ما رأيكم فيما يسمى " لحم القبلة " الذي يباع في أوروبا على أنه لحم حلال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نسكن في أوروبا، ونجد صعوبة في الحصول على اللحم الحلال، وإن كان يوجد في الأسواق ما يسمى " لحم القبلة "، ولا أعرف إن كانت لديكم فكرة عن هذا اللحم، هو يباع على أنه لحم حلال، وهو لحم الخروف، ويشتريه المسلمون، ولكنه مجمد، وغالي الثمن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على شيء حول هذا الإنتاج من اللحوم.
غير أن الحكم العام في الذبائح: أن ما ذبحه مسلم أو نصراني أو يهودي فهو حلال، ولا نحتاج إلى سؤاله عن كيفية الذبح.
لكن ... إذا تأكدنا وتيقنا أنه لا يذبح ذبحاً شرعياً، فلا تحل ذبيحته حينئذ، وما لم نصل إلى هذا اليقين، فالأصل أن ذبيحته حلال.
وينظر في هذا جواب السؤال رقم (52800) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8082)
ما هو حد الصعق الكهربائي الذي يقتل الحيوان فلا يحل بعده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نسكن في أوروبا ونجد صعوبة في الحصول على اللحم الحلال ... إن تم الصعق العادي، أقصد الصعق بالكهرباء العالية – عند الذبح - كيف لنا أن نعرف أن الخروف لم يقتله الصعق؟ هل توجد هناك علامة معينة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صعق الحيوان بالكهرباء قبل ذبحه قد يؤدي إلى قتل الحيوان إذا كان بدرجة عالية، وقد يفقده الوعي من غير قتل إذا كان بدرجة خفيفة أو متوسطة.
فإذا قتله لم يحل أكله لأنه ميتة باتفاق الفقهاء، أما إذا لم يقتله وذكي بعدها مباشرة الذكاة الشرعية فهو حلال ويجوز أكله.
قال الدكتور محمد الأشقر حفظه الله:
" إن كانت الصعقة قاتلة فالحيوان موقوذ، وإن كانت مفقدة للوعي دون أن تقتل، فإن أُدرك الحيوان بعدها فذبح على الطريقة الشرعية حل، وإن لم يذبح ولكن بدئ بسلخه وتقطيعه دون ذبح فإنه لا يكون حلالا " انتهى.
"مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (العدد العاشر، بحث للدكتور محمد الأشقر بعنوان: " الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة ") .
ويبقى السؤال: ما هو حد الصعق الكهربائي القاتل من غيره؟
الجواب على ذلك بما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، رقم (95) ، مستندا على تقارير الخبراء المختصين في هذه الشؤون:
" الحيوانات التي تذكي بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي:
1- أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي - القذالي (القفوي) .
2- أن يتراوح الفولت ما بين (100 - 400 فولت) .
3- أن تتراوح شدة التيار ما بين (75. إلى 1 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2 إلى 2.5 أمبير) بالنسبة للبقر.
4- أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين (3 إلى 6 ثوان)
ج- لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الانجليزية.
د- لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.
هـ- لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين، أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته " انتهى.
وبناء على ما سبق: فالصعق الكهربائي الذي يخالف الشروط الواردة في القرار السابق يعد وقذا، لا تحل به الذبيحة، فيجب على من يحتاج إلى هذا الأمر الاجتهاد في تحديد انطباق الشروط من عدمها.
وانظر جواب السؤال رقم: (83362) .
وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله علامة أخرى ظاهرة يُعلم بها أن الحيوان قد مات من الصعق أم تم ذبحه قبل الموت، فقال:
" إذا كان ينزل الدم بعد قطعه فمعنى ذلك أن الذبيحة لم تمت بالصعق، إنما خُدِّرت ثم ذبحت، وعلى هذا تكون حلالاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ولا يمكن أن يجري الدم الجري العادي إلا والذبيحة حية.
أما إذا ماتت فإن الدم يتغير ويتخثر، ولا يمكن أن يخرج، اللهم إلا شيئاً يسيراً.
وعلى كل حال إذا كان هذا الصعق الذي ذكره الأخ لا يصل بها إلى حال الموت فإن ذبحها قبل خروج روحها يعتبر تذكيةً شرعية، لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) كل هذه الأشياء التي استثني منها (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) وجد بها سبب الموت، لا سيما المنخنقة، فإنها أشبه ما تكون بالصعق الكهربائي، ومع ذلك استثنى الله سبحانه وتعالى من تحريمها ما إذا ذكيت أي ذبحت قبل أن تموت فإنها تكون حلالاً، وعلى هذا فيكون هذا الصعق وسيلةً لتسهيل الذبح فقط، فإذا جرى الذبح عليها قبل خروج الروح فهي حلال، أما إذا كان الصعق يؤدي إلى موتها فإنها لا تباح حينئذ " انتهى.
"نور على الدرب" (فتاوى الجنايات/الأطعمة والذكاة والصيد)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8083)
الأكل من مطاعم الوجبات السريعة في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن الأكل من مطاعم الوجبات السريعة ببريطانيا. لقد قرأت السؤال رقم (12776) والذي يشير إلى جواز أكل ذبائح أهل الكتاب إذا ما صعقت لشل حركتها وذكيت قبل موتها من الصعق. في الحقيقة وقع في يدي جريدة بريطانية تشرح عملية الذبح بالتفصيل تحت عنوان " كيف تصل اللحوم إلى مائدتكم " وجاء بها أن الأبقار تُرمى بإطلاقٍ ناري على بعد (15) سم، على أن هذا لا يقتلها، بل يشل حركتها، ثم تعلق إلى المذبح ليتم قطع رأسها من أعلى العنق. هل يجوز أكل هذا النوع من الذبائح؟ أو بمعنى آخر: هل يجوز الأكل من المطاعم الغربية إذا افترضنا أنها طريقتهم بالذبح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من أهم شروط تحقق الذكاة الشرعية شرطٌ يقوم في المذبوح، وهو أن يكون الحيوان حيا وقت الذبح، وللفقهاءِ تفصيلاتٌ وتقسيماتٌ كثيرة في بيانِ معنى كون الحيوان حيا وقت الذبح، والتفريقِ بين ما قامت به بعض أسباب الهلاك الأخرى كالانخناق والتردي وبين ما لم يوجد سبب يحال عليه الهلاك، إلا أن الذي يتجه من تلك التفصيلات، إن شاء الله، هو أن وجود أصل الحياة في الحيوان كاف لتحقق الذكاة الشرعية، وعلامته إنهار دم الحياة، ولا يشترط شيء زائد على ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (35/237) :
" والصحيح: أنه إذا كان حيا فذُكِّيَ حل أكلُه، ولا يعتبر فى ذلك حركة مذبوح، فإن حركات المذبوح لا تنضبط، بل فيها ما يطول زمانه وتعظم حركته، وقد قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)
فمتى جرى الدم الذي يجري من المذبوح الذي ذبح وهو حي، حل أكله.
والناس يفرقون بين دم ما كان حيا ودم ما كان ميتا، فإن الميت يجمد دمه ويسود، ولهذا حرم الله الميتة لاحتقان الرطوبات فيها، فإذا جرى منها الدم الذى يخرج من المذبوح الذي ذبح وهو حي حل أكله وإن تيقن أنه يموت، وقد أفتى غير واحد من الصحابة رضى الله عنهم بأنها إذا مصعت بذنبها، أو طرفت بعينها، أو ركضت برجلها بعد الذبح حلت، ولم يشرطوا أن تكون حركتها قبل ذلك أكثر من حركة المذبوح، وهذا قاله الصحابة لأن الحركة دليل على الحياة، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم إذا لم يوجد هذا منها أن تكون ميتة، بل قد تكون حية وإن لم يوجد منها مثل ذلك، والإنسان قد يكون نائما فيذبح وهو نائم ولا يضطرب، وكذلك المغمى عليه يذبح ولا يضطرب، وكذلك الدابة قد تكون حية فتذبح ولا تضطرب لضعفها عن الحركة وإن كانت حية، ولكن خروج الدم الذي لا يخرج إلا من مذبوح، وليس هو دم الميت، دليل على الحياة. والله أعلم " انتهى.
ثانيا:
وبناء على ذلك، فما ذكرته – أخي السائل – من بعض المعلومات عن طريقة الذبح في مكان إقامتكم، وأنهم يستعملون إطلاق العيار الناري لشل حركة الحيوان قبل الذبح، وذلك إذا غلب على ظن من يقوم به أن إطلاق النار على هذا المحل من جسم الحيوان لا يؤدي إلى قتله، إنما إلى إيقاف حركته فقط، وأن الحياة لا زالت سارية فيه، فلم تفارقه روحه، ولا يخشى عليه من ذلك، فمثل هذا إن ذبح بعدها الذبح الشرعي، فإنه يحل أكله، ولا بأس بإطلاق النار عليه، تسهيلا لمهمة ذبحه.
وقد سبق في موقعنا بيان حكم الذبح بعد الصعق أو التخدير، وننقل هنا لمزيد من البيان قرار "المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة"، فقد جاء فيه:
" أولا: إذا صعق الحيوان المأكول بالتيار الكهربائي، ثم بعد ذلك تم ذبحه أو نحره وفيه حياة فقد ذكي ذكاة شرعية، وحل أكله، لعموم قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3
ثانيا: إذا زهقت [أي: خرجت] روح الحيوان المصاب بالصعق الكهربائي قبل ذبحه أو نحره فإنه ميتة يحرم أكله، لعموم قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)
ثالثا: صعق الحيوان بالتيار الكهربائي عالي الضغط هو تعذيب للحيوان قبل ذبحه أو نحره، والإسلام ينهى عن هذا ويأمر بالرحمة والرأفة به، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم.
رابعا: إذا كان التيار الكهربائي منخفض الضغط وخفيف المس، بحيث لا يعذب الحيوان، وكان في ذلك مصلحة كتخفيف ألم الذبح عنه وتهدئة عنقه ومقاومته فلا بأس بذلك شرعا مراعاة للمصلحة، والله أعلم " انتهى. نقلا عن "فقه النوازل" (4/251) للدكتور الجيزاني.
وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي بجدة" رقم (94) :
" أ - الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان، وإحسانا لذبحته، وتقليلا من معاناته.
ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.
- مع مراعاة (ذلك) فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها.
ج – لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة، أو بالبلطة، أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية " انتهى.
فالحاصل أنه يجوز الأكل مما ذبح بالطريقة التي وصفت، ولا حرج على من أكل من تلك الذبائح.
ولمزيد فائدة يرجى مراجعة (10339) ، (14308) ، (20805)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8084)
هل تسمية المسلم على لحم أهل الكتاب يبيح أكله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ذبيحة اليهود والنصارى؟ وهل يكفي أن أقول بسم الله إن أهداني صديق يهودي أو نصراني قطعة لحم قبل أكلها؟
أنا لست على يقين مما يفعله الكثير من المسلمين في مجتمعنا بخصوص ذبائح اليهود والنصارى، فهم يزعمون - أي المسلمون حولنا - أن الذبيحة التي ذبحها كتابي تصبح حلالا بمجرد ذكر اسم الله عليها وقت الأكل، وإذا أهدانا يهودي أو نصراني قطعة لحم فعلينا أن نأكلها ونذكر اسم الله فهو يحلها، فما توجيهكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع العلماء على إباحة ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى إذا ذكر اسم الله على ذبيحته كما قال تعالى: " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه "، وإن ذكر الكتابي غير اسم الله عليها كأن يقول باسم عزير أو المسيح لم يحل الأكل منها لدخولها في عموم قوله تعالى: "وما أهلّ لغير الله به ".
ويشترط أيضا أن تكون مذكاة التذكية الشرعية فإن علم أنّ ذبْحه على غير الطريقة الإسلامية كالخنق والصعق ونحوه فهي حرام.
وأما ما يحتج به بعضهم من الاكتفاء بالتسمية عليها عند أكلها فهذا وارد في شأن أناس من المسلمين كانوا حديثي عهد بالكفر فسأل الصحابةُ رضي الله عنهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: يا رسول الله إن قوما حديثي عهد بالكفر يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " سموا الله عليه وكلوا " أخرجه البخاري. فأمر المسلم يحمل على السداد والاستقامة ما لم يعلم منه خلاف. ذلك والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8085)
تلقى في الماء المغلي وهي تتحرك بعد الذبح
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد ذبح الدجاج مباشرة، ولا زالت الدجاجة فيها نَفَس وتتحرك، تلقى في خزان كبير للماء المغلي، ليسهل نتف ريشها، فإذا تحققنا من ذلك هل يجوز أكل هذا الدجاج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، فأجاب حفظه الله:
ما دام أنها ذبحت، فلا بأس.
سؤال:
لكن مازال فيها نفس وتتحرك وتضطرب؟
جواب:
إذا كان بعد ذبحها فلا بأس (ويحلّ أكلها) ، لكن لا يجوز أن يعذبوها هذا التعذيب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8086)
المسلخ فيه عمال لا يصلون
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد مذبح يعمل به أشخاص، منهم من يصلي ومن لا يصلي، وأغلب الموجودين هناك يسبون الدين الإسلامي، فهل يجوز الأكل من ذبائحهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يجوز إقرار الذين يسبون الدين في هذا المسلخ، ولو كانو يصلون، فإن سب الدين كفر مخرج من الملة، فأما من لا يصلي فلا يتركون أيضا إذا كانو جاحدين لها، أو مصرين على تركها، أو لا يصلون ولو في المنازل، ولا يجوز الأكل من ذبائح هؤلاء، ولو سمو أنفسهم مسلمين، ولو ذكروا عليها اسم الله، وعليكم أن لا تسكتوا عنهم إن كانت البلاد إسلامية تطبق فيها أحكام الشرع، فإن لم تقدروا على طردهم وإبعادهم عن هذ العمل فحذروا المسلمين من أكل ذبائحهم، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ ابن جبرين ص55.(5/8087)
ترك الدم في الذبيحة بعد الذبح
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض مصانع اللحوم في البلدان الغربية تتعمد عدم تصفية الدم من الذبيحة، ليزيد وزنها فيزداد ربحهم في بيعها، فما حكم الأكل منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
ترك الدم في الذبيحه وعدم تصفيتها حرام لا يجوز، وقد قال الله تعالى: " حرمت عليكم الميتة والدم ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/8088)
يذبح في المسلخ أصحاب أديان متعددة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن اللحم المذبوح بواسطة أهل الكتاب جائز للمسلمين وهذا لا يمكن النقاش فيه لأنه مذكور في القرآن ونعلم بأن هناك اختلاف بين العلماء في حالات معينة. وسؤالي عن حالة معينة. نحن نعيش في مدينة في كندا وكما تعلم فإن كندا تجمع فيها المهاجرون من جميع أنحاء العالم. إذا ذهبت إلى المسلخ فإنك تجد العديد من الناس ومن أديان مختلفة يعملون هناك فتجد المسلم وتجد اليهودي والنصراني والبوذي والملحد والسيخي ... الخ ومن هؤلاء الناس يوجد من هو مسئول عن الذبح ولا يُعلم عادة من هو الذي يقوم بالذبح (فربما يكون من أي دين ولا ندري أيهم يكون) فهل يمكن أن نقول أنه كوننا نعيش في مثل هذا البلد فليس من المهم أن نعرف هذه المعلومات ويمكن أن نأكل من اللحم المتوفر في الأسواق؟ أسال هذا السؤال مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هناك مسلمين يقومون بالذبح أيضا حسب الطريقة الإسلامية ويباع هذا اللحم في الأسواق. هذه فتنة للكثير والمشكلة أنهم يسألون المشايخ في حالات كثيرة بدون ذكر التفاصيل التي ذكرتها. ستساعدنا جداً إذا بينت لنا الأمر بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على المسلم أن يتحرى في هذا الباب، ويجتهد في حل مأكله ومشربه وملبسه.. ولا يخفى أن ذبائح الوثنيين كالملاحدة والسيخ ونحوهم ممن ليسوا من اليهود والنصارى لا يحل أكلها..
ويمكن أن يقوم الواحد منا معشر المسلمين بتذكية ذبيحته ثم يتولى غيره سلخها وتقطيعها.
الشيخ: العبد اللطيف
والخلاصة إذا ذبحها مسلم أو كتابي فكلها وإذا ذبح غيرهم فلا تأكل وإذا كان يذبح في المسلخ أصحاب أديان شتى ومنهم المسلم والنصراني والبوذي والهندوسي والشيوعي والمرتد عن الإسلام ولم تعرف من الذي ذبح منه هذه الذبيحة المعروضة فلا تأكل منها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8089)
تمكين المسلمين من الذّبح حسب شريعة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أغنام في مزرعتنا وقد طلب إلي بعض الإخوة المسلمين أن أبيع لهم هذه الخراف.
وسؤالي هو: هل يجب علي أن يكون لدي مكان خاص لكي يذبحوا الخراف في مزرعتي؟ (كأن يكون لدي مفتش لفحص الخراف أو تسهيلات معينة) أنا أود بيع الخراف ولكنني لا أريد حصول مشاكل بيني وبين قسم الزراعة بالولاية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا استطعت أن تمكّن المسلمين من ذبح الخراف حسب الشريعة الإسلامية فهذا خير عظيم وإنْ لم تستطع فلم يبق إلا أن تبيعها عليهم حيّة وهم يتوّلوْن ذبحها بعد ذلك.
ولكنني أحثّك على محاولة تيسير الأمور ما أمكن للمسلمين في الذّبح لأنّهم قد لا يجدون مكانا مناسبا إلاّ في مزرعتك، وفّقنا الله وإياك لكلّ خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8090)
اشتراط التسمية لحل الذبيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عدم التسمية على الأضحية خاصة أن الذابح لا يصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، سواء سمى عليها أو لم يسم، وانظر السؤال رقم (70278) .
وأما التسمية على الذبيحة فمختلف فيها بين الفقهاء، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها مستحبة فقط، وهو مذهب الشافعي.
الثاني: أنها شرط في حل الذبيحة، لكن إن تركها سهوا أبيحت، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
الثالث: أنها شرط، ولا تسقط بحال، لا سهوا ولا عمدا ولا جهلا، وهذا مذهب الظاهرية ورواية عن مالك وأحمد، وقول جماعة من السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهو الصحيح ".
وقال: " واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الأنعام/ 121، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل) فشرط لحل الأكل التسمية، ومعلوم أنه إذا فقد الشرط فقد المشروط، فإذا فقدت التسمية فإنه يفقد الحل، كسائر الشروط. ولهذا لو أن إنسانا صلى وهو ناسٍ أن يتوضأ، وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث بحيث يظن أن الريح لا تنقض الوضوء، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلا، فعليه الإعادة، لأن الشرط لا يصح المشروط بدونه، وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم، ناسيا أو جاهلا، فإنها لا تحل، فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الحديث واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (6/358) .
وينظر: العناية شرح الهداية (9/489) ، الفواكه الدواني (1/382) ، المجموع (8/387) ، المغني (9/309) .
وعلى هذا فلا يذبح الأضحية وغيرها إلا من كان من أهل الصلاة، ويشترط أن يسمي عند الذبح، فيقول: بسم الله.
ويستحب أن يكبر، فيقول: بسم الله، والله أكبر.
وقد روى البخاري (5558) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8091)
ذبيحة الأخرس
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في المسلخ جزار أخرس ونريد معرفة كيف يسمي على الذبيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة:
قال - (أي: الخِرقي) -: (فإن كان أخرس، أومأ إلى السماء)
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على إباحة ذبيحة الأخرس؛ منهم الليث، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور. وهو قول الشعبي، وقتادة، والحسن بن صالح.
إذا ثبت هذا فإنه يشير إلى السماء؛ لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق، وإشارته إلى السماء تدل على قصده تسمية الذي في السماء.
ونحو هذا قال الشعبي.
وقد دل على هذا حديث أبي هريرة " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية، فقال: يا رسول الله، إن علي رقبة مؤمنة، أفأعتق هذه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ ، فأشارت إلى السماء، فقال: من أنا؟ ، فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، أي أنت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقها، فإنها مؤمنة "، رواه الإمام أحمد، والقاضي البرتي، في " مسنديهما ".
فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيمانها بإشارتها إلى السماء، تريد أن الله سبحانه فيها، فأولى أن يكتفى بذلك علما على التسمية.
ولو أنه أشار إشارة تدل على التسمية، وعلم ذلك، كان كافيا.
[الْمَصْدَرُ]
المغني (9 / 323) .(5/8092)
أكل ذبيحة من انتقل من دين كافر إلى دين آخر كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صار النصراني شيوعياً ملحداً أو صار بوذياً فهل يجوز أكل ذبيحته؟ ولو صار اليهودي نصرانياً فهل يجوز لنا أكل ذبيحته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق الفقهاء على أن من انتقل من الكتابيين إلى غير دين أهل الكتاب لا تؤكل ذبيحته. وأما إذا انتقل من دينه إلى دين أهل كتاب آخرين كيهودي تنصر أو العكس، فذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية في قول والحنابلة في الجملة إلى حل ذبيحته، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 97.(5/8093)
هل يكفي ذكر اسم الله على أي لحم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اشتريت لحما وأنا أعلم أنه لم يُذبح وفقا للشريعة الإسلامية، فهل أذكر اسم الله عليه ثم آكله؟ فقد قرأت حديثا في صحيح البخاري أن ناسا لم يكونوا متأكدين من أن اللحم الذي عندهم حلال، فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يذكروا اسم الله عليه. فهل هذا هو الفهم الصحيح للحديث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا لم يعلم بطريقة الذبح مع غلبة الظن بأنه ذبح على الطريقة الإسلامية بأنه من بلد غالبها مسلمون أو كتابيون فإنه يكفي حينئذ أن يذكر عليه اسم الله عند الأكل، وأما إذا علم أنه ذبح على غير طريقة المسلمين فإنه لا يجوز أكله لأنه في حكم الميتة، كما قال تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه..)
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الخضير(5/8094)
ذبيحة الجنب والحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ذبح ذبيحته بنفسه وهو جنب هل عليه إثم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذبيحة الجنب والحائض حلال، ولا إثم عليه في ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: " (وإن كان جنبا جاز أن يسمّي ويذبح) .
وذلك أن الجنب له التسمية ولا يُمنع منها؛ لأنه إنما يمنع من القرآن لا من الذكر، ولهذا تشرع له التسمية عند اغتساله، وليست الجنابة أعظم من الكفر، والكافر يسمي ويذبح. وممن رَخص في ذبح الجنب: الحسن والحكم والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا منع من ذلك. وتباح ذبيحة الحائض؛ لأنها في معنى الجنب " انتهى من "المغني" (11/61) . وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/74) : " نقل ابن المنذر الاتفاق [على حل] ذبيحة الجنب، قال: وإذا دل القرآن على حل إباحة ذبيحة الكتابي مع أنه نجس، فالذي نفت السنة عنه النجاسة أولى. قال: والحائض كالجنب " انتهى.
واستدل الفقهاء لذلك بما رواه البخاري (5501) عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لأَهْلِهِ: لا تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِهَا.
(سَلْعٍ) : جبل معروف بالمدينة.
(أَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا) أي: شارفت على الموت.
قال في شرح المنتهى (3/417) : " ففيه إباحة ذبيحة المرأة والأمة والحائض والجنب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عنها " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8095)
تعمل في مدرسة خاصة وتقدم اللحم للأطفال ولا تعرف ما هو الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مطعم في مدرسة للصغار في فرنسا، وفي بعض الأحيان أكون مجبرة على تقديم اللحم للأطفال مع أني لا أعلم إذا كان حلالاً أم لا، فهل يجوز لي ذلك أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تشكين في هذا اللحم أنه قد يكون لحم خنزير فلا يجوز لك تقديمه للأطفال.
أما إذا كنت تعلمين أنه من اللحم الحلال كالبقر والغنم، ولكن تشكين هل ذبح على الشريعة الإسلامية أم لا؟
فهو حلال، وهذا الشك لا يلتفت إليه، ما دام الذي ذبحها ممن يصح ذبحه، وهو المسلم والنصراني واليهودي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا جاء هذا اللحم ممن تحل ذبيحته فهو حلال، وليس علينا أن نسأل كيف ذبح؟ ولا أن نسأل هل سمى الله عليه أم لا؟ ليس علينا هذا، بل وليس لنا ذلك أيضاً؛ لأن السؤال عن هذا من باب التعمق في الدين، ولهذا لما جاء أناس يستفتون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقولون: (إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا) لم يقل: اسألوهم.. قال: (سموا أنتم وكلوا) . قالت عائشة راوية الحديث رضي الله عنها: (وكانوا حديثي عهد بكفر) وحديث العهد بالكفر قد يخفى عليه وجوب التسمية عند الذبح.
على كل حال: إذا جاءك اللحم ممن تحل ذبيحته، والذي تحل ذبيحته هو ثلاثة أصناف من الناس: المسلم واليهودي والنصراني، لا تسأل..
وكان اليهود يهدون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام اللحم ويأكل دون أن يسأل، وكان يدعوه اليهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة لا يسأل عن هذه الإهالة كيف ذبحت، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم" انتهى باختصار.
"لقاء الباب المفتوح".
وانظري جواب السؤال رقم (10339) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8096)
هل تؤكل ذبيحة تارك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال كيف نفعل لو كان أخي لا يصلى وهو في الشرع يعتبر كافراً، فهل نأكل مما يذبح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليكم نصح أخيكم بالمحافظة على الصلاة، وأعلموه بحكم الله تعالى في تاركها، وامنعوه من مباشرة الذبح لكم، وليعلم سبب هذا المنع، وهو أن تارك الصلاة يعتبر كافراً، فلا تحل ذبيحته، فلعل معرفته الحكم تؤثر فيه، ويرجع إلى دينه ويقيم الصلاة، وهذا خير له في دينه ودنياه، وعاجله وآجله.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز الأكل من ذبائح تارك الصلاة عمداً - علما أنه إذا أخبر بذلك احتج بأنه كان ينطق بالشهادة، كيف العمل إذا لم يوجد أي جزار يصلي؟
فأجاب:
" الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، هذا هو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) أخرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكل شيء سقط عموده لا يستقيم ولا يبقى، ومتى سقط العمود سقط ما عليه.
وبذلك يعلم أن الذي لا يصلي لا دين له، ولا تؤكل ذبيحته، وإذا كنت في بلد ليس فيها جزار مسلم فاذبح لنفسك، واستعمل يدك فيما ينفعك، أو التمس جزارا مسلما ولو في بيته حتى يذبح لك، وهذا بحمد الله ميسر فليس لك أن تتساهل في الأمر.
وعليك أن تنصح هذا الرجل بأن يتقي الله وأن يصلي، وقوله: " إنه يكتفي بالشهادتين " غلط عظيم، فالشهادتان لا بد معهما من حقهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) متفق على صحته.
فذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين، وفي اللفظ الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) والصلاة من حقها، والزكاة من حقها.
فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، والواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام أن يتقي الله ويصلي الصلوات الخمس ويحافظ عليها، وهي عمود الإسلام، وهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، من ضيعها ضيع دينه، ومن تركها خرج عن دينه، نسأل الله العافية.
هذا هو الحق والصواب، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكون كافرا كفرا أكبر، بل يكون كفره كفرا أصغر، ويكون عاصيا معصية عظيمة، أعظم من الزنا، وأعظم من السرقة، وأعظم من شرب الخمر، ولا يكون كافرا كفرا أكبر إلا إذا جحد وجوبها، هكذا قال جمع من أهل العلم، ولكن الصواب ما دل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أن مثل هذا يكون كافرا كفرا أكبر كما تقدم من الأحاديث في ذلك؛ لأنه ضيع عمود الإسلام وهو الصلاة.
فلا ينبغي التساهل بهذا الأمر، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
فذكر إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة عندهم كافر، نسأل الله العافية.
فالواجب الحذر، والواجب المحافظة على هذه الفريضة العظيمة، وعدم التساهل مع من تركها، فلا تؤكل ذبيحته، ولا يدعى لوليمة، ولا تجاب دعوته؛ بل يهجر حتى يتوب إلى الله وحتى يصلي، نسأل الله الهداية للجميع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/274– 276) .
وانظر جواب السؤال رقم (1553) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8097)
سقطت الأضحية فذبحها قبل موتها، فهل تعد أضحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت الأضحية من سطح من بيتنا فقام أهلنا بذبحها قبل أن تموت فهل يجوز ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الظاهر من السؤال أنكم ذبحتم " الذبيحة " قبل صلاة العيد، فإن كان الأمر كذلك فإنها لا تكون أضحية، لأن شرط الأضحية أن تذبح في أيام الذبح، وهي يوم العيد وثلاثة أيام بعده.
عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: شهدتُ الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذُبحت فقال: (مَن ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله) . رواه البخاري (942) ومسلم (1960) .
وعلى هذا، لو كانت هذه الأضحية منذورة فيجب عليكم بدلها.
وأما إن كان ذبحكم لها في وقت الذبح، وكنتم قد اشتريتموها بنية الأضحية، فإنها تجزئ وتكون أضحية، ولو انكسرت بسبب سقوطها من السطح، وانظر السؤال (39191) .
ثانياً:
وأما صحة ذبحكم لها، فإنه صحيح إذا أدركتموها قبل الموت.
وقد حرَّم الله عز وجل المنخنقة والموقوذة – وهي التي تموت بضربها بخشبة أو حديدة - والمتردية – كحال ذبيحتكم – وما أكل السبُع، وهذا في حال أن تموت، فإذا أُدركت قبل موتها وذكِّيت الذكاة الشرعية: صارت حلالاً.
قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3.
قال ابن كثير:
وقوله: (إلا ما ذكيتم) عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع) .
"تفسير ابن كثير" (2/11، 12) .
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلْع (جبل بالمدينة) ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتاً فكسرت حجراً فذبحتْها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذاك فأمره بأكلها. رواه البخاري (2181) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8098)
حكم ذبائح الشيعة – الرافضة -
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في مجتمع شيعي، وأنتم تعلمون عقائد الشيعة المخالفة للكتاب والسنة مع دعواهم الإسلام، فهل يجوز لنا أن نأكل ذبائحهم التي يذكرون اسم الله عليها ويذبحونها - للبيع في الأسواق - للقبور أو الأموات أو المشاهد أو للنذر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من شروط حل الذبيحة أن يكون الذابح لها مسلماً أو كتابيّاً، فلا تحل ذبيحة المشرك ولا المجوسي ولا المرتد.
والشيعة لهم جملة من العقائد والأعمال التي تخرجهم من دائرة الإسلام، كاعتقادهم تحريف القرآن الكريم، وأن أئمتهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون من السهو والخطأ.
ويستغيثون بالأموات، ويدعونهم من دون الله، ويسجدون لقبورهم، ويسبون أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويكفرونهم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1148) و (10272) و (21500) .
فمن اعتقد شيئاً من ذلك، أو فعل شيئاً من هذه الكفريات، فهو خارج عن الإسلام ولا تحل ذبيحته.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن أكل ذبائح الشيعة الجعفرية، علماً بأنهم يدعون علياً والحسن والحسين وسائر سادتهم في الشدة والرخاء:
فأجابوا:
"إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون مرتدون عن الإسلام والعياذ بالله، ولا يحل الأكل من ذبائحهم، لأنها ميتة ولو ذكروا عليها اسم الله " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/264) .
وسئلوا أيضاً:
أنا من قبيلة تسكن في الحدود الشمالية ومختلطين نحن وقبائل من العراق ومذهبهم شيعة وثنية يعبدون قبباً ويسمونها بالحسن والحسين وعلي، وإذا قام أحدهم قال: يا علي، يا حسين، وقد خالطهم البعض من قبائلنا في النكاح في كل الأحوال، وقد وعظتهم ولم يسمعوا، وقد سمعت أن ذبحهم لا يؤكل وهؤلاء يأكلون ذبحهم ولم يتقيدوا ونطلب من سماحتكم توضيح الواجب نحو ما ذكرنا؟
فأجابوا:
"إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم عليّاً والحسين والحسن ونحوهم: فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من ملة الإسلام، فلا يحل أن نزوجِّهم المسلمات، ولا يحل لنا أن نتزوج من نسائهم، ولا يحل لنا أن نأكل من ذبائحهم، قال الله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ولأمَةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 264) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله عن الأكل من ذبائح الرافضة:
فأجاب:
"لا يحل ذبح الرافضي ولا أكل ذبيحته، فإن الرافضة غالباً مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائماً في الشدة والرخاء حتى في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعنا مراراً، وهذا شرك أكبر وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها، كما يغلون في وصف علي رضي الله عنه ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلا لله كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدون حيث جعلوه ربّاً وخالقاً ومتصرفاً في الكون ويعلم الغيب ويملك الضر والنفع ونحو ذلك، كما أنهم يطعنون في القرآن الكريم ويزعمون أن الصحابة حرفوه وحذفوا منه أشياء كثيرة تتعلق بأهل البيت وأعدائهم فلا يقتدون به ولا يرونه دليلا، كما أنهم يطعنون في أكابر الصحابة كالخلفاء الثلاثة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين ومشاهير الصحابة كأنس وجابر وأبي هريرة ونحوهم، فلا يقبلون أحاديثهم لأنهم كفار في زعمهم، ولا يعملون بأحاديث الصحيحين إلا ما كان عن أهل البيت، ويتعلقون بأحاديث مكذوبة، أو لا دليل فيها على ما يقولون، ولكنهم مع ذلك ينافقون فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك، ويقولون: "من لا تقية له فلا دين له"، فلا تقبل دعواهم في الأخوة ومحبة الشرع ... إلخ , فالنفاق عقيدة عندهم، كفى الله شرهم" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8099)
هل يشتري اللحم من جزار غير مسلم يدعي أن ذبيحته حلال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ادعى الجزار غير المسلم أنه يبيع اللحم والدجاج الحلال فهل يجوز الشراء منه؟ وإذا اشترى أصدقاؤنا من هذا المحل فهل يجوز لنا الأكل من هذا اللحم؟ مع العلم أنه يوجد في منطقتنا محلان جزارة تحت إدارة إخوة مسلمين ويبيع المحلان اللحم الحلال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: الأولى بكم شراء ما تحتاجون إليه من اللحم من عند المسلمين؛ فهو أحوط وأبعد عن الريب، وفيه إعانة للمسلمين على الاستمرار في عملهم الذي تمس الحاجة إليه في بلاد الغرب، ثم لاشك أن المسلم أولى بهذا النفع التجاري من غيره، ويكفي أن يستشعر المسلم تجديد الرابطة الإيمانية مع إخوانه المسلمين، كلما ترك المحلات التي يمتلكها الكفار، وربما تكون أقرب إليه، أو أرخص في السعر، ليشتري من عند إخوانه في الدين. [راجع السؤال رقم 9205] .
ثانيا: إذا كان الجزار غير المسلم من غير أهل الكتاب، فإن ذبيحته لا تحل، أما إذا من أهل الكتاب؛ يهوديا أو نصرانيا، فإن ذبيحته حلال.
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب؛ لقول الله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) المائدة/5؛ يعني: ذبائحهم. قال البخاري: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم.) المغني 13/293.
ثم لا نحتاج بعد ذلك إلى أن نسألهم عن الطريقة التي ذبحوا بها؛ لأن الأصل صحة ذبحهم لصدوره من أهله. [راجع السؤال رقم 20805] .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(ثبت في صحيح البخاري [رقم 5507] عن عائشة رضي الله عنها، " أن قوما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن قوما يأتوننا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا أنتم، ثم كلوا ".
قلت [الكلام للشيخ رحمه الله] : وكانوا حديثي عهد بكفر؛ يعني [أنهم] الآن جُدُدٌ في الإسلام، لا يدرون هل يسمون أو لا، فقال: سموا أنتم وكلوا، فأباح الأكل وإن كنا لا ندري هل سمى [الذابح] أو لا؛ كذلك يباح الأكل وإن كنا لا ندري هل ذبح على طريقة سليمة أو غير سليمة؛ لأن الفعل الصادر، إذا صدر من أهله فالأصل صحته ونفاذه إلا بدليل، فإن جاءنا مذبوح من مسلم أو يهودي أو نصراني، فلا نسأل عنه ولا نقول: كيف ذبح، ولا: هل سُمِّيَ عليه أو لا؟ فهو حلال ما لم تقم بينة على أنه حرام؛ وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى.) لقاءات الباب المفتوح 1/77 باختصار.
فتبين من هذا أن شراءكم من هذا المحل، وأكلكم من عند من يشتري منه لا حرج فيه، ولا تحتاجون إلى سؤاله عن الطريقة التي يذبح بها، ما لم تتيقنوا أنه يذبح بطريقة غير مشروعة، كصعق الذبيحة حتى تموت ونحو ذلك، وإن كان الأولى الشراء من عند المسلم كما سبق، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8100)
معنى قوله تعالى: (وما أُهلّ به لغير الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[بالرجوع للآية 173 من سورة البقرة ما هو معنى قوله تعالى {وما أهل به لغير الله} في هذه المسألة؟ هل هذه الآية تمنعني من قبول أو أكل أي طعام (ليس من الضروري الطعام المذبوح على غير اسم الله) من الطعام الذي يقدم هنا في الهند بعد قراءة الفاتحة باسم بعض الصالحين مثل عبد القادر الجيلاني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في الآية المذكورة في السؤال من سورة البقرة:
ما أهل به لغير الله وهو ما ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له.
وفي تفسير الآية 3 من سورة المائدة قال رحمه الله تعالى:
وقوله " وما أهل به لغير الله " أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالإجماع..
وقوله " وما ذبح على النصب " قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة قال ابن جريج: وهي ثلثمائة وستون نصبا كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها.. ويشرّحون اللحم ويضعونه على النُّصُب.. فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله وينبغي أن يحمل هذا على هذا لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله. انتهى
فأيّ ذبيحة ذُكر عليها اسم غير الله من نبي أو وليّ أو صنم أو شيطان أو أيّ معبود كالصّليب وغيره فلا يجوز أكلها، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8101)
ما حكم أكل الدجاج الوطني لمن لا يعلم كيف ذكِّي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أكل الدجاج واللحوم الموجود بالمطاعم، مع العلم أنني لا أعلم هل ذبح على الشريعة الإسلامية أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قوماً أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لا؟ َقَالَ: (سَمُّوا أنتم ثم َكُلُوها) . قلت: وكانوا حديثي عهد بكفر يعني إلى الآن جدد في الإسلام لا يدرون هل يسمون أو لا. فقال: سمّوا أنتم وكلوا. فأباح الأكل وإن كنا لا ندري هل سمَّى أو لا، كذلك يباح الأكل وإن كنا لا ندري هل ذبح على طريقة سليمة أو غير سليمة، لأن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل أنه صحيح نافذ إلا بدليل، فإن جاءنا لحم مذبوح من مسلم أو من يهودي أو نصراني، لا نسأل عنه، لا نقول: كيف ذبح، ولا هل سمَّى عليه أو لا؟ فهو حلال ما لم تقم بيِّنة على أنه حرام، وهذا من تيسير الله، وإلا كان مشكلة كلما قدّم لنا مذبوح نسأل: من الذي ذبح؟ فلان، هل يصلي أو لا يصلي؟ هل سمَّى أو لا؟ هل أنهر الدم أو لا..إلخ، لكن من تيسير الله سبحانه وتعالى أن الفعل الصادر من أهله الأصل فيه الصحة والنفاذ إلا بدليل.
[الْمَصْدَرُ]
انظر " أسئلة الباب المفتوح ج 1ص 77 " للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.(5/8102)
علة تحريم أكل اللحوم دون تذكية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد سبب واضح لتحريم أكل الحيوانات غير المذبوحة كالمصعوقة والمضروبة بالمسدس وغيرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى: (قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) الأنعام/145
إن الدم هو مكمن تحريم أكل اللحوم من دون تذكية وإن شرعنا القويم إنما قصد تفريغ الذبيحة منه على أقصى درجة ممكنة، وما ذاك إلا للضرر البالغ الناتج عن أكلها بدمائها.
ولم يكن من المعقول أو المقبول أن يحتم الإسلام كل هذه الشروط للتخلص من دماء الذبيحة عن طريق ذلك التشريع المحكم بتذكية الذبائح، ثم يعود فيبيح شرب أو أكل الدماء ذاتها مسفوحة خارج الذبيحة، ومن أجل ذلك كان أمراً حتمياً أن يحرم الإسلام الدماء كسبيل لتغذية الإنسان، بل إن تحريمها يعد علامة ظاهرة على الحكمة والمقصد الشرعي من تذكية الحيوان بتجريده منها باعتبارها واحدة من أعظم الخبائث من الأطعمة الأمر الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم له: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) الأعراف/157.
أورد الطبري في تفسيره: وأما قوله: (أو دماً مسفوحاً) فإن معناه أو دماً مسالاً مهراقاً وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه المسفوح منه دون غيره الدليل الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحافحلال غير نجس، قال عكرمة لولا هذه الآية لتتبع المسلمون من العروق ما تتبعت اليهود، وحكى الماوردي أن الدم غير المسفوح أنه إن كان ذا عروق يجمد عليها كالكبد والطحل فهو حلال لقوله صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان ... ) الحديث.
والسر في تحريم الدم المسفوح هو ما صار معلوماً مقرراً اليوم عند أهل الطب والتحاليل الطيبة وعلم الكائنات الدقيقة من أن الدم يعتبر أصلح الأوساط لنمو الجراثيم فيه، فإذا ما شرب الدم إنسان فكأنما شرب مزرعة نمت فيها الجراثيم وتكاثرت وأفرزت من السموم القاتلة ما هو معلوم من الآثار بالغة الضرر الناتجة عن غزو الجراثيم للجسد الإنساني عندما يصاب بالأمراض الفاتكة المعدية.
فإن قيل فإن طَبخ الدم وطهيه بالنار وأكله لا شك مؤد إلى قتل هذه البكتريا والميكروبات والقضاء عليها مع بقاء ما يرتجى من منافع التغذية بالمداء؟ فالجواب: أن من هذه السموم ما لا يتغير بالغلي تغييراً يجعلها صالحة للجسم، ومنها ما لا يتغير مطلقاً، بل تبقى سموماً قاتلة حتى بعد غليها، بل يمكن أن تتحول بأثر الحرارة إلى ما هو أشد منها فتكاً وضرراً.
أما الفائدة التي يمكن أن يتوقعها شارب الدم من حيث تصوره أنه مادة مغذية ومقوية، فهذا منعدم أيضاً بالنظر إلى طبيعة تكوين الدماء، فالدم عسر الهضم جداً حتى أنه إذا سكب جزء منه في المعدة تقيأه الإنسان على الفور، أو يخرج من البراز بدون هضم على صورة مادة سوداء، والسبب في عسر هضمه وتحويله البراز إلى هذا اللون الأسود هو وجود المادة الحمراء (الهيموجلوبين) المكونة في أٍساسها من عنصر الحديد فيه، وأثناء مرور الدم في القناة الهضمية ومرور الزمن عليه يتحلل ويتعفن وبذلك يضر بالجسم أيضاً، فإن قيل فالطهي كذلك يؤدي إلى تحليل مكونات الدم بالنار وتيسير هضمه والإفادة من قيمته الغذائية، فجوابه أن الغلي يجمد جميع المواد الزلالية التي في الدم وبذلك تصير أشد عسراً عما كانت وأعظم ضرراً وأقل نفعاً.
وبعد مئات الأبحاث العلمية، والاتساع الهائل في المعارف الحديثة فيما يتعلق بالتحاليل الدموية والتعرّف الدقيق في الأسرار العلمية في هذا المضمار، تبين من غير خلاف بين جميع المعنيين بصحة الإنسان من كافة الجنسيات والتخصصات أن الأضرار الصحية الهائلة الناجمة عن شرب الدم أو طبخه واستخدامه إنما تعود إلى أن شرب الدم سم قاتل عن طريق الحقائق العلمية التالية:
أولاً:
أن الدم في تركيبه النهائي يتكون من عنصرين أساسين وهما الماء ويمثل نسبة 90% من تركيب السائل الدموي الذي تسبح فيه المكونات الدموية (المعروف باسم البلازما) والباقي يتكون من خلايا الدم وعناصر أخرى، وبما أن من يريد شرب الدماء وعناصر أخرى، وبما أن من يريد شرب الدماء أو طبخها وأكلها فإنه يفعل ذلك ترقباً إلى قيمة غذائية عالية أو حتى عادية، فإن هذه الحقيقة العلمية تبرهن على أنه عليه أن يشرب من الدم المسفوح كميات هائلة كي يتسنى له الحصول على نسبة تعتبر فقيرة للغاية من البروتين الدموي مع كميات طفيفة من معدن الحديد بحيث لا تتحق المخاطرة بمواجهة الأخطار الناجمة عنها.
أي باختصار أن الدم على عكس ما هو متصور هو عنصر فقير جداً من الناحية الغذائية، ومن ثم فلا يؤدي تحريمه شرعاً إلى حرمان المسلمين من أحد العناصر الرئيسية من الناحية الغذائية.
ثانياً: أن الطامة الكبرى تكمن في أن هذا القدر البروتيني الدموي يأتي مختلطاً بعناصر شديدة السمية وغاية في الضرر مما يجعل الإقدام عليه مجازفة كبرى وإلقاء للنفس في الخطر، وأول هذه العناصر السامة هو غاز قاتل يتشبع به الدم ألا وهو غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو يسري في الدماء الوريدية إلى كافة أنحاء الجسم.
ولما كان شارب الدم يستنزفه من الحيوان فإنه يشربه أو يطبخه مشبعاً بثاني أكسيد الكربون، وهو غاز قاتل خانق، وإنما تموت " المنخنقة " عن طريق تراكم هذا الغاز في الدماء وتحدث الوفاة بآثاره القاتلة.
ولا يخفاك أن تكرار شرب الدماء لمن اعتاد عليها وهي مشبعة بهذا الغاز، مؤد إلى أضرار صحية بقدر وجود هذا الغاز في دماء الحيوان، وبقدر قابلية جسم شاربه للتأثر به.
أيها القارئ الكريم:
إن ما ذكرناه هاهنا هو المخاطر العائدة فقط إلى تأثير مكونات الدم على شاربه أو آكله عن طريق طبخه، وكما ذكرنا هناك مخاطر أخرى بالغة الضرر راجعة مباشرة إلى ما خلقه الله تعالى في الدماء من عوامل معينة لها على تأدية وظائفها في أجساد الحيوانات تلك التي لا يمكنها أداءها إلا وهي في حالة سيلان وجريان. ولو اكتفينا بما سبق وحده من العواقب الشنيعة المترتبة على تعاطي الدماء لكان كافياً لأي أمة تحترم الصحة وتقدر العلم لإصدار التشريعات بتحريمه ولو كانت كافرة: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب) البقرة/269
فسبحان الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعلم وأمتن بذلك عليه قال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) النساء/113
وسبحان الذي أكرم العالم بهذا الدين القويم الذي ما ترك صغيرة ولا كبيرة إلا بين للناس منها منهجاً قويماً وصراطاً مستقيماً يقول الله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين – يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) المائدة /15-16
[الْمَصْدَرُ]
إعداد الأستاذ الدكتور توفيق علوان في مجلة الدعوة العدد 1811ص 64(5/8103)
حكم طعام أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم طعام أهل الكتاب في بلاد الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الإجابة على السؤال صوتية Real Audio format -- Press here to play
(To download player, click on icon:)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8104)
الأحوط: أن لا يأكل من اللحوم المستوردة إذا شك في طريقة ذبحها
[السُّؤَالُ]
ـ[نجد لحوما كثيرة مذبوحة ومستوردة من بلاد غير إسلامية هل نأكل منها ولا نفكر في عملية الذكاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت اللحوم من بلاد أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فلا بأس؛ لأن الله تعالى أباح لنا طعامهم، وطعامهم: ذبائحهم، فلا مانع من أن نأكل منها إذا لم نعلم ما يمنع من ذلك، فأما إذا علمنا أنها ذبحت خنقا أو ضربا في الرءوس بالمطارق ونحوها أو المسدسات أو صرعا بالكهرباء فلا نأكل منها، وقد بلغني عن كثير من الدعاة أن كثيرا من المجازر تذبح على غير الطريقة الشرعية في أمريكا وفي أوروبا، فإذا احتاط المؤمن ولم يأكل من هذه اللحوم كان ذلك أحسن وأسلم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) .
فالمؤمن عليه أن يحتاط في شرابه وطعامه فإذا اشترى الحيوان حيا من الدجاج أو من الغنم وذبحها بنفسه يكون ذلك أولى وأحسن أو اشتراه من جزارين معروفين بالذبح على الطريقة الشرعية يكون هذا خيرا له وأحوط له " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/16) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8105)
حكم أكل اللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أكل اللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية، وهل هي حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" قد أجمع علماء الإسلام على تحريم ذبائح المشركين من عباد الأوثان ومنكري الأديان ونحوهم من جميع أصناف الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس، وأجمعوا على إباحة ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، واختلفوا في ذبيحة المجوس عباد النار، فذهب الأئمة الأربعة والأكثرون إلى تحريمها إلحاقا للمجوس بعباد الأوثان وسائر صنوف الكفار من غير أهل الكتاب، وذهب بعض أهل العلم إلى حل ذبيحتهم إلحاقا لهم بأهل الكتاب، وهذا قول ضعيف جدا بل باطل، والصواب ما عليه جمهور أهل العلم من تحريم ذبيحة المجوس كذبيحة سائر المشركين؛ لأنهم من جنسهم فيما عدا الجزية، وإنما شابه المجوس أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فقط، والحجة في ذلك قول الله سبحانه في كتابه الكريم: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) المائدة/5.
فصرح سبحانه بأن طعام أهل الكتاب حل لنا، وطعامهم: ذبائحهم، كما قاله ابن عباس وغيره من أهل العلم، ومفهوم الآية: أن طعام غير أهل الكتاب من الكفار حرام علينا، وبذلك قال أهل العلم قاطبة إلا ما عرفت من الخلاف الشاذ الضعيف في ذبيحة المجوس.
إذا علم هذا؛ فاللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية إن عُلم أنها من ذبائح أهل الكتاب فهي حل للمسلمين، إذا لم يُعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي، إذ الأصل حلها بالنص القرآني، فلا يعدل عن ذلك إلا بأمر متحقق يقتضي تحريمها.
أما إن كانت اللحوم من ذبائح بقية الكفار فهي حرام على المسلمين، ولا يجوز لهم أكلها بالنص والإجماع، ولا تكفي التسمية عليها عند غسلها ولا عند أكلها.
أما ما قد يتعلق به من قال ذلك فهو وارد في شأن أناس من المسلمين كانوا حديثي عهد بالكفر، فسأل بعض الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: (يا رسول الله، إن قوما حديثي عهد بالكفر يأتوننا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟) رواه البخاري من حديث عائشة رضى الله عنها، وبذلك يتضح أنه لا شبهة لمن استباح اللحوم التي تجلب في الأسواق من ذبح الكفار غير أهل الكتاب بالتسمية عليها؛ لأن حديث عائشة المذكور وارد في المسلمين، لا في الكفار فزالت الشبهة؛ لأن أمر المسلم يحمل على السداد والاستقامة ما لم يُعلم منه خلاف ذلك، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر هؤلاء الذين سألوه بالتسمية عند الأكل من باب الحيطة، وقصد إبطال وساوس الشيطان، لا لأن ذلك يبيح ما كان محرما من ذبائحهم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما كون المسلم في تلك الدول غير الإسلامية يشق عليه تحصيل اللحم المذبوح على الوجه الشرعي ويمل من أكل لحم الدجاج ونحوه فهذا ونحوه لا يسوغ له أكل اللحوم المحرمة، ولا يجعله في حكم المضطر بإجماع المسلمين، فينبغي التنبيه لهذا الأمر والحذر من التساهل الذي لا وجه له. هذا ما ظهر لي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى، وأسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه صلاح دينهم ودنياهم وأن يعمر قلوبهم بخشيته وتعظيم حرماته والحذر مما يخالف شرعه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/13) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8106)
الأكل من مطاعم الوجبات السريعة في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن الأكل من مطاعم الوجبات السريعة ببريطانيا. لقد قرأت السؤال رقم (12776) والذي يشير إلى جواز أكل ذبائح أهل الكتاب إذا ما صعقت لشل حركتها وذكيت قبل موتها من الصعق. في الحقيقة وقع في يدي جريدة بريطانية تشرح عملية الذبح بالتفصيل تحت عنوان " كيف تصل اللحوم إلى مائدتكم " وجاء بها أن الأبقار تُرمى بإطلاقٍ ناري على بعد (15) سم، على أن هذا لا يقتلها، بل يشل حركتها، ثم تعلق إلى المذبح ليتم قطع رأسها من أعلى العنق. هل يجوز أكل هذا النوع من الذبائح؟ أو بمعنى آخر: هل يجوز الأكل من المطاعم الغربية إذا افترضنا أنها طريقتهم بالذبح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من أهم شروط تحقق الذكاة الشرعية شرطٌ يقوم في المذبوح، وهو أن يكون الحيوان حيا وقت الذبح، وللفقهاءِ تفصيلاتٌ وتقسيماتٌ كثيرة في بيانِ معنى كون الحيوان حيا وقت الذبح، والتفريقِ بين ما قامت به بعض أسباب الهلاك الأخرى كالانخناق والتردي وبين ما لم يوجد سبب يحال عليه الهلاك، إلا أن الذي يتجه من تلك التفصيلات، إن شاء الله، هو أن وجود أصل الحياة في الحيوان كاف لتحقق الذكاة الشرعية، وعلامته إنهار دم الحياة، ولا يشترط شيء زائد على ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (35/237) :
" والصحيح: أنه إذا كان حيا فذُكِّيَ حل أكلُه، ولا يعتبر فى ذلك حركة مذبوح، فإن حركات المذبوح لا تنضبط، بل فيها ما يطول زمانه وتعظم حركته، وقد قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)
فمتى جرى الدم الذي يجري من المذبوح الذي ذبح وهو حي، حل أكله.
والناس يفرقون بين دم ما كان حيا ودم ما كان ميتا، فإن الميت يجمد دمه ويسود، ولهذا حرم الله الميتة لاحتقان الرطوبات فيها، فإذا جرى منها الدم الذى يخرج من المذبوح الذي ذبح وهو حي حل أكله وإن تيقن أنه يموت، وقد أفتى غير واحد من الصحابة رضى الله عنهم بأنها إذا مصعت بذنبها، أو طرفت بعينها، أو ركضت برجلها بعد الذبح حلت، ولم يشرطوا أن تكون حركتها قبل ذلك أكثر من حركة المذبوح، وهذا قاله الصحابة لأن الحركة دليل على الحياة، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم إذا لم يوجد هذا منها أن تكون ميتة، بل قد تكون حية وإن لم يوجد منها مثل ذلك، والإنسان قد يكون نائما فيذبح وهو نائم ولا يضطرب، وكذلك المغمى عليه يذبح ولا يضطرب، وكذلك الدابة قد تكون حية فتذبح ولا تضطرب لضعفها عن الحركة وإن كانت حية، ولكن خروج الدم الذي لا يخرج إلا من مذبوح، وليس هو دم الميت، دليل على الحياة. والله أعلم " انتهى.
ثانيا:
وبناء على ذلك، فما ذكرته – أخي السائل – من بعض المعلومات عن طريقة الذبح في مكان إقامتكم، وأنهم يستعملون إطلاق العيار الناري لشل حركة الحيوان قبل الذبح، وذلك إذا غلب على ظن من يقوم به أن إطلاق النار على هذا المحل من جسم الحيوان لا يؤدي إلى قتله، إنما إلى إيقاف حركته فقط، وأن الحياة لا زالت سارية فيه، فلم تفارقه روحه، ولا يخشى عليه من ذلك، فمثل هذا إن ذبح بعدها الذبح الشرعي، فإنه يحل أكله، ولا بأس بإطلاق النار عليه، تسهيلا لمهمة ذبحه.
وقد سبق في موقعنا بيان حكم الذبح بعد الصعق أو التخدير، وننقل هنا لمزيد من البيان قرار "المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة"، فقد جاء فيه:
" أولا: إذا صعق الحيوان المأكول بالتيار الكهربائي، ثم بعد ذلك تم ذبحه أو نحره وفيه حياة فقد ذكي ذكاة شرعية، وحل أكله، لعموم قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3
ثانيا: إذا زهقت [أي: خرجت] روح الحيوان المصاب بالصعق الكهربائي قبل ذبحه أو نحره فإنه ميتة يحرم أكله، لعموم قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)
ثالثا: صعق الحيوان بالتيار الكهربائي عالي الضغط هو تعذيب للحيوان قبل ذبحه أو نحره، والإسلام ينهى عن هذا ويأمر بالرحمة والرأفة به، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم.
رابعا: إذا كان التيار الكهربائي منخفض الضغط وخفيف المس، بحيث لا يعذب الحيوان، وكان في ذلك مصلحة كتخفيف ألم الذبح عنه وتهدئة عنقه ومقاومته فلا بأس بذلك شرعا مراعاة للمصلحة، والله أعلم " انتهى. نقلا عن "فقه النوازل" (4/251) للدكتور الجيزاني.
وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي بجدة" رقم (94) :
" أ - الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان، وإحسانا لذبحته، وتقليلا من معاناته.
ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.
- مع مراعاة (ذلك) فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها.
ج – لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة، أو بالبلطة، أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية " انتهى.
فالحاصل أنه يجوز الأكل مما ذبح بالطريقة التي وصفت، ولا حرج على من أكل من تلك الذبائح.
ولمزيد فائدة يرجى مراجعة (10339) ، (14308) ، (20805)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8107)
شروط الأكل من ذبيحة اليهودي والنصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعلم أن التسمية عند ذبح ما يؤكل من الحيوان لازمة وأنه لا يجوز الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه ولكن في بعض الأحيان يضطر الفرد المسلم للسفر إلى بلاد غير مسلمة والبقاء هناك لسنوات للعمل أو الدراسة فهل يمتنع نهائيا عن أكل اللحوم طيلة هذه المدة أم يعتبر في هذه الحالة من المضطر أن يأكل اللحم أم أنه يجزئه التسمية عند وقت الأكل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التسمية شرط لحل الذبيحة، لا تسقط سهوا ولا جهلا، على الراجح من أقوال أهل العلم، وانظر السؤال رقم: (85669)
ثانيا:
تحل ذبيحة الكتابي (اليهودي والنصراني) بشرطين:
الأول: أن يذبح الذبيحة كما يذبحها المسلم، فيقطع الحلقوم والمريء، وينهر الدم، فإن كان يقتلها بالخنق أو الصعق الكهربائي أو الإغراق في الماء، فلا تحل ذبيحته، وكذلك المسلم لو فعل ذلك، لم تحل ذبيحته.
الثاني: ألا يذكر عليها اسم غير الله تعالى، كاسم المسيح أو غيره؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الأنعام/121، وقوله في المحرمات: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) البقرة/173.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والمراد به هنا ما ذكر عليه اسم غير الله عند ذبحه، مثل أن يقول: " باسم المسيح "، أو " باسم محمد "، أو " باسم جبريل "، أو " باسم اللات "، ونحو ذلك " انتهى من تفسير سورة البقرة.
ويدخل في التحريم: ما ذبحوه تقربا للمسيح أو للزهرة، ولو لم يذكروا عليه اسم غير الله، فهذا محرم أيضا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم وما يتقربون بذبحه إلى غير الله نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة، فعن أحمد فيها روايتان أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله وإن لم يسم عليه غير الله تعالى، ونقل النهي عن ذلك عن عائشة وعبد الله بن عمر ... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/251) .
ثالثا:
إذا ذبح المسلم أو الكتابي ذبيحة، ولم يُدر أذكر اسم الله عليها أم لا، فيجوز الأكل منها، ويسمي من أكل؛ لما روى البخاري (2057) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا يلزم السؤال عما ذبحه المسلم أو الكتابي كيف ذبحه، وهل سمى عليه أو لا؟ بل ولا ينبغي، لأن ذلك من التنطع في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم أكل مما ذبحه اليهود ولم يسألهم. وفي صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال: (سموا عليه أنتم وكلوه) قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكله دون أن يسألوا مع أن الآتين به قد تخفى عليهم أحكام الإسلام، لكونهم حديثي عهد بكفر " انتهى من رسالة في أحكام الأضحية والذكاة، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
رابعاً:
بناء على ما سبق، فمن سافر إلى بلاد غير مسلمة، وكان الغالب على من يذبح فيها أنهم نصارى أو يهود، فإنه يحل له الأكل من ذبائحهم، إلا إن علم أنهم يصعقون الذبيحة أو يسمون عليها باسم غير الله، كما سبق.
وإن كان الذابح وثنيا أو شيوعيا، فإنها لا تحل ذبيحته.
وحيث كانت الذبيحة محرمة، فإنه لا يجوز الأكل منها بحجة الاضطرار، ما دام أن الإنسان يجد ما يحفظ به حياته، من أكل الأسماك أو البقوليات ونحوها.
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: " ما يعرض من اللحوم في بلاد الكفار أنواع:
أما السمك فهو حلال بكل حال لأن حله لا يتوقف على تذكيته ولا على التسمية.
وأما بقية الأنواع فإن كان الذين ينتجون اللحوم من شركات أو أفراد هم من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى ولا يعرف من طريقتهم أنهم يقتلون الحيوان بالصعق الكهربائي، أو الخنق، أو ضرب الحيوان على رأسه مثل ما هو معروف في الغرب فهذه اللحوم حلال، قال تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) . وإن كانوا يقتلون الحيوان ببعض هذه الطرق فاللحوم حرام لأنه حينئذ تكون من المنخنقة والموقوذة، وإن كان الذين ينتجون اللحوم من غير اليهود والنصارى فاللحوم التي يعرضونها حرام، قال تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) . فعلى المسلم أن يجتهد في اجتناب الحرام البين واتقاء المشتبهات حرصا على سلامة دينه، وسلامة بدنه من التغذي بالحرام " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8108)
إذا لم يعلم هل ذكي الحيوان أو مات بالصعق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم الألمان بذبح الحيوانات، وهم مأمورون بأن يقوموا بصعق الحيوان قبل الذبح. فما حكم هذه اللحوم وهم يعدون من أهل الكتاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل أن ما ذبحه الكتابي فهو حلال، يهوديا كان أو نصرانيا؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) المائدة/5.
ثانيا:
يشترط لحل الذبيحة من المسلم والكتابي أن يكون الذبح في محله، فيقطع الودجين، وإن قطع مع ذلك الحلقوم وهو مجرى النَّفَس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب كان أكمل في الذبح.
وأما صعق الحيوان قبل ذبحه ففيه تفصيل:
فإن تم الذبح وفي الحيوان حياة، جاز أكله، كأن يكون الصعق خفيفا، ويبادر الذابح إلى الذبح فورا.
وإن كان الذبح بعد موت الحيوان، لم يجز أكله، ويكون في حكم الموقوذة، والموقوذة "هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية" كما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدي. "تفسير القرطبي" (6/46) .
ويدل على ذلك قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3.
فقوله: (إلا ما ذكيتم) : استثناء يدل على حل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أُدركت وهي حية، وذُكيت.
والمراد بالحياة هنا: الحياة المستقرة، وتعرف بحركتها أثناء الذبح وبتدفق الدم منها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": (9/322) : " والمنخنقة , والموقوذة , والمتردية , والنطيحة , وأكيلة السبع , وما أصابها مرض فماتت به , محرمة , إلا أن تُدرك ذكاتها ; لقوله تعالى: (إلا ما ذكيتم) . وفي حديث جارية كعب (أنها أصيبت شاة من غنمها , فأدركتها , فذبحتها بحجر , فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلوها) . فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح , لم تبح بالذكاة.
وإن أدركها وفيها حياة مستقرة , بحيث يمكنه ذبحها , حلت ; لعموم الآية والخبر. وسواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش ; لعموم الآية والخبر , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل , ولم يستفصل. وقد قال ابن عباس في ذئب عدا على شاة , فعقرها , فوقع قصبها بالأرض , فأدركها , فذبحها بحجر , قال: يلقي ما أصاب الأرض , ويأكل سائرها. وقال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة , حتى تبين فيها آثار الموت , إلا أن فيها الروح. يعني فذبحت. فقال: إذا مصعت بذَنَبها , وطرفت بعينها , وسال الدم , فأرجو إن شاء الله تعالى أن لا يكون بأكلها بأس. وروي ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير , وطاوس. وقالا: تحركت. ولم يقولا: سال الدم. وهذا على مذهب أبي حنيفة. وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن شاة مريضة , خافوا عليها الموت , فذبحوها , فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها , أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف , فنهر الدم؟ قال: فلا بأس به " انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم أكل لحوم الذبائح التي تذبحها الدولة المسلمة بطريق الآلة الكهربائية؟ علماً بأن البهيمة تسلط عليها الآلة الكهربائية حتى تسقط في الأرض ثم يتولى الجزار ذبحها فور سقوطها على الأرض.
فأجابت: "إذا كان الأمر كما ذكر من ذبح الجزار بهيمة الأنعام فور سقوطها على الأرض من تسليط الآلة الكهربائية عليها، فإذا قُدِّر ذبحه إياها وفيها حياة جاز أكلها، وإن كان ذبحه إياها بعد موتها لم يجز أكلها، وذلك أنها في حكم الموقوذة، وقد حرمها الله إلا إذا ذكيت، والذكاة لا أثر لها إلا فيما ثبتت حياته بتحريك رِجْل أو يد أو تدفق الدم ونحو ذلك مما يدل على استمرار الحياة حتى انتهاء الذبح، قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3، فأباح ما أصيب من بهيمة الأنعام بخطر بشرط تذكيته، وإلا فلا يحل أكلها" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/455) .
وجاء فيها أيضا (22/456) : "أولاً: إن كان صعقها بضرب رأسها أو تسليط تيار كهربائي عليها مثلاً فماتت من ذلك قبل أن تذكى فهي موقوذة لا تؤكل، ولو قطع رقبتها، أو نحرها في لبتها (أسفل العنق) بعد ذلك، وقد حرمها الله تعالى في قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ) المائدة/3، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريم مثل هذه الذبيحة.
وإن أدركت حية بعد صعقها بما ذكر ونحوه وذبحت أو نحرت جاز أكلها، لقوله تعالى في آخر هذه الآية بالنسبة للمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع: (إلا ما ذكيتم) . فاستثنى سبحانه من هذه المحرمات ما أدرك منها حياً وذكّي، فيؤكل لتأثير التذكية فيه بخلاف ما مات منها بالصعق قبل الذبح أو النحر، فإن التذكية لا تأثير لها في حله، وبهذا يعلم أن القرآن حرم ما يصعق من الحيوانات إذا مات بالصعق قبل تذكيته، لأن المصعوقة موقوذة، وقد بيّن الله في آية المائدة تحريمها إلا إذا أدركت حيّة وذكّيت بذبح أو نحر.
ثانياً:
يحرم صعق الحيوان بضرب أو تسليط كهرباء أو نحوهما عليه، لما فيه من تعذيبه، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إيذائه وتعذيبه، وأمر بالرفق والإحسان مطلقاً، وفي الذبح خاصة فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً) ، وروى مسلم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتل شيء من الدواب صبراً) ، وروى مسلم أيضاً عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) .
فإن كان لا يتيسر ذبح الحيوان أو نحره إلا بعد صعقه صعقاً لا يقضي عليه قبل ذبحه أو نحره جاز صعقه ثم تذكيته حال حياته للضرورة " انتهى.
ثالثا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من أنهم يصعقون الحيوان قبل ذبحه، فهنا ثلاث احتمالات:
الأول: ما علمنا أنه صعق ثم ذكي قبل موته، فهذا يحل أكله.
الثاني: ما علمنا أنه مات من الصعق، فلا يحل أكله.
الثالث: إذا جهل الحال، فإنه يؤخذ بالأغلب، فإن كان الأغلب في البلد أنهم يذبحون الحيوان بعد موته بالصعق، فلا يحل الأكل من هذه الذبائح التي جهل حالها، وإن كان الأغلب هو ذبحها وفيها حياة مستقرة، جاز الأكل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8109)
يعيش في دولة أجنبية ولا يتيسر ذبح شرعي فهل له رخصة في الذبح غير الشرعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في دولة أجنبية لغرض الدراسة لمدة سنة ونصف، ولا يوجد لديهم ذبح حلال، فهل يصح لي الأكل أم لا؟ مع ملاحظة أن الذبح ممنوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كانت الدراسة متوفرة في بلاد المسلمين فلا يجوز لك السفر إلى بلاد الكفر من أجلها، ويحرم عليك الإقامة بين الكفار إلا لضرورة علاج أو تجارة أو دعوة أو دراسة لا تتوفر في بلاد المسلمين ولا يُستغنى عنها، مع ضرورة الانتباه إلى أن تكون ظروف الدراسة شرعية من حيث عدم الاختلاط، ولعل هذا أن يكون نادراً بل معدوماً في تلك البلاد التي تدعو إلى نزع الحياء عن المرأة وتساهم في تدمير الأخلاق ونشر الأمراض الفتاكة.
وانظر جواب السؤال رقم (13342) و (27211) .
ثانياً:
لا يجوز لك إن ذهبت إلى هناك أن تأكل من ذبيحة لم تذبح وفق الشريعة الإسلامية، ولستَ معذوراً في كونك لا تجد ذبحاً شرعيّاً؛ لأنه يمكنك الأكل من المأكولات البحرية، كما يمكنك تناول غير اللحوم من المعلبات والبقوليات، ويمكنك البحث بجدية عن مراكز إسلامية توفر للمسلمين اللحوم الحلال.
وانظر جواب السؤال رقم (10339) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8110)
هل هناك نصّ في القرآن يحرم صعق الحيوانات قبل ذبحها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طريقة الذبح المتبعة في كثير من الدول هي أن يضرب الحيوان في رأسه أو يُصعق بالكهرباء ثم يذبح بعد ذلك، فهل الذبح بهذه الطريقة حلال؟ مع العلم أن بعض الناس يقول: لا يوجد نصّ في القرآن يحرم صعق الحيوانات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن كان صعقها بضرب رأسها أو تسليط تيار كهربائي عليها مثلاً فماتت من ذلك قبل أن تذكى فهي موقوذة لا تؤكل ولو قطع رقبتها أو نحرها في لبتها (أسفل العنق) بعد ذلك وقد حرمها الله تعالى في قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ) المائدة/3، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريم مثل هذه الذبيحة، وإن أدركت حية بعد صعقها بما ذكر ونحوه وذبحت أو نحرت جاز أكلها، لقوله تعالى في آخر هذه الآية بالنسبة للمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع: (إلا ما ذكيتم) . فاستثنى سبحانه من هذه المحرمات ما أدرك منها حياً وذكّي، فيؤكل لتأثير التذكية فيه بخلاف ما مات منها بالصعق قبل الذبح أو النحر، فإن التذكية لا تأثير لها في حله وبهذا يعلم أن القرآن حرم ما يصعق من الحيوانات إذا مات بالصعق قبل تذكيته، لأن المصعوقة موقوذة، وقد بيّن الله في آية المائدة تحريمها إلا إذا أدركت حيّة وذكّيت بذبح أو نحر.
ثانياً:
يحرم صعق الحيوان بضرب أو تسليط كهرباء أو نحوهما عليه، لما فيه من تعذيبه، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إيذائه وتعذيبه، وأمر بالرفق والإحسان مطلقاً، وفي الذبح خاصة فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً) ، وروى مسلم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتل شيء من الدواب صبراً) ، وروى مسلم أيضاً عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)
فإن كان لا يتيسر ذبح الحيوان أو نحره إلا بعد صعقه صعقاً لا يقضي عليه قبل ذبحه أو نحره جاز صعقه ثم تذكيته حال حياته للضرورة.اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (22/456-457) .(5/8111)
هل يشتري اللحم من جزار غير مسلم يدعي أن ذبيحته حلال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ادعى الجزار غير المسلم أنه يبيع اللحم والدجاج الحلال فهل يجوز الشراء منه؟ وإذا اشترى أصدقاؤنا من هذا المحل فهل يجوز لنا الأكل من هذا اللحم؟ مع العلم أنه يوجد في منطقتنا محلان جزارة تحت إدارة إخوة مسلمين ويبيع المحلان اللحم الحلال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: الأولى بكم شراء ما تحتاجون إليه من اللحم من عند المسلمين؛ فهو أحوط وأبعد عن الريب، وفيه إعانة للمسلمين على الاستمرار في عملهم الذي تمس الحاجة إليه في بلاد الغرب، ثم لاشك أن المسلم أولى بهذا النفع التجاري من غيره، ويكفي أن يستشعر المسلم تجديد الرابطة الإيمانية مع إخوانه المسلمين، كلما ترك المحلات التي يمتلكها الكفار، وربما تكون أقرب إليه، أو أرخص في السعر، ليشتري من عند إخوانه في الدين. [راجع السؤال رقم 9205] .
ثانيا: إذا كان الجزار غير المسلم من غير أهل الكتاب، فإن ذبيحته لا تحل، أما إذا من أهل الكتاب؛ يهوديا أو نصرانيا، فإن ذبيحته حلال.
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب؛ لقول الله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) المائدة/5؛ يعني: ذبائحهم. قال البخاري: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم.) المغني 13/293.
ثم لا نحتاج بعد ذلك إلى أن نسألهم عن الطريقة التي ذبحوا بها؛ لأن الأصل صحة ذبحهم لصدوره من أهله. [راجع السؤال رقم 20805] .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(ثبت في صحيح البخاري [رقم 5507] عن عائشة رضي الله عنها، " أن قوما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن قوما يأتوننا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا أنتم، ثم كلوا ".
قلت [الكلام للشيخ رحمه الله] : وكانوا حديثي عهد بكفر؛ يعني [أنهم] الآن جُدُدٌ في الإسلام، لا يدرون هل يسمون أو لا، فقال: سموا أنتم وكلوا، فأباح الأكل وإن كنا لا ندري هل سمى [الذابح] أو لا؛ كذلك يباح الأكل وإن كنا لا ندري هل ذبح على طريقة سليمة أو غير سليمة؛ لأن الفعل الصادر، إذا صدر من أهله فالأصل صحته ونفاذه إلا بدليل، فإن جاءنا مذبوح من مسلم أو يهودي أو نصراني، فلا نسأل عنه ولا نقول: كيف ذبح، ولا: هل سُمِّيَ عليه أو لا؟ فهو حلال ما لم تقم بينة على أنه حرام؛ وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى.) لقاءات الباب المفتوح 1/77 باختصار.
فتبين من هذا أن شراءكم من هذا المحل، وأكلكم من عند من يشتري منه لا حرج فيه، ولا تحتاجون إلى سؤاله عن الطريقة التي يذبح بها، ما لم تتيقنوا أنه يذبح بطريقة غير مشروعة، كصعق الذبيحة حتى تموت ونحو ذلك، وإن كان الأولى الشراء من عند المسلم كما سبق، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8112)
الحكمة من الأذان في أذن الوليد عند من يقول باستحباب ذلك.
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد المنتديات هذا الموضوع وأرجو التأكد من صحته: لماذا نؤذن في أذن الطفل اليمنى ونقيم الصلاة في الأذن اليسرى..؟ عند ولادة الطفل أمرنا رسولنا الكريم بأن نؤذن في أذنه اليمنى ونقيم الصلاة في الأذن اليسرى؟ فهل فكرنا وتأملنا قليلاً ما هي العبرة من هذا الفعل؟ إيمانا واعتقاداً جازماً أن كل ما جاء به الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو لعبرة وعظة. فمعلوم أن كل أذان يتبعه إقامة وكل إقامة يتبعها صلاة،،، فأين هي الصلاة!!!! هنا؟؟؟ تفكروا قليلا!!! هذا هو الأذان وهذه هي إقامة الصلاة تمت في أذن الطفل فأين الصلاة؟ إن الصلاة تصلى عند وفاته ألم تلحظوا أن صلاة الجنازة بدون أذان ولا إقامة، إنما كان الأذان والإقامة يوم مولده والصلاة يوم وفاته، وهذه عبرة على أن الدنيا ما هي إلا ساعة فاجعلها أخي طاعة لخالقك ولا تنسى ذكره وشكره وتلذذ بعبادته وتقرب إليه يملأ قلبك نورا ورضا، فاللهم لا تشغلني برزقك عن قربك ولا بلهو عن ذكرك ولا بحاجة من حوائج الدنيا عن عبادتك وشكرك. اللهم لا تأخذنا منك إلا إليك ولا تشغلنا عنك إلا بك، واجعل أعمالنا وأقوالنا وحياتنا كلها خالصة لوجهك الكريم، وطهر قلوبنا من الرياء والنفاق وسوء الأخلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأحاديث الواردة بشأن الأذان والإقامة في أذن الوليد لا تخلو أسانيدها من ضعف، وخاصة ما ورد منها بشأن الإقامة في الأذن اليسري، فإنها في غاية الضعف، ومن أخذ بها من أهل العلم فمن باب الترخص بالأخذ بالضعيف في فضائل الأعمال.
وينظر موقفنا من أحاديث فضائل الأعمال الضعيفة في إجابة السؤال رقم: (44877) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"هذا بيان للناس، كنا نقول من قبل بشرعية الأذان في أذن المولود، مع العلم بأن الحديث الذي ينص على سنية الأذان في أذن المولود، مروي في سنن الترمذي بإسناد ضعيف، لكننا نحن على طريقة تقوية الأحاديث الضعيفة بالشواهد، كنا وجدنا لهذا الحديث شاهداً في كتاب ابن القيم الجوزية المعروف بـ (تحفة الودود في أحكام المولود) ، كان يومئذ عزاه لكتاب (شعب الإيمان) للبيهقي، ومع أنه صرح بأن إسناده ضعيف، فقد اعتبرت تصريحه هذا بأن السند ليس شديد الضعف، وبناء على ذلك اعتبرته شاهداً لحديث الترمذي، وهو من رواية أبي رافع، ولم يكن يومئذ كتاب (شعب الإيمان) بين أيدينا، لا مخطوطاً، ولا مطبوعاً.
واليوم فقد تيسر طبع هذا الكتاب (شعب الإيمان) ، وإذا بهذا الحديث رواه الإمام البيهقي في كتابه الشعب بسند فيه راويان متهمان بالكذب، وحينئذ تبين لي أن ابن القيم رحمه الله كان متساهلاً في تعبيره عن إسناد الحديث بأنه ضعيف فقط، وكان الصواب أن يقول: بأنه ضعيف جداً، لأنه في هذه الحالة لا يجوز لمن يشتغل بعلم الحديث، أن يعتبر الشديد الضعف شاهداً لما كان ليس شديد الضعف. وحينئذ لم يسعني، إلا التراجع عن تقوية حديث أبي رافع في سنن الترمذي، بحديث شعب الإيمان لشدة ضعفه. فبقي حديث أبي رافع على ضعفه، ونحن على ما هدانا الله عز وجل إليه من عدم جواز العمل بالحديث الضعيف، رجعنا إلى القول ما دام أن حديث أبي رافع أصله ضعيف السند، والشاهد له أشد ضعفاً منه. إذاً بقي الضعف على ضعفه، رجعنا عن القول السابق بسنية، أو شرعية الأذان في أذن المولود "
انتهى باختصار.
وقال الشيخ سليمان بن ناصر العلوان:
" الحديث الوارد في الأذان في أُذن المولود لا يثبت ... ولا يصح في الباب شيء؛ فيصبح الأذان في أذن المولود غير مستحب. والأحكام الشرعية – من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات – لا تقوم إلا على أدلة صحيحة وأخبار ثابتة " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
هل الأذان للمولود في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى يكون في اليوم السابع أم في اليوم الأول، أم متى يكون ذلك؟
فأجاب رحمه الله:
" أولا: لابد أن نسأل: هل هذا من الأمور المشروعة أم لا؟ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ليست بتلك القوة، لاسيما الإقامة، ومن صحح الأحاديث الواردة في ذلك قال: إنه يكون عند ولادة المولود كما جاء في هذه الأحاديث " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (60/ 24) .
ثانياً:
ذكر العلماء الحكمة من التأذين في أذن المولود أول ما يولد عند من يستحبه من العلماء حتى يكون أول ما يطرق سمعه هذه الكلمات التي فيها تعظيم الله وتكبيره والشهادة له سبحانه بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ولأن الأذان يطرد الشيطان.
قال ابن القيم حمه الله:
"وسر التأذين ـ والله أعلم ـ أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به.
وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم " انتهى.
"تحفة المودود بأحكام المولود" (ص 31) .
وقال القاري في "المرقاة" (12/418) :
" الأظهر أن حكمة الأذان في الأذن أنه يطرق سمعه أول وهلة ذكر الله تعالى على وجه الدعاء إلى الإيمان والصلاة التي هي أم الأركان " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" قال العلماء: والحكمة في ذلك أن يكون أول ما يسمعه الأذان الذي هو النداء إلى الصلاة والفلاح، وفيه تعظيم الله وتوحيده والشهادة لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (3/ 280) .
وأما قول من قال: إنما كان الأذان والإقامة يوم مولده والصلاة يوم وفاته، فهذا القول لا شك عندنا في خطئه، للأسباب التالية:
1- أن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة كما سبق.
2- أن هذا القول لم يقله أحد من علماء المسلمين ـ فيما نعلم ـ.
3- أن عدم الأذان والإقامة ليس خاصاً بصلاة الجنازة حتى نلتمس له هذه العلة الباطلة، فهناك الكثير من الصلوات لا أذان لها ولا إقامة، فصلاة النوافل، والعيدين، والكسوف، والاستسقاء، كلها لا أذان لها ولا إقامة، ثم هناك من المسلمين من لا يصلى عليه وهم الشهداء، وبهذا يتبين بطلان هذا القول المسؤول عنه.
ويُخشى أن يكون هذا القول وأشباهه من التقول على الشرع، والافتراء على الله، وجرأة على تعليل أحكام الله بعلل ليس لها أصل، والواجب على المسلم ألا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا بعلم، وليعلم أنه ممسؤول عن هذا القول من أين أتى به؟ قال الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) الإسراء/36.
ثالثاً:
نود أن ننبه على ما ورد في السؤال من الدعاء بقوله: "اللهم لا تأخذنا منك إلا إليك ولا تشغلنا عنك إلا بك".
فهذا الدعاء من الأدعية المخترعة التي لا تؤدي معنى صحيحاً، فضلاً عن ركاكة لفظه، والذي ينبغي للمسلم إذا أراد أن يدعو أن يحسن اختيار الدعاء، ويكون بعيداً عن تكلف السجع والتقعر في الكلام أو ركاكة الألفاظ والأسلوب.
ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8113)
هل يصح أن يذبح العقيقة شاة في بلد وشاة في بلد آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تقسم العقيقة، قسم في بلد وقسم في بلد آخر؟ وهذا لطبيعة عملي لأنني أعمل بالسعودية وزوجتي ستلد إن شاء الله في خلال الشهر القادم وإن شاء الله ستلد ولداً وستكون العقيقة اثنين من الذبائح، فهل يجوز أن تكون إحدى الذبيحتين في مصر والأخرى في السعودية وهى مكان عملي؟ وما الشروط التي تتم في هذه الظروف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة في العقيقة أن يُعق عن الغلام بشاتين، وعن الفتاة بشاة؛ لما روى الترمذي (1516) والنسائي (4218) عن أُمِّ كُرْزٍ رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: (عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنْ الْأُنْثَى وَاحِدَةٌ، وَلَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا) . صححه الألباني في " إرواء الغليل " (4/391) .
وروى أبو داود (2842) عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ويجوز أن تذبح شاة في بلد، وتذبح الأخرى ببلد آخر لإدخال السرور على بقية الأهل.
وينظر جواب السؤال رقم (105431) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8114)
حكم توزيع الحلوى عند قدوم مولود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توزيع الحلوى لمن جاءهم مولود يكون من التشبه بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إظهار الفرح والسرور بقدوم المولود، وتوزيع الحلوى ونحوها، وهذا من العادات القديمة المنتشرة بين المسلمين وغيرهم، فلا يعد هذا من التشبه بالكفار؛ لأنه ليس من خصائصهم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
امرأة تسأل: إن من عادتهن إذا ولد لهم ولد وبدأ في المشي، فإنه يقام بهذه المناسبة احتفال يدعى إليه الجيران، ويعتبر مناسبة غير عادية، وفي هذا الاحتفال تقوم أم المولود بنثر الحلوى على رأسه تفاؤلاً وإظهاراً للفرح والسرور، فما حكم هذا الاحتفال، وهل مثل هذا الاحتفال لنجاح الأولاد في المدرسة؟
فأجاب:
"أما الفرح في المناسبات التي تسر فلا بأس به، وهو يفعل ما يمكن بشرط ألا يتضمن محرماً أو اعتقاداً؛ لأن هذه من الأمور الطبيعية التي تدعو إليها الفطرة، كل إنسان يفرح في المناسبات يحصل مثل هذا، ولا أرى في هذا بأسا" انتهى من "الفتاوى الثلاثية".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8115)
هل يتعين توزيع لحم العقيقة في بلد الطفل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتعين أن يوزع لحم العقيقة في المدينة التي يعيش فيها الطفل، أم أنه يجوز أن يوزع في بلد آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز توزيع لحم العقيقة في بلد الطفل، أو في غيره من البلاد، والأمر في هذا واسع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"أما كيف تؤكل وتوزع؟
فإنه يأكل منها ويهدي ويتصدق، وليس هنالك قدر لازم اتباعه في ذلك، فيأكل ما تيسر، ويهدي ما تيسر، ويتصدق بما تيسر، وإن شاء جمع عليها أقاربه وأصحابه، إما في البلد وإما خارج البلد، ولكن في هذه الحال لابد أن يعطي الفقير منها شيئاً. ولا حرج أن يطبخها ويوزعها بعد الطبخ أو يوزعها وهي نية، والأمر في هذا واسع " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (228 / 5) .
وإنما اختلف العلماء في المكان الأفضل لذبحها، هل الأفضل ذبحها في بلد الطفل، أم في بلد الوالد، ـ إن كان يقيم في بلد آخر ـ؟
وهذا الخلاف إنما هو في الأفضل، لا في الإجزاء.
فذكر ابن حجر الهيتمي رحمه الله: احتمالاً أنها تذبح في بلد الطفل قياساً على زكاة الفطر، فإنها تخرج في البلد الموجود فيه الشخص، واختار أنها تذبح في بلد من يقوم بالعقيقة (الوالد أو غيره) لأنه هو المخاطب بها.
"الفتاوى الكبرى" (4/257)
واختار الشيخ ابن جبرين حفظه الله: أن الأفضل أن تذبح في بلد الطفل، فقد سئل: هل تُذْبَحُ العقيقة في البلد المتواجد فيها المولود له، أم في البلد التي وُلِدَ بها المولود؟ مع الدليل إن وجد.
فأجاب:
"الأفضل أنها تكون في البلد التي فيها الطفل، فإذا كان الوالد في بلد أخرى أرسل ثمن العقيقة، وَوَكَّلَ مَنْ يذبحها، ويدعو إليها، ليكون ذلك أقرب إلى الدعاء للمولود والتبريك له فيه، وما أشبه ذلك. والله أعلم" انتهى.
http://www.ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=5369
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله: هل يشترط أن تذبح العقيقة في نفس بلد المولود؟
فأجاب: لا.
http://www.alathar.net/esound/index.php?page=tadevi&id=262&coid=2836
وقد نبه العلماء على مسألة مهمة فيما يتعلق بالعقيقة والأضاحي، أنه لا ينبغي أن يرسل النقود لمن يشتري بها شاة ويذبحها في بلد آخر، بحجة أن أهلها فقراء، بل المطلوب من المسلم أن يباشر الذبح بيده، أو يحضر عملية الذبح، حتى يشعر أنه تقرب إلى الله تعالى بهذه الذبيحة، وأن المسألة ليست مجرد صدقة بالمال، وتعطيل الشعائر الإسلامية. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكمُ توزيعِ العقيقة وإخراجِها خارجَ البلاد، مع العلم بعدم حاجة أهلها لِلَحم هذه العقيقة، وباستطاعتهم أن يقيموا بدلاً عنها واحدةً أخرى في نفس البلد؟
فأجاب:
" بالمناسبة لهذا السؤال أود أن أبين للإخوة الحاضرين والسامعين أنه ليس المقصودُ من ذبح النسك سواءً كان عقيقةً أو هدياً أو أضحيةً اللحمُ أو الانتفاعُ باللحم، فالانتفاع باللحم يأتي أمراً ثانوياً.
المقصود بذلك هو: أن يتقرب الإنسان إلى الله بالذبح، هذا أهم شيء، أما اللحم فقد قال الله تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) الحج/37.
وإذا علمنا ذلك تبين لنا خطأ من يدفعون مالاً ليُضَحَّى عنهم في مكان آخر، أو يُعَقَّ عن أولادهم في مكانٍ آخر؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك فاتهم المهم، بل فاتهم الأهم من هذه النسيكة وهو التقرب إلى الله بالذبح، وأنت لا تدري من يتولى ذبح هذه، قد يتولاه مَن لا يصلي، فلا تحل، أو قد يتولاه مَن لا يسمي عليها، فلا تحل، أو قد يُعبث بالذبيحة ولا يُشترى إلا شيئاً لا يُجزئ.
فمن الخطأ جداً أن تصرف الدراهم لشراء الأضاحي أو العقائق من مكان آخر، نقول: اذبحها أنت، بيدك إن استطعت، أو بوكيلك، واشهَدْ ذبحها حتى تشعر بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بذبحها، وحتى تأكل منها؛ لأنك مأمورٌ بالأكل نها، قال الله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الحج/28.
وقد أوجب كثير من العلماء على الإنسان أن يأكل من كل نسيكةٍ ذبحها تقرباً إلى الله، كالهدايا، والعقائق وغيرها، فهل ستأكل منها وهي في محل بعيد؟! لا.
وإذا كنت تريد أن تنفع إخوانك في مكان بعيد فابعث بالدراهم إليهم، ابعث بالثياب إليهم، ابعث بالطعام إليهم، أما أن تنقل شعيرة من شعائر الإسلام إلى بلاد أخرى فهذا لا شك أنه من الجهل " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (23/11) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"الأضحية والعقيقة يذبحهما المسلم في بلده وفي بيته، ويأكل ويتصدق منهما، ولا يبعث بقيمتهما ليشتري بها ذبيحة وتوزع في بلد آخر؛ كما ينادي به اليوم بعض الطلبة المبتدئين أو بعض العوام؛ بحجة أن بعض البلاد فيها فقراء محتاجون " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (50 / 10)
وبهذا يتبين أن المهم في العقيقة مباشرة العاق للذبح، أو يحضره، ثم يأكل منها، ويتصدق، وله أن يرسل اللحم ويوزعه في أي مكان شاء.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (8423) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8116)
حكم عمل السبوع للمولود على عادة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حكم الاحتفال بما يسمى بالسبوع؟ هل هو حرام أو لا؟ الذي أعرفه أن في اليوم السابع للمولود يكون له عقيقة، ويحلق شعره ويتصدق بوزنه فضة، فهل بقى موضوع الهدايا وحلوى السبوع حرام؟ ولو السبوع حرام وأهلي احتفلوا به هل أنا علي وزر أو ذنب حتى لو نصحتهم وما هو المفروض عمله في تلك الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة بالنسبة للمولود أن يعق عنه في يوم سابعه، للغلام شاتان وللجارية شاة، ويسمى ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه فضة.
روى أبو داود (2838) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وروى أحمد (26642) عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَمَّا وَلَدَتْ فَاطِمَةُ حَسَنًا قَالَتْ أَلَا أَعُقُّ عَنْ ابْنِي بِدَمٍ؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ مِنْ فِضَّةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالْأَوْفَاضِ. وَكَانَ الْأَوْفَاضُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجِينَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الصُّفَّةِ. فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَلَمَّا وَلَدْتُ حُسَيْنًا فَعَلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ) حسنه الألباني في "الإرواء" (4/402-403) .
قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (4 / 366-367) :
" الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى ذِكْرِ التَّصَدُّقِ بِالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ الذَّهَبِ، بِخِلَافِ مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِوَزْنِ شَعْرِهِ ذَهَبًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِضَّةً " انتهى.
والسبوع بصورته المعروفة عند الناس اليوم يشتمل على كثير من البدع التي يصحبها اعتقادات منحرفة، كرش الملح ودق الهون لدفع العين، وإيقاد الشموع، ونحو ذلك.
قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله في كتابه "الإبداع في مضار الابتداع": ومنها - أي من البدع - ما يعمل في اليوم السابع من الولادة وليلته من تزيين نحو الإبريق بأنواع الحلي والرياحين من رشح الملح وإيقاد الشموع والدق بالهون ونحوه من الكلمات المعروفة، ثم تعليق شيء من الحبوب مع الملح على الطفل " انتهى.
ومن تلك البدع: هذه الصينية التي يأتون بها، ويجعلون فيها الماء، وفي وسطها شمعة كبيرة تظل مشتعلة طوال ليلة السبوع، وينام المولود بجانب هذه الصينية حتى اليوم الثاني.
ويجعلون بداخلها سبع حبات من الأرز والفول والعدس والحلبة وغيرها، تيمنا للمولود - بزعمهم - بالحياة الرغدة والغنى.
وكذلك تلك المبخرة التي يأتون بها، ويجعلون الأم تتخطاها سبع مرات، والأولاد حولها يغنون، والنساء يرشون عليها الحبوب والملح.
إلى غير ذلك من البدع المنكرة والشركيات.
علاوة على الإسراف والتبذير اللذين يصحبان – في العادة – عمل هذا السبوع.
فهذا ونحوه لا يجوز فعله، ولا المعاونة عليه، والواجب الأمر بالمعروف، وهو إقامة السنة، والنهي عن هذا المنكر، فمن نهى عن ذلك وأنكره، ولم يشارك فيه، ولا أعان عليه، فقد برئ منه وسلم.
وقد قال الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
أما مجرد توزيع الحلوى والهدايا وحضور الأطفال ونحو ذلك فلا بأس به، ما لم يرتبط باعتقاد فاسد، أو يشتمل على محرم.
وكثير من الناس يحرص على عمل هذا السبوع المبتدع، ويترك السنة التي حَثَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يصدق ما ذكره العلماء: أنه ما ابتدع الناس بدعة إلا ما تركوا من السنة مثلها.
قال الشاطبي رحمه الله:
" ما من بدعة تحدث إلا ويموت من السنن ما هو في مقابلتها، حسبما جاء عن السلف في ذلك. فعن ابن عباس قال: ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدعة وتموت السنن. وفي بعض الأخبار: لا يحدث رجل بدعة إلا ترك من السنة ما هو خير منها. وعن لقمان بن أبي إدريس الخولاني أنه كان يقول: ما أحدثت أمة في دينها بدعة إلا رفع بها عنهم سنة. وعن حسان بن عطية قال: ما أحدث قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لم يعدها إليهم إلى يوم القيامة.
إلى غير ذلك مما جاء في هذا المعنى وهو مشاهد معلوم " انتهى.
"الاعتصام" (1/15) .
والذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على السنة ويتمسك بها، ويجتنب البدع.
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (20646) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8117)
هل يُعدّ توزيع الحلوى المغطاة باللوز فرحا بالوليد من التشبه بالمشركين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذه المنطقة من هولندا اعتاد الناس أن يوزعوا الحلوى المغطاة باللوز إذا جاءهم مولود وكثير من المسلمين نحى هذا النحو، فهل يعد هذا من التشبه بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التشبه بالكفار المنهي عنه هو أن يفعل المسلم فعلاً يختص به الكفار بحيث لا يفعله إلا هم، أما ما انتشر فعله بين الناس، وصار يفعله المسلمون والكفار فلا يكون فاعله من المسلمين متشبهاً بالكفار.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما هو مقياس التشبه بالكفار؟
فأجاب:
" مقياس التشبه أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشَّبه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/30) .
وتوزيع الحلوى في المناسبات ليس من التشبه بأهل الكفر، ولا يزال هذا معروفا في بلاد المسلمين: أنهم يوزعون الحلوى في المناسبات السعيدة كالنجاح والأفراح ونحو ذلك.
وعلى هذا؛ فلا حرج من توزيع الحلوى المغطاة باللوز ونحوها فرحا بالمولود الجديد، ولا يكون هذا من التشبه بالكفار.
وللاستزادة يراجع جواب السؤال رقم: (108996) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8118)
إعطاء هدية من المال عند الولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الشرع في نظركم فيما تفعله بعض النساء اليوم حيث إنها إذا رزقت إحدى صديقاتها بمولود تقوم بإعطائها بما يسمى بالحِفالة وهو عبارة عن مبلغ كبير من المال قد يثقل كاهل الزوج، ويسبب بعض المشاكل هل له أصل في الشرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، الهدية للمولد عند ولادته لا بأس بها في الأصل؛ لأن الأصل في الهدية بل وفي جميع المعاملات الحل والصحة، إلا ما قام الدليل على تحريمه.
فإذا جرت العادة بأن الناس إذا ولد لهم الولد أهدى إليه أقاربه شيئاً من المال، فلا بأس أن يفعل ذلك الإنسان تبعاً للعادة والعرف، لا تعبداً بذلك لله عز وجل، ولأنني لا أعلم شيئاً من السنة الآن على استحباب ذلك، لكنها عادة معروفة عند الناس اليوم ومألوفة، إلا أن هذه العادة إذا تضمنت ضرراً على أحدٍ فإن الضرر ممنوع، فلو كانت هذه العادة تثقل كاهل الزوج، بحيث تلح الزوجة على زوجها أن يعطيها هذا المال الذي يثقل كاهله لتؤديه لمن ولد لها الولد، فإن ذلك ينهى عنه، لما فيه من أذية الزوج وإحراجه، أما ما جرت به العادة من التهادي بالشيء اليسير الذي يجلب المودة والمحبة فلا بأس به " انتهى.
"نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (ص34، 35) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8119)
نذر أن يذبح عقيقة لابنه، ثم عجز عن الوفاء، فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذر أن يقوم بعمل عقيقة إذا رزقه الله الولد، ولما رزقه لم يجد معه مالاً، فهو غير قادر على ثمن الذبيحة، فماذا يفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النَّذر، وأخبر أنه يُستخرج به من البخيل، ويتأكد هذا النهي في حق من يعتقد أن غرضه يحصل له بسبب النذر، أو أن الله تعالى يفعل ذلك الغرض لأجل نذره! .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (40 / 140) – في بيان حكم النذر -:
"قال القرطبي: الذي يظهر لي هو التحريم في حقِّ من يُخاف عليه اعتقاد أن النذر يوجب حصول غرض معجل، أو أن الله يفعل ذلك الغرض لأجل النذر، فيكون الإقدام على النذر - والحالة هذه - محرَّماً، وتكون الكراهة في حق من لم يعتقد ذلك" انتهى.
وكم تلقينا أسئلة من أناس نذروا طاعات ثم لم يقدروا عليها، فالذي ينبغي على المسلم أن يحفظ لسانه عن النذر، ومن أراد أن يتصدق أو يصوم أو يذبح فليفعل ذلك من غير نذر، حتى يكون في سعة من أمره، إن شاء أن يترك ذلك يتركه ولا حرج عليه، بدلاً من أن يعرض نفسه لعدم الوفاء بالنذر وهو أمر عظيم.
وانظر جواب السؤال رقم (42178) .
ثانياً:
العقيقة سنة مؤكدة، لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12448) .
ومن نذر أن يعق عن ولده وجب عليه ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) .
فإن عجز عن الوفاء بهذا النذر، فلا يخلو من حالين:
1- إما أن يكون قد حَدَّد وقتاً معيناً لذبح العقيقة، سواء تلفظ بهذا التحديد أو نواه، كمن نوى أن يذبحها في الأسبوع الأول أو الشهر الأول بعد الولادة، فإن مضى هذا الوقت المحدد وهو عاجز عن الوفاء بنذره، فعليه كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه مسلم (1645) .
2- وإما أن لا يكون حدد وقتاً معيناً لذبح العقيقة، فتبقى العقيقة دَيْناً في ذمته حتى يستطيع الوفاء، لأن العقيقة ليس لها وقت معين تفوت بفواته، بل يصح ذبحها في أي وقت، ولو بعد سنوات من الولادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8120)
هل يعق عن الغلام ببقرة وشاة، أو بشاة ودجاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العقيقة عن الذكر بشاتين غير متكافئتين كبقر وغنم، أو دجاج وغنم مثلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السنة في العقيقة أن يعق عن الغلام بشاتين، وعن الفتاة بشاة؛ لما روى الترمذي (1516) والنسائي (4217) عن أم كرز أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، لا يضركم ذكراناً أم إناثاً) صححه الألباني في " إرواء الغليل " (4/391) .
وروى أبو داود (2842) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ومعنى " متكافئتان " أي متساويتان أو متقاربتان.
ثانيا:
يجوز أن تكون العقيقة من الإبل أو البقر، في قول جمهور الفقهاء، ويشترط أن تكون مما يجزئ في الأضحية، وذلك من الإبل ما كان له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ولا يصح الاشتراك فيها على الراجح، فيذبح عن الغلام ناقة كاملة، أو بقرة كاملة، وينظر جواب السؤال رقم (82607) .
وأما الدجاج فلا يجزئ في العقيقة.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: " وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية، إلا من شذ ممن لا يعد [خلافه] خلافاً " انتهى من "الاستذكار" (5/321) .
والأزواج الثمانية: الإبل والبقر والغنم والماعز، والمجزئ في الماعز ما له سنة، كما في الأضحية، ومن الغنم ما له ستة أشهر.
وبهذا تعلم أنه يجوز لك أن تعق عن الغلام بشاتين، أو ببقرة، أو بناقة، أو بشاة واحدة كما هو مذهب بعض أهل العلم إن كنت لا تقدر على شاتين.
قال الشيرازي رحمه الله في "المهذب" (1/241) : " والسنة أن يذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، وإن ذبح عن كل واحد منهما شاة جاز " انتهى مختصرا.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإن لم يجد الإنسان إلا شاة واحدة أجزأت وحصل بها المقصود، لكن إذا كان الله قد أغناه، فالاثنتان أفضل " انتهى من "الشرح الممتع" (7/492) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8121)
إعطاء الممرضة مالا أو ما يسمى بحلاوة المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[في المستشفى بعد الولادة تأتي الممرضات إلى الأب ويقولون له ألف مبروك فيعطيهم الأب مبلغا من المال مثلا 5 جنيهات لكل ممرضة (وتسمى في العرف الشائع حلاوة وصول المولود بسلامة الله) ، فهل هذا جاز أو هل من السحت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل جواز إعطاء الهدية للبشير، الذي يخبر بخبر سار كمولود أو قدوم غائب ونحو ذلك من الأخبار السارة.
وقد روى البخاري (4418) ومسلم (2769) في قصة توبة الله تعالى على كعب بن مالك رضي الله بعد تخلفه عن غزوة تبوك، قال كعب: فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ [أي: أعلم] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الحديث.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم في ذكر فوائد هذا الحديث:
" الرَّابِعَة وَالْعِشْرُونَ: اِسْتِحْبَاب التَّبْشِير بِالْخَيْرِ. الْخَامِسَة وَالْعِشْرُونَ: اِسْتِحْبَاب تَهْنِئَة مَنْ رَزَقَهُ اللَّه خَيْرًا ظَاهِرًا , أَوْ صَرَفَ عَنْهُ شَرًّا ظَاهِرًا. السَّادِسَة وَالْعِشْرُونَ: اِسْتِحْبَاب إِكْرَام الْمُبَشِّر بِخُلْعَةٍ أَوْ نَحْوهَا " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/94) : " وفي قصة كعب أنه لما جاءه البشير بالتوبة , نزع له ثوبيه وكساهما إياه نظير بشارته، ونقل الأبي عن القاضي عياض أنه قال: وهذا يدل على جواز البشارة والتهنئة بما يسر من أمور الدنيا والآخرة , وإعطاء الجُعْل [شيء من المال] للمبشر، وفي حديث كعب: مشروعية الاستباق إلى البشارة بالخير " انتهى.
فمن بُشِّر بمولود استحب له أن يعطي شيئا لمن بشره.
وعلى هذا؛ فلا حرج في إعطاء الممرضة شيئا من المال لأجل ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8122)
متى يصلي على السقط
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نفعل للجنين إذا سقط؟ هل نصلي عليه ونغسله وهل نسميه؟ أم نتركه دون تسمية. أرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجنين إذا خرج حياً واستهل ثم مات فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف، قال في المغني: " أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل يصلى عليه. أما إذا لم يستهل: قال الإمام أحمد رحمه الله: " إذا أتى له أربعة أشهر غُسّل وصلي عليه، وهذا قول سعيد بن المسيب، وابن سيرين، وإسحاق، وصلى ابن عمر على ابن لابنته ولد ميتاً " المغني 2/328.
وقد جاء في كتاب مسائل الإمام أحمد التي رواها ابنه عبد الله: " سمعت أبي سئل عن المولود: متى يصلى عليه؟ قال: إذا كان السقط لأربعة أشهر صلي عليه، قيل: يصلى عليه وإن لم يستهل؟ فقال: نعم " مسائل الإمام أحمد التي رواها ابنه عبد الله 2/482 مسألة رقم 673.
وعلل صاحب المغني الصلاة عليه مع الشك في حياته: (بأن الصلاة عليه دعاء له ولوالديه وخير فلا يحتاج إلى الاحتياط واليقين لوجود الحياة بخلاف الميراث) المغني 2/328.
وهذا ولا شك فقه دقيق لأن في الميراث حقوقاً للآخرين، وأما الصلاة فهي علاقة بين العبد وربه.
وأما من لم يأت له أربعة أشهر: فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ويلف في خرقة ويدفن، وذلك لأنه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد أربعة أشهر، وقبل ذلك فلا يكون نسمة فلا يصلى عليه كالجمادات والدم.
واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) . رواه أبو داوود صححه الألباني في صحيح الجامع/3525.
ويسمى السقط الذي يصعب تمييزه، ولم يتبين أذكر هو أو أنثى، بأن يسمى اسماً يصلح لهما جميعاً كسلمة، وقتادة، وسعادة، وهند، وعتبة، وهبة الله.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم.(5/8123)
تسمية الابن باسم إسرائيل في هذا الزمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمي بـ (إسرائيل) في هذا الزمن بحجة أنه اسم نبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلمة " إسرائيل " ذات دلالات معنوية وتاريخية وعقائدية وعرقية متشابكة، والذي يهمنا منها ما نستطيع الجزم به، أن اسم نبي الله يعقوب عليه السلام هو أيضا " إسرائيل "، فقد جاء القرآن بذلك في موضعين اثنين:
في قوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) آل عمران/93.
وفي قوله عز وجل:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) مريم/58.
وقد ذكرت كتب التراجم والسير جماعة من المسلمين تسموا بهذا الاسم " إسرائيل " من أشهرهم إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أحد رواة الكتب الستة الحفاظ الثقات، انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (7/355) .
فلا حرج – من حيث الأصل – أن يتسمى المسلم بهذا الاسم، فهو اسم لواحد من أعظم الرسل والأنبياء سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام.
وأما في هذه الأزمان، فلا ينبغي تسمية مواليد المسلمين بهذا الاسم لسببين اثنين:
1- الأذى البالغ الذي قد يسببه هذا الاسم للطفل في حياته ومعاملاته، فقد اشتهر هذا الاسم اليوم على الدولة الصهيونية الغاصبة لديار المسلمين، المعادية لهم ولدينهم، وهي ما تسمى بـ " دولة إسرائيل "، ولم يعد الناس يلحظون فيه اسم نبي الله يعقوب عليه السلام، بل لا يلحظون فيه إلا الجرائم والفظائع التي ترتكبها تلك الدولة المسخ في حق إخواننا المستضعفين في الأرض المقدسة، وذلك – ولا شك – سيكون سبب أذية للطفل الذي يحمل هذا الاسم، والواجب على الوالد أن يختار لابنه اسما يحبه الناس ويستبشرون بسماعه، واختلاف الأحوال واللغات والأزمان مؤثر في اختياره، ولا ينبغي الاقتصار فقط على كونه اسم نبي أو صحابي أو واحد من العلماء، فما يصلح في زمان قد لا يصلح في زمان آخر، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (101401) .
2- تنوع المعاني الدلالية لهذا الاسم " إسرائيل "، واشتهارها في هذا الزمن، مما يُخفي المعنى الحقيقي له الذي أطلقه الله سبحانه على نبيه يعقوب عليه السلام.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: " كلمة " يسرائيل " تشير أيضاً إلى نسل يعقوب، ثم أصبحت تشير إلى المملكة الشمالية " يسرائيل " قبل التهجير الآشوري، ثم استُخدمت الكلمة للإشارة إلى سكان المملكة الجنوبية " يهودا " بعد سقوط مملكة يسرائيل، إلى أن حلت كلمة " يهودي " محلها، وللكلمة في دلالتها الاصطلاحية معنيان أساسيان: فهي تعني اليهود بوصفهم شعباً مقدَّساً، وتعني فلسطين بوصفها أرضاً مقدَّسة، وهي ترد مضافة إلى كلمات أخرى، مثل: " عام يسرائيل " أي: " شعب إسرائيل "، و " بنو يسرائيل " و " كنيست يسرائيل " أي: " مجمع إسرائيل " أو " جماعة يسرائيل ". وقد بُعثت كلمة " يسرائيلي " مرة أخرى في عصر الانعتاق، في القرن التاسع عشر الميلادي، كما بعثت أيضاً كلمة " عبراني " لأن كلمة " يهودي " كانت تحمل إيحاءات سلبية. وفي العصر الحديث، تُستخدَم عبارة " مدينة إسرائيل " العبرية للإشارة إلى الدولة الصهيونية، وكلمة " إسرائيليين " للإشارة إلى أعضاء التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ولكننا، إذا أردنا التفرقة، فمن المستحسن أن نطلق كلمة: " إسرائيليين " على سكان التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وحدهم، وأن نسمِّي اليهود القدامى - من حيث هم تَجمُّع بشري له خصائص إثنية مُتميِّزة - " عبرانيين " (ومفردها عبراني) ، وأن نسميهم " جماعة يسرائيل "، (وأحياناً اليسرائيليين) لنصفهم من حيث هم جماعة دينية، على أن تظل كلمة " يهودي " مصطلحاً يشير إلى كل من يعتنق اليهودية، وهي العقيدة التي اكتسبت ملامحها الرئيسية في القرن الأول قبل الميلاد " انتهى.
"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (2/206) .
هذا وقد أشار بعض أهل العلم إلى خطأ تسمية دولة اليهود اليوم بـ إسرئيل – كما في "معجم المناهي اللفظية" (ص/93) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8124)
حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ذبح ذبيحة واحدة بنية الأضحية والعقيقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة، فأراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى، أو في أيام التشريق، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تجزئ الأضحية عن العقيقة. وهو مذهب المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد رحمهم الله.
وحجة أصحاب هذا القول: أن كلاً منهما – أي: العقيقة والأضحية – مقصود لذاته فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى، ولأن كل واحدة منهما لها سبب مختلف عن الآخر، فلا تقوم إحداهما عن الأخرى، كدم التمتع ودم الفدية.
قال الهيتمي رحمه الله في "تحفة المحتاج شرح المنهاج" (9/371) : " وَظَاهِرُ كَلَامِ َالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِشَاةٍ الْأُضْحِيَّةَ وَالْعَقِيقَةَ لَمْ تَحْصُلْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ " انتهى.
وقال الحطاب رحمه الله في "مواهب الجليل" (3/259) : "إِنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ أَوْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً، فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ إذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ لَا يُجْزِيهِ، وَإِنْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً أَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْأَوَّلَيْنِ إرَاقَةُ الدَّمِ، وَإِرَاقَتُهُ لَا تُجْزِئُ عَنْ إرَاقَتَيْنِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَلِيمَةِ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْإِرَاقَةِ، فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ. انْتَهَى " انتهى.
القول الثاني: تجزئ الأضحية عن العقيقة. وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الأحناف، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة رحمهم الله.
وحجة أصحاب هذا القول: أن المقصود منهما التقرب إلى الله بالذبح، فدخلت إحداهما في الأخرى، كما أن تحية المسجد تدخل في صلاة الفريضة لمن دخل المسجد.
روى ابن أبي شيبة رحمه الله في "المصنف" (5/534) : عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا ضَحُّوا عَنْ الْغُلَامِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ مِنْ الْعَقِيقَةِ.
وعَنْ هِشَامٍ وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا: يُجْزِئُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْعَقِيقَةِ.
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا تُجْزِئُ عَنْهُ حَتَّى يُعَقَّ.
وقال البهوتي رحمه الله في "شرح منتهى الإرادات" (1/617) : " وَإِنْ اتَّفَقَ وَقْتُ عَقِيقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ، بِأَنْ يَكُونَ السَّابِعُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَعَقَّ أَجْزَأَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ، أَوْ ضَحَّى أَجْزَأَ عَنْ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ يَوْمُ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ فَاغْتَسَلَ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا ذَبْحُ مُتَمَتِّعٍ أَوْ قَارِنٍ شَاةً يَوْمَ النَّحْرِ، فَتُجْزِئُ عَنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَعَنْ الْأُضْحِيَّةَ " انتهى.
وقال رحمه الله في "كشاف القناع" (3/30) : " وَلَوْ اجْتَمَعَ عَقِيقَةٌ وَأُضْحِيَّةٌ، وَنَوَى الذَّبِيحَةَ عَنْهُمَا، أَيْ: عَنْ الْعَقِيقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا نَصًّا [أي: نص عليه الإمام أحمد] " انتهى.
وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فقال: "لو اجتمع أضحية وعقيقة كفى واحدة صاحب البيت، عازم على التضحية عن نفسه فيذبح هذه أضحية وتدخل فيها العقيقة.
وفي كلامٍ لبعضهم ما يؤخذ منه أنه لابد من الاتحاد: أن تكون الأضحية والعقيقة عن الصغير. وفي كلام آخرين أنه لا يشترط، إذا كان الأب سيضحي فالأضحية عن الأب والعقيقة عن الولد.
الحاصل: أنه إذا ذبح الأضحية عن أُضحية نواها وعن العقيقة كفى" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (6/159) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8125)
هل يجزئ في العقيقة عن الذكر شاة واحدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ذبح شاة واحدة عن الصبي تجزئ أم لابد من شاتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في الموقع بيان حكم العقيقة، وأنها سنة على القادر، كما في جواب السؤال رقم (20018) .
والسنة أن يعق عن المولود الذكر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة؛ لما روى رواه الترمذي (1516) والنسائي (4217) عن أم كرز أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، لا يضركم ذكراناً أم إناثاً) . صححه الألباني في " إرواء الغليل " (4 / 391) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة) . رواه الترمذي (1513) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " وَهَذِهِ الْأَحَادِيث حُجَّة لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْرِقَة بَيْن الْغُلَام وَالْجَارِيَة , وَعَنْ مَالِك هُمَا سَوَاء فَيَعُقّ عَنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا شَاة , وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا جَاء (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَن وَالْحُسَيْن كَبْشًا كَبْشًا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَا حُجَّة فِيهِ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس بِلَفْظِ: (كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ) ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه مِثْله , وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوت رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يُرَدّ بِهِ الْأَحَادِيث الْمُتَوَارِدَة فِي التَّنْصِيص عَلَى التَّثْنِيَة لِلْغُلَامِ , بَلْ غَايَته أَنْ يَدُلّ عَلَى جَوَاز الِاقْتِصَار , وَهُوَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ الْعَدَد لَيْسَ شَرْطًا، بَلْ مُسْتَحَبّ " انتهى.
وقال الشيرازي رحمه الله في "المذهب" (8/433) : " السُّنَّةُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ , وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً؛ وَإِنْ ذَبَحَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً جَازَ" انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإن لم يجد الإنسان، إلا شاة واحدة أجزأت وحصل بها المقصود، لكن إذا كان الله قد أغناه، فالاثنتان أفضل " انتهى.
"الشرح الممتع" (7/492) .
فعلى هذا، يجوز للإنسان أن يعق عن ولده الذكر بشاة واحدة، ويجزئه ذلك، وإن كان الأفضل أن يعق بشاتين إن قدر على ذلك.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (60252) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8126)
لم يعق عن أولاده حتى كبروا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا رزق رجل بأطفال ولم يعق عنهم حتى بلغت أعمارهم أكثر من أربع سنوات، فهل يجوز أن يعق عنهم بعد هذه السن؟ وإذا كان كذلك فهل يجوز أن يذبح عنهم خارج البلد التي ولدوا فيها؟ لأن بلدهم لا يوجد فيها فقراء يحتاجون اللحم، وهناك قرية بعيدة عن مكان ولادتهم، وبها مستحقون للصدقة؟ فهل يجوز أن يذبح فيها، ويتصدق عليهم بلحم الذبائح؟ أم لا يشترط في ذبيحة العقيقة أن يأكلها الفقراء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا بأس بذلك، لا بأس أن يذبح عنهم العقيقة ولو زادت أعمارهم عن أربع سنوات، وكان من المستحسن والأفضل أن يبادر بها، ولكن إذا تأخرت فلا مانع من ذلك، يذبحها متى تيسر له ذلك.
وأما بالنسبة لمكان الذبح، فليس للذبح مكان خاص، بل يجوز أن يذبحها في البلد الذي ولدوا فيه، وأن يذبحها في غيره، لأنها قربة وطاعة لا تختص بمكان.
وأما قضية الأكل، فالعقيقة تأخذ حكم الأضحية يستحب له أن يأكل منها، وأن يتصدق منها، وأن يُهدي منها لجيرانه وأصحابه " انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/572) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8127)
هل يصح أن يعق عن ابنه بالإبل أو البقر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لمن أراد العقيقة أن يذبح عجلا لابنه بدلا من خروفين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة الواردة في العقيقة أن يعق عن الغلام بشاتين، وعن الفتاة بشاة؛ لما رواه أبو داود (2842) عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
واختلف أهل العلم: هل تجزئ العقيقة بالإبل والبقر أم لا؟ فذهب الجمهور إلى جواز العقيقة بهما، وذهب البعض إلى المنع من ذلك؛ لأن السنة لم ترد إلا بالغنم.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (30/279) : " يجزئ في العقيقة الجنس الذي يجزئ في الأضحية , وهو الأنعام من إبل وبقر وغنم , ولا يجزئ غيرها , وهذا متفق عليه بين الحنفية والشافعية والحنابلة , وهو أرجح القولين عند المالكية، ومقابل الأرجح أنها لا تكون إلا من الغنم " انتهى.
والأفضل أن تكون العقيقة من الغنم، اتباعا للسنة، فالشاة هنا أولى من البعير ومن البقرة أو العجل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما الأضاحي فقال المؤلف: " أفضلها إبل، ثم بقر، ثم غنم"، ومراده إن أخرج بعيراً كاملاً فهو أفضل من الشاة ... إلا في العقيقة فالشاة أفضل من البعير الكامل؛ لأنها التي وردت بها السنة، فتكون أفضل من الإبل " انتهى من "الشرح الممتع" (7/424) .
وعلى هذا؛ فلا حرج من العقيقة عن الابن بعجل (بقرة) غير أن الشاتين أفضل.
وينبغي أن يعلم أنه يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، ومن هذه الشروط: أن تكون البقرة قد أتمت سنتين ودخلت في الثالثة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (41899) فلا تجوز العقيقة ولا الأضحية بعجل صغير لم يتم سنتين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8128)
تسأل عن أسماء حسنة للإناث مع معانيها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بحاجة لأسماء جيدة لأطفال بنات مع بيان معانيها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأولاد هبات من الله تعالى، أنعم بها على الوالدين، وأوجب تجاههم حقوقا كثيرة عظيمة، تبدأ باختيار الاسم الحسن الذي سيحمله فيما يستقبل من عمره.
قال الماوردي رحمه الله في كتابه "نصيحة الملوك" (ص167) :
" فإذا ولد المولود، فإن من أول كراماته له وبره به أن يُحَلِّيَه باسمٍ حسنٍ، فإن للاسم الحسن موقعاً في النفوس مع أول سماعه " انتهى باختصار.
ثانيا:
وهذه بعض الإرشادات التي يحسن الوقوف عليها قبل اختيار الاسم:
1- ليس من المستحب التمسك بأسماء جميع الصحابة أو الصحابيات، فقد كان من أسمائهم ما هو مقبول معروف في محيطهم، إلا أنه مستغرب في مجتمع آخر.
وقد ذكر الماوردي في كلامه السابق شيئا مما يستحب في الأسماء، ومنها:
" أن يكون حسناً في المعنى، ملائماً لحال المُسمَّى، جارياً في أسماء أهل طبقته وملته وأهل مرتبته " انتهى.
فعلى الوالدين أن يختاروا اسماً حسناً لولدهم، ولا يكون شاذاً أو غريباً عن المجتمع الذي يعيشان فيه، فإن غرابة الاسم قد تكون سبباً للاستهزاء به أو بصاحبه، وقد يخجل صاحبه من ذكر اسمه أمام الناس.
فمن أراد أن يتشبه بأسماء الصحابة والأنبياء والصالحين، فليختر منها ما يناسبه ويناسب مجتمعه وقومه.
2- لا يلزم غير العرب أن يتسموا بالأسماء العربية، والواجب هو الابتعاد عما يختص به أهل الديانات الأخرى من الأسماء، وما يغلب استعماله في أهل تلك الديانة،
" كجرجس وبطرس ويوحنا ومتى ونحوها، لا يجوز للمسلمين أن يتسموا بذلك؛ لما فيه من مشابهة النصارى فيما يختصون به " نقلا عن "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (3/251)
أما إذا كان اسما أعجميا - غير عربي - ذا معنى حسن طيب، فلا حرج من استعماله والتسمي به، فقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يتسمون ويسمون أبناءهم بأسماء حسنة طيبة، يأخذونها من عرفهم وعوائدهم، ولا يلتزمون فيها العربية، ومن ذلك: إسرائيل وإسحاق وموسى وهارون.
3- ينبغي اجتناب الأسماء القبيحة أو تلك التي تزكِّي أصحابها.
قال الطبري رحمه الله – كما نقله ابن حجر في "فتح الباري" (10/577) -:
" لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص، ولا يقصد بها حقيقة الصفة، لكنَّ وجهَ الكراهة أن يسمع سامع بالاسم، فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يُحوِّل الاسم إلى ما إذا دُعيَ به صاحبه كان صدقاً " انتهى.
ومن أسماء الإناث التي أنكرها النبي صلى الله عليه وسلم اسم " عاصية "، فغيره إلى " جميلة " كما رواه مسلم (2139) .
ومن الأسماء المكروهة التي تشتهر في بعض بلاد المسلمين، الأسماء المضافة إلى لفظ (الدين) أو (الإسلام) ، مثل: نور الدين، أو عماد الدين، أو نور الإسلام، ونحو ذلك فقد كرهها أهل العلم للذكور والإناث، لما فيها من تزكية صاحبها تزكية عظيمة
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:
" وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين (الدين) و (الإسلام) ، فالإضافة إليهما على وجه التسمية فيها دعوى فجة تُطل على الكذب، ولهذا نص بعض العلماء على التحريم، والأكثر على الكراهة؛ لأن منها ما يوهم معاني غير صحيحة مما لا يجوز إطلاقه، وكانت في أول حدوثها ألقاباً زائدة عن الاسم، ثم استعملت أسماء " انتهى. "تسمية المولود" (ص/22) .
4- وفي أسماء الإناث: ينبغي اجتناب الأسماء التي فيها معانٍ تلحظ الشهوة، مثل: فتنة أو فاتن، وكذا ناهد أو ناهدة (وهي التي ارتفع ثديها وبرز)
كما يجب تجنب تسمية الإناث بأسماء الملائكة، لأن في ذلك تشبهاً بالمشركين في ظنهم أن الملائكة بنات الله.
يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:
" أما تسمية النساء بأسماء الملائكة، فظاهر الحرمة؛ لأن فيها مضاهاةً للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وقريب من هذا – يعني في الحرمة - تسمية البنت: ملاك، ملكة " انتهى "تسمية المولود" (ص/24) .
ثالثا:
أما الأسماء المباحة المقترحة فهي كثيرة جدا، ولا يمكن حصرها، لكن نذكر شيئاً منها:
آمنة: هي المطمئنة التي لا تخاف.
شَيْماء: ذات الشيم والفضائل.
أروى: أنثى الوعل، وبمعنى أحسن وأبهى.
عائشة: ذات حياة.
أسماء: قيل مشتق من الوسامة وقيل من السمو وهو العلو.
ريم الغزال شديد البياض.
عالية: من الرفعة والعلو.
جويرية: تصغير جارية، وهو اسم إحدى زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رحمة: هي اللين والشفقة.
بسمة: انفراج الشفتين تعبيرا عن السرور.
رزان: الوقور من النساء.
عفاف: من العفة والطهارة والنزهة.
زينب: شجرة طيبة الرائحة.
سارة: تضفي السرور على النفس.
ميمونة: هي المرأة المباركة.
رانية: مطيلة النظر مع سكون الطرف.
سعاد: التوفيق واليمن والبركة، ونقيض الشقاء.
