كيف يكون إعفاء اللحية واجباً مع أن الله لم يأمر به في القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يتعلق بالسؤال رقم 3431 (الشرك) ، إذا أمر الوالدان ابنهما بحلق لحيته، فكيف يكون ذلك شركا؟ لأنه لم يرد في القرآن (أمر بوجوب) أن يربي المسلم لحيته، بل وردت التوصية بذلك كي يظهر المسلم في صورة التقى والصلاح، ومن الممكن تحقق ذلك المقصد بطرق مختلفة، وليس بالضرورة بتربية اللحية. وعليه، فكيف يمكن أن يكون في حلق اللحية مخالفة لأوامر الله سبحانه وتعالى؟ إن تربية اللحية ليس مما أمر الله سبحانه وتعالى به. وعليه، فإذا أمرني شخص بحلق لحيتي وأطعته في ذلك، فأنا لا أقترف الشرك بفعلي ذاك، لأني لا أخالف أوامر الله سبحانه وتعالى. أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معلوم أن أوامر النبي عليه الصلاة والسلام هي من أوامر الله تعالى، وأن الله تعالى أمرنا أن نطيع رسوله، وقد جاءت الأحاديث عنه في الأمر بتربية اللحى والنهي عن حلقها، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية ... الحديث) وإعفاؤها: تركها، وهي من الفطرة أي من السنة، وهي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن حلقها فقد خالف السنة، ويكون بذلك قد عصى، وقد أمرنا الله بطاعة رسوله بقوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) ، ونهانا عن معصيته بقوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله يدخله نارا خالدا فيها) ، وتوعّد من يخالف أمره بقوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) . ونعلم أن رسول الله قدوتنا وأسوتنا لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي قدوة حسنة فنتبعه في أفعاله، وقد كان عليه الصلاة والسلام يُعفي لحيته ولا يأخذ منها، وما روي أنه كان يأخذ من طولها وعرضها فلم يثبت شيء من ذلك. وقد ذكر الله في كتابه أن نبيه هارون كان معفيا لحيته وذلك لمّا قال لأخيه: (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) فدلّ على أنهم كانوا يعفون اللحى.
ولا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) . فمن أطاع إنسانا وعصى الله تعالى فقد أطاع في معصية، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الطاعة في المعروف) . فولاة الأمر إذا أمروا بمعصية فلا يطاعون في ذلك، وإذا أمروا بمعروف فطاعتهم من طاعة الله، وكذلك الوالدين.
والله أعلم
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/8497)
المقصود بجملة " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ما يعرف بـ " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية؟ . أفيدونا، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مسألة " اختلاف – أو تغيُّر - الفتوى باختلاف الزمان والمكان ": لنا معها وقفات:
1. يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة: غير قابلة للتغيير، مهما اختلف الزمان، والمكان، فتحريم الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، وما يشبه ذلك من الأحكام: لن يكون حلالاً في زمان، أو في مكان؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي، ولاكتمال التشريع بها.
2. اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة مطية لهم للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر، ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول، ولا يسلم لهم الاستدلال بها، فهي لا تخدم أغراضهم، وإنما نص الجملة في " الفتوى "، لا في " الأحكام الشرعية "، وبينهما فرق كبير، فالأول في مسائل الاجتهاد، وما كان بحسب الواقع، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث؛ فإنه ما من قضية، كائنة ما كانت، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علِم ذلك مَن علمهُ، وجهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال ": ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية، وتصوراتهم الخاطئة الوبية، ولهذا تجدهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها، منقادة إليها، مهما أمكنهم، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان ": مراد العلماء منه: ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (12 / 288، 289) .
3. القول بتغير الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي يعني تجويز تحريف الدِّين، وتبديل أحكامه، والقول بذلك يعني تجويز النسخ بعد كمال التشريع، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليُعلم أن الإجماع نفسه لا يمكن أن ينسخ حكماً ثابتاً في الشرع إلا أن يكون مستنده النص، فإن لم يكن كذلك – وهو غير واقع في حقيقة الأمر -: كان القول به تجويزا لتبديل الشريعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن " الإجماع " يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذُكر عنهم: أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً! فإن كانوا أرادوا ذلك: فهذا قول يجوِّز تبديل المسلمين دينَهم بعد نبيِّهم، كما تقول النصارى مِن: أن المسيح سوَّغ لعلمائهم أن يحرِّموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دين المسلمين، ولا كان الصحابة يسوِّغون ذلك لأنفسهم، ومَن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك: فإنه يستتاب، كما يستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم، والمفتي، فيصيب، فيكون له أجران، ويخطئ، فيكون له أجر واحد.
" مجموع الفتاوى " (33 / 94) .
وهذا من أعظم خصائص الشريعة وأحكامها القطعية.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية -:
الثبوت من غير زوال، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً، ولا تخصيصاً لعمومها، ولا تقييداً لإطلاقها، ولا رفعاً لحكم من أحكامها، لا بحسب عموم المكلفين، ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان، ولا حال دون حال، بل ما أثبت سبباً: فهو سبب أبداً لا يرتفع، وما كان شرطاً: فهو أبداً شرط، وما كان واجباً: فهو واجب أبداً، أو مندوباً: فمندوب، وهكذا جميع الأحكام، فلا زوال لها، ولا تبدل، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية: لكانت أحكامها كذلك.
" الموافقات " (1 / 109، 110) .
4. ضابط فهم هذه العبارة في أمرين:
أ. التغير في الفتوى، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله.
ب. التغير سببه اختلاف الزمان، والمكان، والعادات، من بلد لآخر.
وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله:
" فصل، في تغير الفتوى، واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد "، والعوائد: جمع عادة، وهو فصل نفيس، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة، فلتنظر في " إعلام الموقعين " (3 / 3 فما بعدها) .
ونضرب على ذلك أمثلة، منها:
1. اللُّقَطة، فإنها تختلف من بلد لآخر، ومن زمان لآخر، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه، وتملكه من غير تعريف، فيختلف الأمر في البلد نفسه، فالمدينة غير القرية، ويختلف باختلاف البلدان، والأزمنة.
2. زكاة الفطر، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً، بمقدار صاع، وقد نص الحديث على " الشعير "، و " التمر "، و " الإقط "، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان، فالشعير صار طعاماً للبهائم، والتمر صار من الكماليات، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل، وعليه: فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز، وآخر يفتي بإخراجها ذرة، وهكذا.
فالحكم الشرعي ثابت ولا شك، وهو وجوب زكاة الفطر، وثابت من حيث المقدار، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج.
والأمثلة كثيرة جدّاً، في الطلاق، والنكاح، والأيمان، وغيرها من أبواب الشرع.
وانظر مثالاً صالحاً لهذا في جوابنا على السؤال رقم (125853) .
قال القرافي رحمه الله:
فمهما تجدد في العُرف: اعتبره، ومهما سقط: أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك: لا تُجْرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك، ودون المقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح.
والجمود على المنقولات أبداً: ضلال في الدِّين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق، والعتاق، وجميع الصرائح والكنايات، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية.
" الفروق " (1 / 321) .
وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق -:
وهذا محض الفقه، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وأحوالهم، وقرائن أحوالهم: فقد ضلَّ، وأضل، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وطبائعهم، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل: أضر ما يكونان على أديان الناس، وأبدانهم، والله المستعان.
" إعلام الموقعين " (3 / 78) .
ولينظر جواب السؤال رقم: (39286) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8498)
يريد أن يقصر من لحيته لشغل منصب كبير يخدم به المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن أقصر لحيتي من أجل الحصول على وظيفة رفيعة في الحكومة أستطيع من خلالها مساعدة إخواني المسلمين في بلدي. فالوظيفة تتمثل في منصب رفيع جدا وسلطة في سياسات البلد وخلال المقابلة ربما لا يقبلون بمسلم ذي لحية طويلة مثل لحيتي. أما إذا تم اختياري في هذا المنصب فإنه يمكنني مساعدة غيري من المسلمين في بلدي بشتى الطرق ويمكنني كذلك أن يكون لي سيطرة على صناع القرار. كما أنه في بلدي لا يوجد إلا القليل من المسلمين في هذه المناصب ولذلك فإن هذا المنصب سوف يمنحني الفرصة لمساعدة الدول الإسلامية النامية الاقتصادية الأخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية وتوفيرها في عدة أحاديث، ومنها أخذ العلماء وجوب ترك اللحية على حالها وحرمة حلقها أو قصها وتقصيرها.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75525) .
لكن إذا كان الأمر كما ذكرت من أن تقصير اللحية سيساعدك على تقلد منصب رفيع، تستطيع به أن تعين إخوانك المسلمين، وتؤثر على صناع القرار في بلدك، بما لا تستطيع فعله بغير تقصيرها، فإننا نرجو أن يجوز لك تقصيرها لهذا المقصد، ويقتصر في ذلك على قدر الحاجة.
سُئِلَ شَّيْخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل متول ولاية ومطلوب منه أن يجمع أموالاً من الناس بالقهر والظلم وهو يستطيع تخفيض تلك الأموال إلى النصف، ولو ترك العمل، لجاء غيره وألزم الناس بالمال كله، بل ربما زاد عليهم الظلم، فهل يجوز له الاستمرار في عمله وولايته؟
فأجاب رحمه الله: " الحمد لله، نعم إذا كان مجتهدا في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه وولايتُه خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما قد ذكر، فإنه يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع ولا إثم عليه في ذلك؛ بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه. وقد يكون ذلك عليه واجبا إذا لم يقم به غيره قادرا عليه. فنشر العدل بحسب الإمكان ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30 / 356-357) .
وقد أجاز علماؤنا أشياء مثل هذا نظراً لما يترتب على ذلك من مصالح عظيمة، وقد ذكرنا فتويين للشيخين عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله في ذلك في جواب السؤال رقم (34718) فراجعه فإنه مهم.
ومتى تمكنت من إعفائها وجب عليك إعفاؤها.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8499)
لماذا حصل الاختلاف في مسائل الفقه بين الأئمة؟ وهل يجب تقليد أحد المذاهب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مع بالغ احترامي للأئمَّة الفضلاء، إلا أنني أستغرب لماذا قضية " التمذهب " الموجودة في هذه الأيام، ألم تكن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة، فلماذا الاختلاف إذاً؟ هذا حنفي، وهذا شافعي ... إلخ، ألم يكن يتبع هؤلاء الأئمة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، فمِن أين نشأ الخلاف؟ وهل يجب على المسلم أن يتبع مذهباً محدَّداً، أم أنه يكفيه أن يتبع الكتاب، والسنَّة، وكفى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بُعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام الخالدة، وقد أُمر المسلمون باتباع ما جاء في كتاب ربهم تعالى، وما جاء في سنته صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرتوون من هذين المصدرين، ثم إنهم رضي الله عنهم قاموا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمهة تعليم الناس دينهم، وقد تفرقوا في الأمصار، ولا شك أنهم لم يكونوا سواء في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كان منهم أحفظ كانت فتياه مطابقة للسنَّة، ومن لم يكن حافظاً فإنه يجتهد لمعرفة الصواب، وهكذا كان اختلافهم في الحفظ سبباً لاختلافهم في الفتيا.
ثم إن النص الواحد قد يكون محفوظاً لكلا الصحابيين، لكنَّ كل واحدٍ منهما يفهم منه غير ما فهم الآخر، ويكون النص محتملاً لهذا، وذاك، وكل واحد منهما يجتهد في فهم النص وفق مراد الشرع، والمصيب منهما واحد، وهكذا كان الاختلاف في فهم النص من أسباب اختلافهم.
ثم انتشر العلم في الآفاق، وصار في هذا الدين أئمة علم وهدى، ومنهم الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) ، فظهرت أسباب أخرى لاختلافهم غير ما سبق، وهو اختلافهم في صحة الحديث وضعفه، واختلافهم في بعض قواعد فهم النصوص، وهو ما اصطلح على تسميته " أصول الفقه ".
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"أما أسباب اختلاف العلماء فكثيرة، منها: أن كل واحد منهم لا يحيط بالعلم كله فقد يخفى عليه ما علم غيره، وقد يفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 178) .
وبهذا يتبين ما يلي:
1. الواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في القرآن الكريم، وما ثبت في السنَّة النبوية، ولا يجب عليه التمذهب بمذهب فقهي معين.
2. أن الاختلاف بين العلماء له أسبابه الكثيرة، وقد جُمعت هذه الأسباب في كتاب " رفْع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكتاب " أسباب اختلاف العلماء وموقفنا من ذلك " للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
3. أن أئمة الدين ليسوا أربعة فقط، بل هم كُثر، لكن الله تعالى جعل الشهرة للأئمة الأربعة رحمهم الله.
4. هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين مذهبهم هو اتباع النصوص، وتعظيمها، وقد أمرونا بذلك، ونهونا عن تقليدهم، فمن رضيهم له أئمة: فليرض مذهبهم.
فلم يدعُ واحد من أئمة الدين الناس لتبني أقواله وتقديمها على أقوال غيره، وقد نزههم الله تعالى عن هذا، بل قد ثبت عنهم جميعاً التحذير من هذا الفعل، والوصية بالأخذ من الكتاب والسنَّة.
5. أن هذه المذاهب هي بمثابة مدارس لفهم الكتاب والسنة، وأئمتها اجتهدوا للوصول إلى الأحكام التي يرون أنها أقرب إلى الكتاب والسنة، ولا حرج على المسلم أن يتمذهب بمذهب من هذه المذاهب، ولكن بشروط أنه من ظهرت له السنة النبوية في خلاف ما علمه من مذهبه، فالواجب عليه ترك المذهب واتباع السنة، وهذه هي وصية هؤلاء الأئمة، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله وغيره: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".
6. الناس ليسوا سواء ف الاطلاع على نصوص الوحي، ولا سواء في إمكانية فهم النصوص، لذا، فقد ارتضت طائفة كبيرة من المسلمين بتقليد هؤلاء الأئمة، وبما أن الشهرة كانت لأولئك الأئمة الأربعة، وكان لهم تلاميذ نشروا أقوالهم: صرت ترى ذلك المقلد "حنفيّاً" أو "مالكياً" أو "شافعيّاً" أو "حنبلياً"، وغالباً ما يكون مذهب أولئك العوام مذهب شيخهم في مدينتهم، أو قريتهم، وهذا العامي لا حرج عليه في فعله؛ لأنه مأمور بسؤال أهل العلم، لكن ليس له أن يُنكر على غيره تبني قولاً آخر، وليس له أن يفتي، ولا أن يتعصب لقول شيخه، بل متى ظهر له الحق فيجب عليه العمل به، ولا يسعه غير ذلك.
وللوقوف على طائفة من أقوال العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة: انظر أجوبة الأسئلة: (21420) و (103339) و (21420) و (99884) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8500)
تحريم حلق اللحية والفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في نقاش مع أحد الأشخاص عن حكم حلق اللحية, فقال لي: إن حكم اللحية واجب وليس بفرض, فتارك الفرض يأثم أما تارك الواجب فلا يأثم, فقلت: إن الفرض والواجب عند أهل العلم نفس المعنى فقال: إن أبا حنيفة يفرق بين الفرض والواجب.. فأرجو التفصيل في المسألة في الفرق بين الواجب والفرض، وذكر أقوال العلماء مع الترجيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الأصوليون في الفرض والواجب هل هما مترادفان أو لا؟ على قولين: فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنهما مترادفان، وذهب الحنفية إلى التفريق بينهما، فالفرض عندهم: ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظني أو فيه شبهة، ورتبوا على ذلك أن منكر الفرض يكفر، بخلاف منكر الواجب، لكن تارك الفرض والواجب آثم معرض للعقاب عندهم.
قال في "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (2/303) : " قوله: (وأما الفرض فحكمه اللزوم عِلما وتصديقا بالقلب) أي: يجب الاعتقاد بحقيته قطعا ويقينا، لكونه ثابتا بدليل مقطوع به. وهو الإسلام، أي: الاعتقاد بهذه الصفة يكون إسلاما، حتى لو تبدل بضده يكون كفرا. (وعملا بالبدن) أي: يجب إقامته بالبدن، حتى لو ترك العمل به غير مستخِفٍّ به يكون عاصيا , وفاسقا إذا كان بغير عذر , ولكنه لا يكون كافرا إلا أنه ترك ما هو من أركان الشرائع...... ويكفر جاحده ...
وأما حكم الوجوب، أي: الواجب، فلزومه عملا لا علما، أي: يجب إقامته بالبدن , ولكن لا يجب اعتقاد لزومه ; لأن دليله لا يوجب اليقين.
إذا ترك العمل به فهو على ثلاثة أوجه: أما إن تركه مستخِفًّا بأخبار الآحاد بأن لا يرى العمل بها واجبا، أو تركه متأولا لها، أو تركه غير مستخِفٍّ , ولا متأول. ففي القسم الأول: يجب تضليله , وإن لم يكفر ; لأنه راد لخبر الواحد وذلك بدعة.
وفي القسم الثاني: لا يجب التضليل , ولا التفسيق....
وفي القسم الأخير: يفسق , ولا يضلل ; لأن العمل به لمَّا وجب كان الأداء طاعة والترك من غير تأويل عصيانا وفسقا، هذا هو المذكور في عامة الكتب، وعليه يدل كلام شمس الأئمة رحمه الله أيضا , وهو الصحيح " انتهى باختصار.
فتبين بهذا أن الواجب عند الأحناف يلزم العمل به، وأن تاركه من غير تأويل ولا استخفاف: فاسق عاص، فليس الأمر كما زعم صاحبك من أن تارك الواجب لا يأثم عند الحنفية.
ثانيا:
يجب إعفاء اللحية ويحرم حلقها للأدلة الصريحة الآمرة بإعفائها وتوفيرها.
وينظر جواب السؤال رقم (82720) .
وقد صرح الحنفية بتحريم حلق اللحية.
قال في "الدر المختار مع حاشية ابن عابدين" (6/407) : " يحرم على الرجل قطع لحيته " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8501)
هل هناك تعارض بين قول الله تعالى وأن تصوموا خير لكم وحديث إن الله يحب أن تؤتى رخصه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن محو التعارض الظاهر بين قول الله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) ، وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
باب الرخصة والعزيمة من الأبواب التي تدرس في علم أصول الفقه، وقد عرف الأصوليون الرخصة بأنها الأحكام التي شرعها الله تعالى بناء على أعذار العباد، رعاية لحاجاتهم، مع بقاء السبب الموجب للحكم الأصلي.
قال الزركشي:
" هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر " انتهى.
" البحر المحيط " (1/262) .
وعرفها الشاطبي بقوله:
" هي ما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه " انتهى.
" الموافقات " (1/466)
وأمثلتها: التلفظ بالكفر عند الإكراه، والأكل من الميتة عند الضرورة، وغير ذلك.
ثانيا:
بين العلماء أن الرخص ليست على حكم شرعي واحد، وإنما تعتريها الأحكام الشرعية المختلفة:
1- الوجوب: كالأكل من الميتة عند الضرورة، فهذه رخصة واجبة: مَن تَرَكَها أَثِم، لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة/195.
2- الاستحباب والندب: مثاله قصر الصلاة في السفر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ) رواه مسلم (رقم/686)
3- الإباحة: مثاله عقد السلم، والعرايا، وهي: بيع الرطب على رؤوس الأشجار خرصا بالتمر كيلا، وشبه ذلك من العقود. عن سهل بن أبي حثمة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر، ورخص في العرايا، أن يشتري بخرصها، يأكلها أهلها رطبا) رواه أبو داود (رقم/3363) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
4- خلاف الأولى: كفطر المسافر الذي لا يتضرر بالصوم، قالوا: وإنما كانت هذه الرخصة خلاف الأولى أخذا من قوله تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة/184، فالصوم مأمور به في السفر أمرا غير جازم، وهو يتضمن النهي عن تركه، وما نهي عنه نهيا غير صريح فهو خلاف الأولى، وقد سبق بيان هذا الحكم في جواب السؤال رقم: (20165)
ثالثا:
بناء على ما سبق يتبين أن الرخصة الشرعية تعتريها عدة أحكام، وليس حكم الندب فقط كما هو المشهور. وعلى ذلك، فقوله عليه الصلاة والسلام، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ) رواه ابن حبان في " صحيحه " (رقم/354) ، قال المنذري في " الترغيب والترهيب " (1/! 47) : إسناده حسن. وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (3/10) .
لا يعني استحباب كل رخصة على كل عزيمة مطلقا، بل وجهه العلماء بتوجيهات عدة منها:
1- أنه خاص في الرخص التي طلبتها الشريعة وحثت عليها ورغبت فيها، أو في حال ما إذا كانت العزيمة تسبب مشقة فادحة لا تأتي بمثلها الشريعة، وليس في كل رخصة يثبت الاستحباب:
يقول العلامة الشاطبي رحمه الله:
" قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) ؛ فالرخص الي هي محبوبة ما ثبت الطلب فيها، فإنا إذا حملناها على المشقة الفادحة التي قال في مثلها رسول الله, صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر) ، كان موافقا لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) النساء/28، بعدما قال في الأولى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة/184، وفي الثانية: (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) النساء/25. فليتفطن الناظر في الشريعة إلى هذه الدقائق ليكون على بينة في المجاري الشرعيات " انتهى.
" الموافقات " (1/517)
ويقول الشيخ أبو القاسم الأنصاري المعروف بابن الشاط:
" يمكن أن يحمل – يعني حديث ابن عباس السابق - على أن الرخص التي هي محبوبة ما ثبت الطلب فيه، أو ما أدى تركه إلى المشقة الفادحة التي قال في مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر) ، فيوافق قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم) ، بعد ما قال في الأولى: (وأن تصوموا خير لكم) ، وفي الثانية: (وأن تصبروا خير) " انتهى.
حاشية " الفروق " للقرافي (2/139)
2- وقال بعض أهل العلم: المقصود من الحديث دفع التكبر والترفع عن استباحة ما أباحته الشريعة، فهذا هو المذموم، أن يترفع المسلم عن الترخص بالرخص تنطعا، ففي هذه الحالة يحب الله من العبد أن يأتي بالرخص، كسرا لهذا الكبر، واعترافا بنعمة الله تعالى علينا بالتخفيف، وليس المقصود استحباب الترخص بكل رخصة.
يقول المناوي رحمه الله:
" لما فيه من دفع التكبر والترفع من استباحة ما أباحته الشريعة، ومَن أَنِفَ ما أباحه الشرع، وترفَّعَ عنه: فَسَدَ دينه؛ فأمر بفعل الرخصة ليدفع عن نفسه تكبرها، ويقتل بذلك كبرها، ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قبول ما جاء به الشرع " انتهى.
" فيض القدير " (2/376)
3- وذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود من الحديث تطييب قلوب الضعفاء الذين لا يقدرون على العزائم، فواساهم بأنهم يترخصون في الجملة بما يحب الله، وليس المقصود بيان أن كل رخصة حكمها الاستحباب.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله:
" – جاء الحديث - تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركون الميسور من الخير عليهم بعجزهم عن منتهى الدرجات، فما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين كلهم عليه اختلاف أصنافهم ودرجاتهم " انتهى.
" إحياء علوم الدين " (4/278)
فالحاصل أنه لا تعارض بين الآية والحديث، لأن كلا منهما يتنزل على حال مختلفة عن الأخرى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8502)
دراسة المنطق
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يدرس المنطق مع كتب أهل العلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
علم المنطق من العلوم التي أثارت جدلا واسعا بين العلماء عبر العصور السابقة، ما بين مؤيد له ومعارض، ولهذا الجدل أسباب موضوعية وأخرى تاريخية، فمن ذلك:
1- أن واضع هذا العلم هو أرسطو اليوناني قبل ولادة المسيح بنحو ثلاثمائة سنة، ثم ترجم إلى العربية في عهد الدولة العباسية بحدود سنة (180هـ) ، فكانت نشأة هذا العلم، عند اليونان، في عهود الظلام سبب تشكك وتردد الكثير من المسلمين في أخذه والثقة به.
2- اشتماله على شيء من الحق في طرائق الإثبات، وعلى كثير من الباطل في مبادئه وقواعده أيضا، وخاصة في جانب النفي، فكان الحق الذي فيه باعثا لبعض أهل العلم على قبول هذا العلم مع الدعوة إلى تصفيته، وباعثا لآخرين على إنكاره ورده جملة وتفصيلا.
3- استعمال الفلاسفة المفرط لهذا العلم في كتبهم ومخاطباتهم، واختلاطه بعلومهم اختلاطا فاحشا حتى غدا ركنا من أركانهم، وهذا ما حدا بكثير من أهل العلم إلى رده وإنكاره وتحريم تعلمه.
والنظرة التاريخية المنصفة تدل على أن الاتجاه الغالب لدى علماء الإسلام، في أول الأمر، كان نحو نبذ هذا العلم بجميع ما فيه: فالحق الذي فيه مستقر في العقول السليمة، ولا حاجة إلى قواعد أرسطو لضبطها، والباطل يجب نفيه ورده.
حتى جاء أبو حامد الغزالي فكان أول من أدخل المنطق في علم أصول الفقه، وشرحه في مقدمة مطولة لكتاب " المستصفى في أصول الفقه "، وشكك في علوم من لم يتعلم هذا العلم، - وإن كان قد ذم المنطق في آخر كتبه - وبعده انتشر وذاع في الآفاق بين المتكلمين والأصوليين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ما زال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمونه ويذمون أهله، وينهون عنه وعن أهله، حتى رأيت للمتأخرين فتيا فيها خطوط جماعة من أعيان زمانهم من أئمة الشافعية والحنفية وغيرهم، فيها كلام عظيم في تحريمه وعقوبة أهله، حتى إن من الحكايات المشهورة التي بلغتنا أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي، وقال: أخذها منه أفضل من أخذ عكا. مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحرا في العلوم الكلامية والفلسفية منه، وكان من أحسنهم إسلاما، وأمثلهم اعتقادا " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (9/8)
ويقول السيوطي رحمه الله:
" فن المنطق فن خبيث مذموم، يحرم الاشتغال به، مبني بعض ما فيه على القول بالهيولى الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة، وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية، نص على مجموع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة:
فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه، ونص عليه من أصحابه إمام الحرمين، والغزالي في آخر أمره، وابن الصباغ صاحب " الشامل "، وابن القشيري، ونصر المقدسي، والعماد بن يونس، وحفده، والسِّلَفي، وابن بندار، وابن عساكر، وابن الأثير، وابن الصلاح، وابن عبد السلام، وأبو شامة، والنووي، وابن دقيق العيد، والبرهان الجعبري، وأبو حيان، والشرف الدمياطي، والذهبي، والطيبي، والملوى، والأسنوي، والأذرعي، والولي العراقي، والشرف بن المقري، وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي، ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب " الرسالة "، والقاضي أبو بكر بن العربي، وأبو بكر الطرطوشي، وأبو الوليد الباجي، وأبو طالب المكي صاحب قوت القلوب، وأبو الحسن بن الحصار، وأبو عامر بن الربيع، وأبو الحسن بن حبيب، وأبو حبيب المالقي، وابن المنير، وابن رشد، وابن أبي جمرة، وعامة أهل المغرب، ونص عليه من أئمة الحنفية أبو سعيد السيرافي، والسراج القزويني، وألف في ذمه كتابا سماه "نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بحب علم المنطق"، ونص عليه من أئمة الحنابلة ابن الجوزي، وسعد الدين الحارثي، والتقي ابن تيمية، وألف في ذمه ونقضِ قواعده مجلدا كبيرا سماه " نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان " وقد اختصرته في نحو ثلث حجمه وألفت في ذم المنطق مجلدا سقت فيه نصوص الأئمة في ذلك.
وقول هذا الجاهل – كما جاء في السؤال الموجه إليه -: " إن المنطق فرض عين على كل مسلم "
يقال له: إن علم التفسير والحديث والفقه التي هي أشرف العلوم ليست فرض عين بالإجماع، بل هي فرض كفاية، فكيف يزيد المنطق عليها؟!
فقائل هذا الكلام إما كافر أو مبتدع أو معتوه لا يعقل.
وقوله: " إن توحيد الله متوقف على معرفته ": من أكذب الكذب، وأبلغ الافتراء، ويلزم عليه تكفير غالب المسلمين المقطوع بإسلامهم.
ولو قدر أن المنطق في نفسه حق لا ضرر فيه لم ينفع في التوحيد أصلا، ولا يظن أنه ينفع فيه إلا من هو جاهل بالمنطق لا يعرفه؛ لأن المنطق إنما براهينه على الكليات، والكليات لا وجود لها في الخارج، ولا تدل على جزء أصلا.
هكذا قرره المحققون العارفون بالمنطق " انتهى باختصار.
"الحاوي للفتاوي" (1/255-256)
ولكن ذلك كله لا يمنع أن يدرس طالب العلم المتخصص قواعد المنطق من كتب أهله، كي يطلع على طرائق هذا العلم ويتعرف إلى مناهج أهله، فيكون على بصيرة من اصطلاحات القوم وأساليبهم، فلا يقع في مغالطات بعضهم، وينتبه إلى ما عندهم من الحق فيعرضه بطريقته المعتدلة، فيجمع بين العلوم النافعة، وينتبه إلى العلوم الضارة، ويستعين على ذلك بالله تعالى أولا، ثم بأهل العلم الراسخين الذين مارسوا هذا العلم وخبروا ما فيه من حق وباطل، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة محمد الأمين الشنقيطي، حيث ألف الأخير كتابا في قواعد هذا العلم، صفاه من الدخل والغلط الذي راج على الكثيرين.
يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" ولما كان من المتوقع أن يواجه الدعاة إلى الحق دعاةً إلى الباطل مضللين، يجادلون لشبه فلسفية، ومقدمات سوفسطائية، وكانوا لشدة تمرنهم على تلك الحجج الباطلة كثيرا ما يظهرون الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، ويفحمون كثيرا من طلبة العلم الذين لم يكن معهم سلاح من العلم يدفع باطلهم بالحق، وكان من الواجب على المسلمين أن يتعلموا من العلم ما يتسنى لهم به إبطال الباطل وإحقاق الحق على الطرق المتعارفة عند عامة الناس، حمل ذلك الجامعة – يعني الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة – على إنشاء كلية الدعوة وأصول الدين، ومهمتها تخريج دعاة قادرين على تبليغ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وعلى إقحام وإلزام الدعاة المضللين ببيان ما يصحح أدلتهم ويظهر بطلان حجج خصومهم.
ومن أجل ذلك قررت في منهج هذه الكلية تدريس مادة (آداب البحث والمناظرة) لأنه هو العلم الذي يقدر به من تعلمه على بيان مواضع الغلط في حجة خصمه، وعلى تصحيح مذهبه بإقامة الدليل المقنع على صحته أو صحة ملزومه أو بطلان نقيضه ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن المقدمات التي تتركب منها الأدلة التي يحتج بها كل واحد من المتناظرين إنما توجه الحجة بها منتظمة على صورة القياس المنطقي.
ومن أجل ذلك كان فن آداب البحث والمناظرة يتوقف فهمه - كما ينبغي - على فهم ما لا بد منه من فن المنطق؛ لأن توجيه السائل المنع على المقدمة الصغرى أو الكبرى مثلا، أو القدح في الدليل بعدم تكرار الحد الوسط، أو باختلال شرط من شروط الإنتاج ونحو ذلك لا يفهمه من لا إلمام له بفن المنطق.
وكانت الجامعة قد أسندت إلينا تدريس فن آداب البحث والمناظرة، وكان لا بد من وضع مذكرة تمكن طلاب الفن من مقصودهم، فوضعنا هذه المذكرة، وبدأناها بإيضاح القواعد التي لا بد منها من فن المنطق لآداب البحث والمناظرة، واقتصرنا فيها على المهم الذي لا بد منه للمناظرة، وجئنا بتلك الأصول المنطقية خالصة من شوائب الشبه الفلسفية، فيها النفع الذي لا يخالطه ضرر ألبتة؛ لأنها من الذي خلصه علماء الإسلام من شوائب الفلسفة، كما قال العلامة شيخ مشايخنا، وابن عمنا، المختار بن بونة، شارح الألفية، والجامع معها ألفية أخرى من نظمة تكميلا للفائدة، في نظمه في فن المنطق:
فإن تَقُل حَرّمَه النواوي ... وابن الصلاح والسيوطي الراوي
قلنا: ترى الأقوال ذي المخالِفة ... محلُّها ما صنفَ الفلاسفة
أما الذي خَلَّصَه مَن أسلما ... لا بد أن يُعلَمَ عند العلما
وأما قول الأخضري في سلمه:
فابن الصلاح والنواوي حرَّما ... وقال قوم ينبغي أن يُعلَما
والقولة المشهورة الصحيحة ... جوازُه لكامل القريحة
ممارسُ السنةِ والكتابِ ... ليهتدي به إلى الصواب
فمحله المنطق المشوب بكلام الفلاسفة الباطل.
ومن المعلوم أنَّ فنَّ المنطق منذ ترجم من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية في أيام المأمون كانت جميع المؤلفات توجد فيها عبارات واصطلاحات منطقية لا يفهمها إلا مَن له إلمامٌ به، ولا يفهم الرد على المنطقيين في ما جاؤوا به من الباطل إلا مَن له إلمام بفن المنطق.
وقد يعين على رد الشبه التي جاء بها المتكلمون في أقيسة منطقية، فزعموا أن العقل يمنع بسببها كثيرا من صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة؛ لأن أكبر سبب لإفحام المبطِل أن تكون الحجة عليه من جنس ما يحتج به، وأن تكون مركبة مِن مقدمات على الهيئة التي يعترف الخصم المبطل بصحة إنتاجها.
ولا شك أن المنطق لو لم يترجم إلى العربية، ولم يتعلمه المسلمون لكان دينهم وعقيدتهم في غنى عنه، كما استغنى عنه سلفهم الصالح، ولكنه لما ترجم وتعلم وصارت أقيسته هي الطريق الوحيدة لنفي صفات الله الثابتة في الوحيين، كان ينبغي لعلماء المسلمين أن يتعلموه وينظروا فيه ليردوا حجج المبطلين بجنس ما استدلوا به على نفيهم لبعض الصفات؛ لأن إفحامهم بنفس أدلتهم أدعى لانقطاعهم وإلزامهم الحق.
واعلم أن نفس القياس المنطقي في حد ذاته صحيح النتائج إن ركبت مقدماته على الوجه الصحيح صورة ومادة، ومع شروط إنتاجه، فهو قطعي الصحة، وإنما يعتريه الخلل من جهة الناظر فيه فيغلط، فيظن هذا الأمر لازما لهذا مثلا، فيستدل بنفي ذلك اللازم في زعمه على نفي ذلك الملزوم، مع أنه لا ملازمة بينهما في نفس الأمر ألبتة " انتهى.
"آداب البحث والمناظرة" (ص/3-5)
وانظر جواب السؤال رقم: (88184)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8503)
معنى قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بوسعكم رجاء توضيح معنى الآية (195:2) : (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) وأنا في حيرة، حيث قرأت في الفتوى رقم (46807) إلى أن المقصود من إلقاء النفس في التهلكة هو عدم الإنفاق في سبيل الله. ثم قرأت فتوى أخرى برقم (21589) تقول بأن المقصود هو قتل النفس، وهذا إذا كنت قد أحسنت فهمها، أرجو الرد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يتفق أهل العلم من المفسرين والفقهاء وغيرهم على أن قول الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195
أنه وارد في سياق الأمر بالنفقة، وأنه قد ورد في سبب نزول الآية أن بعضَ الصحابة أرادوا أن يركنوا إلى ضيعاتهم وتجاراتهم ليصلحوها ويتركوا الجهاد في سبيل الله، فحذرهم الله من ذلك في هذه الآية.
فقد روى الإمام البخاري رحمه الله (4516) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية: " نزلت في النفقة " انتهى.
وروى الترمذي (2972) عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: (كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الرُّومِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا، وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّة)
وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (13)
ومع ذلك، فإن العلماء - من المتقدمين والمتأخرين - يستدلون بهذه الآية أيضا على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلكة بأي طريقة من طرق التهلكة، آخذين بعموم لفظ الآية، وبالقياس الجلي، مقررين بذلك القاعدة الأصولية القائلة: " العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب "
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وأما قصرها عليه – يعني قصر الآية على موضوع ترك النفقة في سبيل الله - ففيه نظر، لأن العبرة بعموم اللفظ " انتهى.
"فتح الباري" (8/185)
ويقول الشوكاني رحمه الله:
" أي: لا تأخذوا فيما يهلككم. وللسلف في معنى الآية أقوال. والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جرير الطبري " انتهى.
"فتح القدير" (1/193)
ويدل على ذلك أيضا تنوع تفسيرات السلف لهذه الآية، فقد ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه اعتبر من يذنب الذنب ثم ييأس من رحمة الله: أنه ألقى بيده إلى التهلكة.
قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/33) : أخرجه ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح.
وبهذا يتبين أنه ليس بين الجوابين السابقين في موقعنا تناقض، فالذي جاء في جواب السؤال رقم: (46807) ، بيان لسبب نزول هذه الآية وسياقها.
والذي جاء في جواب السؤال رقم: (21589) هو الاستدلال بعموم لفظ الآية، وبيان أنه لا يجوز الإلقاء باليد إلى التهلكة مطلقا، مهما كان شكل وطريقة هذه التهلكة أو الأذى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8504)
كيف ينوي المسلم حياته كلها لله
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صعوبة في فهم قضية، أننا يجب أن نعمل كل شيء لله، وله وحده فقط، مثلا إذا أردت أن أقلل من وزني أو أي شيء آخر، فإذا فعلته لكي أبدو أحسن، هل هذه نية خاطئة؟ وإذا كانت خاطئة، فما هي النية الصحيحة التي أنوي بها إذا أردت عمل شيء كهذا؟ عندما يقول الناس ينبغي أن تتزوج لله فقط، وتعمل أي عمل آخر فلله فقط، فما معنى ذلك عملياً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم هو المستسلم لله سبحانه وتعالى، المنقاد لشرعه وأمره ونهيه، الذي يعبد الله عز وجل لأنه ربه وخالقه المستحق للعبادة، آمن بعظمة الله وقيوميته ووحدانيته، فملك عليه قلبه ونفسه، وجعل حبه لربه مقصد معاشه ومعاده، ورجا أن يتقبله في عباده الصالحين.
قال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/161-163.
فمن استشعر هذه المعاني سعى في استحضار نية التقرب لله عز وجل في جميع شؤون حياته، فإذا نام احتسب نومه لله عز وجل كي يستعين براحة جسمه على العبادة حين يستيقظ، وإذا أكل أو شرب قصد بذلك التقوي للقيام بحقوق الله، وإذا تزوج أراد إعفاف نفسه والاشتغال بالحلال عن الحرام، وإذا طلب الذرية قصد الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بمنهج الله، إذا تكلم فبالخير، وإذا سكت فإمساكاً عن الشر، يرجو بنفقته على نفسه وأهله الأجر والثواب أيضاً، وإذا تعلم وقرأ ودرس احتسب ذلك أيضاً ... ، وهكذا تكون مقاصده في أعماله كلها.
قال ابن تيمية رحمه الله: " ينبغي ألا يفعل من المباحات إلا ما يستعين به على الطاعة، ويقصد الاستعانة بها على الطاعة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (10/460-461) .
هذا هو باختصار بيان كيف يمكن أن ينوي المسلم حياته وأعماله كلها لله، ويمكن أن نُجمِلَ ذلك بأمرين اثنين:
1- أن يلتزم في أعماله الشريعة، فلا يترك واجباً، ولا يقع في محذور.
2- أن يلحظ في قلبه كيف يمكن أن يوصله هذا العمل – ولو كان في أصله دنيوياً – إلى الأجر والثواب والقربة من الله تعالى.
ويمكن تطبيق ذلك على سؤالك خاصة عن تقليل الوزن، فمن أراد باجتهاده لتقليل وزنه المحافظة على صحته ليقوم بواجباته وحقوق الله عليه أكمل قيام، أو أراد بذلك التجمل لزوجته لتحقيق السعادة والمودة بينهما، أو أراد بذلك التجمل للخلق ليكون أكثر قبولاً بينهم فيحسن التواصل معهم، فهذا القصد قصد حسن مأجور عليه إن شاء الله تعالى.
كما أن هذا الفعل المباح إذا أراد به صاحبه التشبه ببعض الكفار، أو التجمل لفتنة الفتيات، ونحو ذلك من المقاصد الشيطانية فهذا يستحق الإثم والعقوبة.
وهكذا سائر الأمور المباحة، لا يؤجر عليها صاحبها إلا إذا احتسبها لتحقيق مقصد من مقاصد الخير والفضل والأجر.
قال ابن الحاج رحمه الله: " المباح ينتقل بالنية إلى الندب " انتهى.
"المدخل" (1/21) .
وذكر ابن القيم أن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية، فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين، بل أعمالهم راجحة " انتهى.
"مدارج السالكين" (1/107) .
وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك) رواه البخاري (56) ، ومسلم (1628) .
قال الإمام النووي - رحمه الله - معلقاً على الحديث:
" وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ويثاب عليه، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: (حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك) ؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى.
ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه، وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى، والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطاً، والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام، وليقضي حقها، وليحصل ولداً صالحاً، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وفي بُضعِ أحدِكم صدقة) والله أعلم " انتهى.
"شرح مسلم" (11/77) .
وقال السيوطي رحمه الله:
" ومن أحسن ما استدلوا به على أن العبد ينال أجرًا بالنية الصالحة في المباحات والعادات قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكل امرئ ما نوى) ، فهذه يثاب فاعلها إذا قصد بها التقرب إلى الله، فإن لم يقصد ذلك فلا ثواب له " انتهى.
"شرح السيوطي على النسائي" (1/19) .
والنقول عن أهل العلم في هذا الشأن كثيرة.
وانظر جواب السؤال رقم: (69960) .
لكن ينبغي أن تعلم ـ أخانا السائل ـ أن ما ذكرناه لك من نية التقرب إلى الله تعالى بما تعمله من المباحات: ليس هو على وجه الوجوب والإلزام؛ فإنه لو كان واجباً لازماً: لم يكن مباحاً، وإنما كان واجباً، يأثم الإنسان بتركه.
وأما من لم يقصد شيئاً إلا تحقيق رغبته النفسية، أو قضاء شهوته، أو حاجته، أو التمتع بالمباح: فهذا لا حرج عليه فيما فعل، ما دام قد علم أن هذا الأمر مما رخص فيه الشرع وأذن فيه؛ لكن ليس له أجر بمجرد ذلك الفعل، كما أنه لا إثم عليه بمجرد فعله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8505)
حكم الاجتهاد في الإسلام وشروط المجتهد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاجتهاد في الإسلام؟ وما شروط المجتهد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الاجتهاد في الإسلام هو بذل الجهد لإدراك حكم شرعي من أدلته الشرعية، وهو واجب على من كان قادراً عليه؛ لأن الله عز وجل يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43، الأنبياء/7، والقادر على الاجتهاد يمكنه معرفة الحق بنفسه، ولكن لابد أن يكون ذا سعة في العلم واطلاع على النصوص الشرعية، وعلى الأصول المرعية، وعلى أقوال أهل العلم؛ لئلا يقع فيما يخالف ذلك، فإن من الناس طلبة علم، الذين لم يدركوا من العلوم إلا الشيء اليسير من ينصب نفسه مجتهداً، فتجده يعمل بأحاديث عامة لها ما يخصصها، أو يعمل بأحاديث منسوخة لا يعلم ناسخها، أو يعمل بأحاديث أجمع العلماء على أنها على خلاف ظاهرها، ولا يدري عن إجماع العلماء.
ومثل هذا على خطر عظيم، فالمجتهد لابد أن يكون عنده علم بالأدلة الشرعية، وعنده علم بالأصول التي إذا عرفها استطاع أن يستنبط الأحكام من أدلتها، وعلم بما عليه العلماء، بأن لا يخالف الإجماع وهو لا يدري؛ فإذا كانت هذه الشروط في حقه موجودة متوافرة فإنه يجتهد.
ويمكن أن يتجزأ الاجتهاد بأن يجتهد الإنسان في مسألة من مسائل العلم فيبحثها ويحققها ويكون مجتهداً فيها، أو في باب من أبواب العلم كأبواب الطهارة مثلاً يبحثه ويحققه ويكون مجتهداً فيه" انتهى.
فتوى للشيخ ابن عثيمين عليها توقيعه.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 508) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8506)
ليس على المقلد إثم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب مبتعث للدراسة في دولة غير مسلمة، وسؤالي هو: هل علي إثم إذا أخذت برأي أحد العلماء المشهود لهم بالعلم والورع في مسألة تخص العبادات - مع ظني أن معه دليلا ملحوظة: الموضوع يتعلق أساسا بمسألة القصر والجمع في الصلاة لمن هو في مثل حالتي، صحيحا -؟ فهل علي إثم إذا أخذت برأيه، والذي قد يكون أيسر لظروفي، حتى وإن خالف رأي غيره؟ وهل ذلك من السعة في الدين؟ مع الاستشهاد أيضا بما روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام من أنه كان يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثما. وأنا أواجه صعوبات كثيرة قد لا يدركها إلا من يجربها، ولكن - والله أعلم - ليست الرخصة هنا بسبب المشقة فقط، ولكن إن الله يحب أن تؤتى رخصه. الرجاء إجابة سؤالي، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليس على مَن قلَّد واحدا مِن أهل العلم، المعروفين بالعلم والأمانة، إثم، إذ هو ممتثل بتقليده قول الله عز وجل: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43، والعالم بالنسبة للعامي كالدليل، يجب عليه أن يبحث عنه ويتبع فتواه.
يقول الشاطبي في "الموافقات" (4/292) :
" فتاوى المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة الشرعية بالنسبة إلى المجتهدين، والدليل عليه أن وجود الأدلة بالنسبة إلى المقلدين وعدمها سواء، إذ كانوا لا يستفيدون منها شيئا، فليس النظر في الأدلة والاستنباط من شأنهم، ولا يجوز ذلك لهم ألبتة، وقد قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، والمقلد غير عالم، فلا يصح له إلا سؤال أهل الذكر، وإليهم مرجعه في أحكام الدين على الإطلاق، فهم إذًا القائمون له مقام الشارع، وأقوالهم قائمة مقام الشارع " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (32/47-49) :
" يجب على المستفتي إن وقعت له حادثة أن يسأل متّصفاً بالعلم والعدالة.
قال ابن عابدين نقلاً عن الكمال بن الهمام: الاتّفاق على ِحلّ استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة، أو رآه منتصباً والنّاس يستفتونه معظّمين له، وعلى امتناعه من الاستفتاء إن ظنّ عدم أحدهما - أي: عدم الاجتهاد أو العدالة -.
- إن وجد المستفتي أكثر من عالم، وكلّهم عدل وأهل للفتيا:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المستفتي بالخيار بينهم، يسأل منهم من يشاء ويعمل بقوله، ولا يجب عليه أن يجتهد في أعيانهم ليعلم أفضلهم علماً فيسأله، بل له أن يسأل الأفضل إن شاء، وإن شاء سأل المفضول مع وجود الفاضل، واحتجّوا لذلك بعموم قول الله تعالى:
(فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ، وبأنّ الأوّلين كانوا يسألون الصّحابة مع وجود أفاضلهم وأكابرهم وتمكّنهم من سؤالهم.
- إن سأل المستفتي أكثر من مفت فاتّفقت أجوبتهم، فعليه العمل بذلك إن اطمأنّ إلى فتواهم.
وإن اختلفوا، فللفقهاء في ذلك طريقان:
فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة وابن سريج والسّمعانيّ والغزاليّ من الشّافعيّة - إلى أنّ العامّيّ ليس مخيّراً بين أقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ما شاء، بل عليه العمل بنوع من التّرجيح.
والأصحّ والأظهر عند الشّافعيّة وبعض الحنابلة: أنّ تخيّر العامّيّ بين الأقوال المختلفة للمفتين جائز، لأنّ فرض العامّيّ التّقليد، وهو حاصل بتقليده لأيّ المفتيين شاء " انتهى باختصار.
ثانيا:
الواجب عليك – أخي السائل – أن تعرض مسألتك على العالم الذي اشتهر علمه وأمانته وثقته، ثم تأخذ بفتواه وتلتزمها، ولا يجوز أن تقصِدَ تتبعَ الرخص والأسهل من الفتاوى، إلا في حالة واحدة: وهي أن يكون الخلاف بين المفتين في مسألة فرعية اجتهادية، ليس فيها نصوص من الكتاب أو السنة ترجح أحد الأقوال، وإنما مرجع الترجيح فيها الرأي والاجتهاد المحض، فلا حرج حينئذ من الأخذ بالرخصة من هذه الأقوال إذا احتاج المسلم لها، فالقاعدة الشرعية تقول: " المشقة تجلب التيسير ".
جاء في "لقاءات الباب المفتوح" للشيخ ابن عثيمين (لقاء رقم/46، سؤال رقم/2) :
" السؤال: هل يجوز استفتاء أكثر من عالم؟ وفي حالة اختلاف الفتيا، هل يأخذ المستفتي بالأيسر أم بالأحوط؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب:
لا يجوز للإنسان إذا استفتى عالماً واثقاً بقوله أن يستفتي غيره؛ لأن هذا يؤدي إلى التلاعب بدين الله وتتبع الرخص؛ بحيث يسأل فلاناً، فإن لم يناسبه سأل الثاني، وإن لم يناسبه سأل الثالث وهكذا. وقد قال العلماء في تتبع الرخص: فِسق.
لكن أحياناً يكون الإنسان ليس عنده من العلماء إلا فلان مثلاً، فيسأله من باب الضرورة، وفي نيته أنه إذا التقى بعالم أوثق منه في علمه ودينه سأله، فهذا لا بأس به أن يسأل الأول للضرورة، ثم إذا وجد من هو أفضل سأله.
وإذا اختلف العلماء عليه في الفتيا، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم – مثلاً -، فإنه يتبع مَن يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه.
فإن تساوى عنده الرجلان في العلم والدين:
فقال بعض العلماء: يتبع الأحوط وهو الأشد.
وقيل: يتبع الأيسر.
وهذا هو الصحيح؛ أنه إذا تعدلت الفتيا عندك فإنك تتبع الأيسر؛ لأن دين الله عز وجل مبني على اليسر والسهولة، لا على الشدة، وقد قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) " انتهى.
وعليه: فلا يجوز لك الأخذ بقول من يقول بالرخصة إلا بشرطين اثنين:
1- ألا يكون قد خالف جماهير أهل العلم من السلف والخلف، فهو – ولا شك – الأعلم والأورع الذين ينبغي على الناس اتباع مذهبهم.
2- وأن تتكافأ الأدلة التي يذكرها أصحاب القولين في المسألة، فلك ـ حينئذ ـ أن تأخذ بالأيسر من القولين.
والله أعلم.
ويمكنك مراجعة ما سبق في موقعنا في هذا الباب في الأرقام الآتية: (9516) ، (22652) ، (30842)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8507)
هل يلزم أهل كل بلد بمذهب فقهي معين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ملزم كل بلد بتتبع مذهب خاص به، ومحاولة تعليمه للآخرين دون ذكر جميع المذاهب، مثلا ذكر حكم خاص بأمر شرعي قاله أحده المذاهب دون الآخرين. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الناس في البلاد – من حيث الاجتهاد والتقليد - على قسمين اثنين:
الأول: علماء مجتهدون في الشريعة، بلغوا من العلم والمعرفة حدًّا ملكوا به أدوات الاجتهاد والاستنباط، فهؤلاء فرضهم اتباع الحق الذي يرونه بدليله.
والقسم الثاني - وهو السواد الأعظم من الناس -: من لم يتخصص بدراسة العلوم الشرعية أو لم يبلغ فيها درجة الاجتهاد وأهلية الفتوى: من عامة الناس أو المثقفين والمتخصصين في العلوم الأخرى.
فهؤلاء فرضهم – الشرعي والطبيعي – سؤال أهل العلم، والأخذ عنهم، نجد ذلك في قول الله سبحانه وتعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43
إذا فأهل كل بلد ملزمون بسؤال أهل العلم واتباع فتاواهم، ولكنها ليست تبعية مطلقة تضفي على المتبوع صفة العصمة والقداسة وحق التشريع والتصرف في دين الله – كما وقع في ذلك اليهود والنصارى والرافضة وغلاة الصوفية والباطنية – فإن ذلك خروج عن الدين، واتخاذ للأنداد والشركاء والأرباب من دون الله، والله سبحانه وتعالى يقول: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31
وإنما المقصود من لزوم اتباع فتاوى العلماء هو الوصول إلى تعلم الحكم الشرعي من طريق المتخصصين الذين درسوا قواعد الشريعة وأصولها وبلغوا الأهلية فيها بالعلم المبني على الدليل، وليس بالقداسة الممنوحة باسم الرب أو باسم الولاية ونحو ذلك من الأباطيل.
يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20/211) :
" الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان صِدِّيق الأمة وأفضلها بعد نبيها يقول: أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحدٍ مِن الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ثانيا:
يبقى السؤال في تعيين أهل العلم أو المرجعية العلمية التي ينبغي الاعتماد عليها:
فيمكن القول بأن هناك مرجعيتين ينبغي الرجوع إليهما على مستوى الأمة والأفراد، وهي:
1- المرجعية المعاصرة: المتمثلة في المجامع الفقهية واللجان الشرعية التي يقوم عليها أهل العلم والديانة والأمانة، وكذلك أفراد العلماء وأصحاب الكفاءات من المتخصصين في العلوم الشرعية: فهؤلاء لهم حظ وافر من لزوم أخذ الناس عنهم والاستفادة من توجيهاتهم، خاصة في أمور الناس الحياتية اليومية، وفي النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وأيضا في المسائل التي تحتاج إلى إعادة النظر والاجتهاد فيها في ضوء الأدلة الشرعية والعقلية التي تراعي المصالح وتدرء المفاسد، وترفع الحرج وتجتنب المشقة والضرر، إذا كان تقليد أحد المذاهب الأربعة فيها يسبب الحرج والضيق، فالشريعة مبنية على التيسير، وليس فيها عنت ولا حرج.
2- المرجعية التراثية: المتمثلة في المذاهب الأربعة المشهورة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وهذه المرجعية لها الحظ الأكبر والنصيب الأوفر من لزوم اتباع الناس لها والأخذ بما فيها: فإن القوانين التي يتواضع الناس في الرجوع إليها وتحكيمها، ومناهج التعليم التي تقرر على طلبة العلم في حلق المساجد والمدارس، ومراتب التنشئة العلمية التي يتدرج فيها المتخصصون في علوم الفقه والشريعة، والتراث الذي ينبغي أن يستقر في أذهان العوام ويشكل ثقافتهم الفقهية، والمنهل الذي يؤوب إليه كل من لا يجد الفرصة من المجتهدين لدراسة المسائل الكثيرة والوصول إلى نتيجة فيها، والانضباط الذي يحسم الشقاق والنزاع في المجتمع، ويسد على الأهواء والآراء الشاذة الأبواب، كل ذلك يمنح هذه المرجعية المتمثلة في المذاهب الأربعة المساحة الأرحب في لزوم التقليد وضرورة الاتباع.
يقول الحافظ ابن رجب في رسالة له اسمها "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة" (2/624) – مطبوعة ضمن مجموع رسائله -:
" فاقتضت حكمة الله سبحانه أن ضبط الدين وحفظه: بأن نصب للناس أئمة مجتمعاً على علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى، من أهل الرأي والحديث، فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم، وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم، حتى ضبط مذهب كل إمام منهم وأصوله وقواعده وفصوله، حتى ترد إلى ذلك الأحكام ويضبط الكلام في مسائل الحلال والحرام.
وكان ذلك من لطف الله بعباد المؤمنين، ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين.
ولولا ذلك لرأى الناس العجاب مِن كل أحمق متكلف معجبٍ برأيه جريء على الناس وثَّاب.
فيدعي هذا أنه إمام الأئمة، ويدعي هذا أنه هادي الأمة، وأنه هو الذي ينبغي الرجوع دون الناس إليه، والتعويل دون الخلق عليه.
ولكن بحمد الله ومنته انسد هذا الباب الذي خطره عظيم وأمره جسيم، وانحسرت هذه المفاسد العظيمة، وكان ذلك من لطف الله تعالى لعباده، وجميل عوائده وعواطفه الحميمة.
ومع هذا فلم يزل يظهر من يدعي بلوغ درجة الاجتهاد، ويتكلم في العلم من غير تقليدٍ لأحد من هؤلاء الأئمة ولا انقياد.
فمنهم من يسوغ له ذلك لظهور صدقه فيما ادعاه، ومنهم من رد عليه قوله وكذب في دعواه، وأما سائر الناس ممن لم يصل إلى هذه الدرجة، فلا يسعه إلا تقليد أولئك الأئمة، والدخول فيما دخل فيه سائر الأمة " انتهى.
ويقول أيضا (2/628) :
" فإن قيل: فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم، وقول الإمام أحمد: لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان، وتعلم كما تعلمنا. وهذا كثير موجود في كلامهم؟
قيل: لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظاً وكتابة، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظاً وفهماً وكتابة ودراسة، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم، ومعرفة صحة ذلك من سقمه، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره.
فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته - كما أشار إليه الإمام أحمد - فقد صار علمه قريباً من علم أحمد، فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه، إنما الكلام في منع من لم يبلغ هذه الغاية، ولا ارتقى إلى هذه النهاية، ولا فهم من هذا إلا النزر اليسير، كما هو حال أهل هذا الزمان، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان، مع دعوى كثير منهم الوصول إلى الغايات والانتهاء إلى النهايات، وأكثرهم لم يرتقوا عن درجة البدايات " انتهى.
والناظر في تاريخ الفقه والتشريع يجد أنه قد بني في جميع مراحله على مجموعة من أهل العلم الذين اشتهر في الناس علمهم، وذاع في الآفاق فضلهم وورعهم، يأخذون عنهم أحكام الدين، ويرجعون في الغالب إلى تقريرهم وفتاواهم.
يقول ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/17) :
" والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود، وأصحاب زيد بن ثابت، وأصحاب عبد الله بن عمر، وأصحاب عبد الله بن عباس، فعلم الناس عامته عن أصحاب هؤلاء الأربعة، فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود " انتهى.
وقال العلامة المحقق أحمد باشا تيمور رحمه الله في " المذاهب الفقهية الأربعة " (16-17) :
" وكانت الفتيا ـ قبل حدوث هذه المذاهب تؤخذ في عصر الصحابة والتابعين عن القراء منهم، وهم الحاملون لكتاب الله العارفون بدلائله؛ فلما انقضى عصرهم، وخلف من بعدهم التابعون، اتبع أهل كل مصرٍ فتيا من كان عندهم من الصحابة، لا يعتدونها إلا في اليسير مما بلغهم عن غيرهم؛ فاتبع أهل المدينة في الأكثر فتاوى عبد الله بن عمر، وأهل الكوفة فتاوى عبد الله بن مسعود، وأهل مكة فتاوى عبد الله بن عباس، وأهل مصر فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص.
وأتى بعد التابعين فقهاء الأمصار، كأبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن ذكرناهم، وممن لم نذكرهم، فاتبع أهل كل مصر مذهب فقيه في الأكثر، ثم قضت أسباب بانتشار بعض هذه المذاهب في غير أمصارها، وبانقراض بعضها.. " انتهى.
ولا يعني ذلك التعصب إلى واحد من المذاهب والأقوال، بحيث نوجب على الناس اتباعه حرفيا دون اجتهاد ولا تصويب ولا تعديل، بل المقصود أن المدرسة الفقهية التي ينبغي أن يتخرج الناس وطلبة العلم والعلماء عليها ينبغي أن تكون مأخوذة عن واحد من المذاهب الأربعة، ثم إن تبين – لمن لديه أهلية الاجتهاد – خطأ المذهب في مسألة معينة ترك تلك الفتوى، وأخذ بما يراه صوابا من المذاهب الأخرى.
وبهذا يحتفظ الناس بالسبيل العلمي الذي سار عليه السلف والأئمة، ويتخلصوا من بعض السلبيات التي أنتجها الجهل والتعصب.
جاء في "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/10 ش2) :
" التمذهب بمذهب من المذاهب الأَربعة سائغ، بل هو كالإجماع، ولا محذور فيه، كالانتساب إِلى أَحد الأَربعة، فإِنهم أَئمة بالإِجماع.
والناس في هذا طرفان ووسط:
قوم لا يرون التمذهب بمذهب مطلقًا: وهذا غلط.
وقوم جمدوا على المذاهب ولا التفتوا إلى بحث.
وقوم رأَوا أَن التمذهب سائغ لا محذور فيه، فما رجح الدليل مع أَي أَحد من الأَربعة أَو غيرهم أَخذوا به، فالذي فيه نص أَو ظاهر لا يلتفت فيه إِلى مذهب، والذي لا من هذا ولا من هذا وكان لهم فيه كلام ورأَى الدليل مع مخالفهم أَخذ به " انتهى بتصرف يسير.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/28) :
" ما حكم التقيد بالمذاهب الأربعة، واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان؟
الجواب:..
- القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله، ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد أن الحق بخلافه، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه..
- من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أيقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده، وإذا حصل في نفسه عدم اطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان ...
- يتبين مما تقدم أنه لا تتبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان؛ لأئهم قد يخطئون، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل " انتهى باختصار، وتصرف يسير.
وجاء فيها أيضا (5/54-55) :
" وكل هؤلاء كانوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا من أفضل أهل زمانهم رضي الله عنهم، وقد اجتهدوا في أخذ الأحكام من القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وما أجمعت عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وبينوا للناس الحق، ونقلت إلينا أقوالهم، وانتشرت بين المسلمين في جميع بلادهم، وتبعهم كثير ممن جاء بعدهم من العلماء لثقتهم بهم، وائتمانهم إياهم على دينهم، وموافقتهم لهم في الأصول التي اعتمدوها، ونشروا أقوالهم بين الناس، ومن قلدهم من الأميين وعمل بما عرفه من أقوالهم نسب لمن قلده، وعليه مع ذلك أن يسأل من يثق به من علماء عصره، ويتعاون معه على فهم الحق من دليله.
ومما تقدم يتبين أنهم أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، وليس الرسول تابعا لهم، بل ما جاء به عن الله من شريعة الإسلام هو الأصل الذي يرجع إليه هؤلاء الأئمة وغيرهم من العلماء رضي الله عنهم، وكل مسلم يسمى حنيفيا لاتباعه الحنيفية السمحة التي هي ملة إبراهيم وملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وانظر في موقعنا: (5523) ، (5459) ، (23280) ، (26269) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8508)
جواب من قال إنه يأخذ بإجماع الفقهاء ولا يسير على مذهب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الجواب لشخص لا يسير على مذهب، ويسير على إجماع الفقهاء، وهل عليه أن يتبع مذهبا أو يسير على مذهب فرضه ولي أمره عليه أو يتخذ شيخا وعالما يرتاح له ويقتدي به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الناس متفاوتون في المدارك والفهوم والقدرة على استنباط الأحكام من أدلتها، فمنهم من يجوز في حقه التقليد، بل قد يجب عليه، ومنهم من لا يسعه إلا الأخذ بالدليل.
1- فطالب العلم الذي يمكنه التمييز بين الأقوال، ومعرفة الراجح من المرجوح، يلزمه العمل بالراجح حسبما يظهر له.
2- وأما غير المؤهل لذلك، ففرضه التقليد، لقوله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل/43.
ويقلد أفضل من يجده علما وورعا، ولا يلزمه اتباع مذهب بعينه، سواء كان مذهب الدولة أو لم يكن.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مثاله: عامي سمع شخصا يقرر ويقول: إن في الحلي زكاة، وسمع آخر يقرر ويقول: إن الحلي ليس فيه زكاة، فهنا صار عنده رأيان، فمن يقلد؟
نقول: يُخير، لكن ينبغي أن يقلد من كان أقرب إلى الصواب لعلمه وورعه " انتهى من "شرح الأصول من علم الأصول" ص 637.
فالعامي لا يجتهد في الأدلة، ولكن يجتهد ويتحرى في الأخذ عن الأعلم والأورع.
قال الشاطبي رحمه الله: " فكما أن المجتهد لا يجوز في حقه اتباع الدليلين معا ولا اتباع أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح، كذلك لا يجوز للعامي اتباع المفتيين معا ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح ... ومتى خيرنا المقلدين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار، وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة " انتهى من الموافقات 4/131.
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في الفقيه والمتفقه: " فإن قال قائل: فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم التقيّد بالمذاهب الأربعة واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان؟
فأجابوا:
أولا: المذاهب الأربعة منسوبة إلى الأئمة الأربعة الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد، فمذهب الحنفية منسوب إلى أبي حنيفة وهكذا بقية المذاهب.
ثانيا: هؤلاء الأئمة أخذوا الفقه من الكتاب والسنة وهم مجتهدون في ذلك، والمجتهد إما مصيب فله أجران، أجر اجتهاده وأجر إصابته، وإما مخطئ فيؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.
ثالثا: القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد الحق بخلافه، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه.
رابعا: من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده، وإذا حصل في نفسه عدم الاطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان.
خامسا: يتبين مما تقدم أنه لا تُتَّبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان؛ لأنهم قد يخطئون، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل " انتهى.
فتاوى اللجنة الدائمة (5/28) .
وجاء فيها أيضا (5/41) : " من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك؛ ليعمل به في نفسه، وليفصل به في الخصومات وليفتي به من يستفتيه. ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم ويعمل به من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم.
ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقا فهو مخطئ جامد سيئ الظن بالمتعلمين عموما، وقد ضيق واسعا.
ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضا قد ضيق واسعا بغير دليل. ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء " انتهى.
ودعوى الإنسان أنه يأخذ بما أجمع عليه الفقهاء فقط، يُنظر فيها، فإن كان يأخذ بالإجماع، ويجتهد في مسائل الخلاف، لأهليته وقدرته على الاستنباط، فهذا ممكن، أما إذا لم يكن مؤهلا، ولن يأخذ بمذهب أو يقلد عالما، فهذا يعني أن سيجهل أكثر المسائل؛ لأن مسائل الإجماع قليلة جدا بالنسبة إلى مسائل الخلاف.
والخلاصة أن هناك طريقين لمعرفة الأحكام الشرعية:
الأول: استنباط هذه الأحكام من أدلتها، لمن لديه القدرة على ذلك.
الثاني: سؤال أهل العلم، والأخذ بأقوالهم، للعاجز عن الاستنباط بنفسه، ويقلد حينئذ الأعلم والأورع، ولا يلزمه اتباع مذهب معين أو شخص معين في جميع المسائل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8509)
هل هناك فرق بين السنَّة والمسْتَحبِّ والنَّفل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين السنة والنفل وبين السنة والمستحب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جمهور علماء أصول الفقه على أنه لا خلاف بين السنة والمستحب والتطوع والنفل ولكن ذهب الحنفية إلى خلاف ذلك، فجعلوا المندوب مرادفاً للنفل وفرّقوا بين السنَّة والنَّفل فجعلوها أعلى منه مرتبة.
[الْمَصْدَرُ]
شرح الورقات في أصول الفقه للشيخ عبد الله الفوزان /26.(5/8510)
ما هو الوسط في الدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بالوسط في الدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوسط في الدين أن لا يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله عز وجل ولا يقصر فيه فينقص مما حد الله -سبحانه وتعالى.
الوسط في الدين أن يتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم , والغلو في الدين أن يتجاوزها , والتقصير أن لا يبلغها.
مثل ذلك , رجل قال أنا أريد أن أقوم الليل ولا أنام كل الدهر, لأن الصلاة من أفضل العبادات فأحب أن أحيي الليل كله صلاة فنقول: هذا غالٍ في دين الله وليس على حق , وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا، اجتمع نفر فقال بعضهم: أنا أقوم ولا أنام , وقال: الآخر أنا أصوم ولا أفطر, وقال الثالث أنا لا أتزوج النساء , فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أنا أصوم وأفطر , وأنام وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني) فهؤلاء غلو في الدين فتبرأ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم رغبوا عن سنته صلى الله عليه وسلم التي فيها صوم وإفطار , وقيام ونوم , وتزوج نساء.
أما المقصر: فهو الذي يقول لا حاجة لي بالتطوع فأنا لا أتطوع وآتي بالفريضة فقط , وربما أيضاً يقصر في الفرائض فهذا مقصرّ.
والمعتدل: هو الذي يتمشى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم , وخلفاؤه الراشدون.
مثال آخر: ثلاثة رجال أمامهم رجل فاسق , أحدهم قال: أنا لا أسلم على هذا الفاسق وأهجره وابتعد عنه ولا أكلمه.
والثاني يقول: أنا أمشي مع هذا الفاسق وأسلم عليه وأبش في وجهه وأدعوه عندي وأجيب دعوته وليس عندي إلا كرجل صالح.
والثالث يقول: هذا الفاسق أكرهه لفسقه وأحبه لإيمانه ولا أهجره إلا حيث يكون الهجر سبباً لإصلاحه , فإن لم يكن الهجر سبباً لإصلاحه بل كان سبباً لازدياده في فسقه فأنا لا أهجره.
فنقول الأول مُفرط غالٍٍ - من الغلو - والثاني مفرّط مقصّر , والثالث متوسط.
وهكذا نقول في سائر العبادات ومعاملات الخلق، الناس فيها بين مقصر وغال ومتوسط.
ومثال ثالث: رجل كان أسيرا لامرأته توجهه حيث شاءت لا يردها عن إثم ولا يحثها على فضيلة , قد ملكت عقله وصارت هي القوامة عليه.
ورجل آخر عنده تعسف وتكبر وترفع على امرأته لا يبالي بها وكأنها عنده أقل من الخادم.
ورجل ثالث وسط يعاملها كما أمر الله ورسوله: (وَلَهُنَّ مثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/ 228. (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كان كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر) . فهذا الأخير متوسط والأول غالٍ في معاملة زوجته, والثاني مقصر. وقس على هذه بقية الأعمال والعبادات.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 42.(5/8511)
تعريف الحلال والحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف الحرام والحلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحرام ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه إذا امتثل في تركه نهي الله سبحانه وتعالى، وأما الحلال فلا إثم في فعله كما أنه لا إثم في تركه إلا إذا قصد في فعله التقوّي به على طاعة الله سبحانه وتعالى فهو مثاب بهذه النية.
والتحليل والتحريم من حقّ الله تعالى " فإن أقواما استحلوا بعض ما حرمه الله، وأقواماً حرموا بعض ما احل الله تعالى، وكذلك أقواماً أحدثوا عبادات لم يشرعها الله بل نهى عنها.
و" أصل الدين " أن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، ليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله، قال الله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) ...
وقد ذكر الله تعالى في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ما ذم الله به المشركين حيث حرموا ما لم يحرمه الله تعالى، كالبحيرة والسائبة، واستحلوا ما حرمه الله كقتل أولادهم، وشرعوا ديناً لم يأذن به الله، فقال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ومنه أشياء هي محرمة جعلوها عبادات كالشرك والفواحش، مثل الطواف بالبيت عراة وغير ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8512)
كتاب الأصول للشاشي وشروحاته، ومعنى كلمة " الحكميات "
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتاب " أصول الفقه " للشاشي في بحث " المشترك والمؤول " يوجد كلمة " الحكميات ". ما معناها؟ وأرجو إعلامي إن كان هناك شروح لهذا الكتاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كتاب " أصول الشاشي " من كتب الحنفية المشهورة، ومؤلفه هو: أبو علي الشاشي: أحمد بن محمد بن إسحاق، نظام الدين، الفقيه الحنفي، المتوفي سنة 344هـ.
وهو من تلاميذ أبي الحسن الكرخي، أثنى عليه، وقال: ما جاءنا أحد أحفظ من أبي علي، سكن الشاشي بغداد، ودرس بها.
طبع كتاب الشاشي بكانبور في الهند، مطبعة مجيدي، سنة 1388هـ، وطبع بدار الكتاب العربي ببيروت 1402 هـ، وبهامشه: " عمدة الحواشي شرح أصول الشاشي " لمحمد فيض الحسن الكنكوهي، وطبع في دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1423 هـ، ترجمة وتحقيق: عبد الله محمد الخليلي، وطبع الكتاب – أيضاً - من قبل دار الغَرْب الإسلامي، سنة 1422 هـ، وحققه محمد أكرم الندوي.
من شروح الكتاب:
1. شرح المولى محمد بن الحسن الخوارزمي المتوفى سنة 781هـ.
2. " حصول الحواشي على أصول الشاشي "، لمحمد حسن المكنى بأبي الحسن بن محمد السنبهلي الهندي، طبع بنمبشي نولكشور 1302 هـ.
3. " عمدة الحواشي "، للمولى محمد فيض الحسن الكنكوهي
طبع مع " أصول الشاشي ".
4. " تسهيل أصول الشاشي "، للشيخ محمد أنور البدخشاني.
طبع بإدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، الطبعة الأولى 1412 هـ، كما صور هذا التسهيل في إسطنبول بتركيا
انظر مقدمة الشيخ خليل الميس لأصول الشاشي
ثانياً:
وأما معنى كلمة " حُكميات " الواردة في البحث المشار إليه في الكتاب – وفي غيره من كتب الحنفية - فهو:
العقود، كالزواج، والطلاق، والبيوع، وهي ما كان إنشاؤه بالقول باللسان، وهي أشياء معنوية تقابل الحسيَّة عندهم، والحسيَّة ما كان بالأفعال بالجوارح كالضرب والذبح..
وهذه طائفة من عباراتهم في كتبهم تبين مقصود اللفظة بكلامهم وشروحاتهم:
1. قال عثمان بن علي الزيلعي الحنفي – رحمه الله -
ولو قال الحالف في الطلاق والتزوج - ونحوهما من الحكميات -: نويت أن لا أتكلم به، ولا ألي بنفسي: صدِّق ديانة، لا قضاء، بخلاف ما إذا قال في ذبح الشاة وضرب العبد: نويت أن لا ألي بنفسي حيث يصدق ديانة وقضاء.
" تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق " (3 / 148) ..
2. وقال – رحمه الله -:
ثم هذه الأشياء توجب الحَجر في الأقوال دون الأفعال؛ لأن الحجر في الحكميات دون الحسيات، ونفوذ القول حكمي، ألا ترى أنه يُردُّ ويُقبل، والفعل حسي لا يمكن رده إذا وقع، فلا يتصور الحجر عنه.
" تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق " (5 / 191) ..
3. وقال محمد بن فرموزا (منلا خسرو) الحنفي – رحمه الله -:
الثالث: ما هو من الأفعال الحسية، ذكره في " البحر "، ولو نوى المباشرة بنفسه فقط: صدَِّق قضاء وديانة، فيما كان من الحسيات: كالضرب، والذبح، وصدِّق ديانة فقط فيما كان من الحكميات: كالتزوج، والطلاق، كما في " الفتح "..
" درر الحكام شرح غرر الأحكام " (2 / 57) .
وكتاب " البحر " المنقول منه هو من كتب الحنفية هو: " البحر الرائق شرح كنز الدقائق "، وموضع العبارة فيه: (4 / 378) .
وبه يتبين معنى عبارة الشاشي - رحمه الله -، وهو أنه أراد " البيوع " من الحكميات، إذ قال:
ومثاله في " الحكميات ": ما قلنا: إذا أطلق في البيع كان على غالب نقد البلد، وذلك بطريق التأويل، ولو كانت النقود مختلفة فَسدَ البيع؛ لما ذكرنا، وحمل الإقراء على الحيض.
انتهى
فقد مثَّل من الحكميات على البيوع، وهو واضح إذا علم تمثيلهم السابق على الزواج والطلاق، وهو أن المراد بهذه اللفظة العقود القولية المعنوية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8513)
تحريم الزنا والميسر والخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حُرم الزنا والقمار وأكل لحم الخنزير في الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مع استغرابنا أن يصدر من شخص مسلم هذا السؤال في أمور من المسلّمات والبدهيات ولكن الجواب ببساطة أنّ هذه الأشياء محرّمة لأنّ الله الذي تجب علينا طاعته قد قال لنا في القرآن الكريم:
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) سورة الإسراء/32
وقال لنا:
(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ) سورة البقرة/173
وقال لنا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) سورة المائدة
فيجب علينا اجتناب كل ما حرم الله علينا إيمانا بشريعة الله واحتسابا لثوابه وخوفا من عقابه مع إيماننا أن الله لم يحرم علينا في شريعة الإسلام إلا ما هو ضرر وفساد، أدركنا ذلك بعقولنا أو لم ندركه عملا بقوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8514)
هل يختلف حكم قيادة السيارة من بلد إلى آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مساحة الدول الإسلامية شاسعة، ونجد أن هناك فرقاً بين دولة وأخرى، في اللباس والعادات والتقاليد، فمثلا نجد أنه في بعض الدول تلتزم فيها أخواتنا بالنقاب، حيث إنهم يتبعون الفتوى القائلة إن النقاب واجب، ولكن ذلك ليس منتشراً في دول أخرى، والرأي الذي يأخذونه هناك أن النقاب ليس واجباً بل مستحب، كذلك قيادة المرأة للسيارة ففي بعض الدول حرَّمها المشايخ لما لها من أضرار لو سمح بها، بينما في دول أخرى- قيادة المرأة للسيارة أمر عادي جدّاً، وله عشرات السنين.
فإلى أي مدى تكون هناك مرونة في الأحكام؟ وهل ما يحدث صحيح أقصد أن الشيء يصبح واجباً في مناطق ومستحبّاً في مناطق أخرى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحكام الشرعية نوعان:
الأول: ما دلت الأدلة الصحيحة على حكمه، بقطع النظر عن العادات المختلفة أو ما يترتب عليه من مصالح أو مفاسد.
فهذا حكمه ثابت ولا يختلف من مكان إلى آخر ولا من شخص لآخر إلا إذا كان الإنسان مضطراً أو مريضاً أو معذوراً فإنه يسهل له الحكم حسب حاله على ما جاء به الشرع.
ومن هذا النوع: وجوب الصلوات الخمس، وصيام رمضان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب العلم،..إلخ.
ومنه أيضاً: سترة المرأة المسلمة جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان، فإن هذا الحكم واجب ولا يختلف من مكان إلى آخر.
وقد سبق في إجابة السؤال: (21134) و (13647) بيان الأدلة على هذا.
النوع الثاني: أحكام بنيت على أسباب معيّنة أو كان حكمها التحريم أو الإباحة أو الوجوب ـ مثلاً ـ بناء على ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، ولم ترد الأدلة الشرعية بحكم ثابت لها لا يختلف، وقد يكون من هذا النوع قيادة المرأة للسيارة.
وقد أفتى العلماء بتحريمه لما يترتب عليه من مفاسد.
وهذا إنما ينطبق تمام الانطباق على بلاد الحرمين، وأما ما عداها من البلاد فإنه يرجع إلى علمائها الثقات الأثبات فإنهم أعلم بأحوال بلادهم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
فقد كثر حديث الناس في صحيفة " الجزيرة " عن قيادة المرأة للسيارة، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها، منها الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها السفور، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور، والشرع المطهر مَنَع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجَنُّب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الأحزاب/33 الآية، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) الأحزاب/59، وقال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما "، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات؛ صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة.
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب - ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار، وقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33، وقال سبحانه: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة/168، وقال صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه.
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كُتَّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 351 – 353) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة، وما رأيكم بالقول:
(إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟)
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين:
القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم. والدليل قوله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام/108، فنهى الله عن سب آلهة المشركين – مع أنه مصلحة – لأنه يفضي إلى سب الله تعالى.
القاعدة الثانية: أن درء المفاسد – إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم – مقدم على جلب المصالح. والدليل قوله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/219، وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما.
وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة. فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها:
1- نزع الحجاب: لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة، لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد، فيقال جميلة اليدين، أو جميلة الشعر، أو جميلة القدمين. وبهذا عرف أن الوجه مدار القاصدين.
وقد يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب، بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين.
والجواب على ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فإن الأمر لن يدوم طويلا، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى، كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة.
2- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة: نزع الحياء منها، والحياء من الإيمان – كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم – والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال (أحيا من العذراء في خدرها) ، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.
3- ومن المفاسد: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها – كما أخبر بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم – لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة.
4- ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده، لأنها وحدها في سيارتها، متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل. وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب، فما بالك بالشابات؟؟! وحيث شاءت يمينا وشمالا في عرض البلد وطوله، وربما خارجه أيضاً.
5- ومن المفاسد: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملا من المرأة.
6- ومن مفاسدها: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة: في الوقوف عند إشارات الطريق – في الوقوف عند محطات البنزين – في الوقوف عند نقطة التفتيش – في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق ي مخالفة أو حادث – في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء– في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق، فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالتها حينئذ؟ ربما تصادف رجلا سافلا يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة.
7- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة ازدحام الشوارع، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهم أحق بذلك وأجدر.
8- من مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة، فإن المرأة – بطبيعتها – تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء، كلما ظهر زِيٌّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد، وإن كان أسوأ مما عندها. ألا ترى ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة. وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد.
أما قول السائل: وما رأيكم بالقول: (إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟) .
فالذي أراه أن كل واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما.
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها.
وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا. قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة.
ا. هـ كلام الشيخ ابن عثيمين
(وأما في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارة فعلى المرأة المسلمة تجنّب ذلك ما أمكنها للأسباب السابق ذكرها.
وأما في حالات الضرورة كإسعاف مصاب أو فرار من مجرم فإنه لا حرج على المرأة المسلمة أن تستخدم السيارة في مثل هذه الحالات إذا لم تجد رجلاً تستنجد به.
وتبقى حالات أخرى مثل النساء اللاتي لا بد لهن من الخروج إلى العمل فليس لها زوج أو أب أو وليّ يكفيها ولا من المرتبات الحكومية ما يقوم بحاجتها، ولم تجد عملاً يكفيها تقوم به في منزلها كبعض وظائف الإنترنت، واضطرت إلى الخروج فإنها تستخدم أقل وسائل المواصلات خطراً عليها.
وقد تكون هناك مواصلات عامة خاصة بالنساء أو سائق يُستأجر لعدة نساء يوصلهن إلى العمل أو الجامعة، وقد تكون سيارات الأجرة الخاصة ـ لمن قدرت عليها ماليا ـ أرحم لها من الحافلات العامة التي قد تتعرض فيها للإهانة والاعتداء فتستعمل سيارات الأجرة دون خلوة مع السائق.
وإذا اضطرت في النهاية إلى قيادة السيارة في حالات الحاجة الشديدة الماسة التي لا غنى عنها فإنها تسوقها بجلبابها الشرعي الكامل مع تقوى الله.
وقد تقدم ذكر حال الاضطرار
وتستعين بفتوى علماء بلدها الثقات ـ من غير المتساهلين ـ الذين يفقهون الشريعة ويعرفون وضع البلد.
وقد قال الله تعالى: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/6
نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8515)
تعريف الحرام والمكروه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بلفظ (مكروه) ؟ وما الفرق بينه وبين الحرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المكروه في اللغة: ضد المحبوب.
واصطلاحاً: ما طلب الشَّارِعُ تركه طلباً غيرَ جَازِمٍ , ويمكن أن يقال هو ما يثاب تاركه امتثالا ولا يعاقب فاعله.
أما الحرام فهو لغة: الممنوع.
واصطلاحاً: ماطلب الشَّارِعُ تركه طلباً جازماً، والحرام ضِدَّ الحلال وإنما يُؤْجَرُ العبد على اجتنابِهِ للحرام إذا تركه امتثالا (أيْ لنَهْيِ الشَّرْعِ عنه) ليس لخوفٍ أو حياءٍ أو عجزٍ عن المحرم فلا يثاب على هذا الترك.
[الْمَصْدَرُ]
شرح الورقات في أصول الفقه لعبد الله الفوزان 29-30.(5/8516)
هل الأصل في التصرّفات الإباحة أو الحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأصل في التصرّفات الإباحة أو الحرمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تُعد قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة) من القواعد الكبرى الشهيرة في الفقه الإسلامي، ومما يتفرع على هذه القاعدة: أن الأصل في التصرفات الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه، ومن مستثنيات ذلك ما دلت عليه قاعدة: (الأصل في الأبضاع التحريم) وقاعدة (الأصل في العبادات المنع) وقاعدة: (الأصل في الذبائح التحريم) وقاعدة: (لا يصح التصرف في ملك الغير إلا بإذنه) . وعليه فالعقود الجديدة وغيرها من ألوان العقود الحادثة مباحة إذا خلت من محظور كالجهالة والغرر والربا والتدليس والغش وغير ذلك مما حرمه الشارع. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ خالد السبت.(5/8517)
نظام الادخار في أرامكوا والموقف من اختلاف الفتوى فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من موظفي أرامكو السعودية، يهمنا كما يهم أي فرد مسلم شرعية الأموال التي يحصل عليها، وإننا في الآونة الأخيرة وقعنا في حيرة عظيمة لا يعلم بها إلا الله عز وجل، لعل عندكم شيئاً من علم عن نظام الادخار في أرامكو السعودية، (فالشركة تحفزني بأن أدخر عندهم بإعطائي مكافئة عند التقاعد أو عند ترك العمل في الشركة.
المساهمة هي نسبة مئوية من مساهمتي حسب بقائي في الخدمة، مثلاً
إذا كانت مساهمتي الكلية 100000 ريال وخدمتي في الشركة 10 سنوات فتكون مكافئتي من الشركة هي 100000 ريال.
وإذا كانت مدة خدمتي 7 سنوات فتكون مكافئتي 70% فقط من 100000 ريال وهي 70000 ريال.
وإننا كما نعلم مسبقا أن هذا النظام محرم شرعا بحكم فتوى اللجنة الدائمة الصادر في ذلك، ولكننا في الآونة الأخيرة جاءتنا فتوى من الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله بجواز هذا النظام الادخاري، فوقعنا بذلك في حيرة، فلا نعلم هل نتبع اللجنة أم نتبع الشيخ المنيع بحكم تخصصه في المجالات الاقتصادية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نظام الادخار المعمول به في شركة أرامكوا نظام محرم، وهو ربا صريح؛ لكونه قرضاً جر نفعاً، فإن من دفع 100,000 ليأخذها بعد مدة عشر سنوات، أو سبع، أو غير ذلك، مضافا إليها مكافأة قدرها 100,000 أو 70,000، أو ريالا واحدا، فقد وقع في الربا الصريح، المحرم بإجماع العلماء.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أَنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جرَّ منفعة.) المغني 6/436
ولا عبرة بتسمية الشركة لهذه المعاملة ادخارا أو استثمارا أو مضاربة، فإن كل استثمار ضُمن فيه رأس المال لصاحبه، فهو عقد قرض، وإن سماه الناس غير ذلك، فالعبرة بحقائق الأشياء لا بمسمياتها.
أما الاستثمار، أو التوفير، أو الادخار المشروع فيقوم على أسس أهمها:
1- أن يكون المال منك، والعمل من الطرف الآخر، ولا مانع أن يدخل بحصة من المال مع العمل.
2- أن يكون مجال الاستثمار مباحا، معلوما لك، فإن غالب هذه الشركات تستثمر المال بوضعه في بنوك الربا، أو إقامة مشاريع غير مباحة.
3- أن تتفقا على نسبة محددة من الربح، لا من رأس المال، فيكون لك 50 % أو 10 % من الربح مثلا.
4- أن لا يضمن المضارب لك رأس المال، بل متى وقعت الخسارة - بلا تفريط منها - فالخسارة في مالك، ويخسر هو عمله.
وحيث كان رأس المال مضمونا فالمعاملة قرض يلزم سداده دون زيادة، فإن اشتُرطت فيه الزيادة فهو ربا.
نسأل الله أن يصرف عنا الربا وشره وخطره، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه.
والحاصل أن نظام الادخار في شركة أرامكو محرم؛ لضمان رأس المال فيه، ولكون الربح نسبة محددة من رأس المال، فهو حينئذ قرض بفائدة، ولجهالة الجهة التي تستثمر فيها الأموال.
وقد أشارت اللجنة الدائمة إلى بطلان الدعوى بأن ما يعطاه الموظف مكافأة من الشركة؛ لأنها لا تعطي هذا إلا لمن يدخر، ولو كانت مكافأة محضة لشملت جميع الموظفين.
- وكما ذكر السائل فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ومعه الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود – وهم من كبار العلماء – عن نظام الإدخار في شركة أرامكوا فأجابوا بما نصه: " الاشتراك في نظام الادخار بشركة أرامكوا حرام؛ لما فيه من ربا الفضل وربا النسأ، وذلك لما فيه من تحديد نسبة ربوية تتراوح ما بين خمسة بالمائة ومائة بالمائة من المال المدخر للموظف السعودي، وكذا ما يُعطاه الموظف المُدَخِر من المكافأة دون من لم يدخر من موظفيها، كما هو منصوص في نظام ادخارها. "
فتاوى اللجنة الدائمة 13/510-515
وكذا أفتى الشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيره من أهل العلم بتحريم نظام الإدخار في شركة أرامكوا.
ثانياً:
إذا اختلف العلماء في الحكم الشرعي في مسألة شرعية فعلى المستفتي أن يجتهد في معرفة الحق بالنظر في أدلة كلا الفريقين فيعمل بما ترجح له. هذا فيما لو كان المستفتي طالب عالم له القدرة على الترجيح.
أما إن لم يتمكن من الترجيح نظراً لعدم تخصصه في العلم الشرعي فالواجب عليه أن يأخذ بقول الأعلم والأوثق عنده، وليس له أن يتخير من الأقوال ما يشاء.
وفي مسألتنا هذه تبين أن كبار العلماء أفتوا بالتحريم، وهم أعلم وأوثق ممن خالفهم – وليس هذا قدحاً في الطرف الثاني -، لذا فالواجب عليك الابتعاد عن هذا النظام لما تقدم.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن موقف المسلم من اختلاف العلماء فأجاب: " إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة، والترجيح بينها، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) النساء/59. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به، لأن الواجب هو اتباع الدليل، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة.
وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/43. وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه.
فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا.
ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى.
بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً، وأشد خشية لله تعالى " انتهى من كتاب اختلاف العلماء أسبابه وموقفنا منه ص23، أنظر السؤال (22652) .
وعلى المسلم أن يحذر من استفتاء من عُرف بالتساهل ومخالفة من هو أعلم منه من العلماء الثقات، وليحذر المسلم من اتباع الهوى والأخذ بالفتاوى التي توافق ما تريده نفسه وتهواه فإن المسلم مطالب بمخالفة هوى النفس، قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8518)
تحديد الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كبائر الذنوب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تستطيع مراجعة ذلك مفصّلا في كتاب " محرمات استهان بها كثير من الناس " في ركن الكتب من هذا الموقع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8519)
حكم قراءة آيات الحرس
[السُّؤَالُ]
ـ[ثبت في ترجمة الإمام ابن قدامة المقدسي - عليه رحمة الله - أنه كان يقرأ بعد كلّ صلاة صبح آيات الحرس وسوراً أخرى، نرجو أن تتكرموا علينا بأن تبينوا لنا الحديث الذي يشير إلى تلك الآيات الكريمات مع ذكر ما تيسر من طرق وألفاظ الحديث إن وُجدَتْ، وإن كان الحديث ضعيفاً هل يدخل في استحباب العمل بالحديث الضعيف حيث إن العلماء اتفقوا على استحباب العمل بالحديث الضعيف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تعتمد كثير من الأوراد المصنفة على جمع آيات من القرآن، أو سور مخصوصة، بحسب اجتهاد المصنف.
وقد ذكر السيوطي في "الإتقان" (2 / 434) : أن أغلب ما يذكره المصنفون في خواص القرآن، إنما مستنده تجارب الصالحين.
والتجربة وحدها لا تكفي في إثبات حكم شرعي، وجوبا أو استحبابا، بل لا بد لذلك من مستند شرعي، من الكتاب والسنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) . رواه مسلم (1718) .
قال الشيخ أبو شامة رحمه الله في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص 86-87) :
" ابتدع بعضهم جمع آيات السجدات يقرأ بها في ليلة ختم القرآن وصلاة التراويح، ويسبح بالمأمومين في جميعها، وابتدع آخرون سرد جميع ما في القرآن من آيات الدعاء في آخر ركعة من التراويح بعد قراءة سورة الناس، فيطول الركعة الثانية على الأولى، نحوا من تطويله بقراءة الأنعام، مع اختراعه لهذه البدعة، وكذلك الذين يجمعون آيات يخصونها بالقراءة ويسمونها آيات الحرس، ولا أصل لشيء من ذلك فليعلم أن جميع ذلك بدعة، وليس شيء منها من الشريعة، بل هو مما يوهم أنه من الشرع وليس منه " انتهى.
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/486) .
ثانيا:
أما ما ورد في ترجمة ابن قدامة من أنه كان إذا صلى الفجر تلا آيات الحرس ويس والواقعة وتبارك، ويقرأ بعد العشاء آيات الحرس.
فليعلم ـ أولا ـ أن ابن قدامة المذكور - في السؤال - ليس هو الفقيه أبا محمد، صاحب المغني، بل هو أخوه أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي.
ينظر: سير أعلام النبلاء (22/7) ، ذيل طبقات الحنابلة (ص 204) .
وهذا الذي كان يفعله أبو عمر رحمه الله، اجتهاد منه، لا تثبت به سنة، ولا يدل على مشروعية شيء، بل هو فعل يحتاج أن يحتج له، ولا يحتج به، كما يقول أهل العلم، وكل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومع ما هو معروف عن أبي عمر من فضله وعلمه وتقواه وصلاحه، فليس هو بمعصوم، ولعله ظن ذلك سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد من أصحابه، أو أن له اجتهادا في ذلك لا نعلمه.
ورحم الله أبا سليمان الداراني حيث قال: " ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة " انتهى.
"سير أعلام النبلاء" (10 / 183) .
والخلاصة: أن الحجة في ذلك هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير أن يكون ذلك سببا في الوقيعة فيمن فعل ذلك من أهل العلم والدين، أو انتقاص أقدارهم.
ولمعرفة حكم تخصيص قراءة آيات معينة لغرض معين: ينظر إجابة السؤال رقم: (115841) .
ثالثا:
لم يتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف، كما ذكر السائل، بل ذهبت طائفة منهم إلى عدم العمل به مطلقا، حيث إنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم) رواه الطبراني في "الكبير" (1647) ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1803) .
وليس من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الضعيف الذي لم يثبت عنه ولا يصح، وهو من قسم المردود غير المقبول في اصطلاح أهل الشأن، وفيما صح من الحديث الغنية عما لم يصح.
ثم إن الذين قالوا بالعمل بالضعيف في فضائل الأعمال اشترطوا أن لا يكون شديد الضعف، وأن يندرج تحت أصل معمول به، وألا يعتقد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولمعرفة حكم العمل بالضعيف في فضئل الأعمال: ينظر إجابة السؤال رقم: (44877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8520)
المقصود بجملة " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ما يعرف بـ " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية؟ . أفيدونا، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مسألة " اختلاف – أو تغيُّر - الفتوى باختلاف الزمان والمكان ": لنا معها وقفات:
1. يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة: غير قابلة للتغيير، مهما اختلف الزمان، والمكان، فتحريم الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، وما يشبه ذلك من الأحكام: لن يكون حلالاً في زمان، أو في مكان؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي، ولاكتمال التشريع بها.
2. اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة مطية لهم للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر، ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول، ولا يسلم لهم الاستدلال بها، فهي لا تخدم أغراضهم، وإنما نص الجملة في " الفتوى "، لا في " الأحكام الشرعية "، وبينهما فرق كبير، فالأول في مسائل الاجتهاد، وما كان بحسب الواقع، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث؛ فإنه ما من قضية، كائنة ما كانت، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علِم ذلك مَن علمهُ، وجهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال ": ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية، وتصوراتهم الخاطئة الوبية، ولهذا تجدهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها، منقادة إليها، مهما أمكنهم، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان ": مراد العلماء منه: ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (12 / 288، 289) .
3. القول بتغير الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي يعني تجويز تحريف الدِّين، وتبديل أحكامه، والقول بذلك يعني تجويز النسخ بعد كمال التشريع، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليُعلم أن الإجماع نفسه لا يمكن أن ينسخ حكماً ثابتاً في الشرع إلا أن يكون مستنده النص، فإن لم يكن كذلك – وهو غير واقع في حقيقة الأمر -: كان القول به تجويزا لتبديل الشريعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن " الإجماع " يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذُكر عنهم: أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً! فإن كانوا أرادوا ذلك: فهذا قول يجوِّز تبديل المسلمين دينَهم بعد نبيِّهم، كما تقول النصارى مِن: أن المسيح سوَّغ لعلمائهم أن يحرِّموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دين المسلمين، ولا كان الصحابة يسوِّغون ذلك لأنفسهم، ومَن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك: فإنه يستتاب، كما يستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم، والمفتي، فيصيب، فيكون له أجران، ويخطئ، فيكون له أجر واحد.
" مجموع الفتاوى " (33 / 94) .
وهذا من أعظم خصائص الشريعة وأحكامها القطعية.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية -:
الثبوت من غير زوال، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً، ولا تخصيصاً لعمومها، ولا تقييداً لإطلاقها، ولا رفعاً لحكم من أحكامها، لا بحسب عموم المكلفين، ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان، ولا حال دون حال، بل ما أثبت سبباً: فهو سبب أبداً لا يرتفع، وما كان شرطاً: فهو أبداً شرط، وما كان واجباً: فهو واجب أبداً، أو مندوباً: فمندوب، وهكذا جميع الأحكام، فلا زوال لها، ولا تبدل، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية: لكانت أحكامها كذلك.
" الموافقات " (1 / 109، 110) .
4. ضابط فهم هذه العبارة في أمرين:
أ. التغير في الفتوى، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله.
ب. التغير سببه اختلاف الزمان، والمكان، والعادات، من بلد لآخر.
وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله:
" فصل، في تغير الفتوى، واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد "، والعوائد: جمع عادة، وهو فصل نفيس، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة، فلتنظر في " إعلام الموقعين " (3 / 3 فما بعدها) .
ونضرب على ذلك أمثلة، منها:
1. اللُّقَطة، فإنها تختلف من بلد لآخر، ومن زمان لآخر، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه، وتملكه من غير تعريف، فيختلف الأمر في البلد نفسه، فالمدينة غير القرية، ويختلف باختلاف البلدان، والأزمنة.
2. زكاة الفطر، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً، بمقدار صاع، وقد نص الحديث على " الشعير "، و " التمر "، و " الإقط "، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان، فالشعير صار طعاماً للبهائم، والتمر صار من الكماليات، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل، وعليه: فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز، وآخر يفتي بإخراجها ذرة، وهكذا.
فالحكم الشرعي ثابت ولا شك، وهو وجوب زكاة الفطر، وثابت من حيث المقدار، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج.
والأمثلة كثيرة جدّاً، في الطلاق، والنكاح، والأيمان، وغيرها من أبواب الشرع.
وانظر مثالاً صالحاً لهذا في جوابنا على السؤال رقم (125853) .
قال القرافي رحمه الله:
فمهما تجدد في العُرف: اعتبره، ومهما سقط: أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك: لا تُجْرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك، ودون المقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح.
والجمود على المنقولات أبداً: ضلال في الدِّين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق، والعتاق، وجميع الصرائح والكنايات، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية.
" الفروق " (1 / 321) .
وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق -:
وهذا محض الفقه، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وأحوالهم، وقرائن أحوالهم: فقد ضلَّ، وأضل، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وطبائعهم، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل: أضر ما يكونان على أديان الناس، وأبدانهم، والله المستعان.
" إعلام الموقعين " (3 / 78) .
ولينظر جواب السؤال رقم: (39286) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8521)
نبذة عن " القياس "، والرد على منكريه من الظاهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض الإخوة إن القياس ليس من الدين، وإن أي حكم شرعي بني علي القياس فهو باطل، هل هناك أي دليل من السنة أو السلف على شرعية القياس؟ مع التفصيل، وجزاكم الله عنا خيراً إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس في شرع الله تعالى من مصادر للوحي غير القرآن والسنَّة، فهما مرجع المسلمين في اعتقادهم، وأحكامهم، وقد أمرنا الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في تلقي الأحكام، لا غير، وأمرنا عند التنازع والاختلاف أن نرجع إلى الكتاب والسنَّة ليكونا حكماً بين المختلفين.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/ 59، وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) الشورى/ 10.
وإذا علمنا أن القياس ليس من مصادر التشريع: فهو لا يناقض أنه وسيلة لإثبات الأحكام الشرعية التي تشترك مع المنصوص عليه بجامع العلة بينهما، وهذا لا يتناقض مع الآيات المذكورة؛ لأن القياس كان على وارد في نصوص الوحي، والشريعة لا تفرِّق بين متماثليْن، ومثله يقال في الإجماع، حيث لا إجماع إلا على نص من الوحي، فصارت مصادر التشريع: الكتاب والسنَّة، وأما الإجماع والقياس فمرجعهما إلى نصوص الوحي، فتسميتهما " مصادر تشريع " هي مسألة اصطلاحية، فيها نوع من التسامح في العبارة، والمراد بها: أنه من المصادر المعرفة بتشريع الله، والموصلة إليه.
وانظر جواب السؤال رقم: (112268) .
ثانياً:
أما نفاة القياس مطلقاً فهم الظاهرية، وعلى رأسهم: أبو محمد ابن حزم، وقد ساق الأدلة والأقوال الكثيرة على نفي القياس في الشرع مطلقاً، وقد ردَّ عليه أئمة التحقيق، وتتبعوا أدلته وأقواله بالرد والنقض، وبينوا أنه ليس كل قياس معتبر، كما لا يمكن رد القياس الصحيح المنضبط ونفيه من الشرع.
ومن الأئمة الذين تتبعوا أقوال الظاهرية بنفي القياس وردوا عليهم: الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " إعلام الموقعين "، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان ".
وبعد أن ساق الشنقيطي رحمه الله مجمل أدلة الظاهرية في نفي القياس ختم ذلك بقوله:
اعلم أن تحقيق المقام في هذه المسألة التي وقع فيها من الاختلاف ما رأيت: أن القياس قسمان: قياس صحيح، وقياس فاسد.
أما القياس الفاسد: فهو الذي ترِدُ عليه الأدلة التي ذكرها الظاهرية، وتدل على بطلانه، ولا شك أنه باطل، وأنه ليس من الدِّين كما قالوا، وكما هو الحق.
وأما القياس الصحيح: فلا يرِد عليه شيء من تلك الأدلة، ولا يناقض بعضه بعضاً، ولا يناقض البتة نصّاً صحيحاً من كتاب، أو سنَّة، فكما لا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة: فإنه لا تتناقض دلالة الأقيسة الصحيحة، ولا دلالة النص الصريح والقياس الصحيح، بل كلها متصادقة، متعاضدة، متناصرة، يصدق بعضها بعضاً، ويشهد بعضها لبعض، فلا يناقض القياس الصحيح النصَّ الصحيح أبداً.
وضابط القياس الصحيح هو: أن تكون العلة التي علق الشارع بها الحكم وشرعه من أجلها موجودة بتمامها في الفرع، من غير معارض في الفرع يمنع حكمها فيه، وكذلك القياس المعروف بـ " القياس في معنى الأصل " الذي هو الإلحاق بنفي الفارق المؤثر في الحكم. فمثل ذلك لا تأتي الشريعة بخلافه، وا يعارض نصّاً، ولا يتعارض هو في نفسه. وسنضرب لك أمثلة من ذلك تستدل بها على جهل الظاهرية القادح، الفاضح، وقولهم على الله، وعلى رسوله، وعلى دينه أبطل الباطل، الذي لا يشك عاقل في بطلانه، وعظم ضرره على الدين، بدعوى أنهم واقفون مع النصوص، وأن كل ما لم يصرح بلفظه في كتاب، أو سنَّة فهو معفو عنه، ولو صرح بعلة الحكم المشتملة على مقصود الشارع من حكمة التشريع، فأهدروا المصالح المقصودة من التشريع، وقالوا على الله ما يقتضي أنه يشرع المضار الظاهرة لخلقه.
فمن ذلك: ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: من أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يَقْضِينَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَين وَهُوَ غَضْبان) ، فالنَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح نهى عن الحُكم في وقت الغضب، ولا يشك عاقل أنه خص وقت الغضب بالنهي دون وقت الرضا؛ لأن الغضب يشوِّش الفكر، فيمنع من استيفاء النظر في الحكم، فيكون ذلك سبباً لضياع حقوق المسلمين، فيلزم على قول الظاهرية - كما قدمنا إيضاحه -: أن النهي يختص بحالة الغضب، ولا يتعداها إلى غيرها من حالات تشويش الفكر المانعة من استيفاء النظر في الحكم، فلو كان القاضي في حزن مفرط يؤثر عليه تأثيراً أشد من تأثير الغضب بأضعاف، أو كان في جوع، أو عطش مفرط يؤثر عليه أعظم من تأثير الغضب: فعلى قول الظاهرية: فحُكمُه بين الناس في تلك الحالات المانعة من استيفاء النظر في الحكم: عفو، جائز؛ لأن الله سكت عنه في زعمهم، فيكون الله قد عفا للقاضي عن التسبب في إضاعة حقوق المسلمين التي نصبه الإمام من أجل صيانتها وحفظها من الضياع، مع أن تنصيص النَّبي صلى الله عليه وسلم على النهي عن الحكم في حالة الغضب دليل واضح على المنع من الحكم في حالة تشويش الفكر تشويشاً كتشويش الغضب أو أشد منه، كما لا يخفى على عاقل، فانظر عقول الظاهرية، وقولهم على الله ما يقتضي أنه أباح للقضاة الحكم في حقوق المسلمين في الأحوال المانعة من القدرة على استيفاء النظر في الأحكام، مع نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم الصريح عن ذلك في صورة من صوره، وهي الغضب، بزعمهم أنهم واقفون مع النصوص.
ومن ذلك: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ، فالله جل وعلا في هذه الآية الكريمة نص على أن الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يجلدون ثمانين جلدة، وترد شهادتهم، ويحكم بفسقهم، ثم استثنى من ذلك من تاب من القاذفين من بعد ذلك، وأصلح، ولم يتعرض في هذا النص لحكم الذين يرمون المحصنين الذكور.
فيلزم على قول الظاهرية: أن من قذف محصناً ذكراً ليس على أئمة المسلمين جلدَه، ولا رد شهادته، ولا الحكم بفسقه؛ لأن الله سكت عن ذلك في زعمهم، وما سكت عنه فهو عفو! .
فانظر عقول الظاهرية، وما يقولون على الله ورسوله من عظائم الأمور، بدعوى الوقوف مع النص.
ودعوى بعض الظاهرية: أن آية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) شاملة للذكور بلفظها، بدعوى أن المعنى: يرمون الفروج المحصنات من فروج الإناث، والذكور: من تلاعبهم، وجهلهم بنصوص الشرع، وهل تمكن تلك الدعوى في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) ؟! ، فهل يمكنهم أن يقولوا: إن الفروج هي الغافلات المؤمنات، وكذلك قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ) ، وقوله تعالى: (مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) كما هو واضح.
ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد: فإنه لا يشك عاقل أن علة نهيه عنه أن البول يستقر فيه لركوده فيقذره، فيلزم على قول الظاهرية: أنه لو ملأ آنية كثيرة من البول، ثم صبها في الماء الراكد، أو تغوط فيه: أن كل ذلك عفو؛ لأنه مسكوت عنه، فيكون الله - على قولهم - ينهى عن جعل قليل من البول فيه إذا باشر البول فيه، ويأذن في جعل أضعاف ذلك من البول فيه، بصبه فيه من الآنية، وكذلك يأذن في التغوط فيها.
وهذا لو صدر من أدنى عاقل: لكان تناقضاً معيباً عند جميع العقلاء، فكيف بمن ينسب ذلك إلى الله ورسوله عياذاً بالله تعالى بدعوى الوقوف مع النصوص، وربما ظن الإنسان الأجر، والقربة فيما هو إلى الإثم والمعصية أقرب،.....
ومن ذلك: نهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء، مع سكوته عن حكم التضحية بالعمياء، فإنه يلزم على قول الظاهرية: أن يناط ذلك الحم بخصوص لفظ العوَر خاصة. فتكون العمياء مما سكت الله عن حكم التضحية به، فيكون ذلك عفواً، وإدخال العمياء في اسم العوراء لغة غير صحيح؛ لأن المفهوم من العوَر غير المفهوم من العمَى؛ لأن العور لا يطلق إلا في صورة فيها عين تبصر، بخلاف العمَى فلا يطلق في ذلك، وتفسير العور: بأنه عمى إحدى العينين لا ينافي المغايرة؛ لأن العمى المقيد بإحدى العينين غير العمى الشامل للعينين معاً، وبالجملة: فالمعنى المفهوم من لفظ العور غير المعنى المفهوم من لفظ العمى. فوقوف الظاهرية مع لفظ النص يلزمه جواز التضحية بالعمياء؛ لأنها مسكوت عنها.
وأمثال هذا منهم كثيرة جدّاً.
وقصدنا: التنبيه على بطلان أساس دعواهم، وهو الوقوف مع اللفظ من غير نظر إلى معاني التشريع، والحكم، والمصالح التي هي مناط الأحكام، وإلحاق النظير بنظيره الذي لا فرق بينه وبينه يؤثر في الحكم.
" أضواء البيان " (4 / 211 – 214) .
وننبه إلى أن مبحث الشيخ الشنقيطي رحمه الله في الرد على نفاس القياس من الظاهرية استغرق عشرات الصفحات، ولا نستطيع نقل كلامه كله، فمن أراد زيادة الفائدة فيرجع إلى كتابه " أضواء البيان " (4 / 175 – 228) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8522)
اتباع العلماء والأمراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتابعهم في ذلك راضياً بقولهم، مقدماً له، ساخطاً لحكم الله، فهو كافر؛ لأنه كره ما أنزل الله، وكراهة ما أنزل الله كفر؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد/9، ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر، فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر.
القسم الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضياً بحكم الله، وعالماً بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك، فهذا لا يكفر، ولكنه فاسق.
فإن قيل: لماذا لا يكفر؟
أجيب: بأنه لم يرفض حكم الله، ولكنه رضى به وخالفه لهوى في نفسه، فهو كسائر أهل المعاصي.
القسم الثالث: أن يتابعهم جاهلاً، يظن أن ذلك حكم الله فينقسم قسمين:
الأول: أن يمكنه معرفة الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم.
الثاني: أن يكون جاهلاً ولا يمكنه معرفة الحق بنفسه فيتابعهم بغرض التقليد يظن أن هذا هو الحق فلا شيء عليه؛ لأنه فعل ما أُمر به وكان معذوراً بذلك، ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أُفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه) ، ولو قلنا بإثمه بخطأ غيره للزم من ذلك الحرج والمشقة ولم يثق الناس بأحدٍ لاحتمال خطئه " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 475، 476) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8523)
هل يجوز للحاكم أن يعطل بعض الحدود في بعض الأوقات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحاكم المسلم تعطيل بعض الحدود في أوقات كما فعل عمر رضي الله عنه عندما أسقط حد السرقة عام الرمادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الواجب على المسلمين أن يقيموا فرائض الله في حدوده، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر رجم الزاني المحصن قال: (وإني أخاف إن طال بالناس زمان أن يقولوا: لا نجد الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل) فبين أن هذا فريضة، ولا شك أنه فريضة، لأن الله أمر به فقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) المائدة/38، وقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) النور/2، وقال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا) المائدة/33، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) .
ولا يجوز أن تعطل هذه الحدود بأي حال من الأحوال، وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أسقط الحد عام المجاعة فإن هذا يحتاج إلى شيئين:
الشيء الأول: صحة النقل، فإننا نطالب من ادعى ذلك بصحة النقل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الأمر الثاني: أن عمر رضي الله عنه إنما رفع الحد من أجل الشبهة القائمة، فإن الناس في مجاعة، والإنسان قد يأخذ الشيء للضرورة إليه لا لتشبعٍ به، ومعلوم أن المضطر إلى الطعام يجب على المسلمين إطعامه؛ فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا السارق مضطراً إلى الطعام ومُنع منه، فتحين الفرصة فسرق، هذا هو اللائق بعمر رضي الله عنه إن صح الأثر المنسوب إليه في أنه أسقط أو رفع الحد: حد السارق عام المجاعة.
أما حكامنا اليوم فلا يوثق بدينهم، يعني أكثرهم لا يوثق بدينه، ولا يوثق بنصحه للأمة، ولو فتح الباب لقال هؤلاء الحكام – وأعني بذلك بعضهم – لقالوا: إقامة الحد في هذا العصر لا يناسب؛ لأن أعداءنا من الكفار يتهموننا بأننا همج، وأننا وحوش، وأننا نخالف ما يجب من مراعاة حقوق الإنسان؛ ثم يرفع الحدود كلياً كما هو الواقع الآن في أكثر بلاد المسلمين مع الأسف؛ حيث عطلت الحدود من أجل مراعاة أعداء الله.
ولهذا لما عطلت الحدود كثرت الجرائم وصار الناس – حتى الحكام الذين تابعوا الكفار في هذا الأمر – في حيرة ماذا يفعلون في هذه الجرائم " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 483، 484) .
وبيان هذا: أن من شروط وجوب إقامة الحد على السارق: ألا يكون له شبهة في المال المسروق، فعمر رضي الله عنه لم يقم الحد لأنه لم تتوفر فيه شروط وجوبه، والذي يسرق في زمن المجاعة له شبهة في هذا المال، فلم يسقط عمر رضي الله عنه الحد أو عطله بعد وجوبه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8524)
متى يكون الفعل خاصّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمَّته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان يقول العلماء عن فعل فعَله الرسول عليه الصلاة والسلام إنه خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، مثل استماعه للجارية وهي تضرب على الدف، فما الدليل والضابط في هذا الموضوع؟ لأنه عندما نقول للمخالِف إن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: فما الدليل إذاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن يُعلم أن الأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أنه تشريع للأمة، ولا يجوز القول بأنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا بدليل صحيح يدل على ذلك؛ لقوله تعالى: (لقَدْ كاَنَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/ 16، وعملاً بهذا الأصل، كان الصحابة رضي الله عنهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما فعله، ولم يكونوا يسألونه هل هذا الفعل خاص به أم لا؟ ومما يدل على ذلك:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ فَلْيَنْظُرْ فِيهَا، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا) .
رواه أحمد (17 / 242، 243) وصححه محققو المسند.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من بعض أصحابه لمَّا نسبوا فعلاً فعله صلى الله عليه وسلم للخصوصية.
فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا، وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ) ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: (وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّبِعُ) .
رواه أبو داود (2389) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال ابن حزم رحمه الله:
"ولا يجوز أن يقال في شيء فعله عليه السلام أنه خصوص له إلا بنص في ذلك؛ لأنه عليه السلام قد غضب على من قال ذلك، وكل شيء أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حرام" انتهى.
" الإحكام في أصول الأحكام " (4 / 433) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"الأصل: مشاركة أمته له في الأحكام، إلا ما خصه الدليل، ولذلك قالت أُمُّ سلمة رضي الله عنها: (اخرُجْ ولا تُكَلِّمْ أحدَاً حتى تَحْلِقَ رأسك وتنحر هَدْيك) ، وعلمت أن الناس سيتابعونه" انتهى.
" زاد المعاد " (3 / 307) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
ما الذي يبيِّن أو يثبت أن هذا الشيء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ .
فأجاب:
"الأصل: أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عام، له، وللأمة، إلا ما دل الدليل على اختصاصه به صلى الله عليه وسلم، فالخصوصية لا بد لها من دليل؛ لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/ 21" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 369، السؤال رقم 488) .
ثانياً:
من الأحكام الخاصة به صلى الله عليه وسلم: التزوج من غير مهر ولا ولي، والتزوج بأكثر من أربع، ووصال الصوم لأكثر من يوم.
قال ابن حزم رحمه الله:
"فلا يحل لأحد بعد هذا أن يقول في شيء فعله عليه السلام إنه خصوص له، إلا بنص، مثل: النص الوارد في الواهبة بقوله تعالى: (خالصةً لك من دون المؤمنين) ، ومثل: وصاله عليه السلام في الصوم، وقوله ناهياً لهم: (إني لست كهيئتكم) ، ومثل نومه عليه السلام وصلاته دون تجديد وضوء، فسُئِل عليه السلام عن ذلك، فقال: (عيناي تنامان، ولا ينام قلبي) .
فما جاء فيه بيان كما ذكرنا: فهو خصوص، وما لم يأت فيه نص كما قلنا: فلنا أن نتأسى به عليه السلام، ولنا في ذلك الأجر الجزيل، ولنا أن نترك غير راغبين عن ذلك، فلا نأثم، ولا نؤجر" انتهى.
" الإحكام في أصول الأحكام " (4 / 433) .
وأما حديث ضرب الجارية بالدف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم: فليس خاصّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليس في الحديث ما يدل على الخصوصية.
عن بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلاَّ فَلاَ) فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ) .
رواه الترمذي (3690) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقال ابن القيم رحمه الله:
"حديث صحيح، وله وجهان:
أحدها: أن يكون أباح لها الوفاء بالنذر المباح؛ تطيباً لقلبها؛ وجبراً، وتأليفاً لها على زيادة الإيمان، وقوته، وفرحها بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن يكون هذا النذر قربة لما تضمنه من السرور والفرح بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم سالماً، مؤيداً، منصوراً على أعدائه، قد أظهره الله، وأظهر دينه، وهذا من أفضل القُرَب، فأُمرت بالوفاء به" انتهى.
" إعلام الموقعين عن رب العالمين " (4 / 320) .
وقال العراقي في "طرح التثريب" (6/56) :
"وقد يقترن بالضرب بالدف قصد جميل كجبر يتيمة في عرسها، وإظهار السرور بسلامة من قد يعود نفعه على المسلمين، ومن ذلك: ضرب هذه المرأة بالدف، فهو مباح بلا شك" انتهى.
وقال زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (4/344) :
"وضرب الدف مباح في العرس والختان وغيرهما مما هو سبب لإظهار السرور كعيد وقدوم غائب.... وذكر حديث الجارية المتقدم" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/93) تعقيباً على حديث الجارية: "وهذا نص في إباحة الغناء عند قدوم غائب تأكيداً للسرور" انتهى.
فأنت ترى هؤلاء العلماء أباحوا الضرب بالدف لقدوم غائب، لا سيما إذا كان هذا الغائب كثير النفع للمسلمين.
ولكن تبقى هذه الإباحة مقيدة بالضرب بالدف فقط، ولا تشمل غيره من الآلات الموسيقية، ومقيدة بالأحوال التي وردت فيها فقط. وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (20406) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8525)
حكم من يرد الحديث الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفر من يرد الحديث الصحيح؟ أحد الإخوة يرد بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في الصحيح: البخاري ومسلم وغيرها ... بحجة أنها تعارض القرآن، فما حکم من يرد الحديث الصحيح، هل يکفر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع، فقد كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ومصداق ذلك قول الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/3-4.
وقد أوجب الله تعالى على المؤمنين التسليم التام لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه وحكمه، حتى لقد أقسم بنفسه سبحانه أن من سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رده ولم يقبل به: أنه ليس من الإيمان في شيء، فقال عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
ولذلك وقع الاتفاق بين أهل العلم على أنَّ مَن أنكر حجية السنة بشكل عام، أو كذَّبَ حديث النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم – فهو كافر، لم يحقق أدنى درجات الإسلام والاستسلام لله ورسوله.
قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله:
" من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يُقرُّ بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر" انتهى.
وقال السيوطي رحمه الله:
" اعلموا رحمكم الله أنَّ مَن أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم - قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر، وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو من شاء من فرق الكفرة " انتهى.
"مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" (ص/14)
وقال العلامة ابن الوزير رحمه الله:
" التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح " انتهى.
"العواصم والقواصم" (2/274)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":
" الذي ينكر العمل بالسنة يكون كافرا؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين " انتهى.
"المجموعة الثانية" (3/194)
وانظر جواب السؤال رقم: (604) ، (13206) ، (77243)
ثانيا:
أما مَن رَدَّ الحديث ولم يقبله، مُنكِرًا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس كالقسم الأول، ونحن ندرك أن أكثر أصحاب التيار " التنويري " الجديد، هم الذين تصدوا للحكم على السنة النبوية من خلال آرائهم وتوجهاتهم، وهؤلاء ـ في واقع الأمر ـ لم يأتوا بجديد، وإنما هم امتداد لأهل البدع من قبلهم، الذين حكى أهل العمل شبهاتهم، وتولوا الردع عليها.
ولهؤلاء، وأمثالهم نقول:
المنهجية العلمية تقتضي النظر في أمور مهمة قبل رد الحديث وإنكار أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول:
المناقضة التامة بين ما ورد في الحديث وما ورد في القرآن الكريم من نص واضح الدلالة غير منسوخ، ونحن نؤكد هنا على قيد " المناقضة التامة "، وليس مجرد تعارض ظاهري يبدو في ذهن الناظر العجل، ولعل أولئك الذين يخوضون في إنكار الأحاديث يوافقوننا على هذا التقييد؛ لأن غالب التعارض الظاهري الذي يعرض في أذهان كثير من الناس لا حقيقة له، وإنما هو ظنٌّ قائمٌ في ذهن المعترض، يمكن بالتأمل وتلمس أوجه اللغة والمعاني الجواب عليه، وبيان موافقته لأصول الشريعة ومقاصدها، ومن تأمل كتاب العلامة ابن قتيبة الدينوري، المسمى " مختلف الحديث "، عرف قدر المجازفة التي جازفها كثيرون في إنكارهم الأحاديث بدعوى عدم موافقتها للقرآن، أو عدم تصديق العقل بما فيها، ثم إذا ذكر ابن قتيبة تفسير العلماء الصحيح لهذه الأحاديث تبين أن لها أوجها صحيحة موافقة للشريعة، وأن توهم المعارضة للقرآن إنما هو ظنون فاسدة.
إننا نسأل هؤلاء وأمثالهم ممن يتجرأ على رد السنة، والطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، من غير منهجية علمية، أو أصول نقدية مقبولة، ومن غير أن يحكموا أصول العلم الذي يتحدثون فيه:
هل ترون أن مِن الممكن أن يناقض الحديثُ القرآن الكريم مناقضة تامة بحيث يجزم الناقد بأن هذا الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى مع ذلك جميع علماء الإسلام، من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، متوافقين على قبول هذا الحديث وشرحه وتفسيره والاستدلال به والعمل بما جاء فيه؟!
