا أهل الدين والخلُق من الرجال، وذلك بحسب ما يظهر منهم، مع السؤال والاستفصال من المقربين لهذا الخاطب، وما قد يقع من الإيهام والخديعة من قبَل المرأة فإنه قد يقع مثله – بل وأضعافه – من الرجال، فلا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق وأن تغتم بسبب زواجك الأول، وكل ما عليك الآن هو البحث بأناة، وسؤال أهل الخير عن الأسر الفاضلة الكريمة التي ربَّت بناتها على طاعة الله تعالى، وعلى الأخلاق الفاضلة، ومن ثمَّ تخصص سؤالك عمن ترغب نكاحها من تلك الأسرة بسؤال صديقاتها وزميلاتها عن التزامها واستقامتها وعن أخلاقها وتعاملها، وبذلك تكون حققت وصية النبي صلى الله ليه وسلم، والمرجو أن لا يخيب ظنك بها، وأن لا تخيِّب أنت ظنهم بك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لحسن الاختيار، وأن يرزقك زوجة صالحة، تعفُّك، وتعفها، وتُحسن إليها وتُحسن إليك، وأن يرزقكم ذرية طيبة.
ولمعرفة مواصفات الزوجة انظر جوابي السؤالين: (26744) و (10376) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/226)
حكم النكاح والطلاق على الورق بقصد الإقامة في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في شخص قام بتطليق زوجته إداريّاً فقط، أي: قام باستخراج ورقة الطلاق من المصالح المعنية، دون أن يطلقها طلاقاً حقيقيّاً، أي: دون أن يتلفظ بكلمة الطلاق، وهذا بقصد أن يستخدم ورقة الطلاق تلك للزواج من فتاة أوربية للحصول على وثائق الإقامة، وبعد أن يتم له ذلك يطلق هذه الأخيرة، ويعيد العقد على الزوجة الأولى. فما رأي الشرع في مثل هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النكاح هو الميثاق الغليظ، وهو من أحكام الشرع العظيمة، تستباح به الفروج، وتثبت به الحقوق كالمهر والميراث، وينتسب الأولاد به لأبيهم، إلى غير ذلك من الأحكام.
وبالطلاق تحرم المرأة على زوجها، وتُحرم من الميراث، وتحل لغير ذلك الزوج، بشروط معروفة، وغرضنا من هذا البيان: تنبيه المسلمين إلى ضرورة عدم استعمال هذين العقدين في غير ما شرع الله تعالى، وعدم اتخاذهما هزوا ولعباً، وقد رأينا – وللأسف – من يعقد على امرأة لا ليباح له منها ما كان يحرم عليه من الاستمتاع، ولا ليُكَوِّن معها أسرة – كما هو حال العقد الشرعي – بل ليتوصل به لغرض دنيوي، كتسجيل أرض، أو استخراج رخصة محل، أو الحصول على إقامة، أو ليمكّن المرأة من السفر خارج بلدها، وكل ذلك لا يكون فيه الرجل زوجاً حقيقيا، ولا تكون المرأة زوجة حقيقية، بل هو زواج صوري! حبر على ورق! وهذا من اللعب والعبث بأحكام الشرع، لا يحل فعله، ولا المساهمة في إنشائه، ويتعين المنع منه في حال أن يراد التوصل به لأمرٍ محرَّم كمن يفعل ذلك من أجل الإقامة في دولة غير مسلمة.
وقل مثل ذلك في الطلاق، فهو حكم شرعي، لا يجوز لأحدٍ الهزل به، ولا العبث بأحكامه، ويسمون ذلك " الطلاق الصوري "! حبر على ورق!
وليعلم هؤلاء جميعاً أنهم آثمون بفعلهم هذا، فلم يشرع الله تعالى النكاح والطلاق لتكون الزوجة اسماً على عقد، ليس لها أحكام، وليس عليها حقوق، وليعلموا أن هذا النكاح تثبت أحكامه بمجرد العقد، إن تمت شروطه وأركانه – وإن فَقَدَ منها شيئاً فهو باطل - وأن الطلاق من الزوج يقع على زوجته بمجرد التلفظ به، فليس في الشرع نكاح صوري، ولا طلاق صوري، وأن الإثم يزيد على فاعلهما لو قصدا التوصل إلى فعل محرَّم أصلاً، كمن يتوصل به للتهرب من حقوق الناس وديونهم، ولتتوصل المرأة من أخذ إعانة مطلقة من دولة أو مؤسسة، أو ليتوصل به لأن يقيم في دولة غير مسلمة يحرم عليها الإقامة فيها، وغير ذلك من المقاصد الباطلة المحرَّمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الشارع منع أن تتخذ آيات الله هزواً، وأن يتكلم الرجل بآيات الله التي هي العقود إلا على وجه الجد الذي يقصد به موجباتها الشرعية، ولهذا ينهى عن الهزل بها، وعن التلجئة، كما ينهى عن التحليل، وقد دل على ذلك قوله سبحانه: (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزؤن بآياته، طلقتك، راجعتك، طلقتك، راجعتك) فعلم أن اللعب بها حرام " انتهى.
" الفتاوى الكبرى " (6 / 65) .
وعليه:
فإذا تزوج رجل امرأةً تحل له، وكان ذلك وفق الشروط الشرعية، وقيام الأركان وخلو الموانع: فإنه نكاح صحيح تترتب عليه آثاره.
وإذا طلَّق الرجل امرأته لفظاً، وقع طلاقه، ولو كان لا يقصد به إنفاذ الطلاق.
وأما التطليق بالكتابة من غير لفظ ففيه تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم (72291) .
ثانياً:
الزواج من تلك الأوربية بقصد الحصول على الإقامة ثم يطلقها بعد ذلك، فعل محرَّم، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في تحريم هذا الفعل في جواب السؤال رقم: (2886) .
وهو إن تزوجها من غير إتمام شروط النكاح، كالزواج من غير ولي، أو مع وجود مانع من صحة النكاح، كأن تكون زانية ولم تتب، أو تكون غير كتابية: فنكاحه لها محرَّم، وهو باطل.
وإن تزوجها زواجاً تامة أركانه وشروطه، وخاليا من الموانع: فزواجه صحيح، وتترتب عليه آثاره، وتحرم عليه نيته.
ثالثاً:
في تلك الأفعال القبيحة من الحصول على ورقة طلاق للزوجة الأولى، والتزوج بثانية من أجل الإقامة ثم تطليقها: محذوران آخران:
الأول: التحايل، والكذب، وشهادة الزور، فهو يتحايل على الدولة ويخدعها من أجل الحصول على الجنسية، وهذا محرم.
والثاني: أنه يريد التوصل بالطلاق والزواج الصوريين للإقامة في بلاد الكفار، وقد جاء في ديننا النهي عن الإقامة بين الكفار لغير حاجة، لما في ذلك من الخطر العظيم على الدين والأخلاق، وعلى الفرد والأسرة.
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَنَا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسلِمٍ يُقِيمُ بَينَ أَظهُرِ المُشرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (27211) .
فالذي ننصح به إخواننا هو أن يتقوا الله تعالى في العقود الشرعية، وأن لا يتخذوها مطايا لغايات دنيوية، وأولى أن يمتنعوا إن كانت الغايات محرَّمة، وليتقوا الله تعالى في زوجاتهم، وأولادهم، وليتأملوا فيما يمكن أن تسببه أفعالهم في إيقاعهم في الحرج الشديد، أو الحرمان من الحقوق، وغير ذلك من المفاسد المترتبة على مباشرة تلك العقود بتلك الصور الفاسدة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/227)
عقد نكاحها وكيل الأب وهو لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[لعدم استطاعة أبي أن يحضر عقد قراني ويكون وكيلي فقد طلب مني أن أوكل ثاني أكبر أعمامي لأن أكبر أعمامي مسافر، وتم عقد القران على هذا الأساس في المسجد ومع توافر جميع شروط العقد من إيجاب وقبول وولي وشاهدين وإشهار، ولكن ما يؤرقني هو أن عمي (من كان وكيلي) لا يصلي (هو مسلم يصلي الجمعة وفي رمضان ويصوم رمضان، زوجته محجبة وتصلي، ولكنه يقول نعم أنا لا أصلي ولكني خَيِّر، ولكن هناك من يصلي ويرتكب الذنوب) وسؤالي هل يؤثر هذا على صحة الزواج وكل ما يترتب عليه من دخول ومعاشرة زوجية وحياة كاملة مع هذا الزوج. ذلك لأن هناك من يفتي بأنه من لا يصلي يخرج من الدين الإسلامي ومن أحد شروط الوكيل الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يعقد النكاح إلا الولي أو من ينوب عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع 2709
فالمرأة لا تعقد لنفسها، ولا توكل أحدا ليعقد لها، عند جمهور العلماء، وإنما يعقد النكاح الولي أو من يوكله الولي.
وقول العاقد في بعض البلدان: زوجتك موكلتي، يعني المرأة، هذا مبني على مذهب الحنفية الذين يجوزون للمرأة أن تعقد لنفسها ولا يشترطون الولي، وهذا خلاف ما عليه جمهور العلماء، مع مخالفته للأحاديث المتقدمة، ففي الصورة المسئول عنها، هذا العم كان وكيلا للولي (الذي هو الأب) وليس وكيلاً للزوجة.
ثانيا:
تارك الصلاة الجاحد لها كافر بإجماع العلماء، وأما من تركها تكاسلا وتهاونا، فقد اختلف العلماء في كفره، والراجح الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أنه كافر.
وعلى هذا فمن ترك الصلاة لم يجز أن يكون وليا ًلمسلمة في عقد نكاحها.
والذي لا يصلي إلا في الجمعة ورمضان يعتبر تاركا للصلاة، وهو كافر على القول الراجح، كما سبق، وينظر جواب السؤال (2182) و (5208) .
ودعواه أنه خير ممن بعض المصلين، لا تفيده شيئا بعد وقوعه في الكفر، وأي ذنب أعظم من الكفر، وما الذي يمنعه من الصلاة وهي ركن الإسلام وعموده، والفارق بين المسلم والكافر؟!
قال ابن قدامة رحمه الله: " أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/377) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان لا يصلي لا يحل أن يعقد النكاح لأحد من بناته، وإذا عقد النكاح صار العقد فاسداً؛ لأن من شرط الولي على المسلمة أن يكون مسلماًَ " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وأما من يوكله الولي (الأب) لعقد النكاح فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه يشترط فيه الإسلام، وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط فيه ذلك، لأنه إنما هو مجرد وكيل عن الولي، وليس هو الولي.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (5/21) :
"وَيَجُوزُ وَكَالَةُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي النِّكَاحِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ امْرَأَةً وَلَا كَافِرًا بِتَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ، لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ لَا يَكُونُ وَلِيًّا بِحَالٍ" انتهى.
وقال ابن قدامة:
"وَمَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ لِنَفْسِهِ , لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ , كَالْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ , وَالْكَافِرِ فِي تَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ , وَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (7/133) :
"لا يصح أن يوكل مسلم كافرا في عقد النكاح له من مسلمة عند الشافعية والحنابلة ; لأن الذمي (الكافر) لا يملك عقد هذا النكاح لنفسه فلا يجوز وكالته. وقال الحنفية والمالكية: تصح هذه الوكالة ; لأن الشرط لصحة الوكالة: أن يكون الموكل ممن يملك فعل ما وكل به , وأن يكون الوكيل عاقلا , مسلما كان أو غير مسلم" انتهى.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل وكل ذميا في قبول نكاح امرأة مسلمة , هل يصح النكاح؟ فأجاب: "الحمد لله رب العالمين. هذه المسألة فيها نزاع، فإن الوكيل في قبول النكاح لا بد أن يكون ممن يصح منه قبوله النكاح لنفسه في الجملة , فلو وكل امرأة , أو مجنونا , أو صبيا غير مميز لم يجز. . .
وأما توكيل الذمي في قبول النكاح له , ففيه خلاف بين العلماء , ومن قال إنه جائز , قال إن الملك في النكاح يحصل للزوج لا للوكيل باتفاق العلماء. . . فتوكيل الذمي بمنزلة توكيله في تزويج المرأة بعض محارمها , كخالها، فإنه يجوز توكيله في قبول نكاحها للموكل , وإن كان لا يجوز له تزوجها. كذلك الذمي إذا توكل في نكاح مسلم , وإن كان لا يجوز له تزويج المسلمة , لكن الأحوط أن لا يفعل ذلك لا فيه من النزاع. . . ولكن لا يظهر مع ذلك أن العقد باطل , فإنه ليس على بطلانه دليل شرعي " انتهى باختصار وتصرف.
"الفتاوى الكبرى" (3/123) .
وعلى هذا؛ فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أن النكاح صحيح، لأن الأدلة تدل على اشتراط أن يكون ولي المسلمة في النكاح مسلماً، أما من يكون وكيلاً عن الولي، فلم يقم دليل واضح على اشتراط أن يكون مسلماً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/228)
هل يُنصح بالتزوج من امرأة غير متحجبة وتربت في بلد أجنبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج من فتاة مسلمة، ولكنها تربت في بلد أجنبي، وهي غير محجبة، وأنا في حيرة، وخوف، وقلق، ولا أعلم ماذا أفعل، والسبب: أنه إذا حصل الزواج أن تبقى على ما هي عليه - أقصد " الحجاب " - وسؤالي هو: ما الذي يترتب علي؟ هل هذا الزواج حرام؟ وهل أأثم؟ وماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوجة دور بالغ الأهمية في بيتها، وبصلاحها تصلح – إن شاء الله – ذريتها، ولا يمكن تخيل مدى السوء الذي سيكون في بيت الزوجية في حال فساد تلك الزوجة، فالزوج لن يجد في بيته السكن، ولا المودة والمحبة، كما أنها ستؤثر سلباً على أولادها، من ذكور وإناث، وهذا مشاهد لا يخالف فيه أحد.
وقد وجدت حالات كثيرة سعى أبطالها للتزوج بامرأة ناقصة الدين، بل وفي أحيان أخرى تكون كافرة يطمع في إسلامها، أو مبتدعة يطمع بإرجاعها لأهل السنَّة، ولكن تبوء مشاريعهم بالفشل؛ وقد رأينا كثيرين غرقوا في تلك البحار، وما استطاعوا النجاة بأنفسهم.
وقد أوصانا الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم بالتزوج بذات الدِّين، فقَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، فعليك بهذه الوصية المباركة، ولا تفرِّط فيها، واعلم أن الزوجة ستكون عرض الإنسان وشرفه، وستكون مربيةً لأولاده، ومؤتمنة على ماله وبيته، ولا خير في امرأة لا تحفظ هذه الوظائف ولا تقوم عليها حق القيام، والإنسان ابن بيئته، وابن بيته، وإذا كان هذا الأمر يظهر في الرجال فإن ظهوره في الإناث آكد وأقوى، فمن تربت في بلد أجنبي، وفي بيت لا يعرف الاستقامة والالتزام فإنه ستظهر آثار تلك البيئة وذلك البيت على المرأة ولا شك، إلا أن يرحم الله تعالى بعض الأفراد فيوفقهم للهداية والاستقامة، ولو أنها كانت مقبلة على الهداية، وترغب بالتخلص من ماضيها، وتريد من يأخذ بيدها للاستقامة: لنصحناك بها، ولرغبناك في التزوج منها، أما وحالها ليس كذلك: فإننا لا ننصحك بالتزوج منها، وابحث عن غيرها، ولعلك أن توفق لذات الدين عاجلاً غير آجل.
وهذه فتاوى من علمائنا تؤيد ما قلناه لك، ونصحناك به:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لي أخ سيتزوج من فتاة متبرجة، فما واجبي نحوه؟ وبماذا تنصحه بعد أن خطبها؟ وما الواجب عليَّ فعله إذا استعملت آلات اللهو والغناء داخل البيت احتفالاً بالعرس؟
فأجابوا:
" عليك أن تنصحه أن يتزوج بذات الدين؛ امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدِّين) ولا تحضر حفلة الزواج التي تستعمل فيها آلات اللهو والغناء إلا إذا كنت قادراً على إنكار المنكر، فإن لم تكن قادراً على ذلك: وجب عليك اجتناب المنكر على الأقل " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 182، 183) .
2. وسئلوا – أيضاً -:
ما حكم الإسلام في رجل تزوج بامرأة لا ترتدي الزي الإسلامي، وهل يحمل سيئات أم لا على أنها متبرجة، وبالرغم أنه نصحها وأمرها به هل يجوز له أن يطلقها؛ لأنها لا ترتدي هذا الزي؟ بالرغم أنها معترفة به وتقول: إنه فرض.
فأجابوا:
" على الزوج أن يستمر في نصحها وحسن توجيهها؛ لعل الله أن يهديها ويوفقها، وإذا بذل وسعه في نصحها: فليس عليه إثم، فإن أصرَّت على البقاء على المنكر: فواجب عليه أن يطلقها " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 181) .
3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو يذكر صفات الزوجة:
(ديِّنَةٍ) ، أي: صاحبة دين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتُصلح مَن يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله، وتحفظ بيته، بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين) ، فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ: فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة.
فلو اجتمع عند المرء امرأتان: إحداهما جميلة، وليس فيها فسق أو فجور، والأخرى دونها في الجمال لكنها أدين منها، فأيهما يختار؟ يختار الأدين.
...
وقد يقول بعض الناس: أتزوج امرأة غير ديِّنة لعل الله أن يهديها على يدي، ونقول له: نحن لا نكلَّف بالمستقبل، فالمستقبل لا ندري عنه، فربما تتزوجها تريد أن يهديها الله على يدك، ولكنها هي تحولك إلى ما هي عليه فتشقى على يديها " انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 13، 14) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (96584) .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك زواجاً بامرأة صالحة، وأن يعينك وإياها على إنشاء أسرة طيبة صالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/229)
عقد عليها ورأى بها عيبا فطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[تم عقد قراني على شاب تقدم لي قبل3 أشهر، وكانت حوله شبهات غير مؤكدة وقد وقفت بجانبه بعد أن وجدت منه الرغبة الصادقة في الارتباط ببنت متدينة، وقلت: لعلي أكون سببا لثباته ويعين بعضنا بعضا على طاعة الله، وتربية الذرية الصالحة. ووافق أهلي عليه بسبب تمسكي الشديد به. وبعد أسبوع من العقد طلب مني أن يستمتع بي ولكن دون جماع، فوافقت لأنني زوجته وعلي طاعته، وفعلا تمتع بجسدي كاملا مرتين, وخلال ذلك اكتشف أني أعاني عيبا خلقيا في شكل العانة – وأنا يشهد ربي أني لم أكن أعلم به – وقد طلب مني الانفصال لأنه شعر بنفور تجاهي وقد لا يتمكن من إسعادي في المستقبل أو قد يتزوج علي امرأة أخرى. وذهبنا معا لدكتورة فقالت إن هذا لا يعد عيبا وإنما هو اختلاف في التقاطيع، كما تختلف تقاطيع الوجه من شخص لآخر، ويمكن إجراء عملية جراحية بسيطة للتجميل، وأنه لا يؤثر لا على متعة ولا على الإنجاب. ومع ذلك أصر زوجي على الطلاق. وأرسل لي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار فلما دخل عليها رأى بكشحها بياضا فقال البسي عليك ثيابك والحقي بأهلك) ... وتم الطلاق، وأعدت له المهر كاملا وتنازلت أيضا عن المؤخر ... ورغم مرور شهر ونصف على الطلاق إلا أني ما زلت أعاني من الحزن الشديد ودموعي لم تجف حتى هذه اللحظة ... وقد فقدت الثقة في حكمي على الأشخاص ممن حولي، وأشعر بالنقص بسبب العيب الذي في. . سؤالي: هل هذا القصة التي أرسلها لي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقعت بالفعل؟ وأنا على إيمان ويقين أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لعلى خلق عظيم سواء كانت هذه الواقعة صحيحة أو باطلة.... هل زوجي ظلمني عندما تخلى عني في أصعب الظروف ولم يقف بجانبي وتركني من أجل شهوة؟ هل يجوز للزوج أن يتخلى عن زوجته بسبب أنه رأى شيئا لم يعجبه في جسدها؟ وهناك أمر آخر أيضًا أفكر به دائمًا هل يعتبر زوجي أو طليقي قد دخل بي أم لا؟ لأننا أخبرنا القاضي بأنه لم يتم الدخول لأنه لم يفض غشاء البكارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا، وأن يزيدك إيمانا وصبرا ورضا، ونقول: احمدي الله تعالى واشكريه على نعمه وفضله، فإنك لا تدرين أين الخير، ولعل انفصالك عن هذا الزوج خير كبير لك، لكن ينبغي ألا يؤثر هذا على شخصيتك وألا يضعف من عزيمتك، بل هذه تجربة يستفاد منها في المستقبل، فلا تقبلي إلا من يُرضى دينه وخلقه، ولا تتساهلي في ذلك.
ثانيا:
يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بعد العقد، لكن لا يدخل بها، مراعاة للعرف، وتجنبا لما قد يحدث من مشاكل في حال الفراق.
وما ذكرته مما حدث بينكم من الاستمتاع يأخذ حكم الدخول من حيث وجوب المهر كاملاً ووجوب العدة عند كثير من أهل العلم.
وينظر جواب السؤال سؤال رقم (97229)
فجميع المهر والمؤخر كان حقا لك، وما دمت قد تنازلت عنه فلا تلتفتي لذلك، فإن المال يذهب ويجيء، وإنا لنرجو أن يعوضك الله خيرا.
ثالثا:
الحديث الذي استشهد به الزوج، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار فرأى بكشحها بياضا فقال: البسي عليك ثيابك، والحقي بأهلك، وأمر لها بالصداق كاملا، رواه أحمد والحاكم، وفيه: جميل بن زيد، قال يحيى بن معين: ليس بثقة. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال البخاري: لا يصح حديثه. ولهذا فالحديث ضعيف جدا، كما قال الألباني في "إرواء الغليل" (6/326) . وضعفه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
فالحديث ضعيف لا يصح، ثم إن زوجك لم يعمل به إلا فيما يوافق هواه، ولو أنه عمل بالحديث لدفع إليك المهر كاملا كما جاء في الحديث.
رابعا:
إذا كان العيب الذي عندك يمكن علاجه بعملية جراحية بسيطة كما قالت الطبيبة، فلا يعد عيبا يبيح للزوج الطلاق.
وبناء على ذلك؛ فالذي يظهر لنا أن زوجك ظلمك بهذا الطلاق.
ولكن ما دام الأمر قد وقع وانتهى، فاحمدي الله على كل حال، وأقبلي على شأنك، وتناسي ما كان، وسلي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/230)
هل تقبل أن تكون زوجة ثانية أم تصبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة وفي الأربعينات وذات حسب ومركز في الحياة العامة أيضاً وتعلمت من تجربتي السابقة درساً قاسياً لأن الاختيار كان قائماً على المظاهر ولم يكن على أساس ميزان الدين والخلق. تقدم إلي الآن من أحسبه على دين وخلق ومشهود له بالصلاح ولكنه متزوج وزوجته صديقة لأسرتي، كما أنه من حيث المكانة الاجتماعية أقل من أسرتي. ويمنعني من القبول خوفي من نظرة المجتمع، ونظرات التأنيب في عيون الزوجة، لمجرد تقدمه إلى أخي للخطبة، فما بالنا بالمضي في الزيجة. أنا من مصر وتعلم يا شيخ نظرة المجتمع المصري للزوجة الثانية. أصلي صلاة استخارة فأشعر بارتياح وأوشك أن أطلب من أخي أن يرد عليه بالقبول، ثم أحسب حساب المجتمع وتساؤل الناس لماذا أقبل بمن هو أقل من حيث الوضع الاجتماعي وكيف أخطف الزوج من زوجته وأولاده وهي صديقة الأسرة فيضيق صدري. علماً أنه لم يتقدم طمعاً في شيء وإنما رغبة منه في ستر بنات المسلمين خاصة إذا كانت البنت مشهوداً لها بالصلاح، بل إنه يشجع غيره على أن يسلك نفس المسلك من أجل عفة النساء ومن ثم المجتمع، ويتضح ذلك من شهادة أخي، كذلك أنا لست الشابة الجميلة ويمكنه أن يتقدم لمن هي أصغر وأجمل إن شاء. هل علي ذنب إذا رفضت؟ وما هو رأيكم يا شيخ هل أرفض وأصبر عسى الله أن يرزقني بغيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن نظرة كثير من المجتمعات الإسلامية (ومنها المجتمع المصري) إلى تعدد الزوجات على أنه خيانة للزوجة الأولى، أو أنه مما يعاب به الزوج أو الزوجة الثانية، لا شك أن تلك النظرة خاطئة، تخالف شرع الله تعالى، حيث أباح للرجل أن يعدد الزوجات إلى أربع. قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3.
ولا يمكن لمسلم أن يعترض على الله تعالى في حكمه، أو يظن الظلم والعدوان والخطأ في حكمٍ شرعه الله تعالى.
ولذلك نحن لا نوافقك على قولك: " وكيف أخطف الزوج من زوجته وأولاده " فهذا الزوج لم تخطفيه أنت، بل هو تقدم إليك باختياره ورضاه.
ثم إنه سيتحمل أعباء الأسرتين والبيتين معاً، ولن يترك زوجته الأولى وأولاده من أجلك، فكيف يكون ذلك خطفاً له؟!
وأما نظرات الزوجة الأولى، فهذه هي الفطرة التي جُبلت عليها النساء عموماً (الغيرة) وتريد أن تستأثر بزوجها وحدها، ولا يكون لها فيه شريك، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وهن أفضل نساء الأمة يحصل منهن أشياء بسبب الغيرة، فيتجاوز عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يقف عندها.
ويمكنك معالجة ذلك بشيء من الحكمة في التصرف وحسن الخلق، ولكن لا بد أيضاً من تحمل بعض ما يصدر عنها لأن هذه هي طبيعة النساء.
ولا بد أن يكون الزوج حكيماً في التصرف في مثل هذه المواقف حتى لا تزداد الخلافات والنزاعات.
وأما نصيحتنا لك: هل تقبلين هذا الزوج أم تصبرين لعل الله أن يرزقك بغيره؟
فالجواب: إن كنت ترجين أن يأتيك من هو أفضل منه فلا مانع من رفضه، لكن إن خشيت – مع تقدم السن – ولظروفك الخاصة أن لا يأتي أفضل منه – أو حتى مثله – فنرى لك – والله أعلم – الموافقة على هذا الزوج.
وكون المرأة ترضى أن تكون زوجة ثانية، وتتحمل بعض المضايقات من الزوجة الأولى أو المجتمع حولها أهون بكثير من بقائها بلا زوج.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/231)
كان خالها وليها في النكاح فهل تجدد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ أكثر من 7 سنين وعندي ثلاثة أولاد وسؤالي هو أن أبي وأمي منفصلين منذ صغري، وأنا لم أر أبي رحمه الله سوى مرة واحدة في حياتي. فهو كان متزوجا في غير المدينة التي نعيش بها وليس لنا أي علاقة به، ولذلك حين تزوجت كان خالي هو وليي، وقد كان أخي موجوداً ولم يعترض على هذا، ولكني علمت أن هذا لا يجوز، وأنه في حالة غياب الأب يجب أن يتولى الولاية من يليه، فأنا لا أعلم بذلك. هل زواجي هذا باطلٌ أم لا؟ وإن كان باطلا - لا قدر الله - فماذا عليّ أن افعل الآن وأنا عندي 3 أولاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الخال لا يكون وليا في النكاح؛ لأن الولاية مختصة بالعصبة، وهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم الخ.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/13) : " ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب , كالأخ من الأم , والخال , وعم الأم , والجد أبي الأم ونحوهم. نص عليه أحمد في مواضع. وهو قول الشافعي , وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة " انتهى.
ثانيا:
الأب أحق بتزويج ابنته من غيره، ولا يسقط حقه في الولاية بتقصيره وتفريطه في رعاية أبنائه. وكذلك غيابه لا يسقط ولايته، إلا إن غاب غيبة منقطعة بحيث لا يمكن الوصول إليه ولا الاتصال به، فتنتقل الولاية حينئذ إلى من بعده من الأولياء.
وعليه، فقد كان الواجب عليكم إعلامه بالخاطب، ليتولى عقد نكاحك أو يوكل من يتولى العقد، فإن أبى وكان الخاطب كفؤا، انتقلت الولاية إلى من بعده، وهو الجد إن كان موجودا، وإلا فالولاية للأخ إن كان بالغا، وإذا لم يوجد أحد من العصبة، انتقلت الولاية للقاضي.
ثالثا:
بناء على ما سبق، فقد تم نكاحك بغير ولي، والنكاح بغير ولي لا يصح عند جمهور العلماء، ويصح عند أبي حنيفة رحمه الله.
وعليه: فإن كان القضاء في بلدك يأخذ بالمذهب الحنفي، ويصحح النكاح بلا ولي، فالنكاح مستمر، ولا ينقض.
وإن لم يكن القضاء عندكم على هذا، فالعقد لاغ. ثم إن كان كل منكما الآن راغباً في الآخر، فيجدد العقد بحضور وليك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/6) بعد أن قرر أن النكاح لا يصح إلا بولي، قال: " فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم، لم يجز نقضه، لأنها مسألة مختلف فيها، والأحاديث الواردة فيها يمكن تأويلها، وقد ضعفها بعض أهل العلم. انتهى بتصرف
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن فتاة زوجها خالها، فأجاب: " هذا العقد غير صحيح، لعدم الولي، والولي شرط من شروط النكاح، والخال ليس ولياً في النكاح، وإذا فقد الولي فالنكاح فاسد، هذا قول الجماهير من أهل العلم، وهو المشهور من المذهب واستدلوا لذلك بما روى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) رواه الخمسة وصححه ابن المديني. وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
فإن كان هناك دعوى غرور [أي أن يدعي الزوج أنه خدع وغُرر به] فلا مانع من سماعها، وإن كان كل منهما يرغب استمرار النكاح بينهما فيجدّد له العقد، ولا تحتاج إلى عدة لأن الماء ماؤه، وإلا [أي إذا كان أحدهما لا يرغب في الآخر] فيفرق بينهما، وعليه أن يطلقها لأن العقد الفاسد يحتاج إلى طلاق، فإن أبى فسخه الحاكم " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/73) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/232)
هل يتزوج الخادمة ويكون وليها كفيلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل لديه زوجة مريضة بمرض مزمن، وله منها ثلاثة أولاد , وعمله في مكان بعيد عن أهله، والزوجة قد تمر بها حالات فتنوّم في المستشفى لعدة أيام، والرجل يصبح ضائعاً بين أولاده وعمله، فقرر جلب خادمة أمينة , ووجد خادمة كانت تعمل عند قوم، ووصفوها بالأمانة في الشغل ورعاية الأطفال، وجلست عنده مدة، ووجدها كما تم وصفها، لكنه يقول إنه لا يستطيع أن يفرض عليها الحجاب , وقد يقع نظره عليها، وكذلك قد تبقى زوجته في المستشفى فيصيرون في خلوة، فيسأل هل له أن يتزوجها - وخاصة أنها مطلقة -؟ وليست له نية تطليقها ما دامت موجودة، وسمع من أحد الشيوخ أن الكفيل هو ولي الخادمة، فهل يزوجها لنفسه سرّاً عن زوجته، وبشهود؛ لدرء الفتنة التي يخاف أن تقع؟ أم ماذا يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط، كالموظف.
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) .
ثانياً:
لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بأن الخادمة يكون وليها كفيلها، والخادمة حرَّة، فوليها والدها، أو ابنها، أو أخوها، أما وكفيلها فهو أجنبي عنها لا ولاية له عليها.
ثالثاً:
لا يجوز لمن تعاقد مع خادمة على العمل في بيته أن ينظر إليها، أو أن يخلو بها؛ فهي أجنبية عنه، وهو أجنبي عنها، ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من النساء الأجنبيات.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الخادمات خطرهن عظيم، والبلية بهن كبيرة، فلا يجوز للمسلم أن يخلو بالأجنبية سواء كانت خادمة، أو غيرها، كزوجة أخيه، وزوجة عمه، وأخت زوجته، وزوجة خاله، وغير ذلك , ولا يخلو بامرأة من جيرانه، ولا غيرهن من الأجنبيات.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما) ، فليس له أن يخلو بامرأة أجنبية، لا خادمة، ولا غيرها، وليس له أن يستقدم خدماً كفاراً، ولا عمالاً كفاراً، ولا خادمات كافرات في هذه الجزيرة ". انتهى " فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 40، 41) .
رابعاً:
وتفكير الأخ السائل بالزواج من الخادمة التي تعمل في بيته تفكير سليم؛ ليتجنب الحرام الذي يمكن أن يقع فيه معها من النظر، والخلوة، أو ما هو أشد من ذلك – لا قدَّر الله -، لكن يجب أن ينتبه لأمور مهمة قبل الإقدام على الزواج من تلك الخادمة، ومنها:
1. يجب عليه أن يؤدي لهذه الزوجة كامل حقوقها: من المهر الذي تستحقه، ومن المبيت، والنفقة، ويجب أن يعدل بينها وبين زوجته الأولى، وحقوقها ليست منقوصة لأنها خادمة؛ لأنها ستصبح زوجته، ولها ما للأولى، وعليها ما على الأولى.
2. لا يحل له نكاحها إلا برضا وليها، ووليها هو والدها، فإما أن يحضر الولي بنفسه، أو يوكِّل من يشاء ليقوم مقامه.
3. يجب أن يشهد على العقد شاهدا عدل، أو أن يعلن الزواج أمام ملأ من الناس، ولا يشترط إخبار زوجته الأولى، لكن لا يحل له إخفاؤه عن الناس؛ لما يترتب على الإخفاء من ضرر عليك وعليها؛ ولما يترتب عليه من هضم حقوقها الزوجية، كالمهر، وإثبات نسب أولادها، ونصيبهم من الميراث منه، وغير ذلك.
4. لا يجوز له منعها من حقوقها مثل: الاستمتاع، والإنجاب، فلا يجوز له العزل في الجماع إلا بإذنها، ولا يجوز له منعها من الإنجاب إلا بإذنها أيضاً؛ لأن حق الاستمتاع والولد مشترك بينهما، فلا يجوز له حرمانها منهما أو من أحدهما.
5. يجب أن ينتبه لطريقة تعامل زوجته الأولى وأولاده لها، فهي زوجته، ويجب أن يكون لها من الاحترام والتقدير ما يناسب كرامتها، ولا يحل له أن يرضى بسوء معاملتهم لها على أنها خادمة أجنبية، وهي في حقيقة الحال زوجته.
فعليه أن يأخذ ما ذكرناه بالاعتبار ليكون زواجاً شرعيّاً، يخلو مما يبطله أو ينقصه، ونسأل الله تعالى أن يشفي زوجته، وأن ييسر له أمر زواجه إن كان لهما فيه خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/233)
رفض أبوها تزويجها لشخص فزوجها القاضي
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مسلم، ولديه بعض الأفكار الخاطئة عن الإسلام، كموقفه من الحجاب والاختلاط، وقوله هل الدين هو أساس الحكم على الخاطب؟ وقوله إنه لا يمكن لأحد أن يطبق جميع أوامر الله، حتى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قضية تعدد الزوجات لم يستطع أن يطبق. وقد ارتدت أختي وأصبحت نصرانية ولم يستنكر بل اعتبرها أفضل مني. ووالدتي نصرانية. تقدم لي رجل صاحب خلق لكنه معاق وأنا رضيت به، لكن والدي رفضه بسبب إعاقته وبسبب اختلاف مستوى معيشتنا فنحن عائلة غنية. بعد تخرجي من الجامعة خطط أهلي لقطع علاقتي بالصحبة الصالحة وتغيير حياتي تدريجيا لكني غادرت المنزل وخططت للزواج وبعد شهرين تزوجت أنا والرجل المسلم في محكمة شرعية. والسؤال: هل زواجي صحيح، وما موقفي تجاه أهلي؟ وهل استمر في مقاطعتهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك للزوم طريق الهداية والاستقامة، ونسأله سبحانه لك المزيد من فضله.
ثانيا:
ينبغي للمرأة أن تحرص على الزواج من صاحب الدين والخلق الذي يحفظها ويرعاها، ويمكنها من تطبيق دينها، ويعينها على ذلك، كما يعينها على تربية الذرية الصالحة على مبادئ الإسلام وأخلاقه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي (1084) من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ثالثا:
لا يصح النكاح إلا بولي، وليس للمرأة أن تزوج نفسها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. . . فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
لكن إن منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيت به، كان عاضلا، وانتقلت الولاية منه إلى من بعده من العصبة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه ...
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. . .
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383) .
وحيث إن الغالب أن الأولياء يمتنعون عن التزويج في مثل هذه الحالة، فلا حرج أن ترفع المرأة مسألتها للقاضي الشرعي، فيطلب هو من الأولياء تزويجها، فإن أبوا زوجها بنفسه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) .
وعلى هذا، فعقد نكاحك صحيح، لا يجوز نقضه؛ لتولي القاضي الشرعي له بعد عضل أبيك.
رابعا:
الواجب أن تبرّي والديك، وتحسني إليهما، وتصليهما ولو بالكلام عن طريق الهاتف، إلى أن تهدأ نفوسهما، وتتمكني من زيارتهما، فإن حق الوالدين عظيم، ولهذا تكررت الوصية بهما في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) العنكبوت/8، وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/14، 15.
وليس لك أن تقاطعيهما، بل اسعي في تهدئتهما، وتطمينهما، وتوددي إليهم بالمال والهدايا، لكسب قلبيهما، وسلي الله تعالى الهداية لأهلك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/234)
منع الصغرى من الزواج حتى تتزوج الكبرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى حتى تتزوج الكبرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى إذا خطبت بحجة أنه لا بد من تزويج البنت الكبرى قبلها، وإنما هذا من عادات العوام التي لا أصل لها في الشرع، لما يتوهمون من أن فيه إضرارًا بالكبرى، ولو صح هذا فإن فيه أيضًا إضرارًا بالصغرى (والضرر لا يزال بالضرر) ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 152)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/235)
لا يكفي شهادة أربعة نسوة على عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النكاح بشهادة أربع من النسوة؟ إن الذي نكح ظن أن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، بناء على هذا تم النكاح بشهادة أربع من النسوة برضا والديها ولكنهما لم يكونا موجودين وقت النكاح , فهل هذا النكاح صحيح أم لا؟ وماذا يجب إذا كان غير صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اشترط جمهور العلماء لصحة النكاح شهادة رجلين عدلين , ولا تصح عندهم شهادة النساء في النكاح , سواء شهد أربعة نسوة أو رجل وامرأتان.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
قال ابن قدامة في "المغني" (7/8) : " ولا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين. وهذا قول النخعي , والأوزاعي , والشافعي.
لقول الزهري: (مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود , ولا في النكاح , ولا في الطلاق) . رواه أبو عبيد , في "الأموال" انتهى باختصار.
وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء , فقالوا: لا يكفي في عقد النكاح اتفاق ولي المرأة مع من خطبها منه على تزويجه إياها دون إشهاد على العقد، ولو تم الإيجاب والقبول منهما، بل لا بد من حضور شاهدين عدلين حين العقد؛ لما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) " انتهى.
(فتاوى اللجنة الدائمة (18/182)
عبد العزيز بن باز - عبد الرزاق عفيفي - عبد الله بن قعود - عبد الله بن غديان.
ومذهب الحنفية: صحة النكاح بشهادة رجل وامرأتين. بدائع الصنائع (2/255) .
وذهب بعض الأئمة كالإمام مالك إلى أن الواجب هو إعلان النكاح , لا الشهادة , فمتى تم إعلان النكاح فهو صحيح سواء أشهد عليه أم لم يشهد.
واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية , واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين.
انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (32/127) , "الاختيارات" (صـ 210) , "الشرح الممتع" (12/94) .
وحَكَم هؤلاء بضعف الأحاديث الواردة في اشتراط الشاهدين في النكاح , فعلى هذا القول: إن كان تم إعلان النكاح فهو صحيح.
ولكن الأحوط لك إعادة العقد مرة أخرى بحضور شاهدين , لاحتمال صحة الأحاديث الواردة في ذلك , ومراعاةً لقول جمهور العلماء , ولأن الأمر يتعلق بأمر خطير وهو النكاح.
تنبيه: جاء في سؤالك أن والد الزوجة لم يكن موجودا، فإن كان قد وكّل من يعقد لابنته، صح النكاح، لأن المرأة لا يصح أن تعقد لنفسها، بل يعقد لها وليها أو وكيله، في قول جمهور أهل العلم. ولا يكفي العلم برضاه بالنكاح.
وإذا لم يحضر هو ولا وكيله، لم يصح النكاح، ويجب تجديد العقد حينئذ. وانظر جواب السؤال رقم (97117) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/236)
هل الوسواس القهري عيب يجب إخبار الخاطب به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفتاة التي تعاني من الوسواس القهري أو غيره وهى لم تخبر أحدا به فلا أحد يعلم ما في نفسها إلا الله تعالى وهي تجاهد هذا الوسواس إذا تقدم لخطبتها شخص تخبره بذالك أم تكتم؟ خاصة وأن إخباره سيكون عقبة في شفائها لأنه سيزداد....وبماذا تنصحها يا فضيلة الشيخ؟ وما هي العيوب التي يجب على الخاطب معرفتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الوسواس القهري، وغيره من أنواع الوساوس علاجه بالذكر والطاعة، وإغفال الوسوسة وإهمالها، وتحتاج بعض الحالات إلى مراجعة الطبيب النفسي، وينظر جواب السؤال رقم (39684) ، ورقم (41027) لمزيد الفائدة.
ثانيا:
الراجح من قولي الفقهاء أن كل عيب يفوت به مقصود النكاح، وينفر أحد الزوجين من الآخر، أنه يجب بيانه، ويثبت به خيار الفسخ في حال الاطلاع عليه بعد كتمانه.
قال ابن القيم رحمه الله: " والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " انتهى من "زاد المعاد" (5/166) .
وقال: " ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب ".
وقال: " وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته، وحرم على من علمه أن يكتمه من المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية أو أبي الجهم: " أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب، فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سببا للزومه، وجعلِ هذا العيب غِلاًّ لازما في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه " انتهى من "زاد المعاد" (5/168) .
وعلى هذا فمن كانت مبتلاة بالوسوسة، ينظر في حالها، فإن كانت وسوستها تمنعها من القيام بمصالح زوجها، وتنفّره من العيش معها، لزمها إخباره بذلك، وهذا خير لها من أن تكتمه وتغشه، ثم قد يلجأ لمفارقتها، أو يبغضها لكونها أخفت عنه هذا العيب.
وإن كانت وسوستها لا تؤثر على حياتها مع زوجها، ولا تستدعي نفوره منها، فهذه ليست عيبا، ولا يلزمها إخباره بحالها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/237)
خطبها من أبيها ومات أبوها ويريد أعمامها تغيير الاتفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 29عاماً، وتقدمت من حوالي عامين ونصف لخطبة زميلتي في العمل، وبعد الاتفاق مع والدها تمت الخطبة بإذن الله، وخلال تلك الفترة كانت المشكلات بيننا من النوع الطبيعي في هذه العلاقة، وارتبطت مع والدها بعلاقة طيبة جدّاً إلى أن توفاه الله في شهر يناير الماضي، ومنذ هذا الوقت تدخَّل أعمامها في كل شيء خاص بنا، وحاولوا تغيير الاتفاق في نقاط عديدة، وفي نهاية الأمر قام أحد أعمامها بإرجاع الشبكة إليَّ في منزلي، علماً بأن كلا منا يريد الآخر، وقد تدخَّل عدد من الحكماء لحل هذه الأزمة، وقد أبدى الأهل في العائلتين الرغبة في الرجوع، ولكن ما يزال أعمامها يضعون شروطاً غير منطقية لإتمام الزواج، تختلف مع ما تم الاتفاق عليه مع والدها المتوفى، فما هو موقف الدين من مثل هذه الحالة؟ وهل يجوز أن يحل أخوالها في عقد الزواج؟ وما هو الحل في ظل هذا التعنت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة على سؤالك لا بدَّ من تنبيهك على أن العمل في الأماكن المختلطة، الرجال والنساء جميعاً لا يجوز، وهو من أبواب الفساد التي لم تعد تخفى آثارها على المجتمعات.
وقد ذكرنا أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) .
وعلى من ابتلي بالعمل في مكان مختلط – إن لم يستطع ترك العمل – أن يتجنب النظر إلى النساء، والخلوة بهن، ومحادثتهن فيما لا يتعلق بالعمل.
ومن مفاسد هذا الاختلاط المحرَّم: ما يحدث بين الرجل والمرأة الأجنبية مما يسمونها " زميلة عمل "! من نظر محرَّم، ومحادثة، ومراسلة، وهو ما يتسبب في كثير من الأحيان في علاقات محرَّمة.
ثانياً:
أما ما يتعلق بجواب سؤالك، فالذي يظهر من سؤالك أنك لم تعقد النكاح على هذه المرأة وعليه؛ فأنت لا تزال أجنبيّاً عنها، فلا يحل لك أن تخلو بها، ولا أن تكثر من محادثتها، حتى يتم العقد بينكما، ولا يصح عقد النكاح على المرأة إلا بحضور وليها، وبما أن والدها قد توفي، فإن الولاية تنتقل إلى جدها لأبيها، فإن لم يوجد، فإلى أحد إخوانها، فإن لم يوجد، انتقلت الولاية إلى أعمامها، وليس للولي أن يمنعها من التزوج لغير عذر شرعي أو مقبول، فإن منعها فإن الولاية تنتقل عنه إلى من بعده من الأولياء، ثم إلى القاضي الشرعي أو من يقوم مقامه، مع التنبيه على أن الأخوال لا يكونون أولياء للمرأة.
وانظر ترتيب الأولياء في جواب السؤال رقم: (2127) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإذا رضيتْ رجلاً، وكان كفؤا لها: وجب على وليها كالأخ ثم العم أن يزوجها به، فإن عضلها وامتنع من تزويجها: زوَّجها الولي الأبعد منه، أو الحاكم، بغير إذنه، باتفاق العلماء، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤاً باتفاق الأئمة، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوِّجون نساءهم لمن يختارونه لغرض لا لمصلحة المرأة، ويكرهونها على ذلك، أو يخجلونها حتى تفعل، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤاً لها لعداوة، أو غرض، وهذا كله من عمل الجاهلية، والظلم، والعدوان، وهو مما حرَّمه الله ورسوله، واتفق المسلمون على تحريمه، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة لا في أهوائهم، كسائر الأولياء والوكلاء ممن تصرف لغيره، فإنه يقصد مصلحة من تصرف له، لا يقصد هواه، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدَّى إلى أهلها فقال: (إنَّ الله يأمُرُكم أّنْ تُؤدوا الأَمَاناتِ إِلى أَهْلِها وَإذا حَكَمتُم بَيْنَ النَّاسِ أنْ تَحْكُموا بِالعَدْل) ، وهذا من النصيحة الواجبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) .
" مجموع الفتاوى " (32 / 52، 53) .
على أننا ننصحك ألا تتزوجها بدون موافقة أهلها، فلا بد من إرضائهم، وكسب مودتهم، حتى لا تكون سببا في قطيعة رحم، قد لا توصل بعد ذلك أبداً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/238)
إذا اشترطت المرأة على زوجها ألا يطأها
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبتي لديها أفكار سلبية عن معاشرة الرجل زوجته وترى أن ذلك غير صحيح وتشترط على عدم المساس بها بعد عقد الزواج، وهي مصممة على ذلك بحيث لو رفضت طلبها لن تقبل الزواج مني، وهي فتاة متدينة جداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم أن يحرم على نفسه شيئاً أحله الله له، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين) المائدة/87.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رهبانية في الإسلام) ذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/387) .
ووصف المعاشرة بين الزوجين بأنها أمر غير صحيح وأنها أمر سلبي، منكر من القول، إذ كيف تكون كذلك وقد أحلها الله تعالى لعباده، وتمتع بها أفضل البشر وهم الأنبياء والمرسلون، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) الرعد/38.
ثم لو أخذ الناس بهذا القول المنكر، كيف يبقى الجنس البشري على الأرض؟ وكيف تتحقق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء يوم القيامة بأن أمته أكثر الأمم، ولهذا السبب فقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التزوج بالمرأة كثيرة الولادة.
فقال صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) رواه أبو داود (2050) .
ثانياً:
إذا اشترطت المرأة أو وليها على الزوج ألا يطأها مطلقا، أو ألا يطأها إلا مرة، فالشرط باطل؛ لأنه ينافي مقصود العقد؛ إذ الزواج يراد منه الاستمتاع، والإحصان، وإنجاب الذرية.
وهل يصح العقد ويلغى هذا الشرط الباطل؟ أم يبطل العقد من أصله؟ خلاف بين الفقهاء.
فالمالكية والشافعية يرون بطلان العقد حينئذ، والحنفية والحنابلة يرون صحة العقد مع إلغاء الشرط.
قال في "مغني المحتاج" (4/377) من كتب الشافعية: " وإن أخل الشرط بمقصود النكاح الأصلي كأن شرط أن لا يطأها الزوج أصلا , وأن لا يطأها إلا مرة واحدة مثلا في السنة أو أن لا يطأها إلا ليلا فقط أو إلا نهارا فقط أو أن يطلقها ولو بعد الوطء، بطل النكاح لأنه ينافي مقصود العقد فأبطله " انتهى بتصرف.