مريم: اسم عبري بمعنى مرتفعة أو سيدة البحر.
سلمى: امرأة ناعمة الأطراف، ومن السلامة أيضا.
نورة: قبس من الضوء.
سُمَيَّة: تصغير سماء، بمعنى سامية عالية رفيعة الشأن
هاجر: الجيد الحسن، والفائق على غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8129)
هل تضحي أو تعق عن نفسها لأن أباها لم يعق عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة عمرها 39 تريد أن تضحي، وقيل لها أول شيء عقي عن نفسك، لأن والدها لم يعق عنها، وزوجها لم يعق عن أولادها، عندها بنت وولد؛ هل تعق عن أولادها ونفسها، أم والدهم يعق عنهم، علما أن عمر بنتها خمس عشرة سنة، وولدها ست عشرة سنة، وهل العقيقة واجبة أم تسقط عن المولود إذا بلغ الرشد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العقيقة سنة مؤكدة على الراجح، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (20018) ، والمخاطب بها هو الأب، فلا تطالب الأم بها ولا الأولاد.
ولا تسقط العقيقة ببلوغ الولد، فإذا كان الأب قادرا استحب له أن يعق عن أبنائه الذين لم يعق عنهم.
وإذا لم يعق الوالد عن ولده، فهل يشرع للولد أو لغيره أن يعق عن نفسه؟ خلاف بين الفقهاء، والذي يظهر أنه يشرع ذلك ويستحب.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (9/364) : " وإن لم يعق أصلا , فبلغ الغلام , وكسب , فلا عقيقة عليه. وسئل أحمد عن هذه المسألة , فقال: ذلك على الوالد. يعني لا يعق عن نفسه ; لأن السنة في حق غيره.
وقال عطاء والحسن: يعق عن نفسه ; لأنها مشروعة عنه، ولأنه مرتهن بها , فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه.
ولنا , أنها مشروعة في حق الوالد , فلا يفعلها غيره , كالأجنبي , وكصدقة الفطر " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في "تحفة المودود في أحكام المولود": " الفصل التاسع عشر: حكم من لم يعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ، قال الخلال: باب ما يستحب لمن لم يعق عنه صغيرا أن يعق عن نفسه كبيرا، ثم ذكر من مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال: سألت أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه، هل يعق عن نفسه؟ قال: ذلك على الأب.
ومن مسائل الميموني قال: قلت لأبي عبد الله: إن لم يُعق عنه، هل يَعُق عنه كبيرا؟ فذكر شيئا يروى عن الكبير ضعّفه, ورأيته يستحسن إن لم يعق عنه صغيرا أن يعق عنه كبيرا. وقال: إن فعله إنسان لم أكرهه، قال: وأخبرني عبد الملك في موضع آخر أنه قال لأبي عبد الله: فيعق عنه كبيرا، قال: لم أسمع في الكبير شيئا، قلت: أبوه معسر ثم أيسر فأراد ألا يدع ابنه حتى يعق عنه، قال: لا أدري ولم أسمع في الكبير شيئا، ثم قال لي: ومن فعله فحسن، ومن الناس من يوجبه " انتهى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد نقل هذا الكلام: " والقول الأول أظهر، وهو أنه يستحب أن يعق عن نفسه؛ لأن العقيقة سنة مؤكدة، وقد تركها والده فشرع له أن يقوم بها إذا استطاع؛ ذلك لعموم الأحاديث ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى) أخرجه الإمام أحمد، وأصحاب السنن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه بإسناد صحيح، ومنها: حديث أم كرز الكعبية عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر أن يُعق عن الغلام بشاتين وعن الأنثى شاة أخرجه الخمسة، وخرج الترمذي وصحح مثله عن عائشة , وهذا لم يوجه إلى الأب فيعم الولد والأم وغيرهما من أقارب المولود " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (26/266) .
وعلى هذا فيقال للأخت المسئول عنها: لك أن تعقي عن نفسك، أو عن أولادك إذا لم يعق عنهم والدهم.
ثانيا:
الأضحية سنة مؤكدة، تشرع للرجل والمرأة، وتجزئ عن الرجل وأهل بيته، وعن المرأة وأهل بيتها.
فلهذه المرأة أن تذبح أضحية، سواء ذبح زوجها أو لم يذبح.
وإذا ضحّت، أجزأها ذلك عن عقيقتها.
قال ابن القيم رحمه الله: " الفصل الثامن عشر في حكم اجتماع العقيقة والأضحية:
قال الخلال: باب ما روي أن الأضحية تجزىء عن العقيقة:
أخبرنا عبد الملك الميموني أنه قال لأبي عبد الله [أي الإمام أحمد] يجوز أن يضحى عن الصبي مكان العقيقة؟ قال لا أدري ثم قال: غير واحد يقول به. قلت من التابعين؟ قال نعم. وأخبرني عبد الملك في موضع آخر قال ذكر أبو عبد الله أن بعضهم قال فإن ضحى أجزأ عن العقيقة.
وأخبرنا عصمة بن عصام حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال: أرجو أن تجزىء الأضحية عن العقيقة إن شاء الله تعالى لمن لم يعق.
وأخبرني عصمة بن عصام في موضع آخر قال حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال: فإن ضحى عنه أجزأت عنه الضحية من العقوق. قال: ورأيت أبا عبد الله اشترى أضحية ذبحها عنه وعن أهله وكان ابنه عبد الله صغيرا فذبحها، أراه أراد بذلك العقيقة والأضحية وقسم اللحم وأكل منها " انتهى من "تحفة المودود".
وينظر إجابة السؤالين (38197) و (20018)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8130)
إذا أكل العقيقة كلها ولم يتصدق منها بشيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن العقيقة لي ثلاث أبناء (ذكور) عند ولادة الابن الأول والثاني لم أكن أعلم وقتها بأنه علي ذبح شاتين عن الذكر علما أنه عند ولادة ابني الأول لم يكن أصلا بمقدرتي ذبح حتى شاة واحدة، وأبي هو الذي قام بالعقيقة لولدي هل علي الآن أن أذبح لابني الأول شاة أم شاتين؟ وبالنسبة للمولود الثاني فقد ذبحت عنه شاة ولكن ما عملت الوليمة للعائلة والأصدقاء وقتها وتناولنا نحن اللحم ولكن بعد أربعة أشهر عملت الوليمة (العقيقة) للمعارف والعائلة والأصدقاء بخروف واحد فقط. سؤالي هل علي الآن أن أذبح عن الابن الثاني شاة أم شاتين؟ أما عن الابن الثالث فقد ذبحنا شاتين ولكن أكلنا من إحداهما ما يقارب النصف هل هذا الفعل يجوز أم لا؟ أرجوكم أن تجيبوا على أسئلتي فأنا أريد أن أؤدي عن أولادي العقيقة بالطريقة الصحيحة التي جاءت بها السنة النبوية وجزاكم الله عني خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العقيقة سنة مؤكدة، ولا إثم على من تركها؛ لما روى أبو داود (2842) عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ. والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ثانيا:
من لم يعق عن أبنائه، لعجزه، أو جهله بالعقيقة، استحب له أن يأتي بها بعد ذلك، ولو طالت المدة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/441) ما نصه:
س: رجل أتى له أبناء ولم يعق عنهم؛ لأنه كان في حالة فقر، وبعد مدة من السنين أغناه الله من فضله، هل عليه عقيقة؟
ج: إذا كان الواقع ما ذكر فالمشروع له أن يعق عنهم عن كل ابن شاتان " انتهى.
ثالثا:
للجد أن يعق عن حفيده، كما عقَّ النبي صلى الله عليه وسلم عن حفيديْه الحسن والحسين – كما رواه أبو داود (2841) والنسائي (4219) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود (2466) -.
وعليه فإذا أردت الإتيان بكمال السنة، فعق عن الابن الأول بشاة واحدة، تكملة لما قام به الجد، وإن اقتصرت على شاة الجد، فلا حرج.
رابعا:
ذهب بعض الفقهاء إلى أن العقيقة كالأضحية في أحكامها ومصارفها، فيستحب أن يقسمها الإنسان أثلاثا، ثلثا لنفسه، وثلثا لأصدقائه، وثلثا للفقراء.
وذهب بعضهم إلى أن العقيقة ليست كالأضحية، فيصنع بها ما يشاء. وراجع السؤال رقم (8423)
وعلى كل، فلو لم تخرج من العقيقة شيئا، أجزأت. وأما الأضحية، فمن أكلها كلها، ولم يتصدق منها بشيء، ضمن أقل ما يسمى لحما، كأوقية ونحو ذلك، يشتريها، ثم يتصدق بها. ينظر: "كشاف القناع" (3/23) .
وعليه، فالابن الثاني، وقعت عنه العقيقة كاملة، وكذلك الابن الثالث، والحمد لله.
نسأل الله أن يبارك في أولادك، وأن يجعلهم عونا علك على الطاعة، وذخرا للإسلام والمسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8131)
تأخير تسمية المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[ازداد عندنا مولود، لكن تأخرنا في تسميته حوالي 5 أشهر لعدم توفر الخرفان، فهل جائز تسمية هذا الابن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
جاءت السنة في تحديد وقت تسمية المولود بأحاديث متنوعة، ومن ذلك:
1- ما يدل على استحباب التسمية في اليوم السابع:
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ، وَالْعَقِّ)
رواه الترمذي (2832) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ، وَيُسَمَّى)
رواه أبو داود (3838) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- ما يدل على التسمية في أول يوم الولادة:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ) رواه مسلم (2315)
وذهب جمهور العلماء إلى أن الأَوْلَى التسمية في اليوم السابع، قالوا وحديث أنس بن مالك يدل على جواز التسمية في يوم الولادة فقط، وليس على الاستحباب.
انظر "المغني" (9/356)
وقال بعض المالكية والنووي ووجه عند الحنابلة باستحباب التسمية في أول يوم، وكذا استحبابها في اليوم السابع.
يقول النووي في "الأذكار" (286) :
" السنة أن يُسَمَّى المولودُ في اليوم السابع من ولادته، أو يوم الولادة " انتهى.
وانظر "الإنصاف" (4/111)
وذهب البخاري إلى أنَّ من يريد أن يَعُقَّ أَخَّرَ التسميةَ إلى حينِ العقيقةِ في اليومِ السابع، أما من لم يكن يريد العقيقة فَيُسَمِّي في أول يوم.
قال ابن حجر في "فتح الباري" (9/588) :
" وهو جمع لطيف لم أره لغير البخاري " انتهى.
يقول العراقي في "طرح التثريب" (5/203-204) :
" وَبِهَذَا (يعني باستحباب اليوم السابع) قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَمَّى قَبْلَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إذَا وُلِدَ وَقَدْ تَمَّ خَلْقُهُ سَمَّى فِي الْوَقْتِ إنْ شَاءُوا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ حَسَنٌ، وَمَتَى شَاءَ سَمَّاهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يُسَمَّى يَوْمَ وِلَادَتِهِ، فَإِنْ أُخِّرَتْ تَسْمِيَتُهُ إلَى السَّابِعِ فَحَسَنٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُهَلِّبِ: يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ حِينَ يُولَدُ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَقِيقَةَ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، فَالسُّنَّةُ تَأْخِيرُهَا إلَى السَّابِعِ، وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي تَبْوِيبِهِ (بَابُ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ) " انتهى.
وعلى كل حال، فإن جميع ما سبق يدل على أن الأمر يدور بين الاستحباب والجواز، وليس ثمة ما يفرض ويوجب التسمية في اليوم السابع، فلو أخر التسمية عن السابع فلا بأس ولا حرج في ذلك.
يقول النووي رحمه الله في "المجموع" (8/415) :
" قال أصحابنا وغيرهم: يستحب أن يسمى المولود في اليوم السابع، ويجوز قبله، وبعده، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في ذلك " انتهى.
وبناء على ما سبق، فقد كان الأحرى بكم أن تسموا مولودكم الجديد المبارك ـ إن شاء الله ـ من أول يوم أو في اليوم السابع، ثم تتركوا أمر العقيقة حين يتيسر لكم، إلا أن الأمر في ذلك للاستحباب فقط، وتركه لا يوجب الإثم أو العقوبة.
انظر جواب السؤال رقم (7889) ، (20646)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8132)
عق عن الغلام بشاة واحدة قبل مدة فهل يذبح شاة الآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقت بمولود ذكر وذبحت شاة واحدة فقط قبل 6 سنوات، أيمكن أن أذبح شاة أخرى لتتم العقيقة أي شاتين للمولد الذكر أو لابد أن أذبح شاتين من جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقيقة سنة مؤكدة، ولا إثم على من تركها، وذلك لما رواه أبو داود (2842) أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا أردت تحصيل هذه السنة، فاذبح شاة واحدة الآن، تكملة لما فعلته قبل ست سنوات.
وانظر السؤال رقم (38197) ، (20018) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8133)
حكم الاشتراك في العقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يعق لمولود توأم (ولد وبنت) بعجل واحد أو بقرة واحدة لهما الاثنين معا بدلا عن ثلاثة شياه لهم؟؟ وإذا كانت الإجابة نعم فما هي مواصفاتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يُعق عن الغلام بشاتين، وعن الجارية بشاة واحدة؛ لقول الرَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) رواه أبو داود (2842) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وجمهور العلماء على أنه يجزئ فيها الغنم والإبل والبقر، لكن اختلفوا هل تأخذ حكم الأضحية، فيصح الاشتراك في بقرة أو بعير؟
والأقرب: أنه لا يصح فيها الاشتراك، وهو مذهب المالكية والحنابلة.
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (30/279)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " العقيقة لا يجزئ فيها الاشتراك، فلا يجزئ البعير عن اثنين، ولا البقرة عن اثنين، ولا تجزئ عن ثلاثة ولا عن أربعة من باب أولى. ووجه ذلك:
أولا: أنه لم يرد التشريك فيها، والعبادات مبنية على التوقيف.
ثانيا: أنها فداء، والفداء لا يتبعض؛ فهي عن فداء عن النفس، فإذا كانت فداء عن النفس فلا بد أن تكون نفسا، والتعليل الأول لا شك أنه الأصوب، لأنه لو ورد التشريك فيها بطل التعليل الثاني، فيكون مبنى الحكم على عدم ورود ذلك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8134)
هل تجزئ نية العقيقة عن الأضحية والعكس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجزئ نيتا العقيقة والأضحية معا في عيد الأضحى؟ وهل تصح العقيقة أم لا؟ ساعدني ببيان ترجيح أعمال أقرب من السنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: تجزئ الأضحية عن العقيقة، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة، وهو قول الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
وقد جعلوا هذه المسألة مثل مسألة اجتماع الجمعة والعيد، وأنه يجزئ القيام بإحدى الصلاتين عن الأخرى، فقد اشتركا في العدد والخطبة والجهر فكان الفعل واحداً، وكذا هنا فإن الذبح واحد.
وقالوا – أيضاً -: كما لو صلى المسلم ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة.
القول الثاني: أنه لا تجزئ الأضحية عن العقيقة، وهو قول المالكية، والشافعية، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد.
وقال هؤلاء: إن الأضحية والعقيقة ذبيحتان لسببين مختلفين، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى، كما لو اجتمع دم التمتع ودم الفدية فإنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر.
وقالوا – أيضاً -: إن المقصود في الأضحية والعقيقة إراقة الدم في كل منهما؛ لأنهما شعيرتان يُقصد منهما إراقة الدماء، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى.
وقد سئل ابن حجر المكي الشافعي رحمه الله: عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة، فهل يحصلان أو لا؟
فأجاب:
"الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين: أنه لا تداخل في ذلك؛ لأن كلاًّ من الأضحية والعقيقة سنَّةٌ مقصودةٌ لذاتها، ولها سبب يخالف سبب الأخرى، والمقصود منها غير المقصود من الأخرى، إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس، والعقيقةُ فداءٌ عن الولد، إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ، ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما، فلم يمكن القول به، نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد، وسنة الظهر وسنة العصر، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد، وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها، وكذا صوم نحو الاثنين؛ لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة، وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه، وأما الأضحية والعقيقة، فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح ... " انتهى.
" الفتاوى الفقهية " (4 / 256) .
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه تجزئ ذبيحة واحدة بنية العقيقة والأضحية، وقد اختار هذا القول فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وذكرنا قوله ونقولاً أخرى في جواز ذلك في جواب السؤال رقم (106630) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8135)
من أحكام السقط
[السُّؤَالُ]
ـ[تُوفيت ابنتِي داخلَ الرحمِ بعد حملِها مدةَ سبعةِ شهور، هل كان يجبُ أن نعقَّ عنها؟ حيثُ إنّه لم يتمّ العَقُّ عنها. هل كان يجبُ تسميتُها؟ حيثُ لم تُسَمَّ.
لقد قامَ زوجي بغسلِها وتكفينِها والصلاةِ عليها ودفنِها فقط. هل ما تمَّ صحيحٌ؟
لقد طلَّقَني زوجي.. هل أتمكنُ أنا من العَقِّ عنها إذا كانت واجبةً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي – أختي السائلة – أنَّ الصبرَ على القضاءِ من مقاماتِ الصالحين، وأنَّ الرضا بقدرِ الله سبحانَه من منازلِ المقربين، وأنَّ خيرَ ما يستقبلُ العبدُ به البلاءَ أن يقولَ: الحمدُ لله، إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون.
وخيرُ ما نبشرك به، ما جاءَ عن أبي موسى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنه:
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال:
(إِذَا ماتَ ولدُ العَبْدِ، قالَ اللهُ لمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاْذَا قالَ عَبْدِيْ؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِيْ بَيْتًا فِيْ الجَنَّةِ , وَسَمُّوهُ بيتَ الحَمْدِ) .
رواه الترمذي (1021) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال النوويُّ رحمهُ الله:
" موتُ الواحدِ من الأولادِ حجابٌ منَ النار، وكذا السقطُ، واللهُ أعلم ".
"المجموع" (5/287) ، وانظر: "حاشية ابن عابدين" (2/228) .
وعن مُعاذِ بنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم قالَ:
(وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَىْ الجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْهُ) رواه ابن ماجه (1609) وضعفه النووي في "الخلاصة" (2/1066) والبوصيري، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والسَّرَرُ: ما تقطعه القابلة من السرة. "النهاية" (3/99) .
وانظر السؤال رقم (5226) .
ثانيًا:
أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ الطفلَ إذا عُرِفت حياتُه واستهلَّ – بصوتٍ – أنّه يُغَسَّلُ ويكفَّن ويُصَلى عليه.
نقل الإجماع ابن المنذر وابن قدامة في "المغني" (2/328) والكاساني في "بدائع الصنائع" (1/302) .
قالَ النوويُّ في "المجموع" (5/210) : ويكونُ كفنُه ككفنِ البالغِ ثلاثةَ أثواب.
وأما من لم يستهل بصوت , فقد سبق من جواب السؤال (13198) و (13985) أن العبرة في ذلك بنفخ الروح فيه , ويكون ذلك بعد تمام أربعة أشهر من الحمل , فإن نفخت فيه الروح غسِّل وكفّن وصلى عليه , وإن لم تكن نفخت فيه الروح فلا يغسل ولا يصلى عليه.
انظر: "المغني" (2/328) ، "الإنصاف" (2/504) .
ثالثًا:
وأمَّا العقيقةِ عن السقط إذا بلغ أربعة أشهر , فقد اختلف العلماء في مشروعيتها , وسبق في جواب السؤال (12475) و (50106) اختيار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ ابن عثيمين أنها مشروعة مستحبة , وفيهما أيضاً أنه يُسمَّى.
رابعًا:
الذي يؤمر بالعقيقة هو من تلزمه النفقة على المولود , وهو الأب إن كان موجوداً , فإن امتنع فلا حرج أن يفعلها غيره كالأم.
جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ (30/279) :
" ذهبَ الشّافعيّةُ إلى أنّ العقيقةَ تُطلبُ من الأصلِ الّذي تلزمُه نفقةُ المولودِ، فيؤدّيها من مالِ نفسِه لا من مالِ المولود، ولا يفعلُها من لا تلزمُه النّفقةُ إلاّ بإذنِ من تلزمُه.
وصرّحَ الحنابلةُ أنّه لا يَعقّ غيرُ أبٍ إلاّ إن تعذّرَ بموتٍ أو امتناعٍ، فإن فعلَها غيرُ الأبِ لم تُكرَه، ولكنّها لا تكون عقيقةً، وإنّما عقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، لأنّه أولى بالمؤمنينَ من أنفسِهم " انتهى.
فإن كان الأبُ حيًا قادرًا، فإنه ينصح بالعقيقةِ عن المولود، فإن امتنعَ أو أذنَ للأمِّ بالعقيقةِ فيُشرَعُ لها ذلك.
والحاصل: أن ما فعله زوجك من غسلها وتكفينها والصلاة عليها صحيح مشروع، ولكن يبقى عليكم تسميتها والعقيقة عنها.
واللهُ أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8136)
ما هي أحكام العقيقة للمولود الذكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أحكام العقيقة للمولود الذكر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقيقة: هي الذبيحة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع من مولده، وقد كانت العقيقة معروفة عند العرب في الجاهلية، قال الماوردي: " فأما العقيقة فهي شاة تذبح عند الولادة كانت العرب عليها قبل الإسلام ".
" الحاوي الكبير " (15 / 126) .
وقد ثبتت مشروعية العقيقة في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:
1. عن بريدة رضي الله عنه قال: (كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران) .
رواه أبو داود (2843) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
والزعفران: نوع من الطيب.
2. وعن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى) رواه البخاري (5154) .
ويشرع ذبح شاتين عن المولود الذكر، وشاة واحدة عن الأنثى، كما دلت عليه الأدلة الصحيحة الصريحة، ومنها:
1. عن أم كرز أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: (عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، لا يضركم ذكراناً أم إناثاً) .
رواه الترمذي (1516) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (4217) ، وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (4 / 391) .
2. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة) .
رواه الترمذي (1513) وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهذه الأحاديث ظاهرة في التفاضل بين الذكر والأنثى في العقيقة.
وقد علل العلامة ابن القيم هذا التفاضل بين الذكر والأنثى بقوله:
" وهذه قاعدة الشريعة، فإن الله سبحانه وتعالى فاضل بين الذكر والأنثى، وجعل الأنثى على النصف من الذكر في المواريث والديات والشهادات والعتق والعقيقة، كما رواه الترمذي وصححه من حديث أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرئ مسلم أعتق مسلماً كان فكاكه من النار، يجزئ كل عضو منه عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزئ كل عضو منهما عضواً منه) رواه الترمذي (1547) فجرت المفاضلة في العقيقة هذا المجرى لو لم يكن فيها سنة صريحة، كيف والسنن الثابتة صريحة بالتفضيل " انتهى.
" تحفة المودود " (ص 53 و 54) .
وقال ابن القيم أيضاً:
" إن الله سبحانه وتعالى فضَّل الذكر على الأنثى كما قال: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) آل عمران/36، ومقتضى هذا التفاضل: ترجيحه عليها في الأحكام، وقد جاءت الشريعة بهذا التفضيل في جعل الذكر كالأنثيين في الشهادة والميراث والدية، فكذلك ألحقت العقيقة بهذه الأحكام " انتهى.
" زاد المعاد " (2 / 331) .
فائدة:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ما ملخصه:
" ومن فوائد العقيقة: أنها قربان يقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا …
ومن فوائدها: أنها تفك رهان المولود، فإنه مرتهن بعقيقته حتى يشفع لوالديه.
ومن فوائدها: أنها فدية يفدى بها المولود كما فدى الله سبحانه إسماعيل بالكبش " انتهى.
" تحفة المودود " (ص 69) .
وأفضل توقيت للعقيقة يوم السابع من الولادة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى) رواه أبو داود (2838) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
ولو تأخرت عن السابع فلا حرج، وتذبح متى استطاع المسلم إلى ذلك سبيلاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8137)
هل من السنة حلق شعر المولودة
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يتعلق بالجواب على السؤال رقم (14248) ، كيف وصل الشيخ إلى الحكم أنه ليس من السنة حلق رأس البنت، أليس في شعر البنات أذىً لهن أيضا؟ وهل في المسألة خلاف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
روى الترمذي (1522) عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع، ويسمى، ويحلق رأسه) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي، وهو دليل على استحباب حلق شعر المولود.
وقد اختلف الفقهاء في حلق شعر المولودة الأنثى، فذهب المالكية والشافعية إلى أنه يحلق، كما يحلق شعر الذكر، وذهب الحنابلة إلى عدم الحلق.
واحتج الشافعية على حلق شعر الأنثى بما رواه مالك والبيهقي وغيرهما مرسلا عن محمد بن علي بن الحسين قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة، ورواه البيهقي مرفوعا من رواية علي رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أن تتصدق بزنة شعر الحسين فضة " قال النووي: وفي إسناده ضعف.
واحتج الحنابلة بأن الأصل النهي عن حلق شعر المرأة، ولم يرد حلق شعر المولود إلا في الغلام الذكر
قال ابن قدامة:
في المغني 1/104: (ولا تختلف الرواية في كراهة حلق المرأة رأسها من غير ضرورة قال أبو موسى: برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة) . متفق عليه، وروى الخلال بإسناده عن قتادة عن عكرمة قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها، قال الحسن: هي مثلة) أي تغيير لخلق الله.
ولما لم يصح حديث في حلق شعر المولودة الأنثى، بقي الأمر على الأصل، وهو النهي عن الحلق.
[وينظر: شرح الخرشي على مختصر خليل 3/48، المجموع 8/406، كشاف القناع 3/29] .
وأما الأمر بإماطة الأذى الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: (مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى) رواه البخاري (5471)
فإماطة الأذى مختلف في تفسيرها، فقيل المراد: حلق الرأس، وقيل المراد: إزالة ما عليه من القذر، الدم وغيره، فيفيد استحباب غسله.
قال الحافظ في الفتح (9/593) : (فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني: (ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه) فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس، ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب (ويماط عنه أقذاره) رواه أبو الشيخ) انتهى
وعلى كلٍّ، فالحديث نص على الغلام فقط، وهذا يرجح ما ذهب إليه الحنابلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8138)
هل يحلق شعر البنت عند الولادة؟ وهل يحلق رغبة في إطالة شعرها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حلق شعر البنت عند الولادة أو بعد ذلك رغبة في إطالة شعرها وغزارته؟ وهل يسن حلق شعرها عند الولادة كالذكور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" حلق شعرها لا يسن في اليوم السابع كما يسن في حلق الذكر، وأما حلقه للمصلحة التي ذكرها إذا صحت فإن أهل العلم يقولون: إن حلق الأنثى رأسها مكروه، لكن قد يقال: إنه إذا ثبت أن هذا مما يسبب نشاط الشعر ووفرته فإنه لا بأس به، لأن المعروف أن المكروه تُزيل كراهته الحاجة " اهـ
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين. مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة ص (147) .(5/8139)
مات الجنين في الشهر الرابع فهل يسمَّى ويعق عنه ويغسَّل ويكفَّن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي حامل، وفي أربعة أشهر وثلاثة أسابيع توفيَ الجنين، وهو داخل بطن أمه، ماذا يجب علينا أن نعمل؟ هل يسمَّى؟ هل يذبح له عقيقه؟ وإذا فيه شيء آخر الرجاء المساعدة على ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
وقع خلاف بين العلماء في المسائل المتعلقة بالسقط بعد الأربعة أشهر، والذي يفتي به مشايخنا أنه يسمَّى، ويغسَّل، ويكفَّن، ويُصلَّى عليه، ويدفن مع المسلمين، ويعق عنه.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أفيدكم أن زوجتي قبل وفاتها أسقطت جنيناً له أربعة شهور، وقد أخذتْه ودفنتْه بدون صلاة عليه، فأرجوكم إفادتي إن كان علي شيء؟ .
فأجابوا:
كان ينبغي أن يغسل ويكفن ويصلى عليه على الصحيح من أقوال العلماء مادام قد أتم أربعة أشهر؛ لعموم ما رواه أبو داود والترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السقط يصلى عليه "، ولكن قد فات المطلوب ولا شيء عليك. " فتاوى اللجنة الدائمة " (8 / 406) .
وقالوا:
إذا لم يتم له أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يسمَّى ولا يعق عنه؛ لأنه لم ينفخ فيه الروح. " فتاوى اللجنة الدائمة " (8 / 408) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
هل الولد الصغير الذي يسقط قبل أن يتم له عقيقة أم لا؟ .
فأجاب:
ما سقط قبل تمام أربعة أشهر: فهذا ليس له عقيقة، ولا يسمَّى ولا يصلَّى عليه، ويدفن في أي مكان من الأرض.
وأما بعد أربعة أشهر فهذا قد نفخت فيه الروح، هذا يسمى ويغسل ويكفن ويُصلى عليه ويدفن مع المسلمين، ويعق عنه على ما نراه، لكن بعض العلماء يقول: ما يعق عنه حتى يتم سبعة أيام حيا، لكن الصحيح أنه يعق عنه لأنه سوف يبعث يوم القيامة، ويكون شافعا لوالديه. " أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 653) .
ثانياً:
الدم الذي يخرج مع الجنين في هذه المدة: هو دم نفاس فعلى المرأة ترك الصلاة والصيام ويحرم على زوجها أن يجامعها. والدم يعتبر نفاساً إذا أسقطت المرأة جنيناً قد بيّن فيه خلق الإنسان
قال الشيخ ابن عثيمين:
قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما.
قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوماً ... " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 304، 305) .
وانظر السؤال رقم (37784)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8140)
بيع الهدي والسن المجزئة في العقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل يجوز بيع كبش كان مُهدى للذبح في سبيل الله من أجل الاستفادة من ثمنه لتحسين حالة الأسرة؟
2- هل الكبش الذي عمره أقل من عام يجزئ في العقيقة (كبشان للولد وكبش واحد للبنت) ؟
أرجو الاهتمام والجواب عن هذه الأسئلة لأننا بحاجة إلى الرد. وشكرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بيع جزء من الهدي أو الأضحية، ولا كله إلا لمصلحة الهدي، لأن ما أخرجه الإنسان لله تعالى، فإنه لا يجوز أن يبيع شيئا منه.
قال في المغني: " لا يجوز بيع شيء منها – أي من الهدي -، وإن كان الجازر فقيرا فأعطاه لفقره سوى ما يعطيه أجرة جاز، لأنه مستحق الأخذ منها لفقره لا لأجره فجاز كغيره " [3 / 222] .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " ويحرم أن يبيع شيئا من الأضحية لا لحما ولا غيره حتى الجلد، ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة الأجرة أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع " [رسالة أحكام الهدي والأضحية]
وقال رحمه الله: " لا يجوز التصرف بها – أي بالأضحية - بما يمنع التضحية بها من بيع وهبة ورهن وغيرها إلا أن يبدلها بخير منها لمصلحة الأضحية، لا لغرض في نفسه، فلو عين شاة أضحية ثم تعلقت بها نفسه لغرض من الأغراض فندم وأبدلها بخير منها ليستبقيها لم يجز له ذلك؛ لأنه رجوع فيما أخرجه لله تعالى لحظ نفسه لا لمصلحة الأضحية "
أما الكبش فهو ذكر الضأن، والأصل أن يبلغ الكبش سنة، حتى يجوز التضحية به، لكن ثبتت السنة بجواز التضحية بالجذع وخصص جمهور العلماء التضحية بالجذع من الضأن لا من المعز، والجذع من الضأن هو ما له ستة أشهر وكلما كان أكبر من الستة أشهر كان أولى لأن من المذاهب من يرى أن الجذع ماله سنة.
ويدل على أن السن المعتبر شرعا هو السنة حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعا: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) [رواه مسلم 1963] وظاهر الحديث أن الجذعة من الضأن لا تجزيء إلا عند تعسر المسنة، لكن حمل الجمهور ذلك على الاستحباب، واستدلوا بما يلي:
1- عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني) [رواه النسائي 4383، وأبو داود 2799، وصححه الألباني]
2- عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: (ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن) [رواه النسائي 4382، وقوى إسناده الحافظ في الفتح، وصححه الألباني، وانظر التعليق على زاد المعاد 2 / 317]
واعلم أنه يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية من كونها سليمة من العيوب ذات سن مجزئة، والدليل على ذلك القياس بجامع أن كليهما نسك.
وبه تعلم أنه يجزئك أن تعق بضأن بلغ ستة أشهر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8141)
هل يعق عن المولود الذي ولد ثم توفي مباشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقني الله مولودة وتوفيت بعد ساعتين، فهل أعقّ عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تشرع لها العقيقة لعموم الأدلة الدالة على ذلك، ومنها:
1- عن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى ". رواه الترمذي (1515) والنسائي (4214) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " الإرواء " (4 / 396) .
2. عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه ". رواه الترمذي (1522) والنسائي (4220) وأبو داود (2838) . وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " الإرواء " (4 / 385) .
وإذا لم يكن من المناسب دعوة الناس للاجتماع على طعام العقيقة لأجل الوفاة فيكفيكم الصدقة منها والأكل منها والإهداء.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8142)
وقت تسمية المولود وذبح العقيقة والأكل منها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لوالدي الطفل الأكل من لحم العقيقة؟ وهل يجب أن تتم الحلاقة للولد وذبح الأضحية في نفس اليوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للوالدين الأكل من العقيقة لقول عائشة رضي الله عنها في العقيقة: " يُجعل جدولاً يُؤكَل ويُطعَم " رواه ابن أبي شيبة في المصنف / 5..
قال صاحب القاموس: (الجَدْلُ: كل عظم مُوفّر لا يُكسر، ولا يخلط به غيره) القاموس المحيط ص 975 ط الرسالة.
قال الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله: (جدولاً أي أعضاء فلا يُكسر عظامها، وإنما تقطع من المفاصل) انظر الشرح الممتع ج 7 / 545
انظر السؤال (8388)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/443) ما نصه: " لمن إليه العقيقة أن يوزعها لحماً نيئاً أو مطبوخاً على الفقراء والجيران والأقارب والأصدقاء، ويأكل هو وأهله منها، وله أن يدعو الناس الفقراء والأغنياء ويُطعمهم إياها في بيته ونحوه، والأمر في ذلك واسع ".
ثانياً:
من السنة حلق رأس الغلام في اليوم السابع، وكذلك ذبح العقيقة في نفس اليوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل غلام رهينة بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه، ويُسمى فيه ويُحلق رأسه " رواه الترمذي (1522) وأبو داوود (3838) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1165) .
فإن سمى أو ذبح العقيقة في غير اليوم السابع فلا بأس، وكذا لو ذبح في يوم وحلق في يوم آخر.
قال ابن عبد البر: (أما حلق الصبي عند العقيقة فإن العلماء كانوا يستحبون ذلك) ا. هـ من "تحفة المودود" لابن القيم (67) .
انظر السؤال (7889) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8143)
هل يأثم بترك العقيقة أو تأخيرها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقني الله بمولودة وعمرها الآن ثلاثة أشهر ولكني لم أذبح عقيقتها ولم أتصدق عوضا عنها فهل علي إثم وما الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقيقة سنة مؤكدة، ولا إثم على من تركها، وذلك لما رواه أبو داود (2842) عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ. والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
فعلق النبي صلى الله عليه وسلم أمرها على محبة فاعلها، وهذا دليل على أنها مستحبة غير واجبة.
انظر: "تحفة المودود" ص (157) .
لكن لا ينبغي للمسلم التفريط فيها لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى) . رواه النسائي (4220) وأبو داود (2838) والترمذي (1522) وابن ماجه (3165) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينبغي لك أن تعق عنها الآن، وذلك بذبح شاة بنية العقيقة.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/934) :
(العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان تجزيء كل منهما أضحية، وعن الجارية شاة واحدة، وتذبح يوم السابع، وإذا أخرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت، ولا يأثم في تأخيرها، والأفضل تقديمها ما أمكن) انتهى.
تنبيه:
قولك: ولم أتصدق عوضاً عنها.
ينبغي أن يعلم أن التصدق بالمال لا يقوم مقام العقيقة، لأن المقصود من العقيقة هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح. راجع السؤال رقم (34974) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8144)
الحكمة من العقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت كثيراً أنه عندما يولد ولد مسلم تذبح له ذبيحتان بينما تذبح ذبيحة واحدة اذا كان المولود بنتاً، فهل هذا سنة أم واجب؟ واذا كان واجباً فما هو الهدف؟ وكيف وضح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟
حيث إني سمعت من بعض الأخوات عن هذا الأمر ولكن في الحقيقه لم أتأكد من صحته....]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه الذبيح التي تذبح للمولود تسمى (العقيقة) وقد اختلف العلماء في حكمها، فذهب بعضهم إلى وجوبها، وذهب آخرون إلى أنها سنة مؤكدة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية، وعن الجارية شاة واحدة، وتذبح يوم السابع، وإذا أخرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت، ولا يأثم في تأخيرها، والأفضل تقديمها ما أمكن.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وهناك قول شاذ ضعيف أن العقيقة مكروهة.
قال ابن القيم:
قال الإمام أحمد في رواية حنبل: وقد حكي عن بعض من كرهها أنها من أمر الجاهلية، قال: هذا لقلة علمهم وعدم معرفتهم بالأخبار، والنبي صلى الله عليه وسلم قد عقَّ عن الحسن والحسين، وفعلَه أصحابُه، وجعلها هؤلاء من أمر الجاهلية، والعقيقة سنَّة عن رسول الله، وقد قال " الغلام مرتهن بعقيقته "، وهو إسناد جيد، يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في رواية الأثرم: في العقيقة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندة وعن أصحابه وعن التابعين، وقال هؤلاء: هي من عمل الجاهلية، وتبسم كالمعجب.
" تحفة المودود " (ص 45، 46) .
ثانياً:
وأما الهدف من العقيقة فيُعرف بمعرفة معنى قوله صلى الله عليه وسلم " كل غلام مرتهن بعقيقته "، وقد اختلف العلماء في معناه فقيل معناه أنه إذا لم يعق عنه ومات طفلاً منع من الشفاعة لأبويه، وقيل معناه: أن العقيقة سبب لتخليص الولد منالشيطان وحمايته منه. وقد يفوت الولدَ خيرٌ بسبب تفريط الأبوين وإن لم يكن من كسبه كما أنه عند الجماع إذا سمى أبوه لم يضر الشيطان ولده، وإذا ترك التسمية لم يحصل للولد هذا الحفظ.
انظر " زاد المعاد " (2 / 325) والشرح الممتع (7 / 535) .
ثالثاً:
وأما كيف وضَّح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ففي الأحاديث التالية بيان ذلك:
1. عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى ".
رواه البخاري (5154) .
2. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة.
رواه الترمذي (1513) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (3163) صحيح الترمذي (1221) .
3. عن أم كرز أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: " عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، ولا يضركم ذكراناً كنَّ أم إناثاً ".
رواه الترمذي (1516) وقال: حسن صحيح، والنسائي (4217) وأبو داود (2835) وابن ماجه (3162) ولم يرو الزيادة الأخيرة صحيح أبي داود (2460) .
4. عن سمرة بن جندب عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم قال: " كلُّ غلامٍ مرتهن بعقيقته، تُذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمَّى ".
رواه الترمذي (1522) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (3165) صحيح ابن ماجه (2563) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8145)
هل العقيقة أفضل أم التصدق بثمنها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقني الله تعالى بولد فهل الأفضل أن أذبح عنه عقيقة أو الأفضل أن أتصدق بثمنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذبح العقيقة أفضل من التصدق بثمنها، بل لا يقوم التصدق بالمال مقام العقيقة ولا يجزئ عنها، لأن المقصود من العقيقة هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح.
قال ابن القيم في "تحفة المودود بأحكام المولود" ص (164) :
الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد، كالهدايا والأضاحي، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: (فصل لربك وانحر) الكوثر / 2، وقال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام / 162.
ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه، وكذلك الأضحية. والله أعلم اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (11/449) : عن إخراج الفلوس بدلاً من العقيقة.
فأجابت:
(يعق عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة ولا يجزئ دفع الفلوس ونحوها) اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً (11/440) : هل يجزئ أن أشتري اللحم بدلاً من ذبح العقيقة؟
فأجابت:
(لا يجزئ إلا ذبح شاة عن البنت، وشاتين عن الابن) اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8146)
حكم العقيقة، وهل تسقط عن الفقير
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقني الله بمولود، وقد سمعت بأن على زوجي أن يذبح له شاتين، عقيقة فإذا كانت ظروفه لا تسمح له بسبب ديونه الكثيرة فهل تسقط عنه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في حكم العقيقة على ثلاثة أقوال: فمنهم من ذهب إلى وجوبها، ومنهم من قال إنها مستحبة، وآخرون قالوا: إنها سنة مؤكدة، ولعله القول الراجح.
قال علماء اللجنة الدائمة:
العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية، وعن الجارية شاة واحدة، وتذبح يوم السابع، وإذا أخرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت، ولا يأثم في تأخيرها، والأفضل تقديمها ما أمكن.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 439) .
لكنهم لم يختلفوا أنها لا تجب على الفقير فضلاً عن صاحب الدَّيْن، ولا يُقدَّم ما هو أعظم من العقيقة كالحج – مثلاً – على قضاء الدَّيْن.
لذا فالعقيقة غير لازمة عليكم لظروف زوجكِ الماليَّة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
إذا رزقت بعدد من الأولاد، ولم أعق عن أحد منهم بسبب ضيق الرزق؛ لأني رجل موظف، وراتبي محدود ولا يكفي إلا المصروف الشهري، فما حكم عقائق أولادي عليَّ في الإسلام؟
فأجابوا:
إذا كان الواقع كما ذكرت من قلة ضيق اليد، وأن دخلك لا يكفي إلا نفقاتك على نفسك ومن تعول؛ فلا حرج عليك في عدم التقرب إلى الله بالعقيقة عن أولادك؛ لقول الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286، وقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 78، وقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن / 16، ولما ثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) ، ومتى أيسرت شرع لك فعلها.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 436، 437) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
رجل أتى له أبناء ولم يعق عنهم؛ لأنه كان في حالة فقر، وبعد مدة من السنين أغناه الله من فضله، هل عليه عقيقة؟
فأجابوا:
إذا كان الواقع ما ذكر فالمشروع له أن يعق عنهم عن كل ابن شاتان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 441، 442) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
رجل له مجموعة من الأبناء والبنات ولم يعق لأحد منهم إما لجهل أو لتهاون، وبعضهم كبار الآن، فماذا عليه الآن؟
فأجاب:
إذا عق عنهم الآن فهو حسن إذا كان جاهلا، أو يقول غداٌ أعق حتى تمادى به الوقت، أما إذا كان فقيرا في حين مشروعية العقيقة فلا شيء عليه.
" لقاء الباب المفتوح " (2 / 17 – 18) .
كما أنه لا يجب على أهله القيام بالذبح نيابة عنه وإن كان يجوز لهم ذلك كما عقَّ النبي صلى الله عليه وسلم عن حفيديْه الحسن والحسين – كما رواه أبو داود (2841) والنسائي (4219) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود (2466) -.
ثانياً:
وإذا تعارض عندكم الحج مع العقيقة: فالمُقدَّم هو الحج قطعاً، فإن أردتم العق عن أولادكم فيجوز ولو كانوا كباراً، ولا يلزمكم أن تقولوا للمدعوِّين أنها عقيقة، ولا يجوز لهم أن يسخروا من فعلكم لأنكم فعلتم الصواب، ولا يشترط طبخ العقيقة ودعوة الناس إليها بل يجوز توزيع لحمها نيئاً كذلك.
قال علماء اللجنة الدائمة:
العقيقة: هي ما يذبح في اليوم السابع من الولادة؛ شكراً لله على ما وهبه من الولد، ذكَراً كان أو أنثى، وهي نة؛ لما ورد فيها من الأحاديث، ولمن عق عن ولده أن يدعو الناس لأكلها في بيته أو نحوه، وله أن يوزعها لحماً نيئاً وناضجاً على الفقراء وأقاربه وجيرانه والأصدقاء وغيرهم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 442) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8147)
تسخط الزوج إذا ولدت زوجته بنتاً
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المسلمين هداه الله إذا رزقه الله بنتاً تسخط بها، وضاق ذرعاً بمقدمها، وأعرف من هدد زوجته بالطلاق إذا أنجبت بنتاً، نرجو إلقاء الضوء من الشريعة الإسلامية على هذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الصنيع ولا شك من أعمال الجاهلية الأولى، وأخلاق أهلها الأجلاف، الذين ورد ذمهم، والتشنيع عليهم في الكتاب والسنة.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فلو زرت مستشفى للولادة في بلاد المسلمين، وقلبت طرفك في وجوه الحاضرين ممن ولد لهم بنات، وراقبت كلامهم، وسبرت أحوالهم لرأيت توافقاً عجيباً وتطابقاً غريباً بين حال كثير من هؤلاء وحال أهل الجاهلية الذين قص الله تبارك وتعالى علينا خبرهم، وأنهم (إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل /58-59
ومن مظاهر التسخط بالبنات أن يُكتشف في بعض المستشفيات ما برحم المرأة من ذكر أو أنثى، وذلك عبر الأشعة الصوتية، فإن كان ذكراً بشّروا، وإن كان أنثى أقصروا! وهذا الأمر جد خطير، ويترتب عليه عدة محاذير، منها:
أنه اعتراض على قدر الله عز وجل.
أنه رد لهبته سبحانه وتعالى بدلاً من شكرها، وكفى بذلك مقتاً وتعرضاً للعقوبة.
أن فيه إهانة للمرأة، وحطاً من قدرها، وتحميلاً لها ما لا تطيق.
كما أنه دليل على السفاهة والجهل، والحماقة وقلة العقل.
كما أن فيه تشبهاً بأخلاق أهل الجاهلية.
فما أجدر بالمسلم أن يتجنب تلك المسالك، وأن ينجو بنفسه من تلك المهالك، فالتسليم لقدر الله أمر واجب، والرضا به من صفات المؤمنين.
ثم إن فضل البنات لا يخفى، فهن الأمهات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن نصف المجتمع ويلدن النصف الآخر، فكأنهن المجتمع كله. انظر تحفة المولود في أحكام المولود لابن القيم ص 16
ومما يدل على فضلهن أن الله عز وجل سمى إتيانهن هبة وقدمهن على الذكور في قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) الشورى /49
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بين فضلهن وحث على الإحسان إليهن كما في قوله: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهم كن له ستراً من النار) رواه البخاري 1418 مع الفتح، ومسلم (2629)
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء بالقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 160.(5/8148)
هل تسمية الولد محمداً تجعله مميزاً
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والد زوجي قبل 6 سنوات، سمينا ولدنا محمد إبراهيم تخليداً لذكراه وبسبب هذا فالجميع يقولون لا تعنفوا هذا الولد ولا تنادوه كما تنادي أي أم ولدها بل يجب أن نناديه باحترام ولكنني أريد أن أنادي ولدي كأي أم وليس بصيغة الاحترام، أنا الآن لا أستطيع أن أوبخه، هل الاسم يؤثر على شخصية الأطفال وقدرهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج عليكم من تسمية ولدكم باسم والد زوجك، وهذا يدل على احترام وحب من الابن لأبيه، وخاصة أن اسمه يحمل اسم نبيِّيْن.
ثانياً:
لا يعني تسمية الولد باسم نبي أو صحابي أنه لا يُعنَّف ولا يوبَّخ فضلاً عن تسميته باسم والد الزوج! ولكِ أن تناديه مثل أي أم تنادي ولدها دون تكلف لصيغة الاحترام.
ولا يمنع تسمية الولد باسم محبوب إلى الله أو باسم نبي من الأنبياء من أن يعاقب عند الخطأ أو يوبَّخ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء بتعليم أبنائهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين وأن يضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين إذا لم يطيعوا، ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم من اسمه " محمد " أو غيره من الأسماء من هذا الحكم.
وقد ثبت في وقائع كثيرة توبيخ وتعنيف وضرب الصحابة والتابعين لأبنائهم وقد كان الكثير منهم يحمل اسم " محمد " أو " عبد الله " أو " عبد الرحمن ".
ثالثاً:
والمعروف أن للاسم – غالباً - تأثيراً على المسمى، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح إلى اسم حسن.
قال ابن القيم:
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها؛ فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
" زاد المعاد " (2 / 336) .
رابعاً:
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن صحة حديث: " من كان اسمه محمَّداً فلا تضربه ولا تشتمه " فقال:
هذا الحديث مكذوب وموضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لذلك أصل في السنة المطهرة، وهكذا قول من قال: " من سمَّى محمَّداً فإنه له ذمة من محمد ويوشك أن يدخله بذلك الجنة "، وهكذا من قال: " من كان اسمه محمَّداً فإن بيته يكون لهم كذا وكذا " فكل هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة، فالاعتبار باتباع محمد، وليس باسمه صلى الله عليه وسلم، فكم ممن سمِّيَ محمدا وهو خبيث؛ لأنه لم يتبع محمَّداً ولم ينقد لشريعته، فالأسماء لا تطهر الناس، وإنما تطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله جل وعلا، فمن تسمى بأحمد أو بمحمد أو بأبي القاسم وهو كافر أو فاسق لم ينفعه ذلك، بل الواجب على العبد أن يتقي الله ويعمل بطاعة الله ويلتزم بشريعة الله التي بعث بها نبيه محمدا، فهذا هو الذي ينفعه، وهو طريق النجاة والسلامة، أما مجرد الأسماء من دون عمل بالشرع المطهر فلا يتعلق به نجاة ولا عقاب.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 370) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8149)
حكم توزيع الأكل عندما يبلغ المولود أربعين يوماً
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا عادة ولا أعرف هل هي سنة أو بدعة. وهي: قيام الأهل في اليوم الأربعين للمولود بطبخ كمية كبيرة من الأكل وتوزيعها على الأقارب والجيران. وهو ما يسمى عندنا (الطلوع) فما هي شرعية هذا العمل؟ وهل هو سنة أم بدعة يجب اجتنابها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع في حال إنجاب مولود أن يَذبح أهله عنه " عقيقة " تُذبح في اليوم السابع، ويُذبح عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة واحدة، ويمكن للأهل توزيع لحمها أو جزء منه، كما يمكنهم طبخها أو طبخ بعضها وتوزيعه على الأهل والأقارب والجيران.
فإن عجز الأهل عن الذبح في اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر وإلا ففي الواحد والعشرين، فإن لم يستطيعوا ففي أي يوم بعدها استطاعوا.
وانظر حكم العقيقة في جواب السؤال رقم (20018) ، وجواز توزيع لحم العقيقة نيئاً أو مطبوخاً في جواب السؤال رقم (26046) و (8423) و (8388) .
وليس ليوم الأربعين في الميلاد أو الوفاة أي اعتبار، وهي عادة فرعونية، لا يجوز للمسلم تحري هذا اليوم للقيام بشيء يتعلق بالعبادة أو الطاعة.
وفي جواب السؤال رقم (12552) نقلنا عن الشيخ ابن باز حول " الأربعينية " وأن الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وأنها بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، ويردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته.
وقد حذرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البدع فقال: (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وزاد النسائي (1578) (وكل ضلالة في النار)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8150)
تغير لون الشعر وتنعيمه
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت بعض الناس يستعملون مواد تغير لون الشعر سواء تجعله أسود أو أحمر ورأيتهم أيضاً يستعملون مواد أخرى تجعل الشعر المجعد ناعماً فهل يجوز من ذلك شيء وهل الشباب مثل الشيوخ في الحكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه وكذلك استعمال مواد لتنعيم الشعر المجعد والحكم للشباب والشيوخ في ذلك سواء إذا انتفت المضرة وكانت مادة طاهرة مباحة أما التتغيير بالسواد الخالص فلا يجوز للرجال والنساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: (غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/168(5/8151)
الإجراءات الإسلامية لاستقبال المولود الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي يجب أن أفعله أو أعد له لاستقبال مولود جديد بعد يوم أو يومين. هل يوجد سنة يجب أن أتبعها.]ـ
[الْجَوَابُ]
نسأل الله أن يبارك لك في المولود القادم وجعله من الصالحين الأتقياء لكي يكون في ميزان حسناتك فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم (1631) .
ثانياً:
ليس هناك أعمال شرعية تتجهز بها لاستقبال المولود فيما نعلم قبل يوم أو يومين أو أقل من ذلك أو أكثر إلا الأدعية الطيّبة العامة كالدعاء للمولود بالسلامة والعافية والهداية ونحو ذلك، وقد ذكر الله تعالى في كتاب أدعية المرأة الصالحة وهي امرأة عمران لما قالت:
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) سورة آل عمران
وفيما يلي إرشاد إلى ما تصنعه يوم مجيء المولود، وبعد ذلك اليوم.
أ. استحباب تحنيك المولود والدعاء له
عن أبي موسى قال: " ولد لي غلام، فأتيت به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليّ ". رواه البخاري (5150) ومسلم (2145) .
والتحنيك: وضع شيء حلو في فم الطفل أول ولادته كتمر أو عسل.
ب. وتسمية المولود جائزة في اليوم الأول، أو السابع.
- عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وُلِد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم.. ". رواه مسلم (3126) .
- عن عائشة قالت: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما. رواه ابن حبان (12 / 127) والحاكم (4 / 264) . وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (9 / 589) .
ج. العقيقة والختان
1. عن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى ". رواه الترمذي (1515) والنسائي (4214) وأبو داود (2839) وابن ماجه (3164) . والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " الإرواء " (4 / 396) .
2. عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه ". رواه الترمذي (1522) والنسائي (4220) وأبو داود (2838) . والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " الإرواء " (4 / 385) .
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ ما ملخصه:
ومن فوائد العقيقة: أنها قربان يقرب به المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا …
ومن فوائدها: أنها تفك رهان المولود، فإنه مرتهن بعقيقته حتى يشفع لوالديه.
ومن فوائدها: أنها فدية يفدى بها المولود كما فدى الله سبحانه إسماعيل بالكبش. " تحفة المودود " (ص 69) .
ولعل من فوائد العقيقة أيضاً اجتماع الأقارب والأصدقاء في الوليمة.
ج. وأما الختان فهو من سنن الفطرة، وهو من الواجبات للصبي لتعلقه أيضاً بالطهارة وهي شرط لصحة الصلاة.
عن أبي هريرة " خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب ". رواه البخاري (5550) ومسلم (257) .
ثالثاً:
ذكر العلماء في سنن المولود الأذان في أذنه اليمنى فيكون من أول ما يفتح عليه سمعه في هذه الدنيا كلمة التوحيد وفي ذلك أثر عظيم مبارك، وأما الإقامة في أذنه اليسرى فلم تثبت. انظر " السلسلة الضعيفة " (1 / 491) .
رابعا: حلاقة شعر رأسه ودهن الرأس بعد ذلك بالزعفران وفي ذلك فوائد طبية، ثم يُشرع التصدق بوزن الشّعر ذهبا أو فضّة ولا يُشترط أن يوزن الشّعر المحلوق، فإذا صَعُب هذا فيكفي أن تقدِّر بالعملة النقدية ثمن الذهب أو الفضة الذي يعادله وزن الشعر المحلوق تقديرا وتتصدّق بالمبلغ في وجوه الخير، ونسأل الله أن يحفظنا وأولادنا من كل مكروه ويرزقنا فيهم العافية في الدنيا والآخرة، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8152)
توزيع لحم العقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف: العقيقة كيف يتم توزيعها؟ هل هي ثلاثة أقسام أم لكل الأسرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال بعض العلماء: العقيقة كالأضحية لها أحكامها.
وذهبوا إلى تقسيمها كتقسيم الأضحية واشترطوا في الشاة التي للعقيقة شروطها أيضاً فقالوا يجب أن ينتفي عنها العور والعرج والمرض البيِّن والضعف الشديد.
قال ابن قدامة:
وسبيلها في الأكل والهدية والصدقة سبيلها ـ يعني سبيل العقيقة كسبيل الأضحية.. وبهذا قال الشافعي.
وقال ابن سيرين: اصنع بلحمها كيف شئت، وقال ابن جريج: تطبخ بماء وملح وتهدى الجيران والصديق ولا يتصّدق منها بشيء، وسئل أحمد عنها فحكى قول ابن سيرين، وهذا يدل على أنه ذهب إليه، وسئل هل يأكلها قال: لم أقل يأكلها كلها ولا يتصدق منها بشيء.
والأشبه قياسها على الأضحية لأنها نسيكة مشروعة غير واجبة فأشبهت الأضحية ولأنها أشبهتها في صفاتها وسنها وقدرها وشروطها فأشبهتها في مصرفها.. . " المغني " (9 / 366) .
وقال الشوكاني:
هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية؟ فيه وجهان للشافعية، وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الاشتراط وهو الحق. " نيل الأوطار " (5 / 231) .
وذكر فروقا بينها وبين الأضحية تدلّ على أنها ليست مثلها في كلّ شيء.
فلم يرد في السنّة إذن للعقيقة طريقة معيّنة في التقسيم والمراد منها التقرب إلى الله بالدم المهراق شكرا على نعمة المولود وفكّا لأسر الشيطان له وإبعادا له عنه كما دلّ عليه حديث: كلّ غلام مرتهن بعقيقته.
أما حكم لحمها فيحل لك أن تصنع فيه ما تشاء فإن شئت أكلته وأهل بيتك أو تصدقت به أو أكلت بعضاً وتصدقت ببعض، وهو قول ابن سيرين وذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8153)
توزيع عقيقة المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم توزيع عقيقة المولود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن من السنة أن تُذبح العقيقة للمولود، قال صلى الله عليه وسلم: " مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى " رواه البخاري برقم 5049، والترمذي برقم 1434 وقال: " حديث حسن صحيح ".
ويجوز الأكل من هذه العقيقة، كما يجوز إطعام الأقارب والأصحاب والفقراء، ويجوز طبخها ثم إطعامها كما يجوز توزيعها نيئة. عن عائشة قالت عن لحم العقيقة: " يُجْعَلُ جُدُولا , يُؤْكَلُ وَيُطْعَمُ " رواه ابن أبي شيبة في المصنف / 5.
وجاء عن ابن سيرين والحسن البصري: " أن العقيقة كانت عندهم بمنزلة الأضحية، يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ " ابن أبي شيبة / 5.
وقال ابن حزم: " العقيقة يُؤْكَلُ منها ويُهْدَى ويُتَصَدَّق " المُحَلَّى لابن حزم / 6.
ويستحب طبخ العقيقة كلها، حتى ما يُتَصَدَّقُ به منها. لما روي عن بعض السلف استحباب ذلك، مثل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وكان عطاء بن أبي رباح يقول في العقيقة: " يقطع آرابا آرابا، ويطبخ بماء وملح، ويهدى في الجيران ". رواه البيهقي في السنن برقم 19827.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8154)
مصابة بالوسواس، وتشك في صيامها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري24 عندما كان عمري 17 كنت مصابة بمرض الوسواس القهري وتعالجت منه بعد فترة من الزمن ولكن مازال موجودا في ومتعبني كثيرا..حيث طرأ علي هذه الأيام أفكار تقول: لما كنت في الصف الثاني الثانوي كنت مفطرة عمداً، وأنني الآن مفطرة عمداً أيضاً. مع أنني لا أذكر أنني أفطرت، وبسبب هذا المرض صرت أنسى أشياء كثيرة ولا أتذكرها، فهل صحيح أني ربما أكون مفطرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت لا تذكرين أنك أفطرت في رمضان، فهذا الشك الذي حصل عندك هو وسوسة من الشيطان، ولا يلزمك شيء، وقد ذكر العلماء قاعدة وهي: أن المسلم إذا فعل عبادة ثم شك بعد الانتهاء منها هل فعلها صحيحة أم لا؟ فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، ويكون فعلها صحيحة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"هذه قاعدة مهمة جداً، الشك بعد فراغ العبادة لا يؤثر في العبادة، بعض الناس إذا انتهى من الصلاة وسلم جاءه الشيطان: ما قرأت الفاتحة، ما سجدت إلا مرة. يُطرح الشكُ هنا؛ لأن الشك بعد فراغ العبادة لا أثر له.
وكثير من الناس كثير الشكوك، لا يكاد يفعل عبادة إلا شك، هذا أيضاً يطرح الشك، ولا يلتفت إليه لأن هذا هو وسواس" انتهى.
"دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص / 153) .
وعلى هذا، فإذا جاءك الشيطان يوسوس لك أنك كنت أفطرت، فلا تلفتي إلى هذا الشك، ولا تشغلي نفسك به.
ومن طرائف ما يذكر في ذلك ما ذكره ابن الجوزي رحمه الله، قال:
"وبلغنا أن رجلاً جاء إلى أبي حازم فقال له: إن الشيطان يأتيني فيقول: إنك قد طلقت زوجتك، فيشككني. فقال له: أو ليس قد طلقتها؟ قال: لا، قال: ألم تأتني أمس فطلقتها عندي؟ فقال: والله ما جئتك إلا اليوم ولا طلقتها بوجه من الوجوه؟ قال: فاحلف للشيطان إذا جاءك كما حلفت لي، وأنت في عافية" انتهى.
"الأذكياء" (ص31) .
وخير علاج لهذا الوسواس هو كثرة ذكر الله تعالى ودعائه والاستعاذة به من الشيطان، ثم بعد ذلك: الإعراض عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها، فلابد من قطع هذه الأفكار، وعدم الاسترسال والتمادي معها، وهذا وإن كان صعباً على النفس إلا أن هذا هو العلاج.
وللأهمية يراجع جواب السؤال رقم: (62839) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8155)
كان شاذاً وأسلم، فهل يجوز له أخذ أدوية لعلاج ضعف ميله للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 18 عام، اعتنقت الإسلام منذ وقت قصير، وأريد أن أكون مسلماً متمسكاً بديني، ولكن هناك بعض العقبات التي تواجهني، فنظراً لأنني كنت شاذا في السابق، أجدني غير ميّال إلى النساء، ولا أرغب فيهن، على الرغم من أني أريد أن أتزوج ويكون لي أولاد، ولكن كيف السبيل إلى ذلك والحالة هذه؟ وهل يجوز لي استخدام حبوب الفياجرا؟ أنا أعلم أن هذا الموضوع لا ينبغي طرحه، ولكني بحاجة إلى المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى على أن من عليك بنعمة الهداية إلى الإسلام، فو الله إنه لخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك: يوم أن شرح الله صدرك لدينه، ونسأل الله أن يثبتك على الدين الحق، وأن يزيدك إيمانا، ويقينا، وهدى.
ومن فضل الله عليك أن أذهب عليك ما كنت عليه من قبل من أمر الشذوذ؛ فذا لا يليق بمسلم عرف ربه، وإنما هذا يليق بالشرك وأهله!!
وبخصوص مشكلتك: فما دام عندك أصل الرغبة في الزواج وإنجاب الأولاد، والمقدرة على ذلك، فالذي يظهر أن ما تشكوه من عدم الميل إلى النساء إنما هو أحد الآثار السلبية للمارسات الشاذة، وما دمت قد من الله عليك، فأقلعت عنها، فنرجو أن تزول عنك آثارها جميعا، إن شاء الله، وننصحك أن تراجع بعض الأطباء المختصين الثقات في ذلك الأمر، فلعل الله أن ييسر لك سبل الخلاص من تلك الآثار السلبية، كما من الله عليك فأقلعت عن هذه الممارسات، وتركت الشرك وأعماله.
ولتعلم أن ضعف الشهوة، أو ضعف الميل إلى النساء، هو مرض وداء كغيره من الأدواء، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له الدواء المناسب له، فلا حرج عليك في البحث عن العلاج المناسب لحالك، سواء كان ذلك عن طريق الأطعمة المناسبة، ونحوها من الأمور الطبيعية، أو عن طريق الأدوية المصنعة.
قال القرطبي رحمه الله:
" وإن رأى الرجل من نفسه عجزا عن إقامة حقها في مضجعها أخذ من الأدوية التي تزيد في باهه وتقوي شهوته حتى يعفها " انتهى.
"تفسير القرطبي" (3/124) .
وأما بخصوص الفياجرا تحديدا، فالمحذور في شأنها ما تسببه من الأضرار، وما ينتج عنها من الأعراض الجانبية، خاصة على القلب. فإن أشار عليك طبيب ثقة بإمكان استعمالها، بقدر مناسب لا يضر بك: فلا حرج عليك في استعمالها. وإن كان في استعمالها ضرر وخطر على صحتك: فلا تستعملها، وابحث عن بديل أكثر أمنا، ودواء أقل خطرا منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8156)
هل يجوز أخذ دواء صنع من جذور أشجار تم غليها في خمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أخذ دواء صنع من جذور أشجار تم غليها في خمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز صنع الدواء بهذه الطريقة، لأن فيها استعمالاً للخمر، والله تعالى أمر باجتناب الخمر فقال: (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ومنع النبي صلى الله عليه وسلم صناعة الدواء من الخمر، وأخبر أن الخمر داء وليست بدواء.
روى مسلم (1984) أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) .
قال النووي رحمه الله:
"هذا دليل لتحريم اتخاذ الخمر [يعني: الاحتفاظ بها] وتخليلها [أي: تحويلها إلى خل] ، وفيه التصريح بأنها ليست بدواء، فيحرم التداوي بها" انتهى.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (41760) .
لكن ... إذا تم صنع الدواء بهذه الطريقة المحرمة، فيجوز تناوله إذا استهلكت الخمر في هذا الدواء، ولم يبق لها أثر من لون أو طعم أو ريح.
فإن كان أثرها باقياً في الدواء، فلا يجوز استعماله؛ لأن في استعماله استعمالاً للخمر، وتناولاً لها.
قال البهوتي رحمه الله:
"وَلَوْ خَلَطَ الْمُسْكِرَ بِمَاءٍ فَاسْتُهْلِكَ الْمُسْكِرُ فِيهِ ثُمَّ شَرِبَهُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي الْمَاءِ لَمْ يُسْلَبْ اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ" انتهى.
"كشاف القناع" (6/118) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لَوْ وَقَعَ خَمْرٌ فِي مَاءٍ وَاسْتَحَالَتْ ثُمَّ شَرِبَهَا شَارِبٌ لَمْ يَكُنْ شَارِبًا لِلْخَمْرِ؛ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ طَعْمِهَا وَلَوْنِهَا وَرِيحِهَا. وَلَوْ صُبَّ لَبَنُ امْرَأَةٍ فِي مَاءٍ وَاسْتَحَالَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ وَشَرِبَ طِفْلٌ ذَلِكَ الْمَاءَ: لَمْ يَصِرْ ابْنَهَا مِنْ الرِّضَاعَةِ بِذَلِكَ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (21/33) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا يجوز خلط الأدوية بالكحول المسكرة؛ لكن لو خلطت بالكحول جاز استعمالها إن كانت نسبة الكحول قليلة لم يظهر أثرها في لون الدواء ولا طعمه ولا ريحه، وإلا حرم استعمال ما خلط بها" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة " (25/39) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الكحول مادة مسكرة كما هو معروف فتكون خمراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وفي رواية: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ) .
وعلى هذا؛ فإذا خالطت هذه الكحول شيئاً ولم تضمحل بما خالطته صار هذا الشيء حراماً؛ لأن هذا الخليط أثر فيه. أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر فإنه لا يحرم بذلك" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (122/21) .
وقال أيضا:
"وأما خلط بعض الأدوية بشيء من الكحول، فإنه لا يقتضي تحريمها، إذا كان الخلط يسيرا لا يظهر له أثر مع المخلوط" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/193) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8157)
مرض " نقص الانتباه " عند الأطفال؟ وهل يجوز تناول دواء " الريالتين " له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في إعطاء " الريتالين " لطفلة تم تشخيص حالتها على أنها تعانى من اضطراب " نقص الانتباه "، وتجد الطفلة صعوبة في التعلم، ولا تستطيع التركيز لفترات طويلة، ولهذا فقد وصف لها طبيب أطفال " الريتالين "، والوالدان في غاية الحيرة، ويعارضان إعطاءه لطفلتهما؛ لأنه يتسبب في زيادة سرعة الطفلة، لكن الأهم من اهتمامهما بمصلحة الطفلة فهما لا يريدان أن يقترفا إثماً أمام الله سبحانه وتعالى. برجاء تقديم العون للوالدين، فهما في أشد الحاجة إليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعريف المرض – واختصاره ADD، أو ADHD -:
جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
" اعتلال نقص الانتباه " Attention deficit disorder ":
اعتلال نقص الانتباه: مشكلة سلوكية، يجد الذين يعانون منها صعوبة غير معتادة في الانتباه، والجلوس، دون حركة، أو التحكم في اندفاعاتهم العصبية، والمصطلح الرسمي المستخدم للإشارة لهذا الاعتلال هو: " اعتلال نقص الانتباه - فرط النشاط "، وهو أكثر المشاكل السلوكية شيوعاً بين الأطفال، ويبلغ معدل الإصابة بهذا الاعتلال لدى الصبيان أكثر من ضعف معدل الإصابة لدى البنات، ويعاني عدد ملحوظ من المراهقين والراشدين أيضاً من هذا الاعتلال.
... .
ويُظهر الأطفال الذين يعانون من هذا النوع قدراً كبيراً من التململ العصبي، والضجر، ويكونون - في الغالب - من النوع الذي لا يستطيع انتظار دوره لكي يتحدث في الفصل، أو يشارك في النشاط الجماعي، ولا يُظهر الأشخاص الذين يعانون من النوع اللاانتباهي أي علامات جسدية للتململ، والضجر، ولكنهم يجدون صعوبة في التركيز، ويتسم هؤلاء بالنسيان، وعدم النظام، ويفشلون - غالباً - في إكمال فروضهم المدرسية، أو الواجبات الأخرى التي كلفوا بأدائها، وتتعرض الفتيات للإصابة بالنوع اللاانتباهي أكثر من تعرضهن للإصابة بالنوع الذي يتسم بفرط النشاط، ويعاني معظم مرضى " نقص الانتباه - فرط النشاط " من النوع المشترك الذي يجمع بين أعراض كلٍّ من " فرط النشاط " و " النوع اللانتباهي ".
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
ومما علمناه من كلام الاختصاصيين في هذا المرض:
1. أنه لم تتفق كلمة الأطباء إلى الآن على الجزم بسبب هذا المرض.
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
ويعتقد معظم الخبراء أن لاعتلال نقص الانتباه سبب جسدي لم يتم التعرف عليه بعد. انتهى.
ب. وقال الدكتور خالد التركاوي – استشاري طب الأطفال بالرياض -:
إن أسباب المرض ما زالت غير معروفة، والفرضيات حوله كثيرة، مع وجود بعض الدلائل غير القاطعة التي تشير إلى دور للعوامل الوراثية في ذلك.
جريدة " الشرق الأوسط "، الاثنين 27 جمادى الأولى 1421 هـ، 28 أغسطس 2000 العدد 7944.
2- هناك علاجات أخرى تربوية وسلوكية ونفسية ينبغي أن يؤخذ بها مع العلاجات الكيميائية.
أ. ففي "الموسوعة العربية":
ويستفيد الأطفال الذين يعانون من المرض - أيضاً - من تقنية " تعديل السلوك "، وفي هذه المعالجة يساعِد البالغون الأطفالَ على اكتساب التحكم الذاتي، عن طريق توفير الإشراف الحميم، وتقديم المكافآت المتكررة، في مقابل السلوك الملائم.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
وقالوا:
إنَّ تناول "الريتالين" فقط لا يكفي للقضاء على أعراض نقص الانتباه، ومرض النشاط المفرط، فمعظم مرضى هذا المرض في حاجة إلى علاج يتضمن إعمل أساليب نفسية، وسلوكية. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور خالد بن عوض بازيد - استشاري الطب النفسي - أطفال ومراهقين - مركز الظهران الصحي، مستشفى أرامكو السعودية -:
علاج ADHD:
1. " العلاج السلوكي المعرفي "، حيث يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعانة الطفل على تقوية التركيز، وتقليل التشتت الذهني، وتعديل السلوك الاندفاعي من خلال النظام، والتدريب، والوضوح، والتدعيم.
2. " الإرشاد النفسي التربوي للوالدين والمعلمين والمرشدين الطلابيين " في كيفية التعامل مع الطفل المبتلى بـADHD في البيت، أو المدرسة.
3. " توفير المناخ التعليمي الخاص للحالات الشديدة "، من خلاله تدريبهم على المهارات الاجتماعية المفقودة، وإعانتهم في تحصيلهم العلمي. انتهى.
http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=111369
ثالثاً:
أما الدواء الطبي الذي يُستعمل - غالباً - في علاج هذا المرض فهو: " الميثيلفنديت "، والمعروف تجاريّاً باسم " الريتالين ".
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
" الريتالين " اسم تجاري لعقار " الميثيلفنديت "، وهو دواء يوصف – غالباً - لعلاج " نقص الانتباه " ومرض " النشاط المفرط ".
... .
ونظراً لشيوع هذا المرض فإن ملايين من الناس يتناولون الريتالين، ويحسِّن هذا الدواء درجة التركيز، ويخفض القلق لمعظم مرضى قصور الانتباه، والنشاط المفرط. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور حسان المالح - استشاري في الطب النفسي، عضو الجمعية البريطانية للعلاج النفسي والأسري، وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي -:
العلاج الدوائي:
وهو يتضمن العلاج بالمنشطات النفسية، من زمرة " الأمفيتامين "، وقد بدأ استعمالها منذ 1937، ويعتبر مثيلفينيديت (Methylphenidat - Ritalin) أكثرها استعمالاً بعد سن السادسة. انتهى.
http://www.hayatnafs.com/specialtopics/adhd-overview.htm
وقد سألنا الدكتور عمرو هيبة الأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة طنطا، والحاصل على الدكتوراة في الأمراض النفسية والعصبية عن "تناول هذا الدواء الريتالين" وعن "أعراضه الجانبية"، وعن "الاكتفاء بالعلاج السلوكي والتربوي والنفسي والاستغناء عن هذا الدواء".
فأفاد بما يلي:
"هذا الدواء "الريتالين" من أحسن الأدوية التي تستعمل في علاج هذا المرض، ونتائجه ممتازة، ولا يسبب الإدمان ...
وأما الأعراض الجانبية، فلا يخلو منها دواء من الأدوية، والشركات المنتجة للأدوية تكتب هذه الأعراض، حتى لا تقع عليها مسؤولية أو يتقدم أحد بشكوى ضدها، وقد تكون هذه الأعراض نسبتها قليلة جداً بحيث لا تكون خطراً.
وما دام هذا الدواء سيؤخذ بإرشاد طبيب ومتابعته، فلا مانع من ذلك.
ولا يكفي تعديل الجانب السلوكي والتربوي، بل لا بد من الأمرين معاً: العلاج الكيميائي، والعلاج النفسي، وذلك لأن هذا المرض يؤثر على التركيبة الكيمائية للمخ فلا بد من العلاج الكيميائي" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8158)
حكم أكل لحوم الثعابين للعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أكل لحم الثعابين لغرض لعلاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جمهور أهل العلم على عدم جواز أكل لحوم الأفاعي والثعابين.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/16-17) :
" مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْجِعْلَانِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْفَأْرَةِ وَنَحْوِهَا: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا حَرَامٌ , وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد , وَقَالَ مَالِكٌ: حلاَل " انتهى.
والصواب قول الجمهور، وذلك لأمور:
أولاً: أن الثعبان مما يفترس بنابه، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع. متفق عليه.
ثانياً: أن الثعبان مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: (اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ ... )
متفق عليه.
ثالثا: أنها مستخبثة، وقد قال الله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157
قال علماء اللجنة الدائمة:
" لا يجوز أكل الفيران والثعابين والحنش السام والقردة؛ لأن جنسها مما يفترس بنابه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، ولأنها مستخبثة، وقد قال تعالى في بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)
انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 / 292) .
ثانيا:
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالحرام، فيما روى أبو داود (3874) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) .
صححه الألباني في "صحيح الجامع" (1762) .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي السَّكَرِ: " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ " ذكره البخاري تعليقا (5/2129)
وروى مسلم (1984) عن وائل بن حجر رضي الله عنه أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ؟ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
فيه رجل يستعمل الحيات للطب، ويزعم أن ذلك مباح للظروف والضرورة، وطريقة استعماله في الحية: يمسكها ويضعها في قدر سمن وهي لم تمت، والقدر يغلي على النار، وبعد ذلك يعالج بالسمن الذي طبخ فيه الحية، والذي يستعمله يسكر سكرا خفيفا، هل يجوز التداوي بهذا السمن، إذا ثبت أنه مفيد للمرض؟ وهل يجوز وضع الحية بالسمن وهو يغلي على النار؟
فأجاب علماء اللجنة:
" أولا: لا يجوز وضع الحيوان وهو حي في سائل يغلي؛ لما في ذلك من تعذيب الحيوان، وهو منهي عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) .. الحديث.
ثانيا: لا يجوز التداوي بالحيات ولا بالسمن الذي طبخت فيه؛ لأنها لا يجوز أكلها على الصحيح من قولي العلماء، وميتتها نجسة، والتداوي بالمحرم حرام " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (25 / 25-26) .
والخلاصة: أنه لا يجوز أكل لحوم الحيات والثعابين، لا لأجل التداوي، ولا لغيره من الأغراض، وفيما أحله الله تعالى من الأطعمة والأدوية ما يغني عن الحرام.
وينظر: إجابة السؤال رقم: (10951) .
والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8159)
هل ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرق اللبان في زمن الطاعون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلني إيميل أرجو الإفادة بصحته جزاكم الله خير في زمن انتشار أنفلونزا الخنازير وغيرها بإذن الله أخي المسلم أختي المسلمة يجب حرق (اللبان العربي) في المنازل يوميا لأنه يعقم الهواء فقد فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) في زمن الطاعون فحمى الله المدينة المنورة من الطاعون لا تدع الرسالة تقف عندك انشرها وبإذن الله تؤجر وبرسالتك هذه قد تحمي المئات من المسلمين من هذا المرض الخطير]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما جاء في الرسالة التي وصلتك من وجوب حرق اللبان في المنازل يوميا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بالمدينة، هو كذب وإفك لا أساس له من الصحة، فإن الطاعون لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه بالشام، وحين وقع لم يقل أحد من الصحابة: احرقوا اللبان، ونحو ذلك من السخف والباطل، وإنما رووا فيه الحديث المشهور: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا) رواه البخاري (5728) ومسلم (2218) .
والطاعون لا يكون في المدينة، كما روى البخاري (7133) ومسلم (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ) .
فبان بهذا أن ما ذكر كذب محض.
ثانيا:
ورد في تبخير البيت باللبان حديث لا يصح، ولفظه: (بخروا بيوتكم باللبان والشيح) . عزاه في كنز العمال (10/ 52) إلى البيهقي في الشعب، عن عبد الله بن جعفر معضلا، وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 387) : إنه لا يصح.
ثالثا:
سبق التحذير من نشر الرسائل التي لا يعلم الإنسان صحتها اغترارا بقولهم: انشر تؤجر، بل قد يأثم ويؤز؛ إذا كان ينشر باطلا وكذبا كهذا الذي وردك.
وينظر جواب السؤال رقم (113730) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8160)
حكم إجراء عملية زراعة ثدي
[السُّؤَالُ]
ـ[تعاني زوجتي من سرطان بالصدر وقد علمنا بالأمر في العام 2007 ونحمد الله بفضل الدعاء وبركة ماء زمزم والتوكل علي الله تعافت زوجتي تماما. وقد عولجت زوجتي علاجا كيميائيا وعلاجا إشعاعيا وقامت بإجراء عملية استئصال ثدي، ثم بدأت تتعاطى المضادات الحيوية لمنع عودة المرض مرة أخرى بإذن الله. وهي الآن تسأل إذا كان ممكنا أن تقوم بعمل ثدي صناعي ليس لتجميل نفسها ولكن لتشعر بأنها طبيعية مرة أخرى وسوف يستخدم لصنع هذا الثدي بعضا من جلد المؤخرة. جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إجراء عملية زراعة الثدي الصناعي؛ لأن ذلك من باب إزالة العيب ورد الأمر لما خلق الله تعالى.
والأصل في ذلك ما روى أبو داود (4232) والترمذي (1770) والنسائي (5161) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ [أي فضة] فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/ 62) : " أنا شاب أبلغ من العمر ثماني عشرة سنة، وقبل أربع سنوات حدث لي بروز في الثديين، وكان مصاحبا لذلك البروز بعض الألم، وبعد فترة زال الألم والحمد لله وبقي البروز على حاله، وبروز الثديين هذا واضح حتى من تحت الملابس، وقد سألت الطبيب المختص عن ذلك فقال: إنه يمكن إزالة هذا البروز بسهولة، وذلك عن طريق عملية جراحية تجميلية، فهل يجوز إجراء مثل هذه العملية؟ علما أن هذا البروز يسبب لي الإحراج أمام الآخرين.
الجواب: يجوز لك إجراء عملية التجميل لإزالة هذا البروز، إذا غلب على الظن نجاح العملية ولم ينشأ ضرر يزيد على فائدتها أو يساويه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود " انتهى.
وجاء فيها أيضاً (25/ 59) : " أحد زملائي تزوج بتوفيق الله وحمده، وجاءني يقول:
إن زوجته تريد عملية تجميل بالوجه والصدر؛ لأن أنفها كبير وعريض، وتريد تصغيره بطرق سهلة وصل إليها الطب الحديث، فهل هذه العملية بها شك أو إثم؟ علما أن عدم عملها قد يؤدي إلى مضايقة نفسية لبروز هذا العيب في وجهها.
الجواب: إذا كان الواقع كما ذكر، ورجي نجاح العملية، ولم ينشأ عنها مضرة راجحة أو مساوية - جاز إجراؤها تحقيقا للمصلحة المنشودة، وإلا فلا يجوز.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود " انتهى.
وينظر للفائدة: سؤال رقم (47694) .
ولا حرج في أخذ شيء من جلد المؤخرة لإتمام العملية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8161)
هل يجوز شم الكحول وتذوقه لحاجة الدراسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة مسلمة تدرس الصيدلة وعند الامتحان يجب عليها شم وتذوق الكحول التي تباع في الصيدلية لدواء الجروح -90 درجة- وليس الخمور. كمية التذوق قليلة جدا بعض القطرات وسبب الامتحان أن الصيدلي يجب أن يفرق بين الماء والمواد الأخرى التي تشبه الماء كالكحول، هل يجوز ذلك؟ وهل يجوز استعمالها للتداوي أصلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الكحول غير مسكر فلا يعد خمراً، فلا حرج من شمه وتذوقه والتداوي به، ما لم يكن مضراً.
أما إذا كان مسكراً، فهو خمر، والواجب علي المسلم أن يتجنب الخمر، فإنها أم الخبائث، وقد (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) رواه الترمذي (1295) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ولا يجوز تعاطيها لا لدواء ولا لغيره؛ فإن الله تعالى نزع منها كل خير وبركة، ولم يجعل فيها شفاء.
روى أبو داود (3874) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (1762) .
وروى مسلم (1984) عن وائل بن حجر رضي الله عنه أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) وهذا يدل دلالة واضحة على تحريم التداوي بالخمر، وأنها ليست بدواء، وإنما هي داء.
قال النووي:
"هَذَا دَلِيل لِتَحْرِيمِ اِتِّخَاذ الْخَمْر وَتَخْلِيلهَا , وَفِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ فَيَحْرُم التَّدَاوِي بِهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ , فَكَأَنَّهُ يَتَنَاوَلهَا بِلَا سَبَب , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا" انتهى.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ذكره البخاري تعليقا (5/2129) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4 / 156-157) :
"المعالجة بالمحرَّمات قبيحةٌ عقلاً وشرعاً، أمَّا الشرعُ فما ذكرْنا من هذه الأحاديثِ وغيرها. وأمَّا العقلُ، فهو أنَّ اللهَ سبحانه إنما حرَّمه لخُبثه، فإنه لم يُحَرِّم على هذه الأُمة طَيباً عقوبةً لها، كما حرَّمه على بنى إسرائيلَ بقوله: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) النساء/ 160، وإنما حرَّم على هذه الأُمة ما حَرَّم لخبثه، وتحريمُه له حِمية لهم، وصيانة عن تناوله، فلا يُناسِبُ أن يُطلَبَ به الشِّفاءُ من الأسقام والعِلل، فإنه وإن أثَّر في إزالتها، لكنه يُعْقِبُ سَقَماً أعظمَ منه في القلب بقوة الخُبث الذى فيه، فيكون المُدَاوَى به قد سعى في إزالة سُقْم البدن بسُقْم القلب.
وأيضاً: فإنَّ تحريمه يقتضى تجنُّبه والبُعدَ عنه بكُلِّ طريق، وفى اتخاذه دواء حضٌ على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضِدُّ مقصود الشارع.
وأيضاً: فإنه داء، كما نصَّ عليه صاحبُ الشريعة، فلا يجوز أن يُتخذ دواءً.
وأيضاً: فإنه يُكْسِبُ الطبيعة والروح صفةَ الخبث، لأن الطبيعة تنفعِلُ عن كيفية الدواء انفعالاً بَيِّناً، فإذا كانت كيفيتُه خبيثةً، اكتسبت الطبيعةُ منه خُبثاً، فكيف إذا كان خبيثاً في ذاته، ولهذا حرَّم الله سبحانه على عباده الأغذيةَ والأشربةَ والملابِسَ الخبيثة، لما تُكسب النفسَ من هيئة الخبث وصفته.
وأيضاً: فإنَّ في إباحة التداوي به، ولا سِيَّما إذا كانت النفوسُ تميل إليه، ذريةً إلى تناوله للشهوة واللَّذة، لا سِيَّما إذا عرفت النفوسُ أنه نافع لها مزيلٌ لأسقامِها جالبٌ لِشفائها، فهذا أحبُّ شيء إليها، والشارعُ سدَّ الذريعة إلى تناوله بكُلِّ ممكن، ولا ريبَ أنَّ بينَ سدِّ الذريعة إلى تناوله، وفَتْحِ الذريعة إلى تناوله تناقضاً وتعارضاً.
وأيضاً: فإنَّ في هذا الدواء المحرَّم من الأدواء ما يزيدُ على ما يُظَن فيه من الشِّفاء، ولنفرضْ الكلام في أُمِّ الخبائث التي ما جعل الله لنا فيها شفاءً قَطُّ، فإنها شديدةُ المضرَّة بالدماغ الذي هو مركزُ العقل" انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا يجوز خلط الأدوية بالكحول المسكرة؛ لكن لو خلطت بالكحول جاز استعمالها إن كانت نسبة الكحول قليلة لم يظهر أثرها في لون الدواء ولا طعمه ولا ريحه، وإلا حرم استعمال ما خلط بها" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة " (25/39) .
وما ذكر في السؤال عن حكم شمها وتذوقها لغرض الدراسة: فأما شمها: فأمره أهون، لأن تحريمه تحريم وسائل؛ حيث قد يفضي إلى شربها، فيجوز عند الحاجة، وقد روى مسلم (1695) حديث ماعز رضي الله عنه لما جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليطَهِّرْه مِنْ الزِّنَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبِهِ جُنُونٌ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ – أي شم رائحة فمه - فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ ... الحديث.
وأما تذوقها: فلا يجوز بحال؛ لأنه من جنس تعاطيها المحرم، ولا ضرورة تبيحه.
وقد وجدت عدة بدائل صالحة تغني عن استعمال الكحول في التطهير، فلا ضرورة في تطهير الجروح بها.
ونختم هذا الجواب بما ذكره بعض أهل الاختصاص حول وجوب التخلص من الكحول في الطب والصيدلة:
يقول الدكتور أبو الوفا عبد الآخر بالإدارة الطبية للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية:
"منذ أن فقدنا زمام القيادة العلمية والصناعية، وبعد أن انتقلت هذه القيادة إلى قوم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ويتجاهلون ما في الخمر من الخبائث الحسية والمعنوية، وما فيها من المضار العاجلة والآجلة، بل جعلوا للكحول - العنصر المسكر بالخمر - مكان الصدارة في تجهيز المستحضرات الصيدلانية والتركيبات الدوائية وفي الأغراض العلاجية، ولم يسلكوا طريق البحث الجاد بقصد التوقف عن استعمال الكحول في الأغراض الصيدلانية والتجهيزات الدوائية.
كما أن علماء الطبيعة من المسلمين في العصر الحديث لم يحرصوا على تجنب (الكحول) - مادة الخمر الأساسية - في استعمالاتهم واحتياجاتهم الطبية والصيدلية وغيرها، وبالتالي لم يتحققوا من حالات الضرورة لاستعمال هذه المادة وغيرها من المسكرات والمخدرات والمفترات، وغيرها من المواد التي تؤثر على شخصية الإنسان وفكره وسلوكه، والتي مهما كان نفعها فإن لها أضراراً مؤكدة عاجلة وآجلة، وبالتالي لم يجتهدوا في اكتشاف بدائل غير ضارة تمكنهم من التخلص من استخدام الكحول في المستحضرات الصيدلية، وذلك لتحضير مستحضرات إسلامية خالية من المحرمات، ليدحضوا الدعوى القائلة بأهمية الكحول وضرورته في الطب والصيدلة.
ويرى الدكتور أبو الوفا إمكانية ذلك، ويؤكد أنهم في كليات الطب والصيدلة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية يتم تجهيز التركيبات الدوائية للاستعمال الداخلي خالية من الكحول، ويعالج المرضى بأدوية لا تحتوي على كحول، دون مشاكل أو قصور في الخدمات الصحية من جراء التمسك بهذا الحظر على استعمال الكحول.
وناشد الدكتور أبو الوفا علماء المسلمين الذين يعملون في مجال الصيدلة والطب والعلوم الطبيعية المختلفة وفي الصناعة العمل على التخلص من هذا المنكر ابتغاء مرضاة الله" انتهى نقلاً عن (موقع صحيفة فلسطين على الانترنت)
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (99749) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8162)
هل يحضرون خادماً لتنظيف ورعاية أبيهم المقعد
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مسن مقعد يحتاج للرعاية والتنظيف، ووالدتي لا تقوى إلا على إطعامه لكبر سنها ومرضها، ونحن البنات نسكن مناطق بعيدة ونزوره شهريا أو أقل أو أكثر، والبنون في مشاغلهم. سؤالي: هل يجوز أن نجلب رجلا يخدمه وينظفه ويحممه؟؟ علما بأنه سيسكن مع زوجته التي تعمل خادمة عند أمي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) رواه مسلم (338) .
وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قَالَ:
(قُلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا: مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟
قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟
قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟
قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ.) . رواه أبو داود (4017) وحسنه الألباني.
فدل ذلك على أنه لا يجوز للرجل أن يطلع على عورة رجل مثله.
قال ابن القطان الفاسي رحمه الله:
" لا يحل للرجل أن ينظر إلى السوأتين من جنس الرجال، هذا ما لا شك ولا خلاف فيه ".
" النظر في أحكام النظر" (258) .
فإذا كان والدكم عاجزا عن القيام بشأنه، ويحتاج إلى من يخدمه، فلا حرج عليكم في استئجار رجل لخدمته، غير أنه لا يحل له أن يطلع على عورته، القبل أو الدبر، ولا أن يباشرها بيده، إذا كان من الممكن أن تتولى والدتكم هذا القدر من الخدمة، كما تتولى إطعامه.
فإن لم يمكن ذلك، جاز له أن يتولى خدمته بصفة عامة، ولو استعمل حائلا عند مس العورة فهو أحسن.
قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله:
" وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ، إلَّا الْعَوْرَةَ، وَهِيَ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ...
قال محمد بن مُقَاتِلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْحَمَّامِ عَوْرَةَ إنْسَانٍ بيده عِنْدَ التَّنَوُّرِ، إذَا كان يَغُضُّ بَصَرَهُ.
قال الْفَقِيهُ: وَهَذِهِ في حَالِ الضَّرُورَةِ لَا في غَيْرِهَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَوَلَّى عَوْرَتَهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ التَّنَوُّرِ". " البحر الرائق" (8/219) .
والتنَوُّر: هو إزالة شعرة العانة (حول العورة) باستعمال النورة، وهي مزيل للشعر كان معروفا لديهم.
وقال في "الروض المربع": " ولطبيب ونحوه: نظرُ ولمسُ ما دعت إليه حاجة ".
قال في الحاشية: " كمن يلي خدمة مريض، أو مريضة، في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق أو حرق ونحوهما، أو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته؛ دفعا للحاجة، وليسترْ ما عداه، لكشفه صلى الله عليه وسلم عن مؤتزر بني قريظة، وعثمان كشف عن سارق، ولم ينبت، فلم يقطعه. ". انتهى.
"حاشية الروض المربع" لابن قاسم (6/236) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8163)
حكم التلقيح المجهري لإنجاب ولد ذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حرام التلقيح بحيوان منوي ذكري فقط؟ وذلك لأنه عندي 3 بنات وأنجب بعملية بقي لدي حمل واحد وأريد ولداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحديد جنس المولود يمكن أن يتم بثلاث طرق:
الأولى: باستعمال أمور طبيعية كالنظام الغذائي، وهذا لا حرج فيه، وينظر جواب السؤال رقم (118173) .
الثانية: بالتدخل الطبي لاختيار جنس الجنين، وهذا لا يجوز إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، كما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الآتي نصه.
ووجه المنع: أن التدخل الطبي بالتلقيح المجهري يترتب عليه محاذير شرعية، كالاستمناء، وكشف العورة المغلظة والنظر إليها، مع احتمال اختلاط الحيوانات المنوية أو البويضات في حالة إيداعها في بنوك مما يترتب عليه اختلاط الأنساب.
الثالثة: تحديد جنس الجنين أثناء عملية التلقيح الصناعي لمن احتاج إليه لعدم إمكان الإنجاب بالطريقة المعتادة، والظاهر أنه لا حرج فيه تبعا لجواز التلقيح، فحيث وجد السبب المبيح للتلقيح الصناعي وروعيت فيه ضوابطه فإنه يجوز تبعاً التدخل لتحديد جنس الجنين. وينظر جواب السؤال رقم (98604) .
وهذا نص قرار مجمع الفقه الإسلامي:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22ـ27/شوال/1428هـ التي يوافقها 3ـ8/نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: (اختيار جنس الجنين) ، وبعد الاستماع للبحوث المقدمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة.
فإن المجمع يؤكد على أن الأصل في المسلم التسليم بقضاء الله وقدره، والرضى بما يرزقه الله؛ من ولد، ذكراً كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذم فعل أهل الجاهلية من عدم التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكراً كان أو أنثى، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولاً: يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها.
ثانياً: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريراً طبياً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي ومن ثَمَّ يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.
ثالثاً: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات والمراكز الطبية؛ التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية، لتمنع أي مخالفة لمضمون هذا القرار. وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة والتعليمات في ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى.
http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=168&l=AR&cid=12
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8164)
حكم أخذ منشطات لحمل بتوائم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لزوجتي تناول منشطات للحصول على توائم، علماً أنها طبيعيه (فقط لرغبتنا في الحصول على توائم) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تناول زوجتك منشطات طبيعية أو صناعية، رغبة في الحمل بتوائم، بشرط خلوها من الضرر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
لكن ينبغي أن يستشار طبيب ثقة في أصل المبدأ، وهل له أضرار على الزوجة بعد ذلك، أم لا، ثم استشارته في نوع المنشط.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم تعاطي الحبوب المنشطة لأجل الحمل، علماً بأنني متزوجة من فترة طويلة وليس لدي أطفال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر يرجع إلى استشارة الطبيب في هذا، فإذا قال إن تناول هذه الحبوب المنشطة للحمل لا تضر، فإنه ينبغي استعمالها تحصيلا للحمل، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم) ".
انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينظر: سؤال رقم (11906) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8165)
حكم الطبيب الذي يفوت الصلاة بسبب انشغاله بالعمليات
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيب يعمل بالعمليات الطارئة مما يؤدي أحياناً إلى انشغاله عن الصلاة حتى خروج الوقت، فماذا يصنع وقد قيل له: إنه في تلك الحالة عليه أن يؤدي الصلاة بأي طريقة، فما هي هذه الطريقة وفقكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ولا ينشغل عنها بشيء، اللهم إلا أن يكون شيئاً من الضرورات التي لا حيلة له فيها، مثل إنقاذ غريق من الغرق، إنقاذ أهل البيت من حريق، صد هجوم عدو يخشى منه، فهذا لا بأس أن تؤخر الصلاة لأجله ولو خرج وقتها، أما الأمور العادية التي لا خطر فيها لا يجوز تأخير الصلاة من أجلها.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهلُ مكة المدينةَ يوم الأحزاب أَخَّر صلاة الظهر والعصر إلى بعد المغرب، وفي رواية أخرى: (صلاة العصر إلى بعد المغرب) من شغله بالقتال، وثبت أن الصحابة لما حاصروا تستر وانفلق الفجر والقتال قائم والناس على الأسوار وعلى الأبواب أجلوا صلاة الفجر حتى فُتح لهم ثم صلوها ضحى لئلا يفوت الفتح، ولئلا يتراجع الكفار، فإذا كان مثل هذا جاز التأخير، فإذا وقع حريق، وكان فيه أناس من المسلمين فإنه يجوز لك أن تنشغل بإنقاذهم، ولو قدر أن فاتتك الصلاة في وقتها؛ لأن إنقاذ النفوس المسلمة المعصومة له أهمية عظيمة، ولأن هذا الخطر قد لا يُستدرك إلا لو أخر الصلاة، فتفوته المصلحة فجاز التأخير، فكما يؤخر الإنسان في الجمع للمرض والسفر، فجواز تأخيرها عن وقتها أو تأخير العصر عن وقتها أو الفجر عن وقته لإنقاذ غريق أو حريق أو نحو ذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/758) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8166)
حقيقة مرض "الفصام" وهل يرفع التكليف عن صاحبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأمراض النفسية كالفصام يرفع التكليف عن صاحبه، من صلاة، أو غير ذلك من الفروض؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التكليف هو صلاحية الإنسان أن يتوجه إليه الأمر والنهي، بحيث يعاقب إن خالف ذلك.
ولهذا التكليف صفات يسميها العلماء: أهلية الوجوب، ومن أهم هذه الصفات: أن يكون الإنسان عاقلاً، فالمجنون غير مكلف، ودل على ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه الترمذي (1423) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/249) :
"أهلية الوجوب عبارة عن صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة، بحيث تثبت له حقوق، وتجب عليه واجبات والتزامات ... وبهذا يعرف أن الأهلية مناط التكليف" انتهى.
ثانياً:
الفصام من الأمراض العقلية، ويسمى خطأً " فصام الشخصية ".
قال الدكتور ياسر بكار:
"لا صحة لما يرد عن مرض فصام العقل أن المريض يكون له شخصيتان في جسد واحد، فهذا من ابتداع كتَّاب السينما، والحقيقة: أن المريض يعاني من خلل دماغي يسبب انفصالاً بين العقل والعواطف والسلوك".
وقال:
"الفصام هو مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل مثل التفكير والإدراك والمشاعر والسلوك" انتهى.
وقال الدكتور حسين عبد القادر - استشاري الأمراض النفسية -:
"وتؤكد دراسات علم النفس إن الفصام أو " الشيزوفرنيا " هي حالة تصيب 1% من الناس والمصاب بهذا الداء يطلق عليه " مختل عقليّاً "، والفصام من الأمراض المزمنة التي يعاني منها المريض طيلة حياته" انتهى.
"وأما أعراض هذا المرض: فتظهر في فقد التفكير والعاطفة والإدراك والإرادة والسلوك.
أما أعراض الإرادة: فإن مريض الفصام يفقد الكثير من قوة الإرادة، وعدم المقدرة على اتخاذ أي قرارات، والسلبية المطلقة في التصرفات، ثم فقد الإحساس بالذات.
وأما أعراض السلوك: فإن مريض الفصام يفقد اهتمامه بذاته ونظافته وصحته العامة، ولا يهتم بالأحداث اليومية، ويكون عرضة لسلوك غريب، مثل: تكرار الحركات، أو نوبات من الهياج والاندفاع والعدوانية، كما أنه يبدأ بالانعزال عن الناس، ويكف عن الذهاب إلى المساجد والأصدقاء، ويفقد اهتمامه بما حوله، ويبتعد عن الناس، كما أنه يهمل الدراسة والعمل تماماً حتى يفصل، ويجلس متقوقعاً داخل عالمه الوهمي" انتهى من كلام بعض الاختصاصيين.
وبالتأمل في حقيقة هذا المرض العقلي، وأعراضه يتبين أن مريض الفصام قد تعتريه في غالب أوقاته – أو كلها - ما يجعله يعيش في عالم آخر، وفي هذا الوقت لا يكون مكلَّفاً إلا أن تزول عنه تلك الحالة، وهذا كلام أحد الاختصاصيين في هذه المسألة:
قال الدكتور سيد البرجيسي - في بيان ما يعتري مريض الفصام من آثار لمرضه -:
"الضلالات: الضلالات عبارة عن اعتقاد خاطئ يؤمن به المريض إيماناً راسخاً يستحيل إقناعه منطقيّاً بعدم صحته، ولا تدل الضلالات على وجود تدهور بالذكاء، وليست له علاقة به، وأهم الضلالات الموجودة في مرض الفصام:
أ. ضلالات الاضطهاد: حيث يعتقد المريض أن الناس تتعقبه، وأن أجهزة الأمن تتبع كل خطواته، أو أن بعض الناس تكرهه، وتريد التخلص منه، سواء بوضع السم في الطعام وخلافه.
ب. ضلالات العظمة: يؤمن المريض أنه أذكى أو أقوى البشر، أو أنه رسول مرسل لهداية الناس، أو أنه عالِم، أو مخترع، أو أوتي قوة خارقة، أو يستطيع الكشف عن الظواهر الغيبية.
ج. ضلالات التأويل أو التلميح أو الإشارة: حيث يعتقد المريض أن كل حركة تصدر ممن حوله تكون للإشارة أو التلميح إلى تصرفاته، وهذا يجعله إما في حالة من الاحتكاك المستمر مع المجتمع، أو الانطواء والانعزال عن الناس.
د. ضلالات التأثير: يشعر المريض أنه تحت تأثير قوى داخلية أو خارجية ويصبح أسير هذه الأفكار التي تختلف من أشعة ليزر إلى ذبذبات صوتية أو لاسلكية وما شابه ذلك" انتهى.
والخلاصة: أنه بالنظر في حقيقة التكليف الشرعي، وحقيقة الأهلية، وعوارضها، وبالتأمل في طبيعة مريض الفصام وأعراضه وآثاره: نجد أنه مانع من موانع التكليف، لا سيما في مراحله المتأخرة المزمنة، أما في الحالة التي يدري فيها عن نفسه، ويسيطر على أفعاله وتفكيره فإنه يكون مكلفاً بما أمره الله به أو نهاه عنه.
وهذا الذي قلناه هو فيما يتعلق بحقوق الله تعالى كالصلاة والصيام والحج، أما فيما يتعلق بحقوق الآخرين فإنه يضمن ما أتلفه لهم من أموال، وتجب عليه الزكاة في أمواله، لأن هذه الواجبات لا يشترط لوجوبها التكليف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8167)
ما حكم الشرع في التداوي بلسع النحل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في التداوي بلسع النحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العلاج بلسع النحل يتم بالإمساك بالنحلة بواسطة ملقط وإبقائها حية لمدة تتراوح ما بين 15 و20 دقيقة لكي تلسع المريض وتضخ سمها في مجرى دمه، كما يمكن استعمال هذا السم عن طريق الحقن بسائل سم النحل المحضَّر، أو عن طريق تناوله بالفم على شكل أقراص أو كبسولات، كما سهِّل استعمال سم النحل وذلك على صورة مراهم وكريمات لعلاج التهاب المفاصل وغيرها من الأمراض الجلدية، ولا يستخدم هذا النوع من العلاج مع المرضى الذين لديهم حساسية تجاه سم النحل حتى لا يتعرض أحدهم لتأثيرات جانبية بعضها خطير.
وقد نجح التطبيب بسم النحل في التعافي من أمراض كثيرة مثل أمراض الروماتيزم، وضعف النظر، والجيوب الأنفية، وفقر الدم، وسرطان الغدد، وغيرها من الأمراض.
والعلاج بلسع النحل عرفه قدماء الأطباء، فقد ذكره أبو قراط في كتبه وعلاجاته، غير أننا لم نقف على نصوص لأهل العلم في حكم التداوي بلسع النحل، وقد رأينا أنها تدخل في بحوثهم في حكم التداوي بالسموم.
والذي يظهر من الواقع ومن كلام أهل الخبرة أن السموم ليست على درجة واحدة، وأن منها ما هو قاتل، ومنها ما ليس كذلك، وهذا الثاني إذا أُكثر منه صار قاتلاً، وذلك مثل سم النحل، فإنه ليس قاتلاً ابتداء لمن ليس عنده حساسية، لكنه إن بلغ حدّاً معيناً فإنه يكون قاتلاً.
ومن هنا نفهم بعض ما قاله بعض الشافعية والحنابلة من أن السم إن كان يضر كثيره: لم يحرم تناول يسيره.
انظر " الإنصاف " (10 / 354) و " المجموع " (9 / 37) .
ومن المعلوم أن تناول السم القاتل لا يجوز، بل هو من كبائر الذنوب.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وأما تناول السم من أجل التداوي: فقد اختلف العلماء فيه على قولين:
الأول: جواز التداوي بالسم إذا دعت الضرورة لذلك، وكان الغالب السلامة من أثره.
وهو قول جمهور الحنفية والمالكية الشافعية، وهو مذهب الحنابلة.
والثاني: حرمة التداوي بالسم، وهو قول بعض الحنفية والشافعية.
والراجح من القولين هو الأول، فالسموم أنواع وليس لها حكمٌ واحد، وهي تختلف بحسب نفعها والحاجة إليها، وقد أثبتت تجارب كثيرة فعالية سم النحل في العلاج.
قال المباركفوري رحمه الله:
"قال الماوردي وغيره: السموم على أربعة أضرب:
منها: ما يقتل كثيره وقليله: فأكله حرام للتداوي ولغيره، كقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .
ومنها: ما يقتل كثيره دون قليله: فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره، والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي: جاز أكله تداوياً.
ومنها: ما يقتل في الأغلب، وقد يجوز أن لا يقتل: فحكمه كما قبله.
ومنها: ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل: فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله، وفي موضع تحريم أكله، فجعله بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي" انتهى.
" تحفة الأحوذي " (6 / 167) .
وفي " كشاف القناع عن متن الإقناع " (4 / 264) :
"فَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ مَسْمُومًا وَغَلَبَتْ مِنْهُ السَّلَامَةُ وَرُجِيَ نَفْعُهُ أُبِيحَ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمَ مِنْهُ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ غَيْرِ الْمَسْمُومَةِ، وَدَفْعًا لِإِحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفَّ مِنْهَا" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وما فيه السموم من الأدوية: إن كان الغالب من شربه واستعماله الهلاك به أو الجنون: لم يبح شربه، وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى منه المنفعة: فالأوْلى إباحة شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية.
ويحتمل أن لا يباح؛ لأنه يعرض نفسه للهلاك، فلم يبح كما لو لم يرد به التداوي.
والأول: أصح؛ لأن كثيراً من الأدوية يخاف منه، وقد أبيح لدفع ما هو أضر منه" انتهى.
"المغني" (1 / 447) .
والخلاصة:
أنه يجوز التداوي بلسع النحل، وأن ذلك ينبغي أن يكون ذلك بإشراف طبيب أو مختص، حتى يكون بالقدر الذي يحتاج إليه المريض.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8168)
أهمية سورة الفاتحة، وذكر بعض فضائلها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أهمية سورة الفاتحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لسورة الفاتحة أهمية عظيمة، وفضائلها كثيرة، فمن ذلك:
- أنها ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بها؛ فروى البخاري (756) ومسلم (394) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) .
قال النووي:
"فِيهِ وُجُوب قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَأَنَّهَا مُتَعَيِّنَة لَا يُجْزِي غَيْرهَا إِلَّا لِعَاجِزٍ عَنْهَا , وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ" انتهى.
- أنها أفضل سورة في القرآن؛ فروى الترمذي (2875) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
- أنها السبع المثاني التي قال الله فيها: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الحجر/87، وروى البخاري (4474) عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ قَالَ له: (لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ) .
قال الحافظ:
" اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتهَا " مَثَانِي " فَقِيلَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى كُلّ رَكْعَة أَيْ تُعَاد , وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَقِيلَ لِأَنَّهَا اُسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّة لَمْ تَنْزِل عَلَى مَنْ قَبْلهَا , " انتهى.
- أنها جمعت بين التوسل إلى الله تعالى بالحمد والثناء على الله تعالى وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة.
انظر: "مدارج السالكين" (1/24) .
- أنها ـ مع قصرها ـ تشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.
انظر: "مدارج السالكين" (1/24-27) .
- أنها تشتمل على شفاء القلوب وشفاء الأبدان.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فأما اشتمالها على شفاء القلوب: فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال، فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان وهما الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها، فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة، لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه.
والتحقيق بـ (إياك نعبد وإياك نستعين) علماً ومعرفة وعملاً وحالاً يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد.
وأما تضمنها لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة، وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة.
فأما ما دلت عليه السنة: ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب ... " فذكر حديث الرقية بالفاتحة " ثم قال:
"فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء.
هذا مع كون المحل غير قابل، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين، أو أهل بخل ولؤم، فكيف إذا كان المحل قابلاً؟ انتهى.
"مدارج السالكين" (1/52-55) .
ثم قال:
"كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني، وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط، جربت ذلك مراراً عديدة، وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء" انتهى.
"مدارج السالكين" (1/ 58) .
- أنها تشتمل على الرد على جميع المبطلين من أهل الملل والنحل، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة.
وهذا يعلم بطريقين: مجمل ومفصل:
وبيان ذلك: أن الصراط المستقيم متضمن معرفة الحق وإيثاره وتقديمه على غيره ومحبته والانقياد له والدعوة إليه وجهاد أعدائه بحسب الإمكان.
والحق هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما جاء به علماً وعملاً في باب صفات الرب سبحانه وأسمائه وتوحيده وأمره ونهيه ووعده ووعيده، وفي حقائق الإيمان التي هي منازل السائرين إلى الله تعالى، وكل ذلك مسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون آراء الرجال وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم.
"مدارج السالكين" (1/58) .
- أن سورة الفاتحة قد تضمنت جميع معاني الكتب المنزلة.
"مدارج السالكين" (1/74) .
- أنها متضمنة لأنفع الدعاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: (إياك نعبد وإياك نستعين) " انتهى.
"مدارج السالكين" (1/78) .
وبالجملة: فسورة الفاتحة مفتاح كل خير وسعادة في الدارين.
قال ابن القيم رحمه الله:
" فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني والشفاء التام والدواء النافع والرقية التامة ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك.
ولما وقع بعض الصحابة على ذلك رقى بها اللديغ فبرأ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أدراك أنها رقية) .
ومن ساعده التوفيق وأُعِين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها موقوفة على التحقق بها؛ أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه " انتهى.
"زاد المعاد" (4/318) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8169)
هل هناك دعاء أو علاج نبوي يمنع من تساقط الشعر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك الكثير من المسلمات اللاتي يعشن بالغرب يعانين من سقوط الشعر، فهل هناك من دعاء أو شفاء أجراه النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه في علاج سقوط الشعر؟ وهل يجدي الشرب من ماء زمزم، أو غسل فروة الرأس به مرة يوميا؟ وقد سمعت أن شرب حمض التفاح، أو شرب الخل، يساعد في علاج سقوط الشعر، فما حكم اللجوء لممارسة تلك الأمور وهل هي حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم علاج أو دعاء خاص لسقوط الشعر.
وماء زمزم من المياه المباركة التي يرجى لمن شرب منها، بنية الشفاء مما يعانيه من أمراض، أن يجيب الله دعاءه، ويعافيه مما ابتلي به.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ) . رواه مسلم (2473) ، والبزار (1171) والطبراني في الصغير (295) ، وزيادة (وَشِفَاءُ سُقْمٍ) ليست عند مسلم، وقد صححها الهيثمي وابن حجر والألباني، ينظر: مجمع الزوائد (3/289) ، المطالب العالية (2/66) ، صحيح الترغيب والترهيب (1162) .
وفي سنن ابن ماجه (3062) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) ، وحسنه الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله: " وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله ". زاد المعاد (4 / 319) .
وكان عليه السلام يحمل ماء زمزم في الأَدَاوَى وَالْقِرَبِ، وَكَانَ يَصُبُّ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ.
رواه البيهقي في السنن الكبرى (5/202) وصححه الألباني في الصحيحة (883) .
وأما استعمال حمض التفاح، أو شرب الخل، لعلاج سقوط الشعر، فهو أمر طبي، فيرجع فيه لأهل المعرفة والاختصاص فيه، فإن ثبت نفعه في ذلك، فلا حرج في استعماله.
نسأل الله أن يعافيك، ويعافي مرضى المسلمين من كل مكروه وسوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8170)
حكم زراعة الشعر إذا أخذت البصيلات من شخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت إجابة الأسئلة المتعلقة بحكم زرع الشعر. وسؤالي هو هل يجوز أن يزرع الشعر من شعر شخص آخر؟ ليست على شكل باروكة وإنما زراعة طبيعية ولكن عن طريق الأخذ من شعر شخص أخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زرع الشعر: هو عبارة عن نقل بصيلات الشعر من منطقة إلى أخرى، ولا حرج في ذلك، لأنه من إزالة العيب لا من تغيير خلْق الله عز وجل.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ،الموافق 9– 14تموز (يوليو) 2007م، بشأن عمليات التجميل، في بيان ما يجوز منه: " إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كلياً حالة استئصاله، أو جزئياً إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة " انتهى
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: تتم زراعة شعر المصاب بالصلع، وذلك بأخذ شعر من خلف الرأس وزرعه في المكان المصاب، فهل يجوز ذلك؟
فأجاب: "نعم، يجوز؛ لأن هذا من باب ردّ ما خلق الله عز وجل، ومن باب إزالة العيب، وليس هو من باب التجميل أو الزيادة على ما خلق الله عز وجل، فلا يكون من باب تغيير خلق الله، بل هو من رد ما نقص وإزالة العيب، ولا يخفى ما في قصة الثلاثة النفر الذي كان أحدهم أقرع وأخبر أنه يحب أن يرد الله عز وجل عليه شعره فمسحه الملك فردَّ الله عليه شعره فأعطي شعراً حسناً" انتهى من " فتاوى علماء البلد الحرام" ص (1185) .
والحديث الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله رواه البخاري (3277) ومسلم (2964) .
والذي يظهر: أنه لا فرق بين أخذ بصيلات الشعر من الشخص نفسه، وبين أخذها من غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8171)
حكم الاستمناء للعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الاستمناء باليد محرم، لكن لو اضطر الإنسان لذلك حسب أمر الطبيب لتحليل أو علاج أو غيره. أفيجوز أن يفعله بنفسه أم يفعله له غيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"العادة السرية وهي الاستمناء باليد محرمة، ولا تجوز، وهي داخلة في قوله تعالى: (فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) المؤمنون/7، والله سبحانه قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون/5، 6، ثم قال بعد هذا: (فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) المؤمنون/7.
فالاستمناء باليد داخل في هذا، وفي ذلك مضار كثيرة بَيَّنها أهل الطب، فيجب الحذر من ذلك، وهذا محرم على الرجل والمرأة جميعاً.
لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك من جهة الأطباء ليعرفوا منيه، وما فيه من مرض، فهذه حاجة عارضة، فلا بأس أن يستمني بيده للحاجة، أما أن يعتاد ذلك كما يفعله بعض السفهاء فهذا لا يجوز، والواجب الحذر من ذلك، أما إذا دعت الحاجة إلى العلاج، للإشراف على منيه وعلاجه فلا بأس به" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/648)(5/8172)
كيف يتعامل الإسلام مع السيطرة على الأمراض المعدية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتعامل الإسلام مع السيطرة على الأمراض المعدية / الوقاية منها؟ هل توجد أية سورة في القرآن الكريم تتناول التدابير الوقائية التي يجب أن تعمل للسيطرة على العدوى أو منعه؟ اليهود، على سبيل المثال، لديهم كتابا يقال له " Book of Leviticus" وهو يختص بمثل هذه الأمور.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على الإنسان أن يتوقع الآهات والآلام التي توقعه في شيء من الأمراض المعدية والفتاكة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُورد ممرض على مصح) والممرض الذي يملك الإبل المريضة بالجرب ونحوه، أي أن من يملك إبلا مريضة عليه ألا يرد الأرض أو الماء الذي يرده من يملك إبلا صحيحة، مخافةَ أن ينتقل المرض من الإبل المريضة إلى الإبل الصحيحة فيعمّ المرض.
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (فِرّ من المجذوم فرارك من الأسد) والمجذوم هو الذي أصيب بمرض الجذام وهو عبارة عن قروح سيئة ينتشر أثرها بإذن الله.
ونحن نعتقد بأن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا عدوى ولا طيرة) أي: أنها ليست تعدي بنفسها ولكن الله هو جعلها منتقلة، فجعل فيها ما تكون مسببة لانتقال المرض من شخص إلى آخر، فتكون المخالطة سبباً في ذلك، فيتجنب الإنسان الأسباب التي ينتقل بها المرض عملا بالأحاديث.
ولا شك أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وقد أنكر الله عز وجل على الذين يتطيرون بقوله سبحانه: (فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) أي يقولون: هذا بشؤم موسى ومن معه، وما أصابنا إلا بسبب شؤمهم وشرّهم، فأنكر الله عليهم بقوله تعالى: (أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) . والأدلة واضحة بأن الأمراض إذا حصل المخالطة لأهلها يحصل بإذن الله الانتقال، وقد يحصل الاختلاط دون العدوى بتوفيق الله.
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (137801) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/8173)
قررت عدم الزواج لأنها مصابة بالتهاب الكبد الوبائي (B) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني مصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي فيروس (B) وهو يسبب الكثير من المشاكل من تليف الكبد وسرطان الكبد وهذا الفيروس خامل عندي ومع هذا يمكن أن ينتقل إلى أي شخص آخر عن طريق الدم واللعاب والالتقاء الجنسي والولادة ومن الممكن إعطاء تحصين للزوج إذا كانت زوجته تحمل هذا الفيروس أو العكس وهذا التطعيم يعمل بنسبة 90 % وأيضاً يمكن تحصين الأطفال الذين يولدون ونسبة عمل هذا التحصين 95%. وبرغم أن هذا التحصين يؤثر جداً فإنني لا أزال أحمل خطراً لأسرتي الجديدة إذا تزوجت لأن هذا التحصين غير مضمون. ولهذا فقد قررت عدم الزواج. في ضوء ما تقدم هل هذا هو أفضل قرار بالنسبة لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصح بالعلاج النافع لهذا الوباء بما يزيله ويبرئ منه براءة كاملة، (فإن الله تعالى ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاءً علمه من علمه، وجهله من جهله) ثم ننصح بعد ذلك بالزواج وترك التبتل مع الاعتماد على الله في أنه يشفي من كل مرض، وأنه لا ينتقل المرض إلا بإرادة الله تعالى، فليست الأمراض تُعدي بطبعها، وإنما بالقضاء والقدر، ثم ننصح أيضاً بإعطاء التحصين للزوج الذي يخفف نسبة الانتقال والعدوى، وكذا تحصين الأطفال الذين يولدون من هذه المرأة، كما ننصح بالابتعاد عن أسباب الخطر والانتقال سواء عن طريق الدم أو اللعاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فِرَّ من المجزوم فرارك من الأسد) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/8174)
لكي تتقن التخصص لا بد من العمل في مستشفى مختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[عمل المرأة طبيبة في عيادتها للنساء ليس فيه اختلاط؛ ولكن لكي تتعلم التخصص الطبي نفسه وتصبح ماهرة فيه لابد من قضاء عدة سنوات بعد الكلية من التعلم في المستشفيات والذي لابد فيه من الاختلاط بالأطباء وملازمتهم حتى تتقن هذا التخصص، فهل ذلك يجوز باعتبار أنها ستعمل بعد ذلك في العيادة فقط بدون العمل في المستشفي؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك في الحاجة الماسة لوجود طبيبات ماهرات خاصة في التخصصات الطبية المتعلقة بالنساء، ومما يؤسف له أن أغلب المستشفيات لا تخلو من الاختلاط بين الرجال والنساء، وهذا من الأمور المحرمة التي سبق بيانها، كما في السؤال (69859) .
فإذا تعذر على المرأة تعلم التخصص الطبي الذي تحتاجه، أو يحتاجه الناس إلا في أماكن مختلطة؛ رخص لها في ذلك؛ شريطة أن تلتزم بالأحكام والآداب الشرعية من الحجاب الساتر، وغض البصر، وعدم الخلوة بأحد الرجال، والابتعاد عن المحادثات الجانبية التي تخرج عن طبيعة العمل، وعدم التبسط في الكلام مع الرجال.
على أن الذي ننصح به ابتداء: أن من لم يُبتل بهذه الدراسة، وما زال في الخيار، فإنه يتحرى أبعد الأمور عن المحاذير الشرعية، خاصة وأن مقدار الكفاية وسد الحاجة سوف يقوم به غيره، فعليه هو أن يحتاط لنفسه.
وأما من شرع في ذلك فعلاً، فنرجو أن لا يكون عليه حرج في إتمام ما بدأ، خاصة إذا كان قد قطع فيه شوطاً كبيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8175)
حكم زراعة الرحم والمبيض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زرع الرحم والمبيض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
زراعة الرحم للمرأة التي فقدت رحمها أو القدرة على الإنجاب لا حرج فيه.
وقد صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي جاء فيه: " زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية ـ ما عدا العورات المغلظة ـ جائز لضرورة مشروعة، ووفق الضوابط والمعايير الشرعية ". انتهى.
" قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" صـ121.
والرحم لا يحمل شيئاً من الصفات الوراثية التي يخشى انتقالها للمنقولة إليها، وإنما هو عبارة عن وعاء ينمو فيه الجنين.
ثانياً:
" المبيض هو عضو التأنيث في المرأة، والذي يقابل الخصية في الرجل، ويقوم المبيض بوظيفتين:
أولاهما: كغدة تفرز الهرمونات الأنثوية الضرورية لأنوثة المرأة.
وثانيتهما: إنتاج البويضات، في سن البلوغ إلى سن اليأس، اللازمة لحدوث الحمل في وجود الحيوانات المنوية الذكرية.
وهذه البويضات تحمل الصفات الوراثية، وتختلف من امرأة لأخرى، وإذا فُرض ونجحت هذه العملية ... ونُقل مبيض امرأة إلى أخرى، فإنه يحمل الصفات الوراثية من امرأة إلى امرأة غريبة عنها تماماً، وبالتالي فذلك يعتبر خلطاً في الأنساب ". انتهى.
" مجلة مجمع الفقه الإسلامي " (6/3/1980) .
فالمبيض هو المسئول عن صناعة البويضة، وهي بذرة المرأة التي منها تنتقل خصائصها وخصائص أصولها إلى ذريتها.
ولذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بتحريم زراعة المبيض، جاء فيه:
" بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه، حتى بعد زرعهما في متلق جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً ". انتهى.
" قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" صـ 121.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8176)
منع التنفس الصناعي عن المريض وحكم قتل الرحمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستأنس برأيكم في رأي مجموعة من الأطباء الذين يقومون بالإشراف على علاج والدتي المريضة بعدة أمراض والتي تسببت بدخولها لقسم العناية المركزة بالمستشفى لمرتين في حالة خطرة مما استدعت وضع جهاز التنفس الصناعي لها في المرتين لعدة أيام وأصيبت بالشلل النصفي، والحمد لله هي الآن بخير وتتنفس بشكل طبيعي. فوجئنا أنا وإخوتي بطلب الأطباء أن نوافق على عدم إسعاف والدتي بجهاز التنفس الاصطناعي مرة أخرى في حال احتاجت إليه بحجة إننا سنكون السبب في عذابها من صعوبة إدخال أنبوب الجهاز إلى الرئة وأن لا رجاء في شفائها، وأن هذا هو الرأي العلمي لديهم. (مع العلم بأن جميع الأطباء مسلمون) ووالدتي بخير في الوقت الحاضر، وتتكلم معنا بشكل طبيعي، وقمنا أنا وإخوتي باستنكار يئسهم، ورفضنا قبول مجرد التفكير بهذا الحل الذي لديهم. وكل ما نحتاجه هو الرأي منكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز رفع أو منع جهاز التنفس الصناعي عن المريض إلا في حال الجزم بأنه في حكم الميت لتعطل جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، أو لتوقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً بحيث يحكم الأطباء بأن هذه التوقف لا رجعة فيه.
وقد جاء في قرار المجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24/2/1408هـ: " المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء، أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً، بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة " انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة الأردن من 8-13 صفر 1407هـ /11-16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م، بعد التداول في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع أجهزة الإنعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين: " يعد شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
1) إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذه التوقف لا رجعة فيه.
2) إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً، لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة " انتهى.