ألا يقضي العقل السليم – الذي يزعمون التحاكم إليه – باحترام اتفاق أهل التخصص على أمر هو في صلب تخصصهم؟!
هل يجرؤ أحد على تخطئة علماء الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو علوم التربية أو الاقتصاد مثلا إذا اتفقوا وتواردوا على أمر معين، خاصة إذا لم يكن المعترض عليهم من أهل العلم بذلك التخصص، وإنما غاية أمره أن يكون قد قرأ بعض المقالات حوله، أو شيئا من كتب: تبسيط العلوم، أو: العلم لكل الناس؟!
الشرط الثان:
وجود حلقة من حلقات الضعف الإسنادي، التي تتحمل الخطأ الوارد في المتن:
ونظن – كذلك – أن هذا الشرط منهجي قويم، لا ينبغي أن يخالف فيه من يفهم شيئا في أصول النقد العلمي، وذلك أن إنكار المتن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، يعني وجود حلقة ضعيفة في السند هي التي أوهمتنا أن هذا الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ـ فعليا ـ ليس كذلك.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله، وهو من هو في منازل العلم والإيمان، وهو أول من صنف في علم أصول الفقه:
" الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك ثبوته "
"اختلاف الحديث ـ ضمن الأم ـ (10/107) ".
ويقول:
" لا يُستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه، إلا بصدق المُخْبِر، إلا في الخاص القليل من الحديث ".
"الرسالة": فقرة (1099) .
ويقول أيضا:
" المسلمون العدولُ: عدولٌ أصحاء الأمر فى أنفسهم ... ، وقولُهم عن خبر أنفسهم، وتسميتُهم: على الصحة والسلامة، حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك، فنحترسَ منهم في الموضع الذي خالف فعلُهم فيه ما يجب عليهم ".
"الرسالة": فـ (1029-1030) ، وانظر: الأم (8/518-519) .
وبعد أن يحكي الإمام الشافعي رحمه الله بعض الأصول العلمية في هذا الباب، وهو أمر تعرض له كثيرا في كتبه المختلفة، يذكر لنا أن ما قرره، مما نلقلنا بعضه هنا، ليس اجتهادا فرديا، أو مذهبا شخصيا له، وإنما هي أصول أجمع عليها أهل العلم من قبله. يقول:
" فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا، لعدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة، واختلاف الناس، والقياس، والمعقول، فما خالف منهم واحدٌ واحدا، وقالوا: هذا مذهبُ أهل العلم من أصحاب رسول الله، والتابعين، وتابعي التابعين، ومذهبُنا؛ فمن فارق هذا المذهب: كان عندنا مفارقَ سبيلِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهلِ العلم بعدَهم إلى اليوم، وكان من أهل الجهالة، وقالوا معا: لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل، وجاوزوا، أو أكثرهم، فيمن يخالف هذا السبيل، إلى ما لا أبالي أن لا أحكيه "!!
" اختلاف الحديث" ـ الأم ـ (10/21) ، وانظر نحوا من ذلك في: الرسالة: فـ (1236-1249) .
إن أول ما يجب على من رد حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبحث ويفسر من هو الراوي الذي أخطأ في نقله هذا الحديث، فإذا لم يجد المُنكِرُ سببا إسناديا مقبولا لإنكاره الحديث فذلك علامة على خطأ منهجيٍّ، وهو علامة أيضا على ضرورة مراجعة فهم الحديث والقرآن والمقاصد الشرعية.
فكيف إذا كان الحديث واردا بأصح الأسانيد على وجه الأرض، بل كيف لو كان الحديث قد ورد بطرق كثيرة جدا – كما هو حال أكثر الأحاديث التي يردها " التنويريون " -، وعن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم؟!
الشرط الثالث:
نسبة الأمر كله إلى الاجتهاد المحتمل، ونبذ أساليب الجزم والحسم واتهام المخالف والطعن في عقول المسلمين، وهذا فيما إذا كان هناك وجه لهذا الاحتمال، وكان من يتكلم في هذا مؤهلا ـ بأدوات البحث اللازمة ـ لإدراك ذلك والبحث فيه. فقد يبدو لأحد العلماء ضعف حديث معين لعلة معينة، ولكنه لا يستعمل لغة الاتهام لكل من قبل الحديث.
فمن خالف هذه الشروط الثلاثة، وأصر على إنكار الحديث وتكذيبه، فهذا على خطر عظيم، إذ لا يجوز للمسلم أن يتأول متهجما من غير شروط ولا ضوابط، وإلا أثم ووقع في الحرج.
يقول الإمام أحمد رحمه الله:
" من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " انتهى.
ويقول الحسن بن علي البربهاري:
" وإذا سمعت الرجل يطعن على الأثر، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار: فاتّهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع.
وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقمْ من عنده وودّعه " انتهى.
"شرح السنة" (113-119) باختصار.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" إن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق. فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (3/41)
وانظر جواب السؤال رقم: (245) ، (9067) ، (20153)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8526)
مصادر التشريع الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مصادر التشريع الإسلامي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مصادر الدين الأصلية التي ترجع إليها جميع العقائد والمقاصد والأحكام تتمثل في الوحيين: الكتاب والسنة. وذلك مقتضى ربانية الدين الإسلامي، أن أركانه مبنية على نصوص معصومة منزلة من السماء، تتمثل في آيات القرآن الكريم، ونصوص السنة النبوية الصحيحة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
" ولا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما سواهما تبع لهما " انتهى.
"جماع العلم" (11) .
ثم استنبط العلماء من هذين المصدرين أصولا أخرى يمكن بناء الأحكام عليها، أطلق عليها بعض العلماء - تجوزا - اسم " مصادر الشريعة " أو " مصادر التشريع الإسلامي"، وهي: الإجماع والقياس.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
" وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء: حَلَّ ولا حَرُم إلا من جهة العلم، وجهة العلم: الخبر في الكتاب أو السنة، أو الإجماع، أو القياس " انتهى.
"الرسالة" (39) .
وقال ابن تيمية رحمه الله:
"إذا قلنا الكتاب والسنة والإجماع، فمدلول الثلاثة واحد، فإن كل ما في الكتاب فالرسول موافق له، والأمة مجمعة عليه من حيث الجملة، فليس في المؤمنين إلا من يوجب اتباع الكتاب، وكذلك كل ما سنَّه الرسول صلى الله عليه وسلم فالقرآن يأمر باتباعه فيه، والمؤمنون مجمعون على ذلك، وكذلك كل ما أجمع عليه المسلمون، فإنه لا يكون إلا حقا موافقا لما في الكتاب والسنة" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (7/40) .
وقال الدكتور عبد الكريم زيدان:
"المقصود بمصادر الفقه: أدلته التي يستند إليها ويقوم عليها، وإن شئت قلت: المنابع التي يستقي منها، ويسمي البعض هذه المصادر بـ " مصادر الشريعة " أو " مصادر التشريع الإسلامي "، ومهما كانت التسمية فإن مصادر الفقه ترجع كلها إلى وحي الله، قرآناً كان الوحي أو سنة، ولهذا فإننا نرجح تقسيم هذه المصادر إلى: مصادر أصلية، وهي: الكتاب والسنة. ومصادر تبعية أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة، كالإجماع والقياس " انتهى.
"المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية" (ص/153) .
أما غير هذه المصادر الأربعة: كقول الصحابي، والاستحسان، وسد الذرائع، والاستصحاب، والعرف، وشرع من قبلنا، والمصالح المرسلة، وغيرها، فقد اختلف العلماء في حجيتها وصحة الاستدلال بها، وعلى القول بحجيتها – كلها أو بعضها – فهي تابعة للكتاب والسنة وراجعة إليهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8527)
الأدلة الشّرعية على حجيّة السنّة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علينا اتباع السنة أم القرآن فقط؟ وهل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السؤال الأول يبدو للمسلم الجادّ سؤالا عجيبا ومثيرا للدهشة فكيف يتحوّل الشيء البدهي المسلّم به والذي هو من أساسيات الدين، كيف يتحوّل مجالا للتساؤل؟
ولكن حيث أنّ التساؤل قد حصل فنقدّم مستعينين بالله هذا التأصيل العلمي الشرعي لمسألة حجية السنة ووجوب اتّباعها وأهميتها وحكم من رفضها وفي ذلك ردّ على المتشككين وعلى أتباع الطائفة الضّالة المتسمين بالقرآنيين - والقرآن منهم بريء- وهذا التأصيل نافع أيضا -إن شاء الله - لكل من يريد معرفة الحقّ في هذه القضية:
أدلة حجية السنّة:
أولا: دلالة القرآن الكريم على حجية السنة:
وذلك من وجوه:
الأول - قال الله تعالى: (من يطع الرّسول فقد أطاع الله) ، فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته.
ثم قرن طاعته بطاعة رسوله، قال تعالى: (يا أيّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول) .
الثاني - حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوعد من عصاه بالخلود في النار، قال تعالى: (فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبُهم عذاب أليم) .
الثالث - جعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان، ومخالفته من علامات النفاق، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلموا تسليماً) .
الرابع:- أمر سبحانه وتعالى عباده بالاستجابة لله والرسول، قال تعالى: (يا أيُّها الّذين أمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يُحييكم..) .
الخامس: - ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه، وذلك عند الاختلاف، قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردّوُه إلى الله والرّسول) .
ثانياً: دلالة السنة النبوية على حجية السنة:
وذلك من وجوه:
أحدها: ما رواه الترمذي عن أبي رافع وغيره رفعه (أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم) قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي ط. شاكر رقم 2663
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر.. الحديث رواه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء
الثاني: ما رواه أبو داود أيضا في سننه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة) وفيها: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ..) في كتاب السنّة من صحيح أي داود
ثالثاً: دلالة الإجماع على حجية السنة:
قال الشافعي رحمه الله: ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قبل خبره، وانتهى إليه، وأثبت ذلك سنة.. وصنع ذلك الذين بعد التابعين، والذين لقيناهم، كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة، يحمد من تبعها، ويعاب من خالفها، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم، وكان من أهل الجهالة.
رابعا: دلالة النظر الصحيح على حجية السنة:
كون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله، يقتضي تصديقه في كل ما يخبر به، وطاعته في كل ما يأمر به، ومن المُسلَّم به أنه قد أخبر وحكم بأمور زائدة على ما في القرآن الكريم، فالتفريق بينها وبين القرآن، في وجوب الالتزام بها، والاستجابة لها، تفريق بما لا دليل عليه، بل هو تفريق باطل، فلزم أن يكون خبره صلى الله عليه وسلم واجب التصديق، وكذا أمره واجب الطاعة.
حكم من أنكر حجية السنة أنه كافر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
أما السؤال الثاني وهو هل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن فالجواب: لا يلزم ذلك، وكل عامي من المسلمين مذهبه مذهب مفتيه، وعليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم والفتوى وإذا كان الشّخص طالب علم يميّز بين الأدلة والأقوال فعليه أن يتبّع القول الراجح من أقوال أهل العلم بدليله الصحيح من الكتاب والسنّة.
هذا ويجوز للمسلم أن يتبع مذهبا معينا من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة بشرط أنّه إذا عرف أنّ الحقّ في المسألة المعيّنة خلاف المذهب وجب عليه أن يخالف المذهب ويتّبع الحقّ ولو كان في مذهب آخر لأنّ المقصود هو اتّباع الحقّ الذي يُعرف بالكتاب والسنة، والمذاهب الفقهية ما هي إلا طرق لمعرفة الأحكام الشرعية دالّة على أحكام الكتاب والسنّة وليست هي الكتاب والسنّة.
نسأل الله أن يرينا الحقّ حقّا ويرزقنا اتّباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8528)
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان، والجهلة من المسلمين، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية، وأن حجتهم داحضة.
ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه: كم ركعة أصلي الظهر؟ وكم هو نصاب الزكاة؟ وهذا سؤالان يسيران، ولا غنى بمسلم عنهما، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة، وأمره بالزكاة، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية؟ إن هذا من المحال، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن! كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب "، كما في " البحر المحيط " للزركشي (6 / 11) ، ونقله ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " (2 / 307) عن التابعي مكحول.
ولا نظن بالأخ السائل إلا خيراً، ونظن أنه سأل مستفهماً عن أوجه الرد على من يقول بمثل هذه الأقاويل زاعماً تعظيمه للقرآن الكريم.
ثانياً:
من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم: أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وبالانتهاء عما نهى عنه، وبطاعته، وقبول حكمه، ومن ذلك:
قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر: من الآية7.
وقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) النور/54.
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) النساء/من الآية64.
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65.
فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها؟ .
وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار، وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم؟ وما عددها؟ وما أوقاتها؟ وما شوطها؟ وما مبطلاتها؟ وقل مثل ذلك في الزكاة، والصيام، والحج، وباقي شعائر الدين وشرائعه.
وكيف سيطبق قول الله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38؟ فكم هو نصاب السرقة؟ ومن أين تُقطع اليد؟ وهل هي اليمين أم الشمال؟ وما هي الشروط في الشيء المسروق؟ ، وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود.
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -:
وقال الشافعي في " الرسالة " - في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم -: قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه: كالحج، والصلاة، والزكاة: لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة: كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله.
" البحر المحيط " (6 / 7، 8) .
وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن، ومن أعظم المنسلخين عن الدين؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام، وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر، أو أنه يفعلها فيتناقض!
ثالثاً:
والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام، وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده، بل هي القرآن والسنَّة، ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن، بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة، بدليل نزول آيات من القرآن الكريم بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة.
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً) المائدة/من الآية3.
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -:
قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) أي: أكملت لكم الأحكام، لا القرآن؛ فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام.
" المنثور في القواعد " (1 / 142) .
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) .
" إعلام الموقعين " (1 / 250) .
رابعاً:
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى، وفي كونها حجة، وفي كونها ملزمة للعباد، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن، بل في القرآن إشارة لحلِّه، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح.
عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ) .
رواه أبو داود (4604) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود.
وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى:
عن عبد الله قال: " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه؛ أما قرأت: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر/7؟ ، قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً، فقال: لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا.
رواه البخاري (4604) ، ومسلم (2125) .
وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى، ولا يعرفون غيره، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن.
قال الأوزاعي عن حسان بن عطية: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنَّة تفسر القرآن.
وقال أيوب السختياني: إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال: دعنا من هذا، حدِّثنا من القرآن: فاعلم أنه ضال مضل.
وقال الأوزاعي: قال الله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله) ، وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه) .... .
وقال الأوزاعي: قال القاسم بن مخيمرة: ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام: فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال: فهو حلال إلى يوم القيامة.
انظر: " الآداب الشرعية " (2 / 307) .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -:
قال الحافظ الدارمي: يقول: (أوتيت القرآن , وأوتيت مثله) : من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه , وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به , كتحريم لحم الحمار الأهلي , وكل ذي ناب من السباع , وليسا بمنصوصين في الكتاب.
وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن , فقال الشافعي في " الرسالة ": " ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير " , وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع , وضعته الزنادقة، قال ابن عبد البر في كتاب " جامع بيان العلم ": قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا حديث: (ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله , فإن وافق كتاب الله فأنا قلته , وإن خالف فلم أقله) ، قال الحافظ: وهذا لا يصح , وقد عارضه قوم , وقالوا: نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه: لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب , بل وجدنا فيه الأمر بطاعته , وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال. انتهى.
وقال ابن حبان في " صحيحه " في قوله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) : فيه دلالة على أن السنَّة يقال فيها: آي.
" البحر المحيط " (6 / 7، 8) .
خامساً:
قد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن، ومنها: أنها تأتي موافقة لما في القرآن، وتأتي مقيدة لمطلقه، ومخصصة لعمومه، ومفسرة لمجمله، وناسخة لحكمه، ومنشئة لحكم جديد، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل:
المنزلة الأولى: سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل.
المنزلة الثانية: سنَّة تفسر الكتاب، وتبين مراد الله منه، وتقيد مطلقه.
المنزلة الثالثة: سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب، فتبيِّنه بياناً مبتدأً.
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة.
وقد أنكر الإمام أحمد على من قال " السنة تقضي على الكتاب " فقال: بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه.
والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله وتخالفه ألبتة، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله، وهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده؟! .
ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن، وبطلت بالكلية.
وما من أحد يُحتج عليه بسنَّة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية، أو إطلاقها، ويقول: هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل.
حتى إن الرافضة قبحهم الله سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم (لا نُورث ما تركنا صدقة) وقالوا: هذا حديث يخالف كتاب الله، قال تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) .
وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله (ليس كمثله شيء) .
وردت الخوارج من الأحاديث الدالة على الشفاعة، وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن.
وردت الجهمية أحاديث الرؤية مع كثرتها وصحتها بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى (لا تدركه الأبصار) .
وردت القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن.
وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن.
فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها، وإما أن يطرد الباب في قبولها، ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن، أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود -: فتناقض ظاهر.
وما مِن أحد رد سنَّة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك.
وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما على من ردَّ أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع بظاهر قوله تعالى (قل لا أجد في ما أوحى إليَّ محرماً) الآية.
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنَّته التي لم تذكر في القرآن، ولم يدَّعِ معارضة القرآن لها: فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنَّته تخالف القرآن وتعارضه؟ .
" الطرق الحكمية " (65 – 67) .
وللشيخ الألباني – رحمه الله - رسالة بعنوان " منزلة السنة في الإسلام، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن "، وفيها:
تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته، واختصه برسالته، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم، وأمره فيه - في جملة ما أمره به - أن يبينه للناس، فقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم) النحل/44، والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان:
الأول: بيان اللفظ ونظمه، وهو تبليغ القرآن، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم، وهو المراد بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك) المائدة/67، وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها " ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه: فقد أعظم على الله الفرية "، ثم تلت الآية المذكورة " - أخرجه الشيخان -، وفي رواية لمسلم: " لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) الأحزاب/37.
والآخر: بيان معنى اللفظ، أو الجملة، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة، أو العامة، أو المطلقة، فتأتي السنَّة، فتوضح المجمل، وتُخصِّص العام، وتقيِّد المطلق، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم، كما يكون بفعله وإقراره.
وقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة/38، مثال صالح لذلك، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد، فبينتِ السنَّة القوليَّة الأول منهما، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً) - أخرجه الشيخان -
كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل، كما هو معروف في كتب الحديث، وبينت السنة القوليَّة اليد المذكورة في آية التيمم: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) النساء/43 والمائدة /6 بأنها الكف أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (التيمم ضربة للوجه والكفين) أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما.
وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة:
1. قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام /82، فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا: يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس بذلك، إنما هو الشرك؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان: (إن الشرك لظلم عظيم) لقمان/13؟) أخرجه الشيخان وغيرهما.
2. قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) النساء/101، فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا؟ قال: (صدقة تصدَّق الله بها عليكم فقبلوا صدقته) - رواه مسلم -.
3. قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) المائدة/3، فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك، والكبد والطحال، من الدم حلال، فقال صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان: الجراد والحوت - أي: السمك بجميع أنواعه -، والكبد والطحال) - أخرجه البيهقي وغيره مرفوعاً وموقوفاً، وإسناد الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قِبَلِ الرأي -.
4. قوله تعالى: (قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به) الأنعام/145، ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية، كقوله صلى الله عليه وسلم: (كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير حرام) ، وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية؛ فإنها رجس) - أخرجه الشيخان -.
5. قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) الأعراف/32، فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال: (هذان حرام على ذكور أمتي، حلٌّ لإناثهم) - أخرجه الحاكم وصححه -.
والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه.
ومما تقدم يتبين لنا - أيها الإخوة - أهمية السنَّة في التشريع الإسلامي، فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة - فضلا عن غيرها مما لم نذكر - نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً إلا مقروناً بالسنَّة.
" منزلة السنة في الإسلام " (ص 4 – 12) .
وننصح بالرجوع إلى رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – فهي في صلب موضوع السؤال.
وبه يتبين:
أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه، وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به.
وأمر أخير:
هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن: فإننا نقول: إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة! فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59، فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية؟ إن قبلها: رجع إلى السنَّة فبطل قوله، وإن لم يرجع: فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة.
والحمد لله رب العالمين
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8529)
السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا: أعتذر عن إثارة مثل هذا السؤال، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي، أقول: إنني أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. أسأل عن السنة، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث واحد، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن العظيم؟ هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم؟ هل هي من خصائص النبوة أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم.
قال تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ) النجم/3-4
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ)
رواه الترمذي (2664) وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف:
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :
" كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى.
رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي، قال: " بسند صحيح ".
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام.
يقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44
يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين:
الأول: بيان المجمل في الكتاب العزيز، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام.
الثاني: زيادة حكم على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى.
ثانيا:
لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع.
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :
" قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى.
ثالثا:
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط، وهو أن القرآن كلام الله تعالى، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى، بل من وحيه فقط، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها، بل بالمعنى والمضمون.
ومِن فَهْمِ هذا الفرق، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها، ومعناها، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله، وليس في ألفاظها وحروفها.
ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ، والحق والباطل.
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا، فيقال:
رابعا:
أسباب تعدد الروايات:
1- تعدد الحادثة:
يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :
" وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا، لأن النبي صلى اله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى.
2- الرواية بالمعنى:
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن.
مثاله: حديث (إنما الأعمال بالنيات) : فقد روي بلفظ (العمل بالنية) ولفظ (إنما الأعمال بالنية) وآخر (الأعمال بالنية) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى، فإن مخرج الحديث واحد، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد، فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع، والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس هذا محلها.
3- اختصار الراوي للحديث:
أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال، ويذكره كاملا في حال أخرى.
مثاله: روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر، فكلها جاءت عن أبي هريرة، وهي قصة واحدة، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة. انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229)
4- الخطأ:
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/39) :
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، إذ كانوا آخر الأمم، فلا نبي بعد نبيهم، ولا كتاب بعد كتابهم، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى.
والسنة، على الوجه الذي ذكرناه أولا، من كونها وحيا من عند الله تعالى: يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم، ولو يأت تفصيله، أو أصله في كتاب الله تعالى، نقول: السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة، وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه، بما تحمله الكتب، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ، أو تعدد لسياقات الحديث، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها، أو القلق من حفظها، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ:
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم، وتتبعوا الاختلافات، حتى الشاذة منها، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"
ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم، وشارحه: " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس: من علم الكلام، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى، من الخوارج والروافض (خذلهم الله تعالى) ، وأما حجية الكتاب والسنة: فمتفق عليها عند الأمة، ممن يدعي التدين كافة، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى.
انظر: حجية السنة (248-249) .
وانظر: إجابة السؤال (93111)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8530)
أمر النبي صلى الله عليه وسلم هل يفيد الوجوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل ما يأمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض؟ إن كان نعم، فكيف نوفق بين ذلك وبين الحديث الذي معناه: (ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ؟ وإن كان لا، فلماذا مثلا إطلاق اللحية فرض وليس سنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأوامر الواردة في الشرع على ثلاثة أنواع:
الأول: أن يقترن بالأمر قرائن تدل على أن المراد به الوجوب والفرضية , كقوله تعالى:) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ َ) البقرة/43 فقد دلت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على أن الأمر بإقامة الصلوات الخمس للوجوب.
الثاني: أن يقترن بالأمر ما يدل على أنه ليس للوجوب , كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري (1183) : (صَلُّوا قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ , قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً) .
فقوله: (لمن شاء) دليل على أن الأمر في قوله: (صلوا قبل المغرب) ليس للوجوب.
الثالث: أن يرد الأمر مجرداً عن القرائن , وهو ما يسميه العلماء بالأمر المطلق , فلم يقترن به ما يدل على أنه للوجوب أو غيره , وحكم هذا الأمر أنه يكون للوجوب.
ولذلك يقول العلماء: " الأمر المجرد عن القرائن يفيد الوجوب ".
وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة.
انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/39) .
واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة، من الكتاب والسنة.
أما أدلة القرآن فمنها:
1. قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) الأحزاب/36.
فجعل الله جل وعلا أمرَه وأمرَ رسوله مانعاً من الاختيار، وذلك دليل الوجوب اهـ "المذكرة" للشنقيطي (ص 191) .
2. وقوله عز وجل: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63.
فتوعد الله تعالى المخالفين لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفتنة وهي الزيغ، أو بالعذاب الأليم، ولا يتوعد بذلك إلا على ترك واجب، فدل على أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المطلق يقتضي الوجوب اهـ "شرح الورقات" للفوزان (ص 59) . وقال القرطبي (12/322) : بهذه الآية استدل الفقهاء على أن الأمر للوجوب اهـ.
3. ومن الأدلة على ذلك أيضا: قول الله سبحانه وتعالى منكراً على إبليس عدم سجوده بعد أمره بالسجود لآدم: (مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) الأعراف/12. فَقَرَّعَ إبليسَ ووَبَّخَهُ على مخالفة الأمر اهـ "الشنقيطي" (ص 192) بمعناه.
4. وقوله سبحانه: (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) طه/93. وقال عن الملائكة: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ) التحريم/6. فهو دليل على أن مخالفة الأمر معصية اهـ "الشنقيطي" (ص 192) .
5. وقوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) المرسلات /48. وهذا ذمٌّ لهم على ترك امتثال الأمر بالركوع، وهو دليل الوجوب اهـ "الشنقيطي" (ص 191) .
وأما أدلة السنة على أن الأمر المطلق للوجوب، فكثيرة:
منها:
1. قصة بريرة لما عتقت واختارت فسخ النكاح من زوجها وكان عبدا، وكان زوجها يحبها، وكان يمشي خلفها في طرق المدينة ودموعه تسيل على خده يترضاها لترجع إليه فلم تفعل، فشفع له النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال لها: كما رواه أبو داود (2231) يَا بَرِيرَةُ، اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّهُ زَوْجُكِ، وَأَبُو وَلَدِكِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْمُرُنِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ. قَالَتْ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود (1952) . ورواه البخاري (5283) بلفظ آخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإنما قالت: (أتأمرني؟) لما استقر عند المسلمين أن طاعة أمره واجبة اهـ الفتاوى (1/317) .
2. ومن أدلة السنة أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ) رواه البخاري (887) ومسلم (252) .
قال الحافظ في الفتح: فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الأَمْر لِلْوُجُوبِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدهمَا: أَنَّهُ نَفَى الأَمْر مَعَ ثُبُوت النَّدْبِيَّة , وَلَوْ كَانَ لِلنَّدْبِ لَمَا جَازَ النَّفْي.
ثَانِيهمَا: أَنَّهُ جَعَلَ الأَمْر مَشَقَّة عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّق إِذَا كَانَ الأَمْر لِلْوُجُوبِ , إِذْ النَّدْب لا مَشَقَّة فِيهِ، لأَنَّهُ جَائِز التَّرْك اهـ.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وأمر الله ورسوله إذا أطلق كان مقتضاه الوجوب اهـ. الفتاوى (22/29) .
ثانياً:
لا تعارض بين هذه القاعدة: (الأصل في الأمر أنه للوجوب) وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) إذ غاية ما فيه أنه قيد امتثال الأمر بالاستطاعة، وهذا من رحمة الشريعة وكمالها، وليس هذا خاصا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بل أمر الله تعالى مقيد بالاستطاعة كذلك، كما قال سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) : هذا من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيها ما لا يحصى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها، أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل، غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة، فعل الممكن، وإذا وجد ما يستر بعض عورته، أو حفظ بعض الفاتحة، أتى بالممكن، وأشباه هذا غير منحصرة، وهي مشهورة في كتب الفقه، والمقصود التنبيه على أصل ذلك " انتهى باختصار.
وقد قال الله تعالى في الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام، ومن أعظم فرائضه: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97.
وبناء على ما سبق فإن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية وتوفيرها، يدل على الوجوب والفرضية، لأن الأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب، ولم توجد قرينة تصرفه عن ذلك، وانظر تفصيل الكلام على مسألة إعفاء اللحية، في جواب الأسئلة (1189) ، (8196) ، (48960) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8531)
نبذة عن مذهب الإمام أبي حنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من فضيلتكم إعطاء نبذة عن الإمام أبي حنيفة وعن مذهبه حيث أنني أسمع البعض ينتقصون من مذهب الإمام وذلك لاعتماده في كثير من الأحيان على القياس والرأي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإمام أبو حنيفة هو فقيه الملة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة، وروى عن عطاء بن أبي رباح وهو أكبر شيخ له، وعن الشعبي وغيرهم كثير.
وقد عني رحمه الله بطلب الآثار وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك كما يقول الإمام الذهبي، حتى قال:" وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين رضي الله عنه ورحمه "
وكان الإمام فصيح اللسان عذب المنطق، حتى وصفه تلميذه أبو يوسف بقوله:" كان أحسن الناس منطقا وأحلاهم نغمة، وأنبههم على ما يريد "، وكان ورعا تقيا، شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى، عرضت عليه الدنيا والأموال العظيمة فنبذها وراء ظهره، حتى ضُرب بالسياط ليقبل تولي القضاء أو بيت المال فأبى.
حدث عنه خلق كثير، وتوفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة. [سير أعلام النبلاء 6 \ 390 – 403، أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة ص 63]
أما المذهب الحنفي فهو أحد المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة، وهو أول المذاهب الفقهية، حتى قيل:" الناس عالة في الفقه على أبي حنيفة "، وأصل المذهب الحنفي وباقي المذاهب أن هؤلاء الأئمة - أعني أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - كانوا يجتهدون في فهم أدلة القرآن والسنة، ويفتون الناس بحسب الدليل الذي وصل إليهم، ثم أخذ أتباع أولئك الأئمة فتاوى الأئمة ونشروها وقاسوا عليها، وقعدوا لها القواعد، ووضعوا لها الضوابط والأصول، حتى تكوَّن المذهب الفقهي، فتكوَّن المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي وتكوّنت مذاهب أخرى كمذهب الأوزاعي وسفيان لكنه لم يُكتب لها الاستمرار.
وكما ترى فإن أساس تلك المذاهب الفقهية كان قائما على اتباع الكتاب والسنة.
أما الرأي والقياس الذي أخذ به الإمام أبو حنيفة، فليس المراد به الهوى والتشهي، وإنما هو الرأي المبني على الدليل أو القرائن أو متابعة الأصول العامة للشريعة، وقد كان السلف يطلقون على الاجتهاد في المسائل المشكلة " رأيا " كما قال كثير منهم في تفسير آيات من كتاب الله: أقول فيها برأيي، أي باجتهادي، وليس المراد التشهي والهوى كما سبق.
وقد توسع الإمام أبو حنيفة في الأخذ بالرأي والقياس في غير الحدود والكفارات والتقديرات الشرعية، والسبب في ذلك أنه أقل من غيره من الأئمة في رواية الحديث لتقدم عهده على عهد بقية الأئمة، ولتشدده في رواية الحديث بسبب فشو الكذب في العراق في زمانه وكثرة الفتن.
ويجب ملاحظة أن المذهب الحنفي المنسوب إلى الإمام أبي حنيفة، ليس كل الأقوال والآراء التي فيه هي من كلام أبي حنيفة، أو تصح أن تنسب إليه، فعدد غير قليل من تلك الأقوال مخالف لنص الإمام أبي حنيفة نفسه، وإنما جعل من مذهبه بناء على تقعيدات المذهب المستنبطة من نصوص أخرى للإمام، كما أن المذهب الحنفي قد يعتمد رأي التلميذ كأبي يوسف ومحمد، إضافة إلى أن المذهب يضم اجتهادات لتلاميذ الإمام، قد تصبح فيما بعد هي المذهب، وليس هذا خاصا بمذهب أبي حنيفة، بل قل مثل ذلك في سائر المذاهب المشهورة.
فإن قيل: إذا كان مستند المذاهب الأربعة في الأصل الكتاب والسنة، فلماذا وجدنا اختلافا في الآراء الفقهية بينها؟
فالجواب: أن كل إمام كان يفتي بحسب ما وصل إليه من دليل، فقد يصل إلى الإمام مالك حديث فيفتي به، ولا يصل إلى الإمام أبي حنيفة، فيفتي بخلافه، والعكس صحيح، كما إنه قد يصل إلى أبي حنيفة حديث ما بسند صحيح فيفتي به، ويصل إلى الإمام الشافعي نفس الحديث لكن بسند آخر ضعيف فلا يفتي به، ويفتي بأمر آخر مخالف للحديث بناء على ما أداه إليه اجتهاده، ولأجل هذا حصل الخلاف بين الأئمة - وهذا باختصار -، لكن المعول والمرجع في النهاية لهم جميعا إلى الكتاب والسنة.
ثم إن الإمام أبا حنيفة وغيره من الأئمة في حقيقة أمرهم وسيرتهم قد أخذوا بنصوص الكتاب والسنة، وإن لم يفتوا بها، وبيان ذلك أن كل الأئمة الأربعة قد نصوا على أنه إن صح حديث ما فهو مذهبهم، وبه يأخذون، وبه يفتون، وعليه يستندون.
قال الإمام أبو حنيفة:" إذا صح الحديث فهو مذهبي "، وقال رحمه الله:" لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه "، وفي رواية عنه:" حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي "، زاد في رواية أخرى:" فإننا بشر، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا "، وقال رحمه الله:" إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي "
وقال الإمام مالك رحمه الله:" إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه "، وقال رحمه الله:" ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم "
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:" ما من أخذ إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعزب عنه - أي تغيب -، فمهما قلت من قول، أو أصَّلت من أصل، فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قولي "
وقال الإمام أحمد:" لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا "، وقال رحمه الله:" رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار - أي الأدلة الشرعية "
هذه نبذه يسيرة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ومذهبه، وختاما: لا يسع المسلم إلا أن يعرف لهؤلاء فضلهم، ومكانتهم، على أن ذلك لا يدعوه إلى تقديم أقوالهم على كتاب الله، وما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسم -، فإن الأصل اتباع الكتاب والسنة لا أقوال الرجال، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسم - كما قال الإمام مالك رحمه الله.
ولمزيد من الفائدة انظر (5523، 13189، 23280، 21420)
وانظر المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية لعمر الأشقر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8532)
حول طائفة القرآنيين الضالة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جماعة تطلق على نفسها (القرآنيين) وتدعي أنها لن تتبع إلا القرآن، فما رأيك بقولهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أثار بعض الناس أن السنة ليست مصدراً للتشريع، وسموا أنفسهم بالقرآنيين، وقالوا: إن أمامنا القرآن، نحل حلاله، ونحرم حرامه، والسنة كما يزعمون قد دس فيها أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء امتداد لقوم آخرين نبأنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) الفتح الكبير 3/438 ورواه الترمذي باختلاف في اللفظ، وقال: حسن صحيح (سنن الترمذي بشرح ابن العربي ط الصاوي 10/132) وهؤلاء ليسوا بقرآنيين، لأن القرآن أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقرب من مائة آية، واعتبر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) سورة النساء/80، بل إن القرآن الكريم الذي تدعون التمسك به نفى الإيمان عمن رفض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقبل حكمه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) سورة النساء /65.
وقولهم: إن السنة قد دست فيها أحاديث موضوعة مردود بأن علماء هذه الأمة قد عنوا أشد العناية بتنقية السنة من كل دخيل، واعتبروا الشك في صدق راو من الرواة أو احتمال سهوه رداً للحديث. وقد شهد أعداء هذه الأمة بأنه ليست هناك أمة عنيت بالسند وبتنقيح الأخبار ولا سيما المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كهذه الأمة.
ويكفي لوجوب العمل بالحديث معرفة صحّته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكتفي بإبلاغ دعوته بإرسال واحد من الصحابة مما يدل على أن خبر الواحد الثقة يجب العمل به.
ثم نسأل هؤلاء أين هي الآيات التي تدل على كيفية الصلاة، وعلى أن الصلوات المفروضة خمس، وعلى أنصبة الزكاة، وعلى تفاصيل أعمال الحج، وغير ذلك من الأحكام التي لا يمكن معرفتها إلا بالسنة. الموسوعة الفقهية 1/44
ولمزيد من معرفة الأدلة الشرعية على حجية السنة النبوية يُنظر السؤال رقم 604.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8533)
هل يهجر أهله الذين ينكرون السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الأسرة تقول للإنسان أن يتبع القرآن فقط ولا يتبع الحديث هل يلقي عليهم السلام ويهنئهم بالعيد ليقلل الفتنة ولا يضايقهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على كل مسلم أن يؤمن بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها - إن صحت عنه - وألا يرد شيئاً منها؛ لأن أحاديثه وسنته صلى الله عليه وسلم وحي من الله، والذي يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الوحي من الله.
قال تعالى: {والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى} النجم / 1 - 6.
وقد أوجب الله تعالى على الناس طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك في آيات كثيرة من القرآن نذكر منها:
قال الله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} آل عمران / 32.
وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} النساء / 80.
وقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} النساء / 59.
وقال: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} النور / 56.
وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
ومنكر السنة كافر مرتد.
قال السيوطي رحمه الله في رسالته "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة":
اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة اهـ
وهؤلاء الذين يريدون الإكتفاء بالقرآن يسمون القرآنيين، ومذهبهم هذا قديم حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من حديث كما سيأتي ضمن كلام شيخ الإسلام. ومن أوضح الأدلة على بطلان هذا المذهب أن القائلين به لا يعلمون به!!!
إذ كيف يصلي هؤلاء؟ وكم صلاة يصلون في اليوم والليلة؟ وما هي الأحوال التي تجب فيها الزكاة؟ وما هو نصابها؟ وما القدر الواجب إخراجها منها؟ وكيف يحجون ويعتمرون؟ وكم مرة يطوفون بالكعبة؟ وكم مرة يسعون بين الصفا والمروة؟ ...
وأحكام أخرى كثيرة لم يرد تفصيلها في القرآن، وإنما ذكرها القرآن مجملة، وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته.
فهل يترك هؤلاء العمل بهذه الأحكام بحجة أنها لم ترد في القرآن؟
إن كان جوابهم نعم فقد حكموا على أنفسهم بالكفر لإنكارهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة وأجمع المسلمون عليه إجماعاً قطعياً.
وإن كان جوابهم أنهم لا يتركون العمل بهذه الأحكام فقد حكموا ببطلان مذهبهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد ذكره للآيات التي تحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم -، قال:
فهذه النصوص توجب اتباع الرسول وإن لم نجد ما قاله منصوصا بعينه في الكتاب، كما أن تلك الآيات توجب اتباع الكتاب وإن لم نجد ما في الكتاب منصوصاً بعينه في حديث الرسول غير الكتاب.
فعلينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول، واتباع أحدهما هو اتباع الآخر؛ فإن الرسول بلَّغ الكتاب، والكتاب أمر بطاعة الرسول، ولا يختلف الكتاب والرسول ألبتة كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضاً قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} ، والأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع الكتاب، وفى وجوب اتباع سنته كقوله: " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أَمرت به أو نَهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم "، هذا الحديث في السنن والمسانيد مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة جهات من حديث أبي ثعلبة وأبى رافع وأبي هريرة وغيرهم.
وفى صحيح مسلم عنه من حديث جابر أنه قال في خطبة الوداع: " وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله تعالى " (وللحاكم: " كتاب الله وسنتي " صححه الألباني في صحيح الجامع 2937) ، وفى الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قيل له: هل أوصى رسول الله؟ قال: لا. قيل: فكيف كُتب على الناس الوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله ". رواه مسلم (1634)
وسنة رسول الله تفسر القرآن كما فسرت أعداد الصلوات وقدر القراءة فيها والجهر والمخافتة وكما فسرت فرائض الزكاة ونصبها وكما فسرت المناسك وقدر الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمار ونحو ذلك.
وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة والموجبة لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طائف المسلمين.
" مجموع الفتاوى " (19 / 84 – 86) بتصرف يسير فيما بين القوسين.
فالذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق كما أن القرآن حق.
ثانياً:
وأنت – يا أخي – ينبغي عليك ألا تهجر أهلك، وعليك أن تعاملهم بالحسنى، وأن تجتهد معهم بالدعوة إلى اتباع السنة والرضى بها.
قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} النحل /125.
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لقمان / 14 - 15.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8534)
هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ذكر لمساواة المرأة بالرجل في القرآن الكريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مصطلح - المساواة – الذي ينادي به كثير من المفكرين في الشرق والغرب في مجالات الحياة المتعددة مصطلح يقوم على اعوجاج وقلة إدراك لا سيما إن تحدث المتحدث ونسب المساواة للقرآن الكريم أو للدين الحنيف.
ومما يخطئ الناس في فهمه قولهم: الإسلام دين المساواة، والصحيح أن يقولوا: الإسلام دين العدل.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى -:
وهنا يجب أن نعرف أن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة وهذا خطأ، لا يقال: مساواة؛ لأن المساواة تقتضي عدم التفريق بينهما، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فرق بين الذكر والأنثى؟ سووا بين الذكور والإناث، حتى إن الشيوعية قالت: أي فرق بين الحاكم والمحكوم؟ لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد ليس للوالد سلطة على الولد، وهلمَّ جرّاً.
لكن إذا قلنا بالعدل وهو إعطاء كل أحدٍ ما يستحقه: زال هذا المحذور، وصارت العبارة سليمة، ولهذا لم يأت في القران أبداً: " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء: {إن الله يأمر بالعدل} النحل/90، {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء/58، وكذب على الإسلام مَن قال: إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين. أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها مَن يعرف دين الإسلام، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر/9، {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} الرعد/16، {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} الحديد/10، {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} النساء/95، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً إنما يأمر بالعدل، وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس فأنا أشعر أن لي فضلاً على هذا الرجل بالعلم، أو بالمال، أو بالورع، أو ببذل المعروف، ثم لا أرضى بأن يكون مساوياً لي أبداً. كل إنسان يعرف أن فيه غضاضة إذا قلنا بمساواة ذكر بأنثى. " شرح العقيدة الواسطية " (1 / 180-181) .
وعليه: فالإسلام لم يساو بين الرجل والمرأة في الأمور التي لو ساوى بينهما لظلم أحدهما؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم شديد.
فالقرآن أمر المرأة أن تلبس غير الذي أمر به الرجل، للفارق في فتنة كل من الجنسين بالآخر فالفتنة بالرجل أقل من الفتنة بالمرأة فكان لباسها غير لباسه، إذ ليس من الحكمة أن يأمر المرأة أن تكشف من بدنها ما يكشف الرجل لاختلاف الفتنة في بدنها وبدنه – كما سنبينه -.
ثانياً:
هناك أمورٌ تختلف فيها المرأة عن الرجل في الشريعة الإسلامية ومنها:
1- القوامة:
قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء/34.
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -:
يقول تعالى {الرجال قوامون على النساء} أي: الرجل قيِّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
{بما فضل الله بعضهم على بعض} أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وكذا منصب القضاء، وغير ذلك.
{وبما أنفقوا من أموالهم} أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها كما قال الله تعالى {وللرجال عليهن درجة} الآية.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرجال قوامون على النساء} يعنى أمراء عليهن أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. .
" تفسير ابن كثير " (1 / 490) .
2- الشهادة: إذ جعل القرءان شهادة الرجل بشهادة امرأتين.
قال الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} البقرة/282.
قال ابن كثير:
وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه ….عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يا معشر النساء تصدقن، وأكثِرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت يا رسول الله: ما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين ".
" تفسير ابن كثير " (1 / 336) .
وقد يوجد بعض النساء أعقل من بعض الرجال ولكن ليس هذا هو الأصل ولا الأكثر والشريعة مبناها على الأعم الأغلب.
وليس نقص عقل المرأة يعني أنها مجنونة ولكن تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان، وتحدث لها هذه الحالة أكثر مما يحدث عند الرجل ولا يُنكر هذا إلا مكابر.
3- المرأة ترث نصف الرجل:
قال الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء/11.
قال القرطبي:
ولأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم.
" تفسير القرطبي " (5 / 164) .
ومن ذلك أن الرجل عليه نفقات أكثر مما على المرأة فيناسب أن يكون له من الميراث أكثر مما للمرأة.
4- اللباس:
فعورة المرأة تكون في بدنها كله وأقل ما قيل في عورتها أنها لا تكشف إلا الكفين والوجه. وقيل لا تكشف شيئا من ذلك.
قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيماً} الأحزاب/59.
والرجل عورته من السرة إلى الركبة
قيل لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت منه ولا تحدثنا عن غيره وإن كان ثقة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين السرة إلى الركبة عورة ".
رواه الحاكم في المستدرك (6418) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (5583) .
والأمثلة على سبيل التوضيح لا الحصر ,
وهناك فوارق أخرى بين الجنسين منها:
أن الرجل يتزوج أربع نسوة، والمرأة ليس لها إلا زوج واحد.
ومن ذلك: أن الرجل يملك الطلاق ويصح منه، ولا يصح منها الطلاق ولا تملكه.
ومن ذلك: أن الرجل يتزوج من الكتابية، والمرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً.
ومن ذلك: أن الرجل يسافر بلا زوجة أو أحد من محارمه،، والمرأة لا تسافر إلا مع محرم.
ومن ذلك: أن الصلاة في المسجد حتم على الرجال، وهي على النساء على خلاف ذلك، وصلاتها في بيتها أحب إلى الله.
وهي تلبس الحرير والذهب، ولا يلبسه الرجل.
وكل ما ذُكر قائمٌ على اختلاف الرجل عن المرأة؛ لأن الذكر ليس كالأنثى، فقد قال الله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} آل عمران/36، فالذكر يفارق الأنثى في أمور كثيرة في قوته، وي بدنه، وصلابته، وخشونته، والمرأة ناعمة لينة رقيقة.
ويختلف عنها في العقل إذ عُرف الرجل بقوة إدراكه، وذاكرته بالنسبة إليها، وهي أضعف منه ذاكرة وتنسى أكثر منه،وهذا مشاهد في أغلب العلماء والمخترعين في العالم هم من الرجال، ويوجد بعض النساء أذكى من بعض الرجال وأقوى منهم ذاكرة ولكن هذا لا يُلغي الأصل والأكثر كما تقدم.
وفي العواطف فهو يتملكها عند غضبه وفرحه، وهي تتأثر بأقل المؤثرات العاطفية، فدموعها لا تلبث أن تستجيب لأقل حادثة عاطفية.
ومن ذلك أن الجهاد على الرجال، والنساء ليس عليهن جهاد القتال، وهذا من رحمة الله بهن ومن المراعاة لحالهن.
فحتم أن نقول: وليست أحكام الرجل كأحكام الأنثى.
ثالثاً:
سوّى الشرع بين المرأة والرجل في كثير من العبادات والمعاملات: فمن ذلك أنها تتوضأ كوضوء الرجل، وتغتسل كغسله، وتصلي كصلاته، وتصوم كصيامه إلا أن تكون في حال حيض أو نفاس، وتزكي كما أنه يزكي، وتحج كحجه – وتخالفه في يسير من الأحكام - ويجوز البيع منها ويقبل، وكذا لو تصدقت جاز منها، ويجوز لها أن تعتق من عبيدها ما ملكت يمينها، وغير ذلك كثير لأن النساء شقائق الرجال كما في الحديث:
عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً، قال: لا غسل عليه، قالت أم سلمة: يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: نعم، إن النساء شقائق الرجال.
رواه الترمذي (113) وأحمد (25663) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " (98) .
فالخلاصة:
أن المرأة تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم، ويركب رأسه ليزعم المساواة بين الجنسين فليخبرنا كيف يحمل الرجل جنيناً ويرضعه ويركب رأسه وهو يرى ضعف المرأة وما ينزل عليها من الدم حال الدورة الشهرية، وهكذا يظل راكباً رأسه حتى يتحطم على صخرة الواقع، ويظلّ المسلم مطمئناً بالإيمان مستسلماً لأمر الله (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/14
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8535)
حكم تقليد الكفار ومعنى " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في مسألة تقليد الكفار في عاداتهم وتصرفاتهم؟ وما ضوابط ذلك في الشريعة الإسلامية؟ وهل كل تقليد لعمل من أعمال الكفار يعد تقليدا محرماً - علماً بأن هناك كثيرا من أعمال الكفار لا حرمة ولا ذم للشرع فيها، ولا يقصد فاعلها مجرد التقليد للكفار، وإنما وجدها حسنة، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن " -؟ .
أفيدونا أكرمكم الله، مع تركيزي على أن تفصلوا لي في الإجابة، وذكر الضوابط لهذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس المسلمون بحاجة لتقليد أحدٍ من الأمم في شعائر الدين والعبادات، فقد أكمل الله تعالى دينه، وأتمَّ نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً) المائدة/3
وقد نهى الشرعُ المسلمين عن تقليد الكفار وبخاصة اليهود والنصارى، وهذا النهي ليس عامّاً في كل أمورهم، بل هو فيما كان من أمور دينهم وشعائرهم وخصائصهم التي يتميزون بها.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودَ والنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟) رواه البخاري (1397) ومسلم (4822) .
ففي هذا الحديث نهيٌ عن تقليد اليهود والنصارى، وذم من اتبعهم وسلك مسلكهم، وقد أكد الشرع هذا النهي؛ وذلك بوصف من يتشبه بالكفار بأنه منهم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (3512) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (2691)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم. " اقتضاء الصراط المستقيم " (237) .
والمقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص، ويتحلى بالانهزامية والتردي، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ، وأنهم تركوا ما هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد.
ثانياً:
وأوجه تقليدهم التي نهينا عنها كثيرة:
قال الشيخ صالح الفوزان:
ومن الأمور التي يجري تقليد الكفار فيها: تقليدهم في أمور العبادات، كتقليدهم في الأمور الشركية من البناء على القبور، وتشييد المشاهد عليها والغلو فيها. وقد قال صلى الله عليه وسلم " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " - البخاري (425) ، ومسلم (531) -، وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه الصور، وأنهم شرار الخلق - البخاري (417) ، ومسلم (528) -، وقد وقع في هذه الأيام من الشرك الأكبر بسبب الغلو في القبور ما هو معلوم لدى الخاص والعام؛ وسبب ذلك: تقليد اليهود والنصارى.
ومن ذلك: تقليدهم في الأعياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد - كمولد الرسول صلى الله عليه وسلم - وأعياد موالد الرؤساء والملوك. وقد تسمى هذه الأعياد البدعية أو الشركية بالأيام أو الأسابيع – كاليوم الوطني للبلاد، ويوم الأم وأسبوع النظافة – وغير ذلك من الأعياد اليومية والأسبوعية، وكلها وافدة على المسلمين من الكفار؛ وإلا فليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى. وما عداهما فهو بدعة وتقليد للكفار.
من خطبة " الحث على مخالفة الكفار "
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (47060) النهي عن التشبه بالكفار في لباسهم الخاص بهم، وفي ما اختصوا به من العادات كمشابهتهم في حلق اللحية.
ثالثاً:
وتحريم التشبه بالكفار إنما هو في عباداتهم وعاداتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها، دون ما يصنعونه ويخترعونه مما يمكن أن يُستفاد منه، فلا حرج على المسلمين من مشاركتهم في هذا، بل ينبغي للمسلمين أن يكونوا السباقين إليه والمبدعين فيه.
قال الشيخ ابن عثيمين:
وإذا قيل " تَشَبُّهٌ بالكفار " فلا يعني ذلك أن لا نستعمل شيئاً من صنائعهم: فإن ذلك لا يقوله أحد، وقد كان الناس في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وبعده يلبسون ما يصنعه الكفار من اللباس، ويستعملون ما يصنعونه من الأواني.
والتشبه بالكفار: هو التشبه بلباسهم، وحلاهم، وعاداتهم الخاصة، وليس معناه أن لا نركب ما يركبون، أو لا نلبس ما يلبسون، لكن إذا كانوا يركبون على صفة معينة خاصة بهم فلا نركب على هذه الصفة، وإذا كانوا يفصلون الثياب على صفة معينة خاصة بهم فلا نفصل على هذا التفصيل، وإن كنا نركب مثل السيارة التي يركبونها، ونفصل من نوع النسيج الذي يفصلون منه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال 177) .
وقال:
مقياس التشبه أن يفعل امتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال 198) .
وفي جواب على السؤال (21694) تجد تفصيلاً لحكم التشبه بالكفار وضوابطه، وانظر تفصيلا – كذلك – في جواب السؤال رقم: (43160) .
رابعاً:
في حضارة غير المسلمين النافع والضار، فلا نترك النافع منها ونأخذ الضار، وقد لخَّص هذا الموقف الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – فقال:
إن الموقف من الحضارة الغربية ينحصر في أربعة أقسام لا خامس لها:
الأول: ترك الحضارة نافعها وضارها.
الثاني: أخذها كلها ضارها ونافعها.
الثالث: أخذ ضارها دون نافعها.
الرابع: أخذ نافعها وترك ضارها.
فنجد الثلاثة الأولى باطلة بلا شك، وواحداً فيها صحيحاً بلا شك وهو الأخير.
" أضواء البيان " (4 / 382) .
خامساً:
وأما قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن "، فليس المراد منه التحسين العقلي المخالف للشرع، فقد قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: " من استحسن فقد شرع "، وليس المراد منه التحسين الذي يراه واحد من الناس دون عامتهم،، بل هذا الكلام يمكن حمله على أحد معنين، كلاهما صحيح:
1- أن المراد بذلك العمل بالعرف الذي لا يخالف الشرع.
2- أن المراد بذلك حجية الإجماع، فإذا أجمع المسلمون على استحسان شيء فهذا الإجماع حجة، فيكون هذا الشيء حسناً في حكم الله تعالى، وهذا قد يدل عليه قوله: " ما رآه المسلمون حسناً "
انظر المبسوط للسرخسي (12/138) ، الفروسية لابن القيم (ص298)
هذا إذا اعتبرنا كلام ابن مسعود رضي الله عنه عاماً في جميع المسلمين، مع أنه قد يظهر من سياق كلامه أنه يعني بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم. ونص كلامه: (إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ) رواه أحمد (3418) وحسّنه الشيخ الألباني في " تخريج الطحاوية " (530) .
وعلى أي حال لا يصح الاستدلال بكلام ابن مسعود رضي الله عنه على استحسان ما حرمه الشرع كالتشبه بالمشركين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8536)
موقفنا من أحاديث فضائل الأعمال الضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف العلماء من الحديث الضعيف سنده، ولكن متن الحديث فيه حث على فضيلة أو دعاء. نريد إجابة على ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فذهب بعضهم إلى جواز العمل به ولكن بشروط، وذهب آخرون إلى منع العمل به.
ولخص الحافظ ابن حجر رحمه الله شروط جواز العمل بالحديث الضعيف، وهي:
1- أن يكون الضعف غير شديد، فلا يعمل بحديث انفرد به أحدٌ من الكذابين أو المتهمين بالكذب أو من فحش غلطه.
2- أن يندرج تحت أصل معمول به.
3- ألا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.
وليس معنى العمل بالحديث الضعيف أننا نستحب عبادة لمجرد ورود حديث ضعيف بها، فإن هذا لم يقل به أحد من العلماء –كما سيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية- بل المعنى أنه إذا ثبت استحباب عبادة معينة بدليل شرعي صحيح كقيام الليل مثلا، ثم جاء حديث ضعيف في فضل قيام الليل فإنه لا بأس من العمل بهذا الحديث الضعيف حينئذ، ومعنى العمل به روايته لترغيب الناس في هذه العبادة مع رجاء الفاعل لها أن ينال هذا الثواب الوارد في الحديث الضعيف، لأن العمل بالحديث الضعيف في هذه الحال لا يترتب عليه محظور شرعي كالقول باستحباب عبادة لم تثبت في الشرع، بل إن حصل له هذا الثواب وإلا فلا ضرر عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (1 / 250) :
ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروى حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع.. فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا المجهول حاله اهـ.
وقال أبو بكر بن العربي بعدم جواز العمل بالحديث الضعيف مطلقاً لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها.. انظر في ذلك تدريب الراوي (1/252) .
وهذا القول هو الذي اختاره العلامة الألباني رحمه الله، وانظر مقدمة كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" (1/47-67) .
وفيما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت عنه من الأحاديث في فضائل الأعمال وغيرها غُنية عن العمل بالحديث الضعيف.
فعلى المسلم أن يحرص على معرفة الحديث الصحيح من الضعيف ويكتفي بالعمل بالصحيح.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8537)
التقليد واتباع الدليل، وهل كان ابن حزم حنبليّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للشخص أن لا يكون مقلداً وفي نفس الوقت يتبع أحد الأئمة الأربعة؟ أسأل هذا السؤال لأنني في سيرة ابن حزم قرأت أنه يتبع مذهب الإمام أحمد ولم يكن مقلداً. أرجو أن توضح هذا لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المتبعون للمذاهب ليسوا على درجة واحدة، بل منهم المجتهد في المذهب، ومنهم المقلد الذي لا يخالف مذهبه في شيء.
فالبويطي والمزني والنووي وابن حجر من أتباع الإمام الشافعي لكنهم مجتهدون ويخالفون إمامهم إذا تبين لهم الدليل وكذلك ابن عبد البر من المالكية لكنه يخالف مالكاً إذا كان الصواب مع غيره، ومثل هذا يقال في كبار أئمة الحنفية كأبي يوسف ومحمد الشيباني، وكذا أئمة الحنابلة كابن قدامة وابن مفلح وغيرهم.
فتتلمذ الطالب على مذهب لا يعني أنه لا يخرج عنه إذا تبين له الدليل، بل لا يفعل هذا إلا من رق دينه وقلَّ عقله من المتعصبة.
ووصية الأئمة الكبار هي أن يأخذ طلاب العلم من حيث أخذوا، وأن يضربوا قول أئمتهم عرض الحائط إذا خالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو حنيفة: هذا رأيي فمن جاء برأي خير منه قبلناه، وقال مالك: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ , فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة، وقال الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط , وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي، وقال الإمام أحمد: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً , ولا الشافعي , ولا الثوري , وتعلم كما تعلمنا , وقال: لا تقلد في دينك الرجال , فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا.
فليس لأحدٍ أن يقلِّد إماماً بعينه لا يخرج عن أقواله، بل الواجب عليه أن يأخذ بما وافق الحق سواء كان من إمامه أم من غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وليس على أحدٍ من الناس أن يقلِّد رجلاً بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه ويستحبه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زال المسلمون يستفتون علماء المسلمين فيقلدون تارة هذا وتارة هذا، فإذا كان المقلِّد يقلد في مسألة يراها أصلح في دينه أو القول بها أرجح أو نحو ذلك: جاز هذا باتفاق جماهير علماء المسلمين لم يحرم ذلك لا أبو حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد.
" مجموع الفتاوى " (23 / 382) .
وقال الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله رحمه الله:
بل الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلم معنى ذلك، في أي شيء كان، أن يعمل به، ولو خالفه من خالفه، فبذلك أمرنا ربنا تبارك وتعالى، ونبينا صلى الله عليه وسلم، وأجمع على ذلك العلماء قاطبة، إلا جهال المقلدين وجفاتهم، ومثل هؤلاء ليسوا من أهل العلم
كما حكى الإجماع على أنهم ليسوا من أهل العلم أبو عمر ابن عبد البر وغيره.
" تيسير العزيز الحميد " (ص 546) .
وعلى هذا لا بأس أن يكون المسلم تابعاً لمذهب معين، ولكن إذا تبين له الحق في خلاف مذهبه، وجب عليه اتباع الحق.
ثانياً:
أما ابن حزم فقد كان إماماً مجتهداً، وهو يحرِّم التقليد، ولم يكن تابعاً لأحد من الأئمة، لا الإمام أحمد ولا غيره، بل كان هو إمام أهل الظاهر في زمانه وإلى الآن، ولعل انتسابه للإمام أحمد (إن صح هذا النقل) كان في مسائل العقيدة والتوحيد، على أن عنده مخالفات ومجازفات كثيرة في مسائل الأسماء والصفات.
وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (18 / 184- 212)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8538)
هل تجوز الفتوى بالتقليد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الفتوى بالتقليد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فيه أقوال:
قال ابن القيم:
أحدها: أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد؛ لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام، ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم، وهذا قول أكثر الأصحاب وقول جمهور الشافعية.
والثاني: أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه، فيجوز له أن يقلد غيره من العلماء إذا كانت الفتوى لنفسه، ولا يجوز أن يقلد العالم فيما يفتي به غيره، وهذا قول ابن بطة وغيره من أصحابنا؛ قال القاضي: ذكر ابن بطة في مكاتباته إلى البرمكي: لا يجوز له أن يفتي بما سمع من يفتي، وإنما يجوز أن يقلد لنفسه، فأما أن يتقلد لغيره ويفتي به فلا. والقول الثالث: أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد، وهو أصح الأقوال، وعليه العمل، قال القاضي: ذكر أبو حفص في تعاليقه قال: سمعت أبا علي الحسن بن عبد الله النجاد يقول: سمعت أبا الحسين بن بشران يقول: ما أعيب على رجل يحفظ عن أحمد خمس مسائل استند إلى بعض سواري المسجد يفتي بها.
[الْمَصْدَرُ]
" إعلام الموقعين " (1 / 37، 38) .(5/8539)
هل نأخذ بالتدرج في تطبيق الأحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين التدرج في تحريم الخمر، والأمر بالجهاد، حيث إننا مطالبون بآخر نهي في الخمر، ومطالبون بالاستطاعة في الجهاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعد اكتمال الدين واستقرار أحكام الشريعة بوفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أحكام الإسلام تؤخذ بجملتها، ولا يجوز التدرج في الانقياد لأحكامها، كما كان ذلك في أول الإسلام، فالخمر مثلاً يجب على كل مسلم أن يعتقد تحريم شربها ابتداءً، ومن اعتقد غير ذلك - وهو عالم بتحريمها - فهو مرتد؛ لجحده ما هو معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، وبالأدلة الشرعية، وإجماع أهل العلم. وأما الأوامر الشرعية فإن التكليف بها في الإسلام منوط باستطاعة المكلف، فلا يجب على المكلف من الأعمال ما لا يقدر عليه، أو يسبب له مشقة وحرجاً، وكل مسألة بحسبها، فالجهاد مثلاً وجوبه على الشخص، وكذلك وجوبه في الأحوال العامة، كل ذلك على درجات حسب البواعث والأحوال، ولا يقال إن هذا من باب التدرج في التشريع، وقد قال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ".
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 238 - 239.(5/8540)
هل يجوز للمسلم اختيار القول الأسهل من أقوال العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يكون هناك خلاف بين العلماء حول مسألة ما, أسمع الكثيرين من الناس يقولون: "حسنا, بما أن في المسألة خلاف, فسأختار أسهل الآراء بالنسبة لي". فهل هذا الفهم صحيح؟ إذا كان الجواب بلا, فكيف يمكن للشخص أن يختار رأيا ليأخذ به في الأمور الخلافية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس بصحيح أن يختار المسلم أسهل الأقوال، لأنه بهذه الطريقة يتنصَّل من التكاليف الشرعية أو جُلِّها، لأنَّ أغلب المسائل العلمية مختلفٌ فيها سوى الأركان، وقديماً قالوا _ من تتبع الرخص فقد تزندق _ وعلى الشخص أن يختار من أقوال العلماء أرجحها من حيث الدليل إن كان أهلاً للنظر والموازنة، وإن لم يكن فعليه أن يُقلِّد أوثق العلماء في نفسه علماً، وديناً، وورعاً.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/8541)
إدعاء ضعف الثقة بالسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يرفضون السنة بحجة أن هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة كثيرة وأن الوضع وكثرة الوضاعين للحديث أضعف الثقة بالسنة الشريفة. فما رأيكم بهذه الحجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه مقولة عدد من الزنادقة والمنحرفين في القديم والحديث وممن قال بهذا في العصر الحديث صالح أبو بكر في كتاب الأضواء القرآنية وحسين أحمد أمين في كتاب دليل المسلم الحزين وأحمد أمين في كتاب فجر الإسلام وعبد الله النعيم في كتاب نحو تطوير التشريع الإسلامي، وسعيد العشماوي في كتاب حقيقة الحجاب، وصالح الورداني في كتاب الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة، وعبد الجواد ياسين في كتاب السلطة في الإسلام، ونصر أبو زيد في كتاب الإمام الشافعي، وزكريا عباس داود في كتاب تأملات في الحديث، وحولة نهر في كتاب دراسات محمدية، وموريس بوكاي في كتاب دراسة الكتب المقدسة، ومرتضى العسكر في كتاب خمسون ومائة صحابي مختلق، والدكتور مصطفى محمود في مقالاته عن الشفاعة.
ونقول صحيح أنه كان هناك وضاعون وكذابون لفّقوا أقوالاً، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة التي تخيلها أصحاب هذه الشبهة، وأثاروا بها الوساوس في النفوس، وقد جهلوا الحقائق التي سادت الحياة الإسلامية فيما يتعلق بالسنة النبوية، فقد كان إلى جانب ذلك عدد وفير من الرواة الثقات المتقنين العدول، وعدد وفير من العلماء الذين أحاطوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسياج قوي يعسر على الأفاكين اختراقه، واستطاع هؤلاء المحدثون بسعة اطلاعهم، ونفاذ بصيرتهم أن يعرفوا الوضاعين، وأن يقفوا على نواياهم ودافعهم، وأن يضعوا أيديهم على كل ما نُسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الوضع والكذب فهؤلاء الوضاعون لم يُترك لهم الحبل على الغارب يعبثون في الحديث النبوي كما يشاؤون، ولم يترك لهم المجال لأن يندسوا بين رواة الأحاديث النبوية الثقات العدول دون أن يُعرفوا.
وإلا فمن إذن الذي كشف كذب الكفرة والزنادقة وغلاة المبتدعين؟.
ومَن الذي عرّف بالموضوع، وبأسبابه، وبأصنافه، وبعلاماته، وصنف فيه المصنقات المتعدة؟.
إنهم حراس الدين خلفاء الله وجنوده في أرضه، إنهم الجهابذة الذين قال فيهم هارون الرشيد لما أخذ زنديقاً فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لَم تضرب عنقي؟ قال: لأريح العباد منك، فقال: يا أمير المؤمنين أين أنت من ألف حديث - وفي رواية أربعة آلاف حديث - وضعتها فيكم، أحرم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام، ما قال النبي منها حرفاً؟ فقال له هارون الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك؟ فإنهما ينخلانها نخلاً فيخرجانها حرفاً حرفاً. تذكرة الحفاظ للذهبي 1/273، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 174
يقول الأستاذ محمد أسد: (فوجود الأحاديث الموضوعة إذن لا يمكن أن يكون دليلاً على ضعف نظام الحديث في مجموعه، لأن تلك الأحاديث الموضوعة لم تَخْفَ قط على المحدثين كما يزعم بعض النقاد الأوروبيين عن سذاجة، وتابعهم على ذلك بعض أدعياء من أبناء أمتنا الإسلامية) . الإسلام على مفترق الطريق ص 96
ونختم هذه الشبهة بما ذكره الإمام ابن القيم الجوزية: قال الإمام أبو المظفر السمعاني: (فإن قالوا: قد كثرت الآثار في أيدي الناس واختلطت عليهم، قلنا: ما اختلطت إلا على الجاهلين بها، فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها ويأخذون خيارها، ولئن دخل في أغمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث، ورواته العلماء حتى إنهم عدّوا أغاليط من غلط في الإسناد والمتون، بل تراهم يعدون على كل واحد منهم كم في حديث غلط، وفي كل حرف حرّف، وماذا صحّف، فإن لم تَرُج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون، فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة، وتوليهم الأحاديث التي يرويها الناس حتى خفيت على أهلها؟ وهو قول بعض الملاحدة، وما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتدع كذاب يريد أن يهجّن بهذه الدعوة الكاذبة صحاح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وآثاره الصادقة، فيغالط جهال الناس بهذه الدعوى، وما احتج مبتدع في رد آثار رسول الله صلى الله وسلم بحجة أوهن ولا أشد استحالة من هذه الحجة، فصاحب هذه الدعوى يستحق أن يُسف في فِيهِ، ويُنفى من بلد الإسلام. مختصر الصواعق المرسلة 2/561
[الْمَصْدَرُ]
مجلة البيان عدد153 ص26.(5/8542)
هل يُنكر تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذا الكلام (العلماء أجمعوا على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال لذلك يجب الاستفادة من المتغيرات) لكني غير مقتنع به فهل هذا الكلام صحيح؟. أرجو الإجابة مع الاستدلال بالأدلة الشرعية والسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه القاعدة يعبر عنها بعض العلماء بقولهم: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان) ، كما في مجلة الأحكام العدلية المادة 39، وشرح القواعد الفقهية للزرقا ص 227 وغير ذلك.
وهذه القاعدة إحدى القواعد المتفرعة عن قاعدة " العادة محكمة ".
وكلمة " الأحكام " الواردة في القاعدة، مخصوصة بالأحكام المبنية على العرف والعادة، فهذه هي التي تتغير بتغير الزمان والمكان والحال.
قال في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: (إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة ; لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس , وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفا , بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير. مثال ذلك: جزاء القاتل العمد القتل. فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان , أما الذي يتغير بتغير الأزمان من الأحكام , فإنما هي المبنية على العرف والعادة , كما قلنا ,
وإليك الأمثلة: كان عند الفقهاء المتقدمين أنه إذا اشترى أحد دارا اكتفى برؤية بعض بيوتها [غرفها] , وعند المتأخرين لا بد من رؤية كل بيت منها على حدته , وهذا الاختلاف ليس مستندا إلى دليل , بل هو ناشئ عن اختلاف العرف والعادة - في أمر الإنشاء والبناء , وذلك أن العادة قديما في إنشاء الدور وبنائها أن تكون جميع بيوتها متساوية وعلى طراز واحد , فكانت على هذا رؤية بعض البيوت تغني عن رؤية سائرها , وأما في هذا العصر فإذ جرت العادة بأن الدار الواحدة تكون بيوتها مختلفة في الشكل والحجم لزم عند البيع رؤية كل منها على الانفراد) انتهى من درر الحكام 1/47 لمؤلفه الشيخ علي حيدر، وقريب منه ما في شرح المجلة لسليم رستم 1/36
ومثل الزرقا لهذه القاعدة بقوله:
(لما ندرت العدالة وعزت في هذه الأزمان قالوا بقبول شهادة الأمثل فالأمثل والأقل فجورا فالأقل ...
وجوزوا تحليف الشهود عند إلحاح الخصم، وإذا رأى الحاكم ذلك؛ لفساد الزمان) شرح القواعد الفقهية ص 229
ونبه الدكتور محمد الزحيلي على أن الأصل في الشريعة هو ثبات الأحكام، وأن لفظ الأحكام في القاعدة ليس عاما، وقال: (ولذلك تعتبر القاعدة خاصة واستثناء، مع التذكير بما يلي:
1- إن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن والسنة والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية: الآمرة والناهية، كحرمة الظلم، وحرمة الزنى والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال، وتتغير وسائلها فقط.
2- إن أركان الإسلام وما علم من الدين بالضرورة لا يتغير ولا يتبدل، ويبقى ثابتا كما ورد، وكما كان في العصر الأول لأنها لا تقبل التبديل والتغيير.
3- إن جميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها، ولا للاجتهاد، لا تقبل التغيير ولا التبديل بتبدل الأزمان والأماكن والبلدان والأشخاص.
4- إن أمور العقيدة أيضا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تقبل الاجتهاد، وهي ثابتة منذ نزولها ومن عهد الأنبياء والرسل السابقين، حتى تقوم الساعة، ولا تتغير بتغير الأزمان) انتهى من: القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي للدكتور محمد الزحيلي ص 319
وبهذا يتضح أنه لا إشكال في هذه القاعدة، وأنه لا حجة فيها لمن يريد إباحة الربا أو الاختلاط مثلا أو يريد إلغاء الحدود والعقوبات، لتغير الزمان! فإن هذه الأمور المذكورة ثابتة بالنصوص الواضحة من الكتاب والسنة، فلا مجال لتغييرها أو تبديلها، إلا أن ينخلع الإنسان من دينه رأسا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8543)
هل يتبع المفتي الأسهل؟.
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أنه يجب على الأشخاص العاديين أن يسألوا أهل الذكر إذا كانوا لا يعرفون شيئاً لكن كيف يفرق الإنسان بين الفتاوى التي يطلقها علماء أفاضل ثقات؟ هل يحل لنا اختيار الفتوى الأسهل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحلّ لك اختيار الفتوى الأسهل، وإنما يجب عليك أن تتقي الله سبحانه، ولا تلتفت لهوى النفس، واعقد العزم على أنك ستتبع الحقّ وإن كان مُراً على نفسك، ثم انظر في حال المُفتين وِفق أمرين مهمين:
1) التقى والورع والصلاح.
2) العلم.
فهذان الأمران لا غنى للمفتي عنهما وهما كالجناحين للطائر لا ينفع أحدهما دون الآخر. فإذا رأيت المفتي عليه آثار الصلاح ظاهرة، وبدا لك من ورعه وتقواه ما يجعلك تطمئن إلى أن الهوى لن يقوده للقول على الله بغير علم أو بخلاف الدليل فهذه واحدة. فإذا أضفنا إلى ذلك ما يبدو لك من معرفته بالدليل الشرعي وفقهه فهذا الذي تطمئن النفس إلى فتواه.
فإن وجدتّ آخر مثله أو قريبا منه في العلم والتقوى وخالفه في فتواه، فلا بد أن يكون هناك قرينة تجعل قلبك يميل إلى أن الحق مع أحدهما كأن يذكر أدلة العالم الآخر ويردّ عليها.
والمفتي كالطبيب، أو لست ترى بعض الأطباء أعلم من غيره؟ وألست ترى أن بعضهم تطمئن له نفسك دون الآخر مما تراه من اهتمامه بمعرفة حقيقة مرضك، وإصغائه لشكواك بكل دقة، وإكثاره من السؤال عن الأمور التي تتعلق بالمرض. بينما ترى الآخر فيه من العجلة في اتخاذ القرار ما يجعلك تتذمر منه وربما أعطاك أدوية لا علاقة لها بالمرض؟
وهكذا فكما تسعى لاختيار الطبيب المناسب لجسدك فلا بد أن تسعى لتجد المفتي كذلك وهو من ترى فيه أنه سيفتيك بما يصحّ معه دينك وإن كان مرّاً على نفسك.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/8544)
الموقف من خلاف الفقهاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه العبارة: (هذه مسألة خلافية، هذه مسألة اختلف فيها الفقهاء ... ) ، وما الموقف الصحيح منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نزاع في أن هناك من المسائل ما هي مسائل خلاف واجتهاد بين أهل العلم، وكلام أهل العلم حول مسائل الخلاف والاجتهاد معروف قديماً وحديثاً لكنها تثار اليوم بصورة تخرجها من إطار البحث في مسائل الاجتهاد والخلاف:
* فهي في الأغلب تثار حول قضايا لها بُعدٌ اجتماعي أو فكري، وليس المقصود الخلاف الفقهي البحت فكثير من المستغربين على سبيل المثال يثيرون مسائل تتعلق بالمرأة مما نقل فيها خلاف بين أهل العلم، والدافع لذلك أبعد من مجرد الخلاف الفقهي، بل هو تكأة للتغريب سرعان ما يتجاوزون المسألة محل الخلاف إلى ما لا خلاف في تحريمه ومنعه.
* أنها تثار من قِبل فئام من الناس ليسوا من أهل العلم والفقه، ولا ممن يفقهون البحث في المسائل الشرعية، إنما يتصدون من أقوال الفقهاء ما يتسق مع أهوائهم.
* أنها في الأغلب لا تقتصر على مناطها، فالخلاف الفقهي يُتخذ ذريعة لتنزيله على دائرة أوسع.
ومما ينبغي تقريره في هذه العجالة:
- أن هناك فرقاً بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد، فليست كل مسألة نُقِل فيها خلاف بين أهل العلم تُعَد من المسائل التي لا إنكار فيها، بل ذلك في مسائل الاجتهاد. قال ابن القيم رحمه الله: (وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتم توجيه إلى القول والفتوى أو العمل، أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً شائعاً وجب إنكاره اتفاقاً، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم، والصواب ما عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه، والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها كثيرة) إعلام الموقعين ج3/288
- أن المرجع في ذلك كله إلى نصوص الكتاب والسنة فمتى صح الدليل وجب الرجوع إليه والأخذ به، ولم يَسُغ اتباع القول الآخر بحجة الخلاف في المسألة، وحين تُردُّ السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أن هناك من خالف في هذه المسألة فهذا يلزم منه أن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره لا تكتسب شرعيتها إلا حين يتفق عليها الناس فمخالفة أحد لها أياً كان سبب ذلك ينزع عنها هذه الشرعية ويجعل الأمر واسعاً، وهذا مسلك خطير يحتاج صاحبه إلى أن يراجع إيمانه.
- لابد من الاعتناء بتربية الناس على التسليم لله تبارك وتعالى وتعظيم نصوص الشرع، وأخذ الدين بقوة، والبعد عن تتبع الرخص وزلات العلماء.
- الحذر من الدخول في جدل فقهي مع أمثال هؤلاء حول هذه المسائل محل النقاش فهذا الذي يسعون إليه ويريدونه، فمن الممكن والمقبول أن يبحث المرء المسألة ويناقشها مع طلبة للعلم يدركون اللغة العلمية الفقهية، ويريدون الحق ويسعون إليه، أما أولئك الذين يثيرون هذه المسائل فليسوا يجيدون فهم اللغة العلمية، ولا يعون مقاصد الشريعة، إنما هم رعاع متطفلون، قادهم الهوى إلى الخوض في دين الله عز وجل.
بقلم محمد بن عبد الله الدويش
[الْمَصْدَرُ]
مجلة البيان العدد 153 ص28.(5/8545)
متى يحق للشاب أن يجتهد ويفتي
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يحق للشاب أن يجتهد ويفتي؟ حيث أن عددا من الشباب إذا تدينوا، قد يخوضون في الأدلة، ويتكلمون في أحكام الحوادث والمسائل التي تقع تحليلا وتحريما، ويقولون بآرائهم في الأحكام الفقهية لبعض المستجدات في الأمور.]ـ
[الْجَوَابُ]
إن الاجتهاد في المسائل له شروط، وليس يحق لكل فرد أن يفتي ويقول في المسائل إلا بعلم وأهلية، وقدرة على معرفة الأدلة، وما يكون منها نصا أو ظاهرا، والصحيح والضعيف، والناسخ والمنسوخ، والمنطوق والمفهوم، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، ولا بد من طول ممارسة، ومعرفة بأقسام الفقه وأماكن البحث، وآراء العلماء والفقهاء، وحفظ النصوص أو فهمها، ولا شك أن التصدي للفتوى من غير أهلية ذنب كبير، وقول بلا علم، وقد توعد الله على ذلك بقوله تعالى: " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " سورة النحل 116، وفي الحديث: " من أفتى بغير ثبت فإنا إثمه على من أفتاه " صحيح رواه الإمام أحمد (2/ 321) ، وعلى طالب العلم أن لا يتسرع في الفتوى، ولا يقول في المسألة إلا بعد أن يعرف مصدر ما يقوله ودليله ومن قال به قبله، فإن لم يكن أهلا لذلك فليعط القول باريها، وليقتصر على ما يعرف، ويعمل بما حصل عليه، ويواصل التعلم والتفقه حتى يحصل على حاله يكون فيها أهلا للإجتهاد، والله الهادي إلى الصواب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8546)
الحكمة من التوجه للكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تتمكن من مساعدتي، لقد أسلمت منذ عامين، وعائلتي تجد أنه من الصعب عليها أن تقبل بالعبادات التي أمارسها، وقد أثرت مشكلة مؤخراً بسبب الصلاة، وأصررت على تأديتها، وقد قبلتْ عائلتي أن أصلِّي، والحمد لله، بعد أن شاهد أفرادها أني أصبحت منزعجة وأصبت بالأرق لأني أعيش في بيت لا يُسمح أفراده لي بتأدية أركان الإسلام الأساسية، وهم - ولله الحمد - يسألونني أسئلة، منها: " لماذا نتوجه – نحن المسلمين - إلى الكعبة، إن كنا لا نعبدها، حيث أننا نسجد في اتجاهها؟ "، وقد حاولت أن أشرح لهم أننا نسجد لله وليس للكعبة، وأن الكعبة هي لأسباب التوحد، ولأن (الحرم) هو أول بيت لله.
وسأكون مقدرة إذا ساعدتني في شرح المسألة بشكل مفصَّل، حتى أحيط بها أنا شخصيّاً، وأشرح ذلك لأفراد عائلتي ولغيرهم من الكفار، كما أرجو منك أن تدعو بأن يهديهم الله الصراط المستقيم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، ونسأله أن يثبتنا عليه حتى نلقاه إنه سميع مجيب، والحمد لله الذي وفقك أيتها الأخت المسلمة على الحرص على صلاتك، وإظهار شعائر دينك، ونسأل الله أن يهدي أهلك ويقر عينك بإسلامهم..آمين
أما بالنسبة لتوجهنا ـ نحن المسلمين للكعبة ـ؛ فاعلمي وفقك الله لهداه: أن هذا الكون ليس فيه إلا خالق ومخلوق، وعابد ومعبود، فالخالق والمعبود بحقٍّ هو الله وحده، وما سواه فهو مخلوق عابدٌ إما طوعاً واختياراً - وهو حال أهل الإيمان - أو قهراً وهو حال أهل الكفر والعصيان، وعبوديتهم لله هي خضوعهم لتصرفه بهم، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فالله هو الذي أحياهم ومتى شاء أماتهم، وإن شاء الله أمرضهم، وإن شاء شفاهم، ويُغنيهم سبحانه متى شاء، ويفقرهم متى شاء، فسبحانه وبحمده لا رب سواه ولا معبود إلا إيَّاه.
أما عباده المؤمنون فهم مختَبرون ممتحنون في هذه الدنيا القصيرة الفانية، فإن نجحوا وأفلحوا في إثبات عبوديتهم لربهم وإظهار أعلى درجات الخضوع له سبحانه: عوَّضهم عن ذلك ـ بكرمه وفضله ـ جنات عظيمة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ومن أنواع هذه الامتحانات: أن يأمرهم بأشياء لا تستطيع عقولهم معرفة الحكمة منها إلا التسليم والطاعة وهذا ليتبين الصادق في دعوى الإيمان من الكاذب، فهو سبحانه خالق العقل، وهو الذي أمر بالأمر، فمن استجاب وخضع وقال: سمعت وأطعت وإن لم أفهم الحكمة والعلة؛ لأني مقر ببشريتي وضعفي وعبوديتي لله؛ والله سبحانه لا يُسأل عما يفعل: فهو المؤمن الذي يرجى له الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري (1597) ومسلم (1270) في " صحيحيهما " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال عن الحجر الأسود وهو يقبِّله: " والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبّلتك "، فنحن المسلمين حين نصلِّي لجهة الكعبة نصلي إليها لأن الله أمرنا بذلك، ولو أمرنا بالصلاة إلى غيرها لفعلْنا ولا بد، وهكذا في كثير من العبادات فنصلي الظهر أربعاً والمغرب ثلاثاً والفجر ركعتين؛ لأن الله أمرنا بذلك، ونحن نطوف بالبيت سبعاً، ونرمي الجمار سبعاً ولا يجوز لنا أن نزيد على ذلك بحال، كل هذا لأن الله أمرنا بذلك.
وهكذا فمن كان يستشعر هذه المعاني وهو يؤدِّي مثل هذه العبادات فستزداد عبوديته لله ولا بد، وهذا يزيده إيماناً وقرباً من ربِّه فيجد في قلبه لذةً عظيمةً وسعادةً غامرةً وراحةً بالغةً تجعله يشتاق إلى العبادة ويحبُّها؛ لأنه يستشعر حين يؤدِّي العبادة أنَّه يؤدِّيها لله ولولا الله ما أداها، فتصبح كلُّ عبادةٍ تقربه من ربه وتزيد في إيمانه حتى يلقى الله فيكرمه بما يُكرم به عباده الصالحين.
وأما مَن عاند واستكبر وقال لا أفعل حتى أفهم: فهذا فيه شبه من إبليس حين اعترض على الله فقال كما حكى الله عنه في القرآن {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} الإسراء/61، وهذا يكفي في بيان خطورة معاندة الشرع بالعقل، بل إنَّ الله سبحانه جعل مِن أخصِّ صفات المؤمنين المتقين الإيمان بالغيب، فقال سبحانه {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} البقرة /2، 3، فجعل أول صفةٍ تميِّز المؤمنين عن غيرهم أنهم يؤمنون بما يغيب عن إدراكهم سواء كان هذا الإدراك بالحس أو بالعقل.
ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن صلاتنا تجاه الكعبة لا علاقة لها ببناء الكعبة، إنما بمكانه، وعليه: فلو فُرضَ هدمُها فإن الصلاة باقية لاتجاهها لا لبنائها.
ولذلك نجد المسلمين يصلون الآن في الطابق الثاني وفي السطح في حرم الله إلى جهة الكعبة ولو لم يكن البنيان أمامهم في المستوى وهكذا يفعل الملايين من المسلمين في العالم يصلُّون لاتجاه الكعبة وهم لا يرونها وهنا يتبين فارقٌ كبيرٌ بين تشريع الإسلام وبين فِعل المشركين الذين تزول عباداتهم لأصنامهم وأحجارهم وأشجارهم بزوالها، فالمشرك إذا لم يَر معبوده وصنمه لم يتوجه إليه.
نسأل الله أن يرزقنا الإيمان الصادق، وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه.. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8547)
تطبيق قانون غير مذكور في القرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل قانون ليس مذكوراً في القرآن والسنة يكون تطبيقه كفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ الشنقيطي:
اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات والأرض وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك، وإيضاح ذلك أن النظام قسمان: إداري وشرعي، أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع: فهذا لا مانع منه ولا مخالف فيه من الصحابة فمَن بعدهم، وقد عمل عمر – رضي الله عنه – من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ككتابته أسماء الجند في ديوان من أجل الضبط ومعرفة من غاب ومن حضر كما قدمنا إيضاح المقصود منه في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على العاقلة التي تحمل دية الخطأ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إلا بعد أن وصل تبوك صلى الله عليه وآله وسلم وكشرائه – أعني عمر رضي الله عنه – دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجناً في مكة المكرمة مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ سجناًلا هو ولا أبو بكر، فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور، كتنظيم شؤون الموظفين وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة.
وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف وأنهما يلزم استوائهما في الميراث وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم وأن الطلاق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك.
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم: كفرٌ بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه مَن خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرِّع آخر علوّاً كبيراً (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/21، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) يونس/59، وقد قدمنا جملة وافية من هذا النوع في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم …) الآية.
[الْمَصْدَرُ]
" أضواء البيان " (4 / 93) .(5/8548)
لا يوجد في الإسلام علوم شرعية سرية خاصة بالأولياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من يدعي أن أحكام القرآن للأنبياء والعامة وأن العلم اللدني الباطني الذي تلقاه الأولياء هو للخاصة من الأولياء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشنقيطي:
قال القرطبي – رحمه الله في تفسيره – ما نصه: " قال شيخنا أبو العباس: " ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق لا تلزم هذه الأحكام الشرعية فقالوا: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم وقالوا: وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون أحكام الجزيئات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسى من تلك الفهوم وقد جاء فيما ينقلون: " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون. "
قال شيخنا رضي الله عنه: " وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب لأنه إنكار ما علم من الشرائع فإن الله تعالى قد أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه المبينون شرائعه وأحكامه اختارهم لذلك وخصهم بما هنالك كما قال تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير) الحج/75.
قال شيخنا أبو العباس: ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم هذه الأحكام الشرعية فقالوا هذه الأحكام الشرعية العامَّة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم وقالوا وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون أحكام الجزيئات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسى من تلك الفهم وقد جاء فيما ينقلون " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ".
قال شيخنا رضي الله عنه: وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب لأنه إنكار ما علم من الشرائع فإن الله تعالى قد أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه المبينون شرائعه وأحكامه اختارهم لذلك وخصهم بما هنالك كما قال تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير) ، وقال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام/124 وقال تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) البقرة/ 213 إلى غير ذلك من الآيات، وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي واليقين الضروري واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل فمن قال: إن هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول.
وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى وأنه يعمل بمقتضاه وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام: " إن روح القدس نفث في روعي. " الحديث، انتهى من تفسير القرطبي.
وما ذكره في كلام شيخه المذكور من أن الزنديق لا يستتاب هو مذهب مالك ومن وافقه وقد بينا أقوال العلماء في ذلك وأدلتهم وما يرجحه الدليل في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة " آل عمران ".
[الْمَصْدَرُ]
" أضواء البيان " (4 / 174، 175) .(5/8549)
الموقف من الإسرائيليات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقفنا من الإسرائيليات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ الشنقيطي:
ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات في واحدة منها يجب تصديقه وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه، وفي واحدة يجب تكذيبه وهي إذا ما دل القرآن والسنة على كذبه، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق … وهي ما إذا لم يثبت في كتابٍ ولا سنَّة صدقه ولا كذبه.
وبهذا التحقيق تعلم أن القصص المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة التي توجه بأيدي بعضهم زاعمين أنها في الكتب المنزلة يجب تكذيبهم فيها لمخالفتها نصوص الوحي الصحيح التي لم تحرف ولم تبدل والعلم عند الله تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
" أضواء البيان " (4 / 203، 204) .(5/8550)
هل السنّة تحكم في أمور الناس الدنيوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك فرقة لا تقل خطراً عن الفرقة التي ترفض السنة تقول: إننا نقبل السنة كمصدر تشريعي فيما يتصل بالعبادات، أما فيما يتصل بأمور الدنيا من تشريعات أو سلوك فلسنا ملزمين بشيء من السنّة فيها، ويتعلقون بشبهة واهية، وهي حادثة تأبير النخل. فما هو الردّ عليهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قصة تأبير النخل حاصلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة رأى أهلها يؤبّرون النخل (أي يلقحون إناث النخل بطلع ذكورها) فقال لهم: " لو لم تفعلوا لصلح " فتركوه فشاص (أي فسد وصار حمله شيصاً وهو رديء التمر) فمرّ بهم فقال: " ما لنخلكم؟ " قالوا: قلتَ كذا وكذا قال: " أنتم أعلم بأمر دنياكم ". رواه مسلم 4358
هذا الخبر إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأمور الدنيوية التي لا صلة لها بالتشريع تحليلاً أو تحريماً أو صحة أو فساداً، بل هي من الأمور التجريبية، لا تدخل تحت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم كمبلّغ عن ربه، بل هذا الحديث يدل على أن مثل هذه الأمور خاضعة للتجربة، والرسول صلى الله عليه وسلم بهذا كان قدوة عملية لحثنا على أن الأمور الدنيوية البحتة التي لا علاقة لها بالتشريع ينبغي علينا أن نبذل الجهد في معرفة ما هو الأصلح من غيره، وأن نبحث ونستكشف بإجراء التجارب وتحليل المشاهدات وغيرها سائر ما ينفعنا في مجالات التطوير والتحسين في أمور الزراعة والصناعة والبناء وغيرها وأنّ الأمر الذي سكتت فيه الشّريعة فلم تأت فيه بحكم معيّن فالعمل فيه مباح لنا بحسب الضوابط الشّرعية العامة كقاعدة لا ضرر ولا ضرار وهكذا.
وشتان بين هذه الحادثة ومدلولاتها وبين أن يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا حلال أو حرام، أو أن هذا الأمر موجب للعقوبة أو غير موجب، أو أن هذا البيع صحيح أو غير صحيح، إلى آخر ذلك في أمور الدنيا والدين لأن هذه الصور من صلب وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أوجب الله علينا طاعته في كل ما يبلغ عن ربه. الموسوعة الفقهية 1/45
والذين يحاولون حصر الدّين في الشّعائر التّعبدية فقط كالصلاة والصيام والحجّ ويريدون عزل الدّين عن التحكّم في مجالات الحياة المختلفة كالمجال الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي ويقولون إنّ هذا من شأن البشر يفعلون فيه ما يريدون ويحكمون ويشرّعون ما يشتهون ويشاؤون هم كفرة مجرمون لا يريدون أن يجعلوا لشريعة الله سلطانا على حياة النّاس ولا يريدون أن يضبط الإسلام شؤون البشر مع أنّ الله أنزله حاكما ومنظّما وضابطا لا تصلح الحياة إلا به ولا تحصل السّعادة إلا بحكمه، والنّاس بدونه في تخبّط وضياع وظلم كما نشاهد اليوم في جميع المجتمعات التي لا تحكمها شريعة الله. نسأل أن يهدينا للحقّ ويفتح أبصارنا لمعرفته ويرزقنا قبوله واتّباعه، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8551)
كيف تطور الفقه الإسلامي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تطور علم الفقه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان المسلمون يتلقون الأحكام الشرعية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم منه مباشرة، وكان القرآن ينزل مرشدا وموجها ومفتيا كما قال تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة …) ، وموضحا لما أشكل على النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كما في قصة المرأة التي استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ظهار زوجها لها فنزل بسبب ذلك صدر سورة المجادلة وهكذا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من أصحابه من يعلم المسلمين الجدد أحكام عباداتهم ويفتيهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفسح لهم المجال للاجتهاد في فهم النصوص الشرعية؛ فربما أقرهم وربما صوَّبَهُم. وكان يفتي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الصحابة ذكر بعض أهل العلم أنهم 14 نفساً، والحق أنهم أكثر من ذلك. فكان النبي صلى الله عليه السلام أمام الناس ومعلمهم، وكان اللسان العربي إذ ذاك مستقيما فلم يكن في ذلك العهد المبارك اختلافات متباينة، وبالتالي كان موت النبي صلى الله عليه وسلم يُعَدُّ خسارةً كبيرة للأمة بفقدها لقائدها وموجهها والقدوة الكاملة لها.
فعَنْ أَنَس ابن مالك قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ فَقَالا لَهَا مَا يُبْكِيكِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا." رواه مسلم (2454) . لكنه صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد اكتمل الدين.
ومن خصائص هذا الدين - الذي اكتمل بنيانه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم - أنه يحوي الخصائص التي تؤهله للبقاء والاستمرار مدى الدهر.
وبالتالي فقد بقي الدين والفقه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم، فاقتدى الناس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بهديه وهدي الخلفاء الراشدين من بعده، وكان أبو بكر -رضي الله عنه - يقضي بينهم ويفتيهم بما وجده في القرآن والحديث،" فإن أعياه خرج فسأل المسلمين فقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء. فيقول أبوبكر: الحمدلله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به "
وهكذا فعل عمر رضي الله عنه من بعده.
ثم إن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا في الأمصار معلمين ومجاهدين بعد أن اتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وكان كل منهم يفتي بما بلغه من القرآن أو السنة أو بعملٍ رأى أبابكر أو عمر يفعلانه أو بما أداه إليه اجتهاده. والمفتون من الصحابة أكثر من المائة، المكثرون منهم -كما يقول ابن القيم - سبعة، وهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعا.
وكان عمر رضي الله عنه، وابنه، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم بالمدينة، وتخرج بهم عدة تلاميذ من أمثال: سالم بن عبد الله بن عمر، ونافع وغيرهما وانتهى علمهم إلى الفقهاء السبعة ثم إلى الإمام مالك بن أنس الأصبحي.
وكان ابن مسعود ثم علي رضي الله عنهما بالكوفة وقد استفاد منهما عدة من التابعين، أمثال: علقمة والأسود ومسروق وشريح القاضي وصلة بن زفر وأمم غيرهم حتى انتهى ذلك إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت.
وقد انتشر الفقه والعلم في الأمة عن أصحاب ابن مسعود، وأصحاب زيد بن ثابت، وأصحاب عبد الله بن عمر، وأصحاب عبد الله بن عباس. وكان ذلك في الكوفة والمدينة ومكة على التوالي. وكان هؤلاء التابعون يُسْتَفْتَون وأكابر الصحابة حاضرون يُجَوِّزُون لهم ذلك.
فمثلا كان ابن عمر يقول عن سعيد ابن المسيب: إنه أحد المفتين أو المقتدى بهم.
وقال فيه: لو رآه النبي صلى الله عليه وسلم لَسُرَّ بِه.
ثم عن طريق هؤلاء انتشر العلم في الآفاق، ثم دُوِّنت الأحاديث وكثر طلابها المشتغلون بحفظها وكتابتها وانتشر العلم في الأرض وكان الغالب على الناس الدين واورع، وكان هذا يمنع من أن يتكلم أحدهم بغير علم أو أن ينصب نفسه لذلك وهو ليس له بأهل، ثم كثر الخلاف ودخل في العلم من لو أمسك عنه لكان خيرا له فكان من حكمة الله تعالى أن يُضْبَطَ الدِّين ويُحْفَظ بأئمة مجمع على إمامتهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية القصوى في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى، وأظهر الله ذكرهم، ونشر في العالمين فضلهم، وانثال عليهم الطلاب متعلمين متفهمين ودونت آراؤهم وكانت المذاهب الإسلامية السنية المتبعة للحق من الكتاب والسنة والنابذة للابتداع في الدين، بحسب ما نقله التلاميذ من الأئمة الكبار، فصارت مسائلُ وأحوالُ كلِ إمامٍ مذهباً متبعا.
والمشهور من هذه المذاهب اليوم إلا أربعة مذاهب منتشرة وهي: المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي. وهي مذاهب يتفق أصحابها في أكثر الأمور وأهمها من الدين، والخلافات حصلت في فهمهم وما وصل إليهم من الأدلة في بعض فرعيات المسائل وكلهم على خير رحمهم الله تعالى. ثم تطور كل مذهب منها بما يطول ذكره حتى وصل الأمر إلى ما الناس عليه اليوم من وجود كتب لكل مذهب يحوي مسائله وطرائق الاستنباط والاستدلال، ووجد في الأئمة بحمد الله مجتهدون يستخرجون الأحكام في النوازل والمسائل العصرية والمستجدة بما آتاهم الله من الفقه والفهم مستعملين الاجتهاد والقياس وقواعد المصالح الشرعية وكلام العلماء السابقين وأصول الفقه الإسلامي.
فبقي الفقه غنياً بحمد الله، مستوعباً لجميع مسائل الحياة التي يحتاجها المسلمون.
ولا يمكن أن يخلو عصر من العصور من قائم لله بالحجة يعرف الحق ويستنبطه، وبعموم هؤلاء لا يمكن أن تجتمع الأمة على ضلاله. فنسأل الله أن يفقهنا في دينه ويرزقنا العلم والعمل الصالح. والله تعالى أعلم.
للاستزادة: يُراجع كتاب / الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي
وتاريخ الفقه الإسلامي لعمر بن سليمان الأشقر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8552)
حكم ما فعل في وقته صلى الله عليه وسلم ولم يطلع عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما فُعل في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يطلع عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل الجزئيات إذا فُعلت ولا اطلع عليه لا تدخل في هذا، أما الشيء الذي فشى فأصل حديث جابر: (كنا نعزل والقرآن ينزل) .
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.(5/8553)
الحكم بما أنزل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر عادلاً من حكم بغير ما أنزل الله بدون أن يظلم الناس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمة الإسلامية أمة واحدة ذات عقيدة واحدة وشريعة واحدة , ولما كان لا بد لكل رعية من راع ولكل أمة إمام يقودها إلى الخير ويدفع عنها الشر , لذا أوجب الإسلام نصب حاكم على الأمة يختاره المسلمون يحكمهم بكتاب الله , وسنة رسول الله صلى الله عله وسلم.
وقد بعث الله رسله لإقامة شرع الله والحكم بالحق والعدل. كما قال سبحانه: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ص/26.
ومهمة الحاكم حكم المسلمين بالكتاب والسنة وتطبيق العدل على الأمة كافة وإقامة الحدود ونشر الإسلام وحماية الأمة والجهاد في سبيل الله قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به) النساء/58.
والعدل أصل عظيم من أصول الإسلام , يتسع للمسلم وغيره: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة/8.
وحاكم المسلمين مسؤول عن رعيته يحكمهم بشرع الله ويتفقد أحوالهم ويأخذ بأيديهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة قال عليه الصلاة والسلام (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته , فالأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته ... الحديث) رواه مسلم برقم 1829.
والله خلق الناس وأنزل الوحي وبعث إليهم الرسل ليحكموهم بما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد كفر كما قال سبحانه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة/44.
والحاكم إذا حكم بكتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وجبت طاعته وحرمت مخالفته , أو الخروج عليه قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء/59.
وإذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله أو أمر بمعصية الله , فلا سمع ولا طاعة.. قال عليه الصلاة والسلام: (على المرء المسلم السمع والطاعة , فيما أحب وكره , إلا أن يأمر بمعصية , فلا سمع ولا طاعة) رواه مسلم/1839.
والحاكم أمين على الأمة يجب عليه أن يحكمهم بشرع الله ويرفق بهم وينصح لهم , فإن لم يفعل وجب نصحه فإن لم يستجب اختار المسلمون حاكماً غيره من الأتقياء الأقوياء.
وللحاكم المسلم العادل فضل عظيم ومقام كريم يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين , الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) رواه مسلم/1827.
والحاكم إذا ظلم رعيته أو غشها ولم ينصح لها حرم الله عليه الجنة قال عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) رواه مسلم/142.
وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة) رواه مسلم/ (كتاب الإمارة/22) .
والإسلام منهج عام لجميع الأمة فينبغي بل يجب أن يستوي جميع الأفراد في التلقي منه والعمل به والدعوة إليه والجهاد من أجله.
وقد توعد الله كل من حارب دين الله أو وقف لمن يجهر بكلمة الحق في بيوت الله أن يخزيه في الدنيا ويعذبه في الآخرة كما قال سبحانه: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) البقرة/114.
وكل من فتن المسلمين في دينهم , أو آذاهم , أو خذلهم فهو في النار إن مات ولم يتب كما قال سبحانه: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) البروج/10.
والصدع بكلمة الحق واجب على كل مسلم في كل زمان ومكان وقد أمر الله رسوله ببيان الحق وتكفل بحفظه من عدوه فقال سبحانه: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين) الحجر/94-95.
وأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
والحاكم في الولايات العامة أو الخاصة مأجور إذا كان عالماً مجتهداً فإذا حكم فإن أصاب الحق فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة وإن أخطأ فله أجر واحد , أجر الاجتهاد كما قال عليه الصلاة السلام: (إذا حكم الحاكم فاجتهد , ثم أصاب فله أجران , وإذا حكم فاجتهد , ثم أخطأ فله أجر) أخرجه مسلم/1716.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(5/8554)
إطلاق الأحكام من حل وحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجعل الأشياء حرام وحلال مثل (التدخين والتأمين والضرائب) مع أن الله وحده له الحق في أن يحلل ويحرم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ.. الآية) 40 سورة يوسف، وقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) سورة النحل، وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) سورة يونس.فالتحليل والتحريم لله وحده، لأنه هو المشرع، ولا مشرع سواه، وحين نقول أن الشيء الفلاني، وغيرها، حرام، أو حلال، فإنما نرجع في ذلك إلى الأدلة، من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وجدنا فيهما حراماً حرمناه، وما وجدناه حلالاً حللناه، ونستعين بأقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وتفسير السلف لنصوص القرآن والسنة، وننظر في أقوال العلماء واجتهاداتهم.
ولا يحل لنا، أن نحل ونحرم كما نشاء، وحين تستجدّ أمور، لا نجد عليها نصا من القرآن أو السنة ولا كلام علماء السلف ومن سبق من علماء أهل السنة والجماعة فإنّه لابدّ لنا من اللجوء إلى أهل العلم والذّكر الثقات الذين أمرنا الله بالرجوع إليهم كما في قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) ، وهؤلاء العلماء يقومون بالاجتهاد، والنظر، والقياس على النصوص الشرعية الموجودة، آخذين بعين الاعتبار قواعد الضرورة والضرر والمصلحة الشرعية، ومعتمدين على القواعد والأصول الشرعية العامة، كقوله تعالى: (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) سورة الأعراف 157، وكقوله عليه الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجة 2331، مجتنبين الهوى والشهوة، وكل خبيث ثبت ضرره، فهو حرام، وكل طيب نافع حلال. وإن لم يعلم ضرره ولا نفعه، فهو على الأصل في الإباحة. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8555)
هل يُعاقب تارك السنّة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون:
هل يعاقبنا الله إذا تركنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
ملاحظة: أي نوع من أنواع السنة سواء حلق اللحية أو عدم صلاة سنة الفجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لفظ "السنة" يراد به أمران:
أ. الطريقة والهدي، وهو المراد بالأحاديث الكثيرة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
ب. ما يقصده الأصوليون والفقهاء بالمستحبّ، وهو ما يثاب فاعله، ولا يستحق العقاب تاركه، وذلك مثل السنن الرواتب، وصلاة الضحى، وما أشبههما.
2. وعليه فلا عقوبة على تارك السنَّة بالمعنى الثاني، وأما على المعنى الأول: فلا، لأنها تنقسم إلى واجبات ونوافل.
3. وأما سنَّة الفجر والوتر فهما من السنن المؤكدة، والتي لم يتركهما النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ولا في الحضر.
4. وأما إطلاق اللحية فهو من الواجبات لا من السنن التي اصطلح عليها الفقهاء، ومن حلق لحيته فقد تشبه بالمجوس، وخالف الفطرة، وغيَّر خلق الله.
فتارك السنن الواجبة يُعاقب والذي يترك سنّة مستحبة لا يُعاقب لكن يفوته الأجر العظيم ويفوته تعويض واجباته الناقصة لأنّها تكمّل يوم القيامة من أجور السنن إن وجدت، كما أنّ القيام بالسنن وسيلة لحفظ الواجبات من التضييع.
ويُطلق العلماء أيضا السنّة في مقابل البدعة ويقولون أهل السنّة في مقابل أصحاب الفرق الضالّة الكفار منهم كالجهمية , والمبتدعة غير الكفار كالأشاعرة وغيرهم، والسنّة بهذا الاعتبار واجبة الاتّباع، واقتفاء طريق أهل السنّة والسير في ركابهم واجب ومن فارقهم هلك، قال الإمام مالك رحمه الله: السنة كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.
وللمزيد يُراجع السؤال رقم 1189، وعن حكم حلق اللحية أنظر السؤال 3440 و 604.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8556)
وقع في حب فتاة وله علاقة معها ويريد الاحتفال بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لي علاقة رومانسية مع فتاة أُحبها كثيراً، وكذلك أرجو من الله أن نتزوج قريباً إن شآء الله. وسؤالي هو: لنا في التاريخ يوم محدد ويوافق هذااليوم 15من شهر رمضان المبارك في كل سنة، نسميه (يوم فرحنا وحبّنا) ، فهل لنا أن نحتفل بهذا اليوم كيوم فرح، اعتباراً ليوم البركة..!!؟ وهل لنا أن نطلب من المد عوين بالحفلة أن يدعو الله لنا ليجمعنا بالخير والسعادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنك تسأل عن حكم احتفالكم بذلك العيد؛ ألا سألت يا عبد الله عن حكم علاقتك (الرومانسية) بفتاة أجنبية عنك؟!
فهذا هو المنكر الأساس في أمرك يا عبد الله؛ تلك العلاقة المحرمة بقتاة أجنبية عنك، وسوف تبقى أجنية عنك، وسوف يبقى تعلقك بها محرما: حتى تكون زوجا لك؛ فلا يحل لك الخلوة بها، ولا مخالطتها، ولا النظر إليها، أو التمتع بحديثها، فهي أجنبية عنك، أيها الرجل. فاتق الله في نفسك ودينك، ولا تخدعن نفسك بأوهام الفرح والبركة..!!
أي فرح، وأية بركة، وأنت متلبس بمعصية الله، أنت وفتاتك.
وينظر: جواب السؤال رقم (47405) ، ورقم (59907) ، وفي قسم "العلاقة بين الجنسين" من الموقع أجوبة كثيرة حول ذلك.
فإذا عرفت أن هذه العلاقة الرومانسية، بفتاة أجنبية عنك: هي علاقة محرمة من الأصل، فكل ما بني على باطل فهو باطل مثله!!
بل نزيدك ونقول: لو كانت علاقة الحب التي تتحدث عنها بزوجتك الحلال: لكان الاحتفال بهذا اليوم الذي تسأل عنه: بدعة منكرة؛ فليس لنا عيد إلا: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيدنا الأسبوعي: يوم الجمعة.
اشغل نفسك بدلا من عيد الحب، بالتعجيل بزواجك، إن كنت قد تعلقت نفسك بها، وكانت تصلح لك زوجة مسلمة، تقيم معك أمر الله.
نسأل الله أن يجنبنا وإياكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وانظر حول الاحتفال بعيد الحب جواب السؤال رقم (73007) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8557)
حكم ما يسمى بـ " الختمة الرمضانية المشتركة "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مثل هذا الموضوع المنتشر في بعض المنتديات وهو كالتالي: بعنوان الختمة الرمضانية المشتركة ... وذلك بأن يشترك الأعضاء بختم القران، حيث يقرأ كل عضو جزءا أو جزأين وبنيه خالصة لوجه الله، ونص الموضوع كالتالي: الختمة الرمضانية المشتركة، كل عضو سيشارك معنا في الختمة الرمضانية يقوم بكتابه اسمه في هذي الصفحة.. يكون مسؤؤل عن قراءة جزء واحد من القرآن الكريم ... فالقرآن الكريم يحتوي على 30 جزء.. كل عضو يحدد الجزء الذي سيقرؤه.. وبكل أمانة ونية صادقة يقرأ هذا الجزء.. وعندما ينتهي من قراءته يقوم بكتابة: "لقد أتممت قراءة الجزء المخصص لي بنية خالصة لوجه لله تعالى".. وهكذا سنكون قد اشتركنا جميعا أعضاء (.....) بختمة قرآنية لوجه الله.. لعلها تغفر لنا يوم القيامة ... الختمة الأولى " ستكون في الفترة من 1- 10 رمضان" الختمة الثانية "ستكون في الفترة من 11-20 رمضان" الختمة الثالثة " ستكون في الفترة من 21- 29 رمضان" أتمنى من كل عضو راغب في المشاركة كتابته اسمه والجزء الذي سيقوم بقراءته، وأن يلتزم بالقراءة.. ودعاء ختم القرآن سيكون باسم منتدى (.........) وكل أعضائه!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليعلم أن قراءة القرآن عبادة من أجل العبادات لله تعالى، فالقرآن كلام الله تعالى أشرف الكلام، وهو أفضل الذكر، وأعظم ما يقرؤه العبد أو يسمعه.
عن فروة بن نوفل قال: كنت جارا لخباب رضي الله عنه، فخرجنا معه يوما إلى الجمعة فأخذ بيدي فقال: (يا هناه؛ تقرب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه) . رواه الدارمي في الرد على الجهمية (رقم/310) ، وعبد الله بن أحمد في السنة (رقم/96) ، والحاكم في المستدرك (رقم/3652) وصحح إسناده، وأقره الذهبي.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" واعلم أن المذهب المختار الذي عليه من يعتمد عليه من العلماء: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك " انتهى.
"التبيان في آداب حملة القرآن" (45) .
وتتأكد فضيلة هذه العبادة في شهر رمضان، فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ولذا أطبق السلف على العناية بالقرآن في هذا الشهر أزيد من باقي الشهور.
ينظر: "لطائف المعارف"، لابن رجب رحمه الله (315-324) .
ثانيا:
تلاوة القرآن عبادة، كغيرها من العبادات، يرد الأمر فيها إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها، وما مضى عليه أصحابه والتابعون لهم بإحسان. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات ...
وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ ".
"شرح صحيح مسلم" (12/6) مختصرا.
ثالثا:
الصورة الواردة في السؤال في تلاوة القرآن: لا شك أنها صورة مبتدة، فلم يرد مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولا عن السلف الصالح بعدهم.
وليست هذه من المستجدات، التي ينظر إليها في ضوء أصول الشرع، لأن مثل هذه الصورة كانت ممكنة في أيامهم: أن يتواصى بعضهم بنفس الطريقة، إما مباشرة، وإما عن طريق المراسلة، أو نحو ذلك، ولو كان مثل ذلك خيرا لسبقونا إليه.
وليعلم أن الصورة المشروعة في القراءة الجماعية: أن يجتمع القارئون في مكان واحد، وأفضله المسجد، فربما قرأ كل منهم لنفسه، أو يقرأ أحدهم ويستمع الآخرون، أو يقرأ كل منهم ما تيسر له، ثم يكمل الثاني من حيث انتهى الأول، وهو المعروف عند العلماء: بالإدارة؛ يعني: أن تدور النوبة على كل منهم بالقراءة، فتحصل القراءة من القارئ، وأما من لم يقرأ فإنه يشاركه باستماع قراءته، وكل من القراءة والسماع: عبادة مطلوبة، دلت النصوص على مشروعيتها.
ينظر: "التبيان في آداب حملة القرآن"، للإمام النووي رحمه الله (119-122) .
وأما العمل الوارد في السؤال: فما علاقة باقي المجموعة بما يقرؤه أو يفعله أحدهم، إذا كان غائبا عنهم، فلا يرونه، ولا يشاركونه قراءته، ولا يستمعون منه؟!!
وهل من المقبول أن يتفق جماعة على أن يصلي كل واحد ركعتين من التراويح ـ مثلا ـ، فيكونوا قد صلوا التراويح. أو يصوم كل واحد يوما، فيكونوا قد صاموا الشهر؟!
وقد قال الله تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم/36-39.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا ". انتهى. "تفسير السعدي" (821) .
ولا شك أن هذه الصورة المبتدعة للقراءة الجماعية: سوف يكون لها تأثيرها السلبي على قيام الأعضاء بهذه العبادة على وجهها، فمن يشارك في ذلك سوف ينصرف عن تلاوة القرآن، والإكثار من ختمه بنفسه، توهما منه أن هذه الختمة تغنيه، فإن لم ينصرف بالكلية: سوف تضعف همته، وتقل رغبته في ذلك.
ثم من أين لهؤلاء الأعضاء أن يتموا ختمتهم "لوجه الله تعالى"، كما زعموا، بل من يقدر أن يحكي ذلك عن نفسه، ويشهد به؟!
والخلاصة:
أن هذه الصورة مبتدعة، غير مشروعة، تصرف القارئ عن الوارد المشروع في قراءة القرآن، وتضعفه همته في التلاوة والختم بنفسه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8558)
هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد المنتديات وضعت إحداهن موضوعا عن البدع، ولكن كان فيه أحاديث ضعيفة وصحيحة الإسناد، وهي عن المسبحة، وكانت كالآتي: لم يثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استخدمها، ولم يستخدم الحجر، ولم يستخدم النّوى كما يُدّعى في الحديث الضّعيف أنّه أقرّ جويرية على ذلك، هذا غير صحيح، لم يقرّها على استخدام النّوى. التسبيح بالمسبحة جائز، وما ورد فيها من أحاديث العدّ بالنوى والحصى كاف في الدلالة على أصل مشروعيتها، لصلاحية تلك الأحاديث من حيث الصنعة الحديثية للاستدلال، منها حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء ... ، والحديث صححه ابن حبان والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وخرجه أبو داود رقم 1500، والترمذي حديث رقم 3568، وقال: حديث حسن. السؤال هنا: كيف نفهم التناقض هنا؟ وهل الحديث حسن أم ضعيف؟ وكيف يكون حديث حسن ويقابله حديث ضعيف؟ وجزاكم الله خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث الوارد فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين على عد التسبيح على النوى حديثان:
الحديث الأول:
عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ، فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي. فَقَالَ: قُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ) رواه الترمذي (3554) بسند ضعيف، فيه: هاشم بن سعيد الكوفي، قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
"تهذيب التهذيب" (11/17) .
ولذلك قال الترمذي بعد روايته له:
"هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف" انتهى.
وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي وقال عنه: منكر.
ورواه الطبراني في "الدعاء" (ص/494) وفي سنده: يزيد بن متعب مولى صفية.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
"يزيد لم يوجد له ترجمة" انتهى.
"السبحة" (ص/18) .
ومع ذلك فقد صحح هذا الحديث علي القاري في "مرقاة المصابيح" فقال: "وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة، بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به، ولا يعتد بقول من عدها بدعة" انتهى. نقله عنه في "تحفة الأحوذي".
وقد حسنه الحافظ ابن حجر أيضاً، وذكر طريقاً أخرى عند الطبراني في "الدعاء"، والظاهر من صنيعه أنه حسنه بمجموع طرقه.
نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (1/245) .
الحديث الثاني:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى - أَوْ قَالَ حَصًى - تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ) .
قوله: (دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى) لم يبين في شيء من طرق الحديث من هي؟ فيحتمل أنها صفية رضي الله عنها كما في الحديث الأول، ويحتمل أنها جويرية رضي الله عنها، وحديثها في صحيح مسلم، ولكن ليس فيه ذكر للنوى أو الحصى.
انظر: "الفتوحات الربانية" (1/244) .
وهذا الحديث رواه الترمذي (3568) وأبو داود (1500) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها. وروي أيضا بإسقاط خزيمة.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" خزيمة هذا مجهول، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": خزيمة، لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال، وكذا قال الحافظ في " التقريب ": إنه لا يعرف، وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل " لابن حزم (2 / 95) ، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا، ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال، فلا يخلو هذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع، فأنَّى للحديث الصحة أو الحسن؟! " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (83) .
ومع هذا، فقد صححه الحافظ ابن حجر، فقال: "حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح، إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر، وصححه الحاكم" انتهى.
"الفتوحات الربانية" (1/244) .
وقال عنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/360) :
"إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما" انتهى.
وقد ضعف هذين الحديثين الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، فقال:
"وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، في ثبوت كل منهما نظر" انتهى.
"السبحة تاريخها وحكمها" ص 16.
ثانيا:
قد يختلف العلماء في حكم حديث معين، هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف؟ كما قد يختلفون في فهم الحديث والاستنباط منه، فتتنوع المذاهب الفقهية بحسب تنوع الاجتهادات.
قال المعلمي رحمه الله:
"يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه" انتهى.
"الأنوار الكاشفة" (ص/52) .
وعلى المسلم في هذه الحالة ـ إن كان أهلاً للبحث والتحقيق ـ أن يفعل ذلك، حتى يصل إلى الحكم على الحديث بنفسه.
فإن كان لا يستطيع ذلك، فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه عن حكم الحديث، ثم يفعل ما يفتيه به.
وإذا ظهر أن المسألة من المسائل الاجتهادية، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للاضطراب أو التنازع، فإن الله تعالى قضى أن يخلق الناس متفاوتين في العلوم والأفهام، وما دام الاختلاف لا يتعلق بثوابت الدين ومحكماته فالأمر يسير إن شاء الله تعالى.
ولمعرفة موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها. راجع جواب السؤال رقم (70455) .
ثالثا:
أما حكم استعمال السبحة؛ فقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكمها في جواب السؤال رقم (3009) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8559)
التعليق على نشرة " ثلاثون دعاء لثلاثين يوماً في رمضان "
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهر في بعض المواقع الإكترونية نشرة مشتهرة بعنوان " ثلاثون دعاء لثلاثين يوماً في رمضان " دعاء اليوم الأول: اَللهُمَّ اجْعَلْ صِيامي فيهِ صِيامَ الصّائِمينَ وَقِيامي فيِهِ قِيامَ القائِمينَ، وَنَبِّهْني فيهِ عَن نَوْمَةِالغافِلينَ، وَهَبْ لي جُرمي فيهِ يا اِلهَ العالمينَ، وَاعْفُ عَنّي يا عافِياً عَنِ المُجرِمينَ. دعاء اليوم الثاني: اَللهُمَّ قَرِّبْني فيهِ اِلى مَرضاتِكَ، وَجَنِّبْني فيهِ مِن سَخَطِكَ وَنَقِماتِكَ، وَوَفِّقني فيهِ لِقِراءةِ آياتِِكَ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحمينَ. دعاءاليوم الثالث: اَللهُمَّ ارْزُقني فيهِ الذِّهنَ وَالتَّنْبيهِ، وَباعِدْني فيهِ مِنَ السَّفاهَةِ وَالتَّمْويهِ، وَاجْعَل لي نَصيباً مِن كُلِّ خَيْرٍ تُنْزِلُ فيهِ، بِجودِكَ يا أجوَدَ الأجْوَدينَ. دعاء اليوم الثلاثين: أللهُمَّ اجْعَلْ صِيامي فيهِ بالشُّكرِ وَالقَبولِ عَلى ماتَرضاهُ وَيَرضاهُ الرَّسولُ مُحكَمَةً فُرُوعُهُ بِالأُصُولِ، بِحَقِّ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وَآلهِ الطّاهِرينَ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العالمين ". فما حكم اعتماد هذه النشرة لتوزيعها، ونشرها، وحكم الدعاء بها في رمضان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح، والأصل في العبادات التوقيف، والمنع، فلا يجوز إحداث عبادة، أو تقييدها بوقت أو مناسبة إلا إذا كان الشرع قد دل على ذلك.
فلا يجوز لأحدٍ أن يشرع للناس أدعية يقولونها في أوقات مخصوصة.
وانظر – في ذلك – جوابي السؤالين: (21902) و (27237) .
والدعاء في رمضان مرَّغب فيه، إلا أن هذا الترغيب لا يُجوَّز لأحد من الناس أن يخترع أدعية من عنده، ويخصها بأوقات معينة، كأنها أدعية نبوية، بل يدعو المسلم بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، بما تيسر له من كلمات، وفي أي الأوقات.
ومثل ذلك: ما حذَّر العلماء من فعله، مما اشتهر عند العامَّة، من تخصيص دعاء معيَّن لكل شوط طواف، أو شوط سعي، في الحج، والعمرة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ولا يجب في هذا الطواف، ولا غيره من الأطوفة، ولا في السعي: ذِكر مخصوص، ولا دعاء مخصوص، وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كلِّ شوطٍ من الطواف، أو السعي، بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة: فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (16/61، 62) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
ليس هناك دعاء معين لكل شوط، بل تخصيص كل شوط بدعاء معيَّن: من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما ورد: التكبير عند استلامِ الحجر الأسود، وقول: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201 بين الركن اليماني والحجر الأسود، وأما الباقي: فهو ذِكر مطلق، وقرآن، ودعاء، لا يخصص به شوط دون آخر.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (22/336) .