وقال ابن قدامة في "المغني" (7/72) وهو من كتب الحنابلة: " ما يبطل الشرط , ويصح العقد , مثل أن يشترط أن لا مهر لها. . . أو تشترط عليه أن لا يطأها , أو يعزل عنها ... فهذه الشروط باطلة في نفسها ; لأنها تنافي مقتضى العقد ... فأما العقد في نفسه فصحيح ... فإن شرط عليه ترك الوطء , احتمل أن يفسد العقد ; لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح , وهذا مذهب الشافعي " انتهى.
وينظر: "حاشية ابن عابدين" (3/131) ، "فتاوى عليش المالكي" (1/333) ، "حاشية الدسوقي" (2/237) .
وبناء على ذلك فلا يجوز لك الموافقة على هذا الشرط، ولا يجوز للمرأة أن تشترطه، لأنه شرط فاسد مخالف لمقصود النكاح، والواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تحذر من القول على الله بلا علم.
واعلم أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته فلا يجوز له الحديث معها إلا للحاجة، شأنها شأن سائر الأجنبيات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/239)
هل الرجل الصالح لا يتزوج إلا امرأة صالحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن كل إنسان يأخذ من يستحق (زوج أو زوجة) فإن كان صالحاً كان زوجه صالحاً ولم أجد أي حديث عن هذا الموضوع فما قولكم في ذلك؟
سمعت أيضاً أنه إذا زنى المرء فإنه يعاقب بأن إحدى نساء قرابته ترتكب الزنا فهل هذا صحيح؟
كثير من الشباب المسلم يبحث عن شريك في الحرام فهل أخبرهم أن التقي ينال تقياً إلا إذا ابتلاه الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما سمعتَه من أن الإنسان يتزوج من يستحق ويشابهه في الصلاح والفساد غير صحيح، ويدل على ذلك:
1- ما حكاه الله تعالى عن نبيين كريمين من أنبيائه وهما نوح ولوط عليهما السلام أن زوجتيهما كانتا كافرتين، قال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم/10.
2- أن الشرع نهى عن تزويج الزاني من العفيفة، ونهى العفيف عن التزوج من زانية، وهو يدل على إمكان وقوع ذلك، بل قد وقع مثل هذا كثيراً.
قال الله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} النور / 3.
3- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة قد تُزوج لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، وترغيبه صلى الله عليه وسلم بالتزوج من ذات الدين يدل أنه قد يقع غيره، فيتزوج الرجل ممن لا يماثله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ".
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
4- أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء بتزويج مولياتهم من أهل الدين يدل على أنه قد يقع خلافه.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ".
رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) . وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1022) .
فعلى من يبحث عن زوجة أن يبحث عن صاحبة الدين والخلق، وكذلك على أولياء المرأة أن لا يزوجوها إلا من صاحب الدين. فإن الإنسان يكتسب من أخلاق من يصاحبه، لا سيما مع طول الصحبة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) رواه الترمذي (2378) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1937) .
(الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ) أَيْ عَلَى عَادَةِ صَاحِبِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَسِيرَتِهِ (فَلْيُنْظَرْ) أَيْ فَلْيَتَأَمَّلْ وَلْيَتَدَبَّرْ (مَنْ يُخَالِلْ) مِنْ الْمُخَالَّةِ وَهِيَ الْمُصَادَقَةُ وَالإِخَاءُ , فَمَنْ رَضِيَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ خَالَلَهُ وَمَنْ لا تَجَنُّبُهُ , فَإِنَّ الطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ وَالصُّحْبَةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي إِصْلاحِ الْحَالِ وَإِفْسَادِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: مُجَالَسَةُ الْحَرِيصِ وَمُخَالَطَتُهُ تُحَرِّكُ الْحِرْصَ وَمُجَالَسَةُ الزَّاهِدِ وَمُخَالَلَتُهُ تُزْهِدُ فِي الدُّنْيَا ; لأَنَّ الطِّبَاعَ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّشَبُّهِ وَالاقْتِدَاءِ بَلْ الطَّبْعُ يَسْرِقُ مِنْ الطَّبْعِ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرِي اهـ من تحفة ألأحوذي.
ثانياً:
أما بالنسبة للزاني فإنه قد يعاقب في أهله، وقد روي في ذلك حديث لكنه موضوع، وقد يصح معناه، وقد ذكرناه مع التعليق عليه في جواب السؤال رقم (22769) فليراجع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/240)
قبلته زوجا بعد الاستخارة لكنه طلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل مدة تقدم لي شاب ووافقت عليه بعد استخارتي أنا وأمي أكثر من مرة، وكتب كتابي، ولكن بعد العقد بستة أشهر فسخ العقد بيننا لأسباب مجهولة من جهته، أي أنها غير مقنعة يقول: إنه يشعر ببرود في المشاعر بعد أن كان يحبني حبا كبيرا فسبب لي إحباطا وكرها للشباب الذين لا يهمهم في الحياة سوى أنفسهم فعلا أنا أكره الشباب ولا أريد أن أخطب مرة أخرى، لأن في المرة الأولى كان كل شيء صحيحا أي "زواج تقليدي" وبعد استخارة. ملاحظة: الشاب يعمل في البنك هل من الممكن أن الله يعاقبني لأنني وافقت على شاب يعمل في البنك؟ لكنني استخرت أكثر من مرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحن نقدر مشاعرك تجاه هذا الأمر، وما سببه لك من ضيق وألم، لكن قد يكون في ذلك خير عظيم لك، تدركينه فيما بعد إن شاء الله.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
فالمؤمنة ترضى بقضاء الله تعالى، وتعلم أن الله أرحم بها من نفسها، وأن البلاء يزيد المؤمن أجرا ورفعة، إن هو صبر واحتسب.
ثانيا:
إذا كان الشاب الذي تقدم لك يعمل في بنك ربوي، فاحمدي الله تعالى أن صرفه عنك، ولم تصبحي زوجة له، تأكلين من ماله الحرام، وهذه نتيجة الاستخارة، والحمد لله، فإن الاستخارة قد لا تظهر نتيجتها في الحال، فيمضي الطرفان في القضية، ثم يصرف الله أحدهما أو كليهما عن إتمامها، فثقي تماما أن الله تعالى قد اختار لك خير الأمرين، ويكون ما جرى من كتابة العقد ثم الطلاق، ابتلاء من الله، وهو مفيد ونافع، وإن جرّ عليك شيئا من الألم والحزن.
ولاشك أنك أخطأت في قبول هذا الشاب، فإن أول ما ينبغي أن تبحثي عنه هو الدين والخلق، ومن يعمل في الربا كتابة أو شهادة أو غير ذلك، ساقط العدالة، معرّضٌ نفسه للعن والطرد من رحمة الله، فكيف ترضى به المؤمنة زوجا لها، وأبا لأولادها.
فاحمدي الله تعالى، واشكريه على هذه النعمة، وخذي من هذا الدرس عبرةً وعظة، فإن الإنسان إن سلِم مرة، قد لا يسلم في كل مرة.
ولا أعجب من حال العبد، يصرفه الله عن الشر، رحمة منه وإحسانا، ويظل هو يتألم على فواته!
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير بقوله: سبقني فلان، وأهانني فلان، وما هو إلا فضل الله عز جل) .
ثالثاً:
وأما الإحباط الذي حصل لك وعزمك على عدم تكرار ذلك مرة أخرى فالأولى بك غير هذا التصرف، وكون الإنسان فشل مرة، لا يعني ذلك أنه سيفشل كل مرة، بل استفيدي مما حصل، وليكن ذلك دافعا لك إلى حسن الاختيار في المرة القادمة، وأن يكون أساس ذلك الاختيار: الدين والخلق.
نسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وتقى، وأن يرزقك الزوج الصالح، والذرية الصالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/241)
حملت منه بعد العقد الأهلي وقبل حصول العقد الإداري
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجد خطب امرأة لمدة خمس سنوات وعقد عليها في جماعة ولكن قبل أن يعلن زواجه منها وقبل إجراء العقد الإداري وطأها دون علم أهلها، ولما قرر الإعلان بالدف وإجراء العقد الإداري كانت حاملا وما هي إلا ثلاثة أشهر حتى ولد المولود. الأسئلة:
1. ما حكم عقد هذا النكاح وحكم المولود من خلاله؟
2. هل يعتبر الزوج قد ارتكب مخالفة شرعية بفعله هذا أم لا؟
3. ما حكم الصلاة وراء هذا الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان العقد الذي أشرت إليه مستوفيا الشروط، من حصول الإيجاب والقبول، وحضور وليّ المرأة والشاهدين، مع رضا المرأة، فهذا عقد صحيح تترتب عليه آثاره، وتصير به المرأة زوجة، يباح لزوجها أن يستمع بها ولو بالوطء، إلا أن ترك الوطء أولى، مراعاةً للعرف، وتجنباً للمفاسد التي قد تترتب على ذلك، من إساءة الظن ونحوه، لاسيما إذا كان العقد لم يسجل إداريا.
والولد الناشئ عن هذا النكاح منسوب إلى أبيه شرعا، فيثبت به النسب للولد لأنه نكاح صحيح
وراجع السؤال رقم (75026)
وأما إن كان العقد لم يستوف الشروط، كأن كان بغير ولي، فهو نكاح فاسد عند جمهور الفقهاء، لكن الولد الناشئ عنه ينسب إلى أبيه أيضا.
ومن أقدم على هذا العقد الفاسد مع علمه بتحريمه، ثم وطئ بعده، فهو زان، محكوم بفسقه إلا أن يتوب ويستقيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/326) : " ومن وطء امرأة نكاحاً فاسداً يعتقدها زوجة له فولده منها يلحقه نسبه باتفاق المسلمين " انتهى.
ثانيا:
أما الصلاة خلفه فهي صحيحة، وما حدث لا يقدح في دينه ولا يحكم بفسقه من أجله، لأنه إن كان العقد الأول صحيحاً فلا إشكال أن ذلك لا يقدح في دينه، وإن كان فاسداً – كما لو كان بدون ولي – فالظاهر أنه فعل ذلك وهو يعتقد جوازه، فلا يأثم، ولا يكون فاسقاً بذلك.
وإن كان هذا الإمام قد أخطأ بتعجله الدخول قبل إعلان النكاح وتسجيله في الأوراق الرسمية لأنه بذلك فتح باب القيل والقال على نفسه وزوجته، وصار عرضة لكلام الناس، والذي ينبغي لمن هو في موضع يقتدي الناس به – كالإمام والمعلم – والمفتي والقاضي ونحوهم- أن يبتعد عن كل ما يخدش مروءته ويفتح باب الشك والظنون فيه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/242)
تزوجت به بعد أن أسلم والآن لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تزوجت من أمريكي هي قالت إنه أسلم، وهو من المسئولين في الجيش الأمريكي في إحدى الدول العربية، أقاما معنا أسبوعاً ولم أره يصلي، نصحت أختي بأن تهتم بهذا الجانب حتى يكون زواجها صحيحاً لكنها وللأسف لم تهتم ولا هو فهل يكون هذا الزواج صحيح شرعا؟
عمله ضد المسلمين، هل يجوز هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة هي أعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وتركها كفر أكبر مخرج من الملة، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (5208) .
ولا يجوز لمسلمة أن تتزوج رجلاً لا يصلي، ولا يجوز لها أن تبقى في عصمته إن ترك الصلاة بعد عقد النكاح.
ونظراً لأن هذا الرجل أسلم حديثاً، فالغالب أنه لا يعرف أحكام الإسلام، ولا أهمية الصلاة، ولا أن تركها كفر.
فيجب أن يبين له منزلة الصلاة في الإسلام، وأن تركها كفر، وأنه لا يجتمع إسلام مع ترك الصلاة، فإن صلى فالحمد لله، وإن أصر على ترك الصلاة وجب التفريق بينه وبين زوجته لأنه ليس بمسلم.
ثانياً:
عدم اهتمام أختك بهذا الأمر بعد نصيحتك لها أمر عجيب، فإن العلاقة بينهما قد تكون غير شرعية، ولا نظنها ترضى بذلك، فعليك الاستمرار في نصيحتها.
والذي نخشاه أن تكون أختك هي الأخرى لا تصلي، وهذا مما يزيد الأمر خطورة وتعقيداً.
ثالثا:
أما العمل والانضمام إلى الجيش الأمريكي، فقد سبق بيان حكمه في جواب السؤال رقم: 3885
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/243)
حكم عقد النكاح في المسجد والمداومة على افتتاحه بالقرآن والموعظة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المداومة علي إقامة الأفراح في المساجد مع تخصيص هيئه لها كقراءة القرآن في المقدمة ثم يأتي آخر بإلقاء كلمة ثم يأتي العقد مؤخرا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب عقد النكاح في المسجد، واستدلوا لذلك بحديث: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) رواه الترمذي (1089) لكنه ضعيف –إلا الإعلان- كما قال الألباني في ضعيف الترمذي.
قال في مجمع الأنهر (1/317) : " ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد، وكونه في يوم الجمعة، واختلفوا في كراهة الزفاف فيه، والمختار: لا يكره إذا لم يشتمل على مفسدة دينية " انتهى.
وقال الخرشي في شرح خليل (7/71) : " يعني أنه يجوز عقد النكاح أي: مجرد إيجاب وقبول، بل هو مستحب " انتهى.
وقال في "نهاية المحتاج" (6/185) : " ويسن أن يتزوج في شوال، وأن يدخل فيه، وأن يعقد في المسجد، وأن يكون مع جمعٍ وأول النهار " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (2/368) : " ويباح فيه عقد النكاح , بل يستحب كما ذكره بعض الأصحاب " انتهى.
ثانيا:
يشترط لعقد النكاح في المسجد ألا يترتب على ذلك امتهان للمسجد، ولا فعل شيء من المنكرات فيه، كضرب الدف، وينبغي ألا تنشد فيه الأناشيد، ويكتفى بالعقد، وإن قرئ القرآن أو تحدث متحدث، فلا بأس. ولا ينبغي المداومة على ذلك؛ لأنه لم يرد دليل على قراءة القرآن في حفلات النكاح، ولا غيرها، وقد عده بعض أهل العلم من البدع.
سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله عن حكم قراءة القرآن جهرا في المحافل والمجامع كحفلات الزواج هل هذا ابتداع؟
فأجاب: " هذا من البدع جعل افتتاح المجالس رسميا بتلاوة القرآن، حيث لم يرد فيه نص، فلا يتخذ عادة، ويجوز فعله أحيانا، وأنا اختلفت مع هيئة كبار العلماء عندما افتتحوا بتلاوة القرآن الكريم. قلت: هذا بدعة، ما حصل هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومجالسه كثيرة، وهو الإمام المقتدى به. أما إذا كانت موعظة مشتملة على آيات من القرآن فما عليه حرج " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" ص 621
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/244)
قول الخاطب لمخطوبته زوجيني نفسك لا يعتبر زواجا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب خطبت فتاة وتجاوزت فترة الخطوبة عاما تقريبا حدث بيننا أشياء تشبه الزواج لكن لم يحدث زنا ولكن أنا أعلم أن هذا من درجات الزنا فقلت لها هل تزوجيني نفسك علي سنة الله ورسوله؟ قالت: نعم، وأنا أشهد أمام الله والمسلمين جميعا أنها زوجتي وهي أيضا ولكن بدون شهود، حتى يتم الزواج رسميا حتى يكون ما حدث بيننا أو أي شيء يحدث ليس حراماً، هل هذا الزواج يجوز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الخاطب أجنبي عن مخطوبته، فلا يحل له لمسها أو مصافحتها أو الخلوة بها، وأدلة تحريم هذه الأمور معلومة لا تخفى، وانظر السؤال رقم (84089) .
فما حدث بينكما أمر محرم، تلزم فيه التوبة إلى الله تعالى، بالإقلاع عنه، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه مستقبلا، كما يلزمكما البعد عن أسباب الحرام ومقدماته، من الاتصال أو المراسلة، حتى يتم عقد النكاح.
وتساهل كثير من الناس في هذه الأمور أثناء الخطبة، منكر عظيم يجر إلى ما هو أنكر منه وأشنع.
وتأمل كيف يتلاعب الشيطان بالرجل، حتى يزني بمن يريد الزواج منها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وتأمل زواجا يبدأ بالحرام، ويبنى على الحرام، كيف يكون حاله ومآله!
ثانيا:
قولك لمخطوبتك هل تزوجيني نفسك علي سنة الله ورسوله؟ وجوابها بنعم، لا يعتبر زواجا، ولا قيمة له في نظر الشرع، فلا يبيح ما سبق ولا ما سيأتي، وإنما هذا من تزيين الشيطان لبعض الناس الذين أعرضوا عن تعلم ما يجب عليهم من أمر دينهم، ولو كان هذا زواجا لما عجز كل زان وزانية عن فعله!
ولا يكون عقد الزواج صحيحاً إلا إذا كان بحضور ولي المرأة وموافقته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2709.
والنكاح قد سماه الله تعالى: ميثاقا غليظا، فليس ألعوبة يتلاعب بها الرجل مع أصدقائه، ويأتي بمن شاء منهم ليشهد على زواجه ممن فرطت في عرضها، وباعت نفسها، ثم إذا قضى نهمته منها، تركها لحالها، فلا تملك عليه سلطانا، ولا تستطيع أن تطالبه بنفقة، بل إن جاءت بولد كان أول المتبرئين منه، وما يدريه فلعلها نكحت زوجا آخر بنفس الطريقة الوضيعة؟
فهذا وغيره يدلك على مدى قبح هذا التحايل في ارتكاب الزنا، وتسميته زواجا، ومن المؤسف أن ينتشر هذا في أوساط بعض المسلمين، نسأل الله العافية.
ثم أخيراً.... نريد منك أيها السائل أن تسأل نفسك هذا السؤال: لو كانت هذه الفتاة أختك أو ابنتك، هل كنت ترضى أن يفعل معها خطيبها ذلك؟!
إن ما لا ترضاه لأختك وابنتك لا يرضاه الناس أيضاً لأخواتهم ولا بناتهم.
فاتق الله، وأقلع عن هذا الحرام، وحافظ على عرض من تريد أن تكون زوجتك في المستقبل.
وعليك أن تعجل في أمر الزواج، حتى تسلم من الوقوع في الحرام.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/245)
تأخير الدخول عن عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم أحد الشباب لخطبتي، ولكني فوجئت برفض أهله الشديد لذلك، وسببوا له كثيراً من المشاكل، وعرضت عليه أن يتم عقد النكاح على الورق حاليا، ونكون بعيدين عن بعض لبعض الوقت، لاسيما وأنا أريد أن أترك الوظيفة التي أعمل بها، ولي مستحقات كثيرة لا أستطيع أخذها إلا إذا كنت متزوجة، فهل في إتمام عقد الزواج بهذه الصورة مع تأخير الدخول أي محظور شرعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يخلف عليك خيرا في حال تركك لوظيفتك، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك.
ثانيا:
إذا تم عقد النكاح بتراضي الطرفين وحضور ولي المرأة، والشهود فهو زواج صحيح، سواء تم الدخول بعده مباشرة، أو تأخر زمنا طويلا أو قصيرا.
وقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة وهو بمكة، ودخل بها بعد ثلاث سنوات، رواه البخاري (3894) ومسلم (1422) .
ثانيا:
الأولى أن يسعى في إقناع أهله، بهذا الزواج، لما في ذلك من مصالح ومنافع له ولك ولأولادكما، ويحرص أن لا يتم هذا الزواج إلا بموافقة أهله. حتى لا يكون ذلك سببا لنزاعات وخلافات قد لا تنتهي، ويكون لها الأثر السيئ على حياتك الزوجية.
ثالثا:
ننبه إلى أنه لا يجوز لك إقامة علاقة مع هذا الشاب، وأن الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يعقد النكاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/246)
هل يجوز للمرأة أن تكتب عقود الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في بلادنا يوجد سيدات يكتبن عقود الزواج يعملن عدول إشهاد، وبهذه الصفة يكتبن عقود الزواج فأنا أعرف أنه من شروط الشهود والولي أن يكونوا ذكوراً.
هل يجوز للمرأة أن تكتب عقد الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يطلق على من يكتب عقود الزواج: " المأذون " و " مأذون الأنكحة " و " مملِّك " و " عاقد النكاح ".
وهو من يُجري عقد النكاح على الترتيب الشرعي من حيث الأركان والشروط والواجبات ويوثقه في وثيقة تسمى " عقد النكاح ".
ومن أعماله: التأكد من رضى المخطوبة وموافقتها على النّكاح، باستئمار المرأة الثّيّب واستئذان البكر، ومعرفة شروط الطرفين، والتأكد من عدم وجود موانع للزواج.
ومن أعماله: التأكد من الولي إن كان موافقاً للشرع أم لا، والتأكد من هوية الشهود وتوثيق شهادتهم.
ومن أعماله: توثيق تسمية الصّداق ومعرفة مقداره، وهل استلمته الزوجة أو ليها أم لا، وهل بقي منه شيء مؤجلاً أم كله قد عُجِّل.
وتعدُّ " المأذونية " فرعا من فروع القضاء، بل هو نائب عن القاضي الشرعي، ولذا لزم أن يكون المأذون الشرعي متصفاً في شخصه ببعض الصفات المشترطة في القاضي , ومن أعظمها أن يكون مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً.
ويجوز للمرأة أن تمهِّد لعقد الزواج من حيث الصداق ورضا الطرفين، وأما أن تباشر عقد الزواج فلا يجوز لها ذلك، وفي ذلك أثر عن عائشة رضي الله عنها:
عن ابن جريج قال: كانت عائشة إذا أرادت نكاح امرأة من نسائها، دعت رهطا من أهلها، فتشهدت، حتى إذا لم يبق إلا النكاح قالت: يا فلان! أنكح فإن النساء لا يُنْكِحن. " مصنف عبد الرزاق " (6 / 201) ، وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (9 / 186) .
وعن عائشة قالت: كان الفتى من بني أختها إذا هويَ الفتاة من بني أخيها، ضربت بينهما ستراً وتكلمت، فإذا لم يبق إلا النكاح قالت: يا فلان! أنكح، فإن النساء لا ينكحن.
" مصنف ابن أبي شيبة " (3 / 276) .
وقد ورد عن عائشة – أيضاً – ما يوهم جواز تولي المرأة عقد الزواج، وقد استدل به الحنفية على عدم اشتراط الولي في النكاح:
عَنْ الْقَاسِمِ بنِ محمَّد أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ؟ وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ؟ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ، فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاقًا.
رواه مالك (1182) وإسناده صحيح.
وما فهموه من الأثر خطأ؛ ومعنى الأثر موافق لما ذكرناه عن عائشة رضي الله عنها من قبل.
قال الإمام أبو الوليد الباجي – رحمه الله -:
قوله: (إن عائشة زوَّجت حفصة ... ) يحتمل أمرين:
أحدهما: أنها باشرت عقدة النكاح، ورواه ابن مُزَّين عن عيسى بن دينار، قال: وليس عليه العمل - يريد: عمل أهل المدينة حين كان بها عيسى - ; لأن مالكا وفقهاء المدينة لا يجوزون نكاحا عقدته امرأة، ويفسخ قبل البناء وبعده على كل حال.
والوجه الثاني: أنها قدَّرت المهر وأحوال النكاح , وتولَّى العقدَ أحدٌ من عصَبتها، ونسب العقد إلى عائشة لما كان تقريره إليها , وقد روي عن عائشة أنها كانت تقرر أمر النكاح ثم تقول: " اعقدوا؛ فإن النساء لا يعقدن النكاح "، وهذا هو المعروف من أقوال الصحابة أن المرأة لا يصح أن تعقد نكاحا لنفسها ولا لامرأة غيرها.
" المنتقى شرح الموطأ " (3 / 251) .
وقال ابن عبد البر – رحمه الله -:
قوله في حديث هذا الباب " أن عائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن أخيها من المنذر بن الزبير " ليس على ظاهره، ولم يرد بقوله " زوجت حفصة " - والله أعلم - إلا الخطبة والكناية في الصداق والرضا ونحو ذلك دون العقد، بدليل الحديث المأثور عنها أنها كانت إذا حكمت أمر الخطبة والصداق والرضا قالت: " أنكحوا واعقدوا؛ فإن النساء لا يعقدن " ...
قال: قد احتج الكوفيون بحديث مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة المذكور في هذا الباب في جواز عقد المرأة للنكاح!
ولا حجة فيه لما ذكرنا من حديث ابن جريج؛ ولأن عائشة آخر الذين رووا عن النبي عليه السلام (لا نكاح إلا بولي) ، والولي المطلق يقتضي العصبة لا النساء.
" الاستذكار " (6 / 32) باختصار.
والخلاصة: أنه يجوز للمرأة أن تمهِّد لعقد الزواج، ولا يجوز لها أن تباشر التزويج بنفسها؛ لأن هذا من فعل القاضي ومن ينوب عنه، ومن شروطهما الذكورة.
وإذا تمَّ العقد الشرعي برضا الطرفين وموافقة الولي، وتولت المرأة توثيق عقد النكاح؛ كأن تكون موظفة في محكمة، أو دائرة شرعية، أو ما يشبه ذلك، من أعمال المأذونية، فلا يظهر المنع؛ لأن العقد قد تمَّ وليس لها إلا توثيق ذلك على الورق.
أما تكون هي شاهدةً على عقد النكاح، أو يكون المرجع في تقويم الشهود إليها، أو أن تكون هي التي تلي عقد النكاح، دون الولي، فلا يجوز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/247)
هل يجوز تأخير العقد عن الخطبة مدة طويلة
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنة تقدمت لخطبة فتاة ولقد تم الاتفاق على كل شي، ولقد طالت الخطبة الآن، وأنا أريد أن أعقد عليها الآن، ولكن أهلها يرفضون ويقولون إنها تدرس، ويجب علي أنا أنتظر ثلاث سنوات حتى تنتهي من دراستها في الجامعة، ثم يتم الزواج والعقد!!!
ولا أدري هل هو حرام إذا طالت الخطبة أو لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تأجيل العقد وإن طالت مدة الخطبة؛ إذ لم يرد في الشرع تقدير المدة التي تكون بين الخطبة والعقد، بل ذلك يرجع إلى العرف والعادة ومدى استعداد كل من الخاطب والمخطوبة لإتمام النكاح، فقد يخطب الرجل ويعقد ويبني بأهله في ساعة، وقد يتم ذلك في شهر أو سنة أو أكثر.
غير أن الأولى، والذي ننصح به، أن لا تطول مدة الخطبة، ما دام الخاطب قادرا على إتمام النكاح؛ لما ورد من الترغيب في الزواج لمن استطاع الباءة، قال صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
ثم إن التجارب الكثيرة تبرهن على أن طول مدة الخطبة مدعاة لفتح باب المشكلات من الطرفين، قبل أن تبدأ الحياة الحقيقية بينهما، وكثيرا ما تؤدي هذه المشكلات إلى فسخ تلك الرابطة، أو تترك آثارا بعيدة المدى في نفوس الطرفين.
والذي نشير عليكما به في هذا المقام، أنت أيها السائل الكريم، وأولياء الفتاة المخطوبة، أنه أذا كان المتوقع ألا يتم الزواج إلا بعد مدةٍ، ثلاث سنوات أو نحوها، على ما في سؤالك، فالذي نشير به على الطرفين ألا يتعجلوا في العقد من الآن، لأنه لا فائدة في الواقع من هذا العقد مدة طويلة، إذا كان الطرفان على علم بأن أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته، كسائر الأجانب، حتى يعقد عقدة النكاح، وكانا جادين في الالتزام بأحكام ذلك وآدابه. والذي يدفعنا إلى تلك المشورة عليكما كثرة التجارب التي نتج عن طول فترة العقد فيها من المشاكل الشرعية الشيء الكثير، وبعضها انتهت بفسخ ذلك العقد، وليس من شك أن فسخ الخطبة وانتهاءها، أخف وأهون على الطرفين من فسخ عقد نكاح شرعي.
ثم إن من الآثار السلبية المقررة لطول فترة العقد، ازدياد تعلق الطرفين ببعضهما، وانشغال القلوب والخواطر، بلا مبرر، مما قد يؤثر على النفوس، ويشغلها عن المهمات التي خلقت لها، من تحصيل العلم النافع، أو العمل الصالح.
وتأمل أخي الكريم مصداق ذلك في القصة العجيبة التي قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم للعبرة والعظة؛ كما في صحيح البخاري (3214) ومسلم (1747) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلادَهَا..) إلى آخر القصة، وهي معروفة مشهورة.
والشاهد منها هنا أن هذا النبي الكريم استبعد من هذه المهمة الجهادية الجليلة أصنافا من الناس لا يصلحون لها، فكان منهم: رجل عقد على امرأة، وهو يريد أن يبني بها، لكن لم يتحقق له مراده ذلك بعد.
نقل ابن بطال عن المهلب، أحد شراح البخاري، قوله: فيه دليل أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع وتخيبها؛ لأن من ملك بضع امرأة، ولم يبن بها، أو بنى بها، وكان على طراوة منها، فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها، وشغله الشيطان عما هو فيه من الطاعة، فرمى في قلبه الجزع، وكذلك ما فى الدنيا من متاعها وقنيتها. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وَالْغَرَض هُنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ يَتَفَرَّغ قَلْبه لِلْجِهَادِ وَيُقْبِل عَلَيْهِ بِنَشَاط، لأَنَّ الَّذِي يَعْقِد عَقْده عَلَى اِمْرَأَة يَبْقَى مُتَعَلِّق الْخَاطِر بِهَا، بِخِلافِ مَا إِذَا دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَصِير الأَمْر فِي حَقّه أَخَفّ غَالِبًا، وَنَظِيره الاشْتِغَال بِالأَكْلِ قَبْل الصَّلاة.
غير أن هذا الرأي السابق إنما نشير به عليكما في حال العجز عن المبادرة بالنكاح، لسبب معتبر، أو عذر قاهر، وأما التأخير بحجة الفراغ من الدراسة فهو ما لا نراه رأيا سديدا، ولا نشير به عليكما.
وقد قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الواجب البدار بالزواج، ولا ينبغي أن يتأخر الشاب عن الزواج من أجل الدراسة، ولا ينبغي أن تتأخر الفتاة عن الزواج للدراسة؛ فالزواج لا يمنع شيئاً من ذلك، ففي الإمكان أن يتزوج الشاب، ويحفظ دينه وخلقه ويغض بصره، ومع هذا يستمر في الدراسة. وهكذا الفتاة إذا يسر الله لها الكفء، فينبغي البدار بالزواج وإن كانت في الدراسة - سواء كانت في الثانوية أو في الدراسات العليا - كل ذلك لا يمنع.
فالواجب البدار والموافقة على الزواج إذا خطب الكفء، والدراسة لا تمنع من ذلك.
ولو قطعت من الدراسة شيئا فلا بأس. المهم أن تتعلم ما تعرف به دينها، والباقي فائدة.
والزواج فيه مصالح كثيرة، ولا سيما في هذا العصر؛ ولما في تأخيره من الضرر على الفتاة وعلى الشاب.
فالواجب على كل شاب وعلى كل فتاة البدار بالزواج إذا تيسر الخاطب الكفء للمرأة. وإذا تيسرت المخطوبة الطيبة للشاب، فليبادر؛ عملا بقول الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام – فى الحديث الصحيح: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإن له وجاء) متفق على صحته.
وهذا يعم الشباب من الرجال والفتيات من النساء، وليس خاصا بالرجال، بل يعم الجميع، وكلهم بحاجة إلى الزواج. نسأل الله للجميع الهداية "
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 20/421-422]
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هناك عادة منتشرة، وهي رفض الفتاة أو والدها الزواج ممن يخطبها، لأجل أن تكمل تعليمها الثانوي أو الجامعي، أو حتى لأجل أن تُدَرِّس لعدة سنوات، فما حكم ذلك، وما نصيحتك لمن يفعله؛ فربما بلغ بعض الفتيات سن الثلاثين أو أكثر، بدون زواج؟
فأجاب:
حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) [الترمذي (1084) ] وقال: (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) .
وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج؛ فالذي أنصح به إخواني المسلمين، من أولياء النساء، وأخواتي النساء من النساء، ألا يمتنعن من الزواج من أجل تكميل الدراسة أو التدريس، وبإمكان المرأة أن تشترط على الزوج أن تبقى في الدراسة حتى تنتهي دراستها، وكذلك تبقى مدرسة، لمدة سنة أو سنتين، ما دامت غير مشغولة بأولادها، وهذا لا بأس به.
على أن كون المرأة تترقى في العلوم الجامعية ـ مما ليس لنا به حاجة ـ أمر يحتاج إلى نظر.
فالذي أره أن المرأة إذا أنهت المرحلة الابتدائية، وصارت تعرف القراءة والكتابة، بحيث تنتفع بهذا العلم في قراءة كتاب الله وتفسيره، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها، فإن ذلك كاف؛ اللهم إلا أن تترقى لعلوم لا بد للناس منها؛ كعلم الطب وما أشبهه؛ إذا لم يكن في دراسته شيء محذور، من اختلاط وغيره.)
فتاوى علماء البلد الحرام ص (390)
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/248)
لم يُذكر في عقد النكاح اسم الزوجة ولا صفتها فهل يجدد العقد
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء عقد زواجي لم يتم ذكر اسم زوجتي ولا أي مواصفات. وهذا الأمر يشغلني ولا أتوقف في التفكير فيه؛ أخشى أن تكون علاقتي الحالية بزوجتي غير شرعية.
وسؤالي: هل يوجد ما يسمح بإعادة العقد في الإسلام حتى يطمئن قلبي من باب الاحتياط؟ بمعنى آخر: هل يكفي تجديد العقد مع والدها عبر الهاتف فقط (لأن والد زوجتي موجود في بلد آخر مختلف عن بلد إقامتنا أنا وزوجتي) وذلك للتخلص من أي شبهات وشكوك لأني دائم الفكر في هذه المسألة. رجاء إبلاغي جميع الخيارات المتاحة لتجديد عقد زواجنا، وماذا عن الشهود؟ هل يجب تواجدهم عندي أنا أم عند أبيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح تعيين الزوجين، والمرأة تتعين بذكر اسمها أو صفتها كالصغرى أو الكبرى أو بالإشارة إليها، إذا كانت حاضرة للعقد، فإذا قال وليها: زوجتك هذه، وأشار إليها، صح العقد.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/96) : " مِن شرط صحة النكاح تعيين الزوجين ; لأن كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما، كالمشتري والمبيع , ثم ينظر، فإن كانت المرأة حاضرة، فقال: زوجتك هذه صح، فإن الإشارة تكفي في التعيين، فإن زاد على ذلك، فقال: بنتي هذه، أو هذه فلانة كان تأكيدا.
وإن كانت غائبة فقال: زوجتك بنتي وليس له سواها جاز، فإن سماها باسمها مع ذلك، كان تأكيدا.
فإن كان له ابنتان أو أكثر، فقال: زوجتك ابنتي لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به، من اسم أو صفة، فيقول: زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو الصغرى فإن سماها مع ذلك كان تأكيدا " انتهى.
وأنت لم تبين لنا هل كانت حاضرة للعقد أم لا؟ وما هي الصيغة التي تم بها العقد؟
وبكل حال، فإذا لم تحضر الزوجة العقد، ولم يذكرها بما يميزها عن بقية بناته، فلا يصح العقد ويلزمكما إعادته، كما يلزمها الاحتجاب منك حتى يتم العقد؛ لأنك حينئذ أجنبي عنها.
ثانيا:
يصح أن تجري العقد مع أبيها عن طريق الهاتف، ما دمت تتحقق صوته، ويتحقق صوتك، مع تمكين الشهود من سماعكما، ولا حرج في كون الشاهدين عندك أو عنده.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/249)
هل يصح عقد النكاح مع عدم حضورها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم إلي شخص قبل سنوات، وأعطيته إذنا مكتوبا بالنكاح، وقد جرى النكاح بالوكالة، ولم أكن حاضرة، لكنه كان متواجدا، مع شاهدين وإمام محلي.. الخ. وأهلي لا يعارضون هذا الزواج لكنهم لا يعلمون أنه جرى إتمام العقد. هل هذا النكاح جائز وصحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يلزم حضورك عقد النكاح، والمهم أن يثبت رضاك به، ويكفي في ذلك الإذن المكتوب.
ثانيا:
المهم هو حضور وليك، أو حضور وكيله؛ لأن النكاح بدون ولي المرأة لا يصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2709.
وقولك: " وأهلي لا يعارضون هذا الزواج لكنهم لا يعلمون أنه جرى إتمام العقد " يفهم منه أن وليك لم يشهد عقد النكاح، ولا حضره وكيل عنه، فإن كان الأمر كذلك فإن العقد لا يصح، وعليكما إعادة العقد في حضور الولي وشاهدين.
وهذا إذا كان لك ولي مسلم، الأب أو الأخ أو غيره من الأولياء، فإن لم يوجد ولي مسلم، فوليك القاضي المسلم، فإن لم يوجد فمدير المركز الإسلامي أو إمام المسجد.
وأنت لم تذكري شيئا عن ديانة أهلك.
وعلى هذا، إن لم يكن أحد من أوليائك مسلماً فالصورة التي تم بها العقد صحيحة، وإذا كان أحد من أوليائك مسلماً وجب إعادة العقد مرة أخرى في حضوره، أو يوكل من يقوم بالعقد نيابة عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/250)
قراءة الفاتحة عند الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم مقبل على الزواج، وفي البلد الذي سأعقد فيه الزواج يقومون بشيء يسمونه قراءة الفاتحة، فعندما يقدم رجل على الزواج في بلدنا فإنهم يقرؤون الفاتحة، ويدعون لها بعض الأقارب من الرجال، ويقدم لهم بعض الحلويات والمشروبات، هل قراءة الفاتحة من السنة، وإذا كانت كذلك فماذا يترتب علي فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست قراءة الفاتحة عند عقد الزواج أو الخطبة من السنة في شيء، بل هي بدعة، فإنه لا يجوز تخصيص شيء من القرآن في شيء من الأعمال إلا بدليل.
قال أبو شامة المقدسي في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (165) :
" ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع فالمكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع " انتهى.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل قراءة الفاتحة عند خطبة الرجل للمرأة بدعة؟
فأجابوا:
" قراءة الفاتحة عند خِطبة الرجل امرأة، أو عَقْدِ نكاحِه عليها بدعة " انتهى.
ولا يترتب على قراءة الفاتحة شيء من أحكام العقد، فقراءة الفاتحة لا تعني إتمام عقد النكاح، بل العبرة بالقبول والإيجاب مع الولي والشهود.
والسنة هي قراءة خُطبة الحاجة عند عقد النكاح.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
(عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خُطبَةَ الحَاجَةِ فِي النِّكَاحِ وَغَيرِهِ:
" إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَه، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) رواه أبو داود (2118) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فأعرض الناس عن هذه السنة، وتمسكوا بالبدعة. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/251)
أحكام ما قبل الدخول على الزوجة وهل يحرم الجماع بعد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الناس وقد سأله شاب: ما هي حقوق العاقد؟ فأجاب: قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) , فهنا فرَّق الله بين التي دخلتم بها والتي لم تدخلوا بها، فلا يحل للعاقد أي شئ من جماع ولمس.
وقد اطلعت أنا من قبل على أنه يجوز للعاقد فعل كل شئ لأنها زوجته وأيضا إذا حملت الزوجة قبل الزفاف يكون الطفل شرعيّاً وله حق الميراث. فهل استدلال هذا المجيب صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يُصب ذلك المتحدث الذي ذكرتَه لا في الحكم ولا في الاستدلال، فالآية التي استدل بها هي في بيان المحرمات في النكاح على الرجل، وقد ذكر الله تعالى أنه يحرم التزوج بالأمهات والبنات والعمات، وممن ذكر الله تعالى في المحرمات: بنات الزوجة المدخول بها، وأن الرجل إذا عقد على امرأة وعندها ابنة ثم فارقها قبل الدخول فإنه يحل له الزواج بابنتها، أما إن فارق الأم بعد الدخول عليها فإنه لا تحل له ابنتها، بل هي حرام عليه حرمة أبدية.
هذا هو معنى الآية، ولا علاقة للآية بما يجوز وما لا يجوز للزوج من زوجته المعقود عليها، بل الآية في بيان المحرمات في النكاح، وأن تحريم الربيبة – ابنة الزوجة – مشروط بالدخول بأمها، وأنه إن لم يدخل بها فإنها تحل له في النكاح.
والواجب على كل من سئل عن شيء لا يعلمه أن يقول " لا أدري "، ولا يحل لأحدٍ أن يتقول على الشرع ما لم يقل، ولا أن يحرم ما أحل الله، ولا يحل ما حرَّم.
قال الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) الإسراء/36، وقال عز وجل: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
ثانياً:
وأما العاقد على زوجته فإنه يحل له منها كل شيء، فهي زوجته، وهو زوجها، إن ماتت ورثها، وإن مات ورثته واستحقت المهر كاملاً، لكن الأفضل لمن عقد أن لا يدخل حتى يُعلن ذلك , لما قد يترتب على الدخول قبل الإعلان من مفاسد كبيرة، فقد تكون الزوجة بكراً فتفض بكارتها، وقد تحمل من هذا الجماع ثم يحصل طلاق أو وفاة، وسيكون هذا مقلقاً لها ولأهلها، وسيسبب حرجاً بالغاً، لذا فإن للعاقد أن يلمس ويقبل زوجته، لكن يمنع من الجماع لا لحرمته , بل لما يترتب عليه من مفاسد.
ولمزيد فائدة يرجى النظر في جواب السؤال رقم: (3215) .
ثالثاً:
وعدم الدخول بالزوجة يتعلق به بعض الأحكام العملية.
منها: العدة، فمن طلَّق زوجته قبل الدخول فلا عدة عليها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا) الأحزاب/49.
ومنها: المهر، فمن طلَّق امرأته قبل الدخول بها فإنها تستحق نصف المهر المسمّى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) البقرة/237، وفي حال عدم تحديد المهر فإنها تستحق متعة على قدر سعته؛ لقوله تعالى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) البقرة/236، وأما في حال الوفاة: فإنها تستحق المهر كاملاً إن كان محدداً , وتستحق مهر المثل إن لم يكن تم الاتفاق على مهر محدد.
فعن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات , فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها , لا وكس ولا شطط , وعليها العدة , ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق - امرأة منَّا - مثل الذي قضيتَ، ففرح بها ابن مسعود. رواه أبو داود (2114) والترمذي (1145) والنسائي (3355) وابن ماجه (1891) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1939) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/252)
ماذا يحل للزوج بعد عقده على زوجته وقبل إعلان الدخول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فهمت من الإجابات الموجودة في موقعكم أنه لا توجد أية قيود بين الرجل والمرأة عقب إتمام النكاح، مع أن الزواج لم يتحقق بعد، وقد قرأت بعض الإجابات حول هذا الموضوع في موقعكم، لكني لم أتمكن من الوصول لإجابة شافية للعبارة العامة التي تقضي استنتاج البعض أن على المسلم أن يتبع طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الرجل والمرأة يجب ألا يلتقيان بمفردهما، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلتق بعائشة رضي الله عنها إلا بعد إتمام زواجهما بعد عدة سنوات من النكاح، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتق بها بمفرده خلال الفترة ما بين النكاح إلى إتمام الزواج: فما هو الدليل الذي بنى عليه العلماء تبريرهم الذي يجيز أن يلتقي الرجل بالمرأة بعد النكاح وقبل إتمام الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكون الرجل أجنبيّاً عن المرأة ولا يحل له أن ينظر إليها ولا أن يصافحها ولا أن يختلي بها، فإذا رغب في نكاحها فإنه يذهب لخطبتها، وفي هذه الحال يباح له – فقط – النظر إليها، دون مصافحتها أو الخلوة بها، فإن هم رضوا وزوجوه صار زوجاً، وصارت المرأة زوجةً له , فيحل له منها كل شيء من النظر والخلوة واللمس والمصافحة والاستماع , لقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) والزوجية تثبت بمجرد العقد. ولذلك إذا مات أحد الزوجين بعد العقد ورثه الآخر، ولو كان ذلك قبل الدخول.
فهذا هو الدليل الذي استدل به العلماء على هذه المسألة.
وقد تعارف الناس فيما بينهم أن يكون إعلان عقد الزواج مغايراً لإعلان الدخول، ليس لأن الدخول محرم بعد العقد بل لأن ظروف الزوج قد لا تكون موائمة لأخذ زوجته لبيت الزوجية، فصار هناك ما يعرف بـ " إعلان الدخول " أو " ليلة الدخلة "، فإذا كان الأمر كذلك فعلى الزوج أن لا يدخل بزوجته إلا بعد إعلان الدخول , لأن دخوله بها قبل ذلك قد يوقعه وإياها في حرج شديد، فقد يطلقها أو يتوفى عنها، وقد تكون بِكراً فضَّ بكارتها، وقد تصير حاملاً، فتعرض المرأة نفسها لشبهات وتدخل هي وأهلها في متاهات قد لا يكون لها ما يوقفها، وانظر جواب السؤال رقم (52806) .
وأما قول السائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتق بعائشة بمفرده في الفترة ما بين العقد إلى الدخول , فهذه مجرد دعوى , فمن الذي يستطيع أن يجزم بهذا النفي , وقد كانت تلك الفترة ثلاث سنوات , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أبا بكر في بيته كل يوم مرتين: بكرة وعشيا , كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (476) .
فمن يستطيع بعد ذلك أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلُ بعائشة طوال هذه الفترة؟
ثم هب أن هذا النفي صحيح , فإن هذا لا يعني تحريم ذلك , لأنه قد ثبت جوازه بدليل من القرآن - كما سبق بيانه -.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/253)
أقامت علاقة مع آخر فهل يفي بوعده لها بالزواج منها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم ومتدين، أحببت فتاة، ووعدتها بالزواج، ولكنها أقامت علاقة مع رجل آخر، وحين اكتشفتها اعترفت بخطئها، وطلبت مني المسامحة، لكنني لم أعد أثق بها، وتصرفاتها لا تعجبني، فهل إخلافي بوعدي لها بالزواج حرام أم لا - رغم أنها هي المخطئة -؟ وبماذا تنصحونني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي ننصحك به هو تركها لحال سبيلها، وإخلافك لوعدك بالزواج منها له ما يسوِّغه شرعاً. وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة صاحبة الدِّين، فابحث عنها، ودعك من هذه، ويبدلك الله خيراً منها.
ثانياً:
ينبغي أن تعلم أن إقامة علاقة بين رجل وامرأة واتفاقهما على الزواج، وما يلازم ذلك من محادثات أو لقاءات.....إلخ، أمر محرم. وقد سبق بيان ذلك في الموقع في أجوبة كثيرة، منها السؤال رقم (20949) ، (1114) .
فإن كان وقع منك شيء من ذلك فعليك المبادرة بالتوبة من هذا الذنب والعزم على عدم العودة إليه.
وقد وصفت نفسك بأنك "متدين" فعليك الالتزام بأحكام الدين، واجتناب ما حرم الله ورسوله، وفقك الله تعالى لحسن القول والعمل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/254)
جامع أجنبية في دبرها وتابا فهل يجوز له تزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تبنا وندمنا من علاقة جنسية حدث فيها إيلاج من الدبر، ونحن نحب بعضنا حبّاً شديداً لا نستطيع الفراق، ونريد أن نتزوج ونعيش حياةً سعيدةً، هل يجوز لي الزواج منها؟ علما بأن مذهبنا الإباضية يحرم زواج الزاني بمزنيته وإن تابا، بدليل أن عمر بن الخطاب فصل بين رجل تزوج امرأة أثناء عدتها ثم قال: (لا يجتمعان أبداً) ، ودليل آخر ثبت عن علي وعائشة والبراء بن عازب بأنه (إذا تزوج اثنان زانيان فهما زانيان أبداً) ، ذلك بأن الطمأنينة ستكون معدومة بين اثنين اختبر كل منهما الآخر قبل الزواج، فما رأي سماحتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أن البحث عن الصواب في المسائل الفقهية العملية أمرٌ حسن، وهو يدل على أن صاحبه ينشد الحق الذي حكم الله تعالى به، وأحسن من هذا هو أن يبحث المسلم عن الاعتقاد الصحيح الذي ينجيه من فرق الضلال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي اثنتان وسبعون فرقة، وقد قال عنها: (كلها في النار) ومعناه: أنها ضالة تستحق الوعيد بالنار؛ لأنها تنكبت طريق الحق، وطريق الحق الذي ينجو صاحبه إذا عليه هو طريق الفرقة الناجية، والتي حكم لها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة في قوله: (كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي؟ قال: هي من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) .
واعلم أنه لا يسع المسلم أن يعتقد ما يشاء، بل لا بدَّ له حتى ينجو من الإثم والوزر أن يعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان والصفات والقرآن وغيرها من مسائل العقيدة والتوحيد.
ولا نريد إحراجك، لكننا لا نريد ترك نصحك، ونكون غاشين لك إن دللناك على الحق في مسألة فقهية، وتركنا أمر اعتقادك يمر هنا دون نصح وتوجيه.
لذا فإننا ندعوك – قبل الإجابة عن استفسارك – أن تنظر وتتأمل في جواب السؤال رقم (11529) راجين لك التوفيق والهداية.