ثانياً:
لا يجوز ما يسمى بقتل الرحمة سواء كان بمنع الدواء عن المريض أو بغير ذلك من الوسائل، وهو من القتل المحرم الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر، ولا يستثنى من ذلك إلا ما سبق ذكره فيمن كان في حكم الموتى.
وأما منع الدواء الذي تتوقف عليه الحياة، بحجة التخفيف عن المريض وإنهاء تألمه ومعاناته فلا يجوز وهو من القتل المحرم.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (5 /495) قال: "ولا يجوز قتلها، أي: البهيمة، ولا ذبحها للإراحة، لأنها مال، ما دامت حية , وذبحها إتلاف لها، وقد نهي عن إتلاف المال، كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة أو المصلوب بنحو حديد؛ لأنه معصوم مادام حيا" انتهى.
ونسأل الله تعالى أن يشفي والدتكم ويعافيها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8177)
أحاديث توقيت الحجامة لم يصح منها شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحجامة في أيام السبت أو الجمعة مكروهة إذا صادفت 19 أو 17 أو 21؟ كما ورد حديث: (لا تحتجموا يوم الأربعاء، ولا الجمعة، ولا السبت، ولا الأحد) ، وهذا أصبح مهما بين مسلمي بريطانيا. أرجو التوضيح: هل هذه أحاديث ضعيفة أم صحيحة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في توقيت الحجامة أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله ومن فعله، وهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أحاديث تنص على أيام الحجامة المفضلة، وأنها أيام السابع عشر – خاصة إذا صادف يوم ثلاثاء -، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، وأيام الاثنين والخميس من أيام الأسبوع.
القسم الثاني: أحاديث تنهى عن الحجامة في أيام معينة من أيام الأسبوع: وهي أيام السبت، والأحد، والثلاثاء – وقد ورد أيضا الحث على الحجامة يوم الثلاثاء -، والأربعاء، والجمعة.
وقد أكثر الأئمة على ضعف أحاديث هذين القسمين كلها، وأنه لم يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض النصوص عنهم:
1- سئل الإمام مالك عن الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء فقال:
" لا بأس بذلك، وليس يوم إلا وقد احتجمتُ فيه، ولا أكره شيئا من هذا " انتهى باختصار.
" المنتقى شرح الموطأ " (7/225) نقله عن " العتبية ".
وجاء في " الفواكه الدواني " (2/338) من كتب المالكية:
" تجوز في كل أيام السنة حتى السبت والأربعاء , بل كان مالك يتعمد الحجامة فيها , ولا يكره شيئا من الأدوية في هذين اليومين , وما ورد من الأحاديث في التحذير من الحجامة فيهما فلم يصح عند مالك رضي الله عنه " انتهى.
2- يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله:
" ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء – يعني في توقيتها - إلا أنه أمر بها " انتهى.
نقله ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/215)
3- نقل الخلال عن الإمام أحمد أن الحديث لم يثبت.
نقله ابن حجر في "فتح الباري" (10/149) .
4- يقول البرذعي:
" شهدت أبا زرعة لا يُثبِتُ في كراهة الحجامة في يوم بعينه، ولا في استحبابه في يوم بعينه حديثا " انتهى.
"سؤالات البرذعي" (2/757)
5- وقال الحافظ ابن حجر - في شرح قول الإمام البخاري: " باب في أي ساعة يحتجم، واحتجم أبو موسى ليلا " -:
" وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج، ولا تتقيد بوقت دون وقت، لأنه ذكر الاحتجام ليلا " انتهى.
"فتح الباري" (10/149)
6- وقال العقيلي رحمه الله:
" وليس في هذا الباب - في اختيار يوم للحجامة - شيء يثبت " انتهى.
"الضعفاء الكبير" (1/150)
7- وقد عقد ابن الجوزي رحمه الله في كتابه "الموضوعات" (3/211-215) أبوابا كاملة جمع فيها هذه الأحاديث الواردة، ويعقبها بقوله:
" هذه الأحاديث ليس فيها شيء صحيح " انتهى.
8- ويقول الإمام النووي رحمه الله:
" والحاصل أنه لم يثبت شيء في النهي عن الحجامة في يوم معين" انتهى.
" المجموع " (9/69) وإن كان النووي يحسن حديث توقيت الحجامة في أيام السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين.
9- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" هذه الأحاديث لم يصح منها شيء " انتهى.
"فتح الباري" (10/149)
ثانيا:
استحب كثير من أهل العلم عمل الحجامة في أيام السابع عشر، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، اعتمادا على عدة حجج:
1- ورود ذلك بأسانيد صحيحة عن الصحابة رضوان الله عليهم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجمون لوتر من الشهر)
رواه الطبري في "تهذيب الآثار" (رقم/2856) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس به.
وهذا إسناد صحيح. قال أبو زرعة: أجود شيء فيه حديث أنس: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجمون لسبع عشرة، ولتسع عشرة، وإحدى وعشرين) "سؤالات البرذعي" (2/757)
وروى الطبري أيضا بعد الأثر السابقة عن رفيع أبو العالية، قال: (كانوا يستحبون الحجامة لوتر من الشهر)
وعن ابن عون، قال: (كان يوصي بعض أصحابه أن يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة) قال أحمد: قال سليم: وأخبرنا هشام، عن محمد أنه زاد فيه: وإحدى وعشرين.
ولعل اعتياد الصحابة لذلك كان عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، مما يشعر بأن لهذه الأحاديث المرفوعة أصلا؛ بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى تقوية بعض الأحاديث المرفوعة في ذلك،، كالإمام الترمذي حين أخرج حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين) رقم (2051) ، قال: حديث حسن.
وكذلك فعل بعض المتأخرين كالسيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/279-280) ، وابن حجر الهيتمي في فتاواه (4/351) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/622، 1847) .
وإن كان ما قدمناه من نصوص الأئمة على تضيعف المرفوع أقوى وأظهر.
2- تأييد ذلك من جهة الطب:
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله – بعد أن أورد أحاديث الحجامة في السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين -:
" وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء: أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره.
وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره.
قال الخلال أخبرني عصمة بن عصام قال حدثنا حنبل قال كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت " انتهى.
"زاد المعاد" (4/54)
أما بالنسبة لاختيار أيام الأسبوع للحجامة فلم يثبت شيء من ذلك من جهة الطب، فيما نعلم، وإن كان ورد عن بعض الصحابة ذلك، وثبت عن الإمام أحمد أنه كان يتوقى الحجامة يومي السبت والأربعاء، نقل ذلك ابن القيم في " زاد المعاد " (4/54) عن الخلال.
قال ابن مفلح، رحمه الله:
" تكره الحجامة في يوم السبت ويوم الأربعاء نص عليهما في رواية أبي طالب وجماعة وزاد أحمد رواية محمد بن الحسن بن حسان ويقولون يوم الجمعة وهذا الذي قطع به في المستوعب وغيره.
وقال المروذي: كان أبو عبد الله يحتجم يوم الأحد ويوم الثلاثاء.
قال القاضي: فقد بين اختيار يوم الأحد , والثلاثاء وكره يوم السبت , والأربعاء وتوقف في الجمعة. انتهى كلامه ,
والقاعدة أنه إذا توقف في شيء خرج فيه وجهان.
وعن الزهري مرسلا (من احتج يوم السبت , أو يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه.) ذكره أحمد واحتج به، قال أبو داود وقد أسند ولا يصح.
وذكر البيهقي أنه وصله غير واحد وضعف ذلك , والمحفوظ منقطع انتهى كلامه.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن مكحول مرسلا. , والوضح: البرص.
وحكي لأحمد أن رجلا احتجم يوم الأربعاء واستخف بالحديث وقال ما هذا الحديث؟ فأصابه وضح , فقال أحمد: "لا ينبغي لأحد أن يستخف بالحديث " رواه الخلال.
وعن ابن عمر مرفوعا (أن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى منه) رواه البيهقي بإسناد حسن وفيه عطاف بن خالد وفيه ضعف ". انتهى.
الآداب الشرعية، لابن مفلح (3/333) .
وكذلك ورد عن ابن معين وعلي بن المديني نحو من ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8178)
حكم استعمال نبتة " كف مريم " للحامل لتسهيل ولادتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ورد يسمَّى بـ " ورد مريم "، تعتقد العائلة أنه عندما تُغمر في الماء، وتوضع بجانب المرأة التي على وشك الولادة: فإنها بمجرد أن تتفتح حتى تساعد المرأة في تسهيل ولادتها! فأنا أظن أن هذه خرافة، وأنها تصرف الشخص عن التوكل على الله، مع أن أختي قالت: إنها جربتْها فنجحت معها، فما هي نصيحتكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أصبت في ظنك أن هذه " خرافة "؛ إذ لا تعلق لتفتح وردة بجانب امرأة حامل على وشك الوضع بتسهيل عملية الولادة.
ولعل اللبس حصل عند العائلة نتيجة الخلط بين " ورد مريم " , و " كف مريم "، فالأول وهو الوارد في السؤال، خرافة كما سبق، وأما نبتة " كف مريم " فهي التي لها تعلق بالولادة، حيث ثبت أنها تساعد المرأة في ولادتها.
ويعرف نبات " كف مريم " علميّاً باسم: " Anastatica hierochuntica "، وهي تستعمل في علاج " نزلات البرد " عند الأطفال عن طريق التبخير، ويُشرب منقوعها لتسهيل عملية الولادة في حال تعسرها.
قال الدكتور جابر بن سالم القحطاني – وهو من المختصين في الأعشاب -:
" كف مريم " هو نبات يشبه في شكله الكف المقبوض، ويستعمل عند الشعور بالطلْق، حيث تسحق نصف حبة واحدة، وتنقع في ملء كوب ماء بارد، لمدة 4 ساعات، ثم يصفَّى، ويشرب الماء مرة واحدة فقط.
جريدة الرياض، الاثنين 28 ربيع الأول 1428هـ، 16 إبريل 2007 م، العدد (14175) .
ويُعتقد أن التسمية جاءت من أسطورة تدعي أن مريم عليها السلام كانت تقبض بيدها عليها أثناء ولادتها! .
وهذه صورة النبتة:
http://www.khayma.com/hawaj/HERBPIC2/KFMRYM.JPG
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8179)
يعمل ممرضا في مستشفى ويضطر إلى لمس النساء عند العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ممرضاً في مصلحة للأمراض التنفسية في المستشفى, ويوجد بها الرجال في جانب والنساء في جانب آخر, حيث اضطر إلى لمس النساء المرضى لتلقي العلاج فقط بدون أي نية أخرى. ولا استطيع أن انتقل إلى مصلحة أخرى لان كل المصالح تعمل بنفس هذا النظام. السؤال: هل هذا حرام؟ وإذا كان حراما فهل راتبي حرام أيضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يكون علاج المرأة وتمريضها على يد طبيبة وممرضة، لما يقتضيه العلاج من نظر وفحص، لكن إذا لم توجد الطبيبة أو الممرضة، جاز أن يتولى ذلك رجل، ولا شك أن وجود الممرضات أمر سهل ميسور لو أراد القائمون على المستشفيات ذلك، ومما يحزن ويؤلم أن بعض المستشفيات يوكل فيها للمرضات تمريض الرجال، وللمرضين معالجة النساء، وهذا دليل على ضعف الدين، وعدم المراقبة، وعدم الاهتمام بأحكام الشرع.
ولهذا ننصحك بالسعي الحثيث ليقتصر عملك على تمريض الرجال فقط، ولو اقتضى ذلك الانتقال إلى مصلحة تقبل ذلك، فإن لم تجد فلا حرج عليك من الاستمرار في عملك، ومعالجة النساء، ولكن بشرط أن تتقيد بالضوابط الآتية:
2- ألا تنظر إلا لما تدعو إليه الحاجة، وأن تتقي الله تعالى في ذلك، وتوقن بأن الله يراك، ويحصي عملك.
3- ألا تمس شيئا من بدن المريضة من غير حائل، فتلبس قفازات اليد عند تمريض النساء دائما، وألا تمس مع ذلك إلا ما تدعو الحاجة إلى مسه.
4- أن يقتصر كلامك مع المريضة على قدر الحاجة.
5- عدم الخلوة مع المريضة في غرفة الفحص أو الأشعة أو غيرها، بل يلزم أن يكون معها محرمها، أو امرأة يحصل بوجودها الحشمة، كأمها مثلا، أو وجود غيرها من النساء المريضات.
وينظر جواب السؤال رقم (9989) ورقم (112061) .
ونسأل الله تعالى أن يعفو عنك، وييسر لك أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8180)
ليس في بلدها طبيبة فهل تلد عند خالها الطبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أنا حامل في شهري الثالث والبلد التي أنا فيها ليس فيها طبيبات نساء الموجود رجال وخالي "اخو أمي" طبيب نساء وعنده مستشفي كبيرة في بلدي فهل علي من إثم إذا تابعت ووضعت عنده ام اذهب إلي طبيبة في بلد آخر علما أن هذا سيسبب لي مشاكل مادية وصحية لان السفر بالطبع مضر للحامل خاصة في الشهور الأخيرة؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يكون علاج المرأة وتداويها على يد امرأة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 5693 ورقم 120224
ويجوز التداوي عند طبيب رجل عند عدم وجود طبيبة مسلمة أو كافرة، أو عند الحاجة إلى مهارة ومزيد تخصص لا يوجدان لدى طبيبة.
وإذا كان الأمر كما ذكرت من عدم وجود طبيبة في بلدك وأن ذهابك إلى بلد آخر سيسبب لك مشاكل صحية ومادية، فلا حرج في ذهابك إلى طبيب رجل سواء كان خالك أو غيره، وينبغي أن يهيئ من الممرضات من تقوم بمباشرة توليدك وصونك عن نظر الطبيب الرجل إلا عند الحاجة الماسة لذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8181)
تعاني من انسلاخ في جلدة الرأس والأذن ونصحها الأطباء بخلع الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أخت لنا تقول إنها مصابة بمرض لم يعرف اسمه بعد وهو كالتالي: انسلاخ في جلدة الرأس من أسفله حول الأذن وكذلك الأذن وترشح الدم منه بالإضافة إلى ارتفاع في حرارة هذه المنطقة فهل يجوز لها أن تخلع حجابها أو أن لا تلتزم به في جميع الأوقات علما أنها تروي أن جميع الأطباء نصحوها بخلع الحجاب وترك المنطقة مكشوفة وذلك لأن الحجاب يزيد من هذه الحالة حسب تعبيرها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المرأة ستر رأسها وجميع بدنها عن الرجال الأجانب لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59، ولأدلة أخرى سبق بيانها في جواب السؤال رقم 11774
فالحجاب فريضة محكمة على كل مسلمة.
وإذا كان الأمر كما ذكرت من تضرر هذه الأخت بتغطية جزء من رأسها أو تغطية أذنها، فإن عليها أن تقرّ في بيتها ولا تبرز أمام الرجال حتى يشفيها الله ويعافيها، فإن اضطرت للخروج لمصلحة ما فلتتخذ وسيلة لتخفيف احتكاك حجابها برأسها، ومنع ارتفاع حرارة هذا الجزء المصاب، وعليها أن تتقي الله تعالى، وتحرص على حجابها الذي هو عنوان حيائها، ورمز تمسكها بدينها.
نسأل الله تعالى أن يشفيها ويعافيها ويقضي لها خيرا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8182)
معاناة طبيب يضطر إلى فحص المريضات والكشف عليهن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بالسنة الخامسة بكلية طب جامعة القاهرة أصابني تيه شديد وتخبط. أنت تعرف حال الطب في كل مكان وما ينطوي عليه من مخالفات جسيمة أساسها ومنشؤها الاختلاط وعدم وضوح وتطبيق الضوابط الشرعية ونقطتي هي: إذا كان الطبيب ليس مخيرا في أن يكشف على المريضة من عدمه ... حيث إن رفضه يعتبر تجاوزا إداريا حتى وإن كانت الحالة لا تستدعي السرعة في اتخاذ القرار أو أي شبهة للاضطرار فهل يكشف ويفحص على كل من تدخل إليه حيث إن هذا عمله....؟ هذه الأولى وهي شرعية فقهية بالمقام الأول وقد تجيب علي فيها بتوضيح الضوابط الشرعية...... ولكن أريد هنا أن أسأل سؤالا وهذه النقطة قلبية إيمانية:يا شيخ إذا تكرر مني فحص المريضات- ولو بالضوابط- ولنقل مثلا خمس أو سبع حالات في اليوم في أي تخصص كان (باطنية-صدرية-عظام-قلب وغيره) فالكل يتضمن كشفا -فهل تكرار الكشف وان كان بضوابط شرعية....سيؤدي تبعا للتساهل فيما بعد حيث إن كثرة المساس تفقد الإحساس وأن من رأى كتفا أو ظهرا أو بطنا أو فخذا فانه يقينا بعد فترة لن يبالي إن وقعت عيناه على وجهها أو يدها-مع انتفاء الحاجة- ومع تكرار الأمر وطول السنين سيصبح الأمر عادة ومألوفاَ وخصوصا أن هناك دائما ممرضة معينة لكل طبيب تساعده في كشفه ومقرها داخل العيادة دوما فان قلنا انه سيغض بصره عن المريضة فكيف بممرضة ملازمة ولا تسأل عن الحجاب في مصر فالأمر على العلن وأبين من أن أقول فيه شيئا..والذي جعلني أفكر في هذا أني وجدت في كثير من المستشفيات إخوة ملتزمين يكلمون الممرضات هكذا وجها لوجه وربما ضاحكها والظاهر انه ملتزم وتكرر هذا الأمر أمامي فقلت لنفسي إنه الاعتياد والمعاشرة جعلته يألف ويتغافل فخفت أن أصل لهذا لأني بشر وأعتاد وآلف كما يألف البشر فقد وجدت نفسي بعد أربعة سنين في الكلية أن الإنكار الذي كان بقلبي خفتت حدته بعد أن كنت أجد ضيقا شديدا إذا اضطررت أن اجلس في قاعة مختلطة أو إذا تجاور مقعدي ومقعد فتاة عن غير عمد أو إذا سمعت ضحكات ومزاحا ماجنا ... أجد نفسي الآن وقد خف الأمر كثيرا وأقسم ومع ذلك فأنا في سقوط عجزت عن قيام الليل وسقطت النوافل والذكر والصدقة ولم يبق إلا صورة اللحية وصلوات مفروضة أنا فيها كالحاضر الغائب ... أبعد كل ذلك سيكون هناك اختلاط أشد وتعامل أقرب وتواصل غير مراقب وما أكد لي أن من سبقوني ممن هم أكبر مني سنا وهم إخوة ملتزمون أصبح الأمر عندهم مسلما به أن يكلم الممرضة وينظر إليها على ما تلبسه ويخاطب المريضة وينظر إليها حتى قبل أو بعد الفحص وقد حرمت عليه كل نظرة خلا الفحص.....وأسألك بالله أن لا تقول لي الرد المعهود: أنتركها لليهود والنصارى؟ طيب وهل أنا مسئول عن وضع لم أصنعه وليس بيدي تغييره ... احترت والله ما أدري ما أفعل وهل إذا سرت في هذا الأمر هل سيصلح قلبي لمعاملة الله وأنا أنظر للنساء بهذه الكيفية-يا شيخ أقسم بالله ثم أقسم بالله أن الشهوة ليست هي محركي للكتابة إليك ولكن خوفي من أن أقع فيما يزيدني عن الله بعدا كمن يربأ بنفسه عن مجلس الغيبة مثلا لم يدفعه إلا أنه لا يريد أن يغضب الله- وقد أصبحت نفسي مصدودة بشدة عن الدراسة فما أدري أسوف أتركها وأضيع كل تلك السنوات أم سوف أكمل وأقبل الأمر كما هو ... ويغيظني أن هناك ملايين سبقتني وما أنا بأتقاهم ولا أخوفهم لله ولا أورعهم فلم لم أسمع ذلك عن أحد منهم وهل أنا أضخم الموضوع وأعطيه أكبر من حجمه؟ بالله عليك هي استشارة واستدلال على ما يرضي الله مني فإن علمته فقل هذا هو ما يرضي الله فافعله ولو كان في ترك الكلية أو الثانية وهي الأصعب على نفسي وألخص لك استفساري:, هل يجوز لي أن أكشف على كل مريضة تدخل حتى إذا أردت أنا الامتناع أو كانت هي لا تريد وليس من حقها رفض الطبيب والآخر: أنا خائف من أن يضمحل إنكار المنكر في قلبي شديدا وأعتاده وآلفه حيث إنه لا سبيل إلى تفاديه-أنا لم أقصد خوف شهوة في المقام الأول وإن كان واردا_]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء أصل كل فساد خلقي في المجتمعات، ومن الأسباب الرئيسية لانتشار الفساد والرذيلة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
"فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب" انتهى.
"الاستقامة" (1/361) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة" انتهى.
"الطرق الحكمية" (ص 408) .
ومن أعظم صور الاختلاط الفاحش المعلن بالرذيلة: اختلاط الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات؛ حيث يتسنى للجنسين التباحث والتحادث والنظر والمضاحكات وسائر الإسفافات.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك المحرمات" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/181-182) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الاختلاط في المدارس والجامعات والمعاهد أخطر من الاختلاط في الأسواق؛ وذلك لأن الرجل والمرأة يجلسان مدة طويلة للاستماع إلى الدرس ويخرجان جميعاً إلى أسياب المدرسة أو المعهد أو الكلية فالخطر فيه أشد، فنسأل الله أن يحمي شعوب المسلمين من كل سوء ومكروه" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (12/83) .
والواجب على المسئولين تخصيص دور للتعليم للطلاب، وكذا الطالبات، منعا لهذا الفساد أن ينتشر ويستشري في المجتمعات.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"فعلى ولاة الأمور أن يخصصوا للطلاب معاهد ومدارس وكليات وكذا الطالبات، محافظة على الدين، ومنعا لانتهاك الحرمات والأعراض والفوضى في الحياة الجنسية وبذلك يتمكن ذوو الغيرة والدين من الانتظام في سلك التعليم والتعلم دون حرج أو مضايقات. وإذا لم يقم ولاة الأمور بواجبهم، ولم يتم فصل الذكور عن الإناث في دور التعليم، ولا الأخذ على أيدي الكاسيات العاريات لم يجز الانضمام في سلك هؤلاء إلا إذا رأى الشخص من نفسه القدرة على تقليل المنكر، وتخفيف الشر ببذل النصح والتعاون في ذلك مع أمثاله من الزملاء والأساتذة، وأمن على نفسه من الفتنة" انتهى. .
"فتاوى إسلامية" (3/129) .
ثانياً:
قولك: إذا كان الطبيب ليس مخيرا في أن يكشف على المريضة من عدمه ... حيث إن رفضه يعتبر تجاوزا إداريا حتى وإن كانت الحالة لا تستدعي السرعة في اتخاذ القرار أو أي شبهة للاضطرار فهل يكشف ويفحص على كل من تدخل إليه حيث إن هذا عمله....؟
فالجواب:
لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند الاضطرار كتعذر وجود طبيبة، وعليه: فعلى الطبيب المسلم أن يراعي ذلك ما أمكن، فإن تعذر عليه ذلك، واضطر إلى الكشف، جاز له أن يكشف، بشرط انتفاء الخلوة المحرمة أو الشهوة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاما أن يتم الفحص: يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرا، يعني هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يقيم الحالة تقييما تاما يقتضي أن يفحص.
فأجاب:
"الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن فهذه حاجة ولا بأس بها" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (1/206) .
ثالثاً:
أما عن تكرر فحص المريضات يوميا، فهو أمر جالب لبلادة الحس وموت الشعور.
ولا شك أن الإشفاق من مثل ذلك من الإيمان.
غير أن هاهنا أمرا لا بد من مراعاته: وهو أنك يا أخي في السنة الأخيرة بالنسبة لدراستك، فتصبر واستعن بالله تعالى حتى تنهي دراستك وحاول بقدر ما تستطيع أن تبتعد عن هذه القبائح التي لا ضرورة إليها.
أما ترك الكلية، وإنهاء ادراسة فلا ننصح به، وحيث إنك عانيت مدة سنين مضت هذه المعاناة، واحتملتها وأنت كاره لها، فلتكمل مشوار الدراسة بنفس المعاناة، صابرا محتسبا، مراقبا لربك في كل ما تقول وتفعل، فإنه لم يبق لك على الانتهاء سوى أشهر قلائل، ثم تنفرد بأمرك، وتختار لنفسك، دون أن يرغمك أحد على سوء الاختيار.
ولترك الدراسة مفاسد كثيرة، مما يخصك شخصيا، ويخص أهل بيتك، ومن يحبك من إخوانك وأقاربك.
رابعاً:
أما التحادث مع الممرضات، والخلوة بهن، والنظر إليهن بغير حاجة، فضلا عن ممازحتهن، فلا يجوز، وحصول هذا ممن ظاهره يدل على الديانة؛ يدل على مرض القلب، وعدم سلامته.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
أنا طبيب في غرفة الكشف ترافقني ممرضة في نفس الغرفة , وحتى يحضر مريض يحصل بيننا حديث في أمور شتى , فما هو رأي الشرع في هذا؟
فأجاب:
"لا يجوز لك الخلوة بالمرأة , ولا يجوز أن يخلو ممرض أو طبيب بممرضة أو طبيبة , لا في غرفة الكشف , ولا في غيرها , لما يفضي إليه ذلك من الفتنة إلا من رحم الله , ويجب أن يكون الكشف على الرجال للرجال وحدهم , وعلى النساء للنساء وحدهن" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (9/431) .
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم: (69859) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8183)
قد يقوم بتوليدها في المستشفي طبيب فهل تلجأ للعملية القيصرية لتلد عند طبيبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مغتربة في بلد غربي، وحامل وقريبا ستكون الولادة إن شاء الله، هل أختار الولادة الطبيعية علما بأنه غير مضمون وجود طبيبة وقتها فقد يكون طبيباً. أم أختار ولادة قيصرية لأني ممكن أتحكم في اختيار طبيبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل أن يكون علاج المرأة على يد امرأة، ما لم تدعو الحاجة إلى العلاج على يد رجل، وذلك وفق ضوابط وشروط سبق بيانها في جواب السؤال رقم 120224 ورقم 5693، ومما جاء فيه: " يقدَّم في علاج الرجال الرجال، وفي علاج النساء النساء، وعند الكشف على المريضة تُقدّم الطبيبة المسلمة صاحبة الكفاية، ثمّ الطبيبة الكافرة، ثمّ الطبيب المسلم، ثمّ الطبيب الكافر، وكذلك إذا كانت تكفي الطبيبة العامة فلا يكشف الطبيب ولو كان مختصا، وإذا احتيج إلى مختصة من النساء فلم توجد جاز الكشف عند الطبيب المختص، وإذا كانت المختصة لا تكفي للعلاج وكانت الحالة تستدعي تدخّل الطبيب الحاذق الماهر الخبير جاز ذلك، وعند وجود طبيب مختص يتفوّق على الطبيبة في المهارة والخبرة فلا يُلجأ إليه إلا إذا كانت الحالة تستلزم هذا القدر الزائد من الخبرة والمهارة".
ثانيا:
الولادة القيصرية لا تخلو من مخاطر وأضرار، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 92831
ولهذا؛ ننصحك بعدم اللجوء إليها، بل فوضي أمرك إلى الله تعالى، وسلي الله أن ييسر لك وجود طبيبة متقنة لا تحتاجين معها إلى وجود طبيب..
فإذا لم يوجد، واضطررت لقبول طبيب رجل فنرجو أن لا يكون عليك حرج إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله أن ييسر لك أمرك، ويقضي لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8184)
حكم إجراء عملية لتجميل الأنف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل عملية تجميل للأنف ولبعض العاهات التي تعمل على جعل الإنسان مقبولا في مظهره شيئا ما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الضابط في عمليات التجميل: أن ما كان للتجميل وزيادة الحسن فهو محرم، وما كان لإزالة عيب أو تشويه فهو جائز.
وينظر: سؤال رقم (47694) ، وقد ذكرنا فيه:
" إذا كان بالأنف عيب أو تشويه، وكان المقصود من العملية الجراحية إزالة هذا العيب، فهذا لا بأس به.
أما إذا كان المقصود هو مجرد الزيادة في التجميل والحسن فلا يجوز إجراء هذه العملية ".
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/59) : " أحد زملائي تزوج بتوفيق الله وحمده، وجاءني يقول:
إن زوجته تريد عملية تجميل بالوجه والصدر؛ لأن أنفها كبير وعريض، وتريد تصغيره بطرق سهلة وصل إليها الطب الحديث، فقلت له: إن هذه العملية مشكوك في جوازها، فأرسلت هذه الرسالة وهذا السؤال: هل عملية التجميل التي ستقوم بها زوجة صاحبي بها شك أو إثم؟ علما أن العملية تغيير في خلق الله، وإن عدم عملها قد تؤدي إلى مضايقة نفسية لبروز هذا العيب في وجهها؟
الجواب: إذا كان الواقع كما ذكر، ورجي نجاح العملية ولم ينشأ عنها مضرة راجحة أو مساوية- جاز إجراؤها تحقيقا للمصلحة المنشودة، وإلا فلا يجوز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8185)
"تمارين النظر المغنطيسي" و "تمارين التنفس العميق"
[السُّؤَالُ]
ـ[1. ما حكم الإسلام في تعلم تمارين " النظر المغناطيسي " من أجل تقوية العينين، وتقوية التركيز الفكري، واستخدامها في الحياة العملية؟ . 2. وما حكم الإسلام في تعلم تمارين " التنفس العميق " لعلاج القلق، والضغوطات النفسية، وتقوية الإرادة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تمارين " النظر المغناطيسي " – ويطلق عليه كذلك " النظر الممغنط " - هي إحدى الترهات التي تسوَّق من خلال خديعة الناس وجعلهم يعيشون في أوهام التقدم، والرقي، والطاقة الفعَّالة، وقوة الشخصية، وغير ذلك مما يعقد لكل فرع منها دورات بآلاف الدنانير.
واعتماد مدَّعي هذه النظرية كان – كالعادة – على كلام لأحدِ كفَّار الغرب، أو مخرفي الشرق، وهذا الكلام هو المسطور في كتاب " القوة الفكرية في المغناطيسية الحيوية " تأليف: الأمريكي " وليم ووكر أتكنسون ".
وبالنظر في مقتطفات في الكتاب نجد أنه لا يخرج عن تسويق الأوهام، والخيالات، والخرافات، وهو يرسم الطريق لمن أراد إتقان " التنويم المغناطيسي " وهو ضرب من ضروب الكهانة والدجل، كما بيناه في جواب السؤال رقم: (12631) .
وقد سوق بعضهم لهذه النظرية على أنها حقيقة علمية لا تقبل النقاش والجدال، وكعادة هؤلاء فإنهم ينظرون لمخالفيهم نظر ازدراء، ويتهمونهم بالتخلف، والناظر لهؤلاء وعلمهم المزعوم يرثي لحالهم، فبعض أساطين هذه العلوم تخلوا عنها، وبعضهم اكتشف دجله، وبعضهم تبين أنه يسوق لعقيدة وثنية، وكثيرون كان هدفهم المال، وقد حصلوا عليه بتسويق كتبهم باهظة الثمن، وعقد الدورات بأغلى الأسعار.
وحتى يتم التسويق لتمارين " النظر المغناطيسي " فلا بد من إيهام المتدرب أنه سيحوز على علم لا يبدله بمال الدنيا! ولم لا وهو سيؤثر في المخاطَب، وسيكسبه من طاقته، أو يسحب منه طاقته، ويؤثر على عقله، بل تعدى ذلك إلى التأثير على الحيوانات المفترسة! فإنها ستفر من أمام من ينظر إليها ممن أكسب عينيه " القوة المغناطيسية "!
وهذه مقتطفات مما جاء في ذلك الكتاب:
1. " وستشعر بالتدريج بلذة هذه الاختبارات عندما تطبقها على الأشخاص الذين يلوذون بك! ويتحقق لديك أنهم لا يقوون على احتمال حدة نظراتك التي تصوبها إليهم، ويشعرون ببعض القشعريرة إذا حدجتهم ببصرك بضع دقائق ".
2. وقال:
" ومتى حصلت على هذه النتيجة، واكتسبت البصر الممغنط: لن ترغب في استبداله، ولا بمال العالم ".
3. وقال:
" ومتى وصلت إلى هذه الدرجة دون أن تغرورق عيناك بالدموع: فتأكد أن نظرك قد حاز على القوة المغنطيسية المطلوبة , وبها تستطيع التأثير على مخاطبك , حتى إن الحيوانات سوف تضطرب من نظراتك، وتفزع منها! ".
" تستطيع أيضا أن تجرِّب قوة نظرك في أي حيوان، وستتحقق من أنه يخشاك، ويفر من أمامك فزعاً ".
4. ومما في الكتاب من الفجور:
" ولا تقنط من الوصول إلى غرضك، بل ثابر على العمل فمن لم يخاطر بشيء لا ينال شيئاً، كما أن القلب الخائف الوجل لا يربح حب المرأة الجميلة! .
وإذا صدقنا المثل القائل "ما فاز باللذة إلا الجسور": لوجب علينا أن نعلم أن من الناس من يستسلم بسهولة والبعض بصعوبة، فيجب إذن المثابرة، والثبات لنيل المراد.
لا تكتفي بكلمة " كلا " جواباً على سؤالك، بل تمشي في الأفعال، كما تتمشى مع امرأة جميلة! تتحبب إليها، فتتدلل عليك، وبلا شك أنها كلما تجنبت ورفضت مبادلتها غرامك: كلما زدت هياماً بها! ولم تأب برفضها مرة، وثانية، وثالثة ".
وملخص التمرين: هو تحديق النظر بالتدرج نحو بقعة، وإبقاء العين مفتوحة من غير أن ترمش، ويستمر على ذلك لأيام حتى يصل إلى القدرة على التحديق ربع ساعة من غير أن ترمش عيناه! .
وقد سئل الدكتور وهبه الزحيلي وفقه الله:
هل علوم " الميتافيزقيا " حرام؟ هل علوم ما وراء الطبيعة والخوارق حلال أو حرام؟ وهي " التلبثة " - التواصل عن بُعد -، " قراءة الأفكار " telepahtic، " الخروج الأثيري عن الجسد " out of body experience، " تحريك الأشياء بالنظر "، " النظر المغناطيسي "، " اليوجا، و " التنويم الإيحائي "، " التاي شي "، " الريكي "، " التشي كونغ "، " المايكروبيوتك "، " الشكرات "، " الطاقة الكونية "، " مسارات الطاقة "، " الين واليانغ "؛ لأني وجدت موقعاً يحرِّمها - موقع الأستاذة فوز كردي - السعودية -؟ .
فأجاب:
"هذه وسائل وهمية، وإن ترتب عليها أحياناً بعض النتائج الصحيحة، ويحرم الاعتماد عليها وممارستها، سواء بالخيال، أو الفعل، فإن مصدر العلم الغيبي: هو الله وحده، ومن اعتمد على هذه الشعوذات: كفر بالله، وبالوحي، كما ثبت في صحاح الأحاديث النبوية الواردة في العَّراف، والكاهن، ونحوهما" انتهى من موقع الشيخ على الشبكة.
وللفائدة: فإن نظرية " المغنيطسية الحيوانية " هي أقدم بكثير من زمن ذلك المدعي لاكتشافها، وهي تسمى هكذا أصلاً، وقد حرِّفت الكلمة في بعض الترجمات العربية إلى " الحيوية "! حتى إن مترجماً صرَّح بذلك فقال: " لا أدري لمَ نجد في الترجمة العربية للكتاب استخدام لفظ " المغناطيسية الحيوانية "، ولقد استبدلتها بـ " المغناطيسية الحيوية "! ؛ لأنني وجدت ذلك أفضل! ".
وأول من قال بهذه النظرية هو طبيب نمساوي، وقد ثبت بحكم لجان طبية كذب هذه النظرية، وعدم ثبوت شفاء مرضى بها، وأن من شُفي منهم فإنما هو وليد خياله! .
وقد جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
" المسمرية ":
يُعزى التطور العلمي للتنويم المغنطيسي إلى جهود " فرانز أنطون مسمر "، وهو طبيب نمساوي، اشتهر خلال السبعينيات من القرن الثامن عشر الميلادي، وقد أطلق على نظريته " المغنطيسية الحيوانية ".
اعتقد بعض الناس يومئذ أن المرض ينشأ ويتطور عندما يُقطع سبيل سوائل مغنطيسية خفية، أو يساء توزيعها، واستخدم مسمر حوض استحمام وعصيّاً مغنطيسية؛ لتوجيه السوائل المزعومة نحو مرضاه، وادّعى كثير من المرضى شفاءهم بهذه المعالجة.
وفي عام 1784م تشكّلت لجنة فرنسية للتحقيق في مزاعم " مسمر "، وأتباعه، وقررت اللجنة أنه لا وجود للسوائل المغنطيسية! وفُسرت حالات الشفاء بأنها: وليدة خيالات المرضى! .
ساعد كثير من مرضى " مسمر "، وطلابه، على نشر فكرة " المغنطيسية الحيوانية "، حتى صارت تدعى بـ " المسمرية ".
واصل تلاميذ هذه المدرسة إجراء تجاربهم باستخدام بعض وسائله، لكن سرعان ما اكتشف بعضهم أنه لا لزوم للمغنطيسات، أو السوائل. انتهى.
ثانياً:
أما تمارين " التنفس العميق " فلا تخرج عن صاحبتها السابقة من حيث المبالغة، والتهويل، وهي من الفروع التابعة للبرمجة العصبية، ومن دعايات هذه التمارين:
" التنفس العميق يعالج كل شيء! "، " التنفس العميق يحافظ على صحتك! "، " التنفس العميق يطيل العمُر! "، " التنفس العميق يشحن جهاز الإثارة! "، " التنفس العميق يقضي على المشاكل! "، وكل ذلك من المبالغات، والتهويلات، وقد يكون هناك بعض فوائد لمثل هذا العمل، لكن ليس له تلك الآثار المنسوبة له، بل هناك من ينبه على خطر المداومة على هذه التمارين، أو المبالغة في أدائها؛ وأن ذلك يزيد في عدد ضربات القلب، ويسبب الدوار لصاحبه.
والعجيب أن كثيراً من هؤلاء المفتونين بتلك الحضارة الزائفة، وبتلك العلوم القائمة على الوهم والخيال يخجل أحدهم من ذِكر آيات من القرآن، وأحاديث صحيحة من السنَّة النبوية تدل على العلاج بالعسل، والحبة السوداء، والقسط الهندي، وغير ذلك، ويحاول كتم هذه النصوص، وفي الوقت نفسه يعظم تلك الخرافات، ويجعل من تمارينه وقاية من الأمراض جميعها! بل وعلاجاً لها إن وقعت.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8186)
زوجها طبيب نفسي يعالج النساء مع وجود طبيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لزوجي معالجة النساء لأنه طبيب نفسي مع العلم بوجود طبيبة يمكنها القيام بذلك؟ أرجوكم أفيدوني لأنه دائما يتهمني بالغيرة، وأنا والله أريد أن أعرف الحلال من الحرام، وأكون أنا وهو على الطاعة دائماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يكون علاج المرأة على يد طبيبة، لما يقتضيه العلاج من نظر وفحص، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذهاب المرأة إلى طبيب، كما إذا لم يوجد غيره، أو كان أمهر وأحذق، فلا حرج حينئذ، وعلى الطبيب أن يراعي ما يلي:
1- عدم الخلوة مع المريضة، فيشترط حضور محرمها معها، كأب أو أخ أو زوج، وإن حضرت مع امرأة تحصل بوجودها الحشمة، كأمها مثلا، فلا حرج، لأن الخلوة تنتفي بذلك.
2- ألا ينظر إلا لما تدعو إليه الحاجة، وأن يتقي الله تعالى في ذلك، ويوقن بأن الله يراه، ويحصي عمله.
3- ألا يمس من بدنها إلا ما تدعو إليه الحاجة في الفحص، وإن أمكن الفحص مع حائل على اليد، لزمه ذلك.
4- أن يقتصر كلامه مع المريضة على قدر الحاجة.
فإذا راعى زوجك هذه الأمور، فلا حرج عليه في معالجته للنساء.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم ذهاب المرأة إلى طبيب يعالجها مع وجود طبيبة في نفس الاختصاص؟
فأجاب: "إذا كان الاختصاص واحداً والحذق (المهارة) متساوياً بين الرجل والمرأة فإن المرأة لا تذهب إلى الرجل، لأنه لا داعي لذلك ولا حاجة، أما إذا كان الرجل أحذق من المرأة، أو كان اختصاصه أعمق فلا حرج عليها أن تذهب إليه، وإن كان هناك امرأة؛ لأن هذه حاجة، والحاجة تبيح مثل هذا " انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 693) .
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي: " الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم. على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة " انتهى نقلا عن مجلة المجمع (ع 8، ج1 ص 49) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (69859)
ثالثا:
غيرة المرأة على زوجها أمر محمود، يدل على حبها له، لكن إن زادت أضرت بها وبزوجها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يحصل بيني وبين زوجي خصام في أكثر الأحيان وذلك بسبب غيرتي عليه، فأنا أغار عليه وأراقب نظراته، وإذا لمحت منه أي نظرة أو اشتبهت فيها غرت عليه، وهو يحتج عليَّ دائماً بأن الغيرة المحبوبة إلى الله هي الغيرة في محارم الله، وأما الغيرة التي تقع مني فهي تسبب الطلاق، ولم أقتنع بكلامه لأنني أعتقد أن من حقي أن أغار عليه حتى ولو لم يقصد، علماً أنه ملتزم ولا أشك فيه، وجهني بما تراه وفقك الله؟
فأجاب: "أوجه هذه السائلة أن تخفف من غيرتها، وإلا فإن من طبيعة المرأة أن تغار على زوجها، وهذا دليل على محبتها له، ولكني أقول: الغيرة إذا زادت صارت غبرة وليست غيرة، ثم تتعب المرأة تعباً شديداً، لذلك أشير على هذه المرأة أن تخفف من غيرتها، وأشير على الرجل أيضاً أن يحمد الله على أن هيأ له امرأة صالحة تحبه، لأن هذا -أعني: التحاب بين الزوجين- مما يجعل الحياة بينهما سعيدة، وإلا فإن الغيرة أمر فطري لا بد منه. أرسلت إحدى أمهات المؤمنين إلى النبي عليه الصلاة والسلام طعاماً في إناء، وهو في بيت إحدى نسائه، فلما دخل الخادم بالطعام والإناء فرحاً به يهديه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن من امرأة أخرى، هذه المرأة التي هو في بيتها غارت فضربت يد الخادم وسقط الإناء وتكسر وتبعثر الطعام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوبخها، بل قال: (غارت أمكم) أو كلمة نحوها، أخذ الطعام والإناء وأخذ طعام المرأة التي هو في بيتها وإناءها وقال: (إناء بإناء، وطعام بطعام) وأرسله مع الخادم، لأن الخادم إذا رجع وقال: إن المرأة هذه فعلت كذا وكذا سوف تتكدر المرسلة، فإذا جاءها إناء ضرتها وطعام ضرتها سوف تبرد، وهذا من حكمة الرسول عليه الصلاة والسلام. المهم أن الغيرة بين النساء أمر لا بد منه، وأرى أن من نعمة الله على الزوج أن تكون المرأة تحبه إلى هذا الحد، ولكني أقول للمرأة: خففي من الغيرة لئلا تشقي على نفسك وتتعبي، وأقول للرجل: احمد ربك على هذه النعمة،
ولا يزداد ذلك إلا رغبة في أهلك ومحبة لهم. أما مسألة الطلاق فلا تذكره أبداً عند المرأة، الرجل إذا ذكر الطلاق عند المرأة صار هذا الشبح أمام عينها نائمة ويقظانة، وهذا غلط، ولهذا من السفه أن بعض الناس يذكر كلمة الطلاق لامرأته، حتى ولو للتهديد. يا أخي: هددها بغير هذا، تهددها بالطلاق فيبقى الشيطان دائماً يعمل في قلبها حتى تؤدي النهاية إلى الفراق والعياذ بالله " انتهى من "اللقاء الشهري" (31/13) .
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8187)
ضوابط ومحاذير في عمليات تجميل الشعر للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن حكم فرد الشعر بالمواد الكيماوية بـ " الكيراتين " و " اليوكو "؛ وذلك لحاجتي له، علماً أن مفعوله يستمر 6 أشهر، فهل هو يمنع وصول الماء للشعر أثناء الوضوء والغسل؟ لأنني قد سألت شيخاً عن حكمه فأجاب: أنتِ أعرف بذلك إن كان كالشمع أم لا، وأنا ليس لدي الخبرة الكافية للبحث. أرجو منكم الإجابة الشافية، وتفريج كربي؛ لأنني وكثيرا من النساء نود فرد شعورنا، لكننا غير متأكدات من الحكم؟ . وفقكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" الكيراتين " مادة طبيعية في أصلها، توجد بنسبة عالية في الشعَر، لكنهم يقومون بإنتاجها كيميائيّاً، ويتم بها – في قولهم – علاج الشعر المقصَّف، والمجعَّد.
وأما " اليوكو " فهو: إعادة هيكلة الشَّعر المجعَّد، ويتم فيه تعريض الشَّعَر لحرارة عالية تصل لـ 180 درجة! مع مواد كيميائية.
وفي كلا الطريقتين يتم الدعاية لهما لتمليس الشَّعر، وتنعيمه.
ثانيا:
لم يظهر لنا أن هاتين الطريقتين تمنعان من وصول الماء إلى أصول الشَّعر، ولا تجعلان طبقة عازلة على الشعَر، وعليه: فالوضوء والغسل يكونان صحيحين لمن استعملت لشعرها إحدى الطريقتين، وإذا كانت هناك مُدَّة تحتاج فيها إلى الغسل الواجب وتُمنع فيها المرأة من إيصال الماء لشعرها: فعليها رفض هذه الطريقة، إلا أن تكون في وقت حيضها، وليس هذا الرفض بسبب الوضوء، بل بسبب الغسل؛ لأنه يشترط في الغسل تبليل الشعر بالماء، وإيصاله لجذور الرأس، بخلاف الوضوء، فإن وجود مانع على الشعر لا يمنع من صحة الوضوء؛ لأن مسح الرأس في الوضوء مبني على التخفيف، والمطلوب هو المسح فقط لا الغسل، لذا فإنه يجوز المسح على العمامة، وعلى حجاب المرأة، وقد لبَّد النبي صلى الله عليه وسلم شعْره في الحج، وهو يسبب وجود طبقة على الشَّعَر، وهذا الحكم لا يسري على بقية أعضاء الوضوء.
والتلبيد هو أن: يُلصق الشَّعَر بعضه ببعض بصمغ أو نحوه حتى يجتمع الشَّعَر ويكون أبعد عن الأوساخ والغبار.
وانظري جواب السؤال رقم: (39493) .
والخلاصة: أنه لا مانع من استعمال هذه المادة في فرد الشعر، ما دامت لا تمنع من الغسل الشرعي، لكن يجب التنبه لترك الإسراف، والتشبه بالكافرات، والحذر من استعمال ما فيه ضرر، وإن كان لا يظهر ضرره في الحال.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8188)
استعمال المشيمة في العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[إن شاء الله سوف تكون ولادتي في شهر 9 -2008 وقالت لي الدكتورة إنها تريد الاحتفاظ بالدم الحبل السري، قالت: إنه يتم به علاج كثير من الأمراض، وأنا أول مرة أسمع بهذا الشيء ولا أعرف ما رأي الإسلام في هذا؟ أرجو منكم إفادة في ذلك؟ هل أوافق على ذلك أم أرفض؟ فهي قالت لي: أنا لدي حرية الاختيار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في استعمال الحبل السري أو المشيمة في العلاج.
وكنا قد عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
ما حكم الاحتفاظ بالمشيمة لعلاج السرطان ولإزالة تجاعيد الوجه؟
فأجاب فضيلته بما يلي:
الظاهر أنه لا بأس بها مادام أنه قد ثبت ذلك.
سؤال: هل تنطبق عليها قاعدة: ما قطع من حي فهو ميت؟
جواب: الآدمي ميتته طاهرة.
سؤال: وإذا لم يكن لها فائدة هل يجب دفنها؟ أم تلقى في أي مكان؟
جواب: الظاهر أنها من جنس الأظافر والشعر " أي لا حرج في إلقائها أو دفنها..
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8189)
حكم إجراء عملية شفط الدهون عند طبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب بعملية شفط للدهون لمنطقة البطن وذلك لتكرار ولادات وترهل، وزوجي مصر أن تكون من تعمل لي هذه العملية دكتورة، ولكن الأشطر في مثل هذه العمليات الدكاترة الرجال، فهل يجوز لي أن أعملها عند دكتور بدل الدكتورة نظرا لمهارته العالية في مثل هذه العلميات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في إجراء عملية شفط الدهون إذا دعت الحاجة أو الضرورة لذلك، كأن يصاب الإنسان بالسمنة المضرة، ويقرر الطبيب ضرورة إزالة الدهون، وأما أن يكون ذلك لمجرد التجميل والتحسين، فلا يجوز إذا اقتضى ذلك كشف العورة، أو فُعل على وجه التشبه بالكافرات أو الفاسقات.
ومن أهل العلم من يرى دخول ذلك في تغيير خلق الله، ما لم يفعل لحاجة أو ضرورة.
وينظر جواب السؤال رقم (119278)
وعلى العاقل أن يتخذ الوسائل الطبيعية للتقليل من السمنة والدهون، وألا يلهث خلف جمال المظهر، فربما قاده ذلك إلى عملية إثر عملية، لأن الإنسان لا يرضيه شيء.
وينبغي أن يعلم أن هذه العمليات قد يترتب عليها مضاعفات خطرة، وقد تأتي بخلاف مقصود فاعلها، فيزيد ترهل الجلد في المواضع التي شفط منها الدهون، مما يحوجه إلى عملية جراحية.
ثانيا:
لا نرى أن تذهب المرأة لإجراء تلك العملية عند طبيب رجل إلا إذا كانت مضطرة لإجراء تلك العملية ولم تجد إلا طبيباً رجلاً، وهو ما لا يتوفر في حالتك.
فعليك بطاعة زوجك والذهاب إلى طبيبة إذا كان لابد من إجراء تلك العملية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8190)
حكم استخدام " الجدول الصيني " في تحديد جنس الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استخدام الجدول الصيني في تحديد جنس الجنين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يسمى " الجدول الصيني " هو ضرب من ضروب الكهانة، والشعوذة، وهم يزعمون أنه من الممكن التحكم في جنس المولود عن طريق معرفة عمر الأم، ومعرفة تاريخ بداية الحمل، فبمعرفة عمر الأم – وعلى الأم أن تضيف سنة على عمرها الحقيقي! لأن هذا هو العمر في التقويم الصيني! -: يمكنها تحري الإخصاب في الشهر الذي يكون معه الحمل إما ذكر، أو أنثى! فصار فيه محظوران:
الأول: زعمهم أن من كان عمرها كذا، وحملت في الشهر المعيَّن: يكون حملها ذكراً، أو أنثى – بحسب الجدول -.
والثاني: أنه يستعمل لمن حملت أصلاً لتعرف جنس جنينها! .
ولا علاقة لعمر الأم وتاريخ حملها بتحديد جنس جنينها في عالم الطب، فيظهر أن هذا الجدول له تعلق بالديانة البوذية، وعلم النجوم والأبراج، كما أن معرفة جنس الجنين قبل تخلقه من الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله.
وقد ثبت كذب هذا الجدول في كثير من الحالات، ومن اغتر بصدقه في إصابة الأمر معه في حالاته الخاصة فإنما هذا من موافقة ذلك لقدر الله تعالى، والأمر قائم بين احتمالين فقط، لذا فنسبة الموافقة يمكن أن تكون كبيرة، وكون المولود ذكراً أو أنثى هو من علم الغيب، ومن ادعى معرفته به: فهو كذَّاب أشِر، وإذا كان الملَك الذي يُؤمر بنفخ الروح فيه لا يَدري عن نوعه حتى يأمره ربه، فأنَّى لهؤلاء أن يعرفوا نوعه قبل تخلقه؟! .
والصينيون أحوج الناس لهذا الجدول ليتحكموا من خلاله بنوع مولودهم، وقد حرَّمت السلطات عليهم إنجاب أكثر من مولود! وغالبيتهم يريدون " ذكراً "، وقد انتشر بينهم إجهاض الإناث؛ لأنه لا يريد السماح باستمرار حمل ليس فيه النوع الذي يريد.
وقد أعلمنا ربنا تعالى أنه هو وحده الذي يهب ما يشاء من الذكور والإناث دون غيره، فهو مالك السموات والأرض، وهو الخالق وحده لا شريك له، قال تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) الشورى/ 49،50.
ولا شك أن واضع هذا الجدول ليس في اعتقاده، ولا في ذهنه أن الله تعالى هو الذي يخلق ما يشاء، وهو الذي يهب ما يشاء من الذكور أو الإناث، وإنما منطلق هذا الواضع عقيدته الخرافية.
وهناك أمور أخرى في هذا الجدول:
أ. أنه يحدد أعمار الأمهات من سن 18 إلى 45 فقط! فأين مَنْ قبلُ، ومَنْ بعدُ؟! .
ب. ما القول في الآلاف اللاتي ينجبن توأمين فأكثر؟! وأحياناً كثيرة تلد الأم توأمين ذكراً وأنثى! فأين هذا في الجدول؟! فهو ليس فيه ذكر للتوائم مطلقاً.
وقد صدرت فتوى من علماء اللجنة الدائمة تحذِّر من الاغترار بهذا الجدول، وتمنع من نشره بين الناس.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة: انتشر بين بعض النساء ورقة، وهو ما يسمى " الجدول الصيني "، وفيه تحديد نوع المولود هل هو ذكر أم أنثى، عن طريق معرفة عمر الأم، ومعرفة الشهر الميلادي (الإفرنجي) الذي ظهر فيه بداية الحمل، حسب الصورة المرفقة مع السؤال.
فهل هذا يمكن للأطباء تحديده، وما حكم الشرع في نظركم في هذا الجدول وأمثاله؟
فأجابوا:
"معرفة نوع المولود هل هو ذكر أم أنثى قبل تخليقه: لا يعلمه إلا الله سبحانه، وأما بعد تخليقه: فيمكن ذلك بواسطة الأشعة الطبية، مما أقدر الله عليه الخلق.
وأما تحديد نوعه بموجب الجدول المشار إليه: فهو كذب، وباطل؛ لأنه من ادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ويجب إتلاف هذا الجدول وعدم تداوله بين الناس" انتهى.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (2 / 17) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8191)
إذا ماتت امرأة وفي بطنها جنين حي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شق بطن الميتة لإخراج الحمل الحي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز للمصلحة، وعدم المفسدة، وذلك لا يعد مُثْلَةً، ... وقد علم ما قاله الأصحاب رحمهم الله [يعني الحنابلة] ، وهو أنهم قالوا: فإن ماتت حامل وفي بطنها ولد حي، حرم شق بطنها، وأخرجه النساء بالمعالجات وإدخال اليد على الجنين ممن ترجى حياته، فإن تعذر، لم تدفن حتى يموت ما في بطنها، وإن خرج بعضه حيًا، شق للباقي، فهذا كلام الفقهاء، بناءً على أن ذلك مُثْلَةً بالميتة، والأصل تحريم التمثيل بالميت، إلا إذا عارض ذلك مصلحة قوية متحققة، يعني إذا خرج بعضه حيًا، فإنه يشق للباقي، لما فيه من مصلحة المولود، ولما يترتب على عدم الشق في هذه الحالة من مفسدة موته، والحي يُراعَى أكثر مما يراعى الميت، لكن في هذه الأوقات الأخيرة حين ترقى فن الجراحة، صار شق البطن أو شيء من البدن لا يعد مثلة، فيفعلونه بالأحياء برضاهم ورغبتهم بالمعالجات المتنوعة، فيغلب على الظن أن الفقهاء لو شاهدوا هذه الحال، لحكموا بجواز شق بطن الحامل بمولود حي وإخراجه، وخصوصًا إذا انتهى الحمل، وعلم أو غلب على الظن سلامة المولود، وتعليلهم بالمثلة يدل على هذا.
ومما يدل على جواز شق البطن وإخراج الجنين الحي: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، قدم أعلى المصلحتين، وارتكب أهون المفسدتين، وذلك أن سلامة البطن من الشق مصلحة، وسلامة الولد ووجوده حيًا مصلحة أكبر، وأيضًا فشق البطن مفسدة، وترك المولود الحي يختنق في بطنها حتى يموت مفسدة أكبر، فصار الشق أهون المفسدتين، ثم نعود فنقول: الشق في هذه الأوقات صار لا يعتبره الناس مثلة ولا مفسدة، فلم يبق شيء يعارض إخراجه بالكلية، والله أعلم" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
"فتاوى السعدي" (ص189) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8192)
هل الكي بالكهرباء مثل الكي بالنار وينافي التوكل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكي بالنار يأخذ حكم الكي بالكهرباء في من يرجو أن يكون في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في الصحيحين من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رواه البخاري (6472) ومسلم (218) واللفظ له.
وهذا يدل على أن طلب الرقية والكي مما ينافي التوكل.
والاكتواء المنافي للتوكل هو ما كان لدفع المرض والبلاء قبل حصوله، كما كان أهل الجاهلية يفعلونه، وأما التداوي به بعد حدوث المرض، فلا ينافي التوكل؛ لكنه مكروه لما فيه من التعذيب بالنار، وهذه الكراهة تزول عند الحاجة، وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وأخبر أن الشفاء في ثلاثة وذكر منها الكي.
قال ابن القيم رحمه الله: " فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع: أحدها: فعله، والثاني: عدم محبته له، والثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى فإنّ فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء والله أعلم " انتهى."زاد المعاد" (4/64) .
وقال ابن قتيبة رحمه الله في بيان الكي المنافي للتوكل:
" والكي جنسان: أحدهما كي الصحيح لئلا يعتل، كما يفعل كثير من أمم العجم فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم، يرون أن ذلك الكي يحفظ لهم الصحة ويدفع عنهم الأسقام ... وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها وتفعل شبيها بذلك في الإبل إذا وقعت النُّقبة فيها وهو جرب، أو العُرُّ وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها، فتعمد إلى بعير منها صحيح فتكويه ليبرأ منها ما به العر أو النقبة، وقد ذكر ذلك النابغة في قوله للنعمان:
فحمَّلْتني ذنبَ امرئ وتركته كذي العُرِّ يُكوى غيره وهو راتعُ
وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: (لم يتوكل من اكتوى) لأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار وهو صحيحٌ يدفع عنه قدر الله تعالى، ولو توكل عليه وعلم أن لا منجي من قضائه لم يتعالج وهو صحيح، ولم يكو موضعا لا علة به ليبرأ العليل.
وأما الجنس الآخر فكي الجرح إذا نغل وإذا سال دمه فلم ينقطع، وكي العضو إذا قطع أو حسمه، وكي عروق من سقي بطنه وبدنه ... وهذا هو الكي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم إن فيه الشفاء، وكوى أسعد بن زرارة لعلة كان يجدها في عنقه وليس هذا بمنزلة الأمر الأول، ولا يقال لمن يعالج عند نزول العلة به لم يتوكل، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعالج وقال لكل داء دواء، لا على أن الدواء شاف لا محالة وإنما يُشرب على رجاء العافية من الله تعالى به؛ إذ كان قد جعل لكل شيء سببا " انتهى.
"تأويل مختلف الحديث" (ص 329) .
والذي يظهر أن الكي بالكهرباء كالكي بالنار، فيكره لما فيه من التعذيب، إلا عند الحاجة إليه، ومن اكتوى قبل حدوث الداء فقد شابه أهل الجاهلية، وكان فعله منافيا للتوكل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8193)
كيف يتوضأ من وضع علاجاً على وجهه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إني فتاة أضع على وجهي دهانات وصفها لي الطبيب، وقال: يجب علي ألا يمسها الماء لمدة تقدر بـ12 ساعة على الأقل، وإني ولله الحمد مسلمة وعلي أن أتوضأ فأخشى أن يلامس الماء الدهان على وجهي، فهل أمسح الأجزاء التي لا يوجد بها دهان أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان في الوجه مرض جلدي وقد وصف له الطبيب دهاناً يوضع عليه وقال لا يمسه الماء لعدة ساعات من أجل بقاء الدهان للعلاج ففي هذه الحالة يجنب موضعه الماء في الوضوء ويغسل الباقي مع بقية الأعضاء ويتيمم بدل غسل الوجه إلى أن تنتهي الحاجة إلى وضع الدهان والله أعلم" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (4/9، 10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8194)
تلف جزء من حاجبها بحادث فهل يجوز استعمال الوشم مكانه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبتُ وأنا في السابعة من عمري بحادث أدَّى إلى تشوه في منطقة الحاجب، وهو عبارة عن عدم ظهور الشعر في مساحة صغيرة، ذهبتُ إلى إحدى العيادات، فأخبرتني الطبيبة بأنهم لا يقومون بعملية زراعة الشعر إلا لمنطقة الرأس، ونصحتني طبيبة أخرى تقوم بعمل " تاتو " - استخدمت الطبيبة هذا اللفظ لوصف العلاج - لعلاج هذه المنطقة , فما رأيكم بهذا النوع من العلاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" التاتو " هو ترجمة اللفظ العربي " الوشم "، ومعلوم تحريم الوشم على النساء والرجال، وهو من تغيير خلق الله تعالى.
وهناك طرق ثلاثة لوضع الوشم – التاتو – مكان الجزء التالف في الحاجب:
الأولى: غرز الإبرة بالجلد، وإسالة الدم، ثم حشي المكان كحلاً أو مادة صبغية تتناسب مع لون الحاجب.
الثانية: وضع مواد كيميائية، أو القيام بعمليات جراحية تغيِّر لون هذا الجزء التالف.
الثالثة: الوشم المؤقت، وهو وضع مادة لاصقة تشبه الوشم التقليدي، لكنه خارج البدن، لا داخله.
والطريقتان الأوليان محرمتان بنصوص الأحاديث الصحيحة، والطريقة الثالثة أشبه ما تكون بالحناء والخضاب، لا بالوشم المنهي عنه، وهو جائز الاستعمال بشروط.
وإذا كان استعمال الوشم على سبيل إزالة عيب موجود بسبب حرق أو حادث أو مرض.. فالذي يظهر جواز ذلك.
وقد روى أحمد (1123) والنسائي (5104) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الواشمة والمستوشمة إلا من داء) . وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وروى الإمام أحمد (3935) عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة، إلا من داء. قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
وعليه: فيجوز استعمال الوشم – الدائم والمؤقت – لإزالة العيب في الجزء التالف من الحاجب، وصبغ المكان بلون يشبه لون الحاجب.
وهذا الجواز مشروط بعدم ترتب ضرر من استعمال مواد ذلك الوشم، وقد حذَّر كثير من الأطباء من استعمال المواد الكيميائية في الوشم، وغيره؛ لما يسببه ذلك من أمراض جلدية والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8195)
حكم ذهاب المرأة إلى طبيب يعالجها مع وجود طبيبة في نفس الاختصاص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ذهاب المرأة إلى طبيب يعالجها مع وجود طبيبة في نفس الاختصاص؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الاختصاص واحداً والحذق (المهارة) متساوياً بين الرجل والمرأة فإن المرأة لا تذهب إلى الرجل، لأنه لا داعي لذلك ولا حاجة، أما إذا كان الرجل أحذق من المرأة، أو كان اختصاصه أعمق فلا حرج عليها أن تذهب إليه، وإن كان هناك امرأة؛ لأن هذه حاجة، والحاجة تبيح مثل هذا " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 693) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8196)
قراءة القرآن والرقية أثناء الحجامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أشغل شريط سورة البقرة في المسجل أثناء قيامي بالحجامة؟ وهل يجوز لي أن أرقي بما ورد في الكتاب والسنة أثناء الحجامة من دون أجر لوجه الله؟ أم إن هناك خطورة علي، لكوني لست مختصة بالرقية الشرعية، وأنا أحفظ ما ورد فيه بالرقية، وغايتي هي كمال المنفعة مع الحجامة بإذن الله؟ وجزاكم الله خيرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من قراءة القرآن، أو الأذكار الشرعية، أو الأدعية المأثورة، أثناء القيام بعملية الحجامة، لأسباب عدة:
1- الرقية بالقرآن الكريم وبالأذكار النبوية عمل مشروع مستحب، سواء رافق ذلك التداوي بالحجامة أو انفصل واستقل عنه.
2- لم يرد نهي عن القراءة والرقية أثناء الحجامة، والأصل هو العمل بالمشروعية الثابتة في مطلق الآيات والأحاديث التي جاءت في الرقية بالقرآن والأذكار.
3- نقل بعض الأطباء الباحثين في فوائد الحجامة، أن التجارب أثبتت انتفاع كثير من المرضى بسبب قراءة القرآن والرقية أثناء عملية الحجامة، فقد يعتبر ذلك قرينة على الصحة والجواز، فكثيرا ما يستدل أهل العلم في أبواب الطب والرقية بالتجربة النافعة.
ولمزيد من الفائدة في موضوع الحجامة، يرجى مراجعة الجوابين المنشورين في موقعنا تحت الأرقام الآتية: (14325) و (21406) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8197)
هل هناك دعاء تقوله المرأة الحامل لنفسها أو لجنينها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا علمت المرأة أنها حامل، فماذا تفعل كي يكون الجنين في حالة جيدة، أي: هل هناك أذكار تقال في فترة التسعة أشهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم في السنَّة الصحيحة شيئاً من الأدعية خاصاً بالمرأة الحامل أو الجنين، وما ورد في ذلك فلا يعدو عن كونه موضوعاً، أو اجتهاداً من بعض العلماء في ذِكر آيات، وأدعية تناسب الحال، دون أن يُنسب من ذلك شيء للشريعة المطهرة.
1. ومن أمثلة الموضوع الوارد:
ما يُذكر أن فاطمة رضي الله عنها لما دنا ولادها: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة، وزينب بنت جحش أن تأتيا، فتقرآ عندها آية الكرسي، و (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) إلى آخر الآية، الأعراف/54 ويونس/3، ويعوذاها بالمعوذتين.
وهو حديث موضوع، انظر "الكلم الطيب" (ص 161) لابن تيمية، تحقيق الألباني.
2. ومن أمثلة الاجتهاد في الأمر:
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة؟
فأجاب:
" لا أعلم في ذلك شيئاً من السنَّة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذَها الطلق ما يدل على التيسير، مثل: (يُرِيدُ الله بِكُم اليُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُم العُسْرَ) ، ويتحدث عن الحمل، والوضع، كقوله تعالى: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه) ، ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَت الأرْضُ زِلْزَالَها. وَأَخْرَجت الأرْضُ أَثْقَالَها) : فإن هذا نافع، ومجرب، بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارئ والمقروء عليه مؤمِناً بأثره، وتأثيره: فإنه لا بد أن يكون له أثر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَنُنزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً) ، وهذه الآية عامة، شفاء، ورحمة، يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 257، وجه: أ) .
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_1210.shtml
ودعاء الوالدة لولدها مستجاب، ويرجى أن ما تدعوه المرأة لجنينها يتقبله الله تعالى منها، إن هي حققت شروط الدعاء، وانتفت موانع الاستجابة.
فينبغي أن تكثر من الدعاء له بالسلامة والاستقامة والهداية والتوفيق للخير وأن يكون باراً بوالديه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8198)
هل يلزمها التبرع بكليتها لوالدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عند والدي فشل كلوي ويطلب مني أن أعطيه كلية، ولكن أنا أخرجت المرارة وبصراحة أنا أخاف، هل علي إثم إذا رفضت بسبب أني أخاف على أولادي الثلاثة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز التبرع بالكلية للوالد وغيره عند كثير من أهل العلم بشرطين:
1- أن تثبت الفحوصات فائدة هذا للمريض، ويغلب على الظن نجاح العملية.
2- ألا يترتب على هذا إضرار بالمتبرع.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: والدي مريض بالكلى، وقرر الأطباء أن كليتيه الاثنتين غير صالحتين، وهو يقوم بمراجعة المستشفي ثلاث مرات في الأسبوع لعمل غسيل للكلى، وهذا عمل متعب له، قال الأطباء بأن هذا سيستمر معه طول حياته , أو تقومون بالتبرع له بكلية من أحد أفراد العائلة، أنا مستعد لذلك، ولكن يهمني أن أعرف إذا كان ذلك جائزا أم لا؟ سمعنا بأن هناك فتوى بجواز التبرع بعد الموت بأي عضو من الجسم، فهل يجوز ذلك في حال الحياة؟ وهل يجوز شراء كلية رجل كافر حي من الهند مثلا؟
فأجابوا: " يجوز لك أن تتبرع لأبيك بإحدى كليتيك، إذا قرر الأطباء الثقات أنه لا ضرر عليك من نقلها من جسمك إلى جسم والدك، وأنه يغلب على الظن من الأطباء نجاح العملية " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (25/113) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لدي زميلة تبرعت بكليتها لأخيها وهي راضية بذلك، لأن أخاها كان يعاني من فشل كلوي وقيل لها إن هذا التبرع حرام، لأن النفس أمانة وسوف نسأل عن ذلك يوم القيامة.
فأجاب: " لا حرج في التبرع بالكلية إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وقرر الأطباء المختصون أنه لا خطر عليها في نزعها، وأنها صالحة لمن نزعت من أجله، وهي مأجورة إن شاء الله، لأن هذا من باب الإحسان والمساعدة لإنقاذ نفس مما أصابها من الضرر والخطر، والله سبحانه يقول: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) والله ولي التوفيق " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية".
ثانيا:
لا يلزمك التبرع لأبيك ولو طلب ذلك، ولا إثم عليك في الامتناع، سواء خفت على صحتك أو لا؛ لأنه جزء من البدن تتعلق به حاجتك، وليس للأب أن يأخذ من ابنه ما تتعلق به حاجته.
وإذا تبرعت له فأنت محسنة مأجورة إن شاء الله.
ونسأل الله تعالى أن يشفي والدك ويعافيه وأن يحفظك وأولادك بحفظه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8199)
حكم إجراء عملية لتصغير الأنف
[السُّؤَالُ]
ـ[ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ما حكم عمليات التجميل لإصلاح عضو أصابه تشوه نتيجة لمرض، فأنا أعاني من أنف طوله وحجمه غير طبيعي مما يزيد من المشاكل النفسية، فقد تركت المدرسة لأجل ذلك علما أن أنفي كان طبيعيا قبل ذلك، وبالتالي إذا قمت بإجراء عملية جراحية أكون قد أرجعت الحالة إلى ما كانت عليه، مع العلم أن أمي تعارض هذا بشدة، وللإشارة فإن أنفي لا يزال يتغير حجمه مع الوقت لأني بحثت عن المرض فوجدت اسمه الرهينوفيما - Rhinophyma - فهل أتوكل على الله وأجري العملية حتى لو عارضت أمي هذه العملية بحجة أنه أنف عادي رغم أن هذا غير صحيح؟ للملاحظة فإن العملية سهلة وليس لها مضاعفات ولله الحمد ولها نتائج إيجابية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التجميل على نوعين:
الأول: ما كان لغرض الحسن والجمال، وهو ممنوع؛ لأنه من تغيير خلق الله تعالى الذي يحرص إبليس على إيقاع الناس فيه، قال تعالى: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا. يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) النساء/117 - 119.
وروى البخاري (4507) ومسلم (3966) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ) .
وهذا يدل على أن تغيير خلق الله محرّم موجب للعن.
الثاني: ما كان لإزالة عيب أو تشوه ناتج عن حادث أو مرض، وهذا جائز؛ لما روى أبو داود (4232) والترمذي (1770) والنسائي (5161) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ (أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ (فضة) فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن امرأة تريد عملية تجميل بالوجه والصدر؛ لأن أنفها كبير وعريض، وتريد تصغيره بطرق سهلة وصل إليها الطب الحديث، علما أن عدم عملها قد تؤدي إلى مضايقة نفسية لبروز هذا العيب في وجهها.
فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكر، ورجي نجاح العملية، ولم ينشأ عنها مضرة - راجحة أو مساوية - جاز إجراؤها تحقيقا للمصلحة المنشودة، وإلا فلا يجوز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة" (25/59) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بعض العمليات التجميلية كتعديل الأنف، شفط الدهون، تصغير أو تكبير الثديين ... إلخ، فما حكم هذه العمليات؟ وما الضابط وفقك الله وجزاك خيراً ونفع بك؟
فأجاب: " أما موضع التجميل الذي ذكر، فالتجميل نوعان: النوع الأول: إزالة عيب. والنوع الثاني: زيادة تحسين. أما الأول فجائز - إزالة العيب - فلو كان الإنسان أنفه مائلاً فيجوز أن يقوم بعملية لتعديله؛ لأن هذا إزالة عيب، الأنف ليس طبيعياً، بل هو مائل فيريد أن يعدله، كذلك رجل أحول، الحول عيب بلا شك، لو أراد الإنسان أن يعمل عملية لتعديل العيب يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، ولا مانع؛ لأن هذا إزالة عيب، لو قطع أنف الإنسان لحادث هل يجوز أن يركب أنفاً بدله؟ يجوز؛ لأن هذا إزالة عيب، وقد وقعت هذه الحادثة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، قطع أنف أحد الصحابة في حرب من الحروب، فالرجل جعل عليه أنفاً من فضة، ركبه على الأنف، فأنتنت الفضة، الفضة تنتن، صار لها رائحة كريهة، فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب فاتخذ أنفاً من ذهب، إذاً هذا نقول: تجميل أو إزالة عيب؟ إزالة عيب، هذا جائز. كذلك لو أن الشفة انشرمت، فيجوز أن نصل بعضها ببعض لأن هذا إزالة عيب.
أما النوع الثاني: فهو زيادة تحسين، هذا هو الذي لا يجوز؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن، بمعنى: أن تبرد أسنانها حتى تتفلج وتتوسع للحسن، لعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك، ولعن الواصلة التي تصل شعرها القصير بشعر وما أشبه ذلك.
بقي أن ننظر لعملية تكبير الثدي أو تصغيره يجوز أو لا يجوز؟ هذا تحسين، إلا إذا كانت المرأة الصغيرة الثدي تريد أن يكبر لأجل أن يتسع للبن، يعني: بحيث يكون ثديها صغيراً
لا يروي ولدها، فهذا ربما نقول: إنه لا بأس به، أما للتجميل فإنه لا يجوز، فهذا هو الضابط يا أخي الطبيب لمسألة التحسي، التحسين إذاً كم؟ نوعان: الأول: لإزالة عيب وهذا لا بأس به، والثاني: لزيادة تجميل فهذا لا يجوز" انتهى من "اللقاء الشهري" (50/8) .
وينظر جواب السؤال رقم (10227) و (69812) .
وعليه؛ فإذا كان كبر الأنف ناتجا عن هذا المرض الذي ذكرت، وكنت تتأذى من بقائه هكذا، فلا حرج عليك في إجراء عملية لإعادته إلى وضعه الأول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8200)
استعمال الجيلاتين والكبسولات الجيلاتينية المستخلصة من الميتة أو الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأشكال الصيدلانية من الأدوية مثل الكبسولات الجيلاتينية التي توضع بداخلها المادة الدوائية تكون مصنوعة من الكولاجين، وهي مادة تستخلص من جثث البقر (جلدها وعظامها) ، وكذلك من الخنزير (جلده وعظامه) ، ونقوم نحن - في بلدنا - باستيرادها من فرنسا ونملأها في بلدنا بالمادة الدوائية، وتباع في الصيدليات، فما حكم ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في استعمال الجيلاتين أو الكبسولات الجيلاتينية في الأدوية وغيرها، إذا كانت مستخلصة من جلد أو عظم حيواني مذبوح ذبحاً شرعياً.
وأما المأخوذ من الميتة أو الخنزير، ففيه خلاف بين أهل العلم، وعلى القول بأن الاستحالة مطهّرة [وهي تحول الشيء المحرم النجس إلى مادة أخرى] ، فلا حرج في استعماله؛ لتحوّل العين المحرمة إلى مادة أخرى مباحة لا تشملها أدلة التحريم.
قال ابن القيم رحمه الله: " وعلى هذا الأصل: فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس [يعني: إذا تحولت الخمر إلى خل] ؛ فإنها نجسة؛ لوصف الخبث، فإذا زال ذلك الوصف زال أثره، وهذا أصل الشريعة في مصادرها، ومواردها، بل وأصل الثواب، والعقاب.
وعلى هذا: فالقياس الصحيح: تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت، وقد " نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبورَ المشركين من موضع مسجده " ولم ينقل التراب ...
وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة، ثم حبست، وعلفت بالطاهرات: حلَّ لبنُها، ولحمها، وكذلك الزرع والثمار إذا سُقيَت بالماء النجس، ثم سقيت بالطاهر: حلَّت؛ لاستحالة وصف الخبث، وتبدله بالطيب، وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثاً: صار نجساً، كالماء، والطعام إذا استحال بوْلاً، وعذرة، فكيف أثَّرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثاً ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا، والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب؟! .
ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف، دائرٌ معه وجوداً وعدماً، فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزرع والثمار والرماد والملح والتراب والخل، لا لفظاً، ولا معنىً، ولا نصّاً، ولا قياساً" انتهى من "إعلام الموقعين" (2/14) .
وقد ذكر أهل الاختصاص أن الجيلاتين المستخلص من عظام وجلود الأبقار والخنازير قد تحول تحولاً كاملاً عن المادة التي استخلص منها، فصارت له خصائص كيميائية غير خصائص الأصل الذي استخلص منه، وبهذا ينطبق عليه كلام أهل العلم في الاستحالة.
وانظر: "تحريم الانتفاع بالأعيان المحرمة" ص 250-255.
وقد جاء في قرارات " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " – وقد بحثت موضوع " المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء " بمشاركة الأزهر ومجمع الفقه الإسلامي بجدة والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية ووزارة الصحة بدولة الكويت، وذلك في الفترة من 22 - 24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الموافق 22 - 24 من شهر مايو 1995 -:
"6- المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه مثل بعض الأجبان وبعض أنواع الزيت والدهن والسمن والزبد وبعض أنواع البسكويت والشكولاتة والآيس كريم، هي محرمة ولا يحل أكلها مطلقا، اعتبارا لإجماع أهل العلم على نجاسة الخنزير وعدم حل أكله، ولانتفاء الاضطرار إلى تناول هذه المواد ...
..........
8. الاستحالة التي تعني انقلاب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها، تحوِّل المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة، وتحوِّل المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعاً.
وبناءً على ذلك:
- الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره: طاهر وأكله حلال.
-الصابون الذي يُنتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصير طاهراً بتلك الاستحالة ويجوز استعماله.
- الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم طاهر ويجوز تناوله.
- المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير لا يجوز استعمالها إلا إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه. أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة" انتهى.
http://www.islamset.com/arabic/abioethics/muharamat.html
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8201)
تحديد جنس الجنين باستعمال نظام تغذية خاص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك نظام غذائي معين للرجل أو للمرأة حتى ينجبا ولداً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحديد جنس الجنين هو مِن قدر الله سبحانه وتعالى، يُؤمر المَلك بكتبه كما أراده سبحانه وتعالى في قضائه الأزلي، وهو القائل سبحانه وتعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) الشورى/49.
وكما أن من أراد أن يرزقه الله بالذرية الصالحة لا بد أن يأخذ الأسباب أولاً، بالزواج والجماع الحلال، فكذلك لا حرج على من أراد أن تكون ذريته ذكراً أو أنثى بخصوصه أن يتخذ الأسباب التي تثبت بالتجربة أو بالعادة أو بالعلم الحديث.
وقد جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي مقررا هذه الجزئية، فكان مما جاء فيه:
" يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسبابًا مباحة لا محذور فيها " انتهى.
وللاطلاع على القرار كاملا، يرجى النظر في هذا الرابط:
http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=168&l=AR&cid=12
فمن أراد الاطلاع على الطرق الطبيعية الصحيحة في تحديد جنس الجنين، يمكنه مراجعة كلام الأطباء والمتخصصين في هذا الشأن، ونحن نساعد القارئ الكريم بنقول من بحث علمي للدكتور عبد الرحمن اليحيى، يقول فيه: " يؤثر الغذاء على عملية تحديد جنس الجنين من ناحيتين:
الأولى: يغير الوسط الحمضي والقاعدي في عنق الرحم والمهبل. فالبوتاسيوم والصوديوم يحول الوسط إلى قاعدي، وبالتالي أكثر فرصة لإنجاب الذكور.
أما المغنيسيوم والكالسيوم يجعل الوسط حامضياً، وبالتالي أكثر فرصة لإنجاب الإناث.
الثانية: التغير في جدار البويضة لزيادة مدى استقبالية البويضة للحيوان الذكري أو الأنثوي. أثبتت الأبحاث بأن تغذية المرأة كان لها تأثير في عملية اختيار جنس المولود، وذلك بتأثيره على المستقبلات التي ترتبط بها الحيوانات المنوية في جدار البويضة , والتي عن طريقها تخترق الجدار ويحدث التلقيح.
إن للتوازن الأيوني للصوديوم والبوتاسيوم مقابل الكالسيوم والمغنيسيوم تأثير حيوي على هذه المستقبلات، مما يؤدي إلى حدوث تغييرات على مركبات الجدار، والذي بدوره يؤثر على انجذاب الحيوانات المنوية الذكرية أو الأنثوية.
وتأثير هذه الأيونات بصورة مبسطة، فإن زيادة نسبة الصوديوم والبوتاسيوم في الغذاء وانخفاض نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم يحدث تغييرات على جدار البويضة لجذب الحيوان المنوي الذكري، واستبعاد الحيوان المنوي الأنثوي، وبالتالي نتيجة التلقيح تكون ذكراً. والعكس صحيح، فإن زيادة نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم في الدم، وانخفاض الصوديوم والبوتاسيوم: يجذب الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الأنثوي، ويستبعد الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الذكري، وبالتالي تكون نتيجة التلقيح والحمل أنثى.
ولاتباع هذه الطريقة فعلى السيدة اتباع حمية غذائية لمدة زمنية لا تقل عن الشهرين، تدعم بها المخزون الغذائي الذي يشجع الجنس المرغوب به، ونرفق جدولاً غذائياً يوضح المصادر الغذائية للكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم والصوديوم.... .
وعلى المرأة التي تريد تحديد جنس المولود مسبقاً أن تتبع الحمية لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر على الأقل قبل الحمل (بدون استعمال موانع حمل هرمونية، وإنما باستعمال موانع ميكانيكية مثل الكبوت للرجل) ، ويستحسن أن يتبع الزوج كذلك هذا النظام الغذائي، وذلك إن لم يكن ضرورياً بالنسبة له، فعلى الأقل يكون عاملاً مساعداً نفسياً للزوجة لتتقيد بالنظام الغذائي. كما يجب على المرأة أن تستمر في النظام الغذائي حتى تتأكد من الحمل , فإذا حملت يجب فوراً ترك هذا النظام الغذائي، وأخذ جميع المواد الضرورية لجسمها وجسم جنينها حسب ما يصفه الطبيب " انتهى.
"المختصر المفيد في تحديد جنس الوليد للدكتور عبد الرحمن اليحيى" (ص/25-26) .
وللاطلاع على النظام الغذائي المقترح من الدكتور، يرجى مراجعة بحثه المنشور على هذا الرابط:
http://saaid.net/book/open.php?cat=83&book=4384
وللفائدة ينظر جواب سؤال في الموقع (111849) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8202)
هل يجوز للطبيب أن يوقع على حرق جثث الموتى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[القانون في هذه البلاد، يسمح بحرق جثث الموتى، والطبيب المسلم يُطلب منه التوقيع على شهادة الحرق، إذا كان مشرفاً على موت المريض لديه، بحيث إنه لا يمكن إجراء عملية الحرق إلا بموافقته، والسؤال: هل يجوز له ذلك شرعاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس له ذلك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، لا يوقع عليه لأجل إحراقه، هذا غير مشروع، إذا كان الميت مسلماً لا يجوز التوقيع على إحراقه، وأما إذا كان كافراً فمحل نظر، والأحوط له ألاَّ يوقع؛ لأنه غير مشروع إحراق الكافر، لكن إذا اضطر إلى ذلك، فالأمر سهل بالكافر، أما المسلم لا يوقّع" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (28/132) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8203)
اقتناء الكلب ونجاسة لعابه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الكثير من الأحاديث عن أن ترك الكلب في البيت يذهب البركة من البيت، وأنه يحرم تركه في البيت إلا إذا كان الكلب يستعمل في الصيد. لماذا لا يجوز الاحتفاظ بالكلب في البيت كحيوان أليف؟ ولماذا يعتبر لعابه نجساً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أذنَ الشرع باقتناء الكلاب لغايات متعددة ومنها: الصيد، وحراسة الماشية، وحفظ الزرع، وقد قيس عليها ما هو مثلها أو أولى منها، كحفظ البيوت من اللصوص، وكاستعمالها للكشف عن المخدرات واللصوص، وما عدا ذلك فإن مقتنيه معرَّض للوعيد بأن يُنقص من أجره في كل يوم قيراط أو قيراطان من الأجر.
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي - ناقلاً عن بعض العلماء -:
"لا شك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن في كلب الصيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في حديثٍ آخر: في كلبِ الماشية، وفي حديثٍ: في كلب الغنم، وفي حديثٍ: في كلب الزرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتخاذ: المصلحة، والحُكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجدت المصلحة: جاز الاتخاذ، حتى إنَّ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز - لدفع الثعالب عنها - هي في معنى الغنم، ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذه للإنذار بها والاستيقاظ لها: أعظم مصلحة من ذلك، والشارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة" انتهى.
"الإغراب في أحكام الكلاب" (ص 106 – 107) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرَّماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/246) .
ثانياً:
الشرع لا يأمر إلا بما فيه مصلحة للمكلفين، ولا ينهاهم إلا عما يضرهم، غير أن هذه الحكمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة الإناء الذي ولغ الكلب فيه، وما ذاك إلا لنجاسة لعابه، وقد أثبت الطب الحديث وجود أضرار متعددة في الماء الذي ولغ فيه الكلب، والمسلم الذي يتبع الأمر الشرعي ليس له إلا أن يستجيب للأمر، ويكف عن النهي، ولو لم يعلم الحكمة فيهما، ولا مانع من تلمسها، لكن لا يعلق الاستجابة على معرفته بها.
وبعض هذه الأمراض تنتقل بسبب مخالفة الشرع والأكل والشرب من آنية الكلاب، وبعضها ينتقل بسبب حمل الكلاب للجراثيم التي تسبب هذه الأمراض.
وعلى كل حال: فالمسلم يسمع ويطيع، والخير في الاستجابة للشرع بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8204)
الحالات التي يجوز فيها رفع أجهزة الإنعاش
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي عمرها خمسة أشهر. لديها مرض جيني دماغي ولا تستطيع أن تأكل أو تتنفس أو تبتلع أو تحرك عينيها أو تغلق جفن عينيها بشكل كامل، ولا تحرك رقبتها ولا تستطيع زيادة وزنها. مع أن عمرها خمسة أشهر، وبرغم أن تركيبة السعرات الحرارية عالية، فإن وزنها 9 أرطال. عملية توسيع القصبة الهوائية، والذي من خلاله تتنفس، وعملية فتح ممر لمد قصبة إلى المعدة لتسهيل تغذيتها. لقد كشف عليها الكثير من الأطباء لكن لا أحد عرف لماذا تعاني من هذه المشاكل. وحاليا بدأت تفقد وزنها وتصاب بالعديد من الأمراض المعدية وتقريبا مرة أو مرتين تمرر تيوبات للدم والبول والهواء والوسط المعوي—حتى عند ما تبين الفحوصات العدوى فالأطباء يستخدمون وصفات طبية لم تستخدم أبدا مع أطفال آخرين بسبب الأعراض الجانبية، لكن في حالتها هذه لا شيء ينفع. ومؤخرا تم وضع أكسجين ومن حين لآخر تحتاج تهوية وجهاز التنفس عند توقف تنفسها. وكأم يصعب عليّ رؤية طفلتها مصابة بالعديد من الأمراض، وتعاني الآلام في كل وقت. والآن يخيروننا بتزويدها بجهاز للتحكم بنبضات القلب إذا توقفت وبه لا يحتاجون فك عملية، وجهاز CPR للحفاظ على الحياة ظنا منهم أنها لن تتحمل أي نوع من أنواع الإنعاش. ويحاولون أن يخففوا الآلام عليها بقدر المستطاع، لكنهم لا يريدون وضع أجهزة كثيرة على جسدها لكي لا يزداد الاحتياج إليها. ليس لديهم أمل وخيرونا أن نرفض كل فحوصات الدم و.... إلخ، للتخفيف من آلامها. فهل يجوز لي أن أوقع على قبول DNR لكون الأطباء يرون أن هذا أفضل طريقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى لكم الصبر والأجر، وأن يقضي لابنتكم ما فيه الخير لها ولكم.
والتوقيع على DNR ومعناه: "لا تقم بعملية الإنعاش" Do Not Resuscitate" لا يجوز إلا في حالات معينة بَيَّنها أهل العلم، وهي كما يلي:
" أولا: إذا وصل المريض إلى المستشفى وهو متوفى فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش.
ثانيا: إذا كانت حالة المريض غير صالحة للإنعاش بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات - فلا حاجة أيضا لاستعمال جهاز الإنعاش.
ثالثا: إذا كان مرض المريض مستعصيا غير قابل للعلاج، وأن الموت محقق بشهادة ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات - فلا حاجة أيضا لاستعمال جهاز الإنعاش.
رابعا: إذا كان المريض في حالة عجز، أو في حالة خمول ذهني مع مرض مزمن، أو مرض السرطان في مرحلة متقدمة، أو مرض القلب والرئتين المزمن، مع تكرار توقف القلب والرئتين، وقرر ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات ذلك - فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش.
خامسا: إذا وجد لدى المريض دليل على الإصابة بتلف في الدماغ مستعص على العلاج بتقرير ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات - فلا حاجة أيضا لاستعمال جهاز الإنعاش، لعدم الفائدة في ذلك.
سادسا: إذا كان إنعاش القلب والرئتين غير مجد، وغير ملائم لوضع معين حسب رأي ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات – فلا حاجة لاستعمال آلات الإنعاش، ولا يلتفت إلى رأي أولياء المريض في وضع آلات الإنعاش أو رفعها، لكون ذلك ليس من اختصاصهم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (25/80) .
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (5) د 3/ 07/ 86 بشأن "أجهزة الإنعاش":
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر هـ / 11 إلى 16 أكتوبر 1986م.
بعد التداول في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع "أجهزة الإنعاش" واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين.
قرر ما يلي:
يعتبر شرعًا أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
1- إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا تامًا وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2- إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلًا نهائيًا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه. وأخذ دماغه في التحلل، وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا يزال يعمل آليًا بفعل الأجهزة المركبة " انتهى من "مجلة مجمع الفقه" عدد 3 مجلد 2 ص 807.
وينبغي الحذر من التعجل في هذا القرار بدافع الشفقة من الأبوين أو أحدهما، أو بدافع حرص الطبيب على توفير جهاز الإنعاش لمريض آخر، ولهذا كان لابد من اتفاق ثلاثة من الأطباء على وجود أحد الأسباب التي تجيز رفع الإنعاش.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8205)
حكم تقويم الأسنان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تركيب تقويم للأسنان إذا كان الفك السفلي صغير والأسنان فيه متراكبة ومعوجة، وكذلك الفك العلوي الأسنان فيه بارزه للأمام، مع العلم أنَّ تركيب التقويم يحتاج إلى خلع بعض الأسنان لتوفير مساحة إضافية، وبعد فك التقويم يحتاج إلى تنعيم السن لإزالة أثر المادة المثبتة للحديد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ صالح الفوزان عن تقويم الأسنان فقال: إذا احتيج إلى هذا كأن يكون في الأسنان تشويه واحتيج إلى إصلاحها فهذا لا بأس به، أما إذا لم يُحتج إلى هذا فهو لا يجوز، بل جاء النهي عن وشر الأسنان وتفليجها للحسن وجاء الوعيد على ذلك لأن هذا من العبث ومن تغيير خلق الله.
أما إذا كان هذا لعلاج مثلاً أو لإزالة تشويه أو لحاجة لذلك كأن لا يتمكن الإنسان من الأكل إلا بإصلاح الأسنان وتعديلها فلا بأس بذلك.
أما إزالة الأسنان الزائدة فقال الشيخ ابن جبرين: لا بأس بخلع السن الزائد لأنه يشوه المنظر ويضيق منه الإنسان ... ، ولا يجوز التفليج ولا الوشر للنهي عنه.
[الْمَصْدَرُ]
انظر كتاب فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/477.(5/8206)
هل في العسل شفاء لكل داء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عسل النحل ليس شفاء للمسلم؟ عندي ابنة عم، كلما شربت عسلاً، أو تتذوق كمية صغيرة منه تصاب باضطراب بسبب ألم معوي، لماذا؟ مع أني سمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إنه شفاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
امتنَّ الله تعالى على الخلق بنعَم جليلة، في شرابها، وغذائها، ودوائها، وسائر ما تحتاجه الخليقة لعمارة الكون، ومن تلك النعم الجليلة " عسل النحل "، وقد جمع الله تعالى فيه الشراب والغذاء والدواء! .
قال ابن القيم رحمه الله: " وهو غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات، فما خُلق لنا شيء في معناه أفضل منه، ولا مثله، ولا قريباً منه " انتهى. " زاد المعاد " (4 / 34) .
وقد أخبرنا ربنا تعالى في محكم تنزيله أنه شفاء للناس، قال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/ 68، 69.
وقوله تعالى (شفاء) بالتنكير يدل على التبعيض، وأنه شفاء لبعض الأدواء، لا أنه شفاء لها كلها، ولو كان العسل فيه الشفاء لكل الأمراض ما خلق الله دواء آخر غيره! .
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -:
" وقوله: (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) أي: في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم.
قال بعض من تكلم على الطب النبوي: لو قال فيه: " الشفاء للناس " لكان دواء لكل داء، ولكن قال (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) أي: يصلح لكل أحد من أدواء باردة؛ فإنه حار، والشيء يداوى بضده " انتهى. " تفسير ابن كثير " (4 / 582) .
وانظر تفصيلاً من الإمام الطبيب ابن القيم في فوائد العسل ومنافعه في جواب السؤال رقم: (9691) .
وبعض المرضى يتناول جرعة يسيرة من عسل، ويظن أنه سيكون فيه الشفاء لمرضه، بل لأمراضه! وهذا بعيد من الشرع، والواقع، فقد يعتري هذه المعالجة أشياء تمنع من الشفاء بالعسل، ومنه:
1. أن لا يكون المرض من الأدواء التي يكون العسل سبب شفائها.
2. أن تكون الكمية المتناولة قليلة، والمرض يحتاج لما أكثر منها.
3. أو يكون العسل ليس طبيعيّاً.
4. أو يكون ذلك من باب الابتلاء؛ ليُرى صبر المريض واحتسابه، أو ليزداد الأجر والثواب له.
5. أن يكون في الجسم من الموانع ما يمنع من الاستفادة من هذا الدواء، كحال المدخن، أو الذي يشرب المسكرات.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا) ، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا) ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا) ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا) فَسَقَاهُ فَبَرَأَ) رواه البخاري (5360) ومسلم (2217) .
(يشتكي بطنه) ، أي: من ألمٍ أصابه بسبب إسهال حصل له.
(صدق الله) يعني في قوله تعالى: (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) النحل/ 69.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –: " معنى (كذب بطنه) أي: لم يصلح لقبول الشفاء، بل زلَّ عنه، وقد اعترض بعض الملاحدة، فقال العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟ والجواب: أن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى (بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه) ، فقد اتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السنِّ، والعادة، والزمان، والغذاء المألوف، والتدبير، وقوة الطبيعة، ... .ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة: لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار، وكمية، بحسب الداء، إن قصُر عنه: لم يدفعه بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوة، وأحدث ضرراً آخر، فكأنه شرب منه أولاً مقداراً لا يفي بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء: برأ بإذن الله تعالى.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم (وكذب بطن أخيك) : إشارة إلى أن هذا الدواء نافع، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، ولكن لكثرة المادة الفاسدة، فمِن ثمَّ أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها، فكان كذلك، وبرأ بإذن الله " انتهى. " فتح الباري " (10 / 169 , 170) .
ومثل ما أخبر الله تعالى به من وجود شفاء في العسل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في الحبة السوداء شفاء من كل داء، وصيغة هذا الحديث فيها من التعميم ما ليس في آية النحل، ومع ذلك فلا يُعرف من يقول أن عمومها على ظاهره، وأنها نافعة لكل داء، وهو الأمر نفسه الذي قيل في العسل.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: " قال الخطابي: قوله: (من كل داء) : هو من العام الذي يراد به الخاص؛ لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة.
وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل "فيه شفاء للناس" الأكثر الأغلب، فحمل " الحبة السوداء " على ذلك: أولى.
وقال غيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله في " الحبة السوداء " وافق مرض مَن مزاجه بارد، فيكون معنى قوله: (شفاء من كل داء) أي: من هذا الجنس الذي وقع القول فيه، والتخصيص بالحيثية كثير شائع، والله أعلم " انتهى. " فتح الباري " (10 / 145) .
وعليه: فننصح بمراجعة طبيبة مختصة؛ لتشخص مرض ابنة عمكِ، ولترى إن كان يناسبها العلاج بالعسل أم لا، ولتحدد لك كيفية وكمية تناوله.
وقد بينا في جواب السؤال رقم: (20176) بعض الأدعية والأدوية لمن يشتكي من ألم في بدنه، فلينظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8207)
العلاج بالإبر الصينية، ماهيته، وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في وخز الجسم عموماً، وكذلك وخز الأذنين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقصود بالسؤال هو ما يطلق عليه " الوخز بالإبر الصينية "، وتحديد الأذنين في السؤال لما انتشر مؤخراً من فعالية الوخز فيهما، على اعتبار أن الأذن تمثل بدن الإنسان، وهي تشبه في شكلها " الجنين المقلوب "، وفيها مسارات ترتبط مع أعضاء البدن.
والعلاج بالوخز بالإبر الصينية علاج فعَّال في كثير من الأمراض، وله اتحاد عالمي، وجمعيات الوخز بالإبر منتشرة في أرجاء العالم، وقد اعترفت بالعلاج به: " منظمة الصحة العالمية ".
جاء في جريدة " الجزيرة " (العدد 132) 14 جمادى الأولى، 1426 هـ:
يعتبر علاج " الوخز بالإبر الصينية " من الطرق القديمة، التي تم تطويرها حديثاً، وواكبت تطورات العصر، حيث اكتشفها الصينيون منذ آلاف السنين، من خلال تدليك نقاط معينة في الجسم، تعطي تأثيرها على الأجزاء المصابة، وتخفف الآلام، وأخذ هذا الطب يتطور، مستفيداً من التجارب، والتقدم العلمي الذي يحدث باستمرار، وأخذ يتوسع بصورة مطردة حتى صار معروفاً في كل العالم، حيث تأسس " الاتحاد العالمي لعلم الوخز بالإبر " في " بكين " عام 1987 م، ثم أنشئت جمعيات الوخز بالإبر في أكثر من مائة دولة في العالم، وتلا ذلك قيام " منظمة الصحة العالمية " بتأسيس مركز تدريب دولي في " بكين " تابع لها، وانتشر هذا العلاج بعد أن قامت " المنظمة " بتدريب آلاف المتخصصين، الذين عادوا إلى بلادهم، وأنشئوا عيادات لعلاج الأمراض بالوخز الصيني، كما أن البعض قام بتأليف العديد من الكتب، والبحوث، والدراسات، التي تتناول أبعاد هذا العلاج، وهذا ساعد على تعميم العلاج، ونشر ثقافته.
اليوم يوجد هذا العلاج في كل الدول العربية تقريباً، حيث دخلها قبل عشرات السنين، ويعوّل عليه الكثير من المرضى من مختلف الأعمار من الجنسين، وذلك بعد أن تأكدت فوائده، وطرق علاجه الآمنة، باعتباره أفضل من العلاج الكيميائي، الذي غالباً يترك آثاراً جانبية، أو أن المرض يعاود الكرة بعد فترة من الزمن، أو يتطلب في بعض الأحيان الجراحات المستعصية، أو الاستئصال " انتهى.
وبخصوص " وخز الأذن " يقول الدكتور عماد صبحي - استشاري في مجال علاج السمنة، والنحافة، والآلام بالأنظمة الغذائية، والليزر، والإبر الصينية -:
" وخز الآذان "، أو " طب الأذن " عُرف في أوائل الخمسينيات في " فرنسا " أيضاً، حيث اهتم به طبيب فرنسي يدعي " نوجييه " كان يقيم في " ليون "، وأصبحت له مدرسة معروفة في العلاج الأذني، فهو أول من ربط بين شكل الأذن والجنين المقلوب، لافتاً النظر إلى أن الأذن هي التلخيص الدقيق لأعضاء الجسم وأجزائه بالكامل، حتى إن العالَم يسمي بعض نقاط الأذن التي عرفها الصينيون بـ " النقاط الصينية "، بينما يسمِّي تلك التي اكتشفها الدكتور " نوجييه " بـ " النقاط الفرنسية ".
ويقول:
ويمكن استخدام " الوخز في الأذن " - سواء بالإبر، أو الليزر، أو البذور - في علاج أمراض أخرى عديدة بالإضافة إلى السمنة، والنحافة، نذكر منها المساعدة في الامتناع عن التدخين، وفي حالات الإدمان عموماً، وعلاج بعض أمراض الجهاز الهضمي، وبعض حالات الربو، وبعض أنواع العقم، والضعف الجنسي.
ويهتم بهذا العلاج: كثير من أطباء الغرب، حيث قدرت نسبة من يستخدمون " الوخز بالإبر " في بريطانيا بحوالي 25 % من مجموع الممارسين العامين.
ومن الثابت علميّاً أن استخدام " الإبر الصينية " للعلاج، سواء في الجسم، أو الأذن: مأمون تماماً، ولم تسجل لها أية مضاعفات، أو أعراض جانبية، أثناء العلاج، أو بعده.
وهكذا تصبح الأذن هي مفتاح الجسد كله، تعالج أمراضه، وتعيد الطاقة إلى كل مساراته، وتثير التساؤل والتعجب في أسرار الجسد، والطاقة، والعلاج، والشفاء على مدى العصور. انتهى – مع الامتناع عن وضع الرابط بسبب صور النساء فيه -.
وبعد الاطلاع على كثير من المقالات العلمية المختصة بالوخز بالإبر الصينية، من الأطباء العاملين بها، والممارسين لها من المختصين: لم نر مانعاً من استعمالها في العلاج، وعلى المسلم أن يحذر من العلاج عند الأدعياء لها، وعليه أن يتحرى في أمر علاجه بها، كما يتحرى في العلاج بالطرق الأخرى.
وانظر جواب السؤال رقم: (11956) ففيه نقل فتوى بالجواز عن الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8208)
أقسام الأطباء، ومن يضمن منهم أخطاءه الطبية في علاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إذا كان أثناء عملية العلاج حدثت أخطاء طبيَّة غير مقصودة، وغير متوقعة، في هذه الحالة ما هي المسئوليات الواقعة على عاتق الأطباء، وفي علم الطب: الأطباء – غالباً - ما يكشفون الخطأ للمرضى، هل هناك عقوبة على الأطباء إذا كانت الأخطاء لا تقبل التعديل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأخطاء الطبية باتت مصدر قلق لكثير من الناس في بلدان العالم، المتقدمة منها وغيرها، فقد بلغت في الولايات المتحدة - مثلاً – 98.000 حالة وفاة نتيجة الأخطاء الطبية كل عام! ومثله يقال في دول أخرى كبريطانيا وألمانيا، ولعلَّ الاستهانة بأرواح الناس من أجل تجريب الأدوية والعلاجات هو من الأسباب في تلك الأخطاء المزعومة، وللأسف نجد كثيراً من القضايا المرفوعة على الأطباء لا يكتب لها النجاح؛ والسبب في ذلك أن اللجان الطبية تتعاطف مع الطبيب أكثر من تعاطفها مع المعوق أو الميت، وبالأحرى أكثر من تعاطفها مع الحق.
ثانياً:
أما بخصوص ضمان الطبيب للخطأ – أو العمد – في علاجه للمريض: فإن هناك أصلاً في السنَّة النبوية في هذه المسألة، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ) رواه أبو داود (4586) والنسائي (4830) وابن ماجه (3466) ، وفي إسناده كلام، وحسَّنه الألباني في " سنن أبي داود ".
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَطَبَّبَ) ولم يقل: "من طبَّ"؛ لأن لفظ التفعُّل يدل على تكلف الشيء، والدخول فيه بعسر، وكلفة، وأنه ليس من أهله.
"زاد المعاد" (4/127) .
ويضمن الطبيب ما يتلفه من نفس أو أعضاء في الحالات الآتية:
1. المتعدي العامد.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
وبتعمد الطبيب للقتل، والقطع للعضو بقصد الضرر: خرج عن كونه طبيباً إلى كونه ظالماً معتدياً، وأصبح وصفه بكون طبيباً لا تأثير له؛ لخروجه بتلك الجناية عن حدود الطب مع قصدها.
وهذا الأثر قلَّ أن يوجد عند الأطباء؛ لما عُرف عنهم من الحرص على نفع مرضاهم، وهم محل حسن الظن، ولذلك نجد الفقهاء رحمهم الله يعتبرون هذا الأصل فيهم، ومن ثم قال بعضهم عند بيانه لعلة إسقاط القصاص عن الطبيب إذا قصَّر: " والأصل عدم العداء إن ادعِيَ عليه بذلك ".
" أحكام الجراحة الطبية " (ص 365) .
2. المعالج الجاهل.
وهو بجهله يعدُّ متعديّاً، والحديث السابق نصٌّ في أنه يضمن.
قال ابن القيم رحمه الله:
وأما الأمر الشرعي: فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى علم الطب، وعمله، ولم يتقدم له به معرفة: فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه، فيكون قد غرر بالعليل، فيلزمه الضمان لذلك.
قال الخطابي: " لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدَّى فتلف المريض كان ضامناً، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه: متعدٍّ، فإذا تولد من فعله التلف: ضمن الدية، وسقط عنه القَوَد [القصاص] ؛ لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض" انتهى.
"زاد المعاد" (4/127، 128) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أما إذا لم يكن حاذقاً: فلا يحل له مباشرة العملية، بل يحرم، فإن أجراها: ضمن ما أخطأ فيه وسرايته.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/4000) .
وهذا الضمان من الطبيب الجاهل المتعدي يكون حيث لا يعلم المريض أن الطبيب يجهل الطب والعلاج، فإن علِم أنه جاهل ورضي به معالِجاً: سقط حقه، ولم يضمن الطبيب، مع استحقاقهما للتعزير.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
إن كان المريض يعلم منه أنه جاهل لا علم له بالطب، وأذن له في معالجته مقدماً على ما يحصل منه، وهو بالغ، عاقل: فلا ضمان على الطبيب في هذه الحالة.
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (8 / 104) .
3. الطبيب الماهر الذي أخطأت يدُه.
ويضمن الطبيب الماهر إذا أخطأت يده فأتلفت عضواً صحيحاً، أو مات المريض بسبب ذلك الخطأ.
قال ابن المنذر رحمه الله:
وأجمعوا على أن قطع الخاتن إذا أخطأ، فقطع الذَّكر، والحشفة، أو بعضها: فعليه ما أخطأ به، يعقله عنه العاقلة.
" الإجماع " (74) .
العاقلة، هي ما يسمى الآن "العائلة"، والمراد هنا: الأقارب الذكور الذين ينتسبون إلى نفس العائلة، كالأب والجد والابن والإخوة والأعمام وأبنائهم.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
وكذا إن كان حاذقاً، لكن جنت يده، بأن تجاوزت ما تحتاج إليه العملية، أو أجراها بآلة كالة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح عملها فيه، أو أجراها في غيرها، ونحو ذلك: ضمن ما أخطأ فيه، وسرايته؛ لأن هذا فعل غير مأذون فيه، بل محرم.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/400، 401) .
4. الطبيب الماهر إذا أخطأ في وصف الدواء.
كما يضمن الطبيب الماهر إذا اجتهد في وصف دواء لمريض، ويكون أخطأ في تلك الوصفة، فأتلفت عضواً، أو قتلت المريض.
5. الطبيب الماهر الذي فعل ما لا يفعله غيره من أهل الاختصاص.
وهو الطبيب الذي يتجاوز الحدود المعتبرة عند أهل الطب، أو يقصِّر في التشخيص.
6. الطبيب الذي يعالج وفق أصول المهنة، لكن من غير إذن ولي الأمر، ومن غير إذن المريض، ويتسبب ذلك العلاج بأضرار، وفاة، أو ما دونها، وجمهور العلماء على تضمينه، وهو الذي رجحه الشيخ محمد المختار الشنقيطي في " أحكام الجراحة الطبية " (362) .
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
وإذا أمر الرجل أن يحجمه، أو يختن غلامه , أو يبيطر دابته، فتلفوا من فعله: فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بالصناعة: فلا ضمان عليه، وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح، وكان عالماً به: فهو ضامن.
"الأم" (6/166) .
وقد قسَّم ابن القيم رحمه الله الأطباء المعالجين خمسة أقسام، وذكر حكم كل قِسم، ونحن نذكرها للفائدة، وفيها جواب السائل وزيادة:
قال رحمه الله:
قلت: الأقسام خمسة:
أحدها: طبيب حاذق، أعطى الصنعة حقها، ولم تجنِ يدُه، فتولَّد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع، ومن جهة من يطبه: تلف العضو، أو النفس، أو ذهاب صفة: فهذا لا ضمان عليه، اتفاقاً؛ فإنها سراية مأذون فيه [السراية: ما ترتب على الفعل ونتج منه] ، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت وسنُّه قابل للختان، وأعطى الصنعة حقها، فتلف العضو، أو الصبي: لم يضمن.
القسم الثاني: مطبِّب جاهل، باشرت يدُه من يطبه، فتلف به: فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له، وأذن له في طبه: لم يضمن، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث؛ فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غرَّ العليل، وأوهمه أنه طبيب، وليس كذلك، وإن ظن المريض أنه طبيب، وأذن له في طبِّه لأجل معرفته: ضمِن الطبيب ما جنت يدُه، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته، وحذقه، فتلف به: ضمنه، والحديث ظاهر فيه، أو صريح.
القسم الثالث: طبيب حاذق، أُذن له، وأَعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يدُه، وتعدَّت إلى عضو صحيح، فأتلفه، مثل: أن سبقت يدُ الخاتن إلى الكَمَرة - وهي: رأس الذَّكَر-: فهذا يضمن؛ لأنها جناية خطأ، ثم إن كانت الثلث فما زاد: فهو على عاقلته، فإن لم تكن عاقلة: فهل تكون الدية في ماله، أو في بيت المال؟ على قولين هما روايتان عن أحمد.
القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته، اجتهد، فوصف للمريض دواءً، فأخطأ في اجتهاده، فقتله: فهذا يخرَّج على روايتين، إحداهما: أن دية المريض في بيت المال، والثانية: أنها على عاقلة الطبيب، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام، والحاكم.
القسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقَّها، فقطع سِلْعة – لحمة زائدة - مِن رجُل، أو صبي، أو مجنون، بغير إذنه، أو إذن وليه، أو ختن صبيّاً بغير إذن وليه، فتلف، فقال أصحابنا: يضمن؛ لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه، وإن أذِن له البالغ، أو ولي الصبي، والمجنون: لم يضمن، ويحتمل أن لا يضمن مطلقاً؛ لأنه محسن، وما على المحسنين من سبيل، وأيضاً: فإنه إن كان متعديّاً: فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان، وإن لم يكن متعديّاً: فلا وجه لضمانه، فإن قلت: هو متعد عند عدم الإذن، غير متعد عند الإذن قلت: العدوان، وعدمه، إنما يرجع إلى فعله هو، فلا أثر للإذن وعدمه فيه، وهذا موضع نظر.
"زاد المعاد" (4/128 – 130) .
وذكر ابن القيم رحمه الله بعد ذلك فصلاً نافعاً في " الطبيب الحاذق " وأنه هو الذي يراعي عشرين أمراً! وذكرها هناك، فلتنظر.
ومن أعطى المهنة حقَّها، وعالج وفق الأصول المهنية المعروفة، وترتب على عمله خطأ، كتلف عضو أو وفاة: لم يضمن الطبيب شيئاً؛ لأنه مأذون له في العلاج من ولي الأمر، ومن المريض أو وليه؛ ولأنه حاذق في مهنته، ولو ضمِّن مثل هذا لكان فيه ظلم له.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
إذا كان الطبيب حاذقاً، وأعطى الصنعة حقَّها، ولم تجن يده، أو يقصر في اختيار الدواء الملائم بالكمية، والكيفية، فإذا استكمل كل ما يمكنه، ونتج من فعله المأذون من المكلف، أو ولي غير المكلف تلف النفس، أو العضو: فلا ضمان عليه، اتفاقاً؛ لأنها سراية مأذونة فيها، كسراية الحد، والقصاص.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (8/104) .
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا فعل الطبيب ما أُمر بفعله، وكان حاذقاً في صناعته، ماهراً في معرفة المرض الذي يجري من أجله العملية وفي إجرائها، ولم يتجاوز ما ينبغي أن يفعله: لم يضمن ما أخطأ فيه، ولا ما يترتب على سرايته من الموت، أو العاهة؛ لأنه فعل ما أذن له فيه شرعاً، ونظيره ما إذا قطع الإمام يد السارق، أو فعل فعلاً مباحاً له، مأذوناً له فيه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 400) .
فهذه أقسام الأطباء، وهذه أحوالهم وأحكامهم، وتنطبق هذه الأحكام على كل من يشتغل بالطب، وتصدق هذه الأحكام على: الحجّام، والفاصد، والمجبِّر، والكوَّاء، والمعالج للحيوانات، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله بعد ذِكره تلك الأقسام للأطباء.
والواجب على الأطباء أن يتقوا الله تعالى في مرضاهم، وأن لا يتعجلوا التشخيص، وأن يتعاون مع غيره ممن هم أعلم منه، وأن يعترف من أخطأ منهم.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
يجب على الطبيب أن يتحرى في تشخيص المرض، ويتعاون مع زملائه في ذلك قبل إجراء العملية، ويستعين في التشخيص بقدر الإمكان بالآلات الحديثة، ولا يتعجل بالعملية قبل التأكد من التشخيص، وإذا أجراها بعد ذلك وأخطأ: فعليه أن يعلن خطأه لمن هو مسئول أمامهم، ولا يموه، ولا يعمِّي، ويسجل ذلك في ملف المريض؛ خوفاً من الله تعالى؛ وأداء لواجب الأمانة؛ وإيثاراً لمصلحة المريض؛ وتقديما لها على مصلحة المعالج؛ ودفعا لما قد يترتب على التعمية والتمويه من العواقب السيئة للمريض.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/401) .
ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8209)
حكم لبس الباروكة وزراعة الشعر لمن سقط شعرها
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي تعالج بالكيماوي وسقط شعرها والآن عندها مناسبة وتريد أن تحضر في المناسبة وتريد لبس الباروكة. هل يجوز لبس الباروكة في هذه الظروف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لبس الباروكة من وصل الشعر المنهي عنه، والملعون فاعله، كما روى البخاري (5477) عن مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أنه َتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ ثم قال وهو على المنبر: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: (إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم لبس المرأة ما يسمى بالباروكة لتتزين بها لزوجها؟
فأجابوا:
"ينبغي لكل من الزوجين أن يتجمل للآخر بما يحببه فيه، ويقوي العلاقة بينهما، لكن في حدود ما أباحته شريعة الإسلام، دون ما حرمته، ولبس ما يسمى بالباروكة بدأ في غير المسلمات، واشتهرن بلبسه، والتزين به حتى صار من سمتهن، فلبس المرأة إياها وتزينها بها ولو لزوجها فيه تشبه بالكافرات، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (من تشبه بقوم فهو منهم) ؛ ولأنه في حكم وصل الشعر بل أشد منه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعن فاعله " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/191) .
ثانيا:
يباح لمن سقط شعرها أن تتداوى ولو بزراعة الشعر، وليس هذا من تغيير خلق الله، بل هو معالجة لرد ما خلق الله تعالى.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ،الموافق 9– 14تموز (يوليو) 2007م، بشأن عمليات التجميل، في بيان ما يجوز منه: " إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كلياً حالة استئصاله، أو جزئياً إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن أخذت أدوية فأدت إلى تساقط شعر رأسها أو معظمه ولا تريد استعمال الباروكة لأنها ترى أنها حرام، فأجاب:
" استعمال الباروكة بمثل هذا الحال الذي وصفته، حيث تساقط شعرها على وجه لا يرجى معه أن يعود، نقول: إن الباروكة في مثل هذه الحال لا بأس بها، لأنها في الحقيقة ليست لإضافة تجميل، ولكنها لإزالة عيب، وعلى هذا فلا تكون من باب الوصل الذي لعن النبي صلي الله عليه وسلم فاعله، فقد (لعن الواصلة والمستوصلة) والواصلة هي التي تصل شعرها بشيء، لكن هذه المرأة في الحقيقة لا تشبه الواصلة، لأنها لا تريد أن تضيف تجميلاً، أو زيادة إلى شعرها الذي خلقة الله تبارك وتعالى لها، وإنما تريد أن تزيل عيباً حدث، وهذا لا بأس به، لأنه من باب إزالة العيب، لا إضافة التجميل، وبين المسألتين فرق" انتهى.
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_4629.shtml
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8210)
حكم التبرع بجزء من الكبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب سأتبرع لوالدتي بجزء من كبدي ما حكم ذلك؟ حيث تعاني من ورم خبيث بها وبداية تليف، وقرر الأطباء ضرورة زراعة الكبد، وإذا كان ذلك جائزاً - وهذا ما أظنه وأتمناه - فما أجره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي والدتك، وأن يعافيها، وأن يصبِّرها على ابتلائها، كما نسأله تعالى أن يثيبك على برِّك لوالدتك، واهتمامك بشأن طهارتك وصلاتك.
ثانياً:
أما بخصوص تبرعك بجزء من كبدك لوالدتك: فهو من الأمور الجائزة بشرطين:
1. أن تكون الفحوصات التي تُجرى لك قبل تبرعك تثبت فائدة هذا الجزء لوالدتك.
2. ألا يترتب على هذا التبرع الإضرار بك.
التبرع بجزء من الكبد لا نظن أنه داخل في الخلاف المشهور بين العلماء في حكم التبرع بالأعضاء، بل هو داخل فيما اتفق عليه من الجواز؛ وذلك لأن الكبد يكتمل نموه بعد اقتطاع الجزء المتبرع به، ويعود كاملاً بعد فترة قصيرة، وهذا كلام كبار الاختصاصيين في مجال الكبد وزراعتها، وهو بذلك يشبه التبرع بالدم المتفق على جوازه؛ لأنه يتجدد في الجسم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
فلا يحل لأحدٍ أن يتبرع بشيءٍ من جسده، لا في حياته، ولا بعد موته، إلا شيئاً واحداً، وهو الدم، فيجوز للإنسان أن يتبرع بدمه، بشرط ألا يتضرر بسحبه منه، وأن ينتفع به المريض.
والفرق بينه وبين الأعضاء: أن الدم يخلفه دم آخر، فإذا سُحب من العروق: عُوض بدل ذلك دمٌ آخر، وحينئذٍ لا يكون متضرراً بأخذ هذا منه.
" اللقاء الشهري " (66 / جواب السؤال رقم 12) .
والكبد أيضاً يكتمل نموه بعد فترة، فيكون شبيهاً بالتبرع بالدم.
وينظر حكم التبرع بالأعضاء في جواب السؤال رقم: (49711) .
ونسأل الله تعالى لك ولوالدتك ولجميع المسلمين العفو والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8211)
هل تؤجر الأم على الولادة بعملية يستعمل فيها المخدر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي حول الولادة وما ورد في أجرها للمرأة، أريد أن أعرف ما صح عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وهل يصح أن نترك ما ظهر الآن من مخدِّرٍ موضعي (إبرة الظهر) حتى نؤجر على الولادة؟ وهل من تأخذ هذا المخدر لا أجر لها كما يتوارد بين العامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تتحمل المرأة من آلام الولادة الشيء الكثير، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) الأحقاف/15.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أي: بمشقة من الطلق وشدته " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (7/280) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" ومعنى: " وضعته كرهاً ": أنها في حالة وضع الولد تلاقي من ألم الطلق وكربه مشقة شديدة كما هو معلوم. وهذه المشاق العظيمة التي تلاقيها الأم في حمل الولد ووضعه، لا شك أنها يعظم حقها بها، ويتحتم برها والإحسان إليها كما لا يخفى " انتهى.
"أضواء البيان" (7/326) .
غير أن ذلك لا يقتضي منع المرأة من اتخاذ التدابير المخففة من آلام الوضع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يكن يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً) رواه البخاري (3560) .
فالمسلم يسعى في إزالة كل ما يؤذيه أو يضره، فإذا قَدَّر الله عليه من الشدة ما لا يجد لها مخرجاً، فالواجب عليه أن يصبر على قدر الله تعالى.
وهذا كلامٌ لابن مسعود رضي الله عنه يبين هذا المعنى:
عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل: (أأتسوك وأنا صائم؟ قال: نعم. قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت، إن شئت غدوة، وإن شئت عشية. قلت: فإن الناس يكرهونه عشية، قال: ولم؟ قلت: يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) . فقال: سبحان الله! لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لا بد أن يكون بفي الصائم خلوف وإن استاك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا، ما في ذلك من الخير شيء، بل فيه شر، إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدا. قلت [أي عبد الرحمن بن غنم] : والغبار في سبيل الله أيضا كذلك، إنما يؤجر فيه من اضطر إليه ولم يجد عنه محيصاً؟ قال: نعم، وأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له من ذلك من أجر) .
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/70) وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/202) : بإسناد جيد.
فلا حرج على المرأة أن تأخذ ما يخفف عنها آلام الولادة، بل هذا أقرب إلى مقاصد الشرع، لما فيه من التخفيف والتيسير.
وانظري جواب السؤال رقم (110531) فقد نقلنا فيه فتوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في ذلك.
وأما من حيث الأجر، فأمر ذلك إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8212)
استعمال دواء فيه شحم الخنزير لدهن الرأس
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة استعملت بعض الأدوية على رأسها مما أدى إلى تساقط شعر الرأس أو معظم شعر الرأس وهناك دواء تدهن به الرأس لإنبات الشعر، ولكنه يحتوي على شحم الخنزير وعلى شيء من دمه، فهل يجوز استعمال هذا الدواء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"استعمال هذا الدواء الذي فيه شحم الخنزير إذا ثبت أن فيه شحماً للخنزير فهذا لا بأس به عند الحاجة، لأن المحرم من الخنزير إنما هو أكله (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخنزير) وقال الله تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما حرم من الميتة أكلها) وأنه أذن في الانتفاع بجلدها بعد الدبغ، وثبت عنه أيضا أنه قال صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا إنما هو حرام) . يعني البيع لأنه هو موضع الحديث، والصحابة رضي الله عنهم أوردوا هذا لا لأجل أن يعرفوا حكم هذه الأشياء، لكن لأجل أن يكون مبرراً للبيع، قالوا: هذه المنافع التي ينتفع بها الناس من شحوم الميتة ألا تبرر بيعها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هو حرام.
وعلى هذا فاستعمال هذا الدواء في دهن الرأس به إذا صح أنه مفيد فإن الحاجة داعية إليه، وعلى هذا فإذا استعملته فإنها عند الصلاة تغسله لأن شحم الخنزير نجس" انتهى.
والله أعلم.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_4629.shtml
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8213)
سيجري عملية جراحية ويسأل عن الصلاة وعن حكم مس الممرضات له
[السُّؤَالُ]
ـ[سأجري عملية جراحة وأفكر كثيراً في حكم الصلوات التي ستكون وقت العملية، وكيفية الوضوء، وهل يحق لي التيمم إذا لم أستطع الحركة بعد العملية؟ أيضاً ما حكم لمس الممرضات والطبيبات لي أثناء العملية، وقبلها، وبعدها؟ وهل عليَّ إثم إذا فعلن من غير قدرة على ردهن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله لك الشفاء والعافية.
أما بخصوص صلاتك: فإنه يجمعها الأحكام التالية:
1. يجب عليك الوضوء إن استطعت استعمال الماء، فإن عجزت جاز لك التيمم.
2. يجب عليك الصلاة قائماً، فإن عجزت: فجالساً، فإن عجزت: فعلى جنب، أو وأنت مستلقٍ على ظهرك.
3. يجب عليك التوجه للقبلة، فإن لم تستطع: فحيث كنت متوجهاً على السرير. والقاعدة في هذا: أنه يجب عليك الإتيان بما تستطيع من شروط وأركان الصلاة، ويسقط عنك ما لا تستطيعه.
4. إن صليتَ مستلقياً على ظهرك فتومئ بالركوع والسجود، واجعل سجودك أخفض من ركوعك.