وأمر آخر:
أنه قد جاء في دعاء اليوم الأخير ما هو منكر، ومخالف للشرع، من التوسل في الدعاء بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وحق آل بيته.
وقد سبق بيان بدعة هذا التوسل في الدعاء، وكلام أهل العلم فيه: في جواب السؤال رقم: (125339) ، فلينظر.
فعلى المسلم ألا يشارك في نشر تلك النشرة، بل عليه أن يحذر منها بقدر استطاعته.
وليعلم المسلم أنه لا خير في بدعة يتقرب بها المسلم إلى ربِّه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه مسلم (867) .
وانظر الأحاديث التي ثبتت في النهي عن الابتداع في الدين، وأقوال العلماء في التحذير من البدعة: في جوابي السؤالين: (118225) و (864) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8560)
هل يجوز أن يقال: " يا بسم الله "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قول: يا بسم الله، أم نقول: يا الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدعاء عبادة لها أهمية في الشرع المطهر، كما ثبت عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) ، ثم قرأ: {وقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} . رواه الإمام أحمد (30/298) ، وأصحاب السنن، وصححه الألباني.
ولذلك كان الواجب علينا أن نتعلم أحكام الدعاء وفضائله وآدابه، كما نتعلم سائر أحكام العبادات وآدابها.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 87)
وينظر في ذلك: "تصحيح الدعاء"، للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله.
ثانيا:
الصيغة الواردة في الدعاء، والتي عليها عمل المسلمين قاطبة، هي أن يقال في الدعاء: (يا الله) أو نحو ذلك من أسمائه الحسنى (يا رحمن، يا رحيم ... ) ونحو ذلك، والأمر فيه واسع مشروع، كما قال الله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) الإسراء/110.
وأما قول القائل: (يا بسم الله) ، فهذا أولا دعاء بصيغة لا تعرف في الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عليها عمل أحد من أهل العلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم.
ثم هو ـ أيضا ـ خطأ من حيث لغة العرب، فإن قول القائل (بسم الله) هذا جملة متعلقها محذوف، والتقدير: بسم الله أبتدئ، أو: ابتدائي، أو نحو ذلك. والجملة لا تدعى ولا تنادى، وإنما النداء خاص بالأسماء. فالصيغة المذكورة خطأ في اللغة، مردودة في الشرع.
ثالثا:
الغالب في صيغة النداء أن يقال: " اللهم "، بدلا من: " يا الله "، وإن كانت هي الأصل، إلا أنهم استعاضوا بذلك تخفيفا، وإن كان استعمال الصيغة الأصلية جائزا.
قال الأستاذ عباس حسن رحمه الله:
" والأكثر في الأساليب العالية عند نداء لفظ الجلالة أن يقال: "اللهم"، وهو من الألفاظ الملازمة للنداء، نحو قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} ... ". "النحو الوافي " (4/38) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8561)
هل يجوز الاجتماع للفرح بدخول رجل أو امرأة الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاحتفاء بشهادة مسلمة ودخولها في الإسلام وذلك بالاجتماع في بيت إحدى الأخوات المسلمات والترحيب بها في الإسلام وإهداءها بعض الهدايا وما إلى ذلك؟ أم أن هذا يدخل ضمن البدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مؤازرة المسلم - أو المسلمة - حديث العهد بالإسلام، وتهنئته على الهداية، وإظهار الفرح والبشر والسرور بذلك، ووفود الناس عليه بالتهنئة والدعاء، وإهداءه الهدايا، كل ذلك من أمارات الأخوة الإسلامية، وعلامات المحبة في الله.
وهو مما يقوي قلبه، ويستشعر به حب الناس له، والتفافهم حوله، ويؤنسه في عهده الجديد ويذهب وحشته.
ولا بأس أن يجتمع إخوانه لذلك، وأن يهدوا له الهدايا، ويحسنوا الثناء عليه، ويكثروا من الدعاء له، فهي نعمة، وأي نعمة، تستحق الشكر لله، وتهنئة من وُفِّق إليها.
وفي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه لما كان من أمره ما كان في التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو، وحصل لهم من الغم والكرب العظيم ما حصل، ثم تاب الله عليه وعلى صاحبيه. قال:
" فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ!! قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ.
قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ.
قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ!! ".
متفق عليه.
فتأمل ما وقع في هذه القصة العظيمة، من فرح الصحابة رضوان الله عليهم بتوبة الله على كعب بن مالك وصاحبيه، وإسراع من أسرع منهم إلى إبلاغه بالبشرى، وتهنئته على ذلك، وكيف أنه جعل ذلك جميلا، وأحسانا عظيما، لا ينساه لمن سارع إليه، وكيف أن الناس تلقوه أفواجا، يهنئونه بذلك، ولا ريب أن التوبة من الكفر، والدخول في الإسلام هو من أجل النعم التي يهنئ الرجل أخاه عليها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث:
" ... وتهنئة من تجددت له نعمة ". "فتح الباري" (8/124) .
وقال ابن مفلح رحمه الله:
" فَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِنِعَمٍ دِينِيَّةٍ تَجَدَّدَتْ: فَتُسْتَحَبُّ، لِقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَ {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنِيئًا مَرِيئًا " انتهى. "الآداب الشرعية" (3/380) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8562)
حكم زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند إلقاء السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت من يقولون السلام: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) بصيغة جديدة تحتوي الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مبنى العبادات على التوقيف أي: أننا نقف على وردت به النصوص، ولا نزيد على ما ورد به الشرع، ولا نغيره، وقد علَّم الرسول صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب دعاء يقوله عند النوم، فقال له: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ)
قَالَ البراء: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ قُلْتُ: (وَرَسُولِكَ) قَالَ: (لَا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) البخاري (247) ومسلم (2710) .
فأنكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم تغيير لفظ (نبيك) بلفظ (رسولك) .
قال النووي رحمه الله:
"وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْره أَنَّ سَبَب الْإِنْكَار: أَنَّ هَذَا ذِكْر وَدُعَاء , فَيَنْبَغِي فِيهِ الِاقْتِصَار عَلَى اللَّفْظ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ , وَقَدْ يَتَعَلَّق الْجَزَاء بِتِلْكَ الْحُرُوف , وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَات , فَيَتَعَيَّن أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا , وَهَذَا الْقَوْل حَسَن" انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" الأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 87) .
فالذي ينبغي هو التقيد بألفاظ السلام الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الزيادة عليها، حتى لا يقع المسلم في الابتداع في الدين.
وزيادة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عند السلام تشبه زيادتها بعد العطس وحمد الله، وقد أنكرها ابن عمر رضي الله عنهما.
روى الترمذي (2738) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ولا زال المسلمون في كل عصر يسلم بعضهم على بعض السلام المعهود المعروف، من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا.
فروى البخاري (3326) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ - وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ - فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. قَالَ: فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله ألفاظ السلام، ولم يذكروا معها الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلمهم أن ذلك زيادة على ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون بدعة مذمومة.
وانظر كتاب "الأذكار" للنووي رحمه الله ص 216 – 231.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن كل جمعة وهو على المنبر أن (خَيُْ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم (867) .
فليس هناك أفضل مما شرعه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذي ينبغي هو تعليم هؤلاء السنة وحثهم على التمسك بها وعدم الزيادة عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8563)
حكم إعداد طعام معين للنفساء ولمن يأتي لزيارتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أكلة معينة تعد عند الولادة تأكل منها النفساء ومن يأتي لزيارتها وهي عادة عندنا وليس لها أي معتقد معين , فما حكمها؟ هل هي بدعة وكيف نفرق بين العادات الجائزة والبدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرق بين العادات الجائزة والبدعة: أن البدعة يقصد بها التقرب إلى الله تعالى، أما العادات فلا يقصد بها ذلك.
والأصل في العادات التي يتعارف عليها الناس أنها مباحة، ولا يجوز تحريم شيء منها إلا بدليل صحيح يدل على ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الفرق بين العادة والعبادة: أن العبادة ما أمر الله به ورسوله تقرباً إلى الله، وابتغاءً لثوابه، وأما العادة فهي ما اعتاده الناس فيما بينهم من المطاعم والمشارب والمساكن والملابس والمراكب والمعاملات وما أشبهها.
وهناك فرق آخر: وهو أن العبادات الأصل فيها المنع والتحريم حتى يقوم دليل على أنها من العبادات، لقول الله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله) الشورى/21، أما العادات فالأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على منعه.
وعلى هذا، فإذا اعتاد الناس شيئاً وقال لهم بعض الناس: هذا حرام، فإنه يطالب بالدليل، يقال: أين الدليل على أنه حرام؟ وأما العبادات فإذا قيل للإنسان: هذه العبادة بدعة، فقال: ليست ببدعة، قلنا له: أين الدليل على أنها ليست ببدعة، لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (72 / 2) .
وقال أيضاً:
" البدعة شرعًا ضابطها: " التعبد لله بما لم يشرعه الله"، وإن شئت فقل: " التعبد لله تعالى بما ليس عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خلفاؤه الراشدون". فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه.
أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تسمى بدعة في الدين وإن كانت تسمى بدعة في اللغة، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 292) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (29 / 16-17) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله:
"هناك فرق بين العبادات، والعادات، فالعادات: مباحة، فمباح للإنسان أن يبني كيف يشاء، وأن يلبس كيف يشاء، وأن يركب، وأن يصنع من الصناعات والحرف ما يشاء، ولا تسمى هذه بدعًا، فليس هناك بدعة دنيوية، والبدع الدينية: كلها سيئة، وليس فيها بدعة حسنة، وليس هناك ما يسمى بالبدعة الجائزة، أو البدعة المباحة، بل كل ما أضيف إلى الشرع مما ليس منه فإنه لا يجوز " انتهى من موقع الشيخ.
ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=9552&parent=3601 - 35k –
فالأصل في العادات: الإباحة حتى يوجد سبب لمنعها، كأن تشتمل العادة على محظور، من نحو إسراف أو تبذير أو مباهاة، فإن لم تشتمل على شيء من ذلك فهي جائزة.
فعلى ما تقدم بيانه: إن كان هذا الطعام الذي يعد للنفساء ولمن يأتي لزيارتها لا يحتوي على شيء مما حرمه الله، ولم يعد بإسراف أو تبذير ولا لمباهاة ونحو ذلك، فهو جائز ولا حرج فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8564)
هل يجوز الاحتفال بمناسبة مرور خمس سنوات على إنشاء منتدى في الإنترنت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بمرور خمس سنوات لمنتدى ما، أي: يقوم الأعضاء في نفس اليوم الذي افتتح فيه المنتدى بالاحتفال في المنتدى مِن عمل مسابقات، وأناشيد، وغيرها من الأمور؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا المنتدى مفيداً نافعاً خالياً من الحرام، وكان هذا الاحتفال لن يتكرر كل مدة معينة، مثل كل سنة، أو كل خمس سنوات، فلا حرج من هذا الاحتفال.
أما إذا كانت موضوعات المنتدى تشتمل على شيء من الحرام، فهذا المنتدى لا يجوز المشاركة فيه ولا الإعانة عليه ولا الاحتفال به، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وإذا كان هذا الاحتفال سيتكرر كل مدة معلومة، فهذا يحوله إلى عيد، ولا يجوز إحداث عيد في الإسلام، لأننا ـ نحن المسلمين ـ ليس لنا أعياد سنوية، إلا عيدان فقط: عيد الفطر وعيد الأضحى، ولنا عيد أسبوعي واحد وهو عيد يوم الجمعة.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (10070) و (5219) .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم الاحتفال عند تخريج دفعة من حفظة كتاب الله؟ وهل ذلك من اتخاذ الأعياد؟ .
فأجاب:
"لا بأس بذلك، ولا تدخل في اتخاذها عيداً؛ لأنها لا تتكرر بالنسبة لهؤلاء الذين احتُفل بهم، ولأن لها مناسبة حاضرة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (16/119) .
ثم لابد من النظر إلى المدة التي تم اختيارها للاحتفال بعدها، فإن كان اختيار هذه المدة فيه تشبه بالمشركين، كان هذا الاحتفال ممنوعاً شرعاً، للأدلة الدالة على تحريم التشبه بالمشركين، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في "سنن أبو داود".
ومن هذا: الاحتفال بعد 25 سنة أو 50 سنة، أو 75 سنة، وهو ما يسميه الناس: اليوبيل الفضي، والذهبي، والماسي، فإن في ذلك مشابهة لليهود.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
"اليوبيل" عيد مأخوذ من اليهود، وهو عيد نزول الوصايا العشر على موسى عليه السلام، فوق جبل سيناء.
"عيد اليوبيل" (ص 13) .
وقال رحمه الله – أيضاً – عن لفظة "اليوبيل":
هذه لفظة يهودية، جاءت في " سِفر اللاويين "، وهي تعني عندهم: الاحتفال بعد مضي خمسة وعشرين عاماً على كذا.
"معجم المناهي اللفظية" (ص 578) .
وفي حكم الاحتفال بمرور إحدى مدده: قال رحمه الله:
الاحتفال باليوبيل على اختلاف مدده، وعلى اختلاف أغراضه: هو احتفال بِدعي في الدِّين، ومنازعة في أمر ربّ العالمين، وتشبه بالكافرين، وتعظيم لحرماتهم.
"عيد اليوبيل" (ص 25) .
وانظر جواب السؤال رقم: (112097) .
وأما إن كان الاختيار لمدة لا تعلق لها باعتقاد معيَّن، وليس فيها تشبه بكافر، أو مبتدع: فلا حرج في ذلك الاحتفال من هذه الحيثية، وقد شارك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بكلمة في احتفال بمناسبة مرور "قرن ونصف" على تأسيس " الجامعة الإسلامية " بديوبند الهند، جاء فيها:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة إخواني المؤتَمِرين، وفقهم الله لما فيه رضاه، ونصر بهم دينه آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فيسرني إفادة إخواني المؤتَمِرين بأنه يسعدني كثيراً إجابة دعوة القائمين على هذه الجامعة، للمشاركة في هذا المؤتمر الكريم، الذي سيحضره الكثير من رجال العلم، والمعرفة , بغية مشاركة إخوانهم في هذا الاحتفال، بمرور قرن ونصف على تأسيس هذه الجامعة ... .
"فتاوى الشيخ ابن باز" (6/231) .
والحاصل: أن هذا الاحتفال لا بأس به بشروط:
1- أن يكون موضوع المنتدى مباحاً، وخاليا من المحرمات أو الدعوة إليها.
2- ألا يكون متكرراً كل مدة معينة.
3- ألا يكون في اختيار هذه المدة (5 سنوات) تشبهٌ بالكفار.
ونسأل الله أن يوفقكم لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8565)
حكم قراءة آيات الحرس
[السُّؤَالُ]
ـ[ثبت في ترجمة الإمام ابن قدامة المقدسي - عليه رحمة الله - أنه كان يقرأ بعد كلّ صلاة صبح آيات الحرس وسوراً أخرى، نرجو أن تتكرموا علينا بأن تبينوا لنا الحديث الذي يشير إلى تلك الآيات الكريمات مع ذكر ما تيسر من طرق وألفاظ الحديث إن وُجدَتْ، وإن كان الحديث ضعيفاً هل يدخل في استحباب العمل بالحديث الضعيف حيث إن العلماء اتفقوا على استحباب العمل بالحديث الضعيف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تعتمد كثير من الأوراد المصنفة على جمع آيات من القرآن، أو سور مخصوصة، بحسب اجتهاد المصنف.
وقد ذكر السيوطي في "الإتقان" (2 / 434) : أن أغلب ما يذكره المصنفون في خواص القرآن، إنما مستنده تجارب الصالحين.
والتجربة وحدها لا تكفي في إثبات حكم شرعي، وجوبا أو استحبابا، بل لا بد لذلك من مستند شرعي، من الكتاب والسنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) . رواه مسلم (1718) .
قال الشيخ أبو شامة رحمه الله في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص 86-87) :
" ابتدع بعضهم جمع آيات السجدات يقرأ بها في ليلة ختم القرآن وصلاة التراويح، ويسبح بالمأمومين في جميعها، وابتدع آخرون سرد جميع ما في القرآن من آيات الدعاء في آخر ركعة من التراويح بعد قراءة سورة الناس، فيطول الركعة الثانية على الأولى، نحوا من تطويله بقراءة الأنعام، مع اختراعه لهذه البدعة، وكذلك الذين يجمعون آيات يخصونها بالقراءة ويسمونها آيات الحرس، ولا أصل لشيء من ذلك فليعلم أن جميع ذلك بدعة، وليس شيء منها من الشريعة، بل هو مما يوهم أنه من الشرع وليس منه " انتهى.
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/486) .
ثانيا:
أما ما ورد في ترجمة ابن قدامة من أنه كان إذا صلى الفجر تلا آيات الحرس ويس والواقعة وتبارك، ويقرأ بعد العشاء آيات الحرس.
فليعلم ـ أولا ـ أن ابن قدامة المذكور - في السؤال - ليس هو الفقيه أبا محمد، صاحب المغني، بل هو أخوه أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي.
ينظر: سير أعلام النبلاء (22/7) ، ذيل طبقات الحنابلة (ص 204) .
وهذا الذي كان يفعله أبو عمر رحمه الله، اجتهاد منه، لا تثبت به سنة، ولا يدل على مشروعية شيء، بل هو فعل يحتاج أن يحتج له، ولا يحتج به، كما يقول أهل العلم، وكل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومع ما هو معروف عن أبي عمر من فضله وعلمه وتقواه وصلاحه، فليس هو بمعصوم، ولعله ظن ذلك سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد من أصحابه، أو أن له اجتهادا في ذلك لا نعلمه.
ورحم الله أبا سليمان الداراني حيث قال: " ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة " انتهى.
"سير أعلام النبلاء" (10 / 183) .
والخلاصة: أن الحجة في ذلك هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير أن يكون ذلك سببا في الوقيعة فيمن فعل ذلك من أهل العلم والدين، أو انتقاص أقدارهم.
ولمعرفة حكم تخصيص قراءة آيات معينة لغرض معين: ينظر إجابة السؤال رقم: (115841) .
ثالثا:
لم يتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف، كما ذكر السائل، بل ذهبت طائفة منهم إلى عدم العمل به مطلقا، حيث إنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم) رواه الطبراني في "الكبير" (1647) ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1803) .
وليس من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الضعيف الذي لم يثبت عنه ولا يصح، وهو من قسم المردود غير المقبول في اصطلاح أهل الشأن، وفيما صح من الحديث الغنية عما لم يصح.
ثم إن الذين قالوا بالعمل بالضعيف في فضائل الأعمال اشترطوا أن لا يكون شديد الضعف، وأن يندرج تحت أصل معمول به، وألا يعتقد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولمعرفة حكم العمل بالضعيف في فضئل الأعمال: ينظر إجابة السؤال رقم: (44877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8566)
ما حكم التهنئة بيوم الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التهنئة بيوم الجمعة؟ حيث إن العادة عندنا الآن في يوم الجمعة ترسل الرسائل بالجوال , ويهنئ الناس بعضهم بعضاً بالجمعة بقولهم " جمعة مباركة "، أو " جمعة طيبة ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين، كما جاء في الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) رواه ابن ماجه (1098) وحسَّنه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
قال ابن القيم رحمه الله في بيان خصائص يوم الجمعة:
الثالثة عشرة: أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع.
"زاد المعاد" (1/369) .
وبذلك يكون للمسلمين أعياد ثلاثة، عيد الفطر، والأضحى، وهما متكرران في كل عام مرة، والجمعة، وهو متكرر في كل أسبوع مرة.
ثانياً:
أما تهنئة المسلمين بعضهم بعضاً بعيد الفطر والأضحى: فهي مشروعة، وقد وردت عن الصحابة رضي الله عنهم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (49021) و (36442) .
وأما التهنئة بيوم الجمعة: فالذي يظهر لنا أنها غير مشروعة، لأن كون الجمعة عيداً كان معلوماً للصحابة رضي الله عنهم، وهم أعلم منا بفضيلته، وكانوا أحرص على تعظيمه والقيام بحقه، ولم يرد عنهم أنهم كانوا يهنئ بعضهم بعضاً بيوم الجمعة، والخير كل الخير في اتباعهم رضي الله عنهم.
وقد سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما حكم إرسال رسائل الجوال كل يوم جمعة، وتختم بكلمة " جمعة مباركة "؟ .
فأجاب:
"ما كان السلف يهنئ بعضهم بعضاً يوم الجمعة، فلا نحدث شيئاً لم يفعلوه" انتهى من أجوبة أسئلة " مجلة الدعوة الإسلامية ".
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/MyNews/tabid/87/Default.aspx?more=454&new_id=94
وبمثل ذلك أفتى الشيخ سليمان الماجد حفظه الله، حيث قال:
"لا نرى مشروعية التهنئة بيوم الجمعة، كقول بعضهم: " جمعة مباركة "، ونحو ذلك؛ لأنه يدخل في باب الأدعية، والأذكار، التي يوقف فيها عند الوارد، وهذا مجال تعبدي محض، ولو كان خيراً لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، ولو أجازه أحد للزم من ذلك مشروعية الأدعية، والمباركة عند قضاء الصلوات الخمس، وغيرها من العبادات، والدعاء في هذه المواضع لم يفعله السلف" انتهى من موقع الشيخ حفظه الله.
http://www.salmajed.com/ar/node/2601
ولو دعا المسلم لأخيه في يوم الجمعة , قاصداً تأليف قلبه، وإدخال السرور عليه، وتحرياً لساعة الإجابة، فلا بأس بذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8567)
حكم قراءة سورة الضحى عند فقدان الشيء
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في الآونة الأخيرة أنه من أضاع شيئا فليقرأ سورة الضحى وبإذن الله يجد ضالته بسبب قوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وليس في هذا فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم فبماذا نرد على من قال هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أكمل الله لنا الدين، كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة/3.
وبلّغه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كاملاً، فلا نحتاج إلى من يزيد على ما شرعه الله تعالى لنا.
ومن زاد على ما شرعه الله، فيلزمه أحد أمرين: إما أنه لا يؤمن بكمال الشريعة، وإما أنه يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ لنا الدين كاملاً.
ولهذا قال الشاطبي رحمه الله:
"إن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان؛ لأن الله تعالى قال فيها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة.
فإذا كان كذلك فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله: إن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها؛ لأنه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
قال ابن الماجشون: سمعت مالكا يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا" انتهى.
"الاعتصام" (ص 33) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
"ومن البدع: التخصيص بلا دليل، بقراءة آية، أو سورة في زمان أو مكان أو لحاجة من الحاجات، وهكذا قصد التخصيص بلا دليل.
ومنها:
- قراءة الفاتحة بنية قضاء الحوائج وتفريج الكربات.
- قراءة سورة يس أربعين مرة بنية قضاء الحاجات " انتهى باختصار.
" بدع القراءة " (ص/14-15)
فتخصيص قراءة سورة الضحى عند ضياع شيء من الإنسان بدعة من جملة البدع التي اخترعها من لا يُقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حق قدره.
وإلا.. فلو عرف هؤلاء قدر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يزيدوا على ما شرعه لنا أبداً.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه ,
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8568)
بطلان الاستدلال بلعب الحبشة بالحراب على الرقص الصوفي!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال حول الرقص في الإسلام، فالصوفية يستندون إلى حديث من مسند الإمام أحمد بن حنبل من المجلد الثالث الصفحة رقم 152، ويدعي الصوفية أنه كان من عادة الأحباش أنهم كانوا يرقصون حول النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يمكن أن توضح لي الحديث الذي ذكرتُ لكَ موضعه، وأسأل: لماذا لا تجوز طريقة تعبد الصوفية (وهي الرقص عند ذكر الأوراد) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أخي السائل أن " الصوفية " من الفرق التي قد انحرفت عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وللوقوف على شيء من ذلك: انظر جواب السؤال رقم: (4983) .
وأما الحديث الذي أشار إليه السائل: فلا يدل على جواز الرقص الصوفي، بل هو دليل جواز اللعب بالسلاح، والتدرب على الحرب، والمبارزة؛ لغاية الجهاد.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: "مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ " فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: (دَعْهُمَا) فَلَمَّا غَفَلَ، غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا قَالَ (تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ) فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ (دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ) حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: (حَسْبُكِ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (فَاذْهَبِي) رواه البخاري (907) ومسلم (829) .
وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذا الحديث في صحيحه بقوله: "باب الحراب والدَّرَق يوم العيد".
وقال بدر الدين العيني رحمه الله:
والحِراب: جمع حَربة.
والدَّرَق: جمع درقة، وهي الترس الذي يتخذ من الجلود.
"عمدة القاري" (6/267) .
وقال النووي رحمه الله:
فيه جواز اللعب بالسلاح، ونحوه من آلات الحرب، في المسجد، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد.
"شرح مسلم" (6/271) .
وقال ابن حجر رحمه الله:
واستُدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب، للتدريب على الحرب، والتنشيط عليه.
"فتح الباري" (2/445) .
فهذا هو لفظ الحديث، وهذا هو كلام العلماء عليه، وبه يتبين عدم صحة استدلال من استدلَّ به على الرقص الصوفي في حلقاتهم البدعية، فهؤلاء الصحابة (الأحباش) لم يكونوا أصلاً حول النبي صلى الله عليه وسلم – كما جاء في السؤال -، ولم يكونوا يذكرون الله، حتى يكون دليلاً لأهل البدع من أصحاب الرقص، بل كانوا يلعبون بآلات الحرب والجهاد.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندنا في مناطقنا هناك في الجنوب في الأعراس يحصل رقص للرجال على الطبول بأسلحتهم، فهل هذا جائز؟ .
فأجاب:
"اعلم أن الأصل في المعازف أنها حرام، ومنها الطبول، ولا يحل منها إلا ما ورد الشرع به، والذي ورد به الشرع هو "الدف"، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرتاده إلا النساء، يضربن بالدف، والدف هو عبارة عن شيء مدور كالصحن، ويكون أحد جانبيه مستوراً بالجلد الذي يكون له الصوت، أي: أنه مفتوح من جانب، ومختوم بالجلد من جانب، هذا هو الذي وردت به السنَّة.
أما الرقص للرجال: فإنه لا يجوز؛ لأن الرقص من عادات النساء، وليس من عادات الرجال.
وأما اللعب بالسلاح بالبنادق، والسيوف، وما أشبه ذلك - إذا لم يكن فيه طبول -: فهذا لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مكَّن الحبشة أن يلعبوا في وسط مسجده صلى الله عليه وسلم برماحهم، لكن بدون رقص" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (39 / السؤال رقم 5) .
وقد يصاحب هذا الرقص الصوفي محرمات أخرى كالغناء، وبعض المعازف، كالطبل , واختلاط الرجال بالنساء، وهذا يزيد في الإثم، ويُعظم المعصية.
ثانياً:
الرقص في حلقات الذكر هو من الأمور المحدثة، المبتدعة، التي لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وإذا كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنكر على من وجدهم جلوساً في المسجد حِلَقاً، ومعهم حصى يعدون عليه التسبيح، وفي كل حلقة رجل، يقول: سبحوا مائة، فيسبحون. احمدوا مائة فيحمدون ... إلخ.
وقد ذكرنا هذا الأثر بطوله في جواب السؤال رقم (11938) فماذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه لمن وجدهم يرقصون ويطبلون ويغنون، ويزعمون أنهم يذكرون الله!
ويجب أن يُعلم أن كل عبادة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أرشدنا إليها، ولم يفعلها أصحابه رضي الله عنهم، لا يجوز لأحد أن يفعلها، لأنها لو كانت خيراً لسبقونا إليه.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"والأصل في باب العبادات: المنع، حتى يرد الدليل عليها شرعاً، فلا يقال: إن هذه العبادة مشروعة من أصلها، أو من جهة عددها، أو هيئتها، إلا بدليل شرعي، فمَن ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله: فما صدر منه: مردود عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) ، وفي رواية: (مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/473) .
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
فكل مَن أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه: فهو ضلالة، والدين منه بريء.
"جامع العلوم والحكم" (2/128) .
وقال ابن حجر رحمه الله:
والمراد بقوله: (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلةٌ) ما أُحدث ولا دليل له من الشرع، بطريق خاص، ولا عام.
"فتح الباري" (13/254) .
وعلى هذا؛ فهذا الرقص الصوفي المصاحب للذِّكر: لا يدل عليه دليل من الكتاب، أو السنَّة، ولا عمل الصحابة، بل هو من البدع المحدثة التي أنكرها العلماء والأئمة، فليس هناك أحد من الأئمة الأربعة رحمهم الله (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) يجيز مثل هذا الرقص، ولا يجيز لأحد أن يحضر تلك الحلقات، بل أصله مأخوذ من اليهودية.
فقد سئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله:
ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ واعلم - حرس الله مدته - أنه اجتمع جماعة من رجال، فيكثرون من ذِكر الله تعالى، وذِكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم – الجِلد -، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيّاً عليه، ويحضرون شيئا يأكلونه، هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب:
"يرحمك الله، مذهب الصوفية بطالة، وجهالة، وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنَّة رسول، وأما الرقص والتواجد: فأول من أحدثه أصحاب " السامري "، لمَّا اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار، قاموا يرقصون حواليه، ويتواجدون؛ فهو دين الكفار، وعُبَّاد العجل؛ وأما القضيب: فأول من اتخذه الزنادقة؛ ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى؛ وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان، ونوابه: أن يمنعهم عن الحضور في المساجد، وغيرها؛ ولا يحل لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم؛ هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة المسلمين، وبالله التوفيق" انتهى.
نقله عنه الإمام القرطبي في "تفسيره" (11/237، 238) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لم يُعرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه خصص أياماً، وليالي من الأسبوع، يجتمع فيها هو وأصحابه على ذِكر الله تعالى جماعةً باسمٍ مفردٍ من أسمائه الحسنى، قياماً، أو قعوداً، في حلقات، أو صفوفاً، يترنحون فيها ترنح السكارى، ويتمايلون فيها تمايل الراقصين طرباً لتوقيع الأناشيد، ونغمات المغنين، ودفات الطبول، والدفوف، وأصوات المزامير، وبهذا يُعلم أن ما يفعله الصوفية اليوم: بدعة محدثة، وضلالة ممقوتة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 281) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8569)
حكم تلاوة القرآن بصورة جماعية بصوت واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الدين في تلاوة القرآن بصورة جماعية بعد صلاة الصبح والمغرب، حيث إن بعض الإخوة قالوا لنا: إنها بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تلاوة القرآن الكريم من العبادات التي شرعها الله لعباده، وبيَّنها رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وأصحابه يستمعون، ليستفيدوا مما يقول لهم، ويفسره لهم عليه الصلاة والسلام، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ القرآن وهو يستمع عليه الصلاة والسلام، ولم يكن من سنته ولا سنة أصحابه وطريقتهم أن يتلوا القرآن جميعاً بصوت واحد، ليس هذا من سنتهم، وليس هذا من فعله عليه الصلاة والسلام، فالذين قالوا إنه بدعة هم مصيبون؛ لأن هذا لا أصل له، لكن ذكر العلماء أن هذا يعفى عنه مع الصبيان الصغار المتعلمين عن طريق التعليم حتى يستقيم لسانهم جميعاً.
وكذلك المتعلمون في المدارس إذا رأى الأستاذ أن يتكلموا جميعاً حتى يعتدل الصوت وحتى تستقيم التلاوة من الصبيان الصغار في باب التعلم فهذا نرجو ألا يكون فيه حرج؛ لما فيه من العناية بالتعليم والحرص على استقامة الأصوات وحسن الأداء.
أما فيما بين الناس؛ في التلاوة في المساجد، أو في غير المساجد، في الصباح أو في المساء أو أي مكان يتلون القرآن جميعاً فهذا لا نعلم له أصلاً.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) فنصيحتي ألا يفعل مثل ذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/347) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8570)
لا حرج من الدعاء الجماعي بعد إلقاء المحاضرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بشكل جماعي كأن يدعو الإمام بعد إلقاء المحاضرة مثلاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء من أفضل العبادات التي يتعبد المسلم فيها ربه؛ قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60.
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، (قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) رواه الترمذي (2969) وصححه، وأبو داود (1479) وابن ماجه (3828) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وننبه هنا إلى أمرٍ مهم، يختلط على كثير من الناس، وهو التفريق بين "الذِّكر الجماعي"، و "الدعاء الجماعي"، فالأول: ليس له وجود في الشرع، فلم يثبت أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه مع أصحابه بصوتٍ واحد، ولا أنه كان يذكر ربَّه ويردد خلفه أصحابه رضي الله عنهم.
وأما الدعاء الجماعي: فله أصل في الشرع، وصوره كثيرة، ففي قنوت النوازل، وقنوت الوتر كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ويؤمن أصحابه على دعائه من خلفه، وجمهور العلماء يرون تأمين المصلين على دعاء الخطيب يوم الجمعة، وكذا في الاستسقاء، وهكذا في صور مختلفة متعددة.
وأما الدعاء الجماعي البدعي فمن صوره:
1. أن يَجمع المسلمُ طائفة من الناس من أجل الدعاء فقط.
فعن أبي عثمان قال: كتب عاملٌ لعمر بن الخطاب إليه: أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين، وللأمير، فكتب إليه عمر: "أقبل، وأقبل بهم معك"، فأقبل، وقال عمر للبواب: أعِدَّ لي سوطاً، فلمَّا دخلوا على عمر: أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط.
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/360) وسنده حسن.
2. ومنه: اجتماع الناس للدعاء بصوت واحد.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
الذِّكر الجماعي بصوت واحدٍ سرّاً، أو جهراً، لترديد ذكر معين وارد، أو غير وارد، سواءً كان من الكل، أو يتلقونه من أحدهم، مع رفع الأيدي، أو بلا رفع لها: كل هذا وصف يحتاج إلى أصلٍ شرعيٍّ يدل عليه من الكتاب والسنَّة؛ لأنه داخل في عبادة، والعبادات مبناها على التوقيف، والاتباع، لا على الإحداث والاختراع؛ ولهذا نظرنا في الأدلة في الكتاب والسنَّة: فلم نجد دليلاً يدلُّ على هذه الهيئة المضافة، فتحقق أنه لا أصل له في الشرع المطهر، وما لا أصل له في الشرع: فهو بدعة، إذاً فيكون الذِّكر، والدعاء الجماعي بدعة، يجب على كل مسلم مقتدٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم تركها، والحذر منها، وأن يلتزم بالمشروع.
وعليه: فالدعاء الجماعي بصوت واحدٍ، سواءً كان دعاءً مطلقاً، أو مرتَّبا، كأن يكون بعد قراءة القرآن، أو الموعظة، والدرس: كل ذلك بدعة.
"تصحيح الدعاء" (ص 134، 135) .
وأما دعاء المحاضِر، أو المعلِّم، في آخر درسه، وتأمين الحاضرين على دعائه، فالظاهر لنا من سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم: جواز ذلك، بل استحبابه.
فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا) . رواه الترمذي (3502) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترمذي".
وبوَّب عليه النووي في كتابه " الأذكار " بقوله: " باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه ".
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أحياناً بعد إلقاء محاضرة، أو درس من الدروس: يدعو المحاضر، ويرفع يديه، فهل نجلس معه أثناء الدعاء الجماعي، أم ننصرف بعد المحاضرة قبل بدء الدعاء؟ .
فأجاب:
"لا بأس بالدعاء بعد المحاضرة، أو بعد الموعظة، أو الذكرى، لا بأس بالدعاء، يدعو الله للحاضرين بالتوفيق، والهداية، وصلاح النية، والعمل، لكن رفع اليدين في مثل هذا لا أعلم فيه دليلاً، ولا أعلم أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا العموم، عموم رفع اليدين بالدعاء، وأنه من أسباب الإجابة، لكن لم أحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان بعدما يعظ الناس، ويذكِّرهم، كان يرفع يديه، ويدعو، فلو كان هذا يفعله: لنقله الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنهم ما تركوا شيئاً إلا نقلوه، رضي الله عنهم، فالأولى، والأحوط: عدم الرفع في مثل هذا، إلا لدليل يدل على ذلك، أما كونه يدعو لهم بعدما يفرغ، غفر الله لنا ولكم، أو وقفنا الله وإياكم، أو نفعنا الله وإياكم بما سمعنا، أو ما أشبه ذلك: فهذا لا بأس به، وإن أمَّنوا: فلا بأس بذلك" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 610)(5/8571)
حكم الدعوة إلى صيام جماعي في يوم معين والدعاء فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعوة إلى صيام جماعي في يوم معين، والدعاء فيه جماعياً بدعاء معين (محدد ماذا يُقال في الدعاء) ، وفي وقت معين (كأن يقال: ندعو جميعاً في الساعة كذا بتوقيت مكة المكرمة) لنصرة إخوة مسلمين في فلسطين، أو غيرها من بلاد المسلمين، ويُطلب نشر وتوزيع هذه الدعوة سواء بالجوال أو الإنترنت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كانت الأزمات تمر بالمسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، ولم يكونوا يتواعدون يوماً يصومون فيه، ويدعون فيه في وقت محدد بدعاء محدد، فعلم بذلك أن هذا الفعل بدعة، ولو كان خيراً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم الصيام الجماعي والاتفاق على الإفطار سواء كان في رمضان أو الاثنين والخميس؟
فأجاب:
"لا، أهم شيء الاتفاق على الصيام، نحن نرى أن هذا مبدأ لم يكن عليه الصحابة أنهم يتواعدون أن يصوموا الاثنين والخميس وما أشبه ذلك، ويخشى أن تتطور المسألة حتى يرتقي إلى ما هو أشد، ثم نشبه أهل التصوف الذين يتفقون على ذكر معين يفعلونه جماعة، فلذلك يقال للشباب: من صام غداً فسيكون الإفطار عند فلان مثلاً، هذا لا بأس به، لكن الاتفاق على صوم يومٍ معين هذا ليس من هدي الصحابة، ثم كون الإنسان يعوّد نفسه أنه لا يصوم إلا إذا صام معه غيره، هذا يُعَدُّ مشكلة، فكون الإنسان يصوم من طوع نفسه سواء كان معه غيره أو لا، هذا هو الذي عليه السلف الصالح" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (174/29) .
وسئل أيضاً عن قوم في شهر رمضان المبارك يجتمعون على قراءة بعض الأذكار والمأثورات، وذلك قبل موعد الإفطار وبصورة جماعية هل يجوز لنا ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
"لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب يوم الجمعة تحمرّ عيناه ويعلو صوته ويشتدّ غضبه فيقول: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار) ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم عند الإفطار يجتمع إليه الناس حتى يذكروا الله عز وجل أو يدعوا الله عز وجل بصوت مرتفع جماعي، وإنما كان الإنسان يفطر مع أهله، ويدعو كل واحد منهم لنفسه بدعاء خفي بينه وبين ربه، وإذا لم تكن هذه العادة التي أشار إليها السائل معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تكون من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبَيَّن أن كل بدعة ضلالة وأن كل ضلالة في النار" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (212/6-7) .
وسئل الشيخ عبد الرحمن السحيم:
في الفترة الماضية كانت دائما تصلنا رسائل على البريد الإلكتروني يطلبون منا صيام يوم معين والصلاة والقيام في ذلك اليوم من أجل نصرة إخوتنا في فلسطين، من باب الحث على الدعاء والتواصي بالحق.
فهل هذا بدعة؟ أن نتفق مجموعة كل منا يقوم في بيته في ليلة معيّنة ندعو بما ورد في الكتاب والسنة؟
فأجاب:
"أما أن يُعمل العمل الصالح من أجل نصرة إخواننا في فلسطين، فأظن أن أصل هذه البدعة جاءت من بلاد النصارى.
وقد قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سبعون من القرّاء ومع ذلك ما حُفظ أنه صلى الله عليه وسلم صام لأجلهم أو صلّى، وإنما دعا الله عز وجل كما في الصحيحين.
كما أنه صلى الله عليه وسلم بعث الجيش يوم مؤتة وعلِم بمقتل أصحابه ولم يُنقل عنه من ذلك شيء.
وإنما كان مِن هديه لى الله عليه وسلم أنه يدعو ويجتهد في الدعاء.
كذلك اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الدعاء يوم بدر.
وكذلك الدعاء من على منابر الجمعة يُذكّر الخطباء بذلك.
وأما الاتفاق على قيام ليلة معيّنة فإن هذا ليس له أصل في الشرع.
إلا أن يقوم شخص فيقوم بقيامه شخص أو أشخاص دون سابق موعد أو اتفاق مسبق.
فقد صلّى النبي صلى الله عليه وسلم وصلّى بصلاته ابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما،
كما أنه عليه الصلاة والسلام صلّى مرّة وصلّى بصلاته حذيفة رضي الله عنه.
ومرة اقتدى به ابن مسعود رضي الله عنه.
وكل هذا دون اتفاق، ودون سابق موعد.
ومثله ما إذا قام الرجل يُصلّي وقام معه من قام من أولاده.
أو نام عند الإنسان رجل صالح فقام من الليل فإنه يجوز حينئذ الاقتداء به.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام دون بقية الليالي خشية أن يظن ظانّ أن لها مزية على غيرها.
ولا أرى أن هناك حاجة للاتفاق على قيام ليلة معينة، بل كل منكن تُوصي صاحبتها أن تقوم الليل وتجتهد في الدعاء للمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها " انتهى بتصرف يسير من موقع المشكاة.
فالذي يظهر لنا أن هذه الدعوة غير مشروعة، ولا ينبغي المشاركة فيها ولا الدعوة إليها.
والمطلوب من المسلم أن يدعو الله لإخوانه المسلمين في كل مكان، من غير أن يحدد ذلك بوقت محدد، أو يصوم من أجل ذلك.
نسأل الله تعالى أن ينجي المستضعفين من المؤمنين، وأن يهلك الظالمين المعتدين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8572)
حكم زيادة (في الجنة) في الدعاء الذي بعد الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته في الجنة) . ما حكم هذه الزيادة: "في الجنة"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"زيادة "في الجنة" ما لها أصل وينتهي الدعاء بقول: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) .
ومن المناسب هنا أن نذكر أنه يستحب أيضاً عند الشهادتين أن يقول: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فإذا قال المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله" يقول المستمع مثله، ثم يقول عند ذلك: " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً" ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنه ورد في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم (أن من قال ذلك غفر له ذنبه) فيستحب أن يقال هذا عند الشهادتين" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/694، 695) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/8573)
الاجتماع على قراءة يس عدة مرات ثم الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض الأشخاص يجتمعون ويقرءون سورة يس، ثم يتقدم أحدهم ويدعو، والباقي يرفعون أيديهم ويؤمنون على دعائه، وتكون القراءة بعدد معين مرة أو أكثر. فهل جاء في القرآن أو السُنة ما يؤيد هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه ويقرأ القرآن في مجالسه عليه الصلاة والسلام، ويذكر أصحابه ويعلمهم ويوجههم إلى الخير، عليه الصلاة والسلام، وربما مر بالسجدة في القرآن فيسجد ويسجدون معه، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ وهو يستمع، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم: (يا عبد الله اقرأ علي القرآن) ، فقال: يا رسول الله، كيف أقرأ عليك وعليك أًُنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إني أحب أن أسمعه من غيري) عليه الصلاة والسلام، قال: عبد الله، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) النساء/41، قال: (حسبك) قال عبد الله: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان. عليه الصلاة والسلام، يعني: يبكي لما تذكر هذا الموقف العظيم يوم القيامة، عليه الصلاة والسلام.
فإذا اجتمع الإخوان في مجلس، أو في أي مكان، وقرؤوا ما تيسر من القرآن وتدبروا وتعقلوا وتذكروا فهذا خير عظيم، وفيه فضل كبير، ويستحب لمن يسمع القرآن أن ينصت، حتى يستفيد ويتدبر، وإذا دعوا بعد القراءة بما شاءوا من الدعاء فلا حرج في ذلك.
لكن كونهم يعتادون تكرار يس أو غيرها عدداً معيناً فهذا ما لا نعلم له أصلاً، ولكن يقرءون ما تيسر من يس أو من البقرة أو من غير ذلك، أو يتدارسون من أول القرآن إلى آخره، وهذا يقرأ ثم يقرأ الآخر وهكذا، أو يقرأ هذا ثم يعيد القراءة هذا، حتى يستفيدوا جميعاً ويتدبروا.
أما تخصيص عدد معين من السور فهذا ما لا أعلم له أصلاً، وكذلك رفع الأيدي لا أعلم أنه وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماعاته مع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأولى أن يكون الدعاء بما تيسر من غير رفع أيد، ومن غير دعاء جماعي، بل كل يدعو لنفسه بينه وبين نفسه، هذا هو الذي نعلمه من السُنة، ولكن ينبغي على كل جالس التدبر والتعقل، وأن تكون القراءة مقصودة ليس لمجرد القراءة فقط.
ولكن يعتني المؤمن بما يقرأ وبما يسمع ويتدبر؛ لقوله عز وجل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، فالمقصود من القراءة: التدبر والتعقل والعمل والفائدة، نسأل الله التوفيق والهداية" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب" لابن باز (1/66، 67) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8574)
حكم الدعاء بالصيغة التي جاءت في حديث ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ورد دعاء في حديث ضعيف أو موضوع ليس فيه محظور شرعي، فهل يجوز الدعاء به من باب الاستفادة من الصيغة، لا من باب التعبد به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء نوعان:
النوع الأول: دعاء مقيد بزمان أو مكان أو عبادة أو عدد أو فضيلة: كدعاء استفتاح الصلاة، ودعاء دخول الخلاء، والأدعية التي تقال عند النوم، أو دعاء دخول المسجد ونحو ذلك.
فهذا النوع لا يجوز فيه استحداث دعاء آخر غير ما ورد به الشرع، فكما أنه يشترط فيه إخلاصه لله عز وجل ليكون مقبولا، فكذلك يشترط فيه المتابعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/511) .
وقال العلامة المعلمي رحمه الله:
"وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟! " انتهى.
"العبادة" (524) .
والذي ينبغي هو التزام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة من الأدعية التي يدعى بها في الأوقات والأحوال المختلفة.
ولهذا اعتنى أهل العلم بجمع الأدعية المأثورة لتكون بين أيدي الناس وفي متناولهم، فيستغنوا بها عن الأدعية المبتدعة التي لم تثبت.
قال الإمام الطبراني رحمه الله في مقدمة كتابه "الدعاء" (22) :
"هذا كتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوَرَّاقون، لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (11017) .
أما النوع الثاني: فهو الدعاء المطلق: وهو الذي يدعو به الإنسان في الأحوال أو الأوقات التي لم يرد فيها دعاء معين في الشرع، مثل الدعاء في الثلث الأخير من الليل ونحوه.
فهذا ليس فيه دعاء معين مقيد من الشرع، بل هو متروك لنفس كل داع، يسأل الله تعالى حاجته، وفي هذا النوع لا حرج من الاستفادة من أدعية الصالحين، أو صيغ الدعاء الواردة في بعض الأحاديث الضعيفة، إذ قد يكون فيها من جوامع الكلم، وحسن الثناء على الله، وحسن المسألة ما يقربها إلى قلب المسلم، بشرط ألا يكون في هذه الصيغ نكارة، وألا يعتقد لها فضيلة معينة، وألا يلازم الدعاء بها، فلو دعا بها أحيانا فلا حرج في ذلك؛ لأنه بالتزامها يعطيها مرتبة السنة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8575)
لزوم سورة معينة في صلاة الضحى
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أصلي صلاة الضحى والحمد لله باستمرار، وقد تعمدت أن أقرأ في الركعتين الأوليين سورة (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ) وذلك لأن فيها صفات أهل الجنة، وآمل من الله أن يجعلني منهم، وفي الركعة الثالثة أقرأ سورة الضحى لأن الصلاة هي صلاة الضحى، وفي الركعة الرابعة أقرأ سورة الإخلاص لأن فيها ذكر صفات الله العظيمة التي لا يشاركه فيها أحد، فهل يجوز لي الاستمرار على ذلك أم أنه بدعة يجب أن أتركها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل ألا تستمر في ذلك؛ لأن هذا شيء لا أصل له، ولا دليل عليه، وربما باعتياده تعتقد أنه كالشيء الواجب، فينبغي أن تفعل هذا تارة وهذا تارة ولا تستمر على قراءة هذه السور فقط، وسورة الضحى ليس لها ما يبرر أن تُقرأ في صلاة الضحى، فإن قسم الله بالضحى شيء آخر غير ما يتعلق بصلاة الضحى، إن الله يقسم بما يشاء من خلقه سبحانه وتعالى.
لكن يجوز للمؤمن أن يختار بعض السور وبعض الآيات يقرأ بها لكن مع اعتقاده وإيمانه بأن هذا شيء ليس بلازم، وأنه لا بأس أن يقرأ غيرها من الآيات والسور فمع هذا الاعتقاد لا حرج، ولكن الأولى والأفضل ألا تستمر على هذا الشيء، بل تقرأ تارة كذا وتارة كذا حتى لا تعتاد هذا الشيء فتظن أنه لازم، فإن المسلم لو اعتاد الشيء يشق عليه فراقه.
و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بالأخص لها شأن عظيم، إذا قرأها الإنسان محبة لها، ولما فيها من صفات الله هذا يرجى له الخير العظيم، وثبت أن بعض الصحابة كان يقرأ بها في صلاته بالناس فقال له بعض الصحابة: لماذا تلزمها ولا تكتفي بها؟ فقال: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ) ، وفي لفظ: (حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) .
فإذا قرأ الإنسان سورة الإخلاص لها المعنى أو آيات الجنة للشوق إلى الجنة أو آيات النار للحذر هذا له خير عظيم، لكن لا يلزم ذلك، بل تارة وتارة حتى لا يعتاد الشيء الذي ليس بلازم.
ثم إن السنة في الضحى ركعتان هذا أقل شيء فإذا أراد أن يزيد فيصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين لا يجمع أربعاً جميعاً، فالأفضل أن يصلي ركعتين بتسليم ثم ركعتين بتسليم لأن الرسول عليه السلام قال: (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) ، وكانت عادة النبي عليه الصلاة والسلام من كل ثنتين في الليل والنهار، فالأفضل أن تسلم من كل ثنتين تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) ، وهذه الزيادة: (والنهار) زيادة لا بأس بها عند كثير من أهل العلم" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/875)(5/8576)
هل إعطاء الهدايا في العيد بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء أفراد أسرتي بعض الهدايا في عيد الأضحى وعيد الفطر والمداومة على ذلك سنوياً أم أنها بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إعطاء الهدايا في عيدي الفطر والأضحى للأهل والأقارب؛ لأنها أيام فرح وسرور، ويستحب فيها الصلة والبر والتوسع في المأكل والمشرب، وليس هذا من البدع، بل هو أمر مباح وعادة حسنة، وهو من شعائر العيد، ولهذا يمنع تقديم الهدايا وإظهار الفرح والسرور في الأيام المبتدعة التي لم يرد الاحتفال بها كرأس السنة أو يوم المولد أو النصف من شعبان لأن هذا يصيّرها أعيادا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويفعل في هذا العيد أيضاً أن الناس يتبادلون الهدايا يعني يصنعون الطعام ويدعو بعضهم بعضاً، ويجتمعون ويفرحون، وهذه عادة لا بأس بها؛ لأنها أيام عيد، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه لما دخل على بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده جاريتان تغنيان في أيام العيد انتهرهما، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دعهما» ولم يقل: إنهما جاريتان قال: «دعهما فإنها أيام عيد» .
وفي هذا دليل على أن الشرع ولله الحمد من تيسيره وتسهيله على العباد أن فتح لهم شيئاً من الفرح والسرور في أيام العيد " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/276) .
وقال رحمه الله: " ومن المعلوم أنه ليس هناك عيد في الشريعة الإسلامية إلا ما ثبت في الشريعة، كعيد الفطر، وعيد الأضحى، وكذلك يوم الجمعة هو عيد للأسبوع، وأما النصف من شعبان فلم يثبت في الشريعة الإسلامية أنه عيد، فإذا اتخذ عيداً توزع فيه الصدقات أو تهدى فيه الهدايا على الجيران كان هذا من اتخاذه عيداً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وقال عن عيد الأم: " وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/301) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8577)
ما حكم هذه الطرق: القاديانية والرفاعية والشاذلية والنقشبندية والتيجانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الموقف إزاء" الطريقة"، مثل القاديانية، الرفاعية، الشاذلية، النقشبندية، التيجانية. اشرحوا لنا ماذا يقول شيوخ أهل السنة والجماعة عن عبد القادر الجيلاني، الرفاعي، أبو حسن الشاذلي، أحمد تيجاني، بدوي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه كلها بدع الصوفية ما عدا القاديانية، فهم يتبعون غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة وله أتباع، وهؤلاء لا شك في كفرهم وخروجهم عن الإسلام، ولا يجوز إقرارهم ولا التعامل معهم لإعلانهم الكفر.
التيجانية هم فرقة من غلاة الصوفية وشيخهم التيجاني يدعون أنه ولي، وأن له ولاية، وأنه ممن يعلمون الغيب، ويزعمون أنه يطّلع على اللوح المحفوظ، ولهم عنه حكايات وقصص خرافية لا يجوز أن يصدقوا فيها، ولا يجوز إقرارهم على ذلك، ولا سماع أقوالهم، وقد ردّ عليهم العلماء وبينوا ما هم فيه من عقائد فاسدة كعبادة الأولياء، وتقديم أقوالهم على أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا النقشبندية والرفاعية فإن أولياءهم وما يحكون عنهم ليسوا على صواب، بل هم من البشر.
أما عبد القادر الجيلاني فهو عالم من علماء أهل السنة، ولكن كذبوا عليه أكاذيب، وادعوا أنه ولي، وصاروا يعبدونه من دون الله، وزعموا أنه يطلع على الأسرار، ويتصرف في الكون فهذه كلها أكاذيب وبدع.
أما الشاذلية فهي فرقة من فرق غلاة الصوفية يدّعون أن معبودهم الشاذلي له مكانة رفيعة، وأنه أفضل من الرسل وهذا كله مما لا أصل له.
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
ولمزيد الفائدة عن الطريقة التيجانية انظر جواب السؤال رقم (108382) .
ولمزيد الفائدة عن الطريقة الرفاعية انظر جواب السؤال رقم (9338) .
وانظر لحكم الطرق الصوفية عموماً جواب السؤال رقم (20375) ، (118693) .
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/8578)
حكم قراءة الفاتحة على نية التوفيق في الخطبة أو الشراكة أو غير ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة الفاتحة على نية التوفيق: 1- عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما. 2-عند الخطبة. 3- في المعاملات التجارية. 4- في باقي الحالات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشرع قراءة الفاتحة عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما أو عند الخِطْبة أو في المعاملات التجارية أو غير ذلك من الأمور، بل هذا من البدع المحدثة، ولم يكن من فعل سلفنا الصالح، من الصحابة والتابعين، ولو كان خيراً، لكانوا أسبق الناس إليه.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (19/146) :
"قراءة الفاتحة عند خِطْبة الرجل امرأة أو عقد نكاحه عليها بدعة" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
قراءة الفاتحة عند عقد الزواج حتى قد أصبح البعض يطلق عليها قراءة الفاتحة وليس العقد فيقول قرأت فاتحتي على فلانة هل هذا مشروع؟
فأجاب: "هذا ليس بمشروع، بل هذا بدعة، وقراءة الفاتحة أو غيرها من السور المعينة لا تقرأ إلا في الأماكن التي شرعها الشرع، فإن قرأت في غير الأماكن تعبداً فإنها تعتبر من البدع، وقد رأينا كثيراً من الناس يقرؤون الفاتحة في كل المناسبات حتى إننا سمعنا من يقول: اقرءوا الفاتحة على الميت، وعلى كذا وعلى كذا، وهذا كله من الأمور المبتدعة ومنكرة؛ فالفاتحة وغيرها من السور لا تقرأ في أي حال وفي أي مكان وفي أي زمان إلا إذا كان ذلك مشروعاً بكتاب الله أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا فهي بدعة ينكر على فاعلها" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/95) .
والمشروع فيما يتعلق بأمر الزواج أو غيره من الأمور التي يريد الإنسان فعلها أن يستشير أهل الخبرة والمعرفة، ثم إذا هم بالأمر استخار الله تعالى، ثم يعزم على ما يريد فعله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8579)
الاجتماع على رفع الصوت بالذكر في المساجد من البدع المحدثات
[السُّؤَالُ]
ـ[أود المكوث في مجلسي لأداء الأذكار بعد صلاة الفجر ولكن ما يضطرني للمغادرة هو أن القائمين على المسجد من المتصوفة الذين يؤدون الذكر بشكل جماعي، فهل أغادر أم أجلس وأتجاهل ما يفعلون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قد وردت السنة بالترغيب في المكث في المسجد عقيب الصلوات المكتوبات، والانشغال بذكر الله؛ فروى البخاري (659) ومسلم (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تقول: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ) .
ويتأكد ذلك بعد صلاتي الفجر والعصر؛ للانشغال بأذكار الصباح والمساء.
فروى أبو داود (3667) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً)
حسنه الألباني في "الصحيحة" (2916) .
ثانيا:
السنة في حق من جلس في المسجد لذكر الله، أو تلاوة القرآن، أو الصلاة: أن يخفض صوته بذلك كله، ما دام هناك غيره؛ لئلا يصل صوته إلى الآخرين فيشوش عليهم أمرهم، ويلبس عليهم عبادتهم. وكما أن ذلك هو الذي مضت به السنة، فهو أجمع للقلب على الله، , وأدنى إلى الإخلاص، إن شاء الله.
روى الإمام أحمد رحمه الله (18543) عَنِ فروة بن عمرو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: (إِنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ مَا يُنَاجِيهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ) .
ورواه ابن الجعد في "مسنده" (1575) وزاد: (فتؤذوا المؤمنين) .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (1597)
قال علماء اللجنة الدائمة:
" ذكر الله جماعة بصوت واحد على طريقة الصوفية بدعة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 138) .
ثالثا:
إذا أمكنك الجلوس في مصلاك، بعيدا عن التشويش، لتقرأ أذكارك وأورادك في نفسك: فهو طيب؛ فتكون حصلت الخير الذي قصدته، وتركت ما هم عليه من بدعتهم، من غير أذى ولا ضرر.
اللهم إلا أن يكون في جلوسك منفردا عنهم: إيغار للصدور، وفتح لباب العداوات والشحناء، وربما تطور إلى مفاسد أخرى: فهنا يكون خروجك من المسجد، وقراءتك لأذكارك في بيتك أفضل.
وهكذا الحال: إذا كان صوتهم مرتفعا، بحيث لو جلست شوشوا عليك أمرك، فلا تجلس معهم، وأكمل أذكارك في بيتك.
لكن إن أمكنك أن تنصح لهم بالحسنى، وغلب على ظنك أنهم سيستمعون لك من غير مفسدة ولا تحريك عداوة: فالواجب عليك ألا تعتزلهم حتى تنصح لهم، حتى ولو لم يتركوا ما هم فيه؛ فتكون أنت قد فعلت الواجب عليك.
وإن وجدت مسجدا آخر، أقرب إلى السنة، وأبعد من البدعة، فاجعل صلاتك وجلوسك للذكر فيه، فهو أنفع لك، وأسلم لقلبك، بعد أن تكون قد نصحت لهم بما عندك، كما سبق.
والله أعلم.
راجع إجابة السؤال رقم: (10491)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8580)
هل يتأثر الشخص بمن يدفن بجانبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتأثر الشخص بمن يدفن بجانبه؟ على سبيل المثال من يوصي بأن يدفن بجانب فلان، ولا يدفن بجانب فلان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان مقصود الأخ السائل من دفن المسلم بجانب المسلم أنهما في قبر واحد، فلا يجوز ذلك، لأن الواجب أن يدفن كل مسلم في قبر على حدة، إلا في حالات الضرورة.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/222) :
" وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ , إلَّا لِضَرُورَةٍ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"المشروع بالاتفاق ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (1/337) .
أما كون الميت يتأثر بمن يدفن بجانبه، كأن يتأذى بجاره إذا كان من أهل العذاب، أو يسعد بجوار من كان من أهل النعيم، فلا نعلم دليلاً من السنة النبوية يدل على ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
"هذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع؛ أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاَ من السنة، وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده، ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا، والله أعلم" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (1/337) .
أما ما رواه أبو نعيم في الحلية (6/354) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء) .
فهو حديث موضوع، انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (563) للألباني.
وقال ابن حبان رحمه الله:
" هذا خبر باطل، لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"كتاب المجروحين" (1/291) .
وقد ذكر جماعة من العلماء استحباب الدفن بجوار الصالحين، ولم يذكروا دليلاً صريحاً على ذلك من السنة، وإنما هو مجرد استنباط من بعض الأحاديث، كما استنبط بعضهم ذلك من حديث: (أن موسى عليه الصلاة والسلام لَمّا حضرته الوفاة سأل ربه أن يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ) متفق عليه.
وقد بوّب البخاري رحمه الله للحديث بقوله: " بَاب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا " انتهى.
قال ابن بطال:
" ومعنى سؤال موسى أن يدنيه من الأرض المقدسة، والله أعلم، لفضل من دُفن في الأرض المقدسة من الأنبياء والصالحين، فاستحب مجاورتهم في الممات، كما يستحب جيرتهم في المحيا، ولأن الفضلاء يقصدون المواضع الفاضلة، ويزورون قبورها ويدعون لأهلها " انتهى.
"شرح ابن بطال" (5/359) .
وقال النووي:
" وَفِي هَذَا اِسْتِحْبَاب الدَّفْن فِي الْمَوَاضِع الْفَاضِلَة وَالْمَوَاطِن الْمُبَارَكَة , وَالْقُرْب مِنْ مَدَافِن الصَّالِحِينَ " انتهى.
"شرح مسلم" (15/128) .
ولا يخفى أن الحديث ليس صريحاً في ذلك، ولهذا أخذ منه الإمام البخاري رحمه الله استحباب الدفن في الأرض الفاضلة، ولم يستنبط استحباب الدفن بجوار الصالحين.
وقد ورد عن غير واحد من السلف وأهل العلم الوصية بالدفن بجوار بعض الصالحين:
فأوصى ابن مسعود أن يدفن بجنب قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنهما.
"الثقات لابن حبان" (3/ 208) .
وأوصى غالب بن جبريل صاحب الإمام البخاري أن يدفن إلى جنب البخاري.
"المتفق والمفترق" (3/201) .
وأوصى أبو بكر الخطيب الحافظ أن يدفن إلى جانب بشر بن الحارث.
"تاريخ دمشق" (5/34) .
فمن اقتدى بهؤلاء العلماء والأئمة وأوصى أن يدفن بجوار فلان من الصالحين فلا ينكر عليه – وإن كنا لا نجزم أنه ينتفع بذلك – لعدم ورود شيء من السنة يثبت ذلك.
غير أن المنكر الذي يجب إنكاره، ونهي الناس عنه: أن يوصى بدفنه في مكان معين، أو بجوار فلان، يبركاً بهذا الميت، وأنه سينفعه بذاته، أو يشفع له عند الله.
فهذا لا أصل له، وهو اعتقاد فاسد، قد يحمل الناس على سوء العمل، اتكالاً على شفاعة فلان من الناس.
والذي يجب على المسلم أن يهتم به هو، الاستعداد للموت، وإصلاح العمل، الذي سيكون أنيسه في القبر.
روى البخاري (6514) ومسلم (2960) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ) .
وقال سلمان رضي الله عنه: (إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ) رواه مالك في الموطأ (1500) .
فلن يشفع للمرء حسن الجوار مع سوء العمل، كما أنه لا يضره سوء الجوار إذا حسُن عمله.
نسأل الله أن يحسن خواتيمنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8581)
صلاة مخترعة يقرأ فيها القرآن في السجود
[السُّؤَالُ]
ـ[واحدة من صديقاتي جلست تعلمني صلاة تقول إنها دعت فيها ودعاؤها استجيب. وكيفية الصلاة: تصلي آخر الليل 12 ركعة، ركعتين وتسلم، وفي السجدة الأخيرة وهي ساجدة تقرأ سوره الفاتحة 7 مرات، وآية الكرسي 7 مرات، وغيرها من الأذكار............. أرجو من فضيلتكم التوضيح هل ورد في السنة شيء عن هذه الصلاة أم هي بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما صلاة الليل والدعاء فيها؛ فمن أفضل العبادات التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، قال الله تعالى في صفات عباده المتقين، التي بها نالوا كرامته، وحازوا فضله: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/17.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي: كان هجوعهم أي: نومهم بالليل قليلا، وأما أكثر الليل، فإنهم قانتون لربهم، ما بين صلاة، وقراءة، وذكر، ودعاء، وتضرع " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 808) .
وانظري جواب السؤال رقم (50070) .
وأما الصلاة المسؤول عنها وقراءة سورة الفاتحة وآية الكرسي سبع مرات، في السجدة الأخيرة، فهذه الصلاة لم ترد في السنة النبوية، بل هي من جملة البدع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) رواه مسلم (479) .
وهذا مما يدل على أن هذه الصلاة مخترعة، وغير جائزة.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
"وأكثر العلماء على كراهة القراءة في الركوع والسجود، ومنهم من حكاه إجماعاً.
وهل الكراهة للتحريم، أو للتنزيه؟ فيه اختلاف.
وحكى ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجوز. ومذهب الشافعي وأكثر أصحابنا: أنه مكروه
وهل تبطل به الصلاة، أو لا؟ فيه وجهان لأصحابنا. والأكثرون على أنها لا تبطل بذلك" انتهى.
"فتح الباري لابن رجب" (6/28) .
وقال شيخ الإسلام:
" اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ , وَتَنَازَعُوا فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ , هُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ , وَذَلِكَ تَشْرِيفًا لِلْقُرْآنِ , وَتَعْظِيمًا لَهُ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِي حَالِ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (2/389) .
وقال الصنعاني في "سبل السلام" (1/266) :
"الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لا يجوز للمصلي أن يقرأ القرآن وهو راكع، ولا أن يقرأ القرآن وهو ساجد" انتهى.
"اللقاء الشهري" (1/186) .
فهذه الصلاة على هذه الهيئة لا تجوز.
ولا حرج على المسلم إذا كانت له حاجة أن يصلي قيام الليل أو غيره، ثم يدعو في السجود بما شاء، فإن الدعاء في السجود قريب من الإجابة، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء فيه كما تقدم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8582)
حكم التسبيح باستعمال برنامج " المسبحة الإلكترونية "
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في المنتديات المسبحة الإلكترونية للتسبيح، وطريقتها سهلة، وهي تساعد على ذكر الله، وبصراحة فقد أعجبتني، وصرت هذه الأيام كلما فتحت الجهاز فتحت البرنامج، وقعدت أسبح، وأهلل، وأكون ملزمة نفسي، ولا أغلق الصفحة إلا حين أنتهي، وبدون ما أنظر: أنشغل، وأنسى، أنا أعرف أن التسبيح باليد أفضل، لكن أنا أكون مشغولة على " النت "، هذه عندي أفضل، وأردت أسال عن حكمها؛ لأني سمعت أنهم يقولون إنها من الصوفية , وأنا ما قصدت أقلدهم، أنا أذكر الله وفقط. أتمنى أعرف الحكم، الله يعافيك، علماً أني استفدت منها كثيراً، وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في حكم " السبحة "، فقال بعضهم إنها بدعة، وقال آخرون: إنها ليست كذلك، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (3009) .
والذي ينبغي ألا يختلف فيه:
1-أن التسبيح على الأصابع أفضل، لأن هذا هو الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وعدُّ التسبيح بالأصابع: سنَّة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء (سبِّحنَ واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسؤولات، مستنطَقات) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (22 / 506) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"ولكن الأفضل منها [يعني أفضل من السبحة] أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله - أي: بأصابعه -؛ لأنهن (مستنطقات) كما أرشد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (13 / 173) .
2- أن إظهار التسبيح بالسبحة رياءً: محرم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما اتخاذه – أي: التسبيح بالمسبحة - من غير حاجة، أو إظهاره للناس، مثل تعليقه في العنق، أو جعله كالسوار في اليد، أو نحو ذلك: فهذا إما رياء للناس، أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، الأول: محرم، والثاني: أقل أحواله الكراهة؛ فإن مراءاة الناس في العبادات المختصة، كالصلاة، والصيام، والذِّكر، وقراءة القرآن: من أعظم الذنوب.
" مجموع الفتاوى " (22 / 506) .
3- أن التسبيح بها بالأصابع مع غفلة القلب واللسان عن الذِّكر: تسبيح باطل، لا أجر لصاحبه.
قال المناوي رحمه الله:
أما ما ألفهُ الغَفَلَة البَطَلَة، من إمساك سُبحة، يغلب على حباتها الزينة، وغلو الثمن، ويمسكها من غير حضور في ذلك، ولا فِكر، ويتحدث، ويسمع الأخبار، ويحكيها وهو يحرك حباتها بيده، مع اشتغال قلبه ولسانه بالأمور الدنيوية: فهو مذموم، مكروه، من أقبح القبائح.
" فيض القدير " (4 / 468) .
وقال ابن الحاج العبدري رحمه الله:
وبعضهم يمسكها – أي: السبحة - في يده ظاهرة للناس، ينقلها واحدة واحدة، كأنه يعدُّ ما يذكر عليها، وهو يتكلم مع الناس في القيل والقال، وما جرى لفلان، وما جرى على فلان، ومعلوم أنه ليس له إلا لسان واحد، فعدُّه على السبحة على هذا: باطل؛ إذ إنه ليس له لسان آخر حتى يكون بهذا اللسان يذكر، واللسان الآخر يتكلم به فيما يختار، فلم يبق إلا أن يكون اتخاذها على هذه الصفة من الشهرة، والرياء، والبدعة.
" المدخل " (3 / 205) .
ثانياً:
اطلعنا على البرنامج المشار إليه في السؤال، والذي ظهر لنا أنه أهون من التسبيح على السبحة، فإذا قيل بأن السبحة جائزة فهذا البرنامج جائز، ولك لأن بعض المحذورات الموجودة في استعمال السبحة غير موجودة في هذا البرنامج، كمراءاة الناس بالسبحة، أو عد التسبيح باليد مع كون القلب واللسان مشغولين بأمور دنيوية والحديث مع الناس.
غير أننا ننبه على أمور:
1- أن الأذكار التي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تقييدها بعدد لا يشرع التزام عدد معين فيها، بل يذكر المسلم ربه ما شاء، قليلاً أو كثيراً.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"الأصل في الأذكار والعبادات: التوقيف، وألا يُعبد الله إلا بما شرع، وكذلك إطلاقها، أو توقيتها، وبيان كيفياتها، وتحديد عددها، فيما شرعه الله من الأذكار، والأدعية، وسائر العبادات مطلقاً عن التقييد بوقت، أو عدد، أو مكان، أو كيفية: لا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية، أو وقت، أو عدد، بل نعبده به مطلقاً كما ورد، وما ثبت بالأدلة القولية، أو العملية تقييده بوقت، أو عدد، أو تحديد مكان له، أو كيفية: عبدنا الله به، على ما ثبت من الشرع له" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" مجلة البحوث الإسلامية " (21 / 53) ، و " فتاوى إسلامية " (4 / 178) .
ولتنظر أجوبة الأسئلة: (22457) و (21902) .
2- في البرنامج أيقونة عنوانها " أسماء الله الحسنى "، وقد اعتمد واضعها على رواية الترمذي لعد الأسماء التسعة والتسعين، وهي رواية ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (72318) .
مع التنبيه على أنه لا يشرع أن يذكر الله تعالى باسمه المفرد، فلا يشرع أن يذكر الله قائلاً يا الله، يا الله، يا الله. أو: يا قدوس يا قدوس ... إلخ.
وانظر جواب السؤال رقم (9389) و (91305) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8583)
حكم نشر وتوزيع علبة دواء بعنوان " بنادول، علاج الذنوب "
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة في التسجيلات علب كأنها علب " البنادول "، ومكتوب فيها " علاج فعَّال للذنوب "، فما رأيكم فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن يعلم أن من أصول الشريعة العامة، في كافة مصادرها ومواردها، أنها شريعة ميسرة، بعيدة عن التكلف والتصنع، ومجافاة الفطرة والأدب الرفيع.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ص/86.
قال الرازي رحمه الله:
" والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة " انتهى.
"تفسير الرازي" (13/220) .
وفي صحيح البخاري (7293) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ:
(نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ) .
وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أبعد الناس عن التكلف، فكذلك دينه: هو أبعد الدين عن التكلف، فلا كلفة فيه ولا مشقة، ولا صعوبة ولا حرج، وإنما هو يسر كله، موافق للفطرة: نور على نور في قلب المؤمن.
قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله، في تفسيره للآية السابقة:
"والتكلف: معالجة الكلفة،وهي ما يشق على المرء عمله والتزامه، لكونه يحرجه أو يشق عليه.
ومادة التفعُّل تدل على معالجة ما ليس بسهل؛ فالمتكلف هو الذي يتطلب ما ليس له، أو يدعي علم ما لا يعلمه ...
وأخذ من قوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} : أن ما جاء به من الدين لا تكلف فيه،أي لا مشقة في تكاليفه، وهو معنى سماحة الإسلام. وهذا استرواح مبني على أن من حكمة الله أن يجعل بين طبع الرسول صلى الله عليه وسلم وبين روح شريعته تناسبا، ليكون إقباله على تنفيذ شرعه بشراشره [بكليته، مع محبته الشديدة] ، لأن ذلك أنفى للحرج عنه في القيام بتنفيذ ما أمر به ". انتهى.
"التحرير والتنوير" (23/308) .
ثانيا:
إذا تأملنا هذه النشرة المسؤول عنها، فلا شك أن فيها قدر واضحا من التكلف والتصنع، وإخراج الأمور الشرعية، والعبادات الدينية عن وضعها المألوف، وتكلف وجوه الشبه بينها وبين ذلك الشيء الجديد، من أجل ترويجها به، وتشجيع الناس على الإقبال عليها به.
وفي هذا الصنيع عدد من المحاذير التي ينبغي التنبه لها، والتمحل في تشبيه هذه العبادة العظيمة، بذلك الدواء الذي يحمل اسما أعجميا؛ فتأمل كيف وصل الحال: هجر الدعاية بالاسم الشرعي العربي، والترويج للعبادة بذلك الاسم الأعجمي، مع أنه خارج في واقع الأمر عن موضوعه.
ومن وجوه التكلف الظاهرة في ذلك:
أ. الاستغفار عبادة شرعها الله تعالى، والبندول دواء مخترع من كافر.
ب. الاستغفار عبادة كلها خير لصاحبها، وأقراص البندول قد تؤدي بمتناولها للهلاك، أو الضرر.
ج. ليس للاستغفار آثار جانبية، والأدوية الكيماوية كلها لها أضرار.
د. الاستغفار يكون بعد فعل ذنب، ويكون من غير فعله، وأقراص البندول لا يتناولها إلا المريض.
هـ. الإكثار من الاستغفار يزيد في الأجور، والإكثار من البندول يؤدي إلى التسمم، والهلاك.
و. الاستغفار نافع لجميع من يقوم به، والدواء – بندول وغيره – ينفع أناساً دون آخرين.
ز. الاستغفار ينفع صاحبه بعد وفاته، والبندول ليس كذلك.
والواقع أننا لا نريد أن نسترسل أكثر في بيان وجوه الفرق بين ذلك الدواء المادي، وبين عبادة الاستغفار، فالمسألة ـ في واقع الأمر ـ أقرب إلى اللعب والعبث، منها بالعلم والبحث، ويكفي أن نذكر من تلك الدعاوى الفارغة لها: قولهم إنها " مرخصة من ملك الملوك ": وهذا كذب واضح؛ فإن الصورة التي عرضوها هي أمر اجتهادي محض، قابل للتخطئة،، كما سننقله عن بعض أهل العلم، وهذا أبعد شيء عن عبادة الاستغفار.
ثالثا:
والذي يظهر أنه لا يجوز ابتذال العبادات الشرعية بمثل ذلك، وأن يبقى لها جلالها في القلوب، وأن تصل إلى الناس من خلال نصوص الوحيين، ميسرة مبينة، بعيدة عن التلكف والدعاوى.
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، عن ذلك، فأجاب:
هذا عمل لا يليق، تشبيه الاستغفار - وهو عبادة – تشبيهه بالبندول: هذا فيه تنقص من الاستغفار، فهذا لا يجوز، هذا العمل لا يجوز، لأن معناه أن العبادة تشبَّه بالبندول، والعبادة أمرها عظيم، والبندول دواء فقط، فكيف تشبه العبادة بالبندول؟! هذا فيه تنقص للعبادة.
انتهى
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=181680
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8584)
الرد على من استحسن شيئا من البدع كالاحتفال بالمولد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو النظر في الآتي، وهو على شكل جدل بين من يقولون إن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، ومن يقولون إنه ليس بدعة، فمن يقولون إنه بدعة يستدلون على ذلك بأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على عهد الصحابة، أو أحد من التابعين، والطرف الآخر يرد ويقول: من قال لكم إن كل ما نفعله يجب أن يكون قد وُجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو على عهد الصحابة، أو التابعين، فعلى سبيل المثال نحن لدينا اليوم ما يسمَّى بـ " علم الرجال " و " الجرح والتعديل "، وغيرها، ولم يُنكر ذلك أحد إذ إن الأصل في الإنكار أن تكون البدعة المحدثة خالفت أصلاً، أما الاحتفال بالمولد أين الأصل الذي خولف، والكثير من الخلافات التي تدور حول هذا الموضوع؟ كما أنهم يحتجون بأن ابن كثير رحمه الله أقرّ الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فما الحكم الراجح في هذه المسألة مدعماً بالدليل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليُعلم أولاً أن العلماء مختلفون في تحديد تاريخ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال، فابن عبد البر رحمه الله يرى أنه صلى الله عليه وسلم وُلد لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، وابن حزم رحمه الله يرجح أنه لثمانٍ خلون منه، وقيل: لعشرٍ خلون منه، كما يقوله أبو جعفر الباقر، وقيل: لثنتي عشر منه، كما يقوله ابن إسحاق، وقيل: وُلد في شهر رمضان، كما نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكَّار.
انظر " السيرة النبوية " لابن كثير (ص 199، 200) .
ويكفي هذا الخلاف بين العلماء لنعلم أنه لم يكن المحبُّون للنبي صلى الله عليه وسلم من سلف هذه الأمة يجزمون بيوم ولادته، فضلاً عن احتفالهم به، وقد مضت عدة قرون على المسلمين لم يكونون يحتفلون بهذا المولد، حتى اخترعه الفاطميون.
قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله:
"أول من أحدثها بالقاهرة: الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت الموالد على رسومها، إلى أن أبطلها " الأفضل أمير الجيوش "، ثم أعيدت في خلافة الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، بعدما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة " إربل ": الملك المظفر أبو سعيد في القرن السابع، وقد استمر العمل بالمولد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها، وابتدعوا كل ما تهواه أنفسهم، وتوحيه شياطين الإنس والجن" انتهى.
" الإبداع في مضار الابتداع " (ص 251) .
ثانياً:
أما ما جاء في السؤال على لسان المحتفلين بالمولد النبوي: "من قال لكم إن كل ما نفعله يجب أن يكون قد وُجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو على عهد الصحابة، أو التابعين ": فهو يدل على عدم معرفته بمعنى "البدعة" والتي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة؛ فما ذكره ذلك القائل هو الضابط فيما يُفعل مما يُتقرب به إلى الله تعالى من الطاعات.
فلا يجوز التقرب إلى الله بعبادة لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مستفاد من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البدع، والبدعة هي التقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه، ولهذا قال حذيفة رضي الله عنه: (كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها) .
وفي مثل هذا قال الإمام مالك رحمه الله: (فما لم يكن يومئذ ديناً، لا يكون اليوم ديناً) .
أي: ما لم يكن ديناً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتقرب به إلى الله، لا يكون ديناً بعد ذلك.
ثم هذا المثال الذي ذكره السائل، وهو علم الجرح والتعديل، وأنه بدعة غير مذمومة، قد ذهب إلى هذا القول الذين يقسمون البدعة إلى بدعة حسنة، وبدعة سيئة، ويزيدون على هذا فيقسمون البدعة إلى الأحكام التكليفية الخمسة (الوجوب والاستحباب والإباح والتحريم والكراهة) وقد ذكر هذا التقسيم العز بن عبد السلام رحمه الله، وتبعه عليه تلميذه القرافي.
وقد ردَّ الشاطبي على القرافي رضاه بهذا التقسيم، فقال:
"هذا التقسيم أمر مخترَع لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة: أن لا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب، أو ندب، أو إباحة: لمَا كان ثمَّ بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخيَّر فيها، فالجمع بين عدِّ تلك الأشياء بدَعاً، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها، أو ندبها، أو إباحتها: جمعٌ بين متنافيين.
أما المكروه منها، والمحرم: فمسلَّم من جهة كونها بدعاً، لا من جهة أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر، أو كراهته: لم يُثبت ذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية، كالقتل، والسرقة، وشرب الخمر، ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة، إلا الكراهية والتحريم، حسبما يذكر في بابه.
فما ذكره القرافي عن الأصحاب من الاتفاق على إنكار البدع: صحيح، وما قسَّمه فيها غير صحيح، ومن العجب حكاية الاتفاق مع المصادمة بالخلاف، ومع معرفته بما يلزمه في خرق الإجماع، وكأنه إنما اتبع في هذا التقسيم شيخَه – أي: ابن عبد السلام - من غير تأمل.
- ثم ذكر عذر العز بن عبد السلام رحمه الله في ذلك التقسيم، وأنه سمى " المصالح المرسلة " بدَعاً، ثم قال -:
أما القرافي: فلا عذر له في نقل تلك الأقسام على غير مراد شيخه، ولا على مراد الناس؛ لأنه خالف الكل في ذلك التقسيم، فصار مخالفاً للإجماع" انتهى.
"الاعتصام" (ص 152، 153) وننصح بالرجوع للكتاب، فقد أبلغ في الرد، وأجاد، رحمه الله.
وقد مَثَّل العز بن عبد السلام رحمه الله للبدعة الواجبة على تقسيمه، فقال:
"وللبدع الواجبة أمثلة:
أحدها: الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك واجب؛ لأن حفظ الشريعة واجب، ولا يتأتى حفظها إلا بمعرفة ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
المثال الثاني: حفظ غريب الكتاب، والسنَّة من اللغة.
المثال الثالث: تدوين أصول الفقه.
المثال الرابع: الكلام في الجرح، والتعديل، لتمييز الصحيح من السقيم، وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على القدر المتعين، ولا يتأتى حفظ الشريعة إلا بما ذكرناه" انتهى.
" قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (2 / 173) .
وقد رد عليه الشاطبي أيضاً فقال:
"وأما ما قاله عز الدين: فالكلام فيه على ما تقدم، فأمثلة الواجب منها مِن قبيل ما لا يتم الواجب إلا به - كما قال -: فلا يشترط أن يكون معمولاً به في السلف، ولا أن يكون له أصل في الشريعة على الخصوص؛ لأنه من باب " المصالح المرسلة "، لا البدع" انتهى.
" الاعتصام " (ص 157، 158) .
وحاصل هذا الرد: أن هذه العلوم لا يصح أن توصف بأنها بدعة شرعية مذمومة، لأنها تشهد لها النصوص العامة والقواعد الشرعية العامة، التي تأمر بحفظ الدين، وحفظ السنة، ونقل العلوم الشرعية ونصوص الشرع (الكتاب والسنة) إلى الناس نقلاً صحيحاً.
ويمكن أن يقال: إن اعتبار هذه العلوم بدعة، هو من الناحية اللغوية، وليس من الناحية الشرعية، والبدعة الشرعية مذمومة كلها، أما البدعة اللغوية فمنها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
"فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أُحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محموداً، أو مذموماً" انتهى.
" فتح الباري " (13 / 253) .
وقال - أيضاً -:
"وأما "البِدَع": فهو جمع بدعة، وهي كل شيء ليس له مثال تقدّم، فيشمل لغةً ما يُحْمد، ويذمّ، ويختص في عُرفِ أهل الشرع بما يُذمّ، وإن وردت في المحمود: فعلى معناها اللغوي" انتهى.
" فتح الباري " (13 / 340) .
وفي تعليقه على حديث رقم (7277) ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 2، من " صحيح البخاري " قال الشيخ عبد الرحمن البراك – حفظه الله -:
"هذا التقسيم يصح باعتبار البدعة اللغوية، وأما البدعة في الشرع: فكلها ضلالة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ، ومع هذا العموم لا يجوز أن يقال: من البدع ما هو واجب، أو مستحب، أو مباح، بل البدعة في الدِّين إما محرمة، أو مكروهة، ومن المكروه مما قال عنها إنها بدعة مباحة: تخصيص الصبح، والعصر بالمصافحة بعدهما" انتهى.
ومما ينبغي فهمه والوقوف عليه: أنه ينبغي النظر في توفر الأسباب، وعدم الموانع، في فعل الشيء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، فمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبته من قبَل أصحابه: سببان توفرا زمن الصحابة الكرام لاتخاذ يوم مولده عيداً يحتفلون به فيه، وليس هناك ما يمنعهم من ذلك، فلما لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شيئاً من هذا علم أنه ليس بمشروع، إذ لو كان مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وكذلك ما يُحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له - والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع - من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً - مع اختلاف الناس في مولده -: فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً، أو راجحاً: لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منَّا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منَّا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه: في متابعته، وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنَّته، باطناً، وظاهراً، ونشر ما بُعث به، والجهاد على ذلك، بالقلب، واليد، واللسان؛ فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان" انتهى.
" اقتضاء الصراط " (ص 294، 295) .
وهذا كلام سديد يبين أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون باتباع سنته، وتعليمها ونشرها بين الناس والدفاع عنها، وهذه هي طريقة الصحابة رضي الله عنهم.
أما المتأخرون فخدعوا أنفسهم وخدعهم الشيطان بهذه الاحتفالات، ورأوا أنهم بذلك يعبرون عن محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، أما إحياء سنته واتباعها والدعوة إليها وتعليمها للناس والدفاع عنها فهم بعيدون عن ذلك.
ثالثاً:
أما ما نسبه هذا المجادل لابن كثير رحمه الله أنه أجاز الاحتفال بالمولد النبوي، فليذكر لنا أين كلام ابن كثير رحمه الله في هذا، لأننا لم نقف على هذا الكلام لابن كثير رحمه الله، ونحن ننزه ابن كثير عن مناصرة هذه البدعة والترويج لها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8585)
حكم قراءة سورة الفتح بنية النصر على الأعداء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة سورة الفتح بنية أن ينصر الله أهل غزة على عدوهم، والاستشهاد بهذا الحديث: حدثنا محمد بن جعفر وبهز قالا، حدثنا شعبة، عن معاوية، قال بهز في حديثه: حدثني معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا العمل الوارد في السؤال، من تخصيص قراءة سورة معينة من القرآن الكريم تفاؤلا بالنصر، أو لغير ذلك من الحاجات: أمر محدث لا نعلم له أصلا، ولم نقف على استحبابه لدى أهل العلم، والواجب على المسلم التوقف عند ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، واجتناب الإحداث في الدين.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
" ومن البدع التخصيص بلا دليل، بقراءة آية، أو سورة في زمان أو مكان أو لحاجة من الحاجات، وهكذا قصد التخصيص بلا دليل.
ومنها:
أ - قراءة الفاتحة بنية قضاء الحوائج وتفريج الكربات.
ب -قراءة سورة الكهف يوم الجمعة على المصلين قبل الخطبة بصوت مرتفع.
ت -قراءة سورة يس أربعين مرة بنية قضاء الحاجات " انتهى باختصار.
" بدع القراءة " (ص/14-15)
ثانيا:
والمشروع هنا أن نتوسل إلى الله جل جلاله بأعمالنا الصالحة، من الصلاة والذكر وقراءة القرآن، وسائر القربات، وندعوه أن ينصر إخواننا المجاهدين، مع استفراغ الوسع في نفعهم بما يحتاجون إليه، كلما وجدنا إلى ذلك سبيلا.
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ) رواه البخاري (2896) .
وفي رواية النسائي (3178) : (إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ) .
ثالثا:
أما الحديث الوارد في السؤال، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الفتح يوم فتح مكة، فقد ورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا. وهو حديث صحيح، رواه البخاري (4835) ومسلم صحيحه (794) .
لكن ليس في الحديث دلالة على استحباب تخصيص قراءة سورة الفتح بنية النصر على الأعداء، وذلك لما يلي:
1- أنه لا يدرى وقت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه السورة، أكان قبل الفتح أم بعده.
2- أن قراءته صلى الله عليه وسلم لها إنما كانت لمناسبتها المقام، فقد نزلت هذه السورة بعد صلح الحديبية، ووعد الله تعالى فيها عباده المؤمنين بدخول مكة، وذلك في قوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح/27، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة هذه الآية تذكر نعمة الله تعالى عليه وعلى أصحابه بصلح الحديبية أولا، ثم بفتح مكة ودخول المسجد الحرام على وجه الأمان، وتذكر صدق وعد الله تعالى لنبيه وأنه عز وجل لا يخلف وعده ولا ميعاده.
3- لو كان غرض النبي صلى الله عليه وسلم من قراءتها هو استحضار نية النصر على الأعداء لأمر بذلك أصحابه أيضا كي يعلمهم هذه السنة ويكونوا أقرب إلى الإجابة.
نسأل الله أن يفرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يرفع عن أهل غزة ما هم فيه من البلاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وانظر جواب السؤال رقم: (110715)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8586)
حكم التكبير الجماعي قبل صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل صلاة العيد الناس يعملون الذِّكر الجماعي , هل هذا بدعة أم مشروع في صلاة العيد؟ لو ذلك يعتبر بدعة ماذا يفعل , هل يخرج من المصلى إلى أن تبدأ الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التكبير في العيد من السنن المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عبادة كسائر العبادات، يجب الاقتصار فيها على الوارد، ولا يجوز الإحداث في كيفيتها، وإنما يكتفى بما ورد في السنة والآثار.
وقد تأمل فقهاؤنا في التكبير الجماعي الواقع اليوم، فلم يجدوا ما يسنده من الأدلة، فأفتوا ببدعيته، ذلك أن كل إحداث في أصل العبادة أو في كيفيتها وصفتها يعد من البدعة المذمومة، ويشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718)
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" التكبير الذي كان يعمل في المسجد الحرام يوم العيد، يجلس شخص أو أشخاص في سطح زمزم ويكبرون، وأناس يجاوبونهم في المسجد، فقام الشيخ عبد العزيز بن باز وأنكر عليهم هذه الكيفية وقال: إنها بدعة. ومقصود الشيخ أنها بدعة نسبية بهذا الشكل الخاص، ولا يقصد أن التكبير بدعة، فتذمر من ذلك بعض عوام أهل مكة، لأنهم قد ألفوا ذلك، وهذا هو الذي حدا.. على رفعه هذه البرقية، وسلوك هذه الكيفية في التكبير لا أعرف أنا وجهها، فالمدعي شرعية ذلك بهذا الشكل عليه إقامة الدليل والبرهان، مع أن هذه المسألة جزئية لا ينبغي أن تصل إلى ما وصلت إليه " انتهى.
" مجموع فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم " (3 / 127، 128) .
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد اطلعت على ما نشره فضيلة الأخ الشيخ: أحمد بن محمد جمال - وفقه الله لما فيه رضاه - في بعض الصحف المحلية من استغرابه لمنع التكبير الجماعي في المساجد قبل صلاة العيد لاعتباره بدعة يجب منعها , وقد حاول الشيخ أحمد في مقاله المذكور أن يدلل على أن التكبير الجماعي ليس بدعة وأنه لا يجوز منعه , وأيد رأيه بعض الكتاب ; ولخشية أن يلتبس الأمر في ذلك على من لا يعرف الحقيقة نحب أن نوضح أن الأصل في التكبير في ليلة العيد وقبل صلاة العيد في الفطر من رمضان , وفي عشر ذي الحجة , وأيام التشريق , أنه مشروع في هذه الأوقات العظيمة، وفيه فضل كثير ; لقوله تعالى في التكبير في عيد الفطر: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/185، وقوله تعالى في عشر ذي
الحجة وأيام التشريق: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحج/28، وقوله عز وجل: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) البقرة/203.
ومن جملة الذكر المشروع في هذه الأيام المعلومات والمعدودات التكبير المطلق والمقيد , كما دلت على ذلك السنة المطهرة وعمل السلف، وصفة التكبير المشروع: أن كل مسلم يكبر لنفسه منفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به، أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة - اثنان فأكثر - الصوت بالتكبير جميعا، يبدأونه جميعا، وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة.
وهذا العمل لا أصل له، ولا دليل عليه , فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان , فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق ; وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. أي مردود غير مشروع. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ، والتكبير الجماعي محدث، فهو بدعة، وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره ; لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة , أما أقوال الناس وآراؤهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية , وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات , وإنما تثبت لعبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي.
والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية، وهي التكبير فرادى.
وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله، وأصدر في ذلك فتوى , وصدر مني في منعه أكثر من فتوى , وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه , وهي مطبوعة ومتداولة وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي والحمد لله.
أما ما احتج به الأخ الشيخ أحمد من فعل عمر رضي الله عنه والناس في منى فلا حجة فيه ; لأن عمله رضي الله عنه وعمل الناس في منى ليس من التكبير الجماعي , وإنما هو من التكبير المشروع ; لأنه رضي الله عنه يرفع صوته بالتكبير عملا بالسنة وتذكيرا للناس بها فيكبرون , كل يكبر على حاله , وليس في ذلك اتفاق بينهم وبين عمر رضي الله عنه على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من أوله إلى آخره , كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الآن , وهكذا جميع ما يروى عن السلف الصالح رحمهم الله في التكبير كله على الطريقة الشرعية، ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل , وهكذا النداء لصلاة العيد أو التراويح أو القيام أو الوتر كله بدعة لا أصل له , وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيد بغير أذان ولا إقامة , ولم يقل أحد من أهل العلم فيما نعلم أن هناك
[يعني: في الوارد في السنة] نداء بألفاظ أخرى , وعلى من زعم ذلك إقامة الدليل , والأصل عدمه , فلا يجوز أن يشرع أحد عبادة قولية أو فعلية إلا بدليل من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة أو إجماع أهل العلم - كما تقدم - لعموم الأدلة الشرعية الناهية عن البدع والمحذرة منها , ومنها قول الله سبحانه: (أم لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى/21.
ومنها الحديثان السابقان في أول هذه الكلمة , ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) خرجه مسلم في صحيحه , والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة.
والله المسئول أن يوفقنا وفضيلة الشيخ أحمد وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه , وأن يجعلنا جميعا من دعاة الهدى وأنصار الحق , وأن يعيذنا وجميع المسلمين من كل ما يخالف شرعه إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (13/20-23)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (8/310) :
" يكبر كل وحده جهرا، فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير الجماعي، وقد قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) "
وجاء فيها أيضا (8/311) :
" التكبير الجماعي بصوت واحد ليس بمشروع بل ذلك بدعة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، ولم يفعله السلف الصالح، لا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا تابعيهم، وهم القدوة، والواجب الاتباع وعدم الابتداع في الدين " انتهى.
وجاء فيها أيضا (24/269) :
" التكبير الجماعي بدعة؛ لأنه لا دليل عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وما فعله عمر رضي الله عنه ليس فيه دليل على التكبير الجماعي، وإنما فيه أن عمر رضي الله عنه يكبر وحده فإذا سمعه الناس كبروا، كل يكبر وحده، وليس فيه أنهم يكبرون تكبيرا جماعيا " انتهى.
وجاء فيها أيضا (2/236 المجموعة الثانية)
" التكبير الجماعي بصوت واحد من المجموعة بعد الصلاة أو في غير وقت الصلاة - غير مشروع، بل هو من البدع المحدثة في الدين، وإنما المشروع الإكثار من ذكر الله جل وعلا بغير صوت جماعي بالتهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن وكثرة الاستغفار، امتثالا لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ، وقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ، وعملا بما رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم، وقوله: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم والترمذي واللفظ له، واتباعا لسلف هذه الأمة، حيث لم ينقل عنهم التكبير الجماعي، وإنما يفعل ذلك أهل البدع والأهواء، على أن الذكر عبادة من العبادات، والأصل فيها التوقيف على ما أمر به الشارع، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين، فقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (105644)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8587)
بدعة تجميع مليارات من الصلاة على رسول الله بمناسبة المولد النبوي!
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف مدى مشروعية هذه الطريقة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: طريقة المشاركة بالصلاة على النبي: كل شخص يوزع على معارفه عدداًَ محدداً يكلفه بها من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يضع العدد الذي جمعه من معارفه وأصدقائه وأهله هنا؛ لنجمع العدد من هذه الصفحة بالمشاركة، كمثال: أحد الطلاب في الحي ذهب وطرق باب كل بيت، وطلب من كل عائلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدد 1000 أو أكثر، وقال لهم: سأعود إليكم بعد أسبوع لكي تعطوني ما وصلتم إليه، فمنهم من قضى الألف، ومنهم من زاد، وهكذا قام بجمع ما يقارب مليون ونصف من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره من خلال مدرسته وزع على الطلاب كل واحد 500 مرة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع من خلال ذلك 3 مليون مرة، فأنت بإمكانك أن تكتب الموضوع في المنتديات المشارك بها، وتجمع ممن يشاركك عدداً من الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدمها هنا برد صغير، داعين الله لكم بحسن التوفيق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل من عرف السنَّة وأحكامها، واستضاء بنورها، واستظل بفيئها، وشم رائحة الشرع والاتباع: علم أن مثل هذه الأفعال الواردة في السؤال بدعة ضلالة، وأنه ليس بمثل هذا يكون المسلم محبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فأين أبو بكر والصحابة عن مثل هذا؟ وأين سعيد بن المسيب والتابعون عن مثل هذا؟ وأين الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الإسلام عن مثل هذا؟ ليس يوجد عن أحدٍ من أولئك مثل ذلك الفعل، بل ولا قريب منه.
نعم، أمرنا الله تعالى بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، ورغبنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لكن لم يفعل أحدٍ من المحبين له على الحقيقة، والراغبين بالأجور العظيمة لأنفسهم مثل هذا، ولا قريباً منه.
وتضييع الأوقات في عمل جداول، وتوزيع ذلك في المدارس، وعلى البيوت، وفي المنتديات: كل ذلك لا فائدة منه، وهو هدر للعمر؛ بل هو ضلال في الدين، وسفه في العقل!!
وكان يمكنهم لو أنهم عرفوا معنى الاتباع أن يجعلوا هذه الجهود فيما هو مفيد، من تعليم الناس هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الزوجات، ومن تعليم الناس كيف يتوضؤون، وكيف يصلون، ومن حث الناس على ترك الربا، والتخلف عن صلاة الجماعة، بل ترك الصلاة بالكلية، ومن تحذير النساء من التبرج والسفور، وغير ذلك، مما يمكن أن يكون له الأثر البالغ في إيصال رسالة الإسلام لطوائف وجماعات كثيرة، تجهل هذا الهدي، وتضل عن سواء السبيل، ولكن أنَّى يوفّق المبتدع لهذه الأفعال الجليلة وهو ينظر بعين السخرية للاتباع الصحيح، وبعين التجهيل للمحبة الشرعية؟! .
وللوقوف على حكم الصلاة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انظر: جواب السؤال رقم: (101856) .
وللوقوف على معنى الصلاة والسلام عليه: انظر جواب السؤال رقم: (69944) .
وقد وقع هؤلاء القوم في بدع متعددة، أو في بدعة من وجوه متعددة، ومن ذلك:
1. أنهم جعلوا هذه الصلاة بمناسبة عيد! المولد النبوي، وهي مناسبة بدعية.
وقد سبق التوسع في بيان نكارة هذه البدعة في موقعنا في أجوبة الأسئلة: (10070) و (13810) و (70317) .
2. تحديدهم لعدد معيَّن، وحساب ذلك لأنفسهم، وعلى الناس، وهو ما لم يأت في شرع الله تعالى، والمسلم له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عشراً كما في الحديث الوارد في السؤال – مع أن فيه كلاماً من حيث صحته -، وما زاد على ذلك فهو له، وليس له أن يأتي لذكر له عدد محدد فيجعله مطلقاً، ومثله أن يأتي لذِكر مطلق فيحدده بعدد من كيسه.
وما أحق هؤلاء بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، لأسلافهم من المبتدعة: (أحصوا سيئاتكم، وأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء) رواه الدارمي في مقدمة سننه (204) .
وانظر جواب السؤال رقم (11938) .
3. أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست من الأذكار العامة الجماعية، بل هي ذِكر خاص بين العبد وربه تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله تعالى: فلكل ذِكرٌ موطنٌ يخصه، لا يقوم غيره مقامه فيه، قالوا: ولهذا لا تشرع الصلاة عليه في الركوع، ولا السجود، ولا قيام الاعتدال من الركوع.
" جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام صلى الله عليه وسلم " (1 / 424) .
وينظر في بيان هاتين النقطتين: أجوبة الأسئلة: (88102) و (82559) و (22457) و (21902) ففيها تأصيل، وتفصيل
فالواجب على من اخترع هذه الطريقة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوب من بدعته هذه، وأن يكف عن دعوة الناس للمشاركة بها، والواجب على من علم بدعية ذلك: أن ينهى الناس عن المشاركة فيه، أو الدعوة إليه، والاغترار بكلام أهله.
ولا يظن بعاقل أنه يمنعهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم استجابة للأمر الرباني، وتحقيقاً للترغيب النبوي؛ لكن ليس بمثل هذه الطرق المبتدعة يُتقرب إلى الله بهذا الذِّكر، ولا بغيره.
وفيما أحلنا عليه من أجوبة زيادة بيان، فلتقرأ الأجوبة بتمعن، وتمهل، ونرجو الله أن ينفع بها، وأن يهدي ضال المسلمين لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/8588)
كيف يتصرف مع أهله الذين يحتفلون بالمولد النبوي ويلمزونه لعدم مشاركته معهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أحتفل بالمولد النبوي، على خلاف بقية الأسرة الذين يحتفلون بذلك، ويقولون: إن إسلامي إسلام جديد، وإنني لا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، فهل من نصيحة في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنت ـ أيها الأخ الكريم ـ في تركك الاحتفال بما هو بدعة من بدع العادات التي شاعت بين الناس، ولا تلتفت لمن يطعن باتباعك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويلمزك باستقامتك على هدي الإسلام؛ فما من رسول أرسله الله تعالى لقومه إلا سخروا منه، وطعنوا في عقله، ودينه، كما قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) الذاريات/ 52، فلك في أنبياء الله أسوة، فلتصبر على ما يصيبك من الأذى، ولتحتسب الأجر عند ربك.
ثانياً:
النصيحة لك: بأن تُعرض عن مناقشتهم، ومجادلتهم، إلا أن ترى منهم عاقلاً يسمع، ويستفيد، فيمكنك أن تنتقي أمثال هؤلاء لتوقفهم على حقيقة المولد، وحكمه، وأدلة نقضه، وتبين لهم فضل الاتباع، وشر الابتداع، وإذا رأيتَ مثل هؤلاء: فإليك ما ينفعك في الحوار معهم، والنصح لهم:
1. لنبدأ مع هؤلاء من حيث انتهوا، وهو قولهم لك إن إسلامك إسلام جديد، فنقول: أيهما أقدم ديناً وإسلاماً: من احتفل بالمولد النبوي، أم من لم يحتفل؟ والجواب بلا شك عند كل عاقل منصف: أن من لم يحتفل هو أقدم إسلاماً وديناً، فالصحابة رضي الله عنهم، والتابعون، وأتباع التابعين، ومن بعدهم إلى العصر العبيدي في مصر لم يحتفلوا بهذا المولد، وإنما كان هذا بعدهم، فمن هو صاحب الإسلام الجديد؟! .
2. لنرى من يحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، آالصحابة رضي الله عنهم، أم من بعدهم من القرون المتأخرة؟ والجواب بلا شك عند عاقل ومنصف أن الصحابة أكثر، وأعظم حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فهل احتفلوا بميلاده أم تركوه؟! وكيف سيكون مثل هؤلاء باحتفالهم بميلاد النبي صلى الله وسلم منافسين للصحب الكرام في محبة نبيهم؟! .
3. لنسأل: ما معنى محبة النبي صلى الله عليه وسلك؟ إنها عند كل عاقل ومنصف تعني: الاتباع لهديه، وسلوك طريقه صلى الله عليه وسلم، ولو أن هؤلاء المحتفلين التزموا هدي نبيهم، وسلكوا طريق الاتباع: لوسعهم ما وسع الصحابة المحبين، والمتبعين لنبيهم صلى الله عليه وسلم، ولعلموا أن الخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلَف.
قال القاضي عياض – رحمه الله -: في فصل في علامة محبته صلى الله عليه وسلم -:
اعلم أن مَن أحب شيئاً: آثره، وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبِّه، وكان مدعيّاً، فالصادق في حبِّ النبي صلى الله عليه وسلم: مَن تظهر علامة ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله، وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، في عسره، ويسره، ومنشطه، ومكرهه، وشاهد هذا: قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله) ، وإيثار ما شرعه، وحض عليه على هوى نفسه، وموافقة شهوته، قال الله تعالى: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وإسخاط العباد في رضى الله تعالى ... .
فمن اتصف بهذه الصفة: فهو كامل المحبة لله، ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور: فهو ناقص المحبة، ولا يخرج عن اسمها.
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 24، 25) .
4. لننظر في تاريخ ميلاده صلى الله عليه وسلم، هل يثبت فيه شيء؟ ومن ثم لننظر في المقابل هل ثبت تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم؟ إن الجواب عند كل عاقل ومنصف: أنه لم يثبت تاريخ ميلاده، وأنه قد ثبت باليقين تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا في كتب السيرة النبوية: سنجد أن كتَّاب السيرة يختلفون حول ميلاده صلى الله عليه وسلم إلى أقوال هي كما يلي:
1. يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.
2. ثامن ربيع الأول.
3. عاشر ربيع الأول.
4. ثاني عشر ربيع الأول.
5. وقال الزبير بن بكار: ولد في رمضان.
ولو كان يترتب على ميلاده صلى الله عليه وسلم شيء لسأله عنه الصحابة رضي الله عنهم، أو لأخبرهم هو به صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لم يكن.
وأما وفاته: فلم يُختلف في أنها في الثاني عشر من ربيع أول منة السنة الحادية عشر للهجرة.
ثم لننظر بعدها متى يحتفل هؤلاء المبتدعة؟ إنهم يحتفلون في وقت وفاته لا ميلاده! وقد مشَّى عليهم العبيديون – الذين زوروا نسبهم وسموا أنفسهم " فاطميون " نسبة لفاطمة رضي الله عنها - الباطنية بدعتهم، وقبلوها بسذاجة بالغة، فقد كان أولئك القوم زنادقة، ملحدون، وقد أرادوا الفرح بوقت وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فاخترعوا تلك المناسبة، وأقاموا لها الاحتفالات، وإنما أرادوا الإعراب عن فرحهم، فأوهموا السذَّج من المسلمين أن من وافقهم في هذه الاحتفالات فهو إنما يعبِّر عن محبته صلى الله عليه وسلم، وهكذا نجحوا في خبثهم ومكرهم، ونجحوا مع هؤلاء في تحريف معنى " المحبة "، وجعلوه في قراءة قصائد المولد، وتوزيع الشعير! والحلويات، مع إقامة حلقات الرقص، والاختلاط بين الرجال والنساء، وما يصحف ذلك من معازف، وتبرج، وفجور، عدا عن التوسلات البدعية، والكلمات الشركية التي تقال في تلك المجالس والحلقات.
وقد سبق التوسع في بيان نكارة هذه البدعة في موقعنا في أجوبة الأسئلة: (10070) و (13810) و (70317) فلتنظر.
وينظر كتاب الشيخ صالح الفوزان في نقض هذه البدعة تحت هذا الرابط:
http://www.islamqa.com/ar/ref/books/94
ثالثاً:
اصبر - أخي السائل - على اتباعك لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يغرنك كثرة المخالفين، ونوصيك بطلب العلم، والحرص على نفع الناس، ولا تجعل مثل هذه الأفعال من أهلك سبباً للفرقة بينك وبينهم، فهم يقلدون غيرهم ممن يفتي لهم بجواز هذه الاحتفالات، بل باستحبابها! فعليك التلطف معهم في الإنكار، والحرص على إظهار أحسن الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وأرهم أثر الاتباع على سلوكك، وعبادتك، ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/8589)
حكم التلبية الجماعية بصوت واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقوم واحد بالتلبية بعد الإحرام ويردد المعتمرون وراءه أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التلبية بصوت جماعي بأن يشرع المعتمرون جميعا بالتلبية معا يبتدوؤن وينتهون بصوت واحد من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس اليوم، إذ لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يلبون بصوت واحد، وإنما يلبي كل منهم بصوته سواء وافق أصوات الملبين الآخرين أو خالفهم.
وانظر جواب السؤال رقم: (33746) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه؟.
فأجابت:
"لا يجوز ذلك، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قول أنس رضي الله عنه: (حججنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فمنا المُكبِّر ومنا المُهل) – متفق عليه - يدل على أنهم ليسوا يلبون التلبية الجماعية، ولو كانوا يلبون التلبية الجماعية لكانوا كلهم مهلين أو مكبّرين، لكن بعضهم يكبر، وبعضهم يهل، وكل يذكر ربه على حسب حاله " انتهى.
" الشرح الممتع " (7/111) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8590)
حكموا على إمامهم الذي توسل بحق النبي أنه مشرك! وتركوا الصلاة وراءه وأحدثوا لغطاً
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى ليالي العشر تقدم بنا لصلاة الوتر أحد نواب إمام المسجد، وهو رجل عامي، غير متمكن في العلم الشرعي، لكن فيه خير، نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، فعندما كان يقنت سأل الله عز وجل بحق محمد، فحصل لغط في تلك الليلة من قبَل بعض الشباب، وصنفوا الرجل بأنه مشرك! ولا يجوز لرواد المسجد أن يصلوا خلفه إذا تقدم بهم هذا الإمام، وبناءً على هذه الفتوى فقد طبقت على أرض الواقع في الليلة التالية لليلة تلك المشكلة، حيث انتظر بعض الشباب - وهم قلة قليلة مقارنة برواد المسجد - دخول ذلكم الإمام لصلاة الوتر إلى مؤخرة المسجد للقيام بجماعة أخرى تؤدى فيها صلاة الوتر، وبعد صلاتهم هذه حصل في المسجد خلاف، وانقسام، فهل هذا الفعل صحيح؟ وهل يصنف الإمام بأنه مشرك بسبب الدعاء بلفظة " بحق محمد "؟ وإذا أخطأ إمام بمثل هذا الأمر هل يشرع للناس أن ينشقوا عنه ويُحدثوا جماعة أخرى تصلي بنفس وقت صلاة الإمام؟ وما هي نصيحتكم لمن شملهم السؤال – الإمام، والمنشقون، بقية المأمومين -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما فعله هؤلاء الذين حكموا على الإمام أنه مشرك، لأنه سأل الله تعالى بحق محمد صلى الله عليه وسلم: فعل منكر، وليس يعني هذا أن الإمام أصاب في قوله، بل هو مخطئ، وواقع في بدعة، لكن ما فعله أولئك منكر أيضاً، وهم لم يصفوا فعله بأنه شرك، بل تعدى ذلك إلى الحكم عليه بأنه مشرك، ورتبوا على ذلك عدم الصلاة خلفه، والواجب عليهم التمهل في إطلاق الأحكام، والرجوع لأهل العلم، وعدم الجرأة في تكفير الناس.
والتوسل المشروع أنواع، وقد ذكرناها في جواب السؤال رقم: (979) ، والسؤال بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحقه، وجاه الصالحين وحقهم: ليس شركاً، وأعلى ما يقال فيه أنه وسيلة إلى الشرك، لا أنه شرك بذاته.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أسألك بجاه محمد، أو بحق محمد: فهذا بدعة، عند جمهور أهل العلم، نقص في الإيمان، ولا يكون مشركاً، ولا يكون كافراً، بل هو مسلم، ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان، وضعفاً بالإيمان، مثل بقية المعاصي التي لا تخرج عن الدين ; لأن الدعاء، ووسائل الدعاء: توقيفية، ولم يرد في الشرع ما يدل على التوسل بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، بل هذا مما أحدثه الناس، فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بحق النبي، أو بحق الأنبياء، أو بجاه فلان، أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت: كل هذا من البدع , والواجب ترك ذلك، لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك، فلا يكون صاحبه مشركاً، ولكن أتى بدعة تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان، عند جمهور أهل العلم.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 129، 130) .
وقال – رحمه الله -:
فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، أو بحق محمد، أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بجاه الأنبياء، أو بحرمة الأنبياء، أو ببركة الأنبياء، أو ببركة الصالحين، أو ببركة علي، أو ببركة الصديق، أو ببركة عمر، أو بحق الصحابة، أو حق فلان، كل هذا لا يجوز، هذا خلاف المشروع، وبدعة، وهو ليس بشرك، لكنه بدعة، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم.
وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله، وصفاته، ومن توحيده، والإخلاص له، ومن الأعمال الصالحات، هذه هي الوسائل ... .
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 356) .
وبه يتبين أن ما قام به أولئك الذين حكموا على الإمام بأنه مشرك: أنهم وقعوا في الخطأ، من جهة الشرع، ومن جهة الإمام، فالواجب عليهم التوبة من فعلهم، والندم على حكمهم، وعدم العود لمثل هذا الفعل، مع طلب السماح من الإمام.
ثانياً:
الصلاة خلف أهل البدع – وإمامكم إن استمر على توسله فيكون منهم -: جائزة، إن كانت بدعتهم غير مكفِّرة، ومع جواز الصلاة خلف الإمام المبتدع، فإنه يجوز ترك الصلاة وراءه للصلاة في مسجد آخر زجرا له إن كان سينتهي عن بدعته بمثل ذلك، ولا يجوز ترك الصلاة وراءه وعمل صلاة في وقت الجماعة الأولى، ولا ترك الصلاة وراءه والصلاة في البيت، بل شرط ترك الصلاة وراءه: نفع ذلك الهجر له، وإقامة الصلاة في مسجد سنِّي.
وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل في جواب السؤالين: (20885) و (40147) .
ثالثاً:
النصيحة للإمام أن يتقي الله تعالى ربَّه في اعتقاده، وعبادته، وأن يدع ما عليه أهل البدع، وأن يلتزم طريق أهل السنَّة والجماعة.
والنصيحة لأولئك المنشقين: أن يتوبوا من جرأتهم على الفتوى، وعلى الحكم على الإمام بأنه مشرك، وأن يعتذروا منه، وأن يرجعوا لمسجدهم ليقيموا الصلاة خلف إمامهم، ولا يحل لهم الصلاة معه في الوقت نفسه في جماعة أخرى، وليتحلوا بالأخلاق الفاضلة، وليتدرجوا في دعوة الناس إلى الحق، فإن الحق ثقيل، وغريب في كثير من ديار المسلمين.
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8591)
حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين ركعات التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي عن الخلفاء الراشدين بين ركعات التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا أصل لذلك- فيما نعلم- من الشرع المطهر، بل هو من البدع المحدثة، فالواجب تركه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة، وما سار عليه سلف الأمة، والحذر مما خالف ذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/369) .
وانظر جواب السؤال رقم (50718) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8592)
حكم قيام قارئ يقرأ يوم الجمعة قبل دخول الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقوم قارئ في المسجد يوم الجمعة فيقرأ القرآن قبل أن يخرج الإمام، أهو من أدب الجمعة وسننها أم هو من البدع المنكرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم دليلا يدل على قيام قارئ يقرأ يوم الجمعة قبيل دخول الإمام والناس يستمعون له، فإذا دخل الإمام سكت القارئ، والأصل في العبادات التوقيف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/172) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8593)
قراءة القرآن والدعاء قبل أذان الفجر بمكبرات الصوت
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم المؤذن قبل أذان الفجر ويقرأ القرآن ويذكر بعض الأدعية ثم يؤذن، فهل هذا من السنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الاستمرار على ما ذكر من قراءة القرآن الكريم ثم بعض الأدعية قبل أذان صلاة الفجر ليس من السنة، بل هو بدعة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8594)
تعليق الأدعية على الأبواب وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يضعون ملصقات على سياراتهم وعلى أبوابهم دعاء السفر ودعاء الخروج ودعاء الجلوس ... إلخ الأدعية التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا لا أظن فيه بأساًَ، لأنه تذكير للناس، وكثير من الناس لا يحفظون هذه الأدعية، فإذا كتبت أمامهم سهل عليهم تلاوتها وقراءتها، ولا حرج في هذا مثل، أن يكتب الإنسان في مجلسه دعاء كفارة المجلس حتى ينبه الجالسين إذا قاموا أن يدعو الله سبحانه وتعالى بذلك، وكذلك ما يكون في الملصقات الصغيرة أمام الراكب في السيارات من دعاء الركوب والسفر فإن هذا لا بأس به " انتهى.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"نور على الدرب" (ص42) .
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_7817.shtml
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8595)
حكم الوقوف دقيقة حداداً على شخص مات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الوقوف دقيقة مثلا مع الصمت حداداً على رجل مات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ما يفعله بعض الناس من الوقوف زمنا مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء أو تشريفا وتكريما لأرواحهم وحدادا عليهم من المنكرات والبدع المحدثة، التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أصحابه ولا السلف الصالح، ولا تتفق مع آداب التوحيد وإخلاص التعظيم لله، بل اتبع فيها بعض جهلة المسلمين بدينهم من ابتدعها من الكفار، وقلدوهم في عاداتهم القبيحة، وغلوهم في رؤسائهم ووجهائهم أحياء وأمواتا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم.
والذي عرف في الإسلام من حقوق أهله: الدعاء لأموات المسلمين، والصدقة عنهم، وذكر محاسنهم، والكف عن مساويهم.. إلى كثير من الآداب التي بَيَّنها الإسلام، وحث المسلمَ على مراعاتها مع إخوانه أحياءً وأمواتاً، وليس منها الوقوف حداداً مع الصمت تحيةً للشهداء أو الوجهاء، بل هذا مما تأباه أصول الإسلام.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/427) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8596)
هل التزام صدقة في يوم معين وبقدر معين بدعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التصدق بقدر معين - قد يكون ثابتاً - في يوم معين من كل أسبوع، ولكن بدون اعتقاد سنيتها، أو على سبيل الإلزام، ولكن فقط لإتاحة الظروف لمثل هذا، يعتبر بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تخصيص المسلم عبادة بزمان أو مكان معين لم يرد به الشرع، من غير اعتقاد أن لذلك الزمان أو المكان فضل معين، وإنما هو لِظَرفٍ يعرض له، فيحتاج معه إلى هذا التخصيص، ليس من البدعة في شيء، ولا بأس به، فالإحداث في الدين هو الذي قصد فيه المتعبد الإحداث والاختراع بإضافة ذلك إلى الشريعة والدين، أو هو الذي يكون ذريعة مفضية إفضاء غالبا إلى ذلك، فحينئذ يقع المسلم في البدعة.
قال الدكتور محمد حسين الجيزاني حفظه الله:
" للبدعة الشرعية قيودٌ ثلاثة تختص بها، والشيء لا يكون بدعة في الشرع إلا بتوفرها فيه، وهي: 1- الإحداث. 2- أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين. 3- ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي، بطريق خاص أو عام....، وهذا المعنى يحصل بواحد من أصول ثلاثة: الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع. والثاني: الخروج على نظام الدين. ويلحق بهما أصل ثالث: وهو الذرائع المفضية إلى البدعة " انتهى باختصار.
"قواعد معرفة البدع" (ص/18-23) .
أما اعتياد عبادة معينة في زمان أو مكان معين لتيسر ظروف العبادة فيهما، من غير اعتقاد إلزام ولا مزيد فضل، فلا حرج فيه، كمن يعتاد صيام يوم الثلاثاء مثلا لأنه يوم إجازة عن العمل بالنسبة له، وكذلك من يعتاد قيام ليلة السبت لأنه متفرغ من عمله نهار السبت، ومثله من يعتاد قراءة القرآن بين المغرب والعشاء لتفرغه ذلك الوقت، وهكذا أمثلة كثيرة كلها جائزة؛ لأن شبهة الحدث في الدين منتفية، وكذلك ليس فيها ذريعة قريبة للإحداث والابتداع.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما رأيكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة ولكل ليلة؟
فأجاب:
" لا أعلم في هذا شيئا؛ لأن الأمر يرجع إلى اجتهاد الإمام، فإذا رأى أنَّ مِن المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات؛ لأنه أنشط، ورأى من نفسه قوة في ذلك، ورأى من نقسه تلذذا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع وينتفع من خلفه، فإنه إذا حَسَّن صوته وطابت نفسه بالقراءة وخشع فيها ينتفع هو ومَن وراءه، فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات، أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسا، والأمر واسع بحمد الله تعالى " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (11/335) .
وعليه؛ فلا نرى عليك حرجا في اعتياد الصدقة في يوم معين لتيسر الظروف فيه دون باقي الأيام، لا لقصد فضيلة معينة في ذلك اليوم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8597)
هل قبر يحيى عليه السلام في الجامع الأموي
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في أحد البرامج الوثائقية عن الجامع الأموي، ورأيت فيه ضريحاً للنبي يحيى، ومقامات كثيرة للصحابة، وبعض زوجات النبي، ومشهد رأس الحسين. سؤالي: ما حكم مثل هذا؟ خصوصاً وأن بعض الناس يجلسون عندها، وربما كان لهم دعاء واستغاثه بهم، وهل هذه القبور والأضرحة حقيقية؟ أعني هل النبي يحيى ـ مثلاً ـ هو هنا أم هو كذب وتدليس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا جعل القبور في المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري (4444) ومسلم (531) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقوله: (إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (3873) ومسلم (528) من حديث عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك.
وقوله حين بعث عليا رضي الله عنه: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (969) .
وما روى مسلم (970) عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ) .
وروى أحمد (3844) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
فهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على تحريم بناء المساجد على القبور، ولهذا لا يظن بأحد من الصحابة أنه أوصى بأن يدفن في مسجد، أو أقر دفن ميت في مسجد، لمصادمة ذلك للنصوص المعلومة المشهورة.