ثانياً:
جماع الزوجة في دبرها من المحرمات ومن كبائر الذنوب، فكيف يكون حكم جماع الأجنبية في دبرها؟ لا شك أن إثم هذا الفعل أعظم بكثير من جماع الزوجة في دبرها.
ثالثاً:
قد أحسنتما بالتوبة من هذه المعصية الكبيرة، والندم عليها، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما، وعليكما الاجتهاد في العمل الصالح، فإن ذلك من تمام التوبة وكمالها، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وأما بالنسبة لزواجكما: فلا حرج من ذلك ما دمتما قد تبتما إلى الله، وانظر جواب السؤال رقم (14381) و (11195) .
فإذا ندمتما على فعلكما وتبتما توبة صادقة: جاز لكما الزواج، ولا يوجد ما يمنع منه.
وأما ما ذكرتَه عن عمر بن الخطاب من منعه من تزوج امرأة في عدتها أن يتزوجها أبداً: فالظاهر – إن صح هذا عنه – أنه من باب التعزير والعقاب لمن فعل معصية، وليس بياناً لحكم شرعي بأن هذا محرم.
وما نقلته عن بعض الصحابة من حكمهم على زانٍ تزوج زانية أنهما زانيان أبداً: فهو محمول على كونهما لم يتوبا.
قال ابن حزم رحمه الله:
"عن ابن مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود: لا يزالان زانيين.
ثم روى عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سُئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ فقال سالم: سئل عن ذلك ابن مسعود فقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) الشورى/25.
قال ابن حزم:
القولان منه متفقان؛ لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة" انتهى.
" المحلى " (9 / 63) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/255)
هل يحل لوالد الفتاة منع زوجها من الجلوس معها بعد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تم عقد قراني على فتاة، وتم الاتفاق على أن يكون موعد الزفاف بعد سنة بسبب الوضع المادي، ولكنَّ أباها يرفض رفضا كليّاً أن أختلي بها، ولو لفترة وجيزة للحديث، أو مجرد الجلوس، فهل يحل له منعي من الجلوس والاختلاء بها بداعي العادات والعرف؟ وماذا عليَّ أن أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقد الزواج له ثلاثة أركان: الإيجاب والقبول وموافقة ولي الزوجة، فالإيجاب هو: ما صدر من أحد العاقدَين أولاً، دالاًّ على ما يريده من إنشاء العقد، وسمي إيجاباً لأنه أوجد الالتزام، والقبول هو: ما صدر ثانياً من الطرف الآخر دليلا على موافقته على ما أوجبه الأول، وسمي قبولاً لأن فيه رضاً بما في الأول من التزام.
فإذا كان هذا بحضور ولي الزوجة ورضاه: فقد تمَّ عقد النكاح، وصارت المرأة زوجة له، وصار زوجاً لها، ويترتب على هذا العقد آثاره الشرعية، وهي:
1. حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر.
2. وجوب المهر المسمى في العقد، إن دخل بها، أو اختلى بها خلوة شرعية يتمكن فيها من جماعها، أو إذا مات قبل الدخول أو الخلوة، ويجب لها نصف المسمى بمجرد العقد إن طلقها قبل الدخول أو الخلوة، فإن لم يكن قد سمَّى لها مهراً: فإنه يجب لها عند الدخول أو الموت أو الخلوة الشرعية مهر مثيلاتها كأخواتها وبنات عمها.
3. وجوب النفقة للزوجة على زوجها من طعام وكسوة ومسكن، وهذا لا يجب على الزوج إلا بعد الدخول بها؛ لأن هذه الواجبات تكون مقابل الاستمتاع وكونها تحت قوامته.
4. ثبوت نسب الأولاد من الزوج في حال الدخول أو الخلوة الشرعية.
5. ثبوت حق التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما في حال قيام الزوجة سواء دخل الزوج بزوجته أو لم يدخل.
6. ثبوت حرمة المصاهرة، وهي حرمة أصول الزوج وفروعه على الزوجة، وحرمة أصول الوجه وفروعها على الزوج، على تفصيل معروف.
وما ذكرناه فيما يترتب على النكاح يُعلم به جواب السؤال، وهو أنه يجوز لكلا الزوجين أن يستمتع بالآخر بمجرد العقد من لمس وتقبيل ومباشرة.
وفي جواب الأسئلة: (74321) و (13886) بيان هذه المباحات لمن عقد على امرأة حتى لو لم يدخل بها.
لكن يجوز للولي أن يُشدِّد في الخلوة الشرعية – وهي إغلاق الأبواب وإرخاء الستور - والجماع – من باب أولى - لما يترتب عليه من مفاسد قبل إعلان الدخول؛ فقد تحصل وفاة أو يحدث طلاق فتترتب آثار سيئة على المرأة في حال كونها حاملاً أو قد فضَّت بكارتها.
وفي جواب السؤال (3215) بيان هذه المسألة فنرجو النظر فيه.
فإذا انضم إلى هذه المفاسد التي كثيرا ما تحدث من جراء التساهل في ذلك قبل البناء، والانتقال إلى بيت الزوجية، نظرة الناس، وعرفهم الذي لا يقبل مثل هذه العلاقة إلا بعد البناء بالزوجة، في المسكن المعد لذلك، كان هذا أمرا معتبرا في صيانة الأعراض والأنساب، ويجب على الزوج أن يقدِّر هذا الأمر وأن يفكِّر بعقله لا بعاطفته، وليعلم آثار هذا الأمر لو حصلت وفاة أو حصل طلاق، وأنه – يقيناً – لا يرضى هذا لابنته، فكذلك الناس لا يرضونه لبناتهم، ونرى أن هذا هو الحل الأمثل والوسط بين التشدد والتساهل في هذا الأمر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/256)
الفَرق بين الفرَق العقائدية والمذاهب الفقهية، وهل تتزوج مبتدعاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين أهل السنة والجماعة والمذاهب الأخرى (مثل الشافعية والمالكية.. إلخ) ؟ وهل يجوز لفتاة من أهل السنة والجماعة أن تتزوج من رجل لا ينتمي لمذهب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهل السنة والجماعة لا يقابلهم المالكية والشافعية والحنابلة وأمثالهم، بل يقابلهم أهل البدع والضلال في الاعتقاد والمنهج كالأشعرية والمعتزلة والمرجئة والصوفية وأشباههم.
أما الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فهي مدارس فقهية، وأئمتها من أهل السنة والجماعة بل هم من رؤوس أهل السنة والجماعة، لكن مما يؤسف له أن أتباع أكثر تلك المذاهب والمدارس قد اتبعوا في اعتقادهم أهل البدع والضلال، فأصبح الكثير من الشافعية والمالكية من الأشعرية، وأصبح الكثير من الحنفية من الماتريدية، وقد سلِم الحنابلة – إلا قليلا جدّاً منهم – من الانتساب في العقائد لغير أهل السنة والجماعة.
والأصل في المسلم أن يكون ملتزماً بالكتاب والسنة وعلى فهم وهدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان , " وأما اتباع مذهب من هذه المذاهب الأربعة أو غيرها فليس بواجب ولا مندوب , وليس على المسلم أن يلتزم واحداً منها بعينه , بل من التزم واحداً منها بعينه في كل مسألة فهو متعصب مخطئ مقلد تقليداً أعمى " انتهى.
"هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة؟ " للمعصومي (ص 38) .
واتباع المذاهب الفقهية الأربعة لا حرج فيه إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به استنباط الأحكام من الكتاب والسنة , لكن متى ظهر له أن الصواب خلاف مذهبه فالواجب عليه اتباع الصواب وترك مذهبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قد ذم الله تعالى في القرآن من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله وهو: أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد ; فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان ; في سره وعلانيته وفي جميع أحواله. . . . وقد أوجب الله طاعة الرسول على جميع الناس في قريب من أربعين موضعا من القرآن.
وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور. . . والتقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله ورسوله بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (19/260-266) .
وأتباع السلف هم الذين استقاموا على الكتاب والسنَّة في اعتقادهم وفِقْهِهِم وسلوكهم ولم يخالفوا ما ثبت في الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" المقصود بالمذهب السّلفي هو ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين من الاعتقاد الصّحيح، والمنهج السّليم، والإيمان الصّادق، والتمسُّك بالإسلام عقيدة وشريعة وأدبًا وسلوكًا؛ خلاف ما عليه المبتدعة والمنحرفون والمخرِّفون.
ومن أبرز من دعا إلى مذهب السّلف الأئمة الأربعة، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وتلاميذه، والشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، وتلاميذه، وغيرهم من كلّ مصلح ومجدِّد، حيث لا يخلو زمان من قائم لله بحجَّةٍ.
ولا بأس من تسميتهم بأهل السنة والجماعة؛ فرقًا بينهم وبين أصحاب المذاهب المنحرفة، وليس هذا تزكية للنفس، وإنما هو من التمييز بين أهل الحق وأهل الباطل " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / السؤال رقم (206)) .
وعليه فإذا جاء للمسلمة من يُرضى دينُه وخلقُه: فإنَّ عليها أن تقبل به ولو لم ينتسب إلى أحد هذه المذاهب، أما إذا كان المتقدم لها من الفرق الضالة المنحرفة فإنها لا تقبل به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/257)
مريض بالإيدز هل يتزوج مصابة بالمرض نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يشابه السؤال (11137) حول حكم تزويج المريض بالإيدز، فأنا في وضع مشابه تقريباً، حيث إني أرغب في الزواج من امرأة شخص الأطباء حالتها بأن لديها فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) ، لكن مستويات الفيروس لديها منخفضة جدّاً لدرجة أنها لا يمكن اكتشافها، والمذكورة قد تزوجت سابقاً ولها طفل في الرابعة من العمر، وكلاهما لم تصبه عدوى الفيروس، وفيما يتعلق بالزواج من طرف لديه هذا الفيروس، فقد فهمت أن بعض العلماء يقولون بالتحريم، وهناك من يقول بخلاف ذلك، وقد قلت في إجابتك على السؤال المذكور أعلاه: إنه لا بأس بذلك بشرط أن يعرف الطرفان بالأمر، وأسأل عن التالي:
1- هل يجوز لها الزواج إذا كانت علاقاتها محمية؟
2- هل يجوز لها الزواج إذا وافق الاثنان على عدم الجماع؟
3- هل يجوز أن يتزوجها رجل لإشباع حقوقها الزوجية إرضاء لله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق في جواب السؤال رقم (11137) حكم تزوج من كان به مرض الأيدز، وقلنا: " إنه لا يزوَّج إلا بعد أن يبيّن أمره ويقول: بي مرض كذا، فإذا وافقوا على ذلك فبها ونعمت وإلا فلا؛ لأنه إذا أخفى عليهم أمره فإنه يكون قد خدعهم، وغشهم فهذه المرأة قد تنقل المرض إلى زوجها أو الزوج لامرأته ولأنجالهم بعد ذلك، أما إذا رضيت بك ووافقت ورضيت بقدر الله وقضائه فلا بأس بذلك ".
فلا حرج على الأخ السائل أن يتزوج بالصحيحة أو المريضة بشرط تبيين حالتك المرضية، ويمكنك في حال موافقتهم ورغبتكم بالجماع استعمال الواقي المطاطي.
قال الدكتور عبد الله الحقيل – وهو استشاري ورئيس شعبة الأمراض المعدية في كلية الطب في جامعة الملك سعود -:
" زواج المصاب بالإيدز مشكلة كبيرة؛ لأن السبب الرئيس في انتقال المرض هو الاتصال الجنسي، وفي حالة استعمال الواقي المطاطي فهناك نسبة عالية من الحماية، ولكن يجب على الطرف الآخر سواء الرجل أو المرأة أن يكون على اطلاع تام وجيد بالشيء الذي ينتظره في المستقبل ".
"جريدة الوطن" العدد (522) السنة الثانية ـ الثلاثاء 21 ذي الحجة 1422هـ الموافق 5 مارس 2002م.
والحياة الزوجية ليست جماعاً فقط، فيمكنك الزواج بتلك المرأة إذا اتفقتما أن لا يكون بينكما جماع، فحاجة الرجل للمرأة - والعكس - ليست فقط حاجة جنسية، فهناك الرعاية والحماية والنفقة والأنس والإعانة على الطاعة، بل قد يكون محبة أحد الطرفين أن يرثه الآخر من دواعي هذا الزواج، ومثله: الزواج بالصغيرة التي لا تقوى على الجماع، فإنه نكاح شرعي صحيح وإن لم يكن بينهما جماع، وعليه: فلا مانع من أن يكون بينكما زواج واتفاق على عدم الجماع.
وقد قال جمهور العلماء بجواز تزوج المسلم في مرض موته إن كان عاقلاً رشيداً، وأي حاجة للجماع في هذه الحال يتزوج من أجلها؟! .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
في مريض تزوج في مرضه , فهل يصح العقد؟
الجواب:
" نكاح المريض صحيح , ترث المرأة في قول جماهير علماء المسلمين من الصحابة والتابعين , ولا تستحق إلا مهر المثل , لا تستحق الزيادة على ذلك بالاتفاق " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/99) .
وقال أيضاًَ: (5/466) :
" نكاح المريض في مرض الموت صحيح، وترث المرأة في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ولا تستحق إلا مهر المثل لا الزيادة عليه بالاتفاق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/258)
الفرق الضالة لا ينبغي أن يزوجوا من أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشاب صاحب المذهب الإباضي الزواج من الفتاه صاحبة المذهب الشافعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإباضية من فرق الخوارج، وهي من فرق الضلال، وقد جاءت نصوص كثيرة صحيحة في ذمهم.
وانظر في ذلك جواب السؤال رقم (11529) .
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (40147) عن علماء اللجنة الدائمة:
" فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما، ولا تجوز الصلاة خلفهم " انتهى.
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (13/30) : أن شهادة " الإباضية " غير مقبولة شرعاً.
وقد جاءت النصوص الواضحة في حسن اختيار الزوج من قبل أولياء الزوجة، ومن ذلك الرضا بدينه وخلقه، وأي دين يُرضى من أهل الفرق الضالة، والتي ترى الخروج على أئمة المسلمين، وترى خلق القرآن، وترى كفر مرتكب الكبيرة، وترى إنكار رؤية الله تعالى في الآخرة؟!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) . والحديث: حسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1022) .
فالذي ينبغي هو عدم تزويج المبتدعة من نساء أهل السنة؛ وتأثير الزوج على الزوجة كبير، فقد تتأثر به فتعتقد اعتقاده فتنتقل من الفرقة الناجية إلى إحدى فرق الضلال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/259)
تعلقت بشاب أقل منها في النسب وأهلها معارضون زواجها منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أنتمي لمجتمع قبَلي متعصب وتعرفت على شاب حسن الدين والخلق لكن أهلي يرفضون رفضاً باتّاً فقط لأنه ليس من نسب شريف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الظاهر أنكِ وقعتِ في مخالفات شرعية حين تعرفتِ على هذا الشاب، وبخاصة أنك تمدحين خلقه ودينه، ولا ندري ما هو الخلق والدين عند هذا الشاب الذي يرضى أن يتعرف على فتاة أجنبية ويتبادل معها الحديث؟! وقد تكون العلاقة فيها ما هو أكثر من ذلك كلقاءات وغيرها.
وقد حرم الشرع المطهر إقامة مثل هذه العلاقات بين الجنسين، وقد تقدم بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في الأسئلة رقم (23349) و (20949) و (10221) و (34841) .
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به: يُراجع جواب السؤال رقم (47405) .
وللتخلص الفوري من مشكلة التعلق بهذا الشاب: يراجع جواب السؤال رقم (10254) .
ولا يجوز ولا يصح عقد النكاح على المرأة من غير إذن وليها، ولا يجوز للوالد أن يجبر ابنته على الزواج ممن لا تريد، وينظر في هذا جواب السؤال رقم (36618) .
ثانياً:
وأما مسألة الكفاءة في النكاح: فقد اعتبر جمهور العلماء الكفاءة في النسب، وخالفهم آخرون فلم يعتبروا الكفاءة إلا في الدين، وهو مروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وبه جزم الإمام مالك، وهو رواية عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " فصلاً في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح، وساق الآيات الدالة على ذلك فقال:
" قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة/71، وقال تعالى:) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/195، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب) ، وقال: (إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا) ، وفي الترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَنِي بَيَاضَةَ: (أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ) وكان حجاما.
وزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوَّج فاطمةَ بنت قيس القرشية من أسامة ابنه، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف، وقد قال تعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26، وقد قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النساء/3.
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا، فلا تزوَّج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك؛ فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعةً، ولا غِنىً ولا حرية، فجوَّز للعبد نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاحَ الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات ". انتهى.
" زاد المعاد " (5 / 158 – 160) .
وعقد البخاري رحمه الله في كتاب النكاح باباً سماه " بَاب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) ".
وساق ما يدل على اعتبار هذه الكفاءة دون غيرها، وبخاصة ما جاء بعده من أبواب وهي " بَاب الْأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ " و " بَاب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ ".
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما معنى قولهم قبيلي وخضيري؟
فأجاب:
هذه مسألة جزئية، وهي معروفة بين الناس.
القبيلي هو: الذي له قبيلة معروفة ينتمي إليها كقحطاني وسبيعي وتميمي وقرشي وهاشمي وما أشبه ذلك، هذا يسمى قبيلي؛ لأنه ينتمي إلى قبيلة، ويقال قَبَلي على القاعدة، مثل أن يقال حنفي ورَبَعي وما أشبه ذلك نسبة إلى القبيلة التي ينتمي إليها.
والخضيري في عرف الناس في نجد خاصة - ولا أعرفها إلا في نجد - هو الذي ليس له قبيلة معروفة ينتمي إليها، أي: ليس معروفا بأنه قحطاني أو تميمي أو قرشي لكنه عربي ولسانه عربي ومن العرب وعاش بينهم ولو كانت جماعته معروفة.
والمولى في عرف العرب هو: الذي أصله عبد مملوك ثم أعتق، والعجم هم: الذين لا ينتسبون للعرب يقال: عجمي، فهم من أصول عجمية وليسوا من أصول عربية، هؤلاء يقال لهم أعاجم.
والحكم في دين الله أنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى سواء سمي قبليا أو خضيريا أو مولى أو أعجميا كلهم على حد سواء، لا فضل لهذا على هذا، ولا هذا على هذا إلا بالتقوى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى) ، وكما قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13.
لكن من عادة العرب قديما أنهم يزوجون بناتهم للقبائل التي يعرفونها ويقف بعضهم عن تزوج من ليس من قبيلة يعرفها، وهذا باقٍ في الناس، وقد يتسامح بعضهم، يزوّج الخضيري والمولى والعجمي، كما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو مولاه وعتيقه زوَّجه فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وهي قرشية، وكذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو من قريش زوَّج مولاه سالماً بنت أخيه الوليد بن عتبة، ولم يبال لكونه مولىً عتيقاً.
وهذا جاء في الصحابة رضي الله عنهم وبعدهم كثير، ولكن الناس بعد ذلك خصوصا في نجد وفي بعض الأماكن الأخرى قد يقفون عن هذا ويتشددون فيه على حسب ما ورثوه عن آباء وأسلاف، وربما خاف بعضهم من إيذاء بعض قبيلته إذا قالوا له: لم زوجت فلاناً؟ هذا قد يفضي إلى الإخلال بقبيلتنا وتختلط الأنساب وتضيع إلى غير ذلك، قد يعتذرون ببعض الأعذار التي لها وجهها في بعض الأحيان ولا يضر هذا، وأمره سهل.
المهم اختيار من يصلح للمصاهرة لدينه وخلقه، فإذا حصل هذا فهو الذي ينبغي سواء كان عربيا أو عجميا أو مولى أو خضيريا أو غير ذلك، هذا هو الأساس، وإذا رغب بعض الناس أن لا يزوج إلا من قبيلته فلا نعلم حرجا في ذلك، والله ولي التوفيق ". انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/146، 147) .
والخلاصة:
أنه يحق لأهلك أن يمتنعوا عن قبول هذا الشاب زوجاً لكِ لاعتبار عدم كفاءة خلقه ودينه، وننصحك بتقوى الله تعالى والابتعاد عن هذا الشاب والطرق التي أوصلتكِ للتعرف عليه، وعسى الله أن يرزقكِ زوجاً صالحاً، يكون عونا لك على طاعة الله، وتربون جيلاً صالحاً يسعى في طاعة الله يعيش ويموت عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/260)
هل يصح العقد من غير حضور المأذون
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تم العقد دون حضور المأذون أو إمام المسجد أو أي شخصية دينية فما حكم الزواج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حصل الإيجاب من وليّ المرأة بقوله مثلا زوّجتك ابنتي، وحصل القبول من الخاطب بقوله مثلا قبلت أو رضيت، وكان ذلك بحضور شاهدين، وكانت المرأة محلا للنكاح (ليس بها مانع يوجب تحريم العقد عليها) فيصحّ العقد عند ذلك شرعا ولو لم يكن في المحكمة ولو لم يحضره القاضي أو المأذون أو إمام المسجد. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/261)
ينعقد النكاح باللفظ ولا تُشترط الكتابة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يتم عقد النكاح شفويا أو يجب أن يكون مكتوبا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كتابة العقود والمعاملات التي تجري بين النّاس هي وسيلة للتوثيق وليست شرطا لصحّة العقد، وعقد النّكاح ينعقد باللفظ بإيجاب من ولي الزوجة كقوله: زوّجتك ابنتي مثلا، وقبول من الزوج كقوله: قبلت ونحو ذلك. ولا تُشترط الكتابة، ولكن إن حصلت فهو أمر طيب للتوثيق والضبط خصوصا في هذا الزمان والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/262)
إخفاء الزواج بالفتاة عن الأهل والزواج بها مرة أخرى لإرضائهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم عمري 28 سنة وأحببت فتاة مسلمة لمدة 10 سنوات، أخبرت والدَيَّ بحبي لها وطلبت منهم أن يخطبوها لي، رفضوا تماما لأن أصول أهلها تختلف عنا، لمدة 8 سنوات وأنا أحاول أن أقنع أهلي بها ولكن يظهر أنهم لن يوافقوا أبدا.
لم أستطع أن أقرر، أهلي أم المرأة التي أحب، أخيرا وقبل 9 اشهر تزوجت تلك الفتاة بوجود أبويها ولكن بدون علم أهلي، مؤخرا تغيرت نظرتهم لزوجتي فجأة وأصبحوا يحبونها وهم لا يعلمون بأنها زوجتي ويريدوننا بأن نتزوج ولم يعلموا أننا تزوجنا منذ وقت طويل، أريد أن أخبرهم بزواجي ولكن أبي مريض بالقلب ولا أدري كيف سيستقبل الخبر.
أريد أن أعرف هل يمكن أن أبقي زواجي سرا وأتزوج من زوجتي مرة أخرى؟
أرجو أن تعلق على هذا هدانا الله إلى الطريق المستقيم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من سنن الإسلام - إذا تيسر - في النكاح إعلانه والضرب عليه بالدف، تمييزاً له عن السفاح الذي غالباً يكون في السر، وإذا وجد العقد بأركانه وشروطه فهو صحيح ولو لم يرض الأهل، ومسألة الكفاءة إنما هي في الدين وقد بينها الله في كتابه فيمكن للمسلم أن يتزوج المسلمة والكتابية بشرط أن تكون عفيفة ولا يجوز له أن يتزوج المشركة ولا الزانية، ويحرص على ذات الدين، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج إلا مسلماً وأما الكتابي فليس بكفء لها وتحرص على من اتصف من المسلمين بالديانة وحسن الخلق.
وفي الحالة الواردة في السؤال يمكن أن يقال ما يلي:
أولاً: لا يجب على الزوج أن يطلق زوجته إذا طلب والده منه ذلك.
ثانياً: حق الوالد عظيم والإحسان إلى الأهل واجب، وإذا كان والدك مريضاً بالقلب فالأولى ألا يعلم بهذا الزواج، ويَبْعٌد أن يكون موقفه قد تغير لأن مبناه على نظرة طبقية وكبار السن يصعب تغييرهم لقناعاتهم.
ثالثاً: يلزمك أن تتأكد من موقف أهلك الأخير ومدى رضاهم بزواجك من المرأة المذكورة فربما سمعوا بزواجها فأرادوا أن يرضوك لظنهم أنها تزوجت بغيرك، وربما سمعوا بزواجها منك فأرادوا أن يعلموا ذلك منك، إذا تأكدت من صدق موقفهم فلا مانع أن تستأذن منهم ومن والدك في زواجك فإن أذنوا فذلك ما أردت، وإن لم يحصل الإذن بقيت على حالك لئلا يترتب على معرفتهم بزواجك مفاسد أسرية.
أمّا بالنسبة لإعادة العقد فقد عرضنا الموضوع على سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فأجاب بما حاصله أن العقد الأول إذا كان مستوفيا لشروطه ولم يقم شيء من الموانع فإنه عقد صحيح فلا تُعد العقد حتى لا يكون مجالا للتلاعب وعليك أن تسعى في إرضائهم بكل وسيلة وإخبارهم بأن الأمر قد تمّ بالطريقة المناسبة وإذا خُشيت على حياة أبيك خشية حقيقية فقد يقال إن إعادة العقد من باب الضرورة. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/263)
اشتراط الزوجة في العقد أن لا يتزوج عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بإمكان الزوجة أن تشترط في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها زوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه المغني:
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَهَا , وَشَرَطَ لَهَا أَنْ لا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا فَلَهَا شَرْطُهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {: أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ} وَإِنْ تَزَوَّجَهَا , وَشَرَطَ لَهَا أَنْ لا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا , فَلَهَا فِرَاقُهُ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّرُوطَ فِي النِّكَاحِ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلاثَةً , أَحَدُهَا مَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ , وَهُوَ مَا يَعُودُ إلَيْهَا نَفْعُهُ وَفَائِدَتُهُ , مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهَا أَنْ لا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا أَوْ لا يُسَافِرَ بِهَا , أَوْ لا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا , وَلا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا , فَهَذَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ لَهَا بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ.. المغني لابن قدامة: ج7 كتاب النكاح
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه المسألة وأجاب ففي الفتاوى الكبرى:
مَسْأَلَةٌ: فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلا يَنْقُلَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا , وَأَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمِّهَا , فَدَخَلَ عَلَى ذَلِكَ , فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ وَإِذَا خَالَفَ هَذِهِ الشُّرُوطَ , فَهَلْ لِلزَّوْجَةِ الْفَسْخُ أَمْ لا؟
الْجَوَابُ: نَعَمْ تَصِحُّ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ; كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَإِسْحَاقَ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ إذَا شَرَطَ لَهَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا.. أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا , أَوْ رَأْيُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ أَيْضًا , وَمَلَكَتْ الْمَرْأَةُ الْفُرْقَةَ بِهِ , وَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَحْوُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ , وَذَلِكَ لِمَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {إنْ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ} . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " , فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ الْفُرُوجُ الَّتِي هِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَحَقَّ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهَا , وَهَذَا نَصُّ مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ.. الفتاوى الكبرى ج3: كتاب النكاح
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/264)
العقد على نصرانية ورقياً للحصول على حقّ الإقامة في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يسمح بالزواج من أمريكية مسيحية للحصول على "البطاقة الخضراء" عن طريقها دون معاشرتها أو الانفراد بها (على الورق فقط) .
نيتي هي: الزواج على النحو المذكور حتى أستطيع زيارة بلد الزوجة ومساعدة والدي اللذين يعيشان في وطني الأصلي والعمل بالشهادة التي أحملها (برمجة كمبيوتر) .
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
لقد عرضنا هذا السّؤال على سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز فأجاب: ليس هذا من مقصود النّكاح في الشّريعة الإسلامية أن يتزوج بغرض الحصول على حقّ الإقامة ثمّ يطلّق والذي يظهر لي عدم الجواز. انتهى
وأيضاً فإن مجرد العقد على النصرانية ورقياً هو تحايل على هؤلاء الكفرة وهذا لا يجوز، إذ الظلم لا يقره الله عز وجل ويأباه حتى على الكافر، والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/265)
عقد النّكاح لا يبطل بمرور أي مدّة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في كندا. وهذا العام ذهبت إلى بلدي الأم في الباكستان وتزوجت من هناك. ولأسباب معينة لم يتم زواجنا في وقت زيارتي للباكستان. وقد عملنا "وليمة" في اليوم التالي لعقد القران، ولكن كان علي العودة إلى كندا لضرورات العمل. وقد مضى إلى الآن أكثر من ستة أشهر لم أستطع خلالها الحصول على تأشيرة لزوجتي لتحضر إلى حيث أعمل في كندا. وقد أخبرني صديق أن زواجي قد أصبح لاغيا لأنه لم يكتمل لأكثر من ستة أشهر بعد عقد النكاح. هل هذا صحيح؟ وهل أحتاج لتجديد عقد الزواج بعد وصول زوجتي إلى كندا؟ أرجو الإسراع بالرد لأن زوجتي ستصل إلى كندا في وقت قريب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تمّ عقد النّكاح بالشّروط الشّرعية (انظر سؤال 813) فإنّه صحيح وباق على أصله، ومرور ستة أشهر عليه دون التقائك بالزوجة لا يُفسده ولا يُلغيه كما زعم صاحبك الذي لا علم له - إن كان ما فهمته منه هو ما قاله حقّا - وفي هذه الحالة عليك بنصحه أن يتقي الله ولا يُفتي بغير علم، ولو أنّه نصحك بوجوب أن يصحب زوجتك محْرم في سفرها لكان خيرا وأقوم، ونسأل الله لك التوفيق والبركة والسعادة في زواجك وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/266)
الزواج من الكتابية هل تنصحون به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم السلفي أن يتزوج بامرأة نصرانية؟ البعض يقول بأن هناك العديد من الشروط لهذا، فأرجو ذكر هذه الشروط إن وجدت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في جواب السؤال رقم (45645) حكم الزواج من كتابية وأنه حلال بالنص، وذكرنا الشروط الواجب توفرها في المرأة الكتابية، ولم نحبذ الزواج منهن لما في ذلك من الضرر وعدم تحقق بعض الشروط في بعضهن.
وفي أجوبة الأسئلة: (12283) و (20227) و (44695) ذكرنا بعض مفاسد الزواج من الكتابية في هذا العصر، ومنها ما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولاداً من غيره.
انتهى.
وتجد في جواب السؤال رقم (2527) شروط الزواج من الكتابية، فانظره فهو مهم.
وليعلم أنه من ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/267)
حكم زواج المسلم بامرأة ليس لها دين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحل للمسلم الزواج بامرأة كافرة ليس لها دين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحلّ ذلك أبدا لقوله تعالى: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ) ، ويُستثنى من الكافرات المحصنات من نساء أهل الكتاب لقوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/268)
تسجيل عقد النكاح في مكتب قانوني في بريطانيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في انجلترا, بلد كان يُعرف بأنه مسيحي, لكنه الآن أصبح لا دينيا تماما, ولا توجد فيه دين للدولة؛ أضف إلى ذلك, أن جميع المراسيم تقريبا تُنفذ دون ذكر اسم الله. وسؤالي هو: إذا تزوج رجل وامرأة في إحدى مكاتب تسجيل وقائع الزواج في هذا البلد، بغرض أن يكونا معروفين في الدولة، فهل يُعتبر ذلك نكاحا مقبولا, بغض النظر عن أنه سيقوم بإثبات النكاح كاتب كافر ولن يُذكر اسم الله على العقد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
_ لا بد في النكاح من أربعة أمور كما في القاعدة التالية: " أيما نكاح لا يحضره أربعة، زوج وولي وشاهدان فهو باطل ". ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ". (أنظر السؤال رقم 2127)
فإذا كانت المرأة مسلمة والزوج مسلما فيجب أن يكون الولي مسلما لأنه لا ولاية لكافرٍ على مسلم، ويقوم المسئول عن المسلمين في تلك الديار مقام الولي، ولابد أن يكون العقد وفق الشريعة الإسلامية ثم إنه لا بأس من إثبات العقد بالطرق القانونية درءاً للمشاكل، ودفعا للحرج.
وصلى الله على سيدنا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/269)
الحكم إذا اشترطت الخطيبة مُحرماً في العقد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا اشترطت الخطيبة كلبا في بيت الزوجية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله:
هذا شرط باطل … وإذا عقد عليها لا يلزمه الوفاء.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(6/270)
هل يشترط حضور الزوجين وليمة النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن يكون العريس والعروس موجودين أثناء مباركة زواجهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود بالمباركة هنا العقد، فلا بد من حضور الزوج (العريس) وولي أمر الزوجة (العروس) لأنه لا يمكن العقد إلا بالإيجاب من الولي والقبول من الزوج. وأما إذا كان المراد بالمباركة هنا حفل الزواج والوليمة التي تقام بمناسبة العرس فلا بأس أن تقام بسببهما وإن لم يحضرا.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(6/271)
إجراء عقد الزواج بالهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعقد على فتاة وأبوها في بلد آخر ولا أستطيع الآن أن أسافر إليه لنجتمع جميعا لإجراء العقد وذلك لظروف مالية أو غيرها وأنا في بلاد الغربة فهل يجوز أن أتّصل بأبيها ويقول لي زوجتك ابنتي فلانة وأقول قبلت والفتاة راضية وهناك شاهدان مسلمان يسمعان كلامي وكلامه بمكبر الصوت عبر الهاتف؟ وهل يعتبر هذا عقد نكاح شرعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد توجهت بهذا السؤال إلى سماحة شيخنا المفتي العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز فأجاب بأنّ ما ذُكر إذا كان صحيحا (ولم يكن فيه تلاعب) فإنه يحصل به المقصود من شروط عقد النّكاح الشّرعي ويصحّ العقد. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله(6/272)
اشترطت على زوجها ترك التدخين فخالفه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت قبل 15 سنة بعد أن سمعت عن حقوق المرأة في الإسلام.
وسؤالي هو:
تفاهمت مع زوجي قبل زواجنا بأنني لا أريد زوجاً مدخناً وقال بأنه منذ زمن وهو يريد سبباً ليقلع به عن التدخين، بعد أن توقف عن التدخين لمدة شهر وافقت على الزواج به، بعد زواجنا وبالضبط بعد ليلة العرس اكتشفت بأنه لا زال يدخن ولم يقلع تماماً وطلب مني أن أصبر لأنه يحاول الإقلاع، مر الآن خمس سنوات ولدينا طفلان، هل يجوز للمرأة أن تطالب بتعويض عن عدم الوفاء بالوعد والعهد؟ إذا كان لي الاختيار فلن أبقى في هذا الوضع الذي خُدعت فيه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما فعلتْه الأخت السائلة من تعليقها الموافقة على الزوج إلى أن يترك التدخين أمرٌ جيد ورائع وهي جديرة بأن تشكر عليه وأن يثنى عليها.
والتدخين من قبائح الأفعال، وهو محرَّم في الشرع، ومخالف للفطرة السليمة، ومضر لصحته وصحة من بجانبه، وهو أشبه ما يكون بنافخ الكير فهو إما أن يحرق ثوبك وإما أن تشم منه رائحة خبيثة.
لكن المستغرب من الأخت السائلة طول مدة صبرها على زوجها بعد أن اكتشفت أنه لم يترك التدخين، وهذه المدة والتي استمرت خمس سنوات وأنجبت خلالها طفلين هي مدة طويلة، وهي تدل على رضاها أو عدم مبالاتها بفعله، ومعلوم أن مثل هذا الأمر لا يُصبر عليه مثل هذه المدة.
والشروط التي تشرطها المرأة على زوجها قبل النكاح تجعلها – عند مخالفتها من قبَل زوجها - بالخيار إن شاءت فسخت النكاح وإن شاءت تنازلت عنها وبقيت على نكاحها.
وتنازل المرأة عن شرطها، أوعلْمها بمخالفة زوجها لشروط النكاح ورضاها بهذه المخالفة يدل على سقوط هذه الشروط، وليس لها المطالبة بها ولا هي تملك فسخ العقد بعد ذلك.
والذي يظهر في هذه المسألة هو هذا الأمر، فلو أن الأخت السائلة صبرت فترة معقولة، أو رفضت البقاء على عقد النكاح من أول يوم عرفت فيه بقاء زوجها على تدخينه: لكان لها أن تفسخ النكاح وتأخذ حقوقها كاملة إلا أن يترك زوجها التدخين حقيقة.
أما وقد بقيت هذه المدة الطويلة وأنجبت خلالها طفلين فلا نرى أنه يجوز لها المطالبة بفسخ النكاح فضلا عن تعويض مقابل نقض زوجها للعهد وعدم وفائه به.
وعلى الزوج تقوى الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يعلم أن ما يفعله هو من كبائر الذنوب، وقد أضاف إليه ذنباً آخر وهو عدم وفائه بالعهد ومخالفته لشرط النكاح، وشروط النكاح هي أوثق الشروط وأعظمها عند الله تعالى لأنه تستحل بها الفروج.
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ". رواه البخاري (2572) ومسلم (1418) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/273)
ما يحل للزوج من زوجته بعد العقد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عقد زوجان نكاحهما في محكمة شرعية، ولكنها لم يُقيما حفل الزفاف بعد، وفي الحقيقة أن جميع معارفهم يعلمون أنهما متزوجان رسمياً، فهل هما يُعتبران متزوجان عند الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد النكاح بالشروط الشرعية فهما زوجان في شريعة رب العالمين، ويجوز لهما الجلوس والحديث
والخلوة بحرِّية تامة.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الذي يحل للزوج من زوجته بعد عقد القران وقبل البناء بها فأجابت:
يحلّ ما يحل للزوج من زوجته التي دخل بها من النظر وقبلة وخلوة وسفر بها وجماع.. إلخ
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/2 ص/540
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(6/274)
الزواج بدون تسجيل العقد رسمياً
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلد غير مسلم وأريد الزواج، من الصعب والمكلف أن أذهب إلى أقرب مركز إسلامي أو الذهاب للسفارة لأكتب عقد النكاح، فهل يجوز أن أكتب ورقة أقول فيها بأننا متزوجان وأننا نهتم ببعضنا البعض؟ ويمكننا أن نتزوج رسميا عندما نذهب لبلدنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة الزواج: رضا الزوجين، وحضور ولي المرأة، وشاهدين عدلين من المسلمين، وخلو الزوجين من الموانع.
فإذا توفر هذا، وحصل العقد بالإيجاب والقبول من الولي والزوج، فقد تم النكاح. راجع سؤال رقم 2127
والتسجيل والتوثيق إنما هو لحفظ الحقوق، وقطع النزاع.
وعليه، فلو اتفقتم على إجراء العقد بالصورة السابقة، على أن تؤخروا التسجيل والتوثيق إلى حين الرجوع إلى بلدكم أو تيسرِ الذهاب إلى أحد المراكز الإسلامية، فلا حرج في ذلك.
وينبغي أن تعلنوا النكاح، وتعلموا الجيران والأقارب به، حتى يتميز النكاح عن السفاح.
والأولى المبادرة بتسجيله في أقرب فرصة والحرص على ذلك دفعاً للتهمة، وحفظاً للحقوق لاسيما إذا رزقكم الله تعالى بأولاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/275)
الحكم الشرعي في فتاة شيعية يمنعها المأذون من عقد القران
[السُّؤَالُ]
ـ[من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرمة الآنسة ف. ح. ع. وفقها الله لما فيه رضاه ويسر أمرها وأصلح شأنها آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد وصلني كتابك المتضمن الإفادة أنك فتاة تبلغين الثالثة والعشرين من العمر وأنكِ على مذهب الشيعة أتباع داود بوهراوان ممثل مرجع الطائفة المذكورة المقيم في كينيا وأنه يمنع مأذون مدينة ممباسا من عقد قرانك ورغبتك في بيان الحكم الشرعي في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ريب أن الواجب على المسئولين في جميع الطوائف المنتسبة للإسلام أن يلتزموا حكم الإسلام في جميع الأمور وأن يحذروا ما يخالف ذلك وقد علم من الشريعة الإسلامية أن الواجب على الأولياء تزويج مولياتهم إذا خطبهن الأكفاء لقول الله سبحانه: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عليم)
ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) خرجه الإمام الترمذي وغيره.
وبناء على ذلك فإذا زوجك الأقرب من أوليائك على أحد أكفائك فليس لممثل طائفة البهرة اعتراض عليك ويكون النكاح بذلك صحيحا إذا توافرت شروطه وينبغي أن يكون ذلك بواسطة المحكمة الشرعية في ممباسا حتى لا يتأتى لممثل طائفة البهرة اعتراض على النكاح، وإذا صدر النكاح على الوجه المذكور فإن أولادك يكونون أولادا شرعيين ليس لطائفة البهرة ولا غيرهم حق في إنكار ذلك. وإذا امتنع أقاربك من تزويجك على الكفء إرضاء لممثل طائفة البهرة فإن ولايتهم تبطل بذلك ويكون للقاضي الشرعي إجراء عقد القران لك على من خطبك من الأكفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السلطان ولي من لا ولي له) .
والقاضي هو نائب السلطان فيقوم مقامه في ذلك والولي العاضل، حكمه حكم المعدوم. هذا ونصيحتي لك ولأمثالك ترك الانتساب لمذهب البهرة أو غيره من مذاهب الشيعة لكونها مذاهب مخالفة للطريقة المحمدية الإسلامية من وجوه كثيرة فالواجب تركها والانتقال عنها إلى مذهب أهل السنة والجماعة السائرين على مقتضى الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وأسأل الله أن يهدي هذه الطائفة وغيرها من الطوائف المنحرفة عن طريق الصواب، وأن يأخذ بأيديهم إلى طريق الحق، وأن يوفقنا وإياك وسائر المسلمين لما فيه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/437.(6/276)
عقد على امرأة بدون قصد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من فتاة زواجا أبيض – زواجاً من أجل منفعة ومصلحة - ومن الناحية القانونية كان الزواج سليما لأننا كتبناه ودوناه في “العدول" , بحضور شهود وحضور والداها ووالدي. ولكن النية لم تكن متوافرة فالنية لم تكن أن أتزوجها حقيقة ولكن أن نتظاهر بأننا متزوجان أمام القانون. والآن بعد خمس سنوات لم نكن خلالها نتعامل معاملة الأزواج سويا , الآن قررنا ألا ننفصل أو أطلقها وأن نبقى متزوجين. وهذه المرة لدينا النية والسؤال هو: هل نحتاج لعقد زواج آخر أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك ما يسمى بالزواج الأبيض، بل حيث تم الإيجاب والقبول، فقد وجب النكاح، وإن كان طرفا العقد أو أحدهما هازلا أو لا عبا، وهذا ما عليه الحنفية والحنابلة وهو المعتمد عند المالكية والأصح عند الشافعية.
(انظر فتح القدير 3/199، المغني 7/61، كشاف القناع 5/40، حاشية الدسوقي 2/221، بلغة السالك 2/350، نهاية المحتاج 6/209، روضة الطالبين 8/54) .
ومستندهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة ".
رواه أبو داود (2194) والترمذي (11849) وابن ماجه (2039) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/424، والألباني في صحيح سنن الترمذي (944) .
والهزل أن يراد باللفظ غير ما وضع له، وهذا ينطبق على ما فعلتم، فإنكم كتبتم العقد وأنتم لا تريدون به الزواج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما طلاق الهازل فيقع عند العامة، وكذلك نكاحه صحيح، كما هو متن الحديث المرفوع، وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين وهو قول الجمهور)
الفتاوى الفقهية الكبرى 6/63.
وقال ابن القيم: (وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من نكح لاعبا أو طلق لاعبا أو أعتق لاعبا فقد جاز ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أربع جائزات إذا تكلم بهن: الطلاق والعتاق والنكاح والنذر.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ثلاث لا لعب فيهم: الطلاق والعتاق والنكاح.
وقال أبو الدرداء: ثلاث اللعب فيهن كالجد: الطلاق والعتاق والنكاح.
وقال ابن مسعود: النكاح جده ولعبه سواء)
انتهى من إعلام الموقعين 3/100
وعلى هذا فلا يلزمك تجديد العقد، وأنتما على عقدكما الأول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/277)
اشترطت عليه أن لا يخرجها من دارها أو بلدها
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترطت الزوجة في العقد على الزوج بقاءها في بلدها وعدم انتقالها مع زوجها إلى بلد آخر فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن اشتراط الزوجة أو وليها على الزوج أن لا يخرجها من داراها أو من بلدها شرط صحيح لازم يتعين العمل به، لما روى عقبة بن عامر مرفوعاً: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه الشيخان، وروى الأثرم بإسناده أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها، فأراد نقلها، فخاصموه إلى عمر رضي الله عنه، فقال: لها شرطها.
لكن إن رضيت الزوجة بالانتقال معه فالحق لها وإذا أسقطته سقط، وهذه القضية إن كان فيها مخاصمة فترد إلى المحكمة الشرعية بطرفكم لإنهائها وحسم النزاع بين الخصوم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ من فتاوى المرأة المسلمة/2 ص 644(6/278)
نظرة واقعية للزواج من الكتابيات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للرجل المسلم الزواج من امرأة نصرانية أو يهودية كما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية، بل كانت أمَة له، وكان قد أهداها له المقوقس صاحب مصر، وذلك بعد صلح الحديبية.
والأمة يجوز الاستمتاع بها ومعاشرتها حتى لو لم تكن مسلمة لأنها من ملك اليمين والله تعالى أباح ملك اليمين من غير شرط الإسلام قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) سورة المؤمنون/5-6
أما الزواج من نصرانية أو يهودية فهو جائز بنص القرآن بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة / 5.
قال ابن القيم:
ويجوز نكاح الكتابية بنص القرآن، قال تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} ، والمحصنات هنا هن العفائف، وأما المحصنات المحرمات في سورة النساء فهن المزوجات، وقيل: المحصنات اللاتي أُبحن هن الحرائر، ولهذا لم تحل إماء أهل الكتاب، والصحيح: الأول لوجوه – وذكرها -.
والمقصود: أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب، وفعله أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، فتزوج عثمان نصرانية، وتزوج طلحة بن عبيد الله نصرانية، وتزوج حذيفة يهودية.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن المسلم يتزوج النصرانية أو اليهودية، فقال: ما أحب أن يفعل ذلك، فإن فعل فقد فعل ذلك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
" أحكام أهل الذمة " (2 / 794، 795) .
ونحن وإن قلنا بالجواز، ولا نشك بذلك للنص الواضح فيه، إلا أننا لا نرى أن يتزوج المسلم كتابية، وذلك لأمور:
الأول: أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون عفيفة، وقلَّ أن يوجد في تلك البيئات من هن عفيفات.
والثاني: أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون الولاية للمسلم، والحاصل في هذا الزمان أن من يتزوج من بلد كافر فإنه يتزوجهن وفق قوانينها، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته وأخذت أولادها بقوة قانون بلدها، وبإعانة سفاراتها في كافة البلاد، ولا يخفى الضعف والعجز في مواجهة تلك البلاد وسفاراتها في بلدان المسلمين.
والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رغَّبنا بذات الدين من المسلمات، فلو كانت مسلمة توحد الله لكنها ليست ذات دين وخلق فإنه لا يرغب بزواجها، لأن الزواج ليس هو الاستمتاع بالجماع فقط، بل هو رعاية لحق الله وحق الزوج، وحفظ لبيته وعرضه وماله، وتربية لأولاده، فكيف يأمن من يتزوج كتابية على تربية أبنائه وبناته على الدين والطاعة، وهو تارك لهم بين يدي تلك الأم التي تكفر بالله تعالى وتشرك معه آلهة؟ .
لذا وإن قلنا بجواز التزوج من كتابية إلا أنه غير محبَّذٍ ولا يُنصح به، لما يترتب عليه من عواقب، فعلى الإنسان المسلم العاقل أن يتخيّر لنطفته أين يضعها. وأن ينظر نظراً مستقبلياً لحال أولاده ودينهم، وألا يعميه عن النظر الواعي شهوة جارفة، أو مصلحة دنيوية عاجلة أو جمال ظاهري خادع، فإنما الجمال جمال الدين والأخلاق.
وليعلم أنه إن ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. انظر جواب السؤال رقم: (2527) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/279)
زنت مع نصراني ثم تزوجت مسلما فما حكم الأولاد الذين أنجبتهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة مسلمة عاشرت مسيحيّا دون عقد شرعي لمدة من الزمن لتتركه وتتزوج من مسلم، ما الحكم فيما فعلته؟ هل هي حلال على زوجها المسلم؟ وما حكم الأولاد الذين أنجبتهم مع المسلم؟ والسلام على من اتبع الهدى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى مما اقترفته من الإثم والمنكر، وأن تندم على ذلك أشد الندم، وتعزم على ألا تعود إليه، وتكثر من الأعمال الصالحة قدر استطاعتها، فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
1- وحكم الدين في ذلك واضح، فالزنا فاحشة وكبيرة، وجريمة شنيعة، يستحق صاحبها اللعنة والغضب والمقت من الله تعالى، لانتهاك هذه الحرمة العظيمة وعقوبته في الدنيا أن يجلد مائة جلدة عند عدم إحصانه، وأن يرجم بالحجارة حتى الموت في حال إحصانه، نسأل الله العافية.