5. صلِّ الصلاة في وقتها، فإن شقَّ عليك فيجوز لك الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إن شئت فجمع تقديم، أو جمع تأخير، حسب ما يتيسر لك.
6. إن استفقت بعد العملية وقد فاتتك صلوات: فعليك أداؤها فور استيقاظك، وتصليها بترتيبها، وتؤخر ما عجزت عنه أو شق عليك لحين استطاعتك.
وانظر جواب السؤال رقم: (36738) ، ورسالة " أحكام صلاة المريض وطهارته " للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ويمكنك قراءتها هنا:
http://www.kalemat.org/sections.php?so=va&aid=112
ثانياً:
أما بخصوص لمس الطبيبات والممرضات لك: فاعلم أن الأصل أنه لا يجوز لامرأة أن تمس رجلاً أجنبيّاً عنها، ولا العكس، وعليه: فإنه يجب عليك الطلب من المستشفى الذي ستُجري فيه العملية أن لا يمسك أحد منهن، فإن تعذر ذلك، أو لم يُستجب لطلبك: فلا حرج عليك، ويكون ذلك من باب الضرورات، لكن عليك الالتزام بغض البصر، وعدم الحديث معهن في غير ضرورة، كما يمكنك الطلب بعد إجراء العملية أن لا يدخل عليك أحد من النساء من الطبيبات والممرضات؛ لأنه قد توجد حاجة لوجودهن في غرفة العمليات – غالباً – ولا يوجد مثل هذا بعدها.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إن دعت الضرورة بأن يعالج الرجل امرأة: فليحذر الفتنة، ولا ينظر منها إلا ما تدعو الحاجة إليه، وبأدنى قول، أو عمل؛ لأن (الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ) - رواه البخاري ومسلم -.
قد تقول: في هذا المكان لا يمكن للإنسان أن تتحرك شهوته، أو ما أشبه ذلك: فنقول: صحيح، وهذا هو الأصل، ولكن ما ظنك إذا كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ألا يمكن أن يغوي هذا الإنسان؟ بلى، هذا ممكن....
أوصيكم ألا تكثروا الكلام مع الممرضات إلا بقدر الضرورة مع غضّ البصر؛ لأن المسألة هذه خطيرة جدّاً، فقد تؤدي المحادثة إلى ما هو شر منها، لكن ما دعت إليه الضرورة لا بأس به، مع غض البصر، بقدر المستطاع.
من محاضرة: " إرشادات للطبيب المسلم ".
وانظر جواب السؤال رقم: (12987) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8214)
تحديد جنس المولود بذكر بسبب مرض وراثي يصيب الإناث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من بنت خالتي، وبسبب مرض وراثي لم يستطع الأطباء تحديده بدقة ولد لي ثلاث بنات، وكل واحدة تولد مريضة بمشاكل في الجهاز التنفسي ثم تموت بعد فترة بسيطة رغم بقائها في المستشفى، ولكن الأطباء عاجزون عن علاجها، ومنذ أربع سنوات رزقني الله بولد ذكر وولد طبيعياً ولا يعاني من مشاكل صحية والحمد لله، وقال الأطباء: إن هذا المرض الوراثي يصيب الإناث فقط، ولا يصيب الذكور، فهل يجوز لي التحكم في جنس الجنين، وأختار أن يكون ذكراً حتى لا يصاب بهذا المرض، وإذا تم الحمل ووجد أن الجنين أنثى هل يجوز إسقاطه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان كلام الأطباء في هذا مؤكدا، أن هذا بسبب مرض وراثي يصيب الإناث دون الذكور، ولم يكن مجرد توقع أو ظن، فلا حرج في هذه الحالة من إسقاط الجنين إذا كان أنثى بشرط أن يكون ذلك قبل نفخ الروح فيه، ونفخ الروح يكون بتمام مائة وعشرين يوماً من بداية الحمل، أما إذا نفخت فيه الروح فلا يجوز إسقاطه لهذا السبب، لأنه صار إنساناً له حرمة، ولا يجوز الاعتداء عليه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12289) .
وأما التحكم في جنس الجنين واختيار أن يكون ذكراً، فلا حرج فيه في هذه الحالة ـ إذا كان كلام الأطباء مؤكداً كما سبق ـ فلا بأس من التدخل الطبي واختيار جنس الجنين (ذكراً) طلباً لسلامته من هذا المرض.
وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي قرار بشأن موضوع: "اختيار جنس الجنين" ونصه:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22ـ27/شوال/1428هـ التي يوافقها 3ـ8/نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: (اختيار جنس الجنين) ، وبعد الاستماع للبحوث المقدمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة.
فإن المجمع يؤكد على أن الأصل في المسلم التسليم بقضاء الله وقدره، والرضى بما يرزقه الله؛ من ولد، ذكراً كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذم فعل أهل الجاهلية من عدم التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكراً كان أو أنثى، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولاً: يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها.
ثانياً: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريراً طبياً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي ومن ثم يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.
ثالثاً: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات والمراكز الطبية؛ التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية، لتمنع أي مخالفة لمضمون هذا القرار. وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة والتعليمات في ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=168&l=AR&cid=12
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8215)
الأدوية المخلوطة بالكحول
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفتائي في حرمة بعض العلاجات المحتوية على كحول، حيث إن هذا الموضوع يسبب لي حرجاً شديداً وشكاً وأخاف أن أرتكب الإثم بسبب وصفي لهذه العلاجات للمرضى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز خلط الأدوية بالكحول المسكرة؛ لكن لو خلطت بالكحول جاز استعمالها إن كانت نسبة الكحول قليلة لم يظهر أثرها في لون الدواء ولا طعمه ولا ريحه، وإلا حرم استعمال ما خلط بها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/39) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8216)
هل للممرضة أن تنظف المريض وترى عورته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقوم بتنظيف المريض ورؤية عورته ممرضات المستشفى لاستحالة قيام ذلك بنفسه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز اطلاع الممرضة على عورته عند الضرورة إذا لم يتيسر رجل يقوم بذلك؛ لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، فإن تيسر أن يقوم بذلك رجل لم يجز أن يتولى ذلك الممرضات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/344) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8217)
حكم معالجة منابت اللحية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الوجه فيه بعض أماكن لم ينبت فيها اللحية، فهل يجوز معالجتها ببعض الأدوية لتنبت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان يُرْجَى نباتُه بنفسِه فلا يحاول؛ لأن هذا ليس بعيب، إذْ إن كثيراً من الشباب الذين في ابتداء نبات لِحاهُم لا تنبت اللِّحَى مستوية جميعاً، فينتظر.
أما إذا كان عيباً بحيث نعلم ونيئس أنه لن ينبت بنفسِه فلا حرج أن يعالج ذلك حتى يخرج الباقي، لا سيما إن كانت مشوهة.
أما إذا كانت غير مشوهة فالأفضل ألا يعالجها بشيء؛ لأني أخشى أن يكون هذا من جنس الوصل الذي لعن فيه الرسول عليه الصلاة والسلام الواصلة والمستوصلة" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (2/400) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8218)
حفلات التوديع المختلطة وحكم العلاج بالموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حفلات التوديع المختلطة من الجنسين؟ وما حكم العلاج بالموسيقى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحفلات لا تكون بالاختلاط، بل الواجب أن تكون حفلات الرجال للرجال وحدهم وحفلات النساء للنساء وحدهن، أما الاختلاط فهو منكر ومن عمل أهل الجاهلية نعوذ بالله من ذلك، أما العلاج بالموسيقى فلا أصل له، بل هو من عمل السفهاء، فالموسيقى ليست بعلاج ولكنها داء وهي من آلات الملاهي، فكلها مرض للقلوب وسبب لانحراف الأخلاق وإنما العلاج النافع والمريح للنفوس إسماع المرضى القرآن والمواعظ المفيدة والأحاديث النافعة، أما العلاج بالموسيقى وغيرها من آلات الطرب فهو مما يعودهم الباطل ويزيدهم مرضاً إلى مرضهم ويقل عليهم سماع القرآن والسنة والمواعظ المفيدة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - من مجلة الحسبة العدد 39 ص 15.(5/8219)
حكم ما يسمى " المعالجة المِثليَّة "
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حكم اتخاذ " المعالجة المثلية " كدواء، اكتشفت أن الدواء المستخدم هو سائل محتوي على الكحول المستخدم لحفظ الدواء، فهل يحل استخدام هذا الدواء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المعالجة المثلية، أو التداوي بالمثل هو إعطاء المريض جرعات صغيرة من ذات الداء المصاب به! ولا تزال الأبحاث والدراسات قائمة على هذا النوع من المعالجة، ولم يُقطع بعدُ بنجاحه في عالم الطب.
جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
"التداوي بالمثل" "Homeopathy ":
"التَّداوي بالمثل أسلوب للعلاج الطبِّي يقوم على أساس " دع المشابِه يَشفي مثيله "، وحسبما يقول أطباء هذا الأسلوب: فإن المادة التي تَسبِّب أعراضاً في الشخص الصحيح: تشفي هذه الأعراض نفسها عند الشخص المريض، فبعض النباتات - على سبيل المثال - تسبب طفحاً جلديّاً، وهكذا يعالج الأطباء المِثْلِيُّون الطفح بهذه النباتات، والبصل يسيل الدموع، ويسبب سيولة في الأنف، ولذا يُستخدم البصل في علاج " نزلات البرد "، وقد توصَّل الطبيب الألماني " صمويل هانمان " لطرق المعالجة المثلية في نهاية القرن الثامن عشر.
ويتم اكتشاف المعالجات المثلية بعملية تسمى " الإثبات "، وفيها تتم تجربة مواد مختلفة على الأصحَّاء، ومتابعة آثارها بعناية، ويعطي أطباء المعالجة المثلية للمرضى علاجاً واحداً فقط في كل مرة، إذ يعتقدون أن استعمال أكثر من دواء يؤثِّر في فاعلية كل دواء، وتخفف الأدوية بحيث يتلقى المريض أقل جرعة فَعَّالة من الدواء، ويُعتقد أن هذا الإجراء يصل بفائدة العلاج إلى ذروتها، كما أنها تمنع الآثار الجانبية الضارة.
ويحتوي الكثير من أدوية المعالجة المثلية على مواد يمكن أن تكون سامة، أو خطرة على البشر، إذا ازدادت جرعتُها، وفضلاً عن ذلك: فإن الفاعلية الطبية للمعالجات المثلية لم تُثبت علميّاً، ولهذه الأسباب تتعرض المعالجة المثلية للنقد من جانب كثير من الأطباء" انتهى.
ثانياً:
أما بخصوص ما تحتويه تلك المعالجات من مواد: فإنه يُنظر إلى طبيعتها ليتم الحكم عليها وفق الأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة.
أ. أما بخصوص المواد السميَّة: فقد منع بعض العلماء من تناول السموم، كثيرها، وقليلها، ضارها، وما يتوقع نفعها، وأباحها آخرون من أهل العلم، ولهم في ذلك ضوابط، ومن قال منهم بالجواز: فإنه يقول بأنه يُنظر إلى أثر ذلك السم، ومدى نفعه لبدن المريض، ولا بدَّ أن يكون ذلك على ضوء تجارب متعددة تجعل القلب مطمئناً لنتائجه، وأن تكون هذه الأدوية دافعة لما هو أشد منها.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وما فيه السموم من الأدوية: إن كان الغالب من شربه واستعماله الهلاك به أو الجنون: لم يبح شربه، وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى منه المنفعة: فالأوْلى إباحة شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية.
ويحتمل أن لا يباح؛ لأنه يعرض نفسه للهلاك، والأول: أصح؛ لأن كثيراً من الأدوية يخاف منه، وقد أبيح لدفع ما هو أضر منه" انتهى باختصار من "المغني" (1/447) .
ب. أما بخصوص استعمال الأدوية التي تحتوي على الكحول: فاعلم أنه يتعلق بالكحول ها هنا أمران: الأول: هل هو نجس أم لا؟ والثاني: هل يؤثر في خلطه بغيره من الأدوية أم لا؟ .
أما الأمر الأول: فقد ذهب جمهور العلماء إلى نجاسة الخمر نجاسة حسيَّة، وذهب آخرون من العلماء إلى أن نجاستها نجاسة معنوية.
وأما الأمر الثاني: فالكحول إذا خُلط بغيره من الأدوية: فإما أن يكون تأثيره واضحاً، وقويّاً، وفعَّالاً، وإما أن لا يكون، فإن كان تأثيره واضحاً، وقويَّاً، وفعَّالاً: حرُم الخلط، وحرُم استعمال تلك الأدوية.
وإن لم يكن للكحول تأثيرٌ في تلك الأدوية: جاز استعماله، وهناك فرق بين تناول الكحول مباشرة وبين خلطه بغيره، فإن تناولَه المرءُ وحده لم يجز حتى لو قلَّت كميته، وإن خُلط بغيره: فعلى ما سبق تفصيله.
وانظر فتوى علماء اللجنة الدائمة في ذلك في جواب السؤال رقم: (40530) .
وانظر فتوى تفصيلية للشيخ محمد بن صالح العثيمين في جواب السؤال رقم: (59899) .
والخلاصة:
1. لم يثبت نفع المعالجة المثلية عند حذَّاق الأطباء، وهناك من يحاربها، ويمنع منها.
2. لا تُقدم على أي علاج إلا أن يثبت نفعه – لعامة المرضى - بيقين، أو بظن راجح.
3. احذر من الأدوية المشتملة على مواد سمية، أو كحولية، إلا أن تكون كميتهما قليلة، ويثبت نفع تلك الأدوية على عامة المرضى وفق دراسات مؤكدة، ونتائج محققة.
4. ننصحك بالرقية الشرعية، المكونة من القرآن والأذكار والأدعية الشرعية، تقرؤها على نفسك، وتستعين بالله تعالى أن يدفع عنك المرض، وننصحك باستعمال الأدوية التي نصَّ الشرع على كونها نافعة مفيدة، كالعسل، والحبة السوداء، ولا بأس من الرجوع إلى الأطباء في تحديد نسبة ذلك، وطريقة تناوله.
ونسأل الله أن يشفي ويعافي مرضى المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8220)
تخشى أن تحرم الثواب إن أجرت عمليات للولادة من غير آلام
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عدة طرق لتخفيف الألم أثناء الولادة، قد يصل بعضها إلى عدم الشعور بأية آلام، ولكني أعرف أن في هذا الألم ثواباً جزيلاً، فهل سأنال هذا الثواب إذا كانت الولادة بدون ألم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل ما يصيب المؤمن من تعب أو مشقة أو ألم فإنه يكفر عن خطاياه، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (5642) ومسلم (2573) .
وليس معنى ذلك أن يطلب الإنسان المشقة، ولا يحاول تجنبها، بل كلما كان الفعل أيسر وأسهل كان أقرب إلى محبة الله تعالى، ما لم يكن إثماً ولهذا قالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا) رواه البخاري (3560) . وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رواه أحمد (5832) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (564) .
وعلى هذا، فلا حرج من استعمال ما يؤدي إلى تخفيف الألم عند الولادة، أو عدم حصوله تماماً، وعملية الولادة لا تخلو من مشقة ومخاطرة، وفضل الله تعالى واسع.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين:
سائلة تقول بأنها امرأة ضعيفة الجسم، وقد ولدت طفلاً بصعوبة، أعطوها مادة سائلة يقولون بأنها طلق صناعي لأن طلقها ضعيف، ومع هذا الطلق الصناعي تقول كأنني أشعر كأني أفقد عقلي، وتعبت كثيراً بعد الولادة، وظل التعب لمدة سنة تقريباً، تقول بأنها حملت بعد ذلك بابنها الثاني فنصحها البعض بالذهاب إلى مستشفى خاص، وأعطوها إبرة تخدير لأنها لن تتحمل الطلق الصناعي، أيضاً تقول بعد أن أعطوني إبرة التخدير لم أشعر بألم الولادة، ونمت قليلاً.
هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ، تقول لأنها حامل في شهرها الثالث؟
أرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؛ لأن البعض أخبرني بأن هذا لا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" إذا كانت المرأة يشق عليها الطلق والولادة، وأخذت من الأدوية المباحة ما يعينها على ذلك، فإن هذا لا بأس به، وهو من باب التنعم بنعم الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى من كرمه وجوده وفضله يحب لعباده أن يتنعموا بنعمه التي مَنَّ بها عليهم، ويحب من عبده أن يرى أثر نعمته عليه، واستعمال هذه المسكنات أو المقويات في الطلق أو ما أشبه ذلك من الأشياء المباحة لا بأس به ولا حرج؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحب اليسر لعباده، كما قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (الجنائز/الأحكام الطبية) .
أما مقدار الثواب، فهذا أمره إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8221)
طول العمر وقصره
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي رحمه الله توفى يوم 27 من رمضان - أسكنه الله الجنة آمين - لم يتجاوز عمره السبعين عاما، وأسئلتي في نفس الموضوع هي: أولا: هل لكل منا عمر محدد لا يتجاوزه؟ ثانيا: هل يطيل الله العمر أو يقصره تبعا لصلاح أو فساد أفعال الإنسان؟ ثالثا: اذا أهمل شخص جسده ولم يأخذ الدواء، هل يحتمل أن يكون ذلك سببا أن يقصر الله عمره؟ رابعا: إذا كان عمر كل منا محددا، بغض النظر عن أفعالنا، فلماذا نتعاطى الأدوية؟ إذا كان العمر محددا ولن يموت الشخص قبل انتهاء أجله حتى ولو لم يأخذ الدواء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الموت والأجل من قضاء الله وقدره الذي كتبه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة، فلا يلحقه تغيير ولا تبديل؛ فقد كتبه سبحانه بعلمه الذي لا يخطئ، ومشيئته التي لا تتخلف.
يقول الله عز وجل:
(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المنافقون/10-11.
ويقول تبارك وتعالى:
(قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ. يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) نوح/2-4.
وذلك لا يعني أن الموت والأجل غير خاضعين لقانون السببية الذي خلقه الله في هذا الكون، بل أَمْرُ الموت كسائر ما يقدَّر في هذه الدنيا مبنيٌّ على الأسباب المادية المكتوبة أيضا في اللوح المحفوظ.
فمن رغب أن يحفظ القرآن الكريم – مثلا – فلا بد أن يأخذ له أسبابه: من قراءة، ومراجعة، واستماع، وتَكرار، ونحو ذلك، فإذا استكمل هذه الأسباب أتمَّ الحفظ، وإن قَصَّرَ فيها لم يُتِمَّ ما أراد.
وعلم الله تعالى الأزلي محيطٌ بما سيكون من هذا الإنسان، فهو سبحانه يعلم إن كان سيجتهد في الحفظ والتلاوة أو سيقصر في ذلك، وأَمَرَ بِكَتبِ ذلك المعلوم الذي لا يخطئ في اللوح المحفوظ عنده سبحانه.
وكذلك الموت: له أسبابه المادية التي يعلمها جميع الناس، كالسقوط من شاهق، والجرح الغائر في المقاتل، والأمراض الخطيرة، ونحو ذلك.
كما له أسبابه المادية التي تؤخره وتؤجله: كحفظ الصحة، والبعد عن أماكن الخطر، ونحو ذلك.
وأيضا الأسباب المعنوية التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها تزيد في العمر وتمد الأجل، كالدعاء، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وأعمال البر كلها.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) . رواه البخاري (2067) ، ومسلم (2557)
وعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلاَ يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلاَّ البِرُّ)
رواه الترمذي (رقم/2139) وقال: حسن غريب. وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (154)
فمن أتى بهذه الأسباب استحق زيادة العمر، ومن نقص أسباب الحياة فقد عرَّض نفسه للموت، وكل ذلك – سواء الأسباب أو المسببات – معلومة مكتوبة عند الله تعالى في ابتدائها وانتهائها، لا تتغير لأنها معلومة لله على ما ستكون، مهما غير العبد من أسبابه، رفعت عنها الأقلام، وجفت بها الصحف.
وهذا معنى قوله سبحانه:
(وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فاطر/11.
يقول ابن عباس في تفسير هذه الآية:
" ليس أحد قضيت له طول الحياة والعمر إلا هو بالغ ما قدرت له من العمر، قد قضيت ذلك، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له، لا يزاد عليه، ليس أحد قضيت له أنه قصير العمر ببالغ العمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له، فذلك قوله: (ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) ، يقول: كل ذلك في كتاب عنده " انتهى.
رواه البيهقي في "القضاء والقدر" (1/218)
يقول البيهقي رحمه الله:
" والمعنى في هذا أن الله جل ثناؤه قد كتب ما يصيب عبدا من عباده من البلاء والحرمان والموت وغير ذلك، وأنه إن دعا الله تعالى أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها، لم يصبه ذلك البلاء، ورزقه كثيرا، وعمّره طويلا، وكتب في أم الكتاب ما هو كائن من الأمرين " انتهى.
"القضاء والقدر" (1/211)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" إن الله أمر الملك أن يكتب أجلاً، وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (8/517)
ويقول الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
" اعلم: أن الآجال والأراق - كسائر الأشياء - مربوطة بقضاء الله وقدره، فالله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر؛ (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) الأعراف/34.
فهذا أمر لا ريب فيه ولا شك، ومع ذلك، فهي أيضاً كغيرها: لها أسباب دينية، وأسباب طبيعية مادية، والأسباب تبع قضاء الله وقدره، فمن الأسباب الدينية لطول العمر، وسعة الرزق: لزوم التقوى والإحسان إلى الخلق، لاسيما الأقارب.
كما ثبت في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره - أي يطيل عمره - فليصل رحمه) .
وذلك: أن الله يجازي العبد من جنس عمله؛ فمن وصل رحمه: وصل الله أجله ورزقه، وصلاً حقيقياً. وضده: من قطع رحمه، قطعه الله: في أجله وفي رزقه.
قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/2
ومن الأسباب الدينية لقطع طول العمر: البغي والظلم للعباد. فالباغي سريع المصرع، والظالم لا يغفل الله عن عقوبته، وقد يعاقبه عاجلاً بقصم العمر " انتهى.
نقلا عن موقعه على هذا الرابط:
http://www.ibn-jebreen.com/book.php?cat=1&book=69&toc=4468&page=4036&subid=29295
فالتداوي من الأسباب المادية المحسوسة التي تحفظ للإنسان عمره وصحته بإذن الله، وإذا أهمل قد يؤدي إلى الضرر أو الوفاة، وذلك لا يتعارض بأي وجه مع ما تقرره الآيات والأحاديث أن الأجل والعمر محدود، فهو محدود بأسبابه، وكل شيء عنده سبحانه وتعالى بمقدار، فإن تداوى المرء وتعافى فطالت أيامه في هذه الدنيا فذلك بقدر الله، وإن قصر أو ترك التداوي حتى قضى أجله فهو بقدر الله كذلك.
عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا؛ هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟
قَالَ: (هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ) رواه الترمذي (2065) وابن ماجة (3437) ، وروي موقوفا. قال الترمذي: هذا أصح.
نسأل الله أن يتغمد والدك برحمته، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه.
وانظر جواب السؤال رقم في حكم التداوي: (2148) ، (2438) ، (13272)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8222)
حكم إجراء عملية أو معالجة لتكبير الصدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مقبلة على الزواج أعاني من مشكلة صغر الصدر، فهل يجوز لي استعمال المراهم التي تساعد على تكبير الثدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الغرض من تكبير الصدر هو زيادة الحسن والجمال فلا يجوز؛ لأنه من تغيير خلق الله تعالى، وإذا كان الصدر صغيرا صغرا يسبب لك الحرج والضيق، فلا حرج من تكبيره بما لا يعود عليك بالضرر من المراهم وغيرها.
ومعالجة ذلك بالمراهم أخف وأهون من معالجته بالجراحة التي تستدعي تخديرا أو اطلاعا على العورة عند عدم وجود الطبيبة المختصة.
وما ذكرنا من التفريق بين التحسين وبين إزالة العيب هو الضابط العام في مسألة التجميل، وينظر جواب السؤال رقم (47694) .
وإليك بعض ما قاله أهل العلم بهذا الخصوص:
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أنا شاب أبلغ من العمر ثماني عشرة سنة، وقبل أربع سنوات حدث لي بروز في الثديين، وكان مصاحبا لذلك البروز بعض الألم، وبعد فترة زال الألم والحمد لله وبقي البروز على حاله، وبروز الثديين هذا واضح حتى من تحت الملابس، وقد سألت الطبيب المختص عن ذلك فقال: إنه يمكن إزالة هذا البروز بسهولة، وذلك عن طريق عملية جراحية تجميلية، فهل يجوز إجراء مثل هذه العملية؟ علما أن هذا البروز يسبب لي الإحراج أمام الآخرين.
فأجابوا: "يجوز لك إجراء عملية التجميل لإزالة هذا البروز إذا غلب على الظن نجاح العملية ولم ينشأ ضرر يزيد على فائدتها أو يساويه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/62) .
وسئلوا أيضاً (25/59) : أحد زملائي تزوج بتوفيق الله وحمده، وجاءني يقول:
إن زوجته تريد عملية تجميل بالوجه والصدر؛ لأن أنفها كبير وعريض، وتريد تصغيره بطرق سهلة وصل إليها الطب الحديث، فهل هذه العملية بها شك أو إثم؟ علما أن عدم عملها قد يؤدي إلى مضايقة نفسية لبروز هذا العيب في وجهها.
فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكر، ورجي نجاح العملية ولم ينشأ عنها مضرة راجحة أو مساوية - جاز إجراؤها تحقيقا للمصلحة المنشودة، وإلا فلا يجوز.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض العمليات التجميلية كتعديل الأنف، شفط الدهون، تصغير أو تكبير الثديين ... إلخ، فما حكم هذه العمليات؟ وما الضابط وفقك الله وجزاك خيراً ونفع بك؟
فأجاب: " أما موضع التجميل الذي ذكر، فالتجميل نوعان: النوع الأول: إزالة عيب. والنوع الثاني: زيادة تحسين. أما الأول فجائز - إزالة العيب - فلو كان الإنسان أنفه مائل فيجوز أن يقوم بعملية لتعديله؛ لأن هذا إزالة عيب، الأنف ليس طبيعياً بل هو مائل فيريد أن يعدله، كذلك رجل أحول، الحول عيب بلا شك، لو أراد الإنسان أن يعمل عملية لتعديل العيب، فيجوز، ولا مانع، لأن هذا إزالة عيب. لو قطع أنف الإنسان لحادث هل يجوز أن يركب أنفاً بدله؟ يجوز؛ لأن هذا إزالة عيب، وقد وقعت هذه الحادثة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، قطع أنف أحد الصحابة في حرب من الحروب، فالرجل جعل عليه أنفاً من فضة، ركبه على الأنف، فأنتنت الفضة، الفضة تنتن، صار لها رائحة كريهة، فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب فاتخذ أنفاً من ذهب، إذاً هذا نقول: تجميل أو إزالة عيب؟ إزالة عيب، هذا جائز. كذلك لو أن الشفة انشرمت، فيجوز أن نصل بعضها ببعض لأن هذا إزالة عيب.
أما النوع الثاني: فهو زيادة تحسين، هذا هو الذي لا يجوز؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن، بمعنى: أن تبرد أسنانها حتى تتفلج وتتوسع للحسن، لعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك، ولعن الواصلة التي تصل شعرها القصير بشعر وما أشبه ذلك.
بقي أن ننظر لعملية تكبير الثدي أو تصغيره يجوز أو لا يجوز؟ هذا تحسين، إلا إذا كانت المرأة الصغيرة الثدي تريد أن يكبر لأجل أن يتسع للبن، يعني: بحيث يكون ثديها صغيراً
لا يروي ولدها، فهذا ربما نقول: إنه لا بأس به، أما للتجميل فإنه لا يجوز. فهذا هو الضابط لمسألة التحسين، التحسين نوعان: الأول: لإزالة عيب وهذا لا بأس به، والثاني: لزيادة تجميل فهذا لا يجوز " انتهى من "اللقاء الشهري" (50/8) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8223)
هل يأثم إذا استمر في استعمال الحاسوب وهو يؤذي عينيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقضي تقريباً معظم وقتي أمام شاشة الحاسوب، وأنت تعلم أن الأشعة التي تنبعث منها مُضرة بالعين، وأنا لا أستعمل أي واقٍ على عيني، وقد تسببت لنفسي أن ضعف بصري، ولم أعد أرى جيداً بسبب أشعة الحاسوب، وأعلم أن الله عز وجل يقول: (ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ما أريد أن أعرفه هو: هل ما أقوم به أنا الآن حرام أم حلال؟ يعني هل أُعتبر مُعرضا نفسي للتهلكة التي نهانا الله تعالى عنها في الآية الكريمة؟ علماً أنني لا أقوم بشيء مُحرم أمام الحاسوب، فقط التفقه في الدين والبحث عن الاستفادة..؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك الاستمرار في إهمال عينيك وإلحاق الضرر بهما، وإن كنت لا تكترث لما يصيبك من الأذى فالشريعة لا ترضى بذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جميع أنواع الأذى والضرر بقوله: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَار) رواه ابن ماجه (2340) .
قال الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (3/16) :
" الضرر والضرار مبثوث منعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات وقواعد كليات، كقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) ، (ولا تضاروهن) ، ومنه النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض، وعن الغصب والظلم، وكل ما هو في المعنى إضرار أو ضرار، ويدخل تحته الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال.
فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المعنى: كل شيء يضر بالشخص في دينه أو دنياه محرم عليه تعاطيه: من سم أو دخان أو غيرهما مما يضره؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (6/23-24) .
فاحرص على اتباع نصائح الطبيب في طريقة استعمال الحاسوب، ومراعاة الوسيلة التي لا تضر عينيك، واستغفر الله على ما فات من تفريطك، ولا تفرط في صحتك، ولا تهمل شأنك في مستقبل أمرك؛ فهذا كله من نعم الله تعالى التي يجب المحافظة عليها، ثم إن استمر الضرر في عينيك – بعد أخذك بأسباب الوقاية – فلا حرج عليك حينها إن شاء الله تعالى، بل لك الأجر إن صبرت واحتسبت.
نسأل الله لنا ولك الصحة والعافية.
وانظر جواب السؤال رقم: (107305) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8224)
حكم التبرع بالأعضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الشريعة الإسلامية التبرع بأعضاء الجسم عند الموت لمن هو في حاجة إليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم: (49711) ، ترجيح القول بجواز التبرع بالأعضاء، إذا لم يكن التبرع بها يؤدي إلى وفاة صاحبها.
وننقل هنا ما يؤكد الفتوى السابقة من قرارات مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد صدر بعد بحوث مطولة من مجموعة من الفقهاء والأطباء والمختصين، ونحن ننقله هنا على طوله لما فيه من الفوائد الطبية والشرعية.
جاء في القرار رقم (26) بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، حياً كان أو ميتاً:
" إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية، من 18-23 صفر 1408هـ الموافق 6-11 شباط (فبراير) 1988 م، بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المَجمع، بخصوص موضوع انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً.
وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أنَّ هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة، والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته من دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.
وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعاً لها.
قرر ما يلي:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو، أي: جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين، سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه.
ثانياً: الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم: كالبصر ونحوه، على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً.
ثالثاً: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1- نقل العضو من حي.
2- نقل العضو من ميت.
3- النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
- نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
- نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر، وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه:
أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فردياً، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه مالا يقوم بها.
ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً، فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
1- حالة الأجنة التي تسقط تلقائياً.
2- حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
3- حالة اللقائح المستنبتة خارج الرحم.
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً:
يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب، أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.
ثانياً:
يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثاً:
تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعاً:
يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامساً:
يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها: كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية، فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادساً:
يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعاً:
وينبغي ملاحظة: أنَّ الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.
ثامناً:
كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.
والله أعلم " انتهى من "قرار مجمع الفقه الإسلامي".
وانظر للفائدة أيضا جواب السؤال رقم (2159) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8225)
الأضحية بقصد الشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أصيب ابن عمي في حادث، وقال الأطباء إن نسبة شفائه 50%، نَصَحَنَا شخصٌ بأن نضحي بماعزٍ لِلَّه، فهل يجوز أن نفعل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الذبح لله تعالى، وقصد بذلك التصدق بشيء من هذا اللحم على الفقراء والمساكين، فلا حرج من ذلك، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (داووا مرضاكم بالصدقة) رواه أبو داود في الراسيل، ورواه الطبراني والبيهقي وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، وكل أسانيده ضعيفة، وقد حسنه الألباني رحمه الله لغيره في صحيح الترمذي (744) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
تكرموا علينا - حفظكم الله - ببيان فقه حديث: (داووا مرضاكم بالصدقة) – رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/382) ويضعفه عامة المحدثين- من جهة مداواة المريض بالذبح له، هل يشرع ذلك أو لا يشرع لرفع البلاء عنه؟
فأجابوا:
"الحديث المذكور غير صحيح، ولكن لا حرج في الصدقة عن المريض تقربا إلى الله عز وجل، ورجاء أن يشفيه الله بذلك؛ لعموم الأدلة الدالة على فضل الصدقة، وأنها تطفئ الخطيئة، وتدفع ميتة السوء" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/441) .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
"الصدقة علاج نافع مفيد، يشفي الأمراض، ويخفف الأسقام، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) - رواه أحمد (3/399) -، فلعل بعض الأمراض تحدث عقوبةً على ذنبٍ أصابه المريض، فمتى تصدق عنه أهله زالت الخطيئة فزال سبب المرض، أو أن الصدقة تكتب له حسنات، فينشط قلبه بها، ويخف مع ذلك ألم المرض" انتهى.
"الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية" (2/سؤال رقم/15) .
فلا حرج عليكم في الذبح لوجه الله تعالى، تقصدون به الصدقة عن هذا المريض لعل الله أن يشفيه ويعافيه، وخاصة إذا كان ذلك على وجه الأضحية أيضا.
ولكن.. لا داعي لتخصيص الذبح بالماعز، لأن المقصود هو الذبح على سبيل الأضحية والصدقة، فتذبحون ما تيسر مما يجزئ في الأضحية، سواء كان ماعزاً أم غيرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8226)
الاستفادة من عظام الموتى لدراسة الطب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدراسة على العظام الآدمية في كلية الطب؟ وهل تحتاج إلى وضوء بعد لمسها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل المقرر شرعا هو احترام المسلم وعدم إهانته حيا وميتا، ووجوب دفنه ودفن ما وجد من أجزائه من عظم وغيره، لقوله تعالى: (وَلَقَد كَرَّمنَا بنيءَادَمَ) الإسراء/70.
وروى أحمد (24730) وأبو داود (3207) وابن ماجه (1616) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
إلا أنه نظرا لأهمية تشريح الجثث ودراستها، لنفع الأحياء وإفادتهم، فقد جوز أهل العلم تشريح جثة الكافر غير المعصوم وهو الحربي والمرتد، وصدر في ذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي، ذكرناه في جواب السؤال رقم (92820) .
وأما العظام المأخوذة من جثة مسلم، فجب دفنها، ولا يجوز إبقاؤها للفحص والدراسة، وينبغي البحث عن بديل لذلك.
ولمس الجثة أو العظام لا ينقض الوضوء.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أنا طالب بكلية الطب وأثناء الدراسة نضطر إلى أن نمسك بعض الجثث ونشرحها بأيدينا وغالباً ما تكون جثث مسلمين، وأيضاً نضطر إلى أن نحتفظ بعظام الموتى في بيوتنا فهل تشريح هذه الجثث أو لمس هذه العظام يوجب إعادة الوضوء؟ وما حكم تشريح جثث المسلمين لغرض التعلم الطبي؟
فأجاب: "الله سبحانه وتعالى شرع لبني آدم الدفن أن تدفن جنائزهم بعد موتهم، قال الله تعالى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) عبس/21، وقال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) المرسلات/25، 26 أي: تعيشون على ظهرها، وتدفنون بعد موتكم في بطنها، قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) طه/55 فالذي يشرع نحو الميت أن يدفن في قبره، ولا يتصرف في جثته وأعضائه.
وأما بالنسبة لتشريح الجثة لقصد التعليم كما ورد في السؤال، وكما يقال إنه أصبح الآن ضرورة لتعلم الطب ونفع الأحياء بذلك، فهذا إن أمكن الاستغناء عنه فإنه لا يجوز بحال من الأحوال، وإذا لم يمكن وتوقف الأمر عليه فإن جثة المسلم لا يجوز أن تشرح أبداً لأجل الطب ...
فالمسلم لا يجوز أن يتلاعب بجثته، ولا أن تشرح، بل يجب دفنه واحترامه، أما بالنسبة لجثة الكافر فقد رخص بعض العلماء المعاصرين بتشريح جثته لأجل الطب والله أعلم.
أما لمس الجثة ولمس الميت غير فرجه فهذا لا ينقض الوضوء، إنما الذي ذكره بعض أهل العلم أنه ينقض الوضوء تغسيل الميت، وفيه نظر، أما لمس جثته من غير التغسيل فهذا لا ينقض الوضوء " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/44) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8227)
حكم العلاج بالموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الموسيقى بدون غناء، أيحل سماعها؟ وما معنى أن بعض العلماء قد برعوا في علم الموسيقى، وقد كان يعالج بها المرضى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحرم الاشتغال بإذاعة الموسيقى وبسماعها، سواء كانت مع غناء أم لا، وهي مع الغناء أشد بلاء وإفساداً للفطر والأخلاق، وما ذكر من أن بعض العلماء قد برعوا فيها فصحيح؛ لكنهم من جنس الفارابي، من الذين لا خبرة لهم بالدين الإسلامي، وليسوا قدوة للمسلمين، ولا حجةً في الحق، وليسوا من أئمة المسلمين علماً وعقيدة وعملاً؛ كالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأئمة السلف الصالح؛ كسعيد بن جبير والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل والأوزاعي، وأمثالهم في العلم الإسلامي والعمل به، فهؤلاء قدوة لمن بعدهم رحمهم الله.
وأما العلاج بالموسيقى فلا يجوز، ولا يحتاج إليه المسلم لوجود ما يغني عنه بالأناشيد الإسلامية وقراءة القرآن بصوت حسن، ونحو ذلك مما يهدئ الأعصاب ويبعث السرور في النفس، ويزيد المسلم إيماناً بالله وبقضائه وقدره.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/216) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8228)
هل يطلب مساعدة من الدولة ليتمكن من زراعة كلية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة بصديق لدي عنده كلية شبه متعطلة وتحتاج زراعة كلية والكلية الأخرى لديه لا تتحمل ضغط الجسم طرحنا عليه فكرة رفع التقارير لأهل الخير سواء عن طريق الحكومة أو الأمراء أو الملوك حتى يساعدوه لكن صديقي رافض الفكرة ويعتبرها من الشحاذة وأنه سيفقد كرامته، فإما أن يدفع تكاليف العملية، أو يبقى وتتدهور صحته وربما يفقد الكلية الأخرى بسبب التأخر في إجراء العملية وهو لا يستطيع تجميع مبلغ العملية إلا بعد سنوات ربما من الآن فيا ليت تقدمون له النصيحة وهل ما يفعله يعتبر انتحارا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفي صديقك ويعافيه، ويرزقه الصبر واحتساب الأجر، وأن يجزيه خيرا على تعففه وحرصه على صيانة ماء وجهه وتنزهه عن سؤال الناس.
ثانيا:
التداوي مشروع من حيث الجملة، لما روى أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: (تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد. قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم) أخرجه الترمذي (1961) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثالثا:
اختلف العلماء في حكم التداوي، فذهب جمهورهم إلى عدم وجوبه، وذهب جماعة منهم إلى وجوبه إذا خشي الإنسان على نفسه التلف بتركه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ليس بواجب عند جماهير الأئمة، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد " نقله السفاريني في "غذاء الألباب" (1/459) .
وقال في "تحفة المحتاج" (3/182) : " ونقل عياض الإجماع على عدم وجوبه، واعتُرض بأن لنا وجهاً بوجوبه إذا كان به جرح يخاف منه التلف" انتهى.
وفي حاشيته: "عن البغوي أنه إذا علم الشفاء في المداواة وجبت " انتهى.
وفي حاشية قليوبي وعميرة" (1/403) : " وقال الإسنوي: يحرم تركه في نحو جرح يظن فيه التلف" انتهى.
وهذا يؤخذ منه أن الدواء إذا تُيقن نفعه وكان المرض مما يخشى منه التلف، وجب التداوي، فيدخل في ذلك إيقاف النزيف، وخياطة الجروح، وبتر العضو التالف المؤدي إلى تلف بقية البدن، ونحو ذلك مما يجزم الأطباء بنفعه وضرورته، وأن تركه يؤدي إلى التلف أو الهلاك.
وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي بالقول بوجوب التداوي إذا كان تركه يفضي إلى تلف النفس أو أحد الأعضاء أو العجز، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية. انظر نص قرار المجمع في جواب السؤال رقم (2148)
وأما زراعة الكلية فليس مما يتقين نفعه، فلا يجب، ولا يكون تارك ذلك آثما ولا منتحرا، لكن يستحب لمن ابتلي بذلك أن يسعى في العلاج بالزراعة إن تيسرت أو بغيرها مما أنزل الله من الدواء.
رابعا:
لا حرج على صاحبك أن يقدم طلب مساعدة من الدولة، فليس هذا من المسألة المذمومة؛ لما روى الترمذي (681) والنسائي (2600) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ) وصححه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي.
ورواه أبو داود (1639) بلفظ: (الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا) .
قال في "سبل السلام" (1/548) : " كد أي خدش وهو الأثر، وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه ; لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال، ولا منّة للسلطان على السائل ; لأنه وكيل، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم شحذ الناس، أرجو التفصيل، متى يجوز ومتى لا يجوز؟
فأجابوا: "تحرم المسألة إلا من سلطان، أو في أمر لا بد منه؛ كإصابة المسلم بحاجة تحمله حمالة ونحو ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه) ، وقال صلى الله عليه وسلم لقبيصة: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا حاجة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، -أو قال- سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكله صاحبه سحتا) رواه مسلم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن قعود " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/76) .
وحديث قبيصة فيه تفسير الأمر الذي لابد منه، ودل هو وحديث سمرة على أن المسألة تباح في حالتين: سؤال ذي السلطان، والسؤال في الأمر الذي لابد منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8229)
يتدرب على المرضى بسحب الدم منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يحتاج الطبيب أن يتعلم طريقة سحب الدم من المرضى، ولكي يتقن ذلك عليه أن يتدرب مراراً، وهناك بعض المرضى في غيبوبة تامة ومزمنة، ولا أمل في علاجهم، فهل نكون آثمين إن تدربنا عليهم في سحب نسبة قليلة من الدم لا تضرهم ولكنها تجدي بالنفع لنا، فهل هذا يعد من الضرورات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز سحب الدم من المرضى للتعلم والتدرب، ولو كان المرضى لا يرجى شفاؤهم؛ لأن في ذلك مضرة عليهم، وظلماً لهم، أما من كان عقله معه وسمح بأخذ الدم منه لمصلحة غيره فلا بأس بشرط ألا يضره ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/70) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8230)
هل يجوز العلاج بالكي بالنار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكي بالنار في رأس المريض أو بعض جسده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز كي المريض بالنار لعلاجه إذا احتاج إلى ذلك، ويرجى أن ينفعه الله به؛ لما ثبت عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه، وما ثبت من أن سعد بن معاذ رضي الله عنه لما رُمي، كواه النبي صلى الله عليه وسلم. بمشقص (نوع من السهام) في أكحله، ولما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة، وقال: حسن غريب، ولما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي) وفي لفظ آخر: (وما أحب أن أكتوي) فدل فعله وإخباره صلى الله عليه وسلم، بأنه من أسباب الشفاء على جواز العلاج به عند الحاجة إليه، وأما نهيه أمته عن الكي فيحمل على ما إذا لم يحتج إليه المريض؛ لإمكان العلاج بغيره، أو على أن العلاج به خلاف الأولى والأفضل؛ لما فيه من زيادة الألم والشبه بتعذيب الله العصاة بالنار، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بأنه لا يحب أن يكتوي، وأثنى على الذين لا يكتون؛ لكمال توكلهم على الله، وينبغي أن يتولى ذلك خبير بشؤون الكي؛ ليكوي من يحتاج إلى هذا النوع من العلاج في الموضع المناسب من جسده، ويراعى ظروف المريض وأحواله " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/6) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8231)
لا يجوز الاحتفاظ بأجزاء من المتوفين لعرضها في متحف للطب الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[مركز الطب الشرعي يريد إنشاء متحف للطب الشرعي، والذي سوف يضم عينات وصوراً ومعلومات عن الطب الشرعي، ومن هذه العينات التي نرغب في عرضها عينات وأجزاء من بعض المتوفين، والتي تتضح فيها حقائق علمية، وسوف يتم حفظ هذه العينات بمادة حافظة، وتعرض في مكان خاص، علماً بأن أهمية هذه العينات ترجع إلى: أولاً: ندرة وجودها، وثانيا: أن لها أهمية تعليمية لذوي التحقيقات الطبية، مثل ذلك: جزء من عظم اخترقه عيار ناري، كما سوف يعرض صور فوتوغرافية لبعض حالات الطب الشرعي، والتي تتضح لها علامات طبية شرعية، مع العلم بأنه سوف نلتزم بإخفاء العورات وصور الوجه؛ حفظاً لكرامة الإنسان المتوفى. فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز الاحتفاظ بأجزاء الإنسان المنفصلة منه، بل يجب دفنها؛ لحرمة الإنسان، ووجوب صيانة أجزائه من الامتهان، قال صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/99) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8232)
لا يجوز أخذ الأنسولين المستخلص من الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمريض السكر أن يأخذ حقن الأنسولين المستخلص من الخنزير، لأن هذا النوع أكثر نقاء من المستخلص من العجول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" استعمال الأنواع من الأنسولين المستخلص من الخنزير حرام؛ لما ثبت من الأدلة الدالة على تحريم التداوي بالمحرمات، وأن الله لم يجعل الشفاء في المحرمات، ومما ثبت في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (عباد الله، تداووا، ولا تتداووا بحرام) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/28) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8233)
لا حرج من إزالة الأصبع السادس من اليد
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقت ببنت وفي كف يدها اليسرى ما يشبه أصبعاً سادساً، وأشار علينا بعض من الناس أنه يمكن استئصال هذا الأصبع الزائد؛ لأنه معلق ويهتز كلما اهتزت يدها، فنريد حكم الإسلام في هذه العملية الجراحية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في إزالة الأصبع الزائد من كف البنت إذا انتفت المفسدة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/58) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8234)
رفع جهاز التنفس الصناعي عن المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[مريض مصاب بتلف في خلايا التنفس في المخ، وليس هناك علاج لهذه الحالة، ويتنفس عن طريق جهاز، فهل يجوز رفع الجهاز؟ مع العلم أنه إذا رفع الجهاز فسوف يتوقف التنفس ويموت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الأمر كما ذكر فلا مانع من نزع الجهاز التنفسي عنه إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم الموتى، ولكن يجب أن ينتظر بعد نزعها منه مدة مناسبة حتى تتحقق وفاته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/82) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8235)
تأخير الصلاة من أجل إجراء عملية جراحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تأخير الصلاة حتى خروج وقتها كصلاة العصر مثلاً للضرورة، وذلك إذا كان الطبيب في حال إجراء العملية وتحت يده مريض لو تركه ولو لفترة قصيرة فإن في ذلك خطراً على حياته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"على الطبيب المتخصص في إجراء العمليات أن يراعي في إجرائها الوقت الذي لا يفوت به أداء الصلاة في وقتها ويجوز في حال الضرورة الجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير؛ كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، حسبما تدعو إليه الضرورة، أما إذا كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالعصر والفجر، فإن أمكن أداؤها في وقتها ولو كان عن طريق النوبة لبعض العاملين، ثم يصلي الآخرون بعدهم فذلك حسن، وإن لم يمكن ذلك فلا حرج في تأخير الصلاة وقضائها بعد انتهاء العملية للضرورة، وهي تقدر بقدرها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/44) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8236)
العلاج بالكي
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت في بعض الكتب الدينية أن الكي الذي يعالج به بعض الناس مريضهم مكروه، ولم يذكروا دليلاً على كراهته، مع أن التجربة أثبتت أنه مفيد بإذن الله للمرضى، فأرجو إفادتي عن ذلك مع الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الكي نوع من العلاج بنص الحديث، وهو بإذن الله مفيد إذا أصاب الداء، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يكرهه ونهى عنه أمته لبشاعته، ولأنه شبيه بالتعذيب بالنار، وإن لم يقصد به التعذيب، وإنما قصد به العلاج، ولذا قيل: إنه مكروه لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم إياه إذا وجد غيره من أنواع العلاج، ونهيه أمته عنه، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي) ، وروى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لدغةٍ بنار، توافق الداء، وما أحب أن أكتوي) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان.. الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/5) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8237)
استعجال موت المريض طلباً لراحته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمريض الذي لا يرجى أمل في شفائه أن يطلب الموت، وهل يلبى طلبه تخفيفاً من الألم الذي يتعرض له؟ البعض يقول: إن من حق الإنسان أن يحدد متى تنتهي حياته إذا كان في حياته تعذيب وألم له ولغيره، فما رأي الدين في هذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحرم على المريض أن يستعجل موته سواء بطريق الانتحار أو بتعاطي أدوية لقتل نفسه، كما يحرم على الطبيب أو الممرض أو غيره أن يلبي طلبه، ولو كان مرضه لا يرجى برؤه، ومن أعانه على ذلك فقد اشترك معه في الإثم، لأنه تسبب في قتل نفس معصومة عمداً بلا حق، وقد دلت النصوص الصريحة على تحريم قتل النفس بغير حق، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام/151، وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء/29، 30.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) متفق عليه.
وعن قلابة عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) رواه الجماعة، وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقا الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمنى الإنسان الموت لضر أصابه، في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري، وأخرج البخاري أيضاً بلفظ آخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب) .
فإذا كان الإنسان منهياً عن مجرد تمني الموت وسؤال الله ذلك؛ فإن إقدام الإنسان على قتل نفسه أو المشاركة في ذلك تعد لحدود الله وانتهاك لحرماته؛ لأن فعل ذلك ينافي الصبر على أقدار الله، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره، وجزع من ذلك، الذي اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالخير والشر امتحاناً واختباراً لعباده، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) الأنبياء/35، وقد يبتلي الله بعض عباده بالمرض، وهو الحكيم فيما يفعل، العليم بما يصلح عباده، ويكون في ذلك خير له وزيادة في حسناته وقوة إيمانه، وقربٌ من الله سبحانه باستكانته وتضرعه وخضوعه لله سبحانه وتوكله عليه ودعائه له، فينبغي للإنسان إذا أصيب بأحد الأمراض: أن يحتسب الأجر في ذلك، ويصبر على ما أصابه من البلاء، فإن من أنواع الصبر: الصبر على البلاء حتى يفوز برضا الله سبحانه عنه، وزيادة حسناته، ورفع درجاته في الآخرة، ويدل لذلك ما رواه صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبت من أمر المؤمن، إن أمر المؤمن كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير، وإن أصابته ضراء فصبر فكان ذلك له خير) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في المسند، وهذا لفظ الإمام أحمد.
وقوله تعالى: (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ) الحج/35، وقوله تعالى: (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة/155، 156، وقوله تعالى: (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35.
وما رواه أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) أخرجه الإمام الترمذي في جامعه، وقال: حسن غريب من هذا الوجه.
وما رواه مصعب عن سعد عن أبيه رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد تى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي.
وعلى ذلك؛ يحرم على الإنسان المبتلى بأحد الأمراض أن يسعى في قتل نفسه؛ لأن حياته ليست ملكاً له، وإنما هي ملك لله الذي قدر الأقدار والآجال، ولأن العبد بموته تنقطع أعماله، وحياة المؤمن التي يعيشها يرجى له خير منها، فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه مما مضى من ذنوبه، ويتزود من الأعمال الصالحات من صيام وزكاة وحج وذكر ودعاء الله سبحانه وقراءة قرآن، فيرتقي بذلك أعلى الدرجات عند الله، كما أن المريض يكتب له أجر ما كان يعمله في زمن صحته، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة.
أما أولئك الذين يرون أن يلبى طلب المريض في قتل نفسه ويعينونه على ذلك من أطباء وغيرهم ـ فإنهم آثمون ونظرتهم قاصرة، ويدل ذلك على جهلهم، لأنهم ينظرون إلى حياة الإنسان وبقائه من جهة أن يكون ذا قوة حيوانية ذا سلطة وأشر وبطر، ولا ينظرون من حياته أن يكون متصلاً بربه متزوداً بالأعمال الصالحة، قد رق قلبه لله وخضع واستكان وتضرع بين يديه سبحانه وتعالى، فكان أحب وأقرب إلى الله ممن تجبر وطغى واستغل قوته الحيوانية فيما يغضب الله. كما أن الله سبحانه قادر على شفائه وما يكون اليوم مستحيلاً في نظر البشر قد يكون ميسوراً علاجه مستقبلاً بقدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/85) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8238)
إجراء عمليه لتجميل الصدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر ثماني عشر سنة، وقبل أربع سنوات حدث لي بروز في الثديين، وكان مصاحباً لذلك البروز بعض الألم، وبعد فترة زال الألم والحمد لله وبقي البروز على حاله، وبروز الثديين هذا واضح من تحت الملابس، وقد سألت الطبيب المختص عن ذلك فقال إنه يمكن إزالة هذا البروز بسهولة، وذلك عن طريق عملية جراحية تجميلية، فهل يجوز إجراء مثل هذه العملية؟ علماً أن هذا البروز يسبب لي الإحراج أمام الآخرين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز لك إجراء عملية التجميل لإزالة هذا البروز إذا غلب على الظن نجاح العملية ولم ينشأ ضرر يزيد على فائدتها أو يساويه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/62) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8239)
إجراء عملية لتصغير الأنف
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أنفها كبير وعريض، وتريد تصغيره بعملية جراحية فهل هذه العملية تغيير لخلق الله، وإن عدم عملها قد تؤدي إلى مضايقة نفسية لبروز هذا العيب في وجهها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت، ورجي نجاح العملية ولم ينشأ عنها مضرة راجحة أو مساوية ـ جاز إجراؤها تحقيقاً للمصلحة المنشودة، وإلا فلا يجوز.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/59) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8240)
إجراء عملية جراحية لتصغير الشفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب عمل عملية جراحية في الشفة السفلى في فمي، حيث إنها كبيرة بعض الشيء، وتسبب لي بعض الإحراج، ما مدى جواز هذه العملية من الناحية الشرعية، وما هي نصيحة فضيلتكم لي في هذا الخصوص؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجوز إجراء العملية لتصغير الشفة السفلى إذا أمنت المضرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/58) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8241)
هل يترك علاج الأطفال المصابين بأمراض مستعصية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض المرضى يعانون من مرض يؤدي حتماً في مفهوم الطب إلى أن يكون صاحبه متخلفاً عقلياً، بل قد يؤدي مرضه إلى أن يعيش حياة كلها أمراض ومشاكل، وأقرب مثال هو: أمراض المخ والجهاز العصبي، وقد يكون هذا المريض في داخل الرحم حيث تدل التحاليل الطبية مثلاً أن هذا الطفل سيولد معتوهاً بصورة يكون معها أتعاب لوالديه، بالإضافة إلى ما يكون له هو في حياته. وفي الغرب هناك فكرة معترف بها، أنه من الأحسن أن لا يعالج هذا الطفل الأول، بصورة جادة تماماً، يعني يعطى الفرصة ليموت بعكس لو كان طفلاً يؤدي علاجه إلى برئه تماماً، وكذلك يجهض الطفل الثاني لينزل ميتاً، بل قد يطلب الوالدان أحياناً هذا، مدعين أنهم يريدون إراحة الطفل. فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من الضروريات الخمس التي دلت نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها ـ حفظ نفس الإنسان، وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين، سواء كانت النفس حملاً قد نفخ فيه الروح، أم كانت مولودة، وسواء كانت سليمة من الآفات والأعراض وما يشوهها أم كانت مصابة بشيء من ذلك، وسواء رجي شفاؤها مما بها أم لم يرج ذلك، حسب الأسباب العادية وما أجري من تجارب، فلا يجوز الاعتداء عليها بإجهاض إن كانت حملاً قد نفخ فيه الروح، أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها طلباً لراحتها أو راحة من يعولها، أو تخليصاً للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات، والمشوهين والعاطلين، أو غير ذلك مما يدفع الناس إلى التخلص؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الإسراء/33، ولما ثبت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم وتوكيده من قوله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم، وأن يحتسبوا في ذلك، ولا يملوا من كثرة تردد المريض ولا تضيق صدورهم من طول أمد العلاج، ولا ييأسوا من حسن العواقب، فإن الأمور بيد الله يصرفها كيف يشاء، ولا يمنعهم من ذلك استحكام الداء واستغلاق العلاج، وتوقع الموت والهلاك، فكم مريض استعصى داؤه واستفحل أمره فوهب الله له الشفاء، وكم من مريض شخص داؤه وعرف دواؤه وأمل فيه الشفاء، فواتته منيته رغم عناية معالجيه، ولا تحملنهم المهارة في الطب وكثرة تجاربهم فيه على أن يجعلوا من ظنونهم حسب ما لديهم من أسباب: قطعاً، وأن يجعلوا من توقعاتهم: واقعاً، فكم من ظنون كذبت، ومن توقعات أخطأت، وليعلموا أنَّا وإن أُمرنا بالأخذ بالأسباب فالشفاء من الله وحده مسبب الأسباب، وعلم الآجال إليه وحده، لا يعلمها إلا هو، وعلى ولي الأمر العام أن يهيئ وسائل العلاج من أطباء وأجهزة ومستشفيات ونحو ذلك، فالجميع راع ومسؤول عن رعيته، كل في حقله وميدانه بقدر ما آتاه الله من طاقة علمية، أو مادية عملية، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليهم جميعاً أن يحسنوا فإن الله كتب الإحسان على كل شيء، وهو سبحانه يحب المحسنين.
وليس لهم أن يتركوا العلاج، ويهملوا فيه، ويعرضوا عن الأخذ بأسباب الشفاء.
ولأن في وجود المتخلفين عقلياً والمعوقين وذوي الأمراض المزمنة من خير للعباد وذكرى وموعظة ودلالة على عظيم حكمة الله سبحانه وقدرته على ما يشاء، وعظم نعمته على من سلم من هذه الأمراض، فيشكره سبحانه ويلتزم طاعته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى بتصرف.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/389) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8242)
هل الرعاية الصحية سبب لتقليل عدد الوفيات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إحدى المجلات هذه العبارة: (كلما زادت الرعاية الصحية قل عدد الوفيات) والآجال محددة لا يمكن أن يزاد فيها، فالرعاية الصحية لا دخل لها في الآجال. فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" مضت سنة الله تعالى في خلقة أن يربط المسبَّبات بأسبابها، فربط إيجاده النسل بالجماع، وإنباته الزرع ببذر الحبوب بالأرض وسقيها، والإحراق بالنار، والإغراق أو البلل بالماء إلى غير ذلك من الأسباب ومسبباتها، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) الأنبياء/30، وقال: (وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) النبأ/14-16، وقال: (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) ق/9-11، وقال: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) الأنفال/11.
فهذه الآيات وأمثالها تضمنت أسباباً مادية ومسبَّبات معنوية ومادية ربط الله بينها وجعل الأولى سبباً في الثانية، وكلاهما من خلق الله تعالى وبقضائه وقدره، وهناك أسباب معنوية رتب الله عليها مسببات مادية ومعنوية، وأنشأها بها، وهو قادر على أن يخلق المسببات بدون أسبابها، لكنه سبحانه جرت سنته أن يخلق هذه بتلك، ويوجدها بها؛ لحكمة يعلمها، قال تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هود/1-3، وقال عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام في دعوته لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) هود/52، وقال عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام في دعوته قومه: (يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِي * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ َتعْلَمُونَ) نوح/2-4، وقال تعالى عن رسله عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم لأممهم: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) إبراهيم/10.
وقد ذكر سبحانه أن جماعة من المنافقين قالوا عن إخوانهم الذين قتلوا في غزوة أحد: (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) آل عمران/156، فأمر سبحانه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) آل عمران/154، فبين أن قتل النفس مرهون بسببه، وأن القتيل ميت بأجله لا قبله ولا بدون سبب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعلى هذا؛ فللرعاية الصحية دورها الفعال في صحة الأبدان ومكافحة الأمراض، لكن بإذن الله وتقديره على ما سبق في علمه تعالى، وبجعله تلك الرعاية سبباً لنتائجها وترتيبه مسبباتها عليه بقضائه وقدره حسبما سبق في علمه تعالى، فتبين بهذا أن للأسباب دخلاً في مسبباتها من جهة جعل الله لها سبباً، ومن جهة أمره سبحانه بالأخذ بها رجاء أن يرتب الله مسبباتها عليها، لا من ذاتها ولا بتأثيرها استقلالاً في نتائجها، بل بجعل الله لها مؤثرة، ولو شاء الله أن يسلبها خواصها التي أودعها فيها لفعل؛ كما وقع في سلبه النار خاصيتها، فلم تحرق خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بل كانت برداً وسلاماً عليه، وفي سلبه خاصية السيولة والإغراق عن ماء البحر حتى مر موسى عليه الصلاة والسلام وقومه بأمن وسلام، ورد تلك الخاصة إليه عند مرور فرعون ومن معه فأغرقهم، والمسببات مرهونة بأسبابها قضاء وقدراً، حتى الآجال طولاً وقصراً مع الرعاية والإهمال على مقتضى ما سبق في علمه تعالى، فقول السائل: "إن الرعاية لا دخل لها في الآجال" ليس بصحيح على وجه الإطلاق، فإن لها دخلاً في ذلك على ما تقدم بيانه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة لبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/385) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8243)
استعمال دواء لفروة الرأس به نسبة من الكحول
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً على الإجابة على سؤالي المتعلق بالدواء المحتوي على نسبة من الكحول لكن أريد مزيدا من التوضيح ذكرتم أن النسبة الكحولية إن كانت قليلة وأن قليله لا يسكر فلا بأس به أقول الدواء الذي سألت عنه لا يشرب وإنما يوضع على فروة الرأس أما نسبة الكحول فيه فلا أستطيع أن أعرفها إلا أن رائحته جد قوية فما ردكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الدواء المشتمل على الكحول يستعمل دهاناً للرأس، ولا يشرب، واحتاج الإنسان إليه، فلا حرج في استعماله، ولو كان الكحول فيه كثيرا أو ذا رائحة قوية، إلا إذا ثبت أن هذا النوع من الكحول مسكر، وكان شرب الكثير من هذا الدواء – على فرض شربه – مما يسكر، فحينئذ لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا التداوي به؛ لأنه خمر.
وينظر جواب السؤال رقم (1365) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الاستمتاع بالكحول أو الخمر عموما، أي: استخدامه في دهان الأثاث وفي العلاج والوقود والتنظيف والتعطير والتطهير واتخاذه خلا؟
فأجابوا: "ما أسكر شرب كثيره فهو خمر، وقليله وكثيره سواء، سواء سمي كحولا أم سمي باسم آخر، والواجب إراقته وتحريم الإبقاء عليه لاستخدامه والانتفاع به في تنظيف أو تطهير أو وقود أو تعطير أو تحويله خلا أم غير ذلك من أنواع الانتفاع.
أما ما لم يسكر شرب كثيره، فليس بخمر، ويجوز استعماله في تعطير وعلاج وتطهير جروح ونحو ذلك" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/106)
وسئلوا أيضا (22/297) : تباع في الأسواق بعض الأدوية أو الحلوى تحتوي على نسبة ضئيلة من الكحول، فهل يجوز أكلها؟ علما أن الإنسان لو أكل من هذه الحلوى وتضلع لا يصل إلى حد السكر أبدا؟
فأجابوا: "إذا كان وجود الكحول في الحلوى أو الأدوية بنسبة ضئيلة جدا بحيث لا يسكر أكل أو شرب الكثير منها؛ فإنه يجوز تناولها وبيعها؛ لأنها لا يكون لها أي مؤثر في الطعم أو اللون أو الرائحة؛ لاستحالتها [تحولها] إلى طاهر مباح، لكن لا يجوز للمسلم أن يصنع شيئا من ذلك، ولا يضعه في طعام المسلمين، ولا أن يساعد عليه" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8244)
حكم عملية التقشير لإزالة الكلف والسواد من الجسم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة كشف منطقة الركبة والساق لعمل تقشير _ لإزالة السواد _ عند طبيبة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز إزالة العيب والتشوه الحاصل في الوجه أو البدن، بالمعالجة الطبيعية، والكيميائية وبالليزر، ما لم يترتب على ذلك ضرر أشد أو مساو.
ويدخل في ذلك علاج الكلف وحب الشباب والبقع السوداء، ولو باستعمال بعض الأطعمة المباحة؛ لعموم الأدلة على جواز التداوي، ولما روى أبو داود (4170) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ دَاءٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (3945) عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ دَاءٍ) .
قال الشوكاني رحمه الله: " قوله: (إلا من داء) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين، لا لداء وعلة، فإنه ليس بمحرم " انتهى من "نيل الأوطار" (6/229) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله: " وأما الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج فلا أرى بها بأسا " نقله السفاريني في "غذاء الألباب" (1/432) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ظهرت مؤخرا أدوية تجعل المرأة السمراء بيضاء فهل تعاطيها؟ أو تعاطي مثل هذه الأدوية حرام من باب تغيير الخلقة؟
فأجاب: "نعم، هو حرام ما دام يغير لون الجلد تغييرا مستقرا، فإنه يشبه الوشم، وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة) أما إذا كان لإزالة عيب كما لو كان في الجلد شامة سوداء مشوهة فاستعمل الإنسان ما يزيلها فإن هذا لا بأس به، ولهذا يجب أن نعلم الفرق بين ما اتخذ للزينة والتجميل وما اتخذ لإزالة العيب، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن للصحابي الذي قطع أنفه أن يركب عليه أنفا من ذهب لإزالة العيب الحاصل بقطع الأنف، ولعن الواشرة والمستوشرة، وهي التي تبرد أسنانها بالمبرد لتكون متفلجة أو نحو ذلك، لكن لو فرض أن في صف الأسنان اختلاف بعضها بارز وبعضها داخل على وجهٍ يشوه منظر الأسنان، فلا بأس باتخاذ شيء يجعلها متراصة متساوية " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ثانيا:
يجوز للمرأة أن تكشف عن ركبتها وساقها لغرض العلاج، مع الاحتياط في ستر ما لا حاجة إلى كشفه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (31/47) : "ذهب الفقهاء إلى أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة هي كعورة الرجل إلى الرجل , أي ما بين السرة والركبة , ولذا يجوز لها النظر إلى جميع بدنها عدا ما بين هذين العضوين , وذلك لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا , ولكن يحرم ذلك مع الشهوة وخوف الفتنة " انتهى.
على أنه إذا دعت الحاجة لكشف أكثر من ذلك، لغرض العلاج والتداوي فلا حرج في ذلك، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 5693 ورقم 95891.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8245)
حكم الفحص الطبي قبل الزواج والتحايل على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[يلزموننا في بلادنا بأداء الفحوصات الطبية قبل الزواج، وأنا وخطيبتي دائما نقوم بفحوص والحمد لله بخير، وتكاليف التحاليل باهظة قليلا، فهل لنا بعد أن تثبتنا من سلامتنا من الأمراض المعدية عدم القيام بفحوصات أخرى ونقتصر الطريق، ونذهب إلى طبيب ويمدنا بشهادة سلامة من الأمراض من غير فحوص، أو نقوم بالفحوص ونأخذ الشهادة التي ليس لها دور في صحة العقد أو فساده لكن يجب أن يرفق ملف العقد عند التسجيل بالشهادة الطبية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز الفحص الطبي قبل الزواج، ويتأكد عند غلبة الظن بوجود أمراض وراثية في العائلة، وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم إجراء الفحص للطبي للزوجين قبل الزواج؟
فأجاب: "لا بأس بذلك إذا خيف من مرض داخلي، مما يؤثر على الصحة، ويمنع من راحة الزوجين، واستقرار الحياة والطمأنينة فيها، فربما كان في أحدهما مس أو صرع، أو مرض مزمن ولو سهل، كربو أو سكر أو بلهارسيا أو روماتيزم، وهكذا مرض العقم، وعدم الإنجاب، لكن إذا كان ظاهر الزوجين السلامة، والبيئة والمجتمع الذي هما به لا توجد فيه هذه الأمراض ونحوها فالأصل أن لا مرض ولا خوف، فلا حاجة إلى فحص طبي لكل زوجين، لكن إذا قامت قرائن، وخيف من وجود مرض خفي، وطلب أحد الزوجين أو الأولياء الكشف لزمه ذلك، حتى لا يحصل بعد العقد خلاف ونزاع " انتهى نقلا عن موقع المسلم.
http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_question_main.cfm?id=931
ثانيا:
ليس للطبيب أن يصدر شهادة تفيد الخلو من الأمراض من غير فحص، إلا إن كان هو الذي فحص المريض من قبل، أو كان الأمر يقتضي كشف العورة، وقد تأكدتما من سلامتكما، فلا مانع من أخذ هذه الشهادة بلا فحص، تجنبا لكشف العورة الذي لا يوجد ما يبرره.
وكذلك إذا كان ما بقي من الفحوصات ليس له أهمية، ويكلفكم الكثير من الأموال من غير حاجة أو مصلحة تترتب على ذلك، فلا حرج عليكم من أخذكم الشهادة.
والواجب على المسؤلين أن يرفقوا بمن تحت أيديهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه قائلاً: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) رواه مسلم (1828) .
فإن ألزموا الناس بتلك الفحوصات، فليكن ذلك مجاناً، وليعدوا المستشفيات العامة لذلك، مراعاة لحال الفقراء، الذين لا يجدون ما يكفيهم من الأموال، وحتى لا يفتحوا الباب لأخذ الرشوة من أجل استخراج تلك الشهادة، من غير إجراء الفحوصات.
أما أنت أخي السائل فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى فيما تنوي فعله، والظالم هو من ألزمك بما لم يلزمك الله به، وحمَّلك من النفقات ما لا تطيق، أو يشق عليك، من غير داعٍ إلى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8246)
حكم التداوي بألبان الحمر الأهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[معروف أن أكل لحم الحمر الأهلية حرام، وأن الله إذا حرم شيئا حرمه كله، وقد قرأت أن حليب الحمار علاج للمرأة التي لا تحمل (علاج للحمل) فما الحكم في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أكل لحوم الحمر الأهلية، ولا التداوي بألبانها.
والحمر الأهلية، كانت مباحة في أول الأمر، ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر. روى البخاري (5520) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْل.
وروى البخاري (5527) ومسلم (1936) عن أبي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية. قال أحمد: خمسة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوها. قال ابن عبد البر: لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها" انتهى من "المغني" (9/324) .
وإذا حرم لحمها حرم لبنها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/325) : " وألبان الحمر محرمة , في قول أكثرهم. ورخص فيها عطاء , وطاوس والزهري. والأول أصح ; لأن حكم الألبان حكم اللحمان " انتهى.
وقال أيضا (9/338) : "وَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ , وَلا بِشَيْءٍ فِيهِ مُحَرَّمٌ , مِثْلِ أَلْبَانِ الأُتُنِ (جمع أتان وهي أُنثى الحمار) ، وَلَحْمِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ , وَلا شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي بِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا) ; وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ النَّبِيذُ يُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: (إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) " انتهى.
وقال في "شرح المنتهى" (3/412) : "ويحرم ترياق (دواء السموم) فيه من لحوم الحيات، أو الحمر، وتداوٍ بألبان حمر، وكل محرم " انتهى بتصرف.
وقال ابن القيم رحمه الله: "المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها، وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا، عقوبةً لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) النساء /160، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه له حميةً لهم، وصيانةً عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن أثر في إزالتها، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
وأيضا: فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع.
وأيضا: فإنه داء، كما نص عليه صاحب الشريعة، فلا يجوز أن يتخذ دواء.
وأيضا: فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بيناً، فإذا كانت كيفيته خبيثة اكتسبت الطبيعة منه خبثا، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته " انتهى من "زاد المعاد" (4/156) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/31) : " لا يجوز التداوي بشرب ألبان الحمر الأهلية " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد الرازق عفيفي. الشيخ عبد الله بن غديان. الشيخ عبد الله بن قعود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8247)
الطريقة الصحيحة لرقية الطفل الصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي طفلة عمرها سنة وعدة شهور، عندما أكمل أذكار الصباح والمساء يوميا أنفث عليها، فهل هذا جائز، وهل هذه هي الطريقة الصحيحة في رقية الطفل الصغير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطريقة الصحيحة لرقية الطفل الصغير لحفظه وتحصينه هي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما.
فقد روى البخاري (3371) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ) .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/410) :
قوله: "وهامّة": واحدة الهوام ذوات السموم.
قوله: " ومن كل عين لامة ": قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل " انتهى باختصار.
ويستحب كذلك في رقية الأولاد قراءة المعوذتين عليهما، ومسح أجسامهم أثناء القراءة، أو قراءتهما بين الكفين ثم النفث فيهما بريق خفيف لتمسح أبدانهم بما تصل إليه اليد، أو قراءتهما في الماء ومسحهم أو تغسيلهم به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ نفسه وغيره بهما.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) رواه الترمذي (2058) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والنفث بالريق مع المعوذتين مأخوذ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبيل النوم، فقد كان يقرأ بهما في كفيه وينفث ثم يسمح جسده الطاهر بهما، فلما مرض كانت عائشة تفعل ذلك له، مما يدل على أن الصغير يمكن أن تنفث له أمه بالمعوذتين وتمسح بهما عنه.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِـ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعاً، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ) رواه البخاري (5748) .
أما أذكار الصباح والمساء، فلم يرد ـ فيما نعلم ـ أنها تقرأ على الآخرين بقصد الرقية، فلا ننصحك بالاستمرار بها، واقتصر على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه الكفاية، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8248)
توجيه ونصح لمن يعاني من سرعة الإنزال ويلتزم أدعية معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج، ولكن لدي مشكلة ألا وهي سرعة القذف، وأنا أعلم أن هذا ابتلاء وسوف يسبب لي الكثير من المتاعب عند الجماع بعد الزواج، حاليّاً: أتّخذ وسيلة لمعالجة نفسي بالقرآن الكريم من هذا الموضوع، وأفعلها يوميّاً وهي: قبل النوم: أضع كفي على ذكري وأقرأ الفاتحة، وأقرأ (وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة....) الآية، وأقرأ (وإذا مرضت فهو يشفين) ، كل واحدة منهم سبع مرات، ثم أقول: " أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني" سبع مرات، ثم أدعو، ثم أنفث على ذَكَري ثلاث مرات، وكل صباح - وأنا ذاهب إلى عملي في السيارة - أضع يدي على ذَكَري، وأقرأ آخر آيتين من سورة البقرة، وآية الكرسي، والفاتحة، والمعوذات، والإخلاص، والآيتين اللتين ذكرتهما سابقا، بالإضافة إلى الدعاء الذي ذكرته، ثم أنفث ثلاث مرات على ذَكَري، أفعل ذلك ثلاث مرات، بعد ذلك أدعو الله أن يشفيني من هذا. هل ما أفعله فعل صحيح أم أن هناك وسائل أخرى أو آيات أخرى؟ لا أريد أن أتزوج وأنا بهذه الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ندري كيف تعاني من سرعة في القذف وأنت غير متزوج! فمثل هذا الشيء لا يظهر إلا بالزواج فكيف تشكو منه؟! .
والذي يظهر لنا أن هذا الأمر إن لم يكن وهماً منك لا حقيقة لوجوده: فقد تكون عرفتَه من فعل العادة السرية! فإن كان كذلك: فاعلم أن عليك المبادرة لترك فعلها؛ فإن لها أضراراً كثيرة، ومن أضرارها أنها تسبب سرعة الإنزال بمجرد احتكاك الذكر بمهيج.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ثبت في علم الطب أن الاستمناء يورث عدة أمراض، منها: أنه يُضعف البصر، ويقلل من حدته المعتادة إلى حدٍّ بعيد، ومنها: أنه يضعف عضو التناسل، ويحدث فيه ارتخاء جزئيّاً، أو كليّاً بحيث يصير فاعله أشبه بالمرأة لفقده أهم مميزات الرجولة التي فضَّل الله بها الرجل على المرأة، فهو لا يستطيع الزواج، وإن فرض أنه تزوج: فلا يستطيع القيام بالوظيفة الزوجية على الوجه المطلوب، فلا بد أن تتطلع امرأته إلى غيره؛ لأنه لا يستطيع إعفافها، وفي ذلك مفاسد لا تخفى.
ومنها: أنه يورث ضعفاً في الأعصاب عامة نتيجة الإجهاد الذي يحصل من تلك العملية، ومنها: أنه يورث اضطراباً في آلة الهضم، فيضعف عملها ويختل نظامها، ومنها: أنه يوقف نمو الأعضاء خصوصاً الإحليل والخصيتين، فلا تصل إلى حد نموها الطبيعي، ومنها: أنه يورث التهاباً منويّاً في الخصيتين، فيصير صاحبه سريع الإنزال إلى حدٍّ بعيد، حيث ينزل بمجرد احتكاك شيء بذكره أقل احتكاك.
" فتاوى إسلامية " (3 / 122، 123) .
ولا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق من هذا الأمر، وكما أخبرناك فإنه إن كان السبب هو فعل العادة السرية فإنه يُرجى أن يكون بتركك لها أن ييسر الله لك الأمر، وأن لا يظهر هذا العارض معك بعد زواجك، وإن استمر معك بعد الزواج: فإنك تُوصى بأن لا تباشر الإيلاج حتى تلاعب زوجتك وتستمتع معها، وتهيجها، حتى إذا بلغت الذروة أولجت بعدها؛ لتعف نفسك وتعفها، على ألا تبالغ ـ أيضا ـ في تلك الملاعبة؛ فإنها ربما كانت من أسباب سرعة القذف.
فإن لم يُجد ذلك: فيمكنك استشارة طبيب مختص ليدلك على أدوية تبطئ من الإنزال، ولعله مع التعود على الجماع، وخاصة بعد انقضاء الفترة الأولى أن يزول هذا العارض من غير حاجة لدواء، فالمعلوم أنه من اشتدت عليه العزوبة جامع في أول زواجه مرات كثيرة في اليوم الواحد، ويكون سريع الإنزال؛ حتى تنقضي مدة يسيرة فترجع الأمور لطبيعتها.
وقد رويت أحاديث ضعيفة فيها استحباب معاشرة الزوج قبل الإيلاج، والتحذير من أن يقضي شهوته دونها، وهي وإن كانت ضعيفة الإسناد، إلا أنها مقبولة المعنى، وفيها من الآداب النافعة في ذلك الباب شيء حسن.
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -:
ويستحب أن يلاعِب امرأته قبل الجماع؛ لتنهض شهوتُها، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ، قلت: وذلك إليَّ؟ نعم إنك تقبِّلها، وتغمزها، وتلمزها، فإذا رأيتَ أنه قد جاءها مثل ما جاءك: واقعتها) .
فإن فرغ قبلَها: كُره له النزع حتى تفرغ؛ لما روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جامع الرجل أهله فليصدقها، ثم إذا قضى حاجته: فلا يَعجلها حتى تقضي حاجتها) ؛ ولأن في ذلك ضرراً عليها؛ ومنعاً لها من قضاء شهوتها.
" المُغني " (8 / 136) .
وكلا الحديثين ضعيفان، لكنهما صحيحان فقهاً، كما بينَّا.
قال المناوي – رحمه الله -:
(إذا جامع أحدكم أهله) أي: حليلته، قال الراغب: وأهل الرجل في الأصل يجمعه وإياهم سكن ثم عبر به عن امرأته.
(فليصدقها) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم الدال، من الصدق في الود والنصح، أي: فليجامعها بشدة، وقوة، وحُسن فعل جماع، ووداد، ونصح، ندباً.
(فإن سبقها) في الإنزال وهي ذات شهوة:
(فلا يعجلها) أي: فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها، بل يملها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره، فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها؛ فإن ذلك من حسن المعاشرة، والإعفاف، والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف ... .
ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده: أن الرجل إذا كان سريع الإنزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل: أنه يُندب له التداوي بما يبطئ الإنزال؛ فإنه وسيلة إلى مندوب، وللوسائل حكم المقاصد.
" فيض القدير " (1 / 325) .
ثانياً:
أما بخصوص الأدعية التي تقولها معالجاً بها نفسك: فإنه يصح منها ما ثبت بالسنَّة النبوية الصحيحة، وما عداه: فيجوز استعماله لكن بشرط ألا يجعل وردا دائما، كما تجعل الأذكار المأثورة.
وقراءتك لقوله تعالى: (وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة....) الآية، وقوله (وإذا مرضت فهو يشفين) لا بأس به، وإن كان الأكمل من ذلك والأفضل أن تتداوى بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترقي نفسك برقيته.
وقد بيَّنا هذا الثابت فيها في جواب السؤال رقم: (75399) فانظره، واكتف بما فيه تجد خيراً إن شاء الله.
وأما وضع اليد على الفرج، أو مسحه أثناء قراءة الرقية وما فيها من قرآن، فلا نرى ذلك لك، ونخشى أن يكون في استعمال القرآن في مثل ذلك امتهان له؛ ثم إن المشكلة التي ذكرتها ليست مرضا ظاهرا حتى تفعل ذلك لرقيته، ولو تحقق كونه مرضا، فليس المرض في الفرج، كما تظن، ولأجل ذلك استعملت ما ذكرت من الرقية، وإنما هو ـ لو ثبت ـ مشكلة أساسها في جهازك العصبي الذي لا يتمكن من التحكم في القذف على الوجه المعتاد.
والخلاصة: أننا لا ننصحك بالتأخر في الزواج، لأجل حل هذه المشكلة، فإنها لن تتبين حقيقة إلا بعد زواجك، فربما كانت وهما، أو زيادة في الشهوة، لأجل ما أنت فيه من العزوبة، لا يلبث أن يزول بعد فترة من الزواج، وإذا قدر بقاؤه، فيمكن استعمال بعض الأدوية المناسبة، بعد استشارة طبيب مختص.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8249)
حكم دراسة الهندسة الوراثية المتعلقة بالإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في دراسة الهندسة الوراثية الخاصة والمتعلقة بالإنسان حرج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الهندسة الوراثية مصطلح يطلق على التقنية التي تغير المورّثات (الجينات) الموجودة داخل جسم الكائن الحي، وتحتوي خلايا كل الكائنات الحية على مجموعة من هذه المورثات التي تحمل معلومات كيميائية تحدد خصائص وصفات هذا الكائن. "الموسوعة العربية العالمية".
والهندسة الوراثية المتعلقة بالإنسان، منها ما هو نافع مشروع، كاستخدامها في منع المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه، سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين أو تدخل جينًا في خلايا مريض، وكذلك إيداع جين في كائن آخر للحصول على كميات كبيرة من إفراز هذا الجين، لاستعماله دواء لبعض الأمراض.
ومنها هو ضار أو ممنوع، كاستخدامها لتبديل البنية الجينية في ما يسمى بتحسين السلالة البشرية، أو محاولة العبث الجيني بشخصية الإنسان، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية، أو استعمالها في تخليق كائنات مختلطة الخلقة، بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي.
وقد جاء هذا مبينا في ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت بعنوان: " الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني - رؤية إسلامية " وذلك بمشاركة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وذلك في الفترة من 23 - 25 جمادى الآخرة 1419هـ الذي يوافق 13 - 15 من شهر تشرين الأول - أكتوبر 1998م، وقد أسهم في أعمال الندوة جمع من كبار الفقهاء والأطباء والصيادلة، واختصاصيي العلوم البيولوجية وعلماء من علوم إنسانية أخرى.
ومما جاء فيها من التوصيات:
" ثالثًا - الهندسة الوراثية:
تدارست الندوة موضوع الهندسة الوراثية، وما اكتنفها منذ ميلادها في السبعينيات من هذا القرن من مخاوف مرتقبة إن دخلت حيز التنفيذ بلا ضوابط، فإنها سلاح ذو حدين قابل للاستعمال في الخير أو في الشر.
ورأت الندوة جواز استعمالها في منع المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه، سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين أو تولج جينًا في خلايا مريض، وكذلك إيداع جين في كائن آخر للحصول على كميات كبيرة من إفراز هذا الجين؛ لاستعماله دواء لبعض الأمراض، مع منع استخدام الهندسة الوراثية على الخلايا الجنسية، لما فيه من محاذير شرعية.
وتؤكد الندوة على ضرورة أن تتولى الدول توفير مثل هذه الخدمات لرعاياها المحتاجين لها من ذوي الدخول المتواضعة، نظرًا لارتفاع تكاليف إنتاجها.
وترى الندوة أنه لا يجوز استعمال الهندسة الوراثية في الأغراض الشريرة والعدوانية، أو في تخطي الحاجز الجيني بين أجناس مختلفة من المخلوقات، قصد تخليق كائنات مختلطة الخلقة، بدافع التسلية أو حب الاستطلاع العلمي.
كذلك ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية كسياسة لتبديل البنية الجينية في ما يسمى بتحسين السلالة البشرية، وأي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعًا ...
ولا ترى الندوة حرجًا شرعيًّا باستخدام الهندسة الوراثية في حقل الزراعة، وتربية الحيوان، ولكن الندوة لا تهمل الأصوات التي حذرت مؤخرًا من احتمالات حدوث أضرار على المدى البعيد تضر بالإنسان أو الحيوان أو الزرع أو البيئة، وترى أن على الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية ذات المصدر الحيواني أو النباتي، أن تبين للجمهور ما يُعرض للبيع مما هو محضر بالهندسة الوراثية ليتم الشراء على بينة، كما توصي الندوة باليقظة العلمية التامة في رصد تلك النتائج، والأخذ بتوصيات وقرارات منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية العالمية في هذا الخصوص.
وتوصي الندوة بضرورة إنشاء مؤسسات لحماية المستهلك وتوعيته في الدول الإسلامية ".
وجاء في التوصيات أيضا:
" الثاني عشر - ينبغي على علماء الأمة الإسلامية نشر مؤلفات لتبسيط المعلومات العلمية عن الوراثة والهندسة الوراثية لنشر الوعي وتدعيمه عن هذا الموضوع.
الثالث عشر - ينبغي على الدول الإسلامية إدخال الهندسة الوراثية ضمن برامج التعليم في مراحله المختلفة، مع زيادة الاهتمام بهذه المواضيع بالدراسات الجامعية، والدراسات العليا "
انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" عدد 11 مجلد 3 صفحة 533
وبناء على ذلك فلا حرج من دراسة الهندسة الوراثية المتعلقة بالإنسان، واستعمالها في النافع المباح فقط.
وانظر: سؤال رقم (21582) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8250)
التفسير العلمي لتحنيك المولود بالتمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت فقط معرفة هل من أسباب علمية وراء تحنيك المولود بالتمر أو بشيء حلو عقب الولادة؟ وإذا لم تكن هناك فوائد علمية وراء ذلك فهل توجد أي فوائد أخرى لذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
تحنيك الطفل بالتمر بعد ولادته سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري (3619) عن أسماء رضي الله عنها (أنها ولدت عبد الله بن الزبير فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فحنكه بتمرة، ثم دعا له وبرَّك عليه) .
وروى البخاري أيضا (5045) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة) .
والشريعة جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان، العالم بما يصلحه ويفسده. والحكمة من وراء التشريع قد تظهر وقد لا تظهر، وقد يظهر بعضها دون بعض، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله، عَلِمَ الحكمة أم لم يعلمها، لأن ذلك مقتضى إيمانه.
وأما الحكمة من التحنيك بالتمر، فقد كان العلماء قديما يرون أن هذه السنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول شيء يدخل جوف الطفل شيء حلو، ولذا استحبوا أن يحنك بحلو إن لم يوجد التمر، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 /588) :
"والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل، ويقوى عليه، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه، وأولاه التمر، فإن لم يتيسر تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وعسل النحل أولي من غيره " انتهى.
ثم بمجيء العلم الحديث باكتشافاته تبين شيء جديد من الإعجاز العلمي الذي تحمله هذه السنة النبوية، إذ تبين أن الطفل يحتاج إلى سكر الجلوكوز، وقد يتعرض بسبب نقصه لآفات كبيرة، وأن التمر خير مصدر لهذا.
ونحن نسوق لك هنا مختصرا مما قاله المختصون من الأطباء، فقد كتب الدكتور محمد علي البار مقالا في مجلة الإعجاز العلمي العدد الرابع عن التفسير العلمي لتحنيك الطفل، ومما جاء فيه:
" إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً، وكلما كان وزن المولود أقل، كان مستوى السكر منخفضاً.
وبالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 2.5كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم. وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام.
ويعتبر هذا المستوى (20 أو 30 ملليجرام) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم، ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية:
1-أن يرفض المولود الرضاعة.
2-ارتخاء العضلات.
3-توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم.
4-اختلاجات ونوبات من التشنج.
وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة، وهي:
1-تأخر في النمو.
2-تخلف عقلي.
3-الشلل الدماغي.
4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما.
5- نوبات صرع متكررة (تشنجات) .
وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد" انتهى.
ثم قال في مناقشة تحنيك النبي صلى الله عليه وسلم الطفل بالتمر:
"إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة. فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.
وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها.
إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود.
وإن المولود، وخاصة إذا كان خداجاً، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً. وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.
إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في وقاية الأطفال، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم. وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات. كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين" انتهى ما أردنا نقله من كلام الدكتور البار، وفيه إن شاء الله ما يكفي لبيان الإعجاز العمي الذي تضمنته هذه السنة النبوية العظيمة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8251)
حكم إجراء عملية ربط المعدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 23 عاماً وأعاني من الزيادة المفرطة في الوزن وأرغب في القيام بعملية تغيير مسار أو اتجاه المعدة لتصغيرها وربطها بالأمعاء مباشرة وهي عملية كبيرة ولها آثار جانبية كأي عملية جراحية..سؤالي: هل تغيير مسار المعدة حتى لا يستفيد الجسم من الطعام يعتبر تغييراً لخلق الله؟ وهل يجوز لي القيام بهذه العملية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز إجراء عملية لربط المعدة (تصغيرها بوضع الحزام أو عن طريق التدبيس) ، أو تصغير حجمها وتوصيلها بالأمعاء الدقيقة، لغرض التخفيف من الوزن المفرط، ولا يعد هذا من تغيير خلق الله، لأنه من باب العلاج والتداوي، لكن يشترط غلبة الظن بعدم ترتب مفسدة أو مضرة أعظم، ويُرجع في ذلك إلى رأي الطبيب الثقة، وذلك لأن هذه العمليات قد يكون لها آثار جانبية خطرة.
والأولى استعمال طرق الحمية والرجيم، بمتابعة أهل الاختصاص، فإذا لم يُجْدِ ذلك، أمكن اللجوء إلى ربط المعدة أو تغيير المسار عند التأكد من السلامة من الأضرار والآثار الجانبية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8252)
حكم التبرع بالبويضات للتلقيح الصناعي
[السُّؤَالُ]
ـ[تم مؤخرا تشخيص حالة أختى التوأم بأنها مصابة باللوكيميا وكان علاجها مؤلما للغاية وجعلها غير قادرة على تخليق البييضات في حين أنها كانت تخطط هي وزوجها لبدأ إقامة أسرة قبل فترة ليست بالبعيدة من تشخيص حالتها والآن فإن جميع أحلامها قد تحطمت. وسؤالي هو هل سيكون حراما علي أن أعطي (أو أتبرع) ببييضاتى لأختي حتى تتمكن من أن تنجب أطفالا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التبرع بالبويضات من امرأة لتلقح بنطفة من مني غير زوجها، وإن كانت هذه اللقيحة ستزرع بعد ذلك في رحم أخت المتبرعة، وبتحريم هذا النوع من التلقيح صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي في القرار رقم (16) بشأن أطفال الأنابيب جاء فيه:
"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8ـ13 صفر 1407 الموافق 11ـ16 أكتوبر 1986م
بعد استعراضه البحوث المقدمة في موضوع التلقيح الصناعي (أطفال الأنابيب) والاستماع لشرح الخبراء والأطباء، وبعد التداول الذي تبين منه للمجلس أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبعة.
قرر ما يلي:
أولا: الطرق الخمس التالية محرمة شرعا وممنوعة منعا باتا، لذاتها، أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب، وضياع الأمومة، وغير ذلك من المحاذير الشرعية:
الأولى: أن يجري التلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم زوجته" انتهى.
وقد اقتصرنا على الحالة المسؤول عنها، وانظر "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" (ص74) طبعة وزارة الأوقاف القطرية.
فلا يجوز لك أن تتبرعي ببويضاتك لأختك، وينبغي أن تكثري من الدعاء لأختك وتكثر هي منه أيضا، ولا تيأس من رحمة الله تعالى وتأخذ بالأسباب المادية في العلاج، والله عز وجل على كل شيء قدير، فقد رزق نبيه إبراهيم الولد بعد كبر سنه، وكذلك فعل سبحانه بعبده زكريا عليهما السلام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8253)
حكم استعمال دواء أو جهاز لتكبير القضيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل السؤال وأنا في قمة الحرج ولكن لا حياء في الدين. لي أخت في الله ملتزمة ويملأ قلبها الخوف من الله، وهي متزوجة منذ زمن بعيد ولديها أولاد تقول بأنها لا تستمتع بالمعاشرة الزوجية في بعض الأوقات مع زوجها وذلك بسبب صغر حجم قضيب زوجها وتسألني إذا كنت أعرف الإجابة على سؤالها وهو: -هل يجوز لها أن تطلب من زوجها وحسب ما تشاهد من بعض الإعلانات في الصيدليات والإنترنت بأن يقوم باستخدام الأدوية أو الأجهزة الخاصة بتكبير القضيب، أو القيام بتركيب قضيب صناعي على ذكره حتى أستمتع أنا أولا" ثم يقوم هو بالاستمتاع بدونه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على الزوج المسئول عنه أن يراجع الأطباء، لوصف دواء يعمل على تكبير القضيب، بشرط انتفاء الضرر.
كما لا حرج عليه أيضا في استعمال ما يضعه على ذكره، كالواقي ونحوه، إذا كان هذا أكمل في تحصيل المتعة لزوجته؛ إذ الأصل الإباحة، والزوج مطالب بحسن العشرة، ومنها إعفاف زوجته، وإشباع رغبتها، وإزالة ما يعوق ذلك.
ثانيا:
قولك: لا حياء في الدين، لا ينبغي، والأولى أن تقولي: إن الله لا يستحيي من الحق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بعض أجوبته: " أما قوله "لا حياء في الدين" فالأحسن أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق، كما قالت أم سليم رضي الله عنها: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟) أما "لا حياء في الدين" فهذه توهم معنىً فاسداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الحياء من الإيمان) فالحياء في الدين من الإيمان، لكن غرض القائل: "لا حياء في الدين" يقصد أنه لا حياء في مسألة الدين، أي: في أن تسأل عن أمر يستحيا منه، فيقال: إذا كان هذا هو المقصود فخير منه أن يقول: إن الله لا يستحيي من الحق " اللقاء الشهري (37/25) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8254)
هل يجوز التبرع بالشَّعَر أو بيعه لمن يصنع منه شعراً مستعاراً (باروكة) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لامرأة أن تتبرع بشعرها لمنظمة تستخدمه في عمل شعر مستعار للأطفال الذين يعانون من السرطان، والحروق، وما إلى ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا خلاف بين الفقهاء في المنع من بيع الإنسان شعْره؛ لأنه جزء منه، وهو مكرَّم، وبيع شيء من أعضائه يعرضه للمهانة والابتذال.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (26 / 102) :
واتّفق الفقهاء على عدم جواز الانتفاع بشَعْر الآدميّ بيعاً واستعمالاً؛ لأنّ الآدميّ مكرّم، لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) .
فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً مبتذلاً " انتهى.
ثانياً:
أما التبرع به لمن يصنع منه شعراً مستعاراً (باروكة) .
فاستعمال الشعر المستعار قد يكون جائزاً، وقد يكون محرماً. فيجوز إذا كان لإصلاح عيب، ويحرم إذا كان المقصود به التجمل والتزين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" لبس الباروكة على نوعين:
أولاً: أن يُقصد به التجمل، بحيث يكون للمرأة رأس وافر، ويحصل به المقصود، وليس فيه عيب على المرأة: فلبسها لا يجوز؛ لأن ذلك نوع من الوصل، وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة) .
والحالة الثانية: أن لا يكون لها شعر إطلاقاً، وتكون معيبةً بين النساء، ولا يمكنها أن تخفي هذا العيب، ولا يمكن إخفاؤه إلا بلبس الباروكة: نرجو ألا يكون بلبسها حينئذ بأس؛ لأنها ليست للتجمل، وإنما لدفع العيب، والاحتياط ألا تلبسها، وتختمر بما يغطي رأسها حتى لا يظهر عيبها، والله أعلم " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب ".
وقال رحمه الله أيضاً:
" الباروكة محرمة، وهي داخلة في الوصل، وإن لم تكن وصلاً فهي تظهر رأس المرأة على وجه أطول من حقيقته فتشبه الوصل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، لكن إن لم يكن على رأس المرأة شعر أصلاً، أو كانت قرعاء: فلا حرج من استعمال الباروكة ليستر هذا العيب؛ لأن إزالة العيوب جائزة، ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفاً من ذهب " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (11 / جواب السؤال رقم 68) .
وعليه؛ فإذا كانت الجهات التي تطلب التبرع بالشعر لعمله شعراً مستعاراً لمن أصيبت بحروق، أو صلع نتيجة السرطان، أو لغير ذلك من الأسباب: جهات موثوقة: فيجوز التبرع لهم، ويحتسب المتبرع الأجر عند ربه تعالى.
وأما إن كانت غير موثوقة، أو يُصنع بتلك الشعور شعوراً مستعارة للتجمل: فلا يجوز التبرع لهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8255)
حكم تحديد الأسنان المشرشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه ابلغ من العمر 27 غير متزوجة أسناني الأمامية الثنايا مشرشرة من الأسفل وهذا ليس خلقة وأود تحديدها هل يعتبر هذا تغييراً لخلق الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الشرشرة المسئول عنها تعد عيبا أو تشويها، فلا حرج في تحديد الأسنان حينئذ، ولا يدخل ذلك في حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ) رواه البخاري (4886) ومسلم (2125) .
والْمُتَفَلِّجَات: جمع متفلجة، وهي التي تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الأَسْنَان.
قال النووي رحمه لله: "
" وَأَمَّا قَوْله: (الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ) فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْحَرَام هُوَ الْمَفْعُول لِطَلَبِ الْحُسْن , أَمَّا لَوْ اِحْتَاجَتْ إِلَيْهِ لِعِلاجٍ أَوْ عَيْب فِي السِّنّ وَنَحْوه فَلا بَأْس، وَاللَّه أَعْلَم " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (47694)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8256)
استعملت " كريماً " للتبييض فأصابها بأمراض خطيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، ومريضة منذ عام، ولكني الآن أفضل حالاً، والحمد لله، قبل مرضي لم أكن متدينة، فلم أكن أصلي أو أرتدي الحجاب، ولكني بدأت بعد مرضي في إدراك أشياء تخص العلاقة بيني وبين الله، وقد قرأت على موقعكم أنه يحرم تبييض البشرة، ولكني لم أكن أعلم بذلك من قبل، فقد أتت صديقة أمي لمنزلنا يوماً ما لبيع بعض المنتجات والملابس التى قامت بشرائها من بلد عربى، وأعطتني هذا الكريم الذي يدعى " كريم موفيت "، وشرعت في استخدامه ليلاً ونهاراً، وفي أحد الأيام وأثناء وجودي بدورة المياه قررت أن أستخدمه، وفي أثناء ذلك وضعت بعضاً منه حول فمي، ثم قمت بتنشيف شفتي والمنطقة المحيطة بفمي بمنشفة، ولكنى بدأت ألاحظ بعد ذلك اليوم بيوم أو يومين تغيرات حول شفتي، فقد اختفى خط الشفاه، ولكني قلت لنفسي " بسم الله، لا يستطيع الكريم أن يغيِّر من الهيئة التى خلقني الله عليها "، وبعد ذلك بيوم أو يومين مرضت بشدة وعانيت من التقيؤ والإسهال، وبدأت أرى تغيرات أكثر، وبدأت الحالة تزداد سوءًا، والآن بدأ مظهري كله وجسدي في التغير، وعلى أي حال: فقد حدث كل ذلك منذ عام تقريباً، وتغير مظهري وجسدي كثيراً جدّاً، وفى حقيقة الأمر تغير كل شيء فيَّ، ويبدو أن الكريم قد غيَّرني لدرجة أنني لم أعد أبدو كما كنت، ولم أعد راضية عن نفسي ولا عن الهيئة التي خلقني الله عليها، أعلم أنه من الجائز أن يكون للكريم هذه القدرة على التغيير، ولكني أصبحت محبطة للغاية بسبب هذا الموضوع، لدرجة أنني أعتقد في بعض الأوقات أنني قد دمرت مستقبلي كله، ولقد ذهبت إلى الأطباء الذين أخبروني أنني أعاني من التهاب بالمخ، حسناً نسيتُ أن أخبركم أنه أثناء استخدامي للكريم أدخلتُ بعضاً منه في أنفي وأنهم ما يزالون يجرون لي بعض الفحوصات، ولكنني أعتقد أن هذا الكريم هو سبب مرضي، وما أتساءل عنه الآن هو كيف يمكنني أن أواصل حياتي؟ وإلى الآن ألاحظ على نفسي الكثير من التغيرات، وبدأت في تعلم الكثير عن دين الله، وأعلم الآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يقمن بتبييض بشرتهن بغرض التجميل، وليسامحني الله إذا كنت قد أخطأت في هذا الاقتباس، وأشعر أنني قد وصلت إلى مرحلة لا أدري فيها إذا كان بوسعي النهوض مرة أخرى أم لا، وأعلم أيضا أنني قد وصلت إلى هذه الحالة بسبب جهلي، ولكني الآن أحاول أن أعوض هذا الجهل بالمعرفة، وعندما كنت أستخدم هذا الكريم لم أكن أنوي تغيير مظهري، فرجاء هل بوسعكم تقديم النصح لي حول ما يجب عليَّ القيام به؟ وكيف أعود كما خلقني الله مرة أخرى؟ وهل هناك دعاء لذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يشفيك ويعافيك، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر، ونوصيك بالصبر على هذا الابتلاء، واحتساب الأجر عند الله، فالصبر والاحتساب مما يتحقق بهما الأجور العظيمة على الابتلاء بالسراء.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ أَذى وَلاَ غمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكَها إِلاَّ كفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاه ". رواه البخاري (5318) ومسلم (2573) .
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن رحمة الله وسعت كل شيء، وأن ما فعلتيه من استعمال ذلك " الكريم " – وقد قرأنا حوله أنه خطير، وقد منع من استعماله في بعض الدول - لو كان ذنباً فإنه لا ينبغي لك أن تستبعدي رحمة الله عنك، والله تعالى يقبل توبة عباده المذنبين لو كانوا جاءوا بكبائر تتعدى لغيرهم كالقتل والزنا، ويقبل توبة المشركين والمرتدين وهي متعلقة بالكفر به تعالى، بل إن الله تعالى يبدل سيئاتهم حسنات، فلا وجه لاستبعادك رحمة الله عنك وقد استعملتِ ذلك " الكريم " جهلاً منك بعواقبه، وليس بقصد تغيير خلقة الله كما ذكرتِ.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/68 - 71.
فالذي نوده منك ونوصيك به هو: الاستمرار على التقرب من الله تعالى بالقيام بالفرائض، وبأداء النوافل، وبطلب العلم، وبالقيام بما تستطيعينه من نوافل الطاعات.
واعلمي أن الله تعالى قد يكون أراد بك خيراً بابتلائك بتلك الأمراض، وذلك حتى ترجعي إليه تعالى بالقربات والعبادات، والمؤمن كل ما يقدره الله تعالى له فهو خير له، إن وهبه الله مالاً وجاهاً ونعماً شكر فكان خيراً له، وإن ابتلاه ربه بالأمراض والفقر صبر فكان خيراً له، وليس هذا إلا للمؤمن.
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) .
رواه مسلم (2999) .
ثانياً:
وأما بخصوص ما ابتلاك الله تعالى به: فاعلمي أنك في حاجة إلى سلوك طريقين لتتخلصي من هذا الابتلاء الذي قدَّره الله تعالى عليكِ:
الأول: البحث عن العلاج المناسب بالأدوية الحسية، سواء من الأعشاب الطبيعية، أو الأدوية الكيميائية غير الضارة، أو الجراحة، أو الأدوية التي ورد الخبر بكون فيها الشفاء، كالعسل، وماء زمزم، والحبة السوداء، وغيرها، وكل هذا داخل في العلاج المباح، وما من داء إلا وله دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، وارجعي في معرفة ذلك إلى الثقات المهرة من أهل الاختصاص.
والثاني: التزام الأدوية الشرعية المعنوية، كالاستغفار، والدعاء، وأذكار الرقية الشرعية.
وتفصيل ذلك بأدلته: في جوابي السؤالين: (69766) و (9691) .
ومن المهم أن تنظري في جواب السؤال رقم (71236) ففيه: بيان موقف المؤمن من الابتلاء.
وانظري جواب السؤال رقم (82866) ففيه: تجربة مريرة لأخت ضلت الطريق، وإرشادها كيف تعود؟!
وفي نهاية الجواب نحذر الأخوات الفاضلات من استعمال أدوات التجميل، والكريمات، وغيرهما مما يصنع من مواد كيمائية، أو من مواد نجسة، ويكون لها آثار جانبية خطيرة، فليحذرن من الدعايات التي تسوق لهذه المواد، وليكتفين بما يُصنع من مواد طبيعية، أو أعشاب غير ضارة.
ونسأل الله تعالى أن يعجِّل شفاء أختنا الفاضلة، وأن يكتب لها الأجر، وأن ييسر لها الخير حيث كان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8257)
حكم الإنجاب بطريقة (I V F)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة ما إذا كان يجوز طبقاً للقرآن والسنَّة العلاج بـ " الآي في إف " (طريقة في علاج العقم) لإنجاب الأطفال، حيث تحاول إحدى الأخوات إنجاب أطفال، ولكنها تواجه صعوبة بالغة في ذلك، ولذلك فسأكون ممتنة للغاية إذا تمكنتم أن تردوا عليَّ في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الأولاد من نعَم هذه الدنيا وزينتها، ومن أعظم مقاصد الزواج: الإنجاب، والولد الصالح ذخر لوالديه في الدنيا والآخرة، وأعماله الصالحة تكون في صحائف والديه وميزانهما، وقد يبُتلى الرجل أو المرأة بعدم الإنجاب، أو بتأخيره، فالواجب عليهما الصبر والاحتساب، والإكثار من الدعاء الاستغفار، وليعلما أن الله تعالى لا يقضي بشيء إلا لحكمة بالغة، ومن تيسر له طرقاً شرعية للإنجاب فلا حرج عليه من سلوك طريقها، وليحذر المسلم من طرق الشعوذة، والسحر، والخرافة، وليحذر من الأطباء الذين عُدموا التقوى، فيكون همهم الحصول على المال من الراغب بالإنجاب، ولذا يلجأ بعضهم إلى تبديل البويضات، أو إلى تبديل ماء الرجل! ومن هنا جاء المنع أو التشديد في الحكم بجواز هذه الطرق للإنجاب.
ثانياً:
ومن الطرق التي يسلكها الأطباء في الإنجاب: ما جاء في السؤال وهي ما يسمى " آي في أف " (I V F) وتتلخص هذه الطريقة في حث المبيضين على إنتاج عدد من البويضات مقارنة بما يكون من المرأة في وضعها الطبيعي وهو نزول بويضة واحدة، ويتم ذلك بإعطاء المرأة إبرة الديكابيتيل Decapeptyl لتهيئة المبيضين للخطوة التي بعدها، وهي الحقن بهرمونات لحث المبيضين على إنتاج عدد من البويضات، وبعد التأكد من نمو البويضات: يتم إعطاء المرأة حقنة HCG لتُكمل بها نضوج البويضات قبل سحبها، وعادة تعطى هذه الحقنة قبل 36 ساعة من عملية سحب البويضات، ويتم بعدها سحب البويضات.
وفي يوم سحب البويضات يتم أخذ السائل المنوي من الزوج ويوضع مع كل بويضة 100000 حيوان منوي في " أنبوب اختبار " ليتم التلقيح، وبعد يومين أو ثلاثة أيام تنقسم البويضة الملقحة لتكوِّن ما يسمى بـ " الجنين "، وتصنف الأجنة حسب جودتها إلى 4 أصناف، ويتم اختيار أفضل الأجنَّة لإرجاعها للرحم، ثم توضع الأجنة في الرحم، ثم يُجرى بعدها بفترة إجراء فحص للتأكد من وجود الحمل من عدمه، ونسبة نجاح هذه العملية عند الأطباء من 30 إلى 40 %.
هذا ملخص ما ذكره الدكتور " أسامة صالحة "، استشاري أمراض النساء والولادة وأمراض العقم وجراحة المناظير (بريطانيا) ، ومدير وحدة أطفال الأنابيب، مستشفى دار الشفاء الجديد.
بواسطة مجلة " الوطن كلينيك ".
ثالثاً:
أما حكمها الشرعي: فهو المنع على الأحوط، وهو قول الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله، ونقله عن علماء اللجنة الدائمة - كما نقلناه عنه في جواب السؤال رقم (1992) - أو الجواز بشروط، ومن هذه الشروط:
1. الحاجة الماسة إلى ذلك، فليس تأخر الإنجاب سنَة أو سنتين بعذرٍ للزوجين بسلوك هذه الطريقة وأخواتها، بل يصبروا فقد يجعل الله الفرج قريباً من غير وقوع في محظورات.
2. عدم كشف المرأة عورتها على رجال مع توفر النساء.
3. عدم جواز الاستمناء للزوج، ويمكنه التمتع بامرأته دون الولوج، وينزل المني به.
4. عدم حفظ بويضات المرأة ومني الزوج في ثلاجة لاستعمال آخر، أو لموعد متأخر، وعدم التأخر في وضعهما في رحم المرأة، بل يُباشَر بذلك دون تأخر؛ خشية الاختلاط مع غيرهما؛ وخشية استعمالهما لأناس آخرين.
5. أن تكون النطفة من الزوج والبويضة من الزوجة، والزراعة في رحم الزوجة، ولا يجوز غير ذلك البتة، وينظر جواب السؤال رقم: (21871) و (23104) .
6. الوثوق التام بمن يقوم بالعملية من الأطباء والطبيبات.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم إيداع بويضة المرأة في أنبوبة، ثم تلقيحها بماء الرجل، ثم إعادتها إلى رحِم المرأة لتأخذ مجراها في التكوين.
فأجاب:
" أ. إذا لم تكن حاجة لهذا العمل: فإننا لا نرى جوازه؛ لأنه يتقدمه عملية جراحية لإخراج البويضة - كما ذكرتم في السؤال -، وهذه العملية تحتاج إلى كشف العورة بدون حاجة، ثم إلى جراحة، يخشى أن يكون منها نتائج ولو في المستقبل البعيد، من تغيير القناة، أو حدوث التهابات.
ثم إن ترك الأمور على طبيعتها التي خلقها عليها أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين: أكمل، تأدباً مع الله سبحانه، وأولى وأنفع من طرق يستحدثها المخلوق، ربما يبدو له حُسنها في أول وهلة، ثم يتبين فشلها بعد ذلك.
ب. إذا كان لهذا العمل حاجة: فإننا لا نرى به بأساً بشروط ثلاثة:
الأول: أن يتم هذا التلقيح بمني الزوج، ولا يجوز أن يكون هذا التلقيح بمني غير الزوج؛ لقول الله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) انحل/72، فخص ذلك بالأزواج.
الثاني: أن تتم عملية إخراج المني من الرجل بطريق مباح، بأن يكون ذلك عن طريق استمتاع الزوج السيد بزوجته، فيستمتع بين فخذيها، أو بيدها، حتى يتم خروج المني، ثم تلقح به البويضة.
الثالث: أن توضع البويضة بعد تلقيحها في رحم الزوجة، فلا يجوز أن توضع في رحم امرأة سواها بأي حال من الأحوال؛ لأنه يلزم منه إدخال ماء الرجل في رحم امرأة غير حلال له، وقد قال الله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) البقرة/223، فخص الحرث بامرأة الرجل، وهذا يقتضي أن تكون المرأة غير الزوجة غير محل لحرثه ". انتهى بتصرف يسير.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (17 / ص 27، 28) .
وقال – رحمه الله – أيضاً -:
التلقيح الصناعي: أن يُؤخَذ ماءُ الزوج ويُوضَع في رحم الزوجة عن طريق أنابيب (إبرة) ، وهذه المسألة خطيرة جدّاً، ومَن الذي يأمن الطبيب أن يلقي نطفة فلان في رحم زوجة شخص آخر؟! ولهذا نرى سدَّ الباب، ولا نُفتي إلا في قضية معينة بحيث نعرف الرجل، والمرأة، والطبيب، وأما فتح الباب: فيُخشى منه الشرُّ.
وليست المسألةُ هيِّنةً؛ لأنه لو حصل فيها غش لزم إدخال نسب في نسب، وصارت الفوضى في الأنساب، وهذا مما يحرمه الشرع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُوطأ حَامِل حَتَّى تَضَع) ، فأنا لا أفتي في ذلك، اللهمَّ إلا أن ترد إليَّ قضية معينة أعرف فيها الزوج، والمرأة، والطبيب.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (17 / السؤال رقم 9) .
وهذا هو قرار " المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي " حيث جاء فيه: " لا حرج من اللجوء إليها عند الحاجة، مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة ".
" مجلة المجمع " (3 / 1 / 423) .
ونسأل الله أن يرزق الزوجين الذرية الصالحة، دون الحاجة لمثل هذه الطرق، وأن يصبرهما على ما ابتلاهما به.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8258)
زراعة الأسنان الصناعية بصفة دائمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقوم بزرع سن دائم مصنوع من التاج الخزفى محل سن مكسور؟ فقد نصح الأطباء والدتى أن تقوم بذلك لكن فكرة أن السن سيكون دائما ولايمكن خلعه بعد وفاتها تقلقها. أحيطونا علما من فضلكم إذا كان يجوز زرع السن بصفة مستديمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في زراعة السن المصنوع من التاج الخزفي محل السن المكسورة، سواء كانت الزراعة دائمة أو مؤقتة.
ولا حرج أيضاً من بقائها بعد موت الإنسان، فليس هناك محذور آخر من دفن الإنسان بسن صناعي.
ولا يلزم نزع السن الصناعي أثناء الوضوء أو الغسل، كما يظن بعض الناس؛ لأنه يكفي في المضمضة إدارة الماء في الفم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: خلع الأسنان وجعل مكانها أسنانا جديدة، هل هو من تبديل خلق الله؟ .
فأجابوا: " لا بأس بعلاج الأسنان المصابة أو المعيبة بما يزيل ضررها أو خلعها، وجعل أسنان صناعية في مكانها إذا احتيج إلى ذلك؛ لأن هذا من العلاج المباح لإزالة الضرر، ولا يدخل هذا في تبديل خلق الله كما فهم السائل؛ لأن المراد بالفطرة في قوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الروم/30 دين الإسلام " انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/15)
وجاء فيها أيضا (25/57) : " لا بأس بأن تعالج أسنانك لدى طبيب مختص بإزالة التشويه عنها، واستبدال ما تعيَّب منها بأسنان صناعية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء. أو قال: دواء إلا داء واحدا. قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) قال أبو عيسى [الترمذي] : وفي الباب عن ابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي خزامة عن أبيه، وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز استعمال الأسنان الصناعية في الفم عند سقوط الأسنان الطبيعية وذلك للحاجة لها؟
فأجاب: " يجوز للإنسان إذا سقطت أسنانه أن يستعيض عنها بأسنان أخرى صناعية؛ لأن ذلك من إزالة العيب، كما أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة رضي الله عنهم الذي انقطع أنفه أن يتخذ أنفاً من فضة فأنْتن، فأذن له أن يتخذ أنفاً من ذهب، فاتخذ أنفاً من ذهب. كذلك أيضاً الأسنان إذا سقطت فللإنسان أن يضع بدلها أسناناً صناعية، ولا حرج عليه في ذلك " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والحاصل أنه لا حرج على والدتك في زراعة السن الصناعية بصفة دائمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8259)
هل يجوز للأب أن يجعل أبناءه يقومون بتدليكه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يستمتع زوجي بعملية التدليك، وغالبا ما أكون مشغولة أو متعبة وغير قادرة على أن أقوم بذلك، ولذلك فهو يجعل الأطفال يقومون له بذلك، وتتراوح أعمارهم بين 6 إلى 10 سنوات، وهم أربع بنات وصبى يبلغ الثامنة. ويقوم الأطفال بتدليك ظهره ورأسه ورقبته وساقيه وقدميه. فهل يجوز شرعا القيام بذلك والاستمرار في عملية تدليك والدهم؟ وما حكم القيام بذلك بعد بلوغهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي فهمناه من السؤال هو أن هذا الرجل يستمتع بدلك هذه الأعضاء استمتاعاً عادياً، كأن يشعر بالراحة لزوال ما كان يحس به من تعب ونحو ذلك، لكنه غير مصحوب بشهوة وتلذذ بمن يدلكه، فإذا كان الأمر كذلك فلا حرج في أن يدلكه أبناؤه وبناته فيما ذكر من الأعضاء سواء كانوا بالغين أم لا؟
لأنهم إن كانوا بالغين، أو صغاراً بلغوا حداً يشتهون فيه، فإنه يلزم الأب أن يستر أمامهم ما بين السرة والركبة، أما ما عدا ذلك فلهم أن ينظروه منه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/80) : " فأما الرجل مع الرجل، فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة، وفي حدها روايتان: إحداهما: ما بين السرة والركبة، والأخرى: الفرجان) اهـ
وأما المرأة، فقد بين أهل العلم ما الذي يجوز لها أن تنظره من محارمها، قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/287) ـ وهو يتحدث عن غسل الميت ـ: " فإن حضرت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته، من سرته إلى ركبته، لأنها تنظر منه ما ينظره الرجل من مثله، وهو ما عدا ما بين السرة والركبة " انتهى.
هذا إن كانوا بالغين كما قلنا، أو بلغوا حداً يشتهون؛ وأما إن كانوا دون ذلك فالأمر أسهل،
وهذا كله فيما إذا كان الأمر على ما فهمناه من قولك " يستمتع " أنه بمعنى يرتاح بدنه، راحة طبيعية.
أما إذا كنت تريدين بالمتعة: التلذذ والاستمتاع بمن يدلكه فإن ذلك حرام وباب إلى شر عظيم، فالواجب حينئذ الحيلولة دون حصول هذا المنكر.
على أننا، وحتى في الصورة المباحة، لا نستحب ذلك، خاصة إذا كان من الكبار، وكان على وجه الاعتياد، لأن ذلك ربما أدى إلى كسر حجاب الهيبة والحشمة بين الأبناء وأبيهم، وسدا لما يخشى من الفساد، خاصة في حق من يعيشون في الغرب، ولا يمكن على وجه التحديد معرفة ما يتلقاه الأبناء في مجتمعهم، مما يتعلق بهذه الأمور.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8260)
شروط جواز احتجام النساء عند الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عندي 24 سنة، أجيد - بفضل الله - إجراء الحجامة، يسألني البعض إجراء الحجامة لنسائهم، أو أخواتهم، لكنني أمتنع، ويلحون عليَّ، متحججين بما يفعله الأطباء في عصرنا الحالي. فهل يجوز أن أجري الحجامة لهن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحجامة نافعة بإذن الله تعالى في الوقاية والعلاج، وهي مما رغَّبت الشريعة بفعله للرجال والنساء، وقد جاء في السنة النبوية الصحيحة الإخبار بأن فيها شفاء، ووقاية، وثبت احتجام النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت احتجام أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحِجَامَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُِمَهَا.
قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلاَمًا لَمْ يَحْتَلِمْ. رواه مسلم (2206) .
والأصل أن يقوم الرجل بحجم الرجل، والمرأة بحجم المرأة، وليست الحجامة من الأعمال التي يصعب تعلمها وممارستها للنساء.
ولو فُرض عدم توفر من يقوم بالحجامة للنساء ممن هو من بنات جنسها: فإنه يجوز للرجل أن يباشر حجامة النساء، لكن بشروط، وهي:
1. أن تكون هناك حاجة أو ضرورة للعلاج بالحجامة.
2. أن لا تحصل خلوة بين الرجل والمرأة التي يعالجها، فإما أن يوجد أحد محارمها أو امرأة من محارم الرجل المعالج أو امرأة أخرى بشرط أن تكون الفتنة مأمومة.
3. أن لا يكشف الحجَّام عن أكثر من الموضع المراد حجمه، فحيث جاز لها المعالجة للضرورة فإن الضرورة تقدَّر بقدرها.
4. أن لا يمس الحجام شيئاً من بدن المرأة، بل يلبس القفازين بحيث يكون هناك حائل بينه وبين مس بدنها، إلا أن يضطر للمس.
5. أن يقدّم الحجام المسلم على غيره، ويقدم غير البالغ – إن وُجِد – على البالغ.
6. أن يكون الحجَّام مأمون الجانب من حيث خُلُقُه، وأمانتُه، فإن كان معروفاً بفسق أو فجور: لم يجز الاحتجام عنده.
7. أن يأمن الحجام من فتنته بالنساء، أو فتنة النساء به، فإن شعر بشيء من ذلك وجب عليه الامتناع عن معالجة النساء.
وهذه فتاوى لبعض أهل العلم في المسألة:
أ. بوَّب الإمام أبو حاتم بن حبان في كتابه " التقاسيم والأنواع " على حديث احتجام أم سلمة بقوله:
" ذِكر الأمر للمرأة أن يحجمها الرجل، عند الضرورة، إذا كان الصلاح فيهما موجوداً ".
مع التنبيه أن بعض العلماء ردَّ قول أحد رواة حديث أم سلمة: إن أبا طيبة كان أخاها من الرضاعة، أو كان غلاماً لم يبلغ الحلم، ومن هؤلاء العلماء: ابن حزم في كتابه " المحلى " (10 / 33) .
ب. قال الشربيني الخطيب الشافعي رحمه الله وهو يذكر أقسام نظر الرجل إلى المرأة:
" النظر للمداواة كحجامة وعلاج، ولو في فرج، فيجوز إلى المواضع التي يحتاج إليها فقط؛ لأن في التحريم حينئذ حرجاً، فللرجل مداواة المرأة، وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك، وأن لا يكون ذميا مع وجود مسلم، ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلما: فالظاهر أن الكافرة تقدم لأن نظرها ومسها أخف من الرجل.... وقيد في " الكافي " الطبيب بالأمين، فلا يعدل إلى غيره مع وجوده، وشرط الماوردي أن يأمن الافتتان ولا يكشف إلا قدر الحاجة " انتهى باختصار.
" الإقناع " (2 / 69) .
ج. وقال الشربيني الخطيب – أيضاً – في سياق ذِكر من يطلع على عورة المرأة للضرورة -:
" رتب البُلقيني ذلك فقال: فإن كانت امرأة: فيعتبر وجود امرأة مسلمة، فإن تعذرت: فصبي مسلم غير مراهق، فإن تعذر: فصبي غير مراهق كافر، فإن تعذر: فامرأة كافرة، فإن تعذرت: فمحرمها المسلم، فإن تعذر: فمحرمها الكافر، فإن تعذر: فأجنبي مسلم، فإن تعذر: فأجنبي كافر " انتهى .
" مغني المحتاج " (4 / 216، 216) .
د. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم كشف عورة المرأة للرجل عند الحاجة لذلك حال العلاج، وكذلك عورة الرجل للمرأة؟ وإذا كان لا يوجد إلا طبيبة نصرانية وطبيب مسلم؟ .
فأجاب:
" كشف عورة الرجل للمرأة، والمرأة للرجل عند الحاجة لذلك حال العلاج: لا بأس به بشرطين:
الشرط الأول: أن تؤمن الفتنة.
الشرط الثاني: أن لا يكون هناك خلوة.
والطبيبة النصرانية المأمونة أولى في علاج المرأة من الرجل المسلم؛ لأنها من جنسها بخلاف الرجل.
والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 175) .
وما ذكرناه من أقوال العلماء يجمع ما ذكرناه من الشروط.