ثانيا:
ما يشاع عند العامة من وجود قبور لبعض الصحابة، أو لغيرهم، في بعض المساجد، أكثره غير ثابت، وما ثبت منه فلا حجة فيه؛ لأن هذه المساجد إنما بنيت في عصور متأخرة، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا: مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى " أبي بن كعب ". والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلى " أويس القرني " والمشهد الذي بمصر المضاف إلى " الحسين " رضي الله عنه ; إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار، حتى قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أثبت غيره أيضا قبر الخليل عليه السلام.
وأما " مشهد علي " فعامة العلماء على أنه ليس قبره ; بل قد قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة؛ وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه ... وجمهور أهل المعرفة يقولون: إن عليا إنما دفن في قصر الإمارة بالكوفة أو قريبا منه ... وكذلك " قبر معاوية " الذي بظاهر دمشق قد قيل: إنه ليس قبر معاوية وإن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال إنه " قبر هود ".
وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق لا يكاد يوقف منه على العلم إلا في قليل منها بعد بحث شديد. وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر /9] ; بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يفعله المبتدعون عندها، مثل قوله الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال: {سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك} وقال: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} .
وقد اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور ولا يشرع اتخاذها مساجد، ولا يشرع الصلاة عندها، ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة أو اعتكاف أو استغاثة أو ابتهال أو نحو ذلك، كرهوا الصلاة عندها ; ثم إن كثيرا منهم قال: إن الصلاة عندها باطلة لأجل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/447) .
وقال ـ أيضا ـ عما يُزْعَم من وجود رأس الحسين في مصر أو الشام:
" ومنها " مشهد الرأس " الذي بالقاهرة؛ فإن المصنفين في قتل الحسين اتفقوا على أن الرأس ليس بمصر، ويعلمون أن هذا كذب. وأصله أنه نقل من مشهد بعسقلان، وذاك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة في أواخر المائة الخامسة، وهذا بني في أثناء المائة السادسة بعد مقتل الحسين بنحو من خمسمائة عام، والقاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بنحو ثلاثمائة عام، قد بَيَّن كذب هذا المشهد: ابنُ دحية في " العلم المشهور " وأن الرأس دفن بالمدينة كما ذكره الزبير بن بكار ... ". انتهى.
"مجموع الفتاوى" (27/491) .
ثالثا:
ليس هناك مستند صحيح يدل على أن يحيى عليه السلام مدفون في الجامع الأموي، فضلا عن القول بأن الصحابة رأوا قبره وتركوه في المسجد، كما يدعيه البعض.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ونحن نقطع ببطلان قولهم، وأن أحدا من الصحابة والتابعين لم ير قبرا ظاهرا في مسجد بني أمية أو غيره، بل غاية ما جاء فيه بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد: أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها صندوق فيه سفط (وعاء كامل) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه: هذا رأي يحيى عليه السلام فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا من الأعمدة، فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس. رواه أبو الحسن الربعي في فضائل الشام (33) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (ج 2 ق 9 / 10) وإسناده ضعيف جدا، فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة وقال الذهبي " متروك ".
ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة قبر، حتى أواخر القرن الثاني؛ لِما أخرجه الربعي وابن عساكر، عن الوليد بن مسلم أنه سئل: أين بلغك رأس يحى بن زكريا؟ قال: بلغني أنه ثَم؛ وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي، فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد الوليد بن مسلم، وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة.
وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحى عليه السلام فلا يمكن إثباته، ولذلك اختلف المؤرخون اختلافا كثيرا، وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلام مدفون في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق، كما حققه شيخنا في الإجازة العلامة محمد راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (ج 1 ص 41-1482) تحت عنوان " رأس يحيى ورأس زكريا " فليراجعه من شاء.
ونحن لا يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك، سواء عندنا أكان الرأس الكريم في هذا المسجد أو ذاك، بل لو تيقنا عدم وجوده في كل من المسجدين، فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة؛ لأن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى على الظاهر لا الباطن كما هو معروف، وسيأتي ما يشهد لهذا من كلام بعض العلماء، وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد، كما هو الحال في مسجد حلب، ولا منكِر لذلك من علمائها ". انتهى. من "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" ص 63
رابعا:
ما يفعل عند هذه القبور من دعاء لها، واستغاثة بها، وطواف حولها، كل ذلك من الشرك الذي حرمه الله؛ لأنه صرف للعبادة لغير الله، فليس لأحد أن يدعو أو يستغيث بميت، سواء وقف عند قبره أو بعيدا عنه، بل الدعاء لله وحده، فهو الرب المغيث المجيب المنعم المتفضل سبحانه.
ومن شاهد هذه المنكرات عند الأضرحة المذكورة علم حكمة الشريعة وكمالها في التحذير من بناء المساجد على القبور، لما يترتب على ذلك من الفتنة بها، حتى تعبد من دون الله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يرد ضال المسلمين إلى الهدى والحق ردا جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8598)
شرح حديثين في النهي عن البدع ومحدثات الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[في المكتبة المقروءة، المجلد الثاني، الحديث، شرح رياض الصالحين لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، 18 باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعه ضلالة، وكل ضلالة في النار) رواه مسلم. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم. أرجو منكم شرح الحديثين ومدى ارتباطهما ببعض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذان الحديثان من أصول الأحاديث في أبواب البدعة، وعليها يبني العلماء تعريف البدعة وحدودها وضوابطها، وإذا جمعنا روايات الحديثين مع الأحاديث الأخرى تمكنا من فهم هذا الموضوع بشكل أدق.
يقول الدكتور محمد حسين الجيزاني حفظه الله:
" وردت في السنة المطهرة أحاديث نبوية فيها إشارة إلى المعنى الشرعي للفظ " البدعة "، فَمِن ذلك:
1- حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) أخرجه أبو داود (4067)
2- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: (إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) أخرجه بهذا اللفظ النسائي في سننه (3/188)
وإذا تبيَّن بهذين الحديثين أن البدعة هي المحدثة، استدعى ذلك أن يُنظر في معنى الإحداث في السنة المطهرة، وقد ورد في ذلك:
3 - حديث عائشة رضي الله عنها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري (2697) ومسلم (1718)
4- وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم (1718) .
هذه الأحاديث الأربعة إذا تؤملت وجدناها تدل على حد البدعة وحقيقتها في نظر الشارع.
ذلك أن للبدعة الشرعية قيودًا ثلاثة تختص بها، والشيء لا يكون بدعة في الشرع إلا بتوفرها فيه، وهي:
1- الإحداث.
2- أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين.
3- ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي؛ بطريق خاص أو عام.
وإليك فيما يأتي إيضاح هذه القيود الثلاثة:
1 - الإحداث.
والدليل على هذا القيد قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن أحدث) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وكل محدثة بدعة)
والمراد بالإحداث: الإتيان بالأمر الجديد المخترع، الذي لم يسبق إلى مثله، فيدخل فيه كل مخترع، مذمومًا كان أو محمودًا، في الدين كان أو في غيره.
ولما كان الإحداث قد يقع في شيء من أمور الدنيا، وقد يقع في شيء من أمور الدين؛ تحتَّم تقييد هذا الإحداث بالقيدين الآتيين:
2- أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين.
والدليل على هذا القيد قوله صلى الله عليه وسلم: (في أمرنا هذا) . والمراد بـ " أمره " ها هنا: دينه وشرعه.
فالمعنى المقصود في البدعة: أن يكون الإحداث من شأنه أن يُنسب إلى الشرع ويضاف إلى الدين بوجه من الوجوه، وهذا المعنى يحصل بواحد من أصول ثلاثة:
الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع.
والثاني: الخروج على نظام الدين.
ويلحق بهما أصل ثالث: وهو الذرائع المفضية إلى البدعة.
وبهذا القيد تخرج المخترعات المادية والمحدثات الدنيوية مما لا صلة له بأمر الدين، وكذلك المعاصي والمنكرات التي استحدثت، ولم تكن من قبل، فهذه لا تكون بدعة، اللهم إلا إن فُعلت على وجه التقرب، أو كانت ذريعة إلى أن يظن أنها من الدين.
3- ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي؛ بطريق خاص ولا عام.
والدليل على هذا القيد: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ليس منه) ، وقوله: (ليس عليه أمرنا) .
وبهذا القيد تخرج المحدثات المتعلقة بالدين مما له أصل شرعي، عام أو خاص.
فمما أُحدث في الدين وكان مستندًا إلى دليل شرعي عام: ما ثبت بالمصالح المرسلة؛ مثل جمع الصحابة رضي الله عنهم للقرآن.
ومما أُحدث في هذا الدين وكان مستندًا إلى دليل شرعي خاص: إحداث صلاة التراويح جماعة في عهد عمر رضي الله عنه فإنه قد استند إلى دليل شرعي خاص. ومثله أيضًا إحياء الشرائع المهجورة، والتمثيل لذلك يتفاوت بحسب الزمان والمكان تفاوتًا بيِّنًا، ومن الأمثلة عليه ذكر الله في مواطن الغفلة.
وبالنظر إلى المعنى اللغوي للفظ الإحداث صحَّ تسمية الأمور المستندة إلى دليل شرعي محدثات؛ فإن هذه الأمور الشرعية اُبتدئ فعلها مرة ثانية بعد أن هُجرت أو جُهلت، فهو إحداث نسبي.
ومعلوم أن كل إحداث دل على صحته وثبوته دليل شرعي فلا يسمى - في نظر الشرع - إحداثًا، ولا يكون ابتداعًا، إذ الإحداث والابتداع إنما يطلق - في نظر الشرع - على ما لا دليل عليه.
وإليك فيما يأتي ما يقرر هذه القيود الثلاثة من كلام أهل العلم:
قال ابن رجب: " فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه؛ فهو ضلالة، والدين منه بريء " جامع العلوم والحكم (2/128) .
وقال أيضًا: " والمراد بالبدعة: ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغةً " جامع العلوم والحكم (2/127)
وقال ابن حجر: " والمراد بقوله: (كل بدعة ضلالة) ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام " فتح الباري (13/254)
وقال أيضًا: " وهذا الحديث - يعني حديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) - معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده؛ فإن مَن اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه " فتح الباري (5/302)
التعريف الشرعي للبدعة: يمكننا مما سبق تحديد معنى البدعة في الشرع بأنها ما جمعت القيود الثلاثة المتقدمة، ولعل التعريف الجامع لهذه القيود أن يقال:
البدعة هي: (ما أُحدث في دين الله، وليس له أصل عام ولا خاص يدل عليه) .
أو بعبارة أوجز: (ما أُحدث في الدين من غير دليل) " انتهى.
"قواعد معرفة البدع" (ص/18-23) ، باختصار يسير.
وانظر جواب السؤال رقم: (11938) ، (864)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8599)
حكم قول المؤذن في الأذان: (حي على خير العمل)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يقول في الأذان: (حي على خير العمل) ؟ وهل له أصل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قول بعض الشيعة في الأذان: (حي على خير العمل) بدعة، لا أصل له في الأحاديث الصحيحة. فنسأل الله أن يهديهم وجميع المسلمين لاتباع السنة، والعض عليها بالنواجذ؛ لأنها والله هي طريق النجاة وسبيل السعادة لجميع الأمة. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" للشيخ ابن باز (10/241) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8600)
يختارون يوماً يتكلمون فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ويسمونه مولداً
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف أن الاحتفال بميلاد النبي بدعة، لكن يقيم الكثيرون موالد لا لغرض الاحتفال بمولد النبي لكن للتعريف بالنبي وحياته وما إلى ذلك، فإذا لم يتم إقامة هذا الحدث يوم مولد النبي فهل يكون حراماً أيضاً؟ ، وهل استخدام كلمة مولد فى حد ذاتها هي التي تؤدي إلى تحريم هذا الحدث؟ فعلى سبيل المثال إذا كنت أُعَرّف بحياة النبي ... إلخ دون أن أربط ذلك بكلمة مولد فهل يكون ذلك حراماً أيضاً؟ وفي ذات السياق سيتم إطعام الناس ... إلخ، وأنا أطرح هذا السؤال لأنه سيتم إقامة عشاء احتفالاً بزواج عروسين فى إجازة نهاية الأسبوع المقبل يوم السبت، وبما أنه سيكون هناك تجمع فقد قرر المضيفون التعريف بالنبي بالمسجد بعد تقديم وجبة العشاء وقد أطلقوا على ذلك اسم مولد لكن لا يوافق هذا اليوم يوم مولد النبي ولن يتم الاحتفال بميلاد النبى لكن سيتم التعريف به وسيقومون بذلك بدلاً من الرقص ... إلخ حتى يحقق الناس استفادة أكبر من المعرفة بحياة النبي، فأرجو تقديم النصح. ثانياً: إذا أقمت تجمعاً بالمسجد وذلك للتعريف فقط بحياة النبي وتقديم الطعام للحاضرين، فهل يكون هذا التجمع حراماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع الاحتفال بمولد أحد من الناس، لا الأنبياء ولا غيرهم؛ لعدم ورود ذلك في الشرع، بل هو أمر مأخوذ عن غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم.
وينظر جواب السؤال رقم (10070) ، ورقم (13810) .
والمقصود بالاحتفال بالمولد: الاحتفال في يوم ولادة الشخص، كالاحتفال في يوم 12 من ربيع الأول الذي يرى البعض أنه يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف به وذكر محاسنه وشمائله وسننه، فهذا مستحب مشروع في كل وقت، ولا يسمى هذا الحديث مولداً، كما لا يسمى الاحتفال بالزواج مولداً، لكن شاع في بعض بلدان المسلمين أن كل احتفال يتم على وجه مشروع، ليس فيه رقص ولا غناء ولا اختلاط، يسمونه مولداً، فيقولون: نعمل مولداً في يوم الزواج أو يوم الختان، فيأتي من يعظ الناس، ومن يقرأ القرآن ونحو ذلك، وهذه التسمية لا أصل لها، ولا تؤثر في الحكم، فلا حرج أن يحتفل الناس بالزواج، وأن يتكلم فيه من يعظ الناس ويذكرهم بالخير، أو من يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ويبين سيرته وشمائله، فهذا مشروع، ولا يدخل في الاحتفال بالمولد المبتدع.
ولا حرج أن يقام في المسجد نشاط أو تجمع للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، دون تخصيص يوم معين لاعتقاد فضله، كيوم المولد أو يوم النصف من شعبان أو يوم الإسراء والمعراج، بل يفعل ذلك في يوم من سائر الأيام، ولا حرج في تقديم الطعام للحاضرين، وينبغي إشاعة الحكم بأن هذا لا يسمى مولداً، ولا يأخذ حكم الاحتفال بالمولد، حتى لا يُظن أن الاحتفال بالمولد مشروع.
ونسأل الله أن يوفقكم للعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ونشرها بين الناس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8601)
الرد على الرافضة في اشتراطهم السجود على أرض أو تراب أو مشتقاته!
[السُّؤَالُ]
ـ[أتساءل ما إذا كان بوسعكم تقديم دليل، أو إلقاء الضوء على إدعاء الشيعة بأنه يجب علينا أن نصلي على الأرض، وهم يحملون حجراً معهم ويسجدون عليه؟ كما أن هناك أحاديث بالبخاري تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على الأرض، ويقول الشيعة: إنه لا تجوز الصلاة إلا على التربة – الأرض -، بينما لا تجوز الصلاة على السجاد، فهل بوسعكم - رجاء - إلقاء الضوء على هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مما شك فيه أنه ليس في هذه الشريعة المباركة العنت والمشقة والعسر، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/من الآية185، وقال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/من الآية6، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/من الآية78، ومن هذا الباب – في أحكام الصلاة -: تشريع الصلاة على أي بقعة طاهرة في الأرض، وعلى أي ثوب أو شيء طاهر يقيه حرَّ الأرض، أو حجارتها، أو طينها، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إجماع أهل السنة، خلافاً للرافضة الذين اشترطوا أن يكون السجود على التراب، أو على شيء مصنوع منه، أو على أرض طاهرة، ولا يجيزون الصلاة على مصنوعات دخلتها مواد صناعية! وهم يجعلون للسجود على تربة " كربلاء " الأجر العظيم! افتراء على الله، وعلى دينه.
والعجيب في حمق هؤلاء وجهلهم أنهم خصوا السجود فقط دون باقي هيئات الصلاة، فيمكن – عندهم – أن تكون اليدان، والركبتان، والقدمان على أي شيء، إلا أنه لا بدَّ في السجود أن يكون على تراب، أو ما هو مشتق منه! .
وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والمهم في شرعنا المطهر أن تكون صلاتك في بقعة طاهرة، وعلى ثياب، أو حصير، أو سجاد طاهر.
1. عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ) .
رواه البخاري (427) ومسلم (521) .
2. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ.
رواه البخاري (326) ومسلم (513) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
والخُمرة: بضم الخاء والمعجمة وسكون الميم، قال الطبري: هو مصلى صغير يُعمل من سعف النخل , سمِّيت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها , فإن كانت كبيرة سميت حصيراً , وكذا قال الأزهري في تهذيبه وصاحبه أبو عبيد الهروي وجماعة بعدهم , وزاد في النهاية: ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار , قال: وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها، وقال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها المصلي.
" فتح الباري " (1 / 430) .
وقال النووي – رحمه الله -:
فيه: جواز الصلاة على الحصير وسائر ما تنبته الأرض , وهذا مجمع عليه , وما روي عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا محمول على استحباب التواضع بمباشرة نفس الأرض. وفيه: أن الأصل في الثياب والبسط والحصر ونحوها الطهارة , وأن حكم الطهارة مستمر حتى تتحقق نجاسته.
" شرح مسلم " (5 / 163) وبوَّب عليه: " باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير، وخمرة، وثوب ".
وما روي عن عمر بن عبد العزيز هو أنه كان يأتي بتراب، فيوضع على الخمرة، فيسجد عليه.
3. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ " أَبُو عُمَيْرٍ "، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) - نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ - فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ، وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ، وَنَقُومُ خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِنَا.
رواه البخاري (5850) .
4. عنْ جَابِرٍ قال: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ.
رواه مسلم (519) .
قال النووي رحمه الله -:
قوله: " فرأيته يصلي على حصير يسجد " فيه دليل على جواز الصلاة على شيء يحول بينه وبين الأرض من ثوب، وحصير، وصوف، وشعر، وغير ذلك , وسواء نبت من الأرض أم لا، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور , وقال القاضي رحمه الله تعالى: أما ما نبت من الأرض فلا كراهة فيه , وأما البُسُط، واللُّبود، وغيرها، مما ليس من نبات الأرض: فتصح الصلاة فيه بالإجماع , لكن الأرض أفضل منه، إلا لحاجة حر، أو برد، أو نحوهما؛ لأن الصلاة سرها التواضع والخضوع، والله عز وجل أعلم.
" شرح مسلم " (4 / 233، 234) .
5. وقال البخاري – رحمه الله -:
باب السجود على الثوب في شدة الحر، وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.
وروى تحته:
عن أنس بن مالك قال: كنَّا نُصلِّي مع النَّبي صلى الله عليه وسلم فَيَضعُ أحدُنا طرفَ الثوبِ من شدَّة الحرِّ في مكان السجود.
رواه البخاري (378) ومسلم (620) .
وليتحر المصلي في كل ما يصلي عليه: أن يكون طاهراً، وليس عليه زخارف، وألوان تشغله في صلاته.
ثانياً:
أما تفضيل الرافضة للصلاة على شيء تراب " كربلاء ": فهو من اختراع أئمتهم، وليس له أصل في دين الله تعالى.
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله -:
فائدة:
ليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدل على قداسة " كربلاء "، وفضل السجود على أرضها، واستحباب اتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة، كما عليه الشيعة اليوم، ولو كان ذلك مستحبّاً: لكان أحرى به أن يُتخذ من أرض المسجدين الشريفين المكي والمدني، ولكنه من بدع الشيعة، وغلوهم في تعظيم أهل البيت، وآثارهم، ومن عجائبهم: أنهم يرون أن العقل من مصادر التشريع عندهم، ولذلك فهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، ومع ذلك فإنهم يروون في فضل السجود على أرض كربلاء من الأحاديث ما يشهد العقل السليم ببطلانه بداهة، فقد وقفت على رسالة لبعضهم , وهو المدعو السيد عبد الرضا (!!) المرعشي الشهرستاني بعنوان " السجود على التربة الحسينية " ومما جاء فيها ص (15) : وورد أن السجود عليها أفضل , لشرفها وقداستها وطهارة من دفن فيها. فقد ورد الحديث عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام , ينور إلى الأرض السابعة , وفي آخر: أنه يخرق الحجب السبعة , وفي آخر: يقبل الله صلاة من يسجد عليها ما لم يقبله من غيرها , وفي آخر أن السجود على طين قبر الحسين ينوّر الأرضين.
ومثل هذه الأحاديث ظاهر البطلان عندنا , وأئمة أهل البيت رضي الله عنهم براء منها , وليس لها أسانيد عندهم ليمكن نقدها على نهج علم الحديث وأصوله , وإنما هي مراسيل ومعضلات!! ولم يكتف مؤلف الرسالة بتسويدها بمثل هذه النقول المزعومة عن أئمة أهل البيت , حتى راح يوهم القّراء أنها مروية في كتبنا نحن أهل السنة , فها هو يقول: وليست أحاديث فضل هذه التربة الحسينية وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمة عليهم السلام , إذ أن أمثال هذه الأحاديث لها شهرة وافرة في أمهات كتب بقية الفرق الإسلامية , عن طريق علمائهم ورواتهم , ومنها ما رواه السيوطي في كتابه " الخصائص الكبرى " في باب " إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين عليه السلام " وروى فيه ما يناهز العشرين حديثاً عن أكابر ثقاتهم , كالحاكم والبيهقي وأبي نعيم والطبراني والهيثمي في " المجمع " وأمثالهم من مشاهير رواتهم.
فاعلم أيها المسلم أنه ليس عند السيوطي ولا الهيثمي ولو حديث واحد يدل على فضل التربة الحسينية وقداستها , وكل ما فيها مما اتفقت عليه مفرداتها إنما هو إخباره صلى الله عليه وسلم بقتله فيها - أي الحسين رضي الله عنه - فهل ترى فيها ما ادعاه الشيعي في رسالته على السيوطي والهيثمي!! اللهم لا , ولكن الشيعة في سبيل تأييد ضلالاتهم وبدعهم يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت!!
ولم يقف أمره عن هذا التدليس على القّراء , بل تعداه إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فهو يقول: " وأوّل من اتخذ لوحة من الأرض للسجود عليها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة من الهجرة , لما وقعت الحرب الهائلة بين المسلمين وقريش في أحد , وانهدم فيها أعظم ركن للإسلام (!!) وهو حمزة بن عبد المطلب , عم رسول الله صلى الله عليه وسلم , أمر النبي صلى الله عليه وسلم نساء المسلمين بالنياحة (!!) عليه في كل مأتم , واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به (!!) ويسجدون عليه لله تعالى , ويعملون المسبحات منه , كما جاء في كتاب " الأرض والتربة الحسينية " وعليه أصحابه ومنهم الفقيه.. " السجود على التربة الحسينية ص (13) .
والكتاب المذكور هو من كتب الشيعة - أي كتاب " الأرض والتربة الحسينية " - فتأمل أيها القارئ الكريم كيف كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فادعى أنه أوّل من اتخذ قرصاً للسجود عليه , ثم لم يسق لدعم دعواه إلا أكذوبة أخرى , وهي أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالنياحة على حمزة في كل مأتم , ومع أنه لا ارتباط بين هذا وبين اتخاذ القرص كما هو ظاهر , فإنه لا يصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم , كيف وهو قد صح عنه أنه أخذ على النساء في مبايعته إياهن ألا ينحن , كما رواه الشيخان وغيرهما عن أم عطية.
ويبدو لي أنه بنى الأكذوبتين السابقتين على أكذوبة ثالثة , وهي قوله في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره , فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى "!! فهذا كذب على الصحابة رضي الله عنهم وحشاهم من أن يقارفوا مثل هذه الوثنيّة , وحسب القراء دليلاً على افتراء هذا الشيعي على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنه لم يستطع أن يعزوا ذلك لمصدر معروف من مصادر المسلمين سوى كتاب " الأرض والتربة الحسينية " وهو من كتب بعض متأخريهم , ولمؤلف مغمور منهم , ولأمر ما لم يجرؤ الشيعي على تسميته والكشف عن هويته , حتى لا يفتضح أمره بذكره إياه مصدراً لأكاذيبه!!
ولم يكتف حضرته!! بما سبق من الكذب على السلف الأول بل تعداه إلى الكذب على من بعدهم , فاسمع إلى تمام كلامه السابق: " أنّ التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع (ت 62هـ) كان يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها، كما أخرجه ابن أبي شيبة في كتابه " المصنّف "، باب من كان حمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرج بإسنادين أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها " المرجع السابق.
قلت (الألباني) وفي هذا الكلام عديد من الكذبات:
الأولى: قوله " كان يأخذ في أسفاره " فإنه بإطلاقه يشمل السفر براً , وهو خلاف الأثر الذي ذكره!! .
الثانية: جزمه بأنه كان يفعل ذلك , يعطي أنه ثابت عنه , وليس كذلك , بل ضعيف منقطع كما يأتي بيانه.
الثالثة: قوله ".. بإسنادين " كذب , وإنما هو إسناد واحد , مداره على محمد بن سيرين , اختلف عليه فيه , فرواه ابن أبي شيبة في " المصنف (2 / 43 / 1) " من طريق يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين قال: نبئت أن مسروقاً كان يحمل معه لبنة في السفينة , يعني يسجد عليها.
ومن طريق ابن عون عن محمد: أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.
فأنت ترى أن الإسناد الأول من طريق ابن سيرين , والأخر من طريق محمد , وهو ابن سيرين , فهو في الحقيقة إسناد واحد , ولكن يزيد بن إبراهيم قال عنه: " نبئت " فأثبت أن ابن سيرين أخذ بذلك بالواسطة عن مسروق , ولم يثبت ذلك ابن عون وكل منها ثقة فيما روى , إلا أن يزيد بن إبراهيم قد جاء بزيادة في السند , فيجب أن تقبل كما هو مقرر في " المصطلح " لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ , وبناء عليه فالإسناد بذلك إلى مسروق ضعيف , لا تقوم به حجة؛ لأن مداره على راوٍ لم يسم مجهول , فلا يجوز الجزم بنسبة ذلك إلى مسروق رضي الله عنه ورحمه كما صنع الشيعي.
الرابعة: لقد أدخل الشيعي في هذا الأثر زيادة , ليس فيها أصل في " المصنف " وهي قوله: " من تربة المدينة المنورة "! فليس لها ذكر في كل من الروايتين عنده , كما رأيت , فهل تدري لم افتعل الشيعي هذه الزيادة في هذا الأثر؟ .
لقد تبيّن له أنه ليس فيه دليل مطلقاً على اتخاذ القرص من الأرض المباركة (المدينة المنورة) للسجود عليه , إذا ما تركه على ما رواه ابن أبي شيبة , ولذلك ألحق به هذه الزيادة , ليوهم القراء أن مسروقاً رحمه الله اتخذ القرص من المدينة للسجود عليه تبركاً , فإذا ثبت له ذلك , ألحق به جواز اتخاذ القرص من أرض كربلاء , بجامع اشتراك الأرضين في القداسة!!
وإذا علمت أن المقيس عليه باطل لا أصل له , وإنما هو من اختلاق الشيعي , عرفت أن المقيس باطل أيضاً , لأنه كما قيل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟! فتأمل أيها القارئ الكريم مبلغ جرأة الشيعة على الكذب , حتى على النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل تأييد ما هم عليه من الضلال , يتبين لك صدق من وصفهم من الأئمة " أكذب الطوائف الرافضة " سلسلة الأحاديث الصحيحة (3 / 162 - 166) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8602)
طريقة مبتدعة في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أتوضأ، فأنا أبدأ بالبسملة ثم أستمر قائلة "نويت طهارة الوضوء"، وبينما أقول ذلك على جميع الأعضاء الواجب غسلها، فأنا أعلم أنك قدمت ما يقال عند الوضوء، لكني أريد أن أعرف ما إذا كان يمكنني أن أستمر في قول ما تعودت على قوله بدلا عن ما قدمته أنت، وبالطبع فإنك إذا أخبرتني بما يخالف فعلي، فسآخذ بنصيحتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم في عبادته لله عز وجل أن يتعبَّد الله بما شرعه الله له، والأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع شيء من أنواع العبادة إلا بدليل، ومن أتى بشيء مما لم يأت به الله عز وجل ولا رسوله فقد أحدث في دين الله عز وجل، وعمله هذا مردود، لأن العمل حتى يقبل لا بد فيه من أمرين:
1- الإخلاص لله عز وجل. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) البينة
2- المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر
فلا يجوز ابتداع شيء من أنواع العبادة لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)
وروى الترمذي عن الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ من حديث العرباض بن سارية وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " رواه الترمذي (السنة/3991) ، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود صحيح برقم 3851. والواجب على المسلم أن لا يتجاوز ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه.
وقد نقل الصحابة صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَنقُل أحد منهم هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب اتباع ما جاء به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مسألة التلفظ بالنية:
لا يستحب التلفظ بها لأن ذلك بدعة لم تنقل عن رسول الله ولا عن اصحابه ولا أمر النبى أحدا من أمته أن يتلفظ بالنية ولا عَلّم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان هذا مشهورا مشروعا لم يهمله النبى وأصحابه مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة بل التلفظ بالنية نقص فى العقل والدين.
مجموع الفتاوى ج: 22 ص: 231
وقال في موضع آخر: وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفى الطهارة وسائر العبادات فهى من البدع التى لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما يحدث فى العبادات المشروعة من الزيادات التى لم يشرعها رسول الله فهى بدعة بل كان صلى الله عليه وسلم يداوم في العبادات على تركها، ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة.
مجموع الفتاوى ج: 22 ص: 223
أما الذكر الذي يقال قبل الوضوء أو بعده يراجع جواب سؤال رقم 2165.
فيجب على المسلم ترك ما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم والبعد عن الابتداع في الدين، لأن في الابتداع مشابهة لأهل الكتاب، وينبغي على أن يحرص على تعلُّم أمور دينه حتى لا يقع في البدع. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8603)
هل تشرع الموعظة عند القبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مشروعية الموعظة عند القبر؟ سمعنا من يقول إنها ما وردت عن الرسول ومن يقول إنها سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم. القول بأنها ما وردت على إطلاقه غير صحيح. والقول بأنها سنة غير صحيح.
ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقف عند القبر أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة ثم يعظ الناس ويذكرهم كأنه خطيب جمعة، وهذا ما سمعنا به، وهو بدعة وربما يؤدي في المستقبل إلى شيء أعظم، ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً، ثم يقول انظروا إلى هذا الرجل بالأمس كان يلعب بالأمس كان يستهزئ بالأمس كان يقول كذا وكذا، والآن هو في قبره مرتهن، أو يتكلم في شخص تاجر مثلاً فيقول: انظروا إلى فلان بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم وما أشبه ذلك والآن هو في قبره.
فلهذا نرى ألا يقوم الواعظ خطيباً في المقبرة لأنه ليس من السنة، فلم يكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت يقوم ويخطب الناس أبداً ولا عهدنا هذا من السابقين، وهم أقرب إلى السنة منا. ولا عهدناه أيضاً فيمن قبلهم من الخلفاء، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ فيما نعلم يفعلون هذا، وخير الهدي هدي من سلف إذا وافق الحق
وأما الموعظة التي تعتبر كلام مجلس، فهذه لا بأس بها، فإنه قد ثبت في السنن أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج أو أتى بقيع الغرقد وفيه ناس يدفنون ميتاً لهم، لكن الميت لمَّا يلحد، يعني معناه أنهم يحفرون القبر، فجلس وجلس حوله أصحابه وجعل يحدثهم بحال الإنسان عند موته وحال الإنسان بعد دفنه حديثاً هادئاً ليس على سبيل الخطبة.
وكذلك ثبت عنه في صحيح البخاري وغيره أنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " فقالوا: يا رسول الله: ألا نتكل؟ قال: لا. اعملوا، فكل ميسّر لما خُلِق له "
والحاصل أن الموعظة التي هي قيام الإنسان يخطب عند الدفن أو بعده ليست من السنة ولا تنبغي لما عرفت، وأما الموعظة التي ليست كهيئة الخطبة كإنسان يجلس ومعه أصحابه فيتكلم بما يناسب المقام فهذا طيب اقتداءً برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[الْمَصْدَرُ]
لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (2/55-56) .(5/8604)
اتخاذ الحيوانات المحنطة في المجالس
[السُّؤَالُ]
ـ[برز في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع الحيوانات والطيور المحنطة، فنأمل من سماحتكم بعد الإطلاع إفتائي عن حكم اقتناء الحيوانات والطيور المحنطة، وما حكم بيع ما ذكر، وهل هناك فرق بين ما يحرم اقتناؤه حياً وما يجوز اقتناؤه حياً في حالة التحنيط، وما الذي ينبغي على المحتسب حيال تلك الظاهرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اقتناء الطيور والحيوانات المحنطة سواء ما يحرم اقتناؤه حياً أو ما جاز اقتناؤه حياً فيه إضاعة للمال، وإسراف وتبذير في نفقات التحنيط، وقد نهى الله عن الإسراف والتبذير، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، لأن ذلك وسيلة إلى اتخاذ الصور من ذوات الأرواح، وتعليقها ونصبها محرم، فلا يجوز بيعه ولا اقتناؤه وعلى المحتسب أن يبين للناس أنها ممنوعة، وأن يمنع ظاهرة تدوالها في الأسواق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/36.(5/8605)
الاحتفال بالأعياد المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الشرع في الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعيد مولد الأطفال، وعيد الأم، وأسبوع الشجرة، واليوم الوطني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أموراً منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.
ثانيا: ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد وعيد الأم والعيد الوطني لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، وكما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار، وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلاً لمصلحة الأمة وضبط أمورها، وتنظيم مواعيد الدراسة والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك مما لا يفضي به التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فلا حرج فيه بل يكون مشروعاً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/59.(5/8606)
يريد أن يقضي الصلاة عن زوجته حال حيضها!!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المسلمة أن تصلي ما فاتها من صلوات بعد انقضاء دورتها؟ وهل يجوز أن يصلي شخص آخر عن الحائض، كالزوج مثلا، بأن يصلي كل صلاة مرتين، عنه وعن زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة في حال الحيض تسقط عنها الصلاة، بل إذا صلَّت المرأة فإنها تعتبر آثمة بذلك وعاصية لربها. ولا تقبل صلاتها.
وقد عذرها الله بترك الصلاة حال حيضها وهذا معنى نقصان دينها الذي جاء في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ (خرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ... مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) رواه البخاري (الحيض/293) ومسلم (الإيمان / 114) .
عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: (مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ....قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ) رواه البخاري (الحيض / 310) مسلم (الحيض / 508) - واللفظ له -.
قال النووي: هَذَا الْحُكْم ـ أي عدم قضاء الصلاة ـ مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلاة وَلا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلَاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم، قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلافِ الصَّوْم.
" شرح مسلم " (4 / 26) .
فيُقال إن الحائض في فترة الحيض غير مكلَّفة بالصلاة أصلاً، ولا يجوز لها هي أن تقضي الصلاة بعد طهرها، فكيف يقضي الصلاة عنها غيرها؟ فلا يحتاج أن يقضيها عنها زوجها، هذا فضلاً عن أن الصلاة لا يصح قضاؤها عن الغير، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.
والواجب على كل مسلم البعد عن إحداث شيء في الدين لم يأذن الله به.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8607)
اجتماع العائلة في مواسم المولد وعاشوراء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز اجتماع العائلة - الإخوة وأبناء العم - والأكل معاً في المواسم والأعياد (أقصد بالمواسم مثل المولد وعاشوراء وغيرها، وما الحكم فيمن يفعل ذلك، أيضا بعد حفظه للقرآن (ختمه) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن التزاور، واجتماع الأخوة وأبناء العم وذوي القربى، في الأعياد الشرعية (الفطر، الأضحى) ، والمناسبات السارة، لا شك أن ذلك من دواعي السرور، وأسباب زيادة المحبة، وتقوية الصلة بين الأرحام غير ما يحدث في كثير من هذه الاجتماعات العائلية، من اختلاط الرجال بالنساء، ولو كانوا من أبناء القرابة والعمومة ونحوهم، من العادات السيئة المخالفة لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بغض البصر، ومنع التبرج، وتحريم الخلوة، ومصافحة المرأة الأجنبية، وسائر الأسباب المفضية إلى الفتنة. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطر التساهل مع الأقارب، وذلك في قوله: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله فرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد: الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه. رواه مسلم أيضا. (يمكن مراجعة السؤال 1200 حول موضوع الاختلاط) .
وأما الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو عاشوراء، أو غيرها من الأيام، وجعله موسماً وعيداً للناس، فقد سبق أن بينما أن العيد في الإسلام يومان فقط هما يوم الفطر ويوم الأضحى، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم. راجع الأسئلة (5219) و (10070) و (13810) ولمعرفة حكم الاحتفال بعاشوراء راجع السؤال (4033) .
وأما إظهار الفرح والسرور، واجتماع الأهل احتفاء بمن أتم حفظ القرآن، فلا يظهر فيه شيء إن شاء الله، وليس ذلك من الأعياد والاحتفالات المحدثة، إلا أن يجعلوا هذا اليوم عيداً، يحتفلون به كل عام، أو نحو ذلك.
ويترجح ذلك العمل إذا كان الذي أتم به حفظ القرآن صغير السن، يحتاج إلى تشجيعه وتقوية عزمه على ضبطه والعناية به، وعدم إهماله ونسيانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8608)
إخراج المرأة كفها أمام البائع.. أمر منكر
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً من النساء اللاتي يخرجن إلى الأسواق لقصد الشراء من أصحاب المحلات التجارية يُخرجن أكف أيديهن والبعض الآخر يخرجن الكف مع الساعد وذلك عند غير محارمهن، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن إخراج المرأة كفيها وساعديها في الأسواق أمر منكر وسبب للفتنة لا سيما أن بعض هؤلاء النساء يكون على أصابعهن خواتم وعلى سواعدهن أسورة، وقد قال الله تعالى للمؤمنات: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن) ، وهذا يدل على أن المرأة المؤمنة لا تبدي شيئاً يعلم به ما تخفيه من هذه الزينة فكيف بمن تكشف زينة يديها ليراها الناس.
إنني أنصح النساء المؤمنات بتقوى الله عز وجل وأن يقدمن الهدى على الهوى ويعتصمن بما أمر الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي هن أمهات المؤمنين، وأكمل النساء أدباً وعفة حيث قال لهن: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ، ليكون لهن نصيب من هذه الحكمة العظيمة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) .
وأنصح رجال المؤمنين الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يقوموا بالأمانة التي حملوها واسترعاهم الله عليها نحو هؤلاء النساء فيُقوِّمُوهن بالتوجيه والإرشاد والمنع من أسباب الفتنة فإنهم عن ذلك مسؤولون ولربهم ملاقون فلينظروا بماذا يجيبون (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد) والله أسأل أن يصلح المسلمين والمسلمات.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1774 ص 60.(5/8609)
تخصيص آيات من بعض السور لقراءتها في أوقات الشدة وضيق الحال
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أسألكم سؤالا عن بعض آيات من القرآن، والتي نُصح بقراءتها في أوقات الشدة، والنكبات المالية. إنها تسمى " المنازل " في الأردو. من فضلكم أريد أن أعرف هل يجوز العمل بها، السبب وراء قراءتها هو كأنك تدعو الله. " آية من فاتحة القرآن، والبقرة 1 – 5، والبقرة 163، والبقرة 255- 257، والبقرة 284-286، وآل عمران 18، وآل عمران 26-27، والأعراف 54-56، بني إسرائيل 110-111، والمؤمنون 115- 118، والصافات 1-11، والرحمن 33-40، والحشر 21-24، والجن 1-4، سور الكافرون والفلق والناس والإخلاص".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى جواز تخصيص قراءة آيات معينة من القرآن الكريم لغرض معين، إلا بدليل شرعي خاص، كأن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في فضائل سورة معينة، فيقرأها المسلم بغرض تحصيل هذه الفضيلة والفائدة.
أما أن يأتي أحدهم إلى آيات من القرآن الكريم متفرقة، ينتقيها بنفسه، وينسب إليها تفريج الكربات والإعانة في الأزمات، بل ويوردها في كتاب على أنها من وظائف المسلم وأوراده المستحبة، فذلك أقرب إلى الابتداع منه إلى الاتباع، وأولى للمسلم اجتناب ذلك وعدم امتثاله والعمل به.
والقرآن كله بركه وأجر وخير، ولكن دعوى أثر معين لآية معينة، خاصة فيما زعمه هذا القائل من تفريج الشدائد والضوائق المالية، فهذا لا بد له من دليل، ولا دليل لمؤلف هذا الكتاب على ما أورده، فيجب التنبه لذلك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
في أوغندة إذا أراد شخص أن يدعو ربه – دعاء - خاصا لسعة الرزق، يدعو أشخاصا من المتعلمين، ويحضرون إليه، ويحمل كل واحد مصحفه، ويبدؤون في القراءة، واحد يقرأ سورة يس لأنها قلب القرآن، وثاني سورة الكهف، وثالث سورة الواقعة أو الرحمن، أو الدخان، المعارج، نون، تبارك، يعني الملك، محمد، الفتح، ونحو ذلك من السور القرآنية، وبكرا كذا وبكرا كذا لا يقرءون من البقرة أو النساء، وبعد ذلك الدعاء، فهل هذا الطريق مشروع في الإسلام، وإن كان عكس، فأين الطريق المشروع، مع الدليل عنه؟
فأجابوا: " قراءة القرآن مع تدبر معانيه من أفضل القربات، ودعاء الله واللجأ إليه في التوفيق للخير وفي سعة الرزق ونحو ذلك من أنواع الخير عبادة مشروعة.
لكن القراءة بالصفة التي ذكرت في السؤال - من توزيع سور خاصة من القرآن على عدة أشخاص، كل منهم يقرأ سورة ليدعو بعد ذلك بسعة الرزق ونحوها – بدعة؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا ولا فعلا، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن أئمة السلف رحمهم الله، والخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، ودعاء الله مشروع في كل وقت ومكان، وعلى أي حال، من شدة ورخاء، ومما رغب فيه الشرع، وحث على الدعاء فيه السجود في الصلاة، ووقت السحر، وفي آخر الصلاة قبل السلام، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) رواه البخاري ومسلم.
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود.
وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم وأبو داود والنسائي. وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه التشهد قال له: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) وبالله التوفيق " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/486) .
وفي موقعنا، في جواب السؤال رقم: (71183) ذكرنا بعض الأدعية المشروعة الثابتة في طلب الإعانة على قضاء الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيرجى مراجعتها هناك والاستفادة منها.
وانظر أيضا: (3219) ، (22457) ، (87915) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8610)
دعاء الإمام والمأمومين جماعة عقب صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نصلي ركعتي فرض الجمعة، بعدها يستدير الإمام وندعو جميعاً. فهل ما نقوم به صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ينبغي للمؤمن أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، في فعله وتركه، فيفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويترك ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الأحزاب/21.
ودعاء الإمام بعد صلاة الفريضة ـ الجمعة أو غيرها ـ وتأمين المأمومين، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا فعله أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
وعلى هذا؛ فيدخل هذا الفعل في البدعة المذمومة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ له.
وقد ذكر الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه "الاعتصام" (1/349-355) الدعاء الجماعي بعد الصلوات المكتوبة، وبَيَّن أن ذلك بدعة، لأنه لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولا الأئمة بعدهم.
فالواجب ترك هذه البدعة، والحرص على الأذكار والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الصلاة، ومن أراد الدعاء فليدع سراً.
وانظر جواب السؤال رقم (10491) و (21976) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8611)
الاحتفال في المناسبات والأعياد، ما يجوز منه، وما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا الزمن، حيث نعيش في القرية العالمية مع كل الجاليات الأخرى، هل يجوز الاحتفال بأعياد الميلاد الشخصية، ومناسبات الأعراس بطريقة إسلامية، والتي فيها لا نقحم أنفسنا في أي ممارسات غير إسلامية ما دام أن هذه المناسبات، والاحتفالات لا تنتسب إلى أي دين، مثل " الهالوين "، و " الكريسميس " و " الفالنتاين " المسيحية، و " الديسيرا " و " الديفالي " الهندوسيين، وغيرها؟ . هل يمكن الاحتفال بالمناسبات التي ليس لها ارتباط ديني؟ لقد عرفت أن هناك إمكانية لإقامة احتفال بسيط كما مذكور في الفتاوى على مواقع: daruliftaa.com; islamonline.net، أجده صعباً جدّاً أن أقنع أطفالي أن ما كنا نفعله في السنوات الخمس عشرة، وكل ما يمارس حولنا: ليس إسلاميّاً، وليس له قبول في ديننا. لطفاً، أجيبوا مع وضع كل ما مضى في ذهنكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في شرع الله تعالى من إقامة الاحتفالات في الأعراس، أو غيرها من المناسبات الدنيوية، بشرط خلوها من المنكرات، كالاختلاط، والمعازف، وهذه الاحتفالات ليست من العبادات التي يُتقرب فيها إلى الله تعالى، بل هو اجتماع لإظهار الفرح والسرور، والأصل في العادات الإباحة، بخلاف العبادات فإن الأصل فيها المنع والتحريم.
ومن الاحتفالات الممنوعة في الشرع – عدا ما فيه منكرات ومعاصٍ -: ما كان فيه مشابهة لأهل الكفر، كالاحتفال بيوم الميلاد، ويوم الأم، ويشتد المنع إذا اتخذت صورة تشبه صورة الأعياد الشرعية؛ وهو أمر واقع حال تلك المناسبات، فيطلق عليها " عيد الميلاد "، و" عيد الأم "، وهي مناسبات فيها مشابهة لأهل الكفر، والذين نهينا على التشبه بهم، مما يختصون به، ويشتد المنع أكثر إذا كان يقصد المحتفل بها التقرب إلى الله تعالى، وحينئذٍ تجمع بين المعصية، والبدعة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم تعييد ميلاد الأولاد؟ يقال عندنا: إن من الأحسن الصوم في ذلك اليوم بدلا من التعييد، ما هو الصحيح؟
فأجابوا: " عيد الميلاد، أو الصيام لأجل عيد الميلاد: كل ذلك بدعة، لا أصل له، وإنما على المسلم أن يتقرب إلى الله بما افترضه عليه، وبنوافل العبادات، وأن يكون في جميع أحيانه شاكراً له، وحامداً له، على مرور الأيام، والأعوام عليه وهو معافى في بدنه، آمناً على نفسه، وماله، وولده " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 260 , 261) .
وما ذكرته في شأن الكريسميس، من أنه لا ينتمي إلى دين معين، غير صحيح، بل هو عيد ديني عند النصارى، يتحفلون فيه بميلاد المسيح عليه السلام، وإذا كنا نمنع من الاحتفال بميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونراه من الأعياد المبتدعة، فكيف بمن يوافق النصارى على عيدهم المبتدع.
وانظر حول الكريسميس جواب السؤال رقم (1130) ، (947) ، (85108) .
وانظر فتوى للشيخين عبد العزيز بن باز، وابن عثيمين رحمهما الله في حكم الاحتفال بعيد الميلاد في جوابي السؤالين: (1027) ، (26804) .
وانظر فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيما يسمى " عيد الأم " في جواب السؤال رقم: (59905) .
وفي موقعنا هذا مقال مفصَّل حول ما يسمى " عيد الأم "، وفيه نبذة عن تاريخه، وفتاوى أهل العلم في حكمه، فانظر هنا:
http://www.islam-qa.com/index.php?pg=article&ln=ara&article_id=92
وانظر كلمة عامة في الأعياد المبتدعة: جواب السؤال رقم: (10070) .
وللوقوف على منكرات الأعراس، وفتاوى أهل العلم فيها: انظر أجوبة الأسئلة: (60442) و (10791) و (9290) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8612)
هل العلم بجنس المولود من الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته , وقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) لقمان/34. وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما تلد امرأته , فأنزل الله الآية وما جاء عن قتادة رحمه الله؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى: (ما في الأرحام) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً , وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة , فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له , وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته , لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي , ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً.
فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام , والعلم بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام , وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية , حيث إن الآية تدل على أمر غيبي وهو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة, والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه, وحياته, وعمله, ورزقه, وشقاوته أو سعادته, وكونه ذكراً أم أنثى, قبل أن يُخلًّق, أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته, أو أنوثته من علم الغيب , لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة, التي لو أزيلت لتبين أمره, ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى. وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة, وكذلك لم تأت السنة يذلك.
وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, عما تلد امرأته, فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً رحمه الله من التابعين.
وأما تفسير قتادة رحمه الله فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يُخلًّق , أما بعد أن يخلق فقد يعلمه غيره. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه, ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه. ا. هـ
وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله تعالى (ما في الأرحام) . فنقول: إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع, وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص أو الإجماع أو القياس أو الحس أو العقل وكلامهم في ذلك معروف.
وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله, فليس فيها ما يتعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثة.
والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم, وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم , ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة.
والناس في هذا المسألة طرفان ووسط:
فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن, فجلب ذلك الطعن إلى نفسه في قصوره, أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن.
وطرف أعرض عمَّا دل عليه القرآن الكريم وأخذ بالأمور المادية المحضة , فكان بذلك من الملحدين.
وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع, وعلموا أن كلا منهما حق, ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان, فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول, وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم, وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقفنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك , وجعلنا هداةً مهتدين , وقادة مصلحين , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت , وإليه أنيب.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 68-70.(5/8613)
لبس خواتيم الفضة في شهر رجب
[السُّؤَالُ]
ـ[في أسرتنا، أعطينا كل الإخوة والأخوات خواتيم فضة، الخاتم يحوي بعض الأرقام العربية مطبوعة في جانبه الداخلي ومصنوعة خصوصا في شهر رجب فقط، أحب معرفة ما إذا كان لبس مثل هذا الخاتم من الإسلام أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يباح للرجل لبس الخاتم من الفضة، كما يباح للمرأة ذلك.
روى البخاري (65) ومسلم (2092) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/340) : " يباح للمرأة المزوجة وغيرها لبس خاتم الفضة، كما يجوز لها خاتم الذهب , وهذا مجمع عليه , ولا كراهة بلا خلاف , وقال الخطابي: يكره لها خاتم الفضة ; لأنه من شعار الرجال، قال: فإن لم تجد خاتم ذهب فلتصفره بزعفران وشبهه , وهذا الذي قاله باطل لا أصل له , والصواب أن لا كراهة عليها ".
ثم قال: " يجوز للرجل لبس خاتم الفضة، سواء من له ولاية وغيرها، وهذا مجمع عليه , وأما ما نقل عن بعض علماء الشام المتقدمين من كراهة لبسه لغير ذي سلطان فشاذ مردود بالنصوص وإجماع السلف، وقد نقل العبدري وغيره الإجماع فيه " انتهى.
كما يباح النقش والكتابة على الخاتم، لكن تخصيص ذلك بشهر رجب لا أصل، ومن لبس الخاتم في شهر رجب على اعتقاد التقرب إلى الله بذلك، أو أن لبسه في هذا الشهر له فضيلة معينة، فقد ابتدع وأساء.
وينبغي الحذر من كتابة شيء على الخاتم مما يُزعم أنه يجلب الحظ أو يدفع العين والحسد والجن ونحو ذلك.
والحاصل: أن أصل لبس الخاتم والنقش عليه لا حرج فيه، والمحذور هو التقرب إلى الله بذلك أو تخصيص لبسه بوقت معين، أو التبرك بالخاتم، أو جعله تميمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8614)
حكم إظهار الزينة يوم عاشوراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في كلية البنات ونحن نعيش وبيننا أعداد هائلة من الشيعة وهم حالياً يرتدون الثياب السوداء بمناسبة عاشوراء فهل يجوز لنا بالمقابل لبس الألوان الزاهية وزيادة التزين لا لشيء إلا إغاظة لهم؟! وهل يجوز لنا غيبتهم والدعاء عليهم علماً بأنهم يظهرون لنا البغضاء كما وأني شاهدت إحداهن ترتدي تمائم كتبت عليها طلاسم وبيدها عصا تشير لإحدى الطالبات وكنت متضررة منه ولا زلت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لَكُنَّ التزين بشيء من الألبسة ولا غيرها في عاشوراء لأن هذا قد يفهم منه الجاهل والمغرض فرح أهل السنة بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، وحاشا لله أن يكون ذلك برضى من أهل السنة.
وأما بالنسبة للتعامل معهن بغيبة والدعاء عليهن وغير ذلك من التصرفات التي تدل على البغضاء فإنها لا تجدي فالذي يجب علينا الاجتهاد في دعوتهن ومحاولة التأثير عليهن وإصلاحهن، فإن لم يكن للإنسان بذلك طاقة فليعرض عنهم ويترك المجال لمن يستطيعه، ولا يتصرف تصرفات تضع العراقيل في طريق الدعوة.
الشيخ: سعد الحميد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثى. . . وبدعة السرور والفرح. . . فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، فصاروا يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة. . . وكل بدعة ضلالة، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا. . .) اهـ منهاج السنة (4/554-556) باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8615)
زيادة العبادة في أيام تنتشر فيها المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل عبادة في وقت هرج الناس (مثل رأس السنة الميلادية) ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (عبادة في الهرج كهجرة إلي) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم المتمسك بدينه هو الذي يذكر الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، وفي السراء والضراء، لا يغيب ربه عن ذكره ولا عن قلبه، ولا تشغله عن عبادته الشواغل، ولا تصرفه عن حبه الصوارف، فتراه في جميع شأنه حريصا على عبادة الله، حريصا على شغل عمره بطاعة ربه ومولاه، إذا خالط العابدين نافسهم وسابقهم إلى رضوان الله، وإذا رأى الغافلين استشعر نعمة الله عليه بما حباه، فهؤلاء هم الشهداء الغرباء القابضون على الجمر، الذين وردت الأحاديث في فضل عملهم، وتمسكهم بالسنة في زمان الفتنة والمحنة والغربة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم (145)
فالفضل حاصل لمن يحافظ على السنة والطاعة والعبادة في أيام الفتنة والغفلة كما يحافظ عليها في أزمان الصلاح والتقوى، فهو عامل عابد على كل حال.
هذا هو الذي جاءت الأحاديث في مدحه والثناء عليه.
أما ما قد يفهمه بعض الناس، أن يترقب أحدهم أيام انتشار المعاصي والمنكرات، ليبادر إلى تخصيص ذلك اليوم بصيام أو قيام، ولا يكون ذلك من هديه وعادته في غالب أيامه وأحواله، فليس هذا من الفهم الصحيح للحديث، وليس مقصودا للشارع الحكيم، وإنما المقصود الحث على التمسك الدائم بالسنة، والقيام الكامل بأوامر الله تعالى، ليبقى المسلم منارة في الأرض في أزمنة الظلام، ويلقى الله تعالى وما استقال من بيعته التي بايع عليها حين أعلن استسلامه إليه عز وجل.
وهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أيامه وساعاته خالصة لوجه الله تعالى، فلم يكن يدع فرصة لعبادة الله تفوته، حتى سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه: قال: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. رواه النسائي في "السنن" (رقم/2357) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/1898)
وهذا هو أيضا معنى الحديث الذي يرويه مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم (2948)
قال النووي رحمه الله:
" المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد " انتهى.
"شرح مسلم" (18/88)
فلا نرى للأخت السائلة ولا لغيرها من المسلمين تخصيص ليالي رأس السنة الميلادية بعبادة، على وجه المقابلة للكفار الذين يملؤونها بالمعاصي، إلا إذا كان القيام أو الصيام من عادة المسلم في باقي أيامه، فلا بأس حينئذ من العبادة تلك الليالي، والله سبحانه وتعالى يجزيه خيرا على عمله ونيته.
وقد سبق التحذير من تخصيص ليالي أعياد الكفار بعبادات معينة في جواب السؤال رقم: (113064)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8616)
هل يجوز لنا الاجتماع ليلة رأس السنة للذِّكر والدعاء وقراءة القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الرسالة رأيتها كثيراً على الإنترنت، ولكن في الحقيقة لم أرسلها لشكِّي في كونها من البدعة، فهل يجوز نشرها، ونثاب عليها، أم إنه لا يجوز هذا لأنه بدعة؟ " إن شاء الله كلنا سنقوم الساعة 12 ليلة رأس السنة، ونصلي ركعتين، أو نقرأ قرآناً، أو نذكر ربنا، أو ندعو، لأنه لو نظر ربنا للأرض في الوقت الذي معظم العالم يعصيه: يجد المسلمين لا زالوا على طاعتهم، بالله عليك ابعث الرسالة هذه لكل الذين عندك، لأنه كلما كثر عددنا: كلما ربنا سيرضى أكثر ". أفيدوني، أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنتِ غاية الإحسان في عدم نشر تلك الرسالة، والتي انتشرت في كثير من المواقع الإلكترونية التي يغلب عليها طابع العامية والجهل.
والذين نشروا تلك الرسالة وأرادوا من المسلمين القيام بالصلاة والذِّكر: لا نشك أن نياتهم طيبة، وعظيمة، وخاصة أنهم أرادوا أن تقوم طاعات وقت قيام المعاصي، لكن هذه النية الطيبة الصالحة لا تجعل العمل شرعيّاً صحيحاً مقبولاً، بل لا بدَّ من كون العمل موافقاً للشرع في سببه، وجنسه، وكمَِّه، وكيفه، وزمانه، ومكانه، - وانظر تفصيلاً لهذه الأصناف الستة في جواب السؤال رقم: (21519) - وبمثل هذا يميِّز المسلم العمل الشرعي من البدعي.
ويمكن حصر أسباب المنع من نشر تلك الرسالة بنقاط، منها:
1. أنه وُجدت مناسبات جاهلية، ومناسبات لأهل الكفر والضلال، منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا، ولم نر نصّاً نبويّاً يحثنا على إنشاء طاعة وقت فعل غيرنا لمعصية، ولا بعمل مشروع وقت فعل عمل بدعي، كما لم يُنقل قول لأحدٍ من الأئمة المشهورين باستحباب فعل هذا.
وهذا من علاج المعصية ببدعة، كما حصل من علاج بدعة الحزن واللطم في " عاشوراء " من الرافضة ببدعة التوسع في النفقة وإظهار الفرح والسرور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مأتماً: فليس هذا من دين المسلمين، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب، ثم هم قد فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل، وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها، مثل فضل الاغتسال فيه، أو التكحل أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة كلها مكروهة وإنما المستحب صومه، وقد روي في التوسع فيه على العيال آثار معروفة أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه، قال: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته رواه ابن عيينة وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله، والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت للعصبية بين الناصبة والرافضة؛ فإن هؤلاء أعدوا يوم عاشوراء مأتماً: فوضع أولئك فيه آثاراً تقتضي التوسع فيه، واتخاذه عيداً، وكلاهما باطل ...
لكن لا يجوز لأحد أن يغيِّر شيئا من الشريعة لأجل أحد، وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة ... .
" اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 300، 301) .
وقد نقلنا كلاماً نفيساً آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية، فانظره في جواب السؤال رقم: (4033) .
2. الدعاء والصلاة لها أوقات في الشرع فاضلة، قد رغبنا النبي صلى الله عليه وسلم بفعلها فيه، كالثلث الأخير من الليل، وهو وقت نزول الرب سبحانه وتعالى للسماء الدنيا، والحث على فعل ذلك في وقت لم يرد فيه النص الصحيح إنما هو تشريع في " السبب " و " الزمن " والمخالفة في أحدهما كافية للحكم على الفعل بأنه بدعة منكرة، فكيف بأمرين اثنين؟! .
وفي جواب السؤال رقم: (8375) سئلنا عن التصدق على العائلات الفقيرة في رأس السنة الميلادية، فأجبنا عنه بالمنع، وكان مما قلناه هناك:
ونحن المسلمين إذا أردنا الصّدقة: فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين، ولا نتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار، بل نقوم به كلما دعت الحاجة، وننتهز مواسم الخير العظيمة، كرمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجّة، وغيرها من المواسم.
انتهى
والأصل في المسلم الاتباع لا الابتداع، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران/ 31، 32.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل مَن ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية: فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي، في جميع أقواله، وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 32) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –
أحبوا الرسول أكثر مما تحبون أنفسكم، ولا يكمل يمانكم إلا بذلك، ولكن لا تُحدِثوا في دينه ما ليس منه، فالواجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس، وأن يقولوا لهم: اشتغلوا بالعبادات الشرعية الصحيحة، واذكروا الله، وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأحسنوا إلى المسلمين في كل وقت.
" لقاءات الباب المفتوح " (35 / 5) .
3. أنكم تتركون ما هو واجب عليكم تجاه تلك المعاصي والمنكرات، وهو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصح للمخالفين، وانشغالكم بعبادات فردية مع وجود معاصي ومنكرات جماعية لا يحسُن بكم فعله.
فالذي نراه هو تحريم نشر مثل تلك النشرات، وبدعية الالتزام بتلك الطاعات لمثل تلك المناسبات، ويكفيكم التحذير من الاحتفالات المحرمة في المناسبات الشركية أو المبتدعة، وأنتم بذلك مأجورون، وتقومون بواجبكم تجاه فعل تلك المعاصي.
وينظر جواب السؤال رقم: (60219) للوقوف على فوائد مهمة في النية الصالحة وأنها لا تشفع لصاحبها لجعل عمله المبتدع عملاً مأجوراً عليه، وفيه تفصيل مهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8617)
الفروقات بين " الوهابية " الإباضية، وبين " الوهابية " السلفية
[السُّؤَالُ]
ـ[استمعت إلى عدد من علمائنا ودعاتنا، في مواضع مختلفة، وأماكن متفرقة، وهم يتكلمون عن " الوهابية "، وقد دافعوا عنها، وبيَّنوا أنها ليست حركة، أو فرقة، إنما هي تجديد لما كان عليه السلف، من اتباع الكتاب والسنَّة، ونبذ الشرك بجميع مظاهره وأشكاله، ويقفون عند هذا الحد فقط، ولم يبيِّن أحد منهم - وخاصة المشهورين منهم - أن هناك فرقة تسمى بـ " الوهابية "، وهي فرقة ضالة، نشأت في الشمال الأفريقي، مما جعل الأمور تلتبس ببعضها، وهذا هو ما جعل بعض العلماء من خارج الجزيرة العربية ينكرون هذه الطائفة التي نشأت في الجزيرة، اعتقاداً منهم أنها امتداد لتلك، نظراً لهذا الاسم الذي ألصق بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فياحبذا لو كُتِبَ عن تلك الفرقة الضالة، وبُيِّنَ الفرق بينها وبين دعوة الشيخ محمد من حيث الأصول والمعتقد، ولكتابة هذا السؤال سبب، ولكن لا أريد الإطالة بذكره، ولعل المقصود اتضح، والهدف تبين. أسأل الله تعالى أن ينفع بكم الإسلام، وينفعكم بالإسلام أحياءً وأمواتاً، وأن يختم لي ولكم بخير خاتمة، وأفضل عاقبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك غيرتك على الحق، وحبك لهداية الناس، ونسأل الله أن يتولاك برعايته.
ونعلمك أن كثيراً من الباحثين قد تعرضوا لذِكر الفرق بين " الوهابية الإباضية الخارجية "، وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية السنيَّة، ومع أن تلبيس شياطين الإنس لم ينطلِ على الكثيرين بسبب البون الشاسع بين الطائفتين في نواحٍ عدة، منها:
1. الشخصيتان، فالإباضية: نسبة لعبد الوهاب بن رستم، والثانية: للشيخ محمد بن عبد الوهاب – ولا تصح النسبة أصلاً لأن اسم الشيخ هو " محمَّد " -.
2. المنهجان، فالإباضية فرقة مبتدعة، لا تعظم نصوص الوحي، ولا يفهمونها كما فهمها الصحابة والتابعون، والثانية: على منهج على أهل السنَّة والجماعة في العمل بالقرآن والسنَّة الصحيحة.
3. الاعتقادان، فالأولى: خارجية، والثانية: سلفية.
4. والزمانان، فالأولى في أواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث، والثانية: في أواخر القرن الثاني عشر! .
ومع ذلك فلم يمتنع العلماء وطلاب العلم من توضيح الحق لمن لبِّس عليه من دعاة السوء، وعلماء الضلالة.
قال الدكتور صالح بن عبد الله العبود – حفظه الله -:
الوهّابية: لقب فرقة انتشرت في الشمال الإفريقي، في القرن الثاني الهجري، على يد عبد الوهاب بن رستم، تسمى " الوهابية " نسبة إلى عبد الوهاب هذا، وتسمى أيضاً الرّستمية، نسبة إلى أبيه رستم، وهي فرقة متفرقة عن الفرقة الوهبية الخارجية، من فرق الإباضية، يطلق عليها الوهبية، نسبة إلى مؤسسها عبد الله بن وهب الراسبي، ولّما كان أهل المغرب من أهل السنة والجماعة: صاروا يناوئون تلك الفرقة الوهّابية الرستمية؛ لأنها تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، بل كفّرهم كثير من علماء أهل المغرب القدامى، الذين توفوا قبل أن يولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمئات السنين، فلما أظهر الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب على حين غربة معتقد أهل السنة والجماعة، قائماً بالدعوة الإصلاحية التصحيحية على ضوء الكتاب والسنَّة: لم يرق ذلك لأعداء التوحيد، وعبّاد القبور، وأصحاب المطامع والأغراض والأهواء، فسحبوا هذه النسبة - الوهابية - على سبيل المغالطة الماكرة - إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وإلى أنصارها، وأطلقوها عليها؛ لتنفير الناس عنها، وصدهم عن سبيل الله تعالى، وإيهامهم بأنّ دعوة التوحيد مبتدعة، وأنها مذهب الخوارج.
والساسة العثمانيون نشروا هذا الإطلاق على دعوة الشيخ محمد إلى التوحيد، وتلّقفه الناس بواسطة القبورييّن، والصوفية، والمبتدعة، والجهلة، والعامّة، واتخذوه نبزاً مشعراً بالذم، حين خافوا على دولتهم من هذه الدعوة إلى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، لا سيما بعد دخول الحرمين الشريفين فيها تحت ولاية أنصارها، وساعد على ذلك توافق اسم عبد الوهاب والد الشيخ محمد مع هذا الإطلاق عند من لا يدري الحقيقة.
ينظر البحث القيم " تصحيح خطأ تاريخيّ حول الوهابية "، للدكتور محمد بن سعد الشويعر، ط 3، سنة 1419هـ، الجامعة الإسلامية، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية.
" المراد الشرعي بالجماعة وأثر تحقيقه في إثبات الهوية الإسلامية " (ص 18) .
وقال الدكتور محمد بن سعد الشويعر – حفظه الله -:
الوهابية معروفة من القرن الثاني الهجري في المغرب بأنها فرقة خارجية إباضية، تُنسب إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي، المتوفى عام (197هـ) على رواية، وعام (205 هـ) على رواية أخرى، بشمال أفريقيا.
وقد اكتوى أهل المغرب بهذه الفرقة، وبنارها، وأفتى علماء الأندلس والمالكية بالمغرب بكفرها، فنقب المستشرقون، وأهل الفكر في الدول الغربية، التي تستعمر السواد الأعظم من ديار المسلمين ذلك الوقت، ووجدوا بغيتهم في تلك الفرقة التي لها تاريخ أسْوَد مع علماء الأندلس والشمال الأفريقي، فأرادوا من باب التنفير، والإفساد بين المسلمين، إلباس الثوب الجاهز، بعيوبه، لهذه الدعوة السلفية التصحيحية، من باب التفريق بين المسلمين، وإثارة الشحناء، ويرون أنفسهم الفائزين في مكسب أحد الطرفين أو خسارته، وقد أوضحت في كتابي: " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " شيئاً من ذلك، وكان أصله مناظرة مع بعض علماء المغرب الأقصى.
" مجلة البحوث الإسلامية " (60 / 256) في مقال بعنوان: " سليمان بن عبد الوهاب الشيخ المفترى عليه ".
وقال:
دعوة الشيخ محمد – أي: ابن عبد الوهاب - تتنافر مع الوهابية الرستمية، من حيث المعتقد، والمحتوى، والمكان، والطريقة، وأسلوب الاستشهاد بالدليل الشرعي؛ لأن الرستمية خارجية إباضية تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، كما هو معروف عنهم لدى علماء المالكية، في شمال أفريقيا والأندلس، قبل تغلب الإفرنج عليها وذهابها من الحكم الإسلامي الذي هيمن عليها، قرابة ثمانية قرون، بينما الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، ويدعم رأيه في كل أمر بالدليل الصحيح، من الكتاب والسنة، وما انتهجه السلف الصالح، كما هو واضح النص، والقياس، في جميع كتبه، ورسائله.
" مجلة البحوث الإسلامية " (60 / 264) .
ويمكنك الاطلاع على مقال " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " من هنا: http://www.wahabih.com/3.htm
ثانياً:
وقد ذكرنا عقائد الإباضية في جواب السؤال رقم: (11529) .
وبينا في جواب السؤال رقم: (40147) عدم جواز الصلاة خلفهم.
وذكرنا في جواب السؤال رقم: (66052) عدم قبول شهادتهم، ومنع تزويجهم من أهل السنَّة.
وانظر:
جواب السؤال رقم: (10867) من هم الوهابيون؟ وما هي دعوتهم؟ .
وجواب السؤال رقم: (12203) نصيحة الذين لا يعترفون بالعلماء السلفيين ويسمونهم الوهابيين.
وجواب السؤال رقم: (12932) حقيقة الشيخين الجيلاني وابن عبد الوهاب.
وجواب السؤال رقم: (9243) هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الخلافة العثمانية وكان سبباً في سقوطها؟ .
وجواب السؤال رقم: (36616) محمد بن عبد الوهاب مُصْلِحٌ مفترى عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8618)
كتابة هذه الآية على المحاريب في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة هذه الآية على المحراب في المسجد: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كتابة هذه الآية على المحراب وهي قول الله تعالى: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) آل عمران/37 بدعة محدثة، ووضع للآية على غير المراد منها، إذ المحراب في الآية: المكان الذي يُتَخَلَّى فيه للعبادة، لا المكان الذي يقوم فيه الإمام للصلاة "انتهى.
فضيلة الشيخ بكر أبو زيد.
"تصحيح الدعاء" ص277.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8619)
وصفة عشبية مع سور من القرآن من أجل تيسير الزوج الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام عشبة الحرمل مع الشَّبَّة، ويقرأ عليها الفاتحة سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وأواخر سورة البقرة والمعوذات سبع مرات، ومن ثم حرقه (علما بأن لها رائحة كريهة) ، على مدة سبعة أيام بعد صلاة العصر، وذلك من أجل تيسير الزوج الصالح، علما بأن هذه الوصفة من شيخ سمعنا عنه من ناس نعرفهم، وجربوها، ولكن نحن لم نذهب إليه. وأنا يا شيخنا أود أن أعرف هل يجوز عمل هذا الشيء، وربي شاهد أني متوكل عليه حق توكل، وأعرف أن الخير من عنده، وأني بعثت إليك مخافة من الله؛ ولأن أمي مصرة أن نفعل هذا الشيء، وقلت لها بأني سوف أسأل الشيخ أولا، وننظر ما يقول، فأرجوك يا شيخنا أن تأخذ إيميلي بعين الاعتبار، وأن تجيب على سؤالي. وجزاك الله كل خير، وأطال في عمرك للإسلام والمسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يبلغك ما تمنين، وأن يسعدك في الدارين، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يعينك على أمور الدنيا والدين.
ونؤكد لك - أختنا الفاضلة - أن السبيل إلى ذلك يكون باتخاذ الأسباب المنصوبة في الدنيا، وأهمها الصلاح والتقوى، فإن خلق الفتاة ودينها وتقواها سبب رئيس لإقبال الشباب لخطبتها، والتوفيق مكافأة عاجلة من الله تعالى لعباده الصالحين، وهو من عاجل بشرى المؤمن، فلا حرج في سعي المؤمن إليه كما يسعى لسائر أنواع الرزق، وإذا استطاعت المرأة أن تحث بعض أوليائها للسعي في توجيه مَن يعرفون مِن أصحاب الخلق والدين لخطبتها فلتفعل، ولهم في عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسوة حسنة حين خطب لابنته حفصةَ عثمانَ بنَ عفان وأبا بكر الصديق رضي الله عنهما، حتى تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا تأخر القدر بالزوج الصالح، وأمسك القضاء بذلك، فليكن سبيلك الصبر والرضى والتسليم، فهي منازل المتقين، والصبر عن المعصية أعظم أنواع الصبر كما يقرره العلماء، واستعيني عليه بالقناعة، فنعم الله لا تحصى، ولو التفت إلى من حولك لوجدت في الناس من ابتلي بصحته أو بماله أو بأهله أو حتى بزوجه، فتقدري نعمة الله عليك، وتكوني أسعد الناس بتلك القناعة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ) رواه مسلم (1054)
وتذكري أن الدعاء سلاح المؤمن، وهو سهمه الذي لا يخطئ، وملاذه الذي لا يخيب، وخزائن الخير لا تنفذ، والرب سبحانه كريم جواد يستحي إذا رفع العبد يديه بالدعاء أن يردهما خائبتين.
أما الوصفات التي يقوم بها بعض الناس لتيسير الزواج: عشبية كانت أو قرآنية، فهي أعمال غير مشروعة، وهي إلى باب البدعة أقرب، بل يخشى على من ظن أن حرق الشَّبَّة مع عشبة الحرمل سبب للزواج الوقوع في الشرك الأصغر، فقد عد العلماء من صوره أن تجعل ما ليس بسبب شرعا ولا عقلا سببا.
يقول الشيخ ابن عثيمين في "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/209، سؤال رقم/6) :
" الشرك الأصغر كل ما جاء في الكتاب والسنة أنه شرك وليس مخرجاً عن الملة , ومنه: أن تجعل ما ليس بسبب سبباً , مثل: القلادة ووضع الأشياء عن العين " انتهى.
وانظري جواب السؤال رقم: (6585) ، (14549) ، (21234)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8620)
هل يجوز إخراج المبتدعة من المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أناس في مسجدنا يقومون بالمسجد من أذان وصلاة وخطبة، ولكن يقومون بكثير من البدع، وقد نصحناهم أكثر من مرة ولكنهم لم يتركوا ذلك. هل يجوز إخراجهم من المسجد بالقوة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يُطرد المسلم عن بيوت اللَّه، ولو كان مبتدعاً، فهي بيوت مبنية لإقامة ذكر الله وعبادته، والمبتدع مشكور على طاعته، مأجور على كل خير يعمله لوجه الله تعالى، مع ترتب الإثم على بدعته، فلا يجوز لأحد أن يحجزه عن عبادة الله وطاعته، بل ينبغي إعانته عليها، وحثه على حضور جماعة المسلمين، لعله يسمع السنَّة من أهل العلم، فيرتدع عن الإحداث في الدين.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن بدخول المسجد من قِبَل بعض المشركين، كما في قصة ثمامة بن أثال رضي الله عنه، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بربطه إلى سارية من سواري المسجد، وذلك قبل أن يسلم، حتى أَسلَمَ في اليوم الثالث، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ! وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ) رواه البخاري (462) ومسلم (1764) .
فانظر كيف كان بقاؤه في المسجد سبباً في هدايته وإسلامه رضي الله عنه؛ فكيف بالمسلمين الذي يقومون بعمارة المسجد، بالأذان والخطابة، وغير ذلك، كما ورد في السؤال؟!
ولمَّا تخلَّف كعب بن مالك عن شهود تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهَجرِهِ ومنع الناس من الحديث معه، حتى أمره بترك زوجته، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من حضور جماعة المسلمين، وشهود صلاتهم.
يقول رضي الله عنه: (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا، ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي) رواه البخاري (2757) ومسلم (2769) .
ولما ظهرت الخوارج ببدعتهم، وفرقوا جماعة المسلمين بفكرتهم، وأحدثوا ما أحدثوا لم يأمر أحدٌ من الصحابة بإخراجهم من المساجد وطردهم عنها، لأنها بيوتٌ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا ينبغي لأحد أن يمنع ما أذن الله به.
قال علي بن أبي طالب في الخوارج: (لهم علينا ثلاث: ألا نبدأهم بقتال ما لم يقاتلونا، وألا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيه اسمه، وألا نحرمهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا) .
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 562) بإسناد حسن.
والذي يشرع في حقكم أن تحسنوا إليهم في بيت الله، وأن تجتهدوا في بيان السنة لهم بكل سبيل، وإذا أمكنكم منعهم من إقامة بدعتهم، بعد سؤال أهل العلم، والتحقق من أن هذا العمل المعين هو بدعة؛ فلكم أن تمنعوهم ـ فقط ـ عن هذه البدعة، لا أن تمنعوهم من المسجد بالكلية، شريطة ألا يترتب على منعهم هذا فتنة بين المسلمين، أو مفسدة هي أكبر من هذه البدعة التي تريدون منعها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما ; بل إما أن يفعلوهما جميعا ; أو يتركوها جميعا: لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا من منكر ; [بل] ينظر: فإن كان المعروف أكثر أمر به ; وإن استلزم ما هو دونه من المنكر. ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ; بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات. وإن كان المنكر أغلب نُهي عنه ; وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف. ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه، أمرا بمنكر، وسعيا في معصية الله ورسوله. وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما. فتارة يصلح الأمر ; وتارة يصلح النهي ; وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين ; وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا، وينهى عن المنكر مطلقا.
وفي الفاعل الواحد، والطائفة الواحدة، يؤمر بمعروفها، وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها، ويذم مذمومها ; بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه، أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه، أو فوات معروف أرجح منه. وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق ; فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية ".
انتهى، من " مجموع الفتاوى" (28/129-130) ، وأيضا: "الاستقامة" (2/217-218) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
عندنا في العمل شيعة، هل يجوز أن نرد عليهم السلام، ونراهم في المسجد كذلك يصلون على أوراق، فهل يجوز طردهم من المسجد؟ .
فأجاب:
أقول: عاملهم بما يعاملونك به، إذا سلموا فرد عليهم السلام، ولا يحسن أن يطردوا من المسجد، بل ربما يكون بعضهم من العامة الذين لا يعرفون شيئاً وقد ضللهم علماؤهم؛ فيمكنكم أنتم باللباقة والدعوة بالتي هي أحسن أن تؤثروا عليهم، واستعمال العنف بين الناس أمر غير وارد، والله سبحانه وتعالى يحب الرفق في الأمر كله، فأنتم الآن لو تصادمتم معهم وقلتم: لا تسجدوا على ورق، لا تسجدوا على حجر وما أشبه ذلك، لو كان الأمر ينتهي إلى هذا ثم ينتهون لكان الأمر طيِّباً، لكن سوف يزيدون، وسوف تكون العداوة والبغضاء بينكم أشد، فالذي أرى أن الواجب أولاً نصحهم، لاسيما العوام، والنصح ليس معناه أن تهاجم مذهبهم وملتهم الفاسدة الباطلة، لا، النصح أن تبين لهم الحق وتبين لهم السنة، ثم بعد ذلك إذا تبينت لهم السنة، فأنا أجزم جزماً، إن كان عندهم إيمان حقيقة، أن يرجعوا إليها وأن يدعوا باطلهم، فإن حصل هذا فهو الأكمل والأحسن، وإن لم يحصل فأنتم عاملوهم بما يعاملونكم به، وأما طردهم من المسجد فليس إليكم.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم 80، سؤال رقم 4) .
وأخيراً:
ننبهكم إلى أنه ليس كل من فعل بدعة يكون مبتدعاً، كما أن بعض ما ترونه بدعة لا يكون كذلك على التحقيق، ولا يجوز جعل هذه المسائل مرجعها لصغار طلبة العلم، أو المتحمسين للسنَّة، فهؤلاء أنفسهم يحتاجون لتوجيه وعناية ونصح، فمثلاً: قد يرون أن قبض اليد على الصدر بعد الركوع بدعة! فهل يحكمون على من فعلها بأنه مبتدع؟! وهل يريدون طرد مثل هؤلاء؟ وهل يعرفون من يفعل ذلك – أي: القبض بعد الركوع – من أئمتنا وعلمائنا؟! .
فنحن نشكر لهؤلاء الإخوة غيرتهم على السنَّة، لكننا لا نريد أن يدفعهم حماسهم هذا للحكم على الناس، ولا لطردهم من بيوت الله تعالى، وكم عانينا من تصنيف الناس، فهل سينتقل التصنيف إلى بيوت الله؟! نرجو أن لا يكون ذلك، ونرجو منهم التعقل والسؤال – كما فعلوا هنا -، وها هي فتاوى العلماء واضحة بيِّنة حتى في المبتدعة الغلاظ كالشيعة، مع عدم إغفال جانب دعوتهم وحثهم على السنَّة بالتي هي أحسن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8621)
الاحتفال باليوبيل الفضي أو الذهبي أو الماسي
[السُّؤَالُ]
ـ[تحتفل بعض الشركات أو الإدارات بمرور 25 سنة على افتتاحها ويسمون ذلك باليوبيل الفضي، وبعد مرور خمسين سنة كذلك، ويسمى بالعيد الذهبي، وبعد مرور خمس وسبعين سنة ويسمى بالعيد الماسي وهكذا، فهل هذه الاحتفالات سنة أم بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا تجوز إقامة الحفلات وتوزيع الهدايا وغيرها بمناسبة مرور سنين على فتح محل من المحلات، أو مدرسة من المدارس أو أي مشروع من المشاريع؛ لأن في هذا إحداث الأعياد البدعية في الإسلام , ولأن فيها تشبهاً بالكفار في عمل مثل هذه الأشياء، فالواجب ترك ذلك والحذر منه.." انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/261) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "عيد اليوبيل" (ص25) :
"الاحتفال باليوبيل على اختلاف مدده، وعلى اختلاف أغراضه، هو احتفال بدعي في الدين، ومنازعة في أمر ربّ العالمين، وتشبه بالكافرين وتعظيم لحرماتهم.
وأنه يجب على من نهى عن الاحتفالات البدعية، ومنها: الاحتفال بعيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والاحتفال برأس العام الهجري وغيرها من الأعياد المبتدعة لدى بعض المسلمين , التي أدخلها المضللون , يجب على الناهين عن هذه الأعياد البدعية وجوباً أولياً أن يعلنوا النهي عن الاحتفال بعيد اليوبيل: الفضي , والذهبي , والماسي , والثمانيني , لأي مدة كان , ولأي مكان , ولأي شخص , أو مناسبة , ومن لم يفعل فهو متناقض مضطرب , شاء أم أبى , وهذا من اتباع الهوى" انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8622)
الاجتماع على قراءة القرآن في بيت الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة في بعض البلاد، وهي أنه إذا مات الميت رفعوا أصواتهم بالقرآن ومن خلال المسجلات في بيت الميت، فما حكم هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا العمل بدعة بلا شك، فإنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه، والقرآن إنما تُخفف به الأحزان إذا قرأه الإنسان بنفسه بينه وبين نفسه، لا إذا أعلن به على مكبرات الصوت التي يسمعها كل إنسان حتى اللاهون في لهوهم، حتى الذين يستمعون المعازف وآلات اللهو تجده يسمع القرآن، ويسمع هذه الآلات، وكأنما يلغون في هذا القرآن ويستهزئون به.
ثم إن اجتماع أهل الميت لاستقبال المعزين هو أيضًا من الأمور التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعض العلماء قال: إنه بدعة، ولهذا لا نرى أن أهل الميت يجتمعون لتلقي العزاء، بل يغلقون أبوابهم، وإذا قابلهم أحد في السوق، أو جاء أحد من معارفهم بدون أن يعدوا لهذا اللقاء عدته، ودون أن يفتحوا الباب لكل أحد، فإن هذا لا بأس به، وأما اجتماعهم وفتح الأبواب لاستقبال الناس فإن هذا شيء لم يكن معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والنياحة كما هو معروف من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة، وقال: (النائحة إذا لم تتب قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب) . نسأل الله العافية.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يتركوا هذه الأمور المحدثة؛ لأن ذلك أولى بهم عند الله، وهو أولى بالنسبة للميت أيضًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه، وبنياحة أهله عليه، ومعنى يُعذَّب: يتألم من هذا البكاء، وهذه النياحة، وإن كان لا يعاقب عقوبة الفاعل؛ لأن الله تعالى يقول: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164، ولا يلزم من العذاب أن يكون عقوبة، ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب) . وليس السفر عقوبة، بل إن الألم والهمَّ وما أشبه ذلك يعد عذابًا، ومن كلمات الناس العابرة قول: عذبني ضميري. إذا اعتراه الهمُّ والغمُّ الشديد.
والحاصل: أنني أنصح إخواني عن مثل هذه العادات التي لا تزيدهم من الله إلا بعدًا، ولا تزيد موتاهم إلا عذابًا" انتهى.
فضيلة الشيخ مجمد بن عثيمين رحمه الله
"فتاوى أركان الإسلام" (416-417) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8623)
كلما دخل المنتدى سبح، فسبح الأعضاء وكبروا وهللوا
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: نلاحظ في كثير من المنتديات مواضيع، يبدأ العضو الأول بقول: سبحان الله، والثاني: الله أكبر، وهكذا يستمرون في التسبيح والتهليل في كل مرة يتم الدخول إلى المنتدى. فما الحكم في ذلك بارك الله فيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أراد الداخل إلى المنتدى تذكير إخوانه بالتسبيح والتهليل والتكبير، فسبح أو كبر، وتجاوب الأعضاء معه، فذكروا الله تعالى، فلا حرج في ذلك، وهو من الذكر في الملأ، وقد جاء فيه الحديث العظيم المشهور:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ) رواه الترمذي (3380) وأبو داود (5059) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً.
والمحذور هو: أن يُتخذ لذلك عدد معين، أو ترتيب مقصود، كأن يُبدأ بالتسبيح، ويرى الآخر لزاما عليه أن يأتي بالتكبير أو التحميد، فاعتقاد اللزوم، أو تخصيص الذكر بعدد معين لم يرد في الشرع تحديده، أو اعتقاد سنية الذكر بهذه الطريقة المتعاقبة، كل هذا من البدع والمحدثات.
وقد نبه أهل العلم على أن تخصيص العبادة بزمان أو مكان، أو تكييفها بكيفية لم ترد، يلحقها بالبدع والمحدثات، وتسمى حينئذ بدعة إضافية، فهي مشروعة من حيث أصلها، مردودة من حيث وصفها.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
وانظر جواب السؤال رقم (11938) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8624)
بدعة عيد الأبرار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عيد الأبرار الذي يقام في شوال من كل سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الأمور المحدثة المبتدعة في شهر شوال: بدعة عيد الأبرار وهو اليوم الثامن من شوال.
فبعد أن يتم الناس صوم شهر رمضان , ويفطروا اليوم الأول من شهر شوال - وهو يوم عيد الفطر - يبدأون في صيام الستة أيام الأول من شهر شوال , وفي اليوم الثامن يجعلونه عيداً يسمونه عيد الأبرار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد , أو بعض ليالي رجب , أو ثامن عشر ذي الحجة , أو أول جمعة من رجب , أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهَّال عيد الأبرار: فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف , ولم يفعلوها. والله سبحانه وتعالى أعلم) . ا. هـ. مجموع الفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (25/298) .
وقال أيضاً: (وأما ثامن شوال: فليس عيداً لا للأبرار ولا للفجار , ولا يجوز لأحد أن يعتقده عيداً, ولا يحدث فيه شيئاً من شعائر الأعياد) ا. هـ. الاختيارات الفقهية ص/199
ويكون الاحتفال بهذا العيد في أحد المساجد المشهور فيختلط النساء بالرجال ويتصافحون ويتلفظون عند المصافحة بالألفاظ الجاهلية , ثم يذهبون بعد ذلك إلى صنع بعض الأطعمة الخاصة بهذه المناسبة) . السنن والمبتدعات للشقيري ص/166
[الْمَصْدَرُ]
البدع الحولية لشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري, ص/350.(5/8625)
ضوابط التشبّه بالكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حدود التشبه بالغرب؟؟ هل كل ما هو حديث وجديد ويأتينا من الغرب فهو تشبه بهم؟؟ بمعنى آخر: كيف نطلق الحكم على شيء ما بأنه محرم لأنه تشبه بالكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (اللباس / 3512) قال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح. برقم (3401)
قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْعَلْقَمِيّ: أَيْ تَزَيَّى فِي ظَاهِره بِزِيِّهِمْ , وَسَارَ بِسِيرَتِهِمْ وَهَدْيهمْ فِي مَلْبَسهمْ وَبَعْض أَفْعَالهمْ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسه بِالْكُفَّارِ مَثَلا مِنْ اللِّبَاس وَغَيْره , أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوْ الْفُجَّار أَوْ بِأَهْلِ التَّصَوُّف وَالصُّلَحَاء الأَبْرَار (فَهُوَ مِنْهُمْ) : أَيْ فِي الإِثْم وَالْخَيْر.
قَالَ شَيْخ الإِسْلام اِبْن تَيْمِيَّةَ فِي الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم: وَقَدْ اِحْتَجَّ الإِمَام أَحْمَد وَغَيْره بِهَذَا الْحَدِيث , وَهَذَا الْحَدِيث أَقَلّ أَحْوَاله أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيم التَّشَبُّه بِهِمْ كَمَا فِي قَوْله {مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وَهُوَ نَظِير قَوْل عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَنَى بِأَرْضِ الْمُشْرِكِينَ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوت حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَقَدْ يُحْمَل هَذَا عَلَى التَّشَبُّه الْمُطْلَق فَإِنَّهُ يُوجِب الْكُفْر , وَيَقْتَضِي تَحْرِيم أَبْعَاض ذَلِكَ , وَقَدْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الْقَدْر الْمُشْتَرَك الَّذِي يُشَابِههُمْ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ كُفْرًا أَوْ مَعْصِيَة أَوْ شِعَارًا لَهَا كَانَ حُكْمه كَذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّشَبُّه بِالأَعَاجِمِ , وَقَالَ: " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى. وَبِهَذَا اِحْتَجَّ غَيْر وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة أَشْيَاء مِنْ زِيّ غَيْر الْمُسْلِمِينَ. أهـ. انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود.
والتشبه بالكفار على قسمين:
تشبه محرَّم، وتشبه مباح.
القسم الأول: التشبه المحرّم: وهو فعل ما هو من خصائص دين الكفار مع علمه بذلك، ولم يرد في شرعنا.. فهذا محرّم، وقد يكون من الكبائر، بل إن بعضه يصير كفراً بحسب الأدلة.
سواء فعله الشخص موافقة للكفار، أو لشهوة، أو شبهة تخيل إليه أنّ فعله نافع في الدنيا والآخرة.
فإن قيل هل من عمل هذا العمل وهو جاهل يأثم بذلك، كمن يحتفل بعيد الميلاد؟
الجواب: الجاهل لا يأثم لجهله، لكنه يعلّم، فإن أصر فإنه يأثم.
القسم الثاني: التشبه الجائز: وهو فعل عمل ليس مأخوذاً عن الكفار في الأصل، لكن الكفار يفعلونه أيضاً. فهذا ليس فيه محذور المشابهة لكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة.
" التشبه بأهل الكتاب وغيرهم في الأمور الدنيوية لا يباح إلا بشروط
1- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها.
2- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة.
3- أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا.
4- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفة أمر من أمور الشريعة.
5- أن لا تكون الموافقة في أعيادهم.
6- أن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها."
انظر كتاب السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار لسهيل حسن ص 58- 59.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8626)
هل يجوز أن يحج للرسول صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من باب المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم هل يجوز للإنسان أن يحج عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إهداء القرب للرسول صلى الله عليه وسلم من السفه من حيث العقل، ومن البدعة من حيث الدين، أما كونه بدعة في الدين فلأن الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولازموه وأحبوه أكثر منا، ما كانوا يفعلون [ذلك] ، ثم نأتي نحن في آخر الدنيا ونهدي للرسول بالحج عنه، أو بالصدقة عنه هذا غلط من ناحية شرعية.
ومن الناحية العقلية هو سفه، لأن كل عمل صالح يقوم به العبد فالنبي صلى الله عليه وسلم له مثله؛ لأن من دل على خير فله مثل فاعله، وإذا أهديت ثواب العمل الصالح للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يعني أنك حرمت نفسك فقط، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منتفع بعملك، له مثل أجرك سواء أعطيته أم لم تعطه، وأظن هذه البدعة لم تحدث إلا في القرن الرابع، وعلى ذلك أنكرها العلماء، وقالوا: لا وجه لها، وإذا كنت صادقاً في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأرجو أن تكون صادقاً – فعليك باتباعه واتباع سنته وهديه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/23) .
وللفائدة انظر جواب السؤال رقم (52772) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8627)
تقبيل الكعبة غير مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبيل الكعبة المشرفة في مناسك الحج أو العمرة حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشروع تقبيل الحجر الأسود، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود ولم يقبل غيره من الكعبة المشرفة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/228، 229) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8628)
الاحتفال بالموالد والمواسم وإطعام الطعام فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يعمل كل سنة ختمة في ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ويطعم الطعام للفقراء والمساكين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"جمع الناس للطعام في العيدين، وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين.
وإعانة الفقراء بالإطعام في شهر رمضان، هو من سنن الإسلام. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً فله مثل أجره) .
وإعطاء فقراء القراء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح في كل وقت، ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم في الأجر.
وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول، التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال، الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها، والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/298) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8629)
حكم الاشتراك مع مجموعة في "جداول محاسبة النفس"
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في العديد من المنتديات مواضيع تدعو الأعضاء إلى أن يسجل كل عضو حضوره على المشاركين في المسابقة أن يحافظوا على الصلوات الخمس في المسجد طيلة مدة المسابقة، والتي ستدوم مدة أسبوع إن شاء الله , وعلى غرار هذا الأمر سيقوم المتسابق بتلوين شجرة أعدت لهذا الغرض، والتي ستستعملها الإدارة للتنقيط، وتحديد الفائز. للشجرة 7 أغصان، تمثل أيام الأسبوع، ولكل غصن 5 أوراق، تمثل صلوات اليوم، وثمرة إذا صليت في الوقت وفي المسجد، لون ورقة بالأخضر، إذا أضعت صلاة الجماعة لون الورقة بالأصفر، والثمرة لعمل خيري، ولا تحسب في التنقيط، فما حكم الشرع في مثل هذه المواضيع؟ وهل هذا الأمر يعتبر أمراً مبتدعاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم يعبد ربَّه تعالى اتباعاً لما أمر الله به في كتابه الكريم، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنَّته، وما يكون من عبادة فبينه وبين ربه عز وجل، ولا حاجة له أن يطلع الناس عليها ليروا ماذا فعل، وبماذا قصَّر؟
والذي يظهر أن الفعل الوارد في السؤال وأمثاله ليس موافقاً للشرع؛ لعدة اعتبارات، منها:
1. أنه ليس سائراً على هدي سلف هذه الأمة، فلا هو فعل أحدٍ من الصحابة، ولا من بعدهم، إنما هو فعل مبتدع في هذا الزمان.
2. أن المسلم يصلي لربه تعالى، ولا يصلي ليحصِّل جوائز من الخلق.
3. أن مثل هذه الجداول تفتح باب الكذب على ضعفاء النفوس، فقد يستحي أحدهم من أن يراه إخوانه مقصراً، فيقع في الكذب.
4. أن مثل هذا التنافس بين الأعضاء المشاركين في المسابقة قد يفتح باباً عليهم من الفخر والإعجاب بالعمل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يتبع بعض الناس طريقة لمحاسبة أنفسهم في أداء الصلوات المفروضة والسنن الرواتب، وهي أن يضع جدولاً، هذا الجدول عبارة عن محاسبة لأدائه الصلوات خلال أسبوع واحد، بحيث يضع أمام كل وقت صلاة مربعين، أحدهما للفرض والآخر للسنة الراتبة، فإذا صلى الفرض مع الجماعة وضع لصلاته تلك درجة، وإذا صلى الراتبة وضع لها درجة أيضاً، وإذا لم يصل لم يضع درجة وهكذا، ثم في آخر الأسبوع يخرج مجموع الدرجات، وتشتمل الورقة على أربعة جداول لشهر واحد، ويقول هؤلاء: إن مثل هذه الوسيلة تعين على المحافظة على أداء الفرائض والسنن، فما رأي فضيلتكم في هذه الطريقة؟ هل هي مشروعة أم لا؟ وما رأيكم في نشرها أثابكم الله؟
فأجاب: " هذه الطريقة غير مشروعة، فهي بدعة، وربما تسلب القلب معنى التعبد لله تعالى، وتكون العبادات كأنها أعمال روتينية كما يقولون، وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين، فقال: (ما هذا) ؟ ، قالوا: حبل لزينب تصلي فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به فقال: (حلوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل، أو فتر فليقعد) ، ثم إن الإنسان قد يعرض له أعمال مفضولة في الأصل ثم تكون فاضلة في حقه لسبب، فلو اشتغل بإكرام ضيف نزل به عن راتبة صلاة الظهر لكان اشتغاله بذلك أفضل من صلاة الراتبة.
وإني أنصح شبابنا من استعمال هذه الأساليب في التنشيط على العبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من مثل ذلك حيث حث على اتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين، وحذر من البدع، وبين أن كل بدعة ضلالة، يعني وإن استحسنها مبتدعوها، ولم يكن من هديه ولا هدي خلفائه وأصحابه رضي الله عنهم مثل هذا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/111) .
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله:
نحن ستة أصدقاء، نجتمع كل 15 يوماً في بيت أحدنا على برنامج يتضمن القرآن، والأربعين النووية، ومنهاج المسلم، وموعظة صاحب البيت، ورجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم، والافتتاح بالقرآن، والختم بالدعاء، ومن بين برامجنا: ورقة نملؤها كل شهر، نسميها " جدول التنافس "، وتتضمن ورداً من القرآن، والصلوات الخمس في المسجد، والصيام، وصلة الرحم، وعندما نواظب على ملئها تكون النتائج طيبة، وعند عدم ملئها تكون النتائج سلبية، من تفريط في تلاوة القرآن، فما حكم الشرع في هذا الجدول؟
فأجاب:
" الحمد لله: الذي يظهر لي أن اتخاذ هذا الجدول والتنافس على فقراته: بدعة؛ لأنه يتضمن التفاخر، والإعجاب بالعمل، ويتضمن كذلك إظهار العمل الذي إخفاؤه أفضل؛ لأن إخفاء العمل من الصدقة، وتلاوة القرآن، أو الذكر: أبعد عن الرياء، قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية) الأعراف/ 55، وقال: (ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفياً) مريم/ 2، 3، وأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) .
فالذي ينبغي: التواصي بالتزود من نوافل الطاعات، والإكثار من ذلك، وكلٌّ يعمل ما تيسر له فيما بينه وبين ربه، وبهذا يحصل التعاون على البر والتقوى، وتحصل السلامة مما يفسد العمل، أو ينقص ثوابه، والله الموفق، والهادي إلى سبيل الرشاد، والله أعلم " انتهى.
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=8762
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8630)
هل يصلون التراويح في المساجد مع إصرار أهلها على بعض البدع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتلينا ببعض العامة إذا ما سلم الإمام من ركعتين من صلاة القيام رفعوا أصواتهم بالتسبيح "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وهكذا بين كل ركعتين إلى أن ينتهي الإمام من الصلاة فيدعون جميعا بدعاء خاص وبورد خاص. وقام بعض الإخوة بإعلام الناس ملتزمين في ذلك الحكمة والرفق ومستندين إلى الأدلة من الكتاب والسنة أن عملهم ذلك خلاف السنة وأنه ليس من هدي السلف، لكن لم ينصاعوا للحق واستمروا في ذلك. فما الذي علينا فعله؟ هل نفارقهم أم نبقى معهم ونذكرهم بين الفينة والأخرى؟ علما أنهم مصّرون على عملهم، والخطب جلل حيث ترك الكثير صلاة التراويح في المساجد متحججين بأنها سنة ترافقها بدعة ودرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح. أفتونا حفظكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (50718) أن ما يفعله بعض الناس من الذكر الجماعي بعد كل ركعتين من صلاة التراويح: بدعة، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه.
وقد أحسنتم بتعليم الناس السنة، وإنكار البدع، وكان الواجب عليهم أن يرجعوا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو خير الهدي وأكمله.
وينبغي لكم أن تستمروا في صلاتكم معهم، ودعوتهم إلى السنة، وسييسر الله لكم من يقبل الحق ويحرص عليه، وإن رفضه بعضهم، (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) الأنعام/89.
لكن.. إن وجدتم من أهل المسجد عناداً واستكباراً ورفضاً للحق، فإن أمكنكم الصلاة في مسجد آخر، أهله حريصون على اتباع السنة، واجتناب البدعة فهو الأولى، فإن لم يتيسر ذلك، فصلاتكم في ذلك المسجد خير، وقد قمتم بالواجب عليكم، ولعلهم يهتدون، (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأعراف/164.
وإذا ترك أهل السنة المساجد من أجل مثل هذه البدع لكان سبباً في زيادة البدع وانتشارها، وانطماس السنة وموتها، فعليكم بالصلاة في المساجد، وبيان السنة للناس، ملتزمين في ذلك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل واللين معه.
وفقكم الله إلى كل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8631)
بدعية التبليغ خلف الإمام بلا حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[التبليغ خلف الإمام هل هو مستحب أم بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبليغ خلف الإمام معناه: أن أحد المأمومين يرفع صوته بالتكبير حتى يسمعه المأمومون، وهذا التبليغ إنما يُفعل ويكون مشروعاً إذا كان صوت الإمام لا يصل إلى جميع المأمومين، إما بسبب مرض الإمام، أو بسبب اتساع المسجد، أو غير ذلك من الأسباب.
أما إذا فُعل من غير حاجة إلى ذلك كان بدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" التبليغ خلف الإمام لغير حاجة بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة، وإنما يجهر بالتكبير الإمام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن أحد يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم ضعف صوته، فكان أبو بكر رضي الله عنه يسمع بالتكبير، وقد اختلف العلماء: هل تبطل صلاة المبلغ؟ على قولين في مذهب مالك، وأحمد وغيرهما " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/403) .
وقال أيضا (23/402، 403) :
" لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام لغير حاجة: باتفاق الأئمة، فإن بلالا لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس مرة وصوته ضعيف، وكان أبو بكر يصلي إلى جنبه يسمع الناس التكبير، فاستدل العلماء بذلك على أنه يشرع التكبير عند الحاجة: مثل ضعف صوته، فأما بدون ذلك فاتفقوا على أنه مكروه غير مشروع، وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعله على قولين، والنزاع في الصحة معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما. غير أنه مكروه باتفاق المذاهب كلها، والله أعلم " انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " فإذا احتيج إلى التبليغ لسعة المسجد وكثرة الجماعة أو لضعف صوت الإمام لمرض أو غيره، فإنه يقوم بعض الجماعة بالتبليغ، أما إذا كان الصوت واضحا للجميع ولا يخفى على أحد في الأطراف، بل علم أن الجميع يسمعه فليس هناك حاجة للتبليغ ولا يشرع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/154) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8632)
الاجتماع للطعام مع أهازيج في آخر يوم من شعبان
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض العائلات يجتمعون في أخر ليلة من شعبان ويصنعون أطعمة وبعض كبار السن عندهم أهازيج لهذه المناسبة فما حكم الاجتماع والطعام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بقوله:
أنا أرى أنها إلى البدعة أقرب، وإلى النهي أقرب من الحِلّ، لأنه يُتَّخذ عيدا، ولو كان مصادفاً مرة واحدة فإنه لا بأس.
- ما هي الخلاصة؟
الجواب: أننا ننهى عنه. انتهى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8633)
ملاكم يسأل عن حكم الملاكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[منحني الله نعمة أن أكون ملاكما , وأنا واثق بأني سأصبح بطل العالم في غضون بضع سنوات. لقد أحرزت نجاحا منذ أن بدأت الملاكمة للهواة، وأنا في طريقي للبدء في الاحتراف. وقد بدأت مؤخرا بالاستقامة على الدين، وأسأل هل يجوز لي أن أحترف في الملاكمة أم لا؟ أظن أني أستطيع نفع الإسلام والمسلمين وأنا في مجال الملاكمة , حيث إني سأتحدث عن الإسلام (بغرض حث الشباب خصوصا على الذهاب إلى الطريق الصحيح (الإسلام) والتصدق بالمال ... الخ. وأنوي في آخر الأمر أن أجاهد ببدني يوما ما , وسأستخدم خبرتي المكتسبة خلال سنوات التدريب في الملاكمة أيضا في خدمة وتحقيق هذا الأمر. أرجو أن تقدم لي أدلة تؤيد فتواك.
(ملاحظة: لن أتنافس مع أخواني المسلمين, بل سأنافس غير المسلمين فقط) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد لله على استقامة الأخ السائل، ونسأل الله تعالى له الدوام على هذا، كما نحمده على أنه أعطاك من قوة البدن ما أعطاك وفي هذا خير عظيم لك ونفع للمسلمين إن شاء الله تعالى لأن المسلمين يقوى بعضهم ببعض.
والقوة البدنية نعمة من الله تعالى وفضل منه يؤتيه من يشاء من عباده ويمنعه عمن يشاء.
وقد فضل الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي على الضعيف، وهو يشمل قوة الجسم والإيمان.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ".
رواه مسلم (2664) .
وممارسة المؤمن للرياضات المباحة مفيد لكونه يقوي البدن ويحافظ على صحته وسلامته، فيعينه على أداء العبادات والجهاد في سبيل الله.
وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحة بل وقدمها على المال.
عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عمه قال: " كنا في مجلس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس، فقال: أجل والحمد لله ثم أفاض القوم في ذكر الغنى فقال: لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى وطيب النفس من النعيم ".
رواه ابن ماجه (2141) وأحمد (22076) .
والحديث: صححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " برقم (1741) .
وينبغي أن يكون قصد المسلم من ممارسة الرياضة التقوي على أداء العبادات والنصرة لدين الله والدفاع عن حرماته والذود عن حياض المسلمين.
فإن لم يكن ذلك فأقل القليل أن يكون في ذلك كسب له في الدنيا وحماية له من عدو، أو يستخدم بدنه لجلب الكسب في المعيشة والرزق ويكون سبباً له ليأكل من عمل يده.
عن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ".
رواه البخاري (1966) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه ".
رواه البخاري (1968) ومسلم (1042) .
هذه هي الأوجه المباحة في الرياضة، أما ما نراه اليوم من الرياضات فأكثرها خرج عن حد الإباحة إلى التحريم، لاسيما الملاكمة فهي شر الرياضات؛ وذلك لما يأتي:
1- فيها اعتداء على الوجه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه) البخاري (2560) ومسلم (2612) ، وهذه اللعبة مبنية على ضرب وجه الخصم بأقصى قوة ممكنة يملكها الملاكم.
2- أنها مضيِّعة للوقت، والله تعالى امتن على المسلم بنعَم كثيرة وهو سائله عنها يوم القيامة، ويغتر الإنسان بهذه النعم كثيراً فيضيعها ومنها: الصحة والفراغ، ومن الأسئلة التي سيسألها الله للمسلم يوم لقياه: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، فماذا هو قائل هذا الذي أبلى شبابه وأفنى عمره في التدرب لقتال الناس ومصارعتهم وملاكمتهم ليحصل على لقب أو يفوز بجائزة؟ .
قال الشيخ ابن عثيمين:
وإذا كان الإنسان العاقل لا يضيع ماله بدون فائدة؛ فإن عدم إضاعة الوقت أولى وأحرى؛ لأن الوقت أثمن من المال؛ ولأن إضاعة الشباب وغير الشباب لأوقاتهم بمثل هذه الألعاب التي لا تفيدهم شيئاً هو من الأمور التي تحزن ويؤسف لها.
" فتاوى إسلامية " (4 / 435) .
3. هي رياضة مؤذية قد تؤدي إلى الضرر الذي لا يبرأ صاحبه، والله تعالى حرم علينا أن نضر أبداننا وأمرنا بحفظها.
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه (2340) وأحمد (21714) .
والحديث: صححه الإمام أحمد والحاكم، وحسَّنه ابن الصلاح.
انظر: " خلاصة البدر المنير " لابن الملقن (2 / 438) .
وأنت تعرف بحكم ممارستك لها كم من الملاكمين أصيب بالعاهة الائمة لا سيما ارتجاج المخ والأعضاء.
3. فيها تضييع للمال وشغل الناس فيما لا يجدي، وحري بهذه الأموال بدلاً من أن تذهب على هذه الملاهي أن تكون في أعمال الخير، فكم من الملايين التي تضيع وما هي لإطعام جائع ولا لبناء مسجد ولا لفتح دار للعلم ولا لغير ذلك من مسالك الخير.
5. أن هذه الرياضات - والملاكمة منها - أصبحت ملاذاً للدعوة القبلية والعصبية فقد فرقت الرياضة بصورتها الحاضرة القلوب وأصبح الناس يتحابون ويتباغضون بسبب نجاح فريق أو انهزامه.
6. أن فيها كشف العورات، فإن لم يكن منك فمِن خصمك، وعورة الرجل من السرَة إلى الركبة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فيها ظهور العورات من المشاهدين والمشاهدات، وهذا ما لا تستطيع دفعه ولا إنكاره عليهم.
إنك تقول في السؤال: (لن أنافس المسلمين) .
فهل يأذن لك المشرفون على نظام المباراة بهذا؟ ما أظنهم يفعلون وأنت أعلم منا بهذا.
ثانياً:
ثم إن هذه المباريات لم تجعل من أجل الدين ولم تقم على هذا الأساس، فالناس حين يشاهدون المباراة لا ينوون بذلك مشاهدة المنازلة بين الإسلام والكفر.
ثم إنك عند المبارزة ستقاتل باسم الدولة التي تسكنها أو أعطتك قوميتها وجنسيتها ولا يسمح لك بأن تقاتل باسم الإسلام.
ثم إن خصمك ولو كان كافراً فقد يكون من أهل السلم لا من أهل الحرب فبأي حق تمتد يدك للكم رجل مسالم.
فالخلاصة: أن هذه الرياضة هي من الألعاب المحرمة التي ضررها أكثر من خيرها.
ثالثاً:
أما (قولك بأنك تنوي الجهاد في يوم ما) .
هذا كلام رائع وجميل لولا أن الملاكمة حرام، ويمكنك أن تقوي بدنك بممارسة رياضة أخرى لا تكون محرمة.
راجع سؤال رقم (10427)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8634)
أحاديث ضعيفة في عدم قبول عمل المبتدع مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت سؤالا في موقعكم حول شخص يقع في البدع، وذكرتم أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع الذي لم تصل بدعته إلى حد الشرك، لكني قابلت الحديث التالي في ابن ماجه والدارمي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا صدقة، ولا حجا، ولا عمرة، ولا جهادا، ولا صرفا، ولا عدلا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين) فإذا كان هذا الحديث صحيحا فكيف نصلي وراء المبتدع حتى ولو لم يقع في الشرك؟ في الحديث السابق جاءت كلمة: " صاحب بدعة " عامة تشمل كل مبتدع. في المنطقة التي أعيش بها توجد بعض المساجد تقع في البدع، بينما المسجد الذي يسير على السنة بعيد عن بيتي جدًا. فماذا أفعل؟ رجاء بيان الأمر بأدلته من القرآن والسنة. بارك الله فيكم تلقاء هذا العمل العظيم الذي تقومون به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق تقرير حكم الصلاة خلف المبتدع، في جواب السؤال رقم: (20885) ، (26152) ، فلا داعي لإعادته هنا.
ثانيا:
أما الحديث الذي جاء في السؤال، وغيره من الأحاديث المرفوعة الواردة في عدم قبول عمل المبتدع، فهي أحاديث ضعيفة أو منكرة لا تصح، وهذا بيان ذلك:
الحديث الأول: عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَا صَدَقَةً، وَلَا حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً، وَلَا جِهَادًا، وَلَا صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا، يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ)
رواه ابن ماجه في "السنن" (رقم/49) قال: حدثنا داود بن سليمان العسكري، حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي، حدثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، عن حذيفة به.
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1493) :
" موضوع، آفته ابن محصن هذا فإنه كذاب كما قال ابن معين وأبو حاتم، وقال الحافظ في " التقريب ": كذبوه " وتساهل البوصيري فيه فقال في " الزوائد " (1/10) : " هذا إسناد ضعيف، فيه محمد بن محصن، وقد اتفقوا على ضعفه " ووجه التساهل أن الراوي قد يتفق على ضعفه، وليس بكذاب، وحينئذ فذكر الاتفاق دون ذكر السبب لا يكون معبرا عن واقع الراوي. فتأمل " انتهى.
الحديث الثاني:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ)
رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/439) ، وابن ماجه في السنن (رقم/50) ، وأبو الفضل المقرئ في "أحاديث في ذم الكلام وأهله" (3/111) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (رقم/32) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/185) ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/144) جميعهم من طريق:
بشر بن منصور الخياط عن أبي زيد، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عباس به.
قال ابن أبي حاتم –بعد روايته له -: " سئل أبو زرعة عنهما – يعني أبا زيد وأبا المغيرة -: فقال: لا أعرفهما، ولا أعرف بشر بن منصور الذي روى عنه الأشج " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/145) :
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه مجاهيل " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1492) :
" منكر، وهذا إسناد ضعيف، مسلسل بالمجهولين، قال أبو زرعة: " لا أعرف أبا زيد ولا شيخه ولا بشرا " وقال الذهبي في أولهم: " يجهل ". وقال في الآخرين: " لا يدرى من هما " ووافقه البوصيري في " الزوائد " (1/11) " انتهى.
ثالثا:
ولكن قد يستشكل بعض الناس ما ورد في حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن أحدث حدثا في المدينة: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) رواه البخاري (7300) ومسلم (1370)
وكذلك ما جاء عن جماعة من التابعين: كالحسن البصري أنه قال: " لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا حجة، ولا عمرة، حتى يدعها " انتهى.
رواه الآجري في "الشريعة" (64) ، وأبو شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص/16) وغيرهما. وجاء نحوه عن الأوزاعي - كما في "البدع والنهي عنها" لابن وضاح (27) -، وعن الفضيل بن عياض أنه قال: " لا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل " رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/139)
فقد ذكر الشاطبي احتمالين في تفسير مثل هذه الآثار، فقال في "الاعتصام" (1/108-112) :
" إما أن يراد: أنه لا يقبل له بإطلاق، على أي وجه وقع من وفاق سنة أو خلافها.
وإما أن يراد: أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة، دون ما لم يبتدع فيه.
فأما الأول: فيمكن على أحد أوجه ثلاثة:
الأول: أن يكون على ظاهره من أن كل مبتدع أي بدعة كانت فأعماله لا تقبل معها، داخلتها تلك البدعة أم لا، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين.
الثاني: أن تكون بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال: كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإن عامة التكليف مبني عليه.
الوجه الثالث: أن صاحب البدعة في بعض الأمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصَيِّرُ اعتقاده في الشريعة ضعيفا، وذلك يبطل عليه جميع عمله.
وأما الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة، فيظهر أيضا، وعليه يدل حديث: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى باختصار.
ولكن التحقيق في هذه المسألة ما ذكره الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه "موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع" (1/292-293) حيث قال:
" ما دلت عليه ظواهر النصوص وكلام السلف من أن صاحب البدعة لا يقبل الله له عملا، يمكن حمله على الأوجه التالية:
الوجه الأول: أن الكلام على ظاهره، وأن المراد رد عمل المبتدعِ كلِّه، ما ابتدع فيه وما لم يبتدع فيه، وهذا في حق المبتدع الكافر لا غير.
الوجه الثاني: أن المراد رد العمل المبتدَع خاصة، سواء كان ابتداعا محضا، أو كان شرعيا دخل عليه الابتداع فأفسده.
الوجه الثالث: إحباط البدع أجر العمل على سبيل الجزاء، حتى كأنه لم يقبل.
الوجه الرابع: أن النصوص محمولة على الزجر عن الابتداع والتنفير منه.
والحامل لتوجيه النصوص وكلام السلف هنا هو ما يظهر من معارضة ظواهر هذه النصوص لأصول الشريعة الدالة على قبول عمل المسلم إذا توفر فيه شرطا الإخلاص والمتابعة، دون النظر إلى ما عليه صاحب العمل من ابتداع ومعصية في غيره من الأعمال، إذ لا تأثير لها على قبول ذلك العمل " انتهى باختصار.
والوجه الثالث المذكور هنا، لا ينبغي حمله إلا على بدعة دل الشرع أنها تحبط عمل صاحبها وليست كل بدعة يصح فيها هذا التوجيه.
وقد ذكر أهل العلم شراح الحديث أن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في شأن المحدث:
(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)
قال القاضي وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما
"شرح النووي على مسلم" (9/141)
والحاصل أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع إذا لم تكن بدعته مكفرة كفرا صريحا، وأن الله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على قدر أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8635)
حكم الدعاء الجماعي بعد قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء بصورة جماعية بعد قراءة القرآن مباشرة، يدعو شخص والباقون يؤمنون على دعائه، وهكذا في كل درس بدون انقطاع وعند تذكيرهم، وعند مطالبتهم بالدليل استدلوا بقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأصل في الأذكار والعبادات التوقيف وألا يعبد الله إلا بما شرع، وكذلك إطلاقها أو توقيتها وبيان كيفياتها وتحديد عددها فيما شرعه الله من الأذكار والأدعية وسائر العبادات مطلقا عن التقييد بوقت أو عدد أو مكان أو كيفية لا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية أو وقت أو عدد بل نعبده به مطلقا كما ورد. وما ثبت بالأدلة القولية أو العملية تقييده بوقت أو عدد أو تحديد مكان له أو كيفية، عبدنا الله به على ما ثبت من الشرع له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا الدعاء الجماعي عقب الصلوات، أو قراءة القرآن مباشرة، أو عقب كل درس، سواء كان ذلك بدعاء الإمام وتأمين المأمومين على دعائه، أم كان بدعائهم كلهم جماعة ولم يعرف ذلك أيضا عن الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم، فمن التزم بالدعاء الجماعي عقب الصلوات، أو بعد كل قراءة للقرآن، أو بعد كل درس فقد ابتدع في الدين وأحدث فيه ما ليس منه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) .
وأما استدلال من ذكرتهم بقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60، فلا حجة لهم في ذلك، لأنه استدلال بنص مطلق ليس فيه تعيين بالكيفية التي التزمها من سألت عن دعائهم، والمطلق ينبغي أن يراعى في العمل به إطلاقه دون التزام بحالة خاصة، ولو كان التزام كيفية معينة مشروعا لحافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده، وقد تقدم أنه لم يثبت ذلك عنه، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، والخير كل الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، والشر كل الشر في مخالفة هديهم واتباع المحدثات التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى
اللجنة الدائمة للإفتاء للبحوث العلمية والإفتاء.
"مجلة البحوث الإسلامية" (21/51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8636)
ليلة النصف من شعبان لا تخصص بالعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد الكتب أن صيام ليلة النصف من شعبان بدعة من البدع، وقرأت في مصدر آخر أن من الأيام التي يستحب الصيام فيها ليلة النصف من شعبان … ما الحكم القطعي في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت في فضل ليلة النصف من شعبان خبر صحيح مرفوع يعمل بمثله حتى في الفضائل بل وردت فيها آثار عن بعض التابعين مقطوعة وأحاديث أصحها موضوع أو ضعيف جداً وقد اشتهرت تلك الروايات في كثير من البلاد التي يغمرها الجهل من أنها تكتب فيه الآجال وتنسخ الأعمار … إلخ وعلى هذا فلا يشرع إحياء تلك الليلة ولا صيام نهارها ولا تخصيصها بعبادة معينة ولا عبرة بكثرة من يفعل ذلك من الجهلة، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين
فإذا أراد أن يقوم فيها كما يقوم في غيرها من ليالي العام - دون زيادة عمل ولا اجتهاد إضافي، ولا تخصيص لها بشيء - فلا بأس بذلك، وكذلك إذا صام يوم الخامس عشر من شعبان على أنه من الأيام البيض مع الرابع عشر والثالث عشر، أو لأنه يوم اثنين أو خميس إذا وافق اليوم الخامس عشر يوم اثنين أو خميس فلا بأس بذلك إذا لم يعتقد مزيد فضل أو أجر آخر لم يثبت. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8637)
صيام يوم المعراج ويوم شابي وباراث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأمور الواردة أدناه تعتبر من البدع:
1- الصلاة أكثر من 8 ركعات في التراويح؟
2- الصيام ما يفترض بأنه يوم المعراج (بالنسبة لمن يعتقد بأن ذلك التاريخ المحدد هو يوم المعراج، وبالنسبة للشخص الذي يعلم جازما بأنه لم يرد تاريخ محدد في الأحاديث، لكنه يصوم ذلك اليوم من أجل إرضاء الله؟)
3- صيام ما يفترض أنه يوم "شابي باراث"؟
4- أليس من البدعة أن يقول شخص ما بأن من يقوم بصيام يوم "شابي باراث" إنما يصومه على أنه صيام نافلة؟
بعض المسلمين يقولون بأننا إذا صلينا أكثر من 8 ركعات في التراويح وصمنا في أيام مختلفة مثل "شابي باراث" والمعراج ومولد النبي (صلى الله عليه وسلم) فإن ذلك لا يكون من البدع لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا تلك العبادات، وما هو الخطأ في تأدية الصلاة أو الصيام في أي يوم (عدا الأيام والأوقات المحرمة) . فما الحكم في ذلك؟
5- تأدية صلاة "تسبيح نفل"؟ (حيث تقرأ سورة الإخلاص 100 مرة في كل ركعة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- صلاة أكثر من ثمان ركعات في التراويح لا يعتبر من البدع، بشرط أن لا يخص بعض الليالي بمزيد عدد، كالعشر الأواخر، فإنه ينبغي أن يكون عدد الركعات فيها كعدد الركعات في غيرها وإنما تخص العشر الأواخر بتطويل الركعات.