لكن من اقترف شيئا من ذلك وتاب توبة صادقة تاب الله عليه وبدل سيئاته حسنات. قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا* إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ 68-70
2- وأما زواجها من المسلم فإن كان قد تم بعد توبتها واستبرائها من الزنا، فلا شيء في ذلك، وإلا كان حراما، فإنه لا يجوز نكاح من عُلم زناها إلا بعد توبتها، واستبرائها بحيضة على الراجح، وذهب الحنابلة والمالكية إلى أنها تستبرأ بثلاث حيضات كالمطلقة، والقول الأول هو رواية عن أحمد رحمه الله، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويدل عليه ما جاء في استبراء المسبية، (وهي المرأة التي يأخذوها جيش المسلمين في حربهم مع الكفار) وهو ما رواه أحمد (11614) وأبو داود (2157) والترمذي (1564) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس: " لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة " وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفائدة الاستبراء أن يعلم عدم حملها من زنا، حتى لا يختلط ماء النكاح بماء السفاح.
ولو نكحها في مدة الاستبراء، فسخ النكاح حتى تستبرئ، ثم تزوج بها بعد الاستبراء إن شاءا.
3- وأما حكم الأولاد، فالاشتباه إنما يقع في أول حمل بعد الزواج، فإن أتت بمولود بعد أقل من ستة أشهر من تاريخ الزواج فإنه لا يلحق بالزوج شرعا، ولا ينسب إليه، لنقصه عن أقل أمد الحمل الذي هو ستة أشهر.
وإن أتت به لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج، فإنه يلحق به، ويعتبر ابنا له، حتى لو كان قد تزوجها من غير توبة، أو من غير استبراء، فالولد ينسب إليه بهذا الشرط.
وينظر في ذلك: المغني 7/108، الفتاوى الكبرى لابن تيمية 3/176، مواهب الجليل 3/413
وننبه إلى أن الأصل في جملة " السلام على من اتبع الهدى" إنها تقال للكافر عند الكتابة إليه، لا للمسلم.
قال في كشاف القناع 3/130: (ولو كتب كتابا إلى كافر وكتب) أي أراد أن يكتب (فيه سلاما كتب: سلام على من اتبع الهدى) ; لأن ذلك معنى جامع " انتهى.
وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستخدمها حينما راسل الملوك من حوله مثل كسرى وقيصر والمقوقس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/280)
هل اليهود والنصارى في هذا العصر مشركون وهل يجوز الزواج منهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزواج باليهودية أو النصرانية؟ وهل نعتبر نصراني ويهودي هذا العصر كتابيا أم مشركا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج من اليهودية أو النصرانية جائز في قول جماهير أهل العلم، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/99) : (ليس بين أهل العلم , بحمد الله , اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب. وممن روي عنه ذلك عمر , وعثمان , وطلحة , وحذيفة وسلمان , وجابر , وغيرهم.
قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك. وروى الخلال , بإسناده , أن حذيفة , وطلحة , والجارود بن المعلى , وأذينة العبدي , تزوجوا نساء من أهل الكتاب. وبه قال سائر أهل العلم) اهـ.
والأصل في ذلك قوله سبحانه:) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين َ) المائدة/5
والمراد بالمحصنة هنا: الحرة العفيفة، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (وهو قول الجمهور ههنا، وهو الأشبه؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: حشف وسوء كيل، والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات: العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَان ٍ) النساء/25. انتهى.
والنصارى واليهود كفار مشركون بنص القرآن، لكن إباحة نسائهم مخصص لقوله سبحانه:
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) البقرة/221 وهذا أظهر الوجوه في الجمع بين الآيتين.
وقد وصفهم الله بالشرك في قوله: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31
فهم كفار مشركون، لكن الله تعالى أحل ذبائحهم ونساءهم إذا كن محصنات، وهذا تخصيص لعموم آية البقرة.
لكن ينبغي أن يعلم أن الأولى والأسلم ترك نكاح الكتابيات، لاسيما في هذا الزمن، قال ابن قدامة رحمه الله: (إذا ثبت هذا , فالأولى أن لا يتزوج كتابية ; لأن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن. فطلقوهن إلا حذيفة , فقال له عمر: طلقها. قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي جمرة , طلقها. قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي جمرة. قال: قد علمت أنها جمرة , ولكنها لي حلال. فلما كان بعدُ طلقها , فقيل له: ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ قال: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي. ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته , وربما كان بينهما ولد فيميل إليها) اهـ. المغني 7/99
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة والبعد عن وسائل الفواحش جاز؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم.
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ... لكن إن احتاج إلى ذلك فلا بأس حتى يعف بها فرجه ويغض بها بصره، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام، والحذر من شرها وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد) اهـ.
فتاوى إسلامية 3/172
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/281)
تعرَّف على فتاة في الانترنت ويرغب بالزواج منها وأبوها رافض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم عربي، تعرفت على فتاة مسلمة من أصل عربي تقيم في الخارج، وذلك عن طريق الإنترنت، وكانت ولا تزال علاقة في حدود شرع الله؛ لأنني والحمد لله أخاف الله كثيراً، ولقد أحببتها وأحبتني لكونها مسلمة ملتزمة، وتخاف الله أيضاً، فكان حبنا في الله إن شاء الله.
ولقد عرضتُ عليها الزواج، فقبلت ووافقت، فحمدت الله أن استجاب لدعائي بأن رزقني بزوجة صالحة تقية، خصوصا أنني عازم على الزواج والاستقرار منذ عدة سنوات وقد أخبرتْ هي أمها الأجنبية، ووافقت بشكل مبدئي، حيث كان أبوها مختفياً عنهم لمدة، وأخيراً رجع أبوها، وفرحت بالأمر، إلا انه جاء ليقول لابنته أن تستعد للزواج من رجل من بلد أبيها، دون أن يأخذ رأي ابنته في العريس، وهي خائفة منه، لأنه يتعامل معها بالضرب أحيانا، وهي تقول عنه أحياناً إنه مجنون هدانا الله وهداه.
وقالت لي بأنها لا تريد هذا العريس وأنها تريد الزواج مني، وأنا قلت لها نفس الشيء، فقالت لي: ما رأيك لو نتزوج في السر، ثم نضع أباها في الواقع علماً بأنها فوق 18 عاما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أيها الأخ الكريم، سترنا الله وإياكما أن الله يراكما ويطلع عليكما: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19، واعلم أيضاً أنكما فعلتما ما لا يحل لكما شرعاً، وهو المراسلة والحديث بينكما، وقد رأيتَ كيف تطورت العلاقات بينكما إلى أن أزلكما الشيطان وزيَّن لكما علاقتكما أنها " حب في الله "
ثانياً:
نعلم أن الحب أمر قلبي، وأن الإنسان لا يلام على ما لا يملكه، لكنه يلام كل اللوم على الأسباب التي أدت به إلى الوقوع في هذه العلاقة: من نظرة محرمة، أو كلمة في السر خائنة، عبر الهاتف أو الإنترنت، أو غير ذلك من خطوات الشيطان التي يريد من العباد أن يتبعوها، ليقع بهم في الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، ثم يلام أيضاً على الاسترسال في هذه الخطوات والتمادي في أمر أوله محرم ونهايته نكاح باطل.
أما وقد بلغتما هذا المبلغ، وانتهت العلاقة بينكما إلى ما ذكرت، فالأمر الآن عند الفتاة وأهلها، فإذا استطاعت المرأة إقناع والدها بعدم تزويجها ممن تكره، واستطاعت هي وأمها إقناعه بالزواج منك، وكانت – كما ذكرت - أهلاً للزواج، فلتسلك الطريق الشرعية بطلبها من والدها، أو من يوكله للتزوج منها، فإن رأيتما الطريق مغلقة عليكما فلا يحل لكما الاستمرار في هذه العلاقة، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، فقد يكون الخير لها الزواج من غيرك، وقد يكون الخير لك الزواج من غيرها، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/216
ولو قدّر أن هذه الفتاة صادقة فيما اتهمت به أباها من الجنون، ولا نظنها كذلك (؟!) ونعني به الجنون الذي يسقط به حقه في الولاية الشرعية عليها ولا يجعله أهلاً لتولي شؤون موليته، أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء، وليس له عذر شرعي: انتقلت الولاية إلى الوليِّ الذي يليه، فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً، وتفاصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (7193)
وأما التفكير في إتمام النكاح سراً، بغير إذن وليها، فتلك مصيبات بعضها فوق بعض، عصمنا الله وإياكم من أسباب غضبه وعذابه.
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) رواه أبو داود (2083) وصححه الألباني في صحيح أبي داود، فكيف تفكران في هذا الباطل الذي لا يرضاه الله ورسوله، ثم تزعمان أن حبكما في الله؟
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بإعلان النكاح، فقال: " (أعلنوا النكاح) رواه أحمد من حديث عبد الله بن الزبير وقال الألباني حسن.
وجعل هذا الإعلان علامة تميز النكاح الحلال من السِّفاح الحرام فقال: فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ) رواه الترمذي (1088) وحسنه الألباني في صحيح أبي الترمذي.
قال الإمام الباجي رحمه الله في شرح الموطا: " لا خلاف أن الاستسرار بالنكاح ممنوع، لمشابهة الزنا الذي يُتواطأ عليه سراً. .. , ولذلك شُرِع فيه ضرب من اللهو والوليمة، لما في ذلك من الإعلان فيه "
وقال أيضاً: " وكل نكاح استكتمه شهوده، فهو من نكاح السر، وإن كثر الشهود "
فانظر يا عبد الله على أي شيء تعزمان، أعلى النكاح الحلال، كما شرع الله ورسوله، أم هو الهوى والسفاح، وخطوات الشيطان؟؟
واحذرا قبل أن تزل بكما الأقدام، وتبنيا حياتكما على شفا جرف هار، أعاذنا الله وإياكما من نار جهنم.
وأما أن أبا الفتاة يريد أن يزوجها رغماً عنها، فمع أنه لا يحق للأب، ولا لغيره من الأولياء من باب أولى، أن يجبر ابنته على الزواج ممن تكرهه، كما بينا ذلك في السؤال رقم (26852) ، (7193) ، (22760) ، إلا أن هذا الأمر ليس لك منه شيء، ولست مسؤولاً عنه، فدعها وأولياءها فيه، ولعلها إن لم يقدر بينكما زواج؛ وانسحبت أنت من حياتها، كما هو الواجب عليك حينئذ لعلها أن ترى في هذا الخاطب أو غيره من يصلح لها، والله يغنينا وإياكما من فضله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/282)
هل تشتكي إلى القاضي لأن والدها يمنعها من الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة تبلغ من العمر 28 عاما وتقدم لها شاب لخطبتها وهو حسن الدين والخلق ومن عائلة محترمة بشهادة أهلها له لأنهم يعرفونه في السابق، فوجئت صديقتي برفض والدها ووالدتها لهذا الخاطب مع إشادتهم بدينه وخلقه وعلة ذلك الرفض فقط لأنه ليس من القبيلة وهذا عيب عندهم، صديقتي حاولت معهم لكي تقنعهم بكل الطرق ولكن دون جدوى فقد وسطت من يكلم أباها وذهب أبناء عمها الاثنين وسألوا عنه فوجدوه نعم الخاطب وتوجهوا إلى والدها ولكن دون جدوى قامت بتذكير أباها أنها أصبحت كبيرة في السن وقلت فرص زواجها وأخبرته بعقاب الله له ولكن دون جدوى لأنه يخضع لسلطة الوالدة التي لا تريد تزويجها ليس بسبب العادات والتقاليد ولكنها تطمح في أن تتوظف وتصبح مدرسة وتأخذ راتبها.. هذه هي المشكلة والسؤال هو هل تلجأ هذه الفتاة إلى المحكمة لكي يقوم القاضي بتزويجها لهذا الشاب وهل سيأخذ ذلك وقتا طويلا حتى يتم الزواج أي هل سيستدعي القاضي والدها وتطول الإجراءات فهذا يخوفها لأنها إن لجأت للمحكمة في المرة الأولى وحدد القاضي جلسة أخرى فاحتمال أنها تمنع من قبل أهلها من الحضور وتنتهي القضية بعدم حضورها أفيدنا في هذا الموضوع وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تمسك الآباء بتزويج بناتهم من أبناء القبيلة ولو أدى ذلك لتأخير زواجهن ظلم كبير، وخيانة للأمانة التي وضعها الله في أيديهم.
والمفاسد التي تترتب على حرمان المرأة من الزواج، أو تأخيرها عنه لا يعلمها إلا الله تعالى، والناظر في أحوال المجتمعات يرى ذلك واضحا جليا.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه المفاسد بقوله: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي (1084) عن أبي حاتم المزني، والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ومن منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه، كان عاضلا لها، تنتقل الولاية منه إلى من بعده.
قال ابن قدامة رحمه الله: (ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لابأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (فلا تعضلوهن) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه. رواه البخاري.
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبهذا قال الشافعي.
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها) المغني 9/383
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة، ولم يقدح فيه الولي بما يبعده عن أمثالها ويثبت ما يدعيه، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها، فإن امتنع عن ذلك نبه إلى وجوب مراعاة جانب موليته، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة) انتهى من فتاوى الشيخ رحمه الله 10/97
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأةَ الحاكمُ الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء. ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق) انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/148
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً:
وليت أنَّا نصل إلى درجة تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها (أن تشكوه للقاضي) وهذا حقٌ شرعي. فليتنا نصل إلى هذه الدرجة، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك اهـ
راجع سؤال (10196) .
وأحق الناس بتزويج المرأة: أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب، ثم السلطان. (المغني 9/355)
ولا نعلم إن كانت إجراءات المحكمة ستأخذ وقتا طويلا أم لا، مع إمكان تنبيه القاضي إلى احتمال منع الأب لابنته من الحضور إلى المحكمة مستقبلا. نسأل الله أن ييسر لك أمرك ويفرج لك كربك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/283)
لا يُعاد عقد الزوجين إذا أسلما
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل زوجان في الإسلام فهل يجب عليهما إعادة عقد النكاح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة رحمه الله: (أنكحة الكفار صحيحة، يُقَرّون عليها إذا أسلموا.. ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي، والشهود، وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع. وقد أسلم خلق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم وأُقِرّوا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول الله عن شروط النكاح ولا كيفيته، وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة، فكان يقينا..) . المغني
[الْمَصْدَرُ]
المغني 10/5(6/284)
هل زواج الأقارب سبب لإنجاب أولاد غير طبيعيين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا خاطب ابنة خالتي ونحن سنتزوج عن قريب وأنا أحبها كثيرا وسيادتكم تعلمون أن زواج الأقارب ممكن أن ينتج عنه أولاد غير طبيعيين وهذا كله بيد الله وحده. ولا أستطيع أن أطلب منها أن نقوم بالتحاليل اللازمة الآن قبل الزواج، فهل ممكن أن نتزوج ونؤجل الخلفة إلى ما بعد أن نقوم بالتحاليل اللازمة؟ وماذا أفعل إن كانت التحاليل نتيجتها غير إيجابية وأننا سنجب أطفال غير طبيعيين. فهل يجوز لي أن أمتنع عن الخلفة. وأكرر ثانية لا ينفع أن أقوم بفسخ خطبتي عليها بأي حال من الأحوال لأمور كثيرة ومن ضمنها أني أحبها فماذا افعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرع الله تعالى النكاح، وجعله من سنن المرسلين، وذلك لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، كتكثير الأمة، وخروج العلماء والمجاهدين والصالحين والمتصدقين ... إلخ، وتقوية أواصر الروابط والمحبة بين المسلمين بالنسب والمصاهرة، مع ما فيه من السكن والمودة والرحمة التي تكون بين الزوجين.
ولم تأت آية أو حديث صحيح في المنع من زواج الأقارب.
بل قد جاءت الأدلة الشرعية بخلاف هذا، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) الآية ... الأحزاب /50
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها، وهي ابنة عمته، وزَوَّج ابنته فاطمة من ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، مما يدل على أنه لا حرج من زواج الأقارب.
وعلى هذا، فمنع زواج الأقارب، أو القول بأنه سبب لانتشار الأمراض أو وجود جيل مشوه أو مريض، كلام غير صحيح.
نعم، قد يوجد في زواج الأقارب ـ أو غيرهم ـ ما يسبب شيئاً من ذلك، ولكنه ليس أمراً غالباً، بل يبقى في حدود القليل أو النادر.
وفي هذا يقول د. أحمد شوقي إبراهيم استشاري الأمراض الباطنية والقلب، ورئيس لجنة الإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
" إذا نظر أي عالم نظرة متأنية في أبعاد هذا الموضوع لوجد أن القول " بأن زواج الأقارب يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية " ليس قولا صحيحا في كل الأحوال. قد يكون صحيحا في حالات معينة، ولكنه ليس صحيحا في كل الحالات، وبالتالي لا ينبغي أن يكون قانونا عاما أو قاعدة عامة ".
إلى أن قال:
" وهكذا نجد في النهاية حتى في الأمراض المحكومة بجينات متنحية لا تفضيل لزواج الأقارب على زواج الأباعد، ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب.
ولو كان في زواج الأقارب ضرر أكيد ما أحله الله تعالى لرسوله، وأشار إليه صراحة في الزواج من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته " انتهى.
ولكن إذا ثبت شيء من ذلك بالتحاليل الطبية أو الكشوفات والأشعات، أو بمعرفة الجينات الوراثية وطبيعة المرض ونحو ذلك، وأوصى الأطباء بالمنع من الزواج من القريبة في صورة مخصوصة، وليست قاعدة عامة – فلا حرج في ترك نكاح هذه المرأة القريبة بعينها.
أما أن يتخذ ذلك قاعدة عامة، ينهى بها عن كل نكاح الأقارب، خشية الأمراض الوراثية المتوهمة، فهذا تصرف غير صحيح.
وقد سئل الشيخ صالح بن حميد حفظه الله:
ما رأيكم فيمن يرى منع زواج الأقارب، ويرى أن الزواج بالأقارب يسبب أمراضاً عديدة تصيب الجيل الجديد، منها التخلف العقلي، وهل يعرض الرجل والمرأة اللذان يريدان الزواج نفسيهما على الطبيب ليحدد ما إذا كان يمكن الزواج أو لا؟
فأجاب:
" لا شك أن الأصل هو الجواز والإباحة، بل في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة وأعظم بها من أسوة! حينما زوج ابنته علياً رضي الله عنهما وعن نسلهما، فهي بنت ابن عمه وهم أقارب، ولا شك طبعاً في الجواز ولا أحد يقول إنه غير جائز، لكن القضايا الطبية أو المعينة وهذه تبدو لي قضايا عينية، أما أن القاعدة كلها: منع زواج الأقارب فهذا ليس جائزاً، والفقهاء لهم كلمة قريبة من هذه، فهم يقولون: الزواج من القريبة أصبر، ومن البعيدة أنجب. هكذا يقولون: الزواج من القريبة أصبر؛ لأنها تصبر عادة وتتحمل كثيراً، والمحافظة على الرحم والمحافظة على القرابة تجعلها تتحمل كثيراً، ومن الغريبة أنجب، بمعنى أن الولد يكون أكثر نجابة.
وأيضاً: ابن عمر أمر بالإغراب، أن يُغرب بمعنى يتزوج من البعيدة.
فعلى كل حال، لا شك أن الأصل هو الجواز، وأما إذا كانت هناك قضية خاصة، على معنى أنه إذا كان هناك فعلاً مرض معين أو حالة معينة يُخشى منها، كما لو كان في الأسرة مرض معين، مثلاً مرض وراثي: فهذا شيء آخر.
ولا شك أن العلم الحديث توصل إلى ما لم يتوصل إليه الأقدمون، والأشياء المدركة بحس أو المدركة بشيء بشرط أن تكون فعلاً مقاييس معينة ليست تخمينية، فهذه لا مانع من الأخذ بها " انتهى.
audio.islamweb.net/audio/index.php?page ... –
فالذي ننصحك به أن تستخير الله تعالى وتعزم على ما يوفقك الله إليه، وإذا لم يكن هناك سبب ظاهر لمخاوفك هذه، فهي وساوس من الشيطان، فإذا لم تكن عائلتكم قد ظهرت فيها الأمراض بسبب زواج الأقارب؛ فليس هناك ما يدعو إلى الاحتمالات التي تذكرها، ماذا أفعل.... وماذا أفعل....؟ فعليك أن تتوكل على الله، وتحسن الظن به، وتعرض عن هذه الوساوس، فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر) رواه الطبراني في "الأوسط" (7951) ، صححه الألباني في "الصحيحة" (1663) .
وأخيراً ... ننقل لك هذه الفتوى:
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ليس هناك أحاديث صحيحة تمنع من الزواج بين الأقارب، وحصول الإعاقة إنما يكون بقضاء الله وقدره، وليس من أسبابه الزواج بالقريبات كما يشاع، ولا يجوز منع الإنجاب خوفا من الإعاقة، بل يجب التوكل على الله سبحانه وإحسان الظن به" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/14) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/285)
تزوج أخت زوجته قبل أن يطلق زوجته، فهل أولاده منها أبناء زنا؟؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج أبي من خالتي ومن ثم دخلت مستشفي للإمراض العقلية ولا اعلم إذا تم الطلاق بينهم قبل أن يتزوج أمي وأنجبت أمي أربعة أبناء ومن ثم ماتت خالتي. هل اعتبر أنا وإخواني أبناء حرام أو زنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
من المحرمات المتفق على تحريمها بين العلماء: الجمع بين الأختين في النكاح، لقوله تعالى في تعداد المحرمات من النساء على الرجال: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) [النساء/23]
قال القرطبي: " وأجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد واحد من النكاح لهذه الآية ". انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (5/116) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (18 / 235) : " الجمع بين الأختين في عقد نكاح محرم بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، سواء كانتا أختين شقيقتين، أو من أب، أو أم، وسواء كانتا أختين من نسب أو رضاع، حرتين أو أمتين، أو حرة وأمة، وقد أجمع على ذلك أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وسائر السلف، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على القول به ". انتهى.
وبناء على ذلك:
فإن كان والدك قد تزوج أمك بعد أن طلق خالتك وانتهت عدتها، فلا إشكال في ذلك.
وأما إن تزوجها قبل أن يطلق خالتك، أو قبل انتهاء عدتها، فزواجه باطل، ويلزمه أن يفارقها، ولا يحل لها أن تمكنه من نفسها.
فإذا انتهت عدتها بعد ذلك، جاز له أن يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد.
ثانياً:
هذا النكاح وإن كان باطلا، إلا أن النسب يثبت به، ولا يعد أبناؤه من هذا الزواج الباطل أبناء زنى، نظرا لوجود شبهة عقد النكاح، وربما كان يظن أن المفارقة الحسية لزوجته الأولى، بانتقالها إلى المستشفى تبيح له الزواج من أختها.
قال ابن قدامة المقدسي عمن تزوج أختين: " وإن ولدت منه إحداهما، أو هما جميعاً، فالنسب لاحق به؛ لأنه إما من نكاح صحيح، أو نكاح فاسد، وكلاهما يلحق النسب فيه ". انتهى " المغني " (6/582) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن نكح امرأة نكاحاً فاسداً متفقاً على فساده، أو مختلفاً في فساده، ووطئها يعتقدها زوجته: فإن ولده منها يلحقه نسبه، ويتوارثان، باتفاق المسلمين ". انتهى. "مجموع الفتاوى" (34/14) مختصرا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة، ثم جمع معها بنت أختها؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" زواجهم هذا غير صحيح؛ بل هو باطل، والواجب أن يفرق بينه وبين هذه الزوجة الأخيرة ... فالواجب التفريق بين هذا الرجل وبين المرأة التي عقد عليها هذا العقد المحرم، ولا يثبت بهذا العقد شيء من أحكام النكاح؛ اللهم إلا أن تأتي بأولاد منه في حال الجهل: فإن هؤلاء الأولاد يلحق نسبهم بأبيهم فيكونون أولاداً لأبيهم وأمهم ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/286)
مريض بالقلب منع من الزواج فماذا يفعل عند اشتداد الشهوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يريد الزواج لكن هناك موانع منها: 1- مريض بالقلب لذلك منع من الزواج , يشق عليه الصوم. 2- حالته المادية ضعيفة. فمع اشتداد الشهوة , وأيضاً الرغبة في البعد عن الحرام ماذا يفعل هذا الشاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمراض القلب كثيرة متنوعة، ومنها ما يمكن الزواج معه، بحسب تقرير الطبيب المختص، وحينئذ لا حرج على المصاب أن يتزوج بشرط الإخبار بمرضه وإلا كان غاشا آثما وكان لزوجته الخيار في فسخ النكاح.
وإذا قرر الطبيب المختص أن الزواج فيه خطر على حياة المريض، فليس له أن يتزوج؛ لما في زواجه من إلقاء النفس للتهلكة، وعليه أن يصبر ويستعين بالصوم، فإن كان الصوم يضره أو شق عليه، وخاف على نفسه الوقوع في الحرام أبيح له الاستمناء، ارتكابا لأخف الضررين، وأهون الشرين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما إنزاله باختياره بأن يستمني بيده فهذا حرام عند أكثر العلماء ; وهو إحدى الروايتين عن أحمد بل أظهرهما. وفي رواية: أنه مكروه، لكن إن اضطر إليه مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن , أو يخاف المرض , فهذا فيه قولان مشهوران للعلماء , وقد رخص في هذه الحال طوائف من السلف والخلف , ونهى عنه آخرون , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1/302) .
وقال في "شرح المنتهى" (3/366) : " ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرُم فعله ذلك وعزّر عليه لأنه معصية، وإن فعله خوفا من الزنا أو اللواط فلا شيء عليه، كما لو فعله خوفا على بدنه بل أولى، فلا يباح الاستمناء لرجل بيده إلا إذا لم يقدر على نكاح، لأنه مع القدرة على ذلك لا ضرورة إليه " انتهى.
وهذا مقيد أيضا بأمن الضرر، والأصل في ذلك قوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وهناك أمور تعين على الصمود أمام طغيان الشهوة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (20161) .
ولكن ... قبل أن يجوز له الاستمناء، فإن أمكن أن يأخذ أدوية تقلل الشهوة وتضعفها ولا ضرر فيها، كان هذا مقدماً على الاستمناء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/287)
وليمة النكاح على من تكون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي يجب عليه ترتيب حفل النكاح والوليمة: هل هي أسرة العريس أم أسرة العروس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في وليمة النكاح أن تكون على الزوج؛ لأنه المأمور بها، كما روى البخاري (5155) ومسلم (1427) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهي مشروعة في حق الزوج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: «أولم» ولم يقل لأصهاره: أولموا، ولأن النعمة في حق الزوج أكبر من النعمة في حق الزوجة؛ لأنه هو الطالب الذي يطلب المرأة، ويندر جدا أن المرأة تطلب الرجل " انتهى من "الشرح الممتع" (12 / 321) .
وقال رحمه الله: " قول السائلة إن الإجابة للوليمة واجبة ليس على إطلاقه، ولكنها الوليمة إن كانت من الزوج: فالإجابة إليها واجبة، وكذلك لو كانت مشتركة بين الزوج وأهل المرأة فالإجابة إليها واجبة، لأن الزوج هو المأمور بالوليمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) ، وإذا كانت الوليمة من أهل الزوجة فقط، والزوج سيعد وليمة إذا ارتحلت الزوجة إليه: فإنه لا يجب إجابة أهل المرأة، وإنما إجابتهم سنة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وعلم من هذا أن الوليمة يجوز أن يشترك فيها الزوج والزوجة، أو يقوم بها أهل الزوجة، وكذلك تكاليف النكاح تكون بحسب ما يتفق عليه الطرفان، وقد يصنع كل منهما وليمة كما هو العرف في بعض البلدان، وإذا حدث نزاع فيمن تلزمه الوليمة، فالوليمة على الزوج كما سبق، وأما تكاليف النكاح الأخرى كجعل الاحتفال في فندق ونحوه فهذه تكون بحسب التراضي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/288)
تأثرت لموت زوجها وتنوي البقاء بلا زواج رجاء أن تكون زوجته في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة، توفي والدي قبل عدة سنوات , وبعد وفاته بفترة تزوجت , وتوفي زوجي، رحمهم الله جميعاً، أحببتهم في الله؛ لأني أحسبهم - والله حسيبهم - رجالاً صالحين. سؤالي: هل يجوز لي رفض الزواج؟ مع العلم أني صغيرة في السن، لكني بإذن الله سأصبر على فراقهم , وسبب رفضي للزواج هو أني سمعت أن المرأة في الجنة تكون مع آخر زوج لها أيضاً. أنا أقول لأهلي: إنني لا أريد أن أتزوج إلا من هو خير من زوجي السابق من باب (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) . أخيراً: أريد منكم نصيحة، وتوجيها؛ لأنني مقبلة على التخرج , وأخشى من الفراغ الذي قد يزيد من وساوس الشيطان والتفكير فيما لا ينفع , وهل تنصحني بالبحث عن وظيفة , والحرص على ذلك مع العلم أني خريجة قسم علمي؟ وقد حفظت كتاب الله , ولله الحمد , وأسعى لمراجعته وتثبيته والقراءة في كتب الأحاديث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عظم الله أجركِ، ورحم ميتكِ، ورزقك الصبر، وأبدلك خيراً مما فقدتِ من زوج.
واعلمي: أن هذه الدنيا دار بلاء، واختبار، كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/ 155 – 157، وقال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) آل عمران/ 186.
قال ابن كثير رحمه الله:
أي: لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله، أو نفسه، أو ولده، أو أهله، ويُبتلى المؤمن على قدر دينه، إن كان في دينه صلابة: زيد في البلاء.
"تفسير ابن كثير" (2/179) .
وقد عظَّم الله أجرَ الصابرين، فقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10، فنسأل الله تعالى أن يجعلكِ من الصابرين، وأن يعظم أجركِ.
ثانياً:
اختلف العلماء في مسألة المرأة التي تزوجت بأكثر من زوج لمن تكون في الجنة، فقيل: إنها تخيَّر بينهم، وقيل: إنها لأحسنهم أخلاقاً، والراجح هو القول الثالث، وهو أنها: لآخر أزواجها.
وانظري جواب السؤال (8068) .
ثالثاً:
لا شك أن المسلم العاقل يطلب الأفضل، والأحسن، لدينه، ودنياه، فرغبتكِ في أن يكون زوجك الذي ترغبين الاقتران به مستقبلا أفضل من زوجك الأول: لا شك أن هذا مطلب يحث عليه الشرع، والعقل.
ومجيء خواطر لك بأنه لا خير من زوجكِ الأول، وأنكِ ستبقين بلا زوج: قد جاء مثل ذلك لمن هي خير منك، وهي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فلما استجابت لشرع الله تعالى، وذكرت الدعاء الثابت في السنَّة أن يخلفها الله خيراً: جاءها النبي صلى الله عليه وسلم خاطباً لها! ثم صار زوجاً لها، وهو خير من وطأت قدمه الأرض من البشر.
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضِيَ الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِى مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْراً مِنْهَا) قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (918) .
فالوصية لك أن تقولي هذا الدعاء الثابت في هذا الحديث، مع الاعتقاد الجازم بأنه لن ينقطع الخير من الأرض، ولا يزال هناك من هو على خلق ودين، وقد يعجل الله تعالى بأحدهم ليكون لك زوجاً، يعفك، وتعفينه، وتقيمون أسرة صالحة، تنصر دين الله، ويكون لك منه ذرية طيبة، تُقرُّ عينك بهم، ويكونون لكما ذخراً يوم لقاء الله في الآخرة.
رابعاً:
اعلمي أن ترك الزواج ليس مما يحبه الشرع ولا يرغب فيه، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة بالنكاح، لا سيما الشباب ـ وأنت لا زلت في مرحلة الشباب ـ وذلك لما في الزواج من مصالح عظيمة، وغايات شريفة، فمنها: طلب الولد الصالح، وتكوين الأسرة المسلمة؛ وحفظ النفس من الوقوع في الحرام، وحبائل الشيطان، وتقوية الروابط والصلة بين المسلمين بالمصاهرة.
فالذي ننصحك به هو قبول الزواج إذا تقدم لك من يرضى دينه وخلقه، وربما تكونين زوجة في الآخرة لمن خيرٌ خلُقاً ودِيناً.
فلا تتردي في السعي لإقامة بيت صالح، وحفظ نفسك من الشهوات المحرَّمة، والتي عمَّت الآفاق، حتى لم يسلم منها المتزوجون والمتزوجات، فكيف بمن ترك التزوج، ويريد قضاء عمره بلا زوج؟! .
خامساً:
العمل خارج البيت بالنسبة للمرأة – في الأصل – هو خلاف ما أمر الله به من القرار في البيت، كما قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/ 33، ففي خروجها بغير داعٍ ولا ضرورة مخالفة لهذا الأمر الرباني.
وللوقوف على بعض ضوابط، وشروط عمل المرأة خارج بيتها: انظري جواب السؤال رقم: (22397) .
ولا شك أنكِ ترغبين بهذا العمل فراراً من الملل، والفراغ، وقطع السبيل لوساوس الشيطان , ولكن في الحقيقة قد يكون هذا مدخلاً آخر للشيطان من التعرض للفتن، والاختلاط، وغير ذلك من المحرمات.
ونرى أن الطريق الصحيح للفرار من الملل، والفراغ هو بقبول الزوج المناسب، والاشتغال بتكوين أسرة صالحة، من قيام بحق زوج، والاعتناء بتنشئة أولاد صالحين، يملأون حياتكِ بهجة وسروراً؛ لأنه مهما حاولت المرأة من بحث لأسباب الحياة الطيبة والسعيدة، فلن تجدها بغير طاعة ربها أولاً، ثم إنها ستجدها في بيتها بين زوجها، وأولادها.
فالوظيفة مآلها إلى التعب، والسآمة، وسلي من يعمل من النساء كيف أنهن يتمنَّيْن الاستقرار في بيوتهنَّ، إلا من عاند واستكبر، فالله تعالى أعلم، وأحكم، بما يشرع من أحكام، ولم يأمر المرأة بمكثها وقرارها في بيتها إلا وهو يعلم – سبحانه - أن هذا هو المناسب لها، وهو الأطهر، والأصون لها.
ونسأل الله الكريم أن يرزقكِ الزوج الصالح، والذرية الطيبة، وأن يعينكِ على التعلم والتفقه في دين الله , وأن يصرف عنك وساوس الشيطان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/289)
تعرضت للاغتصاب في صغرها فهل تخبر خاطبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة أبلغ من العمر 26 عاما اغتصبني أحد الأشخاص وأنا طفلة عمري 8 سنوات وعندما بلغت بدأت أمارس العادة السرية وبعد أن عرفت أنها حرام بدأت أحاول تركها كثيرا ولكن لم أفلح حتى كنت أكمل دراستي العليا وفصلت أحسست أن هذا إنذار من الله حتى أقلع عن هذا الذنب وبالفعل تبت إلى الله والحمد لله ومنذ مرحلة البلوغ وأنا يطلع في جسمي ووجهي حب الشباب وهو يترك آثار وبقع في كل أنحاء جسمي بدأ الشباب يتقدمون لخطبتي كوني من عائلة كريمة ويعرف عني الالتزام والأدب وكانوا غير مناسبين وأجد حجة للرفض ولكن الآن تقدم شاب لخطبتي وهو ملتزم وعنده أخلاق ولا يوجد سبب للرفض وأنا في حيرة من أمري فلا أدري ما حال غشاء البكارة عندي؟ وهل يجوز أن أخفي هذا الأمر عن هذا الشاب مع العلم أن أهلي لا يعلمون بموضوع اغتصابي وأنا بحمد الله راضية بما قسم لي ربي، هل يجوز أن أرفض هذا الشاب؟ وأهلي معارضين جدا لفكرة الرفض فيقولون إني كبرت بالعمر ولا تأتي الفرص دائما أنا الآن في حيرة هل أقبل به؟ وكيف سأخبره عن الموضوع؟ فأنا جدا خجلة وأهلي يضغطون علي ولا يجدون سببا في الرفض، أفتوني أرجوكم ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الشاب المتقدم لك مرضي الدين والخلق فاقبلي الزواج منه، ولا يلزمك إخباره بشأن البكارة - لو ثبت زوالها -؛ لأنه لا مصلحة في إخباره، ولما قد يترتب على إخباره من المفسدة.
وإن سألك بعد الزواج فلك أن تتظاهري بعدم العلم، وتستعملي التورية، فإن البكارة تزول بأسباب كثيرة، منها الوثبة، والركوب على شيء حاد، والحيضة الشديدة، وإدخال الإصبع ونحو ذلك، وإن اضطررت إلى الكذب، وخشيت إن علم بحقيقة الحال أن يطلقك، جاز لك ذلك.
فقد ذكر أهل العلم فيمن وقعت في الزنا ثم تابت أنه لا يلزمها إخبار زوجها، وأنه يباح لها الكذب لتستر نفسها، ولا شك أن من اغتُصبت ولم تقترف الذنب باختيارها، أو حصل لها ذلك قبل سن التكليف أنها أولى بالستر.
وينظر جواب السؤال رقم (83093) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/290)
مصاب بالصرع فهل يتزوج وينجب
[السُّؤَالُ]
ـ[تم تشخيصي طبيا أن لدي صرعاً مزمناً. وحالتي تكون جيدة باستخدام الأدوية ولكن الطبيب قال لي أني سأستمر على تناول الأدوية لكي تكون حالتي تحت السيطرة. ودائما يخبرني الطبيب أنني إن خططت للإنجاب فمن الممكن أن ينتقل هذا المرض لطفلي عن طريق الجينات الوراثية؟ وأسئلتي لك هي: 1- هل أخبر من أتقدم إليها أني عندي هذا المرض؟ 2- هل يجوز لي أن أتزوج؟ 3- هل يجوز لي أن أنجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك.
ثانيا:
يجوز للمصاب بالصرع أن يتزوج، ويلزمه إخبار من يريد خطبتها، لتكون على بصيرة وبينة، وكتمان ذلك غش محرم.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أخي مصاب بالصرع، ولكن هذا لا يعيقه عن الجماع، وقد كتب على امرأة فهل يجب عليه أن يخبرها بما فيه قبل أن يدخل بها أم لا يجب؟
فأجاب: "نعم، يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخَلْقية قبل الزواج، لأن هذا من النصح، ولأنه أقرب إلى حصول الوئام بينهما، وأقطع للنزاع، وليدخل كل منهما مع الآخر على بصيرة. ولا يجوز الغش والكتمان " انتهى من "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (3 / 159) .
وإذا كتم الزوج هذا العيب ثم علمت به الزوجة كان لها الحق في فسخ النكاح.
ثالثا:
ينبغي السعي في إنجاب الذرية التي هي مقصد مهم من مقاصد النكاح، ما لم يثبت بتقارير موثقة احتمال ولادة مصاب بالصرع، بنسبة عالية، فتتجنب الإنجاب حينئذ.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (111980) ورقم (133329) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/291)
حكم الصوم في قوله صلى الله عليه وسلم (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء) ؛ هل الصوم هنا من باب الحث أو من باب الوجوب؟ أرجو توضيح ذلك. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أمر الله عز وجل عباده بالتعفف عن الزنا والفجور، وشرع الله الزواج ليعفوا أنفسهم عن الحرام والقذر، بالحلال والطهر الذي شرعه الله لعباده.
ولما كان في علم الله تعالى أن كثيرا من الناس تتوق نفسه إلى الزواج، غير أنه يعجز عن مؤنته، أرشده بالصبر والتعفف إلى أن يجعل الله له فرجا ومخرجا. قال الله تعالى:
(وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/32-33.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث المذكور في السؤال، إلى الزواج الذي هو أعظم أسباب العفة، فضلا عن المصالح العظيمة الأخرى التي تترتب عليه، من تكثير نسل المسلمين، وغير ذلك، وأرشد من عجز عنه إلى إضعاف توقان نفسه، وكسر شهوتها بالصوم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَطْلُوب مِنْ الصَّوْم فِي الْأَصْل كَسْرُ الشَّهْوَة " انتهى.
واستنبط بعض أهل العلم حكمة أخرى من الأمر بالصوم في هذا الحديث، إضافة إلى ما ذكر من كسر الشهوة. قال الإمام القاضي تقي الدين السبكي رحمه الله:
" وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ لِأَنَّ الصَّائِمَ أَظَلْفُ لِنَفْسِهِ وَأَرْدَعُ لَهَا مِنْ مُوَاقَعَةِ السُّوءِ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ} ؛ فَفَهِمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ لِإِضْعَافِ الصَّوْمِ الْبَدَنَ فَتَضْعُفُ الشَّهْوَةُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ زَائِدٌ عَلَيْهِ حَاصِلٌ مَعَهُ؛ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكُونُ حَامِلًا لَهُ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ، إمَّا لِبَرَكَةِ الصَّوْمِ، وَإِمَّا لِأَنَّ حَقِيقًا عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ، فَإِنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُبَاحَيْنِ، فَالْكَفُّ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى" انتهى.
"فتاوى السبكي" (1/435) .
ثانيا:
الأمر بالصيام في هذا الحديث ليس على الوجوب، بل هو على الاستحباب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ولا نعلم أحدا قال بوجوبه.
قال ابن بطال رحمه الله:
" ذهب جماعة الفقهاء إلى أن النكاح مندوب إليه مرغب فيه، وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض على الرجل والمرأة، مرة فى الدهر ... ، واحتجوا بظاهر هذا الحديث، وحملوا أمره عَلَيْهِ السَّلام بالنكاح على الإيجاب. قالوا: ولكنه أمر لخاص من الناس، وهم الخائفون على أنفسهم العنت بتركهم النكاح، فأما من لم يخف العنت، فهو غير مراد بالحديث ...
واحتج أهل المقالة الأولى بقوله: (ومن لم يستطع فعليه بالصيام) ، وإذا كان الصوم الذى هو بدل عن النكاح ليس بواجب فمبدله مثله ". انتهى.
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال (7/262) ، ونقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره. ينظر: فتح الباري (9/110) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/292)
نصرانية والزواج من مسلم، الشروط، وما يملك الزوج منع الزوجة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[تفكر صديقتي المسيحية! في الزواج من رجل مسلم، ولكنها في شك من مطالبه، إنه يعرف أنها مسيحية! ولكنه يريد أن يجبرها على ارتداء النقاب، وأن لا تذهب إلى الكنيسة , ولا تعمل , وأن تتوقف عن الحديث مع أهلها , وأن ترتدي ما يريده هو - ليس ما يريده الإسلام، ولكنه قال بالحرف الواحد " ما أريده أنا " -، كما أنه يغضب عندما تخالفه الرأي , ويقول: إن الزوجة يجب أن تكون مطيعة، وليس لها أن تتبني رأيها الخاص. هل للزوج المسلم أن يطلب هذه المطالب من زوجته؟ أما بالنسبة للأمر الثاني: فهو أن صديقتي فتاة جيدة، ولكنها ليست عذراء , وقد سمعت أن زواج المسلم من زانية لا يجوز، فهل هذا صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم اتخاذ الكفار أصدقاء له؛ لما في الصداقة من معاني المودة، والمحبة، وهو مما نهينا عنه تجاه من كفر بالله تعالى ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ 22.
وانظري جواب السؤال رقم: (13730) .
ولا يعني ذلك عدم البر بها، والإحسان إليها، وخاصة إن كان ذلك منكِ بقصد دعوتها إلى الإسلام، وتعريفها بأخلاقه، وأحكامه.
ولا حرج في أن يكون أمر زواجها من ذلك الرجل المسلم سبباً في تعرفها على دين الإسلام، ودخولها فيه.
ويمكنك في سبيل ما يجب عليك تجاهها: الاستفادة من المراكز الإسلامية , والكتب التي تعرف بالإسلام , والمواقع الإسلامية الكثيرة على الإنترنت، والتي تقدم الإسلام الصافي، وبعدها يمكنك أن تجيبيها على تساؤلاتها حول الإسلام، وأحكامه.
وأطلعيها على جوابي السؤالين: (6581) و (40405) ففيهما فوائد مهمة.
ثانياً:
أباح الله تعالى للمسلم الزواج من الكتابيات (اليهودية أو النصرانية) ، بشرط أن تكون محصنة – أي: عفيفة عن الزنا -.
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) المائدة/ 5.
والمراد بالإحصان: العفة من الزنا.
قال ابن كثير رحمه الله:
وهو قول الجمهور ها هنا، وهو الأشبه؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية: أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا.
" تفسير ابن كثير " (3 / 55) .
وفي فتاوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية - يهودية أو نصرانية - إذا كانت محصنة، وهي الحرة العفيفة؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) ... " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 314 , 315) .
ولكن لتعلم هذه المرأة وغيرها أن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب، قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/38.
فإذا أسلمت الكتابية، والتزمت العفاف: جاز للمسلم أن يتزوجها، ولو سبق منها الزنا، ما دامت قد تابت منه، وعزمت على تركه وعدم العودة إليه.
ثالثاً:
الواجب على الزوج والزوجة وجميع الناس أن يطيعوا الله تعالى، فيمتثلوا أوامره، ويجتنبوا نهيه، فلا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بكل ما يريده هو، ولو كان مخالفاً لأمر الله، ولا يجوز للزوجة أن تعصي الزوج إذا أمرها بما أمر الله به.
وعلى هذا، فللزوج أن يمنع زوجته من معصية الله، فله أن يلزمها بالحجاب، ويمنعها من العمل، ما دام ينفق عليها فيما تحتاج إليه.
قال ابن قدامة رحمه الله:
قال الإمام أحمد في الرجل له المرأة النصرانية: لا يؤذَن لها أن تخرج إلى عيد، أو تذهب إلى بِيعة، وله أن يمنعها ذلك.
"المغني" (10/620) .
وقال ابن قدامة رحمه الله أيضاً:
وإن كانت زوجته ذميَّة: فله منعها من الخروج إلى الكنيسة؛ لأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع.
"المغني" (8/130) .
وبوَّب ابن القيم رحمه الله في كتابه " أحكام أهل الذمة " (2/821) بـ "فصل منع الزوجة الكتابية من السُّكر".
وذكر ابن نُجيم الحنفي رحمه الله أن المسلم إذا تزوج كتابية فله منعها من شرب الخمر لأن رائحتها تضره، كما أن له أن يمنع زوجته المسلمة من أكل الثوم والبصل إذا كان يكره رائحتهما.
"البحر الرائق" (3/111) .
والمرجع في هذه الأوامر والنواهي هو: الشرع، وليس هوى النفس.
وأما منع الزوج زوجته من التحدث مع أهلها، ومن زيارتهم: فلا وجه له فيه، ولا يجوز له منعها من غير سبب شرعي يدعوه لذلك، كأن يكون أهلها يدعونها إلى الانحراف، أو يوقعون بين الزوجة وزوجها، فمثل هذه تكون أعذاراً لمنع الزوج زوجته من زيارة أهلها، حتى لو كانت الزوجة مسلمة.
رابعاً:
القوامة في الإسلام هي للرجل على المرأة، وليس العكس، قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.
ولا تعني القوامة أن الرجل مستقل بإدارة بيته , وأن المرأة لا رأي لها , ولا حُكم , ولا نظر؛ فقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أن نساءهم كنَّ يراجعنهم في الأمر، بل كان هذا فعل أمهات المؤمنين مع نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، كما قالت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه) رواه البخاري (4895) ومسلم (1479) .
بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ برأي ومشورة زوجته في أمر عظيم، كما في حادثة "صلح الحديبية" عندما أخذ برأي أم سلمة رضي الله عنها، في أن يحلق شعره، ويذبح هديه، لمّا مُنع من الدخول إلى مكة لأداء العمرة، وأمر أصحابه بالتحلل فتأخروا في امتثال أمره.
والإسلام لم يجعل أمر الحياة الزوجية للزوج وحده، بل هناك ما أُمر أن يشاور امرأته في فعله أو تركه، كرضاع أولادهم، كما في قوله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة/233، وهناك أمر عام، وهو المعاشرة بالمعروف، كما في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
وانظري جواب السؤال رقم: (10680) ففيه تفصيل حقوق الزوجين بعضهما على بعض.
والذي ينبغي أن تكون الحياة الزوجية مبنية على طاعة الله وطاعة رسوله، وعلى اتفاهم بين الزوجين والمعاشرة بالمعروف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/293)
الطواف بأثاث الزوجة على السيارات في البلد
[السُّؤَالُ]
ـ[الطواف بأثاث الزوجة على السيارات في البلد السؤال: لدينا تقليداوافداإلى قريتنا من قرى أخرى، ألا وهو عند نقل الأثاث التي تشارك به المرأة في زواجها يوضع في سيارات، خمس سيارات أو ست أو أكثر ثم يوضع مكبر صوت على إحداها مصحوبا بالموسيقى ويدار بتلك السيارات على الطريق الرئيسي للبلد، ويتساءل الناس أثاث من هذه؟ والشغل الشاغل لهم كم سيارة حملت الأثاث؟ وبالتالي إذا أقدم أحدهم على تزويج ابنته كان عليه أن لا يقل عدد السيارات الحاملة للأثاث عن التي رأوها تمر بهم من قبل. وسؤالي: هل من الجائز شرعا الإعلان والإشهار بهذا الأثاث بهذه الطريقة ويطاف به ليتطلع الناس إلى ذلك ويتسابقون في المزيد من تكاليف تجهيز بناتهم؟ أرجو البيان بالأدلة الشرعية كما هو منهجكم بارك الله فيكم أو إحالتي إلى بعض الأسئلة في الموقع أو تزويدي بأسماء بعض الكتب والمراجع المتعلقة بالموضوع حتى نوجه الناس إلى الالتزام بالشرع الحنيف. أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لنا أن هذا الفعل غير جائز، وذلك للأسباب التالية:
1- تشغيل الموسيقى بمكبر الصوت بهذه الطريقة محرم، وظلمات بعضها فوق بعض، فقد دلت الأدلة الشرعية على تحريم آلات المعازف، ولا يستثنى منها إلا الدف فقط وفي بعض الحالات كالنكاح، وانظر جواب السؤال رقم (5000) و (20406) .