وانظر جواب السؤال رقم (5693) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8261)
ماذا يلزم الطبيب إذا مات المريض أثناء العملية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للأطباء الذين يجرون العمليات، لو فرضنا وفاة أحد المرضى بين أيديهم وهم يجرون العملية بسبب هذه العملية؛ ألا يلحقهم في ذلك شيء أو يلزمهم كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا حصل منهم تفريط نتج عنه وفاة الشخص، أو كان الطبيب لا يحسن إجراء العملية؛ فإنه في هذا يكون عليه مسؤولية، يكون عليه الكفارة والدية أيضًا على عاقلته؛ (أقاربه الذكور من جهة الأب) لأن هذا يعتبر من قتل الخطأ، أما إذا كان الطبيب مثلاً خبيرًا بإجراء العملية، وحالة المريض تتحمل هذا الشيء، ولم يحصل تفريط؛ فإنه لا حرج عليهم في ذلك، وليس عليهم ضمان ولا كفارة ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 280)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8262)
جراحات التجميل لتخسيس الأرداف
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص عمل جراحات التخسيس لتخسيس الأرداف والمقعدة والصدر هل هي حرام أم حلال حيث إنها كانت ضرورية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جراحات التجميل منها ما هو مباح، ومنها ما هو محرم، وذلك حسب الباعث على إجراء هذه الجراحات، فمتى كان الباعث على ذلك طلب الحسن ومزيد الجمال، فإن أهل العلم يعدون هذا النوع من الجراحات من تغيير خلقة الله تعالى، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم فلا يجوز فعله، كما ذكر الشيخ محمد المختار الشنقيطي في كتابه "أحكام الجراحة "
للأدلة التالية:
أولاً: قول الله تعالى حكاية عن إبليس لعنه الله: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) النساء/119.
ثانياً: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله. رواه البخاري (4507)
ثالثاً: أن هذه الجراحة لا تفعل إلا بارتكاب محظورات أخرى، ومن تلك المحظورات: التخدير وهو في الأصل حرام إلا حيث دعت الحاجة للعلاج.
ومن هذه المحظورات: كشف العورات ولمسها، وكل هذه الأمور محرمة ولم يوجد سبب مقبول شرعاً للترخيص بها.
أما إذا كان المقصود من تلك العملية هو إزالة عيب موجود كما لو كانت الأرداف كبيرة كبراً خارجاً عن المعتاد - وكذا الصدر - والمقصود هو إعادتها إلى طبيعتها، فلا حرج من إجراء هذه العملية، ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (47694)
قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم عند شرحه لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في لعن النبي صلى الله عليه وسلم للواشمات والمستوشمات، قال: " وأما قوله (المتفلجات للحسن) ، فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " إزالة العيوب جائزة، ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفاً من ذهب، فالمسألة أوسع من ذلك، فتدخل فيها مسائل التجميل وعملياته، فما كان لإزالة عيب فلا بأس به، مثل أن يكون في أنفه اعوجاج فيعدله، أو إزالة بقعة سوداء مثلاً، فهذا لا بأس به، أما إن كان لغير إزالة عيب كالوشم والنمص مثلاً فهذا ممنوع" انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/93)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8263)
تحريم بيع الكلية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مريض بالكلى وقرر له زراعة كلى وقد طلب شخص مقابل كليته مبلغ 50 ألف ريال، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تجوز زراعة الكلية لمن اضطر إليها إذا تيسرت بطريقة مباحة، ولا يجوز للإنسان أن يبيع كليته أو عضوًا من أعضائه لأنه قد جاء الوعيد في حق من باع حرًا فأكل ثمنه، وبيع العضو يدخل في ذلك لأن الإنسان لا يملك جسمه وأعضاءه. ولئلا يكون ذلك وسيلة إلى المتاجرة بالأعضاء - هذا الذي يظهر لي. ولئلا يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الضعفة من الناس وسرقة كلاهم طمعًا في المال ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 62)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8264)
هل الصيد في الأشهر الحرم حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصيد في الأشهر الحرم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهي المرادة بقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) ، ولا حرج من الصيد فيها، إنما التحريم للصيد متعلق بأمرين:
الأول: الإحرام بحج أو عمرة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) المائدة/95.
قال ابن كثير رحمه الله:
"وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (2 / 99) .
الثاني: الصيد في حدود الحرم، والمقصود به مكة والمدينة للأحاديث الواردة في ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال: (إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر، لا ينفَّر صيدُها ولا يعضد شوكها) رواه البخاري (1284) ومسلم (1353) .
والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا ينفر صيدها) فهذا الحديث نص في تحريم تنفير الصيد في مكة، وأولى منه تحريم الصيد نفسه.
وأما المدينة فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين لابتيها حرام) رواه البخاري (1774) ومسلم (1372) .
واللابة يقال لها: الحَرَّة، وهي الحجارة السوداء، والمدينة بين لابتين، شرقية وغربية.
أما الأشهر الحرم فلا علاقة بينها وبين تحريم الصيد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8265)
هل يجوز وضع ماء الزوج وبويضة الزوجة في رحم الزوجة الثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ (أحمد) له زوجتان الأولى منهما لا تلد والثانية تلد بحمد الله، وفي العصر الحاضر العلمي يستطيع الطبيب بفضل الله تعالى أن يضع بويضة الزوجة الثانية مع ماء الزوج في تيست تيوب بيبي Teste-tube baby كي تختلطا وينشأ الولد نشوءا ابتدائيا ثم يضعها في رحم الزوجة التي لا تلد ليتربى الولد فيها حتى تضعه، هل هذا يجوز في ضوء الكتاب والسنة؟ بعض الناس يقول بجواز ذلك قياسا على الرضاعة، أي: كما يجوز تغذية الولد من لبنها في حجرها، كذلك يجوز أن يتغذى بدمها في رحمها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الطريقة من التلقيح ووضع البويضة مع مني الزوج في رحم الزوجة الأخرى: طريقة غير شرعية، وقد ذهب إلى تحريمها جمع كبير من العلماء، وقد صدر فيها قراران من مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومن مجلس الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، والذي كان يرى إباحة هذه الطريقة ثم تراجع عن إباحتها، وإليك بعض ما جاء في القرارين:
1- قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ، 11 إلى 16 أكتوبر 1986.
بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي " أطفال الأنابيب "، وذلك بالاطلاع على البحوث المقدمة، والاستماع لشرح الخبراء والأطباء، وبعد التداول تبين للمجلس:
"أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبع:
الأولى: أن يجرى تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
الثانية: أن يجرى التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة.
الثالثة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.
الرابعة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
الخامسة: أن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.
السادسة: أن تؤخذ نطفة من زوج وبييضة من زوجته ويتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
السابعة: أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليّاً.
وقرر:
أن الطرق الخمسة الأول كلها محرمة شرعا وممنوعة منعا باتا لذاتها، أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب، وضياع الأمومة، وغير ذلك من المحاذير الشرعية.
أما الطريقان السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه لا حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة " انتهى.
" مجلة المجمع " (3/1/423) .
2- قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي:
"الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405 هـ إلى يوم الاثنين 7 جمادى الأولى 1405 هـ الموافق 19 – 28 يناير 1985 م قد نظر في الملاحظات التي أبداها بعض أعضائه حول ما أجازه المجمع في الفقرة الرابعة من البند الثاني في القرار الخامس المتعلق بالتلقيح الصناعي وطفل الأنابيب الصادر في الدورة السابعة المنعقدة في الفترة ما بين 11 – 16 ربيع الآخر 1404 هـ ونصها:
" إن الأسلوب السابع الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم: يظهر لمجلس المجمع أنه جائز عند الحاجة وبالشروط العامة المذكورة ".
وملخص الملاحظات عليها:
" إن الزوجة الأخرى التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها في فترة متقاربة مع زرع اللقيحة ثم تلد توأمين ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج، كما لا تعلم أم ولد اللقيحة التي أخذت منها البويضة من أم ولد معاشرة الزوج، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضًا أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة ولد الزوج، ويوجب ذلك من اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقية لكل من الحملين والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام، وإن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة ".
كما استمع المجلس إلى الآراء التي أدلى بها أطباء الحمل والولادة الحاضرين في المجلس والمؤيدة لاحتمال وقوع الحمل الثاني من معاشرة الزوج في حاملة اللقيحة واختلاط الأنساب على النحو المذكور في الملاحظات المشار إليها.
وبعد مناقشة الموضوع وتبادل الآراء فيه قرر المجلس: سحب حالة الجواز الثالثة المذكورة في الأسلوب السابع المشار إليها من قرار المجمع الصادر في هذا الشأن في الدورة السابعة عام 1404 هـ " انتهى.
"قرارات المجمع الفقهي" (ص159-161) .
وعليه:
فلا يجوز أخذ ماء الزوج وبويضة الزوجة ووضع الخليط في رحم زوجةٍ أخرى له.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8266)
رتق غشاء البكارة لمن طلقت قبل الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز عملية رتق غشاء البكارة؟ مع العلم أنه لم يتم ذلك بالحرام وإنما كان بعقد شرعي ولكن دون زواج معلن بين الناس "خطبة"]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد النكاح، أصبحت المرأة زوجة، يحل لزوجها منها ما يحل لسائر الأزواج مع زوجاتهم، إلا أنه ينبغي تأخير الوطء إلى يوم الدخول، تجنبا لما قد ينشأ عن ذلك من مفاسد.
وأما الخطبة، فإنها تسبق العقد، ولا يحل بها وطء ولا خلوة ولا استمتاع، وإنما يباح للخاطب عند الخطبة أن ينظر إلى من يريد الزواج منها، ثم هو أجنبي عنها كسائر الرجال حتى يتم عقد النكاح.
وبناء على ذلك، فالوطء في الحالة الأولى (حالة العقد) مباح، لا إثم فيه، وأما في الحالة الثانية (الخِطْبة) فهو زنا.
وأما رتق غشاء البكارة فلا يجوز في كلتا الحالتين، لأنه تدليس وغش، وخداع للزوج الثاني وإيهام له بأن زوجته بكر، والحقيقة أنها ثيب، مع ما تستلزمه العملية من الاطلاع على العورة المغلظة من غير ضرورة إلى ذلك
ويضاف إلى ذلك أنه في حال زوال البكارة بالزنا تكون عملية الرتق فيها إعانة على المحرم وتيسير له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8267)
حكم إزالة شعر العانة بالليزر على يد طبيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من الشعر الزائد في منطقة الإبطين والمنطقة الحساسة - فهل يجوز الكشف عند دكتورة لإزالته بالليزر؟ علماً أن الشعر غزير جدا وتأذيت بالموس والنتف مما سبب لي تشوها في البشرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المرأة أن تستر عورتها عمن لا يحل له النظر إليها، وعورة المرأة بالنسبة إلى المرأة ما بين السرة إلى الركبة، في قول جمهور الفقهاء.
ويجوز كشف العورة عند الحاجة، كالتداوي، ويشترط تأكد الحاجة وقوتها إذا كان الأمر يتعلق بالعورة المغلظة.
وعليه فلا حرج في إزالة شعر الإبطين بالليزر، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر.
وأما إزالته من العانة على يد طبيبة، فيشترط له أن تدعو إليه حاجة ماسة، كأن يكون الشعر كثيرا، لا ينفع معه إزالته بالوسائل الأخرى من نتف وحلق، ولا يمكنك إزالته بنفسك بواسطة الليزر مع توجيه الطبيبة، لتجنب اطلاعها على العورة.
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " ستر العورات والسوآت واجب وهو من أفضل المروآت وأجمل العادات ولا سيما في النساء الأجنبيات , لكنه يجوز للضرورات والحاجات. أما الحاجات فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه , ونظر الأطباء لحاجة المداواة. وأما الضرورات فكمداواة الجراحات المتلفات , ويشترط في النظر إلى السوآت لقبحها من شدة الحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سائر العورات , وكذلك يشترط في النظر إلى سوأة النساء من الضرورة والحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سوأة الرجال , لما في النظر إلى سوآتهن من خوف الافتتان , وكذلك ليس النظر إلى ما قارب الركبتين من الفخذين كالنظر إلى الأليتين " انتهى من "قواعد الأحكام" (1/165) باختصار.
وقال الشربيني الخطيب: " (واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما. وأما عند الحاجة فالنظر والمس مباحان لحجامة وعلاج ولو في فرج، للحاجة الملجئة إلى ذلك ; لأن في التحريم حينئذ حرجا " انتهى من "مغني المحتاج" (4/215) .
وجعل الحنابلة من الأعذار المبيحة لكشف العورة: حلق العانة لمن لا يحسن حلقها بنفسه.
كما ذكره ابن مفلح رحمه الله في الفروع (5/153) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8268)
إذا رفض أخذ الدواء هل يكون عاقاً لأبيه?
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مريض بالربو وكثيراً ما أذهب إلى المستشفى على طول العام وكانوا يعطونني مادة الكرتزون مما أثر على عظامي، فقطعته خشيه الهلاك مما أغضب والدي فهل أنا عاق؟ 2- أعاني من آلام في المعدة مما يسبب لي كثرة الغازات فكيف أتطهر للصلاة؟ ولهذه الأسباب أصبحت لا أستطيع المشي كثيرا وعند قطعي للكرتزون تعبت أكثر فأمرني الطبيب بلزوم البيت وأصبحت لا أكثر من الذهاب للمسجد إلا لصلاة الجمعة لهذا السبب فهل أنا آثم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويأجرك على ما أصابك.
ثانيا:
إذا كان الدواء يضرك ويؤثر على عظامك، فلا حرج في قطعه، لأنه لا يلزمك أن تتناول ما يضرك من دواء أو غيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
لكن ينبغي مراجعة الطبيب في ذلك، فقد تكون المضرة بتركه أعظم من المضرة الحاصلة بأخذه.
فعليك أن توازن بين المصالح المترتبة على أخذك الدواء وبين المفاسد وبين المفاسد المترتبة على عدم أخذه.
وإذا ثبت أن الدواء مضرّ بك، فلا يكون امتناعك عن أخذه عقوقاً لوالدك، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840)
ثالثا:
ينبغي أن تبحث عن علاج لكثرة الغازات، حتى تؤدي الصلاة بخشوع واطمئنان مع الجماعة، فإن استمر خروجها، بحيث لا تنقطع وقتا يتسع لفعل الطهارة والصلاة، فهذا ما يسمى بسلس الريح، وحينئذ يكفيك الوضوء بعد دخول الوقت، وتصلي به الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك خروج الريح ولو في الصلاة.
وأما إن كان الريح ينقطع عنك وقتاً يتسع للطهارة والصلاة، فيلزمك أداء الصلاة في هذا الوقت، ولو أدى إلى ترك الجماعة في المسجد.
رابعا:
إذا كان الخروج إلى المسجد يضرك أو يشقّ عليك، فلا حرج عليك في أداء الصلاة في البيت، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
وكلما شعرت بالنشاط والقوة خرجت إلى المسجد.
ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8269)
حكم تناول الأقراص المنبهة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تناول الأقراص المنبّهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القاعدة العامة هي تحريم تناول ما يضر بالإنسان، بجسمه أو عقله أو بهما معا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والأقراص المنشطة والمنبهة لها مضار ومخاطر على الجسم، ومنها ما يسمى بـ " الأمفيتامينات " ومما يؤسف له أن هذه الأقراص كثر استعمالها بين الطلبة – تحت أسماء مختلفة – بحجة أنها تمكنهم من مقاومة النوم والاستزادة من استذكار دروسهم في مواسم الامتحانات، كذلك يستخدمها بعض الرياضيين، وسائقي الشاحنات، لمواصلة العمل دون نوم أو شعور بالتعب، وعلى فرض وجود هذه المنفعة، فإنها منفعة يعقبها الضرر، بل لهذه الأقراص أضرار بالغة منها: ظهور حالات نشاط مفرط، واكتئاب، وارتفاع ضغط الدم، مما قد يعرض متناولها لنوبة ضغط دم شديد الارتفاع من الممكن أن تودي بحياته في أي لحظة، كما أن متعاطيها يصاب بمشاعر عدائية وجنون الارتياب (البارانويا) ، ثم لا يلبث مع مرور الأيام واستمرار التعاطي أن يتحول إلى مدمن، ويؤثر إدمان الأمفيتامينات على انسحاب المدمن من الحياة، وتتزايد لديه الأفكار والمشاعر الاضطهادية، وينتهي به الأمر إلى المزيد من العنف وفقدان البصيرة.
وقد قال الله تعالى في شأن الخمر والميسر: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/219، فأهدر الله تعالى ما في الخمر والميسر من منفعة، لما فيهما ويترتب عليهما من المفاسد والآثام والشرور، ولهذا كانت قاعدة الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الأدوية المسهرة للطلاب للمذاكرة والسائقين في الرحلات الطويلة؟
فأجابت: " ضررها أكثر من نفعها، وكل ما كان كذلك فهو محرم، ثم يمكن الاستغناء عن هذه الأدوية بما هو أنفع منها مع السلامة من آفاتها وعواقبها الوخيمة؛ إذ يمكن الطلاب أن يوزعوا مذاكرة العلوم المقررة على مدة الدراسة، وهذا أرسخ للمعلومات في أذهانهم، وأعمق لها فهما، حتى إنها لا تكاد تنسى، ويمكن للسائقين أن يستريحوا فترات في رحلاتهم الطويلة، وإن تأخروا زمنا في قطع المسافة، لكنه أسلم لهم ولمن ركب معهم ولمن على طريقهم ولمواصلاتهم، وأوفق للنظام الذي وضع لمصلحتهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/32) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8270)
أجرى لوالده العملية بدون رضاه، فهل يكون عاقاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مريض ورفض إجراء العملية الجراحية، وقد احتلت عليه حتى تجرى له بدون علمه، وذلك حرصاً مني على شفائه، فهل في هذا عقوق له؟ وماذا لو كان توفي في هذه العملية، هل أكون متسبباً في قتله بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله؛ لأنكَ تريد له الخير، وتريد له المصلحة، ولم تُرِد به الضَّرر؛ فأنت محسن، ويُرجى لك الأجر إن شاء الله، وحتى لو تُوُفِّي من أثر هذه العمليَّة، ما دامت أنَّها عمليَّة جارية مجراها الطبّيَّ، ولم يحصل فيها تفريط، والطَّبيب من أهل الخبرة، وتوفرت الشُّروط؛ فلا حرج عليك في ذلك؛ لأنك محسن، والله تعالى يقول: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ) التوبة /91 ".
والله تعالى أعلم.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 403)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8271)
هل يجوز عمل صمام للقلب المريض من جلد الخنزير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي إحدى قريباتي تعاني من ضيق في الصمام، وقد قررت لها عملية في إحدى الدول الغربية، وهناك خياران لعمل قناة داخلية للصمام: إما أن تكون القناة من المعدن، ويترتب عليه ترسب الدم حوله، مما يجبرها على أخذ عقاقير معينة طيلة حياتها لإزالة هذه الرواسب، أو أن تكون القناة من جلد الخنزير، الأمر الذي لا يترتب عليه ما يترتب على القناة المعدنية، فهل يجوز لها اختيار جلد الخنزير لعمل هذه القناة الداخلية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف الفقهاء في طهارة جلد الخنزير بالدباغ، فذهب الشافعي إلى أن الدباغ يطهر جميع أنواع الجلود ما يؤكل منه وما لا يؤكل ما عدا الكلب والخنزير، وذهب أبو حنيفة إلى استثناء الخنزير فقط، ورأى الإمام أحمد ومالك أن جلود الميتة كلها لا تطهر بالدباغ، ومنها الخنزير، وعن أحمد رواية أنه يطهر بالدباغ جلد ما كان طاهراً في الحياة، ولو كان غير مأكول اللحم، ورواية أخرى أنه لا يطهر بالدباغ إلا جلد مأكول اللحم فقط.
وذهب داود الظاهري وابن حزم – ويروى عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة وبعض المالكية كسحنون وابن عبد الحكَم وعبد المنعم بن الفرس - والشوكاني من المتأخرين: إلى طهارة جميع الجلود بالدباغ بما في ذلك الكلب والخنزير.
ثانياً:
واختلف العلماء في حكم الانتفاع بجلد الخنزير بعد دباغته، فأما من ذهب إلى طهارته بعد الدباغ فلا يشك في جواز استعماله عنده لعموم الاستعمالات، وبعض من قال بعدم تطهير الدباغ لجلد الخنزير قالوا بجواز الانتفاع به في اليابسات دون المائعات، وهو رواية عن الحنابلة، ومعنى ذلك: أنه يصح أن يكون وعاء يوضع به الحبوب، كما يشمل ذلك استعماله في اللبس كالحذاء وغيره.
وفي " الموسوعة الفقهية " (20 / 34) :
"اتّفق الفقهاء على أنّه لا يطهر جلد الخنزير بالدّباغ ولا يجوز الانتفاع به لأنّه نجس العين، والدّباغ كالحياة، فكما أنّ الحياة لا تدفع النّجاسة عنه، فكذا الدّباغ..........
وروي عن أبي يوسف أنّ جلد الخنزير يطهر بالدّباغ.
ويقابل الرّواية المشهورة عند المالكيّة ما شهره عبد المنعم بن الفرس من أنّ جلد الخنزير كجلد غيره في جواز استعماله في اليابسات والماء إذا دبغ سواء ذكّي أم لا " انتهى.
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (1695) أن جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ، ونقلنا في جواب السؤال رقم (13213) عن الشيخ ابن باز – رحمه الله – أن الأحوط تركه ولو بعد الدباغ لوجود الخلاف فيه.
ثالثاً:
يتبين مما سبق أن طهارة جلد الخنزير بالدباغ من المسائل الاجتهادية، وليس الأمر كحكم لحم الخنزير، فإن تحريم لحمه من مسائل الاتفاق التي لا يجوز الخلاف فيها.
وعلى القول بطهارة جلد الخنزير بالدباغ فلا إشكال في جواز استعماله.
وعلى القول بعدم طهارته بالدباغ لا شك في جواز استعماله إذا كانت هناك ضرورة، وإذا كان لحمه الذي اتفق على حرمته يجوز تناوله للضرورة: فإن استعمال جلده المدبوغ والذي اختلف فيه أولى بالجواز والإباحة.
رابعاً:
أما بخصوص استعمال جلد الخنزير في صنع صمام للقلب: فإذا لم يمكن صنع الصمام من جلد طاهر فإنه يجوز صنعه من جلد الخنزير للضرورة، ويقدَّم على المعدن الذي يتسبب في أخذ أدوية باستمرار قد تؤدي إلى أضرار جانبية كثيرة.
قال النووي رحمه الله:
"إذا انكسر عظمه فينبغي أن يجبره بعظم طاهر، قال أصحابنا - يعني: الشافعية -: ولا يجوز أن يجبره بنجس، مع قدرته على طاهر يقوم مقامه، فإن جبره بنجس نُظر، إن كان محتاجاً إلى الجبر، ولم يجد طاهراً يقوم مقامه: فهو معذور، وإن لم يحتج إليه ووجد طاهراً يقوم مقامه: أثم، ووجب نزعه إن لم يخف على نفسه تلف نفسه، ولا تلف عضو " انتهى.
" المجموع " (3 / 145) .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي – تعليقاً على كلام النووي -:
"فبيَّن رحمه الله أن الأصل يقتضي حرمة التداوي بالعظم النجس، وينبغي أن يقدم عليه العظم الطاهر، فإن لم يجد وجبره بعظم نجس: فإنه ينبغي أن يتحقق شرطان:
الأول: أن يكون محتاجاً إلى جبر عظمه.
الثاني: ألاَّ يجد طاهراً يقوم مقامه.
فإن تخلَّف أحد الشرطيْن: فإنه لا يجوز له الجبر بالنجس، ويُعتبر آثماً لو جبر به، ويجب عليه نزعه، بشرط عدم خوف التلف على نفسه، أو عضو من أعضائه.
وبناءً على هذا التفصيل: فإن التداوي بنقل أعضاء الحيوان في هذا الضرب – [أي: الحيوان غير الطاهر] – ينبغي أن يتحقق فيه شرطان:
الأول: أن يكون الشخص المريض محتاجاً إلى نقل عضو الحيوان النجس إليه، ويتحقق هذا الشرط بشهادة الأطباء المختصين بهذه الحاجة.
والثاني: ألاَّ يوجد العضو الطاهر الذي يمكن أن يقوم مقامه.
فإذا تحقق هذان الشرطان: فإنه لا حرج في قيام الطبيب الجرَّاح بنقل العضو النجس وجزئه، ولا يُعتبر وجود ذلك العضو النجس في جسم المريض مؤثراً في صلاته وعبادته التي يًُشترط لها الطهارة؛ نظراً لمكان العذر الموجب للترخيص وجود هذه النجاسة" انتهى.
" أحكام الجراحة الطبية " (ص 268) .
وهكذا قرَّر مجلس " المجمع الفقهي الإسلامي " جواز "أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً، أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: إن جراحي القلوب قد يضعون عِرقاً أو شرياناً معدنيّاً، وقد يضعون – أيضاً - شرياناً يأخذونه من الخنزير , مع أن الشريان الذي من المعدن قد يصيبه الصدى , والشريان الذي من الخنزير يكون أحسن، وقد يلتحم ويصير وكأنه من الإنسان نفسه , فما حكم ذلك؟ .
فأجاب:
" لا بأس به، أي: لا بأس أن يَصِل إنسانٌ شريان قلبه بشريان حيوان آخر , وينظر إلى ما هو أنسب لقلبه؛ لأن هذا ليس من الأكل، إنما حرم الله أكل الخنزير، وهذا ليس أكلاً , وإذا علمنا أنه لا ينفعه إلا هذا: فهذا من باب الضرورة , وقد قال الله تعالى في أكل لحم الخنزير الأكل المباشر: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119 " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (106 / السؤال رقم 2)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8272)
أخذ حبوب منع الدورة لأجل الاعتكاف
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الجلوس للاعتكاف. ستكون هذه هي المرة الثالثة لي. الدورة الشهرية ستكون في وقت بالعشر الأواخر لرمضان. هناك حبوب موجودة لوقف الدورة الشهرية. لقد استخدمتها في أول مرة وأنا في الاعتكاف عندما كانت عادتي في تلك الفترة. لكن هذه المرة أنا أخاف استخدامها لأن عندي السرطان واستخدمت علاج الكيماوي.
عندما شُخصت حالتي بالسرطان عقدت النية أن الله سيعافيني وأنني سأجلس في الاعتكاف. ماذا يجب علي أن أفعل؟ هل يجب أن أستشير الطبيب حتى أعرف هل الحبوب تؤذيني أو لا أجلس في الاعتكاف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا.
ثانيا: يجوز أخذ حبوب منع الدورة للتمكن من أداء العبادة كالاعتكاف والعمرة والحج، ولكن بشرط ألا تكون مضرة بالبدن، وحيث إنك تعانين من المرض الذي ذكرت، فلابد من استشارة الطبيب قبل أخذ هذه الحبوب، للتأكد من عدم معارضتها لعلاجك، وعدم إضرارها بك، والمسلم مأمور بالمحافظة على بدنه، وعدم إلحاقه الضرر به؛ لقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/29، وقوله: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ) البقرة/195، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقال في الآداب الشرعية" (2/463) : " وتحرم المداواة بكل مضر " انتهى.
وعلى هذا، فإن كانت هذه الحبوب مضرة فلا يجوز لك تناولها، ويمكنك البدء في الاعتكاف ثم إذا حصل الحيض خرجت من المسجد وقطعت الاعتكاف وهذا عذر لك في قطعه بل هذا هو الواجب عليك لأن الحائض لا يجوز لها أن تبقى في المسجد.
أما إن كانت غير مضرة فلا حرج عليك في تناولها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8273)
تشريح الجثث لغرض تعلم الطب
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في كلية الطب وأتمنى أن أصبح طبيبا ناجحا إن شاء الله، وفيما يتعلق بدراستي فتواجهني مشكلة، وهي: كجزء من دراستي علي أن أقوم بتشريح جثث الموتى، وهذا يستدعى كشف أماكن متعددة من الجسد والقطع منه، هل عملي هذا حلال أم حرام؟ أرجو نصحي لأنني لا أريد أن أخالف الشريعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد قامت المجامع الفقهية واللجان العلمية بدراسات مفصلة لتحقيق حكم تشريح جثة الإنسان لغرض تعليم الطب، وذلك أن المسألة تنازعها أصلان كبيران:
الأول: حرمة الميت في الشريعة، وما جاء من التشديد في احترامه وتقديره.
الثاني: المصلحة الضرورية المترتبة على التشريح في حالات كثيرة.
ونحن ننقل هنا الفتاوى الصادرة في هذا الشأن عن الهيئات العلمية وبعض أهل العلم المعاصرين، وخلاصتها أنه لا حرج من استعمال الجثث في التشريح لغرض تعلم الطب وتعليمه، ولكن بشرط ألا تكون الجثة لإنسان معصوم الدم، وألا يتجاوز فيها قدر الحاجة والضرورة.
جاء في قرارات "المجمع الفقهي الإسلامي" بمكة المكرمة نقلا عن "فقه النوازل" للجيزاني (4/208-209) ما يلي:
" بناء على الضرورات التي دعت إلى تشريح جثث الموتى، والتي يصير بها التشريح مصلحة تربو على مفسدة انتهاك كرامة الإنسان الميت، قرر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يأتي:
أولا: يجوز تشريح جثث الموتى لأحد الأغراض الآتية:
أ - التحقيق في دعوى جنائية لمعرفة أسباب الموت أو الجريمة المرتكبة وذلك عندما يشكل على القاضي معرفة أسباب الوفاة ويتبين أن التشريح هو السبيل لمعرفة هذه الأسباب.
ب - التحقق من الأمراض التي تستدعي التشريح ليتخذ على ضوئه الاحتياطات الواقية والعلاجات المناسبة لتلك الأمراض.
ت - تعليم الطب وتعلمه كما هو الحال في كليات الطب.
ثانيا: في التشريح لغرض التعليم تراعى القيود التالية:
أ - إذا كانت الجثة لشخص معلوم يشترط أن يكون قد أذن هو قبل موته بتشريح جثته، أو أن يأذن بذلك ورثته بعد موته، ولا ينبغي تشريح جثة معصوم الدم إلا عند الضرورة.
ب - يجب أن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة كيلا يعبث بجثث الموتى.
ت - جثث النساء لا يجوز أن يتولى تشريحها غير الطبيبات إلا إذا لم يوجدن.
ثالثا: يجب في جميع الأحوال دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة " انتهى.
وجاء في كتاب "البحوث العلمية" لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية (2/83-84) ما يلي:
" الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية.
الثاني: التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية؛ لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها.
الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلما وتعليما.
وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة قرر المجلس ما يلي:
بالنسبة للقسمين الأول والثاني: فإن المجلس يرى: أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك.
وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع: إجازة التشريح لهذين الغرضين، سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا.
وأما بالنسبة للقسم الثالث: وهو التشريح للغرض التعليمي فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها.
وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان.
وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة: فإن المجلس يرى: جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة، إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا؛ وذلك لما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حيا) ، ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسر الحصول على جثث أموات غير معصومة: فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين " انتهى.
كما جاء في "مجموع فتاوى ابن باز" (22/349) ما يلي:
" إذا كان الميت معصوما في حياته - سواء كان مسلما أو كافرا، وسواء كان رجلا أو امرأة - فإنه لا يجوز تشريحه، لما في ذلك من الإساءة إليه وانتهاك حرمته، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كسر عظم الميت ككسره حيا) رواه أبو داود (2792) .
أما إذا كان غير معصوم كالمرتد والحربي فلا أعلم حرجا في تشريحه للمصلحة الطبية " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8274)
هل للرجل أن يتخصص في أمراض النساء والولادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في كلية الطب في السنة النهائية وأفكر كثيرا في إمكانية تخصصي في علم النساء والولادة فما رأى الدين في هذه المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض على اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله، سؤال مشابه لسؤالك، هذا نصه:
أنا طالب في كلية الطب، وفي السنة القادمة يكون مقررا علينا إن شاء الله مادة: أمراض النساء والتوليد، وعلى هذا أسأل في الآتي:
أ- هل يجوز أن أحضر الدراسة العملية التي ربما ينكشف فيها جسد المرأة؟
ب- وهل يجوز للطبيب أن يتخصص في طب النساء والتوليد، أم يقتصر هذا على الطبيبات؟
فأجابت: " إذا كان هناك من يكفى من المتخصصات في طب النساء والولادة؛ اقتصر عليهن ولم يجز لك أن تدرس فيه، ولا أن تطلع على عورة المرأة بالتدريب: في كشف عليها، أو إجراء عملية لها. وإن كان من تخصص في طب النساء والولادة من النساء غير كاف للقيام بالواجب في هذا الجانب، ودعت حاجة المسلمين إلى تخصصك فيه؛ جاز لك أن تدرس فيه، ورخص لك في رؤية ما تدعو الضرورة إلى كشفه من جسد المرأة؛ لإجراء كشف أو عملية " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/175) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8275)
يأتيه الوسواس القهري فيسب ويلعن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من الوسواس القهري خصوصاً في الصلاة، أو إذا كنت بمفردي، ونوع الوسواس الذي لدي هو اللعن والسب أتلفظ به غصبا عني مثل أن ألعن نفسي أو أبي أو أمي. أرجو توجيهي للطريقة الصحيحة للعلاج، والدعاء لي، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوسواس القهري نوع من المرض، ينبغي لمن أصيب به أن يتداوى بأمور:
1- الفزع إلى الله تعالى واللجوء إليه، فإنه سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وليقل كما قال أيوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/83، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ) رواه أحمد (3727) وحسنه الألباني في غاية المرام برقم (292) ، فالدواء من عنده سبحانه، والشفاء بيده، فألح على الله بالدعاء، واغتنم أوقات السحر، فإن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) رواه البخاري (6321) ومسلم (758) .
2- الإعراض عن الوسواس وما يدعو إليه، والانشغال عنه بالعبادة والطاعة ما أمكن، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه الوسواس بقوله: (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ومسلم (134) ، فإذا جاءتك الرغبة في السب أو اللعن، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وانشغل بذكر الله تعالى وتسبيحه، أو ارفع صوتك بالقرآن، أو الكلام مع صديقك ونحو ذلك.
3- الإكثار من ذكر الله تعالى، لا سيما الاستغفار، فإن الوسواس من الشيطان، أو له مدخل فيه، والشيطان إذا ذُكِر اللهُ تعالى خنس، وفر وأدبر، قال الله تعالى:) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيمُ) فصلت/36. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " انتهى. وروى مسلم (2203) أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا) قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي. وفي وصية يحيى عليه السلام لأصحابه: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في صحيح الترمذي
4- الذهاب إلى الطبيب المسلم الثقة، فإن هذا الوسواس نوع من المرض كما سبق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ) رواه أحمد (17726) وأبو داود (3855) والترمذي (2038) وابن ماجه (3436) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
5- أن تعلم أن من ابتلي بهذا المرض فهو معذور فيما يتلفظ به، لعدم إرادته له، وكراهته له، بل هو مأجور مثاب إن شاء الله، إذا صبر واحتسب، ومأجور على كراهته للوسوسة، وفراره منها، ولهذا لما جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟!) قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (132) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال النووي في شرح مسلم:
" معْنَاهُ: اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك " انتهى.
وانظر السؤال رقم (62839) ، ورقم (25778) ، ورقم (39684) .
نسأل الله لك الشفاء والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8276)
دهن الشفاه بما يجعلها منتفخة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في الأسواق بعض المساحيق والدهانات التي توضع على الشفاه بقصد تكبير حجمها للزينة في المناسبات، ويكون مفعول هذه الدهانات مؤقتاً، أي: أن تكون الشفاه كبيرة – منتفخة - لمدة ساعة أو ساعتين بعد ذلك تعود إلى طبيعتها، فهل يجوز استخدام هذا الدهان؟ وهل يعتبر هذا من تغيير خلق الله أم أنه يقاس على العدسات الملونة التي تتخذ للزينة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أباح الله تعالى للمرأة أن تتزين لزوجها، وأباح لها التزين أمام النساء والمحارم، إلا أن هذه الزينة لا يجوز أن يكون فيها مخالفة للشرع، فلا يجوز وضع مساحيق تسبب لها الضرر في بدنها، كما لا يجوز أن تكون هذه الزينة فيها تغيير لخلق الله تعالى، فالكحل والحناء وما يشبههما ليس فيها تغيير لخلق الله، بخلاف تفليج الأسنان والنمص والوشم، فإنَّ فِعْل هذه الأشياء فيه تغيير لخلق الله من حيث الشكل واللون، ولذا كانت هذه الأفعال محرَّمة ومن كبائر الذنوب.
فعن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى) رواه البخاري (5931) ومسلم (2125) .
ومما يشبه تلك المحرمات ما جاء في السؤال من وضع كريمات لنفخ الشفاه، وهو بخلاف وضع لون مباح غير ضار للشفة، فإنه ليس تثبيت لونٍ كالوشم، بل هو مؤقت لا يخرج عن حكم الحناء والكحل للعين، ولذا فالذي يظهر لنا أن تكبير الشفتين بهذه المساحيق لا يجوز، لأنه تغيير لخلق الله تعالى، وأقبح منه وأشد تحريماً مَن تجري عملية جراحية لنفخ شفتيها، وما عُرفت هذه الأمور إلا في حال الضعف والانهزامية والتبعية للغرب الكافر، ولم ترض تلك النساء بما خلقهن الله عليه حتى رحنَ يعبثن بأجسادهن تكبيراً وتصغيراً بحثاً عن الجمال في غير خلقة الله تعالى! وبعضهن أصبحن مثار سخرية الناس عندما نفخت شفتيها حتى صارت كشفتي البعير! هكذا علَّق عليها من رآها من الناس.
لذا فيجب على المرأة المسلمة أن تعتز بدينها وأخلاقها وأحكام شرع الله تعالى، وأن تبتعد عن تقليد الكافرات والفاسقات، وقد أباح الله لها من الزينة الشيء الكثير، ولم ينهها إلا عما فيه ضرر عليها في بدنها وخلقها ودينها.
وفي جوابنا على السؤال رقم (1006) ذكرنا أنواع جراحات التجميل، وذكرنا أن من المحرمات منها: جراحة تكبير الثديين وتصغيرهما، وهو مثل حكم نفخ الشفتين، فليراجع.
هذا إذا كان تكبير الشفتين أمراً دائماً مستمراً، لكن إذا كانت ـ كما ورد في السؤال تعود لطبيعتها بعد ساعة أو ساعتين-، فلا يظهر مانع من ذلك، بشرط أن تكون الوسيلة المستخدمة في ذلك ليس فيها ضرر، وفي هذه الحالة يمكن تشبيه التكبير بأدوات التجميل التي تلون البشرة بألوان صناعية ثم تزول بعد فترة.
وينظر جواب السؤال رقم (101363) .
وانظري جواب السؤال: (47694) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8277)
يعاني من مرض في أنفه، فهل يترك الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مرض في أنفي، بحيث تخرج منه رائحة كريهة، عرضت نفسي على الأطباء قالوا بأن هذا المرض ليس له علاج، فماذا أفعل؟ هل أواصل البحث عن سبب الشفاء من الأطباء، أو أتركه وأنتظر الاستجابة من الله؟ وهل أترك الصلاة مع الجماعة وحضور مجالس العلم لأني أؤذي من حولي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بداية نسأل الله أن يَمُنَّ عليك بعافيته، ويرزقك الشفاء بِمَنِّهِ وكرمه، ونوصيك باحتساب الأجر عند الله سبحانه، فهو يجزي الصابرين بغير حساب، وابتلاؤه لعباده خيرٌ لهم في عاقبتهم، حيث يكفر به عنهم من سيئاتهم، ويرفع به من درجاتهم.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ) . رواه الترمذي (2402) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
كما نوصيك بالاجتهاد في البحث عن الدواء، ولا تتوقف عند قول بعض الأطباء، فكم من مرض يئس منه طبيب ثم جعل الله شفاءه على يد طبيب آخر، والبدائل العلاجية أصبحت متوفرة بكثرة في زماننا هذا والحمد لله، ويمكنك الاستعانة بالمتخصصين في الطب العربي أو الشعبي، فلعلك تجد عندهم ما يجعل الله فيه شفاءك، وقبل كل ذلك وبعده، لا تغفل عن سؤال الله العافية، والدعاء لا يأتي إلا بالخير، وإذا صدق فيه العبد يوشك أن يستجيب الله له.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ) .
رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ثانياً:
أما عن حكم حضورك الجماعة في المساجد: فإن كنت تخشى من إيذاء مَن بجوارك، ولا تستطيع أن تتفادى ذلك بأي وسيلة، كوضع طِيبٍ قوي الرائحة، أو تغطية الأنف عند الصلاة: فالواجب عليك حينئذ ترك الجماعة، فأنت صاحب عذر عند الله وعند الناس، وسيكون لك إن شاء الله تعالى أجر الجماعة وأنت في بيتك.
فعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) . رواه البخاري (2834) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"قال العلماء: إن ما كان من الله، ولا صنع للآدمي فيه إذا كان يؤذي المصلين فإنه يَخرج (يعني من المسجد) ، كالبخر في الفم، أو الأنف، أو من يخرج من إبطيه رائحة كريهة، فإذا كان فيك رائحة تؤذي فلا تقرب المسجد.
فإن قال: هذا من الله؟ فيقال: إذا ابتلاك الله به فلا تؤذ العباد، ولا تؤذ الملائكة، وأنت مأجور على الصبر على هذا الشيء واحتساب الأجر من الله، ولست آثماً إذا لم تصل مع الناس؛ لأنك إنما تركت ذلك بأمر الله.
فإذا قال: هذا ينقص إيماني؛ لأن صلاة الجماعة أفضل؟
قلنا: إنك لا تلام على هذا النقص؛ كما أن الحائض لا تصلي، وينقص إيمانها بذلك، ولا تلام على النقص؛ لأن النقص الذي ليس بسبب الإنسان لا يلام عليه " انتهى.
" الشرح الممتع " (5 / 113، 114) .
وسئل رحمه الله: أعاني من وجود رائحة كريهة من الأنف والفم , وأتحرج من الاختلاط بالناس، وأثناء تأدية الصلاة في المسجد؛ لأنني سمعت حديثاً أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، فهل لي الصلاة في المنزل؟ علماً أنني أصلي معظم الأوقات في المنزل إلا يوم الجمعة، فإنني أصليه في المسجد؟ أفيدوني وفقكم الله لما فيه الخير.
فأجاب:
"نسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء , وأنت لا حرج عليك إذا صليت في البيت الجمعة وغير الجمعة؛ لأنك معذور , وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا الذي فيك لصليت في الجماعة: فإنه يكتب لك أجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) رواه البخاري (2839) . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك.
ولكن أرجو أن تنظر هل إذا تطيبت بطيب زكي قوي الرائحة هل رائحته تغطي على ما عندك من الرائحة؟ إن كان الأمر كذلك فاحرص على هذا وتطيب به , أما إذا لم يفد فيه ذلك فأنت معذور , وإذا تطيبت بالطيب القوي الزكي الرائحة الذي تضمحل معه الرائحة الكريهة , فإنك تصلي في المسجد الصلوات الخمس وصلاة الجمعة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (15 / السؤال رقم 1070) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
إن والدي كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، ويقول: إنه مريض بمرضٍ هو عبارة عن بخر في الفم ورائحة كريهة، وقال: إنه لا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فهل يجوز فعله هذا؟ .
فأجاب:
" نعم هذا عذر شرعي، إذا كان فيه بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، أما إن وجد دواءً وحيلة تزيله فعليه أن يفعل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل، والبخر لا شك أنه مؤذٍ لمن حوله، إذا كان رائحته ظاهرة " انتهى.
" نور على الدرب " (شرط رقم 219، الدقيقة 11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8278)
حكم تشريح جثة الجنين لمعرفة سبب الوفاة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كانت حاملاً وسقط الجنين بعد خمسة أشهر من الحمل، ويريد الأطباء تشريح جثة الجنين لمعرفة سبب الوفاة، وأخذ الاحتياطات اللازمة في المستقبل حتى لا تتكرر مثل هذه الحالة، وينتظرون موافقتي على ذلك؟ فهل يجوز هذا أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تنفح الروح في الجنين إذا أتم أربعة أشهر، فإذا سقط الجنين بعد نفخ الروح فيه فإنه يعامل معاملة النفس المحترمة المعصومة، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين، ولا يجوز الاعتداء عليه بتشريحه كله أو بعضه؛ لما روى أحمد (24730) وأبو داود (3207) وابن ماجه (1616) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا شك أن التشريح فيه امتهان لكرامة الميت واعتداء على جسده، فالأصل منعه وتأثيم فاعله. إلا أن أهل العلم نظروا في بعض الحالات التي يترتب فيها على التشريح مصالح ومنافع كبيرة تربو على المفسدة الحاصلة به، كمصلحة التعرف على سبب الوفاة في الدعاوى الجنائية، ومصلحة التحقق من الأمراض الوبائية التي تستدعي التشريح لأخذ الاحتياطات الوقائية والعلاجات المناسبة، وكذلك مصلحة تعلم الطب والرقي به، إلا أن هذه المصلحة الأخيرة يمكن تحقيقها أو تحقيق جزء كبير منها بتشريح غير الآدمي.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1408هـ الموافق 1987م بهذا الخصوص، كما صدر قرار من هيئة كبار العلماء سنة 1426هـ الموافق 2005م، وانتهى قرار الهيئة إلى جواز التشريح في حالتين:
الأولى: التشريح لغرض التحقق من دعوى جنائية.
الثانية: التشريح لغرض التحقق من أمراض وبائية.
وأما الحالة الثالثة: وهي التشريح للأغراض العلمية، فرأوا الاكتفاء فيها بتشريح الحيوان، أو الآدمي غير المعصوم، وهو من أبيح قتله كالمرتد والحربي وقاتل النفس بغير حق.
والذي يظهر من سؤالكم أن الصورة المذكورة لا تندرج تحت الحالتين الأولى والثانية، وأنه إنما يراد التشريح لخدمة العلم، والتعرف على سبب الوفاة ومراعاة ذلك في حالات الحمل المشابهة، إلا أن الأمر لا يرقى إلى حالة الوباء، ولا يقرب من ذلك.
وعليه فلا يجوز تشريح هذا الجنين، والواجب هو تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، كما سبق.
ونسأل الله تعالى أن يرزق أهله الصبر والأجر وأن يخلف عليهم خيرا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8279)
فوائد شرب أبوال الإبل
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم تزويدي بالجواب العلمي - إن توصل العلم له - وذلك بشأن الحديث الصحيح عن شرب أبوال الإبل - عافاكم الله -.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح، وفيه أن قوماً جاءوا المدينة النبوية فمرضوا فأشار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بالشرب من ألبان الإبل وأبوالها، فصحوا وسمنوا، وفي القصة أنهم ارتدوا وقتلوا الراعي، ثم أدركهم المسلمون وقتلوهم.
رواه البخاري (2855) ومسلم (1671) .
وأما عن فوائد أبوال وألبان الإبل الصحية فهي كثيرة، وهي معلومة عند المتقدمين من أهل العلم بالطب، وقد أثبتتها الأبحاث العلمية الحديثة.
قال ابن القيم رحمه الله:
قال صاحب القانون – أي: الطبيب ابن سينا -:
" وأنفع الأبوال: بول الجمل الأعرابي وهو النجيب " انتهى.
" زاد المعاد " (4 / 47، 48) .
وقد جاء في جريدة " الاتحاد " الإماراتية العدد 11172، الأحد 6 محرم 1427 هـ، 5 فبراير 2006 م:
" أهم ما تربى الإبل من أجله أيضا حليبها، وله تأثير (فعَّال) في علاج كثير من الأمراض، ومنها (التهابات الكبد الوبائية، والجهاز الهضمي بشكل عام وأنواع من السرطان وأمراض أخرى " •
وقد جاء في بحث قامت به الدكتورة " أحلام العوضي " نشر في مجلة " الدعوة " في عددها 1938، 25 صفر 1425هـ 15 أبريل 2004 م، حول الأمراض التي يمكن علاجها بحليب الإبل، وذلك من واقع التجربة: أن هناك فوائد جمة لحليب الإبل، وهنا بعض ما جاء في بحث الدكتورة " أحلام ":
" أبوال الإبل ناجعة في علاج الأمراض الجلدية كالسعفة - التينيا-، والدمامل، والجروح التي تظهر في جسم الإنسان وشعره، والقروح اليابسة والرطبة، ولأبوال الإبل فائدة ثابتة في إطالة الشعر ولمعانه وتكثيفه، كما يزيل القشرة من الرأس، وأيضا لألبانها علاج ناجع لمرض الكبد الوبائي، حتى لو وصل إلى المراحل المتأخرة والتي يعجز الطب عن علاجها "
انتهى
وجاء في صحيفة " الجزيرة السعودية " العدد 10132، الأحد، ربيع الأول 1421، نقلاً عن كتاب " الإبل أسرار وإعجاز " تأليف: ضرمان بن عبد العزيز آل ضرمان، وسند بن مطلق السبيعي، ما يأتي:
" أما أبوال الإبل فقد أشار الكتاب إلى أن لها استعمالات متعددة مفيدة للإنسان دلت على ذلك النصوص النبوية الشريفة، وأكَّدها العلم الحديث، ... وقد أثبتت التجارب العلمية بأن بول الإبل له تأثير قاتل على الميكروبات المسببة لكثير من الأمراض.
ومن استعمالات أبوال الإبل: أن بعض النساء يستخدمنها في غسل شعورهن لإطالتها وإكسابها الشقرة واللمعان، كما أن بول الإبل ناجع في علاج ورم الكبد وبعض الأمراض، مثل الدمامل، والجروح التي تظهر في الجسم، ووجع الأسنان وغسل العيون " انتهى.
وقال الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس:
وأبيِّن في هذا الصدد ما ينفع بول الإبل في علاجه من الأمراض، قال ابن سينا في " قانونه ": (أنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو " النجيب ") ، وبول الإبل يفيد في علاج مرض " الحزاز " – الحزاز: قيل: إنه وجع في القلب من غيظ ونحوه -، وقد استخدمت أبوال الإبل وخاصة بول الناقة البكر كمادة مطهرة لغسل الجروح، والقروح، ولنمو الشعر، وتقويته، وتكاثره، ومنع تساقطه، وكذا لمعالجة مرض القرع، والقشرة، وفي رسالة الماجستير المقدمة من مهندس تكنولوجيا الكيمياء التطبيقية " محمد أوهاج محمد "، التي أجيزت من قسم الكيمياء التطبيقية بجامعة " الجزيرة " بالسودان، واعتمدت من عمادة الشئون العلمية والدراسات العليا بالجامعة في نوفمبر 1998م بعنوان: (دراسة في المكونات الكيميائية وبعض الاستخدامات الطبية لبول الإبل العربية) ، يقول محمد أوهاج:
إن التحاليل المخبرية تدل على أن بول الجمل يحتوي على تركيز عالٍ من: البوتاسيوم، والبولينا، والبروتينات الزلالية، والأزمولارتي، وكميات قليلة من حامض اليوريك، والصوديوم، والكرياتين.
وأوضح في هذا البحث أن ما دعاه إلى تقصي خصائص بول الإبل العلاجية هو ما رآه من سلوك بعض أفراد قبيلة يشربون هذا البول حينما يصابون باضطرابات هضمية، واستعان ببعض الأطباء لدراسة بول الإبل؛ حيث أتوا بمجموعة من المرضى ووصفوا لهم هذا البول لمدة شهرين، فصحت أبدانهم مما كانوا يعانون منه، وهذا يثبت فائدة بول الإبل في علاج بعض أمراض الجهاز الهضمي.
كما أثبت أن لهذا البول فائدة في منع تساقط الشعر، ويقول:
إن بول الإبل يعمل كمدر بطيء مقارنة بمادة " الفيروسمايد "، ولكن لا يخل بملح البوتاسيوم والأملاح الأخرى التي تؤثر فيها المدرات الأخرى، إذ إن بول الإبل يحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم والبروتينات، كما أنه أثبت فعالية ضد بعض أنواع البكتيريا والفيروسات، وقد تحسن حال خمس وعشرين مريضاً استخدموا بول الإبل من الاستسقاء، مع عدم اضطراب نسبة البوتاسيوم، واثنان منهم شفوا من آلام الكبد، وتحسنت وظيفة الكبد إلى معدلها الطبيعي، كما تحسن الشكل النسيجي للكبد، ومن الأدوية الي تستخدم في علاج الجلطة الدموية مجموعة تسمى FIBRINOLTICS، تقوم آلية عمل هذه المجموعة على تحويل مادة في الجسم من صورتها غير النشطة PLASMINOGEN إلى الصورة النشطة PLASMIN، وذلك من أجل أن تتحلل المادة المسببة للتجلط FIBRIN أحد أعضاء هذه المجموعة هو UROKINASE الذي يستخرج من خلايا الكلى أو من البول كما يدل الاسم (12) (URO) .
وقد كشف عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة السودانية البروفسير " أحمد عبد الله أحمداني " عن تجربة علمية باستخدام بول الإبل لعلاج أمراض الاستسقاء وأورام الكبد، فأثبتت نجاحها لعلاج المرضى المصابين بتلك الأمراض، وقال في ندوة نظمتها جامعة " الجزيرة ":
إن التجربة بدأت بإعطاء كل مريض يوميّاً جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطاً بلبنها حتى يكون مستساغاً، وبعد خمسة عشر يوماً من بداية التجربة انخفضت بطون أفراد العينة وعادت لوضعها الطبيعي، وشفوا تماماً من الاستسقاء.
وذكر أنه جرى تشخيص لأكباد المرضى قبل بداية الدراسة بالموجات الصوتية، وتم اكتشاف أن كبد خمسة عشر مريضاً من خمس وعشرين في حالة تشمع، وبعضهم كان مصاباً بتليف الكبد بسبب مرض البلهارسيا، وقد استجاب جميع المرضى للعلاج باستخدام بول الإبل، وبعض أفراد العينة من المرضى استمروا برغبتهم في شرب جرعات بول الإبل يوميّاً لمدة شهرين آخرين، وبعد نهاية تلك الفترة أثبت التشخيص شفاءهم جميعاً من تليف الكبد، وقال:
إن بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم، كما يحتوي على زلال ومغنسيوم، إذ إن الإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى أربع مرات فقط ومرة واحدة في الشتاء، وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها لاحتفاظه بمادة الصوديوم، إذ إن الصوديوم يجعلها لا تدر البول كثيراً؛ لأنه يرجع الماء إلى الجسم.
وأوضح أن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال، أو في البوتاسيوم، وبول الإبل غني بهما.
وأشار إلى أن أفضل أنواع الإبل التي يمكن استخدام بولها في العلاج هي الإبل البكرية.
وقد أشرفت الدكتورة " أحلام العوضي " المتخصصة في الميكروبيولوجيا بالمملكة العربية السعودية على بعض الرسائل العلمية امتداداً لاكتشافاتها في مجال التداوي بأبوال الإبل، ومنها رسالتا " عواطف الجديبي "، و " منال القطان "، ومن خلال إشرافها على رسالة الباحثة " منال القطان " نجحت في تأكيد فعالية مستحضر تم إعداده من بول الإبل، وهو أول مضاد حيوي يصنع بهذه الطريقة على مستوى العالم، ومن مزايا المستحضر كما تقول الدكتورة أحلام:
إنه غير مكلف، ويسهل تصنيعه، ويعالج الأمراض الجلدية: كالإكزيما، والحساسية، والجروح، والحروق، وحب الشباب، وإصابات الأظافر، والسرطان، والتهاب الكبد الوبائي، وحالات الاستسقاء، بلا أضرار جانبية، وقالت:
إن بول الإبل يحتوي على عدد من العوامل العلاجية كمضادات حيوية (البكتيريا المتواجدة به والملوحة واليوريا) ، فالإبل تحتوي على جهاز مناعي مهيأ بقدرة عالية على محاربة الفطريات والبكتريا والفيروسات، وذلك عن طريق احتوائه على أجسام مضادة، كما يستخدم في علاج الجلطة الدموية، ويستخرج منه FIBRINOLYTICS، والعلاج من الاستسقاء (الذي ينتج عن نقص في الزلال أو البوتاسيوم، حيث إن بول الإبل غني بهما) ، كما أن في بول الإبل علاجاً لأوجاع البطن وخاصة المعدة والأمعاء، وأمراض الربو وضيق التنفس، وانخفاض نسبة السكر في المرضى بدرجة ملحوظة، وعلاج الضعف الجنسي، ويساعد على تنمية العظام عند الأطفال، ويقوي عضلة القلب، ويستخدم كمادة مطهرة لغسل الجروح والقروح، وخاصة بول الناقة البكر، ولنمو الشعر وتقويته وتكاثره ومنع تساقطه، ولمعالجة مرض القرع والقشرة، كما يستخدم بول الإبل في مكافحة الأمراض بسلالات بكتيرية معزولة منه، وقد عولجت به فتاة كانت تعاني من التهاب خلف الأذن يصاحبه صديد وسوائل تصب منها، مع وجود شقوق وجروح مؤلمة، كما عولجت به فتاة لم تكن تستطيع فرد أصابع كفيها بسبب كثرة التشققات والجروح، وكان وجهها يميل إلى السواد من شدة البثور، وتقول الدكتورة أحلام:
إن أبوال الإبل تستخدم أيضاً في علاج الجهاز الهضمي، ومعالجة بعض حالات السرطان، وأشارت إلى أن الأبحاث التي أجرتها هي على أبوال الإبل أثبتت فاعليتها في القضاء على الأحياء الدقيقة كالفطريات والخمائر والبكتريا.
وأجرت الدكتورة " رحمة العلياني " من المملكة العربية السعودية أيضاً تجارب على أرانب مصابة ببكتريا القولون، حيث تم معالجة كل مجموعة من الأرانب المصابة بداوء مختلف، بما في ذلك بول الإبل، وقد لوحظ تراجع حالة الأرانب المصابة التي استخدم في علاجها الأدوية الأخرى باستثناء بول الإبل الذي حقق تحسناً واضحاً.
" مجلة الجندي المسلم " العدد 118، 20 ذو القعدة 1425 هـ، 1 / 1 / 2005 م.
وقد دعانا الله تعالى إلى التأمل في خلق الإبل بقوله: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ) الغاشية/17، وهذا التأمل ليس قاصراً على شكل الجمل الظاهري، بل ولا أجهزة جسمه الداخلية، بل يشمل أيضاً ما نحن بصدد الكلام عنه، وهو فوائد أبوال وألبان الإبل. ولا تزال الأبحاث العلمية الحديثة تبين لنا كثيراً من عجائب هذا المخلوق.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8280)
تعاني من البدانة فهل هناك علاج شرعي لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بدينة جدًا جدًا، وحملت اللحم بشكل مفرط!! والحمد لله أصلي الفروض الخمسة يوميًا، والنفل أيضًا، ولا آكل إلا إذا جعت؛ من فضلك أخبرني بأي علاج، وفقًا للقرآن والسنة، يساعدني على إنقاص وزني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البدانة قد تكون راجعة إلى نوع مرض أو اضطراب في هرمونات الجسم، وعلاج ذلك يكون بالرجوع إلى المختصين.
وهناك ما يرجع إلى الإفراط في الأكل، وعدم التقيد بآداب الشرع، وعلاج هذا بالمحافظة على التسمية قبل الأكل، والحمد بعده، والتقليل من الأكل، كما روى الترمذي (2380) وابن ماجه (3349) عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
وليس في القرآن والسنة علاج خاص لمشكلة السمنة، وإن كان القرآن شفاء حقيقة، كما قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) الإسراء/82.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس/57 قال ابن القيم رحمه الله: " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا " [زاد المعاد 4/322]
ويشرع للمريض أن يقرأ المعوذات، وأن ينفث على نفسه، فذلك له أثر نافع بإذن الله.
وقد روى البخاري (4439) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ.
ورواه مسلم (2192) بلفظ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِمُعَوِّذَاتٍ)
وروى البخاري (5018) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
كما يشرع للمسلم أن يدعو الله تعالى بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وأن يصرف عنه ما يكره، فسلي الله تعالى الشفاء والعافية، والحسن والجمال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8281)
هل تركيب الأسنان الصناعية يعتبر تغييراً لخلق الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيب الأسنان يضع لنا أضراساً صناعيّةً مكان الأضراس التي تم نزعها بسبب مرضها وكونها لم تعد صالحة، يقول الطبيب: إنه إذا لم تملأ الفراغات ستتضرر الأسنان الأخرى، علماً أن هذه الأضراس الاصطناعية هي (إما مرتبة أو غير مرتبة) أي: يمكن نزعها وإرجاعها، هل هذا العمل حلال أم حرام داخل في تغيير خلق الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تركيب أسنان صناعية مكان الأسنان المنزوعة لمرض أو تلف أمرٌ مباح لا حرج في فعله، ولا نعلم أحداً من أهل العلم يمنعه، ولا فرق بين أن تثبت الأسنان في الفم أو لا تثبت، ويفعل المريض الأصلح له بمشورة طبيب مختص.
وتغيير خلق الله تعالى هو عدم الرضا بخلقة الله تعالى من حيث طول الأسنان أو شكلها أو المسافات بينها، ولذا لُعن الذي يغيِّر خلق الله تعالى عموماً، ولُعن المغيِّر لها في أسنانه خصوصاً.
قال الله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً. وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً) النساء/117-119.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ) رواه مسلم (2125) .
قال النووي رحمه الله:
(الواشمة) فاعلة الوشم , وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم , ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة , فيخضر , وفاعلة هذا واشمة , والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة.
(النامصة) هي التي تزيل الشعر من الوجه , والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها.
(المتفلجات) المراد به: مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات , وهو من الفَلَج وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات , وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهاراً للصغر وحسن الأسنان , لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار , فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر , وتوهم كونها صغيرة , وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث , ولأنه تغيير لخلق الله تعالى , ولأنه تزوير وتدليس.
(المتفلجات للحسن) معناه يفعلن ذلك طلبا للحسن , وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن , أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس.
" شرح مسلم " (14 / 106، 107) باختصار.
وكلام النووي رحمه الله بيِّنٌ في التفريق بين علاج الأسنان لإزالة عيب فيها، وبين عدم الرضا بخلقة الله والعبث بها من أجل التجميل، فالأول مباح، والثاني محرَّم.
وقد جاء في السنَّة ما يستدل به على جواز تركيب الأسنان لمن سقطت أسنانه لكبر أو مرض، بل ويجوز أن تكون ذهباً إن لم يقُم غيره مقامه.
فعن عرفجة بن أسعد أنه أصيب أنفه يوم الكُلاب في الجاهلية فاتخذ أنفا من وَرِق (أي: فضة) فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب.
رواه الترمذي (1770) وأبو داود (4232) والنسائي (5161) وحسَّنه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (824) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" لكن عند الضرورة يجوز استعمال الذهب سنّاً، أو أنفاً، أو نحو ذلك إذا لم يقم غيره مقامه " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 248) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" يجب أن نعلم أن السنَّ الذهب لا يجوز أن يركب إلا عند الحاجة إليه، فلا يجوز أن يركبه أحدٌ للزينة، اللهم إلا النساء إذا جرت عادتهن التزين بتحلية الأسنان بالذهب فلا بأس، أما الرجال فلا يجوز أبداً إلا لحاجة " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (28 / السؤال رقم 5) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8282)
تعاني من مشكلة التأتاة فهل هناك أدعية لعلاجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت تسأل: أنا مبتلاة بمشكلة (التأتأة) أي: صعوبة النطق وتردد الحروف، والحمد لله مازلت صابرة على قدر الله، هل هناك أدعية ما في الكتاب والسنة يدعو بها لإنسان لحل هذه المشكلة؟ وإذا كانت نعم فما هي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم للأخت المبتلاة الأجر، ونسأله تعالى أن يشفيها ويعافيها، ونوصيها بالصبر والاحتساب، وهذا من صفات أهل الإيمان.
ولتعلم هذه الأخت أن مثل هذه الابتلاءات لها حكَم بالغة، وهي مما يُكفَّر بها عنها الخطايا، ويرفع بها لها الدرجات.
عَنْ صُهَيْبٍ الرُّومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ) رواه مسلم (2999) .
قال علماء اللجنة الدائمة: " الله سبحانه حكيم عليم بما يصلح شأن عباده، عليم بهم، لا يخفى عليه شيء، فيبتلي عباده المؤمنين بما يصيبهم من مختلف أنواع المصائب في أنفسهم، وأولادهم، وأحبابهم، وأموالهم؛ ليعلم الله سبحانه - علماً ظاهراً - المؤمن الصابر المحتسب من غيره، فيكون ذلك سبباً لنيله الثواب العظيم من الله جل شأنه، وليعلم غير الصابر من الجزعين الذين لا يؤمنون بقضاء الله وقدره، أو لا يصبرون على المصائب، فيكون ذلك سبباً في زيادة غضب الله عليهم، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ، وقال سبحانه وتعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) إلى أن قال: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، وقال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ، والعلم الظاهر: الموجود بين الناس، وإلا فهو سبحانه يعلم في الأزل الصابر وغيره.
كما أن المصائب - من الأمراض والعاهات والأحزان - سبب في حط خطايا وتكفير ذنوب المؤمن، فقد ثبت في أحاديث كثيرة أنها تحط الخطايا، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما يصيب المؤمن من وَصَب ولا نَصَب ولا سقم ولا حزَن حتى الهمّ يهمّه، إلا كفر الله به سيئاته) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم " قلت: أذلك بأن لك أجرين؟ قال: أجل، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) أخرجه البخاري ومسلم.
هذا وقد تكون الأمراض ونحوها عقوبة، ومع ذلك تكون كفارة لمن أصابته إذا صبر واحتسب؛ لعموم ما تقدم من النصوص؛ ولقوله سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/336) .
ثالثاً:
لا نعلم شيئاً في السنَّة النبوية يقال عند الابتلاء بهذا، وفي الطب الحديث – كذلك – لا يوجد ـ فيما نعلم ـ دواء لهذا الداء؛ لأنه ـ في الغالب الأعم من حالاته ـ لا يعد مرضاً بل مشكلة يحتاج علاجها إلى عناصر مهمة أن توجد في المبتلى، وهي: الثقة بالنفس، والبيئة البيتية والمدرسية والسكنية الواعية التي لا تتسبب في ضغط نفسي على المبتلى، والتدرب على طريقة الكلام المناسبة ببطء ومهل حتى يتخلص من مشكلته – بإذن الله – نهائيّاً، ويحتاج هنا لمساندة أخصائي النطق والتخاطب.
وفي السنة النبوية أدعية يقولها المريض أيّاً كان مرضه، ويمكن الاطلاع عليها في جواب السؤال رقم: (20176) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8283)
يريد سدَّ فرجة بين أسنانه
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدي فلجة في مقدمة أسناني (أسناني الأمامية متباعدة، وبينهما فتحة كبيرة) ، وأريد أن أسد هذه الفتحة (فتحة واحدة فقط) ، فهل يجوز لي أو لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عمليات التجميل التي تعمل لإزالة عيب أو تشوه ما، الأصل فيها الجواز والإباحة، وذلك من يسر الشريعة وتخفيفها على الناس.
فعن عرفجة بن أسعد رضي الله عنه قال: (أُصِيبَ أَنفِي يَومَ الكُلَابِ فِي الجَاهِلِيَّةِ (معركة مشهورة) ، فَاتَّخَذتُ أَنفًا مِن وَرِقٍ (أي: فضة) ، فَأَنتَنَ عَلَيَّ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَن أَتَّخِذَ أَنفًا مِن ذَهَبٍ) رواه الترمذي (1770) ، وحسنه النووي في "المجموع" (1/254) والألباني في صحيح الترمذي.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" التجميل نوعان: تجميل لإزالة العيب الناتج عن حادث أو غيره، وهذا لا بأس به ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لرجل قطعت أنفه في الحرب أن يتخذ أنفا من ذهب. والنوع الثاني: هو التجميل الزائد، وهو ليس من أجل إزالة العيب، بل لزيادة الحسن، وهو محرم لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة؛ لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي، وليس لإزالة العيب " انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص757) .
والفرجة الكبيرة بين الأسنان من العيب الذي يخالف الخلقة الطبيعية، يبتلى به بعض الناس، فيجوز لمن كان في أسنانه عيب من ذلك أو غيره أن يقوم بإصلاحه، ولا حرج عليه في ذلك إن شاء الله تعالى.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/107) :
" وأما قوله: (المتفلجات للحسن) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن , وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن , أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس، والله أعلم " انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (24/75) : إذا كان لي سنان طويلان، فهل يجوز لي تسويتهما مع باقي الأسنان؟
فأجابت:
" إذا كان طولا يؤذيك، فتزيل ما يؤذيك فقط " انتهى.
وقد سبق بيان جواز عمليات جراحة الأسنان التي تعمل لإزالة العيب والتشوه، وانظر جواب السؤال رقم (1006) ، (21255) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8284)
المريض إذا رفض العلاج وصبر هل يحصل الأجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أنا مريضا، لا سمح الله، بمرض مستعصٍ؛ فرفضت العلاج وصبرت، هل يحصل لي الأجر العظيم؟ وهل يدخل هذا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". وحديث (إني امرأة أصرع فأتكشف فادعو الله لي..) .الخ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تعلم أنه لا مرض يستعصي على الله تعالى، فالله الذي أنزل الداء أنزل الدواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله عز وجل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله) رواه أحمد وحسنه الألباني في غاية المرام برقم (292) .
فليعظم رجاؤك فيما عند الله تعالى، ولتحسن الظن به، أنه شافيك ومعافيك ومنعم عليك، فإنه سبحانه عند ظن عبده به.
والمرض ابتلاء يبتلي الله به عبده، لحكم كثيرةٍ جليلة، انظر طرفا منها في جواب السؤال رقم (21631)
ثانيا:
اختلف العلماء في حكم التداوي، فذهب جمهورهم إلى عدم وجوبه، وذهب جماعة منهم إلى وجوبه إذا خشي الإنسان على نفسه التلف بتركه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ليس بواجب عند جماهير الأئمة، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد " نقله السفاريني في غذاء الألباب (1/459) .
وقال في "تحفة المحتاج" (3/182) : " ونقل عياض الإجماع على عدم وجوبه، واعتُرض بأن لنا وجهاً بوجوبه إذا كان به جرح يخاف منه التلف، وفارق وجوب نحو: إساغة ما غص به بخمر، وربط محل الفصد؛ لتيقن نفعه " انتهى.
وفي حاشيته: " في باب ضمان الولاة من الأنوار عن البغوي أنه إذا علم الشفاء في المداواة وجبت " انتهى.
وفي حاشية قليوبي وعميرة" (1/403) : " وقال الإسنوي: يحرم تركه في نحو جرح يظن فيه التلف كالقصد " انتهى.
وما ذكروه من الفرق بين التداوي وبين إساغة الغصة ولو بالخمر، أو ربط الفصد، والحكم بوجوب هذين لتيقن نفعهما، يفيد بأن الدواء إذا تُيقن نفعه وجب، إذا كان المرض مما يخشى منه التلف، فيدخل في ذلك إيقاف النزيف، وخياطة الجروح، وبتر العضو التالف المؤدي إلى تلف بقية البدن، ونحو ذلك مما يجزم الأطباء بنفعه وضرورته، وأن تركه يؤدي إلى التلف أو الهلاك.
وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي بالقول بوجوب التداوي إذا كان تركه يفضي إلى تلف النفس أو أحد الأعضاء أو العجز، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية. انظر نص قرار المجمع في جواب السؤال رقم (2148) .
وبناء على ذلك: فإن كان المرض المسئول عنه مما يؤدي إلى تلف النفس أو أحد الأعضاء، في حال ترك التداوي، فإنه يجب أخذ الدواء، ولا يجوز الإعراض عنه، في قول من ذكرنا من الشافعية، وما اختاره علماء مجمع الفقه الإسلامي.
وإن كان المرض لا يبلغ هذا المبلغ، فيجوز أخذ الدواء، كما يجوز تركه، واختلف العلماء في أيهما أفضل، والنصوص تدل على أن التداوي أفضل، وهو قول الجمهور، قال السفاريني رحمه الله في "غذاء الألباب" (1/457) : " وقيل فعل التداوي أفضل من تركه , وبه قال بعض الشافعية. وذكر الإمام النووي في شرح مسلم أنه مذهب الشافعية وجمهور السلف وعامة الخلف , وقطع به ابن الجوزي من أئمتنا في المنهاج والقاضي وابن عقيل وغيرهم , واختاره الوزير بن هبيرة في الإفصاح. قال: ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب. ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه , فإنه قال لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه " انتهى.
ثالثا:
التداوي لا ينافي التوكل على الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تداوى، وأرشد أمته إلى التداوي، وهو سيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم رحمه الله: " في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ـ كما يقدح في الأمر والحكمة ـ ويضعفه، من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا " انتهى من " زاد المعاد " (4 / 15) .
رابعا:
أما حديث الصحيحين: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) البخاري (6472) ومسلم (218) ففيه استحباب ترك الاسترقاء أي طلب الرقية من الغير، وليس فيه تعرض لحكم التداوي بالأدوية النافعة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا يدخل في ذلك من عرض نفسه على الطبيب للدواء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا يتداون؛ بل قال: (لا يكتوون ولا يسترقون) اللهم إلا أن يعلق الإنسان قلبه بالطبيب، ويكون رجاؤه وخوفه من المرض متعلقا بالطبيب، فهذا ينقص توكله على الله عز وجل، فينبغي للإنسان إذا ذهب إلى الأطباء أن يعتقد أن هذا من باب بذل الأسباب، وأن المسبب هو الله سبحانه وتعالى وحده، وأنه هو الذي بيده الشفاء، حتى لا ينقص توكله ". فتاوى نور على الدرب (3/213) .
خامسا:
وأما حديث المرأة التي كانت تصرع وتتكشف، ولفظه: عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ؛ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي.
قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ!!
فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ؛ فَدَعَا لَهَا)
رواه البخاري (5652) ومسلم (2576) .
فهذا الحديث يدل على جوزا ترك التداوي في مثل هذه الحال، لمن قويت عزيمته وقدر على ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَفِي الْحَدِيث فَضْل مَنْ يُصْرَع , وَأَنَّ الصَّبْر عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِث الْجَنَّة , وَأَنَّ الْأَخْذ بِالشِّدَّةِ أَفْضَل مِنْ الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ، لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسه الطَّاقَة وَلَمْ يَضْعُف عَنْ اِلْتِزَام الشِّدَّة , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَرْك التَّدَاوِي , وَفِيهِ أَنَّ عِلَاج الْأَمْرَاض كُلّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاء إِلَى اللَّه أَنْجَع وَأَنْفَع مِنْ الْعِلَاج بِالْعَقَاقِيرِ , وَأَنَّ تَأْثِير ذَلِكَ وَانْفِعَال الْبَدَن عَنْهُ أَعْظَم مِنْ تَأْثِير الْأَدْوِيَة الْبَدَنِيَّة , وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَع بِأَمْرَيْنِ: أَحَدهمَا مِنْ جِهَة الْعَلِيل وَهُوَ صِدْق الْقَصْد , وَالْآخَر مِنْ جِهَة الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّة تَوَجُّهه وَقُوَّة قَلْبه بِالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّل , وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8285)
حكم علاج المريض بذبح شاة لوجه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العلاج بالذبح خالص لوجه الله الكريم جائز أم لا؟ حيث إنني ارتئيت بعد استخارة الله سبحانه وتعالى أن أعالج مرض السحر والعين والتبعية أي المس الخارجي، وذلك بتقديم نسك خالص لوجه الله الكريم، حيت أقول دعائي عند تقديم النسك: اللهم تقبلها من عبدك فلان ابن فلان كما تقبلتها من عبدك ونبيك إبراهيم عليه السلام، واجعلها خالصةً لوجهك الكريم، اللهم إنها منك وإليك، حيث إنني قد أخذت بقول الرسول صلي الله عليه وسلام: (داووا مرضاكم بالصدقة، وطهروا أموالكم بالزكاة، واستقبلوا موجات البلاء بالدعاء والتضرع إلى الله) وحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرقية قال: (لا بأس بالرقية ما لم تكن إثماً أو شركاً) أو كما قال، وهذه الطريقة وجدت لها نفعاً بالعلاج، وخاصة بالمتبوع، أفتونا مأجورين هل العلاج بالذبح جائز أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجزء الذي صح من الحديث الذي ذكره السائل: (داووا مرضاكم بالصدقة) . فقد حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (3358) . على أن بعض أهل العلم يحكم يضعفه ولا يصححه.
أما الزيادة التي ذكرها الأخ السائل: (وطهروا أموالكم بالزكاة) فقد قال عنها الألباني في السلسلة الضعيفة (3591) : موضوع.
وكذلك الزيادة التي تليها: (واستقبلوا موجات البلاء بالدعاء) فقد قال عنها الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (456) : ضعيف.
ولا حرج على المريض إذا ذبح شاه أو غيرها يرجو بها من الله تعالى الشفاء مما ألم به من مرض، فإن الصدقة سبب من أسباب الشفاء.
وانظر جواب السؤال رقم (107549) فقد ذكرنا فيه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ عبد الرحمن بن جبرين في ذلك.
لكن ينبغي التنبه إلى أن الصدقة المذكورة في الحديث ليست خاصة بالذبح، بل تشمل التصدق بالطعام والثياب والنقود ... وغيرها.
والدعاء الذي ذكره السائل لم يرد في السنة – فيما نعلم – فلا ينبغي التقيد به، واعتقاد أن له فضيلة على غيره.
ويشرع للمؤمن أن يدعو الله تعالى أن يتقبل أعماله الصالحة، قال الله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) البقرة/127.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8286)
ما حكم مزاولة مهنة التدليك الطبي في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مزاولة مهنة التدليك الطبي في رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التدليك الطبي في نهار رمضان لا يسبِّب فطراً للمدلِّك، ولا للمدلَّك له، لكن يجب على مَن يمارس هذه المهنة مراعاة أمور شرعيَّة مهمة، ومنها:
1. عدم جواز تدليك الرجال للنساء، أو النساء للرجال؛ لأن مماسة الأجنبي للأجنبية محرَّم؛ ولأن هذا باب فتنة للطرفين، مع ما في ذلك من مخالفات أخرى يأتي ذِكر بعضها.
2. عدم جواز تدليك مكان العورة، وهو ما بين السرة والركبة بالنسبة للرجال، وما بين أسفل الصدر والركبة بالنسبة للمرأة، إلا أن يكون هذا الموضع يحتاج لعلاج طبي طبيعي بالتدليك، فيجوز للضرورة.
وانظر أجوبة الأسئلة (34976) و (11014) و (34745) .
3. عدم جواز التعري وإظهار العورة من الطرفين الذكر والأنثى للمدلِّكين، بل يُظهر العضو المراد تدليكه فقط.
وانظر جواب السؤال رقم (5693) ففيه بيان الضوابط في مسألة النظر للعورة في العلاج.
4. عدم جواز ذهاب النساء إلى أماكن التدليك إذا توفَّر ذلك في منزلها؛ للنهي عن خلع ثيابها خارج بيتها؛ ولعدم الأمان من حيث النظر والتصوير في تلك الأماكن.
وانظر جواب السؤال رقم (34750) ففيه بيان حكم خلع المرأة ثيابها في غير بيت زوجها.
وهذا الذي ذكرناه بضوابط شرعية هو التدليك الطبي كما جاءنا في السؤال، وأما التدليك الذي يُقصد به التنشيط والاستمتاع: فهو غير جائز؛ لما فيه من مخالفات شرعية كثيرة؛ ولعدم كونه من الضرورات، وقد فصَّلنا القول فيه في جواب السؤال رقم (66824) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8287)
حكم استعمال المنشطات الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال المنشطات الجنسية لزيادة المتعة في أوقات الإفطار طبعا في رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المنشطات الجنسية على نوعين:
الأول: أمور طبيعية، كأنواع من الأطعمة والنباتات ونحوها، فهذا لا حرج في تناوله، ما لم يثبت أن له ضررا على البدن، فيتعين اجتنابه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال في الآداب الشرعية" (2/463) : (وتحرم المداواة والكحل بكل نجس وطاهر محرم أو مضر ونحوه) انتهى.
وقد شاع في كتب أهل العلم ذكر فوائد بعض الأطعمة وأنها تزيد الشهوة أو تقوي على الجماع، ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ) رواه البخاري (5260) ومسلم (4103) والعود الهندي هو القسط الهندي المعروف، وقد ذكر من فوائده: (ويسخن المعدة، ويحرك شهوة الجماع، ويذهب الكلَف طِلاءً ... ) انتهى من "فتح الباري".
وذكروا ذلك في الحلبة والفستق والخروب وبذر البطيخ وغيرها. ينظر "الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/7) ، (2/370، 375)
والمهم ألا يصل المرء في استعمال هذه الأشياء إلى السرف، أو التعلق والانشغال بذلك، بحيث يصبح مولعا بالبحث عما يزيد شهوته من الأطعمة والأشربة.
والثاني: عقاقير وأدوية تستعمل لهذا الغرض، وهذه الأصل فيها الحل أيضا، ما لم تشتمل على محرم كالمسكر، أو تضر بالبدن، فهي محرمة لما سبق، لكن ينبغي ألا يستعملها إلا من احتاج إليها لعجز أو مرض أو كبر، وبالرجوع إلى الطبيب الثقة المختص؛ لأن منها ما له ضرر قد يؤدي إلى الموت، ومنها ما هو سالم من ذلك لكن لا خير في استعماله للصحيح المستغني عنها، ولو أدت إلى زيادة المتعة كما يقول الأخ السائل، وقد أحسن من قال: إن الدواء كالصابون، ينظف الثوب، لكنه يبليه. فينبغي البعد عن استعمال العقاقير ما أمكن.
ولنضرب لذلك مثلا بما شاع وانتشر في هذه الأزمنة، وهو عقار الفياغرا، فإن استعماله من قبل البعض دون فحص واستشارة ألحق بهم أضرارا بالغة، وفي هذا يقول الدكتور عبد الله النعيمي أخصائي القلب في مستشفى زايد العسكري في ندوة عن المنشطات الجنسية: (هذا الدواء عنده أعراض جانبية بعضها شديد، هناك دراسة أجريت في كندا على حوالي 8500 شخص، وجد أنهم يعانون من وجع في الرأس بنسبة حوالي 16% وبعضهم يعاني من احمرار وحرارة خاصة في الوجه وبعضهم يعاني من حرقان وأعراض عسر هضم وبعضهم -خاصة الذين لديهم ضغط بنسبة منخفضة- قد ينزل الضغط إلى مستوى يضرهم) .
وذكر أن الأصحاء الذين لا يعانون من مرض يحبذ لهم استشارة الطبيب ولو لوقت قصير. وأما الذين يعانون من الأمراض خاصة أمراض انسداد شرايين القلب، فلا بد من مراجعة الطيبي أولا؛ لأن (كثيراً منهم يتناول دواء يسمى "النايترايت" وهذا الدواء يتفاعل بشدة مع الفياغرا، فيقوم الفياغرا بمنع هذا الدواء من التحلل في جسم المريض، فنجد أن هذا الدواء يتضاعف إلى درجة عشرة أضعاف في بعض الأحيان مما يؤدي إلى نزول الضغط الشديد وقد يؤدي إلى الموت، فنحن سمعنا عن وفيات حدثت وأكثر هذه الوفيات حدثت في مثل هذه الحالة أن يكون شخص عنده نوبة في القلب أو عنده انسداد في الشريان وهو يتناول دواء "النايترايت" فعندما يتناول الفياغرا مع هذا الدواء يتضاعف النايترايت إلى عدة أضعاف وبذلك يؤدي إلى الأعراض الجانبية) انتهى.
ثانيا:
لا فرق في تناول هذه المنشطات بين ليالي رمضان، وبين غيرها من الأوقات، التي يباح فيها الأكل والشرب، فحيث جاز التناول جاز في جميع الأوقات، وحيث حرُم فإنه محرم في جميعها أيضا، وقد أباح الله تعالى للصائم أن يستمتع بأهله بعد فطره، فقال: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) البقرة/187
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8288)
ما هو الجاثوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ً ما نسمع عن " الجاثوم " وأنه من جني يجثم على صدر الإنسان حين يكون تاركاًً للصلاة أو غيرها، هل يوجد أي شيء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ذلك؟ أم أنه من الخرافات والأساطير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجاثوم هو الكابوس الذي يقع على الإنسان في نومه.
قال ابن منظور:
" الجثام " و " الجاثوم ": الكابوس، يجثم على الإنسان، ... ويقال للذي يقع على الإنسان وهو نائم " جاثوم ".
" لسان العرب " (12 / 83) .
وقال – أيضاً -:
والكابوس: ما يقع على النائم بالليل، ويقال: هو مقدمة الصرع، قال بعض اللغويين: ولا أحسبه عربيا إنما هو النِّيدلان، وهو الباروك، والجاثوم.
" لسان العرب " (6 / 190) .
ثانياً:
قد يكون " الجاثوم " بسببٍ عضوي مادي، كتأثير طعام أو دواء، وقد يكون بسببِ تسلط الجن، ويكون علاج الأول بالحجامة والفصد وتخفيف الطعام وغيرها، ويكون علاج الثاني بالقرآن والأذكار الشرعية.
قال ابن سينا في كتابه الطبي " القانون ":
" فصل في الكابوس:
ويسمى الخانق، وقد يسمى بالعربية الجاثوم، والنيدلان.
الكابوس مرض يحسّ فيه الإنسان عند دخوله في النوم خيالاً ثقيلاً يقع عليه، ويعصره ويضيق نفسه، فينقطع صوته وحركته، ويكاد يختنق لانسداد المسام، وإذا تقضى عنه انتبه دفعة، وهو مقدمة لإحدى العلل الثلاث: إما الصرع، وإما السكتة، وإما المانيا؛ وذلك إذا كان من مواد مزدحمة، ولم يكن من أسباب أخرى غير مادية " انتهى.
وهكذا يقول الأطباء المعاصرون، فقد قسَّم الدكتور حسَّان شمسي باشا الكوابيس إلى قسمين: الكوابيس العارضة، والكوابيس المتكررة، وجعل الأول لأسباب مادية، والثاني بسبب تسلط الجن.
وقال في كتابه " النوم والأرق والأحلام ":
" 1) الكوابيس العارضة:
تحدث لسببين:
أ- تحيز بخارات في مجرى النفس تتراقى إلى الدماغ أو تنصب منه دفعة حين الدخول في النوم؛ فيشعر المصاب بثقل في الحركة والكلام أو شعور بالفزع، وهو مقدمة الصرع العضوي، ويحدث أيضا عند التعرض للضغوط النفسية.
ب- تعاطي أدوية يمكن أن تسبب الكوابيس وهي:
1. الرزربين.
2. حصرات بيتا.
3. ليفودبا.
4. مضادات الهمود.
5. بعد التوقف عن استعمال الأدوية المهدئة، كالفاليوم.
2) الكوابيس المتكررة: وهذا النوع من الكوابيس يدل على تسلط وإيذاء الأرواح الخبيثة للإنسان " انتهى.
والخلاصة: أن الجاثوم هو الكابوس، وليس هو خرافة ولا أسطورة، بل هو حقيقة واقعة، وقد يكون لأسباب مادية، وقد يكون من تسلط الجن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8289)
بمَ أدعو لطفلي المريض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الذي يمكن لوالد أو والدة أن يدعو به لطفل مصاب باعتلال صحي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد علَّمَنا النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأحوال أمورًا فيها الشفاء والتخفيف، كما أن فيها الأجر والمثوبة، وذلك من رحمة الله بهذه الأمة المباركة، ومن حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وهو الذي وصفه الله بقوله: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة/128.
فكان مما علَّمَنا صلى الله عليه وسلم:
1- قراءة الفاتحة:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الّله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف سورة الفاتحة بأنها رقية، وأقر الصحابي الذي رقى بها من لدغة العقرب ونحوه. البخاري (2156) ومسلم (2201) .
قال ابن القيم:
" ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها، آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع " انتهى.
"زاد المعاد" (4/164) .
2- وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشتَكَى مِنَّا إِنسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: (أَذهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشفِ أَنتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (5675) ومسلم (2191) واللفظ له.
3- وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِن أَهلِهِ نَفَثَ عَلَيهِ بِالمُعَوِّذاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَه الذي مَاتَ فِيهِ، جَعَلتُ أَنفُثُ عَلَيهِ وَأَمسَحُ بِيَدِ نَفسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَت أَعظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي. رواه البخاري (5735) ومسلم (2192) واللفظ له.
4- وَعَن عُثمَانَ بنِ أَبِي العاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّه شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنذًُ أَسلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (ضَع يَدَكَ عَلَى الذِي تَأَلَّم مِن جَسَدِكَ، وَقُل: " بِاسمِ اللهِ " ثلاثًا، وَقُل سَبعَ مَرَّاتٍ: " أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدرَتِهِ مِن شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ") رواه مسلم (2202) .
5- وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ جِبرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، آشتَكَيتَ؟ فَقَالَ: نَعَم. فَقَالَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ: بِاسْمِ اللهِ أَرقِيك، مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤذِيك، مِن شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أَو عَينٍ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشفِيكَ، بِاسمِ اللَّهِ أَرقِيكَ. رواه مسلم (2186) .
6- وَعَن أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ الَّلهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ الَّلهِ صَلَّى الّله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنِ اشتَكَى مِنكُم شَيئًا أَو اشتَكَاهُ أَخٌ لَهُ فَليَقُلْ: رَبّنَا الَّلهُ الذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسمُكَ، أَمرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، كَمَا رَحمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الأَرْضِ، اغفِر لَنَا حَوْبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنزِلْ رَحْمَةً مِن رَحمَتِكَ، وَشِفَاءً مِن شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الوَجَعِ، فَيَبرَأ) رواه أبو داود (3892) وصححه الحاكم في "المستدرك" (4/243) وحسنه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/139) .
7- وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الَّلهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الَّلهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَن عَادَ مَرِيضًا لَم يَحضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِندَهُ سَبعَ مِرَارٍ: أَسأَلُ الَّلهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ أَن يَشفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ الَّلهُ مِن ذَلِكَ المَرَضِ) رواه أبو داود (3106) وصححه النووي في "الأذكار" (ص/180) والألباني في "صحيح أبي داود".
وأثناء قراءتك هذه الرقى عليك أن تمسحي بيدك على وجهه وصدره وبطنه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وأن تقتربي من رأس طفلك حيث يأتيه نَفَسُكِ أثناء رقيتك، ولا بأس من النفث بالريق الخفيف أثناء ذلك في وجهه.
قال ابن القيم:
" فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق والهواء والنفس، كانت أتم تأثيرًا، وأقوى فعلا ونفوذا " انتهى.
"زاد المعاد" (4/164) .
وقبل ذلك كله وفوقه: الإخلاص لله في الدعاء، وصدق اللجأ إليه، والتذلل على أبوابه، وتلمس أوقات الإجابة، فإن الله تعالى يستحي إذا رفع العبد يديه في الدعاء أن يردهما خائبتين، ولا تستعجلي الإجابة، فقد يؤخر الله فَرَجَه لِحِكمةٍ يعلمها، واعتصمي بالصبر واليقين، وتذكري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ادْعُو الَّلهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ الَّلهَ لَا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) رواه الترمذي (3479) وحسنه الشوكاني في "تحفة الشاكرين" (68) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (594) .
وانظري الأسئلة رقم (3476) (20176) (21581) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8290)
صُنع دمى من العجين لتدريب المعاقين ثم التخلص منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشتغل بمركز لإعانة المعاقين ذهنياً، البعض منهم يشتكي من صعوبة في تحريك أصابعه. لذلك، فمن المقرر تدريبهم على صنع أشكال (غير ذات الأرواح) بالصلصال، ولكنه يصعب عليهم. لذلك عوضناه بالفارينة (مثل الدقيق) التي نبلها بالماء لتصبح طيعة في اليد. وبعد اللعب بها، نتخلص منها. فهل يجوز ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج فيما ذكرت من صناعة الأشكال لغير ذوات الأرواح، ولو كان ذلك من الفارينة أو الدقيق، لغرض تدريب المعاقين ذهنيا على تحريك أصابعهم، لكن الأولى الاستفادة من العجين بعد انتهاء التدريب، ولو بتجفيفه وإعطائه لحيوان يأكله، وذلك محافظة على النعمة، وعدم إضاعتها. فإن تعذرت الاستفادة منه، فلا حرج في إلقائه والتخلص منه، وقد أفتى جماعة من أهل العلم بجواز استعمال بعض المطعومات في الشامبو ونحوه مما يغسل به الوجه، ومعلوم أنه يذهب مع الماء ولا يستفاد منه بشيء آخر.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
إنني أرى في الأسواق نوعا من الشامبو ويدعي أصحاب البقالات أنه بالبيض، ونوع آخر بالليمون، فهل يجوز الاغتسال به؟
فأجابوا:
" يجوز لك أن تغتسل بالشامبو مع الماء ولو كان مخلوطا بليمون أو بيض، وتغتسل بالصابون والأشنان ونحو ذلك مع الماء؛ لمساعدته على إزالة الأوساخ " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/108) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8291)
حكم تشريح الضفادع للأغراض العلميّة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تشريح الضفادع بالنسبة لطلبة الكليات الذين يدرسون ذلك؟
وقد يترتب على عدم تشريحها رسوب الطالب في المادة أو حرمانه من بعض الدرجات التي قد تمنعه من التفوق في الدراسة , فلا يتم تعينه معيداً في الكلية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم في هذه المسألة يتطلّب النظر في أمرين مهمّين:
أولاً:
في حكم قتل الضفدع، وكلام أهل العلم في ذلك.
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين:
الأول: الكراهة، وهو مذهب المالكية، وقولٌ لبعض الشافعية والحنابلة.
انظر: "التمهيد" (15/178) ، "شرح العمدة لابن تيمية" (3/148) .
الثاني: التحريم، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، وابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
انظر: "مشكل الآثار" للطحاوي (2/35) ، "المجموع" (9/29) ، "المغني" (9/338) ، "المحلى" (7/225) , "الفتاوى الكبرى" (2/139) .
والدليل على ذلك ما جاء عن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه: أنَّ طَبِيْبًا سَأَلَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَن ضِفْدَعٍ يَجْعلُها فِي دَوَاءٍ؟ فَنَهَاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِها.
رواه أبو داود (5269) وصححه النووي في "المجموع" (9/34) .
وقد سبق اختيار هذا القول في الموقع، في جواب السؤال (1919) , (10220) .
ثانياً:
إذا دعت الحاجة أو الضرورة لتشريح الضفدع فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى , فقد أجاز العلماء تشريح جثة المسلم لأغراض التحقيق الجنائيّ أوالطبّ الوقائي، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11962) .
فمن باب أولى جواز تشريح الحيوانات – وهي أقل حرمةً من الإنسان – لأغراض البحث العلميّ إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وقد سبق في الموقع ذكر فتوى مختصرة في ذلك، انظر جواب السؤال رقم (8509) .
ومما ينبغي التنبه له: أن على الطالب أن يحسن إلى الحيوان الذي يقوم بتشريحه , فيقوم بتخديره تخديراً كاملاً , ثم يسرع في قتله بعد الانتهاء من التشريح , وذلك لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَىْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، فَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَه) رواه مسلم (1955) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الحرم المكي" (1166) :
نحن ندرس في إحدى الجامعات بكلية العلوم قسم الأحياء، وفي أثناء دراستنا نحتاج إلى تشريح بعض الحيوانات، مثل الضفادع والفئران وغيرها، لغرض التعليم والدراسة، فما حكم هذا التشريح؟
فأجاب:
" التشريح إذا دعت الضرورة إليه فلا بأس به، ولكن يجب أن يعمل لهذه الحيوانات ما يجعلها لا تحسّ بالألم وقت التشريح، وكذلك يجب أن يلاحظ أنّ الحيوانات التي تكون نجسةً بعد الموت فإنّه يجب التطهر منها " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8292)
هل يفتح محلاً للحجامة بأجرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أفتح محلاً للحجامة، وآخذ من الناس أجرة على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في كسب الحجام، هل هو مكروه، أم مباح من غير كراهة، وسبب اختلافهم في ذلك هو اختلافهم في فَهْم الأحاديث الواردة في ذلك , فمما جاء في كراهية كسب الحجام:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: (كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ) رواه مسلم (1568) .
2- وقوله صلى الله عليه وسلم: (شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ) رواه مسلم (1568) .
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ) رواه أحمد (7635) والنسائي (4673) وابن ماجه (2165) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
ومما جاء في الرخصة في ذلك:
1 - ما رواه البخاري (2102) ومسلم (1577) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ) .
2 - ما رواه البخاري (2103) ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ) هذا لفظ البخاري، وله أيضا (2278) : (وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِه) . وعند مسلم (1202) : (وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) .
وقد ذهب جمهور العلماء إلى الجمع بين هذه الأحاديث بحمل النهي على الكراهة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ويجوز أن يستأجر حجاما ليحجمه , وأجره مباح، وهذا اختيار أبي الخطاب، وهذا قول ابن عباس. وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وقال القاضي [أي: أبو يعلى من الحنابلة] : لا يباح أجر الحجام، وذكر أن أحمد نص عليه في مواضع وقال: أُعطي شيئا من غير عقد ولا شرط فله أخذه ويصرفه في علف دوابه وطعمة عبيده ومؤنة صناعته ولا يحل له أكله، وممن كره كسب الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن والنخعي وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسب الحجام خبيث) رواه مسلم وقال عن أجرة الحجام: (أطعمه ناضحك (أي: البعير) ورقيقك) رواه أحمد والترمذي (1277) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ويدل على أنه مباح وليس حراماً: ما روى ابن عباس قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه) متفق عليه. وفي لفظ: (لو علمه خبيثا لم يعطه) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام: (أطعمه رقيقك) دليل على إباحة كسبه؛ إذ غير جائز أن يُطعم رقيقه ما يحرم أكله، فإن الرقيق آدميون يحرم عليهم ما حرمه الله تعالى كما يحرم على الأحرار، وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما.
وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيها لدناءة هذه الصناعة. وأمرُه صلى الله عليه وسلم بإطعام الرقيق منها دليل على الإباحة، فيتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم " انتهى من "المغني" (6/133) باختصار وتصرف.
وعلى هذا فلا حرج عليك في فتح هذا المحل، والأجرة المأخوذة من الناس على ذلك ليست حراماً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8293)
هل للسحر حقيقة؟ وهل يجوز التداوي عند السحرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد أطباء سحرة؟ وماذا نفعل إذا قال لنا أحد الأشخاص " أنا لا أؤمن بالسحر " لأنه " مجرد وهم " أو ربما " خداع للبصر "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السحر - عبارة عما خفي، وله حقيقة، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره يقع بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الجن والشياطين بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها مع الله.
ويوجد من الأطباء من يكون ساحراً، فيعالج الناس عن طريق الاستعانة بالجن، ويدعي علمه بحقيقة المرض دون الحاجة لتشخيصه، ويصف للمريض من الأطعمة والأشربة ما يتقرب به إلى أوليائه من الشياطين، وقد يأمرهم بذبح خنزير مع التسمية، وقد يأمره بذبح حيوان مباح مع عدم التسمية، أو مع تسمية أحد الشياطين.
وهذا كفر بالله تعالى، ولا يجوز بحال الذهاب إلى مثل هؤلاء، وحد هؤلاء القتل، وقد ثبت قتل السحرة عن ثلاثة من الصحابة – رضي الله عن الجميع -.
وقد سئلت اللجنة الدائمة سؤالا في الموضوع يقول:
أفيدكم علماً بأن في " زامبيا " رجلاً مسلماً يدَّعي أن عنده جنّاً، والناس يأتون إليه ويسألون الدواء لأمراضهم، وهذا الجن يحدِّد الدواء لهم.
وهل يجوز هذا؟
فأجابت:
لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلباً لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق.
وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهَّان.
وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء: لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم.
وخرَّج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ".
وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 408، 409) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:
.... فنظرا لكثرة المشعوذين في الآونة الخيرة ممن يدَّعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة، وانتشارهم في بعض البلاد واستغلالهم للسذَّج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل، رأيتُ من باب النصيحة لله ولعباده أن أبيِّن ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فأقول مستعينا بالله تعالى:
يجوز التداوي اتفاقاً، وللمسلم أن يذهب الى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أوعصبية أو نحو ذلك، ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً حسب ما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية، ولا ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف ذلك من عرف وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم، فلا يجوز للمريض أن يذهب الى الكهنة الذين يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجماً بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال اذا ادَّعوا علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم " رواه أبوداود، وخرجه أهل السنن الأربع وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " من أتى عرَّافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من تَطير أو تُطير له أو تَكهن أو تُكهن له أو سَحر أوسُحر له ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه البزار بإسناد جيد.
ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم، والوعيد على ذلك، فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز اغترار الناس بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة، كما أن في هذه الأحاديث دليلاً على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه، والمصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا كتمتمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم....
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 274 – 281) .
ثانياً:
وأما السحر: فهو حقيقة وليس بوهم ولا بخيال، وله تأثير بإذن الله تعالى.
قال القرافي: السحر له حقيقة، وقد يموت المسحور، أو يتغير طبعه وعادته، وإن لم يباشره، وقال به الشافعي وابن حنبل …
" الفروق " (4 / 149) .
وخالف في ذلك المعتزلة والقدرية وبعض العلماء ولا اعتبار بخلافهم، وقد ذكر القرافي وغيره أن الصحابة أجمعوا على أنه حقيقة قبل ظهور من ينكره.
ومن أدلة أهل السنَّة على ذلك:
1. قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} البقرة / 102.
والآية واضحة الدلالة على المطلوب: وهو إثبات أن السحر حقيقة، وأن الساحر يفرِّق بسحره بين المرء وزجه، وأنه يضر بسحره الناس لكن لا يقع ضرره إلا بإذن الله.
2. قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} الفلق / 4.
والنفاثات في العقد: الساحرات اللواتي يعقدن في سحرهن، وينفثن فيه، فلولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه.
3. ومن الأدلة سحره صلى الله عليه وسلم من قِبَل اليهودي لبيد بن الأعصم، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
وقال ابن القيم: والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلاً وحبّاً وبغضاً ونزيفاً موجود، تعرفه عامة الناس، وكثير من الناس عرفه ذوقاً بما أصيب به منهم.
" التفسير القيم " (ص 571) .
ثالثاً:
أنواع السحر كثيرة، ومنه التخييل أو " خداع البصر "، وليس السحر كله كذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنواعه وأوصلوها إلى ثمانية، ومن أشهرها:
1. عُقَد ورقى
أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} البقرة / 102.
2. خفة اليد
وهذه يحسنونها بالتدرب على المسارعة بفعل الأشياء، وإخراج المخبوء.
فمثلا يأتي الساحر بحمامة فيخنقها أمام المشاهدين ثم يضربها بيده فتقوم وتطير!
والحقيقة: أنه كان في يده بنج! فشممها إياه وأوهمهم أنه خنقها فماتت، ثم لما ضربها: أفاقت من البنج!
3. سحر العيون
وهذا كثير عند الدجالين، فهو لا يُدخل السيف في جسده، لكنه يسحر عيون المشاهدين، ويمرر السيف على جانبه، ويراه الناس المسحورون مر في وسطه.
وقد اشتهر عندنا دجل هؤلاء، لما وجد بين المشاهدين من حصَّن نفسه بالقرآن والأذكار، وأكثر من ذكر الله في جلسة الساحر فرأى الحقيقة على خلاف ما رآها المسحورون.
4. استعمال المواد الكيماوية
وهذه يحسنها من يجيد تركيب المواد بعضها على بعض فتنتج مادة تمنع تأثير بعض المواد، مثل ما كان يصنع الرفاعية من إيهام الناس أنهم لا تؤثر بهم النار، والحقيقة أنهم يدهنون أنفسهم ببعض المواد التي تمنع تأثير النار فيهم! وقد تحداهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أن يغتسلوا بالماء الساخن قبل دخولهم النار، فرفضوا ذلك لأنه بان عوارهم.
وغير ذلك كثير مما يفعله السحرة، ولا يقع إلا ما قدره الله تبارك وتعالى.
انظر: " تفسير ابن كثير " (1 / 146) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 178) ، و " السحر " للشيخ عمر الأشقر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8294)
لا حرج من تناول أدوية لمرض نفسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب منذ أن خلقت وأنا أعاني من نقص يتمثل في أنني حساس جدّاً وانطوائي وأعاني من الخوف، مع العلم أن هذا المرض وراثي، فلقد عانى منه أبي وأمي وجدتي وعمتي وابنة عمتي، ولقد علمت أنه ناتج عن نقص مواد في المخ، لا يستطيع جسمي إنتاجها، ويمكن تعويضها بالأدوية، فهل هذا مخالف للشريعة؟ وهل يعتبر تغييرا في خلق الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التداوي مشروع من حيث الجملة، ولا يعتبر تغييراً لخلق الله، وحكمه عند العلماء بين الإباحة والاستحباب، فقد ذهب الحنفية والمالكية إلى أن التداوي مباح، وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى استحبابه، ومذهب جمهور الحنابلة: أن تركه أفضل , ونص عليه أحمد.
عن أنس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا) رواه أحمد (12186) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1633) .
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قَالَتْ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ) . رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
(الْهَرَمُ) هو الضعف بسبب كبر السن وأمراض الشيخوخة، فليس له دواء.
ولا فرق في التداوي بين أن يكون للأمراض الباطنية أو العقلية أو العصبية، ولفظ "الداء" في الأحاديث عامة تشمل جميع الأمراض.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" يجوز التداوي اتفاقاً، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك ليشخِّص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً حسبما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية، ولا ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء، عَرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم.
فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به، فإنهم يتكلمون رجما بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادَّعوا علم الغيب ...
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (3/274) .
ومع جواز تناول الأدوية الحسية، فإنه ينبغي للمريض – أيضاً – أن يهتم بالأدوية الشرعية، والتي جعل الله تعالى فيها شفاء للأمراض الحسية والمعنوية، مثل الرقية الشرعية من القرآن والسنة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في جواب لسؤال مشابه:
" ثقي بالله تعالى وحسِّني الظن به، وفوضي أمرك إليه، ولا تيأسي من رحمته وفضله وإحسانه فإنه سبحانه ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، وعليك الأخذ بالأسباب فاستمري في مراجعة الأطباء المتخصصين في معرفة الأمراض وعلاجها، واقرئي على نفسك سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس " ثلاث مرات " وانفثي في يديك عقب كل مرة، وامسحي بهما وجهك وما استطعت من جسمك، وكرري ذلك مرات ليلاً ونهاراً وعند النوم، واقرئي على نفسك أيضا سورة " الفاتحة " في أي ساعة من ليل أو نهار، واقرئي " آية الكرسي " عندما تضطجعين في فراشك للنوم، فذلك من خير ما يرقي الإنسان به نفسه ويحصنها من الشر، وادعي الله تعالى بدعاء الكرب، فقولي: " لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم "، وارقي نفسك أيضا برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي: (اللهم رب الناس، مُذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما) ، إلى غير ذلك من الأذكار والرقى والأدعية التي ذكرت في دواوين الحديث، وذكرها النووي في كتاب "رياض الصالحين"، وكتاب "الأذكار".
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/297) .
ونسأل الله رب الناس أن يُذهب بأسك، وأن يعافيك مما ابتلاك به، ونوصيك بالصبر واحتساب ما أصابك لله تعالى، ونرجو الله تعالى أن يثيبك ويفرج كربك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8295)
هذه الآية لا تمنع من عملية تقويم الأسنان
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ومع ذلك نجد في زمننا هذا من يقومون بمراجعة طبيب الأسنان لعمل ما يسمى بالتقويم فما حكم ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراد من قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) التين/4: " أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورةٍ وشكلٍ، منتصبَ القامة، سويَّ الأعضاء، حسَنَها" كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/680) .
وقال القرطبي رحمه الله: " في أحسن تقويم: وهو اعتداله واستواء شبابه، كذا قال عامة المفسرين. وهو أحسن ما يكون؛ لأنه خلق كل شيء مُنكبّاً على وجهه، وخلقه هو مستوياً، وله لسان، ويد وأصابع يقبض بها. وقال أبو بكر بن طاهر: مزيّناً بالعقل، مؤديا للأمر، مهديا بالتمييز، مديد القامة، يتناول مأكوله بيده " انتهى من تفسير القرطبي (20/105) .
وهذا لا يمنع الإنسان من أن يعالج أسنانه، أو يقوِّم ما اعوج منها، كما لا يمنعه من معالجة سائر أمراضه، والمهم ألا يفعل لذلك لمجرد الزينة والتجمل؛ إذ الضابط العام في عمليات التجميل، أن ما كان منها لإزالة تشويه أو عيب فلا حرج فيه، وما كان لمجرد الجمال والزينة، فهو ممنوع. ينظر "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" ج 17 سؤال رقم 4
وقد سئل رحمه الله: ما حكم عمليات تقويم الأسنان؟
فأجاب بقوله: " تقويم الأسنان على نوعين:
النوع الأول: أن يكون المقصود به زيادة التجمل فهذا حرام ولا يحل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله هذا مع أن المرأة مطلوب منها أن تتجمل وهي من يُنشَّأ في الحلية، والرجل من باب أولى أن ينهى عن ذلك.
النوع الثاني: إذا كان تقويمها لعيب فلا بأس بذلك فيها، فإن بعض الناس قد يبرز شيء من أسنانه إما الثنايا أو غيرها تبرز بروزا مشينا بحيث يستقبحه من يراه ففي هذا الحال لا بأس من أن يعدلها الإنسان؛ لأن هذا إزالة عيب وليس زيادة تجميل، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أمر الرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفا من ورق أي فضة ثم أنتن فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب) لأن في هذا إزالة عيب، وليس المقصود زيادة تجمل " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" ج 17 سؤال رقم 6
وانظر جواب السؤال رقم (21255) .
والحاصل أن الآية الكريمة لا تدل على المنع من معالجة الأسنان وتقويمها لإزالة التشوه، أو العيب الحادث بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8296)
حكم دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب العلم في كلية علوم الطب نسأل عن حكم الشرع في نظركم للعمل في مستشفيات مختلطة يعالج فيه الطبيب النساء والرجال على السواء مع إمكانية تجنب الخلوة المحرمة، وكل المستشفيات في بلدنا تعمل بهذا النظام، فما يمكن تجنب المسلم العمل كطبيب في مستشفيات أخرى للرجال فقط لعدم وجودها أصلا في بلدنا، وقد رأى بعضنا أن ترك عمل الطبيب المسلم بسبب هذا النظام السالف الذكر الذي ما يمكن رده فيه تعطيل لمصالح العباد ووقوع مفاسد أعظم من العمل في المستشفيات. وإننا في حرج شديد من أمرنا هذا ولم نجد جوابا مقنعا لهذا السؤال فعسى أن يهدينا الله للصواب على أيديكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لكم اهتمامكم وحرصكم على معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل.
ثانيا:
لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند تعذر وجود طبيبة مسلمة أو كافرة، وقد صدر بهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي ونصه:
" الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
ويوصي بما يلي:
أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء " انتهى نقلا عن "مجلة المجمع" (8/1/49) .
وهذا ما اعتمدناه في الإجابة عن الأسئلة الواردة بهذا الخصوص، انظر مثلا جواب السؤال رقم (2152) ، ورقم (20460) .
ثالثا:
إذا ابتلي المسلمون في بلد ما، بكون جميع المستشفيات مختلطة، فهذا واقع استثنائي مؤلم، يتعذر معه تطبيق الضوابط السابقة؛ إذ لابد للنساء أو لجماعة كبيرة منهن من الذهاب إلى هذه المستشفيات، وعرض أنفسهن على الأطباء الرجال، ولا شك أن القول بمنع الأطباء الصالحين من العمل في هذه المستشفيات، يعني أن يخلو المكان لغير الصالحين، ممن لا يراقب الله تعالى في عمله ولا في نظره ولا في خلوته، كما يعني حرمان هؤلاء الأطباء من فرص العمل، أو تفريغ كليات الطب من أهل الدين والاستقامة، ولاشك أن هذه مفاسد عظيمة، تزيد على مفسدة اطلاع الرجل على عورة المرأة، التي يباح كشفها للحاجة والضرورة.
فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنه لا حرج عليكم في العمل في هذه المستشفيات، مع السعى الجاد في تغيير هذا الواقع، بإنشاء العيادات والمستشفيات الخاصة، غير المختلطة، وبذل الجهود لإقناع المسئولين والتأثير عليهم لتخصيص بعض المستشفيات للنساء، والالتزام بالضوابط الشرعية الممكنة من عدم الخلوة، وقصر النظر على موضع الحاجة، على ما هو مبين في جواب السؤال رقم (5693) .
وجوابنا هذا مبني على أمرين:
الأول: ما هو مقرر عند أهل العلم من أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنه ترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
والثاني: - وهو متفرع عن الأول - ما أفتى به بعض أهل العلم من جواز تولي الوظائف الممنوعة؛ لتخفيف الشر ما أمكن، ومن ذلك ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يتولى الولايات، ويُلزم بأخذ المكوس المحرمة من الناس، لكنه يجتهد في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، ويخفف من المكوس ما استطاع، ولو ترك الولاية لحل محله من يزيد معه الظلم، فأفتى رحمه الله بأنه يجوز له البقاء في ولايته، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه، إذا لم يشتغل بما هو أفضل منه، وقال: " وقد يكون ذلك واجبا عليه إذا لم يقم به غيره قادرا عليه. فنشر العدل بحسب الإمكان، ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/356- 360) .
ومعلوم أن أخذ المكوس محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب، لكن لما كان في تولي هذا المسلم الصالح تخفيف للشر، والتقليل منه بحسب الإمكان، جاز ذلك.
وقد علق الشيخ ابن عثيمين رحمه على كلام لشيخ الإسلام قريب من هذا بقوله: " والمصالح العامة يجب مراعاتها، لو مثلا تركنا مسألة الطب، وصار أهل الخير لا يتعلمون الطب، قال: كيف أتعلم الطب وإلى جانبنا نساء ممرضات ومتعلمات ومطبقات لمعلومات؟ نقول: هل أنت إذا امتنعت عن هذا هل سيبقى الجو فارغا؟ سيأتي أناس خبثاء يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، وأنت ربما إذا اجتمعت أنت والثاني والثالث والرابع، ربما في يوم من الأيام يهدي الله ولاة الأمور ويجعلون النساء على حدة والرجال على حدة " انتهى من "شرح كتاب السياسة الشرعية" ص 149
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاما أن يتم الفحص: يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرا، يعني هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يقيم الحالة تقييما تاما يقتضي أن يفحص ...
فأجاب:
"الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن فهذه حاجة ولا بأس بها " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح " (1/206) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع قريب مجيب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8297)
مريض بالإيدز هل يتزوج مصابة بالمرض نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يشابه السؤال (11137) حول حكم تزويج المريض بالإيدز، فأنا في وضع مشابه تقريباً، حيث إني أرغب في الزواج من امرأة شخص الأطباء حالتها بأن لديها فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) ، لكن مستويات الفيروس لديها منخفضة جدّاً لدرجة أنها لا يمكن اكتشافها، والمذكورة قد تزوجت سابقاً ولها طفل في الرابعة من العمر، وكلاهما لم تصبه عدوى الفيروس، وفيما يتعلق بالزواج من طرف لديه هذا الفيروس، فقد فهمت أن بعض العلماء يقولون بالتحريم، وهناك من يقول بخلاف ذلك، وقد قلت في إجابتك على السؤال المذكور أعلاه: إنه لا بأس بذلك بشرط أن يعرف الطرفان بالأمر، وأسأل عن التالي:
1- هل يجوز لها الزواج إذا كانت علاقاتها محمية؟
2- هل يجوز لها الزواج إذا وافق الاثنان على عدم الجماع؟
3- هل يجوز أن يتزوجها رجل لإشباع حقوقها الزوجية إرضاء لله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق في جواب السؤال رقم (11137) حكم تزوج من كان به مرض الأيدز، وقلنا: " إنه لا يزوَّج إلا بعد أن يبيّن أمره ويقول: بي مرض كذا، فإذا وافقوا على ذلك فبها ونعمت وإلا فلا؛ لأنه إذا أخفى عليهم أمره فإنه يكون قد خدعهم، وغشهم فهذه المرأة قد تنقل المرض إلى زوجها أو الزوج لامرأته ولأنجالهم بعد ذلك، أما إذا رضيت بك ووافقت ورضيت بقدر الله وقضائه فلا بأس بذلك ".
فلا حرج على الأخ السائل أن يتزوج بالصحيحة أو المريضة بشرط تبيين حالتك المرضية، ويمكنك في حال موافقتهم ورغبتكم بالجماع استعمال الواقي المطاطي.
قال الدكتور عبد الله الحقيل – وهو استشاري ورئيس شعبة الأمراض المعدية في كلية الطب في جامعة الملك سعود -:
" زواج المصاب بالإيدز مشكلة كبيرة؛ لأن السبب الرئيس في انتقال المرض هو الاتصال الجنسي، وفي حالة استعمال الواقي المطاطي فهناك نسبة عالية من الحماية، ولكن يجب على الطرف الآخر سواء الرجل أو المرأة أن يكون على اطلاع تام وجيد بالشيء الذي ينتظره في المستقبل ".
"جريدة الوطن" العدد (522) السنة الثانية ـ الثلاثاء 21 ذي الحجة 1422هـ الموافق 5 مارس 2002م.
والحياة الزوجية ليست جماعاً فقط، فيمكنك الزواج بتلك المرأة إذا اتفقتما أن لا يكون بينكما جماع، فحاجة الرجل للمرأة - والعكس - ليست فقط حاجة جنسية، فهناك الرعاية والحماية والنفقة والأنس والإعانة على الطاعة، بل قد يكون محبة أحد الطرفين أن يرثه الآخر من دواعي هذا الزواج، ومثله: الزواج بالصغيرة التي لا تقوى على الجماع، فإنه نكاح شرعي صحيح وإن لم يكن بينهما جماع، وعليه: فلا مانع من أن يكون بينكما زواج واتفاق على عدم الجماع.
وقد قال جمهور العلماء بجواز تزوج المسلم في مرض موته إن كان عاقلاً رشيداً، وأي حاجة للجماع في هذه الحال يتزوج من أجلها؟! .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
في مريض تزوج في مرضه , فهل يصح العقد؟
الجواب:
" نكاح المريض صحيح , ترث المرأة في قول جماهير علماء المسلمين من الصحابة والتابعين , ولا تستحق إلا مهر المثل , لا تستحق الزيادة على ذلك بالاتفاق " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/99) .
وقال أيضاًَ: (5/466) :
" نكاح المريض في مرض الموت صحيح، وترث المرأة في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ولا تستحق إلا مهر المثل لا الزيادة عليه بالاتفاق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8298)
يعاني من مرض جلدي في شفته فكيف يتوضأ
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ 6 سنوات وأنا أعاني من مشاكل جلدية في شفتي. فإذا تعرضت للماء، فإنها تتشقق كثيرا، ويتغير لونها إلى الأبيض. ولذلك فإني أجد مشقة في الوضوء.
فهل يجوز لي التيمم والحال ما ذكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك.
ثانيا:
إذا كانت شفتك تتضرر باستعمال الماء في الوضوء، فيلزمك أن تغسل ما استطعت من وجهك، مع بقية أعضاء الوضوء، ثم تتيمم بدلاً عما تركته من المضمضة وغسل الشفة وما قاربها. لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
ولك أن تتيمم قبل الوضوء أو بعده.
وأما ترك الوضوء بالكلية، والاكتفاء بالتيمم، فلا يجوز، بل يجب الجمع هنا بين غسل الأعضاء الصحيحة، والتيمم.
وما قيل في الوضوء يقال في الغسل، فيلزمك غسل بدنك وما استطعت من وجهك، مع التيمم.
قال في "زاد المستقنع": " ومن جُرح تيمم له، وغسل الباقي " انتهى.
أي: من جُرح ولم يستطع غسل موضع الجرح فإنه يتيمم له، ويغسل باقي أعضائه الصحيحة.
والأصل في ذلك أن من به جرح أو حرق أو علة، في عضو من أعضاء وضوئه، فله أربع مراتب:
" الأولى: أن يكون مكشوفا ولا يضره الغَسل، فيجب عليه غسله.
الثانية: أن يكون مكشوفا، ويضره الغَسل، دون المسح، فيلزمه المسح.
الثالثة: أن يكون مكشوفا ويضره الغَسل والمسح، فهنا يتمم للجرح، مع غسل بقية أعضاء الوضوء.
الرابعة: أن يكون مستورا بلزقة أو شبهها محتاج إليها، فيمسح على الساتر، ويتم وضوؤه، ولا يتيمم ".
"فتاوى أركان الإسلام" للشيخ ابن عثيمين (ص 234) بتصرف.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن توضأ وبيده جرح لا يصله الماء، ونسي أن يتيمم عنه، وصلى، فأجاب:
" إذا كان في موضع من مواضع الوضوء جرح لا يمكن غسله ولا مسحه؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن هذا الجرح يزداد أو يتأخر برؤه، فالواجب على هذا الشخص هو التيمم، فمن توضأ تاركا موضع الجرح، ودخل في الصلاة وذكر في أثنائها أنه لم يتيمم، فإنه يتيمم ويستأنف الصلاة؛ لأن ما مضى من صلاته قبل التيمم غير صحيح ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/197) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8299)
يسأل عن مواضع الحجامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحجامة في رمضان؟ وما هي مواضع الحجامة؟ مع بيان الأمراض التي يعالجها كل موضع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال (38023) أن الحجامة من مفسدات الصيام، ولذلك لا يجوز للصائم فعلها إلا إذا كان مريضاً محتاجاً إليها، فيحتجم ويفطر، ويقضي يوماً مكانه.
ثانياً:
وأما مواضع الحجامة:
1- فقد روى البخاري (2156) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم من وجع كان به) . ورواه مسلم (1203) من حديث ابن بحينة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه) .
2- وروى أبو داود (3860) والترمذي (390) وابن ماجه (3483) عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثلاثا في الأخدعين والكاهل) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في عون المعبود: " قال أهل اللغة: الأخدعان: عرقان في جانبي العنق يُحجم منه. والكاهل: ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر ".
وقال ابن القيم رحمه الله: " والحجامة على الأخدعين، تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف والحلق إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو عنهما جميعا " انتهى من "زاد المعاد" (4/51) .
3- وروى أبو داود (3863) عن جابر رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى وِرْكِهِ، مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. (الوَثْءٍ) : وجع يصيب العضو من غير كسر.
4- وروى النسائي (2849) عن أنس رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
فهذه خمسة مواضع ثابتة في السنة: الرأس، والأخدعان، والكاهل، والورك، وظهر القدم.
وثمة مواضع أخرى يعرفها المختصون بالحجامة.
قال ابن القيم رحمه الله: " والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم، إذا استعملت في وقتها، وتنقي الرأس والفكين. والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن، وهو عرق عظيم عند الكعب، وتنفع من قروح الفخذين والساقين، وانقطاع الطمث، والحكة العارضة في الأنثيين. والحجامة في أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ، وجربه وبثوره، ومن النقرس والبواسير " انتهى من "زاد المعاد" (4/53) .
وأما تفصيل الكلام على الأمراض التي تعالج بالحجامة، والموضع المناسب لها، فيرجع فيه إلى العارفين بالحجامة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8300)
اضطربت دورتها بسبب الحبوب فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتت الدورة لزوجتي بعد عشرة أيام من الدورة السابقة بسبب نسيانها حبة من حبوب تنظيم الدورة، وقالت لها الطبيبة أن تأخذ حبوب تنظيم الدورة وسوف تنقطع الدورة ولكن استمرت إلى الآن بدم خفيف لمدة 25 يوماً، فماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يمكن ـ عادةً ـ أن تستمر الدورة هذه المدة الطويلة، فتكون زوجتك في هذه المدة مستحاضة، فتجلس أيام عادتها التي كانت تأتيها كل شهر، ويكون هذا هو حيضها، ثم تغتسل وتصلي وتصوم ويجوز جماعها، فتكون طاهراً ولو نزل الدم.
وانظر جواب السؤال رقم (49671) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8301)
أجرت عملية تمنع الحمل بشكل دائم ثم ندمت هي وزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كان عندها مشاكل في الحمل عند أول ولادة لها، وتبعها إجهاض، وبسبب هذا قررنا ربط الرحم، وكان هذا بعد ولادة طفلنا الثاني. نشعر الآن أننا فعلنا أمراً ينافي أوامر الله، ماذا نستطيع أن نفعل بعد أن ندمنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أنكم أخطأتم خطأً كبيراً بفعلكم هذا، ولعلكم على علم بترغيب الشريعة في الإنجاب، وترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في زواج الودود الولود، وأنه صلى الله عليه وسلم سيكاثر بنا الأمم يوم القيامة.
انظر السؤال رقم (11885)
وعلى كل حال: فإن عليكم أن تسألوا أهل العلم والخبرة إن كان بإمكانكم إرجاع الأمر إلى ما كان عليه أولاً، فإن لم يمكن هذا: فعليكم التوبة والاستغفار وعدم القنوط من رحمة الله.
ولتعلما أن ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون:
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي (2499) وابن ماجه (4251) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4515) .