2- صيام اليوم الذي يعتقد أنه يوم المعراج لا يجوز، ويدخل في البدع، فمن صامه وإن كان من باب الاحتياط، كأن يقول: إن كان هو يوم المعراج حقيقة فقد صمته، وإن لم يكن فهو خير فعلته إن لم أؤجر عليه لم أعاقب، فهذا يُدخل صاحبه في البدع، ويكون آثما ومستحقا للعقاب. لكن إذا كان صامه لا لأجل أنه يوم المعراج وإنما من عادته أن يصوم يوما ويفطر يوما، أو يصوم الاثنين والخميس، ووافق ذلك ما يسمى بيوم المعراج، فلا حرج عليه أن يصوم بهذه النية: أي نية أنه يوم الاثنين أو الخميس أو اليوم الذي يصومه.
3- 4- الكلام عن صيام يوم المعراج كالكلام عن صيام يوم " شابي باراث "، ومن يقول من المسلمين إن صيام يوم المعراج أو " شابي باراث " لا يعتبر من البدع لأن النبي عليه الصلاة والسلام علّمنا تلك العبادات، فما هو الخطأ في صيام أي يوم عدا الأيام المحرمة؟ فنقول:
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام علمنا تلك العبادات فأين الدليل على تخصيص يوم المعراج أو غيره بالصيام، فلو كان هناك دليل على مشروعية صيام هذين اليومين لما استطاع أحد ان يقول عن صيامهما من البدع. لكن الذي يظهر ان قائل هذا الكلام يقصد أن الصيام عبادة في الجملة، فإذا صام فقد أدى عبادة يُثاب عليها إذا كان ذلك في غير الأيام التي نهي عن صيامها كيومي العيد. وهذا الكلام صحيح لو كان الصائم لم يخصص أياما يعتقد فضل الصيام فيها، كيوم المعراج، و " شابي باراث "، فإن الذي يدخل في البدعة هنا هو التخصيص فلو كان صيام هذين اليومين له فضل لوجدنا النبي عليه الصلاة والسلام يصومه، أو يحث على صيامه ومن المعلوم أن صحابة رسول الله أحرص على الخير منا، فلو كانوا يعلمون فضل صيام هذين اليومين لصاموهما، فلمّا لم نجد عنهم شيئا من ذلك علمنا ان هذا من البدع الحادثة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " أي مردود على صاحبه، وصيام هذين اليومين عمل، ولم نجد النبي عليه الصلاة والسلام أمر به، فهو إذا مردود.
5- صلاة " تسبيح نفل " الكلام عليها كالكلام السابق تماما، فالعبادة التي ليس عليها دليل شرعي مردودة. وحيث أنها لم يثبت في كتاب الله ولا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم صلاة فيها قراءة قل هو الله أحد 100 مرة ففعلها إذن بدعة محدثة على صاحبها وبالها، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/8638)
الفرق بين الجهر بالذِّكر بعد الصلوات والذِّكر الجماعي وموقف الإمام المجبر على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في مدينتنا وزارة الأوقاف تُلزم الأئمة بأن يدعو دبر الصلوات الخمسة جهراً، فهل يجوز لهم ذلك؟ ، وماذا يفعل الإمام الذي أُلزم بذلك؟ . هناك بعض شباب السلفية عندما يدعو الإمام ينهضون، ولا يكملون أذكارهم، فمنهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يخرج من المسجد، إنما أنا أجلس في مكاني، وأكمل الأذكار، ولا أنهض، ولا أدعو معه، أي: لا أؤمن على دعائه، فهل فعل هؤلاء يقول به أحد من العلماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثمة فرقٌ بين الجهر بالأذكار في أدبار الصلوات، وبين الذِّكر الجماعي، والأول يقول به عامة علمائنا المعاصرين، وله أصل في السنَّة، ولا ينبغي أن يكون رفعاً يشوش على المصلين المسبوقين في صلاتهم، والثاني – أي: الذكر الجماعي - مبتدع لا أصل له في السنَّة النبوية.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ما حكم الذِّكر الجماعي بعد الصلاة على وتيرة واحدة، كما يفعله البعض، وهل السنَّة الجهر بالذكر أو الإسرار؟
فأجاب:
" السنَّة الجهر بالذكر عقب الصلوات الخمس، وعقب صلاة الجمعة بعد التسليم؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم "، قال ابن عباس: " كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته ".
أما كونه جماعيّاً بحيث يتحرى كل واحد نطق الآخر من أوله إلى آخره وتقليده في ذلك: فهذا لا أصل له، بل هو بدعة، وإنما المشروع أن يذكروا الله جميعا بغير قصد لتلاقي الأصوات بدءاً ونهاية " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (11/191) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن حكم ترديد الأذكار المسنونة بعد الصلاة بشكل جماعي؟
فأجاب:
" هذه بدعة، لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن كل إنسان يستغفر، ويذكر لنفسه.
لكن السنَّة الجهر بهذا الذكر بعد الصلاة، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف إذا سمعهم "، وهذا دليل على أن السنَّة الجهر به، خلافاً لما كان عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به، وبعضهم يجهر بالتهليل دون التسبيح، والتحميد، والتكبير! ولا أعلم لهذا أصلاً من السنَّة في التفريق بين هذا وهذا، وإنما السنَّة الجهر ... .
فالمهم: أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضاً - أعني: رفع الصوت - ولا يكون رفعاً مزعجاً، فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال: (أيها الناس، اربَعوا على أنفسكم) ، فالمقصود بالرفع: الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/261-262) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
مسجد نصلي فيه، وعندما ينتهي الجماعة من الصلاة يقولون بصوت جماعي: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، هل هذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب:
" أما الاستغفار: فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه إذا سلَّم استغفر ثلاثًا قبل أن ينصرف إلى أصحابه ".
وأما الهيئة التي ذكرها السائل بأن يؤدَّى الاستغفار بأصوات جماعية: فهذا بدعة، لم يكن مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل كلٌّ يستغفر لنفسه، غير مرتبط بالآخرين، ومِن غير صوت جماعي، والصحابة كانوا يستغفرون فُرادى بغير صوت جماعي، وكذا مَن بعدهم مِن القرون المفضلة.
فالاستغفار في حد ذاته: سنَّة بعد السلام، لكن الإتيان به بصوت جماعي: هذا هو البدعة، فيجب تركه، والابتعاد عنه " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (3/72) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (32443) و (34566) و (10491) .
ثانياً:
إذا عُلم الفرق بين الجهر بالأذكار والأدعية الثابتة عقب الصلاة وبين الدعاء الجماعي: تبين أنه لا يجوز للإمام أن يأتي بالأوراد التي عقب الصلاة جماعة بصوت واحد، ولا أن يدعوَ دعاءً عامّاً بصوت جماعي، كما لا يجوز لدوائر الأوقاف في بلاد الإسلام أن تُلزم الأئمة بهذا؛ لعدم شرعيته.
والدعاء الجماعي المبتدع أدبار الصلوات له صورتان:
الأولى: ترديد الدعاء - سواء كان من أدعية أدبار الصلوات أم لم يكن - من جميع المصلين بصوت واحد.
الثانية: أن يدعوَ الإمام، ويؤمِّن المصلُّون على دعائه، مع علمهم به، وانتظارهم له.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله:
" الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرا في الجملة، مما يتعلق بالعبادات مثلا، فأتى به المكلف في الجملة أيضا، كذكر الله والدعاء والنوافل المستحبات وما أشبهها، مما يعلم من الشارع فيها التوسعة، كان الدليل عاضدا لعلمه من جهتين: من جهة معناه، ومن جهة عمل السلف الصالح به.
فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة، أو زمان مخصوص، أو مكن مخصوص، أو مقارنا لعباده مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار متخيلا أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصود شرعا، من غير أن يدل الدليل عليه، كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه.
فإذا ندب الشرع مثلا إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد، وبصوت، أو في وقت معلوم، مخصوص عن سائر الأوقات، لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم، بل فيه ما يدل على خلافه؛ لأن التزام الأمور غير اللازمة شرعا شأنها أن تفهم التشريع، وخصوصا مع من يقتدى به في مجامع الناس كالمساجد؛ فإنها إذا ظهرت هذا الإظهار، ووضعت في المساجد كسائر الشعائر التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المساجد وما أشبهها، كالأذان وصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف، فُهِم منها بلا شك أنها سنن، إذا لم تفهم منها الفرضية؛ فأحرى أن لا يتناولها الدليل المستدل به، فصارت من هذه الجهة بدعا محدثة بذلك.
وعلى ذلك ترك التزام السلف لتلك الأشياء، أو عدم العمل بها، وهم كانوا أحق بها وأهلها لو كانت مشروعة على مقتضى القواعد؛ لأن الذكر قد ندب إليه الشرع ندبا في مواضع كثيرة، حتى إنه لم يطلب في تكثير عبادة من العبادات ما طلب من التكثير من الذكر، كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} الآية وقوله: {وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} بخلاف سائر العبادات.
ومثل هذا الدعاء؛ فإنه ذكر لله، ومع ذلك فلم يلتزموا فيه كيفيات، ولا قيدوه بأوقات مخصوصة، بحيث تشعر باختصاص التعبد بتلك الأوقات، إلا ما عينه الدليل كالغداة والعشي، ولا أظهروا منه إلا ما نص الشارع على إظهاره، كالذكر في العيدين وشبهه، وما سوى فكانوا مثابرين على إخفائه ...
فكل من خالف هذا الأصل فقد خالف إطلاق الدليل أولا، لأنه قيد فيه بالرأي، وخالف من كان أعرف منه بالشريعة، وهم السلف الصالح رضي الله عنهم " الاعتصام (1/249-250) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله -:
في الذكر الجماعي، قاعدة هذه الهيئة التي يُردُّ إليها حكمها هي: أن الذكر الجماعي بصوت واحدٍ سرّاً، أو جهراً، لترديد ذكر معين، وارد أو غير وارد، سواءً كان من الكل، أو يتلقونه من أحدهم، مع رفع الأيدي، أو بلا رفع لها: كل هذا وصف يحتاج إلى أصل شرعي يدل عليه من الكتاب والسنَّة؛ لأنه داخل في عبادة، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الإحداث والاختراع؛ ولهذا نظرنا في الأدلة في الكتاب والسنَّة: فلم نجد دليلاً يدلُّ على هذه الهيئة المضافة، فتحقق أنه لا أصل له في الشرع المطهر، وما لا أصل له في الشرع فهو بدعة؛ إذاً فيكون الذكر والدعاء الجماعي بدعة، يجب على كل مسلم مقتدٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم تركها، والحذر منها، وأن يلتزم بالمشروع.
" تصحيح الدعاء " (ص 134) .
وعلى الإمام – ومعه إخوانه الأئمة – أن يبذل وسعه في دفع الأمر من الأوقاف، وبذل النصح لهم ببيان سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.
ويجوز للإمام أن يجهر بالدعاء الوارد عقب الصلوات ليؤمِّن على دعائه المصلون لكن بقصد التعليم، لا بقصد الفعل ذاته، وهي وسيلة للتخلص من أمر الأوقاف، ولتعليم الناس، وتأليف قلوبهم، حتى إذا عقلوا السنَّة ترك، وتركوا.
وهكذا ما تفعله أنت ـ أيها الأخ الكريم ـ من الجلوس مع الجماعة، وإكمال ذكرك وحدك، هو أمر حسن إن شاء الله، وما يفعله إخوانك من الانصراف، وعدم شهود الدعاء الجماعي، إن كان يترتب عليه مفسدة بين جماعة المسجدة، أو تنافر في القلوب، وإلقاء للبغضاء بين المسلمين، فالأولى بهم أن يجلسوا مع الناس، ويكملوا أذكارهم وحدهم.
وإن لم يترتب على خروجهم مفسدة أو فتنة بين جماعة المسجد؛ فما فعلوه لا بأس به إن شاء الله، بل هو أمر مشروع، وإن كان فيهم من يقتدي به الناس، ويمكن أن يؤدي خروجه إلى منع ذلك، فالمشروع في حقه أن يخرج، ويعلم الناس السنة.
والخلاصة: أن الدعاء بالهيئة الجماعية بعد الصلاة، مخالف للسنة؛ والخروج من المكان أمر مشروع لمن فعله، خاصة ورفع الصوت على هذه الهيئة غالبا ما يحصل منه تشويش على الحضور؛ فإن ترتب على ذلك الخروج مفسدة، فالأولى الجلوس في المصلى، وتكملون أذكاركم في أنفسكم، حتى ينتهي الجماعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8639)
قول كرم الله وجهه لعلي بن أبي طالب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عبارة (كرم الله وجهه) لعلي بن أبي طالب؟ هل في ذلك تفضيل له عن الصحابة؟ وإذا قلت: (كرم الله وجوه الصحابة أجمعين) فهل في ذلك بأس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالدعاء له بـ: (كرم الله وجهه) – هو من صنيع الرافضة الغالين فيه، فالواجب على أهل السنة: البعد عن مشابهتهم في ذلك، وعدم تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الدعاء دون سائر إخوانه من الصحابة؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، رضي الله عن الصحابة أجمعين.
وأما استعمال هذا الدعاء لجميع الصحابة فلا بأس به، لكنه ليس من الأدعية المأثورة، والجاري بين المسلمين الترضي عنهم، رضي الله عنهم، كما جاء في القرآن الكريم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/43) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8640)
ما المقصود بذكر الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بذكر الله، هل هو إقامة حلقات الذكر والطبل والتصفيق، أم هو الذكر لله في السر والجهر وقراءة القرآن سراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ذكر الله سبحانه عام، يشمل: فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ويشمل التسبيح والتهليل والتحميد جهراً وسراً، وقراءة القرآن ونحو ذلك مما شرعه الله من الأقوال والأفعال، وليس منه الطبل والتصفيق والذكر الجماعي، بل ذلك بدعة لا يجوز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/170) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8641)
حرز الجوشن
[السُّؤَالُ]
ـ[نرفق لكم نسخة من حرز الجوشن، طالبين منكم إبداء الرأي في عدة نقاط هي: 1- هل هذا الحرز له وجود فعلي في أمهات الكتب؟ 2- هل رواة الحرز من جعفر الصادق وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولده الحسن رووا هذا الكلام فعلاً، أم هذا الكلام من تأليف أحد غير هؤلاء؟ 3- ما رأي سماحتكم في قراءته دون اتخاذه حرزاً كالدعاء مثلاً؛ لما فيه من أسماء وصفات الله عز وجل؟ 4- هل علي إثم إذا احتفظت به؟ وهل علي إثم إذا أحرقته وتخلصت منه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحرز المسمى (حرز الجوشن) لا يجوز اقتناؤه، ولا العمل به، ولا تصديق ما ذكر فيه، وذلك للأمور الآتية:
أولاً: ليس له سند معروف، ولم يخرجه أحد من علماء الحديث المعتبرين، ولم يعز إلى أحد منهم.
ثانياً: فيه كذب كثير، مثل قوله في صفحة (1) : (من قرأه وحمله عند خروجه من منزله وقت الصبح أو وقت العشاء، خص بصالح الأعمال، وكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم) . فإن كتب الله لا يعدلها شيء، ثم قال: (ويعطيه الله بكل حرف يقرأه زوجين من الحور العين، ويبني له قصراً في الجنة، ويعطيه الله مثل ثواب أربعة من الأنبياء عليهم السلام: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد) وهذا كذب ظاهر، فإن ثواب الأنبياء لا يناله أحد غيرهم.
وفي صفحة (2) قال: (يعطيه الله مثل ثواب المؤمنين والمؤمنات من الجن والإنس من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، ويعطيه الله ثواب تسعمائة ألف شهيد) ثم زاد الكذب فيما بعدها من الصفحات.
ثالثاً: وفي صفحة (5) يقول: (إن هذا الدعاء ينفع للمحبة والقبول، وعقد الألسنة، ومقابلة الحاكم والأمراء والسلاطين، ولدفع جميع آلات الحديد والرصاص، ولقضاء الحوائج ... إلخ) .
ويظهر أنه من وضع الشيعة لصرف الناس عن الكتاب والسنة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/239) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8642)
تحديد الاستغفار بعدد معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاستغفار بالعدد، مثلا اليوم أستغفر مائة وغدا مائتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب للمسلم الإكثار من الاستغفار فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم والليلة مائة مرة.
فعَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم (2702) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/114) وأحمد في "المسند" (2/450) وحسنه محققو المسند.
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (وَاللَّهِ إِنِّي لاَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً) رواه البخاري (6307) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) رواه أبو داود (1516) ، والترمذي (3430) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (ما رأيتُ أحداً أكثر من أن يقول: (أستغفر الله وأتوب إليه) مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/118) .
فإذا أردت أن تلتزم هذا العدد (مائة) اقتداء به صلى الله عليه وسلم فلك الأجر، وإذا أردت الزيادة على ذلك فلا حرج ما لم تتخذ عددا معينا أو طريقة معينة، بل ينبغي أن تجعل تلك الزيادة بحسب ما يتيسر، لأنه لا يشرع تحديد عبادة بعدد معين لم يرد به الشرع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8643)
حكم حضور وليمة يعلم أنها بمناسبة عيد ميلاد أحد الأفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حضور وليمة عشاء لدى منزل صديق بدون توضيح أن المناسبة هي ذكرى مولد أحد أهل المنزل وبدون أي تهنئة أو ذكر لموضوع يوم الميلاد ولكن الشبهة أن يوم الدعوة هو يوم المولد ووجود كعكة بعد العشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع الاحتفال بمولد أحد من الناس؛ لأن ذلك إن فعل تعبدا وتقربا إلى الله فهو بدعة لعدم وروده في الشرع، وإن فعل عادة متكررة فهو عيدٌ محدَث مبتدع أيضا، وتشبهٌ بغير المسلمين الذين أخذت عنهم هذه الاحتفالات. وينظر جواب السؤال رقم (1027)
ومن دعي إلى وليمة وعلم أو غلب على ظنه أنها احتفال بمولد أحد من الناس لم يشرع له الحضور؛ لما في حضوره من إقرار المنكر والإعانة عليه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2
وينظر جواب السؤال رقم (9485) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8644)
ما هو التنطع المذموم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى التنطع في الإسلام؟ وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا؟ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا) رواه مسلم (2670)
وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة، تتوافق ولا تتعارض، وكلها تجتمع في معنى واحد، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني:
1- الغلو في العبادة والمعاملة، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة، ونهت عن التشدد في الدين، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد.
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) :
" أي: المتعمقون، الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى.
2- الابتداع في الدين، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) -:
" الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (هلك المتنطعون) ، وقال: (لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم، وأن يقوم قائما ولا يجلس، ولا يستظل، ولا يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه) رواه البخاري. وهذا باب واسع " انتهى.
3- التقعر في الكلام، والتشدق باللسان، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه، حيث لا معنى ولا مضمون، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره.
فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب " ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ)
رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند.
وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان)
قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) :
" المُتَنَطِّعون: هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم. مأخوذ من النِّطَع، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى.
4- الخوض فيما لا يعني، والسؤال عما لا ينبغي، وتكلف البحث فيما لا يغني.
قال الخطابي:
" المتنطع: المتعمق في الشيء، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم " انتهى. نقلا عن " عون المعبود " (12/235)
ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) :
" المتنطع: هو المتعمق، البحاث عما لا يعنيه؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات، قد يوجب اعتقاد تحريمه، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات، فقبول العافية فيه، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) :
" كذلك أيضاً من التشديد في العبادة، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك.
ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض، ويحتاج إلي الأكل والشرب، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث: هلك المتنطعون.
ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها، ويسألون أسئلة ما كلفوا بها، ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً، فنحن نقول لهؤلاء: إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ...
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية؛ فتجده يقول: يحتمل كذا ويحتمل كذا، حتى تضيع فائدة النص، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه. هذا غلط. خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان، ولأورد عليها كل شيء، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله.
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر، وهو في عافية من ذلك. أيضاً في الاغتسال من الجنابة، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال، في إدخال الماء في أذنيه، وفي إدخال الماء في منخريه.
وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (هلك المتنطعون. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون)
فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار.
ثانيا:
أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة، والمحافظة على حدود الله، وامتثال أوامره، فهذا من واجبات الدين، وسبيل دخول جنة رب العالمين، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة، والطعن في الأحكام الثابتة؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها، فكيف يكون التزامها، والتمسك بها، والعض عليها بالنواجذ تنطعا؟!!
والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة، فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية –، أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع!! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
أما ما لم تأت به النصوص، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة.
ثالثا:
أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327)
فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة، والتقصير في الواجبات، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها، ولكن المراد بقوله (بين أمرين) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) :
" قوله: (بين أمرين) أي: من أمور الدنيا، يدل عليه قوله: (ما لم يكن إثما) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها، وقوله: (ما لم يكن إثما) أي: ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم، فإنه حينئذ يختار الأشد. وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط: (إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8645)
حكم قول استعنا بالله عند قوله تعالى: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصلاة إذا سمع المأموم الإمام يقول: إياك نعبد وإياك نستعين، هل يقول: استعنا بالله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المأموم أن ينصت لقرأه إمامه، لقول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204.
ولا يجوز له أن ينشغل عن استماع قراءة إمامه إلا بقراءة الفاتحة فقط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رواه البخاري (714) ومسلم (595) .
وأما قول بعض المأمومين: استعنا بالله، وبعضهم يعيد لفظ الآية: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فقد نَبَّه العلماء قديماً وحديثاً على أن ذلك من البدع التي يجب النهي عنها.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/14) :
"قد اعتاد كثير من العوام أنهم إذا سمعوا قراءة الإمام: (إياك نعبد وإياك نستعين) قالوا: (إياك نعبد وإياك نستعين) وهذا بدعة منهي عنها" انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد سئل عن ذلك:
"يستمع إليه فقط، ولا يقول استعنا بالله ولا شيئاً غيره، بل ينصت، لقوله سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) "انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/274) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قول المأموم إذا قال الإمام: (إياك نعبد وإياك نستعين) : "استعنا بالله" لا أصل له، ويُنهى عنه؛ لأنه إذا انتهى الإمام من الفاتحة أمَّن المأموم، فتأمينه هذا كافٍ عن قوله: استعنا بالله" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8646)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند إقامة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند إقامة الصلاة يقول المؤذن: اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تم يشرع في إقامة الصلاة: (الله أكبر، الله أكبر) ، فهل هذا سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من أراد أن يؤدي عبادة أن يتعلم أحكامها وكيفيتها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يعبد الله على جهل، فإن الله تبارك وتعالى لا يعبد إلا بما شرع. ومن تعبد لله تعالى بعبادة لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة عليه غير مقبولة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (1718) .
ومن البدع التي أدخلت في إقامة الصلاة ما ذكره السائل من صلاة المؤذن على النبي صلى الله عليه وسلم قبل إقامة الصلاة. فإن هذا الفعل بدعة لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه.
وقد نص على كونها بدعة الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في كتابه " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " ص (134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8647)
الأكل من الطعام الذي يصنع لعاشوراء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أكل الطعام الذي يطبخه الشيعة في عاشوراء؟ علما أنهم يقولون إن هذا الطعام هو لله لكن ثواب الطعام للحسين رضي الله عنه، ثم إذا لم آخذ الطعام أو لم أستلمه يسبب ذلك إحراجا لي أو خطرا علي لأني في العراق وتعلمون كيف يعاملون أهل السنة والجماعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يفعله الشيعة في عاشوراء من اللطم والضرب وشج الرؤوس، وإراقة الدماء، وصنع الطعام، كل ذلك من البدع المحدثة المنكرة، كما سبق بيانه في الجواب رقم (4033) ورقم (9438) ، ولا يجوز المشاركة فيها، ولا إعانة أهلها؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
ولا يجوز الأكل من هذا الطعام الذي أعدوه لبدعتهم وضلالتهم.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " هذا منكر شنيع وبدعة منكرة، يجب تركه ولا تجوز المشاركة فيه، ولا يجوز الأكل مما يقدم فيه من الطعام ".
وقال: " ولا تجوز المشاركة فيه , ولا الأكل من هذه الذبائح، ولا الشرب من هذه المشروبات، وإن كان الذابح ذبحها لغير الله من أهل البيت أو غيرهم فذلك شرك أكبر؛ لقول الله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/162-163، وقوله سبحانه: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر /1-2 "
انتهى من "فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز" (8/320) .
لكن إذا كان في امتناعك عن قبول طعامهم خطر عليك، فلا حرج أن تأخذه لدفع الضرر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8648)
عمله يقتضي منه فتح جهاز الأذان الموحَّد وفيه قرآن قبله وصلاة على النبي بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[يسأل أحد الإخوة المؤذنين العاملين في وزارة الأوقاف فيقول: أنا مؤذن وخادم مسجد، كُلِّفنا قبل مدة مِن الزمن بالأذان الموحد عن طريق الإذاعة، وقد كلِّفنا كذلك بتشغيل قراءة للقرآن الكريم قبل الأذان، وكذلك أيضا الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان. السؤال: هل أنا آثم بالقيام بهذه الأعمال، علماً بأني مكلف رسميّاً بها , وإذا لم أقم بذلك فسوف يلحقني الضرر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأذان من آلة التسجيل، أو من المذياع، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة إلى باقي المساجد: بدعة محدثة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (48990) .
ثانياً:
قراءة القرآن والتسبيحات والأذكار قبل الأذان للصلوات الخمس: بدعة محدثة أيضاً.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم الإسلام في قراءة القرآن يوم الجمعة قبل صلاة الظهر بمكبرات الصوت، إذا قلت هذا أمر غير وارد يقول لك: تريد أن تمنع قراءة القرآن؟ وما رأيكم في الابتهالات الدينية تسبق أذان الفجر بقليل بمكبرات الصوت إذا قلت: هذا أمر ليس له دليل: يقول لك: هذا عمل خير، يوقظ الناس لصلاة الفجر.
فأجابوا:
" لا نعلم دليلاً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحداً من الصحابة عمل به، وكذلك الابتهالات التي تسبق الأذان للفجر بمكبرات الصوت، فكانت بدعة، وكل بدعة ضلالة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 495، 496) .
ثالثاً:
الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان من المؤذن: بدعة محدثة أيضاً؛ لأن الأذان عبادة، لا يحل الزيادة على ألفاظه، ولا النقصان منها، وهي تبدأ بقول المؤذن: " الله أكبر، الله أكبر "، وتنتهي بقوله: " لا إله إلا الله "، وكل ما أضيف إلى الأذان قبله أو بعده: فمحدث، وبدعة.
وقد خلط هؤلاء الأذان بما قبله وما بعده من القرآن والأذكار حتى ضيعوا الأذان، فجعلوه وسط تلك الجمل والمحدثات، وكذا تسببوا في إزعاج الناس وقطع نومهم وعبادتهم.
قال ابن الجوزي – رحمه الله – في ذِكر أوجه تلبيس الشيطان على المؤذنين -:
" ومنه: أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ، ويجعلون الأذان وسطاً، فيختلط، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان، وقد رأينا مَن يقوم بالليل كثيراً على المنارة، فيعظ، ويذكِّر، ومنهم من يقرأ سوراً مِن القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات " انتهى.
" تلبيس إبليس " (ص 157) .
وقال المقريزي – رحمه الله – في بيان تاريخ هذه البدعة وحكمها – وأنها حدثت في سنة 791هـ، سمع بعض الفقراء الخلاطين سلامَ المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة (وهي شيء محدث أيضاً) ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم: أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان؟ قالوا: نعم، فبات تلك الليلة، وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان، فمضى إلى محتسب القاهرة، وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي، وكان شيخاً جهولاً، سيء السيرة في الحسبة والقضاء، متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء، لا يحتشم من أخذ الرشوة، ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، وجهالاته شائعة، وقبائح أفعاله ذائعة، وقال له: رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل في كل ليالي الجمع، فأَعجب الجاهلَ هذا القول، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور) ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة، وتمَّت هذه البدعة، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر، وبلاد الشام، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه، وأدَّى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون " انتهى من الخطط المقريزية " (2 / 172) ، وانظر " الإبداع في مضار الابتداع " للشيخ علي محفوظ (ص 172 - 174) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما يفعله بعض الناس عندنا في الأردن! وبعض البلدان الأخرى من قول المؤذن عد الأذان: " اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين " , فهل في ذلك شيء؟ وما حكمه؟ .
فأجاب:
" هذا المقام فيه تفصيل: فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت: فذلك مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن مَن صلى عليَّ واحدة صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) خرَّجه مسلم في صحيحه , وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة) .
أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالأذان: فذلك بدعة ; لأنه يوهم أنه من الأذان , والزيادة في الأذان لا تجوز ; لأن آخر الأذان كلمة " لا إله إلا الله " , فلا يجوز الزيادة على ذلك , ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح، بل لعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته، وشرعه لهم , وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه , وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا من الفقه في دينه , وأن يمنَّ علينا جميعا بالثبات عليه , إنه سميع قريب " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 439، 440) و (10 / 362، 363) .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (6/101-103) :
" يُشرع بعد الأذان للمؤذن وغيره أن يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... " ... لكن يقولها المؤذن وغيره بصوت هادئ، ولا يرفع صوته بذلك، لعدم نقل الجهر به، كما تقدم " انتهى.
رابعاً:
وإذا تبيَّن بدعية الأذان الموحد، وبدعية التسبيح والذِّكر وقراءة القرآن قبل الأذان، وبدعية الجهر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم: يتبين الحكم في العمل على قيام المؤذن بهذه الأفعال، وهو عدم جواز ذلك، وإن رأى المؤذن أن هذا الأمر مؤقت، وأنه في سبيله للإلغاء والإبطال، أو تيسر له الانتقال لوظيفة إمام، أو وظيفة إدارية: فيمكنه البقاء إلى ذلك الحين، وإن استمر الأمر واستقر: فلا وجه للبقاء في تلك الوظيفة التي تساهم في انتشار تلك البدع والمحدثات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8649)
اعتياد الدعاء جماعة للمتوفى قبل الصلاة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن عندنا في ليبيا - وبالأخص في قريتنا - عند دفن الميت، وعند تسوية الصفوف في الصلاة عليه، وعند خروج الإمام من الصف للصلاة على المتوفى، قبل الصلاة مباشرة يقوم أحد من كبار البلد ورجالها بالدعاء للميت، ويعرف به إذا كان رجلا أو امرأة، ويدعو له بصوت عالٍ ثم تقام الصلاة.. بعض الناس قالو إن هذه العادة بدعة، ويجب التخلص منها، ولكن بعض الناس متمسك بها ويفعلها.... فخوفا من الفتنة والاختلاف، أرجو منكم إجابة على السؤال. أنا لا أحفظ نص الدعاء ولكن أقول لكم جزءا منه: " اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، وإن دار الدنيا هى دار ممر، والآخرة هي دار المستقر، وإنه - رجلا أو امرأة - اللهم اغفر - لها أو له -، وارحمه، وتجاوز عن سياته..... وهكذا "]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أن اعتياد الدعاء جماعة: – شخصٌ يدعو وآخرون يُؤَمِّنُون – بعد أو قبل صلاة الجنازة متصلا بها عملٌ أقرب إلى البدعة منه إلى السنة، يدل على ذلك مجموعة من الأدلة:
1- لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه بل ولا عن أحد من أهل العلم فعلُه، وما كان هذا شأنه فالأصل فيه التوقف والتثبت حذرا من الوقوع في إثم الابتداع والزيادة في الدين. وانظر جواب السؤال رقم (11938)
2- ويقوي ذلك أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت، كما قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/44) : " مقصودها الأعظم إجابة الدعاء " انتهى. فزيادة الدعاء جماعة قبلها أو بعدها كأنه زيادة عليها من جنسها، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز إحداث سجود أو ركوع قبل صلاة الفريضة أو بعدها، فكذلك الشأن في صلاة الجنازة.
3- الثابت في السنة النبوية الحرص على الاجتهاد والإخلاص في الدعاء أثناء صلاة الجنازة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ) رواه أبو داود (3199) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن أَبي إِبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا) رواه الترمذي (1024) وقال: حسن صحيح.. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعن يزيد بن عبد الله بن ركانة بن المطلب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال: اللهم عبدك وابن أمتك، احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه)
رواه الحاكم في "المستدرك" (1/511) وقال: إسناده صحيح. وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/159)
فانظر كيف تصف هذه الأحاديث اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في الصلاة، وليس قبلها أو بعدها مباشرة.
4- ثم في هذا الدعاء جماعة - قبل أو بعد صلاة الجنازة مباشرة - مفسدتان اثنتان:
الأولى: التقصير في السنة، فإن من انشغل بالدعاء قبل صلاة الجنازة فتر عنه أثناءها، ومن انتظر الدعاء بعد الصلاة عجل فيها، وهذا هو واقع مَن يعتاد ذلك اليوم، لا يكادون يكبرون تكبيرة الجنازة الأولى حتى تتسارع التكبيرات لتنتقل بالمصلين إلى التسليم، فلا يبلغ الميتَ إلا كلماتُ الدعاء التي لا تغني عند الله شيئا إن لم يصاحبها قلبٌ صادق وعقلٌ حاضر.
وهذا مصداق ما جاء عن حسان بن عطية رحمه الله قال:
" ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة " انتهى. رواه الدارمي (1/58) قال أخبرنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن حسان. وهذا إسناد صحيح.
المفسدة الثانية: المشقة الحاصلة بذلك، فالناس ينتظرهم وقت طويل لدفن الجنازة، والاستغفار لها بعد الدفن، ثم العناية بشأن أهل الميت، فاجتماع الدعاء جماعة قبل الصلاة أو بعدها مع كل ذلك فيه من المشقة الظاهرة.
وقد قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/45) :
" فإن قيل: هلا وجب تكرير صلاة الجنازة إلى أن يغلب على الظن حصول الإجابة؟ قلنا: لا تكرر، لما في التكرير من المشقة، ولا ضابط لغلبة الظن في ذلك " انتهى.
5- وأخيرا: فالقاعدة في باب البدعة ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " رواه الطبراني (10/208)
فأن يقف الناس على السنة الثابتة أولى من محاولة الاجتهاد في أمر يخشى أن يدخل في دائرة الابتداع، وهي كلمة عظيمة تنطلق من فهم حقيقي لموضوع السنة والبدعة.
وقد وقفنا على فتوى للجنة الدائمة (9/16) ، فيها المنع من الدعاء بعد صلاة الجنازة – لأن بعض البلاد العادة فيها الدعاء بعد الصلاة – فيقاس عليها أيضا الدعاء قبلها:
السؤال:
اختلفوا في الدعاء بعد صلاة الجنازة متصلاً اجتماعاً، فذهبت طائفة إلى أنها بدعة لعدم النل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وصرح الفقهاء بعدم جوازه، وذهبت طائفة أخرى إلى استحبابها وسنيتها، فمن منهم على الحق؟
فكان الجواب:
" الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا وصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) - رواه أبو داود (3221) -.
وبما تقدم يتبين أن الصواب: القول بعدم جواز الدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت، وأن ذلك بدعة " انتهى.
وأخيرا:
لا بد من التنبه إلى أن الممنوع هو اعتياد الدعاء جماعة قبل صلاة الجنازة أو بعدها مباشرة، لِما في صورتها من الزيادة الظاهرة في العبادة، أما إن دعا المرء منفردا قبل الصلاة أو بعدها أو أثناء دفنها وغير ذلك من المواضع، فلا حرج ولا إثم، بل يرجى أن يتقبل الله عز وجل فيه شفاعته ويجيب له دعاءه.
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم – كما في "مجموع الفتاوى" (سؤال رقم/898) -:
" أما الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة فلا مانع منه إذا لم يكن على هيئة جماعية تلحقه بالبدع " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8650)
الدعاء المطلق لا يشترط فيه الورود في السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد الجهلة يدعو ومما قال في دعائه: " رب لا تكلني إلى أحد، وتحوجني إلى أحد، واغنني عن كل أحد، يا من له المستند، وعليه المعتمد، هو الواحد الفرد الصمد، لا شريك له ولا ولد. اللهم ردني من الضلال إلى الرشد، وجنبني من كل خطيئة ونكد " فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن تفرق – أخي السائل – بين نوعين من الدعاء:
النوع الأول: الدعاء المُقَيَّد: نعني به المرتبط بزمان أو مكان أو عبادة، أو جاء الشرع بتقييده بعدد أو فضيلة ونحو ذلك من القيود، كالأدعية الواردة في استفتاح الصلاة، وأذكار الصباح والمساء، وأدعية النوم، والطعام، ونحوها.
فهذا النوع يجب التقيُّدُ فيه بما جاء في الشرع الحكيم، من غير زيادة ولا نقصان، ولا يجوز ابتداع شيء من الأدعية لتحل محل ما ورد في السنة.
وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب رضي الله عنه حين قال له:
(إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.
فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ.
قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ. قَالَ: " لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ")
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
يقول العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه "العبادة" (ص/524) :
" وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟! " انتهى.
أما النوع الثاني: فهو الدعاء المطلق: وهو سؤال الله الحاجات العامة والخاصة، والتوجه إليه سبحانه بما يحتاجه المرء وما يريده، كالدعاء في السجود، وفي ثلث الليل الآخر، وفي يوم عرفة ونحوه.
فمثل هذه الأدعية لا يُشترط فيها الثبوت ولا الورود، بل يكفي أن تكون كلماتُ الدعاء كلماتٍ شرعيةً صحيحةً، ليس فيها تعدٍّ ولا تجاوز، وليس فيها دعاء بإثم أو قطيعة رحم.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/203-204) :
" باب الأدعية واسع، فليدع العبد ربه بما يحتاجه مما لا إثم فيه.
أما الأدعية والأذكار المأثورة: فالأصل فيها التوقيف من جهة الصيغة والعدد، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك، ويحافظ عليه، فلا يزيد في العدد المحدد، ولا في الصيغة، ولا ينقص من ذلك ولا يحرف فيه " انتهى.
وفيها أيضا (24/275) :
" الأدعية الواردة في الكتاب والسنة هي التي يشرع التزامها والعناية بها وحفظها ونشرها، أما غيرها من الأدعية التي ينشئها سائر الناس فليست كذلك؛ لأن أحسن أحوالها كونها مباحة، وقد تحتوي على عبارات موهمة، أو غير صحيحة " انتهى باختصار.
والذي يظهر أن الدعاء الوارد في السؤال هو من الدعاء المطلق، وبالنظر في كلماته وجمله يظهر أيضا أنه دعاء جائز لا حرج فيه، ولا يظهر لنا فيه مخالفة شرعية، بل كلماته سليمة صحيحة، فلا ينبغي لك إنكاره ولا وسم الداعي به بالجهل.
وانظر جواب السؤال رقم (21561) ، (75058)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8651)
الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً.
ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين:
الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء.
فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان.
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى.
ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ ابن الصلاح:
" لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) .
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) :
" وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى.
وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له"
"الفتوحات الربانية" (2/27-29)
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) :
" بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى.
وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) :
" هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى.
ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال.
لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) .
وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال.
وانظر جواب السؤال رقم (45730) .
وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء.
ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك.
فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265)
فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8652)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة أو بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أقول عند النداء لقيام صلاة الفرض في المسجد؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك مسألتان مهمتان في أبواب " الأذان والإقامة " لا بد من بيانهما والتفريق بينهما:
المسألة الأولى:
هل يستحب لمن أراد أن يقيم الصلاة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشرع في الإقامة؟
قال بذلك بعض متأخري فقهاء الشافعية، فقرره زين الدين بن عبد العزيز المليباري (ت987هـ) في كتابه "فتح المعين" (1/280) ونسبه للنووي في شرح الوسيط.
وجاء في "إعانة الطالبين" (1/280) للسيد البكري الدمياطي (ت بعد 1302هـ) قوله:
" وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبلهما: أي الأذان والإقامة " انتهى.
ولكن نقل الشيخ علي الشبرامُلَّسي (ت1087هـ) من فقهاء الشافعية في حاشيته على "نهاية المحتاج" (1/432) عن بعضهم نفي نسبة القول للنووي، وأنه سبق قلم وقع في شرح الوسيط، والصحيح "بعد الإقامة" وليس "قبل الإقامة".
ويمكن أن يستدل لهذا القول بحديث يرويه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/372) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(كان بلال إذا أراد أن يقيم الصلاة قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمك الله)
لكن في سنده راو اسمه عبد الله بن محمد بن المغيرة ضعيف جدا، يروي المنكرات والموضوعات، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (3/332) : " قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن يونس: منكر الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. قال النسائي: روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها. ذكره العقيلي في الضعفاء فقال: يحدث بما لا أصل له " انتهى.
لذلك حكم الشيخ الألباني رحمه الله على حديثه هذا بالكذب والوضع – كما في "السلسلة الضعيفة" (891) – ثم قال:
" وهذا الحديث كأنه الأصل لتلك البدعة الفاشية التي رأيناها في حلب وإدلب وغيرها من بلاد الشمال، وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جهرا قبيل الإقامة، وهي كالبدعة الأخرى، وهي الجهر بها عقب الأذان كما بينه العلماء المحققون.
على أن الظاهر من الحديث - لو صح - أن بلالا كان يدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو في حجرته ليخبره بأنه يريد أن يقيم حتى يخرج عليه الصلاة والسلام فيقيم بلال، أو لعله لا يسمع الإقامة فيخبر بها " انتهى.
فالصحيح أنه لا يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة – كما جرت به العادة في بعض البلاد – لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وهي إلى البدعة أقرب منها إلى السنة.
وقد أنكر المحققون من الشافعية هذا الفعل أيضا:
سئل ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/129) :
" هل نص أحد على استحباب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أول الإقامة؟
فأجاب:
لم أر من قال بندب الصلاة والسلام أول الإقامة، وإنما الذي ذكره أئمتنا أنهما سنتان عقب الإقامة كالأذان، ثم بعدهما: اللهم رب هذه الدعوة التامة ... (ثم ذكر الآثار السابقة عن الحسن البصري وغيره) " انتهى.
وقال أيضا في (1/131) :
" لم نر في شيء منها – يعني الأحاديث - التعرض للصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - قبل الأذان، ولا إلى محمد رسول الله بعده، ولم نر أيضا في كلام أئمتنا تعرضا لذلك أيضا، فحينئذ كل واحد من هذين ليس بسنة في محله المذكور فيه، فمن أتى بواحد منهما في ذلك معتقدا سنيته في ذلك المحل المخصوص نُهي عنه ومنع منه؛ لأنه تشريع بغير دليل، ومن شرَّع بلا دليل يزجر عن ذلك ويُنهى عنه " انتهى.
وانظر ما سبق حول ذلك في جواب السؤال رقم (22646)
المسألة الثانية:
هل يستحب للمقيم نفسِه ولِمَن يسمع الإقامة أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ منها؟
ذهب إلى استحباب ذلك جماهير أهل العلم، مستدلين بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم (384)
يقول ابن رجب في "فتح الباري" (3/457) :
" وقوله: " إذا سمعتم المؤذن " يدخل فيه الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما نداء إلى الصلاة، صدر من المؤذن " انتهى.
قالوا: وقد ورد ذلك من صريح قول بعض الصحابة والتابعين:
روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (حديث رقم/105) عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أنه كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وهذه الصلاة القائمة، صل على محمد، وآته سؤله يوم القيامة.
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (1/496) عن أيوب وجابر الجعفي قالا:
" من قال عند الاقامة: اللهم! رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط سيدنا محمدا الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وسلم "
وروى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (60) عن يوسف بن أسباط قال:
" بلغني أنّ الرجل المسلم إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم ربّ هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا من الحور العين، قلن حور العين: ما كان أزهدك فينا " انتهى.
ولذلك عقد ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (372-373) فصلا قال فيه:
" الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه: الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن، وعند الاقامة " ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو وبعض الآثار السابقة، وذكر أيضا من رواية الحسن بن عرفة بسنده إلى الحسن البصري قال:
" إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك , وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة , دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم "
وروى نحوه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/124) عن الحكم والحسن البصري.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/89-90) :
" السنة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: (قد قامت الصلاة) مثل قوله، ولا يقول: أقامها الله وأدامها؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)
وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذانا.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم (لا إله إلا الله)
ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان.
ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر " انتهى.
وفي "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/347) :
" وأما بعد الفراغ من الذكر من الأذان أو الإقامة، فلا أحفظ شيئا في هذا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن يجيبوا المؤذن والمقيم، ويقولوا بعد الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) رواه البخاري في صحيحه " انتهى.
وانظر "مغني المحتاج" (1/329) ، "حاشية الجمل" (1/309) ، "الموسوعة الفقهية" (6/14) ، "الثمر المستطاب" (214-215)
والقول الثاني: أنه لا تستحب إجابة المقيم، وبه جزم بعض الأحناف، كما في رد المحتار (2/71) ، وبعض الماليكة أيضا. قال الشيخ زروق: " ولا يحكي الإقامة " اهـ انظر: مواهب الجليل 2/132.
اواختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. قال:
" المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح أنه لا يتابع " انتهى. مجموع فتاوى الشيخ (12/169) ، وانظر الشرح الممتع (1/318) ط مصر.
وأما حديث: " بين كل أذنين صلاة "، فإنما سميت الإقامة أذانا من باب التغليب، ولم نقف على تسميتها أذانا بمفردها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَتَوَارَدَ الشُّرَّاح عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَاب التَّغْلِيب كَقَوْلِهِمْ الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر ... ".
وقال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: " لا يعرف حديث صحيح صريح في أن من سمع المؤذن يقيم الصلاة يجيبه، كما ثبت ذلك لمن سمع المؤذن، ودخول إجابة المؤذن في عموم أحاديث إجابة الأذان لا يسلم به، لأن التعليم المفصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطبق إلا على إجابة المؤذن في الأذان " انتهى. تصحيح الدعاء (394) .
وانظر: أحكام الأذان والنداء والإقامة تأليف: سامي بن فراج الحازمي (441-443) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8653)
حكم الاحتفال بعيد النيروز
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم جميعا فهذا الموقع موقع رائع! كنت أتساءل ما إذا كان الاحتفال بالنيروز حراما أم لا؟ لأنني كفارسي أحتفل به. ونحن نقوم أيضا في النيروز بإقامة مأدبة ونضع قرآنا على تلك المائدة.... فهل الاحتفال بالنيروز حرام أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
النَّيْروز: كلمة فارسيهَ معَربة، وأصلها في الفارسية "نوروز" ومعناها: اليوم الجديد.
وهو عيد من أعياد الفرس، ويُعد أعْظم أعيادهم، ويقال: إنّ أول من اتخذه "جمشيد" أحد ملوك الفرس الأُول، ويقال فيهْ "جمشاد ".
والنيروز: أول أيام السنة الفارسية، ويستمر خمسة أيام بعده.
ويحتفل أقباط مصر بالنيروز، وهو أول سنتهم، وهو المعروف بعيد شم النسيم.
قال الذهبي رحمه الله في رسالة "تشبه الخسيس بأهل الخميس"ص 46: " فأما النيروز، فإن أهل مصر يبالغون في عمله، ويحتفلون به، وهو أول يوم من سنة القبط، ويتخذون ذلك عيداً، يتشبه بهم المسلمون " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103- 104.
ثانيا:
ليس للمسلمين عيد يحتفلون به إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وما سوى ذلك فهو أعيادة محدثة، لا يجوز الاحتفال بها.
وقد روى أبو داود (1134) والنسائي (1556) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2021) .
ويدخل في الأعياد المحدثة: عيد النيروز، وعيد الأم، وعيد الميلاد، وعيد الاستقلال، وما شابه ذلك، وإذا كان العيد في الأصل عيدا للكفار كعيد النيروز كان الأمر أشد وأعظم.
وعيد النيروز عيد جاهلي، كان يحتفل به الفرس قبل الإسلام، ويحتفل به النصارى أيضا، فيتأكد المنع من الاحتفال به لما في ذلك من المشابهة لهم.
قال الذهبي رحمه الله في رسالة "التمسك بالسنن والتحذير من البدع":
" أما مشابهة الذِّمة في الميلاد، والخميس، والنيروز، فبدعة وحشة.
فإن فَعلها المسلم تديُّناً فجاهل، يزجر وُيعَلَّم، وإن فعلها حُبّاً [لأهل الذِّمة] وابتهاجاً بأعيادهم فمذموم أيضاً، وإنْ فعلها عادةً ولعباً، وإرضاءً لعياله، وجبراً لأطفاله فهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذر ويبين له برفق، والله أعلم " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103، 104.
والخميس: عيد من أعياد النصارى، ويسمونه الخميس الكبير.
وفي "الموسوعة الفقهية" (12/7) : التشبه بالكفار في أعيادهم: لا يجوز التشبه بالكفار في أعيادهم , لما ورد في الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) , ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به ...
وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من مر ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك , حشر معهم يوم القيامة. ولأن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه وتعالى: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج , فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر , والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر , بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر , فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره.
قال قاضي خان: رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يشتره في غير ذلك اليوم: إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه الكفرة يكون كفرا , وإن فعل ذلك لأجل السرف والتنعم لا لتعظيم اليوم لا يكون كفرا. وإن أهدى يوم النيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم , إنما فعل ذلك على عادة الناس لا يكون كفرا. وينبغي أن لا يفعل في هذا اليوم ما لا يفعله قبل ذلك اليوم ولا بعده , وأن يحترز عن التشبه بالكفرة.
وكره ابن القاسم (من المالكية) للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة , ورآه من تعظيم عيده وعونا له على كفره.
وكما لا يجوز التشبه بالكفار في الأعياد لا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك , فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته , ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد , مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته , خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم , مثل إهداء الشمع ونحوه في عيد الميلاد.
وتجب عقوبة من يتشبه بالكفار في أعيادهم " انتهى.
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " لا يجوز الاحتفال بالأعياد المبتدعة كعيد الميلاد للنصارى، وعيد النيروز والمهرجان، وكذا ما أحدثه المسلمون كالميلاد في ربيع الأول، وعيد الإسراء في رجب ونحو ذلك، ولا يجوز الأكل من ذلك الطعام الذي عده النصارى أو المشركون في موسم أعيادهم، ولا تجوز إجابة دعوتهم عند الاحتفال بتلك الأعياد، وذلك لأن إجابتهم تشجيع لهم، وإقرار لهم على تلك البدع، ويكون هذا سبباً في انخداع الجهلة بذلك، واعتقادهم أنه لا بأس به، والله أعلم " انتهى من كتاب "اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين" ص 27.
والحاصل: أنه لا يجوز للمسلمين الاحتفال بعيد النيروز، ولا تخصيصه باحتفال أو طعام أو هدايا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8654)
ما يفعله الشيعة في عاشوراء بدعة وضلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش بدبي وحولنا عد كبير من الشيعة هنا وهم يقولون دائما إن ما يقومون به يومي التاسع والعاشر من شهر محرم هو دليل على حبهم للحسين، ولا شيء فيه، وهو كما قال يعقوب: (يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين. قال إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون) برجاء إطلاعي على الإجابة بخصوص ما إذا كان يجوز ضرب الصدر أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يفعله الشيعة في عاشوراء من ضرب الصدور، ولطم الخدود، وضرب السلاسل على الأكتاف، وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء، محدث لا أصل له في الإسلام، فإن هذه أمور منكرة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم يشرع لأمته أن تصنع شيئا من ذلك أو قريبا منه، لموت عظيم، أو فقد شهيد، مهما كان قدره ومنزلته. وقد استشهد في حياته صلى الله عليه وسلم عدد من كبار أصحابه الذين حزن لفقدهم كحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فلم يفعل شيئا مما يفعله هؤلاء، ولو كان خيرا لسبقنا إليه صلى الله عليه وسلم.
ويعقوب عليه السلام لم يضرب صدرا، ولم يخمش وجها، ولم يُسل دما، ولا اتخذ يوم فقد يوسف عيدا ولا مأتما، وإنما كان يذكر حبيبه وغائبه، فيحزن لذلك ويغتم، وهذا مما لا ينكر على أحد، وإنما المنكر هو هذه الأعمال الموروثة عن الجاهلية، التي نهى عنها الإسلام.
فقد روى البخاري (1294) ومسلم (103) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) .
فهذه الأعمال المنكرة التي يعملها الشيعة في يوم عاشوراء لا أصل لها في الإسلام، لم يعملها النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من أصحابه، ولا عملها أحد من أصحابه لوفاته أو لوفاة غيره، مع أن المصاب بمحمد صلى الله عليه وسلم أعظم من موت الحسين رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله – أي الحسين- رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنعٌ ورياءٌ، وقد كان أبوه أفضل منه، فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصورٌ في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين ... وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قال: (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب بها) رواه الإمام أحمد وابن ماجه. " انتهى من "البداية والنهاية" (8/221) .
وقال في (8/220) : " وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها فكانت الدبادب - أي الطبول - تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثيرٌ منهم لا يشرب الماء تلك الليلة موافقةً للحسين؛ لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسراتٍ عن وجوههن ينحن ويلطمنَ وُجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية، لأنه قتل في دولتهم.
وقد عاكس الرافضةَ والشيعة يوم عاشوراء النواصبُ من أهل الشام، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح، يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم " انتهى.
والاحتفال بهذا اليوم بدعة، كما أن جعله مأتما بدعة كذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه، يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثى. . . وبدعة السرور والفرح. . . فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، فصاروا يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال واتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة. . . وكل بدعة ضلالة، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا " انتهى من "منهاج السنة" (4/554) باختصار.
وينبغي التنبيه على أن هذه الأعمال المنكرة يشجعها أعداء الإسلام، ليتوصلوا بها إلى مقاصدهم الخبيثة لتشويه صورة الإسلام وأهله، وفي هذا يقول موسى الموسوي في كتابه: "الشيعة والتصحيح": " ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس، وشج الرأس حداداً على " الحسين " في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند، وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد، وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس، وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة، وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع الاستغلال هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى، وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من أودية الجهل والتوحش، فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية، وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلادٍ تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، وقد قيل إن " ياسين الهاشمي " رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز: نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية، ولقد أثار هذا الكلام " ياسين الهاشمي " فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق، فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلاء والكاظمية تصور مشاهد مروعة ومقززة عن ضرب القامات والسلاسل، وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل إن شعباً مثقفاً لم يحظ من المدنية بحظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟! " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8655)
هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء ترديد الأذان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أذن المؤذن، فلما وصل المؤذن عند قول: أشهد أن محمدا رسول الله. قلت أنا السامع: أشهد أن محمدا رسول الله. ثم صليت على النبي. فقال لي أحدهم: إن هذه الصلاة مني بدعة. فهل هذا صحيح؟ مع الدليل. وأنا لم أذكر الصلاة إلا لأني سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي) فماذا أفعل يا شيخ والحال كما ذكرت؟ أرجو منك الإجابة المفيدة، فلقد تعبت، هل فعلي بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الأذكار والأدعية الشرعية المقيدة بحال معين الالتزام فيها بما ورد في الكتاب والسنة، من غير زيادة ولا نقصان.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (11/112) :
" ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فيجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به " انتهى.
ودليل هذه القاعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم البراء بن عازب الالتزام باللفظ من غير تغيير، وذلك حين لقنه دعاء يدعو به إذا أراد النوم فقال له:
(إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ. قُلْتُ: وَرَسُولِكَ قَالَ " لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ")
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
وهدي السلف في باب السنة والبدعة هو الاحتياط الدائم، والالتزام بالسنة الواردة خوفا من الوقوع في البدعة.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه:
" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " انتهى. رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/208)
لذلك أنكر بعض الصحابة على من زاد على المشروع؛ فعَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ "
رواه الترمذي (2738) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم الأذكار بألفاظها، ويحرص على تحفيظهم إياها كما أوحاها الله إليه، وكما يعلمهم السورة من القرآن، وذلك كي ينالوا بركتها وفضلها عند الله.
يقول ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ) رواه البخاري (6265) .
ومن ذلك ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في إجابة المؤذن، فقد ورد فيه عدة أحاديث، تدل جميعها على لزوم الاقتصار على ترديد قول المؤذن (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) من غير زيادة ولا نقصان.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ) رواه البخاري (611) ومسلم (383)
وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم (385)
فتأمل معي - أخي السائل - كيف فَصَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه كيفية إجابة المؤذن، ما يدلك على ضرورة الالتزام بما علَّمَنا من غير زيادة ولا نقصان، وإلا فما فائدة كل هذا البيان والتفصيل!
وقد فهم الصحابة مقصود النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يلتزمون بما علمهم ولا يجتهدون في الألفاظ.
روى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/409) بسند صحيح عن عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: (دَخَلْنَا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَنَادَى الْمُنَادِى بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ يَحْيَى فَحَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ. قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم) .
وبهذا يتبين أنه لا ينبغي لك زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الترديد مع المؤذن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمنا ذلك، وكذا صحابته الكرام، لم يُعرف عن أحد منهم أنه زاد شيئا في إجابته المؤذن.
وكل مسلم يؤمن بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف القربات وأجل الطاعات، غير أن الأذكار لها مواضع تشرع فيها، فلا ينبغي تعديها والزيادة عليها، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (327-445) جميع المواضع التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر منها: التشهد، وآخر القنوت، وفي صلاة الجنازة وفي الخطبة وعند الدعاء ... وليس شيء منها أثناء الأذان، إنما بعد انتهاء المؤذن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن القيم رحمه الله "جلاء الأفهام" (1/424) :
" والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، فلكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه، قالوا ولهذا لا تشرع الصلاة عليه في الركوع ولا السجود ولا قيام الاعتدال من الركوع " انتهى.
نعم، وردت أحاديث في التشديد في أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) رواه الترمذي (3546) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/35)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) رواه الترمذي (3545) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
لكن العلماء شرحوا وبينوا مقاصد هذه الأحاديث:
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (11/168-169) :
" وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكر؛ لأن الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد، والوعيد على الترك من علامات الوجوب.
وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة: منها أنه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين، فهو قول مخترَع، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن، وكذا سامعه، وللزم القارئ إذا مر ذكره في القرآن، وللزم الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين، ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه، ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به، وقد أطلق القدوري وغيره من الحنفية أن القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله؛ لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليك، ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى.
وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه، وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا " انتهى.
إذن فجميع الأحاديث الواردة في هذا الباب المقصود بها المواطن المشروعة، أو في المجالس التي يطلق فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود منها إطلاق الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الشهادتين.
يقول ابن القيم في "جلاء الأفهام" (1/393-394) في نقله وجوه الرد على من قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه:
" أحدها: أنه من المعلوم الذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنبي أكثر من أن يذكر، فإنهم كانوا يقولون: يا رسول الله. مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم صلى الله عليك، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير. فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليهم تركها.
الثاني: أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات، ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة.
الثالث: أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يُعرَف أن أحدا منهم قال به.
الرابع: أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يشرع له في الأذان فضلا أن يجب عليه.
الخاس: أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابَهُ أن يصلي عليه، وقد أمر السامع أن يقول كما يقول المؤذن، وهذا يدل على جواز اقتصاره على قوله: أشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله. فإن هذا مثل ما يقول المؤذن " انتهى باختصار.
لذلك جاء في كتب الفقه مواضع مما يكره فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في "تحفة المحتاج" من كتب الشافعية (2/65) :
" وَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي أَوْ سَمِعَ آيَةً فِيهَا اسْمُهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ تُسْتَحَبَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ – يعني النووي - " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/131) :
" وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ , وَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّعَرُّضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَذَانِ , وَلَا إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ وَلَمْ نَرَ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ أَيْضًا , فَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ , فَمَنْ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ نُهِيَ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ; وَمَنْ شَرَّعَ بِلَا دَلِيلٍ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ. " انتهى.
وفي "فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (10/334) :
" وكذلك ما يزيده بعض الناس من الصلاة على النبي مع الأذان عندما يقول: (لا إله إلا الله) يزيد: (الصلاة على النبي) رافعا بها صوته مع الأذان أو في المكبر، فهذا لا يجوز وبدعة أيضا " انتهى باختصار.
لكن إن فعل السامع ذلك أحيانا، لا على وجه الالتزام، أو اعتباره من الأذكار المقيدة بهذه الحال، أو من ترديد الأذان المشروع؛ فنرجو أن لا يكون بأس، ولا يصل الأمر فيه إلى حد البدعة إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8656)
نصرانية تسأل عن يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم وما هي أهميّته للمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أهمية اليوم الذي ولد فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ومتى، وكيف يُحتفل بذلك اليوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: محمد صلى الله عليه وسلم، رسول الله إلى الناس أجمعين، الذي أنقذ الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأخذ بأيديهم من الضلال إلى الهدى والرشاد، وللأهميّة يراجع جواب سؤال رقم (11575) . ولعل هذا السؤال أن يكون بداية بحث موسّع عن دين الإسلام، ومحاولة لمعرفته والقراءة المستفيضة عنه كثيراً. واحرصي على محاولة البحث عن ترجمة للقرآن حتى تعرفي أكثر عن هذا الدين الحنيف، ولا شك أن سرورنا سيكون أضعاف ذلك بكثير إذا أصبحت أختاً لنا في الإسلام بالدخول في هذا الدين.
ثانياً: العبادات في الإسلام تقوم على أساس عظيم، وهو أنه لا يجوز لأحد أن يتعبّد الله إلا بما شرعه الله عز وجل في كتابه، وما جاء به نبيّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تعبّد لله عز وجل بشيء لم يأمر الله عز وجل ورسوله به فإن الله عز وجل لا يقبل منه ذلك الشيء، وقد أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (كتاب الصلح / 2499)
ومن هذه العبادات الأعياد فإن الله عز وجل قد شرع لنا عيدين نحتفل فيهما، ولا يجوز الاحتفال في غيرهما (ويراجع جواب سؤال رقم (486)) .
أما الاحتفال باليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يُعلم أنه عليه الصلاة والسلام لم يشرع لنا الاحتفال بهذا اليوم، ولم يحتفل هو نفسه عليه الصلاة والسلام بذلك اليوم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم، فإنهم كانوا أشد حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم منّا ومع ذلك لم يحتفلوا بهذا اليوم، ولذلك فإننا لا نحتفل بذلك اليوم اتباعاً لأمر الله عز وجل الذي أمرنا باتباع أوامر نبيّه فقال تعالى: (وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) سورة الحشر/7، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (علَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة) رواه أبو داود (السنة/3991) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " برقم (3851) .
ومما يبيّن مدى المحبّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه في كل ما أمر به ونهى عنه ومن ذلك اتباعه في عدم احتفاله باليوم الذي ولد فيه. ويراجع جواب سؤال رقم (5219) و (10070) .
ومن أراد أن يعظِّم اليوم الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم فعليه بالبديل الشرعي، وهو صوم يوم الاثنين، وليس خاصّاً بيوم المولد فقط بل في كلّ يوم اثنين.
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين؟ فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل عليَّ. رواه مسلم (1978) . وفي يوم الخميس ترفع الأعمال وتعرض على الله.
والخلاصة: أن الاحتفال بيوم ميلاده لم يشرعه الله عز وجل ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه لا يجوز للمسلمين أن يحتفلوا بيوم المولد امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر نبيّه عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله لكِ الهداية إلى صراطه المستقيم. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8657)
حكم الصعود إلى غار حراء وغار ثور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصعود إلى غار حراء بقصد الاطلاع والاستكشاف؟ وهل يختلف الحكم فيه أن كان في أيام الحج أو غيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصعود إلى غار حراء إن كان بقصد التقرب إلى الله عز وجل، فهذا من البدع المحدثة التي لم يدل عليها دليل شرعي، والأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله أو شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإن كان بقصد الاطلاع والاستكشاف، فلا يمنع منه، إلا أن يخشى الإنسان اغترار الجهال بصعوده، فيقتدون به، ويظنون الصعود إليه قربة وعبادة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا وما في سفح أبي قبيس ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فليس قصد شيء من ذلك من السنة ولا استحبه أحد من الأئمة، وإنما المشروع إتيان المسجد الحرام خاصة، والمشاعر: عرفة ومزدلفة والصفا والمروة، وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال إنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك فإنه ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك، بل هو بدعة" انتهى من "مجموع فتاوى ابن تيمية" (26/144) .
وذكر رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم " اعتمر عمرته الرابعة مع حجة الوداع، وحج معه جماهير المسلمين، لم يتخلف عن الحج معه إلا من شاء الله.
وهو في ذلك كله، لا هو ولا أحد من أصحابه يأتي غار حراء، ولا يزوره، ولا شيئا من البقاع التي حول مكة، ولم يكن هناك عبادة إلا بالمسجد الحرام، وبين الصفا والمروة، وبمنى والمزدلفة وعرفات. . .
ثم بعده خلفاؤه الراشدون، وغيرهم من السابقين الأولين، لم يكونوا يسيرون إلى غار حراء ونحوه للصلاة فيه والدعاء.
ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعا مستحبا يثيب الله عليه؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بذلك، ولكان يعلم أصحابه ذلك، وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك؛ عُلِم أنه من البدع المحدثة، التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة، فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة فقد اتبع غير سبيلهم، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 425.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: يقع حوادث سقوط بعض الحجاج أثناء صعودهم لجبل النور ونزولهم من الغار، ويقترح بعض الناس القيام بعمل درج يؤدي إلى موقع الغار مع قفل جميع الجهات بشبك حديدي يمنع دخول أي أحد إلا من الطريق المخصص للصعود والنزول.
فأجابوا:
"الصعود إلى الغار المذكور ليس من شعائر الحج، ولا من سنن الإسلام، بل إنه بدعة، وذريعة من ذرائع الشرك بالله، وعليه؛ ينبغي أن يمنع الناس من الصعود له، ولا يوضع له درج ولا يسهل الصعود له؛ عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته. وقد مضى على بدء نزول الوحي وظهور الإسلام أكثر من أربعة عشر قرنا، ولم نعلم أن أحدا من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته، ولا أئمة المسلمين الذين ولوا أمر المشاعر خلال حقب التاريخ الماضية أنه فعل ذلك، والخير كل الخير في اتباعهم والسير على نهجهم؛ حسبة لله تعالى، ووفق منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم، وسدا لذرائع الشرك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/359) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وبعض الناس يتعمد أن يذهب إلى غار حراء يظن أن هذا من السنة، وليس كذلك، غار حراء غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينبأ، ونزل عليه الوحي وهو في هذا الغار، ولكن لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ذلك ولا كان الصحابة يقصدونه، وهناك غار آخر يقصده بعض والناس يظن أنه قربة، وهو غار ثور الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وإتيانه ليس بسنة ولا قربة إلى الله عز وجل، لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء أو على جبل ثور من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود، فهل ينكر عليه؟
الجواب: لا ينكر عليه، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك " انتهى من "اللقاء الشهري" (65/3) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8658)
الاحتفالات الدينية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تعلمونني بالأعياد والمناسبات الدينية في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحن المسلمين ليس لنا أعياد إلا عيدين: عيد الفطر بعد رمضان، وعيد الأضحى يوم الحجّ الأكبر، نظهر فيهما السرور والتهنئة والتوسعة على العيال وأهمّ من هذا كله ذكر الله بالتكبير والتهليل وصلاة العيدين وليس عندنا احتفالات بأيام معينة في السنّة إلا هذين العيدين.
وهناك مناسبات سارّة جاءت الشريعة بأحكام فيها كإطعام الطعام في مثل النّكاح وعقيقة المولود ونحوها لكنهّا ليست مخصصة بأيام معيّنة في السّنة وإنّما بحسب وقوع تلك المناسبة في حياة كلّ مسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8659)
تفصيل مفيد بالأمثلة عن البدعة والشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكننا تسمية الناس الذين يرتكبون الشرك والبدع بالمسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال فيه مبحثان:
1/البدعة. 2/الشرك.
المبحث الأول: البدعة.
وهذا المبحث فيه ثلاثة مطالب:
1/ ضابط البدعة. 2/أقسامها. 3/حكم من ارتكب البدعة - هل يكفر أم لا؟
المطلب الأول: ضابط البدعة.
قال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله -: " البدعة شرعاً ضابطها " التعبد لله بما لم يشرعه الله "، وإن شئت فقل: " التعبد لله بما ليس عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون "
فالتعريف الأول مأخوذ من قوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) .
والتعريف الثاني مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ".
فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع سواءٌ كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه.
أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تُسمى بدعة في الدين، وإن كانت تسمى بدعة في اللغة، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يوجد في الدين بدعة حسنة أبداً." أ. هـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (ج/2، ص/291) .
المطلب الثاني: أقسام البدعة.
البدعة تنقسم إلى قسمين:
الأول: بدعة مكفرة. الثاني: بدعة غير مكفرة.
فإن قلت: ما ضابط البدعة المكفرة وغير المكفرة؟
فالجواب:
قال الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله -: " ضابط البدعة المكفرة: من أنكر أمراً مجمعاً عليه، متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة من جحود مفروض، أو فرض ما لم يُفرض، أو إحلال محرم أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه، من نفي أو إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
مثل بدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل، والقول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله وأفعاله، وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه.. وغير ذلك.
والقسم الثاني: البدع التي ليست بمكفرة - وضابطها -: ما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب ولا بشيءٍ مما أرسل الله به رسله.
مثل بدع المروانية (التي أنكرها عليهم فضلاء الصحابة ولم يُقروهم عليها،ولم يكفروهم بشيء منها ولم ينزعوا يداً من بيعتهم لأجلها) ، كتأخيرهم بعض الصلوات إلى أواخر أوقاتها، وتقديمهم الخطبة قبل صلاة العيد، وجلوسهم في نفس الخطبة في الجمعة وغيرها. " معارج القبول (2/503-504) .
المطلب الثالث: حكم من ارتكب البدعة؟ هل يكفر أم لا؟
الجواب: فيه تفصيل:
فإن كانت البدعة مكفرة فلا يخلو فاعلها من حالين:
الأول: أن يُعلم أن قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه، فهذا مقطوعٌ بكفره، بل هو أجنبيٌ عن الدين، ومن أعداء الدين.
الثاني: أن يكون مغرَّرَاً به وملبَّساً عليه فهذا إنما يُحكم بكفره بعد إقامة الحجة عليه وإلزامه بها.
وإن كانت البدعة غير مكفرة فلا يكفر بل هو باقٍ على إسلامه إلا أنه فعل منكراً عظيماً.
فإن قلت: وكيف التعامل مع أصحاب البدع؟
فالجواب:
قال الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله -: " وفي كلا القسمين يجب علينا نحن أن ندعوا هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق؛ ببيان الحق دون أن نهاجم ما هم عليه إلا بعد أن نعرف منهم الاستكبار عن قبول الحق لأن الله - تعالى قال (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) ... فإذا وجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم، على أن بيان باطلهم أمرٌ واجب.
أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره؛ إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة، أو كان فيه زيادة في المعصية والعتو اجتنبناه؛ لأن مالا مصلحة فيه تركه هو المصلحة، ولأن الأصل في المؤمن تحريم هجره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجلٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث) " أ. هـ. من مجموع فتاوى ابن عثيمين بتصرف (ج/2، ص/293) .
المبحث الثاني: الشرك، أنواعه، وتعريف كل نوع.
قال الشيخ محمد بن عثيمين:
" الشرك نوعان: 1/ شرك أكبر مخرج عن الملة. 2/ شرك دون ذلك.
النوع الأول: الشرك الأكبر وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو يتضمن خروج الإنسان عن دينه " مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لله عز وجل لغير الله، كأن يصلي لغير الله، أو يصوم لغير الله، أو يذبح لغير الله، وكذلك من الشرك الأكبر أن يدعو غير الله، مثل أن يدعو صاحب قبر أو يدعو غائباً ليغيثه من أمر لا يقدر عليه إلا الله.
النوع الثاني: الشرك الأصغر، وهو: - كل عمل قولي، أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك، ولكنه لا يُخرج من الملة - مثل الحلف بغير الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ".
فالحالف بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله من العظمة ما يُماثل عظمة الله فهو مشرك شركاً أصغر، سواءٌ كان هذا المحلوف به معظماً من البشر أم غير معظم، فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا برئيس ولا بالكعبة ولا بجبريل لأن هذا شرك، لكنه شركٌ أصغر لا يُخرج من الملة.
ومن أنواع الشرك الأصغر الرياء. والرياء: أن يعمل ليراه الناس لا لله.
والرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:
الأول: أن يكون في أصل العبادة، أي ما قام يتعبد إلا للرياء، فهذا عمله باطل مردود عليه؛ لحديث أبي هريرة مرفوعاً، قال الله تعالى " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " رواه مسلم كتاب الزهد رقم (2985) .
الثاني: أن يكون الرياءُ طارئاً على العبادة، أي أن أصل العبادة لله لكن طرأ عليها الرياء فهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يدفعه، فهذا لا يضره.
مثاله: رجل صلى ركعة ثم جاء أُناس في الركعة الثانية فحصل في قلبه شيءٌ، بأن أطال الركوع، أو السجود، أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دَفَعه فإنه لا يضره، لأنه قام بالجهاد. وإن استرسل معه فكل عمل ينشأ عن الرياء فهو باطل كما لو أطال القيام، أو السجود، أو تباكى فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟
نقول لا يخلو هذا من حالين:
الأولى: أن يكون آخر العبادة مبنياً على أولها مع فساد آخرها فهي كلها فاسدة.
وذلك مثل الصلاة: فالصلاة مثلاً لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، إذن تبطل الصلاة.
الحال الثانية: أن يكون أول العبادة منفصلاً عن آخرها بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء فهو صحيح، وما كان بعده فهو باطل.
مثال ذلك: رجلٌ عنده مائة ريال فتصدق بخمسين لله بنية صالحة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة؛ لأن آخرها مُنْفَكٌ عن أولها." أ. هـ.
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، والقول المفيد شرح كتاب التوحيد (ج/1، ص/114) الطبعة الأُولى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8660)
حكم النطق بالنية في العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتلفظ المسلم بالنية عند قيامه بالعبادات فيقول مثلاً نويت أن أتوضأ، نويت أن أصل، نويت أن أصوم، وهكذا ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية:
عن النية في الدخول في العبادات من الصلاة وغيرها، هل تفتقر إلى نطق اللسان؟ مثل قول القائل: نويت أصلي، ونويت أصوم؟
فأجاب:
الحمد لله، نية الطهارة من وضوء، أو غسل أو تيمم، والصلاة والصيام، والزكاة والكفارات، وغير ذلك من العبادات؛ لا تفتقر إلى نطق اللسان باتفاق أئمة الإسلام، بل النية محلها القلب باتفاقهم، فلو لفظ بلسانه غلطا خلاف ما في قلبه فالاعتبار بما ينوي لا بما لفظ.
ولم يذكر أحد في ذلك خلافا، إلا أن بعض متأخري أصحاب الشافعي خرج وجها في ذلك، وغلطه فيه أئمة أصحابه، ولكن تنازع العلماء هل يستحب اللفظ بالنية؟ على قولين: فقال طائفة من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: يستحب التلفظ بها لكونه أوكد.
وقالت طائفة من أصحاب مالك، وأحمد، وغيرهما: لا يستحب التلفظ بها؛ لأن ذلك بدعة لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا من أمته أن يلفظ بالنية ولا علم ذلك أحدا من المسلمين، ولو كان هذا مشروعا لم يهمله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة.
وهذا القول أصح، بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين: أما في الدين فلأنه بدعة، وأما في العقل فلأن هذا بمنزلة من يريد أكل الطعام فقال: أنوي بوضع يدي في هذا الإناء أني آخذ منه لقمة، فأضعها في فمي فأمضغها، ثم أبلعها لأشبع فهذا حمق وجهل.
وذلك أن النية تتبع العلم، فمتى علم العبد ما يفعل كان قد نواه ضرورة، فلا يتصور مع وجود العلم به أن لا تحصل نية، وقد اتفق الأئمة على أن الجهر بالنية وتكريرها ليس بمشروع، بل من اعتاده فإنه ينبغي له أن يؤدب تأديبا يمنعه عن التعبد بالبدع، وإيذاء الناس برفع صوته، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (1 / 214، 215) .(5/8661)
ضوابط الأوراد الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[الأوراد مثل ورد-التاج، وورد-لاخي، وورد-تناجيانا وغيرها، هل تعد من البدع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا علم لنا بما في هذه الأوراد، لكنا نضع لك بعض الضوابط التي تعينك على معرفة المشروع والمبتدع من ذلك:
أولا: أفضل الأوراد ما نقل لفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى لا يختار له إلا الأكمل والأفضل، وهو صلى الله عليه وسلم لا يختار لأمته إلا ذلك.
ثانيا: يجوز للإنسان أن يصلي على نبيه صلى الله عليه بصيغة لم ترد إذا لم تتضمن محذورا شرعيا كالغلو فيه أو التوسل أو دعائه من دون الله.
ثالثا: ليس للذاكر أن يحدد وقتا أو عدداً أو كيفية للذكر إلا إذا ثبت ذلك بدليل صحيح، لأن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرعه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والعبادة لا بد أن تكون مشروعة في ذاتها وكيفيتها ووقتها ومقدارها. فمن اتخذ لنفسه وردا لم يثبت لفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدد له عددا معينا أو التزم فعله في وقت معين فقد وقع في البدعة.
وهذه البدعة يسميها العلماء: البدعة الإضافية، لكون العمل مشروعا في أصله، لكن لحقته البدعة من جهة اختراع الكيفية أو تحديد المقدار والزمن.
واعلم أن الخير كله في اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تأمل حال أصحاب الأوراد المخترعة وجدهم في أغلب الأحوال مقصرين في فعل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار الصباح والمساء ونحوها، وهذا يؤكد ما جاء عن بعض السلف من أنه لا يبتدع إنسان بدعة إلا ويترك من السنة مثلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8662)
لا يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقرأ القرآن بأجرة على أرواح الأموات، فهل يحل لي هذا المال وأن أذهب به لأداء فريضة الحج؟ مع أنه لا يوجد لديَّ نقود إلا ما أخذته مقابل قراءة القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تلاوة القرآن من أفضل الأعمال قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) فاطر / 29. وقال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي (2910) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فتلاوة القرآن عمل صالح وعبادة عظيمة، مع التدبر والتفكر بآياته، والعمل بما فيه من الأحكام، وأخذ الأجرة على تلاوة القرآن لا تجوز، لأن تلاوة القرآن قربة وعبادة، وأخذ الأجرة على القرب والعبادات لا يجوز، وقراءة القرآن على أرواح الأموات بدعة لا دليل عليها، فلا يجوز أن تتخذ قراءة القرآن حرفة يتكسب بها؛ لأنه إذا قرأ القرآن لأجل الأجرة فإنه ليس له أجر عند الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) هود / 15، 16؛ والذي يريد عمل الدنيا بعمل الآخرة، ويريد الدنيا بالعبادة عليه وعيد عظيم وعمله باطل، فلا يجوز للسائل الاستمرار على مثل هذا، ويجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما حصل، ولا يجوز له أن يحج من هذا المال الذي جمعه من هذا الكسب.
ومع الأسف قد اتخذت تلاوة القرآن حرفة ليتكسب بها كثير من المقرئين في عصرنا الحاضر، يقرءونه في المآتم، ويقرءونه على القبور، ويقرءونه على الأموات، نظير أجور يتقاضونها أو مطامع يحصلون عليها، وهذا عمل باطل، ومكسب لا يحل، فقراءة القرآن للأموات في مقابل أجرة.
أولاً: لا دليل عليها حتى ولو كان بدون أجرة.
وثانيًا: أخذ الأجرة على ذلك أخذ لا يجوز، وأكل للمال بالباطل.
والذي ننصح به إخواننا المسلمين وحملة القرآن أن يبتعدوا عن مثل هذه الأمور، وأن يطلبوا الرزق من الوجوه المباحة والمكاسب الطيبة، وأن يتخذوا كتاب الله دليلاً لهم ويتلونه بنية خالصة لله سبحانه وتعالى، لا يريدون من ذلك طمعًا من مطامع الدنيا. والله الموفق ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 90)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8663)
الصلاة خلف من يلحن القراءة ويبتدع بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[في مقر عملنا يؤمنا في الصلاة إمام من دولة أخرى، أثناء قراءته يمد كل كلمة تقريباً ويرتل بطريقة تشبه الغناء، يقول بأن أستاذه علَّمه هذا، بعض الأحيان لا نستطيع الصلاة خلفه لأن صوته بالقراءة يرتفع بألحان مختلفة.
هل تجوز القراءة بهذه الطريقة بحيث يكون مرتفعاً جدّاً وبألحان مختلفة؟ ما هو الحكم في تلاوة القرآن في الصلوات الجهرية؟
بعد كل صلاة يضع كفيه على جبينه ويقول يا حي يا قيوم سبع مرات، فسألناه لماذا يفعل هذا فقال بأن العلماء قالوا بأن العقل يستنير بهذا الفعل بعد كل صلاة وأن هذا موجود في صحيح مسلم ولكننا لم نجد هذا.
أرجو أن تجيب على أسئلتنا وتخبرنا بما يجب أن نفعله إن كان ما يفعله غير صحيح وكيف نصححه؟ لا يوافق على أي شيء نقوله ويقول بأنه تعلم هذا حسب تعاليم الإسلام وأن كل ما يفعله صحيح، فلا نستطيع أن نفعل شيء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تحسين الصوت بالقراءة أمرٌ جيد وطيب ولا حرج فيه بل هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {والتين والزيتون} في العشاء، وما سمعتُ أحداً أحسن صوتاً منه - أو قراءة -.
رواه البخاري (735) ومسلم (464) .
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة أبي موسى الأشعري وهو صاحب الصوت الندي الشجي، لكن هذا التحسين المرغب به للصوت ينبغي أن لا يُخرج الكلام عن موضعه، وينبغي أن لا يشابه بقراءته ألحان الفسقة من المغنين.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى " لو رأيتَني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود ".
رواه البخاري (4761) ومسلم – واللفظ له - (793) .
قال النووي:
قال القاضي: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها، قال أبو عبيد: والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق، قال: واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم، وأباحهما أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث؛ ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه.
قلت: قال الشافعي في موضع: أكره القراءة بالألحان، وقال في موضع: لا أكرهها، قال أصحابنا: ليس له فيها خلاف، وإنما هو اختلاف حالين، فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وإدغام ما لا يجوز ونحو ذلك، وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام، والله أعلم.
" شرح مسلم " (6 / 80) .
ثانياً:
أما فعل إمامكم بعد الصلاة من " وضع كفيه على جبينه ويقول: يا حي يا قيوم سبع مرات ": فهذا ليس له أصل من الشرع وليس هو في " صحيح مسلم " ولا في غيره من كتب السنَّة الصحيحة، وهي بدعة منكرة عليكم مناصحته بتركها وتبيين حكم الشرع في الذِّكر البدعي.
أما الصلاة خلف هذا الإمام: فجائزة، لكن من الأفضل أن تبحثوا لكم عن إمامٍ يقيم السنَّة ويعلمكم إياها؛ لأنه يُخشى أن يغترَّ به بعض المصلِّين فيقلده وينشر بدعته، وقبل هذا لا تتركوا نصيحته وإرشاده للسنَّة الصحيحة في الذِّكر خاصَّة وفي العبادة عامة، فإن أصرَّ على بدعته فلا مانع من العمل على منعه من إمامة الصلاة.
وقد قال علماء اللجنة الدائمة:
وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم أو العلم بالمغيبات أو التأثير في الكونيات: فلا تصح الصلاة خلفهم، وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع الاجتماع والترنحات: فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماماً غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 353) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8664)
لا أصل لما يسمى بالسبع المنجيات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السبع المنجيات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تطلق السبع المنجيات على سبع سور أو سبع آيات من القرآن الكريم، اختارها بعض الجهلة، ووضعوا لها هذا الاسم، ولا أصل لذلك من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل القرآن كله شفاء وهداية ونجاة لمن تمسك به.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: جاء بعض طلبة دار الحديث بالمدينة المنورة بنسخة تسمى السور المنجيات فيها سورة الكهف والسجدة ويس وفصلت والدخان والواقعة والحشر والملك، ولقد وزع منها الكثير، فهل هناك دليل على تخصيصها بهذا الوصف وتسميتها بهذا الاسم؟
فأجابوا:
"كل سور القرآن وآياته شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، ونجاة لمن اعتصم به، واهتدى بهداه من الكفر والضلال والعذاب الأليم، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله وتقريره جواز الرقية، ولم يثبت عنه أنه خص هذه السور الثمان بأنها توصف أو تسمى المنجيات، بل ثبت أنه كان يعوذ نفسه بالمعوذات الثلاث (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) يقرؤهن ثلاث مرات وينفث في كفيه عقب كل مرة عند النوم، ويمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده، ورقى أبو سعيد بفاتحة الكتاب سيدَ حيٍّ من الكفار قد لدغ فبرأ بإذن الله، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقرر قراءة آية الكرسي عند النوم، وأن من قرأها لم يقربه شيطان تلك الليلة، فمن خص السور المذكورة في السؤال بالمنجيات فهو جاهل مبتدع، ومن جمعها على هذا الترتيب مستقلة عما سواها من سور القرآن رجاء النجاة أو الحفظ أو التبرك بها فقد أساء في ذلك وعصى؛ لمخالفته لترتيب المصحف العثماني الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، ولهجرة أكثر القرآن وتخصيصه بعضه بما لم يخصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، وعلى هذا فيجب منع توزيعها والقضاء على ما طبع من هذه النسخ إنكاراً للمنكر، وإزالة له " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/478) .
وقَالَ الشَّيْخُ بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ أبُو زَيْدٍ حفظه الله فِي "تَصَحِيْحِ الدُّعَاءِ" (ص 287) : " الْمُنْجِيَاتُ: وَهِي ثَمَانُ سُوَرٍ: " الكَهْفُ، وَالسَّجْدَةُ، وَيس، وَفُصِّلَت، وَالدُّخَانُ، وَالحَشْرُ، وَالمُلْكُ.
أَوَلاَ: وَصْفُ أَوْ تَسْمِيَةُ هَذِهِ السُّوَرِ جَمِيْعِهَا بِلَفْظِ: " الْمُنْجِيَاتِ " لا أَصْلَ لَهُ.
وَثَانِياً: تَخْصِيصُهَا بِالقِرَاءةِ فِي حَالٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ، لا أَصْلَ لَهُ. لِهَذَا لاَ يَجُوْزُ التَّعَبُّدُ بِهَا، لِعَدَمِ الدَّلِيْلِ عَلَى خُصُوصِيَتِهَا بِهَذَا الوَصفِ بِشَيْءٍ " انتهى.
وهذه ينطبق على هذه السور، وعلى الآيات التي يُزعم أنها منجيات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8665)
تأتيه رسائل بالجوال ويطلب منه إعادة نشرها بأعداد معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتوصل برسائل sms تقول قل سبحان الله والحمد ... وعاود بعثه لزميل لك، هل هذه بدعة؟ توصلت بريد إلكتروني" رجل اسمه مصطفي قال إنه شاهد الرسول صلي اله عليه وسلم وأوصاه سلام علي الناس فيجب على من قرأ هذه الرسالة أن يوزعها علي الناس وينتظر 4 أيام فسوف يفرح فرح شديدا وإلا سيحزن حزنا شديدا" ما قولكم في هذا جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
تذكير المسلم لإخوانه بأمور الخير والبر من التسبيح والتهليل والتكبير، أمر مشروع مرغب فيه، لأن الدال على الخير كفاعله، وسواء كان ذلك التذكير مشافهة، أو عبر رسالة بالبريد أو الجوال، وإن أوصاه أن يبعث بالرسالة إلى غيره، فهذا حسن أيضا؛ ليعم الخير، وينتشر المعروف.
والمحذور هو ربط ذلك بعدد معين، أو ترتيب الإثم على عدم الإرسال، كأن يقال: أرسلها إلى عشرة أشخاص مثلا، وإذا لم تفعل سيحصل لك كذا وكذا، فهذا من الافتراء والباطل، وإلزام الناس بما لم يلزمهم به الشرع، ويخشى على قائل ذلك أن تحل به عقوبة من يتألى على الله تعالى، ويفتري عليه الكذب، ويبتدع في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه.
ومثل هذا ما جاء في سؤالك من قول المرسل: " فيجب على من قرأ هذه الرسالة أن يوزعها علي الناس وينتظر 4 أيام فسوف يفرح فرح شديدا وإلا سيحزن حزنا شديدا " فهذا من الدجل والكذب، والابتداع في الدين. وانظر السؤال رقم (31833)
ولهذا لا يجوز نشر هذه الرسائل، ولا التصديق بما فيها من الوعد أو الوعيد، بل تتلف، ويحذّر منها ومن مرسليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8666)
أهدي لها أوانٍ فيها ذهب فماذا تصنع بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءتني مؤخرا هدايا لزفافي لكن بعضها لا أعرف حكمها شرعا وهي أوعية مطلي أطرافها بالذهب وليس كل جسم الوعاء، فهل يجوز لي استخدامها أو الاحتفاظ بها فقط؟ أم يجب عليّ التخلص منها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإناء المصنوع من الذهب أو المطلي به، لا يجوز الاحتفاظ به، ولا استعماله في الأكل أو الشرب أو غيره، ولو كان الذهب على أطرافه فقط؛ لما روى البخاري (5633) ومسلم (2067) عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ) .
ولما روى البخاري (5634) ومسلم (2065) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم بيع الساعات والنظارات الرجالية إذا كانت مطلية بالذهب الحقيقي، وكذلك الأواني المنزلية والأدوات الصحية المطلية بالذهب للرجال أو النساء؟
فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذَكرت فلا يجوز بيع الأواني والأدوات الصحية إذا كانت مطلية بالذهب أو الفضة على الرجال والنساء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الذي يأكل في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) متفق على صحته واللفظ لمسلم، وبقية الاستعمالات ملحقة بالأكل والشرب، لعموم العلة والمعنى وسداً للذريعة.
وهكذا الساعات المطلية والنظارات المطلية بالذهب أو الفضة لا يجوز يبعهما على الرجال
وفقنا الله وإياك وأعان الجميع على كل خير " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/156) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أيضاً (22/158) : ما حكم استخدام الأكواب التي تكون مطلية بالذهب عند حواف الشرب؟ حيث إننا اشترينا صندوقا منها وعندما فتحنا الصندوق وجدنا مكتوبا عليه: (مطلي بالذهب عند حوافه) والجزء المطلي سطر بسيط يكاد لا يرى وهي رخيصة الثمن جدا.
فأجابوا: "لا يجوز اتخاذ الأواني المصنوعة من الذهب أو الفضة أو الأواني المطلية أو المطلي بعضها بالذهب أو الفضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) رواه البخاري ومسلم، والمموه (المطلي) بالذهب والفضة يدخل في ذلك؛ لأن فيه استعمالا للذهب والفضة في الأكل والشرب، فإذا ثبت أن الأكواب المذكورة مذهبة فلا يجوز استعمالها" انتهى.
وراجعي السؤال رقم (13733) لمزيد الفائدة.
وبناء على هذا فهذه الأوعية التي جاءتك، لا يجوز لك الاحتفاظ بها ولا استعمالها، وسبيل التخلص منها أمران: ردها على بائعها، إن أمكن ذلك. أو نزع ما فيها من الذهب، ولو بكسر الإناء، واستعمال هذا الذهب في حلي الزينة، أو بيعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8667)
لا ننصحك باستمرار الاطلاع على كتب أهل الضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب الاطلاع على كتب ومؤلفات وكتابات الرافضة والصوفية، وبضاعتي في العلم قليلة، والحمد لله أقف من الشبهات موقف المنكر، لسبب بسيط، هو أني أعلم أن دينهم باطل، والكثير منهم غال أو عامي جاهل مسكين مستحق الشفقة لخداع أسيادهم وضلالاهم. فهل ترى أن أستمر بالاطلاع أم أترك ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم أن يحافظ على عقيدته وإيمانه، ويهتم بسلامة فطرته وفكره، ويهرب بدينه وقلبه من الشبهات والفتن، فإن القلوبَ ضعيفةٌ والشبهَ خطَّافة، تخطف بشيء من البريق الذي يزينها به أهل البدع والضلالات، ولكنها في الحقيقة شبه واهية ضعيفة.
والنظر في كتب البدع والضلالة أو كتب الشرك والخرافة أو كتب الأديان الأخرى التي طالها التحريف أو كتب الإلحاد والنفاق لا يجوز إلا لمتأهِّل في العلم الشرعي، يريد بقراءته لها الرد عليها وبيان فسادها، أما أن ينظر ويقرأ فيها من لم يتحقق بالعلم الشرعي فغالبا يناله من هذه المطالعة شيء من الحيرة والغواية، وقد وقع ذلك لكثير من الناس وحتى من طلبة العلم، حتى انتهى بهم الأمر إلى الكفر والعياذ بالله، وغالبا ما يغتر الناظر في هذه الكتب بأن قلبه أقوى من الشبهات المعروضة، إلا أنه يفاجأ – مع كثرة قراءته – بأن قلبه قد تشرَّب من الشبهات ما لم يخطر له على بال.
ولذلك كانت كلمة العلماء والسلف الصالحين على تحريم النظر والمطالعة في هذه الكتب، حتى ألف ابن قدامة المقدسي رسالة بعنوان " تحريم النظر في كتب الكلام ".
وننقل هنا العديد من نصوص العلماء في تحريم قراءة هذه الكتب لغير العالم:
جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/185) :
" قال الحنابلة: ولا يجوز النظر في كتب أهل البدع، ولا في الكتب المشتملة على الحقّ والباطل، ولا روايتها؛ لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد.
وقال القليوبيّ: تحرم قراءة كتب الرقائق والمغازي الموضوعة " انتهى.
كما أفتى الشاطبي في "الإفادات والإنشادات" (44) أن العوام لا يحل لهم مطالعة كتاب أبي طالب المكي المسمى بـ (قوت القلوب) لما فيه من الشطحات الصوفية.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/525) :
" والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصير من الراسخين في الإيمان، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك، بخلاف الراسخ، فيجوز له، ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف " انتهى.
وقال محمد رشيد رضا في "الفتاوى" (1/137) :
" ينبغي منع التلامذة والعوام من قراءة هذه الكتب لئلا تشوش عليهم عقائدهم وأحكام دينهم، فيكونوا كالغراب الذي حاول أن يتعلم مِشية الطاووس فنسي مشيته ولم يتعلم مشية الحجل " انتهى.
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" (التوحيد والعقيدة/267) من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها، فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة وهي معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها " انتهى.
وقد قالت اللجنة الدائمة كما في "مجلة البحوث الإسلامية" (19/138) :
" يحرم على كل مكلف ذكرا أو أنثى أن يقرأ في كتب البدع والضلال , والمجلات التي تنشر الخرافات وتقوم بالدعايات الكاذبة وتدعو إلى الانحراف عن الأخلاق الفاضلة، إلا إذا كان من يقرؤها يقوم بالرد على ما فيها من إلحاد وانحراف، وينصح أهلها بالاستقامة وينكر عليهم صنيعهم ويحذر الناس من شرهم " انتهى.
فلماذا تعرِّض نفسك – أخي الكريم – للشر والشبهات، فأنت في مأمن وغنى عن ذلك، واحمد الله تعالى على السلامة والعافية، واشكره على نعمة الهداية والثبات بأن تحافظ عليها فلا تعرضها لما قد يصيبها في مقتلها.
ثم إن العمر أقصر من قضائه في مطالعة الباطل، فالحق والخير والعلم النافع كثير، وإذا أنفق المرء عمره كله في مطالعة كتب العلم النافعة كالتفاسير وكتب الحديث والفقه والرقائق والزهد والأدب والفكر والتربية لما كاد يقضي منها وطره، فكيف إذا انشغل بكتب الخرافة والضلالة التي يكتبها الرافضة وبعض المتصوفة؟!!
واستمع أخي الكريم إلى نصيحة العلامة ابن الجوزي في الاهتمام بالنافع من العلوم حيث يقول في "صيد الخاطر" (54-55) :
" أما العالم فلا أقول له اشبع من العلم، ولا اقتصر على بعضه.
بل أقول له: قدم المهم؛ فإن العاقل من قدَّر عمره وعمل بمقتضاه، وإن كان لا سبيل إلى العلم بمقدار العمر، غير أنه يبني على الأغلب.
فإن وصل فقد أعد لكل مرحلة زاداً، وإن مات قبل الوصول فنيته تسلك به......
والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن لها في العلم والعمل " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8668)
الصلاة خلف أصحاب البدع الكفرية وغير الكفرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام يفعل البدع ولديه أفكار ومفاهيم شركية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البدعة إما أن تكون مكفرة كبدعة الجهمية والرافضة والحلول والاتحاد، فهؤلاء لا تصح صلاتهم، ولا يحل لأحدٍ أن يصليَ وراءهم.
وإما أن تكون البدعة غير مكفرة كالتلفظ بالنية والاجتماع على الذكر على نحو ما تفعله الصوفية فهؤلاء تصح صلاتهم، والصلاة خلفهم، ويجب على المسلم أن ينصحهم بترك تلك البدع فإن امتثلوا فهذا هو المطلوب، وإلا فقد أدى ما عليه، والأفضل في هذه الحال أن يبحث عن إمام حريص على إتباع السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والبدعة التي يُعدُّ بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنَّة مخالفتها للكتاب والسنَّة كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإن عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: " أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة "، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهميَّة من أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم.
و" الجهمية " نفاة الصفات، الذين يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة، وأن محمَّداً لم يعرج به إلى الله، وأن الله لا علم له، ولا قدرة، ولا حياة، ونحو ذلك، كما يقوله المعتزلة، والمتفلسفة، ومن اتبعهم، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: هما صنفان فاحذروهما: الجهمية، والرافضة.
فهذان الصنفان شرار أهل البدع، ومنهم دخلت القرامطة الباطنية كالنصيرية، والإسماعيلية، ومنهم اتصلت الاتحادية، فإنهم من جنس الطائفة الفرعونية ".
و" الرافضة " في هذه الأزمان [هم] مع الرفض جهمية قدرية، فإنهم ضموا إلى الرفض مذهب المعتزلة، ثم قد يخرجون إلى مذهب الإسماعيلية، ونحوهم من أهل الزندقة، والاتحاد، والله ورسوله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (35 / 414 – 415) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم أو العلم بالمغيبات أو التأثير في الكونيات: فلا تصح الصلاة خلفهم، وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع الاجتماع والترنحات: فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماماً غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 353) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8669)
الدعاء عقب الفرائض بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المصلين يدعون بعد الانتهاء (التسليم) من صلاة الفريضة مباشرة، ويقول غيرهم بأن [المسموح به] هو التسبيح الفاطمي فقط. وهناك من يتشدد في أن الدعاء بعد الصلاة مباشرة بدعة. وقد أحدث هذا الموضوع شيئا من التوتر في جاليتنا خاصة من يتبعون الإمام أبو حنيفة أو الشافعي.
فهل يجوز لنا الدعاء بعد الصلاة؟
وهل يجوز لنا الدعاء سويا مع الإمام بعد الانتهاء من الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك) .
فتاوى اللجنة الدائمة 7/103
وسئلت اللجنة عن: رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات الخمس هل ثبت رفعها عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وإذا لم يثبت هل يجوز رفعهما بعد الصلوات الخمس أم لا؟
فأجابت: (لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة في الدعاء، ورفعهما بعد السلام من صلاة الفريضة مخالف للسنة)
فتاوى اللجنة 7/104
وأفادت اللجنة أيضا بأن: (الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ومن دعا عقب الفرائض أو سننها الراتبة على الهيئة الاجتماعية فهو مخالف في ذلك لأهل السنة والجماعة، ورميه من خالفه ولم يفعل كما فعل بأنه كافر أو ليس من أهل السنة والجماعة جهل منه وضلال وقلب للحقائق)
فتاوى إسلامية 1/319
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8670)
استعمال مكبرات الصوت في الأذان هل هو بدعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي أفهمه من عبارة "البدعة" هو الأمور المستحدثة في الدين. وعليه، فكيف تصنف رفع الأذان باستخدام مكبرات الصوت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة معنى البدعة وضابطها راجع السؤال (7277) و (10843) .
وأما الأذان بواسطة مكبرات الصوت فلا حرج فيه لأنه وسيلة لإيصال الأذان إلى السامعين والوسائل لها أحكام المقاصد، فرفع المؤذن صوته وتبليغه للناس أمرٌ مقصودٌ مطلوب، وما كان وسيلة إلى هذا المقصد فهو مطلوبٌ أيضاً.
" فكما أن استعمال الأسلحة القوية العصرية والعناية بها داخل في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) , واستعمال الوقايات والتحصينات عن الأسلحة الفتاكة داخلٌ في قوله تعالى: (وخذوا حذركم) ، والقدرة على المراكب البحرية والجوية والهوائية داخل في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ، وجميع ذلك وغيره داخل في الأوامر بأخذ جميع وسائل القوة والجهاد، فكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقياتٍ وتليفونات وغيرها داخلٌ في أمر الله ورسوله بتبليغ الحقِّ إلى الخلق، فإن إيصال الحقِّ والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله." انتهى من خطبةٍ للشيخ بن سعدي حين وضع مكبِّر الصوت في المسجد واستنكره بعض الناس. (مجموعة مؤلفات ابن سعدي ج6 ص51) .
وكذلك استعمال شبكة الإنترنت لإيصال العلم النافع ودعوة الناس إلى الإسلام هو من الأمور المفيدة جداً التي تُحقق معاني شرعية عظيمة.
نسأل الله أن يعيننا على طاعته، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8671)
ذكر اللَّه باسمه المفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد طلاب العلم يذكر بدع الصوفية، فذكر من بينها ذكرهم الله بالاسم المفرد، وأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه الكرام، ولكن ألم يقل رسول الله في الحديث الذي لا أذكر نصه، ولكن معناه أنه لن تقوم الساعة على عبد يقول الله الله، وهذا ذكر لله بالاسم المفرد، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في مقام مدح لقائله، حيث استثناه من شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
ذكر الله بالاسم المفرد، بأن يقتصر الذاكر على لفظ الجلالة فيقول: الله، الله، الله، من بدع الأذكار التي أحدثها الجهال من المتصوفة ومن وافقهم، لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة.
وقد سبق في موقعنا تقرير ذلك بشكل مفصل في جواب السؤال رقم: (9389) ، (26867)
ثانيا:
أما ما يستدل به البعض على مشروعية هذا الذكر، فهي شبهات ساقطة لا تدل على مشروعية هذا النوع من الذكر أبدا، ومن هذه الأدلة:
ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ) رواه مسلم (148)
وليس في الحديث دليل على الذكر بالاسم المفرد، وذلك من وجوه:
1- أن بعض الرويات جاء فيها: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه)
وهي رواية أحمد في "المسند" (3/268) ، وابن حبان في صحيحه (15/262) والحاكم (4/540) بل هي إحدى روايات مسلم كما نقله القاضي عياض من رواية ابن أبي جعفر. انظر النووي في "شرح مسلم" (2/178)
فهذه الرواية تفسر الرواية الأولى، فيكون المعنى: لا تقوم الساعة على الموحدين الذين يقولون: لا إله إلا الله.
2- لا يجوز أن يكون المراد بالحديث: أن الساعة لا تقوم على من يذكر الله باسمه المفرد، وتقوم على من يذكرون بغير ذلك، فإن غاية ما يُزعم هو استحباب الذكر بالاسم المفرد، وليس فرضيته، فكيف يكون مدار النجاة من هول قيام الساعة على أمر مستحب؟! .
3- ثم إن اللغة العربية لا تسعف من يريد أن يستدل به، لأن الاسم المفرد لا يفيد معنى تاما، وذكر الله تعالى لا بد أن يحمل معنى الثناء عليه بشيء من صفاته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/564) :
" اتفق أهل العلم بلغة العرب وسائر اللغات على أن الاسم وحده لا يحسن السكوت عليه، ولا هو جملة تامة ولا كلاما مفيدا " انتهى.
4- أن الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين ومن تبعهم، لم يفهموا من هذا الحديث استحباب الذكر بالاسم المفرد، ولم يرد عن أحد منهم أنه استنبط ذلك من هذا الحديث، وهذا دليل كاف على بطلان هذا الاستدلال.
5- ثم تواردت أقوال العلماء في تفسير الحديث، ولم يرد عن أحد منهم الاستدلال به على الذكر بالاسم المفرد.
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/178) :
" (يقول الله الله) : هو برفع اسم الله تعالى، وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه " انتهى.
ويقول الطيبي كما في "تحفة الأحوذي" (6/375) :
" معنى (حتى لا يقال) حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد " انتهى.
ويقول المناوي في "فيض القدير" (6/417) :
" وليس المراد أن لا يتلفظ بهذه الكلمة، بل أنه لا يذكر الله ذكرا حقيقيا، فكأنه لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل، أو التكرار كناية عن أن لا يقع إنكار قلبي على منكر؛ لأن من أنكر منكرا يقول عادة متعجبا من قبحه " الله الله " فالمعنى: لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من ينكر المنكر " انتهى.
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "فتاوى جدة" (الشريط رقم/6/الدقيقة 60) :
" هذا لا يعني أن المسلم يجلس يذكر الله بالاسم المفرد، فيقول مائة مرة "الله الله الله" كما يفعلون في كثير من الطرق، وتفسيره في رواية الإمام أحمد في "المسند" (لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله)
فإذًا اللفظ المفرد في الرواية الأولى كنايةٌ عن التوحيد، ومعنى ذلك أنه لا تقوم الساعة على وجه الأرض من يعبد الله.
هذا قد جاء صريحا في حديث ابن سمعان في صحيح مسلم، وفيه أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يقيم الساعة أرسل ريحا طيبة فيقبض روح كل مؤمن، فلا يبقى على وجه الأرض إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.
وليس في هذا الذكر أكثر من أنه مستحب، فهل لا تقوم الساعة إلا على من ترك المستحب، يعني إذا استمر المسلمون يقومون بكل واجباتهم وعقائدهم الصحيحة، لكنه أخل بهذا الأمر المستحب، فعليهم تقوم الساعة!؟ " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8672)
حكم شراء حلوى المولد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكل حلوى المولد النبوي حرام، قبل يوم الاحتفال وبعده ونفس اليوم، وما حكم شرائها خاصة أنها لم تظهر إلا في هذه الأيام أرجو الإفادة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاحتفال بالمولد، بدعة، لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين أو الأئمة، وإنما أحدثها العبيديون، كما أحدثوا غيرها من البدع والضلالات.
وقد سبق بيان بدعية هذا الاحتفال في الجواب رقم (10070) ورقم (70317) .
ثانيا:
الأصل هو جواز أكلِ وشراء الحلوى الخالية مما يضر، ما لم يكن في ذلك إعانة على منكرٍ، أو ترويج وتشجيع على استمراره وبقائه.
والذي يظهر أن شراء حلوى المولد في زمن الاحتفال به، فيه نوع من الإعانة والترويج له، بل فيه نوع من إقامة العيد، لأن العيد ما اعتاده الناس، فإذا كان من عادتهم أكل هذا الطعام المعين، أو كانوا صنعوا ذلك من أجل العيد، على خلاف عادتهم في سائر الأيام، ففيه بيعه وشرائه، وأكله أو إهدائه، في ذلك اليوم، نوع من الاحتفال بالعيد، والإقامة له؛ ولهذا ينبغي ترك ذلك، في يوم العيد.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" فيما يتعلق بعيد الحب، وشراء الحلوى الملونة باللون الأحمر، والتي رسم عليها صورة القلب، تعبيرا عن الاحتفال بهذا العيد المبتدع:
" دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة - وعلى ذلك أجمع سلف الأمة - أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ أو أي معنى من المعاني، فهي أعياد مبتدعة لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله؛ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ... ، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة، بأي شيء، من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك، لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول والله جل وعلا يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) ... " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8673)
كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حفيدة لجد مات، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء: توفي جدي والد أبي، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة، فمرة نراه محروقا، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه، وهكذا، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله، وأن هذا اليتيم لا يعلم، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية، ويسكنون في المدن، والبيوت أصبحت مهجورة، والأراضي لم تعد تزرع، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا، فهذا جدنا، ونحن الذين دائما نحلم به، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة؛ فجدي في عذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة، وتفضي به إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن أعظم الظلم والتعدي: أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية، ومزيد تحذير من أكل أموالهم، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم.
فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية، فقال سبحانه: (وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء/14.
كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر.
يقول الله تعالى: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) النساء/2.
ويقول عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/10.
وغصب الأرض من كبائر الذنوب، وعقابه شديد، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) .
فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم.
وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله؟!
أختنا:
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم، أن غصب الأرض، وأكل أموال اليتامى ظلما، والتعدي في قسمة المواريث، كل ذل من كبائر الذنوب، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته (ومن توبته: رد الحقوق إلى أهلها) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس. رواه مسلم (2581) .
وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر، ويعطيه حقه كاملا.
قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس -:
"وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له، فالاستحلال المبهم لا يكفي، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى. " إحياء علوم الدين " (4 / 47) .
وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا تملكون له إلا أمرين:
الأول: الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه.
الثاني: رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم.
ثانيا:
وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها، وقولهم: " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا: (إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله، فإن عذاب الله شديد، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم، نسأل الله العافية.
ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8674)
أكل الطعام الذي يوزع يوم المولد النبوي الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أكل الطعام الذي يوزع في مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الناس يحتج بأن أبا لهب لما أعتق الجارية في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم خفف الله له العذاب في ذلك اليوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
ليس ثمة في شريعة الإسلام شيء يسمى بـ "عيد المولد النبوي"، ولم يكن الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم يعرفون مثل هذا اليوم في دينهم، وإنما استحدث هذا العيد بعض المبتدعة من جهلة الباطنية، ثم سار الناس على هذه البدعة التي ما زال الأئمة ينكرونها في كل زمان ومكان.
وقد سبق التوسع في بيان نكارة هذه البدعة في موقعنا في جواب السؤال رقم:
(10070) (13810) ، (70317)
ثانيا:
وعليه فإن كل ما يخصُّ الناسُ به ذلك اليوم من أعمال تعد من الأعمال المحرمة المبتدعة، لأنهم يريدون بها إحياء عيد مبتدع في شريعتنا، بمثل إقامة الاحتفالات، وإطعام الطعام، وغير ذلك.
يقول الشيخ الفوزان في "البيان لأخطاء بعض الكتاب" (268-270) :
" لا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة من الأمر باتباع ما شرعه الله ورسوله والنهي عن الابتداع في الدين، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ، وقال تعالى: (اتَّبِعُواْ مَا أنزل إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) ، وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) .
وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول، وهم في هذا الاحتفال على أنواع:
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تقرأ فيه قصة المولد، أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة.
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك، ويقدمه لمن حضر.
ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت.
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملًا على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء، وغير ذلك.
وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة بعد القرون المفضلة بأزمان طويلة.
فأول من أحدثه الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما.
وقال أبو شامة: وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره.
قال الحافظ ابن كثير في " البداية " (13 -137) في ترجمة أبي سعيد كوكبوري:
وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا. . إلى أن قال:
قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد، كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى ... إلى أن قال: ويعمل للصوفية سماعًا من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم، اهـ.
وقال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " (3-274) :
فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة، وقعد في كل قبة جوق من الأغاني، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتى رتبوا فيها جوقًا " انتهى.
إذا فأعظم ما يحيى به المبتدعة هذا اليوم هو صنع الطعام بأشكاله وأصنافه، وتوزيعه، ودعوة الناس إليه، فإذا شاركهم المسلم هذا العمل، فأكل طعامهم، وجلس على موائدهم فلا شك أنه بذلك يشارك في إحياء البدعة، ويعاون على إقامتها، والله سبحانه وتعالى يقول:
(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2
ولذلك جاءت فتاوى أهل العلم بتحريم أكل الطعام الذي يوزع في ذلك اليوم وفي غيره من الأعياد المبتدعة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال التالي "مجموع الفتاوى" (9/74) :
" ما حكم الذبائح التي تكون في المولد؟
فأجاب رحمه الله:
إن كان ذبحها لصاحب المولد فهذا شرك أكبر، أما إن كان ذبحها للأكل فلا شيء في ذلك، لكن ينبغي ألا يؤكل منها، وأن لا يحضر المسلم إنكارا عليهم بالقول والفعل؛ إلا أن يحضر لنصيحتهم بدون أن يشاركهم في أكل أو غيره " انتهى.
وقد سبق في موقعنا أيضا بعض الفتاوى في ذلك، انظر جواب السؤال رقم (7051) (9485)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8675)
سجود الشكر بعد الولادة بأربعين يوماً
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبح عمر ابنتي 40 يوما وذهبت للمسجد لأسجد السجدة التقليدية التي نعملها في بلدنا باكستان ولكن رفض الإمام هذا وقال إن هذا السجود ليس له أصل في أي حديث وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا ولا يجب أن نكون أفضل منه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السجود كما قال إمام المسجد ليس له أصل، نعم سجود الشكر مشروع عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، لكنه يفوت إذا مضى عليها مدة كهذه. انتهى جواب الشيخ عبد الكريم الخضير.
فلو كنت سجدت سجود الشكر لمّا ولدت ابنتك سالمة وسلمت الأم لقلنا لك هذا لا بأس به، وفعل مشروع أما توقيتها بأربعين في المسجد فهذه بدعة، وفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8676)
تحديد عدد معين للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالصوفية إلى حد ما.. فقد اختلطت بجماعة منهم ولم أكن أعرف حقيقة الأمر.. ولكن بعد الاستماع لسلسلة العقيدة الصحيحة للشيخ المنجد حفظه الله.. ومعرفة بعض ما عليه الصوفية الغلاة.. بدأت أشك في أمر من خالطتهم.. وأود أن أعرف الحقيقة.. فلله الحمد على نعمة العلم، والأسئلة هي: 1- يقوم هؤلاء الأشخاص بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الواحد ثلاثة أو أربعة آلاف مرة.. ويقولون: كلما زدت في الصلاة، زادت محبتك للرسول صلى الله عليه وسلم، وزدت قرباً منه.. وكلما زدت في الصلاة.. زادت فرصتك في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام.. فهل هذا الزعم صحيح؟ وهل هذا الفعل جائز؟ وهل يدخل في عموم الذكر؟ وهل هناك أدلة تدعمه؟ 2- كيف يمكن الربط بين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى الإكثار من الذكر مثل فضل قول "سبحان الله وبحمده" مئة مرة.. وبين حديث ابن مسعود عندما رأى أناساً في المسجد يعدون الذكر بالحصى.. فأمرهم بعد سيئاتهم؟ وجزاكم الله الخير!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قربة من أجل القربات، أمر الله تعالى بها، وأثنى على أهلها، وجعلها سببا لمغفرة الذنوب، وقضاء الحاجات.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب/56، وقال صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) رواه مسلم (384) .
وعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ) قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ!!
قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟! قَالَ مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ!!
قُلْتُ: النِّصْفَ؟! قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ!!
قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ!!
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) رواه الترمذي (2457) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (79) : (وسئل شيخنا أبو العباس [يعني: ابن تيمية] عن تفسير هذا الحديث، فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاةً عليه؟ فقال: ... ، لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه) .
قال في "تحفة الأحوذي": " (فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي) أَيْ بَدَلَ دُعَائِي الَّذِي أَدْعُو بِهِ لِنَفْسِي، قَالَهُ الْقَارِي. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ: مَعْنَاهُ: أُكْثِرُ الدُّعَاءَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك ... (قُلْتُ أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا) أَيْ أَصْرِفُ بِصَلَاتِي عَلَيْك جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْت أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي.
وقوله: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) : َالْهَمُّ مَا يَقْصِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , يَعْنِي: إِذَا صَرَفْت جَمِيعَ أَزْمَانِ دُعَائِك فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ أُعْطِيت مَرَامَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الرد على البكري" (1/133) : (وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات؛ فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب واندفاع المرهوب) .
قال بعض شراح المصابيح: (.. فلم ير صلى الله عليه وسلم أن يعين له في ذلك حدا، لئلا يغلق باب المزيد؛ فلم يزل يفوض الاختيار إليه، مع مراعاة الحث على المزيد، حتى قال: أجعل لك صلاتي كلها، فقال: إذا تكفى همك؛ أي: ما أهمك من أمر دينك ودنياك، لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله تعالى وتعظيم الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهي في المعنى إشارة له بالدعاء لنفسه..) نقله السخاوي في " القول البديع " (133) .
وروى الترمذي (484) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
قال في "تحفة الأحوذي": قوله (أولى الناس بي) أي أقربهم بي أو أحقهم بشفاعتي (أكثرهم علي صلاة) : لأن كثرة الصلاة منبئة عن التعظيم، المقتضي للمتابعة الناشئة عن لمحبة الكاملة، المرتبة عليها محبة الله تعالى. قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) .
فلا يشك أحد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقول من ذكرتَ: كلما زدت في الصلاة زادت محبتك للرسول صلى الله عليه وسلم، وزدت قرباً منه، صحيح، فإنّ من أكثر من ذكر شيء أحبه.
وقولهم: وكلما زدت في الصلاة.. كلما زادت فرصتك في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، قد يكون صحيحا أيضا من جهة الواقع، لكن لم يدل على ذلك دليل، والمعوّل عليه ليس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن اتباع سنته واقتفاء أثره، وتقديم محبته على النفس والنفيس، وإلا فقد رآه أناس في اليقظة، وكانوا من أعظم المخالفين له، الصادين عن سبيله.
وإذا كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قربة مشروعة كما ذُكر، فإنه لا يجوز تحديد عدد معين لها، لم يرد تحديده في الشرع، سواء كان ألفا أو ثلاثة آلاف أو غير ذلك، مما يخترعه المتصوفة، فإن هذا التحديد بدعة مذمومة، لمضاهاتها التشريع، وقد نص العلماء على أن العبادة لابد أن تكون مشروعة بأصلها ووصفها وعددها وكيفيتها ومكانها وزمانها، بمعنى أنه لا يجوز تقييدها بمكان أو زمان أو كيفية، لم ترد في الشرع.
وينبغي أن يُعلم أن كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة، بل البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأنه لا يتاب منها. وقد قال مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة.
ويقال لمن حدّ الصلاة هنا بثلاثة آلاف: ما الذي حملك على هذا العدد، وما خاصيته؟ فما من خير يذكره، إلا ويقال له: فهل قصّر النبي صلى الله عليه وسلم في دلالة أمته على هذا الخير؟! وهو أحرص الناس عليهم، وأرحمهم بهم، وهلا أرشد أبي ابن كعب – كما في الحديث السابق- إلى هذا العدد معين؟!
والواقع أن كثيرا من المتصوفة يعتمدون في تحديد هذه الأعداد على المنامات، أو على مجرد الاختراع، وإيهام المريد أنه لا يصلح له أكثر من ذلك، وأن الزيادة عليه ترجع إلى إذن الشيخ المطلع على حاله، بل على سرّه، إلى غير ذلك من الباطل، الذي يتسلطون به على أتباعهم.
وإنه ليخشى على هذا المبتدع أن يضيع عمله، وأن تذهب حسناته، وألا يجني من عبادته خيرا، لا سيما إذا تعمد ذلك عن علم وبصيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء لا يظهر عليهم أثر الذكر في معاملاتهم وأحوالهم، مع تفريطهم في الأذكار المشروعة التي حد الشارع فيها حدا معينا، كقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة في الصباح والمساء.
وانظر: إجابة السؤال رقم (11938) .
ثانيا:
حديث ابن مسعود رضي الله الذي أشرت إليه، هو ما رواه الدارمي (204) عن عمرو بن سلمة قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا قَالَ فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ قَالَ أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قَالَ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ َرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
وهذا لا يعارض ما جاء في السنة من تحديد العدد لبعض الأذكار، إذ المذموم أمران:
تحديد عدد معين، لم يرد تعيينه في الشريعة.
أو التزام كيفية معينة، أو وقت معين، من غير دليل، كحال هؤلاء الذين أنكر عليهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فاستعمال الحصى، ووجود هذا الموجّه الذي يقول: كبروا مائة، سبحوا مائة، هذه كيفية لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
وقصة ابن مسعود رضي الله عنه هذه دليل على بطلان ما يعمله الصوفية في حضراتهم، من التزام أعداد معينة للذكر، بتوجيه الشيخ وإرشاده، إضافة إلى الكيفيات المخترعة، من القيام والقعود والحركات التي يجعلونها طقوسا يتعين التزامها.
والأمر أكبر من ذلك، فليست المخالفة محصورة في هذه البدع، لكنها تتجاوز ذلك إلى صور من الشرك في الاعتقاد والعمل، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد النفع والضر في الأولياء والصالحين.
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8677)
قولهم اللهم صلى على محمد عدد كمال الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك عادة في المسجد بعد صلاة الجماعة عقب التسبيح والتحميد والتكبير، يرددون صلوات بقيادة المؤذن بثلاث صيغ مختلفة الآتية: 1- اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله. 2- اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد أسماء الله وكما يليق بكماله. 3- الصلوات الإبراهيمية المعروفة. ملاحظة: هناك من يقول لا يجوز لفظ " عدد كمال الله " كما في الصيغة الأولى بحجة حصر كمال الله، ويجيز لفظ " عدد أسماء الله " كما في الصيغة الثانية. ما رأيكم لكل من الصيغ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من الأذكار المشروعة بعد الصلاة: التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل؛ لما روى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مُعَقِّبَاتٌ لا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً) .
وعند مسلم أيضا (597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) .
وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِهِ مَنْ يَشَاءُ) . البخاري (843) ومسلم (595) .
وهذا الذكر العظيم يؤديه كل إنسان بمفرده، وأما فعله جماعة بقيادة المؤذن أو الإمام أو غيرهما، فمن البدع؛ لأنها كيفية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نبه أهل العلم على ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: " وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلم منه، ثم يُسر؛ فإن الله عز وجل يقول: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} يعنى – والله تعالى أعلم -: الدعاء، {ولا تجهر} ترفع، {ولا تخافت} حتى لا تُسمع نفسك.
وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه - قال الشافعي: -
وأحسبه إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل، ولا تكبير " انتهى من "الأم" (1 / 127) .