وتشغيل الموسيقى بهذه الطريقة، فيه إعلان والمجاهرة بهذه المعصية، وفيه أذية للمؤمنين الذين يتأذون بسماع هذا المحرم.
2- الطواف بالأثاث بهذه الطريقة يشتمل على عدة محاذير شرعية:
أ- أن فيه نوعاً من الخيلاء والفخر والتعالي على الناس، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) رواه أبو داود (4895) وابن ماجه (4179) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (570) .
ب- أن فيه مدعاة للمغالاة في الأثاث والمهر وتنافس الناس في ذلك، وهذا مخالف لما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تيسير المهر وتكاليف الزواج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ) رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع (3300) ، ويقع الإنسان بسبب ذلك في الإسراف الذي نهى الله عنه وذمه، بقوله: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال: (10525) ، (12572) .
ج- أن هذا الفعل فيه كسر لقلوب الفقراء، الذين لا يستطيعون مجاراة هؤلاء فيما يفعلون، فيبقى الفقير إذا زوَّج ابنته حزيناً كئيباً لأنه لا يستطيع أن يأتي لها بمثل ما أتى فلان.
وقد يتسبب ذلك في خلافات ونزاعات داخل الأسرة الواحدة، فتطالب البنت أباها بمثل ما أتى به فلان، ووالدها لا يستطيع ذلك أو لا يرضاه، فتقع الخصومات والنزاعات.
د- أن هذا الفعل قد يفتح أبواب الحسد، والقلق النفسي عند بعض الناس ضعيفي الإيمان، إذا رأوا هذا الأثاث ـ وكان شيئاً ثميناً ـ فقد يحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، ويتمنى زوال هذه النعمة منهم.
فالذي ننصح به أن يقوم العقلاء بمحاربة هذه العادة القبيحة المذمومة، وحث الناس على عدم المغالاة في الأثاث وتكاليف الزواج، والاقتصار على ما يحتاج إليه الإنسان فقط.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/294)
كاثوليكية تكره زوجها وتريد طلاقه والزواج من مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء أنا امرأة كاثوليكية متزوجة منذ سنوات عديدة ولدى فتاتان يافعتان ولم أعد أحب زوجي منذ 5 سنوات لكني لم أفكر مطلقاً في الطلاق لأن ديني لا يجيزه. وفي العام الماضي فقدت السيطرة على نفسي وأنشأت علاقة حرام مع فتى مسلم صغير وقد جعلني أوقع على ورقة زواج عرفي لكي يقوم فقط باستئجار شقة لنا ثم أتلفها عندما علمت أسرته بأمرنا وقد استمرت علاقتنا لأسبوع واحد وقد تبت مما حدث، وهو أيضا، وهو الآن قام بخطبة فتاة مسلمة. وقد التقيت الشهر الماضي برجل مسلم فاضل وهو متزوج ولديه طفلان ونحن نعمل أحياناً معاً وعلى علاقة صداقة طيبة ومقربين بشدة من بعضنا لكننا لم نقترف أية محرمات, ولدى بعض الأسئلة: 1- هل ما يزال زواجي العرفي الأول سارياً؟ وقد عقدناه بشاهدين ومحامي، لكنى لم أكن أعرف أنه زواج حقيقي وكنت ما زلت متزوجة. 2- أريد الآن أن أتطلق من زوجي فأنا لم أعد أحبه ولم أعد أستطيع الاستمرار في الكذب عليه وعلى بناتي. 3- إذا تم طلاقي فهل يجوز لي أن أتزوج صديقي المسلم الفاضل زواجاً إسلامياً وأكون زوجته الثانية؟ وكم هي مدة العدة؟ 4- وقد أخبرني أنه لا يستطيع أن يتزوجني لأن زوجته الأولى توعدته بالطلاق وبأن تأخذ أطفاله بعيداً عنه إذا تزوج ثانية، فهل يجوز لها القيام بذلك؟ وأنا لا أريد أن أتسبب في إيذاء أحد فهو يعيش الآن بعيداً عن أسرته ولا يذهب لزيارتهم إلا لبعض الوقت وأنا لا أريد منه مالاً ولا أريده أن يخسر أسرته، ولن أسيء في حق زوجته الأولى، ولا أغار منها وسأعيش ببلده كزوجة ثانية وآتي أحيانا إلى بلدي لرؤية بناتي. وسأكون شاكرة للغاية إذا ساعدتموني في إيجاد حل لهذا الموقف المعقد، وبارك الله فيكم، وفى جميع أصحاب النوايا الحسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك ثقتك بالإسلام والاستفتاء عن أحكامه , ونتمنى أن تتوج هذه الثقة باختيارك للإسلام ديناً تعبدين الله وفق ما فيه , وقد لمسنا في كلامك أنك على جانب كبير من حسن الخلق، ونرجو أن تتوجي ذلك أيضاً بإحسان الخلق مع الله، وذلك بعبادته وحده لا شريك له، بالدين الذي ارتضاه، وأكمله، وحفظه من الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل.
ثانياً:
الزواج العرفي الذي ربطك بهذا الشاب زواج باطل، لأنك متزوجة , والمتزوجة لا يصح نكاحها.
وقد ذكر الله تعالى المحرمات من النساء فقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ) يعني: المتزوجات.
ونعجب من هذا المسلم الجاهل بدينه إلى هذا الحد، فهذا الزواج لا قيمة له، ووجوده كعدمه، وهو باطل من يوم ما عقد.
وعلى هذا، فلست زوجة لهذا الشاب.
ثالثاً:
يجوز للمرأة في ديننا أن تطلب الطلاق من زوجها الذي تكرهه، ولا يمكنها الاستمرار في الحياة معه، وسيؤدي استمرارها معه إلى تقصيرها في أداء حقه، وكثرة المنازعات والخصومات. فإن لم يطلق فلها مخرج آخر وهو ما يسمى في ديننا بـ "الخلع"، فترد إليه المهر الذي كان دفعه لها ثم يؤمر بطلاقها، وذلك دفعاً للضرر الواقع عليها بسبب الحياة مع من تكره.
وهذا الحكم هو من محاسن شريعتنا، وكثيراً ما تعرضت شريعتنا للطعن فيها بسبب مشروعية الطلاق، مع أن العقل والواقع يثبتان أن ذلك من محاسنها.
ففي بعض الأحيان يكون الطلاق هو الحل الأمثل لقطع خصومات وعداوات لم تفلح معها محاولات الصلح المتكررة.
وكما جعل شرعنا للرجل المخرج من ذلك وهو "الطلاق" جعل للمرأة مخرجاً أيضاً، وهو "الخلع".
فنأمل أن تتأملي في محاسن ذلك، وتأملي في وضعك أنت الآن وأنت مجبرة على العيش مع من تكرهين، أي الحكمين أقرب إلى الحكمة وإلى العقل؟
ونأمل أن يقودك ذلك إلى مزيد من البحث عن الإسلام، حتى تقفي على مزاياه، وعلى أنه هو الدين الحق، فينشرح صدرك للدخول فيه.
رابعاً:
إذا تم طلاقك من زوجك فلا مانع من أن تتزوجي ذلك المسلم أو غيره، ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد انقضاء العدة.
وعدتك هي ثلاث حيضات من أول وقوع الطلاق، إن كنت تحيضين، أو وضع الحمل إن كنت حاملاً.
وننبه إلى أن الزواج في فترة العدة زواج باطل في شرعنا، ولا يصح.
خامساً:
لا يجوز للزوجة أن تمنع زوجها من الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربعة نساء، وقد (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) رواه البخاري (2727) ومسلم (1413) .
أي: إذا أراد الزواج بثانية، فلا يجوز لهذه الثانية أن تشترط عليه أن يطلق الأولى، لما في ذلك من الاعتداء على أختها.
وكذلك أيضاً لا يجوز للزوجة الأولى أن تطلب طلاق الثانية، أو تمنع زواجها من الأصل.
هذا هو حكم شرعنا في هذه المسألة، غير أن كثيراً من الناس لجهلهم، أو لقلة تعظيمهم لأحكام دينهم يخالفون هذا الحكم، نسأل الله لهم الهداية.
ونسأل الله تعالى أن يفرج عنك همك، وأن يهديك ويوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/295)
إسعاف الزوجة بالدم لا يحرمها على زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[إسعاف الزوجة بالدم لا يحرمها على زوجها السؤال: ما حكم الرجل الذي يسعف زوجته بالدم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إسعاف الرجل لزوجته بالدم ليس فيه محظور ولا يؤثر في النكاح، وليس مثل الرضاعة، بل للرجل أن يسعف زوجته وأن تسعف زوجها ولا حرج في ذلك والحمد لله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1560) .
ينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (26202) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/296)
إذا رفض أهل الزوجة إتمام الزواج فللخاطب المطالبة بما قدمه لهم من مال وهدايا
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت فتاة منذ ثلاث سنوات وقدمت لها شبْكة، وقمت بإعداد كل شيء، ثم حدث رفض من أمها لهذا الزواج، فهل لي الحق في استرداد كل ما قدمته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم لك الحق في ذلك ما دام الزواج لم يحصل، فلك الحق في طلب كل ما دفعت إليهم؛ لأنك دفعته إليهم بسبب النكاح، فإذا لم يحصل النكاح فلك الحق في استرجاع ما بذلته ودفعته إليهم من نقود وغيرها، وليس لهم الحق في منع الزواج إلا بسبب شرعي، فليس لأمها ولا لأبيها أن يمنعوها من الزواج إلا بمسوغ شرعي، بل عليهما أن يساعداها في ذلك، لأن الزواج خير للجميع، فإذا كانا منعاها بمسوغ شرعي فلا بأس، وعليهما أن يردا إليك المال الذي دفعته" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1579) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/297)
يعاني من برص في موضع خفي فهل يلزمه الإخبار به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متعلم ومقتدر وعمري 30 سنة وأنوي الزواج بمشيئة الله وقد ابتلاني الله ببرص في جزء من عضوي الذكري وأنا متردد على الإقدام على الزواج لسببين: الأول أن البرص منظره قبيح وهو في مكان غير ظاهر من جسمي.. ولكني أخشى أنه بعد الزواج قد تنكر الزوجة ما سوف ترى وتعافني بسببه. والثاني.. أن الطبيب المعالج أخبرني أنه رغم أن هذا المرض غير معد على الإطلاق ,, إلا أنه فد ينتقل إلى الأجيال التالية.. وكله بمشيئة الله وقدره فكما أن الرجل قد يكره المرأة المصابة بالبرص لسوء شكلها أو لأنها ستورثه لأبنائه.... فأنا أخاف أن تكرهني المرأة بعد الزواج، وللعلم فأنا أعالج منذ سنتين ولم يكتب لي الله الشفاء وقد نصحني الطبيب بالتوقف عن المعالجة لما لذلك من آثار سلبية على الجلد وخاصة على جلد العضو الذكري ولم أخبر أهلي ووالدتي بهذا البرص، لما قد يولد لديهم من قلق وحسرة، فما رأيكم في أمر زواجي وإعلان حالتي من كتمانها.. فأنا أخشى أن يكون في كتمانها غررٌ لا تحمد عقباه وأخشى من إعلانها أن أُرَدَّ أو ما إلى ذلك انصحوني ولكم خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان البرص المسؤول عنه مما يحتمل أن يكون منفّرا للزوجة، فلابد من إخبارها قبل العقد؛ لأن كتمانه يعد غشاً وتدليساً، والقاعدة: أن كل عيبٍ يوجب النفرة، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يجب بيانه ولا يجوز كتمانه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (103411) .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: رجل خطب امرأة، وهذه المرأة يُعرف عنها أن فيها عيباً خَلقيّاً، ولكن هذا العيب مستتر ليس بيِّناً، وهذا العيب يرجى برؤه، كالبرص، والبهق، فهل يُخبر الخاطب؟
فأجاب: "إذا خطب الإنسان امرأة وفيها عيب مستتر، ومن الناس من يعلمه: فإن سأل الخاطب عنها وجب عليه البيان، وهذا واضح، وإن لم يسأل: فإنه يخبره بذلك؛ لأن هذا من باب النصيحة، ولا سيما إذا كان مما لا يرجى زواله، وأما ما كان مما يرجى زواله: فهو أخف، ولكن هناك أشياء قد تزول ولكن ببطء كالبرص مثلاً - إن صح عنه أنه يزول -، فأنا إلى الآن ما علمت أنه يزول، فيفرق بين ما يرجى زواله عن قرب، وما يرجى زواله عن بُعد " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (5 / السؤال رقم 22) .
وينبغي أن تفوض الأمر لله تعالى، وتبحث عن ذات الخلق والدين، فإن مثلها لن ترد الخاطب الصالح المقتدر لأجل عيب كهذا، وكم من صاحب عيب يفوق ما ذكرت مراتٍ ومرات رُزق ما كان يتمنى ويريد، فلتهنأ بالاً، ولتنعم نفساً، ولتكثر من سؤال الله تعالى التوفيق للزوجة الصالحة.
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويذهب همك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/298)
ليس لك أن تدخل بها دون علم أبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[عقدت قراني على إحدى النساء بعد إعطائها المهر أي الصداق، وأردت أن أدخل بها فرفض أبوها حتى أجهز لها ثلاث غرف كاملة، وأنا لا أستطيع ذلك. فهل يجوز لي أن أدخل بها دون علم أبيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس لك الدخول بها إلا بعلم أبيها وأهلها، فالواجب عليك أن تنفذ ما قاله أبوها، أو أن تحتكم معه إلى القضاء الشرعي، وأما أن تخالف ذلك وتخلو بها وتتصل بها وحدكما فلا؛ لأن هذا يسبب شراً وضرراً كبيراً وفتناً كثيرة وعواقب وخيمة، والواجب عليك الصبر وحل المشاكل بالطريقة الحسنة، بالتفاهم مع والدها، بتوسيط بعض المصلحين حتى يصلحوا بينكما، فإذا لم يتيسر الصلح فليرفع أمركما إلى القضاء الشرعي حتى يحل المشكلة التي بينكما. هذا هو الواجب عليك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1582) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/299)
هل يستحب إبرام عقد الزواج في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يكون الزواج أو العقد داخل المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عقد النكاح في المسجد مستحب؛ لحديث استدلوا به، ولمعنى قالوا بوجوده.
في " الموسوعة الفقهية " (37 / 214) :
استحب جمهور الفقهاء عقد النكاح في المسجد؛ للبركة، ولأجل شهرته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) .
انتهى
أما الحديث: فقد رواه الترمذي (1089) ، وهو حديث ضعيف، ضعفه الترمذي، وابن حجر، والألباني، وغيرهم.
وأما المعنى: فهو قولهم بأن عقد النكاح في المسجد بركة، لكن يُشْكِل على ذلك أنه لو كان الأمر كذلك لحرص النبي صلى الله عليه وسلم على عقد الأنكحة لنفسه في المسجد، ولحرص على تبيين ذلك لأصحابه.
وعليه، فالأظهر هنا أن يقال:
أن إنشاء عقد الزواج في المسجد جائز من حيث الأصل، لا سيما إن كان ذلك في بعض الأحيان، أو كان أبعد لهم عن المنكر، مما لو عقد في مكان آخر. وأما التزام ذلك في كل عقد، أو اعتقاد أن له فضلاً خاصاً: فهو بدعة، ينبغي التنبيه عليها، ونهي الناس عن فعله على هذا الوجه.
وإن كان أثناء العقد وُجد اختلاط بين الرجال والنساء، أو حصل استعمال للمعازف: صار عقده في المسجد أشد حرمة من عقده خارجه؛ لما في ذلك من التعدي على حرمة بيت الله.
ودليل مشروعية عقد النكاح في المسجد، من حيث الأصل: حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، والذي رواه البخاري ومسلم، حيث ثبت أنه زوجها لأحد أصحابه في المسجد، ولا يُحفظ أنه كرر ذلك في عقدٍ غيره.
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
أرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حكم الشرع في إقامة عقد القران في المسجد، مع العلم أن العقد سوف يكون مقروناً بالالتزام بالتعاليم الإسلامية، وهي عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، أو اصطحاب المعازف.
فأجابوا:
إذا كان الواقع ما ذكر: فلا بأس بإجراء عقد النكاح في المسجد.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 110) .
2. وسئلوا:
هل المواظبة على عقد عقود الزواج في المساجد يعتبر من السنَّة المستحبة، أم يعتبر من البدع؟ .
فأجابوا:
الأمر في إبرام عقد النكاح في المساجد وغيرها: واسع شرعاً، ولم يثبت فيما نعلم دليل يدل على أن إيقاعها في المساجد خاصة سنَّة، فالتزام إبرامها في المساجد: بدعة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 110، 111) .
3. وقالوا:
ليس من السنَّة عقد النكاح بالمساجد، والمداومة على عقد النكاح داخل المسجد واعتقاده من السنَّة: بدعة من البدع؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
وإن كان يحضر حفلة عقد النكاح نساء متبرجات، وأطفال يؤذون في المسجد: منع عقد ذلك النكاح في المسجد؛ لما في ذلك من المفسدة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 111، 112) .
4. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
استحباب عقد النكاح في المسجد لا أعلم له أصلاً، ولا دليلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا صادف أن الزوج والولي موجودان في المسجد وعقد: فلا بأس؛ لأن هذا ليس من جنس البيع والشراء، ومن المعلوم أن البيع والشراء في المسجد حرام، لكن عقد النكاح ليس من البيع والشراء، فإذا عقد في المسجد: فلا بأس، أما استحباب ذلك بحيث نقول: اخرجوا من البيت إلى المسجد، أو تواعدوا في المسجد ليعقد فيه: فهذا يحتاج إلى دليل، ولا أعلم لذلك دليلاً.
" لقاء الباب المفتوح " (167 / السؤال رقم 12) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(6/300)
حكم الزواج إذا كان بعض المال من حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هنا شخص تزوج من حلال وحرام من المال، وبعد أن أخذ فترة من السنين انتبه قلبه وقد عرف أنه تزوج من حرام، فما حكمه وماذا عليه أن يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الزواج صحيح لا يضره ذلك، ما دام استوفى الشروط بأن تزوجها برضاها وبالولي الشرعي والشاهدين، وفي حالة ليس فيها مانع من الزواج، فكون المهر من حرام لا يضر الزواج، فإذا كانت الشروط متوفرة في النكاح وإنما اختل بعض المال فصار فيه بعض الحرام فهذا لا يخل بالزواج، وعليه التوبة إلى الله عزَّ وجلَّ مما أخذ من الحرام، وعليه أن يؤدي المال إلى أهله إذا كان سرقه من أحد أو اغتصبه من أحد فيرده إليهم، وإذا كان لا يتمكن من ذلك يتصدق به عن أهله في البر كالفقراء والمساكين وإصلاح الطرقات ودورات المياه حول المساجد وما أشبه ذلك، وأما النكاح فصحيح" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1578) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/301)
اشتراط الولي مبلغاً مؤخراً إذا طلق الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الآباء حينما يزوج ابنته يشترط على الزوج إذا طلقها بعد الزواج أن يدفع مبلغاً قدره مائة ألف ريال مثلاً. فهل هذا يجوز أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لم يثبت في الشرع المطهر تحديد للمهور، بل ما تراضى عليه الزوجان أو الزوج وولي المرأة من المهر فلا بأس قلَّ أو كثُرَ، ولكن دلت السنة في أحاديث كثيرة على شرعية التقليل من المهور وعدم التكلف والمغالاة، هذا هو السنة لما فيها من تشريع الزواج وإعفاف الشباب والفتيات وتسهيل هذا الأمر الشرعي، فالمغالاة من أسباب تعطيل الرجال والنساء جميعاً، لا من جهة المهور ولا من جهة الولائم.
والتساهل في المهور والولائم والتخفيف في ذلك والتيسير في ذلك هو الذي ينبغي، وهو من أعظم الأسباب في تكثير النكاح وتقليل السفاح، ومن أعظم الأسباب لعفة الرجال والنساء، ومن أعظم الأسباب لكثرة الأمة، فينبغي لكل مسلم أن يعتني بهذا وأن يحرص على التخفيف
والتيسير في المهور والولائم مهما أمكن ذلك.
وإذا اتفق الزوجان على مهر معين ولو كان كثيراً لزم على حسب الشروط، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) متفق عليه.
فإذا شرط عليه مالاً معينا يدفعه عند الطلاق ودخل على ذلك لزم، فإذا زَوَّجه على أن يدفع لها أولاً مثلاً خمسة آلاف وعند الطلاق عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أو أكثر أو أقل فإنه يلزم، ويكون المال المعين الأخير مؤجلاً إلى الطلاق، ويلزم الزوج إذا طلق أن يؤديه، إلا إذا سمحت المرأة الرشيدة بذلك وأعفته من ذلك فلا بأس؛ لأن الله سبحانه يقول: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) البقرة/237، فإذا سمحت وعفت وطابت نفسها بشيء من المهر فلا بأس، يقول الله عز وجل: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) النساء/4.
فالمقصود أن الشروط التي تكون بين الزوجين في النكاح معتبرة ولازمة إذا كانت موافقة للشرع المطهر، ومن ذلك شرط المهر المعين المعجل والمؤجل، هذا هو الصواب" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1570) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/302)
هل يجوز لها الزواج من رجل من غير بلدها
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لي شاب مصري متدين وذو أخلاق رفيعة وعالية صاحب وظيفة ممتازة وأنا سعودية الجنسية ما حكم زواج المسلم من مسلمة من جنسية عربية مختلفة؟؟؟ أرجو الرد وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس اتّفاق جنسيّة الزّوجين شرطاً في الزّواج، ولا من معاييره، وإنّما المطلوب الاتّفاق في الدّين من جانب المرأة، فإن كانت الحال كما تذكرين فلا مانع شرعاً من زواجك بهذا المصريّ المتقدّم إليك، إذا رضي به وليّ أمرك؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) .
أخرجه الترمذيّ (1084) ، وقال: (هذا حديث حسن غريب) ، وابن ماجه (1967) ، والبيهقيّ في السنن الكبرى (7 / 82) .
وحسّنه الشّيخ الألبانيّ في الإرواء برقم (1868) ، وفي صحيح سنن الترمذيّ برقمي (865) و (866) .
على أن الذي ننصح به التأني في مثل هذه الزواجات، والاطمئنان إلى أن اختلاف الأعراف بين البلدين لن يؤثر على العلاقة الزوجية بينكما، فيما بعد، ومحاولة التفاهم على الحال التي ستجمعكما بعد ذلك إن شاء الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/303)
قررت عدم الزواج لأنها مصابة بالتهاب الكبد الوبائي (B) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني مصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي فيروس (B) وهو يسبب الكثير من المشاكل من تليف الكبد وسرطان الكبد وهذا الفيروس خامل عندي ومع هذا يمكن أن ينتقل إلى أي شخص آخر عن طريق الدم واللعاب والالتقاء الجنسي والولادة ومن الممكن إعطاء تحصين للزوج إذا كانت زوجته تحمل هذا الفيروس أو العكس وهذا التطعيم يعمل بنسبة 90 % وأيضاً يمكن تحصين الأطفال الذين يولدون ونسبة عمل هذا التحصين 95%. وبرغم أن هذا التحصين يؤثر جداً فإنني لا أزال أحمل خطراً لأسرتي الجديدة إذا تزوجت لأن هذا التحصين غير مضمون. ولهذا فقد قررت عدم الزواج. في ضوء ما تقدم هل هذا هو أفضل قرار بالنسبة لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصح بالعلاج النافع لهذا الوباء بما يزيله ويبرئ منه براءة كاملة، (فإن الله تعالى ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاءً علمه من علمه، وجهله من جهله) ثم ننصح بعد ذلك بالزواج وترك التبتل مع الاعتماد على الله في أنه يشفي من كل مرض، وأنه لا ينتقل المرض إلا بإرادة الله تعالى، فليست الأمراض تُعدي بطبعها، وإنما بالقضاء والقدر، ثم ننصح أيضاً بإعطاء التحصين للزوج الذي يخفف نسبة الانتقال والعدوى، وكذا تحصين الأطفال الذين يولدون من هذه المرأة، كما ننصح بالابتعاد عن أسباب الخطر والانتقال سواء عن طريق الدم أو اللعاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فِرَّ من المجزوم فرارك من الأسد) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(6/304)
رئيس المركز الإسلامي عندهم تزوج نصرانية فهل فَعَل ما يستحق به العزل عن منصبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رئيس " المركز الإسلامي " في منطقتنا متزوج من امرأة مسيحية، فهل يجوز له أن يبقى في منصبه كمرشد ديني يقتدي به الناس؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زواج المسلم من امرأة كتابية – يهودية أو نصرانية – مباح في شرع الله تعالى، لقول الله عز وجل: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) المائدة/ 5.
والكتابية المباح التزوج بها: هي المحصنة العفيفة.
وانظر جواب السؤال رقم: (2527) .
ثانياً:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يختار زوجته وتكون صاحبة دين وخلق، فقال صلى الله عليه وسلم (فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) ، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى كراهة زواج المسلم من الكتابية، ولهم أسباب أخرى لكراهة هذا الحكم، منها:
1- خوفهم من التزوج بمن ليست عفيفة.
فعن شقيق بن سلمة قال: تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر: خلِّ سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. رواه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (4 / 366) ، وصححه الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (1 / 583) .
2- خوفهم من أن يتتابع المسلمون على التزوج بالكتابيات، وتُترك المسلِمات بلا زواج.
فعن عامر بن عبد الله بن نسطاس: أن طلحة بن عبيد الله نكح بنت عظيم اليهود، قال: فعزم عليه عمر إلا ما طلقها. رواه عبد الرزاق في " المصنف " (6 / 79) .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعليقاً على قول عمر لحذيفة وطلحة -:
"وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاحَ اليهودية والنصرانية: حذرًًا مِن أن يقتدي بهما الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلِمات، أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما" انتهى.
" تفسير الطبري " (4 / 366) .
3- ترتب مفاسد كثيرة على مثل هذا الزواج، كحصول المنازعات والخصومات والمخاطرة بدين الأولاد وعقائدهم.
وقد ذكرنا مفاسد الزواج من الكتابيات، في جواب السؤال رقم: (20227) فلينظر؛ فهو مهم.
ثالثاً:
ذكر العلماء رحمهم الله قاعدة، وهي: "أن المكروه يباح إذا احتاج المسلم إليه".
وانظر هذه القاعدة وأمثلتها في "شرح منظومة أصول الفقه وقواعده " للشيخ ابن عثيمين ص 62.
وعلى هذا؛ فما فعله رئيس المركز الإسلامي مكروه في الأصل، ولكننا لا نستطيع الحكم على هذا الشخص بعينه أنه فعل شيئاً مكروهاً بالنسبة له، لأنه قد تكون له أسباب لذلك، ترفع حكم الكراهة.
وعلى فرض أنه فعل شيئاً مكروهاً، فإنه لم يفعل شيئاً محرماً، وإنما فعل شيئاً دل القرآن على جوازه.
فمثل هذا لا يُسقط عدالته، ولا يوجب هجره، ولا عزله من منصبه، فإنه لم يرتكب شيئا محرَّماً، ولا ما يقدح في عدالته وأمانته، فارفقوا به، وكونوا يداً واحدة، وخاصة في دياركم تلك، وأنتم أحوج ما تكونون فيها للاجتماع والائتلاف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/305)
مصاب بالصرع فهل يلزمه إخبار مخطوبته بذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أن كنت في سن المراهقة وأنا أعاني من داء الصرع ولكني استخدم العلاج باستمرار وكنت أظن هذا المرض سيزول ما أن أتقدم في العمر، ولكن الدكتور الذي يتابع حالتي قال بأنه متأكد بمقدار 90% من أن هذا المرض سيبقى إلى آخر العمر. الآن أفكر أن أتزوج فهل يجب علي أن أطلع الفتاة التي أريد الزواج بها على هذا الأمر أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم الخاطب أن يبين للمخطوبة كل عيب يؤثر على الحياة الزوجية، أو على قيامه بحقوق زوجته وأولاده، أو يوجب نفور الزوجة منه، والصرع داخل في هذه العيوب، فيلزم بيانه ويحرم كتمانه.
قال ابن القيم رحمه الله: " والقياس: أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " انتهى من "زاد المعاد" (5/166) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصواب: أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولاشك أن من أهم مقاصد النكاح المتعة، والخدمة، والإنجاب، فإذا وجد ما يمنعها فهو عيب، وعلى هذا؛ فلو وجدت الزوج عقيما، أو وجدها هي عقيمة فهو عيب " انتهى من "الشرح الممتع" (12/220) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أخي مصاب بالصرع، ولكن هذا لا يعيقه عن الجماع، وقد كتب على امرأة فهل يجب عليه أن يخبرها بما فيه قبل أن يدخل بها أم لا يجب؟
فأجاب: " نعم، يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخَلْقية قبل الزواج، لأن هذا من النصح، ولأنه أقرب إلى حصول الوئام بينهما، وأقطع للنزاع، وليدخل كل منهما مع الآخر على بصيرة. ولا يجوز الغش والكتمان " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".
فالحاصل: أنه يجب أن تبين هذا العيب للفتاة التي تريد خطبتها لتقبل الزواج منك على بصيرة، وتسلم من الغش والكتمان.
ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية من كل داء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/306)
حكم الزواج إذا كان بعض المال من حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هنا شخص تزوج من حلال وحرام من المال، وبعد أن أخذ فترة من السنين انتبه قلبه وقد عرف أنه تزوج من حرام، فما حكمه وماذا عليه أن يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الزواج صحيح لا يضره ذلك، ما دام استوفى الشروط بأن تزوجها برضاها وبالولي الشرعي والشاهدين، وفي حالة ليس فيها مانع من الزواج، فكون المهر من حرام لا يضر الزواج، فإذا كانت الشروط متوفرة في النكاح وإنما اختل بعض المال فصار فيه بعض الحرام فهذا لا يخل بالزواج، وعليه التوبة إلى الله عزَّ وجلَّ مما أخذ من الحرام، وعليه أن يؤدي المال إلى أهله إذا كان سرقه من أحد أو اغتصبه من أحد فيرده إليهم، وإذا كان لا يتمكن من ذلك يتصدق به عن أهله في البر كالفقراء والمساكين وإصلاح الطرقات ودورات المياه حول المساجد وما أشبه ذلك، وأما النكاح فصحيح" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1578) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(6/307)
ترفض الزواج بأي أحد يمنعها من العمل الذي تنفع به أخواتها المسلمات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل طبيبة للسيدات فقط بالإضافة إلى قيامي حاليا بالدراسات العليا..وتسعين بالمائة من شباب مصر يرفضون المرأة العاملة ملتزمة كانت أم لا سواء كان في العمل اختلاط أم لا..وأنا أرى أني صاحبة نية طيبة في عملي بداعي عفة بنات المسلمين من اللجوء للأطباء الرجال.. وأنا أرفض أي رجل للزواج إذا منعني من العمل لأني أرى أنه حقي بالإضافة أني أتكلم في شيء مباح شرعا.. ولو الكل أخذ ذلك في الاعتبار فمن لفتيات المسلمين؟ هل أنا مخطئة في تقديري للأمور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في المرأة أن تقر في بيتها، ويتولى قيِّمها، والدا كان أو زوجا أو غيره، النفقة عليها، كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء /34.
ومتى احتاجت المرأة إلى العمل بأجر، فإنه يجوز لها أن تعمل ما يناسب طبيعتها، متى كان منضبطا بالضوابط الشرعية، خاليا من المفاسد والمحرمات.
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (22397) ورقم (33710) .
وإذا فهمت أن الأصل في حال المرأة أن تقر في بيتها، وأن القوَّام عليها وعلى البيت هو الرجل، فليس من حقها أن تعمل المرأة عملا آخر، حتى ولو كان داخل البيت، فضلا أن يكون عملا وظيفيا كوظائف اليوم، إلا أن يأذن لها الزوج.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" ولا نعلم خلافاً بين العلماء: أن المرأة لا تخرج إلى المسجد إلا بأذن زوجها، وهو قول ابن المبارك والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم " انتهى.
"فتح الباري لابن رجب" (6/140)
فإذا كان لا يحق لها أن تخرج للصلاة إلا بإذن زوجها باتفاق العلماء، فكيف بالخروج للعمل؟!
جاء في زاد المستقنع، وشرحه الروض المربع، من كتب الحنابلة، (271) :
" ولا تؤجر المرأة نفسها، بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها؛ لتفويت حق الزوج".
ومن الواضح مما سبق أن للزوج الحق في منع امرأته من الخروج للعمل، وهذا واضح، لكن هذا إذا لم تكن قد اشترطت عليه أن تعمل بعد الزواج، أو علم هو من حالها أنها ستعمل بعد الزوج، كأن تكون موظفة، ورضي بذلك أو سكت، فليس له أن يمنعها بعد النكاح.
قال في "الروض المربع" ـ (365) ـ:
" وله منعها من إجارة نفسها، لأنه يفوت بها حقه؛ فلا تصح إجارتها نفسها إلا بإذنه. وإن أجرت نفسها قبل النكاح صحت ولزمت ".
وإذا كان من حق الزوج أن يمنع زوجته من العمل، والسائلة الكريمة تفهم ذلك، كما يبدو لنا، فمن حقه أن يريح نفسه من عناء المشكلات والمخاصمات، ويشترط ألا يتزوج زوجة من شأنها أن تعمل، وأن يختار امرأة لا تعمل، لتتوفر بوقتها وجهدها على رسالتها الأصلية في بيت زوجها، وتربية أبنائها.
ومن حقك ـ أيضا ـ ألا تقبلي الزوج الذي سيمنعك من العمل الذي ترين أنه مفيد لك، وللناس، ونرجو من الله تعالى أن يأجرك على هذه النية الصالحة التي أشرتِ إليها في سؤالك، ونزيدك ـ أيضا ـ أننا لا نظن أن أمر الخطاب كلهم على ما تذكرين، أنهم يشترطون على الزوجة ألا تعمل العمل الذي تذكرينه.
فإذا قدر ذلك، أو تأخر عنك الخاطب الكفء لأجل عملك هذا، فإننا نسألك سؤالا مهما هنا:
هل من العقل والحكمة أن تبقي هكذا، وتفوتي على نفسك الخاطب الكفء، والزوج المناسب، الذي يبالغ في إكرامك وصيانتك، وردك إلى وظيفتك الطبيعية في البيت من أجل ما ذكرت من تطبيب النساء؟!
هل من المعقول أن يضر المسلم بنفسه، لأمر ليس واجبا عليه، حتى وإن كان محمودا في حد ذاته. مع أن الأعمال الطبية للمرأة لا تكاد تخلو من شيء من المخالفات الشرعية، والاختلاط المحرم، خاصة إذا احتاجت أن تخرج أيضا للوظيفة، أو تكمل دراستها العالية؛ فأنى لها ألا تختلط بالرجال في دارستها، أو عملها؟!
وخلاصة ما ننصحك به هنا:
أن تقدمي واجبك الشرعي، من المحافظة على دينك ونفسك، ومصلحتك الشرعية في القرار في بيتك، والانشغال بزوجك وأولادك؛ فإن تيسر لك الزواج الذي تجمعين فيه بين ما تطمعين فيه من مصلحة علاج النساء , وحفظهن عن الحاجة إلى الأطباء الرجال: فبها ونعمت، وإن لم يتيسر لك ذلك: فقدمي مصلحتك الشرعية والاجتماعية في الزواج المبكر؛ واحذري ـ يا أمة الله ـ أن يطول انتظارك، لغائب لا تدرين متى يجيء؛ فقط عليك بالزوج صاحب الدين، المناسب لك ولحالك. وأما بنات المسلمين، والمريضات المسلمات، فييسر الله لهن من يسد حاجتهن، ويقوم بطبهن.
نسأل الله أن ييسر لك أمرك، ويشرح صدرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/308)
طلقها زوجها مراراً وتزوجت أخاه سرّاً ثم أُجبر على طلاقها ورجعت للأول!
[السُّؤَالُ]
ـ[لديَّ صديقة تعيش هنا في " النرويج " , تزوجت منذ 13 سنة، ولها ثلاث أطفال، زوجها اعتاد على الزنا منذ أن تزوجها، وكان رجلاً لا يعرف الحقوق الزوجية أبداً، فكان يضربها، ويشتمها، ويتلفظ بأقبح الكلمات، فصبرت المرأة، وكانت تقول: " لعل الله يصلحه "، ولكن بدون جدوى، فطلقها مراراً، حتى أصبحت لا تعرف عدد مرات الطلاق، ولكن أهلها كانو يجبرونها على عدم تركه لأنه عيب! ولا يعيرون اهتماما للحرام التي تقع فيه ابنتهم، فبعد تسع سنوات ضاق بها العيش، وانفصلوا لأنه طلَّقها أمام الجميع هذه المرة، فوقعوا في الأمر الواقع – الأهل -، وقبلوا بالطلاق، فبعد مرور العدة تزوجها أخوه الأصغر، وبسرية تامَّة عن الأهل، المشكلة أنه عندما عرف الزوج الأول بالزواج: عمل ما لا يعمله المجنون، إذ أمر - وبشدة - أخاه الأصغر بأن يطلق زوجته إجباريّاً، والثاني لم يكن موافقاً على الطلاق، ولكن ما كان باليد حيلة، وتزوجها زوجها الأول عند أحد الشيوخ الموجودين في " النرويج "، وقال عند عقد القران - أي: عند الشيخ - بأن التي أتزوجها بنت عذراء! وخال البنت كان وكيلاً عليها. الآن هي تذرف بدل الدموع دماً، ولا تريد الزوج الذي أهانها خلال هذه السنين، ولم يعطها حقَّها بأي نوع من الأنواع. هي تسأل فضيلتكم: ما حكم هذا الزواج، والطلاق؟ . أفيدونا، أفادكم الله، وهي تنتظر الجواب بفارغ الصبر، وقد طلبت مني أن أرسل برسالتها إلى أحد الشيوخ بدلاً عنها لأنها لا تجيد الكتابة بالعربيَّة جيِّداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعتب على أهل تلك الزوجة، لسكوتهم على الظلم الذي كان يقع على ابنتهم، وعدم وضع الأمور في نصابها، ولعله السبب الذي جعل الزوج يتسلط على ابنتهم.
ولقبولهم بل ولإرغامهم ابنتهم أن تعيش في الحرام وتعود لزوجها الذي طلقها مراراً كما جاء في السؤال.
ثانياً:
أما بخصوص الزوجة وعلاقتها مع زوجها: فهذا يحتاج إلى استفصال من أصحاب العلاقة مباشرة، فلابد من ذهابها لأحد أهل العلم تشرح له ما جرى بينها وبين زوجيها بالتفصيل، غير أننا نذكر هنا بعض الأحكام التي قد تنطبق عليها بحسب فهمنا لحالها:
1. ذلك الزوج الأول الذي تقول إنه طلقها مراراً: هي أدرى بعدد الطلقات، فإن كان طلقها مرتين: فهو طلاق يملك فيه الرجعة، وأما إن طلقها الثالثة – فما فوق -: فهو طلاق بائن يجعلها أجنبية محرَّمة عليه، لا تحل له إلا أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويكون نكاح رغبة، لا نكاح تحليل.
2. زواجها الثاني ورد في السؤال أنه كان " بسرية تامَّة عن الأهل "، فإن كان المقصود به أهله: فلا إشكال، وإن كان المقصود به أهلها: فالنكاح باطل، ولا تحل به لزوجها الأول ـ إن كان الأول طلقها ثلاثاً ـ لأنه نكاح بلا ولي.
3. وإن كان أهلها على علم بالزواج الثاني، وقد وافق وليها عليه: فهو نكاح صحيح، إلا إذا كان هذا الأخ الأصغر قد تزوجها ليحلها لزوجها الأول، فهو نكاح تحليل، باطل، ولا تحل به لزوجها الأول.
4. طلاق الثاني لها إن كان بإكراه من أخيه فلا يقع، ومعنى الإكراه أنه هدده بالقتل أو الضرب الشديد ونحو ذلك إن لم يطلق.
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله:
"اختلف العلماء في طلاق المكره، فذهب مالك، والشافعي، وأصحابهما، وأحمد، وداود: إلى أن طلاق المكرَه لا يلزم، ولا يقع، ولا يصح، والحجة لهم: قول الله عز وجل: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمن) النحل/ 106، فنفى الكفر باللسان إذا كان القلب مطمئناً بالإيمان، فكذلك الطلاق إذا لم يرده بقلبه، ولم ينوه، ولم يقصده: لم يلزمه.
وروي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس في طلاق المكره: أنه لا يلزم، كما قال ابن عمر، وابن الزبير" انتهى باختصار.
" الاستذكار " (6 / 201، 202) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (99645) أن طلاق المكره لا يقع، فلينظر.
فإن كان الأمر كذلك فهي لا تزال زوجة للأخ الأصغر، وزواج الأكبر منها بعقد جديد زواج باطل، لأنه تزوج امرأة متزوجة بغيره.
5. وإن كان الطلاق قد وقع من غير إكراه، بل بمجرد إلحاح وإحراج، أو كان يمكن للأخ أن يمتنع من طلاقها من غير ضرر يصيبه فالطلاق واقع.
6. رجوعها إلى زوجها الأول بعقد جديد نرى أنه غير صحيح، لأن العقد تم بلا ولي، والولي لا يكون إلا من العصبة، كالأب والأخ والعم، أما الخال فلا ولاية له.
قال ابن قدامة رحمه الله:
ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب , كالأخ من الأم , والخال , وعم الأم , والجد أبي الأم ونحوهم.
نصَّ عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي , وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة.
" المغني " (7 / 13) .
وينظر تفصيل الكلام في الولي في النكاح في جواب السؤال رقم: (2127) .
ثم إن كانت رجعت إلى الأول بدون رضاها، فهذا سبب آخر لعدم صحة هذا النكاح.
وإذا كان زوجها الأول قد طلقها من قبل ثلاثاً، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ونكاحها لأخيه الأصغر إن كان قد تم بلا ولي فهو نكاح غير صحيح، فلا تحل لزوجها الأول.
7. لا يجوز الكذب عند عقد النكاح، بأن توصف المرأة بأنها بكر، وهي ثيب، ولكن هذا لا يؤثر على صحة عقد النكاح إذا كان الزوج يعلم حقيقة الأمر.
هذا ما يمكننا قوله في تلك القضية، ونظراً لكثرة التفصيلات والاحتمالات، فلابد من عرض القضية على رجل من أهل العلم بالتفصيل ليحكم فيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/309)
كلمات في زواج الصغيرة، والدخول بها، عند أهل السنَّة
[السُّؤَالُ]
ـ[سألتني فتاة نصرانية عن " التمتع بالصغيرة " على أنه نقطة سوداء تبين بشاعة الإسلام، وبحثت عن الموضوع فلم أفهم، هل هذا موجود عند أهل السنَّة، أم هو موجود فقط عند الرافضة؟ وأرجو منكم جواباً شافياً يدحض هذا الاتهام وإن كان موجوداً في زمن سابق، ما الفتوى الأخيرة بصدده في زماننا، فلا أتصور نفسي أقوم باستغلال بنت صغيرة جنسيّاً على أنه حلال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثمة أمران يتعلقان بهذه المسألة عند أهل السنَّة، خلط بينهما الروافض، وأعداء الإسلام، فجعلوهما أمراً واحداً، وهما: الزواج بالصغيرة، والدخول بها.
أما المسألة الأولى: وهي الزواج بالصغيرة: فإن عامَّة العلماء على جواز هذا الأمر، وأنه ليس في الشرع سن معينة لنكاح الأنثى، بحيث يمنع الزواج بها قبله.
وقد دلَّ على ذلك: كتاب الله تعالى، وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، مع إجماع أهل العلم عليه.
1. قال تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الطلاق/ من الآية 4.
وهذه الآية واضحة الدلالة على ما نحن في صدده، وفيها بيان عدة المطلَّقة إذا كانت صغيرة لم تَحض.
قال البغوي – رحمه الله -:
(وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ) يعني: الصغار اللائي لم يحضن، فعدتهن أيضاً: ثلاثة أشهر.
" تفسير البغوي " (8 / 152) .
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
" عدة التي لا حيضَ لها، وهى نوعان: صغيرة لا تحيض، وكَبِيرة قد يئست من الحيض، فبيَّن اللهُ سبحانَه عِدَّة النوعين بقوله: (واللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إن ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهر وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ) الطلاق/ 4، أي: فعدتهن كذلك " انتهى.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (5 / 595) .
2. وأما السنَّة:
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً.
رواه البخاري (4840) ومسلم (1422) .
وهذه الصغيرة يزوجها أبوها، لا غيره من الأولياء، على الصحيح من أقوال العلماء، ولا تملك الخيار إذا بلغت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" المرأة لا ينبغي لأحد أن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت ذلك: لم تُجبر على النكاح، إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها، ولا إذن لها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (32 / 39) .
3. وأما الإجماع:
فقد قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
" أجمع العلماء على أن للأب أن يزوِّج ابنته الصغيرة، ولا يشاورها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين، أو سبع سنين، أنكحه إياها أبوها " انتهى.
" الاستذكار " (16 / 49، 50) .
وقال ابن حجر – رحمه الله -: " والبكر الصغيرة يزوِّجها أبوها اتفاقاً، إلا من شذ " انتهى.
" فتح الباري " (9 / 239) .
وأما المسألة الثانية: وهي الدخول بالصغيرة، وهذا الأمر لا يلزم من العقد، فإنه من المعلوم أنه قد تُنكح الكبيرة ولا يلزم من نكاحها الدخول، وأوضح بيان في هذا أنه قد يحصل طلاق بعد العقد وقبل الدخول، وأنه ثمة أحكام لهذه الصورة – وهي تشمل بعمومها: الصغيرة - من إلزامه بنصف المهر إذا سمِّي، وعدم ترتب عدة عليها، وفي الأولى قال تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) البقرة/ من الآية 237، وفي الثانية قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) الأحزاب/ 49.
وعليه: فالصغيرة التي تُنكح لا تُسلَّم لزوجها حتى تكون مؤهلة للوطء، ولا يشترط البلوغ، بل القدرة على تحمل الوطء، ولو حصل دخول عليها، ثم طلقت: فتكون عدتها ثلاثة أشهر، كما سبق بيانه.
وهذه كلمات العلماء في ذلك، وهي ترد على من زعم أنه يمكن للزوج الاستمتاع، أو الدخول بها.
قال النووي – رحمه الله -:
" وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها: فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عُمل به، وإن اختلفا: فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد، ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع، ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها " انتهى.
" شرح مسلم" (9 / 206) .
وانظر في الرد على الرافضة في إباحتهم زواج المتعة: جواب السؤال رقم: (20738) .
ولسنا نظن أن هذا المجادل بالباطل، والذي أورد عليك الشبهة، يعني بالاستمتاع: الاستمتاع من غير زواج: فهذا ليس من شأننا، ولا من ديننا، لا في الكبيرة ولا في الصغيرة، فليسأل الغرب عمن يفعلون ذلك، ويستغلون الصغار، من الذكور والإناث، ويعتدون عليهم في بلاد الفقراء، واسأل عن جيوشهم التي تحمي الفقراء في أفريقيا، ماذا تفعل بهم!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/310)
ترك الزّواج استحياء من النّساء وإزالة الشّهوة الجنسيّة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 18 سنة، لا أريد أن أتزوّج لأنّني خجول جدّا جدّا، وقد تعقدت من النّساء أخجل منهنّ بشكل رهيب جدّا، وأريد أن أزيل الشّهوة الجنسيّة سواء بعمليّة جراحيّة أيضا، أنا أقسمت بالله أن لا أتزوّج هل عليّ إثم إذا لم أتزوّج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوّلاً:
طوبى لك على ما رزقك الله به من هذه الخصلة الحميدة والصّفة الجليلة التي حثّ الشّرع المطهّر على التّحلّي بها، فقد ورد في فضل الحياء أحاديث كثيرة منها: ما رواه عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ) رواه البخاريّ (24) ومسلم (36) .
قال الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (4/29 – 30) : "الحياء: انكسار يكون في القلب، وخجل لفعل ما لا يهتمّ به النّاس، أو ما لا يستحسنه النّاس.
الحياء من الله والحياء من الخلق من الإيمان، الحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله، وأن ينتهي عمّا نهى الله، والحياء من النّاس يوجب للعبد أن يستعمل المروءة، وأن يفعل ما يجمّله ويزيّنه عند النّاس، ويتجنّب ما يدنّسه ويشينه، فالحياء من الإيمان" انتهى.