بل إن الله تعالى ليفرح بتوبة عبده وهو سبحانه الذي وفقه إليها وهو الغني عن الخلق:
عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل حمل زاده ومزاده على بعير، ثم سار حتى كان بفلاة من الأرض، فأدركته القائلة، فنزل فقال تحت شجرة، فغلبته عينه وانسل بعيره، فاستيقظ فسعى شَرَفاً فلم ير شيئا، ثم سعى شرفا ثانيا فلم ير شيئا، ثم سعى شرفا ثالثا فلم ير شيئا فأقبل حتى أتى مكانه الذي قال فيه، فبينما هو قاعد إذ جاءه بعيره يمشي حتى وضع خطامه في يده فلله أشد فرحا بتوبة العبد من هذا حين وجد بعيره على حاله) رواه مسلم (2745) .
مزادة: القربة الكبيرة، الفلاة: الصحراء، " قال فيه ": يعني نام.
القائلة وهي النوم وسط النهار. شرفاً: مكاناً مرتفعاً.
ولتحرصا دائماً على سيد الاستغفار، الذي رواه شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "، قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) رواه البخاري (5947) .
وعليكما اختيار خير الأوقات للاستغفار وهو الثلث الأخير من الليل قال الله تعالى في مدح عباده المؤمنين: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) سورة آل عمران/17
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له. رواه البخاري (1094) ومسلم (758) .
ومتى كان الزوج حريصاً على الذرية فبإمكانه أن يتزوج من امرأة أخرى مع زوجته، ولعل الله أن يرزقه منها ذرية صالحة طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8302)
هل يستعمل دواء قد يؤدي إلى موته ليخفف الألم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أجريت قبل سنتين عملية لإزالة ورم في تجويف عظم الفك العلوي، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشكو من تجويف وألم، وأستعمل أدوية للألم، الألم لم يتوقف حتى بعد تناول العديد من الأدوية، أضطر لتأخير صلاة الفرض لعدة ساعات مرة أو مرتين في الأسبوع عندما يكون مستوى الألم مرتفعاً، وصف لي الطبيب مؤخراً دواء لتخفيف الألم ويقول بأن هناك نسبة خطر كبيرة، وتحدثني نفسي بأنه لا يجوز استعمال هذا الدواء لأنني لو مت بسببه فكأنه انتحار.
هل استعمال دواء له نسبة خطر كبيرة قد تقتل المريض يجوز في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية.
لا يجوز للمسلم الذي ابتلاه الله تعالى بالمرض أن يتناول ما يضره يقيناً أو على غلبة الظن، فهو مأمور بأن يحافظ على بدنه ولا يحل له التفريط فيما وهبه الله من نعمة الجوارح والأعضاء، فكيف يفرِّط بنفسه!؟ .
ومن قواعد الشريعة الإسلامية (الضرر لا يزال بمثله) ، وعلى هذا، فيحرم التداوي بما يكون ضرره أشد من ضرر المرض نفسه.
انظر: أحكام الجراحة الطيبة ص124. للشيخ الدكتور: محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
والصبر على الألم واحتساب الأجر على الله مما ينفع المسلم في آخرته ويزيد في ثوابه.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب ولا همٍّ ولا حزَن ولا أذى ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه ".
رواه البخاري (5318) ومسلم (2573) .
النَّصب: التعب، الوصَب: المرض.
واقرأ قصة هذه المرأة العظيمة كيف أصابها المرض - مع ما فيه من أذى - واختارت الصبر عليه مقابل الثواب العظيم وهو دخول الجنة.
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال: إن شئت صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيكِ، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. رواه البخاري (5328) مسلم (2576) .
وقد ذكر بعض الأطباء أن تناول المهدئات والمسكنات قد يسبِّب أضراراً كثيرة ومضاعفات خطيرة.
وذكر بعض المختصين أنه يمكن تخفيف الآلام عن طريق برامج في التغذية وتمارين رياضية وطرق أخرى....فعليك أن تراجع أكثر من طبيب مختص فلعلك تجد عنده ما ليس عند من دلَّك على الدواء الخطير.
وقبل ذلك كله عليك بالصبر والرضا بقضاء الله، والإكثار من الدعاء وسؤال الله تعالى العافية، فإن الله تعالى يقول: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) النمل/62
نسأل الله تعالى أن يزيل عنك الألم، وأن يكتب لك الأجر، وأن يعافيك في دينك ودنياك، وأن يتولاك بعنايته وأن يحفظك بحفظه.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8303)
إسقاط الجنين المشوه خلقياً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إسقاط الجنين بعدما تبين بالفحوصات الطبية أنه مشوّه خلقياً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك أسباب عديدة لتشوه الأجنة، وأن كثيراً من هذه الأسباب يمكن تلافيه، والتوقي منه، أو التخفيف من آثاره، وقد حث الإسلام والطب على منع أسباب المرض، والتوقي منه ما أمكن ذلك، وتعاليم الإسلام تحث على حفظ الصحة، وعلى حماية الجنين ووقايته من كثير من الأمراض التي سببها البعد عن تعاليم الإسلام، والوقوع في المعاصي كالزنى، وشرب الخمر، والتدخين، وتعاطي المخدرات، وكذلك جاء الطب الحديث ليحذر الأمهات من الخطر المحدق من تعاطي بعض العقاقير، أو التعرض للأشعة السينية، أو أشعة جاما وخاصة في الأيام الأولى من الحمل.
فإذا ثبت تشوه الجنين بصورة دقيقة قاطعة لا تقبل الشك، من خلال لجنة طبية موثوقة، وكان هذا التشوه غير قابل للعلاج ضمن الإمكانيات البشرية المتاحة لأهل الاختصاص، فالراجح عندي هو إباحة إسقاطه، نظراً لما قد يلحقه من مشاق وصعوبات في حياته، وما يسببه لذويه من حرج، وللمجتمع من أعباء ومسؤوليات وتكاليف في رعايته والاعتناء به، ولعل هذه الاعتبارات وغيرها هي ما حدت بمجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 15 رجب الفرد سنة 1410هـ وفق 10/2/1990م، أن يصدر قراره: " بإباحة إسقاط الجنين المشوه بالصورة المذكورة أعلاه، وبعد موافقة الوالدين في الفترة الواقعة قبل مرور مائة وعشرين يوماً من بدء الحمل ".
وقد وافق قرار المجلس المذكور أعلاه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية رقم 2484 في 16/7/1399هـ.
أما إذا كان الجنين المشوه قد نفخت فيه الروح وبلغ مائة وعشرين يوماً، فإنه لا يجوز إسقاطه مهما كان التشوه، إلا إذا كان في بقاء الحمل خطر على حياة الأم، وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح أصبح نفساً، يجب صيانتها والمحافظة عليها، سواء كانت سليمة من الآفات والأمراض، أو كانت مصابة بشيء من ذلك، وسواء رُجي شفاؤها مما بها، أم لم يرج، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى له في كل ما خلق حكم لا يعلمها كثير من الناس، وهو أعلم بما يصلح خلقه، مصداق قوله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/14.
وفي ولادة هؤلاء المشوهين عظة للمعافين، وفيه معرفة لقدرة الله عز وجل حيث يرى خلقه مظاهر قدرته، وعجائب صنعه سبحانه، كما أن قتلهم وإجهاضهم نظرة مادية صرفة لم تعر الأمور الدينية والمعنوية أية نظرة، ولعل في وجود هذا التشويه ما يجعل الإنسان أكثر ذلة ومسكنة لربه، وصبره عليها احتساباً منه للأجر الكبير.
والتشوهات الخلقية قدر أراده الله لبعض عباده، فمن صبر فقد ظفر، وهي أمور تحدث وحدثت على مر التاريخ، ومن المؤسف أن الدراسات تدل على أن نسبة الإصابة بالتشوهات الخلقية في ازدياد، وذلك نتيجة تلوث البيئة، وكثرة الإشعاعات الضارة التي أخذت تنتشر في الأجواء، والتي لم تكن معروفة من قبل.
ومن رحمة الله بالناس أن جعل مصير العديد من الأجنة المشوهة إلى الإجهاض والموت قبل الولادة.
وعلى المرأة المسلمة، وعلى الأسرة المسلمة، أن تصبر على ما أصابها، وأن تحتسب ذلك عند الله، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم.(5/8304)
ما هي التلبينة؟ وكيف يتم العلاج بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي عن طريقة العلاج بالتلبينة الواردة بالطب النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد ذِكر " التلبينة " في أحاديث صحيحة، منها:
أ. عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) رواه البخاري (5101) ومسلم (2216) .
ب. وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ، وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) رواه البخاري (5365) ومسلم (2216) .
قال النووي:
" (مَجَمَّةٌ) وَيُقَال: (مُجِمَّةٌ) أَيْ: تُرِيح فُؤَاده , وَتُزِيل عَنْهُ الْهَمّ , وَتُنَشِّطهُ " انتهى.
وواضح من الحديثين أنه يعالج بها المريض، وتخفف عن المحزون حزنه، وتنشط القلب وتريحه.
والتلبينة: حساء يُعمل من ملعقتين من مطحون الشعير بنخالته، ثم يضاف لهما كوب من الماء، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق.
وبعض الناس يضيف عليها ملعقة عسل.
وسمِّيت " تلبينة " تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها.
قال ابن القيم:
" وإذا شئتَ أن تعرف فضل التلبينة: فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم؛ فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً، والتلبينة تطبخ منه مطحوناً، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيراً في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صحاحاً، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلاً، وأعظم جلاءً.... " انتهى.
" زاد المعاد " (4 / 120) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعريف التلبينة:
" طعام يتخذ من دقيق أو نخالة، وربما جُعل فيها عسل، سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض والرقة، والنافع منه ما كان رقيقاً نضيجاً، لا غليظاً نيئاً " انتهى.
" فتح الباري " (9 / 550) .
ومما لا شك فيه أن للشعير فوائد متعددة، وقد أظهرت الدراسات الحديثة بعضها، منها: تخفيض الكولسترول، ومعالجة القلب، وعلاج الاكتئاب، وعلاج ارتفاع السكر والضغط، وكونه مليِّناً ومهدِّئاً للقولون، كما أظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون.
قالت الدكتورة صهباء بندق – وقد ذكرت العلاجات السابقة وفصَّلتها -:
وعلى هذا النحو يسهم العلاج بـ " التلبينة " في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب - خاصة شرايين القلب التاجية - فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية، واحتشاء عضلة القلب.
أما المصابون فعليّاً بهذه العلل الوعائية والقلبية: فتساهم " التلبينة " بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية، وهذا يُظهر الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " التلبينة مجمة لفؤاد المريض ... " أي: مريحة لقلب المريض " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8305)
حكم المواد الغذائية ومواد التجميل المضاف إليها الكحول
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بالجامعة في فينا وأثناء الدراسة في كلية الصيدلة اكتشفت أن معظم المنتجات الغذائية يضاف إليها نسبة قليلة جدّاً من الكحول، وهي توضع لمزج مادتين أو لحفظ المنتج أو لجعلها أكثر سمكاً، والمواد هي GLYCEROL; SORBIT; XYLIT; MALTIT; VANILIN; TRIACETIN; AGAR AGAR; PEKTIN. سؤال آخر: ما هو الحكم في الكريمات والروائح أو مواد التجميل عامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الكحول من المواد المسكرة، وكل مسكر خمر، والخمر حرام، ويتعلق بالكحول هنا أمران: الأول: هل هو نجس أم لا؟ والثاني: هل يؤثر في خلطه بغيره من الأدوية والأغذية؟
أما الأمر الأول: فقد ذهب جمهور العلماء إلى نجاسة الخمر نجاسة حسيَّة، والصحيح: أنها ليست كذلك، وأن نجاستها نجاسة معنوية.
وأما الأمر الثاني: فالكحول إذا خُلط بغيره من الأدوية والأغذية فإما أن يكون تأثيره واضحاً وإما أن لا يكون، فإن كان تأثيره واضحاً: حرم الخلط، وحرم استعمال تلك الأغذية والأدوية أكلاً أو شرباً.
وإن لم يكن للكحول تأثيرٌ في تلك الأغذية والأدوية جاز استعمالها أكلاً وشرباً، وهناك فرق بين تناول الكحول مباشرة وبين خلطه بغيره، فإن تناولَه المرءُ وحده لم يجز حتى لو قلَّت كميته، وإن خُلط بغيره: فعلى ما سبق تفصيله.
وهذه فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين في تفصيل هذه المسألة:
قال رحمه الله: "الكحول مادة مسكرة كما هو معروف فتكون خمراً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) ، وفي رواية: (كل مسكر خمر) ، وعلى هذا فإذا خالطت هذه الكحول شيئاً ولم تضمحل بما خالطته: صار هذا الشيء حراماً؛ لأن هذا الخليط أثَّر فيه، أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر: فإنه لا يحرم بذلك؛ لأن أهل العلم رحمهم الله أجمعوا على أن الماء إذا خالطته نجاسة لم تغيره فإنه يكون طهوراً، والنسبة بين الكحول وبين ما خالطه قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة، بمعنى أن هذه الكحول قد تكون قوية فيكون اليسير منها مؤثراً في المخالط، وقد تكون ضعيفة فيكون الكثير منها غير مؤثر، والمدار كله على التأثير.
ثم هاهنا مسألتان:
الأولى: هل الخمر نجس نجاسة حسيَّة؟ أي: أنه يجب التنزه منه وغسل الثياب إذا أصابها وغسل البدن إذا أصابه وغسل الأواني إذا أصابها أو لا؟ جمهور العلماء على أن الخمر نجس نجاسة حسيَّة وأنه يجب غسل ما أصابه من بدن أو ثياب أو أوانٍ أو فرش أو غيرها كما يجب غسل البول والعذرة، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ، والرجس هو النجس بدليل قوله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي: نجس، واستدلوا أيضاً بحديث أبي ثعلبة الخشني حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل بآنية الكفار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تأكلوا فيها، إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) ، وقد ورد في تعليل النهي عن الأكل فيها أنهم كانوا يضعون فيها الخمر ولحم الخنزير وما أشبه ذلك.
ولكن القول الثاني في المسألة أن الخمر ليس نجساً نجاسة حسيَّة، واستدل لهذا القول بأن الأصل في الأشياء الطهارة، وأنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، فالسم حرام بلا شك ومع ذلك ليس بنجس، وقالوا: إن القاعدة الشرعية "أن كل نجس حرام، وليس كل حرام نجساً"، وعلى هذا: فيبقى الخمر حراماً وليس بنجس حتى تقوم الأدلة على نجاسته، واستدلوا أيضاً بأن الخمر حين حرمت أراقها المسلمون في الأسواق ولم يغسلوا الأواني منها، وإراقتها في الأسواق دليل على عدم نجاستها؛ لأنه لا يحل لإنسان أن يريق النجس في أسواق المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا اللاعنين، قالوا: يا رسول الله، وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) ؛ ولأنهم لم يغسلوا الأواني منها، ولو كانت نجسة لوجب غسل الأواني منها، واستدل لهذا القول أيضاً بما ثبت في صحيح مسلم (أن رجل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواية خمر فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنها حرمت، فتكلم أحد الصحابة مع صاحب الرواية سرّاً - أي: أسرَّ إليه حديثاً - فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بما ساررته، قال: قلت: بعها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعها، وقال: إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه) - هذا الحديث أو معناه - ثم فتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الرواية ولو كان الخمر نجساً لأخبره صلى الله عليه وسلم بنجاسة الراوية وأمره بغسلها.
وأما ما استدل به القائلون بالنجاسة الحسية في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان) فإن الله تعالى قيد هذا الرجس بأنه رجس عملي قال: (رجس مِنْ عمل الشيطان) وليس رجساً عينيّاً بدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجاستها نجاسة حسيَّة، والخبر عن نجاستها ونجاسة الخمر خبر واحد لعامل واحد: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ومثل هذا لا يجوز أن تفرق الدلالة فيه على وجهين مختلفين إلا بدليل يعين ذلك.
وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فليس الأمر بغسلها من أجل نجاستها، لاحتمال أن يكون الأمر بغسلها من أجل الابتعاد التام والانفصال التام عن استعمال أواني الكفار الذي يجر إلى مماستهم والقرب منهم وليس للنجاسة؛ لأن المعروف أن النجاسة لا تثبت بالاحتمال.
على كل حال: هذا هو الأمر الأول مما يتعين البحث فيه في جواب هذا السؤال عن الكحول وإذا تبين أن الخمر ليست نجسة نجاسة حسيَّة صارت هذه الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فتبقى على طهارتها.
أما الأمر الثاني: فإذا تعيَّن أن في هذه الأطياب كحولاً ومؤثراً لكونه كثيراً، فهل يجوز استعماله في غير الشرب؟ جواب ذلك أن يقال: إن قول الله تعالى: (فَاجْتَنِبُوهُ) عام في جميع وجوه الاستعمال أي: أننا نجتنبه أكلاً وشرباً ودهناً وغير ذلك، هذا هو الأحوط بلا شك، لكنه لا يتعين في غير الشرب؛ لأن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، وهذا لا يتأتى في غير الشرب، وعلى هذا: فالورع اجتناب التطيب بهذه الأطياب والجزم بالتحريم لا يمكن ... " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (النساء) بواسطة موقعه.
ثالثاً:
وأما حكم مواد التجميل فيمكن معرفته بالاطلاع على أجوبة الأسئلة: (41052) و (20226) و (26799) و (26861) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8306)
هل يجوز له فتح محل للعلاج بالرقية الشرعية والحجامة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم من الداعين إلى منهج أهل السنة والجماعة بدأت منذ3 سنوات أرقي الناس بالرقية الشرعية وفق الضوابط المرضية بصفة غير منتظمة مقابل بعض المال لأسد به بعض حاجاتي. فكتب الله لي القبول فشفى الله على يدي الكثير وهدى آخرين إلى جادة الصواب ووفقهم لتوحيده والبعد عن الشرك رغم ما لاقيته من بعض المشعوذين وبعض المغرضين المثبطين عن الرقية الشرعية والواصفين لها بالبدعة والكسب المحرم. فكثر علي الناس وأحرجوني لعدم وجود الرقاة المتفرغين لهذا الأمر , كل هذا وأنا أرقي الناس في بيتي المتواضع جدا مما سبب لي الإحراج والمشقة وآذوا أهلي بكثرة طرقهم على الباب وصرت أفوت وأفرط في مصالح واجبة من أجل رقيتهم لشدة حيائي منهم. ففكرت في تأجير محل معين لتخصيصه للرقية الشرعية والحجامة مقابل ما يعادل 20ريالا مثلا لرقية الشخص الواحد وذلك لسد مستحقات الإيجار وبعض حاجاتي الضرورية. ففوجئت بالإنكار من بعض المسلمين المدعين للعلم على أن هذا التخصيص بدعة ولم يعرف عن سلف الأمة، والكسب بهذه الطريقة محرم. فهل يجوز فتح محل كعيادة للرقية الشرعية والحجامة بهذا التخصيص مقابل مبلغ من المال خاصة وأنا محتاج ومعسر وعلي مسؤولية من أعول وأعاني من مرض مزمن ولا أطيق الأعمال الشاقة وحاجة المسلمين لمن يتفرغ للرقية ويدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك ملحة؟ وفي حالة جواز العيادة القرآنية ووجدت بعدها عملا آخر: 1- هل أترك الرقية وأتحول إلى هذا العمل مع ما يترتب على هذا من مفاسد من الانقطاع عن العمل الصالح وإحداث فراغ كبير. 2- هل أجمع بينهما وأحاول التوفيق بينهما دون أن يضر أحدهما بالآخر. 3- هل أرفض العمل وأكتفي بالرقية لنفعها المتعدي ورعاية لمصالح المسلمين. وفي حالة عدم جواز العيادة القرآنية: 1- هل أتوقف عن الرقية نهائيا؟ 2- هل أبقى أرقي في بيتي أحسن وأتجنب هذا التخصيص وأصبر على أذى الناس وإحراجهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الواقع كما ذكرت من أنك ترقي بالرقية الشرعية، مع حاجة الناس إليها، فنسأل الله لك الأجر والمثوبة والتوفيق والسداد. ولا حرج عليك في أخذ أجرة مقابل ذلك.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: نسمع عن بعض المعالجين بالقرآن، يقرؤون قرآنا وأدعية شرعية على ماء أو زيت طيب لعلاج السحر، والعين والمس الشيطاني، ويأخذون على ذلك أجرا، فهل هذا جائز شرعا؟ وهل القراءة على الزيت أو الماء تأخذ حكم قراءة المعالج على المريض نفسه؟
فأجاب:
" لا حرج في أخذ الأجرة على رقية المريض، لما ثبت في الصحيحين (أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وفدوا على حي من العرب فلم يقروهم (أي: لم يضيفوهم) ولدغ سيدهم وفعلوا كل شيء؛ لا ينفعه , فأتوا الوفد من الصحابة رضي الله عنهم فقالوا لهم: هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لدغ؟ فقالوا: نعم , ولكنكم لم تقرونا فلا نرقيه إلا بجُعْلٍ (أي: أجرة) فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم , فرقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب فشفي فأعطوهم ما جعل لهم فقال الصحابة فيما بينهم: لن نفعل شيئا حتى نخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أخبروه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: قد أصبتم) رواه البخاري (2115) ، ومسلم (4080) .
ولا حرج في القراءة في الماء والزيت في علاج المريض والمسحور والمجنون، ولكن القراءة على المريض بالنفث عليه أولى وأفضل وأكمل، وقد خرج أبو داود رحمه الله بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ لثابت بن قيس بن شماس في ماء وصبه عليه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا) مسلم (4079) وهذا الحديث الصحيح يعم الرقية للمريض على نفسه وفي الماء والزيت ونحوهما، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/338) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: عن رجل يرقي الناس بأجرة ولا يعرف إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , ويرجع في ذلك إلى كتب أهل العلم الموثوقين؟
فأجابوا:
" إذا كان الواقع منك كما ذكرت أنك تعالج المرضى بالرقية الشرعية , وأنك لم ترق أحدا إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنك تتحرى الرجوع في ذل إلى ما ذكره العلامة ابن تيمية رحمه الله في كتبه المعروفة، وما كتبه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في "زاد المعاد" وأمثالهما من كتب أهل السنة والجماعة فعملك جائز، وسعيك مشكور ومأجور عليه إن شاء الله، ولا بأس بأخذك أجرا عليه؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أشرت إليه في سؤالك " انتهى.
وحديث أبي سعدي هو الحديث المتقدم في رقية الرجل الذي لدغ بالفاتحة.
وحيث جازت الرقية، وجاز أخذ الأجر عليها، فلا فرق بين أن يكون ذلك في البيت، أو في محل مستأجر، أو في دار خاصة، دفعا للحرج والمشقة عن أهل المنزل. ولا وجه لمن منع ذلك بحجة أنه لم يعرف عن السلف التكسب بهذه الطريقة، فإنه إذا ثبت أن العمل مباح، وأن الأجرة عليه جائزة، كان القول بتحريم هذه المهنة قولا بغير علم.
وقد قال البخاري في "صحيحه" في كتاب الإجارة: " باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب. وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) " انتهى.
ثانيا:
سبق في جواب السؤال (71303) بيان اختلاف العلماء في حكم أخذ الأجرة على الحجامة، وأن الصحيح أنها جائزة وليست حراماً، وإنما نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الكراهة لا التحريم.
ثالثا:
لا حرج عليك في فتح عيادة خاصة للعلاج بالرقية والحجامة، كما سبق. وفي حال حصولك على عمل آخر، لا يلزمك ترك الرقية، ولك أن تجمع بين العملين بما تراه مناسبا، من غير أن تضر بنفسك أو بأهلك.
وحيث إن الاشتغال برقية المرضى مدخل صالح لدعوتهم ونصحهم وتوجيههم للخير –كما ذكرت-، فلا ينبغي أن تترك هذا العمل، ولو توفر لك عمل آخر، فإن هذا من النفع والإحسان المتعدي للآخرين.
وينبغي أن يكون المعالج مراقبا لله تعالى، متقيا له في السر والعلن، سهلا سمحا مع الناس لا يشق عليهم في أجرة أو ثمن دواء، مذكرا لهم بأن الشفاء بيد الله تعالى وحده، ناصحا لهم بالتوبة إلى الله وترك الذنوب التي هي سبب كثير من الآفات والابتلاءات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8307)
حكم إسقاط الجنين المشوَّه
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حامل وقد أجريت لها أشعة عدّة مرات، مما أكّد وجود تشوهات بالجنين، فهل يجوز إسقاطه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: سبق في إجابة السؤال رقم (12118) بيان حكم إسقاط الجنين المشوه خلقياً، وأن ذلك يجوز قبل نفخ الروح فيه، أي قبل مرور 120 يوماً، على بداية الحمل، وذلك بعد استنفاذ كل الوسائل المتاحة لعلاجه، وأما بعد نفخ الروح فيه فلا يجوز إسقاطه من أجل التشوه.
وعلى الوالدين الصبر والرضا بأقدار الله، وتذكر قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/216، وقول الله تعالى: (فعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
ثانياً: ونزيد هنا بعض ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة مما يتعلق بهذا الحكم.
فقد سئلت اللجنة الدائمة عن إسقاط الحمل في شهره الخامس، بعد أن أثبتت الأشعة تشوهه بعدم وجود الجزء العلوي من الجمجمة.
فأجابت:
" لا يجوز إسقاطه من أجل التشوه الذي ذكر في السؤال مع العلم بأنه قد يشفيه الله بما بقي من المدة، ويولد سليماً، كما قد وقع ذلك لكثير من الناس " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/440)
وسئلت أيضاً عن امرأة حامل تعالج من السرطان بالأشعة مما سيؤثر على الجنين فيولد معوقاً أو مشوها فهل يجوز إسقاطه؟
فأجابت:
" لا يجوز إجهاض الجنين الذي يخشى عليه من التشوه، وإنما يترك لتدبير الله سبحانه، وتعالى فيه، وقد يسلم من التشوه " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/249)
وسئلت أيضاً عن امرأة حامل في الشهر الخامس وقد أثبتت الأشعة وجود عدة تشوهات بالجنين مما جعل الأطباء يجزمون بموته بعد ولادته وهذه التشوهات هي:
تشوه في حنجرة القلب، تشوه خطير في النخاع الشوكي والعمود الفقري، حجم الرأس صغير جداً.
بين الرأس والجسم كيس كبير أكبر من الرأس، الأمعاء خارج تجويف البطن، تشوه في المخ.
فهل يجوز إسقاطه؟
فأجابت:
" بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا يجوز إسقاط الحمل المذكور، لأن الغالب على أخبار الأطباء الظن، والأصل وجوب احترام الجنين وتحريم إسقاطه، ولأن الله سبحانه وتعالى قد يصلح حال الجنين في بقية المدة، فيخرج سليماً مما ذكره الأطباء إن صح ما قالوه، فالواجب حسن الظن بالله، وسؤاله سبحانه أن يشفيه وأن يكمل خلقته وأن يخرجه سليماً، وعلى والديه أن يتقيا الله سبحانه ويسألاه أن يشفيه من كل سوء، وأن يقرّ أعينهما بولادته سليماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي) " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/250-251)
وسئلت أيضاً عن امرأة حامل في الشهر الخامس وفي الجنين تشوهات مما يعرض حياة الأم للخطر فهل يجوز إسقاطه؟
فأجابت:
" بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأنه إذا كان الواقع كما ذكر من أن استمرار الحمل لهذه المرأة حتى يتم وضعه يترتب عليه تهديد حياة الأم بالخطر، فإنه لا مانع من إجهاض الحمل قبل اكتماله، حماية لحياة الأم، ودفعاً للضرر عنها، أما إذا كان إجهاض الحمل من أجل التشوه فقط فإنه لا يجوز إسقاطه " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/452) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8308)
بعض الأدعية والأدوية لمن يشتكي من ألم في بدنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر بألم شديد في مقدمة رأسي فهل هناك دعاء أدعو به أو أي شيء أفعله ليسكن هذا الألم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما بالنسبة لما أصابك من مرض فإنك إن صبرت واحتسبتَ فإن الله سبحانه وتعالى يجعل مرضك كفارة لذنوبك.
عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ". رواه البخاري (5318) ومسلم (2573) .
ثانياً:
نوصيك ببعض العلاجات والأدعية الصحيحة، أما العلاجات، فمنها:
1. العسل، قال الله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/69.
2. القسط – أو العود الهندي -
عن أم قيس بنت محصن قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عليكم بهذا العود الهندي؛ فإن فيه سبعة أشفية. رواه البخاري (5368) ومسلم (287) .
3. الحجامة:
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به. رواه البخاري (5374) ومسلم (1202) . الشقيقة نوع من الصداع.
4. الحبة السوداء:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، والسام الموت. رواه البخاري (5364) ومسلم (2215) .
وبوَّب عليه البخاري بقوله: باب الحجامة من الشقيقة والصداع.
أما بالنسبة للأدعية التي نوصيك بها، فنذكر لك بعض ما يتيسر من صحيح السنة:
1. عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: باسم الله، ثلاثاً، وقل: سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم (2202) .
2. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً أو أُتي به قال: أَذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً. رواه البخاري (5351) ومسلم (2191) .
وكذلك عليك بقراءة الفاتحة والمعوذات، والقرآن كله فيه شفاء كما قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَاراً) الاسراء/82
3. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حيٍّ من أحياء العرب فلم يَقروهم (أي لم يقدموا لهم حق الضيف) ، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تَقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلا فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن – أي: سورة الفاتحة – ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فضحك وقال: وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم. رواه البخاري (5404) ومسلم (2201) .
4. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها
قال معمر: فسألت الزهري كيف ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. رواه البخاري (5403) ومسلم (2192) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8309)
إجراء العملية لإزالة التشوه الخلقي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في إجراء عمليات إزالة التشوه الخلقي الموجود في الإنسان، سواء كان نتيجة مرض أو إصابات بحوادث أو موجود من حين الولادة، كإزالة الأصبع الزائدة وترميم محلها بشكل تظهر طبيعية، وإزالة السن الزائدة مع تعديل بقية الأسنان حتى يعود الفم طبيعياً، ولصق الشفة المنشقة كشفة الأرنب وإعادتها طبيعية، وإزالة آثار الحروق والتشوهات الناتجة عنها، وتصحيح الأنف الأعوج الكبير الذي من شأنه إعاقة عملية التنفس، وتتميم الأذن الناقصة، وشد الجفون المتهدلة التي من شأنها إعاقة الرؤيا، وشد جلدة الوجه المترهلة حتى يبدو الوجه طبيعياً، وشد وتصغير الصدر الكبير للمرأة الذي من شأنه أن يشكل خطراً على العمود الفقري بسبب الثقل غير المتوازن من الأمام، وشد جلدة البطن المترهلة والعضلات الباطنية، وتصحيح المجاري البولية للذكور الذي من شأنه تلويث الثياب بالبول، وإزالة البقع المشوهة في الوجه، وإذابة الدهون والشحوم في الأشخاص البدينين التي من شأنها أن تسبب كثيراً من الأمراض كالسكر والضغط وزيادة الدهون في الدم؟ علماً أن هذه العمليات التي يتم إجراؤها لا يعود فيها التشوه أبداً بإذن الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في علاج الأداء المذكورة بالأدوية الشرعية، أو الأدوية المباحة من الطبيب المختص الذي يغلب على ظنه نجاح العملية لعموم الأدلة الشرعية الدالة على جواز علاج الأمراض والأدواء بالأدوية الشرعية أو الأدوية المباحة، وأما الأدوية المحرمة كالخمر ونحوها فلا يجوز العلاج بها، ومن الأدلة الشرعية في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) وقوله: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ونسأل الله أن ينفع بكم، وأن يوفقنا وإياكم وجميع أطباء المسلمين لكل ما يرضيه وينفع عباده إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/419.(5/8310)
عمل الممرضات مع المرضى الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تمرضنا امرأة ونحن رجال، خاصة مع وجود ممرضين من الرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المستشفيات جميعاً أن يكون الممرضون للرجال والممرضات للنساء، هذا واجب، كما أن الواجب أن بكون الأطباء للرجال والطبيبات للنساء، إلا عند الضرورة القصوى إذا كان المرض لا يعرفه إلا الرجل فلا حرج أن يعالج امرأة لأجل الضرورة، وهكذا لو كان مرض الرجل لم يعرفه إلا امرأة فلا حرج في علاجها له، وإلا فالواجب أن يكون الطبيب من الرجال للرجال والطبيبة من النساء للنساء، هذا هو الواجب، وهكذا الممرضات والممرضون، الممرض للرجال والممرضة للنساء، حسماً لوسائل الفتنة، وحذراً من الخلوة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/425.(5/8311)
منع الحمل منعاً مستمراً حرام إلا للضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مرض شديد جدا خلال فترة الحمل يستمر معي حتى الإنجاب تقريبا، وبخاصة الأشهر الثلاثة الأولى، حتى إنني قضيت ما يجاوز الشهرين بالمستشفى، وخلال هذه الفترة أتوقف تماما عن الأكل والشرب، وأكره كل شئ وتكون تغذيتي عن طريق حقن التغذية بالمستشفى، فهل يجوز لي في هذه الحالة إيقاف الحمل والإنجاب كليا أم لا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
جاءت الشريعة الإسلامية بالترغيب في النكاح وزيادة النسل تكثيراً للأمة الإسلامية، وتحقيقاً لمباهاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سائر الأمم يوم القيامة، وتمشياً مع الفطرة الإنسانية حتى إن أنبياء الله تعالى ورسله صلوات الله وسلامه عليهم قد دعوا الله تعالى أن يرزقهم الذرية الصالحة، فقد ذكر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام قوله: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات:100)
وقال تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) (الانبياء:89)
وذكر الله تعالى من دعاء عباد الله الصالحين أدعية كثيرة منها قوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74) وسيظل الناس كذلك ما سلمت فطرتهم.
ثانياً:
سبق في إجابة السؤال رقم (21169) أن منع الحمل منعاً مستمراً حرام.
غير أنه يستثنى من ذلك ما دعت إليه الضرورة، كما هي قاعدة الشريعة في جميع المحرمات – أنها تباح للضرورة – قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام: 119)
فإذا كانت المرأة ضعيفة أو مريضة يضرها الحمل أو يُخشى عليها بسببه جاز لها أن تستعمل ما يمنع الحمل.
وقد جاء في بحث أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء قولهم:
" ... وعلى هذا يكون تحديد النسل محرماً مطلقاً، ويكون منع الحمل محرماً إلا في حالات فردية نادرة لا عموم لها، كما في الحالة التي تدعو الحامل إلى ولادة غير عادية، ويضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، وفي حالة ما إذا كان على المرأة خطر من الحمل لمرض ونحوه، فيستثنى مثل هذا منعاً للضرر، وإبقاء على النفس، فإن الشريعة الإسلامية جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد وتقديم أقوى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين عند التعارض " اهـ
مجلة البحوث الإسلامية (5/127)
وقد سئل الشيخ ابن باز عن امرأة أنجبت عشرة أولاد وصار الحمل يضرها، وتريد أن تعمل ما يسمى بعملية " الربط "
فأجاب:
" لا حرج في العملية المذكورة إذا قرر الأطباء أن الإنجاب يضرها بعد سماح زوجها بذلك " اهـ.
فتاوى المرأة المسلمة (5/978)
وقال الشيخ ابن جبرين:
" لا يجوز العلاج لقطع الحمل أو إيقافه إلا عند الضرورة، إذا قرر الأطباء " المعتبرون " أن الولادة تسبب إرهاقاً أو تزيد المرض أو يخاف من الحمل والوضع الهلاك خوفاً غالباً، ولا بد مع ذلك من رضى الزوج وموافقته على القطع أو الإيقاف، ثم متى زال العذر أعيدت المرأة إلى حالتها الأولى " اهـ.
فتاوى المرأة المسلمة (2/977)
وعلى هذا إذا كان ما يصيبك بسبب الحمل إنما هو أمر عارض بسبب مرض أو ضعف يُرجى زواله، فإنك تمنعين الحمل منعاً مؤقتاً حتى يعافيك الله تعالى، وأما إن كان أمراً مستمراً لا يُرجى زواله فلا حرج – إن شاء الله – من منعك الحمل منعاً دائماً.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8312)
هل يجوز تغسيل المريض بدم الذبيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تغسيل المريض بدم الذبيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأنه نجس فلا يجوز التداوي بالنجس.
[الْمَصْدَرُ]
مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز ص 118(5/8313)
التصوير الطبي من الرجل للنساء وعلاقته بالصيام واللمس
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال التصوير الشعاعي، ومن ضمن أنواعه التصوير النسائي الذي يستلزم إجراء فحص للمريضة، فما حكم صيام من اضطرت لعمل الصورة هل تفطر وتعيد؟ وما حكم وضوئي إذا قمت أنا بفحصها للتصوير مع العلم أني أضع " قفازات " أثناء الفحص؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا يؤثر التصوير الشعاعي على الصيام، ولا يعتبر من مفسدات الصيام إلا إن تناول المريض دواء، أو تناول طعاما أو شرابا قبله بأمر الطبيب فيفسد صومه بسبب الأكل والشرب.
ثانياً: لا يؤثر الفحص على وضوء من يقوم به، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (20710) (22757) أن الصحيح من أقوال العلماء أن مس المرأة الأجنبية لا ينقض الوضوء.
ولا يجوز للرجل الأجنبي أن يعالج امرأة أجنبية ولا العكس إلا من ضرورة، وينبغي أن تقدَّر هذه الضرورة بقدرها، فلا يجوز الكشف لأدنى سبب ولأقل مرض، ولا يجوز النظر إلى أكثر من موضع الألم المراد الكشف عليه، ولا يجوز أن تكون خلوة بين المعالج والمريض.
وقد سبق في جواب السؤال (2198) حكم علاج الرجال للنساء.
ومس الأجنبي للمرأة والعكس محرَّم، ووضع القفازات أهون عندما تكون هناك ثمة ضرورة في العلاج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8314)
العلاج بقطرة للعين مخلوطة بمرارة الدب
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد قطرة للعين تستخرج من الأعشاب مخلوطة بمادة مأخوذة من مرارة الدب، فهل يجوز استعمالها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت عن هذا شيخنا عبد الرحمن البراك فأجاب:
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة رضي الله عنها، ويبحث عن دواء آخر، وسيجد إن شاء الله بديلا مباحا يغنيه، ومن جهة أخرى فإن المادة النجسة أو المسكرة إذا دخلت في تركيب شيء كدواء أو غيره فاستهلكت منه استهلاكاً تاماً بحيث لم يعد من مادتها الأصلية ما يميزها لوناً ولا طعماً ولا رائحة فقد قال بعض الفقهاء بجواز استخدامها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8315)
يريد الزوجان القيام بعملية التلقيح الصناعي في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجنا منذ مدة، ولم يرزقنا الله بأطفال حتى الآن سوف نقوم بعملية التلقيح الصناعي، ولكن الميعاد المناسب لهذه العملية سوف يكون إن شاء الله فى شهر رمضان المبارك، وذلك على حسب ميعاد التبويض وهذا سوف يضطرني أنا وزوجي أن نكون على غير طهارة ونفطر في رمضان، فلا أدري ماذا أفعل، وهل الله سوف يغفر لنا حيث إننا مضطرون لذلك؟ وهل هناك كفارة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: ننبه إلى أن التلقيح الصناعي فيه مفاسد متعددة، وقد ثبتَ عن كثير من الأطباء أنهم يقومون عن عمد بتغيير ماء الرجل بماء آخر؛ وذلك عن خبث نفسي أو لجزمه بعدم صلاحية مائه للإنجاب فيؤديه طمعه في المال لهذا.
وثبت في كثير من المستشفيات وقوع أخطاء في تبديل العينات، ومن هنا شدَّد العلماء في هذا الأمر ولم يجيزوه في حال حفظ العينات وتأخير وضع الماء في رحم المرأة، ومنعه آخرون مطلقاً لما تعتري هذه الطريقة من احتمال الخطأ وهو ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب والوقوع في محاذير ومفاسد متعددة.
ثانياً:
ليس هذا الفحص من باب الضرورة حتى يتسبب الرجل في فطره وفطر زوجته، فيمكن تأجيل ذلك إلى الليل أو إلى ما بعد شهر رمضان.
فالذي ينصح به هو الصبر على قدر الله تعالى والأخذ بالأسباب الشرعية للإنجاب، وفي حال إصراركم على التلقيح الصناعي فلا بد من أخذ أشد الاحتياطات من مراقبة العينة وإدخالها مباشرة في رحم المرأة من طبيبة موثوق في دينها، وأن يتجنب نهار رمضان لعدم الاضطرار إلى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8316)
نشرة مكذوبة منسوبة لزينب رضي الله عنها في شفاء المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت هذه الأيام رسائل تصل إلى البريد الالكتروني تحكي عن شخص مريض ثم جاءته السيدة زينب رضي الله عنها في المنام وعندما استيقظ وجد أنه شفي من المرض.. ثم يطلب منا هذا الشخص إرسال هذه الرسالة إلى عدد من الأصدقاء ... ويتوعد من لا يفعل ذلك بأشياء كثيرة تصل إلى الموت ... فما صحة هذه الرسائل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه النشرة التي سألت عنها ـ أخي الكريم ـ ليست جديدة، وإنما كثر ترويجها في هذه الأزمنة بسب سهولة التواصل عبر وسائل الاتصال السريع كالبريد الإلكتروني مع غلبة الجهل على كثير ممن يكون عندهم محبة للدين.
وقد يحصل في هذه القصص تغيير في بعض تفاصيلها إلا إنها متحدة في فكرتها وفي آثارها السيئة على عقائد الناس.
وقد سبق التحذير منها من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وهذا نص كلامه
تنبيه على نشرة مكذوبة يروجها بعض الجهلة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعت على نشرة مكذوبة يروجها بعض الجهلة وقليلو العلم والبصيرة في دين الله، ونص هذه النشرة: (بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه وسلم، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) صدق الله العظيم.
أخي المسلم أختي المسلمة.
مرضت فتاة عمرها (13) عاما مرضا شديدا عجز الطب في علاجها، وفي ذات ليلة اشتد بها المرض فبكت حتى غلبها النوم فرأت في منامها بأن السيدة زينب رضي الله عنها وضعت في فمها قطرات فاستيقظت من نومها وقد شفيت من مرضها تماما، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها أن تكتب هذه الرواية (13) مرة وتوزعها على المسلمين؛ للعبرة في قدرة الخالق جلت قدرته، وتجلت في آياته ومخلوقاته، وتعالى عما يشركون فنفذت الفتاة ما طلب منها، وقد حصل ما يلي:
1- النسخة الأولى: وقعت بيد فقير فكتبها ووزعها وبعد مضي (13) يوما شاء المولى الكريم أن يغتني هذا الفقير.
2- النسخة الثانية: وقعت في يد عامل فأهملها وبعد مضي (13) يوما فقد عمله.
3- النسخة الثالثة: وقعت في يد أحد الأغنياء فرفض كتابتها وبعد مضي (13) يوما فقد كل ما يملك من ثروة.
بادر أخي المسلم أختي المسلمة بعد الاطلاع على هذه الرواية في كتابتها (13) مرة وتوزيعها على الناس قد تنال ما تتمنى من المولى الكريم جل شأنه وتعاظمت قدرته. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ا. هـ) .
ولما اطلعت على هذه النشرة المفتراة رأيت أن من الواجب التنبيه على أن ما زعمه كاتبها من ترتب فوائد ومصالح لمن قام بكتابتها وترويجها، وترتب مضار لمن أهملها ولم يقم بنشرها- كذب لا أساس له من الصحة، بل هي من مفتريات الكذابين والدجالين الذين يريدون صرف المسلمين عن الاعتماد على ربهم سبحانه في جلب النفع ودفع الضر وحده لا شريك له، مع الأخذ بالأسباب الشرعية والمباحة إلى الاعتماد والاتجاه إلى غيره سبحانه وتعالى في طلب جلب النفع ودفع الضر، والأخذ بالأسباب الباطلة غير المباحة وغير المشروعة، وإلى ما يدعو إلى التعلق على غير الله سبحانه وعبادة سواه.
ولا شك أن هذا من كيد أعداء المسلمين الذين يريدون صرفهم عن دينهم الحق بأي وسيلة كانت، وعلى المسلمين أن يحذروا هذه المكائد ولا ينخدعوا بها، كما أنه يجب على المسلم أن لا يغتر بهذه النشرة المزعومة وأمثالها من النشرات التي تروج بين حين وآخر، وسبق التنبيه على عدد منها، ولا يجوز للمسلم كتابة هذه النشرة وأمثالها والقيام بتوزيعها بأي حال من الأحوال، بل القيام بذلك منكر يأثم من فعله، ويخشى عليه من العقوبة العاجلة والآجلة؛ لأن هذه من البدع، والبدع شرها عظيم وعواقبها وخيمة.
وهذه النشرة على هذا الوجه من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك والغلو في أهل البيت وغيرهم من الأموات، ودعوتهم من دون الله والاستغاثة بهم واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون من دعاهم أو استغاث بهم، ومن الكذب على الله سبحانه، وقد قال سبحانه: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النحل/105، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته.
فالواجب على جميع المسلمين الذين تقع في أيديهم هذه النشرة وأمثالها تمزيقها، وإتلافها، وتحذير الناس منها، وعدم الالتفات إلى ما جاء فيها من وعد أو وعيد؛ لأنها نشرات مكذوبة لا أساس لها من الصحة ولا يترتب عليها خير ولا شر، ولكن يأثم من افتراها ومن كتبها ووزعها ومن دعا إليها وروجها بين المسلمين؛ لأن ذلك كله من باب التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في محكم كتابه بقوله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.
نسأل الله لنا وللمسلين السلامة والعافية من كل شر، وحسبنا الله ونعم الوكيل على من افترى هذه النشرة وأمثالها وأدخل في شرع الله ما ليس منه، ونسأل الله أن يعامله بما يستحق؛ لكذبه على الله وترويجه الكذب، ودعوته الناس إلى وسائل الشرك والغلو في الأموات، والاشتغال بما يضرهم ولا ينفعهم، وللنصيحة لله ولعباده جرى التنبيه على ذلك. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 346 – 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8317)
ما حكم هبة الأعضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وهب الأعضاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبرع بالأعضاء ليس على درجة واحدة، فهناك التبرع بعضوٍ تتوقف الحياة عليه، وهناك التبرع بما لا تتوقف عليه الحياة.
فإن كان التبرع بعضو تتوقف عليه الحياة كالقلب والكبد: فلا يجوز التبرع به بإجماع العلماء، لأنه قتلٌ للنفس.
وأما إن كان العضو لا تتوقف عليه الحياة كالكُلية والشرايين، فقد اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجوز نقل الأعضاء الآدمية.
والقول الثاني: يجوز نقل الأعضاء الآدمية.
وقد صدرت فتاوى بالجواز من عددٍ من المؤتمرات والمجامع والهيئات واللجان منها: المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا، ومجمع الفقه الإسلامي بالأغلبية وانظر فتواه في السؤال رقم 2117، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ولجنة الفتوى في كل من الأردن، والكويت، ومصر، والجزائر.
وهو قول طائفة من العلماء والباحثين، ومنهم: الشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
وقد اختار بعض العلماء جواز النقل بشرط أن يكون المنقول منه كافراً حربياً (أي: ليس معاهداً للمسلمين ولا ذمياً ولا مستأمنا) ً , لأن الكافر الحربي لا حرمة له , أما المسلم فحرمته ثابتة حياً وميتاً.
وللمزيد: انظر إلى كتاب: " أحكام الجراحة الطبية " للشيخ محمد المختار الشنقيطي (من ص 354 – 391) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8318)
حكم عمليات زرع الشعر في الرأس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي القيام بعملية زرع شعر الرأس؟ مع العلم أن بي صلعاً , وهل هو حرام مثل الوصل أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زرع الشعر: هو عبارة عن نقل بصيلات الشعر من منطقة إلى أخرى في رأس الشخص نفسه، وحكمه: الجواز؛ لأنه من إزالة العيب لا من تغيير خلْق الله عز وجل.
سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
تتم زراعة شعر المصاب بالصلع، وذلك بأخذ شعر من خلف الرأس وزرعه في المكان المصاب، فهل يجوز ذلك؟
فأجاب:
نعم يجوز؛ لأن هذا من باب ردّ ما خلق الله عز وجل، ومن باب إزالة العيب، وليس هو من باب التجميل أو الزيادة على ما خلق الله عز وجل، فلا يكون من باب تغيير خلق الله، بل هو من رد ما نقص وإزالة العيب، ولا يخفى ما في قصة الثلاثة النفر الذي كان أحدهم أقرع وأخبر أنه يحب أن يرد الله عز وجل عليه شعره فمسحه الملك فردَّ الله عليه شعره فأعطي شعراً حسناً.
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 1185) .
والحديث الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله رواه البخاري (3277) ومسلم (2964) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8319)
حكم عمليات التجميل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن عملية التجميل في الأنف هل هي حرام - خاصة وإذا كانت تتعبني نفسيّاً وتؤثر علي في حياتي، وأيضاً قال الأطباء إنها تحتاج عملية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جراحة التجميل تنقسم إلى قسمين:
1. جراحة التجميل الضرورية.
وهي الجراحة التي تكون لإزالة العيوب، كتلك الناتجة عن مرض أو حوادث سير أو حروق أو غير ذلك، أو إزالة عيوب خلقية وُلِد بها الإنسان كبتر إصبع زائدة أو شق ما بين الإصبعين الملتحمين، ونحو ذلك.
وهذا النوع من العمليات جائز، وقد جاء في السنة ما يدل على جوازه، ولا يقصد صاحبها تغيير خلق الله.
1- عن عرفجة بن أسعد أنه أصيب أنفه يوم الكُلاب في الجاهلية (يوم وقعت فيه حرب في الجاهلية) فاتخذ أنفا من وَرِق (أي فضة) فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب. رواه الترمذي (1770) وأبو داود (4232) والنسائي (5161) . والحديث: حسَّنه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (824) .
2- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن خلق الله. رواه البخاري ومسلم.
(النَّامِصَة) هِيَ الَّتِي تُزِيل الشَّعْر مِنْ الحاجبين , وَالْمُتَنَمِّصَة الَّتِي تَطْلُب فِعْل ذَلِكَ بِهَا.
(الْمُتَفَلِّجَات) هي التي تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الأَسْنَان.
قال النووي رحمه لله:
وَأَمَّا قَوْله: (الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ) فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْحَرَام هُوَ الْمَفْعُول لِطَلَبِ الْحُسْن , أَمَّا لَوْ اِحْتَاجَتْ إِلَيْهِ لِعِلاجٍ أَوْ عَيْب فِي السِّنّ وَنَحْوه فَلا بَأْس، وَاللَّه أَعْلَم اهـ.
2. والقسم الثاني: جراحة التجميل التحسينية.
وهي جراحة تحسين المظهر في نظر فاعلها، مثل تجميل الأنف بتصغيره، أو تجميل الثديين بتصغيرهما أو تكبيرهما، ومثل عمليات شد الوجه، وما شابهها.
وهذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية، ولا حاجية، بل غاية ما فيه تغيير خلق الله، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم، فهو محرم، ولا يجوز فعله، وذلك لأنه تغير لخلق الله تعالى، وقد قال الله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) النساء/117-119. فالشيطان هو الذي يأمر العباد بتغير خلق الله.
وانظر كتاب " أحكام الجراحة الطبية " للشيخ محمد المختار الشنقيطي.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
ما الحكم في إجراء عمليات التجميل؟ وما حكم تعلم علم التجميل؟ .
فأجاب:
التجميل نوعان:
تجميل لإزالة العيب الناتج عن حادث أو غيره، وهذا لا بأس به ولا حرج فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لرجل قطعت أنفه في الحرب أن يتخذ أنفا من ذهب.
والنوع الثاني:
هو التجميل الزائد وهو ليس من أجل إزالة العيب بل لزيادة الحسن، وهو محرم لا يجوز، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب.
أما بالنسبة للطالب الذي يقرر علم جراحة التجميل ضمن مناهج دراسته فلا حرج عليه أن يتعلمه ولكن لا ينفذه في الحالات المحرمة بل ينصح من يطلب ذلك بتجنبه لأنه حرام وربما لو جاءت النصيحة على لسان طبيب كانت أوقع في أنفس الناس. " فتاوى إسلامية " (4 / 412) .
وانظري جواب السؤال رقم (1006) .
وخلاصة الجواب:
إذا كان بالأنف عيب أو تشويه، وكان المقصود من العملية الجراحية إزالة هذا العيب، فهذا لا بأس به.
أما إذا كان المقصود هو مجرد الزيادة في التجميل والحسن فلا يجوز إجراء هذه العملية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8320)
تريد أن تتزوج من شخص مريض بمرض معدٍ
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل المسلمة إذا أرادت أن تتزوج شخصاً مصاباً بمرض "الهربس" مرض جنسي؟ بالنسبة لدينه وأخلاقه فلا بأس بها ولكنه أخطأ في السابق وهو في سن المراهقة ثم تاب منه ولم يفعلها مرة أخرى.
هل سيحميني الله من المرض إذا تزوجته لسبب ديني وأطعنا الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد الشرع بأنه ينبغي للمسلم أن لا يعرض نفسه للبلاء.
ومن ذلك: مخالطة المريض مرضاً معديا، لاسيما إذا كان هذا المرض خطيراً ومزمناً - كالهربس -.
وقد توجه الخطاب من الشرع لكل من المريض والصحيح.
أما المريض فقد روى مسلم (2221) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)
(مُمْرِض) صَاحِب الإِبِل المريضة.
(مُصِحّ) صَاحِب الإِبِل الصحيحة.
فَمَعْنَى الْحَدِيث: لا يُورِد صَاحِب الإِبِل المريضة إِبِله عَلَى إِبِل صَاحِب الإِبِل الصحيحة، لئلا ينتقل المرض بالعدوى.
وأما الصحيح فقد خاطبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأَسَدِ) رواه أحمد (9429) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7530) .
والجذام مرض معدٍ معروف – نسأل الله السلامة والعافية.
وروى مسلم (2231) عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ) .
قال ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة" (2/272) :
" أرسل إلى ذلك المجذوم بالبيعة تشريعاً منه للفرار من أسباب الأذى والمكروه، وأن لا يتعرض العبد لأسباب البلاء " اهـ.
وقال القيم في "زاد المعاد" (4/147) :
" فصل في هديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التحرز من الأدواء المعدية بطبعها، وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة أهلها" اهـ ثم ذكر الأحاديث المتقدمة.
وقد يكون إرادتك للزواج من هذا الشخص المريض بمرض الهربس تحت تأثير العاطفة، وتظنين من نفسك الصبر والتحمل، ثم إذا وقع البلاء ندمت وقت لا ينفع الندم، والسلامة لا يعدلها شيء.
فالنصيحة لك عدم الزواج من هذا الشخص.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك زوجاً صاحاًً، يكون عوناً لك على أمور دينك.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8321)
لا حرج في استعمال البنج لإجراء العمليات الجراحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استعمال البنج لإجراء العمليات الجراحية يعتبر من شرب الخمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحرم على الإنسان أن يتناول ما يذهب عقله من غير عذر، سواء كان خمراً أم لا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغيب العقل حرام بإجماع المسلمين " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (34/211) .
ثانياًَ:
الخمر هو ما يغطي العقل على وجه اللذة والطرب والنشوة، فهذا هو المسكر الذي يجب الحد على من تناوله.
أما ما يغطي العقل من غير لذة ولا طرب، فإن هذا لا يعتبر مسكراً.
انظر "الشرح الممتع" (11/163) .
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عدة مواضع على أن البنج ليس مسكراً.
"مجموع الفتاوى" (14/117) ، (33/104) ، (34/198) .
ثالثاً:
ذهب جمهور العلماء إلى جواز تناول البنج للضرورة، كقطع عضو أو إجراء عملية جراحية ونحو ذلك.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (8/217) .
وقال في "أسنى المطالب" (4/160) :
" وله تناوله (يعني البنج) ليزيل عقله لقطع عضو متآكل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" أما البنج فلا بأس به، لأنه ليس مسكراً، والسكر زوال العقل على وجه اللذة والطرب، والذي يُبَنَّجُ لا يتلذذ ولا يطرب، ولهذا قال العلماء: إن البنج حلال ولا بأس به " يعني إذا احتاج إليه لإجراء عملية جراحية ونحو ذلك.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/231) .
وهذا بخلاف الخمر، فقد سبق في جواب السؤال (41760) لأنه لا يجوز شرب الخمر للتداوي. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ - يعني الخمر - لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) رواه مسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8322)
العلاج بالأسماء الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العلاج بأسماء الله الحسنى، بأن يقول على المريض في عينه: " يا بصير " وهكذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
انتشر بين الناس العلاج بأسماء الله تعالى، وقد وزعت أوراق فيها ذكر الاسم وبجانبه المرض الذي يعالجه الاسم.
والذي زعم أنه أكتشف هذا النوع من العلاج هو الدكتور إبراهيم كريم، وهو مبتكر علم " البايوجيومترئ " وقد زعم أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وبواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان، واكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة عظمى في عضو معين بجسم الإنسان، وزعم أنه استطاع بواسطة تطبيق " قانون الرنين " أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية داخل جسم الإنسان، وبعد أبحاث استمرت 3 سنوات أخرج للناس اختراعه في جدول يبين فيه المرض وما يقابله من الاسم الذي ينفع في علاجه.
ومن أمثلته:
" السميع ": لإعادة توازن الطاقة، " الرزاق ": يعالج المعدة، " الجبار ": يعالج العمود الفقري، " الرؤوف ": يعالج القولون، " النافع "! يعالج العظم، " الحي " يعالج الكلية، " البديع "! : يعالج الشعر، " جل جلاله "! : قشر الشعر، " النور " و " البصير " و " الوهاب ": تعالج العيون ...
وطريقة العلاج: أن يكرر الاسم على العضو المناسب أو عدة أسماء لمدة عشر دقائق.
وقد زعم أنه اكتشف أن طاقة الشفاء تتضاعف عند تلاوة آيات الشفاء بعد ذكر التسبيح بأسماء الله الحسنى، وهذه الآيات هي: {ويشف صدور قوم مؤمنين} ، {وشفاء لما في الصدور} ، {فيه شفاء للناس} ، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} ، {وإذا مرضت فهو يشفين} ، {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} .
والرد على هذا:
1. أن العلاج إما أن يكون بأسباب حسيَّة وإما بأسباب شرعية، فما كان بالأسباب الحسية المادية فمرجعه إلى التجربة، وما كان بالأسباب الشرعية فمرجعه إلى الشرع في بيان ما يعالج به وكيفيته وذكر الله بالأسماء الحسنى من الأمور الشرعية، ولم يأتِ هذا الباحث لكلامه بمستندٍ شرعي واحد يدل على هذا التعيين للأسماء وهذه الكيفية في العلاج وما تعالجه، فبطل كونها سبباً شرعياً للعلاج، ولا يجوز التجربة بالأدلة الشرعية وامتهانها بمثل هذه الطريقة.
قال الشيخ ابن عثيمين:
اعلم أن الدواء سبب للشفاء والمسبب هو الله تعالى فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سبباً والأشياء التي جعلها الله تعالى أسباباً نوعان:
النوع الأول: أسباب شرعية، كالقرآن الكريم، والدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفاتحة: " وما يدريك أنها رقية "، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي المرضى بالدعاء لهم فيشفي الله تعالى بدعائه من أراد شفاءه به.
النوع الثاني: أسباب حسية، كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل، أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية، وهذا النوع لا بد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال، فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صح أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى، أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض فتحصل له الراحة النفسية بناء على ذلك الوهم والخيال ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول: فهذا لا يجوز الاعتماد عليه، ولا إثبات كونه دواء، لئلا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات، ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه؛ لأن ذلك ليس سبباً شرعيّاً ولا حسيّاً، وما لم يثبت كونه سبباً شرعيّاً ولا حسيّاً: لم يجز أن يجعل سبباً؛ فإن جعله سبباً نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها، وقد ترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لهذه المسألة في كتاب التوحيد بقوله: " باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لدفع البلاء أو رفعه ".
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 49) .
2. أنه ذكر أسماء لله تعالى زاعماً أنه سمى بها نفسه، وليس الأمر كذلك، مثل " جلَّ جلاله " و " الرشيد " و " البديع " و " النافع " وغيرها، وهو يدل على جهل هذا المدعي، ويدل على بطلان تلك الطاقة المزعومة، إذ هي مولَّدة – على حسب زعمه – من أسماء غير أسماء الله تعالى الثابتة بالأدلة الصحيحة.
3- أن تعيين كيفية التداوي وتحديد اسم لكل مرض.
وبما صحَّ أنه من أسماء الله تعالى يدخل في باب القول على الله بغير علم، وقد حرم الله القول عليه بلا علم فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله- في تفسيرها:
(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) : في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه.
" تفسير السعدي " (ص 250) .
4. وقد رد علماء اللجنة الدائمة على هذا الزاعم وزعمه حينما سئلوا عن هذه المسألة فقالوا:
بعد دراسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء للاستفتاء أجابت بما يلي:
قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، وقال النبي صلى الله علية وسلم: " إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة "، ومنها اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطي، فأسماء الله جل وعلا لا يعلم عددها إلا هو سبحانه وتعالى، وكُلها حُسنى، ويجب إثباتها وإثبات ما تدل عليه من كمال الله وجلاله وعظمته، ويحرم الإلحاد فيها بنفيها أو نفي شيء منها عن الله أو نفي ما تدل عليه من الكمال، أو نفي ما تتضمنه من صفات الله العظيمة.
ومن الإلحاد في أسماء الله ما زعمه المدعي " كريم سيد " وتلميذه وابنه في ورقة يوزعونها على الناس من أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وأنه بواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان اكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين في جسم الإنسان، وإن الدكتور " إبراهيم كريم " استطاع بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية في جسم الإنسان، وقال: والمعروف أن الفراعنة أول من درس ووضع قياسات لمسارات الطاقة الحيوية بجسم الإنسان بواسطة البندول الفرعوني، ثم ذكر جملة من أسماء الله الحسنى في جدول وزعم أن لكل اسم منها فائدة للجسم أو علاج لنوع من أمراض الجسم، ووضح ذلك برسم لجسم الإنسان، ووضع على كل عضو منها اسما من أسماء الله.
وهذا العمل باطل لأنه من الإلحاد في أسماء الله، وفيه امتهان لها؛ لأن المشروع في أسماء الله دعاؤه بها كما قال تعالى: (فادعوه بها) ، وكذلك إثبات ما تتضمنه من الصفات العظيمة لله؛ لأن كل اسم منها يتضمن صفة لله جل جلاله: لا يجوز أن تُستعمل في شيء من الأشياء غير الدعاء بها، إلا بدليل من الشرع.
ومن يزعم بأنها تُفيد كذا وكذا أو تُعالج كذا وكذا بدون دليل من الشرع: فإنه قول على الله بلا علم، وقد قال تعالى:) قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) .
فالواجب إتلاف هذه الورقة، والواجب على المذكورين وغيرهم التوبة إلى الله من هذا العمل، وعدم العودة إلى شيءٍ منه مما يتعلق بالعقيدة والأحكام الشرعية.
وبالله التوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8323)
القرآن والطب
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في محاضرة بأن علماء الطب والدكاترة يدعون بأن العديد من الأدوية والعلاجات تم اكتشافها والوصول إليها عن طريق استنتاج حقائق من القرآن الكريم.
وعليه , فهذا هو سؤالي: هل الموجود بين أيدينا هو جميع ما يتعلق بالطب الذي ورد ذكره في القرآن الكريم؟ أم أن القرآن يحتوي على المزيد الذي يمكننا الاستفادة منه؟
أسأل عن ذلك بسبب طلب جاد تقدم به أحد أصدقائي، وهو هندوسي ويدعى "فيقنيش", حيث سأل عما إذا بقي في القرآن الكريم أمور لم تكتشف بعد تتعلق بالسيطرة على الأمراض القاتلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أرسل الله تعالى محمَّداً صلى الله عليه وسلم بدين شامل لكل نواحي الحياة كما قال أبو ذر رضي الله عنه: " لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما ".
رواه أحمد (20399) انظر" مجمع الزوائد " (8 / 263) . قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة.
فجاء الإسلام ليسد حاجات الناس في كل شؤون حياتهم.
ثانياً:
وما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مكمِّل لما جاء في القرآن، وهذان المصدران هما المصدران الرئيسيان عند المسلمين، وقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواء.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ".
رواه البخاري في (5678) .
ثالثاً:
وما ذكره السائل عن بعض المسلمين من كون كثير من العلاجات اكتشفت عن طريق القرآن الكريم: فنقول إن هذا من الأمور المبالغ فيها.
فالقرآن الكريم ليس كتاب طبٍّ ولا كتاب (جغرافيا) ولا (جيولوجيا) كما يحلو لبعض المسلمين أن يقول ذلك أمام الغرب، بل هو كتاب هداية للناس ومن أعظم معجزاته: بلاغته وقوة معانيه، وهو الأصل في إعجازه، فقد أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في زمان بلغت الفصاحة والبلاغة فيه مبلغاً عظيماً فجاء هذا الكتاب ليعجز أولئك القوم فيما يتقنونه ليبيِّن لهم أنه من عند الله.
وهذا الأمر ليس بالمستغرب ولا بالمبتدع في هذا الدين، فقد جاءت آيات موسى عليه السلام – العصا واليد – من جنس ما انتشر في زمانه وهو السحر، وكانت آيات عيسى عليه السلام – من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص – من جنس ما أتقنه قومه وانتشر عندهم وهو الطب.
لذا نقول: إن أعظم ما في القرآن الكريم هو فصاحته وبلاغته، ولا زال العلماء إلى هذا الوقت يتبيَّن لهم ذلك بالتدبر والتفكر في آياته.
وهذا لا يعني أنه ليس فيه غير ذلك، بل ذكر الله تعالى فيه بعض الآيات في بيان تركيب جسم الإنسان، وتدرج خلقه، وبعض مظاهر الطبيعة، وغير ذلك.
أما بالنسبة لما يتعلق بالعلاج الذي ذكره السائل، فإن القرآن الكريم شفاء للمؤمنين، وهذا يشمل شفاء القلوب والأبدان، وذكر الله تعالى فيه (العسل) وبيَّن أنه شفاء للناس، وذكر فيه أصل حفظ الصحة والوقاية من الأمراض، فمن قال إن القرآن ذكر كثيراً من الأدوية بهذا المعنى فقد أصاب، وأما غير ذلك فغير صحيح، بل هو من مبالغات بعض المسلمين، فالقرآن الكريم ليس كتاب طب، وقد جاءت أمراض لم تكن في سالف الأزمان، فكيف يأتي علاجها – باعتبار ما قاله السائل – قبل مجيئها؟ .
رابعاً:
أ. وهذه بعض الآيات الدالة على أن القرآن شفاء.
قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين} الإسراء / 82.
قال ابن القيم رحمه الله:
قال الله تعالى: {وننزل مِن القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}
والصحيح: أن {مِن} ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم موعظة مِن ربكم وشفاء لما في الصدور} .
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحدٍ يؤهل ولا يوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه: لم يقاومه الداء أبداً.
وكيف تقاوم الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها؟ ، أو على الأرض لقطَّعها؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه فهماً في كتابه.
" زاد المعاد " (4 / 352) .
ب. والقرآن الكريم فيه علاج للنفوس والأرواح، ومن صحَّ ذلك فيه: كان سبباً لطرد الآفات والأمراض من بدنه، والقرآن بهذا الاعتبار شفاء وعلاج لكثير من الأمراض.
قال ابن القيم رحمه الله:
وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية ليس خارجا عنها ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه وقد علم أن الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمعها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس وأغلظهم حجابا وأكثفهم نفسا وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية.
" زاد المعاد " (4 / 12) .
ج. وفي القرآن سورة الفاتحة وهي رقية للأمراض.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ {الحمد لله رب العالمين} فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة، قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهماً فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (2156) ومسلم (2201) .
قلبة: داء أو ألم يتقلب منه صاحبه.
قال ابن القيم رحمه الله عن سورة الفاتحة:
ومَن ساعده التوفيق، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال وإثبات الشرع والقدر والمعاد وتجريد توحيد الربوبية والإلهية وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحها ودفع مفاسدهما وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها موقوفة على التحقيق بها: أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه ودفع بها من الشر أسبابه.
" زاد المعاد " (4 / 347) .
د. وفي القرآن ذكر أصول حفظ الصحة.
وقال ابن القيم:
وأصول الطب ثلاثة: الحمية، وحفظ الصحة، واستفراغ المادة المضرة.
وقد جمعها الله تعالى له ولأمته في ثلاثة مواضع من كتابه:
فحمى المريض من استعمال الماء خشية من الضرر فقال تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} النساء / 42 والمائدة / 6. فأباح التيمم للمريض حمية له كما أباحه للعادم.
وقال في حفظ الصحة: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} البقرة / 181.
فأباح للمسافر الفطر في رمضان حفظاً لصحته لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقة السفر فيضعف القوة والصحة.
وقال في الاستفراغ في حلق الرأس للمُحرم: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة / 196.
فأباح للمريض ومَن به أذى مِن رأسه وهو محرم أن يحلق رأسه ويستفرغ المواد الفاسدة والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القمل، كما حصل لكعب بن عجرة، أو تولد عليه المرض.
وهذه الثلاثة هي قواعد الطب وأصوله، فذكر من كل جنس منها شيئاً وصورة تنبيها بها على نعمته على عباده في أمثالها من حميتهم، وحفظ صحتهم، واستفراغ مواد أذاهم، رحمة لعباده ولطفا بهم ورأفة بهم وهو الرؤوف الرحيم.
" زاد المعاد " (1 / 164، 165) .
قال ابن القيم: وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر، فقال: والله لو سافرت إلى الغرب في معرفة هذه الفائدة لكان سفراً قليلاً أو كما قال
إغائة اللهفان 1 / 25
هـ - ذِكر العسل في القرآن وأنه شفاء للناس.
قال الله تعالى {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} النحل / 69.
قال ابن القيم رحمه الله:
وأما هدية في الشراب فمن أكمل هدي يحفظ به الصحة فإنه كان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وفي هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء، فإنَّ شُربَه ولعقَه على الريق يذيب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخنها باعتدال، ويفتح سددها، ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها، وإنما يضر بالعَرَض لصاحب الصفراء لحدته وحدة الصفراء فربما هيَّجها، ودَفْع مضرته لهم بالخلِّ فيعود حينئذ لهم نافعاً جدّاً وشربه أنفع من كثير من الأشربة المتخذة من السكر أو أكثرها، ولا سيما لمن لم يعتد هذه الأشربة، ولا ألفها طبعه فإنه إذا شربها لا تلائمه ملاءمة العسل ولا قريبا منه والمحكم في ذلك العادة فإنها تهدم أصولا وتبني أصولا.
وأما الشراب إذا جمع وصفي الحلاوة والبرودة فمن أنفع شيء للبدن ومن أكبر أسباب حفظ الصحة، وللأرواح والقوى والكبد والقلب عشق شديد له واستمداد منه وإذا كان فيه الوصفان حصلت به التغذية وتنفيذ الطعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتم تنفيذ الطعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتم تنفيذ.
" زاد المعاد " (4 / 224، 225) .
وقال رحمه الله:
والعسل فيه منافع عظيمة: فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها محلل للرطوبات أكلاً وطلاء، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن كان مزاجه بارداً رطباً، وهو مغذٍّ ملين للطبيعة، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه، مُذهب لكيفيات الأدوية الكريهة، منقٍّ للكبد والصدر، مُدِّر للبول، موافق للسعال الكائن عن البلغم، وإذا شرب حارّاً بدهن الورد: نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون، وإن شرب وحده ممزوجاً بماء: نفع من عضه الكلْب الكلِب، وأكل الفُطُر القتَّال، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر، وكذلك إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر، ويحفظ جثة الموتى، ويسمى الحافظ الأمين، وإذا لطخ به البدن المقمَّل والشَّعر: قتَل قمله وصئبانه وطوَّل الشعر وحسَّنه ونعَّمه، وإن اكتحل به: جلا ظلمة البصر، وإن استن به: بيض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة، ويفتح أفواه العروق، ويدرُّ الطمث، ولعقه على الريق: يُذهب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخيناً معتدلاً ويفتح سددها، ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وهو أقل ضرراً لسدد الكبد والطحال من كل حلو.
وهو مع هذا كله مأمون الغائلة، قليل المضار مضر بالعَرَض للصفراويين ودفعها بالخل ونحوه فيعود حينئذ نافعاً له جدّاً.
وهو غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات، فما خُلق لنا شيءٌ في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه، ولم يكن معوَّل القدماء إلا عليه، وأكثر كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه فإنه حديث العهد حدث قريباً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق، وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل.
" زاد المعاد " (4 / 33، 34) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8324)
نصرانيَّة تسأل عن الحجامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أوردت في الصفحات العديدة المتعلقة بالأمور المنهي عنها - أن الحجامة محرمة في بعض الأيام وجائزة في غيرها، أنا لست مسلمة لكني أدرس هذا الدين، وكنت أريد أن أعرف ما هي الحجامة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن أحكام الدين الإسلامي وحي من الله سبحانه وتعالى، وقد قدَّر الله عز وجل أن يكون هذا الدين هو خاتمة الأديان، وأن يكون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، وقد أرسله الله تعالى إلى الناس كافة وجعل القرآن كتابه المعجز إلى يوم القيامة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله تعالى كذلك.
فلا عجب أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأشياء من عند ربه سبحانه وتعالى، ويكون فيها الإعجاز حيث تكون حجة الله على خلقه، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس طبيباً وقد أخبر عن أشياء أثبت الطب الحديث صحة كلامه ونفعه، ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم مختبرات ولا أشعة ومع ذلك فقد أخبر عن أشياء لم يقف الناس على حقيقتها إلا بعد تحليلها في المختبرات ورؤيتها بالمجاهر.
والأمثلة على ذلك كثيرة، وليس الموضع موضع بسطها، والكلام الآن منحصر في الحجامة. وقد سبق الكلام عن الحجامة وبعض فوائدها في إجابة السؤال رقم (21406) .
ما هي الحجامة؟
هي إخراج الدم الفاسد الذي يتكون تحت الجلد.
وهي من الأدوية:
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفاء في ثلاثة: في شرطة مِحجَم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي ".
رواه البخاري (5356) .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي ".
رواه البخاري (5359) ومسلم (2205) .
وقد أوصت الملائكةُ النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالحجامة:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة، إلا كلهم يقول لي: عليك يا محمد بالحجامة ".
وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2263) .
وقد احتجم نبينا صلى الله عليه وسلم:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم.
رواه البخاري (1836) .
وقد بيَّن بعض أصحابه أنه احتجم لوجع في رأسه وهي " الشقيقة "
عن ابن عباس " احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لَحْي جَمَل ".
وعنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به ".
رواه البخاري (5374) .
عن ابن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه.
رواه البخاري (1739) ومسلم (1203) .
لحي جمل: موضع بطريق مكة.
واحتجم أصحابه وأوصوا بها:
روى مسلم (2205) عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: جَاءَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَهْلِنَا وَرَجُلٌ يَشْتَكِي خُرَاجًا بِهِ أَوْ جِرَاحًا، فَقَالَ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: خُرَاجٌ بِي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ. فَقَالَ: يَا غُلَامُ، ائْتِنِي بِحَجَّامٍ. فَقَالَ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِالْحَجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا. قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُنِي أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ فَيُؤْذِينِي وَيَشُقُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ. قَالَ: فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ.
الوصية بالحجامة في أيام معيَّنة في الشهر:
عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرون، وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد! .
رواه أحمد (3306) .
وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1847) .
الوصية باجتناب الحاجة في أيام معينة في الأسبوع
وهو الذي قرأتْه السائلة في موقعنا ضمن كتيب " المنهيات الشرعيَّة ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحجامة على الريق أمثل، وفيه شفاء وبركة، وتزيد في العقل، وفي الحفظ، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء، والجمعة، والسبت، ويوم الأحد تحريّاً، واحتجموا يوم الإثنين والثلاثاء؛ فإنه اليوم الذي عافى الله فيه يوب من البلاء، وضربه بالبلاء يوم الأربعاء، فإنه لا يبدو جذام ولابرص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء ".
رواه ابن ماجه (3487) .
وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (766) .
الحجامة في الطب الحديث
وقد ثبت بالطب الحديث الفوائد المتعددة للحجامة، وألِّف في ذلك مؤلفات متعددة، ومنها: كتاب " الدواء العجيب الذي شفى من مرض القلب القاتل والشلل والشقيقة والعقم والسرطان ومرض الناعور الوراثي " الهيموفيليا "، وهو أحدث وأكبر كتاب صدر هذه الأيام للباحث عبد القادر يحيى يتناول علم الحجامة.
ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً علميّاً وموسوعةً طبيَّةً فريدةً في العالم بشروحاته المتميزة وإثباتاته العلميَّة، ويقع فى 12 فصلاً، ويبلغ عدد صفحاته 500 صفحة.
ويطالعنا " الفصل الأخير " بتقارير طبيَّة سريريَّة لحالات بعض المرضى الذين شفوا أو تحسنوا بتطبيق الحجامة من خلال عرض لتقارير خاصة بالمريض قبل الحجامة، وتقارير خاصة بعد أن طبَّق عملية الحجامة، ويورد شهادات وآراء أعضاء الفريق الطبي السوري المشارك في أبحاث الحجامة، والبالغ عددهم 25 طبيباً بين فريق طبي سريري وآخر مخبري.
تفصيل فائدة الحجامة للجسم
1. لقد أثبت العلم الحديث أن الحجامة قد تكون شفاء لبعض أمراض القلب، وبعض أمراض الدم، وبعض أمراض الكبد، ففي حالة شدة احتقان الرئتين نتيجة هبوط القلب وعندما تفشل جميع الوسائل العلاجية من مدرات البول وربط الأيدي والقدمين لتقليل اندفاع الدم إلى القلب فقد يكون إخراج الدم بفصده عاملاً جوهريّاً هامّاً لسرعة شفاء هبوط القلب كما أن الارتفاع المفاجئ لضغط الدم المصحوب بشبه الغيبوبة وفقد التمييز للزمان والمكان أو المصاحب للغيبوبة نتيجة تأثير هذا الارتفاع الشديد المفاجئ لضغط الدم، قد يكون إخراج الدم بفصده علاجا لمثل هذه الحالة كما أن بعض أمراض الكبد مثل التليف الكبدي لا يوجد علاج ناجح لها سوى إخراج الدم بفصده فضلا عن بعض أمراض الدم التي تتميز بكثرة كرات الدم الحمراء وزيادة نسبة الهيموجلوبين في الدم تلك التي تتطلب إخراج الدم بفصده حيث يكون هو العلاج الناجح لمثل هذه الحالات منعا لحدوث مضاعفات جديدة ومما هو جدير بالذكر أن زيادة كرات الدم الحمراء قد تكون نتيجة الحياة في الجبال المرتفعة ونقص نسبة الأوكسجين في الجو وقد تكون نتيجة الحرارة الشديدة بما لها من تأثير واضح في زيادة إفرازات الغدد العرقية مما ينتج عنها زيادة عدد كرات الدم الحمراء، ومن ثم كان إخراج الدم بفصده هو العلاج المناسب لمثل هذه الحلات ومن هنا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: " خيرما تداويتم به الحجامة " رواه أحمد (11634) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1053) ، وهو قول اجتمعت فيه الحكمة العلميَّة التي كشفتها البحوث العلميَّة مؤخراً.
المصدر " الإعجاز العلمي في الإسلام والسنَّة النبويَّة " لمحمد كامل عبد الصمد.
مع ملاحظة أن المؤلف استعمل كلمة " الفصد " مكان كلمة " الحجامة "، والمعلوم أن بينهما فرقاً، فالفصد: هو إخراج الدم من العروق، وهو أشبه ما يكون بسحب بالدم، والحجامة: إخراج الدم الفاسد من تحت سطح الجلد.
2. قال ابن القيم الجوزية – وهو عالم طبيب -:
والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين (والأنف والحلق إذا كان) حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده أو عنهما جميعا.
" زاد المعاد " (4 / 55، 56) .
وقد روى الترمذي (2051) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ.
والأَخْدَعَانِ عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ يُحْجَمُ مِنْهُ , وَالْكَاهِلُ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الظَّهْرِ.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون في هذا الجواب ما تنتفعين به، ونسأل الله أن يشرح صدرك للحق، وييسر لك طريق ما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8325)
خلوة الممرض بالممرضة في المستشفى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ممرض وأعمل في تمريض الرجال ومعي ممرضة تعمل معي في نفس القسم في وقت ما بعد الدوام الرسمي ويستمر ذلك حتى الفجر، وربما حصلت بيننا خلوة كاملة، ونحن نخاف على أنفسنا من الفتنة ولا نستطيع أن نغير من هذا الوضع فهل نترك الوظيفة مخافة لله وليس لنا وظيفة أخرى للرزق، نرجوا توجيهنا بما ترون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسؤولين عن المستشفيات أن يجعلوا ممرضاً مداوماً وممرضة يبيتان وحدهما للحراسة والمراقبة، بل هذا غلط ومنكر عظيم، وهذا معناه الدعوة للفاحشة، فإن هذا الرجل إذا خلا بالمرأة في محل واحد فإنه لا يؤمن عليهما الشيطان أن يزين لهما فعل الفاحشة ووسائلها، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) فلا يجوز هذا العمل، والواجب عليك تركه؛ لأنه يفضي إلى ما حرم الله عز وجل، وسوف يعوضك الله خيراً منه إذا تركته لله سبحانه، لقول الله عز وجل: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/2-3، وقوله سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) الطلاق/4 , وهكذا الممرضة عليها أن تحذر ذلك وأن تستقيل إذا لم يحصل مطلوبها، لأن كل واحد منكما مسؤول عما أوجب الله عليه وما حرم عليه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/430.(5/8326)
حكم تطعيم وتلقيح الأطفال للمناعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في تطعيم وتلقيح الأطفال للمناعة؟ هناك أدلة تثبت بأن هذه التطعيمات قد تكون ضارة بالجسم ولكنها ضرورية في كثير من البلاد، هذا موضوع مهم جداً والكثير لا يوجد لديهم الفهم الكافي له.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما هو الحكم في التداوي قبل وقوع الداء كالتطعيم؟
فأجاب:
لا بأس بالتداوي إذا خشي وقوع الداء لوجود وباء أو أسباب أخرى يخشى من وقوع الداء بسببها: فلا بأس بتعاطي الدواء لدفع البلاء الذي يخشى منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " من تصبح بسبع تمرات من تمر المدينة لم يضره سحر ولا سم "، وهذا من باب دفع البلاء قبل وقوعه فهكذا إذا خشي من مرض وطُعم ضد الوباء الواقع في البلد أو في أي مكان لا بأس بذلك من باب الدفاع كما يعالج المرض النازل بالدواء، لكن لا يجوز تعليق التمائم والحجب ضد المرض أو الجن أو العين لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقد أوضح عليه الصلاة والسلام أن ذلك من الشرك الأصغر فالواجب الحذر من ذلك.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 21) .
أما الضرر الذي يحصل لمن يتناول بعض التطعيمات من مثل إصابة المتناول لها بالحمى وبعض الأعراض الوقتية فمثل هذا الضرر مغتفر ومتجاوز عنه في مقابل المفسدة الكبيرة التي تندفع وهي هذه الأمراض التي تفتك بالإنسان أو تسبب له ضرراً بالغاً في صحته أو وظائف أعضائه.
ونظير هذا في الشريعة ما يحصل في ختان البنين من قطع لجزء من الجلد وما يحصل فيه من الآم شديدة للصغير هو مغتفر في مقابل ما يحصل بسببه مصالح دينية متعلقة بالطهارة وغيرها ومصالح دنيوية متعددة.
وقاعدة الشريعة العامة في هذا أن أدنى المفسدتين يُرتكب من أجل دفع أعلاهما إذا كان لابد من موافقة إحداهما. الاشباه والنظائر للسبكي 1/45
أما إذا ثبت بالطب أن تطعيمات معينة تحدث ضرراً بجسم الإنسان أو أن نسبة تأثيراتها الضارة أكثر من نسبة ما تدفعه من الأمراض فلا يجوز استعمالها حينئذ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8327)
التبرع بالقرنية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلمين أن يتبرعوا بعيونهم بعد الموت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قرر مجلس هيئة كبار العلماء ما يلي:
أولاً: جواز نقل قرنيّة عين من إنسان بعد التأكد من موته وزرعها في عين إنسان مسلم مضطر إليه، وغلب على الظن نجاح عمليّة زرعها ما لم يمنع أولياؤه (يعني أولياء الميت) ، وذلك بناء على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين، وإيثار مصلحة الحيّ على مصلحة الميّت، فإنه يرجى للحيّ الإبصار بعد عدمه والانتفاع في نفسه ونفع الأمة به، ولا يفوت على الميت الذي أخذت قرنيّة عينه شيء، فإن عينه إلى الدمار والتحوّل إلى رفات، وليس في أخذ قرنيّة عينه مُثلَةٌ ظاهرة (أي تمثيل به) ، فإن عينه قد أغمضت، وطبق جفناها أعلاهما على الأسفل.
ثانيا: جواز نقل قرنيّة سليمة من عين قرر طبّياً نزعها من إنسان لتوقع خطر عليه من بقائها وزرعها في عين مسلم آخر مضطر إليها، فإن نزعها إنما كان محافظة على صحّة صاحبها أصالة، ولا ضرر يلحقه من نقلها إلى غيره، وفي زرعها في عين آخر منفعة له فكان ذلك مقتضى الشرع.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/4 ص/414-415(5/8328)
حكم الكي، والجمع بين الأحاديث المتعارضة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن الكيّ، وورد أنه فعله، فما هو الحكم الصحيح في حكم الكيّ، وكيف نجمع بين الأحاديث التي يُفهم منها التعارض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت أحاديث كثيرة في مسألة الكيّ، وقسمها أهل العلم إلى أربعة أقسام:
1- ما يدل على الجواز، كحديث جابر رضي الله عنه قال: (رُمِيَ أُبَيٌّ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه مسلم (2207) .
2- ما يدل على عدم محبته له كحديث جابر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) رواه البخاري (5683) ومسلم (2205)
3- ما يدل على الثناء على تاركه كحديث عمران بن حصين في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، " الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ " أخرجه البخار ي (6541) ومسلم (218)
وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: أن الملائكة كانت تسلم عليه، لأنه لا يكتوي، فلما اكتوى تركت السلام عليه، فلما ترك الاكتواء عادت تسلم عليه " رواه مسلم (1226)
4- ما يدل على كراهة الكي كحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ) رواه البخاري (5681) .
وبهذا يتم الجمع بين الأحاديث، فالنهي عنه يدل على كراهته، وأحاديث فعله تدل على جوازه إذا احتاج إليه.
قال ابن عبد البر: ما أعلم بينهم خلافاً أنهم لا يرون بأساً بالكيِّ عند الحاجة.
وسبب كراهته ما فيه من تعذيب النفس وإيلامها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8329)
تشريح طالب الطب لجثث الآدميين
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في كلية الطب حيث يطلب منا تشريح جثث الآدميين وفحصها. وهذا جزء مهم جدا من الدراسة ولا يمكن تجنبه. فهل المشاركة في هذا العمل من أجل أن يصبح المرء طبيبا محرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت لميت كافر فلا بأس، أما المسلم فلا يجوز لما في ذلك من الامتهان، وكشف العورات، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " حرمة الميت كحرمة الحي " وكسر عظم المؤمن الميت ككسره حياً.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ وليد الفريان(5/8330)
لا يجوز شرب الخمر للتداوي
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأطباء ينصح المرضى بشرب الخمر، ويقول إنها دواء، فما حكم تناول الخمر لذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" التداوي من الأمور المشروعة، ولكن يكون بما شرعه الله جل وعلا، وبما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا هو الذي يمكن أن يكون فيه الشفاء، أما ما حرمه الله فلا شفاء فيه، ومما يدل على تحريم التداوي بالأدوية المحرمة عامة، وبالخمر خاصة: ما رواه البخاري في صحيحه معلقاً عن ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) . وقد وصله الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح، وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبزار وأبو يعلى والطبراني ورجال أبي يعلى ثقات، عن أم سلمة رضي الله عنها.
وما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) . وفي صحيح مسلم عن طَارِق بْن سُوَيْدٍ الْجُعْفِيّ أنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) .
ومما يحسن التنبيه عليه: أن الله إذا أمر بشيء فهو إما لمصلحة محضة، أو راجحة على مفسدته، وإذا نهى عن شيء فهو إما لمفسدة محضة أو أن مفسدته أرجح من مصلحته، والله جل وعلا حكيم عليم، وتصور المريض أن هذا المرض لا يشفى إلا بشرب الخمر هذا أمر موهوم، فالأدوية كثيرة من دينية وطبيعية، ثم إن الدواء لا يشفي المرض، وإنما جعل الشفاء من الله جل وعلا عند استعمال الدواء، فإن تعاطي الأسباب الشرعية قد يكون مصحوباً بالاعتماد عليها، وقد يكون مصحوباً بجعلها سببا مع الاعتماد على الله جل وعلا، واعتقاد أنها قد تنفع وقد لا، تنفع فهذا هو المطلوب شرعاً، أما الاعتماد عليها اعتماداً كلياً فهذا شرك " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/87) .(5/8331)
كتابة الزلزلة في إناء هل يسهل الولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة سورة الزلزلة عند الولادة يسهل الولادة؟ وهل هناك أدعية وأذكار مشروعة تقال عند الولادة لتسهيلها؟ وهل الدعاء عند الولادة مستجاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كتابة سورة الزلزلة في إناء بالزعفران، وكذلك الآيات التي فيها أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الأرحام، وكذلك مثل قوله تعالى: " وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه " فصلت: 47، وقوله تعالى: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار " الرعد: 8.
هذه جربت ويصب في الإناء ماء ويحرك حتى يتغير بالزعفران ثم تشربه النفساء ويمسح منه على بطنها، أو تقرأ هذه الآيات في ماء وتسقى إياه ويمسح به على بطنها أيضا. أو يقرأ على نفس المرأة التي أخذها الطلق، كل هذا نافع بإذن الله.
أما مسألة الدعاء ... دعاء المرأة التي تطلق - عند الطلق - فهذا حري بالإجابة لأنه يقع عند الاضطرار وقد قال الله عز وجل: " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله " النمل: 62.
وما أكثر ما يجيب الرب عز وجل الدعاء عند الكربات فيفرجها الله سبحانه وتعالى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مجلة الدعوة العدد 1754 ص 36.(5/8332)
يجوز الاستمناء باليد من أجل الفحص الطبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعرف أن الاستمناء حرام في الإسلام. ولكن إذا أراد الشخص إجراء فحوصات لمعرفة العقم والخصوبة فإن العاملين في المختبر يطلبون عينة من مني الشخص. ولا يمكننا الحصول على المني إلا عن طريق الاستمناء في المختبر. فهل يجوز ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز ذلك، وقد جاء في فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله أنه سئل عن ذلك فأجاب:
لا بأس بذلك ما دام أنه محتاج إليه، فقد قال العلماء: ومن استمنى بيده من غير حاجة عزر، أما هذا فلحاجة وهي إخراج المني لتحليله ومعرفة المرض الذي من أجله لم ينجب هذا الشخص ولعل العلة منه أو من زوجته، فمثل هذه الحالة لا بأس بها إن شاء الله.
انتهى من فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد ص 271
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8333)
حكم الأدوية المستخرجة من الميتة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صيدلي وأعلم من خبرتي ودراستي أن بعض شركات الأدوية والمصنعين يستخرجون بعض الأدوية من حيوانات غير مذبوحة فهل يجوز استعمال هذه الأدوية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز استعمال الميتة في التداوي لما ورد عن الني صلى الله عليه وسلم أن قال: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حُرّم عليها) .
قال ابن القيم: والمعالجة بالمحرمات قبيحة عقلاً وشرعاً، أما الشرع فللحديث السابق، وأما العقل، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) النساء/160، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه له حمية لهم، وصيانة عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن أثر في إزالتها، لكنه يعقب سماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
[الْمَصْدَرُ]
الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 387.(5/8334)
حكم الأدوية المخلوطة بالكحول
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأدوية التي يكون فيها نسبة من الكحول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاًَ:
لا يجوز خلط الأدوية بالكحول (الخمر) ، وذلك لأن الخمر يجب إراقتها، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْمَائِدَةُ (يعني وفيها تحريم الخمر) سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ لِيَتِيمٍ. فَقَالَ: أَهْرِيقُوهُ.
رواه الترمذي (1263) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثانياً:
إذا خلط الدواء بالكحول فعلاً، فإن كانت نسبة الكحول كثيرة بحيث صار هذا الدواء مسكرا، فهو خمر يحرم تناوله.
وإن كانت نسبة الخمر قليلة بحيث لا يسكر جاز تناوله.
جاء في "فتاوى الجنة الدائمة" (22/110) :
" لا يجوز خلط الدواء بالكحول المسكرة، أما ما كان قد خلط بهذه الكحول فعلاً، فإن كان شرب الكثير منه يسكر حرم صرفه وشربه، قل أو كثر، وإن كان شرب كثيره لا يسكر جاز صرفه وشربه " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وأما ما يكون من مواد الكحول في بعض الأدوية، فإن ظهر أثر ذلك الكحول بهذا الدواء بحيث يسكر الإنسان منه حرام، وأما إذا لم يظهر الأثر وإنما جعلت فيه مادة الكحول من أجل حفظه، فإن ذلك لا بأس به، لأنه ليس لمادة الكحول أثر فيه " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/231) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8335)
استعمال الرسم والتصوير في تعليم الطب
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في كلية الطب، وفيما يتعلق بدراستي فتواجهني بعض المشكلات وهي: 1/ تحتوي كتبي على صور للرجال والنساء، هل دراسة مثل هذه الصور تتعارض مع الحجاب؟ 2/ يجب علينا في الاختبارات رسم أجزاء معينة من جسد الجنس البشري وليس كل الجسد، أعرف أن هنالك حديثا يقول بأن المصورين في النار، ولكنني لست متأكدا إن كان ذلك مسموحا لأغراض تعليمية؟ أرجو نصحي لأنني لا أريد أن أخالف الشريعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم في شريعتنا أن الأصل في الرسم والتصوير لذوات الأرواح هو المنع والتحريم، لما جاء في ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تنهى عنه وتحذر منه، وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في العديد من الإجابات، انظر منها جواب السؤال رقم (7222) .
ومن المعلوم في قواعد الفقه المتفق عليها أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحكم قد ينتقل من التحريم إلى الجواز إذا ترتب عليه تحقيق ضرورة من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها: الدين والنفس والبدن والعرض والمال.
ولما كان علم الطب من العلوم الضرورية التي يحتاج إليها الناس، حتى عده بعض العلماء من فروض الكفاية، ترتب على ذلك تجويزُ بعضِ ما الأصلُ فيه التحريمُ والمنعُ لتحقيق هذه الفريضة الكفائية.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (1/223) :
" وأما العلوم العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب " انتهى.
بل نقل موفق الدين البغدادي في كتابه "الطب من الكتاب والسنة" (187) عن الإمام الشافعي أنه قال:
" لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب " انتهى.
والطبيب – وإن كان لا يعالج النساء إلا لحاجة – فهو معرض لعلاج كلا الجنسين، فقد لا تتيسر المرأة الطبيبة في التخصص المعين أو البلد المعين، كما أن علم الطب يعتمد أساسا على فهم طبيعة تركيب الجسم البشري، وخصائص الأعضاء، وتفصيلات الوظائف الحيوية لكل منها، وبقدر ما يتحقق فهم ذلك يتحسن أداء علم الطب البشري، وينجح في تخليص الناس من الآفات والأمراض.
ولذلك لا حرج على الطبيب من دراسة الرسومات التي تبين تشريح بدن الإنسان، سواء كان ذلك للرجال أو النساء، كما لا حرج إن شاء الله من استخدام الرسم في امتحان طلبة الطب والعلوم الحياتية، كي يساعد ذلك على الفهم الدقيق ومعرفة مستوى إتقان الطالب لهذا العلم المهم.
وقد جاء في شريعتنا جواز مداواة النساء للرجال إذا وجدت الضرورة.
فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَسقِي وَنُدَاوِي الجَرحَى وَنَرُدُّ القَتلَى إِلَى المَدِينَةِ) رواه البخاري (2882) .
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث في "فتح الباري" (6/52) :
" فيه جواز معالجة المرأة الأجنبية للرجل الأجنبي للضرورة " انتهى.
كما جاء في شريعتنا ما يدل على جواز تصوير الصور والتماثيل للعب الأطفال، لما يحتاجه الصغار من لهو ولعب وتعليم وتأديب. وانظر جواب السؤال رقم (9473) .
كما جاء في فتاوى العلماء ما يدل على جواز التصوير للحاجة من إخراج صور لمعرفة "هوية" الشخص ونحو ذلك، انظر جواب السؤال: (34904) ، (39806)
وأما تصوير ورسم أجزاء من الجسم منفصلة، كالرأس أو الصدر، فيرى كثير من العلماء جوازه، وانظر جواب السؤال رقم (13633) .
وجميع ما سبق يدل - من باب أولى - على جواز استعمال الرسوم والصور في دراسة علوم الطب وما يتعلق بها.
وقد سبق أيضا في موقعنا الفتوى بنحو ذلك في جواب السؤال رقم (10228) ، (13716) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8336)
أين تدفن الأعضاء المبتورة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بتر جزء معين من الإنسان زائد، كبتر الأصبع أو غيرها، هل ترمى مع النفايات، أو تجمع ويكلف شخص بدفنها بمقابر المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر واسع فليس لها حكم الإنسان؛ ولا مانع من أن توضع في النفاية أو تدفن في الأرض احتراماً لها فهذا أفضل، وإلا فالأمر واسع والحمد لله كما قلنا فلا يجب غسله ولا دفنه إلا إذا كان جنيناً أكمل أربعة أشهر، أما ما كان لحمة لم ينفخ فيها الروح أو قطعة من أصبع أو نحو ذلك فالأمر واسع، لكن دفنه في أرض طيبة يكون أحسن وأفضل.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص 436.(5/8337)
هل يجوز التداوي بالحقنة الشرجية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نصحوني بأخذ حقنة شرجية كعلاج لمشكلة أعاني منها، هل هذا علاج جائز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في استعمال هذا العلاج إذا وصفه لك طبيب حاذق.
وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على جواز التداوي بالحقنة، وفعله بعضهم، كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، والإمام أحمد رحمهم الله. وفي هذه الحال يباح كشف العورة للحاجة.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/128) :
وَلا بَأْسَ بِالْحُقْنَةِ لأَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّدَاوِي، وَأَنَّهُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: (تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا الْمَوْتَ وَالْهَرَمَ) اهـ. رواه أحمد (17987) وأبو داود (3855) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3264) .
قال السرخسي في "المبسوط" (10/156) :
وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ فحَرَامٌ. . . وَلَكِنْ إذَا جَاءَ الْعُذْرُ فَلا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَمِنْ ذَلِكَ:
عِنْدَ الْوِلادَةِ الْمَرْأَةُ تَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ. . .
وَكَذَلِكَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى مَوْضِعِ الاحْتِقَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْمَرَضِ فَلأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ، وَالاحْتِقَانُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إلا وَخَلَقَ لَهُ دَوَاءً إلا الْهَرَمَ) . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله تعالى أَنَّهُ إذَا كَانَ بِهِ هُزَالٌ فَاحِشٌ وَقِيلَ لَهُ: إنَّ الْحُقْنَةَ تُزِيلُ مَا بِك مِنْ الْهُزَالِ. فَلا بَأْسَ بِأَنْ يُبْدِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِلْمُحْتَقِنِ. وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ الْهُزَالَ الْفَاحِشَ نَوْعُ مَرَضٍ اهـ
وقال المرداوي في حاشيته على "الفروع" (2/171) :
هَلْ تُكْرَهُ الْحُقْنَةُ لِحَاجَةٍ أَمْ لا؟ ثم قال: الصَّحِيحُ أنها لا تُكْرَهُ بَلْ تُبَاحُ لِلْحَاجَةِ , وَتُكْرَهُ مَعَ عَدَمِهَا. . وَقَالَ الْمَرُّوذِيِّ: وُصِفَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ - يعني: الإمام أحمد - فَفَعَلَهُ , يَعْنِي الْحُقْنَةَ اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8338)
حكم العلاج بالموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العلاج بالموسيقى حيث يزعم البعض أنه مفيد ويهدّئ الأعصاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العلاج بالموسيقى لا أصل له بل هو من عمل السفهاء، فالموسيقى ليست بعلاج ولكنها داء، وهي من آلات الملاهي، فكلها مرض للقلوب وسبب لانحراف الأخلاق، وإنما العلاج النافع والمريح للنفوس إسماع المرضى القرآن والمواعظ المفيدة والأحاديث النافعة، أما العلاج بالموسيقى وغيرها من آلات الطرب فهو مما يعودهم الباطل ويزيدهم مرضاً إلى مرضهم، ويثقل عليهم سماع القرآن والسنة والمواعظ المفيدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/417.(5/8339)
إسقاط الجنين المصاب بتشويه
[السُّؤَالُ]
ـ[كما تعرف فإن هناك فحوصات طبية أو فحوصات تشخيصية تجرى على المرأة في بداية حملها لمعرفة ما إذا كان الجنين يعاني من إعاقات شديدة. والغرض من هذه الفحوص هو التخلص من الجنين في الأسبوع 19 تقريبا من الحمل. وأسأل هل يجيز الإسلام مثل هذه الفحوصات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز ذلك، وبالنسبة لإسقاط الجنين فقد أجاز بعض العلماء ذلك بشروط:
1- أن لا يكون قد نُفخت فيه الروح، أي قبل الأربعة أشهر من البداية الحقيقية للحمل.
2- أن تكون هناك ضرورة تدعو لذلك، كالإعاقات والتشوهات التي تكتشف في الحمل، أو يكون فيه ضرر على الأم. ومع هذا فمن صبر وتوكل على الله فهو خير له عند ربه.
الشيخ سعد الحميد.
وينبغي الانتباه إلى أن الأطباء يمكن أن يخطئوا في تقاريرهم وكذلك نتيجة الفحوصات كثيراً ما تكون غير دقيقة فينبغي الانتباه عندما تبني قرارات خطيرة مثل الاجهاض على مثل تلك التقارير ثم إن بعض النقص في المولود قد يعوض مستقبلاً أو يزال ما به من العيب وينزل سليماً ولو فرضنا أنه نزل وبه تشويه فإن الصبر عليه واحتساب الأجر في العناية به لا يضيع عند الله وليست خسارة، كما ينظر إليها كثير من الماديين يريد بعضهم قتل أصحاب العاهات لأنهم عالة على المجتمع، ولله الحكمة البالغة في كل ما يخلق ويقدر سبحانه وتعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8340)
حكم الأدوية المخدرة والمسكرة
[السُّؤَالُ]
ـ[نستعمل في المستشفيات لعلاج الآلام بعد العمليات وكذلك لعلاج الآلام المختلفة بعض الأدوية وهي تحتوي على مواد مخدرة وأخرى كحولية بنسب متفاوتة فهل من حرج في استخدامها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأدوية التي يحصل بها راحة المريض وتخفيف للآلام عنه لا حرج فيها ولا بأس بها قبل العملية وبعد العملية إلا إذا علم أنها من شيء يسكر كثيره فلا تستعمل لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) أما إذا كانت لا تسكر ولا يسكر كثيرها ولكن يحصل بها بعض التخفيف والتخدير لتخفيف الآلام فلا حرج في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى للشيخ ابن باز رحمه الله 6 / 18(5/8341)
مس عورة المريض ولمس الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي سماحتكم في أن عمل الطبيب يتطلب في بعض الأحيان رؤية عورة المريض أو مسها للفحص؟ وفي بعض الأحيان أثناء العمليات يعمل الطبيب الجراح في وسط مليء بالدم والبول فهل إعادة الوضوء واجبة في هذه الحالات أم أنه من باب الأفضلية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج أن يمس الطبيب عورة الرجل للحاجة وينظر إليها للعلاج سواء العورة الدبر أو القبل، فله النظر والمس للحاجة والضرورة، ولا بأس أن يلمس الدم إذا دعت الحاجة للمسه في الجرح لإزالته أو لمعرفة حال الجرح، ويغسل يده بعد ذلك عما أصابه ولا ينتقض الوضوء بلمس الدم أو البول، لكن إذا مس العورة انتقض وضوءه قبلاً كانت أو دبراً، أما مس الدم والبول أو غيرهما من النجاسات فلا ينقض الوضوء ولكن يغسل ما أصابه، لكن من مس الفرج من دون حائل يعني مس اللحم اللحم فإنه ينتقض وضوءه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما ستر فقد وجب عليه الوضوء) وهكذا الطبيبة إذا مست فرج المرأة للحاجة فإنه ينتقض وضوؤها بذلك إذا كانت على طهارة كالرجل.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 20.(5/8342)
أجري لها عملية في الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أجري للمرأة عملية جراحية في الرحم ونزل منها الدم، فهل هذا الدم يعتبر حيضا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" قد يحدث للمرأة سبب يوجب نزيف الدم من فرجها كعملية في الرحم أو فيما دونه وهذه على نوعين:
النوع الأول: أن يعلم أنها لا يمكن أن تحيض بعد العملية مثل أن تكون العملية استئصال الرحم بالكلية أو سده بحيث لا ينزل منه دم، فهذه المرأة لا يثبت لها أحكام المستحاضة، وإنما حكمها حكم من ترى صفرة أو كدرة أو رطوبة بعد الطهر، فلا تترك الصلاة ولا الصيام ولا يمتنع جماعها ولا يجب غسل من هذا الدم، ولكن يلزمها عند الصلاة غسل الدم وأن تعصب على الفرج خرقة، ونحوها، لتمنع خروج الدم، ثم تتوضأ للصلاة , ولا تتوضأ لها إلا بعد دخول وقتها، إن كان لها وقت كالصلوات الخمس، وإلا فعند إرادة فعل الصلاة كالنوافل المطلقة.
النوع الثاني: ألا يعلم امتناع حيضها بعد العملية بل يمكن أن تحيض، فهذه حكمها حكم المستحاضة. ويدل لما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة , فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة) . فإن قوله: (فإذا أقبلت الحيضة) يفيد أن حكم المستحاضة فيمن لها حيض ممكن ذو إقبال وإدبار، أما من ليس لها حيض ممكن فدمها دم عرق بكل حال " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.(5/8343)
الحجامة فضلها وفوائدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحجامة وكيف نقوم بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الْحِجَامَةُ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَجْمِ أَيْ الْمَصِّ. يُقَالُ: حَجَمَ الصَّبِيُّ ثَدْيَ أُمِّهِ إذَا مَصَّهُ. وَالْحَجَّامُ الْمَصَّاصُ , وَالْحِجَامَةُ صِنَاعَتُهُ وَالْمِحْجَمُ يُطْلَقُ عَلَى الآلَةِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا الدَّمُ وَعَلَى مِشْرَطِ الْحَجَّامِ. (انظر لسان العرب)
وَالْحِجَامَةُ فِي كَلامِ الْفُقَهَاءِ قُيِّدَتْ عِنْدَ الْبَعْضِ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ مِنْ الْقَفَا بِوَاسِطَةِ الْمَصِّ بَعْدَ الشَّرْطِ بِالْحَجْمِ. وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّ الْحِجَامَةَ لا تَخْتَصُّ بِالْقَفَا بَلْ تَكُونُ مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ.
والخلاصة أن الحجامة هي استخراج الدم من الجسد بامتصاصه بآلة مناسبة أو بما يقوم مقام المص من الأجهزة الحديثة.
والحجامة معروفة منذ القدم، عرفها الصينيون والبابليون والفراعنة، ودلت آثارهم وصورهم المنحوتة على استخدامهم الحجامة في علاج بعض الأمراض، وكانوا في السابق يستخدمون الكؤوس المعدنية وقرون الثيران لهذا الغرض وكانوا يفرغونها من الهواء بعد وضعها على الجلد عن طريق المص ومن ثم استخدمت الكؤوس الزجاجية والتي كانوا يفرغون منها الهواء عن طريق حرق قطعة من القطن.أو الصوف داخل الكأس.
فضائل الحجامة:
روى البخاري في صحيحه (5269) عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ. "
وفيه أيضا (5263) وفي مسلم (2952) سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَقَالَ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ وَقَالَ: " إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُم. "ْ
وعن جابر َبن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ." أخرجه البخاري (6583) ومسلم (2205) .
فوا ئد الحجامة:
للحجامة فوائد ملموسة في علاج كثير من الأمراض في الماضي والحاضر، ومن هذه الأمراض التي جربت فيها الحجامة فنفعت بإذن الله ما يلي:
1- أمراض الدورة الدموية.
2- علاج ضغط الدم، والتهاب عضلة القلب.
3- أمراض الصدر والقصبة الهوائية.
4- صداع الرأس والعيون.
5- آلام الرقبة والبطن، وآلام الروماتيزم في العضلات.
6- بعض أمراض القلب والصدر وآلام المفاصل.
ومن ناحية أخرى تنفرد الحجامة في حالات تنفع فيها وتخفف الآلام وليس لها أي مضاعفات جانبية. للاستزادة عن فوائد الحجامة يراجع كتاب (زاد المعاد لابن القيم 4 / 52) وكتاب (الحجامة أحكامها وفوائدها. تأليف: إبراهيم الحازمي)
طريقة الحجامة:
توضع فوهة المحجم الواسعة (وفي هذا العصر يستخدمون محاجم زجاجية تسمى كؤوس الحجامة) على الجلد في مكان الحجم المختار، ثم يقوم الحاجم بخلخلة الهواء الذي بداخلها بواسطة إحراق قطعة صغير ة من الورق أو القطن بداخل المحجم، لتطبق الفوهة على الجلد ـ وأحيانا يستخدم الشفط ببعض الآلات بدل الطريقة السابقة ـ فيطبق المحجم على الموضع، ثم يترك لمدة ثلاث إلى عشر دقائق، ثم يرفع ويشرط الموضع بآلة حادة نظيفة (كالموس أو غيره) شروطا صغيرة جدا، ثم يوضع الكأس مرة أخرى بنفس الطريقة السابقة حتى يمتلئ بالدم الفاسد الذي يخرج من العروق، ثم يرفع، وقد يعاد وضعه مرة أخرى عند الحاجة، وبعد الاكتفاء يرفع الكأس، يوضع مكانه ضماد جاف. (انظر مباحث في الجراحة الصغرى والتخدير تأليف أ. د / نظمي القباني) .
وقبل الختام ننبه أنه يجب أن لا يقوم بالحجامة إلا من يحسنها، نظرا لما قد يترتب عليها من أضرار إذا قام بها من لا يحسنها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8344)
هل تخلع النقاب بسبب ضرره عليها وعلى جنينها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة منتقبة وحامل وأحس بضيق شديد في التنفس من النقاب ونصحتني طبيبة مسلمة منتقبة بأن أخلع النقاب خوفاً على صحتي وصحة الجنين، فماذا أفعل أفادكم الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يأمر الله تعالى بما فيه ضرر على عباده، وشريعة الله تعالى حكيمة وأحكامه غاية في اليسر والحكمة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن شقَّ عليه أمرٌ من الشريعة فإن المشقة تجلب التيسير كما هي قواعد الشرع، فمن عجر عن الصلاة قائما فإنه يصلي قاعداً، ومن عجز عن الصوم – لكبر سنه أو لمرضه المزمن - فإنه يفطر ويطعم، وهكذا.
ولا زالت النساء تلبس النقاب والخمار ولم نر منهن شكاوى أو ضجراً منه، فلعلَّ ما حصل مع الأخت السائلة – أو مع غيرها – إنما هو بسبب صفة نقابها أو خمارها، أو بسبب طريقة لبسه، فمن كان نقابها سميكاً فإنه يمكن أن يضايقها في التنفس والرؤية، فالحل في مثل هذا أن تخفف من سماكته.
وبعض النساء تشد النقاب حول وجهها بعنف وشدة وهو ما يسبب لها ضيقاً في التنفس، والحل في مثل هذا أن تخفف من شد نقابها حتى يسهل عليها التنفس براحة ويسر.
ويحسن بك أن تراجعي من هو أكثر خبرة في الطب من الطبيبة التي تراجعين عندها فلعلهم يتوصلون إلى ما لم تصل إليه من وسائل تلافي ضيق التنفس، فإن تعذر التلافي بكل الوسائل – وهذا بعيد إن شاء الله، فإن دفع الضرر في هذه الحالة يقدر بقدره فلا يكشف كل الوجه من أجل التنفس، بل يمكن جعل جزء النقاب المغطي لفتحة الأنف خفيفاً بقدر ما يسمح بسهولة التنفس – ولو احتاج إلى أن يكون أخف مما يجب في الأحوال المعتادة.
نسأل الله أن يحفظك من كل سوء وأن يرزقك الذرية الصالحة. آمين
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8345)
قام بعملية تغيير الجنس من رجل إلى امرأة فهل له الخلوة بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل في بلاد غير إسلامية ... يعاني نفسيا من اعتقاده بأنه امرأة.... لكنه (في محاولة لعلاج نفسه) تزوج وأنجب ابناً، لكن لم تحل المشكلة، في الأخير قام بعمليه إزالة الأعضاء الذكرية، وعاش بعدها كامرأة وبعد ذلك بعشر سنوات ... أسلم بعد أن تعرف عبر الانترنت بإنسانة مسلمة ... والتي كلمته على أساس أنه امرأة وليس رجلا وعندما عرفت بأنها كانت يوما ما رجلا ... ارتبكت، وهي الآن لا تعرف هل تتعامل معها كامرأة (بكل المعاني) أم ماذا؟
وهل إذا رغب هذا (الرجل المرأة) أن يأتي لزيارتها في بلد الحرمين....أن تقبل استضافته على أساس أنه رجل أم امرأة....أم لا تقبل استضافته؟
مع العلم (أنه / أنها) تحتاج إلى من يقف (معه / معها) في الإسلام.... (لأنه / لأنها) مازال من المؤلفة قلوبهم، ولم يثبت الإسلام ثباتا قويا في قلبه....ونخاف من أن يتسبب عدم قبول الضيافة في بيتها....صدا..أو حتى ارتدادا عن الدين، ولا احد يريد تحمل مثل هذه المسؤولية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هؤلاء الذين يشعرون بكراهية الجنس الذي خلقوا عليه، ويتمنون أن يكونوا من الجنس الآخر، هم في الحقيقة مرضى نفسيون، دفعهم سوء التربية أحيانا، وطبيعة المجتمع الذي نشؤوا فيه أحيانا أخرى، إلى كراهية ما هم عليه، فاعترضوا كما يقول الدكتور بعض الباحثين على مشيئة الله تعالى، ورغبوا في تحويل جنسهم إلى جنس آخر.
وعملية تحويل الجنس من ذكر إلى أنثى لها أسباب، وما ذكر في السؤال هو عبارة عن رغبة داخلية فقط، مع أن الأعضاء الذكرية كاملة، وليس هناك حالة ما يسمى عند الفقهاء (الخنثى) ، بل هو ذكر طبيعي، له كل المواصفات الذكرية، لكنه يرغب في التحول إلى أنثى، فتجرى له عملية لاستئصال الذكر، والخصيتين، ثم يقوم الأطباء ببناء مهبل، وتكبير الثديين، والحقن بهرمونات لفترات طويلة حتى ينعم الصوت، وتتغير طبيعة توزيع اللحم، ويظهر الشخص بمظهر الأنثى، لكنه في حقيقته ذكر.
وهذه العملية محرمة شرعا عند جميع من يعتد بقولهم من العلماء المعاصرين، وإن لم يكن للسابقين فيها كلام، فذلك لأنها لم تكن معروفة أو ممكنة في زمانهم، ويدل على تحريمها عدة أدلة، منها:
أولا:
قول الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا) النساء/117–121، ولا شك أن إجراء مثل تلك العمليات هو نوع من العبث، وتغييرٌ لخلق الله تعالى.
ثانيا:
ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسم - المشتبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري (5546)
قال ابن حجر: وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء من قاصد مختار، حرام اتفاقاً.
وقال أيضاً: " أما ذم الكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك ... فتركه، بغير عذر، لحقه اللوم ".
ثالثا:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول المخنث على النساء، إذا فطن إلى المرأة ومحاسنها، بل أمر بإخراجه من البيوت، إلى حيث يُتَّقى شره. ففي حديث.. " تقبل بأربع وتدبر بثمان.. رواه البخاري ومسلم
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله على هذا الحديث ترجمتين: 1- في باب ما يُنهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة " 2- وباب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت "
قال ابن حجر: ويُستفاد منه – حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقاً لردعه، وظاهر الأمر وجوب ذلك " اهـ.
وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة (4928) بسند في ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمخنّث قد خضب يديه.. وليس بالبقيع؟؟؟؟)
رابعاً:
أنه قد ثبت بشهادة المختصين من الأطباء أن هذا النوع من الجراحة لا تتوفر فيه أي دواع أو دوافع معتبرة من الناحية الطبية، وأنه لا يعدو كونه رغبة للشخص.
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على التحريم، وللمزيد راجع أحكام الجراحة الطبية ص 199
ويقول الدكتور محمد علي البار: " ورغم أن الشكل الخارجي لمثل هذا الشخص قد يخدع الإنسان فيظنه بالفعل أنثى، إلا أن التركيب البيولوجي لا يزال ذكراً، وإن كان ممسوخا تماما، وبالتالي لا يوجد مبيض ولا رحم ولا يمكن أن تحيض (أو يحيض) مثل هذا الشخص، كما أنه لا يمكن أن يحمل قطعا. "
وبناءً على ما سبق فلا يجوز بأي حال أن تخلو به امرأة لوحدها، أو تتكشف له وترفع حجابها عنده، لأنه ذكر في الحقيقة، وإن كانت ميوله الآن نحو الأنث، لكثرة الهرمونات الأنثوية التي يحملها، ولا شك أن هؤلاء وأمثالهم شر من المخنثين الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم من دخولهم على النساء، وأمر بنفيهم وإخراجهم من البيوت.
لذا فالتقاء أكثر من شخص به يمكن أن يكون مناسبا، كما أنه من المناسب عرضه على طبيب نفسي ثقة، يعالجه مما ألم به، نسأل الله أن يهديه ويصلح حاله.
ويمكن تدارك الحالة الواقعة بأن تكلموا أحد الثقات من المشايخ أو طلبة العلم ليستقبل ذلك الشخص، ويعرفه أمر دينه وأحكامه، ويقوي صلته بالإسلام، ويثبته عليه، وذلك عن طريق حضور أكثر من شخص،
واعلمي أنه بعد القيام بما نستطيعه تجاه ذلك الشخص، فإن الهداية بيد الله عز وجل، يهدي بها من يشاء من عباده.
والله أعلم.
راجع السؤال رقم (21277) و (6285) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8346)
الاغتسال بالدم منكر ظاهر ومحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت أمي مريضة وذهبت إلى العديد من المستشفيات ولكن دون جدوى وأخيراً ذهبت إلى كاهن فطلب منها أن تغتسل بدم الماعز، وبالفعل عملت أمي ما طلبه منها - جهلاً بالحكم الشرعي - فهل علينا كفارة؟ وما هي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الذهاب إلى الكهنة والمنجمين والسحرة وسائر المشعوذين، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم؛ بل ذلك من أكبر الكبائر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح، وقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من سحر أو سحر له أو تكهن أو تكهن له أو تطير أو تطير له ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه البزار بإسناد جيد.
أما الاغتسال بالدم فهذا منكر ظاهر ومحرم، ولا يجوز التداوي بالنجاسات، لما روى أبو داوود رحمه الله في سننه عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام) وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة رضي الله عنها، والواجب على أمك التوبة إلى الله سبحانه وعدم العودة إلى مثل ما فعلت ومن تاب صادقاً تاب الله عليه، لقول الله عز وجل: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) النور/31، والتوبة الصادقة النصوح هي المشتملة على الندم على ما مضى من الذنب مع الإقلاع منه وتركه، والعزم الصادق على عدم العودة له، تعظيماً لله ومحبة له سبحانه، ورغبة في مرضاته وحذراً من عقابه، وإن كانت المعصية تتعلق بحق المخلوق فلا بد في صحة التوبة من شرط رابع وهو: رد الحق إليه أو تحلله من ذلك، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 421.(5/8347)
مدمن مخدرات ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج أختي يتعاطى المخدرات ويريد أن يتوقف ولكنه لا يستطيع لأنه مدمن ولكنه والحمد لله يخشى الله سبحانه وتعالى.
أختي تريد أن تعرف ما تفعل فلديها 3 أبناء منه وتخشى أن تتركه فقد يسوء الحال ويتعاطى أكثر أو ينتحر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصح أختك أن تقف بجانب زوجها في توبته ومحاولته التخلص من إدمان المخدرات، وأن لا تتركه للذئاب البشرية التي تدمر كيانه وتحطم أركانه، فهو أحوج ما يكون إليها الآن.
ولا بدَّ من أن تستعين بالمراكز الطبيَّة المتخصصة في معالجة الإدمان، ولن يؤثر ذلك عليه، بل سيعينه على التخلص مما هو فيه من بلاء وشر.
فينبغي لها أن لا تتردد في هذا، وأن تسارع للاتصال بالمختصين في معالجة هذه القضايا، مع تذكيرها الدائم له بتقوى الله والخوف منه، وتذكيره بالموت ولقاء الله تعالى، مع ترغيبه بترك ما هو عليه، وإعطائه الأمل بالشفاء وقبول توبته من ربه تبارك وتعالى.
ونرجو مراجعة جواب السؤال (6540) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8348)
حكم العلاج بالتنويم المغناطيسي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلمين العلاج بالتنويم المغناطيسي؟ هناك دعاوي بأنه يساعد الناس بطرق شتى. على سبيل المثال يقضي على الخوف والفوبيا (الهلع المرضي) وفي نفس الوقت يساعد على إكتساب الثقة في مجالات الحياة عامةً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أفتى علماؤنا المعاصرون بأن مسألة التنويم المغناطيسي لها علاقة باستخدام الجن، وبناء عليه فلابد من معرفة الأمرين التاليين:
أولاً: لا يجوز الاستعانة بالجن وغيرهم من المخلوقات في معرفة المغيبات، لا بدعائهم والتزلف إليهم، ولا بغير ذلك، بل ذلك شرك لأنه نوع من العبادة، وقد أعلم الله عباده أن يخصوه بها فيقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) رواه الترمذي (2516) {صححه الألباني في صحيح الترمذي (2043) } .
ثانياً: التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني حتى يسلطه المنوِّم على المنوَّم فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه، إن صدق الجني مع المنوِّم وكان طوعاً له مقابل ما يتقرب به المنوَّم إليه، ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم، بما يطلبه من الأعمال أو الأخبار بمساعدة الجني له، إن صدق ذلك الجني مع المنوِّم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقاً للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوِّم غير جائز، بل هو شرك لما تقدم، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم. اهـ
[الْمَصْدَرُ]
الجنة الدائمة للإفتاء 1/74. سلسلة الفتاوى الشرعية.(5/8349)
هل يجوز للراقي مسّ المرأة التي يرقيها
[السُّؤَالُ]
ـ[كما تعلمون فإن كثيراً من الناس يعانون من أمراض لا يجدون لها علاجاً طبياً، فيلجأون إلى كتاب الله، وإلى أهل العلم وبعض حملة كتاب الله من أهل التقوى والصلاح ليرقوهم بالرقى الشرعية لعلاجهم، وقد يكون مكان الوجع للنساء في رؤوسهن أو صدورهن أو أيديهن أو أرجلهن فهل يجوز كشف هذه الأماكن للقراءة عليها عند الضرورة، وما هي حدود الكشف للمرأة عند القراءة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
يسن تعلم الرقية الشرعية، رجاء نفع المسلمين، وعلاج هذه الأمراض المستعصية ولأن كتاب الله هو الشفاء النافع المفيد، ولكن لا يجوز للرجل الأجنبي أن يمس شيئاً من جسد المرأة عند الرقية، ولا يجوز لها إبداء شيء من بشرتها كالصدر والعنق ونحوهما، بل يقرأ عليها ولو كانت محتجبة، وذلك يفيد حيث كان، ويسن أن تتعلم الأخوات القارئات الرقية رجاء أن يعالجن بها النساء المحتشمات، والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 23.(5/8350)
تشريح الفئران والخنازير ولمس عظام الميت المشرَّح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يشرح حيوانات مثل الفئران لأغراض علمية وإن كان كذلك فما حكم الخنزير وما حكم لمس عظام الآدمي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من تشريح الحيوانات والحشرات وغيرها لأغراض ٍ علميّة للمصلحة الراجحة، وكذلك تشريح الآدمي للتعلّم، شريطة أن لا يكون المُشرَّح مسلماً، لأن حرمة المسلم بعد موته كحرمته في حياته، وتشريح الخنزير لأغراض علمية لا بأس به، وهو نجس فلا بد من مسّه بحائل، وإن احتيج إلى مباشرته فلا بأس على أن تُغسل الأيدي بعده، ولمس عظام الآدمي إذا كانت بارزة فلا بأس لأن الآدمي لا ينجسُ بالموت.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/8351)
حكم استعمال الخمر لذوبان الحصوات في الكلى
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتكي من كليتي عدة مرات وليس باستطاعتي التبول إلا قليلاً، وذهبت إلى الطبيب فقال: إن علاجك أن تشرب الخمر لأن الخمر يعمل على ذوبان الحصوات في الكلية، ثم شربت الخمر فاستفدت منه كثيراً، فهل الله سبحانه وتعالى يُحاسبني على شرب الخمر؟! أفتوني بالجواب الصحيح وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يباح لك ولا يجوز لك شرب الخمر، وهذا السؤال أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث طارق بن سويد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر نصنعها للدواء فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ولكنها داء) فأخبر أنها داء وليس فيها دواء، فهذا الحديث يدل على أنها داء والطب الحديث كلهم مجمعون على أنها مضرة بكل حال، فقد ألف كثير من المستشرقين مؤلفات عديدة في هذا الموضوع وقالوا إن نسيج شارب الخمر وهو ابن أربعين يماثل نسيج بدن الإنسان إذا كان ابن ستين، فإنك وإن انتفعت بالنسبة إلى كليتيك ورأيت لها تأثيراً فهو لابد وأن يخرب جزءاً من جسمك في جهة أخرى، ولابد وأن يحدث ضرراُ بكل حال، فلا يجوز لك شربه، وهناك أدوية مباحة تستعملها وتتعاطها لمعالجة كليتيك بدون هذا الأمر، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام، فإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها؟!) فإنه وإن لاحظت أنك انتفعت بها في جانب فهي لابد وأن تحدث أضراراً كثيرة من جوانب أخرى، كما في حديث طارق بن سويد الذي أشرنا إليه والذي رواه مسلم، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 153(5/8352)
حكم إجراء العمليات التجميلية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تغير جسم المرأة بشكل كبير أثناء الحمل، حتى أصبحت تخجل من أن يراها زوجها بهذا الشكل فهل يجوز لها أن تجري عملية تجميلية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك أيتها الأخت الكريمة يدور حول حكم إجراء عمليات التجميل فهلمّ إلى خلاصة حول هذا الموضوع:
يُعرّف الأطباء المختصون جراحة التجميل بأنها: جراحة تُجرى لتحسين منظر جزء من أجزاء الجسم الظاهرة. وقد تكون اختيارية أو ضرورية.