وقال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله: " في بعض المساجد إذا سلَّم الإمام مِن فريضة العصر، يزعق المؤذن بالتأمين ودعاءٍ بعده، وفي بعضها متى سلَّم الإمام منها، أخذ المقتدون في الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الكمالية، وفي ذلك مخالفة؛ إذ السنة الاشتغال عقب الفريضة بالأوراد المأثورة بعدها سرّاً، كل مصلٍّ لنفسه.
وكذلك مِن أدب الدعاء خفض الصوت فيه، قال تعالى {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} ، وهؤلاء أعرضوا عن التضرع والخفية بالعياط والزعقات " انتهى من "إصلاح المساجد من البدع والعوائد" ص154
وقال الشيخ علي محفوظ رحمه الله: " من البدع المكروهة ختم الصلاة على الهيئة المعروفة مِن رفع الصوت به، وفي المسجد، والاجتماع له، والمواظبة له، حتى اعتقد العامة أنه مِن تمام الصلاة، وأنه سنة لا بدَّ منها، مع أنه مستحب انفراداً سرّاً.
فهذه الهيئة محدثة، لم تُعهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ولا عن الصحابة، وقد اتخذها الناس شعاراً للصلوات المفروضة عقب الجماعة ….
وكيف يجوز رفع الصوت به والله تعالى يقول في كتابه الحكيم {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين} ، فالإسرار أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء " انتهى من "الإبداع في مضار الابتداع" ص 283
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/98) : " س: اختلف الناس في الدعاء بعد السنن الرواتب بالهيئة الاجتماعية، فئة تقول إن ذلك لم ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة شيء ولو كان خيرا لسبقونا إليه لأنهم أحرص الناس على اتباع الحق، وفئة تقول الدعاء بعد السنن الرواتب بالهيئة الاجتماعية مستحب ومندوب بل مسنون لأنه ذكر وعبادة وكل ذكر وعبادة لا أقل من أن يكون مستحبا ومسنونا، وهؤلاء يلومون الذين لا ينتظرون الدعاء ويقومون بعد الفراغ من الصلاة.
ج: الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز أن يقال: إن هذه العبادة مشروعة من جهة أصلها أو عددها أو هيئاتها أو مكانها إلا بدليل شرعي يدل على ذلك، ولا نعلم سنة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره تدل على ما ادعته الفرقة الثانية، والخير كله باتباع هديه صلى الله عليه وسلم، وهديه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ثابت بالأدلة الدالة على ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم بعد السلام، وقد جرى خلفاؤه وصحابته من بعده ومن بعدهم التابعون لهم بإحسان، ومن أحدث خلاف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فالإمام الذي يدعو بعد السلام ويؤمن المأمومون على دعائه والكل رافع يديه - يطالب بالدليل المثبت لعمله، وإلا فهو مردود عليه، وهكذا من فعل ذلك بعد النوافل يطالب بالدليل، كما قال تعالى في مثل هذا: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (65) ، ولا نعلم دليلا من الكتاب ولا من السنة يدل على شرعية ما زعمته الفرقة الثانية من الاجتماع على الدعاء والذكر على الوجه المذكور في السؤال " انتهى.
والحاصل أن الذكر الجماعي بالتسبيح أو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم – بأي صيغة – ليس من السنة، بل من البدع والمحدثات.
ثانيا:
الصلاة الكمالية، وهي قولهم: " اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله " لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم، وليست هي أفضل الصيغ، كما يظنه البعض، بل أفضل الصيغ هو ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهي الصلاة الإبراهيمة.
فقد روى البخاري (6357) ومسلم (406) عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: (فَقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) .
وروى البخاري (3369) ومسلم (6360) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) .
قال السيوطي رحمه الله في الحرز المنيع: " قرأت في الطبقات للتاج السبكي نقلا عن أبيه ما نصه: أحسن ما يصلى به على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفية التي في التشهد.
قال: ومن أتى بها فقد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بيقين، ومن جاء بلفظ غيرها فهو من إتيانه بالصلاة المطلوبة في شك؛ لأنهم قالوا:: كيف نصلي عليك؟ فقال: "قولوا" فجعل الصلاة عليه منهم هي قول ذا.
قال السيوطي: وقد كنت أيام شبيبتي إذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم أقول: اللهم صل وبارك وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وسلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، فقيل لي في منامي: أأنت أفصح أو أعلم بمعاني الكلم وجوامع فصل الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو لم يكن معنى زائد لما فضّل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغفرت من ذلك ورجعت إلى نص التفضيل في موضوع الوجوب وفي موضع الاستحباب.
وقال: لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن تأتي بذلك " انتهى، نقلا عن: السنن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري ص 232، وكلام التاج السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (1/185) .
ثالثا:
الصلاة الكمالية فها محذور شرعي، من جهة قولهم: "عدد كمال الله" فإن ظاهر اللفظ أن كمال الله تعالى محصور بعدد، ولهذا منع من هذه الصلاة بعض العلماء كما سيأتي. وكذلك قولهم: " عدد أسماء الله "؛ لأن أسماء الله لا تحصر بعدد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ) رواه أحمد (3704) .
قال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته (6/396) : " تنبيه: ليُنظر في أنه يقال مثل ذلك في نحو ما يؤثر من الصلوات مثل: اللهم صل على محمد عدد علمك وحلمك , ومنتهى رحمتك , وعدد كلماتك , وعدد كمال الله ونحو ذلك فإنه يوهم تعدد الصفة الواحدة أو انتهاء متعلقات نحو العلم ولاسيما مثل عدد ما أحاط به علمك , ووسعه سمعك وعدد كلماتك إذ لا منتهى لعلمه ولا لرحمته ولا لكلماته تعالى ولفظة " عدد " ونحوها توهم خلاف ذلك , ورأيت في شرح العلامة الفاسي على دلائل الخيرات البحث في ذلك فقال: وقد اختلف العلماء في جواز إطلاق الموهم عند من لا يتوهم به أو كان سهل التأويل واضح المحمل أو تخصص بطرق الاستعمال في معنى صحيح , وقد اختار جماعة من العلماء كيفيات في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إنها أفضل الكيفيات منهم الشيخ عفيف الدين اليافعي والشرف البارزي والبهاء ابن القطان ونقله عنه تلميذه المقدسي اهـ. أقول: ومقتضى كلام أئمتنا المنع من ذلك إلا فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما اختاره الفقيه فتأمل والله أعلم " انتهى.
وقد سبق أن الكيفية التي ذكرت ليست من السنة، حتى ولو كانت الصلاة بالصيغة الإبراهيمية.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8678)
هل يأثم الابن إذا رفض سفر والدته لزيارته حرصا على زوجها وأسرتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يسكن أخي البالغ من العمر 45 سنة بالديار الأوروبية، متزوج وله طفلتان من أجنبية، المشكلة هو أنه يرفض إنجاز أوراق الإقامة لأمي، لأنها حين كانت تذهب عنده لأجل قضاء شهر تمكث 9 أشهر، وتترك الأولاد والزوج في البلد، وحين طلب منها الرجوع إلى بيتها وزوجها انهالت عليه بالشتائم أمام زوجته وأطفاله، وحين رجعت رفض أن ينجز لها التأشيرة تفادياً للوقوع معها في المشاكل، خاصة وهي عصبية المزاج، وتثور لأتفه الأسباب، مما يؤدي به إلى تعاطي المخدرات، يسأل هل إذا رفض مجيئها يعتبر آثما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البر الواجب الذي أمر الله به في كتابه وحث عليه رسوله صلى الله عليه وسلم يقتضي السعي في خدمة الوالدين وإسعادهما وإرضائهما، وذلك بكل وسيلة متاحة مباحة، وفي كل فرصة ممكنة.
ومن أفضل ما يبر المرء به والديه الحرص على نجاح حياتهما الزوجية، وتواصل الود والمحبة والعشرة الحسنة بينهما، فإن الأبناء الحكماء البررة يملكون من تقريب الود بين الوالدين ما لا يملكه غيرهم، وكثيراً ما يكونون سبباً لتجاوز كل ما قد ينغص حياة الأسرة.
ولا أرى حرص أخيكِ على بقاء والدته بين أبنائها وزوجها إلا دليلا على حكمته، خاصة إذا كانت الأسرة تتضرر بغياب الوالدة كثيراً – كما هو الحال غالباً -.
ولكن ينبغي عليه أن يحسن التصرف ويختار الأسلوب الأمثل في تجاوز هذا التعارض: تعارض رغبته في محافظة والدته على أسرتها وبيتها، مع رغبة والدته في زيارته في غربته والبقاء معه.
ولن يعدم – إن شاء الله – فكرة متميزة تحل له هذه المشكلة، فإذا كان بإمكانه تحديد تأشيرة زيارة الوالدة بالشهر: فهذا حسن، ويعتذر لوالدته إذا أنهت شهر الزيارة بانتهاء التأشيرة ولزوم العودة، والأَوْلى من ذلك إن كان يقدر على استقبال أسرته كلها، فيستخرج لهم تأشيرات الزيارة جميعا، كي يصحبوا والدتهم حيثما كانت.
فإن استطاع أن ينصح والدته بالحسنى ويصارحها بوجوب طاعة زوجها وخدمته – خاصة إذا كان الزوج غير موافق على خروجها كل تلك الفترة – فليجتهد في ذلك، ولا يستحيي أو يمل، ولا يضره إن كانت والدته ستتهمه بعقوقها أو كراهية زيارتها، فإن الله سبحانه وتعالى مُطَّلِعٌ على ما في قلبه، ويعلم نيته وحقيقة حاله.
يقول سبحانه وتعالى: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً) الإسراء/25.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
يقول تعالى ذكره (ربُّكم) أيها الناس (أَعلمُ) منكم (بِمَا في نُفُوسِكم) من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم والبر بهم، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم والعقوق لهم وغير ذلك من ضمائر صدوركم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءا وتعقدوا لهم عقوقا.
وقوله (إنْ تكونوا صالِحين) يقول: إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم وأطعتم الله فيما أمركم به من البر بهم والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة في واجب لهم عليكم، مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه: (فإنَّه كان للأوابين) بعد الزلة والتائبين بعد الهفوة (غفُوراً) لهم.
" تفسير الطبري " (17 / 421، 422) .
وفي هذه الآية دعوة صادقة لأخيكِ أن يمحص قلبه ونيته، ليكون باعثه على اعتذاره عن تأشيرة زيارة الوالدة هو حرصه على صلاح بيتها وأسرتها ببقائها فيه، وعدم معاونتها على الإثم الذي ترتكبه حين تعصي زوجها وتسافر بغير رضاه.
وأما إن كان باعثه الحقيقي كراهية والدته ورغبته عن استقبالها واستضافتها وخدمتها فهو آثم حينئذ، مرتكب معصية وواقع في كبيرة العقوق، فإن من أعظم حقوق الوالدين على أولادهم رعايتهم في كبرهم وتوفير الخدمة لهم.
وعلى الأخ، إذا لم يتمكن من التحكم في زيارة الوالدة على النحو المناسب المعقول، أن يعوض ذلك بأن ينزل هو للزيارة، كلما تمكن من ذلك، وألا يطيل الاغتراب عنها، ثم يحاول أن يجتهد في صلتها والإحسان إليها بالهدايا ونحوه، خاصة مما تتعلق نفسها به.
ثانياً:
أما ما ذكرتِ في شأن تعاطي أخيك المخدرات: فإن كنت تقصدين الحبوب المهدئة التي يتناولها من يصاب بنوبات الفزع والغضب والقلق: فإن الأصل في هذه الحبوب عدم جوازها لما فيها من المخدر المفتر الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه، ولكن إذا كان ذلك لحاجة يقدرها الطبيب المختص فيجوز له تناولها حينئذ تحت إشراف الطبيب فقط، فإن الحاجة تنزل منزلة الضرورة.
سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ما حكم تناول الحبوب المنومة أو ما يسمى بالمهدئات، وهل تدخل ضمن المخدرات أم لا، وهل تجوز إذا دعت الضرورة أو أرشد إليها الطبيب؟ .
فأجاب:
هذه الحبوب لا يجوز استعمالها إلا إذا دعت الحاجة إليها، بشرط أن يكون الآذن بها طبيباً فاهماً عالماً؛ لأن هذه لها خطر، ولها مردود فعل على المخ، فإذا استعملها الإنسان فقد يهدأ تلك الساعة ويلين، لكنه يعقبه شر أكبر وأعظم، فالمهم أنه يجوز استعمالها للحاجة، بشرط أن يكون ذلك تحت نظر الطبيب وإذنه.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم: 82 / الوجه الأول) .
وإذا كانت هذه الحبوب تفتَِّر الجسم فإنه يكون حكمها حكم المخدرات المحرَّمة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم الأدوية المهدئة التي تستخدم في علاج بعض الأمراض العصبية وغيرها، وتوضع تحت قسم المفترات؟ .
فأجابوا:
لا يجوز التداوي بما حرم الله، ومن المحرمات تناول المفترات.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (25 / 32) .
وأما إذا كنت تقصدين المخدرات الممنوعة – لا قدر الله -، التي يتعاطاها المدمنون شهوة من عند أنفسهم، فهذه معصية عظيمة يجب عليك مناصحة أخيك بشأنها والسعي في تخليصه منها بمراجعة الأطباء المختصين الذين يشرفون على علاج مثل هذه الحالات، وقد سبق في موقعنا بيان حرمة هذه المواد لما فيها من ضرر كبير على الفرد والمجتمع.
انظري جواب الأسئلة رقم (6540) و (32466) و (66227) .
ونسأل الله لك ولأخيك الحفظ والهداية والتوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8679)
قراءة عدية يس لقضاء الحاجات وتفريج الكربات
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدونا بسنة متبعة توارثناها وتعلمناها من كثير من المشائخ عندنا في سوريا ولا أعلم يقينا مدى صحتها، وهي لقضاء الحاجات أو لتحقيق الرغبات والكثير من مجتمعاتنا ملتزمين بها، وأحد أساليبها: - قراءة "سورة يس واحد وأربعين (41) مرة " لقضاء الحاجات إما قراءة فردية أو يجتمع عدد من الأشخاص ويتقاسمونها. - أو قراءة "سورة يس" مع تكرار بعض آياتها بعدد محدد والدعاء بعد تكرار الآية بدعاء محدد. - أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة معينة بعدد محدد (عشرة آلاف مرة مثلا) إما فردية أو يجتمع عدد من الأشخاص ويتقاسمونها. - أو قراءة سور معينة من القرآن الكريم، وتكون باجتماع عدد من الأشخاص وتوزيعها عليهم بحيث يقرأ كل واحد منهم جزء معين. والكثير ممن ناقشتهم بعدم صحة ذلك أو إنها ليست سنة متبعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيدافع عنها بشدة وأن لها نتائج أكيدة ومجربة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته من قراءة سورة يس بعدد معين، أو قراءة غيرها أو الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم بعدد معين، جماعة أو فرادى، بغرض قضاء الحاجات وتحقيق الرغبات، كل ذلك لا أصل في الشرع، وهو من المحدثات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
والمقرر عند أهل العلم أن العبادة لابد أن تكون مشروعة بأصلها ووصفها وزمانها ومكانها، وأن التزام الأعداد والكيفيات والهيئات التي لم يقم عليها دليل من الشرع، يعتبر من البدع.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
وكون العمل اعتاده الناس وتوارثوه، أو كان يترتب عليه بعض النتائج، لا يدل على مشروعيته، بل توزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله صلى الله عليه وسلم، فما وافق منها قبل، وما خالف رد على صاحبه كائنا من كان.
ويقال هنا: لو كان هذا العمل خيرا لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لاسيما مع وجود المقتضي لذلك، فقد تعرض كثير من الصحابة للأذى والظلم، ولم يثبت عن واحد منهم أنه فعل ذلك ولا أرشدهم إليه صلى الله عليه وسلم.
والخير كل الخير في اتباع من السلف، والشر في ابتداع من خلف.
والحاصل أنه يتعين البعد عن هذه المحدثات، والاكتفاء بما هو مشروع من الأدعية والأذكار التي جعلها الله سببا لقضاء الحاجات وتحقيق الرغبات، قال تعالى: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186
وروى الترمذي (3475) وأبو داود (1493) وابن ماجه (3857) عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. قَالَ فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الترمذي (3544) وابن ماجه (3858) عَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَرَجُلٌ قَدْ صَلَّى وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ بِمَ دَعَا اللَّهَ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8680)
معنى التوحيد، وأقسامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى التوحيد؟ وما هي أقسامه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوحيد في اللغة: مصدر للفعل (وحَّد، يوحِّد) توحيدا فهو موحِّد إذا نسب إلى الله الوحدانية ووصفه بالانفراد عما يشاركه أو يشابهه في ذاته أو صفاته، والتشديد للمبالغة أي بالغت في وصفه بذلك.
وتقول العرب: واحد وأحد، ووحيد، أي منفرد، فالله تعالى واحد، أي منفرد عن الأنداد والأشكال في جميع الأحوال، فالتوحيد هو العلم بالله واحدا لا نظير له، فمن لم يعرف الله كذلك، أو لم يصفه بأنه واحد لا شريك له، فإنه غير موحد له.
وأما تعريفه في الاصطلاح فهو: إفراد الله تعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
ويمكن أن يعرف بأنه: اعتقاد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
واستخدام هذا المصطلح (التوحيد) أو أحد مشتقاته للدلالة على هذا المعنى ثابت مستعمل في الكتاب والسنة. فمن ذلك:
قوله تعالى: (قل هو الله أحد ... الخ السورة) .
وقوله تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) البقرة/163
وقوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة/73، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا
وفي صحيح البخاري (7372) ومسلم (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: " إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ "
وفي صحيح مسلم (16) عن ابن عمر رضي الله عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ: عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ)
فالمقصود بالتوحيد في هذه النصوص كلها هو تحقيق معنى شهادة (أن لا إله إلا اله وأن محمدا رسول الله) ، الذي هو حقيقة دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بدليل وقوع هذه الكلمات والمصطلحات مترادفة ومتناوبة في الكتاب والسنة ففي بعض ألفاظ حديث معاذ السابق: " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " أخرجه البخاري (1496) .
وفي رواية لحديث ابن عمر: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " أخرجه مسلم (16)
فدل هذا على أن التوحيد هو حقيقة شهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وأن هذا هو الإسلام الذي بعث الله به نبيه إلى جميع الثقلين من الإنس والجن والذي لن يرضى الله من أحد دينا سواه.
قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) آل عمران/19
وقال جل شأنه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85.
إذا علم هذا فليعلم أن التوحيد قد قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فتوحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة، ونحو ذلك.
وأدلة هذا التوحيد كثيرة جدا في الكتاب والسنة، ويراجع السؤال (13532) للتعرف على بعضها.
فمن اعتقد أن هناك خالقا غير الله، أو مالكا لهذا الكون متصرفا فيه غير الله فقد أخل بهذا النوع من التوحيد، وكفر بالله.
وقد كان الكفار الأوائل يقرون بهذا التوحيد إقرارا إجماليا، وإن كانوا يخالفون في بعض تفاصيله، والدليل على أنهم كانوا يقرون به آيات كثيرة في القرآن منها:
قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون َ) العنكبوت/61
وقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) العنكبوت/63
وقوله جل شانه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون َ) الزخرف/87، ففي هذه الآيات يبين الله أن الكفار يقرون بأنه سبحانه هو الخالق المالك المدبر، ومع هذا لم يوحدوه بالعبادة مما يدل على عظيم ظلمهم، وشدة إفكهم، وضعف عقلهم. فإن الموصوف بهذه الصفات المنفرد بهذه الأفعال ينبغي ألا يعبد سواه، ولا يوحد إلا إياه، سبحانه وبحمده تعالى عما يشركون.
ولذا فمن أقر بهذا التوحيد إقرارا صحيحا لزمه ضرورة أن يقر بتوحيد الألوهية.
وتوحيد الألوهية هو: إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولا وعملا، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله كائنا من كان كما قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء/23، وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) النساء/36، ويمكن أن يعرف بأنه: توحيد الله بأفعال العباد.
وسمي بتوحيد الألوهية: لأنه مبني على التأله لله وهو التعبد المصاحب للمحبة والتعظيم.
ويسمى توحيد العبادة لأن العبد يتعبد لله بأداء ما أمره به واجتناب ما نهاه عنه.
ويسمى توحيد الطلب والقصد والإرادة؛ لأن العبد لا يطلب ولا يقصد ولا يريد إلا وجه الله سبحانه فيعبد الله مخلصا له الدين.
وهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلل، ومن أجله بعثت الرسل، وأنزلت الكتب، ومن أجله خلق الخلق، وشرعت الشرائع، وفيه وقعت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم، فأهلك المعاندين ونجى المؤمنين.
فمن أخل به بأن صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد خرج من الملة، ووقع في الفتنة، وضل عن سواء السبيل. نسأل الله السلامة.
وأما توحيد الأسماء والصفات فهو: إفراد الله عز وجل بما له من الأسماء والصفات، فيعتقد العبد أن الله لا مماثل له في أسمائه وصفاته، وهذا التوحيد يقوم على أساسين:
الأول: الإثبات: أي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى على وجه يليق بجلال الله وعظمته من غير تحريف لها أو تأويل لمعناها أو تعطيل لحقائقها.أو تكييف لها.
الثاني: التنزيه: وهو تنزيه الله عن كل عيب، ونفي ما نفاه عن نفسه من صفات النقص، والدليل على ذلك قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فنزه نفسه عن مماثلته لخلقه، وأثبت لنفسه صفات الكمال على الوجه اللائق به سبحانه.
ينظر (الحجة في بيان المحجة 1 / 305) و (لوامع الأنوار البهية 1 / 57) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8681)
هل الأفضل أن نقول في الصلاة سيدنا محمد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل أن نقول في التشهد في الصلاة: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، واللهم صل على سيدنا محمد؟ أم نقول محمد فقط بدون سيدنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادة وصف صحيح، فهو صلى الله عليه وسلم سيدنا، بل سيد البشر أجمعين، روى مسلم (2278) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وروى الترمذي (3615) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثانياً:
يجب أن يُعلم أن العبادات مبناها على الاتباع، فلا يزاد في العبادة شيء على ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من علامات محبة العبد لله عز وجل، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران /31.
والاتباع أن تفعل كما فعل، وتقول كما قال، وتترك ما ترك، فلا تزيد عليه، ولا تنقص من فعله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة: (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) والوارد عنه في الصلاة عليه: (اللهم صل على محمد ... اللهم بارك على محمد) ولم يرد عنه قط أنه علَّمنا أن نقول (سيدنا) ، فلا يزاد على ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وعملنا إياه. فهذا هو الأفضل بلا شك، وكيف يكون الأفضل هو ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهو صلى الله عليه وسلم كان يقول في كل خطبة جمعة، ويعلنها على المنبر: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهدي هديُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم (867) .
وقد سئل الحافظ ابن حجر رحمه الله: هل الأفضل أن يقال في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (سيدنا) لأنه وصف له، أم عدم ذلك لعدم وروده في الآثار؟
فأجاب:
" اتّباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يُقال: لعلّه ترك ذلك تواضعاً منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمّتُه مندوبةٌ إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصّحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين، أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك. . .
ثم ذكر آثارا عن بعض الصحابة والتابعين والإمام الشافعي وليس فيها لفظ (سيدنا) . . . ثم قال:
والمسألة مشهورة في كتب الفقه، والغرض منها أن كل من ذكر هذه المسألة من الفقهاء قاطبة لم يقع في كلام أحد منهم (سيدنا) ، ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها، والخير كله في الاتباع، والله أعلم " انتهى باختصار.
نقله عنه الألباني في كتابه "صفة الصلاة" (ص 153-155) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز أن نقول أثناء كلامنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدنا محمد في غير المأثور عنه كالصلاة الإبراهيمية أو غير ذلك؟
فأجابوا:
" الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد لم يرد فيها - فيما نعلم - كلمة سيدنا أي: (اللهم صل على سيدنا محمد..إلخ) وهكذا صفة الأذان والإقامة، فلا يقال فيها سيدنا، لعدم ورود ذلك في الأحاديث الصحيحة التي علَّم فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيفية الصلاة عليه، وكيفية الأذان والإقامة، ولأن العبادات توقيفية فلا يزاد فيها ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، أما الإتيان بها في غير ذلك فلا بأس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/65) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8682)
حكم العتاقة أو قراءة القرآن للأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي توفي وكان مريضا في الأربع سنين الأخيرة من عمره، توفي من شهر من الآن وعمره 52 سنة وكان مريضا بجلطة لا يستطيع التحرك أو المشي ومرض السكر والضغط أريد أن أعرف هل يوجد له عتاقة صلاة؟ بعض المشايخ يقولون هذا، بمعنى قراءة القرءان عليه عن طريق المشايخ، هم الذين يفعلون ذلك. وبعض الآراء تخالف. أنا أريد الجواب عن هذا السؤال. وهل عليه كفارة عن أيامه الأخيرة أم لا بسبب مرضه الخطير أم له عتاقة صلاة كما يقال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
" قراءة القرآن عبادة من العبادات البدنية المحضة، لا يجوز أخذ الأجرة على قراءته للميت، ولا يجوز دفعها لمن يقرأ، وليس فيها ثواب، والحالة هذه، ويأثم آخذ الأجرة ودافعها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت، لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة، وقد قال العلماء: إن القارئ لأجل المال لا ثواب له، فأي شيء يهدى إلى الميت؟ " انتهى.
والأصل في ذلك: أن العبادات مبنية على الحظر، فلا تفعل عبادة إلا إذا دل الدليل الشرعي على مشروعيتها، قال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وفي رواية: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، أي: مردود على صاحبه، وهذا العمل – وهو استئجار من يقرأ القرآن للميت - لا نعلم أنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، والخير كله في اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مع حسن القصد، قال تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ، وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، والشر كله بمخالفة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرف القصد بالعمل لغير وجه الله "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة".
فهذه العتاقة لا أصل لها في الشرع، وهي بدعة مذمومة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أرشدنا إليها، ولم يفعلها أحد من أصحابه رضي الله عنهم، وما كان كذلك فلا ينبغي لمؤمن أن يفعله.
ثانيا:
المشروع هو الدعاء للميت، والصدقة عنه، كما روى مسلم (1631) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء يَصِل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت , وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة....وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن وَجَعْل ثَوَابهَا لِلْمَيِّتِ وَالصَّلاة عَنْهُ وَنَحْوهمَا فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا لا تَلْحَق الْمَيِّت " انتهى باختصار.
وانظر السؤال رقم (12652)
فأكثر من الدعاء لوالدك، وتصدق عنه بما تستطيع، وإن كان لم يحج أو لم يعتمر، وأمكن أن تحج وتعتمر عنه فافعل، فهذا مما ينفعه بإذن الله.
ومن البر بالأب الميت: إكرام صديقه، وصلة الرحم المتصلة به.
والمرض يجعله الله كفارة لعبده المؤمن، كما يكون سببا لرفع درجته وعلو منزلته إن هو صبر واحتسب، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (5642) ومسلم (2573) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
نسأل الله أن يرحم أموات المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8683)
هل من السنة أن يقول عند مفارقة صاحبه: لا إله إلا الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من العرف السائد بين بعض الناس حين يجتمعون ثم يفترقون أن يقول الطرف الأول عند الافتراق: لا إله إلا الله، ثم يرد عليه الآخر: محمد رسول الله، فهل هذا الأمر في السنة؟ وإن لم يكن فهل هو بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا نعلم حديثا صحيحا أو ضعيفا ينص على هذا الذكر عند الافتراق أو ختم المجلس، ولهذا فالمداومة عليه أو اعتقاد أنه ذكر مشروع في هذه المناسبة، بدعة مردودة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) .
وقد نص أهل العلم على أن تخصيص العبادة بزمان أو مكان، أو تكييفها بكيفية لم تَردْ، يُلحقها بالبدع والمحدثات، وتسمى حينئذ بدعة إضافية، فهي مشروعة من حيث أصلها، مردودة من حيث وصفها، والعبادة لابد أن تكون مشروعة في ذاتها، وكيفيتها، ووقتها، ومقدارها؛ إذ لا يُعبد الله تعالى إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ...
ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها: التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
وراجع جواب السؤال رقم (82559) .
ثانيا:
يشرع في ختام المجلس أن يقال ما رواه أبو داود (4859) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) وَقَالَ: (كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
كما يشرع للمتلاقيين أن يقرأ أحدهما عند الانصراف سورة العصر؛ لما روى الطبراني في الأوسط (5124) عن أبي مدينة الدارمي رضي الله عنه وكانت له صحبه قال: (كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر: (والعصر إن الإنسان لفي خسر) ثم يسلم أحدهما على الآخر) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم 2648.
فانظر كيف أعرض الناس عن السنة الثابتة، لأجل ما أحدثوا من البدع، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحدث قوم بدعة إلا رُفع من السنة مثلها) رواه أحمد (16522) . وقال الحافظ في "الفتح" (13/253) : إسناده جيد.
رزقنا الله وإياك اتباع السنة واجتناب البدعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8684)
المدرس يطلب منهم الصلاة على النبي 300 مرة قبل الدرس
[السُّؤَالُ]
ـ[أحضر درسا في تعلم أحكام التلاوة.. إلا أن الشيخ يطلب من جميع الحاضرين أن " يصلوا على النبي عليه الصلاة والسلام " 300 مرة (سرا) قبل البدء بالدرس.. ويقول إن الصلاة على النبي سبب في القرب منه يوم القيامة وذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال " أكثركم صلاة علي أقربكم مني يوم القيامة " فهل يجوز المشاركة معهم في مثل ذلك؟ وإلا فهل يجوز لي أن أسر بذكر آخر كالاستغفار ونحو ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التزام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد قبل الدرس، ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه ولا التابعين لهم بإحسان، وما كان كذلك فهو من البدع والمحدثات، التي نهانا عنها، وحذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه الترمذي (2600) وأبو داود (3991) وابن ماجة (42) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2549) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) .
ووجه كون هذا العمل من البدع والمحدثات: أن العبادة لابد أن تكون مشروعة في ذاتها، وكيفيتها، ووقتها، ومقدارها؛ إذ لا يُعبد الله تعالى إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذكر قد يكون مشروعا في أصله، لكن تصحبه كيفية، أو تقييدٌ بمكانٍ، أو زمانٍ، أو عدد يُدخله في عداد المحدثات.
ويدل على ذلك ما رواه الدارمي (204) عن عمرو بن سلمة قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِد،ِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَال: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا: لا. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَج،َ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن،ِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلا خَيْرًا، قَال:َ فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاه.ُ قَال:َ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلاةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُل،ٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى، فَيَقُول:ُ كَبِّرُوا مِائَة،ً فَيُكَبِّرُونَ مِائَة،ً فَيَقُول:ُ هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَة،ً وَيَقُول:ُ سَبِّحُوا مِائَة،ً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً. قَال:َ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَال:َ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِك،َ وَانْتِظَارَ أَمْرِك.َ قَال:َ أَفَلا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِم،ْ فَقَال:َ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيح.َ قَال:َ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ! هَؤُلاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ،
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلالَةٍ. قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلا الْخَيْرَ. قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
فتأمل هذا الموقف من أبي موسى وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وانظر إنكارهما لهذه الكيفية التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها أصحابه، وإن كان أصل الذكر مشروعاً ممدوحاً مرغباً فيه.
وقد نبه أهل العلم على أن تخصيص العبادة بزمان أو مكان، أو تكييفها بكيفية لم تَردْ، يُلحقها بالبدع والمحدثات، وتسمى حينئذ بدعة إضافية، فهي مشروعة من حيث أصلها، مردودة من حيث وصفها.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ...
ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها: التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة من أجلّ العبادات، وقربة من أعظم القربات، لكن التزامها قبل كل درس للتلاوة، وبهذا العدد المخصوص، أمر لم يرد، فكان بدعة محدثة، ولو كان صاحبها يريد الخير، فكم من مريد للخير لا يصيبه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
والواجب نصح هذا المعلم وبيان أن ما يفعله ليس من السنة، بل بدعة، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب وأمكن تعلم التلاوة على غيره من أهل الاتباع، فإنه يترك زجرا له، وحذرا من تسرب البدعة إلى قلب الدارس على يديه.
رزقنا الله وإياكم حب السنة، والدفاع عنه، وحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار الأخيار.
وانظر السؤال رقم (20005) و (21902) و (22457) للفائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8685)
قراءة الفاتحة عند الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم مقبل على الزواج، وفي البلد الذي سأعقد فيه الزواج يقومون بشيء يسمونه قراءة الفاتحة، فعندما يقدم رجل على الزواج في بلدنا فإنهم يقرؤون الفاتحة، ويدعون لها بعض الأقارب من الرجال، ويقدم لهم بعض الحلويات والمشروبات، هل قراءة الفاتحة من السنة، وإذا كانت كذلك فماذا يترتب علي فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست قراءة الفاتحة عند عقد الزواج أو الخطبة من السنة في شيء، بل هي بدعة، فإنه لا يجوز تخصيص شيء من القرآن في شيء من الأعمال إلا بدليل.
قال أبو شامة المقدسي في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (165) :
" ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع فالمكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع " انتهى.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل قراءة الفاتحة عند خطبة الرجل للمرأة بدعة؟
فأجابوا:
" قراءة الفاتحة عند خِطبة الرجل امرأة، أو عَقْدِ نكاحِه عليها بدعة " انتهى.
ولا يترتب على قراءة الفاتحة شيء من أحكام العقد، فقراءة الفاتحة لا تعني إتمام عقد النكاح، بل العبرة بالقبول والإيجاب مع الولي والشهود.
والسنة هي قراءة خُطبة الحاجة عند عقد النكاح.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
(عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خُطبَةَ الحَاجَةِ فِي النِّكَاحِ وَغَيرِهِ:
" إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَه، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) رواه أبو داود (2118) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فأعرض الناس عن هذه السنة، وتمسكوا بالبدعة. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8686)
الصوم في شهر رجب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد فضل معين للصيام في شهر رجب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة/36 , والأشهر الحرم هي: رجب , وذو العقدة , وذو الحجة , والمحرم.
وروى البخاري (4662) ومسلم (1679) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ , ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ , وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) .
وقد سميت هذه الأشهر حرماً لأمرين:
1- لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو.
2- لأن حرمة انتهاك المحارم فيها أشد من غيرها.
ولهذا نهانا الله تعالى عن ارتكاب المعاصي في هذه الأشهر فقال: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة/36 , مع أن ارتكاب المعصية محرم ومنهي عنه في هذه الأشهر وغيرها , إلا أنه في هذه الأشهر أشد تحريماً.
قال السعدي رحمه الله (ص 373) :
" (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثني عشر شهرا , وأن الله تعالى بَيَّن أنه جعلها مقادير للعباد , وأن تعمر بطاعته , ويشكر الله تعالى على مِنَّتِهِ بها , وتقييضها لمصالح العباد , فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم , وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها خصوصاً، مع النهي عن الظلم كل وقت , لزيادة تحريمها , وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها " انتهى.
ثانياً:
وأما صوم شهر رجب , فلم يثبت في فضل صومه على سبيل الخصوص أو صوم شيء منه حديث صحيح.
فما يفعله بعض الناس من تخصيص بعض الأيام منه بالصيام معتقدين فضلها على غيرها: لا أصل له في الشرع.
غير أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استحباب الصيام في الأشهر الحرم (ورجب من الأشهر الحرم) فقَالَ صلى الله عليه وسلم: (صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ) رواه أبو داود (2428) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
فهذا الحديث - إن صح - فإنه يدل على استحباب الصيام في الأشهر الحرم , فمن صام في شهر رجب لهذا , وكان يصوم أيضاً غيره من الأشهر الحرم فلا بأس , أما تخصيص رجب بالصيام فلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/290) :
" وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات. . .
وفي المسند وغيره حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصوم الأشهر الحرم: وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. فهذا في صوم الأربعة جميعا لا من يخصص رجبا " انتهى باختصار.
وقال ابن القيم رحمه الله:
" كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى " انتهى من "المنار المنيف" (ص96) .
وقال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (ص11) :
" لم يرد في فضل شهر رجب , ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معين , ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة " انتهى.
وقال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/383) :
" وصيام رجب ليس له فضل زائد على غيره من الشهور , إلا أنه من الأشهر الحرم , ولم يرد في السنة الصحيحة أن للصيام فضيلة بخصوصه , وأن ما جاء في ذلك مما لا ينتهض للاحتجاج به " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن صيام يوم السابع والعشرين من رجب وقيام ليلته.
فأجاب:
" صيام اليوم السابع العشرين من رجب وقيام ليلته وتخصيص ذلك بدعة , وكل بدعة ضلالة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/440) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8687)
هل تدل استقامة المبتدع على صلاح عمله وعقيدته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يدل استقامة ومحافظة المبتدع على الطاعات والصلوات كاملةً في جماعة على صلاح عمله وعقيدته؟ وما شأنُه عند الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الموقف الواجب هو رد وإنكار كل بدعة محدثة، وبيان خروجها عن القصد والاستقامة، وعدم التهاون في ذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (1718) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (12/16) :
" قال أهل العربية: الرد هنا بمعنى المردود، ومعناه: فهو باطل غير معتد به، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات، وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به " انتهى.
ولا يجوز أن يؤثر على الموقف الشرعي من البدعة ما يظهر على فاعلها من الصلاح والاجتهاد في العبادة أو حسن الخلق، إذ لا يلزم من ذلك صلاح عقيدته وعمله،
أولاً: لأننا لا نعلم بماذا يختم له، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالخواتيم) متفق عليه.
ثانياً: قد يوفق المسلم لباب من أبواب الخير، ويحرم من أبوابٍ أُخَر، ويدلك على ذلك أدلة كثيرة، منها:
1- عَن سَهلٍ بنِ سعدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ التَقَى هُوَ وَالمُشرِكُونَ فَاقتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسكَرِه، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسكَرِهِم، وَفِي أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَهُم شَاذَّةً إِلا اتبعَها يَضرِبُها بِسَيفِهِ، فَقَالُوا: مَا أَجزَأَ مِنَّا اليَومَ أَحَدٌ كَمَا أَجزَأَ فُلان.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّه مِن أَهْلِ النَّارِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا. قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسرَعَ أَسرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرحًا شَدِيدًا، فَاستعجَلَ المَوتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرضِ وَذُبَابَهُ بَينَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيفِهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الرَّجُلُ الذِي ذَكَرتَ آنِفًا أَنَّه مِن أَهلِ النَّارِ فَأَعظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلتُ أَنَا لَكُم بِهِ، فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرحًا شَدِيدًا، فَاستَعجَلَ المَوتَ، فَوَضَعَ نَصلَ سَيفِهِ بِالأَرضِ وَذُبَابَه بَينَ ثَديَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيهِ فَقَتَلَ نَفسَه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِندَ ذَلكَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ النَّارِ فِيمَا يَبدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ الجَنّةِ) . رواه البخاري (2898) ومسلم (112) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/126) :
" فيه التحذير من الاغترار بالأعمال " انتهى.
2- عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ رَجُلٌ استشهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَه نِعَمَه، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهِدتُ، قَالَ: كَذَبتَ، وَلكِنَّكَ قَاتَلتَ لأَن يُقَالَ جَرِيء، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَه نِعَمَه، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُه وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ، قَالَ: كَذَبتَ، وَلكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَال عَالِمٌ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَه نِعَمَه، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلا أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ ثُمَّ أُلقِيَ فِي النَّارِ) . رواه مسلم (1905)
فهذا مثال آخر يتبين فيه كيف أن صلاح الظاهر لا يلزم منه القبول عند الله تعالى.
3- وقد أبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بظهور فرقة الخوارج، وهم من أهل البدع وأمرنا بقتالهم، وأخبرنا أيضاً باجتهادهم في العبادة. فقال: (يَخرُجُ فِيْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُم مَعَ صَلَاتِهِم، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لاْ يُجَاوِزُ حُلوقَهَم أَوْ حَنَاجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُروقَ السَّهمِ مِنَ الرّمِيَّةِ) رواه البخاري (6931) ومسلم (1064) .
فوصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في العبادة حتى إن الصحابة يحقرون صلاتهم إذا ما قورنت بصلاة هؤلاء، ومع ذلك أخبر أنهم يمرقون، أي: يخرجون من الدين.
وقد يقع الرجل في البدعة بسبب اجتهادٍ أخطأ فيه، ولم يتعمد ارتكاب المخالفة وفعل البدعة، فنرجو من الله تعالى أن يغفر له، ويعفو عنه.
قال الذهبي رحمه الله:
" إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعُلمَ تحرِّيه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعُرفَ صلاحُه وورعه واتباعه، يُغفَرُ له زَلَلُه، ولا نُضلِّلُه ونطرحه وننسى محاسنَه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك " انتهى.
"سير أعلام النبلاء" (5/271) .
والمؤمن قد يجتمع فيه خير وشر، فيحمد على ما معه من الخير، ويذم على ما معه من الشر، بعد نصحه ووعظه وإرشاده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8688)
كيف يدعو صاحبه إلى السنة والجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أدعوَ أخًا لي مسلما، ولكنه صوفي، أَحسنَ إليَّ كثيرًا، يداوم على حضور دروس العلماء، ومع عدم وجود ناصر من العلماء ممن قد يساندوني في ذلك، مع علمكم بصعوبة الإقناع للصوفيين، وخصوصًا في الوسط ذاته، ومع العلم أنه يتهم السلفيين بأنهم تكفيريون، وغير ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك ومتابعتك لأخيك في أمور الدين، ولا شك أن من أكبر نعم الله على العبد أن يجعل قلبه حيًا نابضًا بالدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والداعية إلى الله يحتاج في دعوته إلى العلم والبصيرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تأمل أيها الشاب المسلم الواعي الداعي إلى الله قوله تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/108.
أي: على بصيرة فيما تدعو إليه، وعلى بصيرة بحال المدعو، وعلى بصيرة في كيفية الدعوة، إذًا هناك شروط يجب مراعاتها، منها:
أولاً: أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، بأن يكون عالمًا بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظن أنه واجب وهو في الشرع غير واجب، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم به الله، وقد يدعو إلى ترك شيء يظن أنه محرم، وهو في دين الله غير محرم، فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم.
ثانيًا: أن يكون على بصيرة بحال المدعو: لا بد أن تعلم حال المدعو، ما مستواه العلمي؟ وما مستواه الجدلي؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله؛ لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال، وكان الأمر عليك لقوة جدله، صار في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق في كل حال.
ثالثًا: أن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة، فأحث إخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني، وهم يعلمون أن الله تعالى يقول: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) البقرة/269 " انتهى.
"فتاوى الحرم المكي" (ص/1063- 1066 بتصرف) .
وانظر سؤال رقم (2023) .
وينبغي هنا أن تتنبه إلى بعض الأمور:
أولاً:
لا تستعمل أسلوب التعميم، كأن تحكم على التصوف في أصل فكرته بالبدعة والضلال، أو تحكم على جميع المتصوفة بالضلال، بل عليك بالاحتراز في الكلام، كأن تقول له مثلاً: من فعل كذا أو قال كذا من الصوفية أو غيرهم فقد وقع في البدعة، أو نحو ذلك من العبارات.
ولم يحكم العلماء على التصوف جميعه بالضلال، بل قسموا التصوف إلى أقسام، ثم بينوا ما يوافق السنة منها وما يخالفها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم:
" المتصوفة على قسمين: متصوفة سُنِّيِّين، ومتصوفة بدعِيِّين، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة، وبعضهم عنده الشيء الكثير، وجعلوا التصوف نافذة إلى وحدة الوجود " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن إبراهيم" (1/ رقم 192) .
وإن كان الغالب على الصوفية الآن الوقوع في البدع والضلالات.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (4983) (47431) (20375) .
فيمكنك أن تدخل له من هذا المدخل، ثم تحاكم التصوف الذي يلتزمه صاحبك إلى الكتاب والسنة، فإن كان حقا فالحمد لله، وإن كان باطلاً رجع عنه إن شاء الله.
ثانيًا:
وأما اتهامه للسلفيين بأنهم تكفيريون، فهي تهمة سمعناها كثيراً، وتكفير من قام الدليل على تكفيره ليس عيباً ولا خطأً، بل العيب والخطأ هو عدم تكفير من دل الدليل على تكفيره، ونحن لا ننكر أن بعض من ينتسب إلى السلفيين قد تساهل في إطلاق لفظ الكفر، ولكن ليس هذا هو منهج أهل السنة والجماعة، فأهل السنة لا يكفرون أحدا بمجرد معصية فعلها، ولو كانت كبيرة، بل لابد من قيام الدليل الشرعي على أن هذا الفعل كفر، ثم توفر الشروط وانتفاء الموانع حتى يحكم على الشخص بأنه كافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" مذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب، ولا بمجرد التأويل، بل الشخص الواحد إذا كانت له حسنات وسيئات فأمره إلى الله " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (27/478) .
وقال رحمه الله:
" وليس لأحد أن يُكفِّر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (12/466) .
وبيّن رحمه الله أن أهل السنة لا يكفرون المخالف لهم، وإن كان مخالفهم يكفرهم - أحيانًا - قال رحمه الله:
" وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها، ولو ظلمهم، كا قال تعالى (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة/8.
ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون لهم الشر ... ، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي " انتهى.
"الرد على البكري" (ص/256 – 258) .
ثالثًا:
إن لم يكن عندك من العلم ما يكفي لإقناعه، والإجابة عن الشبهات التي يحملها، فيمكنك إيصال الحق له عن طريق الكتاب النافع، والشريط المقنع، أو عن طريق زيارة أهل العلم في بلدكم أو في غيرها من البلاد، للسماع منهم وسؤالهم، وقد باتت وسائل الخير متيسرة لجميع الناس هذه الأيام – والحمد لله -، ولا تحتقرن شيئًا من ذلك، فلعل شريطًا تهديه إليه يكون سببًا في هدايته.
رابعًا:
لا تيأس من دعوته وهدايته، ولو طال الزمن، فكم من الناس تاب ورجع إلى الحق بعد سنوات من دعوته وتذكيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8689)
تسجيل الحضور في المنتديات بالذكر والصلاة والسلام على رسول الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم بعض الإخوة في منتديات الإنترنت بوضع موضوع يكون عنوانه: "سجل حضورك اليومي بذكر اسم الله" أو "سجل حضورك اليومي بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم" وفكرة هذا الموضوع هو أن أعضاء المنتدى كلما دخلوا إلى الموقع يقومون بالاشتراك في هذا الموضوع بكتابة بعض ألفاظ الصلاة على النبي وبعض التسابيح والأذكار، ونحن نكتب هذا الموضوع لغرض الفائدة والدعوة إلى الله، وتنبيه الغافلين عن ذكر الله، لا أكثر ولا أقل، والله من وراء القصد. فما هو رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لكم حرصكم على الخير، ونسأل الله أن يزيدكم حرصاً وهدى.
وأما ما ذكرته من افتتاح بعض المنتديات بقولهم: سجل حضورك اليومي بذكر اسم الله وما شابه ذلك، فالأولى بهم أن يقتصروا على مجرد التذكير بذكر اسم الله، لكون البداءة بذكر اسم الله سنة جارية عند أهل العلم في افتتاحهم لكتاباتهم، وأمورهم، وأما ما سوى ذلك من ربط تسجيل الحضور بذكر الله أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فالأولى البعد عن ذلك لأن فيه نوعاً من التحديد، وربط الذكر بسبب معين، وهذا قد يكون فيه نوع ابتداع يخشى أن يجر إلى ما هو أكبر منه، والسلف رحمهم الله كانوا يحذرون من صغار البدع لأنها تجر في الغالب إلى كبارها، كما في سنن الدارمي عن عمرو بن سلمة: أن أبا موسى جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته، ولم أر - والحمد لله - إلا خيرًا. قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه. قال: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حَصَى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة.
قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك، وانتظار أمرك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟
ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حَصَى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: فعدّوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملَّة أهدى من ملَّة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه. إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم.
وايم الله ما أدري، لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.قال الألباني: إسناده صحيح، كما في "إصلاح المساجد" (ص 11) .
فلو أنكم في كل يوم ذكرتم فضل أحد الأذكار الشرعية من الكتاب أو السنة، أو ذكَّرته باستصحاب الذكر والتسبيح ونحو ذلك، لكان ذلك أحسن في دلالة الناس على الخير وإرشادهم إليه، لأنهم إذا علموا فضل التسبيح أو التحميد أو التهليل أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لداوموا عليه، ولا يكون ذلك مختصاً بتسجيل الدخول فقط، فيحصل المقصود وهو حث الناس على الأذكار الشرعية، وسلمتم من شبهة الابتداع.
وأما ما ذكر في بعض المنتديات أن هذا من الذكر الجماعي، أو من اتخاذ آيات الله هزوا، فهذا فيه مبالغة شديدة ومخالفة في الواقع، وليس هذا من الذكر الجماعي في شيء، بل غاية ما فيه أن يكون من تحديد الذكر بسبب معين لم يحدده الشارع، فكان اجتنابه أولى.
والله تعالى أعلم بالصواب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8690)
حكم الاحتفال بعاشوراء أو إقامة المآتم فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء والمصافحة، وطبخ الحبوب وإظهار السرور، وغير ذلك ... هل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المآتم والحزن والعطش، وغير ذلك من الندب والنياحة، وشق الجيوب، هل لذلك أصل؟ أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سُئِلَ شَيْخُ الإِسْلامِ هذا السؤال فأجاب بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أَصْحَابِهِ , وَلا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لا الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ , وَلا غَيْرِهِمْ. وَلا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا , لا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا الصَّحَابَةِ , وَلا التَّابِعِينَ , لا صَحِيحًا وَلا ضَعِيفًا , لا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ , وَلا فِي السُّنَنِ , وَلا الْمَسَانِيدِ , وَلا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ. وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ , وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامِ , وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَرَوَوْا فَضَائِلَ فِي صَلاةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ , وَرَوَوْا أَنَّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَوْبَةَ آدَمَ , وَاسْتِوَاءَ السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ , وَرَدَّ يُوسُفَ عَلَى يَعْقُوبَ , وَإِنْجَاءَ إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ , وَفِدَاءَ الذَّبِيحِ بِالْكَبْشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ} .
.. (ثم تحدّث شيخ الإسلام رحمه الله عن طائفتين ضالتين كانتا في الكوفة بأرض العراق تتخذان من عاشوراء عيدا لبدعتيهما) . طَائِفَة رَافِضَة يُظْهِرُونَ مُوَالاةَ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ إمَّا مَلاحِدَةٌ زَنَادِقَةٌ , وَإِمَّا جُهَّالٌ , وَأَصْحَابُ هَوًى. وَطَائِفَةٌ نَاصِبَةٌ تَبْغُضُ عَلِيًّا , وَأَصْحَابَهُ , لِمَا جَرَى مِنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ مَا جَرَى. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ} . فَكَانَ الْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيَّ , وَكَانَ يُظْهِرُ مُوَالاةَ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَالانْتِصَارَ لَهُمْ , وَقَتَلَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ أَمِيرَ الْعِرَاقِ الَّذِي جَهَّزَ السَّرِيَّةَ الَّتِي قَتَلَتْ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما ثُمَّ إنَّهُ أَظْهَرَ الْكَذِبَ , وَادَّعَى النُّبُوَّةَ , وَأَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام يَنْزِلُ عَلَيْهِ , حَتَّى قَالُوا لابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالُوا لأَحَدِهِمَا: إنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ , فَقَالَ صَدَقَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} . وَقَالُوا لِلآخَرِ: إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَقَالَ صَدَقَ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} . وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَهُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ , وَكَانَ: مُنْحَرِفًا عَنْ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ , فَكَانَ هَذَا مِنْ النَّوَاصِبِ , وَالأَوَّلُ مِنْ الرَّوَافِضِ , وَهَذَا الرَّافِضِيُّ كَانَ: أَعْظَمَ كَذِبًا وَافْتِرَاءً , وَإِلْحَادًا فِي الدِّينِ , فَإِنَّهُ ادَّعَى النُّبُوَّةَ..
وَكَانَ فِي الْكُوفَةِ بَيْنَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ فِتَنٌ وَقِتَالٌ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَتَلَتْهُ الطَّائِفَةُ الظَّالِمَةُ الْبَاغِيَةُ , وَأَكْرَمَ اللَّهُ الْحُسَيْنَ بِالشَّهَادَةِ , كَمَا أَكْرَمَ بِهَا مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. أَكْرَمَ بِهَا حَمْزَةَ وَجَعْفَرَ , وَأَبَاهُ عَلِيًّا , وَغَيْرَهُمْ , وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ مِمَّا رَفَعَ اللَّهُ بِهَا مَنْزِلَتَهُ , وَأَعْلَى دَرَجَتَهُ , فَإِنَّهُ هُوَ وَأَخُوهُ الْحَسَنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَالْمَنَازِلُ الْعَالِيَةُ لا تُنَالُ إلاّ بِالْبَلاءِ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم {لَمَّا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً فَقَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ , وَلا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. فَكَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ قَدْ سَبَقَ لَهُمَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا سَبَقَ , مِنْ الْمَنْزِلَةِ الْعَالِيَةِ , وَلَمْ يَكُنْ قَدْ حَصَلَ لَهُمَا مِنْ الْبَلاءِ مَا حَصَلَ لِسَلَفِهِمَا الطَّيِّبِ , فَإِنَّهُمَا وُلِدَا فِي عِزِّ الإِسْلامِ , وَتَرَبَّيَا فِي عِزٍّ وَكَرَامَةٍ , وَالْمُسْلِمُونَ يُعَظِّمُونَهُمَا وَيُكْرِمُونَهُمَا , وَمَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَسْتَكْمِلا مِنْ التَّمْيِيزِ , فَكَانَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا أَنْ ابْتَلاهُمَا بِمَا يُلْحِقُهُمَا بِأَهْلِ بَيْتِهِمَا , كَمَا اُبْتُلِيَ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا , فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْهُمَا , وَقَدْ قُتِلَ شَهِيدًا وَكَانَ مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ مِمَّا ثَارَتْ بِهِ الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ. كَمَا كَانَ مَقْتَلُ عُثْمَانَ رضي الله عنه مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ الَّتِي أَوْجَبَتْ الْفِتَنَ بَيْنَ النَّاسِ , وَبِسَبَبِهِ تَفَرَّقَتْ الأُمَّةُ إلَيَّ الْيَوْمِ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {ثَلاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهُنَّ فَقَدْ نَجَا: مَوْتِي , وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ وَالدَّجَّالُ} ..
(ثم ذكر شيخ الإسلام رحمه الله طائفة من سيرة الحسن وعدله إلى أن قال: ثم إنَّهُ مَاتَ وَصَارَ إلَى كَرَامَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ , وَقَامَتْ طَوَائِفُ كَاتَبُوا الْحُسَيْنَ وَوَعَدُوهُ بِالنَّصْرِ وَالْمُعَاوَنَةِ إذَا قَامَ بِالأَمْرِ , وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ , بَلْ لَمَّا أَرْسَلَ إلَيْهِمْ ابْنَ عَمِّهِ أَخْلَفُوا وَعْدَهُ , وَنَقَضُوا عَهْدَهُ , وَأَعَانُوا عَلَيْهِ مَنْ وَعَدُوهُ أَنْ يَدْفَعُوهُ عَنْهُ , وَيُقَاتِلُوهُ مَعَهُ. وَكَانَ أَهْلُ الرَّأْيِ وَالْمَحَبَّةِ لِلْحُسَيْنِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ لا يَذْهَبَ إلَيْهِمْ , وَلا يَقْبَلَ مِنْهُمْ , وَرَأَوْا أَنَّ خُرُوجَهُ إلَيْهِمْ لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ , وَلا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَسُرُّ , وَكَانَ الأَمْرُ كَمَا قَالُوا , وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا. فَلَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ - رضي الله عنه - وَرَأَى أَنَّ الأُمُورَ قَدْ تَغَيَّرَتْ , طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ يَرْجِعُ , أَوْ يَلْحَقَ بِبَعْضِ الثُّغُورِ , أَوْ يَلْحَقَ بِابْنِ عَمِّهِ يَزِيدَ , فَمَنَعُوهُ هَذَا وَهَذَا. حَتَّى يَسْتَأْسِرَ , وَقَاتَلُوهُ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ. وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ مَعَهُ , مَظْلُومًا شَهِيدًا شَهَادَةً أَكْرَمُهُ اللَّهُ بِهَا وَأَلْحَقَهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ. وَأَهَانَ بِهَا مَنْ ظَلَمَهُ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ , وَأَوْجَبَ ذَلِكَ شَرًّا بَيْنَ النَّاسِ. فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ , وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ , تُظْهِرُ مُوَالاتَهُ , وَمُوَالاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ , وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ , وَشَقِّ الْجُيُوبِ , وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَاَلَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فِي الْمُصِيبَةِ - إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً - إنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ وَالاحْتِسَابُ وَالاسْتِرْجَاعُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {لَيْسَ مِنَّا مِنْ لَطَمَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ} . وَقَالَ: {أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ , وَالْحَالِقَةِ , وَالشَّاقَّةِ} . وَقَالَ: {النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ} . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ , عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ , فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدِمَتْ , فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا إلاّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا} . وَهَذَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّ مُصِيبَةَ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ طُولِ الْعَهْدِ , فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ فِيهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِيُعْطَى مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ الْمُصَابِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا. وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالصَّبْرِ وَالاحْتِسَابِ عِنْدَ حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالْمُصِيبَةِ , فَكَيْفَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ , فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لأَهْلِ الضَّلالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا , وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ , وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ , وَرِوَايَةِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ , وَالتَّعَصُّبُ , وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ , وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلامِ , وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ , وَكَثْرَةُ الْكَذِبِ وَالْفِتَنِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَعْرِفْ طَوَائِفُ الإِسْلامِ أَكْثَرَ كَذِبًا وَفِتَنًا وَمُعَاوَنَةً لِلْكُفَّارِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ , مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الضَّالَّةِ الْغَاوِيَةِ , فَإِنَّهُمْ شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ. وَأُولَئِكَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ , وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ} . وَهَؤُلاءِ يُعَاوِنُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَعَانُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَالتَّتَارِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِبَغْدَادَ , وَغَيْرِهَا , بِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ , وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَلَدِ الْعَبَّاسِ , وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُؤْمِنِينَ , مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الدِّيَارِ. وَشَرُّ هَؤُلاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ , لا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلامِ. فَعَارَضَ هَؤُلاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ , وَإِمَّا مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ , وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ , وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ , وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ , فَوَضَعُوا الآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَالاكْتِحَالِ وَالاخْتِضَابِ , وَتَوْسِيعِ النَّفَقَاتِ عَلَى الْعِيَالِ , وَطَبْخِ الأَطْعِمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ , فَصَارَ هَؤُلاءِ يَتَّخِذُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَوْسِمًا كَمَوَاسِمِ الأَعْيَادِ وَالأَفْرَاحِ. وَأُولَئِكَ يَتَّخِذُونَهُ مَأْتَمًا يُقِيمُونَ فِيهِ الأَحْزَانَ وَالأَتْرَاحَ وَكِلا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ السُّنَّةِ , وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ (أي الرافضة) أَسْوَأَ قَصْدًا وَأَعْظَمَ جَهْلا , وَأَظْهَرَ ظُلْمًا , لَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {إنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي , تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحَدِّثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ} . وَلَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ , لا شَعَائِرَ الْحُزْنِ وَالتَّرَحِ , وَلا شَعَائِرَ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ , {وَلَكِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ , فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا , هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى مِنْ الْغَرَقِ فَنَحْنُ نَصُومُهُ , فَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ} وَكَانَتْ قُرَيْشٌ أَيْضًا تُعَظِّمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْيَوْمُ الَّذِي أَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ كَانَ يَوْمًا وَاحِدًا , فَإِنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ , فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ثُمَّ فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ ذَلِكَ الْعَامِ , فَنَسَخَ صَوْمَ عَاشُورَاءَ. وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ كَانَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاجِبًا؟ أَوْ مُسْتَحَبًّا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا , ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَصُومُهُ مَنْ يَصُومُهُ اسْتِحْبَابًا , وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعَامَّةَ بِصِيَامِهِ , بَلْ كَانَ يَقُولُ: {هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ , وَأَنَا صَائِمٌ فِيهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَ} . وَقَالَ: {صَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً , وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ} . {وَلَمَّا كَانَ آخِرُ عُمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَبَلَغَهُ أَنَّ الْيَهُودَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا , قَالَ: لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ} . لِيُخَالِفَ الْيَهُودَ , وَلا يُشَابِهَهُمْ فِي اتِّخَاذِهِ عِيدًا , وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ مَنْ لا َصُومُهُ , وَلا يَسْتَحِبُّ صَوْمَهُ , بَلْ يَكْرَهُ إفْرَادَهُ بِالصَّوْمِ , كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْكُوفِيِّينَ , وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَسْتَحِبُّ صَوْمَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَهُ أَنْ يَصُومَ مَعَهُ التَّاسِعَ ; لأَنَّ هَذَا آخِرُ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ: {لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ , لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ مَعَ الْعَاشِرِ} كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ , فَهَذَا الَّذِي سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا سَائِرُ الأُمُورِ: مِثْلُ اتِّخَاذِ طَعَامٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ , إمَّا حُبُوبٌ وَإِمَّا غَيْرُ حُبُوبٍ , أَوْ تَجْدِيدُ لِبَاسٍ وَتَوْسِيعُ نَفَقَةٍ , أَوْ اشْتِرَاءُ حَوَائِجِ الْعَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ , أَوْ فِعْلُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ. كَصَلاةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ , أَوْ قَصْدُ الذَّبْحِ , أَوْ ادِّخَارُ لُحُومِ الأَضَاحِيّ لِيَطْبُخَ بِهَا الْحُبُوبَ , أَوْ الاكْتِحَالُ وَالاخْتِضَابُ , أَوْ الاغْتِسَالُ أَوْ التَّصَافُحُ , أَوْ التَّزَاوُرُ أَوْ زِيَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ , وَنَحْوُ ذَلِكَ , فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ , الَّتِي لَمْ يَسُنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ , وَلا اسْتَحَبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لا مَالِكٌ وَلا الثَّوْرِيُّ , وَلا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَلا أَبُو حَنِيفَةَ , وَلا الأوْزَاعِيُّ , وَلا الشَّافِعِيُّ , وَلا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَلا إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ , وَلا أَمْثَالُ هَؤُلاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ , وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.. وَدِينُ الإِسْلامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ , عَلَى أَنْ لا نَعْبُدَ إلاّ اللَّهَ , وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَ , لا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} . فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , وَهُوَ الْمَشْرُوعُ الْمَسْنُونُ , وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ فِي دُعَائِهِ , اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا , وَلا تَجْعَلْ لأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا. انتهى ملخصا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الفتاوى الكبرى ج:5، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8691)
هل تصح الصلاة خلف من يلحن في القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام المسجد الذي أصلي فيه يخطئ في قراءة الفاتحة، فينصب المرفوع، ويكسر المرفوع، مما يغير معنى الآية، فهل تصح الصلاة وراءه؟
يوجد عندنا في المسجد بدع منكرة بعد الصلاة مثل ترديد " يا لطيف " 100 مرة، بصفة جماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان إماماً أو مأموماً يخطئ في قراءة الفاتحة بما يغيِّر معنى الآيات: فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ويجب عليه أن يصحح قراءته، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الصواب؛ إلا أن يعجز عن تعلم ذلك، بعد اجتهاده فيه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكنه إن كان إماماً فلا يصلي وراءه إلا من كان مثله أو دونه في إقامة الفاتحة.
قال النووي رحمه الله: " وتكره إمامة من يلحن في القراءة؛ ثم ينظر: إن كان لحنا لا يغير المعنى، كرفع الهاء من الحمد لله، صحت صلاته وصلاة من اقتدى به، وإن كان يغير، كضم تاء أنعمت عليهم أو كسرها، تبطله، كقوله الصراط المستقين؛ فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم لزمه ذلك، فإن قصر وضاق الوقت صلى وقضى، ولا يجوز الاقتداء به.
وإن لم يطاوعه لسانه، أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه، فإن كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة، وصلاة صحيح اللسان خلفه صلاة قارئ خلف أمي [يعني أنها لا تصح] ، وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه " انتهى من روضة الطالبين (1/350)
وقال ابن قدامة رحمه الله: " (وإن) (أم أمي أميا وقارئا) (أعاد القارئ وحده) . الأمي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها , أو يخل بحرف منها , وإن كان يحسن غيرها , فلا يجوز لمن يحسنها أن يأتم به , ويصح لمثله أن يأتم به.. "
ثم قال: " ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة ; لعجزه عنه , أو أبدله بغيره , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا , والأرت الذي يدغم حرفا في حرف , أو يلحن لحنا يحيل المعنى , كالذي يكسر الكاف من إياك , أو يضم التاء من أنعمت , ولا يقدر على إصلاحه , فهو كالأمي , لا يصح أن يأتم به قارئ. ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله ; لأنهما أميان , فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر , كاللذين لا يحسنان شيئا. وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل , لم تصح صلاته , ولا صلاة من يأتم به. "
وقال أيضا: " تكره إمامة اللحان , الذي لا يحيل المعنى , نص عليه أحمد. وتصح صلاته بمن لا يلحن ; لأنه أتى بفرض القراءة , فإن أحال المعنى في غير الفاتحة , لم يمنع صحة الصلاة , ولا الائتمام به , إلا أن يتعمده , فتبطل صلاتهما ...
وأما إن كان لا يغيِّر بخطئه معنى الآيات: فيجوز الصلاة وراءه مع وجوب تعلمه للقراءة، وأما إن كان خطؤه في غير الفاتحة: فهو منقص من الصلاة وليس مبطلا لها، والصلاة خلف المتقن للقراءة أولى منه ولا شك، ولا يجوز لولاة الأمر تولية مثل هؤلاء الجهلة الصلاة بالناس، وإلا كانوا شركاء معهم بالإثم." انظر: المغني (3/29-32 ط هجر) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
... أما إذا كان يخطئ: فإن كان خطؤه لحناً لا يغيِّر المعنى: فالصلاة وراء من لا يلحن أولى إذا تيسر، وإن كان لحنه في الفاتحة يغيِّر المعنى: فالصلاة وراءه باطلة، وذلك من أجل لحنه لا لعماه؛ كقراءة (إيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، أو (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) بضم التاء أو كسرها، وإن كان يخطئ لضعف حفظه: كان غيره ممن هو أحفظ أولى بالإمامة منه.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (2 / 527) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
إمام يلحن في القرآن، وأحياناً يزيد وينقص في أحرف الآيات القرآنية، ما حكم الصلاة خلفه؟ .
فأجاب:
إذا كان لحنه لا يحيل المعنى: فلا حرج في الصلاة خلفه مثل نصب (رَبِّ) أو رفعها في (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الفاتحة/2، وهكذا نصب (الرَّحمنِ) أو رفعه، ونحو ذلك، أما إذا كان يحيل المعنى: فلا يصلى خلفه إذا لم ينتفع بالتعليم والفتح عليه، مثل أن يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، ومثل أن يقرأ (أَنْعَمْتَ) بكسر التاء أو ضمها، فإن قبِل التعليم وأصلح قراءته بالفتح عليه: صحت صلاته وقراءته، والمشروع في جميع الأحوال للمسلم أن يعلم أخاه في الصلاة وخارجها؛ لأن المسلم أخو المسلم يرشده إذا غلط ويعلمه إذا جهل ويفتح عليه إذا ارتج عليه القرآن.
" مجموع فتاوى ابن باز " (12 / 98، 99) .
ثانيا:
أما بخصوص ترديد " يا لطيف " مائة مرة: فلا يشك أنها بدعة لو قالها المسلم وحده؛ لأنها جملة غير مفيدة، فهو نداء لله تعالى لكن ماذا بعدُ؟ هل هو يطلب من ربه شيئاً؟ هل يريد الثناء عليه بعدها؟ لا شيء من ذلك، وإذا ذُكرت جماعة كانت بدعة أخرى.
وانظر كلام العلماء في هذا في جوابي السؤالين: (22457) و (26867) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8692)
هل تشرع صلاة الحاجة؟ وهل تنفع التجربة لفعلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة الحاجة باثنتي عشرة ركعة مع التشهد بين كل ركعتين وفي التشهد الأخير نثني على الله عز وجل ونصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسجد ونقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات ونقول عشر مرات " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، ثم نقول: " اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة " ثم نسأل حاجتنا ونرفع رأسنا من السجود ونسلم يميناً ويساراً.
سؤالي هو:
قيل لي إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة القرآن في السجود وقد جربتها في أيام الدراسة والله سبحانه وتعالى استجاب دعائي وأنا لي حاجة إلى الله سبحانه وتعالى وأريد أن أصليها فما هي نصيحتكم لي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رويت " صلاة الحاجة " في أربعة أحاديث: اثنان منهما موضوعان، والصلاة في أحدهما اثنتا عشرة ركعة، وفي الآخر ركعتان، والثالث ضعيف جدّاً، والرابع ضعيف، والصلاة فيهما ركعتان.
أما الأول: فهو الذي جاء في السؤال وهو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت من آخر صلاتك فأثنِ على الله، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك، ثم سلِّم يميناً وشمالاً ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب لهم) .
رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 63) من طريق عامر بن خداش عن عمرو بن هارون البلخي.
ونقل ابن الجوزي تكذيب عمرو البلخي عن ابن معين، وقال: وقد صح النهي عن القراءة في السجود.
انظر: " الموضوعات " (2 / 63) و " ترتيب الموضوعات " للذهبي (ص 167) .
وفي الدعاء بـ " معاقد العز من عرش الله " خلاف بين العلماء، على حسب المقصود من هذا اللفظ الذي لم يرد في الشرع، وقد منع الدعاء به بعض أهل العلم، ومنهم الإمام أبو حنيفة؛ لأنه من التوسل البدعي، وأجازه آخرون لاعتقادهم أنه توسل بصفة من صفات الله عز وجل لا أنه يجوز عندهم التوسل بالمخلوقين.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" أقول: لكن الأثر المشار إليه باطل لا يصح، رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: " هذا حديث موضوع بلا شك "، وأقره الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (273) فلا يحتج به، وإن كان قول القائل: " أسألك بمعاقد العز من عرشك " يعود إلى التوسل بصفة من صفات الله عز وجل: فهو توسل مشروع بأدلة أخرى، تغني عن هذا الحديث الموضوع.
قال ابن الاثير رحمه الله: " أسألك بمعاقد العز من عرشك، أي: بالخصال التي استحق بها العرش العز، أو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة معناه: بعز عرشك، وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء ".
فعلى الوجه الأول من هذا الشرح وهو الخصال التي استحق بها العرش العز: يكون توسلاً بصفة من صفات الله تعالى فيكون جائزاً، وأما على الوجه الثاني الذي هو مواضع انعقاد العز من العرش: فهو توسل بمخلوق فيكون غير جائز، وعلى كلٍّ فالحديث لا يستحق زيادة في البحث والتأويل؛ لعدم ثبوته، فنكتفي بما سبق " انتهى كلام الألباني.
" التوسل أنواعه وأحكامه " (ص 48، 49) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" هذا الحديث فيه من الغرابة كما ذكر السائل من أنه شرع قراءة الفاتحة في غير القيام في الركوع أو في السجود، وتكرار ذلك، وأيضًا في السؤال بمعاقد العز من العرش وغير ذلك، وكلها أمور غريبة، فالذي ينبغي للسائل أن لا يعمل بهذا الحديث، وفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا إشكال فيها، وفيها من نوافل العبادات والصلوات والطاعات ما فيه الخير والكفاية إن شاء الله " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. رواه مسلم (480) .
وفي جواب السؤال رقم (34692) سبق ذكر الحديث وتضعيفه من جهة السند والمتن عن علماء اللجنة الدائمة فلينظر.
وأما الحديث الثاني الوارد في صلاة الحاجة فهو:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام بدعوات فقال: إذا نزل بك أمر من أمر دنياك فقدمهن ثم سل حاجتك: يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا كاشف السوء، يا أرحم الراحمين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا إله العالمين، بك أنزل حاجت وأنت أعلم بها فاقضها) .
رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) -، وذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في " ضعيف الترغيب " (419) و " السلسلة الضعيفة " (5298) أنه موضوع.
وأما الحديث الثالث: فهو:
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين) .
رواه الترمذي (479) وابن ماجه (1384) .
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال.
وذكر الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (416) وقال: حديث ضعيف جدّاً.
وقد سبق تضعيف الحديث في جواب السؤال رقم (10387) فلينظر.
وأما الحديث الرابع فهو:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي، ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك؟ توضأ وصل ركعتين واحمد الله وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) .
رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) وضعفه الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (417) وقال: إسناده مظلم، فيه من لا يُعرف، وانظر " السلسلة الضعيفة " (5287) .
والخلاصة: أنه لم يصح في هذه الصلاة حديث، فلا يشرع للمسلم أن يصليها، ويكفيه ما ورد في السنة الصحيحة من صلوات وأدعية وأذكار ثابتة.
ثانياً:
وأما قول السائلة إنها جربتها فوجدتها نافعة: فهذا قد قاله غيرها قبلها، والشرع لا يثبت بمثل هذا.
قال الشوكاني رحمه الله:
" السنَّة لا تثبت بمجرد التجربة، وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل بسنَّة، وهو أرحم الراحمين، وقد تكون الاستجابة استدراجاً " انتهى باختصار.
" تحفة الذاكرين " (ص 140) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" وأما ما ذكر من أن فلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً، وفلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً؛ هذا كله لا يدل على صحة الحديث، فكون الإنسان يُجرِّب الشيء ويحصل له مقصوده لا يدل على صحة ما قيل فيه أو ما ورد فيه؛ لأنه قد يصادف حصول هذا الشيء قضاءً وقدراً، أو يصادف ابتلاءً وامتحاناً للفاعل، فحصول الشيء لا يدل على صحة ما ورد به " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8693)
قراءة القرآن جماعة وإهداء الأعمال للأموات والمولد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[نلتقي كل يوم أحد من كل آخر شهر مع مجموعة من الأخوات تصل إلى 30 أخت أو أكثر، وتبدأ كل واحدة على حدة تقرأ حزبين أو ثلاثة إلى أن نختم القرآن الكريم في ساعة ونصف أو ساعتين ويقال لنا: إنها تحسب - إن شاء الله - ختمة لكل واحدة , هل هذا صحيح؟ بعد ذلك نقوم بالدعاء وندعو الله بإيصال ثواب ما قرأناه إلى سائر المؤمنين الأحياء منهم والأموات فهل الثواب يصل إلى الأموات ? ويستدلون بقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ ْ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)
كذلك يقومون في عيد المولد النبوي بإقامة رباط يبدأ من العاشرة صباحاً إلى الثالثة زوالاً يبدؤون بالاستغفار والحمد والتسبيح والتكبير والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سرّاً ثم يقرؤون القرآن، وبعض الأخوات يصمن هذا اليوم، فهل تخصيص هذا اليوم بكل هذه العبادات يعتبر بدعة؟ كذلك عندنا دعاء طويل جدّاً طلب منَّا أن ندعو به وقت السحر , لمن استطاع، اسمه: " دعاء الرابطة " , ويبدأ بالصلاة والسلام على سيدنا محمد وحزبه وسائر الأنبياء وأمهات المؤمنين والصحابيات والخلفاء الراشدين والتابعين وأولياء الله الصالحين، مع ذكر كل أحد باسمه، وهل صحيح أن ذكر كل هذه الأسماء سوف تجعل أصحابها يتعرفون علينا وينادوننا في الجنة؟ فهل هذا الدعاء بدعة؟ أنا أشعر أنه كذلك، وأكثر الأخوات يعارضونني، فهل أعاقب من الله إن كنت مخطئة؟ وكيف أقنعهم إن كنت على صواب؟ هذا الموضوع أصابني بأرق شديد وكلما تذكرت حديث رسول الله أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار " ازداد همي وحزني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ورد في السنة النبوية الصحيحة فضائل كثيرة للاجتماع على قراءة كتاب الله تعالى، وحتى يحصِّل المسلم تلك الأجور فإنه ينبغي له أن يكون اجتماعه على القرآن شرعيّاً، ومن الاجتماع الشرعي في قراءة القرآن أن يقرأه المجتمعون للمدارسة والتفسير وتعليم التلاوة، ومن الاجتماع الشرعي أيضاً: أن يقرأ واحد منهم ويستمع الباقون من أجل التفكر والتدبر في الآيات، وكلا الأمرين ورد في السنة النبوية.
وللمزيد: يراجع السؤال رقم (22722) ففيه بيان حكم الاجتماع لقراءة القرآن.
وأما أن يعدَّ ما تقرؤه المجموعة ختمة لكل واحد منهم: فهذا غير صحيح؛ لأنه لم يختم كل واحد من المجتمعين القرآن كاملاً، بل ولا استمع، بل كلٌّ منهم قرأ شيئاً، فليس له ثواب إلا على ما قرأه من القرآن.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" توزيع أجزاء من القرآن على من حضروا الاجتماع ليقرأ كل منهم لنفسه حزباً من القرآن لا يعتبر ذلك ختماً للقرآن من كل واحد منهم بالضرورة " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 480) .
ثانياً:
ولا يشرع الدعاء بعد قراءة القرآن جماعيّاً، ولا يجوز الدعاء بإيصال أجر القراءة لأحدٍ من الأموات، ولا الأحياء، ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم يفعله، ولا أحدٌ من أصحابه رضي الله عنهم.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز أن أختم القرآن الكريم لوالدي، علماً بأنهما أميان لا يقرآن ولا يكتبان؟ وهل يجوز أن أختم القرآن لشخص يعرف القراءة والكتابة ولكن أريد إهداءه هذه الختمة؟ وهل يجوز لي أن أختم القرآن لأكثر من شخص؟
فأجاب:
لم يرد في الكتاب العزيز، ولا في السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام رضي الله عنهم ما يدل على شرعية إهداء تلاوة القرآن الكريم للوالدين ولا لغيرهما، وإنما شرع الله قراءة القرآن للانتفاع به، والاستفادة منه، وتدبر معانيه والعمل بذلك، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ص/29، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/90، وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) فصلت/44، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما)
ومعنى غيايتان: أي سحابتين.
والمقصود أنه أنزل للعمل به وتدبره والتعبد بتلاوته والإكثار من قراءته لا لإهدائه للأموات أو غيرهم، ولا أعلم في إهدائه للوالدين أو غيرهما أصلا يعتمد عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك وقالوا: لا مانع من إهداء ثواب القرآن وغيره من الأعمال الصالحات، وقاسوا ذلك على الصدقة والدعاء للأموات وغيرهم، ولكن الصواب هو القول الأول؛ للحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولو كان إهداء التلاوة مشروعا لفعله السف الصالح، والعبادة لا يجوز فيها القياس؛ لأنها توقيفية لا تثبت إلا بنص من كلام الله عز وجل، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، للحديث السابق وما جاء في معناه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 360، 361) .
وأما استدلالهم بحديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... ) فهو استدلال غير صحيح، بل الحديث عند التأمل يدل على عدم مشروعية إهداء ثواب قراءة القرآن للأموات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدعو له) ولم يقل: (يقرأ القرآن) .
ثالثاً:
لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة.
وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر.
رابعاً:
الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، وتخصيص عبادات معينة فيه كالتسبيح والتحميد والاعتكاف وقراءة القرآن والصيام بدعة لا يؤجر أصحابها على شيء منها؛ لأنها مردودة.
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) رواه البخاري (2550) ومسلم (1718) .
وفي رواية لمسلم (1718) : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
قال الفاكهاني رحمه الله:
لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطالون، وشهوةُ نفسٍ اغتنى بها الأكالون.
" المورد في عمل المولد " بواسطة كتاب " رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي " (1 / 8، 9) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ولو كان الاحتفال بيوم المولد النبوي مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأنه أنصح الناس، وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أبان للناس ما يجب له من الحق كمحبته واتباع شريعته، والصلاة والسلام عليه وغير ذلك من حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة، ولم يذكر لأمته أن الاحتفال بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك ولم يفعله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم، لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم، ثم التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم.
أفتظن أن هؤلاء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق؟! لا والله! ولن يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان. وإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الاحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه الكرام ولا في عهد أتباعهم في الصدر الأول، ولا كان معروفا عندهم - علمت أنه بدعة محدثة في الدين، لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا الدعوة إليها، بل يجب إنكارها والتحذير منها ... .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 318، 319)
خامساً:
لا يجوز لأحدٍ اختراع دعاء أو ذِكْر ونشره بين الناس، والدعاء المسمى " دعاء الرابطة " دعاء بدعي، واستحضار صور المدعو لهم، واعتقاد أنهم سيعرفون الداعي به وينادونه في الجنة: كل ذلك أوهام وخيالات وخرافات صوفية لا أصل لها في دين الله تعالى، وضوابط الشرع التي يستطيع المسلم تمييز السنَّة من البدعة، والصواب من الخطأ: واضحة وبيِّنة، وهي أن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل فلا يتقرب إلى الله تعالى بعبادةٍ إلا إذا دلّ الدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة على أنها مشروعة، وأن الأصل في المسلم الاتباع لا الابتداع، وأن البدعة مردودة على صاحبها، وأن الله تعالى أكمل لنا الشريعة وأتم علينا النعمة، فأي حاجة لمثل هذه البدع أن تكون في حياتنا مع بالغ تقصيرنا في الثابت الصحيح من الشرع؟ !
وانظر – لمزيد بيان - جواب السؤالين: (27237) و (6745) .
ونرجو أن يكون ما ذُكِر كافياً لأولئك الأخوات للكف عن بدعهم تلك، ونوصيهن بتقوى الله تعالى، وحسن الاتباع، وليعلمن أن الله تعالى لا يقبل العبادة المبتدعة ولو بلغ صاحبها ما بلغ من بذل الجهد والمال فيها، و" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " كما قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ونسأل الله تعالى أن يهدي أولئك الأخوات لما فيه رضاه، ونوصيك بحسن التبليغ، وعدم المشاركة معهن، والصبر على ما قد يصيبك جراء هذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8694)
ما حكم إرسال السلام للنبي صلى الله عليه وسلم مع الذاهبين للمدينة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إرسال السلام مع الحجاج للنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل غير مشروع، ولم يكن هذا من فعل أهل القرون الفاضلة، ولا عقلاء المسلمين؛ لأنه يمكن لأي أحدٍ أن يسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكانٍ كان، وقد تكفَّل الله تعالى بتوصيل هذا السلام مع ملائكة جعل الله هذا الأمر وظيفتهم، وعليه: فإن من يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان فإن سلامه سيصل يقيناً، فأين هذا من تكليف زائر للمدينة النبوية بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُدرى أيصل أم لا، ولا يُدرى أيذكر أم ينسى؟
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) رواه النسائي (1282) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1664) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7226) .
قال علماء اللجنة الدائمة:
تحميل الإنسان غيره السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأموات: ليس مشروعاً، بل هو بدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) .
فالواجب ترك هذا العمل وتنبيه من يقع فيه إلى أنه لا يجوز، ومِن فضل الله علينا أن جعلَ سلامَنا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبلغه أينما كنَّا، في مشارق الأرض ومغاربها، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام) رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما، وقال صلى الله عليه وسلم: (خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلُّوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني أين كنتم) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (16 / 29، 30) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -:
إرسال السلام على النبي صلى الله عليه وسلم مع مَن يسافر إلى المدينة: لا أصل له، فلم يكن من عادة السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، وأهل العلم إرسال السلام، ولم ينقل عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يُبلَّغُ صلاة أمته وسلامها عليه، كما في الحديث الصحيح: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) أخرجه أبو داود (2042) ، وفي لفظ: (فإنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَمَا كُنْتُمْ) أخرجه أبو يعلى (469) .
وعلى هذا: فالتعبد بإرسال السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بدعة، بل ولا يشرع إرسال السلام إلى الميت، وإنما يسلم على الميت من يزوره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع ويسلم عليهم ويدعو لهم، ويُعلِّمُ أصحابه رضي الله عنهم كيف يقولون إذا زاروا القبور، كقوله صلى الله عليه وسلم: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ) أخرجه مسلم (975) وقال لعائشة رضي الله عنها: (قُولِي: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ) أخرجه مسلم (974) ، وإنما يبلغ السلام من الغائب للحي.
والمقصود: أن الله يسَّر على هذه الأمة أن يصلُّوا ويسلِّموا على نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، ويكثروا من ذلك في أي بقعة من الأرض، وقد ورد أن الله وكّل بقبره صلى الله عليه وسلم ملائكة يبلغونه من أمته صلاتهم وسلامهم عليه، صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ومع هذا نقول: أنتَ لو سلَّمتَ عليه في أقصى الدنيا فإن سلامك سوف يبلغه؛ لأن الله وكَّل ملائكة سيَّاحين في الأرض إذا سلَّم أحدٌ على الرسول صلى الله عليه وسلم نقلوا السلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنحن الآن إذا قلنا: " اللهم صلِّ وسلِّم على رسول الله ": نُقل سلامنا إليه، في الصلاة تقول: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " يُنقل السلام إليه. . .
سمعتُ بعض الناس يقول في المدينة: إن أبي وصَّاني أن أسلِّم على الرسول، وقال: سلِّم لي على الرسول، وهذا غلط، والرسول صلى الله عليه وسلم ليس حيّاً حتى يُنقل سلام الحي له، ثم إذا سلَّم أبوك على الرسول نَقل سلامَه مَن هو أقدر منك على إبلاغه وأوثق منك، وهم الملائكة.
إذن: لا حاجة إلى هذا، ونقول: أنت في مكانك، في أي مكان من الأرض تقول " السلام عليك أيها النبي " وسيبلغه بأسرع من هذا وأوثق وأحسن.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/416، 417) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8695)
تقديم هدايا لبعض النساء في عيد الكريسماس
[السُّؤَالُ]
ـ[من العادات الغربية وقت الكريسماس أن يجتمع بعض غير المسلمين، صغارا وكبارا، ويكتبون أسماءهم، ويضعونها في قبعة ويخلطون تلك الأوراق، ثم يختار كل شخص اسم شخص آخر، لتقديم هدية له يوم الكريسماس.
ويُطلق على هذه العادة " chris kringle ".
وقد أخذت بعض الأخوات بهذه الفكرة العام الماضي وعملنها، وهن يرغبن الآن أن يعملنها هذا العام أيضا في نهاية العيد. وكل ما في الأمر هو أن كل أخت تختار غيرها عشوائيا ويجب عليها أن تشتري لها هدية بقيمة 20 دولار أمريكي.
وبعض الأخوات يعتقدن أن هذا العمل فيه تشبه بالكفار، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما نصحتكم به بعض الأخوات من أن هذا العمل أمر لا يجوز، صحيح، لأن فيه تشبهاً من وجهين:
الأول: الاحتفال بهذا العيد وهو أمر محرم شرعاً، ومن ذلك جعل تقديم الهدية في هذا العيد.
الثاني: تقليد الكفار في تلك العادات في يوم احتفالهم بذلك العيد المبتدع.
وليس في الإسلام إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وما أحدث من الأعياد غيرهما فليس بشيء، وخاصة إذا كانت أعياداً دينية لأديان أخرى، أو طوائف خارجة عن الإسلام.
ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم (947)
وهذا الأمر فيه فتح لباب البدع، وهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري (الصلح/2499) ومسلم (1718) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8696)
حكم تقبيل العينين إذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأئمة في بلدي يقولون: إن على المسلم إذا سمع اسم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقبل عينيه، بينما قال غيرهم: إن ذلك لا معنى له، ما رأيك في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع للمسلم عند سماع اسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعظمه ويوقره بالصلاة والسلام عليه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغِم أنفُ رجلٍ ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ) رواه الترمذي (3545) وحسَّنه، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (6) .
وعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ) رواه الترمذي (3546) وحسَّنه، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5) .
وأما تقبيل العين عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل المراد تقبيل الإبهامين ووضعهما على العين، فإن ذلك من البدع المحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) . وقال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذه البدعة من اختراع بعض الطرق الصوفية، وقد تابعهم عليها بعض المسلمين إحساناً للظن بهم، وجهلاً بأنها بدعة ضلالة.
والواجب على المسلم أن يجتنب البدع، ويحذر منها، وليحرص على اتباع الكتاب والسنة، من غير زيادة عليهما ولا نقصان، فإن الله تعالى قد أكمل لنا الدين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً) المائدة/3.
ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن بلغ رسالة ربه كاملة، ولم يترك خيراً إلا أمرنا به، ودلنا عليه، ولا شراًّ إلا نهانا عنه وحذرنا منه، فصلوات ربي وسلامه عليه.
وانظر تفصيلاً نافعا في البدعة وأحوالها في جواب السؤال (10843) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8697)
الذهاب للمزارات والمساجد التي صلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى بعض الناس عند زيارة المدينة المنورة يأتون المساجد السبعة بالإضافة إلى المسجد النبوي ومسجد قباء، وفي الطائف يحرصون على أن يأتوا مسجد عداس وكذلك مساجد في مكة للصلاة فيها، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قصد المسجد النبوي بالسفر عمل مشروع دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام والمسجد الأقصى " رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأيضا الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
ومما يضاف إليه من الأماكن المشروع زيارتها دون قصدها بالسفر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه وزيارة قبور أهل البقيع وقبور شهداء أحد وآخر ذلك: زيارة مسجد قباء.
أما زيارة تلك القبور فمشروعيتها داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " ويستحب أيضا زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد للدعاء لهم والاستغفار لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد ذلك مع أن هذا مشروع لجميع موتى المسلمين " (مجموع الفتاوى 17/470)
وأما زيارة مسجد قباء فدليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا " وفي رواية: " فيصلي فيه ركعتين " رواه البخاري ومسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الجامع (6154) .
أما زيارة بقية المساجد والأماكن الأثرية وادعاء أنها " مما ينبغي أن يزورها المرء " فهذا لا أصل له، ويجب المنع من زيارتها للوجوه التالية:
الوجه الأول:
عدم ورود الدليل الشرعي على تخصيص تلك المساجد بالزيارة كما هو الحال بالنسبة لمسجد قباء , والعبادات كما هو معلوم مبناها على الاتباع لا على الابتداع.
الوجه الثاني:
أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على اقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يعرف عنهم زيارة تلك المساجد أو الأماكن الأثرية، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين ولم يقل أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم) (اقتضاء الصراط المستقيم 2/748) .
الوجه الثالث:
المنع من زيارتها سدا للذريعة، وهذا المنع يدل عليه عمل السلف الصالح وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعن المعرور بن سويد رحمه الله قال: " خرجنا مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعا فمن عرضت له فيه صلاة فليصل ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض " (أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها وصححه ابن تيمية في المجموع 1/281) .
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - معلقا على هذه القصة: (لما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل " (مجموع الفتاوى 1/281)
وورد في قصة أخرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقطعت " (أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/375، وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري 7/448، وقال الألباني رحمه الله: رجال إسناده ثقات) ، قال ابن وضاح القرطبي رحمه الله: (وكان مالك ابن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأحدا) (البدع والنهي عنها ص43) والمراد بقوله أحدا: زيارة قبور شهداء أحد.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (ولهذا لم يستحب علماء السلف من أهل المدينة وغيرها قصد شيء من المزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مسجدا بعينه يذهب إليه إلا هو) (مجموع الفتاوى 17/469) .
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بعد أن ذلك المواضع التي يشرع زيارتها في المدينة: (أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها فلا أصل لذلك ولا دليل عليه والمشروع للمؤمن دائما هو الاتباع دون الابتداع) (فتاوى إسلامية 2/313) .
وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله: (ليس هناك شيء يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، زيارة البقيع، زيارة شهداء احد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له) (فقه العبادات ص 405) .
وقد يظن بعضهم أن اشتراط عدم اعتقاد فضلها كاف في تسويغ الذهاب إليها أو إلى غيرها من الأماكن الأثرية وهذا مردود للأسباب التالية:
أولا: السلف الصالح - رحمهم الله - منعوا الذهاب إليها مطلقا دون تفصيل.
ثانيا: أن الذهاب إليها وتخصيصها بالزيارة لكونها على أرض المدينة التي شهدت ظهور الدعوة وبها مواقع بعض الغزوات دليل اعتقاد فضلها إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في القلب لما انبعث القلب لتخصيصها بالزيارة.
ثالثا: لو سلمنا جدلا عدم وجود اعتقاد فضيلتها عند زيارتها فإن زيارتها ذريعة إلى ذلك وإلى حدوث ما لا يشرع، وسد الذرائع مما جاءت به الشريعة كما لا يخفى بل إن العلامة ابن القيم - رحمه الله - ذكر تسعة وتسعين وجها يدل على هذه القاعدة ثم بعد أن ذكر الوجه التاسع والتسعين قال: " وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان أحدهما: ما يكون النهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين " (إعلام الموقعين 3/143)
رابعا: التغرير بالجهال عندما يشاهدون كثرة من يزور تلك المساجد أو الأماكن الأثرية فيعتقدون أنه عمل مشروع.
خامسا: أن التوسع في ذلك والدعوة إلى زيارة الأماكن الأثرية كجبل أحد وجبل النور بقصد السياحة والترفيه ذريعة من ذرائع الشرك، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (5303) المنع من صعود غار حراء لهذا الأمر، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد/1754 ص/55.(5/8698)
لم تتقين من طهارتها من الحيض فصلَّت وصامت
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اغتسلت في الليل عند السحور لأنني أعلم أن الدورة ستنتهي اليوم، وتسحرت، وصمت وصليت أيضا، ولم ينزل أي شي خلال الفترة من الفجر إلى وقت أذان المغرب، وعندما أردت الذهاب إلى الصلاة اكتشفت أن الدورة انتهت عندي، فهل صيامي وصلاتي صحيحان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة الحائض أن تبادر إلى الاغتسال من حيضتها والصلاة والصيام قبل التيقن من انتهائها.
وتَعرف المرأة انتهاء حيضتها بخروج سائل أبيض معروف لديهن وهو القَصَّة البيضاء، وبعض النساء تعرف طهرها بجفاف الدم.
فعلى المرأة أن لا تغتسل من الحيض حتى تتيقن حصول الطهر.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ، وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. وَبَلَغَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ، فَقَالَتْ: مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا، وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ. انتهى.
(بِالدُّرَجَةِ) : ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا.
(الْكُرْسُفُ) هو القطن.
(الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض , واختلفوا في إدباره فقيل: يعرف بالجفوف , وهو أن يخرج ما يحتشي به جافا , وقيل: بالقصة البيضاء وإليه ميل المصنف – أي: البخاري -. .
وفيه: أن القصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر , واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بأن القطنة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض , بخلاف القصة وهي ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، قال مالك: سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر " انتهى. "فتح الباري" (1/420) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا طهرت الحائض قبل الفجر واغتسلت بعد، فما الحكم؟
فأجاب:
" صومها صحيح إذا تيقنت الطهر قبل طلوع الفجر، المهم أن المرأة تتيقن أنها طهرت؛ لأن بعض النساء تظن أنها طهرت وهي لم تطهر، ولهذا كانت النساء يأتين بالقطن لعائشة - رضي الله عنها - فيرينها إياه علامة على الطهر، فتقول لهن: لا تعجَلْنَ حتى ترينَ القصَّة البيضاء.
فالمرأة عليها أن تتأنى حتى تتيقن أنها طهرت، فإذا طهرت فإنها تنوي الصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، ولكن عليها أيضاً أن تراعي الصلاة فتبادر بالاغتسال لتصلي صلاة الفجر في وقتها ... . "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/السؤال رقم 53) .
والسائلة قد اغتسلت في وقت لم تتيقن فيه انتهاء الحيض، واكتشافها الحقيقي لطهارتها من الحيض جاء متأخراً، فقد كان بعد غروب الشمس على حسب قولها.
فعلى هذا، ما فعلته السائلة غير صحيح، وصيامها في هذا اليوم لم يكن صحيحاًَ، فعليها قضاء ذلك اليوم.
نسأل الله لها التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8699)
هل هناك دعاء تقوله الحائض فيعدل لها أجر حج وعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعرف الدعاء الذي من المتوقع أن تقوله النساء إذا كن في حالة لا تسمح لهن بالصلاة (أثناء الدورة) خلال رمضان وغيره من الأوقات؟ أظن أن على المسلمة أن تكرر هذا الدعاء 70 مرة في وقت كل صلاة، وسيكون ثواب ذلك أجر حجة وعمرة عن كل عرق في الجسم.
أرجو أن تزودني بالدعاء ومنافعه والحديث الذي ورد فيه أو أي تصحيح له، وسأقدر لك ذلك كثيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا نعلم في السنة الصحيحة مثل هذا الدعاء الذي ذكرته الأخت السائلة.
ولا يحل لأحد أن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (933) .
وليس كل حديث سمعه الإنسان أو قرأه في كتاب يكون صحيحاً، بل لا بد من التثبت في نقل الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فتؤخذ عن أهل العلم الثقات المعروفين بتحريهم الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم في مقدمة صحيحه (5) وأبو داود (4992) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قَالَ النَّوَوِيّ:
" فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ " انتهى.
ثانياً:
يجوز للحائض أن تذكر الله تعالى بما تشاء من الأدعية والأذكار الشرعية، فهي غير ممنوعة من ذلك، ويجوز لها قراءة القرآن، كما هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام رحمهما الله.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (26/190) :
" وليس في منعها (يعني الحائض) من القرآن سنة أصلا فإن قوله: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) حديث ضعيف. باتفاق أهل المعرفة بالحديث. . . .
وقد كان النساء يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وتعلمه أمهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه إلى الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهيا، لم يجز أن تجعل حراما مع العلم أنه لم يَنْه عن ذلك، وإذا لم يَنْه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم " انتهى باختصار.
غير أنها تقرأ القرآن من غير أن تمس المصحف، فإما أن تقرأ مما تحفظه، أو تقرأ من المصحف وتلبس قفازا أو نحو ذلك مما يحول بينها وبين مس المصحف.
انظر السؤال (2564) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8700)
هل في السنة دعاء بعد ختم القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إرسال دعاء ختم القرآن الكريم كما ورد في السنة النبوية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن الكريم، ولا حتى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المشهورين، ومن أشهر ما ينسب في هذا الباب الدعاء المكتوب في آخر كثير من المصاحف منسوباً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا أصل له عنه.
انظر: "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/226) .
والدعاء بعد ختم القرآن إما أن يكون بعد ختمه في الصلاة، أو خارجها، ولا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة، وأما خارجها فقد ورد فعله عن أنس رضي الله عنه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟ فأجاب:
" لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أيضا، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وهذا في غير الصلاة " انتهى.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 354) .
وللشيخ بكر أبو زيد رسالة نافعة في هذه المسألة، ومما جاء في خاتمتها:
من مجموع السياقات في الفصلين السالفين نأتي إلى الخاتمة في مقامين:
المقام الأول: في مطلق الدعاء لختم القرآن:
والمتحصل في هذا ما يلي:
أولاً:
أن ما تقدم مرفوعا وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن:
لا يثبت منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , بل هو إما موضوع أو ضعيف لا ينجبر،
ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن وأذكاره أمثال: النووي , وابن كثير , والقرطبي , والسيوطي , لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسناداً لذكروه.
ثانياً:
أنه قد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله وولده لذلك , وأنه قد قفاه (أي: تابعه) على ذلك جماعة من التابعين , كما في أثر مجاهد بن جبر رحمهم الله تعالى أجمعين.
ثالثاً:
أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص الإمامين: أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى.
وأن المروي عن الإمام مالك رحمه الله: أنه ليس من عمل الناس، وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان.
رابعاً:
أن استحباب الدعاء عقب الختم , هو في المروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى , كما ينقله علماؤنا الحنابلة , وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة.
المقام الثاني: في دعاء الختم في الصلاة:
وخلاصته فيما يلي:
أولاً:
أنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لإمام أو منفرد.
ثانياً:
أن نهاية ما في الباب هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية حنبل والفضل والحربي عنه - والتي لم نقف على أسانيدها -: من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع.
وفي رواية عنه - لا يعرف مخرجها -: أنه سهل فيه في دعاء الوتر ...
انظر: " مرويات دعاء ختم القرآن ".
وانظر جواب السؤال رقم (12949) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8701)
يسمحون بالاختلاط في المسجد حرصاً على حضور الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[في مسجدنا يحدث اختلاط بين الرجال والنساء قبيل وقت الإفطار في شهر رمضان، وهذا الأمر مستمر منذ عدة سنوات. القائمون على المسجد يتحججون بأنهم إذا لم يسمحوا للناس بفعل ما يريدون فلن يحضروا إلى المسجد.
وأيضا: فإن هناك العديد من البدع تحدث في التراويح، فعلى سبيل المثال: فإنهم يسبحون بعد كل أربع ركعات من التراويح. ما هي النصيحة التي توجهها لي لتصحيح الوضع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاختلاط بين الرجال والنساء محرم؛ لما يفضي إليه من المفاسد والمحاذير الكثيرة، وقد سبق ذكر أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) .
وإذا كان الاختلاط محرماً في عموم الأزمنة والأمكنة، فإنه أعظم تحريماً إذا كان يمارس في المساجد وفي شهر رمضان، لمنافاته للمقاصد الشرعية التي أقيمت لأجلها المساجد، من حفظ الدين ونشره، ودعوة الناس إلى الخير، ونهيهم عن الفساد والغيّ، ومنافاته لحكمة الصوم التي هي تحصيل التقوى، ومجانبة داعي الهوى.
والواجب على جميع أهل المسجد إنكار هذا المنكر والسعي في إزالته، وتتأكد المسئولية على القائمين على المسجد والمشرفين عليه.
وليس لأحد أن يحتج على جواز هذا المنكر أو السكوت عنه بأن منع الاختلاط قد يؤدي إلى تخلف بعض الناس عن الحضور إلى المسجد، فإن هذه حجة مردودة من وجوه:
الأول: أن السكوت عن إنكار المنكر مع القدرة على إنكاره يوقع صاحبه في الإثم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (48) .
ولا يرضى عاقل أن يكون حضوره إلى المسجد سببا في وقوعه في الإثم.
الثاني: أن أهم دور يضطلع به المسجد هو دعوة الناس إلى الخيرات، وتحذيرهم من المنكرات، ولهذا كان على القائمين على المسجد أن يبينوا للناس حرمة الاختلاط، وأن يمنعوهم من الوقوع فيه.
الثالث: أن القول بأن هؤلاء لن يحضروا إلى المسجد، مجرد ظن، وعلى فرض حصوله، فإن المقرر عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
الرابع: أنه يمكن تخصيص مكان مناسب لاجتماع النساء قبيل الإفطار، ولو في زاوية من زوايا المسجد أو خارجه، في خيمة ونحوها، مع شغلهن ببعض البرامج المفيدة، والأعمال النافعة، التي تشرف عليها النساء.
الخامس: أن الداعية ينبغي أن يكون هو المؤثر في الواقع والساعي إلى إصلاحه، لا أن يتأثر هو به أو يبحث عن تبريره وتسويغه.
والاختلاط ما هو إلا مشكلة أفرزها الواقع في ظل بُعْده عن الشرع، فينبغي أن تتكاتف الجهود لإنكاره، والقضاء عليه، وإن لم تكن الخطوة الأولى في بيوت الله، فأين ستكون؟!
ويمكنك أن تسعى مع بعض إخوانك الصالحين إلى إقناع المسئولين ومساعدتهم في إيجاد المكان المناسب لاجتماع النساء، ومشاركتهم في إعداد البرامج النافعة لهن.
ونسأل الله أن يكلل جهودكم بالنجاح والتوفيق.
ثانياً:
وأما ما يقولونه من التسبيح بعد كل أربع ركعات من صلاة التراويح، فقد سبق في جواب السؤال (50718) أن ذلك من البدع المحدثة التي ينبغي تركها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والترضي عن الخلفاء الراشدين بين ركعات التراويح؟
فأجاب:
" لا أصل لذلك – فيما نعلم – من الشرع المطهر، بل هو من البدع المحدثة، فالواجب تركه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة، وما سار عليه سلف الأمة، والحذر مما خالف ذلك " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/369) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8702)
بدعة صلاة الرغائب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صلاة الرغائب سنة يستحب صلاتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الرغائب من البدع المحدثة في شهر رجب، وتكون في ليلة أول جمعة من رجب، بين صلاتي المغرب والعشاء، يسبقها صيام الخميس الذي هو أول خميس في رجب.
وأول ما أُحدثت صلاة الرغائب ببيت المقدس، بعد ثمانين وأربعمائة سنة للهجرة، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، ولا أحد من أصحابه، ولا القرون المفضلة، ولا الأئمة، وهذا وحده كافٍ في إثبات أنها بدعة مذمومة، وليست سنة محمودة.
وقد حذر منها العلماء، وذكروا أنها بدعة ضلالة.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/548) :
" الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب , وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب , وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب , وإحياء علوم الدين , ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك , وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله " انتهى.
وقال النووي – أيضاً - في "شرح مسلم":
" قاتل الله واضعها ومخترعها , فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة. وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر " انتهى.
وقال ابن عابدين في "حاشيته" (2/26) :
" قال في "البحر": ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب في أولى جمعة منه وأنها بدعة. . .
وللعلامة نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه "ردع الراغب عن صلاة الرغائب" أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة " انتهى باختصار.
وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هل تجوز صلاة الرغائب جماعة أم لا؟
فأجاب: " أما صلاة الرغائب فإنها كالصلاة المعروفة ليلة النصف من شعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان وحديثهما موضوع فيكره فعلهما فرادى وجماعة " انتهى.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/216) .
وقال ابن الحاج المالكي في "المدخل" (1/294) :
" ومن البدع التي أحدثوها في هذا الشهر الكريم (يعني شهر رجب) : أن أول ليلة جمعة منه يصلون في تلك الليلة في الجوامع , والمساجد صلاة الرغائب , ويجتمعون في بعض جوامع الأمصار ومساجدها ويفعلون هذه البدعة ويظهرونها في مساجد الجماعات بإمام وجماعة كأنها صلاة مشروعة. . . . وأما مذهب مالك رحمه الله تعالى: فإن صلاة الرغائب مكروه فعلها، لأنه لم يكن من فعل من مضى , والخير كله في الاتباع لهم رضي الله عنهم " انتهى باختصار.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة كهذه الصلوات المسئول عنها: كصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب، والألفية في أول رجب، ونصف شعبان. وليلة سبع وعشرين من شهر رجب، وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام , كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع , وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام , وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (2/239) .
وسئل شيخ الإسلام - أيضاً - عنها فقال:
" هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة , ولا التابعين , ولا أئمة المسلمين , ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا أحد من السلف , ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها. والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ; ولهذا قال المحققون: إنها مكروهة غير مستحبة " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (2/262) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (22/262) :
" نص الحنفية والشافعية على أن صلاة الرغائب في أول جمعة من رجب , أو في ليلة النصف من شعبان بكيفية مخصوصة , أو بعدد مخصوص من الركعات بدعة منكرة. . .
وقال أبو الفرج بن الجوزي: صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه. قال: وقد ذكروا على بدعيتهما وكراهيتهما عدة وجوه منها: أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصلاتان , فلو كانتا مشروعتين لما فاتتا السلف , وإنما حدثتا بعد الأربعمائة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8703)
الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج , وهي ليلة السابع والعشرين من رجب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه، قال الله سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء/1.
وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة، فكلمه ربه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمسا، فهي خمس في الفرض، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه.
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء , ولو كان الاحتفال بها أمرا مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، إما بالقول وإما بالفعل , ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعا لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلغ الرسالة غاية البلاغ، وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك، عُلِمَ أن الاحتفال بها، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله , قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) وقال عز وجل في سورة الشورى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) .
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: التحذير من البدع، والتصريح بأنها ضلالة، تنبيها للأمة على عظم خطرها، وتنفيرا لهم من اقترافها.
ومن ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: (أما بعد , فإن خير الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل بدعة ضلالة) زاد النسائي بسند جيد: (وكل ضلالة في النار) وفي السنن عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون , فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع , فأوصنا , فقال: (أوصيكم بتقوى الله , والسمع والطاعة , وإن تأمر عليكم عبد , فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها.
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة: أعني بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والتحذير منها، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء.
ولما أوجب الله من النصح للمسلمين، وبيان ما شرع الله لهم من الدين، وتحريم كتمان اعلم، رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة، التي قد فشت في كثير من الأمصار، حتى ظنها بعض الناس من الدين، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، ويمنحهم الفقه في الدين، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه، وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ".
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.(5/8704)
أمه ستغضب إن لم يحتفل بعيد الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق من أحد البلاد العربية وفي تلك البلد عيد الأم لديهم رسمي، وهو يحتفل مع إخوته وأخواته من أجل أمهم، وهو الآن يريد أن يقطع هذا الشيء، ولكن أمه ستغضب منه لأنها تعودت على هذا الشيء وأصبح عادة عندهم في بلادهم، وهو خائف أن تغضب منه أمه وتحمل عليه إلى أن تموت ولا ترضى، حاول إقناعها بأن هذا حرام وبالحكمة ولكنها لم تقتنع للجو العام في بلدهم، ماذا يفعل؟ أفيدونا يرحمكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاحتفال بعيد الأم من الأمور المحدثة التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم، وهو كذلك من التشبه بالكفار الذين أُمِرْنا بمخالفتهم، ولهذا لا يجوز الاحتفال به، ولا تطاع الأم في ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
وليستمر في برها والإحسان إليها، وإقناعها بأن هذا الاحتفال من البدع المحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه مسلم (867) والنسائي (1578) وزاد: (وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ) .
ثم إن الأم لها حق الاحترام والإكرام، والبر والصلة، طول العام، فما معنى تخصيص إكرامها بيوم معين؟!
ثم إن هذه البدعة لم تأت إلينا إلا من المجتمعات التي انتشر فيها العقوق، ولم تجد فيه الأمهات والآباء من ملجأ غير دور الرعاية، حيث البعد والقطيعة والألم، فظنوا أن إكرامها في يومٍ يمحو إثمَ عقوقِها في بقية السنة!
أما نحن أمة الإسلام فقد أُمرنا بالبر والصلة، ونهينا عن العقوق، وأُعطيت الأم في ديننا ما لم تعطه في شريعة قط، حتى كان حقها مقدما على حق الأب، كما روى البخاري (5514) ومسلم (4621) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ.
ولا ينقطع بِرُّ الأم حتى بعد وفاتها، فهي مُكَرَّمَةٌ حال الحياة، وحال الممات، وذلك بالصلاة عليها والاستغفار لها، وإنفاذ وصيتها، وإكرام أهلها وأصدقائها.
فلنتمسك بهذا الدين العظيم، ولنلتزم آدابه وأحكامه، ففيه الهدى، والكفاية، والرحمة.
قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله مبينا ما في هذا الاحتفال من مشابهة الكفار:
" وبيانا لخطورة الاحتفال بغير الأعياد الإسلامية: قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أقواما أو فئاما من أمته سيتبعون أهل الكتاب في بعض شعائرهم وعاداتهم، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟!) أخرجه البخاري ومسلم. . . . فحبُّ التقليد، وإن كان موجوداً في النفوس، إلا أنه ممقوت شرعا إذا كان المقلَّد يخالفنا في اعتقاده وفكره، خاصة فيما يكون التقليد فيه عَقَدِيّاً أو تعبُّديا أو يكون شعارا أو عادة، ولما ضعف المسلمون في هذا الزمان؛ ازدادت تبعيتهم لأعدائهم، وراجت كثير من المظاهر الغربية سواء كانت أنماطا استهلاكية أو تصرفات سلوكية. ومن هذه المظاهر الاهتمام بعيد الأم" انتهى.
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن الاحتفال بعيد الأم فأجاب قائلا:
" إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام؛ وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع " يوم الجمعة "، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها، وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) . أي مردود عليه، غير مقبول عند الله. وفي لفظ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك.
والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق، بل ينبغي أن يكون شخصيه بمقتضى شريعة الله تعالى، حتى يكون متبوعا لا تابعا، وحتى يكون أسوة لا متأسيا، لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) المائدة/3.
والأم أحق من أن يحتفى بها يوما واحدا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/301) .
وانظر: السؤال رقم (10070) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8705)
تقسيم الدين إلى أصول وفروع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح جعل أصول الدين هي العلميات فقط، وفروعه هي العمليات فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصول الدين ليست هي العلميات فقط، الدين ليس فيه تفرقة بين الاعتقاد والعمل، لم يأت كتاب ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأصول تكون الاعتقاد فحسب، وأن الفروع هي العمل فحسب وإنما جاء هذا التفريق أصلاً من جهة المعتزلة، فهم الذين فرقوا بين الأصول والفروع على هذا النحو.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله الغنيمان(5/8706)
إهداء ثواب الطاعات للنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقرأ القرآن مثلاً , ثم يقول: وهبت ثواب هذه القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصواب المقطوع به أن إهداء ثواب الطاعات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعة , والدليل على هذا:
1- أن هذا الإهداء لا حاجة إليه , ولا داعي له , فإن النبي صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أمته من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً , كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) .
وقال: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم (1017) .
وهو صلى الله عليه وسلم قد سن سنن الهدى جميعها لأمته، فصار إهداء العامل الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه فائدة , بل فيه إخراج العامل للثواب عن نفسه من غير فائدة تحصل لغيره , فهذا العامل فاته ثواب العمل , والنبي صلى الله عليه وسلم له مثل هذا الثواب من غير إهداء.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن هذا لأمته , وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ لمسلم.
3- أن السلف - من الخلفاء الراشدين , وسائر الصحابة والتابعين - لم يكونوا يفعلون ذلك , وهم أعلم بالخير , وأرغب فيه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
انظر رسالة: "إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد سئل ابن العطاء تلميذ النووي رحمهما الله: هل تجوز قراءة القرآن وإهداء الثواب إليه صلى الله عليه وسلم وهل فيه أثر؟
فأجاب:
" أما قراءة القرآن العزيز فمن أفضل القربات، وأما إهداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل فيه أثر ممن يعتد به، بل ينبغي أن يمنع منه، لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه، مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم، وجميع أعمال أمته في ميزانه " انتهى.
ونقل السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب:
" هذا مخترع من متأخري القراء، لا أعلم لهم سلفاً فيه " انتهى نقلاً من: "مواهب الجليل" (2/454,544)
هذا مع أن قراءة القرآن وإهداء الثوب للأموات فيه خلاف بين العلماء، انظر السؤال (70317، 46698) لكن حتى لو قيل بجوازه، فلا يجوز الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يحصل به إلا حرمان العامل من الثواب من غير فائدة لغيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8707)
هل يوجد ذكر معيَّن بعد كل صلاة ركعتين من التراويح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من ذكر معيَّن بعد كل صلاة ركعتين من التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأذكار من العبادات، والأصل في العبادات المنع منها إلا بدليل يوجبها أو يستحبها، ولا يجوز إحداث ذِكر مع عبادة ولا قبلها ولا بعدها، وقد صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم القيام مع أصحابه ليالي، وصلَّى الصحابة أفراداً ومجتمعين، في زمانه صلى الله عليه وسلم، وبعد موته، ولا يُعلم أنهم ذكروا الله تعالى بذِكرٍ معيَّن بعد كل تسليمة أو تسليمتين، وعدم نقل العلماء لذكر جماعي بين ركعات التراويح عن الصحابة ومن بعدهم دليل على عدم وقوعه، لأن العلماء كانوا ينقلون ما هو أخفى من مثل هذا الأمر الظاهر، وخير الهدي في اتباعه صلَّى الله عليه وسلَّم واتباع أصحابه في أمور العبادات بفعل ما فعلوه وترك ما تركوه.
إلا أنه لا بأس للمصلي أن يدعو الله، أو يقرأ القرآن، أو يذكر ربَّه تعالى، من غير تخصيص آيات معينة أو سور أو ذِكرٍ بين الركعات، ومن دون أن يكون ذلك بصوتٍ واحد، ولا بقيادة الإمام أو غيره؛ لعدم ورود ذلك في الشرع المطهَّر، والأصل التوقيف في العبادات في كميتها وكيفيتها وزمانها ومكانها وسببها وصفتها.
قال الشيخ محمد العبدري المشهور بابن الحاج في كتابه (المدخل) : فصل في الذِّكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح:
وينبغي له - أي: الإمام - أن يتجنب ما أحدثوه من الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح، ومن رفع أصواتهم بذلك، والمشي على صوت واحد؛ فإن ذلك كله من البدع، وكذلك ينهى عن قول المؤذن بعد ذكرهم بعد التسلميتين من صلاة التراويح " الصلاة يرحمكم الله "؛ فإنه محدث أيضاً، والحدث في الدين ممنوع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولم يذكر عن أحد من السلف فعل ذلك فيسعنا ما وسعهم. " المدخل " (2 / 293، 294) .
وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة السؤالين: (10491) و (21902) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8708)
نشرة مكذوبة منسوبة لزينب رضي الله عنها في شفاء المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت هذه الأيام رسائل تصل إلى البريد الالكتروني تحكي عن شخص مريض ثم جاءته السيدة زينب رضي الله عنها في المنام وعندما استيقظ وجد أنه شفي من المرض.. ثم يطلب منا هذا الشخص إرسال هذه الرسالة إلى عدد من الأصدقاء ... ويتوعد من لا يفعل ذلك بأشياء كثيرة تصل إلى الموت ... فما صحة هذه الرسائل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه النشرة التي سألت عنها ـ أخي الكريم ـ ليست جديدة، وإنما كثر ترويجها في هذه الأزمنة بسب سهولة التواصل عبر وسائل الاتصال السريع كالبريد الإلكتروني مع غلبة الجهل على كثير ممن يكون عندهم محبة للدين.
وقد يحصل في هذه القصص تغيير في بعض تفاصيلها إلا إنها متحدة في فكرتها وفي آثارها السيئة على عقائد الناس.
وقد سبق التحذير منها من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وهذا نص كلامه
تنبيه على نشرة مكذوبة يروجها بعض الجهلة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعت على نشرة مكذوبة يروجها بعض الجهلة وقليلو العلم والبصيرة في دين الله، ونص هذه النشرة: (بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه وسلم، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) صدق الله العظيم.
أخي المسلم أختي المسلمة.
مرضت فتاة عمرها (13) عاما مرضا شديدا عجز الطب في علاجها، وفي ذات ليلة اشتد بها المرض فبكت حتى غلبها النوم فرأت في منامها بأن السيدة زينب رضي الله عنها وضعت في فمها قطرات فاستيقظت من نومها وقد شفيت من مرضها تماما، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها أن تكتب هذه الرواية (13) مرة وتوزعها على المسلمين؛ للعبرة في قدرة الخالق جلت قدرته، وتجلت في آياته ومخلوقاته، وتعالى عما يشركون فنفذت الفتاة ما طلب منها، وقد حصل ما يلي:
1- النسخة الأولى: وقعت بيد فقير فكتبها ووزعها وبعد مضي (13) يوما شاء المولى الكريم أن يغتني هذا الفقير.
2- النسخة الثانية: وقعت في يد عامل فأهملها وبعد مضي (13) يوما فقد عمله.
3- النسخة الثالثة: وقعت في يد أحد الأغنياء فرفض كتابتها وبعد مضي (13) يوما فقد كل ما يملك من ثروة.
بادر أخي المسلم أختي المسلمة بعد الاطلاع على هذه الرواية في كتابتها (13) مرة وتوزيعها على الناس قد تنال ما تتمنى من المولى الكريم جل شأنه وتعاظمت قدرته. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ا. هـ) .
ولما اطلعت على هذه النشرة المفتراة رأيت أن من الواجب التنبيه على أن ما زعمه كاتبها من ترتب فوائد ومصالح لمن قام بكتابتها وترويجها، وترتب مضار لمن أهملها ولم يقم بنشرها- كذب لا أساس له من الصحة، بل هي من مفتريات الكذابين والدجالين الذين يريدون صرف المسلمين عن الاعتماد على ربهم سبحانه في جلب النفع ودفع الضر وحده لا شريك له، مع الأخذ بالأسباب الشرعية والمباحة إلى الاعتماد والاتجاه إلى غيره سبحانه وتعالى في طلب جلب النفع ودفع الضر، والأخذ بالأسباب الباطلة غير المباحة وغير المشروعة، وإلى ما يدعو إلى التعلق على غير الله سبحانه وعبادة سواه.
ولا شك أن هذا من كيد أعداء المسلمين الذين يريدون صرفهم عن دينهم الحق بأي وسيلة كانت، وعلى المسلمين أن يحذروا هذه المكائد ولا ينخدعوا بها، كما أنه يجب على المسلم أن لا يغتر بهذه النشرة المزعومة وأمثالها من النشرات التي تروج بين حين وآخر، وسبق التنبيه على عدد منها، ولا يجوز للمسلم كتابة هذه النشرة وأمثالها والقيام بتوزيعها بأي حال من الأحوال، بل القيام بذلك منكر يأثم من فعله، ويخشى عليه من العقوبة العاجلة والآجلة؛ لأن هذه من البدع، والبدع شرها عظيم وعواقبها وخيمة.
وهذه النشرة على هذا الوجه من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك والغلو في أهل البيت وغيرهم من الأموات، ودعوتهم من دون الله والاستغاثة بهم واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون من دعاهم أو استغاث بهم، ومن الكذب على الله سبحانه، وقد قال سبحانه: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النحل/105، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته.
فالواجب على جميع المسلمين الذين تقع في أيديهم هذه النشرة وأمثالها تمزيقها، وإتلافها، وتحذير الناس منها، وعدم الالتفات إلى ما جاء فيها من وعد أو وعيد؛ لأنها نشرات مكذوبة لا أساس لها من الصحة ولا يترتب عليها خير ولا شر، ولكن يأثم من افتراها ومن كتبها ووزعها ومن دعا إليها وروجها بين المسلمين؛ لأن ذلك كله من باب التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في محكم كتابه بقوله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.