ومع فضيلة الحياء وأهمّيته، فلا ينبغي أن يكون سببا لترك ما أمر به الإسلام ودعا إليه؛ لأنّ الحياء إنّما يطلب ويُحمد إذا كان معينا على امتثال أوامر الله ورسوله، قال الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) الأحزاب/54:
"فالأمر الشّرعيّ، ولو كان يُتَوَهَّم أنّ في تركه أدبًا وحياء، فإنّ الحزم كلّ الحزم اتّباع الأمر الشّرعيّ، وأن يَجزم أنّ ما خالفه ليس من الأدب في شيء" انتهى. تيسير الكريم الرّحمن (ص 670) .
والانصراف عن الزّواج بالكلّيّة والرّغبة عنه خلاف السّنّة، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فقد روى البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) .
فالنكاح لا ينافى كمال الحياء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، ومع ذلك فقد تزوج صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري (5074) ومسلم (1402) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال: (رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا) .
فلا يجوز إزالة الشهوة سواء كان ذلك بعملية جراحية أو غيرها.
قال في "الفواكه الدواني" (1/137) : "وأما لو استعملت دواء لقطعه (الحيض) أصلا فلا يجوز لها حيث كان يترتب عليه قطع النسل، كما لا يجوز للرجل استعمال ما يقطع نسله أو يقلله" انتهى.
وورد سؤال إلى اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء عن حكم إجراء عمليّة خصي لقطع الشّهوة، فأجابت:
"لا يجوز لك الإقدام على إجراء عمليّة لقطع الخصيتين؛ لنهي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن مظعون عن الاختصاء" انتهى.
فتاوى اللّجنة الدّائمة (18/34) .
وسبق بيان حكم من حرّم النّكاح على نفسه في جواب السؤال رقم (87998) .
ثانياً:
أما اليمين التي حلفتها، فقد حلفت على ترك السّنّة والخير، فالمطلوب منك أن تكفر عن يمينك كفارة يمين، وتتزوج متى يسر الله لك الزواج؛ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: (وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ َيمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (6722) ومسلم (1652) .
وكفارة اليمين هي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وقد سبق بيانها تفصيلا في جواب السؤال رقم (45676) .
ثالثاً:
أما حكم ترك الزّواج، فإنّ الزّواج يختلف حكمه بحسب الإنسان وقدرته المادية والبدنية، ومدى احتياجه له، فتارة يجب، وتارة يستحب، وتارة يكره، وانظر جواب السؤال رقم (36486) .
فالنّصيحة لك أن تصبر ولا تستعجل وتقطع بأنّك لا تستطيع الزّواج، فإنّ لعامل السّنّ تأثيرا كبيرًا فيما أنت فيه من شدّة الحياء، ومع تقدّم السّنّ فإنّه ستخفّ هذه الشّدّة ويكون الأمر في حدود المعتاد، واجتهد أيضا في الدّعاء والتّضرّع إلى الله أن يخفّف عنك، وأن يوفّقك للزّواج السّعيد، ويحسن أيضا لعلاج هذا الأمر استشارة أهل الخبرة والاستفادة من تجاربهم ونصائحهم وإرشاداتهم.
نسأل الله عزّ وجل أن ييسّر أمرك ويوفّقك لكلّ خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/311)
فعل اللواط مع شاب وتاب فهل يجوز له أن يتزوج أخت هذا الشاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف كيف أبدأ بسؤالي، ولكن أتمنى بأن تقبل سؤالي بكل صدر رحب، أنا شاب أبلغ من العمر 25 سنه، وعملت اللواط مع أحد أقربائي قبل 10 أو 11 سنة تقريباً، والحمد لله تبت من هذا الفعل. سؤالي: هل يجوز بأن أتزوج شقيقة الملوط فيه؟ علماً بأنه تقدم والدي لخطبة البنت لي، ولكن خطبة غير رسمية، ووالدي ووالدتي يرغبون بأن أتزوجها، وأنا رافض لهذا السبب. وأرجوا من فضيلتكم بالرد على سؤالي، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن تكون توبتك صادقة، وأن يكون عندك من الندم ما تمتنع معه من معاودة تلك الفاحشة القبيحة، ومن العزم الأكيد ما تجزم به أنه لن يتكرر ذلك الفعل الشنيع، وفاحشة اللواط جريمة كبرى، وعقوبتها القتل، وقد عذَّب الله تعالى قوم لوط بما لم يعذِّب به أحداً من العالَمين، فقد قلب ديارهم عليهم، وخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم.
وانظر أجوبة الأسئلة: (5177) و (27176) و (38622) .
ثانياً:
وأما بخصوص نيتك التزوج بأخت قريبك ذاك الذي فعلتَ معه الفاحشة: فإن فعلك المحرَّم لا يحرِّم عليك الزواج بها، ولا نعلم خلافاً في ذلك بين أهل العلم، وإنما الخلاف بين العلماء هو هل تحل لك أمه وابنته أم لا.
وانظر جواب السؤال رقم: (78597) .
وأما مسألتك هذه فتختلف عما ذكرناه مما وقع فيه اختلاف بين العلماء؛ ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بتحريم النكاح في الصورة التي ذكرتها.
على أننا ـ في واقع الأمر ـ لا ننصحك بذلك، ولا نحبه لك؛ بل من تمام توبتك: أن تقطع كل حبال هذه القاذورة القديمة، وأن تبتعد عن كل شيء يذكرك بها، أو يحتمل أن يردك إليها، ولو يوما ما.
ثم إن علاقة المصاهرة أمرها عظيم، وقد امتن الله تعالى بها على عباده، فقال: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) الفرقان /54.
وهذا الشخص الذي ذكرته سوف يكون من أصهارك، وخالا لأولادك إن شاء الله، ومثل هذه الروابط تحتاج إلى قدر كبير من الاحترام المتبادل بين الطرفين، وهو أمر نشك في وجوده مع هذا الماضي بينكما، وهو أمر لا يمكن نسيانه.
فالخلاصة أنه: من ناحية الحكم الشرعي: فيجوز لك الزواج بهذه الفتاة، غير أننا لا ننصحك به، ولا نحبذه لك، والنساء سواها كثير، وبإمكانك رفض هذا الزواج بألف طريق وطريق، من غير أن تهتك ستر نفسك، أو ستر الطرف المشارك لك.
نسأل الله أن يمن علينا جميعا بالتوبة النصوح، وأن يسترنا في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/312)
تقدم لها خاطب مصاب بالعقم ورفضه أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تقدم لخطبتي رجل مصاب بالعقم، وقد أخبر الطبيب بأنه يحتاج إلى عمليه، ولهذا رفضه أهلي. ما هو رأي الدين في ذلك؟ مع العلم انه أكبر منى بـ 13 سنه، وصاحب خلق ودين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقم عيب من عيوب النكاح على الراجح من قولي العلماء، كما تقدم بيانه في جواب السؤال رقم (121828) .
فيلزم الخاطب بيانه، وللمخطوبة الحق في قبوله أو رفضه، فإن قبلته مع هذا العيب لم يكن لها المطالبة بالفسخ فيما بعد لأجل عدم الولد. وإذا لم تعلم بالعيب ثم تبين لها بعد الزواج كان لها الحق في طلب الفسخ ما لم ترض بالعيب.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب , أن لا يكون عالما بها وقت العقد , ولا يرضى بها بعده , فإن علم بها في العقد , أو بعده فرضي , فلا خيار له. لا نعلم فيه خلافا" انتهى من "المغني" (7/142) .
وحصول الولد نعمة مقصودة في النكاح، فلا ينبغي للمرأة أن تتزوج من عقيم إلا إذا علمت إمكان شفائه وعلاجه.
وإذا كان أهلك يرفضون هذا الخاطب فهم معذورون في ذلك، ولا شك أنهم حريصون على مصلحتك مجتهدون في تحقيق السعادة لك.
فإن رأيت أن هذا الخاطب مناسب لك، لخلقه ودينه وإمكان علاج عقمه، فليس أمامك إلا إقناع أهلك بقبوله، فإن تم ذلك فالحمد لله، وإن أصروا على رأيهم فهم معذورون كما سبق، ولعل الله أن يسوق إليك من هو خير من هذا الخاطب.
ولا يخفى أن النكاح لا يصح إلا بولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2709.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/313)
هل يلزم إخبار الخاطب بأنها استأصلت أحد المبايض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه ابلغ من العمر 29 تقدم لخطبتي شاب بمواصفات أرغبها وأتمناها المشكلة هي أنني قبل 7 أعوام أجريت لي عملية استئصال للمبيض الأيمن بسبب وجود كيس دهني عليه مما أدى إلى حدوث غرغرينة وهي احتباس الدم في الأوردة والشرايين داخل المبيض مما أدى إلى فساده والحمد لله الآن أتمتع بصحة جيدة وقدرة على الإنجاب حسب كلام الطبيب المعالج حيث إن المبيض الآخر يعمل جيدا وعندي إثبات من الطبيب على ذلك ... سؤالي _ هل اخبره بهذه العملية أم لا؟ ارجوا الرد سريعا..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ما حدث لك من استئصال المبيض لا يؤثر على الإنجاب لكون المبيض الآخر يعمل جيدا، فلا يلزم إخبار الخاطب بذلك؛ لأن ضابط العيب الذي يلزم الإخبار به: ما يفوت به مقصود النكاح من المتعة والخدمة والإنجاب، لكن الأولى إخبار الخاطب منعاً لحدوث المشاكل فيما بعد واعتبار الزوج عدم بيان ذلك من الغش له.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصواب أن العيب هو كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولاشك أن مقاصد النكاح منها المتعة، والخدمة، والإنجاب، وهذا من أهم المقاصد، فإذا وجد ما يمنع هذه المقاصد فهو عيب، وعلى هذا فلو وجدته الزوجة عقيما أو وجدها هي عقيما فهو عيب. لو وجدها عمياء فهو عيب؛ لأنه يمنع مقصودين من مقاصد النكاح وهما المتعة والخدمة، ولو وجدها صماء فإنه عيب، وكذلك لو وجدها خرساء فإن ذلك عيب ... ، فالصواب أن العيوب غير معدودة، ولكنها محدودة، فكل ما يفوت به مقصود النكاح، لا كماله فإنه يعتبر عيباً يثبت به الخيار، سواء للزوج أو للزوجة. " انتهى من "الشرح الممتع" (12/220) .
وينظر جواب السؤال رقم 111980 ورقم 43496
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/314)
اتفقت مع طليقها على العودة إليه بعد طلاقها من زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق الزوجة التي ثبت اتصالها بطليقها القديم والاتفاق معه على العودة بعد الخلاص بالطلاق من زوجها الجديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ثبت ذلك ولم يكن مجرد سوء ظن، فلا حرج على زوجها أن يضيق عليها، حتى تفتدي نفسها منه، فتدفع له المهر الذي كان أعطاها، والمصروفات التي تكلفها من أجل الزواج بها، وتتنازل عما بقي من حقوقها كمؤخر الصداق إن كان هناك مؤخر، ثم يطلقها.
قال الله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء/19.
قال السعدي رحمه الله (ص 72) :
"وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها، فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبةً لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل" انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله:
"وقوله: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) أي: لا تُضارّوهن في العِشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقًا من حقوقها عليك، أو شيئًا من ذلك على وجه القهر لها والاضطهاد.
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتُضَاجرهَا حتى تتركه لك وتخالعها.
وقال ابن عباس أيضاً: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد، والله أعلم" انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (1/608) .
ولا حرج عليك أن تأخذ المهر أو أكثر منه أو أقل، لعموم قول الله تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229.
فقوله تعالى: (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) يدل على صحة الخلع بالقليل والكثير.
وهذا ما قال به أئمة الفقه الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) .
وانظر: "المغني" (10/269) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/315)
تفسير قوله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة)
[السُّؤَالُ]
ـ[برجاء التكرم بتفسير الآية رقم 1،2،3 من سورة النور: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) ]ـ
[الْجَوَابُ]
االجواب:
الحمد لله
اختلف المفسرون في دلالة قوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3 على تحريم زواج العفيف من المرأة الزانية حتى تتوب، وتحريم زواج المرأة العفيفة من الرجل الزاني حتى يتوب، وذلك على قولين:
القول الأول: أنها تدل على التحريم: وهو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما نجد ذلك في " المغني " لابن قدامة (7/108) ، وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بالأدلة الكثيرة، انظر " مجموع الفتاوى " (15/315) ، (32/113) ، " إغاثة اللهفان " (1/65) ، وقد سبق في موقعنا اختيار هذا القول في أجوبة الأسئلة الآتية: (85335) و (96460) و (104492) .
ونحوه قول الإمام الشافعي رحمه الله، إلا أن الشافعي قال بأنها منسوخة، وأجاز الزواج من الزاني أو الزانية.
يقول رحمه الله:
" اختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا، والذي يشبهه عندنا - والله أعلم - ما قال ابن المسيب: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) النور/32. فهي من أيامى المسلمين. فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله، وعليه دلائل من الكتاب والسنة " انتهى.
" الأم " (5/158)
القول الثاني: أنها لا تدل على التحريم أصلا: وهو قول أكثر أهل العلم.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك: (الزانية لا ينكحها إلا زان) أي: عاص بزناه، (أو مشرك) لا يعتقد تحريمه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس هذا بالنكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زان أو مشرك. وهذا إسناد صحيح عنه، وقد روي عنه من غير وجه أيضا. وقد روي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وغير واحد، نحو ذلك " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (6/9)
وفي مناقشة هذين القولين الكثير من التدقيق والتحرير، وقد شرح ذلك ووضحه العلامة الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان " (5/417-428) ، ننقل كلامه هنا بشيء من التصرف والاختصار:
" من أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في نفس الآية قرينة دالَّة على عدم صحة ذلك القول، ومن أمثلة ذلك هذه الآية الكريمة.
وإيضاح ذلك: أن العلماء اختلفوا في المراد بالنكاح في هذه الآية:
فقال جماعة: المراد بالنكاح في هذه الآية: الوطء الذي هو نفس الزنى.
وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: إن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح.
قالوا: فلا يجوز لعفيف أن يتزوّج زانية كعكسه، وهذا القول - الذي هو أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج لا الوطء - في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحّته، وتلك القرينة هي ذكر المشرك والمشركة في الآية؛ لأن الزاني المسلم لا يحلّ له نكاح مشركة، لقوله تعالى: (وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) ، وقوله تعالى: (لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ، وقوله تعالى: (وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) وكذلك الزانية المسلمة لا يحلّ لها نكاح المشرك؛ لقوله تعالى: (وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ) ، فنكاح المشركة والمشرك لا يحلّ بحال. وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء، الذي هو الزنى، لا عقد النكاح؛ لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة.
اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف الزانية، ونكاح العفيفة الزاني، فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمّة الثلاثة إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية عند مالك وأصحابه ومن وافقهم، واحتجّ أهل هذا القول بأدلّة:
منها عموم قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ) ، وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة، وعموم قوله تعالى: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) ، وهو شامل بعمومه الزانية أيضًا والعفيفة. ومن أدلّتهم على ذلك: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تردّ يد لامس، قال: (غرّبها) ، قال: أخاف أن تتبعها نفسي؟ قال: (فاستمتع بها) . قال ابن حجر في " بلوغ المرام " في هذا الحديث، بعد أن ساقه باللفظ الذي ذكرنا: رواه أبو داود، والترمذي، والبزار ورجاله ثقات، وأخرجه النسائي من وجه آخر، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، لفظ قال: (طلّقها) ، قال: لا أصبر عنها، قال: (فأمسكها) اهـ من " بلوغ المرام ".
ثم اعلم أن الذين قالوا بجواز تزويج الزانية والزاني أجابوا عن الاستدلال بالآية التي نحن بصددها، وهي قوله تعالى: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، من وجهين:
الأول: أن المراد بالنكاح في الآية هو الوطء الذي هو الزنى بعينه، قالوا: والمراد بالآية تقبيح الزنى وشدّة التنفير منه؛ لأن الزاني لا يطاوعه في زناه من النساء إلا التي هي في غاية الخسّة لكونها مشركة لا ترى حرمة الزنى أو زانية فاجرة خبيثة. وعلى هذا القول فالإشارة في قوله تعالى: (وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) راجعة إلى الوطء الذي هو الزنى، أعاذنا اللَّه وإخواننا المسلمين منه، كعكسه، وعلى هذا القول فلا إشكال في ذكر المشركة والمشرك.
الوجه الثاني: هو قولهم: إن المراد بالنكاح في الآية التزويج، إلا أن هذه الآية التي هي قوله تعالى: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً) الآية منسوخة بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) وممن ذهب إلى نسخها بها: سعيد بن المسيّب، والشافعي.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية: الوطء.
وابن عباس رضي اللَّه عنهما من أعلم الصحابة بتفسير القرءان العظيم، ولا شكّ في علمه باللغة العربية، فقوله في هذه الآية الكريمة بأن النكاح فيها هو الجماع لا العقد يدلّ على أن ذلك جار على الأسلوب العربي الفصيح، فدعوى أن هذا التفسير لا يصحّ في العربية، وأنه قبيح، يردّه قول البحر ابن عباس.
وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: لا يجوز تزويج الزاني لعفيفة ولا عكسه، وهو مذهب الإمام أحمد، وقد روي عن الحسن وقتادة، واستدلّ أهل هذا القول بآيات وأحاديث:
فمن الآيات التي استدلّوا بها هذه الآية التي نحن بصددها، وهي قوله تعالى: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، قالوا: المراد بالنكاح في هذه الآية: التزويج، وقد نصّ اللَّه على تحريمه في قوله: (وَحُرّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) قالوا: والإشارة بقوله: (ذلِكَ) ، راجعة إلى تزويج الزاني بغير الزانية أو المشركة، وهو نصّ قرءاني في تحريم نكاح الزاني العفيفة، كعكسه.
ومن الآيات التي استدلّوا بها قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ) ، قالوا: فقوله: (مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) ، أي: أعِفَّاء غير زناة. ويفهم من مفهوم مخالفة الآية أنه لا يجوز نكاح المسافح الذي هو الزاني لمحصنة مؤمنة، ولا محصنة عفيفة من أهل الكتاب، وقوله تعالى: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) ، فقوله: (مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) ، أي: عفائف غير زانيات، ويفهم من مفهوم مخالفة الآية، أنهن لو كنّ مسافحات غير محصنات، لما جاز تزوّجهن.
ومن أدلّة أهل هذا القول أن جميع الأحاديث الواردة في سبب نزول آية (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) كلّها في عقد النكاح وليس واحد منها في الوطء، والمقرّر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول. وأنه قد جاء في السنّة ما يؤيّد صحّة ما قالوا في الآية، من أن النكاح فيها التزويج، وأن الزاني لا يتزوّج إلا زانية مثله، فقد روى أبو هريرة عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال: (الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله) ، وقال ابن حجر في بلوغ المرام في حديث أبي هريرة هذا: رواه أحمد، وأبو داود ورجاله ثقات.
وأمّا الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية:
فمنها ما رواه عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أُمّ مهزول، كانت تسافح، وتشترط له أن تنفق عليه، قال: فاستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها، فقرأ عليه نبيّ اللَّه: (وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) . رواه أحمد.
ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكّة، وكانت بمكّة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقته، قال: فجئت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّها أنكح عناقًا؟ قال: فسكت عني، فنزلت: (وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) ، فدعاني فقرأها عليّ، وقال: (لا تنكحها) . رواه أبو داود، والنسائي والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه.
قالوا: فهذه الأحاديث وأمثالها تدلّ على أن النكاح في قوله: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، أنه التزويج لا الوطء، وصورة النزول قطعية الدخول؛ كما تقرّر في الأصول.
وقال ابن القيّم في (زاد المعاد) ، ما نصّه: وأمّا نكاح الزانية فقد صرّح اللَّه سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة (النور) ، وأخبر أن من نكحها فهو إما زانٍ أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحان، ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه، ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه، وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه، فقال: (وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) من أضعف ما يقال، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى. إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزنى إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وكلام اللَّه ينبغي أن يصان عن مثل هذا، وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان، وهو العفة، فقال: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها، وليس هذا من دلالة المفهوم، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع، وما عداه فعلى أصل التحريم، انتهى محل الغرض من كلام ابن القيّم.
وهذه الأدلّة التي ذكرنا هي حجج القائلين بمنع تزويج الزاني العفيفة كعكسه، وإذا عرفت أقوال أهل العلم، وأدلّتهم في مسألة نكاح الزانية والزاني، فهذه مناقشة أدلّتهم:
أمّا قول ابن القيم: إن حمل الزنا في الآية على الوطء ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه، فيردّه أن ابن عباس وهو في المعرفة باللغة العربية وبمعاني القرءان صحّ عنه حمل الزنى في الآية على الوطء، ولو كان ذلك ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه لصانه عنه ابن عباس، ولم يقل به ولم يخف عليه أنه ينبغي أن يصان عن مثله.
وقال ابن العربي في تفسير ابن عباس للزنى في الآية بالوطء: هو معنى صحيح. انتهى منه بواسطة نقل القرطبي عنه.
وأمّا قول سعيد بن المسيّب والشافعي، بأن آية: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، منسوخة بقوله: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) فهو مستبعد؛ لأن المقرّر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنه لا يصحّ نسخ الخاص بالعام، وأن الخاص يقضى على العام مطلقًا، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخّر، ومعلوم أن آية (وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ) أعمّ مطلقًا من آية: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً) فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرّر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين، وإنما يجوز ذلك على المقرّر في أصول أبي حنيفة رحمه اللَّه، كما قدمنا إيضاحه في سورة (الأنعام) ، وقد يجاب عن قول سعيد، والشافعي بالنسخ بأنهما فهماه من قرينة في الآية، وهي أنه لم يقيد الأيامى الأحرار بالصلاح، وإنما قيّد بالصلاح في أيامى العبيد والإماء، ولذا قال بعد الآية: (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له:
هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقًا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلّقة بالآية، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج.
ولا أعلم مخرجًا واضحًا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسّف، وهو أن أصحّ الأقوال عند الأصوليين - كما حرّره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان، وعزاه لأجلاّء علماء المذاهب الأربعة - هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوّروا عينه الباصرة وغوّروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضّته.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج، خلافًا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر، كما أشرنا له سابقًا، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه، فيحمل النكاح في الآية على الوطء، وعلى التزويج معًا، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد، وهذا هو نوع التعسّف الذي أشرنا له، والعلم عند اللَّه تعالى.
وأكثر أهل العلم على إباحة تزويج الزانية والمانعون لذلك أقلّ، وقد عرفت أدلّة الجميع.
واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثًا؛ لأنه إنما يتزوّجها ليحفظها، ويحرسها، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعًا باتًّا بأن يراقبها دائمًا، وإذا خرج ترك الأبواب مقفلة دونها، وأوصى بها من يحرسها بعده فهو يستمتع بها، مع شدّة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة، وإن جرى منها شىء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شىء عليه فيه، ولا يكون به ديوثًا، كما هو معلوم.
والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوّج إلا عفيفة صينة، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيّده حديث: (فاظفر بذات الدين تربت بداك) ، والعلم عند اللَّه تعالى " انتهى كلام الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/316)
تبين بالفحص أنه مصاب بعقم قابل للعلاج فهل يخبر مخطوبته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في أثناء فترة الخطوبة سويت فحص ما قبل الزواج فقال لي الطبيب أني عقيم ولكن يوجد علاج لذلك، فهل ممكن لحفظ ماء الوجه أن أعقد بدون إخبار , أو أنه لا بد من الإخبار؟ أرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في العقم هل يعد عيبا في النكاح، على قولين:
الأول: أنه لا يعد عيبا، وهو قول جمهور أهل العلم، إلا الحسن البصري رحمه الله فقد جعله عيبا يوجب الفسخ، واستحب أحمد أن يبين الرجل العقيم أمره قبل الزواج.
القول الثاني: أن كل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، فإنه عيب يوجب الخيار، وهذا ما قرره ابن القيم رحمه الله ودلّل عليه، ووافقه على ذلك بعض أهل العلم المعاصرين ومنهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ورأى أن عدم الإنجاب عيب يوجب الخيار للزوج أو الزوجة.
قال رحمه الله: " والصواب أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولاشك أن من أهم مقاصد النكاح المتعة، والخدمة، والإنجاب، فإذا وجد ما يمنعها فهو عيب، وعلى هذا فلو وجدت الزوج عقيما، أو وجدها هي عقيمة فهو عيب " انتهى من "الشرح الممتع" (12/220) .
وقد سبق بيان أن هذا هو القول الراجح، كما في جواب السؤال رقم 43496.
وسبق في جواب السؤال رقم 111980 أن العيب أو المرض إذا كان عارضا، ويرجى زواله، أنه لا يلزم الإخبار به.
ولكن ... نظراً لخطورة هذا الأمر [وهو عدم الإنجاب] ، وحصول الأولاد مقصد أساسي من مقاصد النكاح، فلابد من المصارحة، وإخبارهم، بواقع الأمر.
وينبغي أن يعتبر الإنسان بنفسه، فإن كان لا يرضى من زوجته أن تكتم عنه هذا العيب، فالذي ينبغي أن يكون هو الآخر صريحا، فلا يكتمه عنها، فليعامل الرجل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/317)
هل صغر الثديين وشيب الشعر من العيوب التي يلزم بيانها للخاطب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صغر حجم الثديين وشيب الشعر من العيوب التي يجب أن تبين للخاطب حتى لا يكون غشا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الراجح من كلام أهل العلم أن كل عيب ينفر منه أحد الزوجين، أو يلحق به مضرة، أو يفوت به مقصود النكاح، أنه يلزم بيانه.
قال ابن القيم رحمه الله: " والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " انتهى من "زاد المعاد" (5/166) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصواب أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولاشك أن من أهم مقاصد النكاح المتعة، والخدمة، والإنجاب، فإذا وجد ما يمنعها فهو عيب، وعلى هذا فلو وجدت الزوج عقيما، أو وجدها هي عقيمة فهو عيب " انتهى من "الشرح الممتع" (12/220) .
وسبق في جواب السؤال رقم 111980 أن ذلك ينضبط بثلاثة أمور:
1. أن يكون المرض مؤثِّراً على الحياة الزوجية، ومؤثراً على قيامها بحقوق الزوج والأولاد.
2. أو يكون منفِّراً للزوج بمنظره أو رائحته.
3. وأن يكون حقيقيّاً، ودائماً، لا وهماً متخيلاً، ولا طارئاً، يزول مع المدة، أو بعد الزواج.
وعليه، فإن كان صغر الثديين مما يعدّه الرائي عيبا أو منفرا للزوج، لزم بيانه للخاطب، وإلا فلا.
والشيب إن كان كثيرا لزم بيانه؛ لأن كثرته توجب نفرة الزوج، وتشعره بغش الزوجة وخداعها له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/318)
حكم من يقول: إن فقر المسلمين بسبب كثرة النسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في رأيكم فيمن يقول: إن فقر المسلمين وضعفهم وتخلفهم في هذا العصر نتيجة للانفجار السكاني وكثرة النسل بنسبة تفوق التقدم الاقتصاد؟ وما نصيحتكم لمن يعتقد ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"رأينا أن رأيه خطأ، وذلك لأن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وليست العلة كثرة السكان، لأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ولكن الله عز وجل يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة.
ونصيحتي لمن يعتقد هذه العقيدة أن يتقي الله عز وجل، وأن يدع هذا الاعتقاد الباطل، وأن يعلم أن العالم مهما كثروا فإن الله تعالى لو شاء لبسط لهم الرزق، ولكن الله قال في كتابه: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى/27.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" ص 1084.
ولا شك أن الدعوة إلى تحديد النسل أو تقليله، مصادمة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) رواه أبو داود (2050) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1784) .
فالذي يسعى إلى تقليل النسل، ويدعو إلى ذلك، يريد أن لا يباهي النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء يوم القيامة بكثرة أتباعه.
وقد ضمن الله تعالى لجميع المخلوقات رزقها، فقال: (ومَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) هود/6.
فمحاربة الزيادة السكانية ـ سواء كان ذلك بفرض وسائل منع الحمل أو بالإجهاض أو بغير ذلك ـ باعتقاد أن الموارد لا تكفي الزيادة السكانية، وأن مصلحة البشر تقتضي الإقلال من زيادة نموهم، إن ذلك إعلان لإنكار ربوبية الله للخلق، وسعة رزقه، وهو شبيه باعتقاد المشركين، الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/151، وقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) الإسراء/31.
وكثرة الأمة نعمة من نعم الله تعالى التي يستحق أن يشكر عليها، ويعبد وحده، ولهذا ذكر الله تعالى أن نبيه شعيباً عليه السلام ذكَّر قومه ببعض نعم الله عليهم، فقال: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) الأعراف/86.
وكثرة الأمة من أسباب عزتها وانتصارها على أعدائها، ولهذا قال الله تعالى عن بني إسرائيل: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) الإسراء/7.
وفي دراسة مستقبلية عن مصر قال الدكتور محمد سيد غلاب: "إن الزيادة السكانية لم تكن أبداً عبئاً، ولا يصح أن تعتبر كذلك في القرن القادم؛ فهي التي مكنت مصر من التقدم في كل العصور".
وفي دراسة أخرى: يشير الدكتور مصطفى الفقي إلى أن من أهم العوامل المؤثرة في دور مصر عربيّاً: "اعتبار مصر مستودع الثروة البشرية".
ويقول الأستاذ خورشيد أحمد الخبير الاقتصادي: "القوة الغالبة لا تكون في المستقبل إلا للبلاد التي تتمتع بزيادة السكان، وتتحلى في الوقت ذاته بالعلوم الفنية، فليس ثمة شيء يستطيع أن يحتفظ لأمم الغرب بسيادتها وقيادتها العالمية سوى أن تعمل على نشر حركة تحديد النسل ومنع الحمل في بلاد آسيا وإفريقيا؛ لأجل هذا: فإن البلاد الغربية تعمل اليوم وسعها لزيادة سكانها، ولكنها في الوقت نفسه تستعين بأحسن ما عندها من أساليب الدعاية لتعميم حركة تحديد النسل في البلاد الآسيوية والإفريقية".
ويقول أيضاً: "وما أصْدَق الأستاذ (أورجانسكي) [مفكر أمريكي] في قوله: (وفي المستقبل، إنما تكون القوة أكثر عند المعسكر الذي يكون عنده الأفراد أكثر) ".
ويقول أيضاً: "مما لا يخفى على طالبٍ لعلم التاريخ: أن تعدد السكان له أهمية سياسية جذرية، ولذا: فإن كل حضارة أو قوة عالمية قد أولت جل اهتمامها إلى زيادة أفرادها في عصرها الإنشائي والتعميري، ولذا: فإن المؤرخ المعروف الأستاذ (ويل ديورانت) يعد كثرة السكان من أهم أسباب التقدم المدني، وأيضاً يعدها الأستاذ (آرنولد توينبي) من تلك التحديات الأساسية التي ردّاً عليها يخرج إلى عالم الوجود تقدم أي حضارة إنسانية".
وحتى لا يفهم الكلام خطأ، فليست زيادة السكان وحدها هي الكفيلة بالتقدم والحضارة، والانتصار على الأعداء، بل هي سبب رئيس لذلك، ولكنه ليس السبب الوحيد، بل لا بد أن يواكب ذلك: تعليم قوي، وتربية صحيحة، وشيوع العدل والأمان في المجتمع، ومحاربة الفساد، وقبل كل ذلك: الإيمان والتقوى، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف/96.
وقد تعالت صيحات أعداء الإسلام محذرةً من كثرة أعداد المسلمين، وأن ذلك من أعظم الخطر عليهم.
ففي كتاب "تحولات في جغرافية الشرق الأوسط" لمؤلفه البروفيسور أرنون سوفير 1984م، وهو من الكتب الدراسية في الدولة اليهودية، ويعتبر مرجعاً للجهات المختصة هناك، يرى الكاتب أن الزيادة السكانية العالية في مصر تقلق إسرائيل، لإمكانية إقامة جيش قوي.
وقد نشرت صحيفة (الديلي تلغراف) في 19 /1/1988 مقالاً بعنوان (القنبلة السكانية المؤقتة في حوض المتوسط) تناول فيه كاتبه هذه القضية التي تقض مضاجع الغرب وهي الزيادة السكانية الكبيرة في الدول التي تقع شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتراجعها في الدول التي تقع شماله. ونقل المقال عن تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة: أن ثلثي سكان البحر الأبيض المتوسط في الخمسينات كانوا أوربيين منتشرين في الدول الممتدة من مضيق جبل طارق إلى مضيق البوسفور، غير أن هذه الصورة ستنعكس بحلول عام (2025) وسيصبح البحر المتوسط بحراً إسلامياً، إن لم يكن عربياً.
فهذا المقال يشير بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الذي يشجع قضايا تحديد النسل والحد من الزيادة السكانية بين المسلمين، وتشجيع الدعوات العاملة على ذلك تحت شعارات كثيرة مثل: (تنظيم الأسرة) ، (تنظيم المجتمع) ، (تخطيط الأسرة) إلى غير ذلك من الشعارات الكثيرة.. نقول: إن الذي يشجع على ذلك إنما يخدمون أعداء الإسلام والمسلمين، ويعملون لمصلحتهم، علموا ذلك أو جهلوه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وأما القول بتحديد النسل فهذا لا شك أنه من دسائس أعداء المسلمين يريدون من المسلمين ألا يكثروا؛ لأنهم إذا كثروا أرعبوهم، واستغنوا بأنفسهم عنهم: حرثوا الأرض، وشغَّلوا التجارة، وحصل بذلك ارتفاع للاقتصاد، وغير ذلك من المصالح؛ فإذا بقوا مستحسرين قليلين صاروا أذلة، وصاروا محتاجين لغيرهم في كل شيء" انتهى.
"تفسير سورة البقرة" (2/88) .
وأخيرا ... إننا في حاجة إلى زيادة النسل مع أسلمة خطط التنمية، وأسلمة الأنظمة، وأسلمة القوانين، مع الاستفادة من العلوم الحديثة.
ولمزيد الفائدة، ينظر كتاب: "حركة تحديد النسل" أبو الأعلى المودودي ص (178-186) ، "مجلة البيان" عدد (11، 107، 191) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/319)
حكم زواج المعاق ذهنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[الإنسان المعاق ذهنيا هل يصح له الزواج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز تزويج المعاق ذهنيا مهما كانت إعاقته ولو صلت إلى حالة الجنون أو فقدان العقل، وذلك لدفع ضرر الشهوة عنه أو عنها، وصيانته عن الفجور، وتحصيل الرعاية والخدمة، وغير ذلك من الأغراض المباحة، لكن إذا كان المعاق مجنونا، فليس له أن يعقد النكاح بنفسه، بل يزوجه وليه، وأما المرأة فلا تزوج نفسها ولو كانت عاقلة، بل يزوجها وليها.
وأما المعاق الذي يعقل، أو يفيق أحيانا، فإنه لا يجبره أحد على الزواج، بل يزوج نفسه.
ويشترط لهذا النكاح – إضافة لشروط النكاح المعروفة - أمران:
الأول: إخبار الطرف الآخر بالإعاقة، لأنها عيب فلا يجوز كتمانه.
الثاني: أن يكون المعاق مأمونا لا يعرف بالعدوانية والإفساد؛ لدفع الضرر عن الطرف الآخر.
وقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/252) : " أما الصغير والمجنون فلا ولاية لهما على أنفسهما، وإنما يزوجهما الولي أبا أو جدا، أو الوصي عليهما. ولا يجوز للصغير والمجنون مباشرة عقد النكاح؛ لعدم أهليتهما ...
والولاية على الصغير والمجنون ولاية إجبار، فيجوز للولي تزويجهما، بدون إذنهما، إذا كان في ذلك مصلحة. وهذا بلا خلاف " انتهى.
وقال الشيخ هاني بن عبد الله الجبير - القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة-: " أما المتخلف عقلياً وصاحب الإعاقة التي تزيل العقل، فالمصاب بها حكمه حكم المجنون، والمجنون يجوز له الزواج، لكن يشترط في زواجه مع شروط الزواج المعلومة شروط أخرى هي:
أ- إطلاع الطرف الآخر على حاله ومعرفته بوضعه تماماً، فإن عدم إطلاعه غش له وخيانة محرمة.
ب- ألا يكون الطرف الآخر مجنوناً ولا زائل العقل، بل يتزوج المتخلف عقلياً امرأة سليمة العقل، وتتزوج المتخلفة عقلياً برجل سليم العقل، وسبب ذلك أن اجتماع زائلي العقل لا يحقق أي مصلحة، وهو مع ذلك سبب لضرر بينهما كما هو ظاهر.
ج- أن يكون سقيم العقل منهما مأموناً، أما الذي يتصف بالعدوانية بالضرب أو الإفساد فلا يجوز له الزواج؛ لأن زواجه سبب لحصول الضرر، والضرر مرفوع في الشريعة الإسلامية.
د- وآخر الشروط أن يرضى أولياء المرأة بهذا الزواج؛ لأن فيه ضرراً قد يلحقهم.
هذه شروط زواج المعاق المتخلف حسبما استقرأه الفقهاء من نصوص الشرع وقواعده، وهي -كما هو ظاهر- محققة للمصلحة، مانعة للمفسدة، يتضح بها تحقق الشرعية لمصالح العباد واحتياجاتهم. والله الموفق ".
وقال: " في زواج المعاق أياً كانت نوعية إعاقته تحقيق لمصلحة مهمة، وهي أن يوجد للسقيم منهما من يعتني به، ويقوم بشؤونه، ويهتم به، فإن عقد النكاح في الإسلام يهدف إلى ما هو أكبر من مجرد الاستمتاع، الذي هو من مقاصد النكاح المهمة، بل يراد معه أيضاً تحقيق الرعاية والتكافل والتراحم بين الزوجين: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم/21.
والذي يزوج سقيم العقل وليه؛ لأنه هو الراعي لمصلحته، وهذا من محاسن الشرع أن أسندت الولاية إلى بعض أقارب الصغير والمجنون، ومن في معناهم؛ لعدم قدرتهم على إدارة شؤونهم، ولا تصريف أحوالهم، ورعاية المعاق فرض كفاية على المجتمع لمساعدته ليعود عضواً فعالاً في المجتمع، وليتخلص من الآثار النفسية التي قد تنشأ عنده ".
انتهى من "موقع الإسلام اليوم".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/320)
حكم منع الإنجاب بعد الأربعين خوفا من ولادة جنين معاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن تمنع المرأة نفسها من الإنجاب بعد سن الأربعين، وذلك لأن العلم الحديث أثبت أن حمل المرأة بعد هذه السن يكون عرضة لإنجاب طفل معاق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمل فوق سن الخامسة والثلاثين يعد طبياً من الحمل الخطر؛ ففي هذه المرحلة العمرية يزداد معدل إصابة المرأة بمضاعفات الحمل، سواء كانت مضاعفات طبية، أو مضاعفات أثناء الولادة، كما يزداد معدل إصابة الجنين بالأمراض الوراثية وغيرها من الأمراض.
انظر: Chervenak JL and Kardon NB (1991) : Advancing maternal age: the actual risks.Female patient. Nov;16 (11) :17-24) .
ومع كل عام يمر من عمر المرأة، يزداد معدل الخطورة، حتى تصل معدلات الخطورة إلى الحد الأقصى بعد سن الخمسين.
انظر: Donoso E and Carvajal JA (2008) : Maternal, perinatal and infant outcome of spontaneous pregnancy in the sixth decade of life. Maturitas. May 13.
ومن مضاعفات الحمل التي تزداد مع تأخر سن الحمل: ارتفاع ضغط الدم المصاحب للحمل والسكر , فحوالي 6 % من النساء فوق سن الخامسة والثلاثين يعانين من هذه المضاعفات مقارنة بنسبة 1.3 % في النساء في المراحل العمرية الأقل. وهذا ما أكدته عدة دراسات إكلينيكية منها:
(Jacobsson B, Ladfors L, Milsom I: Advanced maternal age and adverse perinatal outcome. Obstet Gynecol. 2004 Oct;104 (4) :727-33.)
(Jane Cleary-Goldman, Fergal D. Malone, John Vidaver,et.al.: Impact of Maternal Age on Obstetric Outcome. Obstetrics & Gynecology 2005;105:983-990. 2005 by The American College of Obstetricians and Gynecologists)
كما تزداد النسبة بشكل ملحوظ بعد سن الخمسين. انظر:
Hamisu M. Salihu, M. Nicole Shumpert, Martha Slay,et al. (2003) : Childbearing Beyond Maternal Age 50 and Fetal Outcomes in the United States. Obstetrics & Gynecology;102:1006-1014
هذا بالاضافة إلى زيادة نسبة الحالات التي تحتاج إلى دخول المستشفى أثناء الحمل: حيث بلغت 63% فوق سن الخمسين مقارنة 22% في الأعمار الأقل. انظر:
Michal J. Simchen, Yoav Yinon, Orit Moran, et al (2006) : Pregnancy Outcome After Age 50.Obstetrics & Gynecology;108:1084-1088.
مشاكل الولادة:
تقدم عمر الأم يعتبر عاملاً في إضعاف فرص الولادة الطبيعية، وارتفاع فرص الولادة القيصرية؛ ففي إحدى الدراسات: بلغت نسبة الولادة القيصرية والتدخلات الأخرى (كاستخدام جفت الولادة Obstetrical forceps مثلاً) فى النساء فوق سن الأربعين 61% , مقارنة بنسبة 35 % فى الأعمار الأقل. انظر:
WILLIAM M. GILBERT, THOMAS S. NESBITT, and BEATE DANIELSEN (1999) : Childbearing Beyond Age 40: Pregnancy Outcome in 24,032 Cases.Obstetrics & Gynecology;93: 9-14.
وأما المشكلات التي تواجه جنين الحمل بعد الأربعين، فمنها:
- زيادة معدل الإصابة بمرض الطفل المنغولي (Down Syndrome) :
فمع كل عام يمر في عمر المرأة يزداد معدل الإصابة بهذا المرض (1) ، وتشير الإحصائيات الحديثة إلى أن المرأة فوق سن الأربعين يصل معدل الإصابة بمرض الطفل المنغولي في أولادها إلى تسعة أضعاف المرأة تحت سن الثلاثين.
حيث بلغ معدل الإصابة للمرأة فوق الأربعين أقل من 1 % , بينما فوق الخمسة والأربعين بلغ 3 %، ولكن إلى الآن لم يتبين بعد العوامل التي تؤدي إلى زيادة نسبة هذا المرض مع ارتفاع سن الأم. انظر:
Yana Mikheeva: Pregnancy After 35 Years: www. Safepregnancy.com) -
- McNally RJ, Rankin J, Shirley MD, et al. (2008) : Space-time analysis of Down syndrome: results consistent with transient pre-disposing contagious agent. Int J Epidemiol. May 8.
هذا بالإضافة إلى تزايد فرص الإصابة ببعض الأمراض الوراثية الأخرى، والمشكلات الطبية، التي تواجه كلاً من الجنين والأم في وقت واحد، والتي يمكن الوقوف عليها من خلال الدراسات الطبية المتخصصة، والتي أشرنا هنا إلى بعض منها.
لكن السؤال الذي يجدر بنا الانتباه له الآن هو: ماذا تعنى هذه الأرقام؟
هل تعنى هذه الإحصائيات امتناع النساء عن الحمل في هذه المرحلة العمرية؟
قبل الجواب عن ذلك نشير هنا إلى أنه كان من المتعارف عليه قديماً بين أطباء أمراض النساء والتوليد أن أفضل الفترات العمرية للحمل هي بين 20-30 عاما , وبين 30-34 محتمل النتائج , وغير مرغوب فيه بين 34-39 , ومن الواجب اجتنابه فوق سن الأربعين.
ولكن هذه النظرة القديمة تغيرت كثيرا الآن، مع تقدم الوسائل الطبية المختلفة، خاصة وسائل متابعة الحمل، والاكتشاف المبكر للأمراض المختلفة.
والواقع العملي يشهد بهذا؛ حيث تشير الإحصائيات الغربية إلى ارتفاع سن الحمل في الغرب إلى ما فوق سن الثلاثين، وهذا يرجع في الواقع إلى عدة عوامل منها: تأخر سن الزواج، واهتمام المرأة المبالغ فيه بعملها، وزيادة الفترة بين بداية الزواج وأول حمل، بالإضافة إلى زيادة حالات الطلاق. انظر:
Francis HH (1985) : Delayed childbearing. IPPF Med Bull. Jun;19 (3) :3-4.-
ولهذا اتجهت الأنظار حالياً إلى مناقشة هذا الأمر الهام: هل تخاطر المرأة وتقدم على الإنجاب في هذه السن؟
وقد تكفل لنا بالإجابة عن هذا السؤال كل من: Chervenak JL و Kardon NB
ففي الدراسة التي أجرياها: تبين أن معدل الحمل فوق سن الثلاثين ـ في الغرب عموماً ـ في ارتفاع مطرد.
وفى ختام هذا البحث بعد استعراض كافة جوانب الخطر للحمل في هذه المرحلة العمرية، قالا بالحرف الواحد:
" وعلى الرغم من الارتفاع الطفيف في معدلات الخطورة , فلا ينبغي للنساء فوق سن الخامسة والثلاثين أن يجعلن من ارتفاع أعمارهن عائقاً أمام قرارهن بالإنجاب، وعلى أطباء التوليد اتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعة الحمل ". اهـ
- Chervenak JL and Kardon NB (1991) : Advancing maternal age: the actual
risks.Female patient. Nov;16 (11) :17-24) .
[المادة الطبية المشار إليها هنا أعدها للموقع د. (طبيب) محمد فرحات.]
وبناء على ما سبق يمكننا أن نقول إن الخطورة المتوقعة من الحمل بعد الخامسة والثلاثين، أو حتى بعد الأربعين، ليست بالصورة التي نتصورها: هاجساً مقلقاً لكل حامل في هذه السن، خاصة بعد التقدم الطبي والتقني الملموس؛ فحسب آخر الدراسات، أن كل ما يتطلبه منا الأمر: ازدياد الرعاية والمتابعة الطبية، بما لا يمنع من أصل الإنجاب.
فإذا كانت هناك حالة معينة لها خصوصيتها، أو لها تخوفاتها الخاصة، أو حالتها الطبية الخاصة، التي تزيد الأمر صعوبة، فلا مانع من أن تتريث في قرار الحمل والإنجاب لأجل هذه الظروف، أو الامتناع منه لأجل خصوصية الحالة، حسب ما يراه الزوجان من المصلحة.
جاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي: "إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء، والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب، والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها:
قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.
ثانياً: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل، أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام، أو التعقيم، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.
ثالثاً: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين، عن تشاور بينهما وتراضٍ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم" انتهى من "مجلة مجمع الفقه" العدد 5 ج 1 ص 748.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/321)
حكم زواج " الخنثى " و " العاجز جنسيّاً "، والفرق بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[يريد خطبتي شخص عاجز جنسيّاً، ويقول إنه " خنثى "، وبصراحة أنا لم أفهم هذه الكلمة، فهل أقبل به أم لا؟ مع العلم أني تعرضت في صغري لحادث، ولا أعرف إذا أنا بكر أو لا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
1. الخنثى في اللغة: الذي لا يخلُص لذكر ولا أنثى، أو الذي له ما للرجال والنساء جميعا، مأخوذ من الخنث، وهو اللين والتكسر، يقال: خنثت الشيء فتخنث، أي: عطفته فتعطف، والاسم الخنث.
وفي الاصطلاح: من له آلتا الرجال والنساء، أو من ليس له شيء منهما أصلا، وله ثقب يخرج منه البول.
2. المخنَّث بفتح النون: هو الذي يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والحركة ونحو ذلك، وهو ضربان:
أحدهما: من خُلق كذلك، فهذا لا إثم عليه.
والثاني: من لم يكن كذلك خلقة، بل يتشبه بالنساء في حركاتهن وكلامهن، فهذا هو الذي جاءت الأحاديث الصحيحة بلعنه. فالمخنث لا خفاء في ذكوريته بخلاف الخنثى.
3. ينقسم الخنثى إلى مُشكِل وغير مُشكِل:
أ. الخنثى غير المشكل:
من يتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة، فيعلم أنه رجل، أو امرأة، فهذا ليس بمشكل، وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة، أو امرأة فيها خلقة زائدة، وحكمه في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه.
ب. الخنثى المشكل:
هو من لا يتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة، ولا يعلم أنه رجل أو امرأة، أو تعارضت فيه العلامات.
فتحصل من هذا أن المشكل نوعان:
نوع له آلتان، واستوت فيه العلامات، ونوع ليس له واحدة من الآلتين وإنما له ثقب.
4. ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخنثى قبل البلوغ إن بال من الذكَر: فغلام، وإن بال من الفرج: فأنثى.
وأما بعد البلوغ فيتبين أمره بأحد الأسباب الآتية:
إن خرجت لحيته، أو أمنى بالذكر، أو أحبل امرأة، أو وصل إليها: فرجُل، وكذلك ظهور الشجاعة والفروسية، ومصابرة العدو دليل على رجوليته كما ذكره السيوطي نقلا عن الإسنوي.
وإن ظهر له ثدي ونزل منه لبن أو حاض، أو أمكن وطؤه: فامرأة، وأما الولادة فهي تفيد القطع بأنوثته، وتقدم على جميع العلامات المعارضة لها.
وأما الميل: فإنه يستدل به عند العجز عن الإمارات السابقة، فإن مال إلى الرجال فامرأة، وإن مال إلى النساء فرجل، وإن قال أميل إليهما ميلا واحدا، أو لا أميل إلى واحد منهما فمشكل.