فالضرورية أو ما في حكم الضرورية: هي ما كانت الحاجة داعية إلى فعلها كإزالة عيب من نقص أو زيادة أو تلف أو تشوّه. وهي في الوقت نفسه تجميلية بالنسبة إلى آثارها ونتائجها.
والعيوب قسمان: عيوب خَلْقيّة وعيوب ناشئة من الافات المَرَضية التي تصيب الإنسان، فمثال الخلقية: الشفة المقلوبة والمشقوقة والتفاف الأصابع.. الخ ومثال الناشئة: ما ينتج من مرض الجذام ونحوه، أو ما ينتج من الحوادث والحروق. ومما لا شك فيه أن هذه العيوب يتضرر منها الإنسان حسّاً ومعنىً، ومن ثَمَّ يجوز لأصحاب هذه العيوب شرعاً إزالتها أو إصلاحها أو التخفيف من أذاها بالجراحة لأن هذه العيوب تشتمل على ضرر حسيٍّ أو معنوي يوجب الرخصة لفعل الجراحة نظرا لأنها حاجة ماسّة، والحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة التي تُبيح المحظور، فأي جراحة تدخل تحت مسمى الجراحة التجميلية ووجدت فيها الحاجة المشتملة على ضرر فيشرع إجراءها ولا يُعتبر هذا تغييرا لخلق الله.
ولمزيد من التفريق بين المباح والمحرّم نسوق - فيما يلي - كلاما نفيسا للإمام النووي في شرحه لحديث " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ " صحيح مسلم 3966:
قال رحمه الله: أما (الواشمة) ففاعلة الوشم , وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم , ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل.. فيخْضرّ.. وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها.. وأما (النامصة) فهي التي تزيل الشعر من الوجه , والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها , وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب , فلا تحرم إزالتها.. وأما (المُتفلِّجات) أن تبرد ما بين أسنانها (فتجعل) فرجة بين الثنايا والرباعيات , وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السِنّ إظهارا للصغر وحسن الأسنان , لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار , فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر , وتوهم كونها صغيرة.. وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث , ولأنه تغيير لخلق الله تعالى , ولأنه تزوير ولأنه تدليس. وأما قوله: (المتفلجات للحسن) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن , وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن , أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس والله أعلم. أ. هـ النووي على صحيح مسلم 13/107
وممّا تنبغي الإشارة إليه أنّ جراحي التجميل لا يفرّقون بين الحاجة التي بلغت مقام الأخطار والتي لم تبلغه وإنّما يهمّهم الكسب الماديّ وإرضاء الزّبون، وأصحاب الأهواء والماديين ودعاة الحريّة يتصورّون أنّ الإنسان حرّ يفعل في جسده ما يشاء، وهذا انحراف فإنّ الجسد لله يحكم فيه بما يشاء، وقد أخبرنا عزّ وجلّ عن الطرق التي تعهّد بها إبليس لإغواء البشرية ومنها قوله: (ولآمرنّهم فليُغيِّرنّ خلق الله) .
فهناك عمليات تجميلية محرمة لا تتوفّر فيها الدواعي المعتبرة شرعاً للرخصة وتعتبر عبثاً بالخلقة، وطلباً للجمال والحسن ومن أمثلتها تجميل الثديين بتصغيرهما أو تكبيرهما وما يجري لإزالة آثار الشيخوخة مثل شد التجاعيد ونحو ذلك، وموقف الشريعة أنّ ذلك لا يجوز لأنه من الجراحة التي لا تشتمل على دوافع ضرورية ولا حاجية بل غاية ما فيها تغيير خلق الله والعبث به حسب أهواء الناس وشهواتهم فهذا حرام ملعون فاعله لأنّ اشتمل على الأمرين الذكورين المجموعين في الحديث وهما: طلب الحسن وتغيير خَلْق الله.
ويُضاف إلى ذلك أن هذه الجراحات تتضمن في عدد من صورها الغش والتدليس والحقن بمستخلصات مأخوذة من الأجنّة المُجهَضة بالطرق المحرّمة احتيالا وشراء - وهذا من أكبر الجرائم - وكذلك ما ينتج عن كثير من عمليات التجميل من الآلام المستمرّة والأضرار والمضاعفات. كما يقول الأطباء المختصون.
يُنظر كتاب أحكام الجراحة: د/ محمد محمد المختار الشنقيطي.
وبناء على ما سبق - أيتها الأخت السائلة - نقول: إن كان ما حصل لك من التشوّه أمرا طارئا يسبّب لك الحرج البالغ ونفور الزوج - مثلا -، وأنت لا تفعلينه طلبا لمزيد من الحسن وإنّما لإزالة التشوّه الحادث ولرفع الحرج أو التخفيف منه فليس عليك من بأس في فعله إن شاء الله. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8353)
حكم عزل المصابين بالإيدز وحكم من تعمّد نقله
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في هذا الزمان مرض الإيدز الخطير وصار له انعكاسات اجتماعية كثيرة تنشأ عنها أسئلة متعددة، فمثلا هل يجب عزل المريض بالإيدز عن الناس غير المصابين، وما حكم من تعمّد نقل المرض إلى الآخرين، وهل يعتبر المريض بالإيدز في مرض الموت لأنّ هذا يؤثّر في طلاقه وتصرفاته المالية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: عزل المريض:
حيث أن المعلومات الطبية المتوافرة حالياً تؤكد أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشرب أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام ونحو ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تكون العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
1- الاتصال الجنسي بأي شكل كان.
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3- استعمال الإبر الملوثة، ولا سيما بين متعاطي المخدرات، وكذلك أمواس الحلاقة.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها في أثناء الحمل والولادة.
وبناء على ما تقدم فإن عزل المصابين إذا لم تُخْشَ منه العدوى، عن زملائهم الأصحاء، غير واجب شرعاً، ويتم التصرف مع المرضى وفق الإجراءات الطبية المعتمدة.
ثانياً: تعمد نقل العدوى:
تعمد نقل العدوى بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى السليم منه بأي صورة من صور التعمد عمل محرم، ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد التعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يعد نوعاً من الحرابة والإفساد في الأرض، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) المائدة /33
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه، وتمت العدوى، ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.
ثالثاً: اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت: يعد مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت شرعاً، إذا اكتملت أعراضه، وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية، واتصل به الموت.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 204-206(5/8354)
تقصير الشعر لمرض
[السُّؤَالُ]
ـ[تشكو زوجتي من تساقط شعر رأسها بكثرة وقيل لها أن بتقصيره يخف هذا التساقط فهل يجوز ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر جاز ذلك لما فيه من دفع الضرر عنها.
فتاوى اللجنة الدائمة 5/182 ويُشترط عدم مشابهة الرجال ولا الكافرات أنظر السؤال رقم 1192 والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8355)
متى يجوز رفع أجهزة الإنعاش عمن يُظن موته
[السُّؤَالُ]
ـ[يتردد كثير من الأطباء في توقيت رفع أجهزة الإنعاش عن الشّخص المتوفّى سريريا ويتنازع الطبيب شعوران أنّه ربما يُطيل معاناة الشخص في النّزع والاحتضار ولو رفع عن الأجهزة لاستراح بموته وفي الجانب الآخر يخشى أنّ رفع الجهاز قد يكون سببا في فقدان فرصة استمرار هذا الشّخص في الحياة فمتى يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن أصحاب الوفاة السريرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب عليه جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
أولاً: إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
ثانياً: إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً، لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركّبة.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 36(5/8356)
حكم طفل الأنابيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم طفل الأنابيب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
قد أفتى العلماء في هذه الرئاسة - رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية - بمنعه، لما فيه من كشف العورة، ولمس الفرج، والعبث بالرحم، ولو كان مني الرجل الذي هو زوج المرأة، فأرى أن على الإنسان الرضا بحكم الله تعالى فهو " يجعل من يشاء عقيما " سورة الشورى 50
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص 56.(5/8357)
أطفال الأنابيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يسمى بأطفال الأنابيب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة قد تم بحثها في مجمع الفقه الإسلامي وأصدر بشأنها ما يلي:
أولاً: الطرق الخمس التالية محرماً شرعاً، وممنوعة منعاً باتاً لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية.
الأولى: أن يجري التلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم زوجته.
الثانية: أن يجري التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة.
الثالثة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.
الرابعة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
الخامسة: أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.
ثانياً: الطريقان السادسة والسابعة لا حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة وهما:
السادسة: أن تؤخذ نطفة من زوج وبييضة من زوجته ويتم التلقيح خارجياً ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
السابعة: أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحاً داخلياً. انتهى
ومن المحذورات التي تحصل في هذه القضية عموما: الكشف على العورة المغلّظة للمرأة، وكذلك احتمالات حدوث الخطأ في المختبرات، وأيضا ما يمكن أن يقع من بعض ضعفاء النفوس في المستشفيات من مخالفة الأمانة بالاستبدال المتعمّد لإنجاح العملية لتحصيل الكسب المادي، ولذلك كان لا بدّ من الحذر الشّديد في هذه المسألة والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المجمع الفقهي ص 34(5/8358)
استعمال مشيمة الآدمي في علاج مرض السرطان
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجان ينتظران مولودهما الجديد قريبا ويريدان أن يحافظا على المشيمة والغلاف والتي اُكتشف بأنها علاج لبعض حالات السرطان. فهل هذا يجوز في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
عرض السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين:
السؤال: ما حكم الاحتفاظ بالمشيمة لعلاج السرطان ولإزالة تجاعيد الوجه؟
فأجاب فضيلته بما يلي: الظاهر أنه لا بأس بها مادام أنه قد ثبت ذلك.
سؤال: هل تنطبق عليها قاعدة: ما قطع من حي فهو ميت؟
جواب: الآدمي ميتته طاهرة.
سؤال: وإذا لم يكن لها فائدة هل يجب دفنها؟ أم تلقى في أي مكان؟
جواب: الظاهر أنها من جنس الأظافر والشعر. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8359)
تجربة الأدوية الطبية على الحيوانات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إجراء الأبحاث على الحيوانات لتطوير الطب والأدوية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بالتالي:
لا أرى في هذا بأسا لعموم قوله تعالى: " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا "، ولكن يجب أن يسلك أسهل الطرق في التجارب (وأبعدها عن تعذيب الحيوانات) .. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8360)
أعطت جرعة مضاعفة استعجالا للشفاء فمات
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أمرها الطبيب أن تعطي ولدها إبرة كل يومين مرة، فمن شفقتها واستعجالها الشفاء لولدها أعطته العلاج يومياً فمات ولدها، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه عليها الدية، إذا كانت عاقلة، والكفارة عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، ويجب على الأم أن تحذر من مثل هذا العمل، وتمشي على تعليمات الطبيب. أهـ والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8361)
الضوابط في مسألة النظر للعورة في العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن توضح لي أمر اختيار الطبيب، فقد قالت مدرستي بأن المرأة المريضة يجب أن تختار طبيبة مسلمة ثم الطبيبة الكافرة ثم الطبيب المسلم ثم الطبيب الكافر، ولا نذهب لطبيب إلا إذا عدم وجود طبيبة ونحتاج لمختص.
قالت صديقتي بأن مدرستها قالت بأن الخيار الأول أن يكون مسلماً سواءاً طبيب أو طبيبة، ثم يأتي الكافر طبيب أو طبيبة.
أنا محتارة، فأنا أفهم أن الأطباء المسلمون عندهم أمانة أكثر من غير المسلمين ولكن ألا تأتي مسألة العورة أكثر أهمية ثم تجنب الفتنة؟
بعض أصدقائي النساء يفضلون الذهاب لطبيب مسلم في مراجعتهم فترة الحمل وكذلك حين الوضع بينما يوجد الكثير من القابلات مسلمات وغير مسلمات.
أرجو أن تنصحنا يا أستاذ
جزاك الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين: نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ففيما يلي ذِكْر لبعض القواعد والضوابط في مسألة: " النظر للعلاج "
أولا: عورة الرجل ما بين السرّة والركبة لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين السُّرَّة والركبة عورة) حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والدارقطني. وهذا قول جمهور أهل العلم.
ثانيا: المرأة كلها عورة أمام الأجنبي لقوله تعالى: {وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} ولقوله صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة) رواه الترمذي بسند صحيح وهذا القول هو الصحيح من المذهب عند الحنابلة وإحدى الروايتين عند المالكية وأحد القولين عند الشافعية.
ثالثا: تَعمّد النظر إلى العورات من المحرمات الشديدة ويجب غضّ البصر عنها لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن.. الآية} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة..) رواه مسلم وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميّت) رواه أبو داود وهو حديث صحيح
رابعا: كلّ ما لا يجوز النّظر إليه من العورات لا يحلّ مسّه ولو من وراء حائل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: (إني لا أصافح النساء) رواه مالك وأحمد وهو حديث صحيح، وقال: (لأن يُطعن في رأس أحدكم بمِخْيَط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له) رواه الطبراني وهو حديث صحيح. قال النووي رحمه الله: وحيث حَرُم النظر حَرُم المسّ بطريق الأَوْلى، لأنه أبلغ لذّة.
خامسا: العورات أنواع ودرجات فمنها العورة المغلّظة (السوأتان: القُبُل والدُّبُر) والعورة المخففة كفخذي الرّجل أمام الرّجل.
والصغير دون سبع سنين لا حكم لعورته، والصغير المميِّز ـ من السابعة إلى العاشرة ـ عورته الفرجان، والصغيرة المميِّزة عورتها من السرّة إلى الركبة، (وكلّ ذلك عند أَمْن الفتنة) وعورة الميّت كعورة الحيّ، والأحوط إلحاق الخنثى بالمرأة في العورة لاحتمال كونه امرأة.
سادسا: الضرورات تبيح المحظورات، ولا خلاف بين العلماء في جواز نظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن الضوابط الشرعية، وكذلك القول في نظر الطبيب إلى عورة الرجل المريض، فيباح له النظر إلى موضع العلّة بقدر الحاجة، والمرأة الطبيبة في الحكم كالطبيب الرجل. وهذا الحكم مبني على ترجيح مصلحة حفظ النفس على مصلحة ستر العورة عند التعارض.
سابعا: " الضرورة تُقدَّر بقدرها ": فإذا جاز النظر والكشف واللمس وغيرها من دواعي العلاج لدفع الضرورة والحاجة القويّة فإنه لا يجوز بحال من الأحوال التعدّي وترك مراعاة الضوابط الشرعية ومن هذه الضوابط ما يلي:
1ـ يقدّم في علاج الرجال الرجال وفي علاج النساء النساء وعند الكشف على المريضة تُقدّم الطبيبة المسلمة صاحبة الكفاية ثمّ الطبيبة الكافرة ثمّ الطبيب المسلم ثمّ الطبيب الكافر، وكذلك إذا كانت تكفي الطبيبة العامة فلا يكشف الطبيب ولو كان مختصا، وإذا احتيج إلى مختصة من النساء فلم توجد جاز الكشف عند الطبيب المختص، وإذا كانت المختصة لا تكفي للعلاج وكانت الحالة تستدعي تدخّل الطبيب الحاذق الماهر الخبير جاز ذلك، وعند وجود طبيب مختص يتفوّق على الطبيبة في المهارة والخبرة فلا يُلجأ إليه إلا إذا كانت الحالة تستلزم هذا القدر الزائد من الخبرة والمهارة. وكذلك يُشترط في معالجة المرأة للرجل أن لايكون هناك رجل يستطيع أن يقوم بالمعالجة.
2ـ لا يجوز تجاوز الموضع اللازم للكشف فيقتصر على الموضع الذي تدعو الحاجة إلى النظر إليه فقط، ويجتهد مع ذلك في غضّ بصره ما أمكن، وعليه أن يشعر أنه يفعل شيئا هو في الأصل محرّم وأن يستغفر الله عما يمكن أن يكون حصل من التجاوز.
3ـ إذا كان وصف المرض كافيا فلا يجوز الكشف وإذا أمكن معاينة موضع المرض بالنظر فقط فلا يجوز اللمس وإذا كان يكفي اللمس بحائل فلا يجوز اللمس بغير حائل وهكذا.
4ـ يُشترط لمعالجة الطبيب المرأة أن لا يكون ذلك بخلوة فلا بدّ أن يكون مع المرأة زوجها أو محرمها أو امرأة أخرى من الثقات.
5ـ أن يكون الطبيب أمينا غير متهم في خلقه ودينه ويكفي في ذلك حمل الناس على ظاهرهم.
6ـ كلما غَلُظت العورة كان التشديد أكثر قال صاحب كفاية الأخيار: واعلم أن أصل الحاجة كان في النظر إلى الوجه واليدين، وفي النظر إلى بقية الأعضاء يُعتبر تأكّد الحاجة، وفي النظر إلى السوأتين يُعتبر مزيد تأكُّد الحاجة. ولذلك لا بدّ من التشديد البالغ في مثل حالات التوليد وختان الإناث اليافعات.
7ـ أن تكون الحاجة إلى العلاج ماسة كمرض أو وجع لا يُحتمل أو هُزال يُخشى منه ونحو ذلك أما إذا لم يكن مرض أو ضرورة فلا يجوز الكشف عن العورات كما في حالات التوهّم والأمور التحسينية.
8ـ كلّ ما تقدّم مُقيّد بأمن الفتنة وثوَران الشهوة من كلّ من طرفي عملية المعالجة.
وختاما فإنه لا بدّ من تقوى الله في هذه المسألة العظيمة التي احتاطت لها الشريعة وجعلت لها أحكاما واضحة وحازمة. وإن مما عمّت به البلوى في هذا الزمان التساهل في مسائل الكشف عن العورات في العيادات والمستشفيات وكأن الطبيب يجوز له كلّ شيىء ويحلّ عنده كلّ محظور. وكذلك ما وقع في البرامج التعليمية المأخوذة نسخة طبق الأصل مما هو موجود في بلاد الكفّار تشبها بهم من التساهل في عدد من حالات التعليم والتدريب والاختبار.
وواجب على المسلمين الاعتناء بتخريج النساء من أهل الكفاية في التخصصات المختلفة للقيام بالواجب، وحسن إعداد جداول المناوبات في المستوصفات والمستشفيات لئلا تقع نساء المسلمين في الحرج، وأن لا تُهمل المريضة أو يتبرّم منها الطبيب إذا طلبت طبيبة لعلاجها.
والله المسؤول أن يفقهنا في الدين وأن يعيننا على القيام بأحكام الشريعة ورعاية حقوق المسلمين.
وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8362)
تجربة الدواء الجديد على شخص مقابل مال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يقبل المريض المسلم بإجراء تجربة الدواء الجديد عليه مقابل مال علما أنّ هذا الدواء قد يكون له أضرار جانبية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
إذا كان الضرر الذي يمكن أن يحصل من جراء تجربة الدواء الجديد يمكن إزالته بأدوية مباحة وتخفيف أثره، سواء عالجته الشركة أو غيرها، فلا مانع من استعماله كتجربة سواء بمقابل أو تبرعا؛ لأنه إذا عرف بأن الضرر الذي يمكن أن يحصل يمكن أن يُحدث تلفا ولا يمكن معالجته فلا يجوز ولو بمال كثير لقوله تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/8363)
حكم معرفة جنس الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال الأجهزة الطبية أو الأشعة فوق الصوتية لمعرفة جنس الطفل وهو في رحم أمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
لا بأس بهذا، إلا إذا كان فيه نفقات باهظة، فقد يقال أنه من إضاعة المال، حيث أنه لا يترتب على معرفة جنس الجنين إلا مجرد الفرحة بمعرفة جنسه، فإذا كانت المعرفة لا تحصل إلا بنفقات باهظة فهو من إضاعة المال فإنه لا يجوز. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8364)
البحث عن علاج للعجز الجنسي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز البحث عن علاج للعجز الجنسي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز البحث عن علاج للعجز الجنسي لأنه مرض وداء وقد أباح الشارع التداوي فقال صلى الله عليه وسلم: " نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء - أو دواء - إلا داء واحداً، فقالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال:الهرم " رواه الترمذي (1961) وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي (2/202) ، وقال صلى الله عليه وسلم: " ما أنزل الله داءً إلا قد أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " رواه الإمام أحمد (3397) واللفظ له والبخاري (5246) ، ويشترط في الدواء والعلاج شروط، منها:
1- أن لا يؤدي إلى حدوث مضرة أكبر، كمرض أشد أو هلاك، وبعض أدوية الضعف الجنسي قد تؤدي إلى ذلك.
2- أن لا يكون بمحرم كالخمر والنجاسة ولحم ما لا يجوز أكله.
3- عدم التساهل في كشف العورات.
4- أن لا يتعاطاه إلا بعد استشارة الطبيب الخبير الثقة. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8365)
ذهاب الرجل إلى امرأة تقوم بالتدليك
[السُّؤَالُ]
ـ[أصلي الصلوات الخمسة، بعض الأحيان أشعر بألم في جسمي فأذهب لامرأة للتدليك وليس للجنس، فهل هذا ذنب وما هي عقوبته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
فأجاب حفظه الله:
لا يجوز أن يدلكها ولا تدلكه.. ولا بد أن يصير شيء خصوصا إن كانت شابة وهو شاب، انتهى.
فالشريعة قد جاءت يا أخي بسدّ كلّ الأبواب الموصلة إلى الفتنة والمؤثّرة في طرفي العلاقة أو أحدهما والتدليك فيه كشف لبعض البدن وملامسة مباشرة فهو باب خطير للفتنة وثوران الشهوة فعليك بالبحث عن أخصّائي رجل ليقوم لك بهذا العمل عند الحاجة أو أن يتعلّمه بعض
أهلك ليقوموا بالمطلوب، وفقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8366)
حكم زراعة قلب كافر لمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[طفل عمره ثلاثة أشهر زُرع له قلب لأن قلبه القديم لم ينمو بشكل طبيعي، والسؤال هو: القلب الذي زُرع له قلب كافر فهل هناك بأس في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين
هل هناك كراهة لزراعة قلب كافر ميت في جسد مسلم؟
فأجاب حفظه الله بقوله:
لا، لأن هذا العضو الصنوبري ليس محل الكفر والإيمان.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/8367)
تجميل الأنف دفعا للسخرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز اجراء عملية تصغير لأنفه لأنه يتعرض لسخريات لا يتحملها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت عن هذا الأمر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - فأجاب:
لا أعلم فيه شيئا (أي يحظره ويحرمه) ، ما في مانع إذا تيسر. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز(5/8368)
هل يجوز تصوير المريض وعرض الصور في المؤتمرات الطبية
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الحالات المرضية وخصوصا النادرة يريد بعض الأطباء تصوير المريض أو جسده أو أجزاء من جسده - كالصدر والظهر والرجلين - لينفع في تدريس هذا المرض للآخرين، فهل قيام الطبيب بهذا التصوير وعرضه في مؤتمر من المؤتمرات فيه بأس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
إذا كان بعلم المريض وفيها مصلحة للجمهور ما فيها بأس، أما إذا كان بغير إذنه فلا يجوز.
السؤال: إذا كان المرض في منطقة الفخذين؟
الجواب: العورة المغلظة تغطّى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8369)
امرأة حامل بأربعة هل يجوز أن تسقط اثنين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة لا تلد فكشف عليها الأطباء فوجدوا أن البويضات الأنثوية ميتة ثم قاموا بعملية زراعة للبويضات فحملت المرأة بأربعة فلما كشف عليها الأطباء وأخبروا زوجها قال أنه لا يريد أربعة لأن المرأة قد تتعب وتوهن فقال أن يخرجوا اثنين ويبقوا اثنين فقال الأطباء لا نعمل هذا العمل إلا بفتوى من فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، علماً بأن مدة الحمل ثلاثة أشهر فهل يجوز للأطباء أن يعملوا هذه العملية حيث أنهم توقفوا لينظروا في رأي فضيلتكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زراعة البويضات لا نتكلم عنها لأن الأمر قد مضى، أما تنزيل بعض ما في بطنها فإن كان يخشى على الأم ولم يتم للحمل أربعة أشهر فلا بأس، وإن كان قد تم للحمل أربعة أشهر فإنه لا يجوز التنزيل بأي حال من الأحوال.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة.(5/8370)
إزالة حب الخال الذي حوله شعر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إزالة حب الخال في الوجه وحوله شعر؛ لأنه يشوه المنظر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا بأس. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8371)
عقيم وافق أن تنجب زوجته بحيوانات منوية من شخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص لا ينجب وقال له الأطباء ليس عندك حيوانات منوية، سافر إلى الخارج ووافق على أخْذ حيوانات من غيره وزرْعها في رحم زوجته ولم يخبرها، فحملت وولدت ولا تدري بالحقيقة، ثم تاب إلى الله فيقول ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
.عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
الأولاد طبعا ليسوا أولاده.
سؤال:
هو يعرف أن الحيوان ليس منه.
جواب:
ليسوا بأولاده، وهناك قول لبعض العلماء أن الزاني إذا استلحق الولد لحقه لكن هذا ليس بولده، وليس كالزاني فالزاني الحيوانات منه وهذا ليست منه، فيجب عليه أن يتبرأ من هؤلاء الأولاد فيعطيهم للحكومة أو يتصرف فيهم (بوضعهم في مكان للرعاية أو عند جهة خيرية تتكفّل بتربيتهم) .
سؤال:
نقول يجب عليك أن لا تنسبهم إليك.
جواب:
نعم، أن تتبرأ منهم، فتعطيهم الحكومة أو يبقون عند أمهم بشرط ألا ينسبون إلى الرجل هذا.
سؤال:
حديث الولد للفراش هل ينفع في هذه الحالة؟
جواب:
لا ينفع. انتهى،
نسأل الله السلامة والعافية وهذا بعض ما جنته الحضارة الحديثة على الأنساب والأعراض وما لعبت به في عقول الخلق وكذلك فإن مثل هذه المأساة الاجتماعية نتيجة متوقّعة للمعصية بالكذب والتزوير والخداع من هذا الرجل لزوجته وكيف سلك هذا السبيل المحرّم شرعا والذي يُنافي ما جاءت به الشريعة من حفظ النّسب ويُنافي الرجولة أيضا، وكذلك فهذه صورة بشعة للتعاون على الإثم والعدوان والمشاركة في الباطل من هذا المتبرّع أو البائع لمنيّه والطبيب المجرم الذي وافق على إجراء العملية وإلى الله المشتكى من غربة الدّين وسيطرة اعداء الإسلام والفاجرين. والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8372)
حكم زراعة الأعضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الجائز أن نتبرع بالأعضاء أو نأخذها (نقبلها كتبرع لنا) . حيث أنني لم أجد منع صريح في القرآن لمسألة زراعة الأعضاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان هذا الموضوع من الموضوعات التي تولى بحثها مجمع الفقه الإسلامي وأصدر فيها الفتوى التالية:
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.
ثانياً: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرينة العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولى المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعا ً: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بان لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.
ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث.. على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية. وانظر أيضا السؤال 2141، 2159، 424. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
قرارات مجمع الفقه الإسلامي(5/8373)
زراعة الأعضاء التناسلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عملية زراعة الخصيتين المنقولة من شخص حديث الوفاة خصوصا وأنّ ذلك قد يكون حلاّ للشخص المُصاب بالعُقم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد أجاب مجلس مجمع الفقه الإسلامي عن هذه المسألة بما يلي:
أولاً: زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشّفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زراعتهما في متلقّ جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً.
ثانياً: زرع أعضاء الجهاز التناسلي: زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية - ما عدا العورات المغلظة - جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 121(5/8374)
حكم التداوي وأخذ إذن المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التداوي في الإسلام وخصوصا في الأمراض الميؤوس منها؟ وهل يجب أخذ إذن المريض قبل البدء في العلاج وخاصة في حالات الطوارئ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابع بجدة 1412 هـ:
" أولاً: التداوي:
الأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والفعلية، ولما فيه من حفظ النفس الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع.
وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص:
- فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية.
- ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق الحالة الأولى.
- ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين.
- ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها.
ثانياً: علاج الحالات الميؤوس منها:
أ - مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عز وجل، وأن التداوي والعلاج أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون وأنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله. وعلى الأطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض، والدأب في رعايته وتخفيف آلامه النفسية والبدنية بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه.
ب - إن ما يعتبر حالة ميؤوساً من علاجها هو بحسب تقدير الأطباء وإمكانات الطب المتاحة في كل زمان ومكان وتبعاً لظروف المرضى.
ثالثاً: إذن المريض:
أ - يشترط إذن المريض للعلاج إذا كان تام الأهلية، فإذا كان عديم الأهلية أو ناقصها اعتبر إذن وليه حسب ترتيب الولاية الشرعية ووفقاً لأحكامها التي تحصر تصرف الولي فيما فيه منفعة المولي عليه ومصلحته ورفع الأذى عنه. على أن لا يُعتد بتصرف الولي في عدم الإذن إذا كان واضح الضرر بالمولى عليه، وينتقل الحق إلى غيره من الأولياء ثم إلى ولي الأمر.
ب - لولي الأمر الإلزام بالتداوي في بعض الأحوال، كالأمراض المعدية والتحصينات والوقائية.
جـ- في حالات الإسعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر لا يتوقف العلاج على الإذن.
د- لابد في إجراء الأبحاث الطبية من موافقة الشخص التام الأهلية بصورة خالية من شائبة الإكراه - كالمساجين - أو الإغراء المادي - كالمساكين - ويجب أن لا يترتب على إجراء تلك الأبحاث ضرر. ولا يجوز إجراء الأبحاث الطبية على عديمي الأهلية أو ناقصيها ولو بموافقة الأولياء ". انتهى من مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع ج/ 3 ص/729
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8375)
مداواة الرجل للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مداواة الطبيب للمرأة المسلمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8376)
استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: يوجد في بعض الحقول الطبيّة توجّه للاستفادة من الأجنّة المُجهضة في عمليات زراعة الأعضاء فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يوجد في العالم اليوم تجارة تُعرف بتجارة الأجنّة يتورط فيها بعض الأطبّاء بتعمّد إسقاط بعض الأجنّة لاستثمار بيع أعضاء الجنين أو خلاياه التي تستخلص في حقن يستفيد منها بعض أغنياء المسنّين وغيرهم، وهذه من الجرائم العظيمة وفيها إزهاق الأرواح البريئة والاعتداء المتعمّد بالقتل لأجل المال وهذا من الظلم العظيم وحكمه واضح وبيّن، وأمّا عن مسألة حكم استخدام الأجنة مصدرا لزراعة الأعضاء، فقد تولى بحثها مجمع الفقه الإسلامي وأصدر فيها الفتوى التالية:
أولاً: لا يجوز استخدام الأجنة مصدراً للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إلا في حالات بضوابط لابد من توافرها:
أ - لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر، بل يقتصر الإجهاض على الإجهاض الطبيعي غير المتعمد والإجهاض للعذر الشرعي، ولا يلجأ لإجراء العملية الجراحية لاستخراج الجنين إلا إذا تعينت لإنقاذ حياة الأم.
ب - إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة فيجب أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها، لا إلى استثماره لزراعة الأعضاء، وإذا كان غير قابل لاستمرار الحياة فلا يجوز الاستفادة منه إلا بعد موته بالشروط الشرعية.
ثانياً: لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق.
ثالثاً: لا بد أن يسند الإشراف على عمليات زراعة الأعضاء إلى هيئة مخصصة موثوقة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 119(5/8377)
حكم التداوي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان شخص ما في مرحلة متأخرة من مرض عضال. حيث العلاج لم يعد مجديا (مع بصيص أمل ضعيف) فهل يقبل المريض العلاج؟
فالعلاج له أعراض جانبيه لا يرغب المريض إضافتها لمعاناته؟
في العموم هل يجب على المسلم التداوي أم هو أمر اختياري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التداوي مشروع من حيث الجملة، لما روى أبو الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بالحرام.) ، رواه أبو داود 3376، ولحديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد) قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: (الهرم) . أخرجه الترمذي 4/383 رقم 1961 وقال: هذا حديث حسن صحيح وهو في صحيح الجامع 2930.
وقد ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية) إلى أن التداوي مباح. وذهب الشافعية، والقاضي وابن عقيل وابن الجوزي من الحنابلة إلى استحبابه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تتداووا بالحرام) . وغير ذلك من الأحاديث الواردة، والتي فيها الأمر بالتداوي، قالوا: واحتجام النبي صلى الله عليه وسلم وتداويه دليل على مشروعية التداوي، ومحل الاستحباب عند الشافعية عند عدم القطع بإفادته، أما لو قُطِع بإفادته (كعَصْب الجُرح) فإنه واجب (ومن أمثلة ذلك في عصرنا نقل الدم في بعض الحالات.) .
يُنظر حاشية ابن عابدين 5/215، 249. والهداية تكملة فتح القدير 8/134، والفواكه الدواني 2/440، وروضة الطالبين 2/96، وكشاف القناع 2/76، والإنصاف 2/463، والآداب الشرعية 2/359 وما بعدها، وحاشية الجمل 2/134.
قال ابن القيم: في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تَرْكها أقوى في التوكل، فإن تَرْكها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً. زاد المعاد 4/15. يُنظر الموسوعة الفقهية 11/116
والخلاصة في جواب السّؤال المذكور أنّ التداوي ليس بواجب عند العلماء إلاّ إذا قُطِع بفائدته - عند بعضهم - وحيث أنّ التداوي في الحالة المذكورة في السّؤال ليس بمقطوع الفائدة وأنّ المريض يتأذّى نفسيا منه فلا حرج مطلقا في تركه، وعلى المريض أن لا ينسى التوكّل على الله واللجوء إليه فإنّ أبواب السماء مفتوحة للدّعاء، وعليه برقية نفسه بالقرآن الكريم مثل أن يقرأ على نفسه سورة الفاتحة وسورة الفلق وسورة النّاس فهذه تنفع نفسيا وجسمانيا مع ما في التّلاوة من الأجر والله الشّافي لا شافي إلا هو.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8378)
الاستشفاء بالمياه المعدنية وذبح الخراف عندها
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد في جنوب الأردن المياه المعدنية والتي يطلق عليها بئر سليمان بن داود، فيقصدها الناس للاستحمام والشفاء، ويحضرون معهم الذبائح لذبحها حال وصولها، فما حكم ذبح مثل هذه الذبائح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الماء مجرباً معلوماً، ينتفع به لبعض الأمراض فلا بأس؛ لأن الله جعل في بعض المياه فائدة لبعض الأمراض، فإذا عرف ذلك بالتجارب أن هذا الماء ينتفع به من كان به أمراض معينة، كالروماتيزم وغيره فلا بأس في ذلك.
أما الذبائح ففيها تفصيل:
فإن كانت تذبح من أجل حاجتهم وأكلهم ونحو ذلك، وما يقع لهم من ضيوف فلا بأس بذلك , وإن كانت تذبح لأي شيء آخر كالتقرب إلى الماء أو الجن أو الأنبياء، أو لشيء من الاعتقادات الفاسدة، فهذا لا يجوز؛ لأن الله سبحانه يقول مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له) الأنعام /162-163، ويقول عز وجل: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) الكوثر /1-2.
فالذبح لله سبحانه وتعالى والنسك له وحده، وهكذا سائر العبادات كلها لله وحده، لا يجوز صرف شيء منها لغير الله لقول الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة /5، وقوله سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر /2-3، ولما تقدم من الآيات وما جاء في معناها، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) خرجه مسلم في صحيحه، من حديث علي رضي الله عنه.
فليس للمرء أن يذبح للجن ولا النجم الفلاني أوالكوكب الفلاني، أو الماء الفلاني، أوالنبي الفلاني، لأي شخص، أو للأصنام، بل التقرب كله لله سبحانه وتعالى بالذبائح والصلوات، وسائر العبادات، لقول الله عز وجل: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة/5، ولما سبق من قوله جل وعلا: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة /5، وقوله سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر / 2-3، وغيرها من الآيات.
والذبح من أهم العبادات، وأفضل القربات، فيجب إخلاصه لله وحده، لما ذكرنا من الآيات، ولما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح بغير الله) .
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 324.(5/8379)
لا بأس بعمليات الليزر في العين لعلاج ضعف البصر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر العمليات الجراحية بالليزر لتصحيح ضعف البصر وللاستغناء عن النظارات حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إجراء عملية بالليزر لمعالجة ضعف النظر في العين جائزة ولا بأس بالقيام بها إذا كانت عند خبير وكان يغلب على الظنّ نجاحها وأنه لا يترتب عليها ضرر ومضاعفات تجعل الحال أسوأ مما كان عليه لأنّ الشريعة نهت عن إلحاق الضرر بالنفس والغير كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) . والشريعة لا تمنع المسلم من إجراء ما يفيده ويقوي حواسّه بالوسائل المباحة وليست عمليات الليزر من تغيير خلق الله، نسأل الله العافية في الدّين والبدن والولد والمال، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8380)
نصيحة حول قضية المرأة والطبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الرأي في قضية المرأة والطبيب وبم تنصحون الأخوات المسلمات حول هذا الموضوع، وكذلك أولياء الأمور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن قضية المرأة والطبيب قضية مهمة، وفي الحقيقة أنها متعبة كثيراً، ولكن إذا رزق الله المرأة التقوى والبصيرة فإنها تحتاط لنفسها وتعتني بهذا الأمر، فليس لها أن تخلو بالطبيب وليس للطبيب أن يخلو بها، وقد صدرت الأوامر والتعليمات في منع ذلك من ولاة الأمور، فعلى المرأة أن تعتني بهذا الأمر وأن تتحرى التماس الطبيبات الكافيات، فإذا وجدن فالحمد لله ولا حاجة إلى الطبيب، فإذا دعت الحاجة إلى الطبيب لعدم وجود الطبيبات فلا مانع عند الحاجة إلى الكشف والعلاج، وهذه من الأمور التي تباح عند الحاجة لكن لا يكون الكشف مع الخلوة بل يكون من وجود محرمها أو زوجها إن كان الكشف في أمر ظاهر كالرأس واليد والرجل أو نحو ذلك، وإن كان الكشف في عورات فيكون معها زوجها إن كان لها زوج أو امرأة، وهذا أحسن وأحوط، أو ممرضة أو ممرضتان تحضران، ولكن إذا وجد غير الممرضة امرأة تكون معها يكون ذلك أولى وأحوط وأبعد عن الريبة، وأما الخلوة فلا تجوز.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1002(5/8381)
حكم تعاطي عقارات التخصيب لأجل حصول الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن للمسلم أن يتعاطى عقارات للخصوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للرجل أن يُعالج نفسه بالأدوية المباحة التي يكون لها تأثير في الأمراض التي حلّت به سواء عدم الإنجاب أو غيره، إذا كانت تلك الأدوية يرجى تأثيرها ونفعها وليس فيها ضرر على البدن.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الله بن جبرين(5/8382)
الاختبار الطبي لإثبات بكارة الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نقوم بامتحان روتيني لإثبات العفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المراد إجراء كشف طبي لإثبات البكارة فلا بأس به عند الحاجة إليه بطلب الزوج، لا سيما عند التهمة وقد يتعين ذلك إذا لم يكن وسيلة سواه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/8383)
خلوة الطبيب بالممرضة في غرفة الكشف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب في غرفة الكشف ترافقني ممرضة في نفس الغرفة، وحتى يحضر مريض يحصل بيننا حديث في أمور شتى، فما هو رأي الشرع في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يخلو ممرض أو طبيب بممرضة أو طبيبة، لا في غرفة الكشف، ولا في غيرها، ... ولما يفضي إليه ذلك من الفتنة إلا من رحم الله، ويجب أن يكون الكشف على الرجال للرجال، وعلى النساء للنساء وحدهن.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 431.(5/8384)
استعمال الأدوية لا ينافي التوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي نظرة الإسلام إلى استعمال الأدوية؟ وهل استعمالها يخالف التوكل على الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: التداوي مشروع من حيث الجملة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بالحرام ".
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 254) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1633) .
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: " نعم عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرَم.
رواه الترمذي (2038) وقال: حسن صحح، وأبو داود (3855) وابن ماجه (3436) .
ثانياً:
التداوي لا ينافي التوكل:
قال ابن القيم:
في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا.
" زاد المعاد " (4 / 15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8385)
تلقيح بويضة الزوجة خارج الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الحاضنة - وهي من يحقن مني الرجل أو الأمشاج في رحمها - زوجة لصاحب النطفة، ووضعت تلك النطفة مباشرة فيها بطريقة طبية، نظراً لكون الرجل لا يستطيع إيصال ماءه عن طريق الاتصال الطبيعي لسبب ما فما الحكم في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في الصورة المذكورة في السؤال دارت أقوال علماء هذا العصر ما بين قائل بالجواز وقائل بالتحريم وقائل بالتوقف، وممن قال بالتوقف سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وقد رجح الباحث ما ذهب إليه الجمهور من علماء هذا العصر، ولكن بشروط هي:
أ - الحاجة الملحة: بأن لا يمكن الحمل بالاتصال الطبيعي.
ب - أن يغلب على ظن الطبيب المعالج أن لا ضرر من إجراء العملية.
ت - أن لا يكون هناك مجال لاختلاط الأنساب.
الحكم في الصورة السابقة كالحكم فيما لو أخذت النطفة من رجل، والبييضة من زوجته، ثم لقحت في أنبوب اختبار زجاجي، ثم أعيدت للرحم، فالراجح هنا الجواز، كذلك مع تقييده بالشروط السابق ذكرها.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد 1796 ص 20.(5/8386)
استخدام بويضة أو نطفة من غير الزوجين في التلقيح الصناعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التلقيح الصناعي بأن تكون البييضة أو النطفة من غير الزوجين؟ ولمن ينسب الولد في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخل في عملية التلقيح عنصر أجنبي عن الزوجين كأن تكون البييضة من أجنبية عن الزوجين أو تكون الحاضنة أجنبية عنهما أو تكون النطفة من غير الزوج، فالتلقيح والحالة هذه محرم، لأنه يعتبر زنا، فإن استدخال المرأة مني الرجل له حكم الوطء في الحل والحرمة.
أما الولد الذي ينتج عن هذه الصورة فينسب إلى أمه التي ولدته، ولا ينسب إلى الرجل صاحب النطفة، كالحكم في ولد الزنى، ولو ادعى هذا الرجل نسب الولد ولم ينازعه أحد فإنه يلحق به، لتشوف الشارع إلى إلحاق الناس بآبائهم، أما حديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فيحمل على ما إذا كان هناك نزاع كما يوضحه سبب الحديث.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد 1796 ص 20.(5/8387)
استئجار الأرحام حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة لا يثبت الحمل في رحمها فما حكم أخذ بويضة منه وتلقح من زوجها ثم تزرع في رحم امرأة أخرى سواء بأجرة أو بغير أجرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين بقوله: " نقول إن هذا شيء مبتدع ومنكر ولم يتكلم فيه العلماء سابقاً ولم يذكر عن أحد من علماء الأمة وأئمتها أنه أجاز ذلك أو خطر بباله أو عرض عنه شيء يدل عليه مع وجود الأسباب والدوافع التي يمكن أن تدعو على مثله وهذا حدث في زمن قريب أي منذ سنوات قليلة، حيث زين لبعض هؤلاء تأجير الأرحام وقالوا إنه لا مانع منه وأن فيه وأن فيه ... ولا شك أن هذا محرم أولاً لأن الله تعالى أمر بحفظ الفروج في قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) المؤمنون/5-6.
فمنع الحق جل وعلا استباحة الفروج إلا الزوجات والمملوكات أي وطئهن بملك اليمين.
ثانياً: أخبر الله تعالى بأن الإنسان مأمور بأن يحفظ نسبه ويحفظ أولاده، ولا شك ان هذا التاجير يحصل به اختلاط الأنساب والتداخل فيها ويكون في ذلك شبهة وفي ذلك تداخل في النسب بحيث يتنازع على الولد الزوجة الأصلية والمؤجرة ولا يدرى لأيتهما يلحق ولو ألحق بإحداهما فإن ذلك ليس بيقين، لذلك ننصح الأم أن تبتعد عن مثل هذا. ولا شك أيضاً أنه يستدعي الاطلاع على العورات ويستدعي النظر إلى الفروج المحرمة ويستدعي أيضاً "الاستدرار" وإخراج البويضات وإدخالها في أرحام أخرى وكل هذا لا يبيحه الشرع، بل يدخل في قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) النور/30، والمراد حفظها بالستر حتى لا ينظر أحد إلى عورة أحد وهذا هو الذي ندين به ولا عبرة بهؤلاء الذين شذوا وخالفوا في ذلك وأباحوا هذه الاستعارة أو التأجير الذي تكون وبلا شك عاقبته وخيمة " انتهى.
" وتأجير الأرحام بدعة من بدع الحضارة الغربية وهو حضارة مادية صرفة لا تقيم للمبادئ والقيم الأخلاقية وزناً والواقع أن عملية تأثر الصفات الوراثية أو اختلاط الأنساب، الحكم الشرعي غير محتاج إليه فسواء ترتب عليه تأثر وراثي ولم يترتب وسواء ترتب عليه اختلاط أنساب أو لم يترتب لأن الحكم الشرعي في تحريم هذه البدعة له سند آخر هو أن الرحم تابع لبضع المرأة والبضع لا يحل إلا بعقد شرعي كامل الشروط والأركان، فالرحم إذن وقف على الزوج العاقد على المرأة عقداً صحيحاً ولا يحل لغيره أن يشغله بحمل دخيل.
أما إذا كانت المؤجرة لرحمها غير ذات الزوج فإنها تكون قد أباحت بضعها ورحمها لرجل أجنبي لم تحل له ولم يحل لها وهذا وإن لم يكن زنىً كاملاً فهو حرام قطعاً لتمكين الرجل الأجنبي عنها في وضع مائه التناسلي فيه "
د. عبد العظيم المطعني، جامعة الأزهر.
" والجنين يتغذى ويتأثر بالرحم وبالبيئة المحيطة به وربما سلوك عادات ضارة من قبل الأم الحاضنة، إلى تشوهات الجنين مثل التدخين وتناول الكحول مثلاً، ثم ماذا لو اكتشف الطبيب تشوهات خلقية بالجنين قبل ولادته وقد حاول علاجها بالتدخل الجراحي هل تسمح بذلك الأم الحاضنة وهل ستعرض حياتها لخطر الموت من أجل وليد لا تملكه بالإضافة لذلك هنالك بعض النساء تحدث لهن أمراض ناتجة عن الحمل مثل الارتفاع المفاجئ في نسبة السكر وارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل وبعضها قد تؤدي بحياة الحامل ولابد من تدخل الطبيب للتضحية بالجنين وإنهاء الحمل حفاظاً على حياة الحامل فكيف تتفاعل الأم الحاضنة مع الأم الأصلية وكيف سنتصرف في المشاكل الأخلاقية والقانونية والاجتماعية والنفسية المترتبة على ذلك؟ لذا لا بد من الانتهاء إلى أن الأم الحاضنة لا بد ان تكون الأم الأصلية وأن ينسب الطفل للفراش وأن تكون قد حملت وغذت جنينها وولدته، والقول بأن تأجير الأرحام شبيه بظاهرة الأمهات المرضعات لا أساس له من الصحة لأن المرضع ترضع طفلاً معروف النسب ومن الممكن أن تتوقف عن إرضاعه بناء على طلبها أو طلب الأم الأصلية عند شعورها بأي خطر بالإضافة لذلك فإن علاقة الزوج بالزوجة لا تسمح بدخول طرف ثالث بينهما مهما كان، لا رحم مؤجر ولا نقل حيوانات منوية ولا نقل بويضات ولقد حدثت بسبب ذلك مشاكل لا حصر لها في الدول الغربية، ففي بريطانيا تقدمت الأم الأصلية بمبلغ عشرين ألف جنية استرليني للأم البديلة مقابل تأجير رحمها لمدة تسعة أشهر وبعد انتهاء المدة اشترطت الأم البديلة على الأم الأصلية ضعف المبلغ مقابل التنازل عن ملكية المولود وبالتالي لو فتح هذا الباب ستدخل إلينا مشاكل قانونية واجتماعية لا حصر لها "
البروفيسور جمال أبو السرور - عميد طب الأزهر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8388)
استعمال الأدوية لا ينافي التوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي نظرة الإسلام إلى استعمال الأدوية؟ وهل استعمالها يخالف التوكل على الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: التداوي مشروع من حيث الجملة:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بالحرام ".
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 254) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1633) .
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: " نعم عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرَم ".
رواه الترمذي (2038) وقال: حسن صحيح، وأبو داود (3855) وابن ماجه (3436) .
ثانياً:
التداوي لا ينافي التوكل:
قال ابن القيم:
في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا.
" زاد المعاد " (4 / 15) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8389)
استعمال حبوب منع الحمل واللولب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في استعمال اللولب الرحمي كمانع مؤقت للحمل علما بأن هذا المانع لا يمنع تلقيح البويضة ولكن يمنع علوق النطفة المخصبة على جدار الرحم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الذي ينبغي للمسلمين أن يكثروا من النسل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ لأن ذلك هو الأمر الذي وجَّه النبي إليه في قوله " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم "؛ ولأن كثرة النسل كثرة للأمة، وكثرة الأمة من عزتها، كما قال تعالى ممتنا على بني إسرائيل بذلك: {وجعلناكم أكثر نفيراً} الإسراء/6، وقال شعيب لقومه: {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثَّركم} الأعراف/86، ولا أحد ينكر أن كثرة الأمة سبب لعزتها وقوتها على عكس ما يتصوره أصحاب ظن السوء الذين يظنون أن كثرة الأمة سبب لفقرها وجوعها.
إن الأمة إذا كثرت واعتمدت على الله عز وجل وآمنت بوعده في قوله {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} هود/6: فإن الله ييسر لها أمرها ويغنيها من فضله.
بناءً على ذلك تتبين إجابة السؤال:
فلا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون في حاجة لذلك مثل أن تكون مريضة لا تتحمل الحمل كل سنة، أو نحيفة الجسم، أو بها موانع أخرى تضرها أن تحمل كل سنة.
والشرط الثاني: أن يأذن لها الزوج؛ لأن للزوج حقّاً في الأولاد والإنجاب، ولابد كذلك من مشاورة الطبيب في هذه الحبوب: هل أخذها ضار أو ليس بضار.
فإذا تمَّ الشرطان السابقان: فلا بأس باستخدام هذه الحبوب، لكن على ألا يكون ذلك على سبيل التأبيد، أي: أنها لا تستعمل حبوباً تمنع الحمل منعاً دائماً؛ لأن في ذلك قطعاً للنسل.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 657، 658) .
وعن ضرر الموانع قال الشيخ رحمه الله:
حبوب منع الحمل: بلغني من عدة جهات من الأطباء أنها ضارة، وهذا وإن لم نعلمه من جهة الأطباء فنحن نعلمه من جهة أنفسنا؛ لأن منع الشيء الطبيعي الذي خلقه الله عز وجل وكتبه على بنات آدم لا شك أنه ضرر، فالله عز وجل حكيم، ما جعل هذا الدم الذي تفرزه العروق في وقت معين إلا لحكمة، فكوننا نمنعه بهذه العقاقير: ضرر بلا شك.
لكن بلغني أن الأمر أكثر مما نتصور، وأنه قد يكون سبباً لفساد الرحم، وسبباً لأمراض الأعصاب، وهذا يوجب الحذر منه.
" لقاء الباب المفتوح " (سؤال رقم 1147) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما الحكم في استئصال الرحم للتعقيم - أي منع الحمل - لأسباب طبية حاضرة ومستقبلية لما تتوقعها الجهات الطبية والعلمية؟
فأجاب: إذا كان هناك ضرورة فلا بأس، وإلا فالواجب تركه؛ لأن الشارع يحبذ النسل ويدعو إلى أسبابه لتكثير الأمة، لكن إذا كان هناك ضرورة فلا بأس، كما يجوز تعاطي أسباب منع الحمل مؤقتا للمصلحة الشرعية.
(9 / 434) .
هذا، وما قيل في حبوب منع الحمل يقال في " اللولب "، وقد ثبت عند الأطباء الضرر القطعي لهذه الموانع، وخاصة مع الاستمرار بها، والمعروف أنه من تضع اللولب يكثر عندها نزول دم الحيض، وقد تأتيها العادة مرتين في الشهر، وهذا يسبب لها نقصان الحديد في الجسم، والحديد من العناصر المهمة التي يحتاج إليها الجسم، وربما تصاب بعض النساء بفقر الدم لدى استعمال لولب منع الحمل الذي يتسبب في دورة شهرية أطول تنزف فيها المرأة كمية كبيرة من الدماء التي تحمل معها كمية من مخزون الحديد إلى خارج الجسم، وثبت كذلك إصابة كثير من النساء بالتهابات في أرحامهن نتيجة وضعهن اللولب. ثم بعد هذا كله قد تحمل فوق اللولب كما حصل لعدد من النساء، نسأل الله العافية
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8390)
حكم الاستنساخ البشري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم استنساخ البشر؟ وما هو حكمه من ناحية النسب والزواج والميراث وغيرها من الأحكام الأسرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه غاية التكريم فقال عز من قائل: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء /70، زيَّنه بالعقل، وشرفه بالتكليف، وجعله خليفة في الأرض واستعمره فيها، وأكرمه بحمل رسالته التي تنسجم مع فطرته بل هي الفطرة بعينها لقوله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) الروم /30 وقد حرص الإسلام على الحفاظ على فطرة الإنسان سوية من خلال المحافظة على المقاصد الكلية الخمسة: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وصونها من كل تغيير يفسدها، سواء من حيث السبب أم النتيجة، يل على ذلك الحديث القدسي الذي أورده القرطبي من رواية القاضي إسماعيل: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم.. إلى قوله: - وأمرتهم أن يغيروا خلقي) تفسير القرطبي 5/389
وقد علّم الله الإنسان ما لم يكن يعلم، وأمره بالبحث والنظر والتفكر والتدبر مخاطباً إياه في آيات عديدة: (أفلا يرون) ، (أفلا ينظرون) ، (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب) (اقرأ باسم ربك الذي خلق) .
والإسلام لا يضع حجراً ولا قيداً على حرية البحث العلمي، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه، ولكن الإسلام يقضي كذلك بأن لا يترك الباب مفتوحاً بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة، لتمرر المباح وتحجز الحرام، فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون علماً نافعاً جالباً لمصالح العباد ودارئاً لمفاسدهم، ولابد أن يحافظ هذا العلم على كرامة الإنسان ومكانته والغاية التي خلقه الله من أجلها، فلا يتخذ حقلاً للتجريب، ولا يعتدي على ذاتية الفرد وخصوصيته وتميزه، ولا يؤدي إلى خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر أو يعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني في ظلال شرع الله وعلى أساس وطيد من أحكامه.
وقد كان مما استجد للناس من علم في هذا العصر، ما ضجت به وسائل الإعلام في العالم كله باسم الاستنساخ، وكان لابد من بيان حكم الشرع فيه، بعد عرض تفاصيله من قبل نخبة من خبراء المسلمين وعلمائهم في هذا المجال.
تعريف الاستنساخ:
من المعلوم أن سنة الله في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل نواة كل منهما على عدد من الصبغات (الكروموسومات) يبلغ نصف عدد الصبغات التي في الخلايا الجسدية للإنسان، فإذا اتحدت نطفة الأب (الزوج) التي تسمى الحيوان المنوي بنطفة الأم (الزوجة) التي تسمى البييضة، تحولتا معاً إلى نطفة أمشاج أو لقيحة، تشمل على حقيبة وراثية كاملة، وتمتلك طاقة التكاثر، فإذا انغرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً مكتملاً بإذن الله، وهي في مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعاً فثمانياً.. ثم تواصل تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص، فإذا انشطرت إحدى خلايا اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان متماثلان، وقد أمكن في الحيوان إجراء فصلٍ اصطناعي لأمثال هذه اللقائح، فتولدت منها توائم متماثلة، ولم يبلّغ بعد عن حدوث مثل ذلك في الإنسان، وقد عد ذلك نوعاً من الاستنساخ أو التنسيل، لأنه يولد نسخاً أو نسائل متماثلة، وأطلق عليه اسم الاستنساخ بالتشطير.
وثمة طريقة أخرى لاستنساخ مخلوق كامل، تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية الكامل على شكل نواة من خلية من الخلايا الجسدية، وإيداعها في خلية بييضة منزوعة النواة، فتتألف بذلك لقيحة تشتمل على حقيبة وراثية كاملة، وهي في الوقت نفسه تمتلك طاقة التكاثر، فإذا غرست في رحم الأم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً مكتملاً بإذن الله، وهذا النمط من الاستنساخ الذي يعرف باسم (النقل النووي) أو الإحلال النووي للخلية البييضية) وهو الذي يفهم من كلمة الاستنساخ إذا أطلقت وهو الذي حدث في النعجة " دوللي ". على أن هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق الأصل، لأن بييضة الأم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة. ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الجسدية، ولم يبلَّغ أيضاً عن حصول ذلك في الإنسان.
فالاستنساخ إذن هو: توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بييضة منزوعة النواة، وإما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء.
ولا يخفى أن هذه العمليات وأمثالها لا تمثل خلقاً أو بعض خلق، قال عز وجل: (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) الرعد /16، وقال تعالى: (أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون، نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين، على أن نبدل أمثالك وننشأكم في ما لا تعلمون، ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون) الواقعة /58-62.
وقال سبحانه: (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون، أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس /77-82.
وقال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنون /12-14.
وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات الشرعية التي طرحت:
قرر المجلس ما يلي:
أولاً: تحريم الاستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري.
ثانياً: إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي السابق فإن آثار تلك الحالات تعرض لبيان أحكامها الشرعية.
ثالثاً: تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحماً أو بييضة أم حيواناً منوياً أم خلية جسدية للاستنساخ.
رابعاً: يجوز شرعاً الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 216-220.(5/8391)
التداوي بالأعشاب والأبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التداوي بالطب الشرقي (استعمال الاعشاب، والوخز بالإبر، والحجامه) أمر جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم هذا جائز، لقوله صلى الله عليه وسلم: " تداووا عباد الله ولا تداووا بالحرام، إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرّم عليها "، فالتداوي بالأعشاب من جملة المباحات. وذلك لا ينافي التوكل، وقد جاء في الحديث أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت أدوية نتداوى بها، ورُقاً نسترقي بها هل تردّ من قدر الله، فقال عليه الصلاة والسلام: " هي من قدر الله "، أي أن الله قدّر أن يصاب الإنسان بمرض ثم قدّر أن هذا المرض يحتاج إلى علاج، وأنه إذا عولج بالأدوية أو بالأعشاب حصل الشفاء بإذن الله، فلا مانع من استخدام هذه الأدوية ومنها الوخز بالإبر، واستخدام الأعشاب.
الشيخ عبد الله بن جبرين.
وأما الأبر الصينية فإن ثبت نفعها أو كان نفعها أكثر من ضررها إذا وجد لها ضرر، فلا بأس باستخدامها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8392)
استعمال الأدوية المصنوعة من مشتقات حيوانية
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى المسلمات أنهت للتو دراستها في (طب المثلية) وهي الآن تمارس عملها، ولديها سؤالين: هل يجوز للمسلمين أن يستخرجوا أدوية من أعضاء الحيوانات/المنتجات؟ مثلا: الأنسولين الذي يُعطى عن طريق الحقن والذي يُستخرج من أنسجة الخنازير/والأدوية التي تحتوي على كبد الأبقار أو أعضاء البقر الأخرى. وأيضا، ما هو الحكم في العلاجات التي تحتوي على مستخلصات أخذت من هرمونات الحيوانات؟ هل يجوز للطبيب المسلم أن يستخدم هذه الأدوية الواردة أعلاه لعلاج المرضى من المسلمين وغير المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنتاج الدواء من غير الحيوان له حالان:
الحال الأولى: أن يصنع من مباح فيكون الدواء مباحاً، كتصنيعه من الأعشاب المُباحة.
الحال الثانية: أن يُصنع من محرم أو نجس فيكون الدواء محرماً باتفاق الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " أخرجه البخاري معلقاً (الفتح،ج10/ص 78)
أنظر الموسوعة الفقهية ج11 ص118
أما لو صنع الدواء من الحيوان فله ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يكون مما يُؤكل لحمه وقد ذُُكِّي فالتداوي به مباح.
الثانية: أن يكون مما يُؤكل لحمه ولم يُذكَّى فلا يجوز التداوي به، لأنه حرام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً من كلام ابن مسعود رضي الله عنه في كتاب الأشربة.
الثالثة: أن يكون مما لا يُؤكل لحمه فلا يجوز التداوي به؛ لما تقدم، وهذا شامل للحم الخنزير.
*قال ابن قدامة رحمه الله: " فَصْلٌ: وَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ , وَلا بِشَيْءٍ فِيهِ مُحَرَّمٌ , مِثْلِ أَلْبَانِ الأُتُنِ (جمع أتان وهي أُنثى الحمار) ، وَلَحْمِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ , وَلا شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي بِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا.} ; وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ النَّبِيذُ يُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ {: إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ} .المغني ج9 ص338
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى ج3 ص6: " مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ؟
الْجَوَابُ:
التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ حَرَامٌ , بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ {سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ تُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ , فَقَالَ: إنَّهَا دَاءٌ , وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ} . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ: أَنَّهُ {نَهَى عَنْ الدَّوَاءِ بِالْخَبِيثِ} . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ , وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا} . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ {سُئِلَ عَنْ ضُفْدَعٍ تُجْعَلُ فِي دَوَاءٍ , فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ: إنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ} . وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ قَطْعًا. وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُ عِوَضٌ , وَالأَكْلُ مِنْهَا وَاجِبٌ , فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ. دَخَلَ النَّارَ. وَهُنَا لا يُعْلَمُ حُصُولُ الشِّفَاءِ , وَلا يَتَعَيَّنُ هَذَا الدَّوَاءُ , بَلْ اللَّهُ تَعَالَى يُعَافِي الْعَبْدَ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ , وَالتَّدَاوِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ , وَلا يُقَاسُ هَذَا بِهَذَا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ."
وبناءً على ما تقدم يُجاب عن السؤال الثاني بالآتي:
2ـ لا يجوز للطبيب استخدام الأدوية المحرمة في العلاج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8393)
استعمال العدسات الملونة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف رأي الإسلام في لبس العدسات اللاصقة الملونة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العدسات اللاصقة على نوعين:
1- العدسات الطبية: وهي التي تستخدم لعلاج قصر النظر أو بعده ونحو ذلك مما هو للتداوي فهذه العدسات لا بأس باستخدامها باستشارة الطبيبة المختصة.
2- العدسات التجميلية الملونة: فهذه حكمها حكم الزينة، إن كان لزوجها فلا بأس، وإن كان لغيره فعلى وجه لا تكون فيه فتنة، ويُشترط أيضا أن لا تكون ضارة، وأن لا يكون فيها غشّ وتدليس مثل أن تظهر بها المخطوبة للخاطب، وأن لا يكون هناك إسراف في شرائها لأنّ الله نهى عن ذلك فقال: (ولا تُسرفوا) ، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8394)
حكم إجراء عملية رتق غشاء البكارة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة فقدت لسبب ما غشاء البكارة فهل يجوز لها رتق الغشاء بواسطة عملية جراحية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة تعتبر من المسائل النازلة في هذا العصر. ولهذا من المناسب ذكر كلا قولي العلماء في هذه المسألة وترجيح إحداهما:
القول الأول:
لا يجوز رتق البكارة مطلقاً
القول الثاني: التفصيل:
1- إذا كان سبب التمزق حادثة أو فعلاً لا يعتبر في الشرع معصية، وليس وطئاً في عقد نكاح يُنظر:
فإن غلب على الظن أن الفتاة ستلاقي عنتا وظلما بسبب الأعراف، والتقاليد كان إجراؤه واجباً.
وإن لم يغلب ذلك على ظن الطبيب كان إجراؤه مندوباً.
2- إذا كان سبب التمزق وطئاً في عقد نكاح كما في المطلقة، أو كان بسبب زنى اشتهر بين الناس فإنه يحرم إجراؤه.
3- إذا كان سبب التمزق زنى لم يشتهر بين الناس كان الطبيب مخيراً بين إجرائه وعدم إجرائه، وإجراؤه أولى.
تحديد محل الخلاف:
ينحصر محل الخلاف بين القولين في الحالة الأولى، والثالثة، أما في الحالة الثانية فإنهما متفقان على تحريم الرتق.
الأدلة:
(1) دليل القول الأول: (لا يجوز مطلقاً)
أولاً: أن رتق غشاء البكارة قد يؤدي إلى اختلاط الأنساب، فقد تحمل المرأة من الجماع السابق، ثم تتزوج بعد رتق غشاء بكارتها، وهذا يؤدي إلى إلحاق ذلك الحمل بالزوج واختلاط الحلال بالحرام.
ثانياً: أن رتق غشاء البكارة فيه اطّلاع على العورة المغلّظة.
ثالثاً: أن رتق غشاء البكارة يُسهّل للفتيات ارتكاب جريمة الزنى لعلمهن بإمكان رتق غشاء البكارة بعد الجماع.
رابعاً: أنه إذا اجتمعت المصالح والمفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك، وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة كما قرر ذلك فقهاء الإسلام.
وتطبيقاً لهذه القاعدة فإننا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة وما يترتب عليه من مفاسد حكمنا بعدم جواز الرتق لعظيم المفاسد المترتبة عليه.
خامساً: أن من القواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر لا يزال بالضرر، ومن فروع هذه القاعدة: (لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره) ومثل ذلك لا يجوز للفتاة وأمها أن يزيلا الضرر عنهما برتق الغشاء ويلحقانه بالزوج.
سادساً: أن مبدأ رتق غشاء البكارة مبدأ غير شرعي لأنه نوع من الغش، والغش محرم شرعاً.
سابعاً: أن رتق غشاء البكارة يفتح أبواب الكذب للفتيات وأهليهم لإخفاء حقيقة السبب، والكذب محرم شرعاً.
ثامناً: أن رتق غشاء البكارة يفتح الباب للأطباء أن يلجأوا إلى إجراء عمليات الإجهاض، وإسقاط الأجنّة بحجة السّتر.
دليل القول الثاني:
أولاً: أن النصوص الشرعية دالة على مشروعية الستر وندبه، ورتق غشاء البكارة معين على تحقيق ذلك في الأحوال التي حكمنا بجواز فعله فيها.
ثانياً: أن المرأة البريئة من الفاحشة إذا أجزنا لها فعل جراحة الرتق قفلنا باب سوء الظن فيها، فيكون في ذلك دفع للظلم عنها، وتحقيقاً لما شهدت النصوص الشرعية باعتباره وقصده من حسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات.
ثالثاً: أن رتق غشاء البكارة يوجب دفع الضرر عن أهل المرأة، فلو تركت المرأة من غير رتق واطلع الزوج على ذلك لأضرها، واضر بأهلها، وإذا شاع الأمر بين الناس فإن تلك الأسرة قد يمتنع من الزواج منهم، فلذلك يشرع لهم دفع الضرر لأنهم بريئون من سببه.
رابعا: أن قيام الطبيب المسلم بإخفاء تلك القرينة الوهمية في دلالتها على الفاحشة له أثر تربوي عام في المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بنفسية الفتاة.
خامسا: أن مفسدة الغش في رتق غشاء البكارة ليست موجودة في الأحوال التي حكمنا بجواز الرتق فيها.
الترجيح:
الذي يترجح والعلم عند الله هو القول بعدم جواز رتق غشاء البكارة مطلقاً لما يأتي:
أولاً: لصحة ما ذكره أصحاب هذا القول في استدلالهم.
ثانياً: وأما استدلال أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
الجواب عن الوجه الأول:
أن الستر المطلوب هو الذي شهدت نصوص الشرع باعتبار وسيلته، ورتق غشاء البكارة لم يتحقق فيه ذلك، بل الأصل حرمته لمكان كشف العورة، وفتح باب الفساد.
الجواب عن الوجه الثاني:
أن قفل باب سوء الظن يمكن تحقيقه عن طريق الإخبار قبل الزواج، فإن رضي الزوج بالمرأة وإلا عوضها الله غيره.
الجواب عن الوجه الثالث:
أن المفسدة المذكورة لا تزول بالكلية بعملية الرتق لاحتمال اطلاعه على ذلك، ولو عن طريق إخبار الغير له، ثم إن هذه المفسدة تقع في حال تزويج المرأة بدون إخبار زوجها بزوال بكارتها، والمنبغي إخباره، واطلاعه، فإن أقدم زالت تلك المفاسد وكذلك الحال لو أحجم.
الجواب عن الوجه الرابع:
أن هذا الإخفاء كما أن له هذه المصلحة كذلك تترتب عليه المفاسد، ومنها تسهيل السبيل لفعل فاحشة الزنا، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة.
الجواب عن الوجه الخامس:
أننا لا نسلم انتفاء الغش لأن هذه البكارة مستحدثة، ليست هي البكارة الأصلية، فلو سلمنا أن غش الزوج منتف في حال زوالها بالقفز ونحوه مما يوجب زوال البكارة طبيعة، فإننا لا نسلم أن غشه منتف في حال زوالها بالاعتداء عليها.
ثانياً: أن سد الذريعة الذي اعتبره أصحاب القول الأول أمر مهم جداً خاصة فيما يعود إلى انتهاك حرمة الفروج، والإبضاع والمفسدة لا شك مترتبة على القول بجواز رتق غشاء البكارة.
ثالثاً: أن الأصل يقتضي حرمة كشف العورة ولمسها والنظر إليها والأعذار التي ذكرها أصحاب القول الثاني ليست بقوية إلى درجة يمكن الحكم فيها باستثناء عملية الرتق من ذلك الأصل، فوجب البقاء عليه والحكم بحرمة فعل جراحة الرتق.
خامساً: أن مفسدة التهمة يمكن إزالتها عن طريق شهادة طبية بعد الحادثة تثبت براءة المرأة وهذا السبيل هو أمثل السبل، وعن طريقه تزول الحاجة إلى فعل جراحة الرتق.
ولهذا كله فإنه لا يجوز للطبيب ولا للمرأة فعل هذا النوع من الجراحة، والله تعالى أعلم.
أنظر كتاب أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها /د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي ص 403
وقد أفتى بعض أهل العلم المعاصرين بجواز إجراء عملية الرّتق للمغتصبة والتائبة وأمّا غير التائبة فلا لأنّ في ذلك إعانة لها على الاستمرار في جريمتها، وكذلك التي سبق وطؤها لا يجوز إجراء العملية لها لما في ذلك من الإعانة على الغشّ والتدليس حيث يظنّها من دخل بها بعد العملية بكرا وليست كذلك، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8395)
الحكمة من عدم دخول المسترقي في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يدخل من يطلب الرقية من الآخرين ضمن أولئك السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ أليس يجوز طلب الرقية من الغير؟ كما أن لدي مشكلة تؤرقني ولا أجد أن لدي الصبر أو مهارة عمل الرقية لنفسي وقد بدأتها عدة أيام ثم امتنعت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى البخاري (6472) ومسلم (220) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولَاَ يكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .
وهؤلاء إنما يدخلون الجنة بغير حساب؛ لكمال توحيدهم، وكمال توكلهم على الله، واستغنائهم عن الناس.
ولا يدخل من يطلب الرقية من الآخرين ضمن أولئك السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب لنقصان توكله على الله؛ لأن طلب الرقية فيه نوع تذلل وحاجة إلى الراقي، ومن كمال التوكل والتوحيد أن لا يسأل المسلم الناس شيئا.
وقد روى مسلم (1043) عن عَوْف بْن مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: (عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا، وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا) .
فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب لكمال توحيدهم، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء وهو سؤال الناس أن يرقوهم، ولهذا قال: (وعلى ربهم يتوكلون) فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه وثقتهم به ورضاهم عنه وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئا لا رقية ولا غيرها، ولا يحصل لهم طيرة [التشاؤم] تصدهم عما يقصدونه؛ فإن الطيرة تنقص التوحيد وتضعفه" انتهى. "زاد المعاد" (1/475) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"المراد: أنهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولا أن يكويهم، بل يتوكلون على الله، ويعتمدون عليه في كشف ما بهم ودفع ما يضرهم، وإيصال ما به نفعهم" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/397) .
ثانيا:
طلب الرقية من الغير ليس بمحرم، ولكنه خلاف الأفضل والأكمل.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/261) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"هذا الحديث يدل على أن ترك الطلب أفضل، وهكذا ترك الكي أفضل، لكن عند الحاجة إليهما لا بأس بالاسترقاء والكي؛ لأن النبي عليه السلام أمر عائشة أن تسترقي من مرض أصابها، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لهم، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك عند الحاجة إلى الاسترقاء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/118-119) .
ثالثا:
أما قولك: لا أجد لدي الصبر أو مهارة عمل الرقية لنفسي.
فطلب الرقية جائز كما سبق، مع أن الرقية لا تحتاج إلى مهارة، وإنما هي بمنزلة الدعاء، فكل إنسان يستطيع أن يدعو ربه بحصول الشفاء، ولا يصعب عليه ذلك، فيستطيع الإنسان أن يرقي نفسه بسورة الفاتحة، أو غير ذلك من القرآن الكريم، أو بالأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومنها:
(اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (5750) ومسلم (2191) .
(أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) رواه البخاري (3371) .
وروى مسلم (2202) والترمذي (2080) عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضع يدك على المكان الذي تَأَلَّم من جسدك وقل: (بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) زاد الترمذي: "قال: ففعلت، فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم".
نسأل الله تعالى أن يشفيك شفاء لا يغادر سقماً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8396)
حكم كتابة الآيات القرآنية وتعليقها على المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح هذه المشكلة: مريض يكتب له رجل صالح القرآن ليعالجه من أي مرض؛ فهل يجوز ذلك، وهل يجوز تعليق هذه الآيات في الرقبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كتابة الآيات لعلاج المريض غير مشروع ولا تُعلّق عليه، ولا تكتب على جسده، كل هذا غير مشروع، إنما المشروع أن يقرأ عليه وأن ينفث عليه ويدعى له بالشفاء والعافية، يقرأ بعض الآيات على جزء من جسده، على صدره أو على يده أو على رأسه ويدعو له فهذا لا بأس به، وهو من الرقية المشروعة، يرقي الراقي المريض ويقرأ عليه القرآن حتى يشفيه الله.
فالنبي عليه الصلاة والسلام قد رقى وقال: (لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا) .
أما أن يكتب آيات تعلق في رقبته، أو في عضده، فهذا ليس من الشرع، أو يكتب له أحاديث أو كلمات أخرى؛ أو دعوات أو مسامير أو طلاسم ـ حروف مقطعة ـ أو أشباه ذلك فكلُّ هذا لا يجوز، حتى القرآن لا يعلق.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له) فالحجب والحروز والجوارب التي يعلقها بعض الناس على المرضى في أعناقهم، في أعضادهم، أو في غير ذلك فهذا لا يجوز، ولكن الرقية لا بأس بها.
وكذلك إذا قرأ في ماء ثم شرب الماء فهذا أيضاً لا بأس به؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض هذا، كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في ماء لثابت بن قيس: فهذا لا بأس به.
وأما التعليق فلا يعلق لا القرآن ولا غيره ولا في الرقبة ولا في اليد، كل هذا ليس بعلاج مشروعاً، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/326) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/8397)
هل سماع رقية مسجلة يكون من طلب الرقية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاستماع للرقية من الجوال يدخل في الذين يَسْتَرْقُون، أو الذي يذهب فقط إلى الراقي، كما جاء الحديث الذي يقول: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
روى مسلم (218) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .
وجاء عند مسلم (220) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (لاَ يَرْقُون) ، وقد حكم العلماء على هذا اللفظ بأنه وهم من الراوي، وأن الصواب: (لَا يَسْتَرْقُونَ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولم يقل: (لاَ يَرْقُون) وإن كان ذلك قد روي في بعض طرق مسلم فهو غلط؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رقَى نفسه، وغيره، لكنه لم يسترق؛ فالمسترقي: طالب الدعاء من غيره، بخلاف الراقي لغيره؛ فإنه داعٍ له " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 448) .
وقال رحمه الله:
" والفرق بين الراقي والمسترقي: أن المسترقي: سائل، مستعط، ملتفت إلى غير الله بقلبه، والراقي: محسنٌ، نافع " انتهى.
" المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية " (1 / 18) .
فعلى هذا، فالذي من صفة هؤلاء السبعين ألفاً: أنهم لا يطلبون من أحد أن يرقيهم.
لأن معنى (لَا يَسْتَرْقُونَ) أي: لا يطلبون الرقية من غيرهم؛ أما إذا رقى الإنسان نفسه، أو رقى غيره: فلا كراهة في ذلك.
ثانياً:
أما سماع الرقية من الشريط أو الهاتف المحمول أو غير ذلك من الأجهزة، فالذي يظهر لنا أن ذلك ليس من باب طلب الرقية.
وسماع الرقية بهذه الطريقة نافع إن شاء الله تعالى، وقد استفاد بها كثيرون، وإن كان الأفضل أن يقرأ الإنسان القرآن بنفسه، أو يقرأ عليه غيره.
وقد أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بأن قراءة سورة البقرة من الراديو يحصل بها طرد الشيطان من البيت.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/413) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8398)
أحرقت خرقة سوداء وأدخلتها في أنف المريضة من أجل الشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي التي تبلغ من العمر 7 أشهر مرضت فذهبت بها لعدة أطباء لعلاجها وأنا أعلم عندما يصيب المسلم في جسده يلجأ إلى الله أولاً ثم الأطباء والعلاج. عندما كانت ابنتي مريضة وبعد عرضها على الأطباء ذهبت بها أمها إلى أهلها وحكت لهم بأن ابنتنا مريضة وكانت موجودة في بيت أهلها امرأة وهذه المرأة عندما سمعت بمرض ابنتنا الصغيرة قالت: أحضروا لي خرقة سوداء فحرقتها بالنار تم أطفأتها وأدخلت الخرقة المحروقة في أنف ابنتنا المريضة وعندما أخبرتني زوجتي بهذا الفعل غضبت جداً ووبخت زوجتي لأن هذا العمل شعرت بأنه نوع من السحر والدجل واتباع الشياطين. السؤال: ما هو حكم فعل هذا الشيء الذي أرعبني؟ وهل هذه المرأة بهذا الفعل الذي فعلته نعرف أنها من النساء اللواتي يتبعن السحر في العلاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتكم شفاء تاماً لا يغادر سقماً.
ثانياً:
أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي من الأمراض فقال: (إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام) رواه الطبراني وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1633) .
والأدوية التي يتداوى بها المسلم نوعان:
1- أدوية دل الشرع على اعتبارها، كالتداوي بالقرآن والأدعية، أو بالعسل والحبة السوداء ... ونحو ذلك.
2- أدوية دل العلم والتجربة على اعتبارها.
فهذان النوعان من الأدوية لا حرج من التداوي بهما.
أما ما لم يثبت لا شرعاً ولا علماً وتجربةً أنه دواء مفيد نافع فلا يجوز التداوي به، كالتداوي بالبخور أو الشبة، بل هذا نوع من الدجل والشعوذة، ويخشى أن يكون فيه شيء من الاستعانة بالجن.
ومن هذا النوع: ما قامت به تلك المرأة، فلا يعلم لا من الشرع ولا من جهة العلم والتجربة أن ما فعلته المرأة يكون دواء وعلاجاً نافعاً.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة بالعين؟
فأجابوا:
" لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء، وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 275) .
فالواجب التوبة مما حصل، وعدم تكرار مثل ذلك، والأخذ بالأسباب الصحيحة للعلاج، سواء كانت أسبابا شرعية كالرقية الشرعية، أو كانت أسباباً كونية قدرية صحيحة بالتطبب بالعلاج والدواء الذي يعرفه الأطباء من خلال علومهم وتجاربهم.
كما يجب نصح هذه المرأة، ويبين لها أن ما فعلته مخالف للشرع، حتى لا تعود إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8399)
رقية لعلاج الثآليل من رجل يزعم أنه على السنَّة، وتفصيل مهم حول الرقى
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد المجالس مع بعض طلبة العلم طرح موضوع حول رقية لشفاء " الثآليل " التي تظهر في الجسم، وقد نقل الأخ الذي طرح الموضوع عن بعض الرقاة أنهم كانوا يفعلون هذه الرقية عند من عُرف متابعته للسنَّة، ومحاربة البدع، مع سكوته عنها، وقد استشكل علينا بعض من ألفاظ، وأفعال هذه الرقية، والتي يقول الراقي فيها: " يا أيها النبوت في الجسم الذي يموت , أسألك بالذي لا يموت " فيقول عند ذلك هو والمرقي: " موت، موت، موت "، ويقوم أحدهم عند ذلك بقص قشة مع الحرص على عدم وقوعها على الأرض، ثم تؤخذ وتدفن. فنسأل فضيلتكم عن هذه الرقية، والحكم الشرعي لها مع مخاطبة الجماد " النبوت "، وقص القشة، فهل هذا مشروع أم محظور؟ . أفتونا، فقد أشكل علينا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرقية: هي التعويذ بقراءة القرآن والأدعية النبوية والأذكار، لحفظ الصحة، ودفع المرض.
وهذه هي الرقية الشرعية، وثمة رقية محرَّمة، وهي ما كان فيها استعمال نجاسات، أو تمتمات، أو ألفاظ شركية، أو استغاثة بغير الله، وما كان فيها كلام ليس له معنى.
وينظر جواب السؤال رقم: (13792) لزيادة التفصيل.
ثانياً:
الرقية الشرعية يمكن استعمالها وقاية، وعلاجاً لجميع الأمراض والأوجاع، وهكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في استعمالها، ومما يدل على ذلك:
1. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ: (أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) .
رواه البخاري (5351) ومسلم (2191) .
2. عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا -: (بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا) .
رواه البخاري (5413) ومسلم (2194) .
قال الشيخ أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
وقوله: " كان إذا اشتكى الإنسان مِنَّا، أو كانت به قرحة، أو جرح ": يدل على جواز الرُّقى من كل الأمراض، والجراح، والقروح، وأن ذلك كان أمراً فاشياً بينهم، معمولاً به عندهم. " المفهم لما أُشكل من تلخيص كتاب مسلم " (5 / 579) .
وبه يُعلم أن ما ورد في الحديث الذي يحصر الرقية في علاج العين، والحُمة: أنه ليس على ظاهره المراد منه الحصر.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) .
رواه داود (3886) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
الحُمة: لدغة ذوات السموم، من العقارب، والحيَّات، وغيرهما.
قال الخطابي – رحمه الله -:
وليس في هذا نفي جواز الرقية في غيرهما من الأمراض والأوجاع ... ، وإنما معناه: أنه لا رقية أولى، وأنفع من رقية العيْن، والسم، وهذا كما قيل: " لا فتى إلا علي "، و " لا سيف إلا ذو الفقار "؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان به، ولما ورد عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله قالت: " دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة رضي الله عنها، فقال لي: (ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة) .
" معالم السنن " (4 / 215) .
وحديث الشفاء رواه أبو داود (3887) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
و" النَّملة ": قروح تخرج من الجنب.
ثالثاً:
الرقى إن كانت من القرآن، أو السنَّة النبوية الصحيحة، أو الأدعية الشرعية: فلا إشكال في جوازها، وأما غيرها مما يخترع ألفاظه بعض الرقاة، أو يفعلونه: فلا بدَّ من عرضه على أهل العلم ليحكموا عليها بالجواز من عدمه.
ومما يدلُّ على عرض الرقى على أهل العلم، وأن الأمر ليس على إطلاقها في الجواز، بل لا بد من معرفة معناها، والتأكد من خلوها من المخالفات الشرعية، في اللفظ والمعنى:
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ) .
رواه مسلم (5862) .
والذي يظهر لنا أن ما نقله الأخ السائل عن ذلك الراقي ليس موافقاً للشرع من جهتين:
الأولى: مخاطبته للثآليل! بأن تموت! بذِكرٍ جماعي من المجموعة التي معه، والتي تردد بسذاجة " موت، موت، موت "! وكأن الثآليل كائنات حيَّة، وتملك موتها.
والثاني: قص تلك القشة، وعدم إيقاعها على الأرض، ثم دفنها! ، وكل ذلك من الخرافات التي لا أصل لها، ولا تعلق – شرعاً ولا طبَّاً – بقص تلك القشة مع موت تلك الثآليل، أو شفاء المريض منها.
وقد أغنانا الله تعالى عن هذه الخرافات لعلاج الثآليل وغيرها بما أباحه لنا من القرآن، والأدعية، والأذكار الشرعية، وبما علمه أهل الطب وأهل الخبرة في علاج ذلك، فينبغي مراجعتهم، بدلا من مراجعة المشعوذين والدجالين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8400)
حكم تخصيص قراءة آيات معينة لعلاج أمراض معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إحدى المواقع هذا الموضوع: (أولا: الطرق العامة لعلاج الأمراض التى لم أذكر علاجها هنا: الفاتحة: تقرأ عدد 7 مرات على ماء، ويشرب من هذا الماء على الريق مدة سبعة أيام، يبرأ الإنسان بإذن الله. آيات الشفاء الستة: (ويشف صدور قوم مؤمنين) سورة التوبة الآية 14. (وشفاء لما فى الصدور) سورة يونس الآية 57. (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) سورة الإسراء الآية 82. (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) سورة النحل الآية 69. (وإذا مرضت فهو يشفين) سورة الشعراء الآية 80. (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) سورة فصلت الآية 44. وهذه الآيات تقرأ على ماء عدد كل آية 7 مرات، ويشرب هذا الماء على الريق، يبرأ الإنسان بإذن الله. وأيضا تقرأ أوائل السور، وهي لها سر عظيم لا يعرفها إلا قليل من الناس، وهي: الم، المص، الر، المر، كهيعص، طه، ص، طسم، يس، حم، عسق، ق، ن. علاج الكلى: تقرأ آيات الشفاء 7 مرات، والفاتحة 7 مرات، والفاتحة والإخلاص كل منهم 7 مرات، على ماء، ويشرب منه مدة 7 أيام. علاج الضغط: تقرأ آيات الشفاء والفاتحة كل منهم 7 مرات على ماء، ويشرب على الريق لمدة 7 أيام. علاج السكر: تقرأ آيات الشفاء 7 مرات، والفاتحة 7 مرات، والإخلاص 7 مرات على ماء ويدهن به الجسم خارج الحمام، ويشرب منه لمدة 7 أيام. علاج القولون: وهو نوعان: نوع من السحر المشروب وليس مرضا، والنوع الآخر هو مرض، وهذا علاجه بإذن الله آيات الشفاء والفاتحة والمعوذتين والإخلاص، كل منهم تقرأ على ماء 7 مرات، ويشرب لمدة 7 أيام. لمنع الاحتلام: تقرأ أول عشرة آيات من سورة السماء والطارق قبل النوم. للدمامل والحبوب: سورة المرسلات تقرأ 7 مرات على ماء، ويدهن منه مكان الحبوب. للصداع والشقيقة والضارب: وهذه الطريقة لعلاج الصداع المزمن، وتكتب تلك الآيات في ورقة بيضاء بلا سطور، وعند الإحساس بالصداع توضع الورقة على الرأس يذهب الصداع بإذن الله، وأيضا لو قرأتها على رأسك عند إحساسك بالصداع يذهب الصداع بإذن الله، تكتب الفاتحة مرة، وسبحان الله 7 مرات، وآيات الشفاء، مرة واحدة (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواأَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) سورة الأنفال الآية 66، (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) سورة النساء الآية 28، (وله ما سكن فى الليل والنهار وهو السميع العليم) سورة الأنعام الآية 13، (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا) سورة الفرقان الآية 45. علاج الأمراض الجلدية: آيات الشفاء والفاتحة 7 مرات) فما صحة ما قرأت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى مشروعية تخصيص قراءة آيات معينة من القرآن الكريم بعدد معين لعلاج أمراض معينة إلا بدليل شرعي خاص، كما ورد في قراءة المعوذتين في الرقية من الحمى مثلا، وقراءة الفاتحة في الرقية من اللدغة، ونحو ذلك، أما أن يأتي بعض الناس إلى آيات من القرآن الكريم متفرقة، ينتقيها بنفسه، وينسب إليها علاج أمراض معينة، كأنها وصفة طبية شرعية خاصة، وينشرها بين الناس فيشتبه عليهم أن ذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك أقرب إلى الابتداع منه إلى الاتباع، وأولى للمسلم اجتنابه وعدم امتثاله.
والقرآن كله بركة وأجر وخير وشفاء، ولكن دعوى أثر معين لآية معينة لا بد له من دليل، ولا نعلم دليلاً صحيحاً على ما جاء في السؤال.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية: 1/76) :
" أما تخصيص آيات معينة لرقية بعض الأمراض بلا دليل فلا يجوز " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8401)
حكم الاستعانة بالقرين في علاج بعض الرقاة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شخص ظاهره الاستقامة، ويقول إنه يعالج الناس عن طريق القرين (أي: أن قرينه يسأل قرين المريض، ويخبره بالمرض) ، علماً أنه لا يسأل المريض عن اسم أمه، فما حكم هذا الفعل؟ وما حكم الذهاب لهؤلاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيرة هي المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الرقاة، ولو كانوا من أهل الاستقامة، فإن الشيطان وجد طريقه في النيل منهم، وإيقاعهم فيما يحرم من أفعال، وأقوال.
ومن تلك المخالفات: الاستعانة بالجن، سواء كانت تلك الاستعانة بالقرين أم بغيره، فكل ذلك من كيد الشيطان، وتلبيسه على أولئك الرقاة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
... وفي بعض الحالات المرضية التي يستعصي علاجها عند الأطباء: نقرأ عليهم آيات الرقية، ولمرات عديدة، دون ظهور أي تأثير عليهم، فاكتشفنا طريقة لمخاطبة القرين قرينَ الشخص المريض! ومن خلالها يتم معرفة المرض، وقد تم علاج حالات كثيرة بهذه الطريقة، وهي: نطلب من المريض أن يردد: بسم الله أوله وآخره، مع الشهيق، ثم بعد مدة نكلم القرين ونحاوره.
سؤالي هو: إن معلوماتنا عن القرين قليلة جدا لعدم وجود الأثر الكافي الذي يتحدث عنه، فمثلا: هل هو داخل الجسد أم خارجه، وما هي مدة بقائه مع المريض (الإنسان) ، وهل لكل إنسان قرين واحد أم إنه ممكن أن يتبدل في فترة من الفترات، وهل يبقى ملازم مع الإنسان أم أنه يتركه في أحيان ويعود إليه؟ وفي مرات عديدة جدّاً يذكر أن عمره (القرين) أصغر من عمر المريض.
فرجائي الكبير من سماحة الشيخ الوالد أن يرد على هذه الأسئلة كتابة لينفع الله به المسلمين، فأفيدونا وأفتونا.
فأجابوا:
"..... الرقية الشرعية تكون بسورة الفاتحة، وآية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، والآيات القرآنية، والأدعية النبوية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تجوز الاستعانة بالجن الذي تسمونه " القرين "، وسؤاله عن نوع مرض المريض؛ لأن الاستعانة بالجن: شرك بالله عز وجل، فالواجب عليكم: التوبة إلى الله من ذلك، وترك هذه الطريقة، والاقتصار على الرقية الشرعية، وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/287– 289) .
وسئلوا – أيضاً – عن:
الاستعانة بالجان في معرفة العين، أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين، والبناء على دعواه.
فأجابوا:
" لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) ، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض: أن الإنس عظموا الجن، وخضعوا لهم، واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون، وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك: إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس، وقد يكذبون، فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية " (1/92 – 93) .
وينظر – للمزيد -: أجوبة الأسئلة: (78546) و (11114) و (11063) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8402)
جواز الرقية الشرعية على الجنب والحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز القراءة والرقية الشرعية على المرأة المريضة بالمس أو العين وهي حائض، وعلى الرجل المريض وهو جنب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يشترط لقارئ القرآن الطهارة من الحدث الأكبر الذي يوجب الغسل كالجنابة والحيض، وأما المريض فالأكمل أن يكون طاهراً أيضاً، لكن إذا مرضت الحائض وتضررت جازت القراءة عليها زمن الحيض للحاجة، سواء كان المرض بالمس أو السحر أو العين " انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 817) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8403)
هل تكرار الرقية مائة مرة بدعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن كان يقرأ الرقى وهو حافظ لكتاب الله معروف بالتقى والصلاح، ولم يقرأ إلا بالقرآن أو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكرر بعض الرقى من السور والآيات أو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمثلاً يقرأ الفاتحة مائة مرة أو أكثر دون اعتقاده بأن العدد إذا قل أو كثر سيكون منه الشفاء، فما حكم هذا التكرار وهل هو بدعة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أرى أنه لا مانع من التكرار سواء بعدد أو بدون إحصاء؛ وذلك لأن القرآن شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خساراً، فعليه استعمال القراءة بكتاب الله، أو الدعاء بالأدعية النبوية، ويكون ذلك علاجاً نافعاً بإذن الله، مع إخلاص القارئ، ومع استقامة المريض، ومع استحضار معاني الآيات والأدعية التي يقرؤها، ومع صلاح كلٍّ من الراقي والمرقي، والله الشافي، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 818) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8404)
الراقي الذي يطلب اسم المريض واسم والدته هو ممن يستخدم الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي: اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غداً، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنك مصاب بكذا وكذا وعلاجك كذا وكذا ... ، ويقول أحدهم إنه يستعمل كلام الله في العلاج فما رأيكم في مثل هؤلاء وما حكم الذهاب إليهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن، ويدعي علم المغيبات فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس: (من أتى عرّافاً فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أخرجه مسلم في صحيحه.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم وتصديقهم، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) أخرجه الترمذي.
وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى والودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه واسم أقاربه، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم.
فالواجب الحذر منهم ومن سؤالهم ومن العلاج عندهم وإن زعموا أنهم يعالجون بالقرآن، لأن من عادة أهل الباطل التدليس والخداع، فلا يجوز تصديقهم فيما يقولون.
والواجب على من عرف أحداً منهم أن يرفع أمره إلى ولاة الأمر من القضاة والأمراء ومراكز الهيئات في كل بلد حتى يحكم عليهم بحكم الله، وحتى يسلم المسلمون من شرهم وفسادهم وأكلهم أموال الناس بالباطل.
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص946) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8405)
هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب لدفع العين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يتبخر المحسود بالشب من أجل دفع الحسد أو العين عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
علاج السحر أو العين يكون بالرقية الشرعية، وقد سبق في الموقع بيان ذلك، كما في جواب السؤال رقم (11290) ، ورقم (11359) .
أما العلاج بالتبخر بالشب أو الأعشاب، فذلك لا يجوز.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة بالعين؟
فأجابوا: "لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء، وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8406)
كتابة الآيات بالزعفران في صحن أو ورق ثم غسلها وشربها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة ماء الزعفران على صحن بآيات من القرآن الكريم ثم غسله بالماء وشربه؟ وما حكم كتابتي للآيات بماء الزعفران على ورق ثم وضعها في الماء ثم شربها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج فيما ذكرت من كتابة آيات من القرآن في صحن أو ورق بمادة طاهرة غير مضرة كالزعفران أو ماء الورد، ثم شرب هذا الماء أو وضعه على موضع الألم، لورود ذلك عن جماعة من السلف.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/170) عن الرقية من العَيْن:
"ورأى جماعة من السلف أن تكتب له الآيات من القرآن، ثم يشربها. قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة، ويُذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أمر أن يكتب لامرأة تعسر عليها ولادها أثرٌ من القرآن، ثم يغسل وتسقى. وقال أيوب: رأيت أبا قلابة كتب كتابا من القرآن ثم غسله بماء وسقاه رجلا كان به وجع" انتهى.
وسئل الشيخ محمد إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: هل يجوز أن يكتب للمريض بعض آيات قرآنية في إناء يغسله ثم يشربه؟
فأجاب: " لا يظهر في جواز ذلك بأس. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن جماعة من السلف رأوا أن يكتب للمريض الآيات من القرآن ثم يشربها " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد إبراهيم" (1/94) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/97) : " وقراءة القرآن أو السنة على المريض مباشرة بالنفث عليه ثابتة بالسنة المطهرة من رقية الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه ولبعض أصحابه، أما كتابة الآيات بماء الورد والزعفران ونحو ذلك ثم غمرها في الماء وشربها، أو القراءة على العسل واللبن ونحوها ودهن الجسم بالمسك وماء الورد المقروء عليه آيات قرآنية- فلا بأس به، وعليه عمل السلف الصالح " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما كتابة الآيات والأدعية الشرعية بالزعفران في صحن نظيف أو أوراق نظيفة ثم يغسل فيشربه المريض فلا حرج في ذلك، وقد فعله كثير من سلف الأمة، كما أوضح ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وغيره، إذا كان القائم بذلك من المعروفين بالخير والاستقامة " انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/30) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8407)
هل يسقط الجنين من بطن الحامل إذا قرأت سورة الزلزلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول إحدى النساء إنه عندما تقوم المرأة الحامل بقراءة سورة الزلزلة فإنه يسقط الجنين بسبب قراءة السورة.. وتقول أيضاً: إنه عندما تتقدم للرقية الشرعية عليها أن تخبر الراقي بأنها حامل حتى يتجنب قراءة سورة الزلزلة عليها حتى لا يسقط الجنين. ما صحة هذا الكلام. جزاكم الله عنا خير الجزاء، ونفع بكم الأمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للمسلم أن يعتقد ضررا في قراءة بعض سور القرآن، ففي هذا الظن مخالفة لقول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) فصلت/44، ولا يعرف في كتب الفقهاء والعلماء ولا في آثار السلف الصالحين من كان يحذر المرأة الحامل من قراءة سورة الزلزلة، بل ما زال حفاظ القرآن الكريم من الرجال والنساء يحرصون على ختم القرآن في مدة وردهم من غير استثناء شيء منه، والذي يجرؤ على التحذير من قراءة سورة معينة – ولو في حالة مخصوصة – فقد تجرأ على أمر عظيم.
نعم، لا ينكر أن تكون هذه السورة أو غيرها مما له نفع في التيسير على الحامل أن تضع حملها إذا ثبتت بذلك التجربة، ولكن ذلك لا يستلزم العكس بإسقاط الحامل في أول حملها، وذلك لأن كلام الله عز وجل لا يكون فيه شر أو أذى بحال من الأحوال.
يقول ابن القيم رحمه الله:
" كتاب لعسر الولادة: قال الخلال، حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض، أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنه: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ) الأحقاف/35، (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) النازعات/46.
قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المروزي، أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله! تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين؟
فقال: قل له: يجيء بجام واسع، وزعفران، ورأيته يكتب لغير واحد، ويذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها، فقالت: يا كلمة الله! ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه.
فقال: يا خالق النفس من النفس، ويا مخلص النفس من النفس، ويا مخرج النفس من النفس، خلصها. قال: فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه. قال: فإذا عسر على المرأة ولدها فاكتبه لها. وكل ما تقدم من الرقى فإن كتابته نافعة " انتهى.
"زاد المعاد" (4/326)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
" هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
لا أعلم في ذلك شيئاً من السنة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذها الطلق ما يدل على التيسير، مثل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ويتحدث عن الحمل والوضع، كقوله تعالى: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه) ، ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا. وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا)
فإن هذا نافع ومجرب بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارئ والمقروء عليه مؤمنا بأثره وتأثيره، فإنه لا بد أن يكون له أثر، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً)
وهذه الآية عامة: شفاء ورحمة، يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى العقيدة/العبادة) (شريط رقم/257، وجه أ)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وأما التجربة فإن كان المجرَّب له أصل فإن التجربة تكون تصديقاً له، وإن لم يكن له أصل فإن كانت هذه التجربة في أمور محسوسة فلا شك أنها عمدة، وإن كانت في أمور شرعية فلا، القرآن الكريم الاستشفاء به له أصل، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء/82 فله أصل، فإذا جربت آيات من القرآن لمرض من الأمراض ونفعت صار هذا النفع تصديقاً لما جاء في القرآن من أنه شفاء للناس.
أما غير الأمور التعبدية فهذه خاضعة للتجربة بلا شك، فلو أن إنساناً مثلاً له بصيرة فيما يخرج من الأرض من الأعشاب ونحوها خرج إلى البر، وجمَّع ما يرى أن فيه مصلحة، وجرب، فإنه يثبت الحكم به " انتهى.
"اللقاء الشهري" (لقاء رقم/37، سؤال رقم/26)
والحاصل أن سور القرآن كلها لا تضر حاملا ولا مرضعا ولا غيرهما، بل هي خير ونفع وبركة على قارئها ومستمعها بإذن الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8408)
يزعم قدرته على معرفة السحرة من أسمائهم! فهل يستعان به لإيذائهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثني أخ لي عن شاب وهبه الله القدرة على اكتشاف السحرة , بمجرد معرفة أسمائهم , وعن طريق أدعية يقولها (لا نعرفها بالضبط) يستطيع أن يُمرض الساحر، أو يبتليه بحيث يدخله المستشفى. وهذا الشخص يصف للناس المصابين بالسحر، أو الممسوسين، أو الذين يعانون من أحوال غريبة , بحيث يقرأ الأدعية (ربما رقية) على الملح، أو السكر، أو الزيت , ويوصي أن هذا الملح يضاف على الأكل بعد طبخه، وليس أثناء الطبخ؛ لكي يكون له المفعول المطلوب , وهذا الشخص لا يأخذ المال على خدماته , والناس يشهدون له حسن عمله، هل يحل لنا أن نستعين به ضد السحرة، أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الشاب المزعوم أنه موهوب دجَّال من الدجاجلة، وكاهن من الكهنة، وعرَّاف من العرَّافين، وليس على هدى ولا على طريق مستقيم، فهو يدَّعي علم أشياء هي من علم الغيب، ويستدل عليها بعلامات لم يجعلها الله تعالى علامات عليها، ولا هناك قواعد لذلك أصلاً، ونعني به: زعمه علمه بالسحرة من خلال معرفة أسمائهم! ومن المعلوم لكل موحد أنه ليس هناك آية، ولا حديث، ولا قاعدة، تعرِّف المسلم بأن هذا ساحر من خلال معرفة اسمه، فإذا زعم أنه يعلم السحرة من خلال أسمائهم: فإما أن يكون كاذباً أفَّاكاً، وإما أنه يعلم ذلك عن طريق أوليائه من الجن الكافر أو الفاسق.
وانظر جواب السؤال رقم: (91525) .
ثانياً:
ادعاء ذلك الدجال بأنه يستطيع أن يمرض السحرة أو أن يؤذيهم: مما يدل على ما وصفناه به، فالنفع والضر بيد الله تعالى، وهو وحده سبحانه القادر على إيقاع الضرر على الخلق، وليس ذلك بإرادة أحدٍ غيره، والأنبياء عليهم السلام لم يكونوا يملكون هذه " الكرامة "! وكانوا عليهم السلام إذا أرادوا أن يهلك أعداء الدين: دعوا عليهم، ولم يكن باستطاعتهم إمراض الناس وإيذاؤهم وإهلاكهم، إلا أن يدعو أحدهم ربه تعالى فيستجيب الله دعاءه، فينفذ قدر الله بما شاء تعالى على أعدائهم.
ثالثاً:
ما يقرؤه من " كلمات " لا تعدُّ من الرقية الشرعية حتى تكون باللغة العربية، وتظهر كلماتها، وتكون موافقة للشرع لا مخالفة له، وكل ذلك لا يُعرف من ذلك الشاب؛ لأن الظاهر أنه يسر بتلك الكلمات ولا يجهر بها.
وانظر شروط الرقية الشرعية في جواب السؤال رقم: (13792) ، وفي هذا الجواب بينَّا كيفية التخلص من السحر، وبينَّا كيف نكشف الرقاة المخالفين للشرع.
وفي جواب السؤال رقم (21124) ذكرنا علامات السحرة، والعرافين، والكهان، وكيف نميزهم.
وتنظر شروط الراقي في جواب السؤال رقم: (7874) .
رابعاً:
كونه لا يطلب أجراً لا يدل على أنه ثقة، ولا أنه صادق، وهذه طريقة معروفة لأولئك الدجاجلة، حيث يوهمون العامة بذلك أنهم على خير، وعلى دين، ويستدل العامة على ذلك بأنه لا يطلب أجراً، وهذا ميزان فاسد.
ولا ينبغي الاغترار بشهادة العامة لأحدٍ من الناس، وخاصة في هذا الباب، فهم لا يفرقون بين المشرك والموحد، ولا بين السني والبدعي، ولا بين الصادق والكاذب، وليس عندهم ميزان علمي للحكم على أفعاله وتصرفاته لمحاكمتها وفق شرع الله تعالى، وهم يطلقون اسم " الشيخ " على كل من يعالج السحر والصرع، ولو سلك أي طريق في العلاج! ، ومن العجائب: أنه وُجد نصراني يسلك هذا الدرب في بعض البلاد، ويطلق عليه عامة الناس " الشيخ المسيحي "! وهو معروف، وقد تأكدنا من ذلك، ولا يزال كثيرون يطلقون عليه ذلك اللقب إلى الآن! .
والعبرة في هذا الباب هو حكم العلماء وطلبة العلم من أهل السنَّة والجماعة، فهم أقدر الناس على الحكم على أولئك المعالِجين بما يستحقونه، وقد أكرمهم الله تعالى باعتقاد صحيح، وعلم مؤصَّل وفق الكتاب والسنَّة يستطيعون بهما أن يميزوا بين الكاهن المشعوذ وبين الثقة الصادق ممن يقرأ على الناس ويعالجهم، فلا تلتفتوا لشهادة غيرهما، ولا تغتروا بحكم العامة، فوجوده كعدمه.
وعليه:
فلا يحل لأحدٍ الذهاب لهذا الدجَّال، ولا الاستعانة به، ولو زعم محاربة السحرة! فهو منهم، وإنما يريد دفع التهمة عن نفسه، وإخراج نفسه من زمرتهم، وقد ورد الوعيد الشديد في الذهاب إلى هؤلاء بعدم قبول صلاة أربعين يوماً من ذلك الذاهب، فإذا صدَّقه فيما يقول فإنه يكون قد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وانظر جواب السؤال رقم (98153) و (8291) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8409)
كتابة آيات قرآنية في إناء يغسله ويشربه المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة آيات من القرآن الكريم في إناء، ثم غسل الإناء بماء ويشربه المريض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بذلك، فقد ورد هذا عن بعض السلف، ونَصَّ كثير من العلماء على جوازه.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/170) عن الرقية من العَيْن:
"ورأى جماعة من السلف أن تكتب له الآيات من القرآن، ثم يشربها. قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة، ويُذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه أمر أن يكتب لامرأة تعسر عليها ولادها أثرٌ من القرآن، ثم يغسل وتسقى. وقال أيوب: رأيت أبا قلابة كتب كتابا من القرآن ثم غسله بماء وسقاه رجلا كان به وجع" انتهى.
وقد سئل الشيخ محمد إبراهيم آل الشيخ رحمه الله:
هل يجوز أن يكتب للمريض بعض آيات قرآنية في إناء يغسله ثم يشربه؟
فأجاب:
"لا يظهر في جواز ذلك بأس. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن جماعة من السلف رأوا أن يكتب للمريض الآيات من القرآن ثم يشربها" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد إبراهيم" (1/94) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8410)
هل تنصح الحامل بقراءة سور معينة لأجل نجابة المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنني حامل، وأدعو الله أن يرزقني بولد صالح. سمعت من شخص ما أن المرأة الحامل تنصح بقراءة سورة مريم كل يوم بانتظام، لكي تكون ولادتها سهلة، وسورة يوسف يوميا بانتظام لكي يكون طفلها جميلا. هل هناك أي حديث صحيح يؤيد هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد في الشريعة شيئا يدل على أن قراءة المرأة الحامل سورا معينة من القرآن تؤثر في ذكاء الجنين أو في جماله، ومن زعم ذلك بغير حجة ولا برهان تعدى حدوده، وقال على الله ما لا يعلم.
وما ينتشر في بعض المنتديات عن تجارب قام بها بعض الطلبة الباحثين لا ينبغي التعويل عليه كثيرا؛ لأن الدراسات العلمية لا تعتبر إلا إذا كانت منهجية، تعتمد إحصاءات تشمل عينات واسعة، وعلى مراحل متدرجة، وقياسات تحصر الأسباب والنتائج، وذلك أمر يحتاج إلى سنوات طويلة، وليس إلى كلمات عامة، ونتائج أقرب إلى الأوهام، بل لا يُدرَى صدقها من كذبها.
ولا شك أن القرآن الكريم كله خير وبركة وأجر، ولكن ذلك لا يعني أن ننسب إليه كل أمر نريده لأنفسنا، أو نطلبه لأولادنا. والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/6
يقول القرطبي رحمه الله:
" يعني: من حُسْن وقُبْح، وسواد وبَيَاض، وطُول وقِصَر، وسَلامة وعاهة، إلى غير ذلك " انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (1/927)
ومع ذلك فلا بأس أن تعتاد المرأة الحامل قراءة القرآن الكريم واستماعه، لما ثبت في الأبحاث الطبية من تأثر الجنين بالأصوات الخارجية، فإذا كان الصوت صوت قارئ للقرآن، رجي أن يكون فيه الخير والبركة على هذا الجنين، من غير تحديد نوع هذا النفع.، وانظري جواب السؤال رقم: (47059)
ونحن نشكر السائلة الكريمة على تثبتها وبحثها عن الدليل الشرعي، ونرجو أن يكون هذا هو منهج جميع المسلمين اليوم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8411)
حكم خنق الراقي للمريض المصاب بالمس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للذي يعالج المرضى بقراءة القرآن الكريم أن يضرب ويخنق ويتحدث مع الجن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا قد وقع شيء منه من بعض العلماء السابقين، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقد كان يخاطب الجني ويخنقه ويضربه حتى يخرج، أما المبالغة في هذه الأمور مما نسمعه عن بعض القراء فلا وجه لها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (28/278) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8412)
كتابة آيات من القرآن ومحوها بالماء ثم شربها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يكتبون آيات من القرآن ويمحونها بالماء ويشربونها، وإذا اعترض عليهم قالوا: إنه كلام الله نستشفي به. هل يجوز هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا العمل جائز، يجوز للإنسان أن يكتب القرآن بمداد يجوز شربه، ثم يوضع هذا المكتوب في ماء ويرج ثم يشرب، وقد كان بعض السلف يفعلون هذا، ويفعلونه في الأواني كالصحون وما أشبهها، إذا فعل الإنسان ذلك فله سلف فيه، وقد يستدل لهذا بعموم قول الله تبارك وتعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء/82، فإذا استشفي بالقرآن على هذا الوجه، وجُرِّبَ وصار نافعاً فإنه يدخل في عموم هذه الآية الكريمة" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"اللقاء المفتوح" (ص112) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8413)
يعاني من وسواس العين
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعجب أحدهم بشيء وذكر الله , هل ممكن أن يصاب بالعين؟ وإذا كان أحدهم يشك بذلك الأمر , وهذا يضيق عليه حياته الاجتماعية كثيرا، وأصبح يخاف من أن ينظر إلى الأشياء أو الأشخاص , علما أنه لا يحسد الناس على ما عندهم، ولا يحب الأذى لغيره أبدا والله، ويقرأ القرآن، ويذكر الله دائما. أرجو المساعدة في فك هذا الكرب عن أخيكم المسلم. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويزيل همك.
واعلم أخي السائل الكريم أن الشريعة لا تجيء بالحرج أبدا، بل من أهم مقاصدها رفع الحرج عن الناس.
قال سبحانه وتعالى: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) المائدة/6
ولا يجوز للمسلم أن يجاري الشيطان لتصير حياته شكا ووسواسا وريبة، فإنه إن فعل ذلك خسر في دنياه ولم يكسب في آخرته، ومثل هذه الوساوس إنما هي من مكائد الشيطان اللعين، يريد أن يحزن الذين آمنوا، ويريد أن يشق عليهم، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
فالواجب عليك أخي الكريم قطع جميع هذه الوساوس، وعدم الالتفات إلى ظنون السوء، ويكفيك أن تأتي بالذكر المشروع عند رؤية الشيء الحسن، والله سبحانه وتعالى يدفع عنه العين أو الحسد، ولا يمكن أن يجتمع ذكر الله مع العين والحسد أبدا.
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلاَ بَرَّكْتَ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌ)
رواه مالك في "الموطأ" (2/938) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/149)
قال الزرقاني في شرح الموطأ (4/320) : " أي: قلت بارك الله فيك، فإن ذلك يبطل المعنى الذي يُخاف من العين، ويُذهب تأثيره " انتهى.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن نَفسِهِ وَأَخِيهِ مَا يُعجِبُهُ فَلْيَدعُ بِالبَرَكَةِ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ)
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/240) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بذكر البركة. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (556)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/31) :
" فيه دليل على أنّ العين لا تضرّ ولا تعدو إذا برّك العائن، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتّبرّك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهمّ بارك فيه.
وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة، فيقال: اللهمّ بارك ولا تضرّه.
ويقول: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/205) :
" الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه " انتهى.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/547) :
" وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك " انتهى.
ويقول الشيخ الفوزان في "المنتقى" (1/سؤال رقم 87) :
" فإذا خشي العائن أن يضر المنظور؛ فإنه يقول: اللهم بارك عليه!! وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول: ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ؛ قال: ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله.
فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله " انتهى.
وجاء في فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير (5) :
" لا ينبغي للمسلم أن تساوره الشكوك والأوهام والظنون والخوف الزائد من العين فيصاب بأمراض نفسية وغيرها، وليحسن الظن بالله عز وجل، وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بقدر الله تبارك وتعالى، فليلجأ إلى الله عز وجل؛ لأنه وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلاء " انتهى.
فإذا رأيت شيئا يعجبك أخي الكريم فادع الله له بالبركة، ثم لا تلتفت إلى غير ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه بدعائك، ويرد عنه كل سوء، ولا تترك نفسك في مخاوفها، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك لعباده، مع مجاهدة نفسك على النظر إلى تقدير الله تعالى في كل أمر، وأن له الحكمة البالغة سبحانه فيما أعطى ومنع، وخفض ورفع، لا معقب لحكمه، ولا مبدل لكلماته سبحانه.
وتذكر دائما ـ يا عبد الله ـ أن أمر الدنيا وما فيها أحقر من أن نتحاسد أو نتعادى من أجله، كما قال المتنبي:
وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى
وإلى ذلك الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه) رواه الإمام مالك (1746) أحمد (15550) وغيرهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8414)
حكم تخيل المريض للعائن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة تخيل المريض للعائن من جراء القراءة، أو طلب الراقي من القرين أن يخيل للمريض من أصابه بالعين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له بصورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " الجن: 6. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/8415)
هل يجوز له فتح محل للعلاج بالرقية الشرعية والحجامة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم من الداعين إلى منهج أهل السنة والجماعة بدأت منذ3 سنوات أرقي الناس بالرقية الشرعية وفق الضوابط المرضية بصفة غير منتظمة مقابل بعض المال لأسد به بعض حاجاتي. فكتب الله لي القبول فشفى الله على يدي الكثير وهدى آخرين إلى جادة الصواب ووفقهم لتوحيده والبعد عن الشرك رغم ما لاقيته من بعض المشعوذين وبعض المغرضين المثبطين عن الرقية الشرعية والواصفين لها بالبدعة والكسب المحرم. فكثر علي الناس وأحرجوني لعدم وجود الرقاة المتفرغين لهذا الأمر , كل هذا وأنا أرقي الناس في بيتي المتواضع جدا مما سبب لي الإحراج والمشقة وآذوا أهلي بكثرة طرقهم على الباب وصرت أفوت وأفرط في مصالح واجبة من أجل رقيتهم لشدة حيائي منهم. ففكرت في تأجير محل معين لتخصيصه للرقية الشرعية والحجامة مقابل ما يعادل 20ريالا مثلا لرقية الشخص الواحد وذلك لسد مستحقات الإيجار وبعض حاجاتي الضرورية. ففوجئت بالإنكار من بعض المسلمين المدعين للعلم على أن هذا التخصيص بدعة ولم يعرف عن سلف الأمة، والكسب بهذه الطريقة محرم. فهل يجوز فتح محل كعيادة للرقية الشرعية والحجامة بهذا التخصيص مقابل مبلغ من المال خاصة وأنا محتاج ومعسر وعلي مسؤولية من أعول وأعاني من مرض مزمن ولا أطيق الأعمال الشاقة وحاجة المسلمين لمن يتفرغ للرقية ويدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك ملحة؟ وفي حالة جواز العيادة القرآنية ووجدت بعدها عملا آخر: 1- هل أترك الرقية وأتحول إلى هذا العمل مع ما يترتب على هذا من مفاسد من الانقطاع عن العمل الصالح وإحداث فراغ كبير. 2- هل أجمع بينهما وأحاول التوفيق بينهما دون أن يضر أحدهما بالآخر. 3- هل أرفض العمل وأكتفي بالرقية لنفعها المتعدي ورعاية لمصالح المسلمين. وفي حالة عدم جواز العيادة القرآنية: 1- هل أتوقف عن الرقية نهائيا؟ 2- هل أبقى أرقي في بيتي أحسن وأتجنب هذا التخصيص وأصبر على أذى الناس وإحراجهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الواقع كما ذكرت من أنك ترقي بالرقية الشرعية، مع حاجة الناس إليها، فنسأل الله لك الأجر والمثوبة والتوفيق والسداد. ولا حرج عليك في أخذ أجرة مقابل ذلك.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: نسمع عن بعض المعالجين بالقرآن، يقرؤون قرآنا وأدعية شرعية على ماء أو زيت طيب لعلاج السحر، والعين والمس الشيطاني، ويأخذون على ذلك أجرا، فهل هذا جائز شرعا؟ وهل القراءة على الزيت أو الماء تأخذ حكم قراءة المعالج على المريض نفسه؟
فأجاب:
" لا حرج في أخذ الأجرة على رقية المريض، لما ثبت في الصحيحين (أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وفدوا على حي من العرب فلم يقروهم (أي: لم يضيفوهم) ولدغ سيدهم وفعلوا كل شيء؛ لا ينفعه , فأتوا الوفد من الصحابة رضي الله عنهم فقالوا لهم: هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لدغ؟ فقالوا: نعم , ولكنكم لم تقرونا فلا نرقيه إلا بجُعْلٍ (أي: أجرة) فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم , فرقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب فشفي فأعطوهم ما جعل لهم فقال الصحابة فيما بينهم: لن نفعل شيئا حتى نخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أخبروه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: قد أصبتم) رواه البخاري (2115) ، ومسلم (4080) .
ولا حرج في القراءة في الماء والزيت في علاج المريض والمسحور والمجنون، ولكن القراءة على المريض بالنفث عليه أولى وأفضل وأكمل، وقد خرج أبو داود رحمه الله بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ لثابت بن قيس بن شماس في ماء وصبه عليه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا) مسلم (4079) وهذا الحديث الصحيح يعم الرقية للمريض على نفسه وفي الماء والزيت ونحوهما، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/338) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: عن رجل يرقي الناس بأجرة ولا يعرف إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , ويرجع في ذلك إلى كتب أهل العلم الموثوقين؟
فأجابوا:
" إذا كان الواقع منك كما ذكرت أنك تعالج المرضى بالرقية الشرعية , وأنك لم ترق أحدا إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنك تتحرى الرجوع في ذل إلى ما ذكره العلامة ابن تيمية رحمه الله في كتبه المعروفة، وما كتبه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في "زاد المعاد" وأمثالهما من كتب أهل السنة والجماعة فعملك جائز، وسعيك مشكور ومأجور عليه إن شاء الله، ولا بأس بأخذك أجرا عليه؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أشرت إليه في سؤالك " انتهى.
وحديث أبي سعدي هو الحديث المتقدم في رقية الرجل الذي لدغ بالفاتحة.
وحيث جازت الرقية، وجاز أخذ الأجر عليها، فلا فرق بين أن يكون ذلك في البيت، أو في محل مستأجر، أو في دار خاصة، دفعا للحرج والمشقة عن أهل المنزل. ولا وجه لمن منع ذلك بحجة أنه لم يعرف عن السلف التكسب بهذه الطريقة، فإنه إذا ثبت أن العمل مباح، وأن الأجرة عليه جائزة، كان القول بتحريم هذه المهنة قولا بغير علم.
وقد قال البخاري في "صحيحه" في كتاب الإجارة: " باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب. وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) " انتهى.
ثانيا:
سبق في جواب السؤال (71303) بيان اختلاف العلماء في حكم أخذ الأجرة على الحجامة، وأن الصحيح أنها جائزة وليست حراماً، وإنما نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الكراهة لا التحريم.
ثالثا:
لا حرج عليك في فتح عيادة خاصة للعلاج بالرقية والحجامة، كما سبق. وفي حال حصولك على عمل آخر، لا يلزمك ترك الرقية، ولك أن تجمع بين العملين بما تراه مناسبا، من غير أن تضر بنفسك أو بأهلك.
وحيث إن الاشتغال برقية المرضى مدخل صالح لدعوتهم ونصحهم وتوجيههم للخير –كما ذكرت-، فلا ينبغي أن تترك هذا العمل، ولو توفر لك عمل آخر، فإن هذا من النفع والإحسان المتعدي للآخرين.
وينبغي أن يكون المعالج مراقبا لله تعالى، متقيا له في السر والعلن، سهلا سمحا مع الناس لا يشق عليهم في أجرة أو ثمن دواء، مذكرا لهم بأن الشفاء بيد الله تعالى وحده، ناصحا لهم بالتوبة إلى الله وترك الذنوب التي هي سبب كثير من الآفات والابتلاءات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8416)
حكم القراءة مع النفث في الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس الذين يرقون من به مس من الجن أو صرع يقرأ على الماء وينفث فيه، ويطلب من المريض أن يغتسل بهذا الماء. فما حكم هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" النفث في الماء علي قسمين:
القسم الأول:
أن يراد بهذا النفث التبرك بريق النافث، فهذا لا شك أنه حرام ونوع من الشرك، لأن ريق الإنسان ليس سبباً للبركة والشفاء ولا أحد يتبرك بآثاره إلا محمد صلى الله عليه وسلم، أما غيره فلا يتبرك بآثاره. فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بآثاره في حياته وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار، كما كان عند أم سلمة رضي الله عنها جُلْجُل من فضة (إناء صغير يشبه الجرس) فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي بها المرضى، فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم أعطته الماء، لكن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يتبرك بريقه، أو بعرقه، أو بثوبه، أو بغير ذلك، بل هذا حرام ونوع من الشرك، فإذا كان النفث في الماء من أجل التبرك بريق النافث فإنه حرام ونوع من الشرك، وذلك لأن كل من أثبت لشيء سبباً غير شرعي ولا حسي فإنه قد أتى نوعاً من الشرك، لأنه جعل نفسه مسبباً مع الله، وثبوت الأسباب لمسبباتها إنما يتلقى من قبل الشرع، فلذلك كل من تمسك بسبب لم يجعله الله سبباً، لا حسّاً ولا شرعاً، فإنه قد أتى نوعاً من الشرك.