نسأل الله لنا وللمسلين السلامة والعافية من كل شر، وحسبنا الله ونعم الوكيل على من افترى هذه النشرة وأمثالها وأدخل في شرع الله ما ليس منه، ونسأل الله أن يعامله بما يستحق؛ لكذبه على الله وترويجه الكذب، ودعوته الناس إلى وسائل الشرك والغلو في الأموات، والاشتغال بما يضرهم ولا ينفعهم، وللنصيحة لله ولعباده جرى التنبيه على ذلك. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 346 – 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8709)
هل يصوم يوم النصف من شعبان حتى لو كان الحديث ضعيفاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بعد العلم بضعف حديث أن نأخذ به؛ وذلك من باب فضائل الأعمال " إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها " علماً أن الصوم نفلاً في تعبد لله وكذلك قيام الليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما ورد في فضل الصلاة والصيام والعبادة في النصف من شعبان ليس من قسم الضعيف، بل هو من قسم الموضوع والباطل، وهذا لا يحل الأخذ به ولا العمل بمقتضاه لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها.
وقد حكم ببطلان الروايات الواردة في ذلك جمعٌ من أهل العلم، منهم ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " (2 / 440 - 445) ، وابن قيم الجوزية في " المنار المنيف " رقم 174 – 177) ، وأبو شامة الشافعي في " الباعث على إنكار البدع والحوادث " (124- 137) ، والعراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " (رقم 582) ، وقد نقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلانها في " مجموع الفتاوى " (28 / 138)
وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان "
إن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام: بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر.
وقال – رحمه الله -:
ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح، كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة، وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية: فهو قول ضعيف، فلا يجوز أن تُخصَّ بشيءٍ، هذا هو الصواب، وبالله التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (4 / 511) .
انظر السؤال رقم (8907)
ثانياً:
وإن سلَّمنا أنها ضعيفة وليست موضوعة: فإن الصحيح من أقوال أهل العلم هو عدم الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً وإن كان في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب، وفي الصحيح ما يغني المسلم عن الأخذ بالضعيف، ولا يُعرف تخصيص هذه الليلة ونهارها بشيء في الشرع لا عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند أصحابه.
وقال العلاَّمة أحمد شاكر: لا فرقَ بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجةَ لأحدٍ إلا بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيحٍ أو حسنٍ.
" الباعث الحثيث " (1 / 278) .
وانظر لزيادة البيان " القول المنيف في حكم العمل بالحديث الضعيف ".
وانظر جواب السؤال رقم: (44877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8710)
هل ينزل الله إلى السماء الدنيا في ليلة النصف من شعبان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينزل الله إلى سماء الدنيا في نصف شعبان ويغفر لجميع الناس ما عدا اثنين وهما الكافر، والآخر المشاحن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا في بعض الأحاديث، لكن في صحة الحديث كلام لأهل العلم، ولا يصح في فضل ليلة النصف من شعبان أي حديث.
عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ". رواه ابن ماجه (1390) .
والمشاحن هو الذي بينه وبين أخيه عداوة.
وفي " الزوائد ": إسناده ضعيف؛ لضعف عبد الله بن لهيعة، وتدليس الوليد بن مسلم.
وفي الحديث اضطراب بينه الدارقطني في " العلل " (6 / 50، 51) وقال عنه: " والحديث غير ثابت ".
وروي من حديث معاذ بن جبل وعائشة وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني وغيرهم، ولا تخلو طريق من ضعف، وبعضها شديد الضعف.
قال ابن رجب الحنبلي:
" وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة، وقد اختُلف فيها، فضعّفها الأكثرون، وصحّح ابن حبان بعضها ". " لطائف المعارف " (261) .
ونزول الله تعالى إلى السماء الدنيا ليس خاصاً بليلة النصف من شعبان، بل ثبت في الصحيحين وغيرهما نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة في الثلث الآخر من الليل، وليلة النصف من شعبان داخلة في هذا العموم.
ولهذا لما سئل عبد الله بن المبارك عن نزول الله تعالى ليلة النصف من شعبان قال للسائل: " يا ضعيف! ليلة النصف!؟ ينزل في كل ليلة ".
رواه أبو عثمان الصابوني في " اعتقاد أهل السنة " (رقم 92) .
وقال العقيلي – رحمه الله -:
وفي النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول كل ليلة أحاديث ثابتة صحيحة، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله.
" الضعفاء " (3 / 29) .
وانظر جواب السؤال رقم: (8907) .
ويوجد في الموقع مقالة للشيخ ابن باز رحمه الله في حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان وهي موجودة في: قسم " مواضيع خاصة بالمناسبات " في الموقع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8711)
قول " علي كرم الله وجهه "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة قولهم " علي كرم الله وجهه "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أصل لتخصيص ذلك بعلي رضي الله عنه وإنما هو من غلو المتشيعة فيه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/69(5/8712)
الاحتفال ببلوغ الابن الواحدة والعشرين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا هنا في جنوب أفريقيا إذا كان الشاب أو الشابة قد بلغ من العمر 21 (واحدا وعشرين) سنة، الناس يحتفلون ويقرءون القرآن الكريم ويطبخون أنواعاً من الطعام ويجتمعون ويعطون البالغ من العمر 21 سنة مفتاحاً، فهل تجوز هذه الأشياء في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله إن ما ذكرته من الاحتفال وقراءة القرآن إذا بلغ الشاب أو الشابة واحداً وعشرين وعاماً لا أصل له في الشريعة بل هو بدعة وتشبه بمن لديكم من النصارى، فقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم وأحمد في المسند، وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تشبه بقوم فهو منهم ". وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/58(5/8713)
الاحتفال بختم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض النساء بعد ختمها لحفظ القرآن على شيختها تقوم بعمل احتفال بسيط وتقرأ فيه من نهاية المصحف ثم تصل ببدايته (الفاتحة وخمس آيات من البقرة) بغرض عدم قطع القراءة. فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد....
فإن الاحتفال بمناسبة إتمام حفظ القرآن ليس بسنة، فإنه لم يرد في ذلك شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام ولاعن أحدٍ من أصحابه، ففعل ذلك على أنه من الدين بدعة، ولكن الناس يفعلونه على أنه عادة تعبيرا ً عن الفرح بنعمة حفظ القرآن، كالاحتفال بقدوم الغائب، أو الحصول على وظيفة، أو مسكن. فإذا كان الاحتفال لإتمام حفظ القرآن على هذا الوجه فلا بأس به، وإذا تُلي شيءٌ من القرآن من أوله أو آخره دون تقيدٍ بسورةٍ معينة ولا صفةٍ معينة، كوصل آخره بأوله كان ذلك حسناً. فإن تلاوة القرآن خير ما تعمر به المجالس، ويُذكر به المجتمعون. وأما الدعاء عند ختم تلاوة القرآن فقد صحَّ عن أنس رضي الله عنه أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو بهم. فإذا دعا القارئ عند ختمه لتلاوة القرآن، وأمَّن الحاضرون على دعائه كان حسناً.
وأمَّا تسمية المعلمة بشيخة فلا بأس به، ولذلك تعلمين أيتها السائلة بارك الله فيك أن ما ذكرتِ من الاحتفال لا مانع فيه، وأنه لا داعي إلى القراءة من نهاية المصحف، ثم وصله بأوله، فإن التقيد بهذه الصفة يحتاج إلى دليل، لأن تلاوة القرآن عبادة، والعبادة يجب التقيد فيها وفي صفتها بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) .
كتبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك
وأما حديث الحال المرتحل الذي رواه الترمذي رحمه الله عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ
ولكن هذا الحديث ضعيف كما بيّن ذلك الترمذي رحمه الله بقوله بعدما ساقه: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: فِي الإِعْلامِ " ص 289 ج 2 " بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ: فَهِمَ مِنْ هَذَا بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ خَتْمِ الْقُرْآنِ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَثَلاثَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لأَنَّهُ حَلَّ بِالْفَرَاغِ وَارْتَحَلَ بِالشُّرُوعِ , وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلا التَّابِعِينَ وَلا اِسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَّةِ , وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي كُلَّمَا حَلَّ مِنْ غَزَاةٍ اِرْتَحَلَ فِي أُخْرَى , أَوْ كُلَّمَا حَلَّ مِنْ عَمَلٍ اِرْتَحَلَ إِلَى غَيْرِهِ تَكَمُّلا لَهُ كَمَا كَمَّلَ الأَوَّلَ , وَأَمَّا هَذَا الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ فَلَيْسَ مُرَادَ الْحَدِيثِ قَطْعًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8714)
الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة والتعامل مع المبتدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة؟ ماذا عن المبتدع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي النظر في حال المدعو لأداء الصلاة أو غيرها من العبادات، ومراعاة ما يلائمها من أساليب الترغيب، أو الترهيب، وإن كان الأصل العام في الشرع أن يجمع بينهما، ثم إنه من الأهمية بمكان مراعاة أحوال المدعو في إقباله أو إدباره، وتأثره بالموعظة أو انصرافه عنها.
ثانيا:
الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة تتلخص فيما يلي:
1- تذكيره بفرضية الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين
2- إعلامه ببعض فضائل الصلاة؛ فهي خير ما فرضه الله على عباده، وخير ما يتقرب به العبد إلى ربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد من أمر دينه، والصلوات الخمس كفارة لما بينهن، ما لم تغش الكبائر، وسجدة واحدة يرفع العبد بها درجة، ويحط عنه بها خطيئة..، إلى آخر ما ورد في فضائل الصلاة؛ فإن هذا من شأنه أن تسمح بها نفسه، إن شاء الله، ولعلها تصير قرة عينه، كما كانت قرة عين النبي، صلى الله عليه وسلم.
3- إعلامه بما ورد في شأن تاركها من الوعيد الشديد، واختلاف العلماء في كفره وردته، وأن الإسلام لا يتيح لتارك الصلاة فرصة في العيش طليقا بين الناس، إذ الواجب في شأنه أن يدعى للصلاة، فإن أصر على الترك، قتل مرتدا في مذهب أحمد ومن وافقه من السلف، أو قتل حدا في مذهب مالك والشافعي، أو حبس وسجن في مذهب أبي حنيفة، أما أن يترك حرا طليقا، فلا قائل بذلك من أهل العلم، فيقال لتارك الصلاة: هل ترضى أن يختلف العلماء في شأنك، بين الكفر والقتل والحبس؟!
4- تذكيره بلقاء الله تعالى والموت والقبر، وما يحدث لتارك الصلاة من سوء الخاتمة وعذاب القبر.
5- بيان أن تأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من الكبائر؛ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59، قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5) .
6- بيان ما يترتب على القول بكفره من أمور عظيمة، كبطلان نكاحه، وحرمة بقائه ومعاشرته لزوجته، وكونه لا يغسّل ولا يصلى عليه بعد وفاته. ومن النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) ، وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) .
7- إهداؤه بعض الكتيبات والأشرطة التي تتناول موضوع الصلاة وعقوبة تاركها والمتهاون فيها.
8- هجره وزجره في حال إصراره على ترك الصلاة.
وأما المبتدع، فيختلف التعامل معه حسب نوع بدعته ودرجتها، والواجب نصحه ودعوته إلى الله، وإقامة الحجة عليه، وإزالة شبهته، فإن أصر على بدعته هُجر وزجر إذا غلب على الظن أن ذلك ينفعه، وينبغي التثبت أولا في الحكم على شخصٍ ما بأنه مبتدع، والرجوع في ذلك إلى أهل العلم، والتفريق بين البدعة وصاحبها، فربما كان معذورا بجهل أو تأويل.
وانظر تفصيل ذلك في (حقيقة البدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8715)
اختراع وِرد من أدعية الكتاب والسنة بعدد معين لزيادة فترة الذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يعمل ورداً يومياً من الكتاب والسنة كالأدعية مثلا وبعدد معلوم من أجل زيادة وقت العبادة والجلوس أطول فترة ممكنة في المسجد هل عليه شيء وما الدليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب للمسلم الإكثار من ذكر الله تعالى؛ لأن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الأحزاب/41-42. وقال تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب/35، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك حين قال: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2687) .
والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان:
الأول: ما ورد تقييده بعدد معين، فينبغي الالتزام بالعدد الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، كالأذكار أدبار الصلاة، وكقول (سبحان الله وبحمده) مائة مرة صباحاً ومساءً، وقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) في اليوم مائة مرة. ونحو ذلك.
الثاني: ما لم يرد تقييده بعدد معين، كالترغيب المطلق في التسبيح والتحميد والتهليل وقراءة القرآن ونحو ذلك، فهذا يأتي به الإنسان مطلقاً من غير التزام بعدد معين كما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
"الأصل في الأذكار والعبادات التوقيف، [أي أن يقتصر الشخص على ما أتى به الشرع، فلا يعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسول صلى الله عليه وسلم] ، وعليه فما ثبت بالأدلة القولية أو العملية تقييده بوقت، أو عدد، أو تحديد مكان له، أو كيفية؛ عبدنا الله به على ما ثبت من الشرع له، وأما ما شرعه الله من الأذكار والأدعية وسائر العبادات مطلقا عن التقييد بوقت أو عدد أو مكان أو كيفية فلا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية، أو وقت أو عدد، بل نعبده به مطلقا كما ورد". انتهى من كتاب (فتاوى إسلامية 4/178.)
وللاطلاع على المزيد حول هذا الموضوع يمكنك مراجعة سؤال رقم (22457) و (21902) في هذا الموقع، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8716)
حكم الدعاء بعد كل ركعتين من صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء بين التسليمة والأخرى بهذه الصيغة: (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لنا) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء بين التسليمة والأخرى في صلاة التراويح بهذه الصيغة: (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لنا) ليس له أصل في السنة، وليس للإمام أو المأموم التزام ذلك، لأن العبادة مبناها على التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتزام عبادة معينة في وقت معين، من غير دليل، يدخل في باب البدعة والإحداث.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه.
وهذا الذكر العظيم: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) مما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده، فقد روى البخاري (784) ومسلم (484) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) .
ومعنى "يتأول القرآن": أي يفعل ما أُمِر به في القرآن، وهو قول الله تعالى له: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) .
فانظر كيف تُركت السنة في هذا الموضع، وتمسك الناس بالمحدَث!!
ومن البدع التي تفعل في التراويح: قول الناس: صلاة القيام أثابكم الله، وقولهم بين كل ركعتين: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد بصوت مرتفع، وقراءتهم بين كل ركعتين سورة الإخلاص والمعوذتين، أو قول الإمام سبحان الله، وترديد المأمومين خلفه: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، كل هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أفتت اللجنة الدائمة بأنه من البدع المحدثة.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/ 208- 215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8717)
يريد أن يقدم هدية لزوجته في موعد زواجه من كل سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقدم لزوجتي هدية وذلك في نفس موعد زواجي من كل سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أراد الزوج أن يقدّم هدية لزوجته، فإنه يقدمها في أي وقت أو عند وجود مناسبة أو سبب يقتضي ذلك، ولا ينبغي أن يتحرى موعد زواجه من كل سنة ويقدم فيه هدية، فإن ذلك من اتخاذ هذا اليوم عيداً، وليس هناك أعياد سنوية للمسلم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وقد مرت هذه المناسبة (موعد الزواج) على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يتحرون إعطاء الهدايا لزوجاتهم في هذا اليوم، والخير كل الخير في اتباعهم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل يجوز للزوج أن يهدي زوجته هدية في ذكرى يوم زواجهما في كل سنة تجديداً للمودة والمحبة يبنهما، علماً أن الذكرى ستقتصر فقط على الهدية ولن يقيم الزوجان احتفالاً بهذه المناسبة؟
فقال:
" الذي أرى سدّ هذا الباب لأنها ستكون هذا العام هدية وفي العام الثاني قد يكون احتفالاً، ثم إن مجرّد اعتياد هذه المناسبة بهذه الهدية يعتبر عيداً لأن العيد كل ما يتكرر ويعود، والمودة لا ينبغي أن تجدد كل عام بل ينبغي أن تكون متجددة كل وقت كلّما رأت المرأة من زوجها ما يسرها، وكلما رأى الرجل من زوجته ما يسره فإنها سوف تتجدد المودة والمحبة. أ. هـ
فتاوى العلماء في عشرة النساء ص 162.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8718)
هل هناك ما يُسمَّى " دعاء كنز العرش "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت دعاء في بعض الكتب يسمى (كنز العرش) وهو كالتالي:
لا إله إلا الله سبحان الملك القدوس، لا إله إلا الله سبحان العزيز الجبار، لا إله إلا الله سبحان الرءوف الرحيم، ... الخ
هل هذا دعاء معروف وما هو فضله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء غير معروف في كتب السنَّة، والذي يغلب على الظن أنه من اختراع بعض الصوفية فيما يسمونه " الأوراد " وهي مجموعة أدعية وكلمات تُجمع للمريدين ليرددوها في أوقات معينة وبطريقة محددة، وبعدد معروف، ومما لا ريب فيه أنه لا يحل متابعتهم فيما يخترعونه من أوراد، و " الدعاء هو العبادة " كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في العبادات التوقيف على ما يرد في الشرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعوات مِن أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعيةُ والأذكارُ النبويَّةُ هي أفضل ما يتحرَّاه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمانٍ وسلامةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسانٌ، ولا يحيط بها إنسانٌ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ النَّاسِ، وهي جملةٌ يطول تفصيلها.
وليس لأحدٍ أنْ يَسُنَّ للنَّاسِ نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به ... وأما اتخاذ وردٍ غيِر شرعيٍّ، واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غايةُ المطالبِ الصحيحةِ ونهايةُ المقاصدِ العليَّة، ولا يَعدلُ عنها إلى غيرها من الأذكارِ المحدَثة المبتدعةِ إلاّ جاهلٌ أو مفرِّطٌ أو متعَدٍّ. أ. هـ
"مجموع الفتاوى" (22/510-511) .
وانظر جواب السؤال رقم (6745) ففيه زيادة بيان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8719)
هل يُحتفل بختمة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة ختمت القرآن تلاوة للمرة الأولى وتريد دعوة صاحباتها للاحتفال بهذه المناسبة فماذا تكتب في بطاقات الدّعوة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنه عمل جليل أن تنهي فتاة مسلمة في هذا السنّ (أحد عشر عاما) تلاوة كتاب الله تعالى كاملا في بلاد غربة الدّين وسط ذلك المجتمع المنحرف وكما أخفت هذه الفتاة اسمها في السؤال وهو من علامات الإخلاص إن شاء الله فإنني أرى أن لا يُعلن ذلك إلا على سبيل تشجيع الآخرين للقيام بالأمر نفسه، فلو اقتصر الأمر على دعوة عادية تقوم بها بعض قريباتك أو صاحباتك تحضرين فيها مع زميلاتك وتذكرين فيها تجربتك في ختم القرآن للحاضرات لتحميسهنّ لا رياء ولا سمعة ويكون هناك تعليقات من بعض الأمهات حول عظمة القرآن الكريم وفضل تلاوته وأدب المسلم مع القرآن، وكذلك لو دعت هذه الفتاة صاحباتها إلى وليمة بهذه المناسبة من باب شكر النّعمة وفرحا بحصولها فلا بأس بذلك مع الحرص أن لا يتحوَّل ذلك إلى مظهر من مظاهر الاحتفال.
يتضح مما تقدم أن الاحتفال بختم القرآن حفظاً أو تلاوة وجمع الناس وصنع الطعام بهذه المناسبة يخشى فيه من فتنتين: إحداهما الرياء والسمعة والفخر والغرور، والثانية: الدخول في البدعة باعتقاد أن هذا الاحتفال من الدّين وأن كل من ختم القرآن يشرع له ذلك وتحصل السلامة من الآفة الأولى بمجاهدة النفس على الإخلاص لله تعالى، ومن الآفة الثانية بالاقتصار على العدد القليل من الحضور من الأهل والأقارب، وينبغي ترك ذلك الاجتماع أحيانا حتى لا يظن أنه سنة. أسأل الله أن يزيدك من فضله ويرزقك قوة الحفظ والإخلاص في القول والعمل. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8720)
حكم قول الإمام للمأمومين " صلوا صلاة مودع "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول الإمام قبل تكبيرة الإحرام " وجهوا قلوبكم إلى الله "، وأيضاً " صلوا صلاة مودَع "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من السنَّة أن يسوِّي الإمام الصفوف بنفسه، وأن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف، وقد تنوعت العبارات الواردة في السنَّة، وكلها تأمر المأمومين بتسوية الصفوف، وتحذرهم من مخالفة ذلك، ومما ورد: " أقيموا صفوفكم وتراصوا "، " سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة "، " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة "، " أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة "، " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم "، " أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخَلل "، وغير ذلك من الألفاظ.
ولا حاجة لشيء من هذه الألفاظ وغيرها إذا كان الإمام قد رأى الصفَّ مستوياً.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
لكن لو التفت – يعني الإمام – ووجد الصف مستقيماً متراصاً، والناس متساوون في أماكنهم، فالظاهر أنه لا يقول لهم استووا، لأنه أمر قد حصل إلا أن يريد اثبتوا على ذلك؛ لأن هذه الكلمات لها معناها، ليست كلمات تقال هكذا بلا فائدة ...
" أسئلة الباب المفتوح " (رقم 62) .
ولا نعلم في السنة الصحيحة شيئاً يأمر الإمام به المصلين فيما يتعلق بصلاتهم من حيث الخشوع وتوجيه القلوب إلى الله والصلاة كأنها صلاة مودِّع وما أشبه هذا، فمداومة الإمام على ذلك يُخشى أن يدخل في باب البدعة، ولا بأس أن يقول مثل هذا التذكير لكن أحياناً دون الاستمرار عليه والالتزام به في كل صلاة.
ولفظة " وجهوا قلوبكم إلى الله " لم نجد لها أصلاً، وأما لفظة " صلِّ صلاة مودِّع " فقد صحَّت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنها وصية عامة، ولا تعلق لها بما يقوله الإمام قبل تكبيرة الإحرام.
عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه واجمع الإياس مما في أيدي الناس ".
رواه ابن ماجه (4171) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (401) .
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وأيس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ".
رواه البيهقي في " الزهد الكبير " (2 / 210) . وهو صحيح بشواهده كما قاله الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1914) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8721)
هل يُوصَى بختم العام بالاستغفار والصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مع اقتراب نهاية السنة الهجرية تنتشر رسائل الجوال بأن صحيفة الأعمال سوف تطوى بنهاية العام، وتحث على ختمه بالاستغفار والصيام؛ فما حكم هذه الرسائل؟ وهل صيام آخر يوم من السنة، إذا وافق الاثنين أو الخميس بدعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد دلت السنة على أن أعمال العباد ترفع للعرض على الله عز وجل أولاً بأول، في كل يوم مرتين: مرة بالليل ومرة بالنهار:
ففي صحيح مسلم (179) عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ)
قال النووي رحمه الله: الْمَلائِكَة الْحَفَظَة يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْل بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل النَّهَار , وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَار بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل اللَّيْل.
وروى البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " فيه: أَنَّ الأَعْمَال تُرْفَع آخِرَ النَّهَار , فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَة بُورِكَ فِي رِزْقه وَفِي عَمَله، وَاَللَّه أَعْلَم، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ حِكْمَة الأَمْر بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالاهْتِمَام بِهِمَا – يعني صلاتي الصبح والعصر -) " انتهى.
ودلت السنة على أن أعمال كل أسبوع تعرض ـ أيضا ـ مرتين على الله عز وجل.
روى مسلم (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا) .
ودلت السنة أيضا على أن أعمال كل عام ترفع إلى الله عز وجل جملة واحدة في شهر شعبان:
روى النسائي (2357) عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟!!
قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) حسنه الألباني في صحيح الجامع.
فتلخص من هذه النصوص أن أعمال العباد تعرض على الله ثلاثة أنواع من العرض:
• العرض اليومي، ويقع مرتين كل يوم.
• والعرض الأسبوعي، ويقع مرتين أيضا: يوم الاثنين ويوم الخميس.
• العرض السنوي، ويقع مرة واحدة في شهر شعبان.
قال ابن القيم رحمه الله: " عمل العام يرفع في شعبان؛ كما أخبر به الصادق المصدوق ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار. فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل " انتهى باختصار من "حاشية سنن أبي داود".
وقد دلت أحاديث عرض الأعمال على الله تعالى على الترغيب في الازدياد من الطاعات في أوقات العرض، كما قال صلى الله عليه وسلم في صيام شعبان: (فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) .
وفي سنن الترمذي (747) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (949) .
وكان بعض التابعين يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه، ويقول: اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل!! [ذكره ابن رجب في لطائف المعارف] .
ومما ذكرناه يتبين أنه لا مدخل لنهاية عام ينقضي، أو بداية عام جديد، بِطَيِّ الصُّحف، وعرض الأعمال على الله عز وجل، وإنما العرض بأنواعه التي أشرنا إليها، قد حددت النصوص له أوقاتاً أخرى، ودلت النصوص أيضا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الطاعات في هذه الأوقات.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن التذكير بنهاية العام في هايته: " لا أصل لذلك، وتخصيص نهايته بعبادة معينة كصيام بدعة منكرة " انتهى.
وأما صيام الاثنين أو الخميس، إذا كان من عادة الإنسان، أو كان يصومه لأجل ما ورد من الترغيب في صيامهما، فلا يمنع منه موافقته لنهاية عام أو بدايته، بشرط ألا يصومه لأجل هذه الموافقة، أو ظنا منه أن صيامهما في هذه المناسبة له فضل خاص.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8722)
تحريم تلقي البضائع من أصحابها قبل وصولها إلى السوق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تلقي البضائع من أصحابها في الشارع قبل دخولها الحراج والشراء منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يحرم تلقي أصحاب البضائع في الشارع قبل دخولهم الأماكن المعدة لعرض السلع وبيعها؛ لأن ذلك داخل في مسألة الركبان المنهي عنه؛ للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والذي جاء فيه: (ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق) , وأخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (4/373) , وما أخرجه البخاري في صحيحه عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نتلقى الركبان , فنشتري منهم الطعام , فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام) , وفي لفظ آخر عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق , فيبيعونه في مكانه , فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه) , وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلقوا الجلب , فمن تلقاه فاشتري منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار) , وعلى ذلك فإن السلعة إذا لم يهبط بها صاحبها إلى السوق المعد لبيعها فيه فإنه يحرم تلقي أصحابها , ومن تلقاها قبل بلوغه السوق فإنه آثم , وعاصٍ لله تعالى , إذا كان عالماً بالتحريم؛ لما فيه من الخداع والتغرير بالبائع , والإضرار بأهل السوق , وإذا ثبت هذا وحصل غَبْن للبائع (أي: خداع في الثمن) لم تجر العادة بمثله , فللبائع الخيار بين إمضاء البيع وبين فسخ البيع , وذلك داخل في خيار الغبن " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/122) .(5/8723)
القول بقول المبتدعة هل يُبدّع قائله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تكلم العالم ببدعة أو وافق أهل البدع في بدعة معينة فهل يكون منهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال:
السؤال ذو شقين:
إذا تكلم العالم ببدعة أو سلك مسلك المبتدعة في مسألة من المسائل فهل يعد منهم؟
الجواب: لا. لا يعد منهم، ولا يُنسب إليهم، إذا وافقهم في مسألة من المسائل فإنه وافقهم في هذه المسالة ولا يصح أن يُنسب إليهم نسبة مطلقة.
مثال: من كان على مذهب الإمام أحمد، لكنه أخذ في مسألة معينة بقول الإمام مالك، فهل يُعد مالكياً؟ لا.
وكذلك لو أن فقيهاً على مذهب أبي حنيفة لكنه أخذ في مسالة معينة بمذهب الشافعي هل نقول إنه شافعي؟ لا.
فإذا رأينا عالماً معتبراً معروفاً بنصحه أخذ بشيءٍ مما ذهب إليه أهل البدع فلا يصح أن نقول هو منهم، وعلى مذهبهم، بل نقول: هؤلاء لما نرى لهم من النصيحة لكتاب الله وسنة رسول الله وعباد الله إذا أخطأوا في هذه المسألة فخطؤهم هذا صادرٌ عن اجتهاد والمجتهد من هذه الأمة إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجرٌ واحد.
ومن ردَّ جميع الحق لكلمة أخطأ فيها من قال بالحق فإنه ضال، خصوصاً إذا كان هذا الخطأ الذي ظنه خطأ ليس بخطأ. لأن بعض الناس إذا خالفه أحد قال هو على خطأ، وخطَّأه أو ضلله أو ربما كفَّره والعياذ بالله، وهذا مذهبٌ سيئٌ للغاية. هذا أيضاً ـ الذي يكفر الناس لأي سبب أو لأي معصية ـ إذا صدق هذا التعبير لأي معصية كانت صار مذهبه أشد من مذهب الخوارج؛ لأن مذهب الخوارج أنهم يكفرون فاعل الكبيرة وليس أي معصية فإذا وجد الآن من يكفر المسلمين بأي معصية فإنه ضال مخالف للكتاب والسنة زائد على مذهب الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب واختلف المسلمون في تكفيرهم فمنهم من كفرهم ومنهم من فسقهم وجعلهم من البغاة الظلمة. أوليس الله يقول: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً} . فالإنسان باجتنابه الكبائر يكفر عنه الصغائر إذا لم يُصر على الصغيرة أما إذا أصر فقد قال العلماء إن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة. فهذا القول لاشك أنه ضلال. ثم ليعلم هذا القائل ـ بتكفير المسلمين بالمعاصي ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " من دعى أخاه بالكفر ـ يعني وليس كما قال ـ إلا رجع عليه " وهذا الكلام قاله الرسول، فإنه إن لم يكن كافراً في الدنيا صار كافراً عند الله.
[الْمَصْدَرُ]
اللقاء الشهري لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله- /15(5/8724)
الدعاء جماعياً للمتصدق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأشخاص الذين يجتمعون عند الصدقة التي يراد تفريقها عليهم ويضعون أيديهم عليها ويدعو أحدهم للمتصدق ويؤمن الباقون بأصوات مرتفعة، فهل هذا الفعل صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تنبغي هذه الكيفية، لأنها بدعة، أما الدعاء للمتصدق من غير وضع الأيدي على المال المتصدق به، ومن دون اجتماع على رفع الأصوات على الكيفية المذكورة فهو مشروع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 336(5/8725)
حكم وضع باقة من الزهور على القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[وضع باقة من الزهور على قبر الجندي المجهول، هل ينطبق على ذلك ما ينطبق على عمل الذين عظموا أولياءهم وصالحيهم حتى عُبدوا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل بدعة وغُلوا في الأموات، وهو شبيه بعمل أولئك في صالحيهم من جهة التعظيم واتخاذ شعار لهم، ويُخشى منه أن يكون ذريعة على مر الأيام إلى بناء القباب عليهم والتبرك بهم واتخاذهم آلهة مع الله سبحانه، فالواجب تركه سداً لذريعة الشرك.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة من كتاب فتاوى إسلامية 1/20.(5/8726)
خطأ في الاتجاه إلى القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرني بعض الجيران أن القبلة التي أصلي باتجاهها خطأ وغير موازية للقبلة في المسجد المجاور، وبناء على هذا غيرت اتجاهي لمدة شهور، منها رمضان الماضي، ثم اكتشفت مرة أخرى أن القبلة الأولى هي الصحيحة. فما حكم الصلوات المؤداة في اتجاه القبلة الخاطئ؟ أرجو الإجابة لأني حائرة، ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته، وأن يجتهد في ضبطها لصلاته، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها، إن كان يمكنه ذلك، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان، الذين لهم معرفة بجهة القبلة.
والغالب على الحال التي ذكرتيها أن يكون الانحراف عن جهة القبلة يسيرا، وهذا الانحراف اليسير هو الذي يمكن أن يحدث فيه ذلك التردد والاضطراب من أهل المكان عادةً؛ بحيث لا ينتبه الإنسان إلى ذلك الفرق بين الجهتين؛ فإن كان الأمر كذلك، يعني أن الانحراف عن القبلة كان يسيرا، فإن هذا لا يضر ولا تبطل به الصلاة؛ لأن الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يتجه إلى جهتها، ولا يشترط في حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة، لما رواه الترمذي (342) وابن ماجة (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) [صححه الألباني في الإرواء] .
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام [1/260] : (والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة، لا العين في حق من تعذرت عليه العين) .
ومن الأدلة على ذلك أيضا، ما رواه البخاري (144) ومسلم (264) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة: (هذا بيان لأن ما سوى التشريق والتغريب استقبال للقبلة أو استدبار لها، وهذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم ... لأن ذلك اجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ قال عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله إلا عند البيت ... وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: كيف يخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قبلة، ما لم يتحر المشرق عمدا)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وبهذا نعرف أن الأمر واسع، فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [أي: محاذاة] القبلة، فإن ذلك لا يضر، لأنه متجه إلى الجهة، وهذا فرضه) [الشرح الممتع 2/273] .
وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا؛ بحيث تكون صلاتك إلى غير الجهة التي فيها القبلة، إما شرقا، والقبلة غرب أو شمال، مثلا، فما دام الإنسان قد بنى عمله على قول من يعلم اهتمامهم بأمر الصلاة، وتعظيمهم لقدرها، وكان في ظنه أنهم أدرى منه باتجاه القبلة، فلا شيء عليه، وصلاته التي صلاها صحيحة، حتى ولو كان مخطئا في اتجاهه الذي صلى إليه؛ لأن الإنسان إذا اجتهد وتحرى، فقد فعل ما يجب عليه، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة [6/314] : (إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى، ثم تبين أن تحريه كان خطأ، فصلاته صحيحة) .
وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله [10/421] : (إذا اجتهد المؤمن في تحري القبلة، حال كونه في الصحراء، أو في البلاد التي تشتبه فيها القبلة، ثم صلى باجتهاده، وبعد ذلك ظهر أنه صلى إلى غير القبلة، فإنه يعمل باجتهاده الأخير، إذا ظهر له أنه أصح من اجتهاده الأول، وصلاته الأولى صحيحة؛ لأنه أداها عن اجتهاد وتحرٍ للحق) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8727)
حكم التجمع للدعاء وقراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[في المصلى الخاص بجامعتنا قام خلاف بشأن الاجتماع للجلوس والدعاء، حيث يتم توزع أجزاء القرآن على الأشخاص الحاضرين ويقرأ كل منهم جزء في نفس الوقت حتى تتم قراءة المصحف كاملاً ثم يقومون بالدعاء لغرض معين كالنجاح في الامتحانات مثلاً. هل طريقة هذا الدعاء واردة في الشريعة؟ أرجو أن يكون جوابك مدعماً بالقرآن والسنة وإجماع السلف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال يشتمل على مسألتين:
الأولى:
حكم الاجتماع لتلاوة القرآن , بأن يأخذ كل من الحاضرين جزءا من القرآن في نفس الوقت حتى يتم كل واحد الجزء الذي معه.
فالجواب عن هذا ما جاء في فتوى للجنة الدائمة (2/480) , ونصه:
(أولا: الاجتماع لتلاوة القرآن ودراسته بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون ويتدارسوا ما قرؤوه ويتفهموا معانيه مشروع وقربة يحبها الله , ويجزي عليها الجزاء الجزيل، فقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) .
والدعاء بعد ختم القرآن مشروع أيضاً إلا أنه لا يداوم عليه ولا يلتزم فيه صيغة معينة كأنه سنة متبعة، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فعله بعض الصحابة رضي الله عنهم.
وكذا دعوة من حضر القراءة إلى طعام لا بأس بها ما دامت لا تتخذ عادة بعد القراءة.
ثانياً: توزيع أجزاء من القرآن على من حضروا الاجتماع ليقرأ كل منهم لنفسه حزباً من القرآن لا يعتبر ذلك ختماً للقرآن من كل واحد منهم بالضرورة.
وقصدهم القراءة للتبرك فقط فيه قصور فإن القراءة يقصد بها القربة وتحفظ القرآن وتدبره وفهم أحكامه والاعتبار به ونيل الأجر والثواب وتدريب اللسان على تلاوته....إلى غير ذلك من الفوائد، وبالله التوفيق) ا. هـ
الثانية:
اعتقاد أن هذا الفعل (الاجتماع على تلاوة القرآن حسب الطريقة المذكورة) له أثر في إجابة الدعاء , وهذا لا يعلم عليه دليل , فهو غير مشروع , ولإجابة الدعاء أسباب كثيرة معلومة , كما أن لمنع الإجابة موانع معروفة , فالواجب على الداعي أن يأتي بأسباب الإجابة ويجتنب موانعها , ويحسن الظن بربه , والله عند ظن عبده به.
انظر السؤال 5113.
(تنبيه) الدليل إنما يطلب ممن أثبت أمرا من الأمور الشرعية , وإلا فالأصل في العبادات المنع حتى يثبت دليل المشروعية , كما قرر ذلك أهل العلم , وعليه فالدليل على عدم مشروعية ذلك الاعتقاد هو عدم الدليل الدال على جوازه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8728)
لا خير في عبادة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[ي طويل وأتمنى أن تتمكن من الإجابة عليه، إن شاء الله، بما آتاك الله من علم، مستدلا بالكتاب والسنة لتدعيم قولك، كما أرجو أن تستشهد بأكثر عدد ممكن من الأدلة.
تتعلق المشكلة التي أواجهها بالطريقة التي يقوم بها والداي بتأدية العبادة، وأنهما يريدان مني أن أفعل مثلهما، لكني لم أشعر أن أفعالهما توافق السنة. والداي يسران على الطريقة القادرية الصوفية، ويعتقدان أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان نورا وإنسانا. وقد أعطى أحد الشيوخ الصوفية لوالدي كتابا عن طريقة للعبادة باللغة الأوردية وأدعية بالعربية، وأخبره بأن يؤدي هذه العبادة كل يوم مع الزوجة والأطفال الذين يمكنهم قراءة القرآن جماعيا بصوت عال.
وطريقة العبادة هي كالتالي:
قبل البدء أخبرنا أن نقرأ هذه الكلمات التالية:
"اللهم صل على محمد وآله وعترته. . . إلخ"، ثم نقرأ هذه الكلمات 100 مرة: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه". ثم نقرأ سورة الفاتحة 7 مرات. ثم نقرأ 100 مرة: "اللهم صلي على محمد وآله وعترته ... إلخ".ثم نقرأ سورة ألم نشرح 79 مرة.ثم نقرأ سورة الإخلاص 100 مرة. ثم نردد الكلمات التالية 100 مرة: "اللهم يا قاضي الحاجات". ثم نقرأ 100 مرة هذه الكلمات:"اللهم يا دافع البليات". ثم نقرأ 100 مرة: "اللهم ياحلال أحلل مشكلاتي". ثم نقرأ 100 مرة: "اللهم يا خافي المهماتِ". ثم نقرأ 100: "اللهم يا مجيب الدعواتِ". ثم نقرأ 100 مرة: "اللهم يا شافي المرضى". ثم نقرأ 100 مرة: "اللهم يا خير الناصرين". ثم نقرأ 100 مرة: "برحمتك يا أرحم الراحمين". ثم نقرأ 100 مرة: "اللهم آمين".
أما الجزء الثاني من هذه العبادة فهو نفس الشيء عدا بعض التغيرات مثل البدأ بالكلمات "حسبنا الله" 500 مرة، ثم نسرد (ما ورد أعلاه) ما عدا سورة ألم نشرح أو الإخلاص. وأنا الآن أعلم أن بعض هذه الكلمات مذكور في القرآن، وأن السور بكل تأكيد من القرآن أيضا، لكني أريد أن أعرف ما إذا كانت هذه الصورة من العبادة تتفق مع السنة؟ هل قالها النبي محمد صلى الله عليه وسلم قط؟ والداي يريدان مني أن أقوم بعمل العبادة معهما، وهما يغضبان جدا حتى إن أنا تسائلت عن ذلك ولو في أضيق الحدود.
وأيضاً: والداي يريدان منى بعد أن أنتهي من هذا الدعاء، أن أقوم بقراءة سورة (الفيل) ، وعندما أصل إلى كلمة "ترميهم" أن آخذ أحجاراً وأرميها واحدة تلو الأخرى، وترمى من قدر حديدي مقلوب رأسا على عقب وهو مغطى بقطعة حمراء للتعبير عن الدم. ويقولان لي بأن في هذا سؤالاً لله بأن ينزل على أعدائنا الموت أو شيئاً قريباً من ذلك. وأريد أن أعرف ما إذا كان هذا من سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أم أنه من البدع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغاية التي خلقنا من أجلها جميعا، هي عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/ 56.
ولم يتركنا الله تعالى ليختار كل منا طريقة خاصة لعبادته، بل أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل كتابه العظيم، ليكون بيانا للناس وهدى، فما من عبادة وخير وهدى يحبه الله، إلا وقد بينه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولا يختلف اثنان من المسلمين في أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الناس وأتقاهم لله، وأكثرهم عبادة وإنابة، ولهذا كان الموفق من سار على طريقته، وسلك مسلكه، وحذا حذوه.
ولزوم طريقته صلى الله عليه وسلم ليس أمرا اختياريا، ولكنه فرض فرضه الله على عباده، بقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر / 7.
وقوله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب / 36.
وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) الأحزاب / 21
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل عبادة محدثة، فهي مردودة على صاحبها مهما بلغت، فقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.
فلا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا لله، موافقا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المراد من قوله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
فمن أراد الوصول إلى مرضاة الله، فليلزم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكل الطرق إلى الله تعالى مسدودة، إلا هذا الطريق، طريق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما كان صلى الله عليه وسلم رحيما بأمته، حريصا عليهم، لم يدع شيئا من الخير إلا بينه هم، فمن اخترع اليوم عبادة أو ذكرا أو وردا، وزعم أن فيه خيرا، فقد اتهم النبي صلى الله عليه وسلم ـ شعر أو لم يشعرـ بأنه لم يبلغ الدين كما أمره الله.
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم، خان الرسالة؛ لأن الله يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم" فما لم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دينا.
والتحذير من الابتداع، كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة:
قال حذيفة بن اليمان: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها.
وقال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق.
والسؤال الذي ينبغي أن يوجه لمن اخترع هذه الأذكار:
هل فعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هل فعل هذا أصحابه رضوان الله عليهم؟
والجواب المعلوم: أن قراءة السور المذكورة بهذه الأعداد: 100، 7، 79 شيء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، وكذلك الأدعية التي بهذه الكيفية المذكورة وتكرارها.
ويقال لهذا المخترع: هل تظن أنك سبقت إلى خير لم يعلمه الرسول ولا أصحابه؟
أم تظن أن لك أو لشيخك حق التشريع، وتحديد الأذكار، وأوقاتها، وأعدادها، كما أن للرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الحق؟
ولاشك أن هذا أو ذاك ضلال مبين.
ولنعتبر بما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله، فيما رواه الدارمي في سننه أن أبا موسى الأشعري قال لعبد الله بن مسعود: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا.
قال فما هو؟
فقال: إن عشت فستراه. قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة.
قال: فماذا قلت لهم؟
قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك وانتظار أمرك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة.
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.
فليس كل من أراد الخير أصابه ووفق له، وليس كل عبادة متقبلة، حتى تكون على سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإنكار من ابن مسعود رضي الله عنه يقضي على حجة أهل الاختراع والابتداع، فإنهم دائما يقولون: وأي مانع من الأذكار والصلوات والقرآن؟! ونحن لا نريد بها إلا الخير والتقرب إلى الله.
فيقال لهم: إن العبادة يجب أن تكون مشروعة في أصلها وفي هيئتها وكيفيتها، وما كان منها في الشريعة مقيدا بعدد لم يكن لأحد أن يتجاوزه، وما كان مطلقا لم يكن لأحد أن يخترع له حدا، فيضاهي بذلك الشرع.
وما يؤكد هذا المعنى ما جاء عن سعيد بن المسيب رحمه الله، فقد رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، فنهاه، فقال الرجل: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟!
قال: "لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة".
فانظر هذا الفقه من هذا التابعي الجليل رحمه الله. وذلك لأن السنة أن يصلي بعد طلوع الفجر السنة الراتبة ركعتين فقط ولا يزيد، ثم يصلي الفريضة. وقريب من هذا ما جاء عن الإمام مالك رحمه الله، فقد أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله! من أين أحرم؟
قال: من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. (يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم) .
قال: " لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ".
فقال: وأي فتنة في هذه؟! إنما هي أميال أزيدها.
قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إني سمعت الله يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور / 63.
فهذا فقه الصحابة والتابعين والأئمة، وأما أهل البدع فيقولون: وأي فتنة، إنما هي ذكر وصلاة وأميال نتقرب بها إلى الله!
فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بكلام هؤلاء، فإن الشيطان قد زين لهم أعمالهم، وكرهوا أن يخالفوا شيوخهم وأرباب طريقتهم.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.
واعلم أنه ما ابتدع إنسان بدعة إلا وترك من السنة مثلها أو أعظم منها، ولهذا تجد أصحاب الأذكار المخترعة أجهل الناس بالأذكار النبوية التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقلما يوجد منهم من يقول في صباحه ومسائه: سبحان الله وبحمده مائة مرة، أو يقول: أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. أو يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده. أو يقول: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته.
إلى غير ذلك مما يمكنك الوقوف عليه في الكتب المعنية بأذكار الصباح والمساء وغيرها.
والحاصل أنه لا يجوز لك أن تشارك والديك في هذه الأذكار المبتدعة، بالأعداد التي ذكرت.
وأما ما ذكرته عن سورة الفيل، ورمي الأحجار عند قوله " ترميهم " فهذه خرافة وشعوذة، لا يجوز الإقدام عليها ولا التقرب إلى الله بها، وما أكثر الأعداء الذين واجههم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يدع عليهم بهذه الطريقة، وإنه ليُخشى أن يكون في ذلك تقرب إلى الشياطين واستعانة بهم.
وأما اعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان نورا، فهذا لا أصل له، ولم يرد به كتاب ولا سنة صحيحة، وقد أخبرنا الله تعالى أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا، غير أن الله تعالى فضله بالوحي والرسالة، فقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الكهف / 110.
وقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) فصلت / 6. ومن غلاة المتصوفة من يعتقد أنه نور، وأنه أول خلق الله، ومن نوره خلقت المخلوقات، وهذا كذب وضلال، وليس لهم فيه مستند إلا حديث باطل موضوع.
نسأل الله أن يجنبك ووالديك البدع وأهلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8729)
هل قول " إنه على رجعه لقادر " ترجع المفقود
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ضاع من الإنساء شيء، وقال: " إنه على رجعه لقادر " 200 مرة فهل يرجع له ما فقده أو لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت ذلك في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ولا هو من الأسباب العادية التي يسترجع بها المفقود، بل هو من استعمال القرآن في غير ما أنزل من أجله، مع ما في ذلك من التحديد بعدد، والتحديد به أمر توقيفي لا يعلم بالعقل، فكان استعمال ذلك بدعة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/69(5/8730)
كتابة الزلزلة في إناء هل يسهل الولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة سورة الزلزلة عند الولادة يسهل الولادة؟ وهل هناك أدعية وأذكار مشروعة تقال عند الولادة لتسهيلها؟ وهل الدعاء عند الولادة مستجاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كتابة سورة الزلزلة في إناء بالزعفران، وكذلك الآيات التي فيها أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الأرحام، وكذلك مثل قوله تعالى: " وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه " فصلت: 47، وقوله تعالى: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار " الرعد: 8.
هذه جربت ويصب في الإناء ماء ويحرك حتى يتغير بالزعفران ثم تشربه النفساء ويمسح منه على بطنها، أو تقرأ هذه الآيات في ماء وتسقى إياه ويمسح به على بطنها أيضا. أو يقرأ على نفس المرأة التي أخذها الطلق، كل هذا نافع بإذن الله.
أما مسألة الدعاء ... دعاء المرأة التي تطلق - عند الطلق - فهذا حري بالإجابة لأنه يقع عند الاضطرار وقد قال الله عز وجل: " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله " النمل: 62.
وما أكثر ما يجيب الرب عز وجل الدعاء عند الكربات فيفرجها الله سبحانه وتعالى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مجلة الدعوة العدد 1754 ص 36.(5/8731)
الذكر الجماعي عقب الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في ماليزيا, والنساء غالبا ما يصلين في الجماعة, وتتقدم تلك التي تقوم بإمامة المجموعة أمام الأخريات بمسافة قدم واحد. فهل هذا من السنة؟
إنهن يجادلن كثيرا حول تفسير الحديث الذي ورد فيه أن عائشة رضي الله عنها شوهدت وهي تؤم غيرها في الصلاة وكانت في وسط الصف. فهل توضح إذا كان ذلك يدل على أن فعلهن صحيح؟
2- وفي ماليزيا أيضا, فإن المصلين يؤدون الذكر بعد الصلوات بشكل جماعي, وهم يفعلون ذلك على أنه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته. وعملهم هذا, بالنسبة لي هو بدعة.
أرجو أن تذكر لي بعض الأدلة التي توضح أن الذكر جماعيا (بترانيم الأدعية بصوت مرتفع وقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر) أن ذلك ليس من السنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- أما إمامة المرأة للنساء يراجع سؤال رقم 9783 و14247
أما الذكر الجماعي فقد سئلت اللجنة الدائمة عن الدعاء والذكر الجماعي، فأجابت:
الأصل في الأذكار والعبادات التوقيف وألا يعبد الله إلا بما شرع وكذلك إطلاقها أو توقيتها وبيان كيفياتها وتحديد عددها فيما شرعه الله من الأذكار والأدعية وسائر العبادات مطلقا عن التقييد بوقت أو عدد أو مكان أو كيفية لا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية أو وقت أو عدد بل نعبده به مطلقا كما ورد.
وما ثبت بالأدلة القولية أو العملية تقييده بوقت أو عدد أو تحديد مكان له أو كيفية، عبدنا الله به على ما ثبت من الشرع له ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقرير الدعاء الجماعي عقب الصلوات أو قراءة القرآن مباشرة أو عقب كل درس سواء كان ذلك بدعاء الإمام وتأمين المأمومين على دعائه أم كان بدعائهم كلهم جماعة ولم يعرف ذلك أيضا على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم، فمن التزم بالدعاء الجماعي عقب الصلوات أو بعد كل قراءة للقرآن أو بعد كل درس فقد ابتدع في الدين وأحدث فيه ما ليس منه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وقال: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " …
ولو كان التزام كيفية معينة مشروعا عن لحافظ النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده وقد تقدم أنه لم يثبت ذلك عنه ولا عن أصحابه رضي الله عنهم والخير كل الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والشر كل الشر في مخالفة هديهم واتباع المحدثات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى إسلامية 4/178.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8732)
التحذير من كتاب دلائل الخيرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالطريقة المذكورة في كتاب دليل الخيرات؟ وهل صحيح أن كل صلاة مذكورة في الكتاب لها خاصيتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كتاب دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النّبي المختار لا يجوز الاعتماد عليه، لأنه مملوء بالمخالفات الشرعية، والعبارات الشركية، والأحاديث الضعيفة والموضوعة وسوف نفصل الكلام عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وليحذر المسلم من نسبة الكلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يعلم ثبوته عنه، فإن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره.
قال صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري (107) ومسلم (3) ، وقال: " لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار " رواه البخاري (106) .
وقال: " من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِِينَ " رواه مسلم (1) .
وأفضل صيغة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هي الصيغة التي علمها لأصحابه:
روى البخاري (6357) ومسلم (406) عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ فَقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وروى البخاري (3369) ومسلم (6360) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
قال السيوطي رحمه الله: (قرأت في الطبقات للتاج السبكي نقلا عن أبيه ما نصه: أحسن ما يصلى به على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفية التي في التشهد.
قال: ومن أتى بها فقد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بيقين، ومن جاء بلفظ غيرها فهو من إتيانه بالصلاة المطلوبة في شك؛ لأنهم قالوا: كيف نصلي عليك؟ فقال: " قولوا " فجعل الصلاة عليه منهم هي قول ذلك.
قال: وقد كنت أيام شبيبتي إذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم أقول: اللهم صل وبارك وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وسلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، فقيل لي في منامي: أأنت أفصح أو أعلم بمعاني الكلم وجوامع فصل الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو لم يكن معنى زائد لما فضّل ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فاستغفرت من ذلك ورجعت إلى النص النبوي.
وقال: لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن يأتي بذلك) انتهى بتصرف، نقلا عن: السنن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري ص 232.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8733)
التلفظ بالنية في صلاة التراويح وغيرها بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نصلي التراويح في رمضان ولكن ماذا يجب أن نقول عند بداية التراويح؟ مثلاً هل نقول (نويت أن أصلي لله العظيم في طاعة ربي الكريم ركعتين سنة....) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التلفظ بالنية عند إرادة الصلاة بدعة، سواء كانت صلاة التراويح أو غيرها.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/201) :
كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي لله كذا، مستقبل القبلة، أربع ركعات، إماماً، أو مأموماً، ولا قال: أداءً، ولا قضاءً، ولا فرض الوقت، وهذه عشرُ بدعٍ لم يَنْقُلْ عنه أحدٌ قط بإسنادٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ ولا مُسْنَدٍ ولا مُرْسَلٍ لفظةً واحدةً منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابِه، ولا استحسنه أحدٌ من التابعين، ولا الأئمةُ الأربعة اهـ
وراجع سؤال (13337) .
فعلى المسلم أن يستحضر فعل صلاة التراويح بقلبه فقط، ولا يتلفظ بلسانه بشيء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8734)
الدعاء الجماعي بعد صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[أسال عن السنة الصحيحة في صلاة التراويح والبدع المحدثة فيها والدعاء جماعياً بعد صلاة التراويح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للفقرة الأولى فيراجع قسم صلاة التروايح وليلة القدر تحت قسم الصوم في الموقع
وأما الدعاء الجماعي بعد صلاة التراويح فإن هذا الفعل بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) . رواه مسلم 3243.
والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة التراويح هو قول: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، ويرفع صوته في الثالثة.
روى أحمد (14929) أبو داود (1430) والنسائي (1699) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ. صححه الألباني في صحيح النسائي (1653) .
ثم في صلاة الوتر سوف يقنت الإمام ويؤمن المصلون خلفه، كما كان يفعل ذلك أبي بن كعب رضي الله عنه لما صلى بالناس التراويح في عهد عمر رضي الله عنه، وهذا يغني عن إحداث هذه البدعة. وصدق القائل:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8735)
دعاء ختم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الناس يقرءون القرآن في رمضان وعندما يختمون القرآن يقرءون دعاء يسمونه "ختم"، فهل هذا الدعاء من السنة أم أنه بدعة؟ هذا الدعاء يقرأه الإمام ويكون على طعام يأكله الناس ويوزعونه على العديد من الناس، أرجو أن تجيب على هذا السؤال لأن هذا الدعاء يفعله الناس كثيراً كما يفعلوه في المأتم ومساء كل يوم خميس، فإذا كان هناك حديث بهذا الخصوص فأرجو أن تذكره]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دعاء ختم القرآن بهذه الكيفية التي سأل عنها السائل من البدع المنكرة، التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا السلف الصالح رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
وإنما الوارد عن السلف هو الدعاء بعد ختم القرآن، بدون التزام بدعاء معين أو صيغة معينة، فالمسلم إذا ختم القرآن الكريم سواء في رمضان أو غير رمضان فإنه يستحب له أن يرفع يديه ويدعو الله تعالى ويسأله من خير الدنيا والآخرة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
هل هناك دعاء معين لختم القرآن؟
فأجاب:
لم يرد دليل على تعيين دعاء معين فيما نعلم، ولذلك يجوز للإنسان أن يدعو بما شاء ويتخير من الأدعية النافعة كطلب مغفرة الذنوب والفوز بالجنة والنجاة من النار، والاستعاذة من الفتن وطلب التوفيق لفهم القرآن الكريم على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، والعمل به وحفظه، ونحو ذلك لأنه ثبت عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو اهـ. مجموع فتاوى ابن باز (11/358) .
أما قراءة ذلك على الطعام وتوزيعه، وفعل ذلك في المآتم أو مساء الخميس فكل ذلك من البدع.
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين، ونهانا عن الابتداع في الدين، وأخبر أن ذلك ضلال، وأن البدعة تُرَدُّ على فاعلها ولا يثاب عليها.
روى أبو داود (4607) عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود (3851) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8736)
حكم الاحتفال بالقرقيعان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بالقرقيعان، وهو يصادف الأيام البيض في رمضان (13-14-15) حيث يتم توزيع الحلوى والمكسرات على الأطفال، وله تسميات مختلفة في باقي بلدان الخليج (قرنقعو) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاحتفال في ليلة الخامس عشر من رمضان أو في غيرها بمناسبة مهرجان القرقيعان بدعة لا أصل لها في الإسلام (وكل بدعة ضلالة) فيجب تركها والتحذير منها ولا تجوز إقامتها في أي مكان لا في المدارس ولا في المؤسسات أو غيرها، والمشروع في ليالي رمضان بعد العناية بالفرائض الاجتهاد بالقيام وتلاوة القرآن والدعاء.
اللجنة الدائمة للإفتاء فتوى رقم (15532) .
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عن هذا الاحتفال فأجاب:
هذا العيد لا أصل له في الشرع ولا في العرف العام، وحيث إنه يحتوي على هذه الأعمال وعلى الرقص والطرب وإظهار الفرح وما ذكر في السؤال فإنه يصبح بدعة محدثة يجب إنكارها والقضاء عليها ولا يجوز إقرارها ولا المساهمة فيها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8737)
التلفظ بالنية في الصيام بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الهند ننوي للصيام "اللهم أصوم جاداً لك فاغفر لي ما قدمت وما أخرت" لست أدري ما هو المعنى، ولكن هل هذه هي النية الصحيحة؟ إذا كانت صحيحة فأرجو أن تخبرني بالمعنى أو أخبرني بالنية الصحيحة من القرآن أو السنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح صوم رمضان ولا غيره من العبادات إلا بالنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. . . الخ الحديث) . رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
ويشترط في النية أن تكون في الليل، وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) رواه الترمذي (730) ولفظ النسائي (2334) : (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (583) .
والمعنى: من لم ينو الصيام ويعزم على فعله من الليل فلا صيام له.
والنية عمل قلبي، فيعزم المسلم بقلبه أنه صائم غداً، ولا يشرع له أن يتلفظ بها ويقول: نويت الصيام أو أصوم جاداً لك. . . الخ، أو نحو ذلك من الألفاظ التي ابتدعها بعض الناس.
والنية الصحيحة هي أن يعزم الإنسان بقلبه أنه صائم غداً.
ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الاختيارات" ص 191:
ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى اهـ
وسئلت اللجنة الدائمة:
كيف ينوي الإنسان صيام رمضان؟
فأجابت:
تكون النية بالعزم على الصيام، ولا بد من تبييت نية صيام رمضان ليلاً كل ليلة اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (10/246) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8738)
ذكر الله تعالى باسم مفرد مثل (الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استعمال أسماء الله للذكر أو الأصابع أو المسبحة يعتبر من البدعة؟
قول: (الله الله الله) أو قول: (هو هو هو) . هذه أذكار مبتدعة في الدين ولا يوجد لها دليل فهي بدعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما حكم المسبحة فقد سبق في السؤال رقم (3009) .
أما ذكر اسم من أسماء الله تعالى ذكرا مجردا مثل (الله) وتكرار ذلك فلم يرد في الشرع، ولم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه. ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن يذكر الله تعالى فيقول: (يا لطيف) ويكرر ذلك.
فأجابت:
لا يجوز ذلك لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (2/379) .
وأما قول السائل إنهم يقولون (هو هو هو) .
فهؤلاء أضافوا إلى بدعتهم أنهم يذكرون الله تعالى بما لم يسم به نفسه، فليس (هو) من أسماء الله تعالى.
انظر فتاوى اللجنة الدائمة (2/185) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8739)
خرافة أن زيارة قبر علي بسبعين حجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل زيارة قبر علي رضي الله عنه والحسين والعباس وغيرهم تعدل سبعين حجاً من بيت الله الحرام؟ وهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من زار أهل بيتي بعد وفاتي كتبت له سبعون حجة) نرجو أن تفيدونا جزاكم الله خيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زيارة القبور سنة وفيها عظة وذكرى، وإذا كانت القبور من قبور المسلمين دعا لهم.. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور القبور ويدعو للموتى، وكذا أصحابه رضي الله عنهم. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) .
وفي حديث عائشة: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) وفي حديث ابن عباس: (يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن في الأثر) فالدعاء لهم بهذا وأشباهه كله طيب، وفي الزيارة ذكرى وعظة ليستعد المؤمن لما نزل بهم وهو الموت، فإنه سوف ينزل به ما نزل بهم، فليعد العدة ويجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ويبتعد عما حرم الله ورسوله من سائر المعاصي ويلزم التوبة عما سلف من التقصير، هكذا يستفيد المؤمن من الزيارة.. وأما ما ذكرت من زيارة القبور لعلي رضي الله عنه والحسن والحسين أو غيرهم أنها تعدل سبعين حجة - فهذا باطل ومكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس له أصل، وليست الزيارة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم: الذي هو أفضل الجميع لا تعدل حجة، الزيارة لها حالها وفضلها لكن لا تعدل حجة، فكيف بزيارة غيره عليه الصلاة والسلام؟ هذا من الكذب، وهكذا قولهم: (من زار أهل بيتي بعد وفاتي كتبت له سبعون حجة) كل هذا لا أصل له وكله باطل، وكله مما كذبه الكاذبون، فيجب على المؤمن الحذر من هذه الأشياء الموضوعة المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإنما تسن الزيارة للقبور سواء كانت قبور أهل البيت أو من غيرهم من المسلمين، يزورهم ويدعو لهم ويترحم عليهم وينصرف.
أما إن كانت القبور للكفار - فإن زيارتها للعظة والذكرى من دون أن يدعو لهم، كما زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه ونهاه ربه سبحانه أن يستغفر لها، زارها للعظة والذكرى ولم يستغفر لها، وهكذا القبور الأخرى - قبور الكفرة - إذا زارها المؤمن للعظة والذكرى فلا بأس ولكن لا يسلم عليهم ولا يستغفر لهم لأنهم ليسوا أهلاً لذلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/283.(5/8740)
العُمرة في شهر رجب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد في استحباب العمرة في شهر رجب فضل معين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم – فيما نعلم – فضل خاص للعمرة في شهر رجب , أو ترغيب فيها , وإنما ثبت الفضل الخاص للعمرة في شهر رمضان , وفي أشهر الحج , وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب , بل أنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها , وقالت: (ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب قط) رواه البخاري (1776) ومسلم (1255) .
ثانياً:
من الابتداع في الدين: ما يفعله بعض الناس من تخصيص شهر رجب بالعمرة , لأنه ليس للمكلف أن يخص عبادة بزمان معين , إلا فيما ورد به الشرع.
قال ابن العطار تلميذ النووي رحمهما الله:
" ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفاً اعتياد كثرة الاعتمار في رجب , وهذا مما لا أعلم له أصلاً , بل ثبت في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) " انتهى.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه (6/131) :
" أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له، لما قرره الإمام أبو شامة في كتاب "البدع والحوادث" أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصّصها بها الشرع لا ينبغي، إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع بنوع من العبادة، أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره، ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه " انتهى.
ولكن لو ذهب الإنسان للعمرة في رجب من غير اعتقاد فضل معيّن بل كان مصادفة أو لأنّه تيسّر له السفر في هذا الوقت فلا بأس بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8741)
إذا طاف للوداع خرج ومشى كعادته ولا يمشي ووجهه للكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحجاج بعد طواف الوداع لا يعطي الكعبة ظهره بل يمشي بظهره ووجهه إلى الكعبة حتى يخرج من المسجد. فهل هذا من السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل ليس من السنة، بل هو من البدع المنكرة، وهذا يفعله بعض الناس ويزعمون أنهم بذلك يعظمون الكعبة، ولو كان هذا حقاًّ لكان أولى الناس بفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكنه لم ينقل عنهم شيء من ذلك.
قال الشيخ ابن باز:
فإذا فرغ من توديع البيت وأراد الخروج من المسجد مضى على وجهه حتى يخرج، ولا ينبغي له أن يمشي القهقرى (أي يمشي بظهره) لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، بل هو من البدع المحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. نسأل الله الثبات على دينه، والسلامة مما خالفه، إنه جواد كريم اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين وهو يعدد الأخطاء التي تقع من بعض الناس في طواف الوداع:
خروجهم من المسجد بعد طواف الوداع على أقفيتهم يزعمون بذلك تعظيم الكعبة، وهذا خلاف السنة بل هو من البدع التي حذرنا منها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال فيها: (كل بدعة ضلالة) . والبدعة: كل ما أحدث من عقيدة أو عبادة على خلاف ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاؤه الراشدون، فهل يظن هذا الراجع على قفاه تعظيماً للكعبة على زعمه أنه أشدُّ تعظيماً لها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يظن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعلم أن في ذلك تعظيماً لها، لا هو ولا خلفاؤه الراشدون؟!! اهـ. (مناسك الحج والعمرة ص 135) .
فتاوى الشيخ ابن باز (16/98) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8742)
هل يجوز الصلاة عن تارك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك شخص في العائلة لا يصلي ونصحته بالصلاة ولكنه لم يفعل، فهل يمكن أن أصلي عنه؟ لأنني أعلم بأنه لن يصلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة من أركان الإسلام، ولا يصح أداؤها إلا من المكلَّف بها، وتركها كفرٌ مخرج من الملَّة يراجع السؤال رقم (2182) ، ولا يجوز لكم أن تؤدها عن غيركم ممن لا يصلي، وهذا الحكم مجمعٌ عليه لا خلاف بين العلماء فيه.
قال ابن قدامة: " العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث لا يجوز التوكيل فيها لأنها تتعلق ببدن من هي عليه فلا يقوم غيرُه مقامه فيها إلا أن الصيام المنذور يُفعل عن الميت وليس ذلك بتوكيل؛ لأنه لم يوكل في ذلك ولا وكل فيه غيره.. " انتهى من المغني (5/207)
وعليكم مدوامة النصيحة لهذا التارك وترغيبه وترهيبه فلعل الله أن يشرح صدره بكلمة نافعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8743)
حكم الذبح عند انتهاء بناء المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا انتهى بناء المسجد يزعم بعض الناس أنه لا يجوز إلقاء خطبة الجمعة ولا الصلاة المفروضة فيه حتى يشتري أبقار أو أغنام ثم يدعي الناس وتذبح ويطعم المجتمعون. وبدون هذا يزعمون أن إمام المسجد يموت قبل أجله إذا صلى فيه. فهل هذا الكلام صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا كله لا أصل له، واعتقاده خطأ محض، وينبغي الإنكار على من يعتقد لك أو يفعله؛ لأن هذا بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع مقالات وفتاوى للشيخ ابن باز 6 / 335.(5/8744)
ليس في الدين قشور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع فيمن يقول إن حلق اللحية وتقصير الثوب قشور وليست أصولا في الدين أو فيمن يضحك ممن فعل هذه الأمور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام خطير ومنكر عظيم، وليس في الدين قشور بل كله لب وصلاح وإصلاح، وينقسم إلى أصول وفروع، ومسألة اللحية وتقصير الثياب من الفروع لا من الأصول.
لكن لا يجوز أن يسمى شيء من أمور الدين قشورا ويخشى على من قال مثل هذا الكلام متنقصا ومستهزئا أن يرتد بذلك عن دينه لقول الله سبحانه: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) الآية سورة التوبة / 65، 66.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب وإحفائها، فالواجب طاعته وتعظيم أمره ونهيه في جميع الأمور.
وقد ذكر أبو محمد ابن حزم إجماع العلماء على أن إعفاء اللحية وقص الشارب أمر مفترض ولا شك أن السعادة والنجاة والعزة والكرامة والعاقبة الحميدة في طاعة الله ورسوله، وأن الهلاك والخسران وسوء العاقبة في معصية الله ورسوله، وهكذا رفع الملابس فوق الكعبين أمر مفترض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) رواه البخاري في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء) متفق عليه.
فالواجب على الرجل المسلم أن يتقي الله وأن يرفع ملابسه سواء كانت قميصا أو إزارا أو سراويل أو بشتا وألا تنزل عن الكعبين، والأفضل أن تكون ما بين نصف الساق إلى الكعب، وإذا كان الإسبال عن خيلاء كان الإثم أكبر، وإذا كان عن تساهل لاعن كبر فهو منكر وصاحبه آثم في أصح قولي العلماء، لكن إثمه دون إثم المتكبر، ولا شك أن الإسبال وسيلة إلى الكبر وإن زعم صاحبه انه لم يفعل ذلك تكبرا، ولأن الوعيد في الأحاديث عام فلا يجوز التساهل بالأمر.
وأما قصة الصديق رضي الله عنه وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (إنك لست ممن يفعله خيلاء) ، فهذا في حق من كانت حاله مثل حال الصديق في استرخاء الإزار من غير كبر وهو مع ذلك يتعاهده ويحرص على ضبطه فأما من أرخى ملابسه متعمدا فهذا يعمه الوعيد وليس مثل الصديق.
وفي إسبال الملابس مع ما تقدم من الوعيد إسراف وتعريض لها للأوساخ والنجاسة، وتشبه بالنساء وكل ذلك يجب على المسلم أن يصون نفسه عنه. والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 323(5/8745)
حكم تعليق المسبحة في العنق
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر بين الشباب اليوم تعليق المسبحة في العنق بقصد عدم ضياعها، فما حكم هذا الفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعليق المسبحة بهذه الطريقة فيه عدة محاذير:
1- التشبه بالمبتدعة والصوفية، والتشبه بأهل البدع لا يجوز.
2- فيه نوع من المراءاة، ليقال عنه: إنه من أهل الذكر، أو التشبه بالمرائين، أو فتح الباب للقدح في عرضه، فيقال عنه: مراءٍ.
3- أنه قد يفضي إلى تقليد الجهال له تعبداً، فيعتقدون أن في تعليق المسبحة في العنق أجراً.
4- أنه قد يفضي إلى الاعتقاد بأنها تعويذة تدفع الشر.
5- قد يتبرك بها ويعتقد أنها مجلبة للخير.
6- إذا كان المسبحة فيها زينة، ففيه تشبه بالنساء، فإنهن اللواتي يلبس القلائد في العنق.
7- قد تكون وسيلة للشهرة، ليشار إليه لغرابة منظره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8746)
الاحتفال بذكرى بعض العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بالذكرى المئوية أو الأربعينية لوفاة عالم من العلماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الأمور المحدثة التي ظهرت في بعض المجتمعات الإسلامية , الاحتفال بذكرى بعض الموتى , وخاصة العلماء , وهذا الاحتفال يكون في التاريخ الموافق لتاريخ وفاة المحتفل بذكراه, وربما كان هذا الاحتفال بعد موته بسنة أو أكثر.
وهذا الاحتفال يختلف من شخص لآخر: فإن كان من عامة الناس أو ممن ينتسبون إلى العلم وإن كانوا جُهَّالاً , فبعد مرور أربعين يوماً على وفاته , يحتفل أهله بذكرى وفاته, ويسمونها (الأربعين) , فيجمعون الناس في مخيمات خاصة أو بيت المتوفى ويحضرون من يقرأ القرآن, ويعدون وليمة كوليمة العرس, ويزينون المكان بالأنوار الساطعة, وبالفرش الوثيرة, وينفقون النفقات الباهظة, وغرضهم من ذلك كله المباهاة والرياء ولا شك في حرمة ذلك, لما فيه من إضاعة مال الميت لغير غرض صحيح, ولا يفيد الميت بشيء ويعود بالخسارة على أهله. هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر, فما بالك إذا كان فيهم قاصر!!!. وقد يتكلفون ذلك بالقرض بطريق الربا نعوذ بالله من سخطه. الإبداع ص/228
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: _ وكان من هديه صلى الله عليه وسلم , تعزية أهل الميت, ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن, لا عند قبره ولا عند غيره, وكل هذا بدعة حادثة مكروهة) . ا. هـ. زاد المعاد 1/527
وقال علي محفوظ رحمه الله: (فما يعمله الناس اليوم من اتخاذ الأطعمة للمعزين, والنفقات التي تنفق في ليالي المآتم, وما يتبعها مثل ليالي الجمع والأربعين, كله من البدع المذمومة, المخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده) . ا. هـ. الإبداع ص/ 230
فهذا الاحتفال أمر محدث مبتدع, لم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح رحمهم الله. والسنة في ذلك: أن يصنع الطعام لأهل الميت ويرسل إليهم, لا أن يصنعونه هم ويدعون الناس إليه. وقد قال عليه الصلاة السلام
لما جاءه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) . رواه أحمد في مسنده (1/205) , ورواه أبو داود في سننه (3/497) كتاب الجنائز, وحديث رقم (3132) . ورواه الترمذي في سننه (2/234) أبواب الجنائز, حديث رقم (1003) , وقال: حديث حسن. ورواه ابن ماجة في سننه (1/514) كتاب الجنائز, حديث رقم (1610) . ورواه الحاكم في المستدرك (1/372) كتاب الجنائز وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووفقه الذهبي في تلخيصه.
وقال جرير بن عبد الله البجلي: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) ا. هـ. رواه ابن ماجة في سننه (1/514) كتاب الجنائز, حديث رقم (1612) . قال البوصيري في زوائد ابن ماجة (2/53) : (هذا إسناد صحيح, رجال الطريق الأولى على شرط البخاري, والطريق الثانية على شرط مسلم) ا. هـ
أما إذا كان المحتفل بذكراه من العلماء, ففي اليوم الذي يوافق تاريخ وفاته, بعد مرور سنة أو سنين معينة, يعمل له احتفال خاص, ويعهد إلى مجموعة من الباحثين كتابة بعض البحوث في سيرته وشخصيته, ومنهجه في التأليف, وكل ما يتعلق به ثم تلقى في هذا الاحتفال, وتطبع كتبه, أو المهم والمشهور منها, وتوزع أو تُنشر في الأسواق إحياءً لذكراه بزعمهم, وبياناً لجهوده في سبيل نشر العلم والتأليف ونحو ذلك.
وإذا كان من الملوك أو السلاطين أو الرؤساء فيحتفل بهذه المناسبة, ويتكلم كبار المختلفين عن مآثره وجهوده في الحكم, وربما صدر بعض الكتب عنه بهذه المناسبة.
ومن الناس من يذهب إلى قبره, ويضع عليه الورود, ويقرأ على روحه الفاتحة, وكل هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان.
وليس في نشر كتب العالم, والكتابة في سيرته, ومنهجه في تأليف وطباعة كتبه بأس, بل هذا مطلوب إن كان يستحق ذلك, ولكن لا يخصص ذلك بزمن معين, ولا يكون مصحوباً باحتفالات ومهرجانات خطابية ونحو ذلك, وكذلك الملوك والحكام.
فالاحتفال بذكرى بعض الموتى كالعلماء والحكام, وبعض العامة ونحوهم, أمرٌ محدثٌ مبتدع, وكفى بهذا ذماًّ له.
فإنه لا أحد أوسع علماً منه صلى الله عليه وسلم, ولا أفضل طريقة في الدعوة إلى الدين, ولا أشرف مقاماً, ولا أعظم منزلة منه عليه الصلاة والسلام فهو أفضل الخلق على الإطلاق, ومع ذلك لم يحتفل الصحابة بذكراه مع أنه لا يمكن أن يحب مخلوق مخلوقاً كمحبة الصحابة رضوان الله عليهم للرسول صلى الله عليه وسلم ولا لتابعين, ولا السلف الصالح رحمة الله عليهم ولو كان في ذلك خيراً لسبقونا إليه.
فتقدير العلماء لا يكون بالاحتفال بذكراهم, بل يكون بالحرص على الاستفادة مما كتبوا وألفوا, عن طريقة النشر والقراءة, والتعليق والشروح, ونحو ذلك.
هذا إذا كانوا يستحقون ذلك, بسيرهم على المنهج السلفي الصحيح, والبُعد عن منهج الفرق الضالة, أو التأثر بالغرب ونحوهم.
والعلماء من السلف الصالح ومن جاء بعدهم, قد حفظت ذكراهم ورواياتهم, وما أظهروه للناس من العلم, فالعالم يموت ويفارق الدنيا, ويبقى علمه يتناقله الناس جيلاً بعد جيل.
وبسبب ما استفاد الناس من علمهم, صاروا يترحمون عليهم, ويدعون لهم بالأجر والمثوبة, وهذا أعظم إظهار لذكراهم.
أما الاحتفال بذكراهم, والتبرك بزواياهم وآثارهم, والطواف بقبورهم, فكل ذلك من البدع, التي قد يصل بعضها إلى درجة الإشراك بالله نعوذ بالله من ذلك.
ولو أن هؤلاء العلماء - الذي يُحتفل بذكراهم ويُتَبرك بزواياهم - أحياء لأنكروا على من يفعل هذه الأمور.
ولكن بعض الناس قد أغواه هواه والشيطان, والداعون إلى البدعة لدنيا يصيبونها, أو منصب يترأسون الناس به, فانزلق في متاهات البدع التي لا خلاص منها, إلا بالرجوع إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والوقوف عليهما, وعلى ما أجمع عليه علماء الأمة, وترك ما أحدث من البدع, التي هي شر في ذاتها, وتؤدي إلى شرٍّ أعظم, وبَلِيَّةٍ أكبر.
فنسأل الله لنا ولهم الهداية إلى صراطه المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليه من النبيين والصديقين, والشهداء والصالحين, وأن يباعد بيننا وبين طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين, وأنه على كل شيء قدير.
[الْمَصْدَرُ]
البدع الحولية للشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري ص/350.(5/8747)
الاستهزاء بالمبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[اعلم أن السخرية من السنة أو أي جزء من الإسلام يجعل المرء كافراً لكن ماذا لو سخر الإنسان من اعتقادات المبتدعة؟ مثلاً يسخر شخص من المرجئة قائلاً في وقت الصلاة تذكر أنه لا حاجة لك إلى الصلاة إنما هو قلبك " ولكنه يصلي فاهماً أنها نكتة توضح السخرية من المرجئة أعلم أن هذا اثم ولكن هل هذا كفر أكبر لأن النكتة تخص جزءاً من الإسلام رغم أنها موجهة نحو المبتدعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستهزاء بأهل الكفر ـ في كفرهم ـ أو أهل البدع ـ في بدعهم - مباح لأنهم لا حرمة لهم في حال معاصيهم وفسقهم الذي استحلوا به حرمة الله وحرمة الدين.
على ألا يُخرج المزاح صاحبَه عن طور الرزانة والحق وألا يتخذها عادة وديدناً وألا يغلب هزله على جده، وهذا الذي نحذر منه أصبح ديدن كثير من الناس.
وإذا كانت سخرية فلتكن من القول المخالف للسنَّة لا من المخالِف نفسه في هيئته ولباسه ومشيته وما شابه ذلك.
أما هل هي معصية؟
الصحيح: أنها ليست كذلك بل هذا مما يجوز التندر به أو بمثله، فكونها ليست كفراً مخرجاً من الملة من باب أولى؛ لأنهم بتركهم الحق واتباعهم الباطل قد سخروا من حرمة الله تعالى.
وقد روى اللالكائي بأسانيده بعض الآثار عن بعض السلف في مثل هذا:
- عن الأعمش عن إبراهيم قال: ليس لصاحب البدعة غيبة.
- عن الحسن البصري قال: ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة أحدهم صاحب بدعة الغالي ببدعته.
- عن هشام عن الحسن قال: ليس لصاحب بدعة ولا لفاسق يعلن بفسقه غيبة.
- عن الحسن قال: ليس لأهل البدع غيبة.
- عن كثير أبي سهل قال: يقال أهل الأهواء لا حرمة لهم.
" اعتقاد أهل السنة " (1 / 140) .
وهذا المثال الذي ذكره السائل وهو قوله عند القيام إلى الصلاة: (تذكر أنه لا حاجة لك إلى الصلاة إنما هو قلبك) هذا القول ليس كفراً لأن قائله لم يقصد الاستهزاء بالصلاة، وإنما قصد الاستهزاء من هذا القول المخالف للشرع، وبيان بطلانه.
والحاصل أن السخرية من أقول أهل البدع ليست حراماً ولا كفراً.
على أننا لا نحبِّذ أن يكون الإنكار على طوائف المبتدعة بالسخرية، بل يناقشون بالتي هي أحسن، وليكن همك أثناء النقاش هدايتهم إلى الطريق المستقيم وقد قال الله تعالى لموسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون: (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) طه / 44
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8748)
حضور وليمة عيد ميلاد الطفل والأكل فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلمون هنا يحتفلون بمولد الأطفال ويقدمون الطعام للضيوف ويؤدون الصلاة النارية وقد رفضنا ذلك لكن ذهبنا حتى لا يصيبنا الحرج وهم يجعلوننا نأكل قهراً قائلين أنهم فقط يصنعون الطعام للضيوف فهل لنا أن نأكل من هذا الطعام؟ وما الدليل على عدم الأكل منه مع علمنا أن هذا الأمر بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإحتفال بالمولد بدعة في دين الله، لا تجوز إقامته، ولا يجوز الأكل مما يصنع فيه ولأجله، وزعمهم أن طعام المولد من أجل الضيوف لا يبرر أكله، والضيافة لها أحكامها، والأمور بماقصدها، ومن الواضح جدا أن الطعام إنما صنع من أجل هذه المناسبة المبتدعة. والأكل من هذا الطعام مما يعينهم على الإستمرار وهو تعاون على الإثم والعدوان، والله سبحانه وتعالى قال: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
الشيخ عبد الكريم الخضير.
أما الصلاة النارية فهي من صلوات الصوفية المبتدعة فلا يجوز حضور مجالسها ولا المشاركة فيها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8749)
حكم النصب التذكاري للجندي المجهول
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يعرف الآن باسم النصب التذكاري للجندي المجهول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إقامة الأنصاب لمعروفين من الوجهاء أو من لهم شأن في بناء الدولة علميا أو اقتصاديا أو سياسيا وإقامة نصب لما يسمى بـ "الجندي المجهول" هو من أعمال الجاهلية، وضرب من الغلو فيه، ولذلك نجدهم يقيمون حفلات الذكرى حول هذه الأنصاب عند المناسبات ويضعون عليه الزهور تكريما لها، وهذا شبيه بالوثنية الأولى، وذريعة إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله.
فيجب القضاء على هذه التقاليد محافظة على عقيدة التوحيد ومنعا للإسراف دون جدوى وبعدا عن مجاراة الكفار ومشابهتهم في عاداتهم وتقاليدهم التي لا خير فيها، بل تفضي إلى شر مستطير "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) .(5/8750)
حكم دفن الميت في تابوت
[السُّؤَالُ]
ـ[مات رجل وأوصى أن يدفن في تابوت فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في كراهة دفن الميت في تابوت إذا لم تكن هناك حاجة، فإذا وجدت حاجة كما لو كانت الأرض ندية أو يخشى أن تحفرها السباع فإن بعض الفقهاء يجيز الدفن في التابوت إذاً.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/312) :
"لم يعرف وضع الميت في تابوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم، وخير للمسلمين أن يسيروا على نهجهم، ولذا كُره وضع الميت في تابوت، سواء كانت الأرض صلبة أو رخوة أم نديّة، وإذا أوصى بوضعه في تابوت لم تنفذ وصيته. وأجاز الشافعية إذا كانت الأرض رخوة أو ندية ولا تنفذ وصيّته عندهم إلا في مثل هذه الحالة" اهـ.
وقال ابن قدامة:
وَلا يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ ; لأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا أَصْحَابِهِ , وَفِيهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الدُّنْيَا , وَالأَرْضُ أَنْشَفُ لِفَضَلاتِهِ اهـ.
وقال في "الإنصاف":
يُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ , وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً نَصَّ عَلَيْهِ الإمام أحمد اهـ.
وقال الشربيني الخطيب الشافعي في كتابه "مغني المحتاج":
(وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ) بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ بِدْعَةٌ (إلا فِي أَرْضٍ نَدْيَةٍ أَوْ رِخْوَةٍ) فَلا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَلا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي الْمَيِّتِ تَهْرِيَةٌ بِحَرِيقٍ بِحَيْثُ لا يَضْبُطُهُ إلا التَّابُوتُ اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية:
يُكْرَهُ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِي تَابُوتٍ بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ بِدْعَةٌ , وَلا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ , وَلا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ , وَمِنْهَا الْمَيِّتُ الْمُحْتَرِقُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8751)
تكوين دعاء يدعون به بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استعمال أسماء الله لحاجة معينة يعتبر من البدعة؟ هل يمكن أن نكون الدعاء الذي نريد أن ندعو به بعد صلاة الفرض؟ أو قراءة آخر آية من سورة البقرة؟
أمثلة:
يا حافظ، للحماية – يا سلام للأمن وهكذا قراءة آية "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ... الآية ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن يدعو المسلم ربه سبحانه وتعالى بأسماء مناسبة للسؤال
قالت اللجنة الدائمة:
وللداعي أن يتوسل إلى الله بأي اسم من أسمائه الحسنى التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم. ولو اختار منها ما يناسب مطلوبه كان أحسن، مثل: يا مغيث أغثني، ويا رحمن ارحمني، رب اغفر لي وارحمني إنك أنت التواب الرحيم اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (1/91) .
وأما تكوين دعاء معين للدعاء به بعد الصلاة، فمن البدع المحدثة. راجع السؤالين رقم (32443) ، (10491) .
ثم الأفضل هو الدعاء في الصلاة نفسها، في السجود، وقبل التسليم، وأما الدعاء بعد التسليم من الصلاة فلم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قراءة الآية: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . أو قراءة الأخيرة من سورة البقرة بعد الصلاة، فلم يرد في السنة ما يدل على ذلك، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كل ليلة.
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) رواه البخاري (4008) ومسلم (807) .
قيل: المعنى: كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل , أو كَفَتَاهُ مِنْ الشَّيْطَان , أو كَفَتَاهُ كُلَّ سُوء.
قال الشوكاني: لا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ هَذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا. . . . وفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ اهـ
وقال الحافظ: ويجوز أن يراد جميع ما تقدم اهـ
وقال النووي: ويحتمل أن يراد الجميع اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8752)
اعتقاد باطل بأن التلاوة تبقى معلقة إذا لم يُهْدَ ثواب التلاوة للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأننا بعد إتمامنا لقراءة القرآن الكريم, فإن علينا أن ندعو ليصل ثواب قراءتنا إلى المسلمين المتوفين. وإن نحن لم نفعل ذلك, فإن القرآن يبقى "معلقا" بين الأرض والسماء, ويقل (ينقص) أجر القراءة. "بكش" هي الكلمة بالأوردو الخاصة بهذا. أنا لا أعرف الكلمة التي تحمل نفس المعنى بالإنجليزية أو العربية. فهل في ذلك أي شيء من الحقيقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام غير صحيح أبدا، بل هو من البدع التي يجب الحذر منها.
الشيخ سعد الحميد.
وقد قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فاطر/10، وتلاوتنا إذا كانت خالصة لله ومن قلب تقي، تقبل وترفع إلى الله ولا تحبس بين السماء والأرض وقد قال عز وجل: (إنما يتقبل الله من المتقين) المائدة/27.
ومن التقوى ترك البدع واجتناب الاعتقادات الخاطئة المبنية على الجهل وما يشيعه بعض العامة من وصول ثواب قراءة القرآن إلى الأموات فيه نظر، والأدلة الشرعية لا تدل على ذلك ولذلك فإن هبة ثواب القراءة للميت عمل غير مشروع، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8753)
أمها تريد أن تقيم لها حفلة عيد ميلاد فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[استطعت أن أعرف أن أمي وهي غير مسلمة تخطط أن تُقيم لي حفلة مفاجئة في تاريخ ميلادي. ما الحكم في هذا؟ إن لم يكن جائزا فكيف لا أسيء لأمي (عند الرفض) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما بالنسبة لهذا العيد الذي يسميه الناس (عيد الميلاد) فقد أفتى فيه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى فقال:
كل شيء يُتخذ عيداً يتكرر كل أسبوع، أو كل عام وليس مشروعاً؛ فهو من البدع، والدليل على ذلك: أن الشارع جعل للمولود العقيقة، ولم يجعل شيئاً بعد ذلك، واتخاذهم هذه الأعياد تكرر كل أسبوع أو كل عام معناه أنهم شبهوها بالأعياد الإسلامية، وهذا حرام لا يجوز، وليس في الإسلام شيء من الأعياد إلا الأعياد الشرعية الثلاثة، عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة.
وليس هذا من باب العادات لأنه يتكرر، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فوجد للأنصار عيدين يحتفلون يهما قال (إن الله أبدلكم بخير منهما: عيد الأضحى وعيد الفطر) رواه النسائي 1556 وأبو داود 1134 وصححه الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة برقم 124، مع أن هذا من الأمور العادية عندهم. انتهى نقلاً من شرح كتاب التوحيد 1/382، انظر السؤال رقم (1027) .
ثانياً:
أما كيف تتصرفين مع أمك فالذي أرى أن تصارحيها بحقيقة الأمر، وتعرفيها أن هذا العمل لا يأذن به الله تبارك وتعالى، وأن دين الإسلام يمنع منه، وإذا كان كذلك فأنت لا يمكنك أن تقدمي عليه، وقولي لها لولا أن الله لم يأذن فيه لكنت مسرورة فيه شاكرة لك، ولكن الأمر ليس إليّ ولا إلى أحد البتة وإنما هو إلى الله الذي يقضي ونحن –المسلمين- علينا أن نسلم ولا يجوز لنا أن نناقش في ذلك طالما هو أمر الله العليم الحكيم سبحانه.
أبلغيها كل ذلك بأحسن الأساليب وأرق الطرق، فإن اقتنعت وقدّرت ذلك فالحمد لله، وإلا فاحرصي على أن تكوني خارج البيت وقت هذا الاحتفال حتى لا يضايقك أحد بطلب المشاركة أو تضعف نفسك ولا شيء عليك فيما تقوم به أمك، ورضى الله فوق رضى كل مخلوق، وتأكدي أن أمك إن رفضت هذا الأمر بشدة اليوم فلعل الله أن يُرضيها عنك في المستقبل بإذن الله تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8754)
الاستغفار الجماعي عقب الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما ينتهي الإمام من الصلاة يقرأ الاستغفار بشكل جماعي جهرا، فهل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
(الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ولا عن أصحابه رضي الله عنهم،) فتاوى إسلامية 1/319
وانظر جواب السؤال رقم 10491 للمزيد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8755)
حكم توزيع الأكل عندما يبلغ المولود أربعين يوماً
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا عادة ولا أعرف هل هي سنة أو بدعة. وهي: قيام الأهل في اليوم الأربعين للمولود بطبخ كمية كبيرة من الأكل وتوزيعها على الأقارب والجيران. وهو ما يسمى عندنا (الطلوع) فما هي شرعية هذا العمل؟ وهل هو سنة أم بدعة يجب اجتنابها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع في حال إنجاب مولود أن يَذبح أهله عنه " عقيقة " تُذبح في اليوم السابع، ويُذبح عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة واحدة، ويمكن للأهل توزيع لحمها أو جزء منه، كما يمكنهم طبخها أو طبخ بعضها وتوزيعه على الأهل والأقارب والجيران.
فإن عجز الأهل عن الذبح في اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر وإلا ففي الواحد والعشرين، فإن لم يستطيعوا ففي أي يوم بعدها استطاعوا.
وانظر حكم العقيقة في جواب السؤال رقم (20018) ، وجواز توزيع لحم العقيقة نيئاً أو مطبوخاً في جواب السؤال رقم (26046) و (8423) و (8388) .
وليس ليوم الأربعين في الميلاد أو الوفاة أي اعتبار، وهي عادة فرعونية، لا يجوز للمسلم تحري هذا اليوم للقيام بشيء يتعلق بالعبادة أو الطاعة.
وفي جواب السؤال رقم (12552) نقلنا عن الشيخ ابن باز حول " الأربعينية " وأن الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وأنها بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، ويردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته.
وقد حذرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البدع فقال: (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وزاد النسائي (1578) (وكل ضلالة في النار)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8756)
هل يقال صدق الله العظيم بعد التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول صدق الله العظيم بعد تلاوة آية أو آيات من القرآن بدعة إن كان كذلك كيف دخلت الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعتاد كثير من الناس إذا انتهى من قراءة القرآن أن يقول (صدق الله العظيم) وهذا ليس بمشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولم يكن من عادة الصحابة رضي الله عنهم أن يفعلوه، ولا كان ذلك في عهد التابعين. وإنما حدث في العصور المتأخرة استحسانا من بعض القراء واستنادا إلى قول الله تعالى: (قل صدق الله) ولكن هذا الاستحسان مردود لأنه لو كان حسنا ما تركه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم من سلف هذه الأمة.
وأما قوله تعالى: (قل صدق الله) فليس المراد أن يقولوها إذا انتهى من قراءته ولو كان هذا هو المراد لقال الله: فإذا انتهيت من قراءتك فقل صدق الله كما قال: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) .
والآية المذكورة التي استند إليها من ابتدع قول: صدق الله عند انتهاء القراءة إنما ذكرها الله تعالى تأكيدا لما أخبر به عن حل الطعام كله لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه فقال: (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون. قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) .
ولو كان المراد منها أن تقال عند انتهاء القراءة لكان أولى من يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول من يعمل بها، فلما لم يكن ذلك علم أن ليس مرادا.
والخلاصة أن قول: صدق الله العظيم عند انتهاء القارئ من قراءته قول محدث لا ينبغي للمسلم أن يقوله.
وأما اعتقاد المرء أن الله تعالى صادق فيما يقوله فهذا فرض، ومن كذب الله أو شك في صدق ما أخبر به فهو كافر خارج من الملة والعياذ بالله.
ومن قال: صدق الله عند المناسبات مثل أن يقع شئ من الأشياء التي أخبر الله بها فيقول: صدق الله تأكيدا لخبر الله فهذا جائز لورود السنة به فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان خطب فأقبل الحسن والحسين فنزل من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)
[الْمَصْدَرُ]
إزالة الستار عن الجواب المختار: ابن عثيمين 79-80(5/8757)
القرآن يوم الجمعة والابتهالات قبل الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن يوم الجمعة قبل صلاة الظهر بمكبرات الصوت، إذا قلت له: هذا أمر غير وارد، يقول لك: تريد أن تمنع قراءة القرآن، وما رأيكم في الابتهالات الدينية تسبق آذان الفجر بقليل بمكبرات الصوت، إذا قلت له: هذا أمر ليس له دليل، يقول لك: هذا عمل خير يوقظ الناس لصلاة الفجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم دليلاً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحداً من الصحابة عمل به، وكذلك الابتهالات التي تسبق الآذان للفجر بمكبرات الصوت فكانت بدعة وكل بدعة ضلالة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) البخاري في الصلح (2697) ومسلم في الأضحية (1718) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 2/353(5/8758)
وَعَد كافرا أن يذهب معه للكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحنث بالوعد مباح أم لا؟
المسألة أنني أعمل في وظيفة جديدة ولمدة 5 سنوات قادمة -إن شاء الله- ولي زميل نصراني عمره 45 عاماً وهو يحاول أن يتقرب إلي ويكلمني عن النصرانية والقرآن والإنجيل ثم دعاني لأذهب معه إلى الكنيسة ووافقت ثم تراءى لي أن لا أذهب وأن أتوقف عن المناقشة معه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
لا يجوز له الذهاب إلى الكنيسة لما فيه من تعظيمها وإظهار شأنها والتعرض للإعجاب بالشرك وأهله، ويجب عليه إخلاف هذا الوعد، وأن يبين الحكم للكافر حتى يعلم لماذا أخلف معه المسلم الوعد. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/8759)
صفة العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف صفة العمرة بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العبادة لا تكون مقبولة عند الله تعالى إلا إذا توفر فيها شرطان، وهما:
الأول: الإخلاص لله عز وجل، بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظاً من الدنيا.
الثاني: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولا وعملا. واتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم.
لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة –سواء كانت العمرة أو الحج أو غيرهما- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ حتى يكون عمله موافقاً للسنة.
وسنلخص في هذه الأسطر صفة العمرة كما وردت في السنة.
والعمرة تتكون من أربعة أشياء وهي:
الإحرام، والطواف بالبيت الحرام، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.
أولاً: الإحرام
الإحرام هو نية الدخول في النسك –الحج أو العمرة-.
إذا أراد أن يحرم فالسنة أن يتجرد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد من مسك أو غيره، في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك. رواه البخاري (271) ومسلم (1190) .
والوبيص هو البريق واللمعان.
والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء، حتى النفساء والحائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب وتحرم. رواه مسلم (1209) .
ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي غير الحائض والنفساء الفريضة إن كان في وقت فريضة، وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء، فإذا فرغ من الصلاة استقبل القبلة وأحرم، وله أن يؤخر الإحرام حتى يركب دابته (سيارته) ويستعد للمسير، فيحرم قبل انطلاقه من الميقات إلى مكة.
ثم يقول: لبيك اللهم بعمرة.
ثم يلبي بما لبى النبي صلى الله عليه وسلم به وهو: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ، وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم: (لبيك إله الحق) ، وكان ابن عمر يزيد في التلبية: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل) . يرفع الرجل صوته بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) صححه الألباني في صحيح أبي داوود (1599) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العجُّ والثج) حسنه الألباني في صحيح الجامع (1112) .
والعج رفع الصوت بالتلبية، والثج سيلان دماء الهدي.
والمرأة تقول بقدر ما يسمع من بجنبها، إلا أن يكون بجانبها رجل ليس من محارمها فإنها تلبي سراً.
وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه (كمرض أو عدو أو حبس أو غير ذلك) فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني - أي: إن منعني مانع من إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي - لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: إن لك على ربك ما استثنيت. رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) .
فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه.
وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها.
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصا عند تغير الأحوال والأزمان، مثل أن يعلو مرتفعا أو ينزل منخفضا أو يقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار.
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف، فإذا بدأ في الطواف قطع التلبية.
الاغتسال لدخول مكة
وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها إن تيسر له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله مكة. رواه مسلم (1259) .
ثانياً: الطواف
فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله استلمه بيده وقَبَّل يده (والاستلام هو مسح الحجر بيده) فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده ويكبر، ولا يقبل يده.
وفي استلام الحجر الأسود فضل كبير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليبعثن الله الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1144) .
والأفضل أن لا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم، لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أه قال لعمر: (يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وكبر) رواه أحمد (191) وقواه الألباني في رسالة مناسك الحج والعمرة ص 21.
ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره فإذا بلغ الركن اليماني (وهو ثالث الأركان بعد الحجر الأسود) استلمه من غير تقبيل ولا تكبير، فإن لم يتيسر له استلامه انصرف، ولا يزاحم عليه. ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه أبو داوود وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (1666) .
وكلما مر بالحجر الأسود استقبله وكبر، ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن فإنما جعل الطواف بالبيت لإقامة ذكر الله تعالى.
وفي هذا الطواف ينبغي للرجل أن يفعل شيئين:
أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه , والاضطباع أن يكشف كتفه الأيمن بأن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف، لأن الاضطباع محله الطواف فقط.
والثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل هو إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته.
فإذا أتم الطواف سبعة أشواط غطى كتفه الأيمن ثم يتقدم إلى مقام إبراهيم فيقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) ثم يصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله أحد) بعد الفاتحة. ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى الحجر الأسود واستلمه إن تيسر له، والمشروع هنا الاستلام فقط، فإن لم يتمكن من الاستلام انصرف ولا يشير إليه.
ثالثاً: السعي
ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ويقول: (نبدأ بما بدأ الله به) ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) رواه مسلم (1218) .
يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك. فيقول هذا الذكر ثم يدعو، ثم يقوله الثانية ثم يدعو، ثم يقوله الثالثة وينزل إلى المروة ولا يدعو بعد الثالثة.
فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضا شديدا بقدر ما يستطيع ولا يؤذي أحداً لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وهو يقول: (لا يُقطع الأبطح إلا شَدًّا) أي: إلا عَدْواً. رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2419) .
والأبطح هم المسافة بين العلمين الأخضرين الموجودين الآن.
فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يُكَمِّل سبعة أشواط , ذهابه من الصفا إلى المروة شوط , ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن.
تنبيه:
قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) يقولها من أراد السعي إذا اقترب من الصفا في بداية السعي فقط، ولا يستحب تكرارها كلما اقترب من الصفا والمروة كما يفعله بعض الناس.
رابعاً: الحلق أو التقصير
فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، أو قصر من شعره.
ويجب أن يكون الحلق شاملا لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة. رواه مسلم (1303) .
وأما المرأة فإنها تُقصِّر من شعرها بمقدار أنملة.
وبهذه الأعمال تمت العمرة فتكون العمرة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح الأعمال، وأن يتقبل منا إنه قريب مجيب.
انظر كتاب مناسك الحج والعمرة للألباني، وكتاب صفة الحج والعمرة وكتاب المنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين رحم الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8760)
تكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلتني رسالة يقول مرسلها أني يجب أن أرسلها إلى أصدقائي وإلا سيحصل لي مصيبة كبيرة وهي كالتالي:
من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول صلى الله عليه وسلم
هذه الوصية من المدينة المنورة من الشيخ احمد حامل مفاتيح حرم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
واليكم الوصية:
يقول الشيخ احمد انه كان في ليلة يقرا فيها القرآن الكريم وهو بالحرم المدني الشريف وفي تلك اللحظة غلبني النوم ورأيت في منامي الرسول عليه السلام أتى إلي وقال لي انه قد مات في هذا الأسبوع أربعون ألفا من الناس على غير إيمانهم وأنهم ماتوا ميتة الجاهلية وأن النساء لا يطيعون أزواجهم ويظهرن أمام الرجال بزينتهن من غير ستر ولا حجاب عاريات الجسد ويخرجن من بيوتهن من غير علم أزواجهن وأن الأغنياء من الناس لا يؤدون الزكاة ولا يحجون إلى بيت الله الحرام ولا يساعدون الفقراء ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر وقال الرسول عليه السلام أبلغ الناس ان يوم القيامة لقريب وقريبا تظهر في السماء نجمة وترونها واضحة وتقترب الشمس من رؤوسكم قاب قوسين أو أدنى وبعد ذلك لا يقبل الله توبة أحد منكم وستقفل أبواب السماء ويرفع القرآن من الأرض إلى السماء ويقول الشيخ أحمد أنه قد قال له الرسول عليه السلام في منامه انه إذا قام أحد الناس بنشر هذه الوصية بين المسلمين فانه سيحظى بشفاعتي يوم القيامة ويحصل على الخير الكثير والرزق الوفير ومن اطلع عليها ولم يعطها اهتمام بمعنى أن يتلفها أو يلقى بها بعيدا فقد إثم إثما كبيرا، أيضا من اطلع عليها ولم يقم بنشرها فانه يحرم من رحمة الله يوم القيامة ولهذا أطلب من الذين يقرؤون هذه الوصية أن يقرؤوا الفاتحة على النبي عليه السلام هذا وقد طلب مني المصطفى عليه الصلاة والسلام في المنام أن ابلغ أحد المسئولين من خدم الحرم الشريف أن القيامة قريبة فاستغفروا الله. وحلمت يوم الاثنين بأنه من قام بنشر ثلاثين ورقه من هذه الوصية بين المسلمين فان الله يزيل عنه الهم والغم ويوسع عليه الرزق ويحل له مشاكله ويرزقه خلال أربعين يوما تقريبا وقد علمت أن أحدهم قام بنشر ثلاثين ورقة من هذه الوصية فرزقه الله بخمسة وعشرين ألف روبية كما قام شخص آخر بنشرها فرزقه الله بستة آلاف روبية وكما أخبرت أن شخصا كذب هذه الوصية فقد ابنه في نفس اليوم وهذه معلومات لاشك فيها.
فآمنوا بالله واعملوا صالحا حتى يوفقنا الله في آمالنا ويصلح شأننا في الدنيا والآخرة ويرحمنا برحمته (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف / 157، (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) يونس / 63 (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) إبراهيم / 27
علما بان هذه الوصية ستجلب لك بعد توزيعها الخير والفلاح بعد أربعة أيام بإذن الله من وصولها إلي الشخص الآخر واعلم أن الأمر ليس لعبا ولهو، أن ترسل نسخا من هذه الوصية بعد ستة وتسعين ساعة من قراءتك لها وسبق أن وصلت هذه الوصية! إلي أحد رجال الأعمال فوزعها فورا ومن ثم جاء له خبر نجاح صفقته التجارية بتسعين ألف دينار زيادة عما كان يتوقعه، كما وصلت إلى أحد الأطباء فأهملها فلقي مصرعه في حادث سيارة وأصبح جثة هامدة تحدث عنها الجميع وأغفلها أحد المقاولين فتوفي ابنه الكبير في بلد عربي شقيق يرجى إرسال خمسة وعشرين نسخة من هذه الوصية ويبشر المرسل بما يحصل له في اليوم الرابع وحيث أن الوصية مهمة الطواف حول العالم كله فيجب إرسال خمسة وعشرون نسخة متطابقة إلى أحد أصدقائك وبعد أيام ستفاجئ بما سبق ذكره فآمنوا بالله واعملوا)
ارجوا الإجابة لأني لم أرسل هذه الرسالة لأي شخص لعدم وثوقي في صحتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله:
لقد سمعنا هذه الوصية المكذوبة مرات كثيرة منذ سنوات متعددة تنشر بين الناس فيما بين وقت وآخر، وتروج بين الكثير من العامة، وفي ألفاظها اختلاف، وكاتبها يقول: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فحمله هذه الوصية، ... وقد زعم هذا المفتري في هذه الوصية أشياء كثيرة هي من أوضح الكذب وأبين الباطل، ولقد نبهت عليها في السنوات الماضية، وبينت للناس أنها من أوضح الكذب وأبين الباطل، فلما اطلعت على هذه النشرة الأخيرة ترددت في الكتابة عنها؛ لظهور بطلانها وعظم جرأة مفتريها على الكذب، وما كنت أظن أن بطلانها يروج على من له أدنى بصيرة أو فطرة سليمة.
ولكن أخبرني كثير من الإخوان أنها قد راجت على كثير من الناس، وتداولوها بينهم، وصدقها بعضهم، فمن أجل ذلك رأيت أنه يتعين على أمثالي الكتابة عنها؛ لبيان بطلانها، وأنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يغتر بها أحد، ومن تأملها من ذوي العلم والإيمان أو ذوي الفطرة السليمة والعقل الصحيح، عرف أنها كذب وافتراء من وجوه كثيرة.
ولقد سألت بعض أقارب الشيخ أحمد المنسوبة إليه هذه الفرية عن هذه الوصية، فأجابني بأنها مكذوبة على الشيخ أحمد، وأنه لم يقلها أصلا، والشيخ حمد المذكور قد مات من مدة، ولو فرضنا أن الشيخ أحمد المذكور أو من هو أكبر منه زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أو اليقظة، وأوصاه بهذه الوصية- لعلمنا يقينا أنه كاذب، أو أن الذي قال له ذلك شيطان، وليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لوجوه كثيرة منها:
منها:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول خلاف الحق، لا في حياته، ولا في وفاته، وهذه الوصية تخالف شريعته مخالفة ظاهرة من وجوه كثيرة- كما يأتي:- وهو صلى الله عليه وسلم قد يرى في النوم، ومن رآه في المنام على صورته الشريفة فقد رآه؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورته، كما جاء بذلك الحديث الصحيح الشريف، ولكن الشأن كل الشأن في إيمان الرائي وصدقه وعدالته وضبطه وديانته وأمانته، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في صورته أو في غيرها؟ ، ولو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قاله في حياته من غير طريق الثقات العدول الضابطين لم يعتمد عليه، ولم يحتج به، أو جاء من طريق الثقات الضابطين ولكنه يخالف رواية من هو أحفظ منهم وأوثق مخالفة لا يمكن معها الجمع بين الروايتين لكان أحدهما منسوخا لا يعمل به، والثاني ناسخ يعمل به حيث أمكن بذلك بشروطه، وإذا لم يمكن ذلك ولم يمكن الجمع، وجب أن تطرح رواية من هو أقل حفظا وأدنى عدالة، والحكم عليها بأنها شاذة لا يعمل بها، فكيف بوصية لا يعرف صاحبها الذي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرف عدالته وأمانته ... فهي والحالة هذه حقيقة بأن تطرح ولا يلتفت إليها، وإن لم يكن فيها شيء يخالف الشرع، فكيف إذا كانت الوصية مشتملة على أمور كثيرة تدل على بطلانها، وأنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتضمنة لتشريع دين لم يأذن به الله! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. ا. هـ باختصار
وقد كتب الشيخ صالح الفوزان مقالة عن هذه الوصية محذراً منها نشرتها مجلة الدعوة العدد 1082 جاء فيها:
هذه الوصية المكذوبة قديمة، فقد ظهرت في مصر منذ أكثر من ثمانين سنة وقد دحضها أهل العلم وزيفوها وبينوا ما فيها من الكذب والباطل منهم الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله وقد قال في رده عليها: [قد أجبنا عن هذه المسألة سنة 1322هـ وإننا نتذكر أننا رأينا مثل هذه الوصية منذ كنا نتعلم الخط والتهجي إلى الآن مراراً كثيرة وكلها معزوة إلى رجل اسمه الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية والوصية مكذوبة قطعا لا يختلف في ذلك أحد شم رائحة العلم والدين، وإنما يصدقها البلداء من العوام الأميين] .
ثم رد عليها رحمه الله ردا مطولاً مفيداً دحض قيه كل ما جاء فيها من الافتراءات، ثم إن هذه الوصية قد تلقفها بعض الجهلة وأخذوا يطبعونها ويوزعونها متأثرين بما فيها من الوعود والوعيد، لأن هذا الفاجر الذي اخترعها قال فيها فمن طبع منها كذا من النسخ ووزعها حصل على مطلوبه، إن كان مذنباً غفر الله له وإن كان موظفاً رفع إلى وظيفة أحسن من وظيفته، وإن كان مديناً قضي دينه، ومن كذب بها اسود وجهه وحصل عليه كذا وكذا من العقوبات، فإذا قرأها بعض الجهلة تأثر بها وعمل على نشرها خوفاً وطمعاً.
وقد قام العلماء ببيان كذب هذه الوصية وحذروا الناس من نشرها والتصديق بها، ومن هؤلاء العلماء: الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله فقد رد عليها برد جيد مفيد، وبين ما فيها من الكذب والتدجيل، وهذه الوصية باطلة من عدة وجوه:
أولاً: أن أحكام الدين والوعد والوعيد والأخبار عن المستقبل كل هذه الأمور لا تثبت إلاّ بوحي من الله إلى رسله، والوحي قد انقطع بموت الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد ما أكمل الله به الدين، وقد ورث لنا الكتاب والسنة وفيهما الكفاية والهداية، أما الرؤيا والحكايات فلا يثبت بها شيء لأن غالبها من وضع الشياطين لإضلال الناس عن دينهم ومفتري هذه الوصية يعد من صدقها ونشرها بدخول الجنة وقضاء حوائجه وتفريج كرباته، ويتوعد من كذب بها بدخول النار وأنه يسود وجهه، وهذا تشريع دين جديد وكذب على الله سبحانه وتعالى نعوذ بالله من ذلك.
ثانياً: أن مفتري هذه الوصية جعلها أعظم من القرآن الكريم لأن من كتب المصحف الشريف وأرسله من بلد إلى بلد لا يحصل له هذا الثواب الذي قال فيه الدجال إنه يحصل لمن ينشر هذه الوصية ومن لم يكتب القرآن ويرسله من بلد إلى بلد لا يحرم من شفاعة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا كان مؤمناً فكيف يحرم المؤمن من الشفاعة إذا لم يكتب هذه الوصية ويرسلها من بلد إلى بلد كما يقول مفتريها.
ثالثاً: أن هذه الوصية فيها ادعاء علم الغيب حيث جاء فيها [أنه من الجمعة إلى الجمعة مات أربعون ألفاً على غير دين الإسلام] فهذا من ادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلاّ الله فإنه هو الذي يعلم عدد من يموت على الإسلام ومن يموت على الكفر ومن ادعى علم الغيب فهو كافر بالله.
رابعاً: أن الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة لا يثبتان إلاّ بنص من كتاب الله وسنة رسوله، وهذا المفتري في هذه الوصية جعل الثواب لمن صدقها، والعقاب لمن كذب بها ولم ينشرها، وقد فضحه الله -والحمد لله- فكثير من المسلمين كذبوها وزيفوها ولم يحصل لهم إلاّ الخير والذين صدقوها ونشروها لم يحصل لهم إلاّ الخيبة والخسارة.
ثم إن هذا المفتري أراد أن يوهم العوام والجهال بصدق هذه الوصية فحلف بالله أيماناً مكررة أنه صادق وأنها حقيقة وأنه إن كان كاذباً يخرج من الدنيا على غير الإسلام وأراد أن يتظاهر بحب الإسلام وبغضه للمعاصي والمنكرات حتى يحسن به الظن ويصدق.
وهذا من مكره وخبثه بل ومن غباوته وجهله، فإن الحلف وكثرة الأيمان لا تدل على صدق كل حالف فكثير من الكذابين يحلفون للتغرير بالناس، فهذا إبليس حلف للأبوين عليهما السلام {إني لكما لمن الناصحين} والله تعالى قال لنبيه: {ولا تطع كل حلاف مهين} وأخبر أن المنافقين يحلفون على الكذب وهم يعلمون، ويقول عنهم {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} التوبة /107، فهل يظن هذا الغبي الأحمق أنه إذا افترى الكذب على الله ورسوله في هذه الوصية وحلف في آخرها أن المسلمين سيصدقونه ويقبلون أقواله، حاشا وكلا، وأما تظاهره بالغيرة على الدين والتألم من المنكرات فهو من التقرير الذي يقصد من ورائه أن يحسن الناس به الظن ويقبلوا قوله ولم يدر أن فرعون اللعين تظاهر لقومه بالنصح والشفقة حينما قال لهم وهو يصدهم عن اتباع موسى عليه السلام {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} فما كل من تظاهر بالمناصحة والغيرة يكون صادقا، ويكفينا ما جاء في الكتاب والسنة من التحذير من المنكرات والمعاصي وبيان العقوبات المترتبة عليه ففي ذلك الكفاية لأهل الإيمان.
هذا وربما يسأل سائل ما هو الهدف الذي يقصده صاحب هذه الوصية وما هو الدافع لقيامه بافترائها وترويجها؟
والجواب: أن هدفه من ذلك تضليل الناس عن كتاب ربهم وسنة نبيهم وصرفهم إلى الخرافات والحكايات المكذوبة فإذا صدقوه في هذه وراجت بينهم اخترع لهم أخرى وأخرى حتى ينشغلوا بذلك عن الكتاب والسنة فيسهل الدس عليهم وتغيير عقائدهم، فإن المسلمين ما داموا متمسكين بكتاب ربهم وسنة نبيهم فلن يستطيع المضللون صرفهم عن دينهم لكنهم إذا تركوا الكتاب والسنة وصدقوا الخرافات والحكايات والرؤيا الشيطانية سهل قيادهم لكل مضلل وملحد، وقد يكون من وراء ذلك منظمات سرية من الكفار تعمل على ترويج هذه المفتريات لصرف المسلمين عن دينهم ومما يدل على ذلك أن هذه الخرافة موجودة منذ قرن من الزمان ويبعد أن يكون مخترعها على قيد الحياة فلولا أن هناك من يعمل على ترويجها من بعده لم تظهر فإياكم أيها المسلمون والتصديق بهذه المفتريات، ولا يكن لها رواج بينكم واسألوا أهل العلم عما أشكل عليكم.
إن أعداء الله ورسوله من الكفار والمنافقين وشياطين الجن والإنس دائماً يحاولون صرف الناس عن الدين الحق إلى الدين الباطل وعن طريق الجنة إلى طريق النار، وعن إتباع الرسل إلى إتباع الشياطين والمضلين، فكانوا يحرفون شرائع الأنبياء ويغيرون الكتب المنزلة على الرسل، كما فعلوا في التوراة والإنجيل ولما بعث الله خام النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنزل عليه القرآن العظيم والشرع القويم تكفل سبحانه بحفظ القرآن العظيم من التغيير والتبديل فقال سبحانه وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال تعالى: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} وحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من كذب الكذابين بما أقام عليها من الحراس الأمناء وصفوة العلماء الذين حفظوها ونقولها بأمانة ونفوا عنها كل ما حاول إدخاله فيها الكذابون والدجالون، فوضعوا الضوابط والقواعد التي يعرف بها الحديث الصحيح من الحديث المكذوب ودونوا الأحاديث الصحيحة وحموها وحشروا الأحاديث المكذوبة وحاصروها وحذروا منها، فلما لم يجد أعداء الله ورسوله لهم منفذاً للدس في كتاب الله وسنة رسوله لجأوا إلى محاولة صرف الناس عن الكتاب والسنة وإشغالهم بالحكايات المكذوبة والمنامات المزورة التي تشتمل على الترغيب والترهيب والوعود الكاذبة التي تغري وتغر ضعاف الإيمان والجهلة فصرفوا كثيراً منهم إلى الشرك والإلحاد والبدع باسم الدين والعبادة والزهد جريا وراء تلك الخرافات.
فدين هؤلاء المنحرفين لا ينبني على الكتاب والسنة وإنما ينبني على الحكايات المكذوبة والمنامات المزعومة، فضلوا عن الهدى، وتركوا كتاب الله وسنة رسوله إلى وساوس الشياطين وهذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة، قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم واحذروا الدسائس المضلة التي يروجها أعداء الملة.
وفق الله الجميع للاعتصام بالكتاب والسنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8761)
الصلاة النارية
[السُّؤَالُ]
ـ["اللهم صلي صلاةً كاملة وسلم سلاما تاما على سيدنا محمد الذي (الذي كما ينطق بها بعضهم) تنحل به العقد، وتتفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب، وحسن الخواتيم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس"
ما ورد أعلاه يسمى بالصلاة النارية في الهند وتقرأ 4444 مرة إذا وقعت فاجعة أو كارثة في إحدى البيوت حيث يؤتى بالعديد من التلاميذ ورئيس المدرسة.
1- ما هو معنى الكلمات الواردة أعلاه؟
2- يقول الناس بأنه إذا كانت الكلمات لا تحتوي على شرك، فلا مانع من الاستمرار في قراءتها لأنها ليست ضارة فهي نوع من أنواع الذكر وأنها تذكرهم بالله وأننا نقوم بنوع من الدعاء الاضافي ليقربنا من الله وليبعد عنا بعض المصائب.
3- ما هو الحكم في قراءة المولد، هل هناك أي ضرر من قراءته على نحو دوري من قبل تلاميذ المدرسة أو من إمام المسجد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الكلمات الواردة في الصلاة المبتدعة واضحة، ولا بأس من بيانها أكثر:
" تنحلُّ به العقد ": أي: يجد المخرج لما يواجهه من تعقيدات وأمور يصعب حلّها عليه.
وقد يراد به: يسكن به الغضب.
" تنفرج به الكُرب ": أي: يزول الغم والحزن من النفس.
" تقضى به الحوائج ": أي: يحصل ما يريده ويسعى قضائه.
" تنال به الرغائب وحسن الخواتيم ": أي: تتحقق أمنياته سواء ما في الدنيا أو ما في الآخرة، ومنه: أن يختم له بخير.
" يستسقى الغمام بوجهه الكريم ": أي: يطلب منه دعاء الله تعالى بإنزال المطر.
والغمام: السحاب.
2. ما قاله لكم بعض الناس أن هذه الصلاة لا تحوي شركاً، وأنه يجوز لكم الاستمرار بها.. إلخ: باطل وذلك لما احتوته تلك الصلاة المزعومة من مخالفات شرعيَّة واضحة منها:
أ. أنه جعلها تقال عند المصائب، وهذا من اختراع الأسباب في إحداث العبادة.
ب. أنه جعل لها حدّاً (4444) مرة! وهذا من اختراع الكم في إحداث العبادة.
ت. أنه جعل قراءتها جماعية، وهذا من اختراع الكيف في إحداث العبادة.
ث. أن فيها عبارات مخالفة للشرع، وشركاً وغلواً في النبي صلى الله عليه وسلم، ونسبة أفعال له لا يصح أن تنسب إلا لله عز وجل، كقضاء الحوائج، وحل العُقد، ونيل الرغائب، وحسن الخاتمة. وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) ،
ج. أنه ترك ما جاء به الشرع، وذهب ليخترع صلاة ودعاءً من عنده، وفي هذا اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير في بيان ما يحتاجه الناس، وفيه استدراك على الشرع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "منْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ".
رواه البخاري (2550) ومسلم (1718) ، وفي رواية "مسلم" (1718) : "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وهذا الحديث أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أنَّ حديث "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات" ميزانٌ للأعمال في باطنها، فكما أنَّ كلَّ عملٍ لا يُراد به وجهُ الله تعالى؛ فليس لعامله فيه ثوابٌ، فكذلك كلُّ عملٍ لا يكون عليه أمر الله ورسوله؛ فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس مِن الدين في شيءٍ. أ.هـ "جامع العلوم والحكم" (1/180)
وقال النووي رحمه الله: وهذا الحديث قاعدةٌ عظيمةٌ مِن قواعد الإسلام، وهو مِن جوامع كَلِمه صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّه صريحٌ في رد البدع والمخترعات، وفي الرواية الثانية زيادة وهي: أنَّه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعةٍ سُبق إليها، فإذا احتُج عليه بالرواية الأولى - أي: " مَن أحدث " - يقول: أنا ما أحدثتُ شيئاً، فيُحتج عليه بالثانية - أي: "مَن عمل "- التي فيها التصريح بردِّ كلِّ المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سُبق بإحداثها ... وهذا الحديث مما ينبغي حفظه، واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به.
"شرح مسلم" (12/16) .
3. أما بالنسبة للمولد: فإن عمله بدعة، ولو كان خيراً لسبقنا أكثر الناس حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة رضي الله عنهم، وما يُقرأ فيه فأكثره ضعيف أو موضوع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه غلوٌّ بنبينا صلى الله عليه وسلم، وهذه أقوال العلماء:
أ. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن يعمل كل سنة ختمة في ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم هل ذلك مستحب أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين وإعانة الفقراء بالإطعام في شهر رمضان هو من سنن الإسلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من فطَّر صائما فله مثل أجره "، وإعطاء فقراء القراء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح في كل وقت، ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم في الأجر ".
وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال " عيد الأبرار "، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها والله سبحانه وتعالى أعلم.
" الفتاوى الكبرى " (4 / 415) .