قال السيوطي: وحيث أطلق الخنثى في الفقه، فالمراد به المشكل.
انتهى باختصار من " الموسوعة الفقهية " (20 / 21 – 23) .
ثانياً:
الخنثى – ونعني به الخنثى المشكل - له آلة ذكر وآلة أنثى، وهو نوعان: نوع لا يجزم بترجيح كونه من أحد الجنسين، ونوع يُعلم ذلك، ومن العلامات: الميل، فإن كان ميله لأنثى فهو رجل، وإن كان ميله لرجل فهو أنثى.
والعاجز جنسيّاً هو رجل يملك آلة الذكورة لكن لعلة مرضية، أو نفسية، أو عصبية، أو غيرها من الأسباب لا يقوى على الجماع، وبالتالي لن يكون منه جماع، ولا متعة، ولا إنجاب.
وبه يتبين أنه ليس كل عاجز جنسيا خنثى، فقد يكون عاجزا جنسيا لعلة مرضية، لا علاقة لها بالتخنث، وقد يكون خنثى، غير أنه قادر جنسيا على الوطء ونحوه.
أ. أما بخصوص زواج " الخنثى ": فإن كان " غير مشكل ": فبحسب حاله يزوَّج من الجنس الآخر، وإن كان " مشكِلاً ": فإنه لا يصح تزوجه، والسبب: أنه محتمل أن يكون ذَكراً فكيف يتزوج ذكراً؟! ويحتمل أن يكون أنثى فكيف يتزوج أنثى مثله؟! فإن مال إلى أنثى وادَّعى أنه رجل: كان ذلك علامة على ترجيح ذكوريته، وكذا العكس.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ولا يخلو الخنثى من أن يكون مشكلاً، أو غير مشكل: فإن لم يكن مشكلاً، بأن تظهر فيه علامات الرجال: فهو رجل له أحكام الرجال، أو تظهر فيه علامات النساء: فهو امرأة له أحكامهن، وإن كان مشكلاً فلم تظهر فيه علامات الرجال ولا النساء: فاختلف أصحابنا في نكاحه، فذكر الخرقي أنه يرجع إلى قوله، فإن ذكر أنه رجل، وأنه يميل طبعه إلى نكاح النساء: فله نكاحهن، وإن ذكر أنه امرأة يميل طبعه إلى الرجال: زوِّج رجلاً؛ لأنه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته، وليس فيه إيجاب حق على غيره، فقُبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في حيضها، وعدتها، وقد يَعرف نفسه يميل طبعه إلى أحد الصنفين، وشهوته له؛ فإن الله تعالى أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى، وميلها إليه، وهذا الميل أمر في النفس والشهوة لا يطلع عليه غيره، وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة، فرُجع فيه إلى الأمور الباطنة فيما يختص هو بحكمه.
" المغني " (7 / 619) .
والقول بأن الخنثى المشكل لا يصح تزوجه: هو قول جمهور العلماء، وماذا يفعل ـ إذاً ـ إن كان له ميل إلى الشهوة؟ الجواب: أن نقول له: اصبر، حتى يغير الله من حالك إلى حال أحسن منه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
و" الخنثى المشكل " في باب النكاح: مَن له آلة ذكر، وآلة أنثى، أي: له عضو ذكر، وفرج أنثى، ولم يتبين أهو ذكر أو أنثى، بأن كان يبول منهما جميعاً، ولم يحصل له شيء يميزه، أذكر هو أو أنثى، فهذا لا يصح أن يتزوج، فل يتزوج أنثى، ولا يتزوج ذكراً، لا يتزوج أنثى لاحتمال أن يكون أنثى، والأنثى لا تتزوج الأنثى، ولا يتزوج ذكراً لاحتمال أن يكون ذكراً، والذكر لا يتزوج الذكر، فيبقى هكذا لا يتزوج إلى أن يتبين أمره، فإذا تبين أمره: فإن كان من الذكور: تزوج الإناث، وإن كان من الإناث: تزوجه الذكور، فهذا حرام إلى أَمَد، حتى يتبين أمره.
" الشرح الممتع " (12 / 160) .
وقال الشيخ – رحمه الله – متمماً -:
وإذا كان له شهوة، وهو الآن ممنوع شرعاً من النكاح، فماذا يصنع؟ نقول له: الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ، فنقول له: صم، فإذا قال: لا أستطيع الصوم: فإنه يمكن أن يعطى من الأدوية ما يهون عليه الأمر، وهو أحسن من قولنا: أخرج المني بطرق غير مشروعة.
" الشرح الممتع " (12 / 161) .
ب. وأما بخصوص زواج " العاجز جنسيّاً ": فليس في الشرع ما يمنع منه، ولكن لا بدَّ أن يبين لمن يريد التزوج بها حقيقة حاله، وإلا أثم، وكان لها حق فسخ النكاح؛ لأن المتعة والولد مقصودان عظيمان من الزواج، وهما من الحقوق المشتركة بين الزوجين.
وفي " الموسوعة الفقهية " (31 / 16) :
العُنَّة: عيب يجعل للزوجة الخيار في طلب الفرقة عن زوجها، بعد إمهال الزوج سنَة، عند جمهور الفقهاء.
واختار جماعة من الحنابلة، منهم أبو بكر، والمجد – أي: جد ابن تيمية - أن لها الفسخ في الحال.
واستدل الجمهور بما روي أن عمر رضي الله عنه أجل العنِّين سنَة؛ ولأن مقصود الزوجة أن تستعف بالزواج، وتحصل به صفة الإحصان لنفسها، وفوات المقصود بالعقد أصلا يثبت للعاقد حق رفع العقد، وقد أجمعوا على ثبوت الخيار في البيع بالعيوب لفوات مالية يسيرة، ففوات مقصود النكاح أولى. انتهى.
ولكن قد ترضى امرأة لا شهوة لها، لمرَض، أو كبَر سنٍّ، فما المانع من أن يتزوجها للخدمة، والأنس، والنفقة، والحماية، وغير ذلك من مقاصد النكاح الأخرى؟ .
قال الشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان الحنبلي – رحمه الله -:
ويباح - أي: الزواج - لمن لا شهوة له، كالعنِّين، والكبير؛ لعدم منع الشرع منه.
" منار السبيل " (2 / 91) .
والعنِّين هو: العاجز عن الوطء، وربما اشتهاه، ولكن لا يستطيعه.
ويسقط حق الزوجة بالفسخ إن علمت بضعف زوجها الجنسي ورضيت بالبقاء معه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله:
قوله: " ولو قالت في وقت: رضيت به عنيناً: سقط خيارها أبداً "، كامرأة رضيت بزوجها عنيناً، ثم أصابها ما يصيب النساء من شهوة النكاح، فأرادت أن تفسخ: نقول: لا خيار لكِ، فإن قالت: ذاك الوقت أنا معجبة به وراضية، لكن طالت المدة، وأنا الآن لا أريده، فنقول: لا خيار لك؛ لأن التفريط منك.
" الشرح الممتع " (12 / 211) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (102553) و (10620) .
والخلاصة: أن الخنثى: إن كان لا يُدر في حقيقة الأمر: أذكر هو أم أنثى، لم يجز تزويجه، وإن كان قد تبين من حاله أنه ذكر: فالزواج به صحيح، على أنه ينبغي في مثل هذه الحال أن يستعان برأي طبيب ثقة، متخصص في الباب: علم الوراثة، أو نحو ذلك، ليبين حاله، ومدى إمكان الزواج به.
وأما الضعيف جنسيا، أو حتى العاجز: فالزواج به صحيح، لكن يجب عليه بيان حاله قبل الزواج، فإن تبين حاله: صح الزواج به، لمن علم أنه يمكنه عشرته على ذلك، كأن تكون هي الأخرى لا شهوة لها في الرجال، وأما فتاة شابة، ترغب في الزواج، كما يرغب مثلها، فلا ننصحها بالإقدام على ذلك، لأنها قد تظن في نفسها الصبر على مثل ذلك، ثم لا تصبر، وقد تفكر في الحرام، عياذا بالله، لتعويض ما فاتها.
وأيا ما كان أمره: فالذي ننصحك به ألا تقدمي على المخاطرة، والتغرير بنفسك، بقبول الزواج ممن هذه حاله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/322)
حكم قطع الإنجاب خوفا على الأولاد من الأمراض الوراثية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مرض نفسي منذ سنوات، وأخشى أن يصاب أولادي بنفس المرض، فهل يجوز لي أن أعقم نفسي، أو أن أتفق مع من يتقدم لي على عدم الإنجاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك التسبب في عقم نفسك، ولو بالاتفاق مع زوجك، والحالات التي يجوز فيها تحديد النسل، أو قطعه، أو منع الإنجاب قليلة؛ لأن الأصل هو التكاثر والتناسل، وليس من هذه الحالات خشية إعاقة الأولاد، بل يكون ذلك جائزاً في حال يسبب الحمل ضرراً بالغاً على الأم، وقد أفتت المجامع الفقهية، واللجان العلمية، وعامة العلماء بتحريم تحديد النسل، وقطع الإنجاب إلا لضرورة يقدِّرها أطباء ثقات.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ولا يجوز منع الإنجاب خوفاً من الإعاقة [يعني: أن يكون الولد معاقاً] ، بل يجب التوكل على الله سبحانه، وإحسان الظن به" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 14) .
وجاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي:
"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء، والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب، والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها:
قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.
ثانياً: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل، أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام، أو التعقيم، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.
ثالثاً: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين، عن تشاور بينهما وتراضٍ، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم" انتهى.
والله أعلم.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (30 / 268) :
"يحرم على الرّجل تناول دواء يقطع الشّهوة بالكلّيّة، كما يحرم على المرأة تناول ما يقطع الحبل" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/323)
ما العيوب التي يجب إظهارها للخاطب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مرض نفسي منذ عدة سنوات، ومنذ فترة وأنا أحافظ على الصلاة وأقرأ القرآن وأذكر الله تعالى وأتصدق وأساعد الناس كثيراً، وقد تحسنت حالتي كثيراً جداً، لكن أشعر بوجود بذور المرض، فهل يجب علي أن أخبر من تقدم لخطبتي بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يشفيك ويعافيك، ويبدو لنا أن هذا المرض متوهم، وليس له وجود حقيقي في واقع حياتك، ولو فُرض وجوده: فنقول: إن كان هذا المرض غير مؤثرٍ على الحياة الزوجية، وعلى تربية الأولاد: فلا حاجة لإخبار الخاطب به , أما إن كان مؤثراً بحيث يترتب عليه مفاسد بعد الزواج، ولا يحصل به المودة والسكينة: فيجب إخباره بذلك، ويكون كتمانه غشّاً، وقد ثبت النهي عن الغش عموماً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم (102) .
ولا ينبغي لك الالتفات للأوهام والتخيلات بخصوص مرضك، فغالب ذلك من كيد الشيطان ومكره؛ ليصدك عن الزواج وإعفاف النفس.
والقاعدة في إخبار الخاطب بمرض المخطوبة:
أ. أن يكون المرض مؤثِّراً على الحياة الزوجية، ومؤثراً على قيامها بحقوق الزوج والأولاد.
ب. أو يكون منفِّراً للزوج بمنظره أو رائحته.
ج. وأن يكون حقيقيّاً، ودائماً، لا وهماً متخيلاً، ولا طارئاً، يزول مع المدة، أو بعد الزواج.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هناك فتاة شابة تصاب من حين لآخر بمسٍّ من الجنون، ثم يذهب عنها ذلك، وتعود طبيعية لفترة تطول، أو تقصر، ويأتيها أحياناً بعض الخطاب، ويتعذر تزويجها بسبب أن الأهل لا يعرفون كيف يتصرفون بشأن إخبار الخاطب بالأمر، ويترددون كثيراً، مما يؤدي إلى ضياع فرصة الزواج، وقد أصبح الأهل أخيراً يفضلون تزويجها من إنسان ذي عاهة ما، أو عذر، بحيث يمكن أن يتقبلها بشكل أسهل، والآن هناك خاطب له عذر أنه عقيم، وهناك خاطب آخر هو ابن عمتها، وقد تقدم لخطبتها مصرحاً بعلمه بمرضها، غير أن المشكلة أن والدة هذا الشاب – أي: عمة الفتاة - مصابة بنفس المرض، وعندما سألنا الطبيب عن رأيه في مثل هذا الزواج: أجاب أنه لا يفضله؛ نظراً لأن احتمال ولادة أولاد مصابين بنفس المرض يكون كبيراً.
والسؤال هو: ما هو حكم الشرع في هذا الزواج؟ وهل لو أنه حصل إنجاب طفل مريض نكون نحن قد ظلمناه أصلاً، حيث ساهمنا بإقامة مثل هذا الزواج، مع علمنا بأن نسبة إمكانية إنجاب أطفال مرضى كبيرة؟
فأجابوا:
"ينبغي ألا تحرموا الفتاة من الزواج، وأن تزوجوها من هذا الذي تقدم لها، وتفوضوا الأمر إلى الله، وتتركوا كلام الطبيب المبني على الاحتمال؛ وذلك لما في الزواج من مصلحة الطرفين، وحماية الفتاة من خطر العزوبية، بشرط رضاها بالزوج الذي يرضاه وليها لها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 194) .
وسئلوا – أيضاً -:
إذا كان لدى الفتاة مشكلة في الرحم، أو الدورة، تستلزم علاجاً لها، وقد تؤخر الحمل، فهل يخبر بذلك الخاطب؟
فأجابوا:
"إذا كانت هذه المشكلة أمراً عارضاً، مما يحصل مثله للنساء، ثم يزول: فلا يلزم الإخبار به، وإن كانت هذه المشكلة من الأمراض المؤثرة، أو غير العارضة الخفيفة، وحصلت الخطبة وهو مازال معها لم تشف منه: فإنه يلزم وليها إخبار الخاطب بذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 15) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
رجل خطب امرأة، وهذه المرأة يُعرف عنها أن فيها عيباً خَلقيّاً، ولكن هذا العيب مستتر ليس بيِّناً، وهذا العيب يرجى برؤه، كالبرص، والبهق، فهل يُخبر الخاطب؟
فأجاب:
"إذا خطب الإنسان امرأة وفيها عيب مستتر، ومن الناس من يعلمه: فإن سأل الخاطب عنها وجب عليه البيان، وهذا واضح، وإن لم يسأل: فإنه يخبره بذلك؛ لأن هذا من باب النصيحة، ولا سيما إذا كان مما لا يرجى زواله، وأما ما كان مما يرجى زواله: فهو أخف، ولكن هناك أشياء قد تزول ولكن ببطء كالبرص مثلاً - إن صح عنه أنه يزول -، فأنا إلى الآن ما علمت أنه يزول، فيفرق بين ما يرجى زواله عن قرب، وما يرجى زواله عن بُعد" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (5 / السؤال رقم 22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/324)
زوجها عمها الأصغر مع وجود الأكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة بكر ليس لها والد ولا إخوة ولها أعمام، وقد تقدم لخطبتها رجل فزوجها به عمها الأصغر مع وجود عمها الأكبر. فما صحة هذا النكاح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الأمر كما ذكرت من عدم وجود أب لها أو إخوة فإذا لم يوجد أبناء إخوة لها فتزويج عمها الأصغر إياها صحيح، وإن كان عمها الأكبر موجوداً، إذا كان عمها الأصغر بالغاً عاقلاً عدلاً وزوجها بكفؤ لها برضاها، لأن الأولياء إذا استووا في الدرجة صح التزويج من كل واحد منهم، وتقديم الأسن مستحب فقط. وبالله التوفيق" انتهى.
سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (10/112) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/325)
إذا تزوج بصداق بعضه مؤجل بالموت أو الفراق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تزوج بصداق بعضه حال، وبعضه جرت عادتهم أنه لا يحل إلا بموت أو فراق، فهل يصح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا التأجيل صحيح، سواء تلفظوا به أو جرت عادتهم المطردة بذلك.
وعلى ذلك، فليس للمرأة ولا لأهلها المطالبة بالمؤجل والزوجة في حباله، وليس لها الامتناع حتى تقبض الصداق المؤجل، لأنهم اتفقوا وقت العقد على تأجيله التأجيل المذكور، وإذا ذهبت إلى أهلها، وقالوا: لا نسلمها حتى يسلم الزوج الصداق، فليس لهم ذلك، وامتناعهم عن تسليمها بغير حق، ولو استمرت على هذا الامتناع بهذه الحجة فقط، فليس لها على الزوج نفقة، لأنها ناشز، والناشز بغير حق ليس لها نفقة" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.
"الفتاوى السعدية" (502) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/326)
تفصيل القول في وقوع وحكم نكاح الجن للإنس والعكس
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت معرفة صحة زواج الإنس بالجان هل هو صحيح وإذا كان صحيحاً كما أسمع: فكيف يتم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
امتنَّ الله تعالى علينا بأن خلق " الأنثى " من ذات جنسنا، فكانت بشراً حتى يحصل سكن الرجل إليها، ويحصل بينهما مودة ورحمة، وحتى يتم إعمار الأرض بالذرية.
قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل/ من الآية 72.
وقال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/ 21.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) الآية، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنَّه امتنَّ على بني آدم أعظم مِنَّة، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً، من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر: ما حصل الائتلاف، والمودة، والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكوراً وإناثاً، وجعل الإناث أزواجاً للذكور، وهذا من أعظم المنن، كما أنه من أعظم الآيات الدالة على أنه جل وعلا هو المستحق أن يعبد وحده.
وأوضح في غير هذا الموضع أن هذه نعمة عظيمة، وأنها من آياته جل وعلا، كقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقوله: (أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) ، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) .
" أضواء البيان " (2 / 412) .
وأما بخصوص حكم التزاوج والنكاح بين الجن والإنس: فقد اختلف العلماء فيه إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: التحريم، وهو قول الإمام أحمد.
والقول الثاني: الكراهة، وممن كرهه: الإمام مالك، وكذا كرهه الحكم بن عتيبة، وقتادة، والحسن، وعقبة الأصم، والحجاج بن أرطاة، وإسحاق بن راهويه – وقد يكون معنى " الكراهة " عند بعضهم: التحريم -.
وهو قول أكثر أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وكره أكثر العلماء مناكحة الجن.
" مجموع الفتاوى " (19 / 40) .
والقول الثالث: الإباحة، وهو قول لبعض الشافعية.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
اختلف العلماء في جواز المناكحة بين بني آدم والجن. فمنعها جماعة من أهل العلم، وأباحها بعضهم.
قال المناوي في " شرح الجامع الصغير ": ففي " الفتاوى السراجية " للحنفية: لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء؛ لاختلاف الجنس، وفي " فتاوى البارزي " من الشافعية: لا يجوز التناكح بينهما، ورجح ابن العماد جوازه.
وقال الماوردي: وهذا مستنكر للعقول؛ لتباين الجنسين، واختلاف الطبعين، إذ الآدمي جسماني، والجني روحاني، وهذا من صلصال كالفخار، وذلك من مارج من نار، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع، والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع اهـ.
وقال ابن العربي المالكي: نكاحهم جائز عقلاً، فإن صح نقلاً: فبها ونعمت.
قال مقيده عفا الله عنه: لا أعلم في كتاب الله ولا في سنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم نصّاً يدل على جواز مناكحة الإنس الجن، بل الذي يستروح من ظواهر الآيات عدم جوازه، فقوله في هذه الآية الكريمة: (والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) النحل/ 72 ممتنّاً على بني آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم: يُفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجاً تباينهم كمباينة الإنس والجن، وهو ظاهر، ويؤيده قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم/ 21.
فقوله: (أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجا) في معرض الامتنان: يدل على أنه ما خلق لهم أزواجاً من غير أنفسهم.
" أضواء البيان " (3 / 43) .
وقال الشيخ ولي زار بن شاهز الدين – حفظه الله -:
أما القضية من حيث الواقع: فالكل قد جوز وقوعها، وحيث إن النصوص ليست قاطعة في ذلك – جوازاً أو منعاً -: فإننا نميل إلى عدم الجواز شرعاً؛ لما يترتب على جوازه من المخاطر التي تتمثل في:
1. وقوع الفواحش بين بني البشر، ونسبة ذلك إلى عالم الجن، إذ هو غيب لا يمكن التحقق من صدقه، والإسلام حريص على حفظ الأعراض وصيانتها ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، كما هو مقرر في الشريعة الإسلامية.
2. ما يترتب على التناكح بينهما من الذرية والحياة الزوجية - الأبناء لمن يكون نسبهم؟ وكيف تكون خلقتهم؟ وهل تلزم الزوجة من الجن بعدم التشكل؟ - ...
3. إن التعامل مع الجن على هذا النحو لا يسلم فيه عالم الإنس من الأذى، والإسلام حريص على سلامة البشر وصيانتهم من الأذى.
وبهذا نخلص إلى أن فتح الباب سيجر إلى مشكلات لا نهاية لها، وتستعصي على الحل، أضف إلى ذلك أن الأضرار المترتبة على ذلك يقينية في النفس والعقل والعرض، وذلك من أهم ما يحرص الإسلام على صيانته، كما أن جواز التناكح بينهما لا يأتي بأية فائدة.
ولذلك فنحن نميل إلى منع ذلك شرعا، وإن كان الوقوع محتملاً.
وإذا حدث ذلك، أو ظهرت إحدى المشكلات من هذا الطراز: فيمكن اعتبارها حالة مرضية تعالج بقدرها، ولا يفتح الباب في ذلك.
" الجن في القرآن والسنة " (ص 206) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/327)
هل يلزمها فراق زوجها إذا لم يسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم المرأة إذا أسلمت فراق زوجها الكافر؟ وما الحكم إذا رفضت مفارقته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر فإنه ينفسخ النكاح، لكن تمهل إلى انقضاء العدة، فإن أسلم الزوج فيها فهي زوجته، وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها تبين انفساخ النكاح من حين أسلمت.
وهل له أن يرجع إليها لو أسلم بعد انقضاء العدة؟
في هذا قولان للعلماء، والراجح أنه يرجع إليها إذا وافقت على ذلك، لأن (النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته إلى أبي العاص بن الربيع بعد إسلامها بسنين حين أسلم رضي الله عنه) .
وإذا رفضت مفارقته وجب التفريق بينهما قهراً من جهة القضاء" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" 01/11، 12) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/328)
هل يلزمه فراق زوجته إذا لم تسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم المسلم الجديد فراق زوجته إذا لم تسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ينظر في ذلك: إن كانت يهودية أو نصرانية فإنه لا يلزمه فراقها، لأن المسلم يحل له أن يتزوج من اليهودية والنصرانية ابتداءاً، وكذلك استدامةً، وأما إذا كانت غير يهودية ولا نصرانية فإنه إذا أسلم ينفسخ النكاح، لأنه صار لا يحل لها، ولا تحل له، لكن يعطى مهلة إلى أن تنقضي العدة، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة فهي زوجته، وإن لم تسلم فقد تبين انفساخ النكاح من حين إسلام الزوج" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/9،10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/329)
أصابها حريق وترك آثارا فهل يلزمها إخبار الخاطب به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت في الخامسة والعشرين من العمر كنت قد تعرضت لحادث أصبت نتيجته بحروق لا زالت آثارها موجودة في مناطق من رجلي الاثنين، وأنا الآن مخطوبة فهل يجب علي إبلاغ الخاطب بهذه الآثار قبل عقد القران علما بأني أود أن أخبره بها لكني أخجل من التحدث إليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان أثر الحريق كبيراً، مشوهاً مما يحتمل أن يكون منفّرا للزوج، فلابد من إخباره قبل العقد؛ لأن كتمانه يعد غشا وتدليسا، والقاعدة: أن كل عيبٍ ينفر الزوج منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يجب بيانه ولا يجوز كتمانه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (103411) .
وإذا كان الأثر ليس ظاهرا جدا، أو ليس من شأنه أن يوجد النفرة، فلا يجب إخبار الخاطب به؛ لأنه لا يعد عيبا من عيوب النكاح.
وفي حال لزوم إخبار الزوج، فليكن ذلك عن طريق أبيك أو أخيك، ولتتجنبي الحديث مع الخاطب إلا عند الحاجة، لأنه أجنبي عنك كسائر الأجانب.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/330)
اكتشف أن في جسد زوجته تشويها ولم يخبر بذلك قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن تزوجت تبيَّن لي أنه يوجد تشوه جسدي في زوجتي، وهو موجود فيها منذ الولادة، ولم يعلموني به قبل الزواج، فهل يحق لي استعادة المهر مقدمه ومؤخره المسجل لهذا السبب، وأطلقها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
اختلف العلماء في العيوب التي توجد في أحد الزوجين، ويكون قد أخفاها قبل الدخول، هل يثبت الفسخ للطرف الآخر السليم؟ فيه قولان لأهل العلم:
القول الأول: إذا وَجد أحد الزوجين عيباً من العيوب – على اختلاف بين العلماء في تحديدها -: جاز له فسخ النكاح، وهو قول جمهور العلماء.
والقول الثاني: أنه لا يثبت للطرف السليم فسخ في أي عيب، وبه قال أهل الظاهر.
وتفصيل حجج المذهبين يطول، والصحيح أن العيوب التي تَنفر منها الطباع هي التي يثبت فيها الخيار للمغبون، لأن الزواج سكن ومودة، وكل ما أدى إلى أن يفقد الزواج أساسه الذي يقوم عليه: " السكن والمودة "، فإنه ينافي مقصوده، ويبيح للشريك الآخر أن يفسخ العقد الذي أنشآه معا.
وفائدة الفسخ هنا هو أن يحصِّل الطرف المخدوع ماله ممن غرَّه وخدعه وأخفى العيب.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
والقياس: أن كل عيبٍ ينفِّر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة: يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع، وما ألزم الله ورسوله مغروراً قط، ولا مغبونا بما غُرَّ به، وغبن به ".
" زاد المعاد " (5 / 163) .
وانظر جواب السؤال رقم (21592) .
لكن من وجد عيباً فرضي به: فلا رجوع له عن رضاه به، ولا حق له بالفسخ بعده، وإنما يثبت له الخيار عند اكتشافه للعيب، وأما إن سكت عنه، فهذا يدل على رضاه بالأمر، ويسقط بذلك خياره في الفسخ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ومِن شَرْط ثبوت الخيار بهذه العيوب أن لا يكون عالماً بها وقت العقد، ولا يرضى بها بعده، فإن علِم بها في العقد أو بعده فرضي: فلا خيار له، لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنه رضي به، فأشبه مشتري المعيب، وإن ظن العيب يسيراً فبان كثيراً كمن ظن أن البرص في قليل من جسده فبان في كثير منه: فلا خيار له أيضا؛ لأنه من جنس ما رضي به.
" المغني " (7 / 579) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/331)
عقد عليها ورأى بها عيبا فطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[تم عقد قراني على شاب تقدم لي قبل3 أشهر، وكانت حوله شبهات غير مؤكدة وقد وقفت بجانبه بعد أن وجدت منه الرغبة الصادقة في الارتباط ببنت متدينة، وقلت: لعلي أكون سببا لثباته ويعين بعضنا بعضا على طاعة الله، وتربية الذرية الصالحة. ووافق أهلي عليه بسبب تمسكي الشديد به. وبعد أسبوع من العقد طلب مني أن يستمتع بي ولكن دون جماع، فوافقت لأنني زوجته وعلي طاعته، وفعلا تمتع بجسدي كاملا مرتين, وخلال ذلك اكتشف أني أعاني عيبا خلقيا في شكل العانة – وأنا يشهد ربي أني لم أكن أعلم به – وقد طلب مني الانفصال لأنه شعر بنفور تجاهي وقد لا يتمكن من إسعادي في المستقبل أو قد يتزوج علي امرأة أخرى. وذهبنا معا لدكتورة فقالت إن هذا لا يعد عيبا وإنما هو اختلاف في التقاطيع، كما تختلف تقاطيع الوجه من شخص لآخر، ويمكن إجراء عملية جراحية بسيطة للتجميل، وأنه لا يؤثر لا على متعة ولا على الإنجاب. ومع ذلك أصر زوجي على الطلاق. وأرسل لي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار فلما دخل عليها رأى بكشحها بياضا فقال البسي عليك ثيابك والحقي بأهلك) ... وتم الطلاق، وأعدت له المهر كاملا وتنازلت أيضا عن المؤخر ... ورغم مرور شهر ونصف على الطلاق إلا أني ما زلت أعاني من الحزن الشديد ودموعي لم تجف حتى هذه اللحظة ... وقد فقدت الثقة في حكمي على الأشخاص ممن حولي، وأشعر بالنقص بسبب العيب الذي في. . سؤالي: هل هذا القصة التي أرسلها لي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقعت بالفعل؟ وأنا على إيمان ويقين أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لعلى خلق عظيم سواء كانت هذه الواقعة صحيحة أو باطلة.... هل زوجي ظلمني عندما تخلى عني في أصعب الظروف ولم يقف بجانبي وتركني من أجل شهوة؟ هل يجوز للزوج أن يتخلى عن زوجته بسبب أنه رأى شيئا لم يعجبه في جسدها؟ وهناك أمر آخر أيضًا أفكر به دائمًا هل يعتبر زوجي أو طليقي قد دخل بي أم لا؟ لأننا أخبرنا القاضي بأنه لم يتم الدخول لأنه لم يفض غشاء البكارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا، وأن يزيدك إيمانا وصبرا ورضا، ونقول: احمدي الله تعالى واشكريه على نعمه وفضله، فإنك لا تدرين أين الخير، ولعل انفصالك عن هذا الزوج خير كبير لك، لكن ينبغي ألا يؤثر هذا على شخصيتك وألا يضعف من عزيمتك، بل هذه تجربة يستفاد منها في المستقبل، فلا تقبلي إلا من يُرضى دينه وخلقه، ولا تتساهلي في ذلك.
ثانيا:
يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بعد العقد، لكن لا يدخل بها، مراعاة للعرف، وتجنبا لما قد يحدث من مشاكل في حال الفراق.
وما ذكرته مما حدث بينكم من الاستمتاع يأخذ حكم الدخول من حيث وجوب المهر كاملاً ووجوب العدة عند كثير من أهل العلم.
وينظر جواب السؤال سؤال رقم (97229)
فجميع المهر والمؤخر كان حقا لك، وما دمت قد تنازلت عنه فلا تلتفتي لذلك، فإن المال يذهب ويجيء، وإنا لنرجو أن يعوضك الله خيرا.
ثالثا:
الحديث الذي استشهد به الزوج، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار فرأى بكشحها بياضا فقال: البسي عليك ثيابك، والحقي بأهلك، وأمر لها بالصداق كاملا، رواه أحمد والحاكم، وفيه: جميل بن زيد، قال يحيى بن معين: ليس بثقة. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال البخاري: لا يصح حديثه. ولهذا فالحديث ضعيف جدا، كما قال الألباني في "إرواء الغليل" (6/326) . وضعفه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
فالحديث ضعيف لا يصح، ثم إن زوجك لم يعمل به إلا فيما يوافق هواه، ولو أنه عمل بالحديث لدفع إليك المهر كاملا كما جاء في الحديث.
رابعا:
إذا كان العيب الذي عندك يمكن علاجه بعملية جراحية بسيطة كما قالت الطبيبة، فلا يعد عيبا يبيح للزوج الطلاق.
وبناء على ذلك؛ فالذي يظهر لنا أن زوجك ظلمك بهذا الطلاق.
ولكن ما دام الأمر قد وقع وانتهى، فاحمدي الله على كل حال، وأقبلي على شأنك، وتناسي ما كان، وسلي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/332)
حكم الزواج من رجل عاجز جنسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنني الزواج من رجل عاجز جنسيا؟ وهل يجوز شرعا؟ مع أنني أحبه وأتمناه شريكاً لحياتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تتزوج من رجل قد عُلم أنه عاجز عن الجماع؛ لأن الجماع حق لها، وقد أسقطته. وإذا فعلت ذلك لم يكن لها المطالبة بهذا الحق بعد النكاح.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/142) بعد أن ذكر العيوب التي تثبت للزوجة حق فسخ العقد، ومنها: إذا كان الزوج عاجزاً عن الجماع، قال: " ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب: أن لا يكون عالما بها وقت العقد , ولا يرضى بها بعده , فإن علم بها في العقد , أو بعده فرضي , فلا خيار له. لا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني" (7/142) .
وفي "المدونة" (2/144) : " قلت: أرأيت إن تزوجتْ مجبوبا (يعني: مقطوع الذكر) أو خصيا وهي تعلم؟ قال: فلا خيار لها , كذلك قال مالك. قال: قال مالك: إذا تزوجت خصيا وهي لا تعلم فلها الخيار إذا علمت " انتهى.
وينظر: الموسوعة الفقهية (29/69) .
ومع ما ذكرناه من جواز النكاح، إلا أن الأفضل لك هو عدم الزواج بمن هذه حاله، لأن الجماع ثم ما يترتب عليه من حصول الأولاد أمر فطري يحتاج إليه الرجال والنساء، وقد تتنازلين عن هذا الحق الآن، ولكنك لا تدرين ماذا يكون بعد سنة أو سنتين، فإن النكاح يراد للاستمرار.
ولهذا قال الإمام أحمد عن ولي المرأة: ما يعجبني أن يزوجها بعنين (عاجز عن الجماع) , وإن رضيت الساعة تكرهه إذا دخلت عليه ; لأن من شأنهن النكاح , ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا.
قال ابن قدامة معلقاً على ذلك: وذلك لأن الضرر في هذا دائم , والرضى غير موثوق بدوامه....وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة. "المغني" (10/67) .
ولا يخفى عليك أن هذا الرجل أجنبي عنك، فلا يجوز أن تقيمي معه أي علاقة، حتى يتم عقد النكاح.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والعون، وأن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/333)
لديه خصية واحدة فهل يلزمه إخبار من سيتزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد صديق تقدم للزواج ولكن يوجد عنده عيب خلقي إذ يوجد عنده خصية واحدة وهناك احتمال للقدرة على الإنجاب ولا يعرف هذه القدرة إلا الله فما الحل؟ هل يقبل على الزواج بدون إخبار زوجته ويترك هذا الشيء لله أم ما هو الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا العيب يؤثر على قدرته على الجماع أو الإنجاب، وجب عليه أن يبين ذلك لمن يخطبها؛ لأن من مقاصد النكاح: الاستمتاع، وحصول الولد، فإذا كان هذا العيب يفوت مقصود الزوجة، وكتمه عنها، فهو غش وخداع لها.
وقد سبق في جواب السؤال (43496) أن كل عيب يوجد في أحد الزوجين يوجب نفرة الآخر منه، أو يفوت المقصود من النكاح، فإنه يثبت للطرف الثاني حق فسخ عقد النكاح، ومن ذلك: الخصاء، وعقم أحد الزوجين.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/143) : " قال أبو حفص: والخصاء عيب يرد به. وهو أحد قولي الشافعي؛ لأن فيه نقصا وعارا , ويمنع الوطء أو يضعفه. وقد روى أبو عبيد , بإسناده عن سليمان بن يسار , أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي , فقال له عمر: أعلمتها؟ قال: لا. قال: أعلمها , ثم خيرها " انتهى.
وبناء على ذلك نقول: ينبغي لصديقك أن يعرض أمره على طبيب مختص، فإن ثبت أن هذا العيب يمكن أن يؤثر على الإنجاب أو الوطء، فإن عليه أن يخبر من يريد الزواج منها، فإن قبلت بذلك، فلا حرج عليه في نكاحها، وإن كتم ذلك ولم يبينه كان غاشا، وكان لزوجته الخيار في الفسخ إن تبين عدم إنجابه أو عجزه عن الوطء.
وإن ثبت أنه لا يؤثر على الإنجاب والوطء، فهذا لا يعد عيبا، ولا يلزمه أن يخبر به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/334)
اقترفت الزنا وهي مقبلة على الزواج وتخشى الفضيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة تعرفت على شاب ووعدها بالزواج، ثم أخذ شرفها وقد سجل لها شريط فيديو، وهي الآن تعاني من الذنب والفضيحة وهي الآن قد قرب زواجها من رجل آخر لا يعلم بما حصل لها من شرف وعرض فهي خائفة من الفضيحة أمامه وأمام أهلها فماذا تفعل بالله عليكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المأساة المسئول عنها هي إحدى نتائج العلاقات المحرمة: تعارفٌ، ووعود، وأكاذيب، وعشق، وغرام، ثم فاحشة ودمار، وخزي وفضيحة وعار، ولازال الناصحون يصرخون لإيقاظ الغافلين، وتنبيه المخدوعين، ولا يزال دعاة الاختلاط والسوء ينافحون ويدافعون، ويزعمون أن لا محذور في هذه العلاقات، وأن لا ضرورة للتضييق على البنين والبنات، ولا يكتوي بنار الإثم، وعار الفضيحة وقلقها وهمّها إلا تلك الفتاة المخدوعة، التي اتبعت خطوات الشيطان، وسارت خلف الأماني والوعود الكاذبة، وأعرضت عن أمر ربها بالقرار في البيت، وغض البصر، وترك الخضوع بالقول، ولزوم الحجاب، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ويا حسرة على أهل الإسلام أن يكون هذا الفساد في مجتمعاتهم، وأن يتسرب إلى بيوتهم، في غفلة الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات.
وما أقبح الزنا، وما أشنع عاقبته في الدنيا والآخرة، ولهذا كان حد فاعله الجلد أو الرجم، مع العذاب الأليم المرتقب في نار الجحيم.
قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2
وقال سبحانه: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/32
وفي حديث الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ قَالَ قَالا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ... قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) . ومعنى ضوضوا: أي ارتفع صوتهم ولغطهم.
ولهذا فالواجب على هذه الفتاة أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وأن تكثر من الندم والاستغفار، وتعزم على عدم العود لذلك أبدا، لعل الله أن يتجاوز ويعفو عنها.
وينبغي لها أن تكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يسترها ولا يفضحها في الدنيا ولا في الآخر، وأن يكفيها شر ذلك الفاجر، وأن تتخير أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وما بين الأذان والإقامة، والساعة الأخير من نهار الجمعة، وأن تكثر من الطاعات، لا سيما الصلاة والصدقة، ولتحسن الظن بربها سبحانه، فإنه قد قال في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) .
وعند أحمد (17020) من حديث واثلة ت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
فلتحسن الظن بربها سبحانه أنه ساترها، وكافيها، وقابلٌ توبتها، ومصلحٌ حالها.
ولتعلمْ أنه يلزمها ستر نفسها، وعدم إخبار أحد بذنبها، لا زوجها ولا غيره، بل تخفي عنه ذلك ولو سألها، وتستعمل التورية، فإن البكارة قد تزول بالحيضة الشديدة، أو الوثبة، أو غير ذلك من الأسباب.
وإذا قدر أن أحدا عرف ما حدث لها، فليجتهد في سترها أولا، ثم في إعانتها في محنتها، وليتحيل للوصول إلى الشريط الذي سجله ذلك المجرم، بتخويفه من عقاب الله تعالى له، وتعريفه قدر جرمه الذي أجرمه، وإن أمكن استخدام التهديد معه، وتسليط صاحب سلطان ـ أمين ـ عليه، لتخويفه، فهو حسن.
نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعلى المؤمنين، وأن يستر عوراتنا، ويؤمن روعاتنا.
وينظر: السؤال رقم (83093)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/335)
كان خالها وليها في النكاح فهل تجدد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ أكثر من 7 سنين وعندي ثلاثة أولاد وسؤالي هو أن أبي وأمي منفصلين منذ صغري، وأنا لم أر أبي رحمه الله سوى مرة واحدة في حياتي. فهو كان متزوجا في غير المدينة التي نعيش بها وليس لنا أي علاقة به، ولذلك حين تزوجت كان خالي هو وليي، وقد كان أخي موجوداً ولم يعترض على هذا، ولكني علمت أن هذا لا يجوز، وأنه في حالة غياب الأب يجب أن يتولى الولاية من يليه، فأنا لا أعلم بذلك. هل زواجي هذا باطلٌ أم لا؟ وإن كان باطلا - لا قدر الله - فماذا عليّ أن افعل الآن وأنا عندي 3 أولاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الخال لا يكون وليا في النكاح؛ لأن الولاية مختصة بالعصبة، وهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم الخ.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/13) : " ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب , كالأخ من الأم , والخال , وعم الأم , والجد أبي الأم ونحوهم. نص عليه أحمد في مواضع. وهو قول الشافعي , وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة " انتهى.
ثانيا:
الأب أحق بتزويج ابنته من غيره، ولا يسقط حقه في الولاية بتقصيره وتفريطه في رعاية أبنائه. وكذلك غيابه لا يسقط ولايته، إلا إن غاب غيبة منقطعة بحيث لا يمكن الوصول إليه ولا الاتصال به، فتنتقل الولاية حينئذ إلى من بعده من الأولياء.
وعليه، فقد كان الواجب عليكم إعلامه بالخاطب، ليتولى عقد نكاحك أو يوكل من يتولى العقد، فإن أبى وكان الخاطب كفؤا، انتقلت الولاية إلى من بعده، وهو الجد إن كان موجودا، وإلا فالولاية للأخ إن كان بالغا، وإذا لم يوجد أحد من العصبة، انتقلت الولاية للقاضي.
ثالثا:
بناء على ما سبق، فقد تم نكاحك بغير ولي، والنكاح بغير ولي لا يصح عند جمهور العلماء، ويصح عند أبي حنيفة رحمه الله.
وعليه: فإن كان القضاء في بلدك يأخذ بالمذهب الحنفي، ويصحح النكاح بلا ولي، فالنكاح مستمر، ولا ينقض.
وإن لم يكن القضاء عندكم على هذا، فالعقد لاغ. ثم إن كان كل منكما الآن راغباً في الآخر، فيجدد العقد بحضور وليك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/6) بعد أن قرر أن النكاح لا يصح إلا بولي، قال: " فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم، لم يجز نقضه، لأنها مسألة مختلف فيها، والأحاديث الواردة فيها يمكن تأويلها، وقد ضعفها بعض أهل العلم. انتهى بتصرف
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن فتاة زوجها خالها، فأجاب: " هذا العقد غير صحيح، لعدم الولي، والولي شرط من شروط النكاح، والخال ليس ولياً في النكاح، وإذا فقد الولي فالنكاح فاسد، هذا قول الجماهير من أهل العلم، وهو المشهور من المذهب واستدلوا لذلك بما روى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) رواه الخمسة وصححه ابن المديني. وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
فإن كان هناك دعوى غرور [أي أن يدعي الزوج أنه خدع وغُرر به] فلا مانع من سماعها، وإن كان كل منهما يرغب استمرار النكاح بينهما فيجدّد له العقد، ولا تحتاج إلى عدة لأن الماء ماؤه، وإلا [أي إذا كان أحدهما لا يرغب في الآخر] فيفرق بينهما، وعليه أن يطلقها لأن العقد الفاسد يحتاج إلى طلاق، فإن أبى فسخه الحاكم " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/73) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/336)
هل يتزوج الخادمة ويكون وليها كفيلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل لديه زوجة مريضة بمرض مزمن، وله منها ثلاثة أولاد , وعمله في مكان بعيد عن أهله، والزوجة قد تمر بها حالات فتنوّم في المستشفى لعدة أيام، والرجل يصبح ضائعاً بين أولاده وعمله، فقرر جلب خادمة أمينة , ووجد خادمة كانت تعمل عند قوم، ووصفوها بالأمانة في الشغل ورعاية الأطفال، وجلست عنده مدة، ووجدها كما تم وصفها، لكنه يقول إنه لا يستطيع أن يفرض عليها الحجاب , وقد يقع نظره عليها، وكذلك قد تبقى زوجته في المستشفى فيصيرون في خلوة، فيسأل هل له أن يتزوجها - وخاصة أنها مطلقة -؟ وليست له نية تطليقها ما دامت موجودة، وسمع من أحد الشيوخ أن الكفيل هو ولي الخادمة، فهل يزوجها لنفسه سرّاً عن زوجته، وبشهود؛ لدرء الفتنة التي يخاف أن تقع؟ أم ماذا يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط، كالموظف.
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) .
ثانياً:
لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بأن الخادمة يكون وليها كفيلها، والخادمة حرَّة، فوليها والدها، أو ابنها، أو أخوها، أما وكفيلها فهو أجنبي عنها لا ولاية له عليها.
ثالثاً:
لا يجوز لمن تعاقد مع خادمة على العمل في بيته أن ينظر إليها، أو أن يخلو بها؛ فهي أجنبية عنه، وهو أجنبي عنها، ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من النساء الأجنبيات.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الخادمات خطرهن عظيم، والبلية بهن كبيرة، فلا يجوز للمسلم أن يخلو بالأجنبية سواء كانت خادمة، أو غيرها، كزوجة أخيه، وزوجة عمه، وأخت زوجته، وزوجة خاله، وغير ذلك , ولا يخلو بامرأة من جيرانه، ولا غيرهن من الأجنبيات.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما) ، فليس له أن يخلو بامرأة أجنبية، لا خادمة، ولا غيرها، وليس له أن يستقدم خدماً كفاراً، ولا عمالاً كفاراً، ولا خادمات كافرات في هذه الجزيرة ". انتهى " فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 40، 41) .
رابعاً:
وتفكير الأخ السائل بالزواج من الخادمة التي تعمل في بيته تفكير سليم؛ ليتجنب الحرام الذي يمكن أن يقع فيه معها من النظر، والخلوة، أو ما هو أشد من ذلك – لا قدَّر الله -، لكن يجب أن ينتبه لأمور مهمة قبل الإقدام على الزواج من تلك الخادمة، ومنها:
1. يجب عليه أن يؤدي لهذه الزوجة كامل حقوقها: من المهر الذي تستحقه، ومن المبيت، والنفقة، ويجب أن يعدل بينها وبين زوجته الأولى، وحقوقها ليست منقوصة لأنها خادمة؛ لأنها ستصبح زوجته، ولها ما للأولى، وعليها ما على الأولى.
2. لا يحل له نكاحها إلا برضا وليها، ووليها هو والدها، فإما أن يحضر الولي بنفسه، أو يوكِّل من يشاء ليقوم مقامه.
3. يجب أن يشهد على العقد شاهدا عدل، أو أن يعلن الزواج أمام ملأ من الناس، ولا يشترط إخبار زوجته الأولى، لكن لا يحل له إخفاؤه عن الناس؛ لما يترتب على الإخفاء من ضرر عليك وعليها؛ ولما يترتب عليه من هضم حقوقها الزوجية، كالمهر، وإثبات نسب أولادها، ونصيبهم من الميراث منه، وغير ذلك.
4. لا يجوز له منعها من حقوقها مثل: الاستمتاع، والإنجاب، فلا يجوز له العزل في الجماع إلا بإذنها، ولا يجوز له منعها من الإنجاب إلا بإذنها أيضاً؛ لأن حق الاستمتاع والولد مشترك بينهما، فلا يجوز له حرمانها منهما أو من أحدهما.
5. يجب أن ينتبه لطريقة تعامل زوجته الأولى وأولاده لها، فهي زوجته، ويجب أن يكون لها من الاحترام والتقدير ما يناسب كرامتها، ولا يحل له أن يرضى بسوء معاملتهم لها على أنها خادمة أجنبية، وهي في حقيقة الحال زوجته.
فعليه أن يأخذ ما ذكرناه بالاعتبار ليكون زواجاً شرعيّاً، يخلو مما يبطله أو ينقصه، ونسأل الله تعالى أن يشفي زوجته، وأن ييسر له أمر زواجه إن كان لهما فيه خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/337)
رفض أبوها تزويجها لشخص فزوجها القاضي
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مسلم، ولديه بعض الأفكار الخاطئة عن الإسلام، كموقفه من الحجاب والاختلاط، وقوله هل الدين هو أساس الحكم على الخاطب؟ وقوله إنه لا يمكن لأحد أن يطبق جميع أوامر الله، حتى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قضية تعدد الزوجات لم يستطع أن يطبق. وقد ارتدت أختي وأصبحت نصرانية ولم يستنكر بل اعتبرها أفضل مني. ووالدتي نصرانية. تقدم لي رجل صاحب خلق لكنه معاق وأنا رضيت به، لكن والدي رفضه بسبب إعاقته وبسبب اختلاف مستوى معيشتنا فنحن عائلة غنية. بعد تخرجي من الجامعة خطط أهلي لقطع علاقتي بالصحبة الصالحة وتغيير حياتي تدريجيا لكني غادرت المنزل وخططت للزواج وبعد شهرين تزوجت أنا والرجل المسلم في محكمة شرعية. والسؤال: هل زواجي صحيح، وما موقفي تجاه أهلي؟ وهل استمر في مقاطعتهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك للزوم طريق الهداية والاستقامة، ونسأله سبحانه لك المزيد من فضله.
ثانيا:
ينبغي للمرأة أن تحرص على الزواج من صاحب الدين والخلق الذي يحفظها ويرعاها، ويمكنها من تطبيق دينها، ويعينها على ذلك، كما يعينها على تربية الذرية الصالحة على مبادئ الإسلام وأخلاقه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي (1084) من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ثالثا:
لا يصح النكاح إلا بولي، وليس للمرأة أن تزوج نفسها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. . . فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
لكن إن منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيت به، كان عاضلا، وانتقلت الولاية منه إلى من بعده من العصبة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه ...
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. . .
فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383) .
وحيث إن الغالب أن الأولياء يمتنعون عن التزويج في مثل هذه الحالة، فلا حرج أن ترفع المرأة مسألتها للقاضي الشرعي، فيطلب هو من الأولياء تزويجها، فإن أبوا زوجها بنفسه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) .
وعلى هذا، فعقد نكاحك صحيح، لا يجوز نقضه؛ لتولي القاضي الشرعي له بعد عضل أبيك.
رابعا:
الواجب أن تبرّي والديك، وتحسني إليهما، وتصليهما ولو بالكلام عن طريق الهاتف، إلى أن تهدأ نفوسهما، وتتمكني من زيارتهما، فإن حق الوالدين عظيم، ولهذا تكررت الوصية بهما في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) العنكبوت/8، وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/14، 15.
وليس لك أن تقاطعيهما، بل اسعي في تهدئتهما، وتطمينهما، وتوددي إليهم بالمال والهدايا، لكسب قلبيهما، وسلي الله تعالى الهداية لأهلك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/338)
إقامة حفل العرس في أحد الأندية وتجلس كل أسرة على طاولة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عقدت منذ عدة أشهر على أخت فاضلة، وتكلمنا على يوم العرس؛ فأنا اقترحت أن يكون هناك فصل بين النساء والرجال يوم العرس، وهي اقترحت أن يكون العرس في حديقة أحد النوادي، في مكان مفتوح، وتجلس كل أسرة على طاولة منفردة، ونقدم لهم الأطعمة على كل طاولة، مع العلم أنه لن يكون هناك إلا أناشيد على الكاسيت. فهل في ذلك مخالفة. وبم تنصحوننا بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء له مفاسده وآثاره السيئة، سواء كان ذلك في الأعراس أو العمل أو الدراسة، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (1200) .
وجلوس كل أسرة على طاولة لا يمنع من هذا الاختلاط حال الدخول والخروج، كما لا يمنع من النظر ونحوه، لا سيما إذا كان في هذه الأُسر من لا تتقيد بالحجاب الشرعي، فتحصل بذلك المفسدة.
ثم إن جلوس كل أسرة مع نفسها، لا يحقق المقصود من الاحتفال وحصول السرور والبهجة والتعارف والتآلف.
ولهذا ننصحك أن يكون الاحتفال على ما اقترحته أنت أولا: في مكان يُفصل فيه بين الرجال والنساء، فهذا أتقى لله تعالى، وأعون على تحقيق مقصود الاجتماع.
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما وعليكما وأن يجمع بينكما في خير وطاعة وبر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/339)
مصاب بالصرع فهل يلزمه إخبار من سيتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي مصاب بالصرع، ولكن هذا لا يعيقه عن الجماع، وقد كتب على امرأة فهل يجب عليه أن يخبرها بما فيه قبل أن يدخل بها أم لا يجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نعم، يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخَلْقية قبل الزواج، لأن هذا من النصح، ولأنه أقرب إلى حصول الوئام بينهما، وأقطع للنزاع، وليدخل كل منهما مع الآخر على بصيرة. ولا يجوز الغش والكتمان ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 159)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/340)
هل يجوز لهما الزواج مع اشتراط عدم الجماع؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الإسلام لزوجيْن أن يعيشا معاً دون إقامة أية علاقة زوجية - جسدية - (ولو لمرة واحدة) وأن يظلا فقط كأصدقاء؟ وما هو وضع هذه الزوجة فى الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز في الشرع أن يعيش رجل وامرأة أجنبييْن معاً في بيت واحد، ولذا فإن تشبيه اجتماع الزوجين من غير جماع باجتماع الأصدقاء تشبيه غير سليم.
ثانياً:
على الزوجين أن يعلما أنه من أعظم مقاصد النكاح: حفظ الفرج، وإعفاف النفس، ووجود الذرية، وهو ما لا يمكن وجوده من غير جماع.
وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح الولود، بل قد نهى بعض أصحابه عن نكاح امرأة لا تلد.
فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: (تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ) . رواه النسائي (3227) وأبو داود (2050) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1921) .
وينظر شرح الحديث في جواب السؤال رقم (32668) ، وينظر جواب السؤال رقم (13492) .
وأما أن يجتمع الزوجان في بيت زوجية من غير جماع: فهذا يمكن تصوره والقول بجوازه في زوجين مريضين أو كبيرين ليس عندهما شهوة نكاح، وأما إن كانا عندهما شهوة النكاح فكيف يجتمعان من غير أن يعف أحدهما نفسه ويعف الآخر؟ وأين سيقضي كل واحد منهما شهوته إن لم يفعل ذلك مع من أحله الله له؟!
كما يمكن تصوره والقول بجوازه في حال كون المرأة شابة وعندها شهوة، وترضى بالزواج من رجل عنِّين أو مجبوب أو كبير في السن؛ والعكس كذلك، وهو أن يتزوج الرجل بمريضة ليس عندها شهوة، أو رتقاء، ويكون قادراً على الصبر محتسباً الأجر، أو عنده غيرها من الزوجات يقضي شهوته معهنَّ..
ثالثاً:
قد فرَّق الفقهاء بين مسألتين في هذا الباب:
الأولى: أن يُشترط في عقد النكاح على عدم حل الجماع بينهما، فهنا يبطل الشرط، ويبطل العقد على قول جمهور العلماء.
والثانية: أن يُشترط في عقد النكاح أن لا يحصل بينهما جماع، وفي المسألة تفصيل، وأرجح الأقوال: أنه يصح العقد ويبطل الشرط، فلا اعتبار له، ولا قيمة له، سواء كان الشرط من الزوج، أم من الزوجة، أم من كليهما.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (44 / 45) :
"فرَّق الفقهاء في حكم ذلك الاشتراط بين حالتين، حالة اشتراط نفي حل الوطء، وحالة اشتراط عدم فعله.
وبيان ذلك فيما يلي:
إذا اشترط في عقد النكاح نفي حل الوطء، بأن تزوجها على أن لا تحل له: فلا خلاف بين أهل العلم في بطلان هذا الشرط، ولكنهم اختلفوا في تأثيره على صحة العقد، وذلك على قولين:
أحدهما: لجمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة، وهو بطلان الشرط والعقد معاً؛ وذلك لإخلال ذلك الشرط بمقصود العقد؛ وللتناقض، إذ لا يبقى معه للزواج معنى، بل يكون كالعقد الصوري.
والثاني: للحنفية، وهو أن الشرط فاسد، والعقد صحيح؛ إذ القاعدة عند الحنفية أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، وإنما يبطل الشرط دونه.
أما إذا شرط في عقد النكاح عدم الوطء: فقد اختلف الفقهاء في حكمه على ثلاثة أقوال:
أحدها: للحنفية والحنابلة، وهو أنه يصح العقد ويلغو الشرط، أما بطلان الشرط: فلأنه ينافي مقتضى العقد، ويتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد لولا اشتراطه، وأما بقاء العقد على الصحة: فلأن هذا الشرط يعود إلى معنى زائد في العقد فلا يبطله.
والقاعدة عند الحنفية: أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، وإنما يبطل الشرط دونه.
والثاني: للمالكية، وهو أن الشرط فاسد، والعقد فاسد؛ لوقوعه على الوجه المنهي عنه شرعاً.
ثم اختلف المالكية فيما يترتب عليه بعد الوقوع، فقيل: يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده، وقيل: يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ويسقط الشرط، وهذا هو المشهور في المذهب.
والثالث: للشافعية، وهو أنه إذا نكحها بشرط أن لا يطأها، أو لا يطأها إلا نهاراً، أو إلا مرة مثلاً: بطل النكاح إن كان الاشتراط من جهتها؛ لمنافاته مقصود العقد، وإن وقع منه: لم يضر؛ لأن الوطء حق له، فله تركه، والتمكين حق عليها، فليس لها تركه" انتهى.
رابعاً:
على المرأة أن لا ترضى بهذا الزواج، وينبغي للرجل أن لا يوافق المرأة إن هي رغبت بأن لا يكون بينهما جماع، وليعلما أن هذا يخالف الفطرة السوية، وقد خلق الله تعالى في الرجل ميلاً للمرأة، وخلق في المرأة ميلاً للرجل، ومن الناس من يصرِّف شهوته في حرام، ومنهم من يصرفها في حلال، والزواج من شرع الله تعالى الذي أباح فيه لقاء الرجل والمرأة، وجعل بينهما مودة ورحمة، وجعل منهما الولد والذرية.
قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) النحل/72.
وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
والزواج من سنن المرسلين، عليهم الصلاة والسلام، وهم أفضل البشر. قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) الرعد/ 38.
وقال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) آل عمران/38.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/341)
أحاديث ذم العزوبة كلها باطلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح وتفسير هذه الأحاديث النبوية، وهل هي صحيحة؟ روي عن رسول الله صلى الله وسلم أنه قال: 1- (تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين) 2- (النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني) 3- (أراذل موتاكم العزاب) بارك الله فيكم , مع خالص الشكر والتحية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ثبت في السنة النبوية الصحيحة الحث على الزواج والترغيب في النكاح، وجاءت بذلك شواهد الكتاب والسنة المتكاثرة، وذلك لما في الزواج من فضيلة ظاهرة ومحاسن كثيرة، وقد سبق في موقعنا بيان الكثير من ذلك بالشرح والتفصيل:
فانظر مثلا أرقام الإجابات الآتية: (5511) ، (34652)
ومن الأحاديث التي تحث على الزواج ما جاء في الصحيحين: البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:
(جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا.
وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ.
وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا.
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا!! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)
لكن لا يصلح هذا الحديث أن يكون دليلا على ذم العزوبة وترك الزواج مطلقا، إلا إذا ترك الزواج رهبانية وتقربا إلى الله بهذا الترك، وظنا أن العزَب أفضل من المتزوج، فحينئذ يشمله هذا الحديث، ويكون ممن تبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (9/105-106) :
" المراد بـ "السنة" الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: مَن ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وَفَوْهُ بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.
وقوله: (فليس مني) إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى " فليس مني " أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة.
وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى (فليس مني) : ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر.
وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه " انتهى.
إذن فليس في الحديث دلالة على ذم العزوبة بالإطلاق، خاصة إذا كانت نتيجةَ ظروف أو عدم رغبة في النكاح أو مرض أو نحو ذلك من الأعذار، وكيف تأتي الشريعة بذم من لا يستحق الذم، ومن كان قَدَرُه ألا يجتمع بزوجة يأنس إليها وتأنس إليه!!
والغريب أن بعض الكذابين أرادوا أن يناقضوا أولئك الذين يذمون العزوبة مطلقا، فوضعوا من الأحاديث في مدح العزوبة، وكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا، حتى قال ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" (ص/177) : " أحاديث مدح العزوبة كلها باطلة " انتهى.
من هنا تعلم أنه لا يصح حديث في ذم العزوبة ولا في مدحها، وكل حديث فيه ذم للعَزَب وتنقيصٌ لقدره فهو حديثٌ باطلٌ أو منكر، فقد جمع العلماء هذه الأحاديث ودرسوها فلم يجدوا فيها شيئا صحيحا ثابتا.
يقول الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" (135) بعد أن ذكر شيئا من أحاديث ذم العزوبة:
" إلى غيرهما من الأحاديث التي لا تخلو من ضعف واضطراب، ولكنه لا يبلغ الحكم عليه بالوضع " انتهى. وبمثله قال الفتني في "تذكرة الموضوعات" (125)
ثانيا:
أما حديث: (تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين) وحديث (أراذل موتاكم العزاب) .
فقد جاءا في حديث عُكاف بن وداعة الهلالي من طرق كلها ضعيفة، قال فيها الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/536) بعد أن ذكرها في ترجمته: " والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب " انتهى. وقال في "تعجيل المنفعة" (2/20) : " لا يخلو طريق من طرقه من ضعف " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/609) :
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قالوا لا يصح من هذا شيء " انتهى.
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة": " والأسانيد فيه كلها ضعيفة " انتهى.
وحكم عليه الشيخ الألباني بالنكارة في "السلسلة الضعيفة" (2511) (6053)
وطرقه مضطرب، تجتمع عند مكحول الدمشقي الثقة فقيه أهل الشام "تهذيب التهذيب" (10/292) إلا أن الضعف في الطريق الموصلة إليه، أو في الشيخ الذي أخذ عنه:
1- فقد جاء من طرق عن بُرد بن سنان – وهو ثقة – عن مكحول عن عطية بن بسر الهلالي عن عكاف بن وداعة الهلالي، ولفظه:
(أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عكاف! ألك امرأة؟ قال: لا. قال: فجارية؟ قال: لا. قال: وأنت صحيح موسر؟ قال: نعم. قال: فأنت إذا من إخوان الشياطين، إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فإن من سنتنا النكاح، يا ابن وداعة! إن شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم، يا بن وداعة! إن المتزوجين المبرءون من الخنا، أبا الشيطان تمرسون، والذي نفسي بيده ما للشيطان سلاح أبلغ - وقال بعضهم أنفذ - في الصالحين من الرجال والنساء من ترك النكاح، يا ابن وداعة! إنهن صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف، قال: بأبي وأمي يا رسول الله وما كرسف؟ قال: رجل عبد الله على ساحل البحر خمسمائة عام - وقال بعضهم ثلاثمائة عام - يقوم الليل ويصوم النهار، فمرت به امرأة فأعجبته فتنها، وترك عبادة ربه وكفر بالله، وتدارك الله عز وجل بما سلف فتاب عليه، قال: بأبي وأمي يا رسول الله زوجني؟ قال: زوجتك باسم الله والبركة زينب بنت كلثوم الحميرية)
رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) وابن قانع في "معجم الصحابة" (1274)
وعلة هذه الرواية عطية بن بسر، قال العقيلي: لا يتابع عليه. ثم أسند إلى البخاري قوله: عطية بن بسر عن عكاف بن وداعة لم يقم حديثه. وقال ابن حبان في "الثقات" (5/261) : " عطية بن بسر، شيخ من أهل الشام، حديثه عند أهلها، روى عنه مكحول في التزويج متنا منكرا، وإسناده مقلوب " انتهى.
2- وجاء من طريق محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر فذكر نحوه، ولكن في لفظه: (تزوج وإلا فأنت من المذبذبين)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6/171/10387) ، وعنه أحمد (5/163) ، وعنه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/118)
وعلة هذه الطريق جهالة شيخ مكحول، ولعله هو عطية بن بسر الهلالي المذكور في الرواية السابقة. أما محمد بن راشد فكلام الأئمة على توثيقه. "تهذيب التهذيب" (9/160)
3- من طريق معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني.
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (4/195) وأبو يعلى في "مسنده" (12/260) وبحشل في "تاريخ واسط" (ص201) وابن حبان في "المجروحين" (3/3) والطبراني في "المعجم الكبير" (18/85 - 86) ، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/381) وابن الأثير في "أسد الغابة" (4/43)
وهو عند أبي نعيم في "معجم الصحابة" (4961) بشكل مختلف، ولكن العلة واحدة وهي في معاوية بن يحيى الصدفي، جاء في "تهذيب التهذيب" (10/220)
قال ابن معين: هالك ليس بشىء. وقال أبو زرعة: ليس بقوى، أحاديثه كأنها مقلوبة.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، فى حديثه إنكار. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائى: ضعيف. وقال أبو أحمد بن عدى: عامة رواياته فيها نظر.
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/335) : فيه معاوية بن يحيى منكر الحديث جدا، تغير حفظه فكان يحدث بالوهم فيما سمع " انتهى.
وكذا أعله الدارقطني في "التعليقات على المجروحين" (255) والزيلعي في "تخريج الكشاف" (2/439) والهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/253)
والحاصل أن طرق هذا الحديث كلها ساقطة واهية، ولا يقوي بعضها بعضا لما فيها من النكارة والاضطراب، والمتن منكر كما سبق بيانه.
ثالثا:
أما حديث (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) فلفظه، كما رواه ابن ماجه (1846) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ)
وفي إسناده عيسى بن ميمون، وهو ضعيف؛ قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. انظر: ميزان الاعتدال (4/245-246) .
ولأجل ذلك قال البوصيري في تخريج حديث عائشة السابق: " إِسْنَاده ضَعِيف لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ضَعْف عِيسَى بْن مَيْمُون الْمَدِينِيّ، لَكِنْ لَهُ شَاهِد صَحِيح. " اهـ
وانظر السلسلة الصحيحة (2383) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/342)
مصاب بفيرس سي (C) فهل يلزمه إخبار من يخطبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمره 29 عاما مهندس مدني، منذ 4 أعوام اكتشفت بوجود مرض فيروس (سي) ، وتقدمت لخطبة العديد من الفتيات وفى أول لقاء بيني وبين أهلهم اخبرهم بالمرض، فيرفضوا بمجرد أن يعلموا المرض مع أن المرض لا ينتقل إلا بنقل الدم وليس بالعدوى، وأيضا حالتي لا يظهر عليها أي مضاعفات وهو كامن، فماذا افعل هل أخبرهم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وأن يرزقك الزوجة الصالحة والذرية الطيبة.
ثانيا:
ما دام أن هذا المرض مما ينفر منه الناس، ويتحاشون تزويج من أصيب به، فإنه يعتبر عيبا لابد من بيانه للمخطوبة، ولا يجوز كتمانه، وإلا كان غشا محرما.
قال ابن القيم رحمه الله: " والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " "زاد المعاد" (5/166) .
وقال: ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب..
وقال: وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته وحرم على من علمه أن يكتمه من المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في معاوية أو أبي الجهم:" أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب، فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سببا للزومه، وجعلُ ذا العيب غلا لازما في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه " انتهى من زاد المعاد 5/168
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصواب أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولاشك أن مقاصد النكاح منها المتعة، والخدمة، والإنجاب، وهذا من أهم المقاصد، فإذا وجد ما يمنع هذه المقاصد فهو عيب، وعلى هذا فلو وجدته الزوجة عقيما أو وجدها هي عقيما فهو عيب " انتهى من "الشرح الممتع" (5/274) ط. مركز فجر.
واعلم أنك بصدقك وبيانك، يرجى لك التوفيق والرزق الحسن، فقد تجد من ترضى بذلك، أو من هي مصابة بنفس المرض، والأمر كله يجري بقدر الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/343)
كيف يتمتع في الجنة من كان في النار ثم خرج منها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتمتع بالجنة من دخل جهنم وبقي بها لبعض الوقت ثم أُخرج منها وأدخل الجنة؟ كيف يشعرون بالتمتع فى الوقت الذى يمكن أن يتذكروا فيه ما حدث لهم في جهنم (الضغط النفسي البعدي) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعتقد أهل السنَّة والجماعة أن من المسلمين من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم من يدخل الجنة بعد الحساب، ومنهم من يدخل الجنة بعد العذاب في النار، ما شاء الله له أن يعذب، ثم خروجه منها.
هذا، وإن خروج هؤلاء من النار ثم دخولهم الجنة لن يجعلهم في شقاء أو بؤس في الجنة؛ لأن الجنة دار النعيم، ولهم ما لأهل الجنة مما ذُكر في الكتاب والسنَّة.
ولا يظهر في الأدلة أن هؤلاء سينغص عليهم بعد دخولهم الجنة بسبب ما كانوا فيه من عذاب في النار.
على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمنا عن صفات هؤلاء بعد خروجهم من النار، ومن ذلك:
1. أنهم يُلقون في " نهر الحياة " ويُنبتون من جديد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيَخْرُجُونَ، قَدْ امْتُحِشُوا، وَعَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً.)
رواه البخاري (6192) ومسلم (184) .
(امتحشوا) : أي: احترقوا، والمحش: احتراق الجلد، وظهور العظم.
انظر: " النهاية في غريب الحديث " (4 / 302) .
(حِمماً) : أي: صاروا سود الأجساد كالحمم، وهو الفحم.
انظر: " النهاية في غريب الحديث " (1 / 444) .
(الحبة) بكسر الحاء، وهي بزر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول.
(حميل السيل) فبفتح الحاء وكسر الميم , وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه: محمول السيل , والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته.
انظر: " شرح مسلم " للنووي (3 / 22، 23) .
2. وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن حالهم سيتغير بعد خروجهم من النار.
عَن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ – عن الجهنميين – أنهم (يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ) .
رواه مسلم (191) .
قال النووي – رحمه الله -:
قوله: (فيخرجون كأنهم عيدان السماسم) هو بالسينين المهملتين: الأولى مفتوحة , والثانية مكسورة , وهو جمع سمسم , وهو هذا السمسم المعروف الذي يستخرج منه الشيرج , قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير - رحمه الله تعالى -: معناه - والله أعلم - أن السماسم جمع سمسم , وعيدانه تراها إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها دقاقا سودا كأنها محترقة , فشبه بها هؤلاء.
قوله: (فيخرجون كأنهم القراطيس) القراطيس: جمع قرطاس بكسر القاف وضمها لغتان , وهو: الصحيفة التي يكتب فيها , شبههم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد.
" شرح مسلم " (3 / 52) .
وفي رواية البخاري (6190) :
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ، قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: الضَّغَابِيسُ)
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
أما الثعارير فقال ابن الأعرابي: هي قثاء صغار، وقال أبو عبيدة مثله.
والمقصود: الوصف بالبياض والدقة.
وأما الضغابيس: فقال الأصمعي: شيء ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل.
وقيل ينبت في أصول الشجر وفي الإذخر يخرج قدر شبر في دقة الأصابع لا ورق له وفيه حموضة.
وفي غريب الحديث للحربي: الضغبوس شجرة على طول الإصبع , وشبه به الرجل الضعيف.
(تنبيه) :
هذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا , وأما في أول خروجهم من النار فإنهم يكونون كالفحم كما سيأتي في الحديث الذي بعده.
" فتح الباري " (11 / 429) .
3. أنهم يصير الواحد منهم مثل اللؤلؤة، ويحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ( ... فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ " نَهَرُ الْحَيَاةِ " فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... قَالَ: فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا.)
رواه البخاري (7002) ومسلم (183) – واللفظ له -.
وهو حديث عظيم يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم عظيم حال الخارجين من النار، في كراماتٍ يهبها لهم ربهم تعالى فضلاً منه وكرماً، ومنها:
أ. الإلقاء في نهر الحياة، والإنبات من جديد.
ب. يخرجون من النهر كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم.
ج. يعطيهم كل ما يجدونه مما يرونه في الجنة.
د. يظنون، من تنعمهم وبلوغهم الغاية من السرور والحبور، أن الله تعالى أكرمهم بما لم يكرم به غيرهم.
هـ. يحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبداً.
ويؤكد كرامة الله تعالى لمن دخل الجنة من هؤلاء:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا - فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي - أَوْ: تَضْحَكُ مِنِّي - وَأَنْتَ الْمَلِكُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) .
رواه البخاري (6202) ومسلم (186) .
4. أنه يُطلق عليهم اسم " الجهنميين " و " عتقاء الجبار "، ثم يُرفع عنهم هذا الاسم.
والجهنميون: جمع جهنمي، نسبة إلى جهنم، والمراد: أنَّ الله أعتقهم من جهنم.
عنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ) .
رواه البخاري (6191) .
وعند أحمد (12060) من حديث أَنَسٍ ـ أيضا ـ: ( ... فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ!! فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ) .
صححه ابن مندة في " الإيمان " (2 / 847) ، وابن خزيمة (2 / 710) ، والألباني في " حكم تارك الصلاة " (ص 33) .
وعند ابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( ... فيسمون في الجنة " الجهنميين " من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: ربنا أذهب عنا هذا الاسم، قال: فيأمرهم فيغتسلون في نهر في الجنة فيذهب ذلك منهم) .
رواه ابن حبان (16 / 457) وصححه، وصححه شعيب الأرناؤوط.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن غمسة واحدة في الجنة تُنسي المسلم كل بؤس عاشه في الدنيا، فكيف بمن تكون الجنة مستقره وداره؟! ولا يبعد أن يشمل هذا البؤس الذي عاناه المسلم عندما كان في النار.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.
رواه مسلم (2807) .
ومما يدل على أن الغمس في نعيم الجنة، يذهب كل بؤس سبقه، حتى بؤس العذاب في النار، إضافة إلى ما ذكرناه من تغير هيئاتهم وأحوالهم بعد الإلقاء في نهر الحياة، ما رواه مسلم (2836) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ) .
وهذا النعيم المؤكد بنفي البؤس عمن يدخل الجنة، عام في كل من يدخلها، سواء دخل النار قبلها، أو لم يدخل.
قال القاضي: " معناه أن الجنة دار الثبات والقرار، وأن التغير لا يتطرق إليها؛ فلا يشوب نعيمها بؤس، ولا يعتريه فساد ولا تغيير.. " نقله في تحفة الأحوذي (7/194) .
ولأجل ذلك كله، حكى الله تعالى عن حال أهل الجنة إذا دخلوها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر:34-35) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "
أي: الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها.
وذلك الإحلال {مِنْ فَضْلِهِ} علينا وكرمه، لا بأعمالنا، فلولا فضله، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
{لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى، ولا في كثرة التمتع، وهذا يدل على أن الله تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة، بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب، ولا هم ولا حزن. "
تفسير السعدي (689) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/344)
هل يتزوج نصرانية من عرب إسرائيل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد تعرفت على امرأة مسيحية من عرب إسرائيل، وتريد أن نتزوج، وتعتنق الإسلام، وتترك ذلك البلد، وتعيش معي في بلدي، وتبعد تماما عن هذا المجتمع، وتكون مسلمة، ولكن هناك مشاكل وعقبات كثيرة كما تعلمون من الأقرباء والغرباء ولا أعلم ماذا أفعل، أرجو المساعدة والنصيحة، أأكمل معها أم أتركها في ظل تلك المشاكل - مع العلم أني أريدها أن تسلم وتبتعد عن هذا المجتمع -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أولاً أنك قد أخطأت بذلك التعرف على تلك المرأة الأجنبية، وقد وضع الإسلام ضوابط مهمة في علاقة الرجل بالنساء الأجنبيات؛ حفاظاً على المسلم والمسلمة من الوقوع فيما حرَّمه الله عليهما، وفي ذلك حفظ للمجتمعات من انتشار الفواحش والمنكرات، وليس هذا فقط في علاقة المسلم بالمسلمة الأجنبية، بل يشمل التحريم فعل ذلك مع الكافرات، وقد يسوِّل له الشيطان هذه المعصية بحجة الدعوة إلى الله.
وقد بيَّنا حكم المراسلات والمكالمات مع الأجانب، فانظر أجوبة الأسئلة: (22101) و (26890) و (23349) و (10221) .
ثانياً:
وأما بالنسبة لحكم الزواج بالكافرات: فإنه حرام، إلا أن تكون كتابية – يهودية أو نصرانية -، وقد يظن المسلم أن كل امرأة تعيش في أمريكا أو أوربا فهي نصرانية، أو أنها إن كانت تعيش مع اليهود فهي يهودية، وهذا خطأ، فكما أنه يوجد من ينتسب للإسلام اسماً وهو علماني أو شيوعي: فكذلك يوجد عندهم – وبكثرة – من ينتسب لدين بلده دون أن يكون لذلك واقع في حقيقة الأمر، ولذا فمن أراد الزواج بغير المسلمة: فلا بدَّ من تحقيق شروط في المرأة، وهي:
1. أن تكون كتابيَّة – يهودية أو نصرانية – ولو كانت ملتزمة بدينها المحرَّف؛ فإن هؤلاء هم من أباح الله تعالى التزوج بهنَّ، قال تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ... ) المائدة/5.
وأما الملحدة والبوذية والمجوسية: فلا يجوز التزوج بهن، قال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) البقرة/221.
2. أن تكون عفيفة، ليست تمارس الزنا، ولا تتخذ العشاق؛ لقوله تعالى في آية المائدة السابقة (وَالمُحْصَنات) ، وهنَّ العفيفات.
3. أن تكون الولاية للمسلم، فلا تشترط عليه الزواج في الكنيسة، ولا أن يكون الأولاد تبعاً لها، ولا غير ذلك مما فيها عزة لها ولدينها على حساب دينه، قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) النساء/141.
وهذا الشرط معدوم فيمن يتزوج امرأة من بلاد الغرب؛ لأنه سيتحاكم لقوانينهم، وسيجعلون الوصاية لحكوماتهم على جميع أولاده، وستقف حكومات أولئك النسوة وسفاراتهم معهنَّ في حال أراد الذهاب بأولاده إلى بلاد المسلمين دون رغبتها.
ومع القول بجواز نكاح الكتابية، إلا أن الشرع المطهر رغَّب بالزواج من مسلمة ذات دين؛ لأن حياة المسلم مع زوجته حياة كاملة وشاملة ففيها العفاف، وغض البصر، وحفظ البيت والأولاد، ورعايتهما، وهذه الأشياء ومثيلاتها لا تتحقق إلا من امرأة مسلمة متدينة.
وانظر جواب السؤال رقم (12283) - مهم -، وجوابي السؤالين: (20227) و (45645) ففيهما زيادة بيان وتوضيح لمفاسد الزواج من غير المسلمة.
ثالثاً:
والذي ننصحك به هو أن تربط بين هذه المرأة وأخوات مسلمات من أقاربك أو غيرهن من الداعيات إلى الله لحثها على الإسلام، وإقناعها بالدخول فيه رغبة به؛ لأنه يُخشى أن يكون إسلامها مشوباً بتعلقها بك، وعليه: فسيكون إسلاماً في الظاهر ليس له حقيقة في واقعها، كما أنه إن بقيت على كفرها فإنك لا تستطيع الزواج بها إلا برضا وموافقة وليها الكافر – وتنتقل الولاية للسلطان المسلم – على قول لبعض أهل العلم - في حال امتناع وليها الكافر من تزويج المسلم لإسلامه، أو في حال عدم وجود من تنتقل له الولاية من أهلها ممن هو على دينها -، أما عندما تكون مسلمة فإنه إن لم يوجد من هو مسلم من أوليائها: فسيكون القاضي الشرعي أو من يقوم مقامه وليّاً لها؛ لأنه لا ولاية لكافرٍ على مسلمة.
فإذا أسلمت فإننا نرى تخليصها من بيئتها بالزواج منها، والانتقال معها إلى بلدك، على أن تحرص على أن لا تقع في معصية قبل ذلك من النظر إليها، والخلوة بها، ومصافحتها، إلى أن تعلم إسلامها عن رغبة وقناعة، ويحسن إسلامها، وتتزوجها وفق الكتاب والسنَّة.
ويجب على المسلم أن يحتاط في أمر الزواج من الكتابيات، وممن أسلمت بسبب تعلقها بالزوج المسلم؛ فإنه لا يؤمن أن يكون سلامها رغبه في قضاء حاجتها العاجلة، لا عن قناعة تامة بالدين الذي انتقلت إليه، وهو ما قد يؤثر على حياته وتربيته لأولاده، وفي كلا الصنفين خطر عليه وعلى أولاده، وتزداد الحيطة إذا كانت يهودية أو كانت تعيش بين اليهود؛ لما عُرف عن اليهود من المكر والكيد للمسلمين، واستغلال النساء لذلك الكيد والمكر.
وانظر جواب السؤالين (20884) و (33656) ، ففيهما بيان كيفية دخول المرأة في الإسلام.
ونوصيك بصلاة الاستخارة، وتجد تفصيلها في جوابي السؤالين (2217) و (11981) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة الصادقة، وأن يهديها للدخول في الإسلام، وأن يجمع بينكما على خير إن أسلمت وحسن إسلامها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/345)
هل تتزوج من رجل صاحب دين لكنه فقير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلمة مطلقة السن50 سنة تعرفت على رجل مطلق ومتقاعد سنه 54 سنة ما شدني إليه وجعلني أحبه كثيرا هو تدينه والتزامه، رغم فقره، وبما أني امرأة ملتزمة كذلك وأخاف الله أردت أن أحصن نفسي وأتزوجه رغم فقره، لكن ماما أحسست بأنها لا ترغب به لأنه فقير، هل إذا تزوجته أكون آثمة؟ وهل عندي أجر في نفقتي على زوجي؟ وصداقي عبارة عن خاتم بسيط من ذهب لأنني لست بمادية، وأحب أن أعمل الخير لوجه الله تعالى، علما بأنني مطلقة منذ 20 سنة ورفضت الزواج لأجل تربية ابنتي، عمرها الآن 20 سنة، وكذلك كنت أتولى رعاية أبي العزيز إلى أن توفي رحمه الله وجميع المسلمين وهو راض عني، والآن أحسست بأنني في حاجة إلى زوج، أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الرجل مرضي الدين والخلق، فلا حرج عليك في الزواج منه، ولو كان فقيرا، لما روى الترمذي (1084) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ولا حرج عليه في الأخذ من مالك برضاك، ولك الأجر في الإنفاق عليه، والإحسان إليه، قال تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4.
وليس الفقر عيبا، فالمال يغدو ويروح، والفقير قد يصبح غنيا، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32.
وينبغي أن تقنعي والدتك، وتبيني لها أن المقياس ليس بالمال، وإنما بالتقوى والعمل الصالح.
ولا إثم عليك فيما لو أصرت والدتك على رأيها، ورأيت أنت الزواج منه، ويشترط لصحة النكاح وجود وليك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وولي المرأة: هو أبوها ثم ابنها ثم أخوها ثم ابن أخيها ثم عمها ثم ابن عمها، على ترتيب العصبات، فإن لم يكن لها ولي زوجها القاضي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وسعي المرأة في الزواج وتسهيلها المهر، دليل على رجاحة عقلها وحسن تفكيرها، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الأمر، ويهديك إلى الرشد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/346)
هل تتزوج مسلماً أهله كاثوليك؟ هل يُنسب أولادها لقومه الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إذا تزوج مسلم تحول حديثا للإسلام هل يهم إذا كانت عائلته كاثوليكية؟ أيضا بعد الزواج هل يأخذ الأطفال الاسم الأخير للأب حيث إنه غير مسلم؟ أرجوكم انصحوني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرَّم الإسلام على المرأة التزوج بغير مسلم، وهو أمرٌ متفق عليه لا خلاف بين العلماء في هذا الحكم.
قال القرطبي – رحمه الله -:
وأجمعت الامة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه؛ لِما في ذلك من الغضاضة على الإسلام.
" تفسير القرطبي " (3 / 72) .
وينظر أجوبة الأسئلة: (69752) و (6402) و (22468) .
ويجوز للمسلمة أن تتزوج مسلماً هداه الله للإسلام بعد أن كان كافراً، ولا يهم أن تكون أسرته كاثوليكية أو غيرها من مذاهب وأديان الكفر، ولا يهم ـ كذلك ـ ما إذا كانت هدايته للإسلام قديمة، أو كان قد دخل في الإسلام لتوه؛ لكن المهم ـ كل الأهمية حقا ـ أن يكون إسلامه حقيقيّاً لا صوريّاً من أجل الزواج بمسلمة؛ حيث وُجد من يُظهر دخوله في الإسلام عن اقتناع ويكون الحال خلاف ذلك، فإن عُلم هذا الحال منه: فلا تجري على مثل هذا أحكام الإسلام.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا بد أن تفهم الكلمة وتعقلها، " لا إله إلا الله " أفضل الكلام , وهي أصل الدين، وأساس الملة، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوامهم، فأول شيء بدأ به الرسول قومه أن قال قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا , قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25، وكل رسول يقول لقومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) فهي أساس الدين والملة، ولا بد أن يعرف قائلها معناها , فهي تعني أنه لا معبود بحق إلا الله، ولها شروط وهي: العلم بمعناها، واليقين وعدم الشك بصحتها، والإخلاص لله في ذلك وحده، والصدق بقلبه ولسانه، والمحبة لما دلت عليه من الإخلاص لله، وقبول ذلك، والانقياد له، وتوحيده ونبذ الشرك به مع البراءة من عبادة غيره , واعتقاد بطلانها، وكل هذا من شرائط قول لا إله إلا الله وصحة معناها، يقولها المؤمن والمؤمنة مع البراءة من عبادة غير الله، ومع الانقياد للحق، وقبوله، والمحبة لله، وتوحيده، والإخلاص له، وعدم الشك في معناها؛ فإن بعض الناس يقولها وليس مؤمناً بها كالمنافقين الذين يقولونها وعندهم شك أو تكذيب.
فلا بد من علم، ويقين، وصدق، وإخلاص، ومحبة، وانقياد، وقبول، وبراءة.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 49، 50) .
وانظر تفصيل شروط شهادة (لا إله إلا الله) بأدلتها في جوابي السؤالين: (9104) و (12295) .
ثانياً:
وبعد زواج المسلمة بمسلم فإن أولادهما يُنسبون إلى أبيهم، ولا يجوز غير ذلك، حتى لو كان أهله كفاراً، فهذا نسبٌ تُبنى عليها أحكام كثيرة كصلة الرحم والمواريث وتحريم أو إباحة الزواج، وغير ذلك، ولذا فلا يجوز نسبة الابن المسلم لغير أبيه وأسرته، وقد جاءت النصوص النبوية بالتشديد في هذا الأمر، وجعل مخالفه واقعاً في كبيرة من كبائر الذنوب.
عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن ادَّعَى أَباً فِي الإِسْلامِ غَيْرَ أَبيهِ يَعْلَمُ أنَّه غَيْرُ أَبِيهِ فالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) .
رواه البخاري (4072) ومسلم (63) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيْسَ مِن رجل ادعى لِغَيْرِ أَبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ، وَمَن ادَّعَى قَوْماً لَيْسَ لَهُ فِيهِم نَسَبٌ فَلْيَتَبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) .
رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وفي الحديث: تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والادعاء إلى غيره.
" فتح الباري " (10 / 308) .
ولا يُعرف في الأنبياء والصحابة والتابعين وأهل العلم من غيَّر نسبه من أجل كون آبائه أو أجداده كفَّاراً! بل لا يفعل ذلك عاقل؛ لما يترتب على ذلك من أمورٍ منكرة.
ولو تأمل أحدٌ كتب التراجم فسيجد أسماء أعجمية لآباء وأجداد كثير من علماء المسلمين؛ حيث منَّ الله على الأبناء بالإسلام وظلَّ أهاليهم على الكفر، ولم يتغير نسب هؤلاء العلماء لأهاليهم وقبائلهم مع وجود الأعجمية في الأسماء، والكفر في الأديان.
ولمَّا حرَّم الشرع التبني حرَّم نسبة المتبنّى لغير أبيه وقبيلته، قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الأحزاب/5.
وفي حال عدم معرفة الأب لكونه لقيطاً – مثلاً – فإنه لا ينسب لأحدٍ بعينه، بل يُدعى بالأخوة والمولاة، كما قال تعالى في تتمة الآية السابقة: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) .
ومن الأشياء المنكرة التي تبع فيها بعض المسلمين أهلَ الكفر هو نسبة الزوجة لزوجها! وهذا أمرٌ محرَّم ومنكر، بل يجب أن تنسب لأبيها.
وقد بيَّنا حكم انتساب الزوجة لغير أبيها في أجوبة الأسئلة رقم: (2537) و (1942) و (4362) و (6241) .
والخلاصة:
يجوز للمسلمة التزوج بمسلم أسلم حديثاً إذا كان إسلامه عن صدق ويقين، ولا يهم كون أهله على أي مذهب كفري، ويجب أن يُنسب الأبناء لأبيهم المسلم وآبائه وأجداده ولو كانوا كفّاراً، ولا يجوز غير ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/347)
حكم الزواج من شيعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم بالزواج من فتاة مسلمة " شيعية " علماً بأني مسلم على مذهب أهل السنة والجماعة، وللعلم بأن تلك الفتاة وبحكم أنها من أحد البلدان العربية لا توجد لديها تلك البدع التي يؤمن بها الكثير من الشيعة، بل إنها قريبة كل القرب من مذهب أهل السنة والجماعة ما عدا في بعض الأمور والتي أحاول أن أقنعها بأنها أمور غير صحيحة، وأنه يجب أن تتثبت من كل شيء في دينها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الله تعالى قد وفقك وهداك لالتزام طريق أهل السنة والجماعة فإنك ولا بد تعلم مدى البُعد بين ما عليه أهل السنة والجماعة وما عليه الشيعة.
والأصول التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة كثيرة، ومن ذلك: اعتقادهم بتحريف القرآن، واعتقادهم بعصمة أئمتهم، وتكفيرهم للصحابة رضي الله عنهم إلا نفرا يسيرا منهم، وتعظيمهم للقبور والمشاهد وتعميرها بدعاء صاحب القبر والاستغاثة به من دون الله تعالى، أضف إلى ذلك حقدهم وبغضهم الشديد لأهل السنَّة والجماعة وتكفيرهم لهم، فكيف سيكون حال الزواج من هؤلاء الشيعة لو حصل؟ وكيف سيكتب له النجاح مع وجود هذه التناقضات في الدينيْن؟ وكيف سيربَّى الأولاد؟ هل على توحيد الله تعالى أم على الشرك به؟ وهل سيُعلَّمون حب الصحابة رضي الله عنهم أم بغضهم؟ وهل سيقال لهم بعصمة الأئمة الاثني عشر أم بجواز حصول السهو والخطأ منهم؟ في أشياء أخرى كثيرة متناقضة.
ومن حيث عقد النكاح: فإن كانت تلك المرأة تعتقد هذه الاعتقادات أو بعضها: فإن العقد باطل، ولا يحل لك نكاحها؛ لأن هذه لاعتقادات مضادة لدين الإسلام، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) البقرة/221.
وأما إن كانت ممن لا يحمل هذه الاعتقادات ولا بعضها، أو أنها كانت على عقيدتهم ثم تركتها واتجهت للتوحيد والسنَّة: فيجوز لك الزواج بها، وأنت مأجور على إعانتها على التخلص من تلك البيئة الفاسدة.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن الرافضة هل تزوَّج؟ .
فأجاب:
" الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي.
وإن تزوج هو رافضية: صح النكاح، إن كان يرجو أن تتوب، وإلا فترك نكاحها أفضل؛ لئلا تفسد عليه ولده " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (32 / 61) .
فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة؛ لما للزوج من أثر على زوجته، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه.
فإن كنت ترى منها توجها للاستقامة على طريق الحق، ورأيت منها بغضا وتركاً لما عليه أهلها من اعتقادات وأفعال: فلا حرج عليك من التزوج بها. وإن كان الأفضل أن تبحث عن صاحبة دين كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/348)
زوَّر ورقة عزوبة ليتزوج بالثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[قريبتي تزوجت برجل متزوج، من غير إخبار أهله؛ لأنه تزوج من الأولى لرغبة أبيه، المشكل: لقد تزوج بقريبتي على الطريقة الشرعية إلا أن هذا الشخص أتى بورقة العزوبة تزويراً لأنه:
1. القانون الجديد في بلدنا لا يسمح للرجل التزوج من الثانية إلا بموافقة زوجته الأولى.
2. لا يريد حاليّاً الطلاق من الأولى، وهو ليس لديه مصاريف الطلاق.
علماً أن له ولداً منها، سافر الآن خارج البلد لتحسين دخله وللعيش هناك وبالتالي حل مشاكله لأنه كما يقول لا يريد البقاء مع زوجته الأولى، وفي نفس الوقت إذا كانت تريد الجلوس في بيت أبيه حيث تجلس بدون تطليق من أجل الولد، ولحال عائلتها المزرية، ولكن لن يعاشرها، فهو يقول هي تختار لأنه لا يريد طردها علما أن أمر الزواج لا يعلمه أهله لتفادي المشاكل مع أبيه.
السؤال: هل هذا الزواج صحيح بورقة العزوبة المزورة؟ هل نحن أهل الزوجة الثانية آثمون لتشجيعه للزواج بهذه الطريقة، وبهده الورقة المزورة - علما أننا شجعناه؛ لأن بنتنا - وللأسف - كانت في علاقة غير شرعية معه قبل زواجه من الأولى، فلخوفنا من هذا الحرام طالبناه بالزواج منها، ولو بهذه الطريقة -؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
نأسف لحال الدول التي تنتسب للإسلام ثم هي تحارب الإسلام، وتضيق على المسلمين في شعائرهم وطاعاتهم لربهم تعالى، وفي الوقت الذي تفتح هذه الدول الأبواب على مصارعها للفساد والانحلال والتحلل من الأخلاق الفاضلة نجدها تضيق الخناق على من يرغب بالتعدد في الزواج الذي أباحه الله تعالى، فبعض هذه الدول تمنعه بالكلية، وبعضها الآخر تشترط رضا الزوجة الأولى! – وأي زوجة لو عُرض عليها ستقبل؟! – وبعضها تشترط دخلاً معيَّناً يعجز عنه كثيرون وهم قادرون على التعدد.
وعلى هذه الدول أن تتقي الله ربها في مخالفة شرع الله، ولا يجوز لأحدٍ من العلماء والقضاة أن يقبل بهذه التشريعات، وما يوجد من ظلم لدى بعض المعددين فإنه يوجد أضعافه في أصحاب الزوجة الواحدة فهل هذا سيؤدي بهم إلى إلغاء الزواج من الأولى أيضاً؟! .
ومن العجب أن هذه القوانين تبيح المحرم ولا تراه جريمة ولا منكراً، وتحرم الحلال وتراه جريمة منكرة، فهذا الرجل الذي سألت عنه، وقد كانت له علاقة محرمة بهذه المرأة قبل زواجه بها، لو وصلت تلك العلاقة إلى القانون لأباحها القانون طالما حصل ذلك بالتراضي، وكانت المرأة رشيدة!! أما أن يتخذها زوجة فهذا هو المحرم المنكر عندهم، فيقولون: يجوز لك أن تتخذها عشيقة، ولا يجوز أن تتخذها زوجة! ألا ساء ما يحكمون!
فمثل هذه القوانين الباطلة التي تحارب شرع الله، لا حرج على المسلم في التحايل عليها والتهرب منها.
فمن رغب في التعدد فأحضر ورقة مزورة من أجل إتمام عقده: فلا حرج عليه؛ لأن القانون الذي منعه من التعدد قانون باطل، ولا يُلزم المسلم بطاعته والانقياد له، لكن ينبغي للزوج أن يدرس الآثار المترتبة على هذا الفعل، لأنه قد يترتب على هذا مفاسد كثيرة أو أضرار.
ولا حرج أيضاً على أهل الزوجة الثانية الذين علموا بهذه الورقة المزورة وزوجوه، ولا شك أن هذا خير لهم ولابنتهم ولزوجها من البقاء في علاقة محرمة.
ثانيا:
لا ينبغي للأب أن يجبر ابنه على الزواج بامرأة لا يريدها، ولا ينبغي للابن أن يطيعه في هذه الحال، لأنه بهذه الطريقة لن تكون هناك المودة والرحمة والسكن بين الزوجين، بل قد يقع الزوج في ظلم زوجته لكراهته لها، ومثل هذه الزيجات تتعرض كثيراً للفشل، ولا يجني الزوجين من ورائها إلا المتاعب والمشاكل وتشتت الأولاد.
ومع هذا، فلا ذنب للمرأة، بأن يسيء معاملتها من أجل أنه تزوجها وهو كاره، وإذا كان يريد إرضاء أبيه فإن عليه أن يحسن إلى زوجته ويعطيها حقوقها، ويرضى بها زوجة لها حقوقها الكاملة من المعاشرة بالمعروف، فإن لم يحصل هذا ولم يستطع إمساكها بمعروف فليسرحها بإحسان، بتطليقها وإعطائها حقها كاملاً من غير نقصان.
وإذا كانت المرأة ترغب ببقائها على ذمته، ينفق عليها، ويرعى ولدها دون معاشرة: فإنه يجوز لها أن تقبل بذلك، وهكذا لو عرض هو الأمر عليها ووافقت.
عَنْ عَائِشَةَ في قوله تعالى: (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) الْآيَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَطُولُ صُحْبَتُهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَمْسِكْنِي، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنِّي، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ. رواه البخاري (2318) ومسلم (3021) .
وفي رواية عند البخاري (2584) : قَالَتْ عائشة: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا فَتَقُولُ أَمْسِكْنِي، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ، قَالَتْ: فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
الرجل إذا قضى وطراً من امرأته وكرهتها نفسه، أو عجز عن حقوقها: فله أن يطلقها، وله أن يخيِّرها، إن شاءت أقامت عنده ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة أو في بض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه، فإن رضيت بذلك: لزم، وليس لها المطالبة به بعد الرضى.
هذا موجب السنَّة ومقتضاها، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره، وقول من قال: إن حقها يتجدد فلها الرجوع في ذلك متى شاءت: فاسد؛ فإن هذا خرج مخرج المعاوضة، وقد سماه الله تعالى صلحاً، فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق والأموال، ولو مكنت من طلب حقها بعد ذلك: لكان فيه تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه ولم يكن صلحا، بل كان من أقرب أسباب المعاداة، والشريعة منزهة عن ذلك، ومن علامات المنافق أنه إذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، والقضاء النبوي يرد هذا.
" زاد المعاد " (5 / 152، 153) .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام مثل هذا في " مجموع فتاوى ابن تيمية " (32 / 270) .
ثالثاً:
وقد ذكرتم في سؤالكم أنه كان على علاقة غير شرعية معها، فإن كان معنى ذلك: الزنا، فاعلموا أنه لا يصح زواج الزاني ولا الزانية حتى يتوبا، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11195) و (14381) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(6/349)