ب. قال ابن الحاج:
وقد ارتكب بعضهم في هذا الزمان ضد هذا المعنى وهو أنه إذا دخل هذا الشهر الشريف - أي: ربيع الأول - تسارعوا فيه إلى اللهو واللعب بالدف والشبابة وغيرهما كما تقدم.
فمن كان باكيا فليبك على نفسه وعلى الإسلام وغربته وغربة أهله والعاملين بالسنة.
ويا ليتهم لو عملوا المغاني ليس إلا بل يزعم بعضهم أنه يتأدب فيبدأ المولد بقراءة الكتاب العزيز وينظرون إلى من هو أكثر معرفة بالهنوك والطرق المهيجة لطرب النفوس فيقرأ عشرا، وهذا فيه من المفاسد وجوه:
منها: ما يفعله القارئ في قراءته على تلك الهيئة المذمومة شرعاً والترجيع كترجيع الغناء، وقد تقدم بيان ذلك.
الثاني: أن فيه قلة أدب وقلة احترام لكتاب الله عز وجل.
الثالث: أنهم يقطِّعون قراءة كتاب الله تعالى ويقبلون على شهوات نفوسهم من سماع اللهو بضرب الطار والشبابة والغناء والتكسير الذي يفعله المغني وغير ذلك.
الرابع: أنهم يظهرون غير ما في بواطنهم وذلك بعينه صفة النفاق وهو أن يظهر المرء من نفسه شيئا وهو يريد غيره اللهم إلا فيما استثني شرعاً؛ وذلك أنهم يبتدئون القراءة وقصد بعضهم وتعلق خواطرهم بالمغاني.
الخامس: أن بعضهم يقلل من القراءة لقوة الباعث على لهوه بما بعدها وقد تقدم.
السادس: أن بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو، وهذا غير مقتضى ما وصف الله تعالى به أهل الخشية من أهل الإيمان لأنهم يحبون سماع كلام مولاهم لقوله تعالى في مدحهم {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} فوصف الله تعالى من سمع كلامه بما ذكر وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك فإذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب يعملون أعمال الشيطان ويطلبون الأجر من رب العالمين، ويزعمون أنهم في تعبد وخير ويا ليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس ولكن قد عمت البلوى فتجد بعض من ينسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله وكذلك بعض من ينسب إلى المشيخة أعني في تربية المريدين وكل هؤلاء داخلون فيما ذكر.
ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسيسة من اللعين، ألا ترى أن شارب الخمر إذا شربه أول ما تدب فيه الخمرة يحرك رأسه ساعة بعد ساعة فإذا قويت عليه ذهب حياؤه ووقاره لمن حضره وانكشف ما كان يريد ستره عن جلسائه.
فانظر رحمنا الله وإياك إلى هذا المغني إذا غنى تجد من له الهيبة والوقار وحسن الهيئة والسمت ويقتدي به أهل الإشارات والعبارات والعلوم والخيرات يسكت له وينصت فإذا دب معه الطرب قليلا حرك رأسه كما يفعله أهل الخمرة سواء بسواء كما تقدم، ثم إذا تمكن الطرب منه ذهب حياؤه ووقاره كما سبق في الخمرة سواء بسواء فيقوم ويرقص ويعيط وينادي ويبكي ويتباكى ويتخشع ويدخل ويخرج ويبسط يديه ويرفع رأسه نحو السماء كأنه جاءه المدد منها ويخرج الرغوة أي الزبد من فيه وربما مزق بعض ثيابه وعبث بلحيته.
وهذا منكر بيِّن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال ولا شك أن تمزيق الثياب من ذلك هذا وجه.
الثاني: أنه في الظاهر خرج عن حد العقلاء إذ أنه صدر منه ما يصدر من المجانين في غالب أحوالهم.
" المدخل " (2 / 5 -7) .
ج. قالت اللجنة الدائمة:
إقامة احتفال بمناسبة مولده صلى الله عليه وسلم لا يجوز لكونه بدعة محدثة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من العلماء في القرون الثلاثة المفضلة.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 2) .
د. سئل الشيخ ابن باز: هل يحل للمسلمين أن يحتفلوا في المسجد ليتذكروا السيرة النبوية الشريفة في ليلة 12 ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي الشريف بدون أن يعطلوا نهاره كالعيد؟ واختلفنا فيه، قيل: بدعة حسنة، وقيل: بدعة غير حسنة؟
فأجاب:
ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة 12 من ربيع اأول ولا في غيرها، كما أنه ليس لهم أن يقيموا أي احتفال بمولد غيره عليه الصلاة والسلام؛ لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ للدين والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه وتعالى ولا أمر بذلك ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه جميعا ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، فعلم أنه بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته، وفي رواية مسلم - وعلقها البخاري جازما بها -: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".
والاحتفال بالموالد ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم بل هو مما أحدثه الناس في دينه في القرون المتأخرة فيكون مردودا، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبته يوم الجمعة: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم في صحيحه، وأخرجه النسائي بإسناد جيد وزاد: " وكل ضلالة في النار ".
ويغني عن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تدريس سيرته عليه الصلاة والسلام وتاريخ حياته في الجاهلية والإسلام في المدارس والمساجد وغير ذلك، ويدخل في ذلك بيان ما يتعلق بمولده صلى الله عليه وسلم وتاريخ وفاته من غير حاجة إلى إحداث احتفال لم يشرعه الله ولا رسوله ولم يقم عليه دليل شرعي. .
والله المستعان ونسأل الله تعالى لجميع المسلمين الهداية والتوفيق للاكتفاء بالسنة والحذر من البدعة. " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 289) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8762)
ما هو تعريف البدعة وما حكم الزيادة في التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تعرف وتعطينا مثلاً عن البدعة؟
هذا الأمر مشوش جداً بالنسبة لي، فهل من البدعة أن نصلي أكثر من 8 ركعات في التراويح لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلي أكثر من ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البدعة في أصل اللغة تدور معانيها على: ابتداء الشيء من غير مثال سابق، ومنه قول الله عز وجل: " بديع السماوات والأرض ".
والمراد بالبدعة في الصطلاح الشرعي: هي ما أحدث في دين الله عز وجل وليس له أصل عام ولا خاص يدل عليه.
وذلك على سبيل المثال: مثل الأذكار البدعية كذكر الله تعالى بالاسم المفرد (الله.. الله.. الله..) أو بالضمير: (هو.. هو..) فهذه شيء جديد محدث في الدين يقصد به التعبد لله عز وجل، وليس على فعله أي دليل لا بخصوص هذا الذكر، ولا دليل عام، وهي المسماة في علم الأصول بـ (المصالح المرسلة) إذن فهي بدعة.
وأما صلاة أكثر من (8) ركعات في التراويح: فإن السنة الثابتة في الصحيح والتي واظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة: يصلي ثمان (يسلم بعد كل ركعتين في غالب أحواله) ويشفعها بركعتين ثم يوتر بواحدة.
وربما صلى ثلاث عشرة ركعة، هذا هو الثابت من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، فإن زاد على ذلك جاز ولكنه خلاف السنة، ويدل على الجواز قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " صلاة الليل مثنى مثنى " يعني: ركعتين ركعتين، ولم يحدد بعدد. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8763)
حكم الاحتفال بعيد ميلاد الشخص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بمرور سنة أو سنتين مثلاً أو أكثر أو أقل من السنين لولادة الشخص وهو ما يسمى بعيد الميلاد؟ أو إطفاء الشمعة. وما حكم حضور ولائم هذه الاحتفالات، وهل إذا دعي الشخص إليها يجيب الدعوة أم لا؟ أفيدونا أثابكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين ولا أصل لها في الشرع المطهر ولا تجوز إجابة الدعوة إليها، لما في ذلك من تأييد للبدع والتشجيع عليها. وقد قال الله سبحانه وتعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وقال سبحانه: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) .
وقال سبحانه: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: (خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ثم إن هذه الاحتفالات مع كونها بدعة منكرة لا أصل لها في الشرع هي مع ذلك فيها تشبه باليهود والنصارى في احتفالهم بالموالد. وقد قال عليه الصلاة والسلام محذراً من سنتهم وطريقتهم: " لتتبعن سنة من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه: قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ .. قال: فمن) أخرجاه في الصحيحين. ومعنى قوله " فمن" أي هم المعنيون بهذا الكلام وقال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم "
[الْمَصْدَرُ]
(فتاوى إسلامية 1/115)(5/8764)
حكم الونيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الونيسة وما حكمها وثوابها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالسؤال عن الونيسة ذُكر لنا أنها المبيت عند القبر في الليلة الأولى بعد الدفن لإيناس الميت بزعمهم، وهذا من البدع المذمومة، التي لا أصل لها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل أصحابه، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. فلما لم يرد شيء من ذلك عنهم، مع كثرة من مات في حضورهم، عُلم أنه لا خير فيه.
والأصل في العبادات التوقيف، فلا يعبد الله إلا بما شرع في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا ثواب في فعل البدع، بل هي مردودة على صاحبها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
وهي ضلالة، كما قال: " وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" رواه مسلم (867) . وزاد النسائي (1578) " وكل ضلالة في النار".
وهذا المبتدع، يخشى عليه أن تصيبه الفتنة، كما قال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (فليحذر الذين يخالفون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله , فما وافق ذلك قُبل , وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان , كما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً (أن تصيبهم فتنة) أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة (أو يصيبهم عذاب أليم) أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك) انتهى.
والميت لا يحتاج إلى من يؤنسه من الأحياء، فهو مشغول بحسابه، مجزي بعمله، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب الطويل:
(إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. قال فيصعدون بها فلا يمرون يعنى بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما عِلمُك؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادى مناد في السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجئ بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادى مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة) رواه أحمد (18557) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1676) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8765)
هل تشرع مقاطعة المبتدع في هذا العصر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تشرع مقاطعة المبتدع؟ ومتى يشرع البغض في الله؟ وهل تشرع المقاطعة في هذا العصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فينبغي على المؤمن أن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان والشرع والتجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم فإن هجره حق، وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا هجر من أعلن المعاصي وأظهرها أقل أحواله أنه سنة أما إن كان عدم الهجر أصلح لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين، وإرشادهم إلى السنة وتعليمهم ما أوجب الله عليهم يؤثر فيهم ويزيدهم هدى فلا يعجل في الهجر، ولكن يبغضهم في الله كما يبغض الكفار والعصاة، لكن يكون بغضه للكفار أشد؛ مع دعوتهم إلى الله سبحانه والحرص على هدايتهم عملا بجميع الأدلة الشرعية؛ ويبغض المبتدع على قدر بدعته إن كانت غير مكفرة، ويبغض العاصي على قدر معصيته، ويحبه في الله على قدر إسلامه وإيمانه، وبذلك يُعلم أن الهجر فيه تفصيل.
والخلاصة: أن الأرجح والأولى النظر إلى المصلحة الشرعية في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم هجر قوما وترك آخرين لم يهجرهم مراعاة للمصلحة الشرعية الإسلامية، فهجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر؛ هجرهم خمسين ليلة حتى تابوا فتاب الله عليهم، ولم يهجر عبد الله بن أبي بن سلول وجماعة من المتهمين بالنفاق لأسباب شرعية دعت إلى ذلك.
فالمؤمن ينظر في الأصلح وهذا لا ينافي بغض الكافر والمبتدع والعاصي في الله سبحانه ومحبة المسلم في الله عز وجل، وعليه أن يراعي المصلحة العامة في ذلك، فإن اقتضت الهجر هجر، وإن اقتضت المصلحة الشرعية الاستمرار في دعوتهم إلى الله عز وجل وعدم هجرهم فعل ذلك مراعاةً لهديه صلى الله عليه وسلم. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (9 / 423) .(5/8766)
لا يشرع قبل قراءة القرآن دعاء مخصوص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء مخصص ندعو به قبل قراءة أو حفظ القران؟ هل يجب أن نتوضأ قبل مس القران؟ وهل يجب علينا أن نغطي العورة (كل الجسم والمرأة تغطي رأسها) قبل قراءة القرآن؟ أو يمكن أن تلبس ملابس عادية كالتي تلبسها في المنزل من غير غطاء الرأس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فليس في الكتاب والسنَّة بل ولا في كتب الأذكار المعتمدة، وأقوال العلماء المعتبرة ذكر دعاء مخصوص يُدعى به قبل قراءة القرآن أو حفظه، وإنما الذي يشرع للإنسان أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل القراءة لقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98. ولو أن الإنسان دعا في أي وقت لنفسه بأن يسهل الله عليه الحفظ، وأن يفقهه فيما يحفظ أو أي دعاء يناسب ما يريده من الخير دون أن يلتزم وقتا معينا يخصصه لهذا الدعاء فلا بأس بهذا.
وأما وجوب الوضوء قبل مس القرآن فتجدين إجابته في السؤال رقم (10672) .
ولا يشترط لقراءة المرأة للقرآن أن تغطي ما تغطيه في الصلاة فلا بأس بقراءة القرآن، بالملابس العادية، دون غطاء الرأس.
قال الشيخ ابن عثيمين في كلامه على سجود التلاوة: " وسجود التلاوة يكون حال قراءتها للقرآن، ولا بأس بالسجود على أي حال ولو مع كشف الرأس ونحوه لأن هذه السجدة ليس لها حكم الصلاة."
" الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة " (1 / 249) .
فيفهم من كلامه رحمه الله أنه لا مانع من قراءة المرأة للقرآن وهي كاشفة رأسها لأن آية السجدة لن تمر بها إلا وهي تقرأ القرآن، وهي ستقرؤها وهي كاشفة الرأس، والشيخ لم يبين لها أن كشف الرأس مطلوب عند قراءة القرآن.
وننصحكِ بالحرص على تعظيم القرآن وتوقيره، وقراءته بالتدبر والخشوع في أي وقت وحال يتيسر لك، فقد نص الفقهاء على أنه لا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ حَالٍ: قَائِمًا أَوْ جَالِسًا، مُتَرَبِّعًا أَوْ غَيْرَ مُتَرَبِّعٍ، أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، أخرجه البخاري (297) ومسلم (301) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8767)
حكم طباعة لفظ الجلالة في القرآن بلون متميز
[السُّؤَالُ]
ـ[ألاحظ أحيانا أن لفظ الجلالة أو أي اسم من أسمائه أو أي ضمير يعود عليه سبحانه وتعالى يكتب في بعض المصاحف باللون الأحمر. فهل يوجد سبب لذلك؟ وهل يعد ذلك من البدع أم لا؟ وهل هناك أية قواعد تجويدية أو ورد في السنة ما يستدعي انتباه المسلم عند قراءته للفظ الجلالة من القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لذلك أصل، والواجب جعل كلمات القرآن كلها بلون واحد، وهذا من البدع التي أحدثت في المصاحف.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/8768)
حكم مجلس قراءة قرآن جماعي بمناسبة وفاة علي رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من..... أصلا لكني أعيش في أمريكا، أما جداي فهما من.... . وأكثر أقاربي يعملون شيئا يطلقون عليه "نياز"، فهم يطبخون طعاما معينا في أيام محددة كـ 21 من رمضان - وهو تاريخ وفاة حضرة علي - ويقرؤون الفاتحة والإخلاص والفلق والناس، وغيرها من السور، ثم يتضرعون داعين أن يهب الله عليا مكانا رفيعا في الجنة، ثم يتناولون الطعام في احترام شديد. هم يفعلون هذا الأمر عدة مرات في السنة الواحدة في ذكرى موت الصحابة وغيرهم من المشهورين. أما أفراد عائلتي فهم لا يفعلون هذا الفعل لأنهم يظنون أنه بدعة. وعندما أخبرت الآخرين، لم يوافقوني الرأي وقالوا كيف يمكن أن تكون قراءة الفاتحة وغيرها من الآيات خطأ؟
أرجو توضيح ما إذا كان هذا الأمر من كبائر الذنوب أم أنه يجوز القيام بمثل هذه الأمور في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فهذا الفعل الذي ذكرته هو من البدع المحدثة كما أشرتَ في سؤالك، لأنه لاشك أن فاعلي هذا الأمر إنما يفعلونه على سبيل التعبد والتقرب إلى الله، وكل ما كان من الأفعال من باب التعبد فإنه يجب أن يكون في الكتاب أو السنة ما يدل على مشروعيته، وإلا فهو من البدع المحدثة.
وأما من قال: كيف يمكن أن تكون قراءة الفاتحة وغيرها من الآيات خطأً؟
فليعلم أن البدع في الدين على قسمين:
الأول: بدعة جديدة ليس لها أصل في الشرع، كمن يخترع صلاة جديدة بطريقة لم ترد في الشريعة، فهذه بدعة محدثة توعد الله فاعلها بالنار.
الثاني: أن تكون البدعة بإضافة صفات جديدة إلى عمل له أصل في الشرع، فمثلا أذكار أدبار الصلوات مشروعة ومعروفة ومحددة،ولا يخالف في هذا أحد من المسلمين، فلو جاء مجموعة من الأشخاص وقالوا مادام أن الذكر مشروع بعد الصلوات فسنذكر الله جماعة في صوت واحد. فيقال لهم إن ذكر الله بعد الصلاة مشروع ولاشك، لكن هذه الصفة المبتدعة من الاجتماع على قراءتها بصوت واحد هي البدعة، ونقول لهم إما أنكم ترون أن هذه الطريقة في الذكر أحسن من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي فأنتم على طريقة أهدى وأحسن من طريقته عليه الصلاة والسلام، ولا يقول بهذا مسلم يشهد أن محمدا رسول الله، أو هي خطأ وبدعة فيجب عليهم أن يتركوها.
وبهذا يتضح أن اعتبار هذا العمل بدعة لا يعني أبداً أن قراءة الفاتحة تكون خطأً، وإنما الخطأ قراءتها بهذه الصفة التي ذكرت في السؤال. ونحن لسنا بأكثر حباً للصحابة من التابعين لهم، بل الصحابة الكرام وهم أشد الناس حبا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم أنهم فعلوا ذلك لنبيهم صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وكل خير في اتباعهم والسير على منهجهم، وكل شر في مخالفتهم، والبعد عن منهجهم. ثم إن تخصيصهم عليا رضي الله عنه بهذا العمل لمناسبة وفاته أمر يشير إلى الغلو فيه وقد يكون من بدعة التشيع المذمومة فالحذر الحذر من هذا الأمر.
ثبتنا الله وإياكم على السنة وجنبنا البدعة.. آمين.
وللمزيد تراجع الأسئلة رقم (10843) و (864) و (11324) ففيها زيادة بيان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8769)
تحديد أعداد الأذكار وأدعية لم ترد في الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أساس استخدام هذه الأدعية مثل يا لطيف 29 مرة، يا قهار 306 مرة، حسبنا الله ونعم الوكيل 450 مرة، إلخ.. هل يصح أو لا يصح استخدامها لأني لم أجد ما يؤيد استخدامها في القرآن أو السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فهذه الأذكار بهذا التحديد الذي ذُكر لا يعرف لها أساس من الصحة، وإنما هذا في الغالب من تحديد بعض المبتدعة وغالبهم من الصوفية، فيحددون أوراداً وأذكاراً من عند أنفسهم، ويقولون: إن من قال كذا وكذا يحصل له من النفع والحفظ كذا وكذا، ومن قرأ الورد الفلاني فله من الأجر كذا وكذا.
ومعلوم أن هذا من الأمور التي لا يمكن معرفتها إلا من طريق الوحي، والقاعدة في هذا أن الأذكار والأدعية على قسمين:
الأول: الأذكار الواردة في الكتاب والسنة مقيدة إما بزمان أو بمكان أو بحال، فهذا القسم يؤتى به على الوجه الذي ورد في زمانه، أو حاله، أو مكانه، أوفي لفظه، أوفي هيئة الداعي به من غير زيادة ولا نقصان.
القسم الثاني: كل ذكر أو دعاء مطلق غير مقيد بزمان أو مكان، فهذا له حالتان:
الأولى: أن يكون ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيؤتى بلفظه ولا يحدد بزمان أو مكان يخص به، أو بعدد يلتزم به.
الثانية: أن يكون غير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم بل أتى به الداعي من عند نفسه أو من المنقول عن السلف؛ فيجوز للعبد الذكر والدعاء به بخمسة شروط:
1- أن يتخير من الألفاظ أحسنها، وأبينها لأنه مقام مناجاة العبد لربه ومعبوده ـ سبحانه ـ.
2- أن تكون الألفاظ على وفق المعنى العربي.
3- أن يكون الدعاء خاليا من أي محذور شرعي، كما لو اشتمل الدعاء على الاستغاثة بغير الله، ونحو ذلك.
4- أن يكون في باب الذكر والدعاء المطلق فلا يقيد بزمان أو حال أو مكان.
5- أن لا يتخذ ذلك سنة يواظب عليها. أ. هـ
بتصرف من كتاب " تصحيح الدعاء " للشيخ بكر أبو زيد (ص42) .
وبناء على ما سبق، فإن الألفاظ المذكورة في السؤال هي ألفاظ شرعيَّة واردة في الكتاب والسنَّة لكن تحديدها بهذه الأعداد هو الأمر المحدَث الذي لا يصح الالتزام به، بل يدعو الإنسان بها في أثناء دعائه ويناجي الله بجميع أسمائه الحسنى من غير تخصيص لبعض الأسماء دون بعض بأعداد وأزمنة من عند نفسه
، بل ما ورد في الشرع مخصصا التزمنا به كذلك، وما لم يرد لم يكن لنا أن نخصصه من عند أنفسنا لأن في هذا تعديا على مقام النبوة. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8770)
تقبيل الإبهام عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نقبل إبهامنا عندما يذكر اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت في تقبيلهما عند قول المؤذن (أشهد أن محمداً رسول الله) عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء فيما نعلم، فتقبيلهما عند ذلك بدعة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى اللجنة الدائمة م/6 ص/96.(5/8771)
النقطة الحمراء في جبهة المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقوم حالياً بمشروع للمدرسة وأحتاج مساعدتك.
هل النقطة الحمراء على جبهة المرأة تدل على أنها مسلمة؟ وإذا كان كذلك فكيف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النقطة الحمراء التي تضعها بعض النساء في جبهاتهن - وخصوصا في بلاد الهند - أمر لا علاقة له بالإسلام على الإطلاق وإنما هي من عادات أولئك القوم، وقد أخبرنا بعضهم أنّها تدلّ على أنّ تلك المرأة التي تضعها هي امرأة متزوجة، ويُقال أن هذه العادة من عادات الهندوس التي قلّدهم فيها غيرهم من سكان الهند. نسأل الله الهداية إلى الحقّ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8772)
هل جمع القرآن، والأذان الأول للجمعة من البدع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت البدعة شيئاً مرفوضاً فماذا عن جمع القرآن؟ وأشياء أخرى كإضافة عمر رضي الله عنه شيئاً جديداً للأذان؟
أرجو توضيح هذا لأن البعض يقولون هناك بدعة حسنة وهي مسموح بها، وينسبونها لأحد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة حقيقة البدعة وضابطها يُراجع الأسئلة (864 / 205 / 10843)
وأما ما ذكرت من جمع أبي بكر للقرآن فليس ببدعة بل هو سنة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها في قوله: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " رواه الترمذي (2676) وأبو داود (4607) وابن ماجه (42) ، والحديث صححه الترمذي، والحاكم (1 / 177) ، والألباني في " صحيح الجامع " (2549) من حديث العرباض بن سارية، وهذه من سنن الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
والبدعة هي التقرب إلى الله بعبادة على غير مثال سابق، والقرآن كان مجموعاً في صدور الناس ومجموعاً في ألواحٍ عند بعض الصحابة، وجمع ذلك كله في سياقٍ واحد ولوحٍ واحد ليس فيه شيء يُنكر.
قال زيد بن ثابت 0 لمَّا كلَّفه أبو بكر الصدِّيق بجمع المصحف -: فتتبعتُ القرآن أجمعه من الرقاع - جمع رقعة وقد تكون من ورق أو من جلد - والأكتاف - جمع كتف وهو العظم للشاة أو البعير - والعُسُب - وهو جريد النخل - وصدور الرجال.
وقد ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني وجوهاً في فعل أبي بكر من أجودها خمسة:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك مصلحة، وفعله أبو بكر للحاجة.
الثاني: أن الله أخبر أنه في الصحف الأولى، وأنه عند محمد في مثلها بقوله: {يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة} ؛ فهذا اقتداء بالله وبرسوله.
الثالث: أنهم قصدوا بذلك تحقيق قول الله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ؛ فقد كان عنده محفوظا، وأخبرنا أن يحفظه بعد نزوله، ومن حفظه تيسير الصحابة لجمعه، واتفاقهم على تقييده وضبطه.
الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتبه كتبته بإملائه إياه عليهم، وهل يخفى على متصور معنى صحيحا في قلبه أن ذلك كان تنبيها على كتبه وضبطه بالتقييد في الصحف، ولو كان ما ضمنه الله من حفظه لا عمل للأمة فيه لم يكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إخبار الله له بضمان حفظه، ولكن علم أن حفظه من الله بحفظنا وتيسيره ذلك لنا وتعليمه لكتابته وضبطه في الصحف بيننا.
الخامس: أنه ثبت " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو "؛ وهذا تنبيه على أنه بين الأمة مكتوب مستصحب في الأسفار.
قال أبو بكر بن العربي: هذا من أبين الوجوه عند النظار.
انظر " أحكام القرآن " (2 / 612) .
وأما قولك إضافة عمر شيئاً جديداً للأذان، فلا نعرفه، ولكن لعلك تقصد إضافة عثمان للنداء الأول لصلاة الجمعة وهذا صحيح، حيث كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أذاناً واحداً، فلما تولى عثمان الخلافة واتسعت المدينة رأى عثمان أن يُنادى للجمعة قبل الوقت حتى يتأهب الناس للصلاة، وهو ما يُسمى بالأذان الأول.
عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أولُّه إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث - في رواية فأمر عثمان بالنداء الأول وفي رواية التأذين الثاني أمر به عثمان ولا منافاة لأنه سمي ثالثا باعتبار كونه مزيدا وأولا باعتبار كون فعله مقدما على الأذان والإقامة وثانيا باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة - على الزوراء، قال أبو عبد الله - أي: البخاري -: الزوراء موضع بالسوق بالمدينة.
رواه البخاري (870) .
وهذا الأذان ليس من البدع المحدثة بل هو سنة من سنن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه والتي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها في قوله: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ".
ثم إنه معلَّل بعلة معقولة وهي تنبيه الناس لقرب الصلاة، وللعلم فإنه لا يترتب على هذا الأذان شيء من الأحكام مثل تحريم البيع والشراء أو وجوب الذهاب إلى المسجد، وإن من فقه عثمان - رضي الله عنه - أن جعله في السوق لا في المسجد، ومثل هذا لا يكون أكثر من تنبيه الناس لقرب الصلاة بسبب بعد البيوت وتباعدها كما سبق ذكره.
ولهذا روي أن عليّاً رضي الله عنه لم يعمل به في الكوفة لعدم الحاجة إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8773)
الفرق بين تحديد موعد للدرس وتحديد موعد لقيام الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا عما إذا كان تحديد موعد منتظم أسبوعياً لإلقاء محاضرة دينية أو حلقة علم , بدعة منهيّاً عنها باعتبار طلب العلم عبادة , والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحدد موعداً لهذه العبادة , وتبعاً لذلك هل إذا اتفق مجموعة من الأخوة على الالتقاء في المسجد ليلة محددة كل شهر لقيام الليل , هل يكون ذلك بدعة مع إيراد الدليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى السؤال السابق فأجاب بقوله:
... إن تحديد يوم معين منتظم لإلقاء محاضرة أو حلقة علم ليس ببدعة منهي عنها , بل هو مباح كما يقرر يوم معين في المدارس والمعاهد لحصة الفقه أو التفسير أو نحو ذلك. ولا شك أن طلب العلم الشرعي من العبادات لكن توقيته بيوم معين تابع لما تقتضيه المصلحة , ومن المصلحة أن يعين يوم لذلك حتى لا يضطرب الناس , وطلب العلم ليس عبادة موقتة بل هو بحسب ما تقتضيه المصلحة والفراغ. لكن لو خص يوماً معيناً لطلب العلم باعتبار أنه مخصوص لطلب العلم وحده فهذا هو البدعة.
وأما اتفاق مجموعة على الالتقاء في ليلة معينة لقيام الليل فهذا بدعة؛ لأن لإقامة الجماعة في قيام الليل غير مشروعة إلا إذا فعلت أحياناً وبغير قصد كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم مع عبد الله رضي الله عنهما.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، كتاب العلم،الصفحة (208) .(5/8774)
تسأل عن خرافة تتعلّق بالزواج بين العيدين، وما فيها من المحاذير الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن ما يعتقده الناس هنا في آسيا أنه من السيئ جدا أن يتم الزواج بين العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) لأنه لو تم الزواج في هذه الفترة فسيموت أحد الزوجين، أود أن أعرف هل هذا صحيح أم لا من وجهة نظر إسلامية.
كذلك فقد ذكرت في أحد أجوبتك بأنه لا يجوز تخصيص يوم 15 من شعبان بالصلاة والصيام وأن الثواب سيكون أعظم لو أن الشخص واصل العبادة على عادته.
هنا حيث أعيش، يهتم الناس كثيرا بهذا اليوم ويصلون ويصومون لله في هذا اليوم ويقولون إن ثوابه عظيم جداً وأن هذا مذكور في الحديث الشريف وعندما أخبرتهم بإجابتك قالوا بل يوجد فضل هذا اليوم في الحديث الشريف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما جواب السؤال الأول:
فهو من شقين: الأول: الاعتقاد المذكور في السؤال غير صحيح وهو من البدع والضلالات التي لا أصل لها في الشرع، ولم يدل عليها الكتاب والسنة.
الشق الثاني: هذا الاعتقاد مخالف للشريعة الإسلامية من عدة جوانب:
الأول: الاعتقاد بالموت في هذه الفترة، وذلك أمر لا يجوز لأن الموت والحياة بيد الله عز وجل، وأجَلُ الإنسان مما اختص الله عز وجل بعلمه ولا أحد من الخلق يعلم وقت موته، وهذا الأمر لم يُطلع الله أحداً من الخلق عليه، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث جبريل الطويل:.. قال: (في خمس لا يعلمهن إلا الله) ثم تلا: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) رواه البخاري (48) ومسلم (10) .
فالادعاء بأن الزواج في هذه الفترة يؤدي إلى الموت من ادعاء علم الغيب وكل من ادعى علم الغيب فهو كاذب. ولذلك كان من رؤوس الطواغيت من ادعى شيئاً من علم الغيب.
الثاني: أن فيه قدحاً في الإيمان لأن فيه عدم الإيمان بالقضاء والقدر، ولذلك علّم النبي صلى الله عليه وسلم ابْنَ عَبَّاسٍ وكان غلاماً قال: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي (صفة القيامة / 2440) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2043) وجاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ... ) رواه مسلم (القدر / 4797)
الثالث: أن فيه قدحاً في التوحيد وكماله، لما فيه من الطِيرة والتشاؤم، وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ) رواه البخاري (الطب / 5316)
والتطيّر هو التشاؤم. وجاء في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة من الشرك) رواه الترمذي (السير / 1539) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1314)
" واعلم أن التطيّر ينافي التوحيد ووجه منافاته له من وجهين:
الأول: أن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره.
الثاني: أنه تعلّق بأمر لا حقيقة له، فأي رابطة بين هذا الأمر، وبين ما يحصل لذلك، وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد، لأن التوحيد عبادة واستعانة. قال تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة /4 وقوله تعالى: (فاعبده وتوكّل عليه) هود/123 ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في شوال وبنى بها في شوال وكانت أحظى نسائه إليه وأحبهن إليه. وكانت العرب يتشاءمون في هذا الشهر / ويقولون إذا تزوج في شوال فإنه لا يفلح، وهذا لا حقيقة له ...
والمتطيّر لا يخلو من حالين:
الأول: أن يحجم ويستجيب لهذه الطيرة ويدع العمل، وهذا من أعظم التطيّر والتشاؤم.
الثاني:
أن يمضي لكن في قلق وهمّ وغمّ يخشى من تأثير هذا المتطيّر به، وهذا أهون، وكلا الأمرين نقض في التوحيد وضرر على العبيد ".أهـ انظر القول المفيد لابن عثيمين ج/2 ص/77-78.
ومن حيث الواقع العملي نجد تكذيب هذه الخرافة في السنة النبويَّة الصحيحة، وذلك في زواج خير الخلق وهو محمد صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليه وهي عائشة رضي الله عنها، وكان زواجه منها بين العيدين وكانت من أسعد الناس حظّاً به، بل إنها ردَّت على هذا الزعم الجاهلي بقولها:
تزوجني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني.
قال عروة بن الزبير: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال.
رواه مسلم (1423) .
قال النووي:
فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه، واستدلوا بهذا الحديث، وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له، وهو من آثار الجاهلية، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع.
" شرح مسلم " (9 / 209) .
وقال ابن القيم:
وقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تستحب أن تتزوج المرأة أو يبنى بها في شوال وتقول: " ما تزوجني رسول الله إلا في شوال، فأي نسائه كان أحظى عنده مني " مع تطير الناس بالنكاح في شوال، وهذا فعل أولى العزم والقوة من المؤمنين الذين صح توكلهم على الله، واطمأنت قلوبهم إلى ربهم، ووثقوا به، وعلموا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وأنهم ما أصابهم من مصيبة إلا وهي في كتاب من قبل أن يخلقهم ويوجدهم، وعلموا أنه لا بد أن يصيروا إلى ما كتبه وقدَّره ولا بد أن يجرى عليهم، وإن تطيرهم لا يرد قضاءه وقدره عنهم، بل قد يكون تطيرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاء والقدر فيعينون على أنفسهم، وقد جرى لهم القضاء والقدر بأن نفوسهم هي سبب إصابة المكروه لهم فطائرهم معهم، وأما المتوكلون على الله المفوِّضون إليه العالمون به وبأمره فنفوسهم أشرف من ذلك، وهممهم أعلى، وثقتهم بالله وحسن ظنهم به عدة لهم وقوة وجنة مما يتطير به المتطيرون ويتشاءم به المتشائمون، عالمون أنه لا طير إلا طيره، ولا خير إلا خيره، ولا إله غيره، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
" مفتاح دار السعادة " (2 / 261) .
أما ما يتعلق بالسؤال الثاني: فيراجع جواب سؤال رقم (8907) وحكم الاحتفال بليلة النصف في شعبان في الموقع (قسم مواضيع في المناسبات) ..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8775)
هل تصح صلاة التسابيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد حديث يؤيد صلاة التسابيح؟ إذا كان الجواب بنعم، فما هو مصدره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد ورد في صلاة التسابيح حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسَّنه بعض أهل العلم، ولكن ذهب كثيرون إلى ضعفه وعدم مشروعية هذه الصلاة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن صلاة التسابيح فأجابت:
صلاة التسابيح بدعة وحديثها ليس بثابت، بل هو منكر، وذكره بعض أهل العلم في الموضوعات.
انظر فتاوى اللجنة الدائمة م/8 ص/163
وقال الشيخ ابن عثيمين: صلاة التسابيح غير مشروعة وذلك لضعف حديثها قال الإمام أحمد: لا تصح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية هي كذب، وقال إنه لم يستحبها أحد من الأئمة وصدق رحمه الله فإن من تأمل تلك الصلاة وجد فيها من الشذوذ في كيفيتها وصفتها ووجد فيها الشذوذ في فعلها، ثم إنها لو كانت مشروعة لكانت مما توافر الروايات على نقلها لكثرة فضلها وأجرها، فلما لم يكن ذلك ولم يستحبها أحد من الأئمة علم أنها ليست بصحيحة. ووجه شذوذ عملها كما جاء في الحديث الذي روي فيها يصليها في كل يوم مرة أو في كل أسبوع أو في كل شهر أو في كل سنة أو في العمر مرة، وهذا دليل على أنها ليست بصحيحة، ولو كانت مشروعة لكانت على وجه مستمر، لا يُخيَّر فيها الإنسان هذا التخيير المتباعد المترامي الأطراف، وبناء على ذلك فإن الإنسان لا ينبغي له أن يفعلها. والله أعلم.
فتاوى منار الإسلام 1/203
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8776)
بدعة التشاؤم من الزواج في شهر شوال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما يقوله الناس في ترك الزواج في شهر شوال صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن منظور: (وشوال: من أسماء الشهور معروف, اسم الشهر الذي يلي رمضان , وهو أول أشهر الحج) .
قيل: سمي بتشويل لبن الإبل , وهو توليه وإدباره , وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر وانقطاع الرطب… وكانت العرب تطير من عقد المناكح فيه , وتقول: إن المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها , فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم طيرتهم , وقالت عائشة رضي الله عنها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال , وبنى بي في شوال , فأي نساءه كان أحظى عنده مني؟) . رواه أحمد في مسنده (6/54) واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه (2/1039) كتاب النكاح, حديث رقم (1423) . ورواه الترمذي في سننه (2/277) أبواب النكاح, حديث رقم (1099) , وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه النسائي في سننه (6/70) كتاب النكاح, باب التزويج في شوال. ورواه ابن ماجة في سننه (1/641) كتاب النكاح, حديث رقم (1990) . ا. هـ (لسان العرب 11/277 مادة شوال)
فالسبب الذي جعل العرب في الجاهلية يتشاءمون من الزواج في شهر شوال: هو اعتقادهم أن المرأة تمتنع من زوجها كامتناع الناقة التي شولت بذنبها بعد اللقاح من الجمل.
قال ابن كثير رحمه الله: (وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها في شوال ردّ لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين , وهذا ليس بشيء.) ا. هـ. البداية والنهاية (3/253) .
فالتشاؤم من الزواج في شهر شوال أمرُ باطلُ , لأن التشاؤم عموماً من الطيرة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: (لا عدوى ولا طيرة) شرح صحيح مسلم النووي (14/218,219) . وقال عليه السلام: (الطيرة شركُ) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/440) . ورواه أبو داود في سننه (4/230) كتاب الطب. حديث رقم (3910) . ورواه الترمذي في سننه (3/84, 85) أبواب السير, حديث رقم (1663) , وقال: حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجة في سننه (2/1170) كتاب الطب, حديث رقم (3538) . ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 17, 18) كتاب الإيمان, وقال حديث صحيح سنده, ثقات رواته ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي في تلخيصه.
قال النووي رحمه الله في شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها: (فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال , وقد نصَّ أصحابنا على استحبابه , واستدلوا بهذا الحديث.
وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه , وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال , وهذا باطل لا أصل له , وهو من آثار الجاهلية , كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع ….) . شرح صحيح مسلم للنووي (9/209) ا. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
البدع الحولية للشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري , ص/348 - 349.(5/8777)
حكم الدعاء بأدعية لم تثبت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بعض الادعية التي لم ترد مثل: " حجر حابس، شهاب قابس، ردت عين الحاسد عليه وعلى أحب الناس إليه "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء لا أصل له، وفيه عدوان على غير المعتدي، فلا يجوز استعماله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/8778)
أفعال منكرة في المأتم
[السُّؤَالُ]
ـ[اطلب سماحتكم أن تفيدونا بما يتفق مع شرع الله في المأتم بأننا نعمل الآتي:
نقرأ سورة الفاتحة على قبر الميت.
وتكون التعزية في المأتم لمدة تصل إلى ثلاثة أيام أو أكثر، ونأكل ونشرب في المأتم، ونجمع من كل واحد خمسة وعشرين ريالاً وتُدفع لأهل الميت.
وتذبح ذبيحة شاة أو نحوها في ثالث أيام الوفاة.
وتجمع حصوات مع القول بصوت مرتفع (لا إله إلا الله) وتوضع على قبر الميت.
وترفع النسوة أصواتهن بالبكاء والعويل، ولطم الخدود، وذكر محاسن الميت،
ويلبسن الأسود الخشن حداداً على الميت،
ولا تباشر النساء في أيام العدة أي عمل، نحو إعداد الطعام والقيام بالأعمال المعتادة التي يقمن بها النساء.]ـ
[الْجَوَابُ]
هذه عادات جاهلية، أو بدع منكرة، عليكم تركها وبيان نكارتها.
1- فأما القراءة على القبر فلا تجوز، ولم يفعلها أحد من السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وإنما ورد قراءة (ياسين) عند المحتضر قبل خروج روحه أما بعد موته وعند دفنه أو بعد الدفن فلا يشرع من القراءة، ولا التلقين ونحوه.
2- أما التعزية فهي سنة، ولا تكون في المأتم، بل يعزى أهل الميت في كل مكان، ولا بأس باجتماعهم ( ... ) ليقصدهم المعزون، ولا يجتمعون للأكل، وإنما يصلح لأهل الميت وحدهم طعام بقدرهم، ويكره لهم فعله للناس.
3- وهذه النقود التي تُجمع من كل واحد لا حاجة إليها إلا إذا كانوا فقراء تحل لهم الزكاة.
4- لا تجوز هذه الذبيحة سواء كانت من مال الميت أو من غيره، أما إذا أصلح لأهل الميت طعام ولو بذبيحة أو أكثر فلا بأس.
5- وجمع هذه الحصوات، والذكر عند الجمع، ووضعها على القبر بدعة منكرة، يجب تركها وإنكارها.
6- ورفع الصوت بالنياحة والعويل، ولطم الخدود، وتعداد محاسن الميت بدعة، ومن فعل الجاهلية، وقد ورد حديث: " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " رواه البخاري (1294 فتح 3/163) ومسلم (103) وأحمد (1/442) .
7- ولبس السواد حدادا على الميت بدعة، وإنما زوجاته يتجنبن لباس الشهرة والزينة، والحلي والجمال، والطيب زمن الإحداد.
8- وتركهن الأعمال والأشغال المعتادة زمن الإحداد بدعة، فللحادة أن تصلح الطعام، وتكنس الدار وتغسل الأواني والثياب، ولا حرج عليها في ذلك والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8779)
هل يوجد في الإسلام بدعة حسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت عدّة مقالات للأشعرية والصوفية حول تقرير مبدأ البدعة الحسنة ومما استدلوا به قصة الصحابي الذي قال في الرفع من الركوع ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ ذلك ويقولون أن ابن حجر يدعم هذا الرأي وأنّه وصف ابن تيمية بأنه عبد يقود الآخرين إلى الضلال، هل من تعليق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: كيف يمكن أن تكون هناك بدعة حسنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار " رواه النسائي 1560
فإذا قال قائل بعد ذلك إنّ هناك بدعة حسنة فماذا يمكن أن يكون إلا معاندا للرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أنّ الحمد بعد الرّفع من الركوع ذكر معروف ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلّم وغاية ما فعله ذلك الصحابي أنّه أتى بصيغة من صيغ الحمد فكيف يمكن أن يُستدلّ به على اختراع عبادات وأذكار لا أصل لها في الشّرع.
ثالثاً: أنّ فعل ذلك الصّحابي ليس حجّة بنفسه وأنّه لم يعتبر عملا صحيحا إلا بعد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم وليس قبل ذلك، وأنّى لهذا المبتدع الحصول على إقراره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
رابعا: أننا لو سلمنا بصحة ما استدلّ به ذلك المحتجّ فإنه لا يعدو أن يكون واقعة عين لا عموم لها وأما دلالة حديث كلّ بدعة ضلالة فصريح في العموم قطعاً ومن المعلوم عند العلماء أنّ المنطوق مقدّم على المفهوم.
خامسا: كيف يمكننا معرفة الحُسْن من عدمه بعقولنا المجرّدة دون وحي. أوليس احتمال الاختلاف واردا فما يراه هذا حسنا لا يراه الآخر كذلك فما هو المقياس إذاً؟ وعلى عقل من نعوّل وإلى عقل من نحتكم؟ أليس هذا هو الاضطراب وعين الفوضى؟
سادسا: (وهو تأكيد للوجه الثالث) أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقرّ صحابيا على عبادة فعلها أو ذكر قاله ونحو ذلك فإنّه يكون مشروعا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ويكون حينئذ سنّة حسنة، وأمّا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد انقطاع الوحي فكيف نعرف أنّ هذا الذّكر أو العبادة المستحسنة التي اخترعها فلان من الناس هي صحيحة وأنّ الشارع يقرّها؟ هذا غير ممكن وبالتالي لم يعد أمامنا الآن في مسائل العبادات إلاّ الاقتصار على ما ورد في الشّرع لا غير.
أما العلامة الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية نقولا متعددة في فتح الباري وأقرّ بعضها واعترض على بعضها وهذا من شأن العلماء فهم يتحاورون ويناقش بعضهم كلام بعض بغية الوصول إلى الحقّ والصواب وقد يكون الحقّ مع المعتَرِض وقد يكون مع المُعتَرَض عليه، أما تلك العبارة السيئة التي نقلت في السؤال فإنّ علمنا بأدب ابن حجر رحمه الله وورعه ومعرفته لقيمة العلم والعلماء يجعلنا نجزم ببطلان تلك العبارة والله يغفر للجميع ويأجرهم على اجتهادهم وعنايتهم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8780)
طريقة مبتدعة في قراءة آية والدعاء بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة آية من القرآن الكريم لغرض محدد كأن أذكر اسم من أسماء الله الحسنى تسعاً وتسعين مرة، ثم ادعوا الله بحاجتي، ويكون ذلك من قبيل التوسل إلى الله دون أن يخالطه شرك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ومن سؤال الله بأسمائه الحسنى أن يقول الداعي يا رحمن ارحمني، ويا تواب تب علي، ويا رزّاق ارزقني ونحو ذلك.
أما تخصيص آية معينة بعدد معين (99 مرة أو غيره) يتلوها به دون دليل صحيح فإنّ ذلك العمل يعتبر عملا بدعيا محرّما لأنّه تعبّد الله بطريقة لم ترد في الشّرع والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ. " رواه البخاري الفتح رقم 2697 فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا مجال للاختراع في دين الله، وهل يمكن أن نكتشف شيئا في الدّين لم يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ، فعلينا أن نقرأ القرآن كما قرأه وندعو بما دعا به ونتلو الأذكار التي وردت عنه.
والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8781)
البدعة الحسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما هي البدعة؟ كثير من الناس اسمعهم يطلقون على أمور متعددة أنها بدعة وهذا مما سبب تشويشاً عندي. ثم أليس هنالك حديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: بأن كل من يقدم أمراً جديداً مفيداً يُثاب؟ إذا كان ذلك كذلك فلماذا تعتبر البدع كلها مذمومة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: ينبغي معرفة معنى البدعة شرعا
وتعريفها: هي طريقة مخترعة في الدّين يُقصد بها التعبّد والتقرب إلى الله تعالى.
وهذا يعني أنّه لم يرد بها الشّرع ولا دليل عليه من الكتاب أو السنة ولا كانت على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وواضح من التعريف أيضا أنّ المخترعات الدنيوية لا تدخل في مفهوم البدعة المذمومة شرعا.
وأمّا بالنسبة لاستشكالك أيها السائل فإن كنت تقصد بالتعارض حديث أبي هريرة وحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنهما فتعال بنا نتعرّف على نصّهما ومعناهما:
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا. " رواه الترمذي رقم 2675 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وهذا الحديث له مناسبة وقصة توضّحه وتبيّن المراد من قوله من سنّ سنّة خير وهذه القصة هي ما جاء في صحيح الإمام مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ راوي الحديث نفسه قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلا مِنْ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ." رواه مسلم رقم 1017
ومزيد من التوضيح في رواية النسائي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَجَاءَ قَوْمٌ عُرَاةً حُفَاةً مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا. " رواه النسائي في المجتبى: كتاب الزكاة باب التحريض على الصّدقة
فيتبين من خلال القصة والمناسبة أنّ معنى قوله صلى الله عليه وسلم " من سنّ في الإسلام سنّة حسنة " أي: من أحيا سنّة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم أو دلّ عليها أو أمر بها أو عمل بها ليقتدي به من يراه أو يسمع عنه، ويدلّ على ذلك أيضا حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّ عَلَيْهِ (أي حثّ على التصدّق عليه) فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا بَقِيَ فِي الْمَجْلِسِ رَجُلٌ إِلاّ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ كَامِلاً وَمِنْ أُجُورِ مَنْ اسْتَنَّ بِهِ وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ اسْتَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَاسْتُنَّ بِهِ فَعَلَيْهِ وِزْرُهُ كَامِلا وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِي اسْتَنَّ بِهِ وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا. رواه ابن ماجة في سننه رقم 204
فيتبيّن من خلال ما سبق بما لا يدع مجالا للشكّ أنّه لا يمكن أن يكون مراد النبي صلى الله عليه وسلم تجويز الابتداع في الدّين أو فتح الباب لما يسمّيه بعض الناس بالبدعة الحسنة وذلك لما يلي:
1- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر مرارا وتكرارا أنّ: " كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ". رواه النسائي في سننه: صلاة العيدين: باب كيف الخطبة والشاهد من هذا الحديث مروي من طريق جابر رضي الله عنه عند أحمد ومن طريق العرباض بن سارية عند أبي داود ومن طريق ابن مسعود رضي الله عنه عند ابن ماجة.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول إِذَا خَطَبَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.. " رواه مسلم رقم 867
فإذا كانت كلّ بدعة ضلالة فكيف بقال بعد ذلك أنّ هناك في الإسلام بدعة حسنة. هذا لعمر الله صريح المناقضة لما قرّره النبي صلى الله عليه وسلم وحذّر منه.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنّ من ابتدع في الدّين بدعة محدثة فإنّ عمله حابط مردود عليه لا يقبله الله كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ. " رواه البخاري فتح رقم 2697 فكيف يجوز بعد ذلك أن يقول شخص بجواز البدعة والعمل بها.
3- أنّ المبتدع الذي يضيف إلى الدّين ما ليس منه يلزم من فعله هذا عدة مساوئ كلّ واحد منها أسوأ من الآخر ومنها:
- اتهام الدّين بالنقص وأنّ الله لم يكمله وأن فيه مجالا للزيادة وهذا مصادم لقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) .
- أنّ الدّين بقي ناقصا من أيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء هذا المبتدع ليكمله من عنده.
- أنّه يلزم من إقرار البدعة اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأحد أمرين: إما أن يكون جاهلا بهذه البدعة الحسنة!! أو أنه قد علمها وكتمها وغشّ الأمة فلم يبلّغها.
- أنّ أجر هذه البدعة الحسنة قد فات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح حتى جاء هذا المبتدع ليكسبه، مع أنّه كان ينبغي عليه أن يقول في نفسه " لو كان خيرا لسبقونا إليه".
- أنّ فتح باب البدعة الحسنة سيؤدي إلى تغيير الدّين وفتح الباب للهوى والرأي، لأنّ كلّ مبتدع يقول بلسان حاله إنّ ما جئتكم به أمر حسن، فبرأي من نأخذ وبأيهم نقتدي؟
- إن العمل بالبدع يؤدي إلى إلغاء السنن وقول السّلف الذي يشهد به الواقع: ما أحييت بدعة إلا وأميتت سنّة. والعكس صحيح.
نسأل الله أن يجنبنا مضلات الهوى والفتن ما ظهر منها وما بطن والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8782)
لا يجوز ادّعاء خصوصيات معيّنة لأيام معينّة دون دليل شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية الأيام الثالث عشر والحادي والعشرين والثاني والعشرين والسابع والعشرين من شهر رجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شيء يخصّ هذه الأيام بالذّات على الإطلاق، فأمّا أيّام شهر رجب كلّها فإنها معظّمّة بلا استثناء لأنّ رجب من الأشهر الحُرم مثل شهر ذي القعدة وذي الحجة ومحرّم.
وأمّا يوم الثالث عشر من كلّ شهر - وليس رجب بالذّات - فهو أحد أيّام البيض الثلاثة التي يستحبّ صيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
وكثير من أهل البدع يعتقدون أفضلية معيّنة في أيام معيّنة ويخصّونها بعبادات دون أيّ دليل شرعيّ فهؤلاء عملهم مردود غير مقبول لأنّهم ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله.
نسأل الله أن يرزقنا اتّباع السنّة واجتناب البدعة، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8783)
هل يُشرع قراءة الفاتحة 100 مرة للطلب من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث ينص على قراءة الفاتحة 100 مرة لطلب البركة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك دليل صحيح يثبت مشروعية قراءة الفاتحة 100 مرة ليسأل العبد ربّه شيئا، فلا يجوز العمل بذلك فعليك باتّباع السنّة واسأل الله بأسمائه وصفاته وتوسّل إليه بها قال عزّ وجلّ (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وأما سورة الفاتحة فهي أعظم سورة في القرآن فاقرأها متى شئت دون تحديد عدد معيّن أو كيفية معيّنة لم ترد في الشّرع، والله يوفقنا وإياك لكلّ خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8784)
خرافة ضرر الجماع يوم الثلاثاء
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أنه يجب أن لا يجامع الرجل زوجته يوم الثلاثاء وأن هناك شيء يأتي تلك الليلة ويلعن كل من فعلها تلك الليلة وسوف يعانون في المستقبل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أعلم علمنا الله وإياك أن هذا من الخرافات والمحدثات التي لا أصل لها لا من كتاب ولا من سنة وهو من جنس كلام أهل البدع والضلال حيث قالوا أن النكاح مكروه إذا كان القمر في العقرب أو تحت الشعاع وفي المحاق وغير ذلك من منازل القمر أنظر معجم البدع لرائد صبري 656.
وقد أباح الله الجماع في كل الأوقات والبقاع واستثنى منها:
أولاً: الجماع في نهار رمضان قال تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) البقرة (187) .
ثانياً: أثناء الحيض والنفاس قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) (البقرة: 222) .
ثالثاً: في المساجد لقوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها) البقرة 187. وغير ذلك من الأحوال كأن يكون مُحْرماً، ومما تقدم فإنك لا تجد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على صحة هذا القول المُفْترى، إنما هو من الأباطيل والمنكرات التي انطلت على كثير من الناس فأصبحت عندهم معتقداً لا يحيدون ولا ينثنون عنه، وكثيرون من الناس وطئوا زوجاتهم أيام الثلاثاء وانجبوا أولادا أصحّاء ولم يُصبهم ولا أولادهم مكروه بسبب ذلك، أعاذنا الله وإياكم من البدع والمنكرات والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8785)
حكم اختراع أذكار أو الاستدلال بالمنامات على صحتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت في قسم البدعة أن قراءة سورة ما مثلاً 100 مرة طلباً للثواب من البدعة، بعد قراءة كتاب للصوفية لكاتبه حكيم معين الدين شيشتي بعنوان " براءة الصوفية " برر فيه استعمال هذه الطرق وغيرها وأنها إلهام من الله خلال النوم، ليثق الناس القريبين من الله.
هل هذا من البدعة؟ كيف نتبين صدقهم؟ هل هذا جائز في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. وصف الله تعالى أولياءه بوصفين اثنين: الإيمان والتقوى، قال الله تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس 62] ، فمن كان مؤمناً تقيّاً: كان لله وليّاً.
2. وأولياء الله تعالى لا يخالفون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع في الدين، لأن الله تعالى قد أكمل دينه، وأتمم نعمته على عباده، فقال {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة 3] ، وقال صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".
3. وعليه: فإنك تستطيع أن تميز الولي لله تعالى من ولي الشيطان، وذلك بأن تبحث عن حاله في نفسه وخلقه ودينه من حيث الالتزام بالصلاة في جماعة في المسجد مثلا، ومن حيث تنزهه عن أكل أموال الناس بالباطل، ومن حيث عدم تعديه على الشرع بزيادة أو نقصان، وهكذا.
4. لايجوز إحداثُ ذِكرٍ يتعاهده المسلم، أو يوصي به غيرَه - كالأوراد والمأثورات والأدعية -، ويكفيه ما جاء في السنَّة الصحيحة في هذا، وإلا كان مبتدعاً، أو داعيةً إلى البدعة، قال صلى الله عليه وسلم "منْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" رواه البخاري (2550) ، مسلم (1718) ، وفي رواية "مسلم" (1718) "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وهذا الحديث أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أنَّ حديث "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات" ميزانٌ للأعمال في باطنها، فكما أنَّ كلَّ عملٍ لا يُراد به وجهُ الله تعالى؛ فليس لعامله فيه ثوابٌ، فكذلك كلُّ عملٍ لا يكون عليه أمر الله ورسوله؛ فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس مِن الدين في شيءٍ. أ.هـ "جامع العلوم والحكم" (1/180)
وقال النووي رحمه الله: وهذا الحديث قاعدةٌ عظيمةٌ مِن قواعد الإسلام، وهو مِن جوامع كَلِمه صلى الله عليه وسلم؛فإنَّه صريحٌ في رد البدع والمخترعات، وفي الرواية الثانية زيادة وهي: أنَّه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعةٍ سُبق إليها، فإذا احتُج عليه بالرواية الأولى أي: " مَن أحدث "- يقول: أنا ما أحدثتُ شيئاً، فيُحتج عليه بالثانية أي:"مَن عمل "- التي فيها التصريح بردِّ كلِّ المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سُبق بإحداثها ... وهذا الحديث مما ينبغي حفظه، واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به. أ. هـ "شرح مسلم" (12/16) .
5. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: لا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعوات مِن أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعيةُ والأذكارُ النبويَّةُ هي أفضل ما يتحرَّاه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمانٍ وسلامةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسانٌ، ولا يحيط بها إنسانٌ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ النَّاسِ، وهي جملةٌ يطول تفصيلها.
وليس لأحدٍ أنْ يَسُنَّ للنَّاسِ نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به ... وأما اتخاذ وردٍ غيِر شرعيٍّ، واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غايةُ المطالبِ الصحيحةِ ونهايةُ المقاصدِ العليَّة، ولا يَعدلُ عنها إلى غيرها من الأذكارِ المحدَثة المبتدعةِ إلاّ جاهلٌ أو مفرِّطٌ أو متعَدٍّ. أ. هـ "مجموع الفتاوى" (22/510-511) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8786)
هل يوزعون الحلوى على غير المسلمين في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم بعض الشباب المسلم في بريطانيا بتنظيم مهرجان مصغر كل سبت، في ثاني أكبر مكان تسوق في بريطانيا، ويتضمن توزيع بعض الحلوى للزائرين، وهم غير مسلمين. السؤال: هل يجوز أن نستمر في توزيع الحلوى خلال نهار شهر رمضان أم نتوقف عن ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أمر الله تعالى عباده بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون عن الإثم والعدوان، كما قال تعالى: (وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
ولا شك أن الإفطار في نهار رمضان من غير عذر هو كبائر الإثم والعدوان، وعدم تعظيم حرمة هذا الشهر من فساد القلوب وإثمها.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون المفطر في رمضان مسلما، أو غير مسلم؛ فإن القول الراجح عند جمهور الأصوليين أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فيطالبون بأدائها، ويحاسبون على تركها، زيادة على حسابهم على ما كفروا بالله تعالى.
وبناء على ذلك: فلا يجوز توزيع شيء من الحلوى، أو غيرها من الطعام أو الشراب، على الزائرين في نهار رمضان، إذا علم أنها يأكلونها أثناء النهار.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (49694) ، وينظر أيضا: جواب السؤال رقم (78494) .
وبالإمكان أن توزعوا بدلا من ذلك شيئا من الهدايا العينية، أو العطور، أو الكتب الهادفة، أو غير ذلك، أو أن تجعلوا توزيع ذلك في الليل، متى رأيتم أن الاستمرار في مثل ذلك المعرض، وتوزيع الهدايا، فيه منفعة شرعية، وتأليف لقلوب زواركم على الإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8787)
هل نبات أي شعر حول العانة يحصل به البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بنت بلغت 11 سنة , لقد علمت بأن الإنبات من علامات البلوغ، فهل مجرد نبات القليل والضعيف من الشعر حول الفرج تصبح البنت مكلفة، بحيث يجب عليها الحجاب أو بنبات الكثير والخشن تصبح مكلفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بلوغ سن التكليف له علامات أخرى سوى نبات الشعر، ولا يشترط أن تتحقق العلامات جميعا؛ بل متى وجد في الصبي أو الصبية علامة واحدة منها، فقد صار مكلفا مسؤولا عن تصرفاته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي:
1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً.
2 ـ إنباتُ العَانةِ.
3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً.
فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً. والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنوات فهي بالغة ". انتهى." الشرح الممتع" (4/224) .
ثانيا:
الشعر الذي يحصل البلوغ بنباته هو الشعر الذي ينبت حول العانة: ذكر الغلام، أو فرج البنت، وأما شعر اللحية والشارب فلا يحصل البلوغ بنباته.
ثم إنه ليس كل شعر ينبت حول العانة يحصل به البلوغ، بل المعتبر فيه: أن يكون شعرا كثيفا يحتاج إلى حلقه بالموس ونحوه، وأما الشعر الخفيف الذي لا يحتاج إلى حلق، فلا يحصل به البلوغ.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ فَهُوَ أَنْ يَنْبُتَ الشَّعْرُ الْخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، الَّذِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى، وَأَمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ.
"المغني" (9/392) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في علامات البلوغ:
" أن ينبت حول قُبُله شعر خشن ـ سواء كان ذكراً أو أنثى ـ أي: قوي صلب، احترازاً من الشعر الناعم الخفيف، فهذا يحصل حتى لابن عشر أو أقل، لكن الشعر الخشن القوي الصلب، هذا علامة البلوغ، فلو نبتت لحيته ولم تنبت عانته فليس ببالغ، فالعبرة هي نبات العانة " انتهى. "الشرح الممتع" (9/289) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8788)
حكم المكرَهة على الزنى، ومتى يعد فعلها إكراهاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتساءل كيف لامرأة تولَد مسلمة أن تُجبر على عمل كداعرة، فهناك حالات كثيرة في "إندونيسيا" أجبرت الفتيات صغيرات السن اللاتي بلا مأوى على العمل كداعرات، فهل سيكون مصير فتاة كهذه أن تدخل النار؟ فإن ترفض الفتاة هذا العمل يكون مصيرها القتل، فهل يقع إثمها عليها، أم يقع على والدها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن هذا مما يؤلم القلب، بل ويدميه، ونسأل الله تعالى أن يخلص أولئك من براثن أهل الشر، والسوء.
ثانياً:
أول من تقع المسؤولية عليه هو الحاكم لتلك البلاد، ثم المسؤولون عن محاربة الشر والفساد وأهله، الذين يستطيعون القضاء على هؤلاء، ثم أهل الحل والعقد والكبراء، ممن يعلمون هذا الأمر، ويسكتون عنه.
والمسؤولية تقع أيضاً على والديهم ممن رضي لأولاده بالعمل في هذا المجال، أو فرَّط في تربية أولاده حتى وصلوا إلى هذه الحال.
ومن أعظم أسباب ضياع الأولاد: تقصير الوالدين في حق أولادهم بتضييعهم , وعدم القيام بواجب المسؤولية نحوهم.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغاراً" انتهى.
"تحفة المودود" (ص 229) .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم مسؤولية أولئك جميعاً في سياق واحد في هذا الحديث:
عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
ثالثاً:
من قواعد الشريعة المتفق عليها بين أهل العلم: التجاوز عن المكرَه إكراهاً ملجئاً، لا يستطيع التخلص منه، بسبب ضعفه، وقلة حيلته، وبسبب جبروت المكرِه وطغيانه، حتى لو كان الإكراه في الكفر، فإن الله تعالى قد تجاوز عنه، ولا يكون المكرَه آثماً بحال، كما قال تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/ 106.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2045) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
وقد نصَّ الله تعالى على حرمة الإكراه على " البغاء "، وتوعَّد من أكره النساء عليه، وأخبر عن غفرانه لذنب من أكرهت على ذلك من النساء، بل وللمكرِه أيضاً إن هو تاب، وأناب.
قال الله تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/33.
وسبب نزول هذه الآية: هو ما كان يفعله " عبد الله بن أبيّ بن سلول " – زعيم المنافقين – من إكراه إماءٍ عنده على الزنى.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ جَارِيَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىٍّ ابْنِ سَلُولَ يُقَالُ لَهَا " مُسَيْكَةُ "، وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا " أُمَيْمَةُ " فَكَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَى، فَشَكَتَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) إِلَى قَوْلِهِ (غَفُورٌ رَحِيمٌ) رواه مسلم (3029) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"قال تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ) أي: إماءكم، (عَلَى الْبِغَاءِ) أي: أن تكون زانية، (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) لأنه لا يُتصور إكراهها إلا بهذه الحال، وأما إذا لم ترد تحصناً: فإنها تكون بغيّاً، يجب على سيدها منعها من ذلك، وإنما هذا نهي لما كانوا يستعملونه في الجاهلية، من كون السيد يُجبر أمَته على البغاء؛ ليأخذ منها أجرة ذلك، ولهذا قال: (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فلا يليق بكم أن تكون إماؤكم خيراً منكم، وأعفَّ عن الزنا، وأنتم تفعلون بهن ذلك؛ لأجل عرَض الحياة، متاع قليل، يعرض، ثم يزول.
فكسبكم النزاهة، والنظافة، والمروءة - بقطع النظر عن ثواب الآخرة وعقابها -: أفضل من كسبكم العرَض القليل، الذي يكسبكم الرذالة، والخسَّة.
ثم دعا من جرى منه الإكراه إلى التوبة، فقال: (وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ َفُورٌ رَحِيمٌ) فليتب إلى الله، وليقلع عما صدر منه مما يغضبه، فإذا فعل ذلك: غَفر الله ذنوبه، ورحمه" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 567) .
وقال الطبري رحمه الله:
" (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ) يقول: ومن يكره فتياته على البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهنّ على ذلك، لهنَّ (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، ووزر ما كان من ذلك عليهم، دونهن" انتهى.
"تفسير الطبري" (19/174) .
والآية تشمل المعنيين، فهو تعالى غفور رحيم للمكرَهات على الزنى، وهو غفور رحيم لمن تاب ممن أكرههنَّ على فعل الفاحشة.
وقد فصَّل العلماء في حد الإكراه الذي يُعذر فيه الإنسان.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
"وهو نوعان: أحدهما من لا اختيار له , ولا قدرة له على الامتناع، كمن حُمل كرها , وأُدخل إلى مكان حلَف على الامتناع من دخوله، أو حُمل كرهاً، وضُرب به غيره حتى مات ذلك الغير , ولا قدرة له على الامتناع، أو أضجعت، ثم زني بها، من غير قدرة لها على الامتناع، فهذا لا إثم عليه بالاتفاق.
والنوع الثاني: من أكره بضرب أو غيره حتى فعل هذا الفعل ... فإن أكره على شرب الخمر أو غيره من الأفعال المحرمة، ففي إباحته قولان: أحدها: يباح له ذلك، استدلالاً بقول الله تعالى: (وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ... ) ... وذكر الحديث المتقدم في نزولها في عبد الله بن أبي، ثم قال: وهذا قول الجمهور كالشافعي وأبي حنيفة وهو المشهور عن أحمد، وعن عمر بن الخطاب ما يدل عليه" انتهى باختصار.
" جامع العلوم والحكم " (ص 376) .
فإذا كان الإكراه وصل إلى حدِّ القتل – كما جاء في السؤال -: فلا إثم عليها، ولا حد.
وكذلك لو كان الإكراه بالمنع من الطعام والشراب، حتى يُخاف عليها من الهلاك: كان هذا عذراً أيضاً، ولا إثم عليها.
فعَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِامْرَأَةٍ جَهَدَهَا الْعَطَشُ، فَمَرَّتْ عَلَى رَاعٍ، فَاسْتَسْقَتْ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إِلاَّ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، فَشَاوَرَ النَّاسَ فِي رَجْمِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذِهِ مُضْطَرَّةٌ، أَرَى أَنْ تُخَلِّىَ سَبِيلَهَا، فَفَعَلَ. رواه البيهقي في " سننه " (8/ 236) ، وقوَّى إسنادَه الألباني في "إرواء الغليل" (7/341) .
قال ابن القيم رحمه الله:
"والعمل على هذا، لو اضطرت المرأة إلى طعام، أو شراب، عند رجل، فمنعها إلا بنفسها، وخافت الهلاك، فمكَّنته من نفسها: فلا حدَّ عليها.
فإن قيل: فهل يجوز لها في هذه الحال أن تمكِّن من نفسها، أم يجب عليها أن تصبر، ولو ماتت؟ .
قيل: هذه حكمها حكم المكرَهة على الزنا، التي يقال لها: إن مكنتِ من نفسك وإلا قتلتُك، والمكرهة لا حدَّ عليها , ولها أن تفتدي من القتل بذلك , ولو صبرت: لكان أفضل لها , ولا يجب عليها أن تمكن من نفسها، كما لا يجب على المكره على الكفر أن يتلفظ به , وإن صبر حتى قُتل: لم يكن آثما، فالمكرهة على الفاحشة أولى" انتهى.
"الطرق الحُكمية" (ص 80) .
وينبغي أن يُعلم: أن من شروط الإكراه أن يكون عاجزاً عن دفع المكرِه عن نفسه، أو الهرب منه، فإن أمكنها الهرب وجب عليها ذلك ولا تكون مكرهة، أو أمكنها أن تستعين بالشرطة أو المسؤولين ـ إن كانوا سيحمونها ـ فليست مكرهة.
وينظر تفصيل شروط الإكراه في جواب السؤال رقم: (70558)
ونسأل الله تعالى أن يحفظ أعراض المسلمين، وأن يردهم إليه ردّاً جميلاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/8789)
حقيقة مرض "الفصام" وهل يرفع التكليف عن صاحبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأمراض النفسية كالفصام يرفع التكليف عن صاحبه، من صلاة، أو غير ذلك من الفروض؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التكليف هو صلاحية الإنسان أن يتوجه إليه الأمر والنهي، بحيث يعاقب إن خالف ذلك.
ولهذا التكليف صفات يسميها العلماء: أهلية الوجوب، ومن أهم هذه الصفات: أن يكون الإنسان عاقلاً، فالمجنون غير مكلف، ودل على ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه الترمذي (1423) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/249) :
"أهلية الوجوب عبارة عن صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة، بحيث تثبت له حقوق، وتجب عليه واجبات والتزامات ... وبهذا يعرف أن الأهلية مناط التكليف" انتهى.
ثانياً:
الفصام من الأمراض العقلية، ويسمى خطأً " فصام الشخصية ".
قال الدكتور ياسر بكار:
"لا صحة لما يرد عن مرض فصام العقل أن المريض يكون له شخصيتان في جسد واحد، فهذا من ابتداع كتَّاب السينما، والحقيقة: أن المريض يعاني من خلل دماغي يسبب انفصالاً بين العقل والعواطف والسلوك".
وقال:
"الفصام هو مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل مثل التفكير والإدراك والمشاعر والسلوك" انتهى.
وقال الدكتور حسين عبد القادر - استشاري الأمراض النفسية -:
"وتؤكد دراسات علم النفس إن الفصام أو " الشيزوفرنيا " هي حالة تصيب 1% من الناس والمصاب بهذا الداء يطلق عليه " مختل عقليّاً "، والفصام من الأمراض المزمنة التي يعاني منها المريض طيلة حياته" انتهى.
"وأما أعراض هذا المرض: فتظهر في فقد التفكير والعاطفة والإدراك والإرادة والسلوك.
أما أعراض الإرادة: فإن مريض الفصام يفقد الكثير من قوة الإرادة، وعدم المقدرة على اتخاذ أي قرارات، والسلبية المطلقة في التصرفات، ثم فقد الإحساس بالذات.
وأما أعراض السلوك: فإن مريض الفصام يفقد اهتمامه بذاته ونظافته وصحته العامة، ولا يهتم بالأحداث اليومية، ويكون عرضة لسلوك غريب، مثل: تكرار الحركات، أو نوبات من الهياج والاندفاع والعدوانية، كما أنه يبدأ بالانعزال عن الناس، ويكف عن الذهاب إلى المساجد والأصدقاء، ويفقد اهتمامه بما حوله، ويبتعد عن الناس، كما أنه يهمل الدراسة والعمل تماماً حتى يفصل، ويجلس متقوقعاً داخل عالمه الوهمي" انتهى من كلام بعض الاختصاصيين.
وبالتأمل في حقيقة هذا المرض العقلي، وأعراضه يتبين أن مريض الفصام قد تعتريه في غالب أوقاته – أو كلها - ما يجعله يعيش في عالم آخر، وفي هذا الوقت لا يكون مكلَّفاً إلا أن تزول عنه تلك الحالة، وهذا كلام أحد الاختصاصيين في هذه المسألة:
قال الدكتور سيد البرجيسي - في بيان ما يعتري مريض الفصام من آثار لمرضه -:
"الضلالات: الضلالات عبارة عن اعتقاد خاطئ يؤمن به المريض إيماناً راسخاً يستحيل إقناعه منطقيّاً بعدم صحته، ولا تدل الضلالات على وجود تدهور بالذكاء، وليست له علاقة به، وأهم الضلالات الموجودة في مرض الفصام:
أ. ضلالات الاضطهاد: حيث يعتقد المريض أن الناس تتعقبه، وأن أجهزة الأمن تتبع كل خطواته، أو أن بعض الناس تكرهه، وتريد التخلص منه، سواء بوضع السم في الطعام وخلافه.
ب. ضلالات العظمة: يؤمن المريض أنه أذكى أو أقوى البشر، أو أنه رسول مرسل لهداية الناس، أو أنه عالِم، أو مخترع، أو أوتي قوة خارقة، أو يستطيع الكشف عن الظواهر الغيبية.
ج. ضلالات التأويل أو التلميح أو الإشارة: حيث يعتقد المريض أن كل حركة تصدر ممن حوله تكون للإشارة أو التلميح إلى تصرفاته، وهذا يجعله إما في حالة من الاحتكاك المستمر مع المجتمع، أو الانطواء والانعزال عن الناس.
د. ضلالات التأثير: يشعر المريض أنه تحت تأثير قوى داخلية أو خارجية ويصبح أسير هذه الأفكار التي تختلف من أشعة ليزر إلى ذبذبات صوتية أو لاسلكية وما شابه ذلك" انتهى.
والخلاصة: أنه بالنظر في حقيقة التكليف الشرعي، وحقيقة الأهلية، وعوارضها، وبالتأمل في طبيعة مريض الفصام وأعراضه وآثاره: نجد أنه مانع من موانع التكليف، لا سيما في مراحله المتأخرة المزمنة، أما في الحالة التي يدري فيها عن نفسه، ويسيطر على أفعاله وتفكيره فإنه يكون مكلفاً بما أمره الله به أو نهاه عنه.
وهذا الذي قلناه هو فيما يتعلق بحقوق الله تعالى كالصلاة والصيام والحج، أما فيما يتعلق بحقوق الآخرين فإنه يضمن ما أتلفه لهم من أموال، وتجب عليه الزكاة في أمواله، لأن هذه الواجبات لا يشترط لوجوبها التكليف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8790)
هل تجب الصلاة على كبير السن لا يعقل الصلاة إلا إذا صلى أمامه أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل طاعن في السن لا يعقل الصلاة إلا إذا صلى أحد أمامه فإنه يتذكرها فيقوم ويصلي، ويتذكر بالقراءة القراءة، وبالتكبير التكبير، وهكذا.. فهل يؤمر بالصلاة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
سألت الشيخ عبد الرحمن البراك عن هذه المسألة، فأجاب: بأنه لا يؤمر بالصلاة، وهو يشبه الطفل الذي إذا رأى أباه يصلي قام بجانبه، فليس عنده من التمييز والإدراك ما يكفي لبقاء التكليف عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8791)
الطفل الصغير يتبع المسلم من أبويه في الديانة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الضروري إذا ولد طفل لأبوين مسلمين أن ينطق الشهادة بمجرد البلوغ؟ وماذا عن طفل ولد لأب مسلم وأم غير مسلمة، والأب لم يرغم ابنه على الصلاة وهو في العاشرة، والطفل لا يصلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الطفل الذي ولد لأبوين مسلمين يحكم بإسلامه بإجماع العلماء.
فإن اختلف أبواه في الدين، فإنه يتبع المسلم منهما، سواء كان الأب أو الأم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الطفل إذا كان أبواه مسلمين كان مسلماً تبعاً لأبويه باتفاق المسلمين، وكذلك إذا كانت أمه مسلمة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد". انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/437) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (4 /270) : "اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ الأَْبُ وَلَهُ أَوْلاَدٌ صِغَارٌ ... فَإِنَّ هَؤُلاَءِ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِمْ تَبَعًا لأَِبِيهِمْ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِسْلاَمِ أَحَدِ الأَْبَوَيْنِ، أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا، فَيُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الصِّغَارِ بِالتَّبَعِيَّةِ، لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ ".
ثانياً: الطفل المسلم إذا وصل سن البلوغ فلا يلزمه تجديد النطق بالشهادتين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " واتفق المسلمون على أن الصبي إذا بلغ مسلماً لم يجب عليه عقب بلوغه تجديد الشهادتين". انتهى من " درء التعارض" (4 / 107) .
وقال: " السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يُؤمر به العباد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ ". انتهى من " درء التعارض" (4 / 107) .
ولكن إذا صدر منه بعد البلوغ ما يدل على عدم رضاه بالإسلام، فإنه يعد مرتداً ويعامل معاملة المرتد عن دين الإسلام.
قال شيخ الإسلام: " الصغير حكمه في أحكام الدنيا حكم أبويه؛ لكونه لا يستقل بنفسه، فإذا بلغ وتكلم بالإسلام أو بالكفر كان حكمه معتبراً بنفسه باتفاق المسلمين، فلو كان أبواه يهوداً أو نصارى فأسلم كان من المسلمين باتفاق المسلمين، ولو كانوا مسلمين فكفر كان كافراً باتفاق المسلمين ". انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1 / 64) .
ثالثاً: إذا أتم الطفل سبع سنين فالواجب على والديه أمره بالصلاة وحثه عليها، لما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (466) .
قال النووي: " قال الأئمة: يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة، والصلاة، والشرائع بعد سبع سنين، وضربهم علي تركها بعد عشر سنين ". انتهى من "المجموع " (3/ 11)
وقال ابن قدامة: " هذا التأديب المشروع في حق الصبي لتمرينه على الصلاة كي يألفها ويعتادها ولا يتركها عند البلوغ، وليست واجبة عليه ". المغني (1/682) .
وترك الطفل للصلاة قبل البلوغ لا يخرجه من دائرة الإسلام؛ لأنه غير مكلف بها على سبيل الوجوب.
قال شيخ الإسلام: " ولا تلزم الصلاةُ صبياً ولو بلغ عشراً، قاله جمهور العلماء ". الاختيارات الفقهية (1 / 32) ، وينظر جواب السؤال (1994) .
وعلى هذا، فالطفل الذي ولد لأب مسلم وأمه غير مسلمة، يكون مسلماً، وإذا بلغ عشر سنين ولم يصل فإنه لا يكون كافراً بترك الصلاة لأنه غير مكلف بها، حتى يبلغ، فإن بلغ وأصر على ترك الصلاة فإنه يكون مرتداً عن الإسلام بتركه الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8792)
هل يُسأل من به مس من الجن عن أعماله المخالفة للشرع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن رجل مسلم به مس من جني غير مسلم وكان يجعله ينتقد الإسلام والمسلمين ويبعده عن الصلاة والعبادات - فما مدى مسؤولية هذا الرجل عن سيئات أعماله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دخول الجن في الإنس، وتلبسه به، وصرعه له، ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، وليس في أئمة المسلمين من ينكر ذلك، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد سبق تفصيل ذلك. أنظر جواب السؤال رقم (1819) ورقم (121276) .
سئلت اللجنة الدائمة:
هناك رجل يصاب بالصرعة فيغمى عليه ساعات، وفي ذات يوم طرد زوجته وأخذ البندقية ورمى نفسه فمات، فهل يعتبر في حكم القاتل نفسه، وهل عليه شيء من صيام أو صدقة حتى يقوم به الورثة؟
فأجابت اللجنة:
" إذا كان ما وقع منه من قتله نفسه بالبندقية في الوقت الذي حصل فيه معه الصرع فلا شيء عليه مطلقا ولا على ورثته؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة ... الحديث. وذكر منهم: (المجنون حتى يفيق) انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/251-252)
فإذا كان به من المس بحيث صار به في حد من لا يعقل، أو لا يدرك ما يقول ويفعل، فهو معذور، وقد رفع عنه القلم حتى يفيق؛ لأنه يشبه المجنون، وقد روى أبو داود (4398) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ) . صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3513) وغيره.
وأما إذا كان به مع المس بعض عقله، بحيث أنه يدرك بعض الإدراك، ويفهم بعض الفهم، فهو مسئول عما يقول ويفعل بحسب إدراكه وفهمه، وعلى من يلي أمره مراعاة ذلك، والحرص على العناية به وتذكيره.
وهكذا الحال إذا كان يصرفه عن بعض الصلوات، أو يشغله عنها، أو يتسلط عليه حتى يفوت وقتها، فالواجب عليه أن يصليها متى زال عنه هذا السبب العارض إلا أن يبقى على ذلك أياماً، ويغيب عن إدراكه وقصده مدة طويلة، وهذا نادر الحدوث في حالات الصرع المعتادة، فمثل هذا لا يكلف بقضاء.
سئل الشيخ ابن جبرين:
بعض المرضى المصابين بالصرع أو السحر يمكثون فترة تزيد عن الثلاث أيام بلياليها دون وعي أو إدراك، فما حكم ما فاتهم من صلاة خلال تلك الفترة؟
فأجاب:
" هذه الفترة الطويلة لا تكليف عليهم فيها فلا يقضون ما تركوه من الصلاة ونحوها لفقد العقل ومشقة القضاء؛ فقد يمكث أحدهم في الغيبوبة مدة طويلة فيلحق بمن رفع عنه القلم. وأكثر ما روي قضاء عمار لما أغمي عليه ثلاثة أيام فقضاها. والأصل براءة الذمة لعدم التمكن فلا يلحقه ذنب " انتهى.
انتهى من موقع الشيخ.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=12858&parent
ولا بد أن يُعلم أنه ما تسلط الجني الكافر على الإنسي المسلم إلا لبعده عن القرآن، وغفلته عن ذكر الله، وإنما سمي الشيطان بـ (الوسواس الخناس) من هذا؛ حيث إنه إذا ذكر العبد ربه خنس، وإذا غفل عن الذكر وسوس، فإذا طالت غفلته صرع ولبس.
قال ابن القيم:
" أكثرُ تسلطِ الأرواح الخبيثةِ على أهلهِ تكون من جهة قِلَّةِ دينِهم، وخرابِ قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذِّكرِ، والتعاويذِ، والتحصُّناتِ النبوية والإِيمانيَّة، فَتَلْقَى الروحُ الخبيثةُ الرجلَ أعزلَ لا سلاح معه، وربما كان عُرياناً فيُؤثر فيه هذا.
ولو كُشِفَ الغِطاء، لرأيتَ أكثرَ النفوسِ البَشَريةِ صَرْعَى هذه الأرواحِ الخبيثةِ، وهى في أسرِها وقبضتِها تسوقُها حيثُ شاءتْ، ولا يُمكنُها الامتناعُ عنها ولا مخالفتها، وبها الصَّرْعُ الأعظمُ الذي لا يُفيقُ صاحبُه إلا عند المفارقةِ والمعاينةِ، فهناك يتَحقَّقُ أنه كان هو المصروعَ حقيقةً، وبالله المستعان " انتهى.
"زاد المعاد" (4/69)
وعلى ذلك: فالواجب التحصن بالقرآن، والأذكار والأوراد الشرعية، كأذكار الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والأذكار العامة التي لا يزال لسان المسلم بها رطبا.
وعلى من يقوم بأمر هذا المبتلى – عافاه الله – أن يلقنه ذلك في حال صحوه، ولا يتركه على هذه الحال، كما أن عليه أن يحجبه عن مجامع الناس ما استطاع؛ حتى لا يتفوه بما يتفوه به من المنكر، والله المسئول أن يعافيه مما ابتلي به، ويكشف الضر عنه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8793)
يشرب الخمر لينسى المرأة التي يحب، فهل تأثم بذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قام شخص بارتكاب معصية كشرب الخمر مثلا بحجة نسيان امرأة يحبها ولا تبادله نفس الشعور فهل تأثم المرأة بذنبه بحجة أنها هي من دفعته لتلك المعصية؟ أم يتحمل الذنب لوحده؟ وما معنى (أو أن اقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم) وهل ينطبق جر السوء لمسلم على المرأة في السؤال السابق؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً: من ارتكب معصيةً وذنباً من الذنوب فإنه يتحمَّل وزره وحده، كما قال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
" فلا يحمل أحدٌ ذنب أحد، ولا يجني جانٍ إلا على نفسه ". كما قال ابن كثير في تفسيره (5/52)
ولكن من تسبَّب في وقوع غيره بمعصية؛ فإن عليه وزر التسبب، من غير أن ينقص من وزر المباشر للمعصية شيء.
قال ابن القيم: " فإنَّ الرب تبارك وتعالى لا يعاقب شرعاً إلا من باشر الجناية أو تسبَّب إليها ". انتهى " الجواب الكافي" صـ77.
وبناء على ذلك، فإن كانت هذه المرأة قد تسببت في وقوع هذا الرجل بهذه المعصية بفعل كأن تظهر محاسنها أمامه، أو تتعرض له بفتنة، أو تخالطه، أو غير ذلك، أو قول منها كمحادثته بالهاتف، أو الخضوع بالقول ... ، فهي آثمة بذلك.
وأما إن كان ما يقوم به هذا الرجل من تلقاء نفسه، دون تأثير منها كما يظهر من السؤال، فلا إثم عليها إن شاء الله تعالى.
ثانياً: التعوذ من جر السوء إلى المسلم ثبت في الحديث الصحيح عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مَا أَقُولُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، قُلْ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا، أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ) . رواه الترمذي (3529) وصححه الألباني.
والمقصود بجر السوء إلى المسلم: أن يكون سبباً لوقوعه في المعصية.
قال ابن القيم: "
لما كان الشر له مصدر يَبتدي منه، وغاية ينتهي إليها.
وكان مصدرها: إما من نفس الإنسان، وإما من الشيطان.
وغايته: أن يعود على صاحبه، أو على أخيه المسلم.
تضمن الدعاء هذه المراتب الأربعة، بأوجز لفظ، وأوضحه، وأبينه ". انتهى من " شفاء العليل " (1/162)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8794)
يخشى إن أعفى لحيته وقصَّر إزاره من الملاحقة الأمنية، فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فى بلد مسلم، وعربي، ولكن يشذ فيه من يعفى لحيته، ويقصر سرواله، وهو المظهر الإسلامي الشرعي للرجل، وكنَّا دائماً نسمع عنهم في السجون، وفي مشاكل مع الحكومة، ومعاملتها لهم السيئة؛ وذلك لأن في بلادنا من يدَّعي الإسلام بمظهره، ويتعامل بما يخالف ذلك (يتهم بأنه إرهابي على حد تعبيرهم) ، فخفتُ على نفسي من أن أكون مثلهم في عيون الحكومة، وأن يصيبني ما أصابهم في ذلك، وعلماً بأننا نتبع في بلادنا المذهب المالكي، ولدينا شيوخ أفتوا في هذا الأمر، بتخفيف اللحية، أو حلقها، للضرورة، وإسبال السروال، وأفتاني أحد شيوخنا أيضاً على أن الخوارج، والشيعة، والمشركين المتدينين أيضا أعفوا لحاهم، فمخالفتهم في ذلك أصبحت معدومة، وأنا في قلق شديد من ذلك، ومع أني – الحمد لله - محافظ على أمور ديني الأخرى، وتقلقني هذه المسألة. فأنتظر إجابتكم، وردكم على بريدي الإلكتروني بفارغ الصبر، وبارك الله لي ولكم في نعمة الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق بيان أدلة تحريم حلق اللحية في جواب السؤال رقم: (1189) ، فلينظر.
ثانياً:
أما القول بأن العلة من وجوب إعفاء اللحية هي مخالفة المشركين، وقد زالت هذه العلة الآن، وعليه فلا يجب إعفاء اللحية: فهو قول باطل، وقد رددنا عليه في جواب السؤال رقم: (75525) ، فليُنظر.
ثالثاً:
لا يخفى علينا تعرض أهل الخير والصلاح في بعض بلاد الإسلام – للأسف – لمضايقات، بسبب التزامهم بشرع الله تعالى في لباسهم، وهيئتهم، وأنهم لا يستطيعون إظهار ذلك إلا بمشقة بالغة، مع احتمال تعرضهم للمساءلة، بل السجن، والإيذاء.
والذي يقال في هذه المسألة هو: أن الناس ليسوا سواء في احتمال تعرضهم للأذى في بلدانهم، وأن الأمر عند بعضهم لا يعدو كونه وهماً، واحتمالاً ضعيفاً، ومثل هؤلاء لا يحل لهم التلبس بفعل المعصية، من حلق اللحية، أو إسبال الثوب.
وأما إن كان الخطر حقيقياً، وكان احتمال التعرض للأذى قويّاً ظاهراً، كما هو الواقع فعلا في بعض البلاد: فهنا يجوز لهم الترخص بارتكاب المحذور من حلق لحية، وإسبال إزار.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
من اضطر لحلق لحيته لأسباب، وإذا لم يحلقها سوف يؤذى في نفسه، وماله، فهل له أن يحلقها؟ .
فأجاب:
إن الظن من بعض الناس: لا أصل له، بعض الناس يقول: أخشى إذا دخلتُ البلد الفلاني وأنا ملتحي: أخشى أن أُعذَّب، أو أُحبس، أو ما أشبه ذلك، ولكنَّ هذا وهمٌ من الشيطان؛ لأن هذا البلد الذي يقول " أخشى إن دخلته أن أُعذَّب ": يدخله أناس – نعرفهم نحن – وهم ملتحون، ولا يُنالون بسوء، وهذا الشيء يُعتبر من السائل، أو ممن يظن ذلك: وهماً لا حقيقة له، ولا يحل له بناءً على هذا الوهم أن يحلق لحيته.
نعم، لو أنهم قالوا – حينما دخل هذا الرجل إلى البلد -: إما أن تحلق لحيتك، أو نحبسك: فحينئذٍ يحل له أن يحلقها، لكن يحلقها دفعاً للإكراه؛ لأن الله تعالى أباح للإنسان أن يَكفر دفعاً للإكراه، فقال تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ) النحل/ من الآية 106.
فهذا الذي أُكره على حلق لحيته، فأُمسك، وقيل له: احلق أو حبسناك: هذا لا شك أن قلبه غير منشرح بالحلق، لكنه أُكره عليه، فإذا فعله دفعاً للإكراه: فلا إثم عليه، أما وهماً، يخشى أن يُمسك: فهذا لا يبيح له المحذور؛ لأن ارتكاب المحذور مُتيقَّن، وهذا الوهم: غير متيقَّن.
" فتاوى الحرم المدني " (شريط رقم: 25، وجه: أ) .
http://www.binothaimeen.com/sound/snd/a0174/a0174-25a.rm
ونقول للإخوة الذي يتعرضون لمثل هذا: إنهم بإمكانهم تخفيف لحيتهم بدلاً من حلقها، كما أفتاهم به شيوخهم المذكورون؛ ما دام دفع الأذى يتحقق بذلك التخفيف، فالتخفيف هنا أولى من الحلق، وكذا أن تكون أثوابهم قريبة جدّاً من كعبي رجليهم، بدلاً من إسبالها، وليس ثمة داعٍ للمبالغة في تقصير الثوب ليلفت الأخ نظر الناس إليه، ولا يعد مرتكباً لإثم في هذه الحالة، بل فعل ما هو جائز له، ويُرجى أن يحصِّل أجراً على تركه الأفضل – عنده – لأنه تركه مرغماً، ودفعاً للحرج، والوقوع في أيدي من لا يتقي الله تعالى ولا يخافه.
ويُرجى النظر في جوابي السؤالين: (52886) و (40769) ففيهما مزيد بيان.
ونسأل الله تعالى أن يفرِّج كرب المسلمين في كل مكان، وأن يكتب لهم العز والتمكين، وأن يثبتهم على دينه، ويعينهم على طاعته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8795)
لم تعرف علامات البلوغ فأفطرت رمضان جهلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[جرت العادة في بعض بلاد المسلمين أن معرفة علامة بلوغ المرأة الظاهرة هو الحيض دون النظر إلى بقية العلامات الأخرى كظهور الشعر الخشن حول العانة وغير ذلك مما هو معروف في كتب الفقه.
تأثرا بهذا النوع من الأعراف أو العادات، بدأت إحدى الأخوات صيام شهر رمضان صيام الفرض بعد رؤية دم الحيض مع العلم أنها كانت آنذاك تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما وأنه قد بدأ ينبت لها الشعر حول أماكن العورة قبل رؤية دم الحيض، ولكنها لم تعد تتذكر أكان ذلك الشعر خشنا أو غير ذلك، كذلك لم تعد تتذكر كم سنة قد أفطرت بعد ظهور ذلك الشعر.
السؤال:
1- ما هي العلامات المعتبرة شرعا أو عرفا في معرفة بلوغ المرأة،
2- ثم ما حكم إفطار هذه الأخت لتلك الرمضانات التي بدأ فيها ظهور الشعر دون الحيض إذا لم يعتد بذلك العرف شرعا.
وهل الجهل في مثل هذه الحالة العينية مقبول أو معتبر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بلوغ المرأة يحصل بواحد من أمور أربعة:
1- أن تُتِمَّ خمس عشرة سنة.
2- أن تنبت عانتها، وهو الشعر الخشن حول الفرج.
3- بإنزال المنيّ المعروف.
4- أن تحيض.
فإذا حصل واحد من هذه الأربعة، فقد بلغت وكُلفت ووجبت عليها العبادات كما تجب على الكبيرة.
وإذا لم تعلم المرأة أن البلوغ يحصل بذلك فليس عليها إثم حين تركت الصيام لأنها جاهلة، والجاهل لا إثم عليه ما لم يكن مفرطاً في التعلّم مع قدرته عليه، لكن يجب عليها أن تبادر بقضاء صيام الذي لم تصمه لأن المرأة متي بلغت أصبحت مكلّفة ويجب عليها قضاء ما تركته من الصيام في وقت التكليف، ويجب عليها أن تتحرى لمعرفة ما أفطرته بعد بلوغها من أيام، ولتبادر به حتى يزول عنها الإثم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8796)
لا يشرع قصد المشقة في العبادة طلباً للثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لا يشرع للإنسان أن يقصد مشقة ما في عبادة من العبادات طلباً للثواب كأن يتوضأ بماء بارد في وجود ماء دافئ، أو يقصد مسجداً أبعد في وجود مسجد أقرب؟ حيث إنني قرأت كلاما للإمام الشاطبي في الموافقات ذكر أن الذي يتعمد البحث عن المشقة لا يثاب عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يؤجر المكلف على المشقة إذا قصدها، وإنما يؤجر عليها إذا كانت مقارنة للفعل المكلف به، وذلك أن المشقة ليست مقصودة لذاتها.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في شرح نظم قواعده: "إذا تقرر ذلك وأن الشريعة لم تقصُد المشقة لذاتها؛ فإنه لا ينبغي لنا أن نقصد المشقة، لو كان الفعل يمكن أن يؤدّى بدون مشقة؛ فإن قصْد المشقة ليس مشروعا، مثال ذلك: من قال سأحج على قدمي من أجل أن أتعب في الحج فيعظُم أجري، قيل له: قصْدُ المشقة ليس مشروعاً؛ لأن الشارع لا يقصد المشقة، فأنت مخالف في فِعلك لمقصود الشارع.
فإن قال قائل: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أجرُك على قدر نَصَبك) .
قيل: هنا ليس المراد بالحديث النّصَب المقصود للمكلَّف، وإنما المراد النصب الواقع في العبادة الذي لم يقصده المكلف" انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أي نوع من المياه يستحب للإنسان أن يستعمل عند غسل من الجنابة؟ الماء البارد أم الساخن؟
فأجابوا: "الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
للمسلم أن يستعمل الماء الساخن أو البارد حسب مصلحته، والأمر في ذلك واسع، ودين الله يسر، كما قال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/328) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8797)
ليست المشقة مقصودة للشارع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى إسباغ الوضوء على المكاره؟ هل المقصود استخدام الماء البارد في الشتاء مع إمكانية استخدام الماء الدافىء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في فضل تحمل مشقة الوضوء حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) رواه مسلم (251) .
قال النووي رحمه الله:
" (إسباغ الوضوء) : تمامه. و (المكاره) تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك " انتهى.
"شرح مسلم" (3/141) .
وروى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/359) بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه وصى ابنه عند موته فقال له: " أي بني! عليك بخصال الإيمان ". قال: وما هي؟ قال: " الصوم في شدة الحر أيام الصيف، وقتل الأعداء بالسيف، والصبر على المصيبة، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، وتعجيل الصلاة في يوم الغيم، وترك ردغة الخبال "، قال: وما ردغة الخبال؟ قال: " شرب الخمر ".
وقد بين أهل العلم أن ذلك لا يعني قصد المشقة وتطلبها، فالمشقات ليست من مقاصد الشريعة ولا من مراد الشارع، ولكن إذا لم يتيسر سبيل العبادة إلا بوقوع المشقة، فيعظم الأجر في هذه الحالة، وفرق بين الأمرين.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" (إسباغ الوضوء على المكاره) يعني: أن الإنسان يتوضأ وضوءه على كره منه، إما لكونه فيه حمى ينفر من الماء فيتوضأ على كره، وإما أن يكون الجو باردا وليس عنده ما يسخن به الماء فيتوضأ على كره، وإما أن يكون هناك أمطار تحول بينه وبين الوصول لمكان الوضوء فيتوضأ على كره، المهم أنه يتوضأ على كره ومشقة، لكن بدون ضرر، أما مع الضرر فلا يتوضأ بل يتيمم، هذا مما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات.
ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يشق على نفسه ويذهب يتوضأ بالبارد ويترك الساخن، أو يكون عنده ما يسخن به الماء، ويقول: لا، أريد أن أتوضأ بالماء البارد لأنال هذا الأجر، فهذا غير مشروع؛ لأن الله تعالى يقول: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) ، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشمس، قال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يقف في الشمس، فنهاه عن ذلك وأمره أن يستظل، فالإنسان ليس مأمورا ولا مندوبا إلى أن يفعل ما يشق عليه ويضره، بل كلما سهلت عليه العبادة فهو أفضل، لكن إذا كان لا بد من الأذى والكره، فإنه يؤجر على ذلك؛ لأنه بغير اختياره ...
وكثرة الخطا معناه أن يأتي الإنسان للمسجد ولو من بعد، وليس المعنى أن يتقصد الطريق البعيد، أو أن يقارب الخطا، هذا غير مشروع، بل يمشي على عادته، ولا يتقصد البعد، يعني مثلا: لو كان بينه وبين المسجد طريق قريب، وآخر بعيد: لا يترك القريب، لكن إذا كان بعيدا، ولا بد أن يمشي إلى المسجد، فإن كثرة الخطا إلى المساجد مما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات " انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (كتاب الفضائل/باب فضل الوضوء) (3/137) طبعة مكتبة الصفا المصرية.
ثانيا:
سبق في الموقع أنه لا يشرع قصد المشقة في العبادة طلباً للثواب، وذلك كما في جواب السؤال رقم: (113385) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قول بعض الناس: " الثواب على قدر المشقة " ليس بمستقيم على الإطلاق، كما قد يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات، والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (هلك المتنطعون) ، وقال: (لو مد لي الشهر لواصلت وصالًا يدع المتعمقون تعمقهم) ، مثل الجوع أو العطش المفرط، الذي يضر العقل والجسم، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه، وكذلك الاحتفاء والتعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم، وأن يقوم قائما ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه) رواه البخاري، وهذا باب واسع.
وأما " الأجر على قدر الطاعة " فقد تكون الطاعة لله ورسوله في عمل ميسر، كما يسر الله على أهل الإسلام: الكلمتين، وهما أفضل الأعمال؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) . أخرجاه في الصحيحين.
ولو قيل: " الأجر على قدر منفعة العمل، وفائدته " لكان صحيحًا اتصاف الأول باعتبار تعلقه بالأمر، والثاني باعتبار صفته في نفسه.
والعمل تكون منفعته وفائدته تارة من جهة الأمر فقط، وتارة من جهة صفته في نفسه، وتارة من كلا الأمرين، فبالاعتبار الأول ينقسم إلى طاعة ومعصية، وبالثاني ينقسم إلى حسنة وسيئة ...
أما كونه مشقًا: فليس هو سببًا لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقًا، ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة، كما أن من كان بعده عن البيت في الحج والعمرة أكثر يكون أجره أعظم من القريب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في العمرة: (أجرك على قدر نصبك) ؛ لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة، وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر، وكذلك الجهاد، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران) .
فكثيرًا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، لكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم.
وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبًا مقربًا إلى الله؛ لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا وانقطاع القلب عن علاقة الجسد، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم.
ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات، مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها، ولا منفعة إلا أن يكون شيئًا يسيرًا لا يقاوم العذاب الأليم الذي يجدونه.
ونظير هذا الأصل الفاسد مدح بعض الجهال بأن يقول: فلان ما نكح ولا ذبح، وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبحون، وأما الحنفاء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لكني أصوم وأفطر وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وهذه الأشياء هي من الدين الفاسد، وهو مذموم، كما أن الطمأنينة إلى الحياة الدنيا مذموم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (10 /620 - 623) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8798)
نقطة الدم المنفصلة ليست علامة على البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك صديقة لأمي، لديها ابنة تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة، لاحظت في ملابسها نقطة دم منذ ما يقرب السنتين، فنصحتها الأم بصيام رمضان الماضي , ظنا منها أنها إشارة تدل على البلوغ، لكن منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم تلاحظ هذه الأم على ابنتها أي علامة حيض. وهي تسأل الآن، هل يجب على ابنتها الصيام؟ مع العلم أنها صامت السنة الماضية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر – والله أعلم – أن نقطة الدم في حالة هذه الفتاة لا تعتبر حيضاً، بل هي من الدم العارض الذي يكون بسبب مرض أو غيره، وذلك لأمور:
1- أن هذا الدم لم يرجع إليها بعد ذلك، فهي قد قضت سنتين إلى الآن ولم تر حيضا حقيقيا، وهذا دليل ظاهر على أن الحيض لم ينزل عليها بعد.
2- أن نزول النقطة الواحدة والنقطتين من الدم لا يعتبر حيضاً.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – كما في "فتاوى المرأة المسلمة" (1/137) - عن امرأة نزل منها في رمضان نقط بسيطة، واستمر معها هذا الدم طوال الشهر، وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟
فأجاب:
" نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء؛ لأنها من العروق " انتهى.
فهذه الفتاة لم تحض ولم تبلغ، فلا يجب عليها الصوم، ولكن ينبغي أن تعوّد على الصيام ما دامت تستطيعه كي يسهل عليها في مستقبل الأيام، وإن صامت فصومها صحيح مأجورة عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8799)
أسلم ثم فعل شيئا من نواقض الإسلام جهلاً به
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل كافر في الإسلام ثم صدر منه ناقض من نواقض الإسلام بسبب جهله فكيف يُعامل؟ وهل يجدد إسلامه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يُعامل بالتي هي أحسن، ويُبين له أن هذا من نواقض الإسلام، ولا يحتاج إلى تجديد إسلامه، لأن هذا الناقض الذي فعله لم يكن عالماً به، والله عز وجل يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء/15، ويقول: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) القصص/59، والجاهل ليس بظالم، لأنه لم يتعمد الإثم، لا سيما من كان حديث الإسلام" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/32، 33) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8800)
هل يمكن أن يُعذر المرء بترك الصلاة بسبب الجهل بوجوبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات مسلم ترك الصلاة في بلد الكفر، أو مسلم ترك الصلاة في بلد الإسلام، ما هو أسوأ من الآخر؟ وهل من مات في بلد الكفر عنده عذر بعد الموت لأنه عاش في بيئة غير مسلمة لا يسمع الأذان - مثلاً -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ترك الصلاة كفر أكبر، يخرج التارك من ملة الإسلام بتركه لها، وقد دلَّ على ذلك: القرآن، والسنَّة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
قال الله تبارك وتعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر/ 38 – 43.
وعَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) . رواه مسلم (82) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"مَن مات مِن المكلفين وهو لا يصلي: فهو كافر، لا يُغسَّل، ولا يصلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه، بل ماله لبيت مال المسلمين في أصح أقوال العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، من حديث بريدة رضي الله عنه.
وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله تعالى: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأفعال تركه كفر إلا الصلاة "، والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة.
وهذا فيمن تركها كسلا ولم يجحد وجوبها، وأما من جحد وجوبها: فهو كافر، مرتد عن الإسلام، عند جميع أهل العلم" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 250) .
ثانياً:
لا فرق بين يموت تاركاً للصلاة وهو في بلاد المسلمين، أو وهو في بلاد الكفار، إلا أن إثمه قد يزيد في حال وجوده بين أظهر المسلمين؛ لما يراه من صلاة الناس؛ ولما يسمعه من النداء لها في كل حين.
ثالثاً:
قد يسلم بعض الناس ويعيش في دولة كافرة ولا يدري شيئاً عن أركان الإسلام وواجباته كالصلاة وغيرها، وهذا يُتصور فيمن نشأ في بادية بعيدة عن العلم والمسلمين، أو في أدغال الغابات ونحو ذلك فهذا لا يحكم بكفره، بل ولا إثمه، لأنه معذور بالجهل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لكن مِن الناس مَن يكون جاهلا ببعض هذه الأحكام جهلا يعذر به، فلا يُحكم بكفر أحدٍ حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة، كما قال تعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ، ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، أو لم يعلم أن الخمر حرام: لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا، وتحريم هذا، بل ولم يعاقب، حتى تبلغه الحجة النبوية.
" مجموع الفتاوى " (11 / 406) .
وقال ابن حزم رحمه الله:
ولا خلاف في أن امرءً لو أسلم، ولم يعلم شرائع الإسلام، فاعتقد أن الخمر حلال، وأن ليس على الإنسان صلاة، وهو لم يبلغه حكم الله تعالى: لم يكن كافراً، بلا خلاف يُعتد به، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى، حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر.
" المحلَّى " (11 / 206) .
ويشترط في هذا الجهل أن لا يكون في قدرة صاحبه أن يدفعه بالسؤال وطلب العلم.
قال القرافي المالكي رحمه الله:
القاعدة الشرعية دلَّت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل؛ فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها، ثم يعملوا بها، فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل، وبقي جاهلا: فقد عصى معصيتين، لتركه واجبين.
" الفروق " (4 / 264) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إن هذا العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها: لم يكن معذوراً.
" مجموع الفتاوى " (20 / 280) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
وأما القادر على التعلم المفرِّطُ فيه، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي: فهذا الذي ليس بمعذور.
" أضواء البيان " (7/357) .
وانظر جواب السؤال رقم (10065) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8801)
هل يتخلص من المال الحرام بإعطائه لمن يريد الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت في الماضي في عمل محرّم، وكنت استفتيتكم ماذا أفعل بالمال الذي أخذته، وأنا أريد التصدق به على أحد أقاربي، وقد أجبتموني بأنه لا حرج علي من الانتفاع بهذا المال لأني كنت أجهل التحريم حينها أو أتصدق ببعضه أو كله. وأنوي التصدق بهذا المال على أحد أقاربي لأنه مقبل على الزواج. فهل يجوز ذلك أم لا؟ علماً بأنه طلب مني أن أقرضه بعض المال، ولكن – للأسف – ليس عنده ما أقرضه إياه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق في جوابنا على سؤالك الأول ورقمه (96614) أن ما بقي من هذا المال في يدك، تنفقه في وجوه الخير ولا تنتفع به، وأحلنا في الجواب على سؤال آخر، يتضمن جواز انتفاع التائب بشيء من المال الحرام إن كان محتاجا، وهو برقم (78289) .
ولاشك أن من وجوه الخير إعانة الراغب في الزواج حتى يتم له العفاف والإحصان، وعليه فلا حرج لو أعطيت هذا المال أو جزءا منه لقريبك المقبل على الزواج.
وهذا لا يعد صدقة منك ولا زكاة، وإنما هو من تخلص من المال الحرام، وأما الصدقة والزكاة فلا تكون إلا من مال طيب؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8802)
هل النساء مساويات للرجال في الثواب والعقاب
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقولون: إن النساء ناقصات عقل ودين وميراث وشهادة، والبعض يقول: إن الله ساوى بينهم في الثواب والعقاب، فما رأيكم: هل هن ناقصات في شريعة الإسلام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم المرأة، والرفع من شأنها، وإحلالها المكان اللائق بها، رعاية لها، وحفظاً لكرامتها، فأوجبت على وليها وزوجها الإنفاق عليها، وحسن كفالتها، ورعاية أمرها، ومعاشرتها المعاشرة الحسنة، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) سورة النساء / 19.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي 5/709 برقم (3895) .
وأعطى الإسلام للمرأة ما يناسبها من جميع الحقوق والتصرفات الشرعية، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) سورة البقرة / 228، من مختلف أنواع المعاملات من البيع والشراء والصلح والوكالة والعارية والوديعة ... الخ.
وأوجب عليها ما يناسبها من العبادات والتكاليف، مثل ما على الرجل من الطهارة والزكاة والصيام والصلاة والزكاة والصيام والحج، ونحوها من العبادات.
ولكن الشريعة جعلت للمرأة في الميراث نصف ما للرجل، لأنها ليست مكلفة بالنفقة على نفسها ولا بيتها ولا أولادها، وإنما المكلف بذلك الرجل، كما أن الرجل تعتريه النوائب في الضيافة والعقل والصلح على الأموال ونحو ذلك.
(و (الضيافة) هي ما ينفقه الرجل على ضيوفه، و (العقل) هي الدية، و (الصلح على الأموال) كما لو أصلح بين قبيلتين متنازعتين وغرم ما بينهما من أموال حتى يتم الصلح.)
كما أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد في بعض المواضع لأن المرأة يعتريها النسيان أكثر بسبب ما ركب في جبلتها بما يعتريها من العادة الشهرية والحمل والوضع وتربية الأولاد، كل ذلك قد يشغل بالها وينسيها ما كانت تذكره، ولذلك دلت الأدلة الشرعية على أن تتحمل أختها معها الشهادة، ليكون ذلك أضبط لها، وأحكم لأدائها، على أن هناك من الأمور الخاصة بالنساء ما يكفي فيها شهادة المرأة الواحدة، كمعرفة الرضاع، وعيوب النكاح ونحوها.
والمرأة مساوية للرجل في الأجر، والإثابة على الإيمان والعمل الصالح، وبالاستمتاع بالحياة الطيبة في الدار الدنيا والأجر العظيم في الدار الآخرة، قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) سورة النحل / 97.
فبذلك يُعرف أن المرأة لها حقوق وعليها واجبات، كما أن الرجل له حقوق وعليه واجبات، وهناك أمور تناسب الرجال جعلها الله سبحانه منوطة بالرجال، كما أن هناك أموراً تلائم المرأة جعلها منوطة بالنساء.
وبالله التوفيق
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/7.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8803)
هل يجوز أن يصلي الكافر مع المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لغير المسلمين أن يصلوا مع المسلمين في نفس الصف؟ . أرجو ذكر الدليل للجواز وعدمه وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لغير المسلم أن يصلي لا في الصف نفسه ولا وحده، والمطلوب منه الدخول في الإسلام قبل صلاته، ثم الطهارة، ثم باقي الشروط.
فهو مخاطب بالصلاة ومعاقب عليها إذا لم يُسلم ويؤدها، لكنها لا تُقبل منه إلا بالدخول في الإسلام.
قال الله تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) التوبة / 54، وقال: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) الزمر / 65.
قال الشيخ ابن عثيمين في ذكره لشروط صحة الصلاة:
وهناك شروط أخرى، ... منها: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ... فكلُّ عبادة لا تصحُّ إلا بإسلامٍ وعقلٍ وتمييزٍ إلا الزَّكاة، فإنها تلزم المجنون والصَّغير على القول الرَّاجح، وأما صحَّة الحجِّ من الصَّبي فلورود النصِّ بذلك.
" الشرح الممتع " (2 / 95) ط ابن الجوزي.
وقال:
فَشُروط الصَّلاة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ودخول الوقت، وستر العورة، والطَّهارة من الحدث، واجتناب النَّجاسة، واستقبال القِبْلة، والنِّيَّة.
" الشرح الممتع " (2 / 289) ط ابن الجوزي.
وكذا باقي العبادات فإنها لا تُقبل إلا من مسلم، فالإسلام شرط لصحة العبادات ويتوقف قبولها عليه.
قال ابن رشد:
الشروط قسمان:
شروط صحة، وشروط وجوب، فأما شروط الصحة: فلا خلاف بينهم أن من شروطه: الإسلام، إذ لا يصح حج من ليس بمسلم ... أ. هـ
" بداية المجتهد " (1 / 133) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8804)
ما هي الحكمة من تألُّم الأطفال في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حاولت أن أدعو صديقاً لي في العمل للإسلام والإيمان بالله فقال إن الحاجز الذي يعيقه عن الإيمان بالله هو أن الأطفال البريئين يتألمون في هذه الدنيا، وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا يحصل هذا الشيء.
فما هي الطريقة المثلى لأُجيبه على هذا الإشكال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يعلم الناس جميعاً أن الله تعالى حكيم، وأن في أوامره وتقديراته الحكمة البالغة، وأنه قد يعلم عباده أو بعض عباده حكمته فيها، وقد يخفيها عنهم ابتلاء واختباراً.
والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة، وذلك كإرسال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر أنه أرسله رحمة للعالمين، ومثلها خلق الجن والإنس إنما هو لتوحيده سبحانه وتعالى.
قال ابن تيمية:
وعلى هذا فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته فغير معلومة لنا: فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل هذا الكمال ـ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علْمنا بالحكمة فى بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها.
ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن متصفاً بصفاتهم التى استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو: لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته فى خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو، فاعتراضهم على حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح فى الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشىءٍ من ذلك. " مجموع الفتاوى " (6 / 128) .
وإيلام الله تعالى للأطفال لا شك ولا ريب أنه لحكمٍ عظيمة لكنها قد تخفى على بعض الناس فينكر تقدير الله تعالى لهذا الأمر، ويَدخل عليه الشيطان من خلاله فيصده عن الحق والهدى.
ومن حِكم الله تعالى في ألم الأطفال:
1. الاستدلال به على مرضه أو وجعه، ولولا ذلك ما عُلم ما به من مرض.
2. البكاء الذي يولٍّده الألم، وفيه منافع عظيمة لجسم الطفل.
3. الاعتبار والاتعاظ، فقد يكون أهل الطفل هذا من مرتكبي المحرَّمات أو تاركي الواجبات، فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يرجعهم ذلك إلى ترك المحرَّمات كأكل الربا أو الزنا أو ترك الصلوات أو شرب الدخان، وخاصة إذا كان هذا الألم بسبب مرض تسببوا بوجوده كبعض ما سبق ذكره من المحرَّمات.
4. التفكر في الدار الآخرة، وأنه لا سعادة ولا هناء إلا في الجنة، ولا يكون هناك ألَم ولا عذاب، بل صحة وعافية وسعادة، والتفكر في النار وأنها دار الألَم الدائم غير المنقطع، فيعمل ما يقربه إلى الجنة، ويباعده عن النار.
قال ابن قيم الجوزية:
ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة؛ فإن الأطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحِكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمةً، فالبكاء يسيِّل ذلك ويحدِّره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح.
وأيضاً: فإن البكاء والعِياط – أي: الصراخ - يوسِّع عليه مجاري النَّفَس، ويفتح العروق، ويصلِّبها، ويقوِّي الأعصاب.
وكم للطفل مِن منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك: فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة مِن الحكَم ما قد خفي على أكثر النَّاس، واضطرب عليهم الكلام في حِكمته اضطراب الأرشية – أي: الخصوم -. " مفتاح دار السعادة " (2 / 228) .
وقال – أيضاً -:
هذه الآلام هي من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها الإنسان ولا الحيوان، فلو تجرَّد عنها لم يكن إنساناً بل كان ملَكا أو خلقاً آخر.
وليست آلام الأطفال بأصعب من آلام البالغين، لكن لما صارت لهم عادة سهُل موقعها عندهم، وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل.
وكل ذلك من مقتضى الإنسانية وموجب الخلقة، فلو لم يُخلق كذلك لكان خلقاً آخر، أفترى أن الطفل إذا جاع أو عطش أو برَد أو تعب قد خُصَّ من ذلك بما لم يُمتحن به الكبير؟ فإيلامه بغير ذلك من الأوجاع والأسقام كإيلامه بالجوع والعطش والبرد والحر دون ذلك أو فوقه، وما خلق الإنسان بل الحيوان إلا على هذه النشأة.
قالوا: فإن سأل سائل وقال: فلم خُلق كذلك؟ وهلا خُلق خلقة غير قابلة للألم؟
فهذا سؤال فاسد؛ فإن الله تعالى خلَقه في عالم الابتلاء والامتحان من مادة ضعيفة، فهي عرضة للآفات، وركبَّه تركيباً معرَّضا للأنواع من الآلام ...
فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على المعاد، وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين: دار خالصة للذات لا يشوبها ألم ما، ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما، والدار الأولى: الجنة، والدار الثانية: النار ... " مفتاح دار السعادة " (2 / 230، 231) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8805)
تشك في صحة صلاتها وصيامها
[السُّؤَالُ]
ـ[أخجل أن أطرح سؤالي من شدة قبح ما كنت أفعله ولا أحب حتى ذكره.
في الحقيقة أنني قبل عدة سنوات كنت أفعل أمرين قبيحين: الأول: هو أنني كنت مع إحدى قريباتي نداعب بعضنا واستمرينا على فعل هذا الأمر لمدة وبعد ذلك توقفنا.
والأمر الثاني: أنني كنت أعامل ابن جيراننا الصغير معاملة قاسية كنت أضربه مرات ومرات وأجعله يقبلني أو يلامس شيئا من أعضائي..لا أحب حتى تذكر هذه الأمور لأنني أشعر كم أنا سيئة وأنا نادمة جداً على فعل هذا الأمور.
ولي عدة أسئلة:
1- هل علي صيام تلك الأيام التي قمت فيها بتلك الأمور مع أنني لم أكن أعلم أنها تبطل صيامي وصلاتي؟
2- وهل علي أن أعيد أيضا الصلوات؟
3- أنا لا أتذكر إذا نزل شيء مني أم لا؟
4- أنا في حيرة وشك ولا أتذكر إذا فعلت هذه الأمور في رمضان أم لا؟
5- إذا وجب علي الصيام كيف أستطيع تقدير تلك الأيام لأنني حاولت جاهدة تقديرها ولكنني لا أتذكر متى فعلت تلك الأمور بالضبط.
6- متى تحاسب البنت على صيامها؟ هل بعد بلوغها؟ أقصد هل بعد أن تأتيها الدورة الشهرية أول مرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك إلى التوبة من هذه الأفعال المحرمة، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك.
ثانيا:
لا يجب عليك قضاء شيء من الصلوات أو الصيام، وذلك للأسباب التالية:
1- أنك لم تكوني تعلمين أن ذلك يفسد الصيام والصلاة، والإنسان إذا فعل شيئا من المحرمات جاهلا فإنه يكون معذوراً، ولا يستحق العقاب على هذا الذنب، قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5، والجهل نوع من الخطأ، لأن الجاهل لم يتعمد ارتكاب المعصية والمخالفة.
انظري جواب السؤال (50017) ، (45648)
2- أنك لا تتيقنين نزول شيء منك، والمسلم إذا فعل عبادة من العبادات فالأصل أنه يُحكم بصحتها، ما لم يتيقن أنها كانت غير صحيحة، أما مجرد الشك فلا يبطل العبادة بعد فعلها.
ثالثا:
أما تكليف البنت بالصيام وغيره من الأحكام الشرعية، فيثبت ببلوغ البنت، وبلوغها يحصل إذا وجد أحد أربع علامات وهي:
1. بلوغ خمس عشرة سنة.
2. نبات الشعر الخشن حول القبل.
3. نزول المني.
4. نزول الحيض.
ولا يشترط اجتماع كل هذه العلامات، ولكن يكفي علامة واحدة فقط، لثبوت البلوغ.
وانظري جواب السؤال (21246)
ونسأل الله تعالى أن يوفقك ِ لكل خير، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8806)
مس الجنُّ للإنس والأحكام المترتبة على المس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يمس الجن الناس؟ إذا كان ذلك ممكنا، فكيف يمكن أن يتحمل الإنسان المسؤولية عن أعماله عند التلبس يوم القيامة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعم، يمكن للجن أن يصيب الإنس بمس، وقد ذكره الله تعالى في كتابه , في قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة/275.
وانظر جواب الأسئلة (11447) و (42073) و (39214) و (1819) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة /275، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (24 / 276، 277) .
ثانياً:
المس نوع من المرض , فإذا كان الإنسان مع وجود هذا المرض عاقلاً وله اختيار فهو مؤاخذ بأقواله وأفعاله , أما إذا غلب عليه هذا المرض بحيث أفقده عقله واختياره فهو كالمجنون لا تكليف عليه. ولهذا يطلق في اللغة "المس" على "الجنون" انظر: "لسان العرب" (6/217) .
غير أنه إذا اعتدى على أحد وقت جنونه , وأتلف ماله – مثلاً - فإنه يضمن هذا المال لصاحبه.
وانظر: "زاد العاد" (4/66-71) .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (16 / 106) :
" أجمع الفقهاء على أن الجنون كالإغماء والنوم , بل هو أشد منهما في فوات الاختيار وتبطل عبارات المغمى عليه , والنائم في التصرفات القولية , كالطلاق , والإسلام , والردة , والبيع , والشراء وغيرها من التصرفات القولية , فبطلانها بالجنون أولى ; لأن المجنون عديم العقل والتمييز والأهلية , واستدلوا لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعَن الصبِيِّ حَتى يَحتلمَ، وعَن المجنونِ حتى يَعْقل) - رواه أهل السنن بإسناد صحيح -، ومثل ذلك كل تصرف قولي لما فيه من الضرر " انتهى.
وفي (16 / 107) :
" وأما بالنسبة لحقوق العباد كالضمان ونحوه: فلا يسقط ; لأنه ليس تكليفا له , بل هو تكليف للولي بأداء الحق المالي المستحق في مال المجنون , فإذا وقعت منه جرائم , أخذ بها ماليا لا بدنيا , وإذا أتلف مال إنسان وهو مجنون وجب عليه الضمان , وإذا قتل فلا قصاص وتجب دية القتيل " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8807)