القسم الثاني:
أن ينفث الإنسان بريق تلا فيه القرآن الكريم مثل أن يقرأ الفاتحة، والفاتحة رقية وهي من أعظم ما يرقى به المريض فيقرأ الفاتحة وينفث في الماء فإن هذا لا بأس به، وقد فعله بعض السلف، وهو مجرب ونافع بإذن الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في يديه عند نومه بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس فيمسح بها وجهه وما استطاع من جسده صلوات الله وسلامه عليه، والله الموفق" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/107) .(5/8417)
يسأل عن رقية ليرزق بالولد
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج أحد إخواني منذ 5 سنوات وحتى الآن لم يُرزق بولد. والسبب يعلمه الله القدير. وقد أجرى الزوجان كل الفحوصات الطبية اللازمة وأكدّ لهما الأطباء أن كل منهما صحيح ولا توجد أية أمراض والمسألة مسألة صبر حتى يأذن الله. لكن والديّ الزوج غير صابرين إطلاقًا ونصحا الزوجين أن يقوما بالآتي: "ينبغي لكما الصيام لمدة واحد وعشرين يومًا، وقراءة اسم الله المصوّر (ويعني الله خالق الوجه) سبع مرات مع نفخ هذه القراءة في كوب ماء ثم تفطران على هذا الماء بعد صيام الواحد وعشرين يومًا وبإذن الله سترزقان الولد". هل هذا العمل صحيح على ضوء القرآن والسنة؟ إذا كان صحيحًا، فأرجو أي دليل على ضوء الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن هذه الصورة التي نصح بها الزوجَ والداه ليست من الرقية الشرعية لعدم ثبوتها في القرآن ولا في السنة الصحيحة فيما نعلم، ولذلك يجب على الزوجين ترك ذلك العمل واللجوء إلى ما هو مشروع من الرقية الشرعية والأدعية الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة.
أما الدعاء بأسماء الله تعالى لشفاء الأمراض ومنها العقم فيجوز لعموم قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) الأعراف/180، ولثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رقى بعض الناس بقوله: (أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك) رواه البخاري 5743، ومسلم 46،47،48. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة برقم 9120 في مجلة البحوث الإسلامية العدد 27/ الصفحة 64) .
ولكن تحديد اسم من أسماء الله تعالى كتحديد اسم "المصور" بالدعاء لغرض الشفاء يحتاج إلى دليل وحيث لا يوجد ثمَّةَ دليل فالعمل بتحديد اسم من أسمائه تعالى للدعاء يعتبر غير مشروع. والمشروع في الدعاء أن يختار الداعي من الأسماء الحسنى ما يناسب مطلوبه، كاسم الغفار للدعاء بالمغفرة ونحو ذلك.
وينبغي التنبه إلى أن قضية الإنجاب من عدمه تحت مشيئة الله عز وجل وقدرته، وقد أخبر الله تبارك وتعالى عن ذلك في محكم كتابه بقوله: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) الشورى/49-50. فالأمر مقدر من الله سبحانه وتعالى وحده.
فعلى الزوجين اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وسؤاله الذرية الصالحة ويلحان بالدعاء والذكر، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) الفرقان/74.
وإذا كان هناك مرض قد تسبب في ذلك فلا بأس من التداوي بالأدوية المباحة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم) رواه أبو داود من حديث أسامة بن شريك برقم 3855 وصححه الألباني وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) رواه ابن ماجة (3482) وصححه الألباني.
وأياً كان السبب في حصول مثل هذا الأمر، فيجب على المسلم الاعتماد على الله سبحانه والتوكل عليه والصبر على قضائه وقدره، ولا بد من التيقن أن في ذلك أجراً وخيرا عظيما بإذن الله تعالى، ولا بد من التفكر والتدبر في أحوال الناس ومعايشهم، فمن الناس من ابتلي بذرية سوء سببت لهم الشقاء والعناء في حياته، والبعض الآخر ابتلي بذرية معاقة ولم يستطع الصبر على تحمل ذلك وتبعاته، وقس على ذلك الكثير مما يعاني منه بعض الآباء من عقوق وقطيعة رحم ونحو ذلك، فالله سبحانه لن يقدر للمؤمن إلا ما هو خير له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم برقم 2999.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8418)
فضل الرقية وأدعيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو فضل أن يرقي الإنسان نفسه؟ وما هي الأدلة على ذلك؟ وماذا يقول في رقياه لنفسه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- لا بأس أن يرقي المسلم نفسه فذلك مباح له بل هو سنة حسنة فقد رقى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، ورقى بعض أصحابه أنفسهم.
عن عائشة رضي الله عنها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها ". رواه البخاري (4728) ومسلم (2192) .
وأما الحديث الذى رواه مسلم (220) عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة السبعين ألفاً الذين سيدخلون الجنة من هذه الأمة بغير حساب ولا عذاب قال: (هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)
فقوله (لا يرقون) وهم من الراوي لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك روى البخاري هذا الحديث برقم (5420) ولم يذكر فيه هذا اللفظ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
فمدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم والرقية من جنس الدعاء فلا يطلبون من أحد ذلك وقد روي فيه "ولا يرقون" وهو غلط؛ فإن رقياهم لغيرهم ولأنفسهم حسنة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره لم يكن يسترقي؛ فإن رقية نفسه وغيره من جنس الدعاء لنفسه وغيره وهذا مأمور به؛ فإن الأنبياء كلهم سألوا الله ودعوه كما ذكر الله ذلك في قصة آدم وإبراهيم وموسى وغيرهم اهـ. مجموع الفتاوى (1 / 182) .
قال ابن القيم رحمه الله:
وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث وهي غلط من بعض الرواة اهـ. حادي الأرواح (1 / 89)
والرقية من أعظم الأدوية التي ينبغي للمؤمن المحافظ عليها.
2- وأما الأدعية المشروعة التي يقولها المسلم إذا أراد أن يرقي نفسه أو غيره فهي كثيرة، وأعظم ذلك الفاتحة والمعوذات:
ـ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: " انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قَلَبَة (أي: مرض) قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ". رواه البخاري (2156) ومسلم (2201) .
ـ عن عائشة رضي الله عنها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها ". رواه البخاري (4175) ومسلم (2192) .
والنفث نفخ لطيف بلا ريق، وقيل: معه ريق خفيف. قاله النووي في شرح صحيح مسلم حديث رقم (2192) .
ومن الأدعية الوادرة في السنة:
روى مسلم (2202) عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على المكان الذي تَأَلَّم من جسدك وقل: (بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) زاد الترمذي (2080) (قال: ففعلت، فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم) صححه الألباني في صحيح الترمذي (1696) .
ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما [يعني إبراهيم عليه السلام] كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. رواه البخاري (3191) .
(الهامة) : بتشديد الميم هي كل ما له سم يقتل.
(من كل عين لامة) أي من كل عين تصيب بسوء. (تحفة الأحوذي)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8419)
علاج السرطان بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التداوي والعلاج بالقرآن يشفي من الأمراض العضوية كالسرطان كما هو يشفي من الأمراض الروحية كالعين والمس وغيرهما؟ وهل لذلك دليل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القرآن والدعاء فيهما شفاء من كل سوء بإذن الله، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) فصلت/44، وقوله سبحانه: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء/82.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى شيئاً قرأ في كفيه عند النوم سورة: (قل هو الله أحد) و (المعوذتين) ثلاث مرات، ثم يمسح في كل مرة على ما استطاع من جسده فيبدأ برأسه ووجهه وصدره في كل مرة عند النوم، كما صح الحديث بذلك عن عائشة رضي الله عنها.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 364.(5/8420)
قراءة أكثر من راقٍ في نفس القارورة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في القراءة في زيت الزيتون؟ وهل ممكن أن يقرأ في القارورة الواحدة أكثر من شخص؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا مانع من قراءة آيات وأدعية في ماء كماء زمزم، أو في زيت الزيتون، ثم يدهن به المريض، ولا مانع من قراءة أكثر من قارئ في تلك القارورة.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين.(5/8421)
هل يجوز للراقي مسّ المرأة التي يرقيها
[السُّؤَالُ]
ـ[كما تعلمون فإن كثيراً من الناس يعانون من أمراض لا يجدون لها علاجاً طبياً، فيلجأون إلى كتاب الله، وإلى أهل العلم وبعض حملة كتاب الله من أهل التقوى والصلاح ليرقوهم بالرقى الشرعية لعلاجهم، وقد يكون مكان الوجع للنساء في رؤوسهن أو صدورهن أو أيديهن أو أرجلهن فهل يجوز كشف هذه الأماكن للقراءة عليها عند الضرورة، وما هي حدود الكشف للمرأة عند القراءة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
يسن تعلم الرقية الشرعية، رجاء نفع المسلمين، وعلاج هذه الأمراض المستعصية ولأن كتاب الله هو الشفاء النافع المفيد، ولكن لا يجوز للرجل الأجنبي أن يمس شيئاً من جسد المرأة عند الرقية، ولا يجوز لها إبداء شيء من بشرتها كالصدر والعنق ونحوهما، بل يقرأ عليها ولو كانت محتجبة، وذلك يفيد حيث كان، ويسن أن تتعلم الأخوات القارئات الرقية رجاء أن يعالجن بها النساء المحتشمات، والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 23.(5/8422)
هل تجوز رُقية المريض الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نرقي كافر لغرض الدعوة؟ فلو جاءت الرقية بنتيجة جيدة فربما يفكر هذا الكافر بالإسلام.
بالطبع فسوف يتم إخبار هذا الكافر بأنه ليس هناك قوة في هذه الرقية نفسها وإنما تحصل بمشيئة الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك ما يمنع من هذا الفعل، والقرآن الكريم جعل الله فيه شفاء، كما جعل في العسل أو الزيت وغيرها من الأشياء، فهذه أسباب للشفاء والله هو الشافي فلا بأس برقية هذا الشخص وبخاصة أنّك تطمع في إسلام هذا الكافر.
وقد جاء في الحديث الصحيح ما قد يُفيد جواز رقية الكافر: فعن أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ (وهؤلاء القوم إما أنهم كفار أو أهل بُخل ولؤم كما ذكر ابن القيّم رحمه الله في المدارج) فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري (2276) ومسلم (2201)
وفيما يلي مُقتطفات من شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله للحديث مع شيء من فوائده.
قوله: (فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة , وفي رواية الأعمش عند غير الترمذي " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلا فنزلنا بقوم ليلا فسألناهم القري ".. والقري بكسر القاف مقصور: الضيافة.
قوله: (فلُدغ) أي لدغته عقرب
قوله: (فسعوا له بكل شيء) أي مما جرت به العادة أن يتداوى به من لدغة العقرب , كذا للأكثر من السعي أي طلبوا له ما يداويه ,
قوله: (فأتوهم) .. زاد البزار في حديث جابر " فقالوا لهم قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء , قالوا نعم ".
(فهل عند أحد منكم من شيء) زاد أبو داود في روايته من هذا الوجه " ينفع صاحبنا ". قوله: (فقال بعضهم) في رواية أبي داود " فقال رجل من القوم: نعم والله إني لأرقي ".. الذي قال ذلك هو أبو سعيد راوي الخبر ولفظه " قلت نعم أنا. ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما "
وقد وقع أيضا في رواية سليمان بن قتة بلفظ " فأتيته فرقيته بفاتحة الكتاب "
قوله: (فصالحوهم) أي وافقوهم. قوله: (على قطيع من الغنم) .. وقع في رواية الأعمش " فقالوا إنا نعطيكم ثلاثين شاة "
قوله: (فانطلق يتفل) : التَّفْل هو نفخ معه قليل بزاق
قال ابن أبي حمزة: محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصيل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق فتحصل البركة في الريق الذي يتفله.
قوله: (ويقرأ الحمد لله رب العالمين) في رواية شعبة " فجعل يقرأ عليها بفاتحة الكتاب ".. في رواية الأعمش أنه سبع مرات
قوله: (فكأنما نُِشط) .. ومعنى نشط: أقيم بسرعة , ومنه قولهم رجل نشيط.
قوله: (من عِقال) .. هو الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة.
قوله: (وما به قَلَبَة) .. أي عّلة , وقيل للعلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء
قوله: (وما يدريك أنها رقية) قال الداودي: معناه وما أدراك.. وفي رواية معبد بن سيرين " وما كان يدريه " وهي كلمة تقال عند التعجب من الشيء وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا وهو لائق هنا , زاد شعبة في روايته " ولم يذكر منه نهيا " أي من النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك , وزاد سليمان بن قتة في روايته بعد قوله وما يدريك أنها رقية " قلت ألقي في رُوعي " (أي أُلْهمته إلهاما)
قوله: (واضربوا لي معكم سهما) أي اجعلوا لي منه نصيبا , وكأنه أراد المبالغة في تأنيسهم
وفي الحديث جواز الرقية بكتاب الله , ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور , وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور.. وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنيعه لما صنعه الصحابي من الامتناع من الرقية في مقابلة امتناع أولئك من ضيافتهم
وفيه الاجتهاد عند فقد النص وعظمة القرآن في صدور الصحابة خصوصا الفاتحة , وفيه أن الرزق المقسوم لا يستطيع من هو في يده منعه ممن قسم له لأن أولئك منعوا الضيافة وكان الله قسم للصحابة في مالهم نصيبا فمنعوهم فسبب لهم لدغ العقرب حتى سيق لهم ما قسم لهم. وفيه الحكمة البالغة حيث اختص بالعقاب من كان رأسا في المنع , لأن من عادة الناس الائتمار بأمر كبيرهم , فلما كان رأسهم في المنع اختصّ بالعقوبة دونهم جزاء وفاقا..
وفي الموسوعة الفقهية: - لا خِلافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ رُقْيَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ وَوَجْهُ الاسْتِدْلالِ أَنَّ الْحَيَّ - الَّذِي نَزَلُوا عَلَيْهِمْ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ - كَانُوا كُفَّارًا، وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَيْهِ. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8423)
ما هي شروط الراقي
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد دار جدل حول من يقرؤون القرآن ليرقوا به الناس، فقال البعض: لا يجوز لأحد أن يرقي بالقرآن لجمهور الناس إلا أن يكون من أهل العلم الشرعي، وقال البعض الآخر: أنه يكفي أن يكون من حفظة كتاب الله، سليم المعتقد، ومن أهل الصلاح والتقوى، أرجو بيان اللبس في هذه المسألة، والحكم الشرعي في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الصواب أنه يجوز استعمال الرقية من كل قارئ يحسن القرآن، ويفهم معناه، ويكون حسن المعتقد، صحيح العمل ويكون مستقيماً في سلوكه، ولا يشترط إحاطته بالفروع، ولا دراسته للفنون العلمية، وذلك لقصة أبي سعيد في الذي رقى اللديغ قال: وما كنا نعرف منه الرقية أو كما جاء في الحديث رواه البخاري (2276) ومسلم (2201) ، وعلى الراقي أن يحسن النية، وأن يقصد نفع المسلم، ولا يجعل همه المال والأجرة، ليكون ذلك أقرب إلى الانتفاع بقراءته، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 22(5/8424)
قراءة أكثر من قارئ على مريض واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[الشخص المريض هل ممكن أن يقرأ عليه في آن واحد أكثر من قارئ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا مانع من تكرار القراءة على المريض، وتعدد القراء على المريض الواحد في زمن واحد، فهو كلام الله الذي جعله شفاء لما في الصدور.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 17.(5/8425)
هل الأدوية الحسية أنفع أم الرقية والأدوية الإيمانية
[السُّؤَالُ]
ـ[الطب الحديث يعالج الأمراض بالأدوية الحسية فقط، فهل يكتفى بهذا أم نستعمل الرقية وأيهما أنفع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا شك أن الإنسان يصاب بالأمراض النفسية: بالهم للمستقبل والحزن على الماضي، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الحسية البدنية، ودواء هذه الأمراض بالأمور الشرعية - أي: الرقية - أنجح من علاجها بالأدوية الحسية كما هو معروف.
ومن أدويتها: الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: " أنه ما من مؤمن يصيبه همٌّ أو غمٌّ أو حزن فيقول: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمَتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي: إلا فرَّج الله عنه "، فهذا من الأدوية الشرعية.
وكذلك أيضاً أن يقول الإنسان " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
ومن أراد مزيداً من ذلك: فليرجع إلى ما كتبه العلماء في باب الأذكار كـ " الوابل الصيِّب " لابن القيم، و " الكلِم الطيب " لشيخ الإسلام ابن تيمية، و " الأذكار " للنووي، و " زاد المعاد " لابن القيم.
لكن لمَّا ضعف الإيمان: ضعف قبول النفس للأدوية الشرعية، وصار الناس الآن يعتمدون على الأدوية الحسية أكثر من اعتمادهم على الأدوية الشرعية، أو لما كان الإيمان قويّاً: كانت الأدوية الشرعية مؤثرة تماماً، بل إن تأثيرها أسرع من الأدوية الحسية، ولا تخفى علينا جميعاً قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سريَّة فنزل على قوم من العرب، ولكن هؤلاء القوم الذين نزلوا بهم لم يضيفوهم، فشاء الله - عز وجل - أن لُدغ سيدهم لدغة حية، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هؤلاء القوم الذين نزلوا لعلكم تجدون عندهم راقياً، فقال الصحابة لهم: لا نرقي على سيدكم إلا إذا أعطيتمونا كذا وكذا من الغنم، فقالوا: لا بأس، فذهب أحد الصحابة يقرأ على هذا الذي لُدغ، فقرأ سورة الفاتحة فقط، فقام هذا اللديغ كأنما نشط عن عقال.
وهكذا أثَّرت قراءة الفاتحة على هذا الرجل لأنها صدرت من قلب مملوء إيماناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رجعوا إليه: " وما يدريك أنها رقية؟ ".
لكن في زماننا هذا ضعف الدين والإيمان، وصار الناس يعتمدون على الأمور الحسية الظاهرة، وابتلوا فيها في الواقع.
ولكن في مقابل هؤلاء القوم أهل شعوذة ولعب بعقول الناس ومقدراتهم وأقوالهم يزعمون أنهم قراء بررة، ولكنهم أكلة مال بالباطل، والناس بين طرف نقيض: منهم من تطرف ولم ير للقراءة أثراً إطلاقاً، ومنهم من تطرف ولعب بعقول الناس بالقراءات الكاذبة الخادعة، ومنهم الوسط ".
الشيخ ابن عثيمين " فتاوى إسلامية " (4 / 465، 466) .
على أنه لا تعارض بين استعمال الأدوية الحسية المباحة التي يصفها أطباء الأجساد وبين الأدوية الإيمانية كالرقية والتعويذات الشرعية والأدعية الصحيحة فيمكن الجمع بينهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت أنه استعمل هذا وهذا، وقال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) , وقال: (تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8426)
قراءة القرآن على خاتم ولبسه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقرأ القرآن على قطعة قماش أو خاتم ويلبسه للوقاية من العين والسحر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضت السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
هذا لا يجوز.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/8427)
كتابة الآيات وربطها بالجسم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة أوراق فيها القرآن والذكر وإلصاقها على شيء من الجسد كالصدر ونحوه؛ أو طيها ووضعها على الضرس، أو كتابة بعض الحروز من الأدعية الشرعية وشدها بجلد وتوضع تحت الفراش، أو في أماكن أخرى، وتعليق التمائم إذا كانت من القرآن والذكر والدعاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إلصاق الأوراق المكتوب فيها شيء من القرآن أو الأدعية على الجسم أو على موضع منه، أو وضعها تحت الفراش ونحو ذلك لا يجوز؛ لأنه من تعليق التمائم المنهي عنها بقوله صلى الله عليه وسلم: " من تعلق تميمة فلا أتم الله له " وقوله: " إن الرقى والتمائم والتولة شرك ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/8428)
شرب الماء الذي بللت فيه أوراق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القراءة على ماء فيه زعفران، ثم غمس الأوراق فيه، ثم تجفيفها، ثم حلها بعد ذلك بماء، ثم شربها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القراءة في ماء زعفران ثم تغمس الأوراق في هذا الماء وتباع على الناس لأجل الاستشفاء بها - هذا العمل لا يجوز ويجب منعه؛ لأنه احتيال على أكل أموال الناس بالباطل، وليس هو من الرقية الشرعية التي نص بعض أهل العلم على جوازها؛ وهي كتابة الآيات في ورقة أو في شيء طاهر كتابة واضحة، ثم غسل تلك الكتابة وشرب غسيلها.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/8429)
استخدام أختام عليها أدعية بدلا من الكتابة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع أختام كبيرة الحجم مكتوب فيها آيات أو أذكار أو أدعية، منها شيء مخصص للسحر، ومنها ما هو للعين، ومنها ما هو للجان، ثم يغمس بالخاتم في ماء فيه زعفران، ثم يختم على أوراق تحل بعد ذلك وتشرب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للراقي كتابة الآيات والأدعية الشرعية في أختام تغمس بماء فيه زعفران، ثم توضع تلك الأختام على أوراق ليقوم ذلك مقام الكتابة، ثم تغسل تلك الأوراق وتشرب؛ لأن من شرط الرقية الشرعية نية الراقي والمرقي الاستشفاء بكتاب الله حال الكتابة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/8430)
هل يقوم جهاز التسجيل مقام الراقي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تشغيل جهاز التسجيل على آيات من القرآن لعدة ساعات عند المريض، وانتزاع آيات معينة تخص السحر، وأخرى للعين، وأخرى للجان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تشغيل جهاز التسجيل بالقراءة والأدعية لا يغني عن الرقية؛ لأن الرقية عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية حال أدائها، ومباشرة للنفث على المريض. والجهاز لا يتأتى منه ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/8431)
الرقية عن طريق الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن أثناء الرقية بمكبر الصوت، أو عبر الهاتف مع بعد المسافة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الرقية لابد أن تكون على المريض مباشرة، ولا تكون بواسطة مكبر الصوت ولا بواسطة الهاتف، لان هذا يخالف ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/8432)
شم جلد الذئب للكشف عن وجود جني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شم جلد الذئب من قبل المريض بدعوى أنه يفصح عن وجود جان أو عدمه، إذ أن الجان - بزعمهم - يخاف من الذئب، وينفر منه، ويضطر عند الإحساس بوجوده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استعمال الراقي لجلد الذئب ليشمه المصاب حتى يعرف انه مصاب بالجنون عمل لا يجوز؛ لأنه من الشعوذة والاعتقاد الفاسد، فيجب منعه بتاتا.
وقولهم عن الجني يخاف من الذئب خرافة لا أصل لها.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/8433)
مس الراقي لشيء من بدن المرأة للتضييق على الجان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مس الراقي لجسد المرأة يدها أو جبهتها أو رقبتها مباشرة من غير حائل بحجة الضغط والتضييق على ما فيها من الجان خاصة أن مصل هذا اللمس يحصل من الأطباء في المستشفيات، وما هي الضوابط في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة، وإنا يقرأ عليها بدون مس.
وهناك فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب؛ لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد أن يعالجه، بخلاف الراقي فإن عمله - وهو القراءة والنفث - لا يتوقف على اللمس. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/8434)
استعار أشرطة محاضرات ولا يستطيع الوصول إلى أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أشرطة محاضرات كنت قد استعرتها منذ سنوات من أناس وهي لازالت معي حتى الآن وبعضهم قد يتيسر الوصول إليه وبعضهم لا يتيسر الوصول إليه فماذا أفعل الآن في هذه الأشرطة علماً بأني لا أتوقع أن يحزنوا أو يكون في خاطرهم شيء إن علموا بهذا ... أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من استعار من غيره شيئا، لزمه رده إليه، سواء كان قليلا أو كثيرا، عظيما أو حقيرا؛ أداءً للأمانة كما أمر الله تعالى بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ) رواه الترمذي (1264) وأبو داود (3534) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالواجب رد هذه الأشرطة إلى أصحابها، أو الاتصال عليهم وطلب السماح منهم، فإن لم يمكن الوصول أو التعرف على بعضهم، فتصدق بما لهم عندك، على أنك متى وجدتهم خيرتهم بين أمرين: إما أن يكون لهم ثواب الصدقة، وإما أن يكون لك ثوابها وتعطيهم بدل أشرطتهم.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل عنده رهون كثيرة , لا يعرف أصحابها , فقال: إذا أيست من معرفتهم , ومعرفة ورثتهم , فأرى أن تباع ويتصدق بثمنها , فإن عرف بعد أربابها , خيرهم بين الأجر أو يغرم لهم. المغني (4/264) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " المال إذا تعذر معرفة مالكه، صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء كمالك وأحمد وغيرهما؛ فإذا كان بيد الإنسان غصوب [يعني: أموال مغصوبة] أو عوارٍ [جمع عارية: وهي ما يستعيره الإنسان من غيره] ، أو ودائع أو رهون، قد يئس من معرفة أصحابها، فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين، المصالح الشرعية ...
وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية فدخل بيته ليأتي بالثمن، فخرج فلم يجد البائع، فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن ويقول: اللهم عن رب الجارية؛ فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فهو لي، وعلي له مثله يوم القيامة!!
وكذلك أفتى بعض التابعين من غل من الغنيمة (أي: أخذ منها من غير حق) وتاب بعد تفرقهم، أن يتصدق بذلك عنهم، ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم كمعاوية وغيره من أهل الشام " مجموع الفتاوى (29/321) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (15/406) فيمن عنده أمانة لغيره: " إذا كان الواقع كما ذكر فإن شئت فاحفظه واجتهد في التعرف على الرجل المذكور، وإن شئت فتصدق بالمبلغ الموجود لديك على الفقراء، أو ادفعه في مشروع خيري بنية أن يكون ثوابه لصاحبه، فإن جاءك بعد صاحبه أو وارثه فأخبره بالواقع، فإن رضي فبها، وإلا فادفع له المبلغ، ولك الأجر إن شاء الله ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8435)
هل يلزمها إعادة الإناء لأصحاب الشقة المفروشة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مستأجرةً شقة مفروشة وقمت بإهداء الطعام لأحد المعارف لنا في إناء من أواني الشقة، ولا أذكر أنه أرجع لي الإناء، والعرف عندنا أنه يجب على المرء أن يعيد الإناء الذي أهدي فيه الطعام! وأنا الآن قد تركت الشقة، فهل علي أنا أم على معارفي إرجاع الإناء، أو تعويض ثمنه لأصحاب الشقة المفروشة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استئجار الشقق المفروشة داخلٌ تحت أحكام عقد الإجارة التي بينها الفقهاء في كتبهم.
" هذا العقد يتكرر في حياة الناس في مختلف مصالحهم وتعاملهم اليومي والشهري والسنوي، فهو جدير بالتعرف على أحكامه، إذ ما مِن تعامُلٍ يجري بين الناس في مختلف الأمكنة والأزمنة، إلا وهو محكوم بشريعة الإسلام، وفق ضوابط شرعية ترعى المصالح وترفع المضار " انتهى من "الملخص الفقهي" (2/114)
ومن أحكام الإجارة التي بيّنها العلماء: أنه يجوز للمستأجر أن يعير ما استأجره، كما في "مغني المحتاج" (3/315) ويستعمله ثم يردّه.
وعلى هذا لا حرج عليك في إعارة هذا الإناء لمعارفك.
ثانيا:
الشقة المستأجرة أو غيرها مما يستأجره الناس أمانة في يد المستأجِر، ومعنى ذلك: أنه لا يضمن ما يتلف فيها بغير تعد ولا تقصير.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/27) :
" ولا خلاف في أن العين المستأجَرةَ أمانة في يد المستأجِر، فلو هلكت دون اعتداء منه أو مخالفة المأذون فيه إلى ما هو أشد، أو دون تقصير في الصيانة والحفظ، فلا ضمان عليه " انتهى.
انظر "بدائع الصنائع" (4/210) ، "المغني" (5/311)
فإذا ذهبت العين المستأجرة بتقصير أو تعدٍّ من المستأجِر فإنه يضمن مثلها إن كان لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل.
والذي يظهر من سؤال الأخت السائلة أنها كانت مقصِّرَةً في متابعة الإناء الذي أعارته معارفها، فكان عليها أن تطلبه من الذين استعاروه، فلما لم يحصل ذلك كان التقصير واقعا، والواجب عليها حينئذ ضمان الإناء لأصحاب الشقة المفروشة، فإما أن تتابع معارفها الذين أخذوا الإناء فتأخذه منهم وتعطيه أصحاب الشقة، أو تشتري لهم بدله مماثلا له، فإن لم يوجد تدفع لهم قيمته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8436)
هل يجوز إعارة الكتب التي بالمساجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الكتب الموجودة في مكتبات المساجد، هل يجوز إعارتها، التصرف بها، من يستعملها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوقف من الصدقات الجارية التي يؤجر عليها أصحابها، وهو مما يلحق المؤمن أجره في قبره.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجه (242) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (77) .
ثانياً:
وأما إعارة هذه الكتب , فيرجع الأمر في ذلك إلى ما اشترطه الواقف لها (صاحبها المتبرع بها) إن كان أَذِنَ بإعارتها لمن يستفيد منها ثم يعيدها , أو لم يشترط ذلك لكن جرى العرف بإعارة الكتب الموقوفة على المساجد , ففي هاتين الحالتين لا بأس بإعارتها.
وعلى المسئول عنها أن يوثِّق هذه الاستعارة بكتابة اسم المستعير وتحديد تاريخ الاستعارة وإرجاع الكتاب.
ويجب على من استعار كتاباً أن يحافظ عليه من التمزيق والإساءة والكتابة عليه، ويجب الالتزام بتاريخ الإرجاع ليعطي الفرصة لغيره بأن يستفيد منه، فيزداد أجر الواقف له.
أما إذا اشترط عدم إعارتها , أو لم يشترط شيئاً , ولم يكن العرف المعمول به إعارتها , فلا يجوز إعارتها لأحد , ومن أراد الاستفادة منها قرأها في المسجد.
ثالثاً:
وأما التصرف بها فالواجب على المسئول عنها (ناظر الوقف) أن يعمل بما اشترطه الواقف لها , من حيث إعارتها أو عدم إعارتها , وغير ذلك من الشروط.
ولا يجوز له أن يمكن منها أطفالاً صغاراً أو من عُرِفَ بالإهمال وعدم المحافظة عليها , لأن ذلك تضييع للأمانة المسئول عنها.
وانظر تفصيلاً نافعاً في أحكام الوقف جواب السؤال رقم: (13720) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8437)
أحكام العارية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العارية؟ وما هي أحكامها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد عرف الفقهاء رحمهم الله العارية بأنها إباحة نفع عين يباح الانتفاع بها وتبقى بعد استيفاء المنفعة ليردها إلى مالكها.
فخرج بهذا التعريف ما لا يباح الانتفاع به إلا مع تلف عينه؛ كالأطعمة والأشربة.
والعارية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
قال تعالى: (ويمنعون الماعون) أي: المتاع يتعاطاه الناس بينهم , فذم الذين يمنعونه ممن يحتاج إلى استعارته , وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى وجوب الإعارة , وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا كان المالك غنيا.
واستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرساً لأبي طلحة , واستعار صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدراعاً.
وبذل العارية للمحتاج إليها قربة ينال بها المعير ثوابا جزيلاً؛ لأنها تدخل في عموم التعاون على البر والتقوى.
ويشترط لصحة الإعارة أربعة شروط:
أحدها: أهلية المعير للتبرع؛ لأن الإعارة فيها نوع من التبرع؛ فلا تصح من صغير ولا مجنون ولا سفيه.
الشرط الثاني: أهلية المستعير للتبرع له: بأن يصح منه القبول.
الشرط الثالث: كون نفع العين المعارة مباحا: فلا تباح إعارة عبد مسلم لكافر ولا صيد ونحوه لمحرم: لقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
الشرط الرابع: كون العين المعارة مما يمكن الانتفاع به مع بقائه كما سبق.
وللمعير استرجاع العارية متى شاء إلا إذا ترتب على ذلك الإضرار بالمستعير إذا استرجعت العارية: كما لو أعاره سفينة لحمل متاعه: فليس له الرجوع ما دامت في البحر , وكما لو أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه: فليس له الرجوع في الحائط ما دام عليه أطراف الخشب.
ويجب على المستعير المحافظة على العارية أشد مما يحافظ على ماله؛ ليردها سليمة إلى صاحبها؛ لقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) ؛ فدلت الآية على وجوب رد الأمانات , ومنها العارية , وقال صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك) ، فدلت النصوص على وجوب المحافظة على ما يؤتمن عليه الإنسان وعلى وجوب رده إلى صاحبه سالما , وتدخل في هذا العموم العارية , لأن المستعير مؤتمن عليها , ومطلوبة منه , وهو إنما أبيح له الانتفاع بها في حدود ما جرى به العرف؛ فلا يجوز له أن يسرف في استعمالها إسرافا يؤدي إلى تلفها ولا أن يستعملها فيما لا يصلح استعمالها فيه؛ لأن صاحبها لم يأذن له في ذلك وقد قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) .
فإن استعمالها في غير ما استعيرت له فتلفت؛ وجب عليه ضمانها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه الخمسة , وصححه الحاكم؛ فدل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره , ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه.
وإن تلفت في انتفاع بها بالمعروف لم يضمنها المستعير؛ لأن المعير قد أذن له في هذا الاستعمال , وما ترتب على المأذون , فهو غير مضمون.
هذا وقد اختلف العلماء في ضمان المستعير للعارية إذا تلفت في يده في غير ما استعيرت له , فذهب جماعة إلى وجوب ضمانها عليه سواء تعدى أو لم يتعدى؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) , وذلك مثل لو ماتت الدابة أو احترق الثوب أو سرقت العين المعارة , وذهب جماعة آخرون إلى عدم ضمانها إذا لم يتعد؛ لأنها لا تضمن إلا بالتعدي عليها , ولعل هذا القول هو الراجح؛ لأن المستعير قبضها بإذن مالكها , فكانت أمانة عنده كالوديعة.
على أنه يجب على المستعير المحافظة على العارية والاهتمام بها والمسارعة إلى ردها إلى صاحبها إذا انتهت مهمته منها , وأن لا يتساهل بشأنها , أو يعرضها للتلف؛ لأنها أمانة عنده , ولأن صاحبها أحسن , و (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ؟ .
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان(5/8438)
باع أرضاً ولم يسجلها رسمياً ويريد استردادها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعت أرضاً لي بمبلغ معين، وبعد سبع سنوات أصبحت في حاجة لهذه الأرض فأردت أن أدفع ثمن الشراء للمشتري وأستردها منه، لكنه رفض، وبعدما عرضت الأمر على السلطة المحلية أمرته بالتخلي عن زراعة الأرض وحجتها أنه لا يملك سنداً قانونياً بذلك، وعليه فهي لي قانوناً، فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما دمت تعترف بأنك بعتها عليه فليس لك أخذها منه إلا برضاه هبةً أو شراءً، أما أن تأخذها منه بقوة بالسلطان فهذا ظلم وعدوان، ولو ساعدك السلطان فالسلطان حينئذ ظالم معك، فلا يجوز لك أن تأخذها بالظلم وبقوة السلطان بقوانين باطلة وآراء فاسدة، بل يجب عليك أن تحترم ما جرى منك من البيع وتدعها في يد صاحبها الشرعي ويعطيك الله أفضل منها وخيراً منها (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق/2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق/4، إلا إذا رغب في بيعها عليك برأس المال أو بأقل أو بأكثر أو أعطاك إياها عطية فلا بأس، أما الظلم فلا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ، ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) فاتق الله واحذر" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1436) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/8439)
حكم العمل في كازينو للقمار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في كازينو للقمار فأنا مضطر أن أعمل فيه وغير راضٍ عن العمل فيه وسوف أتركه عما قريب إن شاء الله؟ وفي حالة ترك هذا العمل ما هو حكم المال الذي اكتسبته من هذا العمل؟ وإذا كنت محتاجاً لهذه الأموال التي اكتسبتها لكي أعمل في التجارة أو عمل آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القمار من كبائر الذنوب، فقد حرمه الله في محكم كتابه، وقرن تحريمه بالخمر فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90، 91.
والله تعالى إذا حرم شيئاً حَرَّم التعاون عليه بأي وجه من الوجوه.
فلا يجوز العمل في كازينو للقمار لما فيه من الإعانة على الإثم فقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وما اكتسبه الإنسان من مال عن طريق العمل في كازينو القمار هو مال حرام، لا يجوز له أن ينتفع به، ولا أن ينفقه على نفسه، والواجب عليه أن يتخلص من هذا المال، بإنفاقه في أوجه البر المختلفة.
فعليك أن تبحث عن وسيلة مباحة لكسب الرزق الحلال وإذا تركت هذا المنكر لله فسيعوضك الله خيرا، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8440)
لم يكن يعلم أن العمل في البنك حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أكن أعلم أن العمل في البنك حرام، وقد تبت إلى الله تعالى وتركت العمل، فما حكم الأموال التي جمعتها من عملي في البنك؟ هل هو مال حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت لم تكن تعلم أن هذا العمل حرام، وقد تركت العمل بمجرد علمك بأنه حرام، فلا يلزمك التخلص من هذه الأموال، ولا حرج عليك من الانتفاع بها، لقول الله تعالى بعد ما بَيَّن تحريم الربا: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) البقرة/275.
قال الشيخ ابن عثيمين: "من فوائد الآية: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم بالتحريم فهو حلال له، بشرط أن يتوب وينتهي" انتهى.
"تفسير سورة البقرة" (3/377) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"المدة التي جلستها في البنك للعمل فيها: نرجو من الله أن يغفر إثمها عنك، وما جمعتَه من نقود وقبضتها بسبب العمل في البنك عن المدة الماضية: لا إثم عليك فيها؛ إذا كنت تجهل الحكم في ذلك".
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 46) .
وقالوا أيضاً:
"إذا كان الواقع كما ذكرت، من أنك تركت العمل به بعد أن أخبرت أنه لا يجوز العمل في البنك: فلا حرج عليك فيما قبضته من البنك مقابل عملك لديه مدة الأشهر المذكورة، ولا يلزمك التصدق بها، وتكفي التوبة عن ذلك، عفا الله عنا وعنك؛ لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 50، 51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8441)
تابت من العمل في البنك ويريد أهلها وزوجها أن تبقى فيه!
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة عمرها 43 سنة، متزوجة، وأم لثلاثة أطفال، تعمل في بنك ربوي مند 20 سنة، في السنة الأخيرة - والحمد لله - هداها الله سبحانه وتعالى إلى الاقتناع بأن هذا العمل حرام شرعاً؛ لما فيه من تعاملات ربوية، ومساعدة على نشرها، واتخذت قرارها بتركه، لكن الأمور لم تجرِ بهذه السهولة، اصطدمت بمعارضة قوية من عائلتها، من جهة أولى زوجها، حاول المستحيل لمنعها لدرجة أن الأمر وصل للتهديد بالطلاق إن هي أصرت على موقفها، فهو لا يريدها أن تترك العمل؛ لأنها تساهم – تقريباً- بنصف راتبها في مستلزمات البيت، وما يعزز أكثر رفضه - في نظره - أنه يتحجج بأن عملها يمنح لأطفالهما تأميناً صحيّاً لا يمكنه أن يوفره من خلال عمله (يعمل في عمل مند أكثر من 15 سنة بعقد قابل للتجديد كل سنة) تخبره بأنها ستقنع بما يجنيه هو، وأن الله هو المؤمن وكل شيء بيده، لكن لا فائدة، ومن جهة أخرى والدها الذي وصل به الأمر بتخييرها بين رضاه، وسخطه إن تركت العمل، يقول لها: يمكنك تركه ولكن بشرط أن تجدي عملا آخر قبل ذلك، وهذا نراه شرطاً تعجيزيّاً، وذلك لسببين: أولاً: مشكلة السن، عمرها 43 سنة، ثانياً: استفحال مشكلة البطالة في بلادنا، هناك صعوبة في إيجاد عمل آخر، كما أنه عمل على إقناع شقيقيها على عدم مساعدتها سواء ماديّاً، أو معنوياً. مع العلم: أسرتها أسرة ملتزمة بتعاليم ديننا الإسلامي، لكن عملها هو نقطة خلافهم، هي الآن حائرة، لا تدري ما تفعل، زوجها يخبرها أن الله سبحانه وتعالى أمر الزوجة بطاعة زوجها، وهذا هو فوزها الأكبر أكثر من أي شيء، وبين والدها الذي يهدد إن لم تطعه سيسخط عليها دنيا وآخرة، وبأن بر الوالدين وطاعتهما فوق كل ما تريد أن تفعله، وأنها يجب عليها المحافظة على عملها لأنه هو مستقبلها، وأنها يمكن أن تمر بظروف قاسية إن تركته. نرجو من فضيلتكم أن تنصحوها، وأن تضعوها على الطريق الصحيح، وأن تبينوا لها حكم ما يقول زوجها، وأبوها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقها للتوبة من الكسب المحرَّم، ومن الإعانة على ما يسخط الرب تعالى من العمل في الربا، وهو من كبائر الذنوب التي توعد الله أصحابها بالمحق والعذاب، إلا أن يتوبوا ويعودوا لربهم بصدق وإخلاص.
ثانياً:
لا تخلو هذه الدنيا من ابتلاء، فيبتلى المسلم فيها بأنواع شتى من الابتلاءات، وقد يُبتلى التائب من ذنبه، والمقبل على ربه تعالى فعليه أن يصبر ويثبت فإنه الآن في محطة الاختبار ليُرى صدقه في توبته وإقباله على ربه تعالى من عدمه، لذا فإنه يجب على صديقتك أن تعلم أن ابتلاءها هو في صالحها إن صبرت عليه وتحملته، وأنه أمرٌ يعرض للتائبين من ذنوبهم، والمقبلين على ربهم تعالى، فلا تجزع، ولا تفزع، ولا تضجر، ولتكن مع ربها تعالى بالإنابة، والدعاء، والعمل الصالح، وستجد ما يسرها إن شاء الله، من التثبيت على الطاعة، والتوفيق للعمل الصالح.
وطريق الجنة محفوف بالمكاره، ومن صبر على قطع هذا الطريق فإن نهايته ستكون سعيدة، وطريق النار محفوف بالشهوات، ولو استمتع العاصي بدنياه بتلك الشهوات فإنه سيندم على ذلك أشد الندم، وسيجد من الحسرة والسخط والعذاب ما يُنسيه استمتاعه ذاك.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ) . رواه البخاري (6122) ومسلم (2823) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) . رواه مسلم (2822) .
قال النووي رحمه الله:
"قال العلماء: هذا من بديع الكلام، وفصيحه، وجوامعه، التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، من التمثيل الحسن، ومعناه: لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب: وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة: باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار: بارتكاب الشهوات، فأما المكاره: فيدخل فيها: الاجتهاد في العبادات، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة، والإحسان إلى المسيء، والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك.
وأما الشهوات التي النار محفوفة بها: فالظاهر أنها: الشهوات المحرمة، كالخمر، والزنا، والنظر إلى الأجنبية، والغيبة، واستعمال الملاهي، ونحو ذلك.
وأما الشهوات المباحة: فلا تدخل في هذه، لكن يكره الإكثار منها؛ مخافة أن يجر إلى المحرمة، أو يقسي القلب، أو يشغل عن الطاعات، أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا للصرف فيها، ونحو ذلك" انتهى.
" شرح مسلم " (17 / 165، 166) .
ثالثاً:
من الواجب على هذه الأخت أن تلتزم الصدق في توبتها، فتندم على ما فات من عمرها الذي قضته في العمل المحرَّم، وتعزم عزماً مؤكداً على عدم العود للعمل في البنوك الربوية، ولا في غيرها من الأماكن المحرَّمة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإتاء:
"العمل في البنوك التي تتعامل بالربا: من الأمور المحرمة، ولا يجوز لك أن تستمر فيه؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكلَ الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه) ، وعليك التوبة إلى الله من ذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 45، 46) .
وقالوا أيضاً:
"ثبت تحريم الربا بالكتاب، والسنَّة، والإجماع، وثبت أن التعاون عليه بالكتابة، والشهادة، ونحوهما: حرام، وعلى هذا: فالعمل في البنوك الربوية محرم؛ لما فيه من التعاون على الإجراءات الربوية من حساب، وصرف، وقبض، وتقييد، وكتابة، وحراسة، ونحو ذلك، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 46، 47) .
رابعاً:
أما ما قاله زوجها ووالدها من أن الله تعالى أمر بطاعة الزوج، وطاعة الوالدين وبرهما، فهو حق، قد أمر الله تعالى بذلك، لكن. . إذا تعارض أمر الله تعالى مع أمر الزوج أو الوالد بحيث أمرا بما يخالف أمر الله، فلا يشك مؤمن في أن الواجب هو تقديم أمر الله تعالى، ومن قال غير ذلك فهو على خطر عظيم، وعليه أن يراجع إيمانه.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 327) :
"طاعة المخلوقين - ممّن تجب طاعتهم – كالوالدين، والزّوج، وولاة الأمر: فإنّ وجوب طاعتهم مقيّد بأن لا يكون في معصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" انتهى.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
"المرأة مأمورة بطاعة الله سبحانه وتعالى، ومأمورة بطاعة زوجها، وبطاعة والديها، ضمن طاعة الله عز وجل.
أمَّا إذا كان في طاعة المخلوق: من والد، أو زوج، معصية للخالق: فهذا لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) - رواه البخاري -؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق) - رواه أحمد – " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 265، 266، سؤال 161) .
فأعلمي صديقتك بحرمة طاعتها لوالديها وزوجها في الرجوع للعمل في البنك الربوي، وأن غضب والدها عليها لا وزن له عند الله تعالى؛ لأنه والحالة هذه يكون هو الآثم الظالم لها، وإن أمكنها أن تتقاعد مبكراً، وتحصل على راتب شهري بعد تقاعدها، فذلك خير، ولا حرج عليها من أخذ هذا الراتب إن شاء الله.
وإن وُفِّقَت إلى الجمع بين إرضاء الله تعالى وعدم إسخاط الوالدين والزوج بالعمل في مكان مباح: فذلك أفضل، وأجمع للشمل، وإن عجزت عن التوفيق بين الأمرين: فلتقدم مرضاة الله على رضا أي أحدٍ سواه، وإن أصابها سوء أو أذى أو ضرر: فلتصبر، ولتحتسب.
وعليها أن تلين مع زوجها وأبيها وتحاول إقناعهما بأن الحرام مهما كان كثيرا فإنه لا بركة فيه، وعاقبته إلى زوال.
ونسأل الله أن ييسر لها أمرها ويهدي أهلها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8442)
أخذ مالا من الشركة بغير حق ولا يستطيع إخبارهم به
[السُّؤَالُ]
ـ[الشركة التي أعمل بها تعطي أرضا (منحةً) وقرضا بدون فوائد.. لإقامة منزل للموظف. إلا أن الشركة تخير الموظف بأن ينتظر حتى يصدر له أرض في مخططاتها أو أن يبحث له عن أرض خارج مخططها بقيمة لا تتعدى 150.000 ريال وتقوم الشركة بإعطاء القيمة التي تكتب في العقد (صك الأرض) . فإن كانت القيمة أقل من 150.000 فمثلاً 100.000.. تعطيه فقط 100.000 قال لي أحد الإخوة لا بأس أن تسجلها بـ 150.000 ريال في العقد حتى وإن اشتريتها بأقل على اعتبار أن ذلك منحة من الشركة. فاشتريت أرضاً بـ 75.000 ريال وسجلتها بـ 150.000 ريال حتى أحصل عليها كاملاً وحصلت عليها من الشركة وبدأت فيها منزلي واستلمت بعض الدفعات وأنا الآن أوشكت على الانتهاء من العظم. فدار هناك نقاش بيني وبين أحد الإخوة وقال لي قد يكون هذا من الكذب فخفت ودخلني شك ولو كنت أعلم أن هذا لا يجوز لما فعلت ذلك.. ولاشتريت أرضاً بقيمة 150.000 وقد تكون أفضل لي من حيث المساحة والموقع وأنا محتاج إلى المال، وعليّ دين ما يقارب 400.000 ريال أفيدوني ما الحكم في ذلك؟ وهل يلزمني إرجاعها إلى الشركة مع العلم أن ذلك قد يضرني وقد يفصلونني من العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الشركة تمنح أرضا لموظفيها، بما لا يزيد على 150000، وتعطيهم المبلغ المسجل في صك البيع، فإنه لا يجوز تسجيل غير الثمن الحقيقي، لأن ذلك من الكذب وأكل المال بالباطل؛ ولأن المسلمين على شروطهم، والعقد القائم بين الشركة والموظف هو إعطاؤه ثمن الأرض، ليبني منزلا، لا ليوفر ويدخر.
وعلى ذلك فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن ترد المال الزائد إلى الشركة، فإن غلب على ظنك حصول ضرر غير محتمل في حال إخبار الشركة بالأمر، فابحث عن وسيلة توصل المال إليها دون علمها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4 انتهى.
" فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .
ونسأل الله أن ييسر أمرك، ويعينك على قضاء دينك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8443)
استعار أشرطة محاضرات ولا يستطيع الوصول إلى أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أشرطة محاضرات كنت قد استعرتها منذ سنوات من أناس وهي لازالت معي حتى الآن وبعضهم قد يتيسر الوصول إليه وبعضهم لا يتيسر الوصول إليه فماذا أفعل الآن في هذه الأشرطة علماً بأني لا أتوقع أن يحزنوا أو يكون في خاطرهم شيء إن علموا بهذا ... أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من استعار من غيره شيئا، لزمه رده إليه، سواء كان قليلا أو كثيرا، عظيما أو حقيرا؛ أداءً للأمانة كما أمر الله تعالى بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ) رواه الترمذي (1264) وأبو داود (3534) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالواجب رد هذه الأشرطة إلى أصحابها، أو الاتصال عليهم وطلب السماح منهم، فإن لم يمكن الوصول أو التعرف على بعضهم، فتصدق بما لهم عندك، على أنك متى وجدتهم خيرتهم بين أمرين: إما أن يكون لهم ثواب الصدقة، وإما أن يكون لك ثوابها وتعطيهم بدل أشرطتهم.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل عنده رهون كثيرة , لا يعرف أصحابها , فقال: إذا أيست من معرفتهم , ومعرفة ورثتهم , فأرى أن تباع ويتصدق بثمنها , فإن عرف بعد أربابها , خيرهم بين الأجر أو يغرم لهم. المغني (4/264) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " المال إذا تعذر معرفة مالكه، صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء كمالك وأحمد وغيرهما؛ فإذا كان بيد الإنسان غصوب [يعني: أموال مغصوبة] أو عوارٍ [جمع عارية: وهي ما يستعيره الإنسان من غيره] ، أو ودائع أو رهون، قد يئس من معرفة أصحابها، فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين، المصالح الشرعية ...
وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية فدخل بيته ليأتي بالثمن، فخرج فلم يجد البائع، فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن ويقول: اللهم عن رب الجارية؛ فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فهو لي، وعلي له مثله يوم القيامة!!
وكذلك أفتى بعض التابعين من غل من الغنيمة (أي: أخذ منها من غير حق) وتاب بعد تفرقهم، أن يتصدق بذلك عنهم، ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم كمعاوية وغيره من أهل الشام " مجموع الفتاوى (29/321) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (15/406) فيمن عنده أمانة لغيره: " إذا كان الواقع كما ذكر فإن شئت فاحفظه واجتهد في التعرف على الرجل المذكور، وإن شئت فتصدق بالمبلغ الموجود لديك على الفقراء، أو ادفعه في مشروع خيري بنية أن يكون ثوابه لصاحبه، فإن جاءك بعد صاحبه أو وارثه فأخبره بالواقع، فإن رضي فبها، وإلا فادفع له المبلغ، ولك الأجر إن شاء الله ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8444)
نشد الضالة بمكبر الصوت الخاص بالمسجد وتعليق ورقة بها في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في مسجد قريتنا مكبر للصوت، فهل يجوز استعماله في السؤال عن ضالة ثمينة أو مهمة كأن يُسأل بواسطته عن طفل مفقود ونحوه؟ وهل يدخل ذلك في عموم الحديث الذي معناه: (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك) ؟ وهل يلحق بذلك الورقة تعلق على باب المسجد أو جداره وتفيد السؤال عن ضالته دون التحدث بذلك مشافهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما نشد الضوال عن طريق مكبر الصوت في المسجد فلا يجوز سواء قصد أهل المسجد أو القرية ما دام في المسجد، فلا يجوز، لعموم الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ) ، وهذا حديث صحيح رواه مسلم في الصحيح، ولأن المساجد ما بنيت لهذا، وهكذا الحديث: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) ؛ فالمساجد لم تُبن لنشد الضوال أو البيع والشراء، وإنما بنيت لعبادة الله وطاعته بالصلاة والذكر وحلقات العلم ونحو ذلك.
أما إذا كان المكبر خارج المسجد في بيت أو في محل خارج المسجد، فهذا أمر معلوم ولا حرج في ذلك أن ينشد الضالة ويطلب من المسلمين أن يفيدوه عن حاجته.
وأما كتابة ورقة وتعلق في المسجد فهذا إذا كان في الجدار الخارجي فلا بأس أو على الباب الخارجي فلا بأس، أما من الداخل فلا ينبغي لأن هذا يشبه الكلام، ولأنه قد يشغل الناس بمراجعة الورقة وقراءتها.
فالذي يظهر لنا: أنه لا يجوز، لأن تعليق أوراق في المسجد معناه نشد الضوال، ولكن إذا كتب على الجدار الخارجي من ظهر المسجد أو على الباب وتكون خارج المسجد فلا بأس بهذا " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/709) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8445)
يريد أن يمنح ولده لأخته التي لا تنجب لتربيته
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي لا تنجب، وقد بلغت 40 عاما، فهل يجوز لي أن أمنحها أحد أبنائي الذكور، مع الاحتفاظ بنسبته لي من حيث الاسم والمواريث والحقوق الأخرى، فقط تربيه مع زوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يكرمك بالثواب الجزيل على صلتك لأختك وبرك بها، ونسأله عز وجل أن يكتب لك الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
ثم نعلمك أخانا الفاضل بأن المحظور والمحرم في أمر الأنساب والأولاد هو نسبة الولد إلى غير أبيه، واعتبار ذلك النسب الكاذب موجبا للأحكام الشرعية الأخرى من ميراث ونكاح وحقوق.
وبما أنك تنوي تجنب هذا المحذور، فلا حرج عليك فيما دونه إن شاء الله تعالى، فإذا رغبت أختك في تربية ولدك وإبقائه عندها ليملأ عليها وحشتها، ويعوضها ما حُرمته من نعمة الولد، فذلك أمر جائز إن شاء الله، بل لك فيه الأجر والثواب عند الله.
ومن المعلوم أنه قد شرع التبني في أول الإسلام، ثم جاءت النصوص المحكمة في تحريمه، آمرة بنسبة الأولاد لآبائهم، ومحرِّمة أن ينسب أحدٌ لغير أبيه، وليس ذلك قطعاً للمودة والإخاء والعناية والرعاية.
وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أمر التبني وتحريمه في الشرع المطهَّر، ثم قالوا:
" تبيِّن مما تقدم: أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية، والحقوق الإسلامية، من الإخاء، والوداد، والصلات، والإحسان، وكل ما يتصل بمعالي الأمور، ويوحي بفعل المعروف:
أ. فللإنسان أن ينادي مَن هو أصغر منه سنّاً بقوله: " يا بُني "، على سبيل التلطف معه، والعطف عليه، وإشعاره بالحنان؛ ليأنس به، ويسمع نصيحته، أو يقضي له حاجته، وله أن يدعو من هو أكبر منه سنّاً بقوله: " يا أبي "؛ تكريماً له، واستعطافاً، لينال برَّه، ونصحه، وليكون عوناً له، وليسود الأدب في المجتمع، وتقوى الروابط بين أفراده، وليحس الجميع بالأخوة الصادقة في الإنسانية، والدين.
ب. لقد حثت الشريعة على التعاون على البر والتقوى، وندبت الناس جميعاً إلى الوداد، والإحسان، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) رواه أحمد ومسلم، وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
ومن ذلك: تولي اليتامى، والمساكين، والعجزة عن الكسب، ومن لا يعرف لهم آباء، بالقيام عليهم، وتربيتهم، والإحسان إليهم، حتى لا يكون في المجتمع بائس، ولا مهمل؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته، أو تمرده، لما أحس به من قسوة المجتمع عليه وإهماله، وعلى الحكومات الإسلامية إنشاء دور للعجزة، واليتامى، واللقطاء، ومن لا عائل له، ومن في حكمهم، فإن لم يف بيت المال بحاجة أولئك: استعانت بالموسرين من الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: (أيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديْنا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه) رواه البخاري " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 357 - 359) .
ثانياً:
وننبهك إلى أمرين مهمين في هذا الشأن:
1. لا ينبغي لك تسمية هذا الفعل بـ " المنحة " أو " الهدية " أو " الهبة "، فأنت لا تملك نفسك التي بين جنبيك فضلا عن ولدك، والخلق كلهم خلق الله، وهم عبيده سبحانه، فلا يحق لأي مخلوق إهداء ما لا يملك، وفاقد الشيء لا يعطيه.
لذلك نرى لك ولأختك وأهلك استعمال لفظ " التربية " أو " العناية " لتكون عمة الولد هي مربيته والمعتنية به، وتكون أنت من دفع ابنه لأخته كي تعتني به وترعاه، وليس على وجه الهبة والهدية.
2. أننا لا نرى أن تنقطع عن ابنك انقطاعاً تامّاً، لتنساه وينساك ولا يطلبك، بل عليك ألا تحرمه حق الأبوة الذي له عليك من الاهتمام بشأنه والسؤال عنه، ليبقى حبل المودة الذي فطره الله في قلوب بني آدم متصلا على بعد السنين والمسافات؛ لأننا نخشى إن طال زمانُ انقطاعكم وبعدكم عن ولدكم أن يُحدث ذلك في نفسه من الأذى والألم ما لم يكن في الحسبان، وقد يتطور ذلك الشعور إلى قطيعة حقيقية أو اضطرابات نفسيه كنتم في غِنًى عنها، والمصاب الأول بها هو هذا الابن.
كما قد تصير الأمور إلى العكس، حين يبدأ الولد بالإدراك والتمييز، فيرغب في الرجوع إلى الوالدين وإكمال المشوار في كنفهما، مما يؤدي إلى الأذى البالغ لأختك التي ربته وتعلقت به وقضت سنوات طويلة في العناية به ورعايته، ثم فجأة تفقد هذا الأمل الذي عاش معها وعاشت معه فترة طويلة.
فإن غلب على ظنك حصول هذه الآثار، فلا ننصحك حينئذ بسلوك هذا الطريق، وإن كنا لا نملك أن نحرم ونمنع - حيث لا دليل على المنع - إلا أن مراعاة دواخل النفوس ومكامن الضعف ضروري لتجنب وقوع الأذى والضرر.
نسأل الله عالى لكم الخير والتوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8446)
لا ميراث للابن المتبنى
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن 12 أخ وأخت ووالدنا متزوج من امرأتين واحدة مطلقة والثانية في ذمته وفى آخر يوم لوفاته جمع أخي الكبير وابن عمى وقال لهم إن أخاكم فلان لا يرث لأنه ليس ابني وهو ابني بالاسم فقط فهل نوزع الميراث على هذا الأخ؟ وهل إذا حرمناه من الميراث يكون هناك عذاب لوالدنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم التبني في الإسلام؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الأحزاب/4، 5
ولما يترتب على نسبة الولد إلى من تبناه من مفاسد تتعلق بالمحرمية والإرث.
وينظر جواب السؤال رقم (95216) ورقم (5201) .
ومن ثبت أنه ابن بالتبني فلا حق له في الميراث، لعدم وجود السبب الشرعي المقتضي للإرث، وكان ينبغي لوالدك أن يوصي له بشيء تطييبا لخاطره، فإن الوصية مشروعة في حدود الثلث، وإن أعطيتموه من نصيبكم فحسن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8447)
تبنَّته أسرة بسبب فساد أهله، ونسبوه لهم، فماذا يترتب على ذلك التصرف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 15 سنة، وقد تبنتني عائلة أفغانية عندما كان عمري ستة أشهر، وذلك بسبب أن والداي كانا فاسدين، ولم يكونا يصلحان لتربيتي، وتم تغيير اسمي، ولكنني لم أرضع من والدتي التي تبنَّتني، فهل يعني هذا أنها ليست محرَماً لي، وأنه يجب أن لا تظهر عليّ؟ وما هي الأحكام المتعلقة بحالتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان التبني أول أمر الإسلام جائزاً، وكان يُنسب المتبنَّى إلى من تبنَّاه، ثم حرَّمه الله تعالى، وأمر بأن يُنسب كل أحدٍ لأبيه.
قال الله تعالى: ( ... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/ 4، 5.
ولا يُعرف خلاف بين العلماء في هذا الحكم.
وفي "الموسوعة الفقهية" (10/121، 122) :
"حرَّم الإسلام التبنِّي، وأبطل كل آثاره، وذلك بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) ، وقوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) .
وقد كان التبنِّي معروفاً عند العرب في الجاهلية، وبعد الإسلام، فكان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جَلَده، وظَرْفَه ضمَّه إلى نفسه، وجعل له نصيب ابنٍ مِن أولاده في الميراث، وكان يُنسب إليه فيقال: فلان بن فلان، وقد تبنَّى الرسولُ صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثة قبل أن يشرِّفه الله بالرسالة، وكان يُدْعى " زيد بن محمد "، واستمر الأمر على ذلك إلى أن نزل قول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ، وبذلك أبطلَ الله نظام التبنِّي، وأمرَ مَن تبنَّى أحداً ألا يَنسبه إلى نفسه، وإنما يَنسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف، فإن جُهل أبوه: دُعيَ " مولى "، " وأخا في الدين "، وبذلك مُنع الناس من تغيير الحقائق، وصِينت حقوق الورثة من الضياع، أو الانتقاص" انتهى.
وعليه: فيجب على تلك الأسرة المبادرة لإصلاح ما أفسدوه، وعليهم إبطال نسبك إليهم في الأوراق، والوثائق الرسمية، وعليهم إرجاع الأمور لنصابها الشرعي، وذلك بالشهادة على نسبك الحقيقي، وتثبيت ذلك في الوثائق، وفساد الأسرة ليس عذراً في نفي النسبة إليهم.
وبهذا يُعلم الجواب عن أصل السؤال، وهو أن الأسرة التي تتبنى ذكراً، أو أنثى: فإنه لا يكون بينهم علاقة نسب بذلك التبني، وعليه: فهم أجانب، لا يحل معاملتهم كما تُعامل الأسرة في الأحكام، فالمرأة التي تبنتْك: أجنبية عنك، ولا يحل لك رؤيتها، فضلاً عن مسِّها، وتقبيلها، ولا تكون محرَماً لها، ولا لبناتها.
والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج بزوجة ابنه المتبنَّى "زيد" – وهي زينب بنت جحش رضي الله عنها - بعد تطليق زوجها له، وهذا تطبيق عملي من الرسول صلى الله عليه وسلم لإبطال آثار التبني.
نعم، لو أن تلك المرأة المتبنية قد أرضعت الطفل المتبنى وهو دون السنتين، خمس رضعات: لصار ابناً لها في الرضاعة، ولصار زوجها أباً له في الرضاعة، ولصار أولادهم جميعاً إخوة له وأخوات في الرضاعة، وبما أن ذلك لم يكن – بحسب قولك -: فتكون تلك المرأة أجنبية عنك، وعليها الاحتجاب عنك، وتعامل كما تعامل المرأة الأجنبية في الأحكام.
وينبغي لك أن تبرَّ تلك الأسرة، وتعتني بأحوالهم، وتتفقد أمورهم؛ لما لهم من فضل عليك.
وانظر – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة: (4696) و (6102) و (95216) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8448)
هل للوالدين في التبني الحكم نفسه للوالدين الحقيقيين؟ وهل أبحث عن والديَّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تبنت عائلة غير مسلمة طفلاً , وعندما كبر هذا الطفل أصبح مسلماً , فهل يجب عليه أن يعتني بهم، وأن يحسن إليهم؟ فقد ورد أن على الانسان أن يطيع أبويه حتى ولو كانا غير مسلمين، ما لم يأمراه بمعصية , فهل ينطبق هذا على التبني؟ وفي حال أن هذا الطفل لم يرَ والديه الحقيقيين , لكنه علم فيما بعد أنهما لا يزالان على قيد الحياة , فهل يجب عليه أن يبحث عنهما، وأن يعتني بهما، حتى ولو لم يعرف الوالدان من يكون هذا الولد لأنهما لم يربياه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يُطلق " التبني " في عرف الناس ويُراد به أمران:
الأول: القيام على تربيته، والعناية به، مع عدم تغيير نسبه.
والثاني: القيام على تربيته، والعناية به، مع نسبة ذلك المُتبنَّى إلى أسرة المتبنِّي، وجعله واحداً من أفرادها.
ولا شك أن الأمر الثاني هذا كان جائزاً أول الإسلام، فنُسب زيد بن حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فصار اسمه " زيد بن محمد "، ونُسب " سالم " لأبي حذيفة، وكان يدعى: سالم بن أبي حذيفة، ثم لما شرع الله تعالى إبطال التبني، وأمر بأن يُدعى كل واحدٍ لأبيه من النسب، ومن لا يُعرف له أب: فيقال: فلان أخو فلان، أو: فلان مولى فلان: استجاب الناس لأمر الله تعالى، فنُسب زيد إلى أبيه " حارثة "، ودُعي سالم بـ " سالم مولى أبي حذيفة ".
قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/ 5.
والنسب يتبعه كثير من الأحكام، كالرضاع، والحضانة، والولاية، والنفقة، والميراث، والقصاص، وحد السرقة، والقذف، والشهادة، وغيرها.
وأما الأمر الأول، وهو العناية بطفل، يتيم أو فقير، وتربيته كتربية المرء لولده، من غير تغيير نسبه الحقيقي: فليس بمحرّم، بل هو من أجلِّ الأعمال، وخاصة في حال كون ذلك المربَّى من الأطفال المشردين في الحروب، أو من الذين فقدوا أسرتهم جميعها في حادث، أو حرب.
وفي كلا الحالين السابقين لا تأخذ الأسرة المتبنية، أو المربية حكم أسرة الطفل الحقيقية، من حيث البر، والصلة، والطاعة؛ لأن ذلك إنما هو للوالدين في النسب.
وينظر جواب السؤال رقم (5201) لبيان الفرق بين التبنِّي، وكفالة اليتيم.
ويُنظر جواب السؤال رقم (10010) في بيان الفرق بين الحالين السابقين.
وهذا لا يعني قطع العلاقة بالكلية مع تلك الأسر الثلاث، ولا يعني تحريم زيارتهم، والسؤال عنهم، وصلتهم، وبرهم، بل إن هذا من خلق الإسلام، وهديه، وإذا كان هذا من الواجبات مع الغرباء فإنه يتحتم أكثر تجاه من له فضل عليه بتربية، وعناية، ورضاعة، ومعرفة حق مثل هذا المحسن، ومكافأته على إحسانه: مما يعرفه كل ذي فطرة سليمة، وحث عليه أدب الشرع.
قال الله عز وجل: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ) الرحمن /60.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) .
رواه أبو داود (1762) والنسائي (2567) ، وصححه الألباني.
قال العظيم آبادي في عون المعبود:
" (وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا) : أَيْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ إِحْسَانًا قَوْلِيًّا أَوْ فِعْلِيًّا (فَكَافَئُوهُ) : مِنْ الْمُكَافَأَة أَيْ أَحْسِنُوا إِلَيْهِ مِثْل مَا أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك} .
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ) : أَيْ بِالْمَالِ،.. (فَادْعُوَا لَهُ) : أَيْ لِلْمُحْسِنِ؛ يَعْنِي: فَكَافِئُوهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ، (حَتَّى تَرَوْا) : بِضَمِّ التَّاء أَيْ تَظُنُّوا، وَبِفَتْحِهَا أَيْ تَعْلَمُوا أَوْ تَحْسَبُوا، (أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) : أَيْ كَرِّرُوا الدُّعَاء حَتَّى تَظُنُّوا أَنْ قَدْ أَدَّيْتُمْ حَقّه. " انتهى.
وإنما الذي نقوله: إن هؤلاء، بمجرد الإحسان والتربية، لا يكونون كالآباء والأمهات، لا في الأحكام الشرعية، ولا في الحقوق والواجبات المتبادلة بينهم وبين هؤلاء الأبناء.
وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة أمر التبني وتحريمه في الشرع المطهَّر، ثم قالوا:
تبيَّن مما تقدم: أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية، والحقوق الإسلامية، من الإخاء، والوداد، والصلات، والإحسان، وكل ما يتصل بمعاني الأمور، ويوحي بفعل المعروف.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 347) .
وقالوا – في بيان العلاقة بين بنت متبنَّاة ومتبنيها -:
التبني لا يجعلكِ بنتاً لمن تبناكِ كما كان الحال في زمن الجاهلية، إنما القصد منه الإحسان، وتربية الصغير، والقيام بمصالحه، حتى يكبر، ويرشد، ويتولى شؤون نفسه ويستقل في الحياة، فنرجو الله أن يحسن إلى من أحسن إليك، لكنه ليس أباً، ولا محرَماً لك، فيجب أن تحتجبي عنه، شأنك معه في هذا كأي أجنبي، مع مقابلة إحسانه بالإحسان، ومعروفه بالمعروف، مع الحجاب، وعدم الخلوة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 360) .
ثانياً:
سواء كان الواقع أحد الأمرين السابقين في معنى " التبني ": فإننا نرى لزاماً على ذلك الرجل البحث عن والديه؛ لما يترتب عليه من أحكام شرعية، وآثار نفسية، فلا يُدرى السبب الحقيقي لابتعادهما عنه، وقد يكونان في حالة يُرثى لها نفسيّاً وبدنيّاً، ويكون بلسم شفائهما: رؤية ولدهم، وملامسته، كما حصل مع يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام.
والبحث عن الوالدين للقائهما، ورؤيتهما، والعناية بهما قضية فطرية، لا تحتاج إلى استدلال على جوازها – بل وجوبها – بأدلة من الكتاب والسنَّة، وحتى لو كان تخلي الوالدين عن ولدهم عن قصد: فإن ذلك لا يبيح للولد التخلي عنهما، ولا التبرؤ منهما، وقد سبق الكلام عن هذا في جواب السؤال رقم (104768) فلينظر.
ويُنظر في بر الوالدين جوابي السؤالين: (22782) و (13783) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/8449)
تركها أهلها في صغرها، ورباها عمُّها وزوجته، فكيف تتصرف مع أهلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وأمي أعطياني لعمِّي، وأنا عمري ثلاثة أيام، ولقد كبرت في بيت عمي وزوجته، وأنا أظن أنهما والداي، إلى أن صار عمري 12 سنة، وعلمت بالأمر، فصدمت، ولكن بعد فترة اعتدت بالوضع، وصرت أعيش بينهما، ولكن أبي الحقيقي يعاملني على أنني ابنة أخيه، وكذلك أمي، وإخوتي، إلى أن تزوجت، ووقعتْ بيني وبينهم مشكلة، لستُ سبباً فيها، فقاطعوني، حتى أنني أنجبتُ إثر عملية قيصرية، ولم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عليَّ، فهل أنا مذنبة في حقهم؟ وهل أعتبر عاقة لوالدي - مع العلم أنهم قد تخلوا عني منذ صغري -؟ ، وما هو واجبي تجاههم في الشرع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن من رحمة الله تعالى بك أن يعوضك عن تقصير أبيك وأمك، وإهمالهم لشأنك، بعناية عمك وزوجه، وقيامهم بأمرك، وعمك ـ والحمد لله ـ هو محرم لك، بل هو كأبيك لك، كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) رواه مسلم (983) .
وإن كان الواجب على الجميع أن تتم هذه العناية من عمك وزوجه، وأنت تعرفين كفالته لك على أنك ابنة أخيه؛ فتربيتهم لكِ، ومعيشتك تلك الفترة في بيتهم، وتحت كنفهم: لا يجعلك بنتاً لهم، ولا ينزع والديك منك، لا نسبة، ولا برّاً لهما، ولا صلةً لأشقائك، وإن كانوا قد أخطأوا بفعلهم ذاك، فإنه لا يجوز لك مقابلة الخطأ بخطأ، بل تعفين وتصفحين، ولك الأجر إن شاء الله، وإن كان لعمك أبناء فإنه لا يحل لك أن تختلي بأحدٍ منهم، ولا أن تكشفي عن شيء من جسمك أمامهم؛ فهم أجانب عنكِ، ولست أختاً لهم حتى يحل لك ذلك.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
إنني فتاة في سن الحادية والعشرين من عمري، ولدت على أيام الحرب – أي: حرب الستين - في الحرب فقدت والدتي ووالدي، وأطفال كثيرون فقدوا الآباء والأمهات، جمعونا يوم ذاك، وأخذونا إلى ملجأ في " عمان "، عشت في الملجأ شهراً على الأقل، وجاءت عائلة أردنية، وأخذتني بالتبني! لأنهم زوجان لا ينجبان الأولاد، عشت معهم وكأنني ابنة لهم، لم يشعروني بأي شيء، فعلا ربوني على الهداية، والحمد لله رب العالمين، عرفت من زميلاتي في المدرسة أن لا أهل لي، في البداية لم أهتم لذلك؛ لأن والدتي معي، ولكن الآن والدتي بالتبني توفيت، وأنا لوحدي مع والدي، هو رجل كويس، والحمد لله، ولكنه محرَّم عليَّ، أنا أمامه ألبس الطويل الساتر، ولكن لا ألبس الإيشارب، عشت عند دار والدتي، أي: دار جدي بالتبني، ولكن لم أرتح كثيراً، فرجعت لوالدي أعيله لأنه مريض، بعديد من الأمراض، هل وجودي معه حرام، وهل عدم لبس الإيشارب أمامه حرام؟ .
فأجابوا:
التبني لا يجعلكِ بنتاً لمن تبناك كما كان الحال في زمن الجاهلية، إنما القصد منه الإحسان، وتربية الصغير، والقيام بمصالحه، حتى يكبر، ويرشد، ويتولى شؤون نفسه ويستقل في الحياة، فنرجو الله أن يحسن إلى من أحسن إليك، لكنه ليس أباً ولا محرماً لك، فيجب أن تحتجبي عنه، شأنك معه في هذا كأي أجنبي، مع مقابلة إحسانه بالإحسان، ومعروفه بالمعروف، مع الحجاب، وعدم الخلوة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 360) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
امرأة متزوجة، ولكن لم يشأ الله أن تنجب أطفالاً، لذا هل يجوز أن تتبنى طفلاً وتنسبه لها ولزوجها أم لا، وإذا كان جائزاً فما هي صفات الطفل الذي يجوز تبنيه، بمعنى: أن يكون أبواه معروفين، ولكنهما قد ماتا كاليتيم مثلاً، أو مَن لا يعرف أبواه ونحو ذلك؟
فأجاب:
التبني كان موجوداً في الجاهلية فأبطله الإسلام، ونهى عنه، فالطفل المتبنَّى يكون أجنبيّاً من المتبنِّي؛ لأنه إنما ينسب لأبويه الحقيقيين، ولا ينسب لمن تبناه.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) الأحزاب / 4، 5.
فالواجب على المسلمين أن يتجنبوا هذا الأمر الخطير الذي أبطله الإسلام، ونهى عنه، ولا مانع من أن المسلم يحسن إلى اليتيم، وإلى الصغير الذي ليس له وليّ يقوم على تربيته، فالإحسان إليه فيه فضل عظيم، لكن لا يتبناه.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 197، السؤال 216) .
وانظري جوابي السؤالين: (10010) و (5201) .
ثانيا:
أما بخصوص بر والديكِ: فاعلمي أن ما فعلاه في حقك لا يجيز لك التخلي عنهما، وهجرهما، ولا يمكنكِ التبرؤ من النسبة إليهما، ويجب عليكِ برُّها، والإحسان إليهما، ويحرم عليكِ جفاؤهما وعقوقهما.
قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/ 36.
وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان/ 14.
وقال عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/ 23، 24.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه البخاري (504) ومسلم (85) .
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثَلَاثًا -؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
رواه البخاري (2654) ومسلم (126) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (22782) و (13783) و (11495) و (3044) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8450)
إذا وُلد لكافرين زانيين ولدٌ فهل يُنسب للزاني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت إجابتكم الخاصة باتخاذ المرأة اسم زوجها وفهمت أن ذلك لا يجوز، ولا أزال أود معرفة ما إذا كان يجوز ذلك لامرأة دخلت في الإسلام، وتحمل في الأصل اسم أمها؛ لأن والديها لم يكونا متزوجيْن عند ولادتها ولا يمكنها أن تحمل اسم والدها؛ لأنه لم يعد على قيد الحياة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزنا محرَّم في جميع الشرائع التي أنزلها الله تعالى على رسله، والإسلام يقر نكاح أهل الأديان الأخرى الذين لم يدخلوا في الإسلام بشرطين:
الأول: أن يكون هذا موافقاً لشريعتهم.
والثاني: أن لا يتحاكموا إلينا في العقد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وقد ذكر أصحاب مالك، والشافعي، وأصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، والمتأخرين: أنه يُرجع في نكاح الكفار إلى عادتهم، فما اعتقدوه نكاحاً بينهم: جاز إقرارهم عليه إذا أسلموا وتحاكموا إلينا، إذا لم يكن حينئذٍ مشتملاً على مانع، وإن كانوا يعتقدون أنه ليس بنكاح: لم يجُز الإقرار عليه " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (29 / 12) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إذا كان النكاح صحيحاً على مقتضى الشريعة الإسلامية: فهو صحيح، وإن كان فاسداً - على مقتضى الشريعة الإسلامية -: فإنهم يقرون عليه بشرطين:
الأول: أن يروا أنه صحيح في شريعتهم.
الثاني: ألا يرتفعوا إلينا.
فإن لم يعتقدوه صحيحاً: فرِّق بينهما، وإن ارتفعوا إلينا: نظرنا، فإن كان قبل العقد: وجب أن نعقده على شرعنا، وإن كان بعده: نظرنا، إن كانت المرأة تباح حينئذٍ: أقررناهم عليه، وإن كانت لا تباح: فرَّقنا بينهما، ودليل هذه الأشياء: إسلام الكفار في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأبقى مَن كان معه زوجته على نكاحه في الجاهلية، ولم يتعرض له، فدلَّ هذا على أنه يبقى على أصله " انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 239، 240) .
وأما الزنا، وما يسمى بعلاقات الصداقة: فكل ذلك باطل في شريعتهم وشريعتنا، وهو نتاج المسخ الذي يعيشونه في سلوكهم وعاداتهم.
وقد روى مسلم (1700) من حديث البراء بن عازب قصة رجم اليهوديين الزانيين، وكيف أنهم حتى عندما حرَّفوا التوراة وكتموا ما أنزل الله فيها: فإنهم لم يبيحوا الزنا، بل حرَّفوا عقوبته، وجعلوها الجلد والتسويد بالفحم بدلا من الرجم.
وهو كذلك عند النصارى، كما في إنجيل " متى ": (19 / 18) : " فقال يسوع: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور "، وفي إنجيل " مرقس " (10 / 19) وإنجيل " لوقا " (18 / 20) : " أنت تعرف الوصايا: لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور ".
ولذلك نقول:
لو أن هذين الوالدين كانا متزوجين – ولو على ملة النصرانية أو اليهودية -: فإنه يقر نكاحهما، وتنسب الابنة لأبيها، أما وقد كانت الابنة نتيجة لعلاقة غير موثقة بعقد، بل كانت نتيجة سفاح: فإنها لا تنسب للزاني، بل تنسب لأمها، كما هو واقعها الآن.
وفي شرعنا المطهَّر: قد اتفق العلماء جميعهم على عدم إلحاق ولد الزنا بالزاني إذا لم يطلب الزاني إلحاقه به، بل جمهور أهل العلم قالوا بعدم إلحاقه به ولو أراد الزاني ذلك.
وليست المسألة – كما جاء في السؤال – أن الزاني ليس على قيد الحياة، بل لأن العلاقة بينهما لم تكن علاقة زواج، وكانت الابنة تلك نتيجة تلك العلاقة.
وقد جاءت شريعتنا المطهرة بتحريم نسبة الولد لغير والده،، قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً) الأحزاب/ 5.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقال بعض الشرَّاح: سبب إطلاق الكفر هنا: أنه كذب على الله، كأنه يقول: خلقني الله من ماء فلان، وليس كذلك؛ لأنه إنما خلقه من غيره.
" فتح الباري " (12 / 55) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ) . رواه البخاري (3318) .
وقَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) . رواه البخاري (4072) ومسلم (63) .
والخلاصة:
أن ولد في الزنا - سواء كان الزانيان مسلمين أو غير مسلمين -: لا ينسب للزاني، بل يُنسب لأمه، فالحال التي عليها تلك الأخت المسلمة حديثاً صحيح، وإن كان لا يمكنها إلا أن تنسب لرجل لا امرأة: فيمكنها – للضرورة – أن تنسب لاسم رجل غير معيَّن ولا معروف، بل تختار اسماً مركباً من مقاطع وتنتسب له، ولا يجوز لها أن تُنسب إلى زوجها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8451)
وجدت لقيطا وتريد من بناتها إرضاعه حتى تكون محرما له
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جارة لنا وجدت طفلا رضيعا عمره لا يتعدى الساعات القليلة وهي تخاف عليه من معاملة الملاجئ للأطفال وتريد تربيته ولكن عندما يكبر الطفل يحرم عليها جلوسه معها في البيت وهي تقول إنها إن ربته ستحبه مثل أولادها ويصعب عليها تركه ولها أولاد بنات متزوجات ولهم أولاد رضع فهل لها أن تجعل أولادها يرضعن هذا الطفل وتصبح جدة له عن طريق الرضاع وبذلك لا يكون هناك حرج من جلوسه معها في البيت أم أن هذا يعتبر حيلة مذمومة؟ أرضعت أمي ابنة جارتنا مع أخ كبير لي مرات عديدة وبهذا أصبحت أختا لأخي في الرضاعة فهل هي وأخواتها الأشقاء أصبحوا إخوة لي أنا أيضا أم إخوة لأخي الذي رضع معها فقط وهذا السؤال لتحديد مدى حدود التعامل معهن هل ستكون معاملة إخوة أم أجانب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أرضعت إحدى بنات جارتك هذا الطفل خمس رضعات، صار ابنا لها من الرضاعة، وصارت جارتك جدةً له من الرضاعة، وصار جميع بناتها –بنات الجارة- خالات له من الرضاعة، وبهذا تتمكن من تربيته صغيراً وكبيراً دون حرج؛ لأنه محرم لها.
وهذا لا يعد حيلة، بل هو مخرج شرعي لرفع الحرج، وبه تتمكن المرأة من تربية هذا الطفل ورعايته، ويرجى لها بذلك الأجر والمثوبة من الله تعالى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة في شأن سالم مولى أبي حذيفة: (أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ) رواه مسلم (1453) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8452)
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك بغرض كفالته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة من حوالي 6 سنوات ولم يكتب لي الله الذرية بعد, وقد كان لي حلم قبل أن أتزوج بأن أكفل يتيما أرضعه مع ابني وأربيه معه لأنال المرتبة القريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم تأت اللحظة المناسبة لتبني طفل يتيم إلا الآن مع حمل زوجة أخي وهي تكون أخت زوجي (أقرباء) لكي يتسنى لها الرضاعة الشرعية التي تجعله محرماً لي ولزوجي والأهل، ولقد فكرت في حرمانية التبني، ولكني أعيش في دولة خليجية وهناك إجراءات الإقامة والجوازات وهذه الدوائر لا تسمح بوجود طفل بحوزتي بدون أن يكون على اسمي , كما أنني أسافر إلى بلدي , وهناك إجراءات وجوازات تجعل أمر وجود طفل بدون أن أكتبه باسمنا أنا وزوجي أمرا مستحيلا أود السؤال عن الحكم الشرعي في مسألة تبني طفل في ظل وجود هذه العوائق؟ مع العلم بأن أهلي وأهل زوجي على علم بأننا سنحضر طفلاً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك، وتكون لك عونا على طاعة الله ومرضاته.
ثانيا:
كفالة اليتيم، قربة من أجل القربات، لما يترتب عليها من الأجر العظيم والثواب الكبير، ولما فيها من الرحمة والإحسان والرعاية لهذا اليتيم.
وأما التبني فمحرم تحريما ظاهرا؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الأحزاب/4، 5
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
وينظر السؤال رقم (5201) لبيان الفرق بين التبني وكفالة اليتيم.
ثالثا:
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك، لأنه من التبني المحرم، ولما يترتب عليه من مفاسد تتعلق بالإرث وغيره. ورغبتك في الكفالة المستحبة لا تبيح الإقدام على هذا العمل المحرم.
وعليه فإذا لم تتيسر كفالة اليتيم إلا بالتبني، فعليك بالصبر، وانتظار الفرج من الله تعالى، فإن خزائنه سبحانه ملأى، وكل شيء بيده، ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له.
نسأل الله أن يرزقك من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8453)
حكم تفضيل الأولاد البارين على العاقين في العطية
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والدي لديه أربعة ذكور وعشر إناث وإنه لا يريد إعطاء بعض ما يملك لذكور وإناث عاقين بل سيعطيهم جزءا بسيطا وسيعطي البعض جزءا كبيرا كهبة، فما الحكم في هذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الأب أن يسوي بين أبنائه في العطية، لما رواه البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فَارْجِعْهُ) . ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.
وفي رواية للبخاري (2587) قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وفي رواية للبخاري أيضا (2650) : (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ) .
وفي رواية لمسلم (1623) قَالَ: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟) قَالَ: بَلَى. قَالَ: (فَلَا إِذًا) .
والتفضيل بين الأولاد في العطية يسبب الأحقاد ويزرع الضغائن ويزيد الأبناء العاقين عقوقا وتمردا.
ولهذا فالقول الراجح هو تحريمه ومنعه، إلا لمسوغ شرعي. وراجع السؤال رقم (22169)
قال ابن قدامة رحمه الله: " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فَضَّل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر " انتهى من "المغني" (5/387) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: والدتي تملك بيتا صغيرا قمت أنا ببنائه من جديد، ولي أخ لم يشترك معي بشيء إطلاقا، ولكنه يغضب والدتي ووالدي كثيرا جدا، ويعاملهم معاملة سيئة للغاية طوال حياته حتى الآن، وهو الآن يعيش خارج البيت، فغضبت والدتي وقررت أن تكتب هذا البيت لي، راجعتها كثيرا ولكنها مصممة على كتابته لي، فأنا الآن أسأل: هل يقع على والدتي ذنب في كتابتها لي البيت وحرمان أخي منه؟ وهل يقع علي أي ذنب لو قبلت ذلك من والدتي؟
فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكر فلا يجوز لوالدتك أن تعطيك البيت دون أخيك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولما ورد في معناه من الأحاديث. وإن فعلت ما ذكر فهي آثمة وأنت آثم؛ لكون قبولك ذلك منها مشاركة لها في الإثم والعدوان، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ويجب أن ترد العطية أو أن تعطي الابن الثاني ما يعادلها، وإذا رأيت أنها مصرة على عدم إشراكه معك فلا مانع من قبول العطية وإعطاء أخيك نصفها؛ إبراء لذمتك إذا لم يكن لها من الأولاد غيركما. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8454)
إذا زنت وهي كافرة وولدت ثم أسلمت ماذا تقول للناس وللولد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الواجب عليّ إذا كان لدي طفل من رجل عربي قبل إسلامي، ثم أسلمت بعد سنوات من إنجاب الطفل وابحث عن زوج مسلم، ماذا أعمل الآن بهذا الطفل، ماذا أقول له عن والده الحقيقي؟ ماذا أقول للناس؟ وهل إخبار الطفل عن والده أو إخبار الناس عن حقيقة الطفل واجبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الزنا جريمة محرمة في الشرائع الإلهية، مستقبحة، يرفضها كل عقل سليم ولو لم يكن مسلما وقد ذم الله عز وجل فاعلها في آيات كثيرة وأحاديث نبوية عديدة، وتوعد فاعلها بالعقوبة الشديدة والخزي في الدنيا والآخرة إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فإن الله عز وجل يتوب عليه، وباب التوبة مفتوح، ويشترط في التوبة الإقلاع عن الذنب والندم، والإسلام يجبّ ويمحو ما كان قبله.
وأما عن الطفل فهو تبع لأمه ولا ينسب لأبيه؛ وهذا هو الحكم في ولد الزنا لا ينسب للأب لأنه أتى من سفاح لا من نكاح، والواجب رعاية هذا الطفل وتربيته على الأخلاق الإسلامية. وما دامت الفاحشة قد حصلت فالواجب التوبة منها، والسّتر وعدم الفضيحة، ولا يلزم إخبار النّاس بالحقيقة، وإذا أصرّ الطّفل على معرفة الحقيقة فيمكن إخباره بها بطريقة مناسبة، ويُقال له إنّ ما حصل كان أيام الكفر، والإسلام يجبّ ما كان قبله والتوبة تمحو ما كان قبلها، وأنّ الطّفل لا يتحمّل أية مسئولية فيما حصل، وأنّ أمه ما دامت قد أسلمت فلا سبيل إلى توبيخها أو معاقبتها، وأنّ الرضا بالقضاء والقدر واجب وأنه إذا عمل الصالحات دخل الجنّة ولا تزر وازرة وزر أخرى، نسأل الله العافية والمغفرة وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8455)
حكم إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص لم يرزق بأولاد، فأخذ لقيطا من الملجأ فرباه وعلمه وأحسن إليه، واجتهادا منه وعطفا عليه أضافه إلى اسمه وسجله في الوثائق الرسمية.. فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز شرعا إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها الولد اللقيط باسم من تبناه وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء، لما في ذلك من الكذب والزور واختلاط الأنساب والخطورة على الأعراض، وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح وما إلى هذا من انتهاك الحرمات وتجاوز حدود الشريعة، لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه أو غير مواليه قال الله تعالى: " وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام ". رواه أحمد والبخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة "، فاجتهاد المستفتي في التسمية المذكورة خطأ لا يجوز الاستمرار عليه ويجب العمل على التغيير والتعديل للنصوص الواردة في تحريم هذه التسمية وللحكم التي تقدم بيانها، وأما العطف على اللقيط وتربيته والإحسان إليه فمن المعروف الذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة
فتاوى إسلامية 3/12-13(5/8456)
التبني قسمان ممنوع ومشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طلب شخص تبني طفلاً من دار الحضانة، فهل يجوز للمسؤولين إعطاؤه ما يريد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبني للأطفال على قسمين: ممنوع، وغير ممنوع.
أما الممنوع: فهو تبني الطفل باعتبار أنه ولد للمتبني له أحكام الولد، فهذا لا يجوز، وقد أبطله الله في القرآن في قوله تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) الأحزاب/4.
وقسم مباح وقد يكون مستحباً، وهو الإحسان إلى الطفل، وتربيته التربية الدينية الصالحة، وتوجيهه التوجيه السليم، وتعليمه ما ينفعه في دينه ودنياه، ولكن لا يجوز أن يسلم إلا لمن عرف بالأمانة والديانة وحسن السلوك، وتحققت مصلحة الطفل عنده، وأن يكون من أهل البلاد بحيث لا يذهب به إلى بلد قد يكون وجوده فيها سبباً لفساد دينه في المستقبل، فعليه إذا تمت في حق كل واحد منهما هذه الشروط المذكورة فلا بأس بدفع اللقيط المجهول النسب إليه. والله يحفظكم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.(5/8457)
أحكام اللقيط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العمل إذا وجد الإنسان طفلاً ضائعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحكام اللقيط لها علاقة كبيرة بأحكام اللقطة، إذ اللقطة تختص بالأموال الضائعة، واللقيط هو الإنسان الضائع، مما به يظهر شمول أحكام الإسلام لكل متطلبات الحياة، وسبقه في كل مجال حيوي مفيد، على نحو يفوق ما تعارف عليه عالم اليوم من إقامة دور الحضانة والملاجئ للحفاظ على الأيتام ومن لا عائل لهم من الأطفال والعجزة، ومن ذلك عناية الإسلام بأمر اللقيط، وهو الطفل الذي يوجد منبوذاً أو يضل عن أهله ولا يعرف نسبة في الحالين.
فيجب على من وجده على تلك الحال أن يأخذه وجوباً كفائياً، إذا قام به من يكفي، سقط الإثم عن الباقين، وإن تركه الكل، أثموا، مع إمكان أخذهم له لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) ، فعموم الآية يدل على وجوب أخذ اللقيط، لأنه من التعاون على البر والتقوى، ولأن في أخذه إحياء لنفسه، فكان واجباً كإطعامه عند الضرورة وإنجائه من الغرق.
واللقيط حر في جميع الأحكام، لأن الحرية هي الأصل، والرق عارض، فإذا لم يعلم، فالأصل عدمه.
وما وجد معه من المال أو وجد حوله، فهو له، عملاً بالظاهر، ولأن يده عليه، فينفق عليه منه ملتقطه بالمعروف، لولايته عليه، وإن لم يوجد معه شيء، أنفق عليه من بيت المال، لقول عمر رضي الله عنه للذي أخذ اللقيط لما وجده: (اذهب، فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته) ، ومعنى ولاؤه: ولايته، وقوله: (وعلينا نفقته) ، يعني: من بيت مال المسلمين.
وفي لفظ إن عمر رضي الله عنه قال: (وعلينا رضاعه) ، يعني: في بيت المال، فلا يجب على الملتقط الإنفاق عليه ولا الرضاعة، بل يجب ذلك في بيت المال فإن تعذر، وجبت نفقته على من علم من المسلمين، لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) ، ولما في ترك الإنفاق عليه من هلاكه، ولأن الإنفاق عليه من باب المواساة، كقرى الضيف.
وحكمه من ناحية الدين، أنه إن وجد في دار الإسلام أو في بلاد كفار يكثر فيها المسلمون، فهو مسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) ، وإن وجد في بلد كفار خالصة، أو يقل فيها عدد المسلمين، فهو كافر تبعاً للدار. وحضانته تكون لواجده إذا كان أميناً، لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين علم أنه رجل صالح، قال: (لك ولاؤه) ، أي: ولايته ولسبقه إليه، فكان أولى به.
وينفق عليه واجده مما وجد معه من نقد أو غيره، لأنه وليه، وينفق عليه بالمعروف.
فإن كان واجده لا يصلح لحضانته، لكونه فاسقاً أو كافراً واللقيط مسلم، لم يقر بيده، لانتفاء ولاية الفاسق وولاية الكافر على المسلم، لأنه يفتنه عن دينه وكذلك لا تقر حاضنته بيد واجده إذا كان بدوياً يتنقل في المواضع، لأن في ذلك إتعابا ًللصبي، فيؤخذ منه ويدفع إلى المستقر في البلد، لأن مقام الطفل في الحضر اصلح له في دينه ودنياه، وأحرى للعثور على أهله ومعرفة نسبه.
وميراث اللقيط إذا مات وديته إذا جني عليه بما يوجب الدية يكونان لبيت المال إذا لم يكن له من يرثه من ولده، وإن كان له زوجة، فلها الربع.
ووليه في القتل العمد العدوان الإمام، لأن المسلمين يرثونه، والإمام ينوب عنهم، فيخير بين القصاص والدية لبيت المال، لأنه ولي من لا ولي له.
وإن جني عليه فيما دون النفس عمداً، انتظر بلوغه ورشده ليقتص عند ذلك أو يعفو.
وإن أقر رجل أو أقرت امرأة بأن اللقيط ولده أو ولدها، لحق به، لأن في ذلك مصلحة له باتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه، بشرط أن ينفرد بادعائه نسبه، وأن يمكن كونه منه، وإن ادعاه جماعة، قدم ذو البينة، وإن لم يكن لأحد منهم بينة، أو كانت لهم بينات متعارضة، عرض معهم على القافة، فمن ألحقته القافة به، لحقه، لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه، ويكفي قائف واحد، ويشترط فيه أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان ص 155.(5/8458)
الفرق بين كفالة الأيتام وتبنيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من اللاجئين الكوسوفيين يدخلون أمريكا وربما ترعاهم منظمات نصرانية.
بعض الأخوة يريدون أن يكفلوا الأيتام بأن يأخذوهم ليعيشوا في بيوتهم ويطعموهم.
أحد الشيوخ قال بأن هذا حرام فلا يجوز التبني في الإسلام ولم يشجع الناس على كفالة الأيتام. هل الإسلام يسمح لنا بأن نتبنى الأيتام وبدون تغيير أسم اليتيم؟
هل يعتبر اليتيم المكفول كطفل للكافل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك فروق بين التبني وكفالة اليتيم.
أ - أما التبني: فهو أن يتخذ الرجل يتيماً من الأيتام فيجعله كأحد أبنائه الذين هم من صلبه ويدعى باسمه ولا تحل له محارم ذلك الرجل فأولاد المتبني إخوة لليتيم وبناته أخوات له وأخواته عماته وما أشبه ذلك. وهذا كان من فعل الجاهلية الأولى، حتى أن هذه التسميات لصقت ببعض الصحابة كالمقداد بن الأسود حيث أن اسم أبيه (عمرو) ولكنه يقال له ابن الأسود باسم الذي تبناه.
وظل كذلك في أول الإسلام حتى حرم الله ذلك في قصة مشهورة حيث كان زيد بن حارثة يدعى زيد بن محمد، وكان زوجاً لزينب بنت جحش فطلقها زيد.
عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله لزيد بن حارثة: " اذهب فاذكرها علي فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينهاقال: يا زينب ابشري أرسلني رسول الله يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أُوامر ربي فقامت إلى مسجدها وجاء رسول الله صلى الله فدخل عليها ".
وفي هذا أنزل الله قوله: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً) الأحزاب/37. رواه مسلم (1428) .
ب - وقد حرم الله تعالى التبني لأن فيه تضييعاً للأنساب وقد أُمرنا بحفظ أنسابنا.
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ". رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
ومعنى كفر: أي جاء بأفعال الكفار لا أنه خرج من الدين.
لأن فيه تحريم لما أحل الله وتحليل لما حرم.
فإن تحريم بنات المتبني مثلاً على اليتيم فيه تحريم للمباح الذي لم يحرمه الله تعالى واستحلال الميراث من بعد موت المتبني مثلاً فيه إباحة ما حرم الله لأن الميراث من حق الأولاد الذين هم من الصلب.
قد يُحدث هذا الشحناء والبغضاء بين المُتَبنَّى وأولاد المُتبنِّي.
لأنه سيضيع عليهم بعض الحقوق التي ستذهب إلى هذا اليتيم بغير وجه حق وهم بقرارة أنفسهم يعلمون أنه ليس مستحقاً معهم.
وأما كفالة اليتيم فهي أن يجعل الرجل اليتيم في بيته أو أن يتكفل به في غير بيته دون أن ينسبه إليه، ودون أن يحرم عليه الحلال أو أن يحل له الحرام كما هو في التبني، بل يكون الكفيل بصفة الكريم المنعم بعد الله تعالى، فلا يقاس كافل اليتيم على المتبني لفارق الشبه بينهما ولكون كفالة اليتيم مما حث عليه الإسلام.
قال تعالى: (… ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم. والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم) البقرة/220.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم كفالة اليتيم سبباً لمرافقته في الجنة مع الملازمة.
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا - وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً – ". رواه البخاري (4998) .
ولكن يجب التنبيه على أن هؤلاء الأيتام متى بلغوا الحلم يجب فصلهم عن نساء الكافل وبناته وألا يُصلح من جانب ويُفسد من جانب آخر كما أنه ينبغي العلم بأن المكفول قد تكون يتيمة وقد تكون جميلة تشتهى قبل البلوغ فيجب على الكافل أن يراقب أبناءه من أن يقعوا بالمحرمات مع الأيتام لأن هذا قد يحدث ويكون سبباً للفساد الذي قد يعسر إصلاحه.
ثم إننا نحث إخواننا على كفالة الأيتام وأن هذا من الأخلاق التي يندر فعلها إلا عند من وهبه الله الصلاح وحب الخير والعطف على الأيتام والمساكين، لاسيما إخواننا في كوسوفو والشيشان فقد لاقوا من الضنك والعذاب ما نسأل الله تعالى أن يفرّج عنهم كربهم وشدائدهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8459)
تريد تربية مولود غير شرعي مع أولادها
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت أخت ولها طفل وليس لهذا الطفل أي أقارب مسلمين والوالد ليس له أي حق لأن الطفل ولد من غير زواج أبويه ثم أسلمت والدة الطفل.
هل يجوز لمسلمة عندها أطفال أن تأخذ هذا الطفل وتربيه كأحد أولادها بعد موافقة زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الطفل مولود غير شرعي أي ولد زنا، ومثل هذا هو في حكم اللقيط، ما دامت أمه قد ماتت، ومن الإحسان إلى هذا الطفل حضانته ورعايته، فهذه الأخت المسلمة إذا ضمّت هذا الطفل إلى أولادها بالرعاية والتربية فهذا إحسان وعمل صالح، ولكن لا يكون من أولادها ولا من أولاد زوجها بل هو أجنبي إلا إن أرضعته خمس رضعات إن كان في سنّ الرضاع فإنه يصير ابناً لها من الرضاع، وابناً لزوجها من الرضاع
وأولادهما أخوة له من الرضاع، ولا يكون بينهم توارث لأن علاقته بهم علاقة تربية وإحسان أو مع الرضاع فكل ذلك لا يوجب التوارث بينهم وبين الطفل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/8460)
هل اللقيط في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث الذي يقول: (كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به) ينطبق على الطفل اللقيط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المذكور عام في أكل الحرام، وهو من أحاديث الوعيد، ولا يشمل اللقيط بحال، لأنه لا ذنب له، ولا يؤخذ هو ولا غيره بذنب غيره، قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) الأنعام / 164
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 16/8(5/8461)
أرضعت والدتهم ولداً فهل يرث من أبيهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وجد والدي طفلاً على رأس جبل فأنقذ حياته، وقامت والدتي بتربيته، وقد در صدرها لبناً دون طفل فقامت بإرضاعه عامين، وكبر الولد وتربى معنا، وقد أعطاه والدي اسمه، وتوفي والدي ووالدتي وقد أوصى والدي بأن يرث هذا الغلام معنا، فهل يجوز له أن يرث معنا وما حكم صلته بنساء عائلتنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يشكر والدك ووالدتك على ما قاما به من الإحسان إلى هذا اللقيط حتى كبر.
ثانياً:
الرضاع المحرم ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين، فإذا كان رضاع الطفل من أمك كذلك فهو ابن لها ولزوجها من الرضاع، وأخ لجميع أولادهما من الرضاعة، قال تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ... إلى قوله ... وأخواتكم من الرضاعة ... ) النساء / 23، وقال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حوالين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) البقرة / 233، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) رواه مالك 2/601، وبلفظ قريب منه البخاري 3/149، ومسلم 2/1086، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك) رواه مالك 2/608، ومسلم 2/1075.
علماً أن الرضعة هي: أن يمسك الطفل الثدي ثم يمص منه لبناً، فإن تركه وعاد ومص لبناً فرضعة ثانية وهكذا.
ثالثاً:
لا يجوز أن ينتسب المذكور إلى أبيكم على أنه ابن له.
رابعاًُ:
لا يرث المذكور من أبيكم، لأنه ليس من ورثته.
خامساً:
إذا ثبت أن أباكم أوصى للمذكور بالثلث فما دون فلا بأس بذلك، ولكم أن تصلوا المذكور وتحسنوا إليه فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 16/11(5/8462)
وجد مبلغ 100 جنيه، ولا يعرف كيف يتصرف
[السُّؤَالُ]
ـ[وجد رجل مبلغ 100 جنيه في البناية التي يسكن فيها ولم يعلن عن ذلك ومضى على ذلك حوالي 3 سنوات ونصف ويريد أن يتوب ويرد المبلغ مع العلم أنه ترك البناية منذ سنتين وعدد السكان في البناية حوالي 10 عائلات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من وجد لقطة لها أهمية أن يعرفها على الفور لمدة سنة كاملة من حين التقاطه حيث وجدها، وفي مجامع الناس..فإن عرف صاحبها سلمها إليه، وإن لم يعرفه فله أن ينتفع بها، على أنه إذا جاء صاحبها يوماً من الدهر دفعها إليه، وانظر لمزيد من الفائدة جواب السؤال رقم (5049) .
وإذا كانت اللقطة يسيرة ليس لها أهمية في أوساط الناس، لم يجب تعريفها بل تملك من حين التقاطها، ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه قال: (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا) البخاري (2431) ومسلم (1071) .
قال الصنعاني رحمه الله في "سبل السلام": "دل الحديث على جواز أخذ الشيء الحقير الذي يتسامح به , ولا يجب التعريف به , وأن الآخذ يملكه بمجرد الأخذ له" انتهى.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": (6/6) : "ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به" انتهى.
وأما "المائة" التي وجدتها منذ ثلاث سنوات، فالذي يظهر لنا: أن لها قيمة عند أوساط الناس، فكان الواجب عليك أن تعرفها فور التقاطها، والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذا التفريط، وتعزم على أن لا تعود لمثله في المستقل، ولا يلزمك تعريفها الآن؛ لفوات زمن التعريف.
قال في "المنتهى" (4/228) : "وإن أخر التعريف عن الحول الأول أثم وسقط , أو أخره بعض الحول الأول لغير عذر ; أثم الملتقط بتأخيره التعريف ; لوجوبه على الفور , وسقط التعريف ; لأن حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأول ... " انتهى بتصرف.
وينظر: "المغني" (6/6) .
غير أن الظاهر لنا في مثل حالتك: أنه ينبغي أن تسأل عن صاحبها في البناية التي وجدتها فيها، وذلك لأن الظاهر أنها لأحد من يسكن في تلك البناية، وحينئذ يكون من السهل الوصول إلى صاحبها ومعرفته.
فإن لم تعرفه فالواجب عليك أن تتصدق بها عن صاحبها في أيٍّ من وجوه البر.
قال النووي رحمه في "المجموع" (429) : "قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه - فإن كان له مالك معين - وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتاً وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والمساجد , ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء ... " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8463)
إذا وجد على مكتبه قلماً لم يعرف صاحبه فماذا يفعل به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عثرت على قلم على المكتب، هل لي أن آخذه؟ وهل هذا حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يجده الموظف أو الطالب على مكتبه من أقلام وأدوات، مما لا يخص جهة العمل، فإنها ترجع غالباً لأحدٍ من أصدقائه أو أحد المراجعين له، فعليه أن يخبرهم بها وأن يردها إلى صاحبها، فإن لم يتعرف عليها أحد، أو كان لا يوجد موظف غيره، فهي لقطة، وفيها تفصيل:
فإن كانت يسيرة جاز أخذها والانتفاع بها ولم يلزم تعريفها، كأن يكون ثمن القلم لا يتجاوز خمسين ريالاً أو نحوها.
وإن كانت اللقطة ذات قيمة معتبرة عند الناس لزم تعريفها سنة قبل تملكها.
وينظر في أحكام اللقطة جواب السؤال رقم (5049) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8464)
يجوز أخذ لقطة الحرم إذا كانت يسيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت لقطة في مكة حوالي عشرة إلى خمسة عشر ريالا، ما حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"اللقطة الحقيرة لا قيمة لها، إن عرفها فلا بأس، وإن أكلها فلا بأس، وإن تصدق بها فلا بأس؛ لأنها حقيرة ما تتحمل التعريف، العشرة والعشرين والثلاثين أو ما أشبه ذلك، هذه اللقطة اليوم ليس لها أهمية فإن تصدق بها عن صاحبها فلا بأس، وإن استعملها فلا بأس، وإن تركها فلا بأس" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/441) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8465)
اللقطة اليسيرة لا تعرف ولو كانت في مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت خمسين ريالاً أثناء رمي الجمار في الحج فماذا أفعل بها؟ وهل أتصدق بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا مبلغ قليل لا يتحمل التعريف، ولا يتحمل التكلف والتعريف، لكن لو أعطيتها المسؤولين عن اللقطات فلا بأس، وإن عرفتها ما تيسر لك ذلك تقول: من له الدراهم حول المرمى، وفي مجامع الناس لعله يأتيك أحد يصفها ثم تعطيه إياها إذا وافق الوصف فلا بأس، ولو تصدقت بها فلا بأس؛ لأنه مبلغ قليل إن تصدقت بها عن صاحبها فلا بأس إن شاء الله، ولك أجر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/438) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8466)
وجد مبلغاً من المال في الصراف الآلي
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت مبلغاً من المال في جهاز الصراف الآلي، فماذا أفعل به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك أن توصل المبلغ إلى صاحبه، ومعرفة صاحبه أمر سهل، فإن الظاهر أن هذا المبلغ نسيه آخر شخص استعمل جهاز الصراف الآلي.
ويمكنك معرفته عن طريق البنك صاحب الجهاز، فبتحديد الوقت الذي وجدت فيه المبلغ يمكنهم معرفة آخر شخص استعمل الجهاز، وبالتالي إيصال المال إليه.
وقد سئل الشيخ محمد بن سعود العصيمي: عمن وجد مبلغاً من المال في الصراف الآلي فأجاب:
" لا شك أن المبلغ لا يحل لك، ويجب أن تعيده إلى صاحبه إن عرفته، وإن لم تعرفه، فأوصله للبنك صاحب الجهاز، مع أخذ إيصال عليهم، وهم لا شك سيعرفون من صاحب المال، سواء أكان من عملاء بنكهم، أو من عملاء البنوك الأخرى " انتهى.
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id= 24389
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8467)
لا بأس بالتقاط الشيء التافه في الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لقطة الحرم لا فرق فيها بين الأشياء الثمينة وغير الثمينة في عدم جواز الالتقاط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا، الشيء التافه هذا يؤخذ سواء كان في الحرم أو غيره، إنما الكلام في الشيء الذي له قيمة واعتبار.
وهذا يختلف باختلاف الزمان، فقد يكون في زمانٍ الشيء له قيمة، بينما يكون في زمانٍ آخر، هذا الشيء ليس له قيمة، نظراً لكثرة الأموال بأيدي الناس، بينما يكون هناك زمان فيه فقر وحاجة، يكون الشيء اليسير له قيمة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/521) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8468)
وجد ساعة في مكة فأخذها وسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما حججت وجدت ساعة في حمام في مكة، فنسيت وأخذتها ثم ذهبت إلى منى وعرفة ومزدلفة، ثم قيل لي أنه توجد أمانات ولكن لم أقدر أن أصل إليها فماذا أعمل بالساعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أن ترسلها إلى المحكمة في مكة وتقول لهم إني وجدتها في اليوم الفلاني في المكان الفلاني.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مجلة الدعوة العدد 1823 ص 54.(5/8469)
التقط الولد الصغير قطعة ذهب ضائعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا على شاطئ البحر فأتاني ولدي بشيء يلمع فإذا هو قطعة ذهب فماذا نفعل بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا وجد الصبي والسفيه لقطة، فأخذها فإن وليه يقوم مقامه بتعريفها ويلزمه أخذها منهما لأنهما ليسا بأهل للأمانة والحفظ، فإن تركها في يدهما فتلفت ضمنها لأنه مضيّع لها، فإذا عرّفها وليهما، فلم تعرف ولم يأت أحد فهي لهما..، كما في حق الكبير والعاقل. وسبق تفصيل أحكام اللقطة في سؤال رقم 5049. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8470)
أحكام اللقطة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من وجد مالاُ في الطريق؟ هل يجوز له أن يأخذه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال يتعلّق بباب اللقطة وهو من أبواب الفقه الإسلامي واللقطة: هي مال ضل عن صاحبه، وهذا الدين الحنيف جاء بحفظ المال ورعايته، وجاء باحترام مال المسلم والمحافظة عليه، ومن ذلك اللقطة.
فإذا ضل مال عن صاحبه؛ فلا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون مما لا تتبعه همة أوساط الناس، كالسوط، والرغيف، والثمرة، والعصا، فهذا يملكه آخذه وينتفع به بلا تعريف، لما روى جابر قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل) رواه أبو داود.
الحالة الثانية: أن يكون مما يمتنع من صغار السباع، إما لضخامته كالإبل والخيل والبقر والبغال، وإما لطيرانه كالطيور، وإما لسرعة عدوها كالظباء، وإما لدفاعها عن نفسها بنابها كالفهود، فهذا القسم بأنواعه يحرم التقاطه، ولا يملكه آخذه بتعريفه لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ضالة الإبل: (مالك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها) متفق عليه، وقال عمر: (من أخذ الضالة فهو ضال) أي مخطئ، وقد حكم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأنها لا تلتقط، بل تترك ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.
ويلحق بذلك الأدوات الكبيرة، كالقدر الضخمة والخشب والحديد وما يحتفظ بنفسه ولا يكاد يضيع ولا ينتقل عن مكانه، فيحرم أخذه كالضوال، بل هو أولى.
الحالة الثالثة: أن يكون المال الضال من سائر الأموال: كالنقود والأمتعة وما لا يمتنع من صغار السباع، كالغنم والفصلان والعجول، فهذا القسم إن أمن واجده نفسه عليه، جاز له التقاطه، وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: حيوان مأكول، كفصيل وشاة ودجاجة.. فهذا يلزم واجده إذا أخذه الأحظّ لمالكه من أمور ثلاثة:
أحدها: أكله وعليه قيمته في الحال.
الثاني: بيعه والاحتفاظ بثمنه لصاحبه بعد معرفة أوصافه.
الثالث: حفظه والإنفاق عليه من ماله، ولا يملكه، ويرجع بنفقته على مالكه إذا جاء واستلمه، لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الشاة قال: (خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) متفق عليه، ومعناه: أنها ضعيفة، عرضة للهلاك، مترددة بين أن تأخذها أنت أو يأخذها غيرك أو يأكلها الذئب.
قال ابن القيم في الكلام على هذا الحديث الشريف: (وفيه جواز التقاط الغنم، وأن الشاة إذا لم يأت صاحبها، فهي ملك المتلقط، فيخير بين أكلها في الحال وعليه قيمتها، وبين بيعها وحفظ ثمنها، وبين تركها والإنفاق عليها من ماله، وأجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط، له أخذها) .
النوع الثاني: ما يخشى فساده؛ كبطيخ وفاكهة، فيفعل الملتقط الأحظّ لمالكه من أكله ودفع قيمته لمالكه، وبيعه وحفظ ثمنه حتى يأتي مالكه.
النوع الثالث: سائر الأموال ما عدا القسمين السابقين، كالنقود والأواني، فيلزمه حفظ الجميع أمانة بيده، والتعريف عليه في مجامع الناس.
- ولا يجوز له أخذ اللقطة بأنواعها إلا إذا أمن على نفسه عليها وقوي على تعريف ما يحتاج إلى تعريف، لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق؟ فقال: (اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف، فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر، فادفعها إليه) ، وسأله عن الشاة؟ فقال: (خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) ، وسئل عن ضالة الإبل، فقال: (مالك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها) متفق عليه.
- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (اعرف وكاءها وعفاصها) : الوكاء: ما يربط به الوعاء الذي تكون به النفقة، والعفاص، الوعاء الذي تكون فيه النفقة.
- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم عرِّفها سنة) ، أي اذكرها للناس في مكان اجتماعهم من الأسواق وأبواب المساجد والمجامع والمحافل، (سنة) أي: مدة عام كامل، ففي الأسبوع الأول من التقاطها ينادى عليها كل يوم، لأن مجيء صاحبها في ذلك الأسبوع أحرى، ثم بعد الأسبوع ينادى عليها حسب عادة الناس في ذلك.
(وإذا كانت هذه طريقة التعريف في العهد الماضي فإنّ الملتقط يعرّف اللقطة بالطرق المناسبة في هذا العصر، والمهم حصول المقصود وهو بذل ما يُمكن للوصول إلى صاحبها) .
- والحديث يدل على وجوب التعريف باللقطة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (اعرف وكاءها وعفاصها) : دليل على وجوب معرفة صفاتها، حتى إذا جاء صاحبها ووصفها وصفاً مطابقاً لتلك الصفات، دُفعت إليه، وإن اختلف وصفه لها عن الواقع لم يجز دفعها إليه.
- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تعرف، فاستنفقها) : دليل على أن الملتقط يملكها بعد الحول وبعد التعريف، لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها: أي حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها، فإن جاء صاحبها بعد الحول، ووصفها بما ينطبق على تلك الأوصاف، دفعها إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن جاء طالبها يوماً من الدهر، فادفعها إليه) .
وقد تبين مما سبق أنه يلزم نحو اللقطة أمور:
أولاً: إذا وجدها، فلا يُقْدم على أذها إلا إذا عرف من نفسه الأمانة في حفظها والقوة على تعريفها بالنداء عليها حتى يعثر على صاحبها، ومن لا يأمن نفسه عليها، لم يجز له أخذها، فإن أخَذَها، فهو كغاصب، لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه، ولما في أخذها حينئذ من تضييع مال غيره.
ثانياً: لا بد له قبل أخذها من ضبط صفاتها بمعرفة وعائها ووكائها وقدرها وجنسها وصنفها، والمراد بوعائها ظرفها الذي هي فيه كيساً كان أو خرقة، والمراد بوكائها ما تُشدّ به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والأمر يقتضي الوجوب.
ثالثاً: لابد من النداء عليها وتعريفها حولاً كاملاً في الأسبوع الأول كل يوم، وبعد ذلك ما جرت به العادة، ويقول في التعريف مثلاً: من ضاع له شيء ونحو ذلك، وتكون المناداة عليها في مجامع الناس كالأسواق، وعند أبواب المساجد في أوقات الصلوات، ولا ينادي عليها في المساجد لأن المساجد لم تبن لذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل لا ردها الله عليك) .
رابعاً: إذا جاء طالبها، فوصفها بما يطابق وصفها، وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ولقيام صفتها مقام البينة واليمين، بل ربما يكون وصفه لها أظهر وأصدق من البينة واليمين، ويدفع معها نماءها المتصل والمنفصل، أما إذا لم يقدر على وصفها، فإنها لا تدفع إليه، لأنها أمانة في يده، فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها.
خامساً: إذا لم يأت صاحبها بعد تعريفها حولاً كاملاً، تكون ملكاً لواجدها، لكن يجب عليه قبل التصرف فيها ضبط صفاتها، بحيث لو جاء صاحبها في أي وقت، ووصفها ردها عليه إن كانت موجودة، أو ردَّ بدلها إن لم تكن موجودة، لأن ملكه لها مراعى يزول بمجيء صاحبها.
تنبيه: من هدي الإسلام في شأن اللقطة تدرك عنايته بالأموال وحفظها وعنايته بحرمة مال المسلم وحفاظه عليه، وفي الجملة ندرك من ذلك كله حث الإسلام على التعاون على الخير، نسأل الله سبحانه أن يثبتنا جميعاً على الإسلام ويتوفانا مسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح بن فوزان آل فوزان ص 150(5/8471)
لقطة الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[التقط أحد الأبناء ساعة من الحرم المكي، وظلت معه حتى الآن منذ أكثر من أربع سنوات، فما هو الحل بالنسبة لها؟ هل يردها للحرم مرة ثانية، أم يتصدق بقيمتها على أحد الفقراء بعد تثمينها عند بائعي الساعات؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقطة الحرم لا يجوز أخذها إلا لمن يعرف بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تحل ساقطته إلا لمعرف " متفق على صحته.
والواجب على المذكور أن يرد القطعة المذكورة إلى المحكمة الكبرى بمكة حتى تسلمها للجنة المكلفة بلقط الحرم وبذلك تبرأ ذمته مع التوبة إلى الله سبحانه من التقصير إذا كان لم يعرفها في المدة الماضية. وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز رحمه الله
فتاوى إسلامية 3/10(5/8472)
وجد شاة في الصحراء فماذا يفعل بها
[السُّؤَالُ]
ـ[عثرت على شاة ضالة في البر فماذا أفعل بها خصوصاً أن الاحتفاظ بها إلى أن أجد صاحبها يكلفني ثمن العلف وربما لا أجد صاحبه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أخذ الإنسان شاة ضالة فإن الأحسن بعد أخذها أن يعمل فيها الأصلح من أكلها مُقِّدراً قيمتها، أو بيعها وحفظ ثمنها، أو إبقائها مدة التعريف، وتركها بدون أخذها تعريض لها للهلاك، فإن جاء صاحبها رجع بها أو بقيمتها أو ثمنها وإن لم يأت فهي لمن وجدها.
[الْمَصْدَرُ]
تيسر العلام شرح عمدة الأحكام ص 775(5/8473)
وجد مبلغا من المال في طريق السفر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل فاضل كان يسير في الطريق مسافرا فوجد مبلغا من النقود لم يجد لها أحدا، ويسأل ماذا يعمل بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزمه المناداة عنها في مجامع الناس في البلدين الواقعين على الطريق الذي وجد النقود فيه وفي غيرهما (مثل وضع إعلان في محطات البنزين ومخافر الشرطة التي على الطريق) ، مما هو مظنة أن تكون لأحد سكانها فإن مضى عام دون حصوله على صاحبها ملكها، وله أن يبقيها عنده حتى يجد صاحبها أو يتصدق بها عنه، فإن وجده بعد ذلك أخبره بما صنع فإن أجاز تصرفه بالصدقة بها فبها ونعمت، وإن اعترض على ذلك ضمنها له وكانت له الصدقة أو ينفقها كسائر ماله ويضمنها لصاحبها متى عرفه.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة فتاوى إسلامية 3/9(5/8474)
باع بقرة فرجعت إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل باع بقرة على رجل لا يعرفه ثم إن البقرة شردت من بيت مشتريها إلى بيته، وحيث أنه لا يعرف مشتريها فقد باعها وأكل ثمنها، ويسأل ماذا يترتب عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه البقرة بعد أن تصرف فيها السائل الذي ذكره في السؤال لها حكم اللقطة، وحيث ذكر أنه باعها وأكل ثمنها فيلزمه أن ينادي عليها في الأسواق والمجامع مدة سنة فإن حضر صاحبها أخبره بالواقع وسلم له قيمة البقرة التي باعها بها، وإن لم يحضر تصدق بثمنها على نية ضمانها لصاحبها في حالة معرفته ومطالبته بها وعدم إجازته التصدق بها.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة
فتاوى إسلامية 3/9(5/8475)
وجد مبلغا من المال في الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبنا للحجّ وفي أثناء وجودي في الحرم عثرت على محفظة نقود وبها مبلغ لا بأس به من المال فماذا أفعل به وخصوصا أنّ مدّة بقائي في مكة كانت محدودة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في لقطة الحرم: هل هي كلقطة الحل تملك بالتعريف بعد مضي الحول أو لا تملك مطلقاً؟ فبعضهم يرى أنها تملك بذلك لعموم الأحاديث، وذهب الفريق الآخر إلى أنها لا تملك، بل يجب تعريفها دائماً، ولا يملكها، لقوله في مكة المشرفة: (ولا تحل لقطتها إلا لمعرِّف) ، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قال: (ولا تملك بحال، للنهي عنها، ويجب تعريفها أبداً) وهو ظاهر الخبر في النهي عنها. الملخص الفقهي صالح الفوزان ص: 150
ولمزيد من التوضيح يراجع سؤال رقم 5049
سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي: هل يجوز لي التقاط اللقطة من مكة المكرمة والذهاب بها وتعريفها في المنطقة التي أسكن بها، أم أن الواجب عليّ أن أعرفها على أبواب المساجد والأسواق وغيرها في مكة المكرمة..؟
فأجاب حفظه الله بقوله: لقطة مكة المكرمة تختص بأنها لا تحل لأحد أن يلتقطها إلا من أراد أن ينشدها دائماً أو يسلمها إلى ولي الأمر الذي يتسلم مثل هذه الأموال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) . والحكمة من ذلك الأمر هي أن اللُقط إذا بقيت في أماكنها فإن أصحابها ربما يرجعون إليها فيجدونها، وعلى هذا فإننا نقول لهذا الأخ: يجب أن تنشدها في مكة المكرمة، في مكانها وما حوله كأبواب المساجد والمجتمعات وإلا فسلمها إلى المختصين باستقبال هذه اللقطة وغيرها. من كتاب فتاوى إسلامية 2/311. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8476)
اللقطة تعرف سنة كاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت لقطة ذهب وبعتها وتصدقت بثمنها وأنوي إن وجدت صاحبها ولم يرض أن أعطيه قيمتها لأنني وجدتها وسط مدينة كبيرة فهل لي علي إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك وعلى غيرك ممن يجد لقطة ذات أهمية تعريفها سنة كاملة في مجامع الناس كل شهر مرتين أو ثلاثا فإن عرفت سلمها لصاحبها، وإن لم تعرف فهي له بعد السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. إلا أن تكون في الحرمين فليس له تملكها بل يجب تعريفها دائما حتى يعرف ربها أو يسلمها للجهات المسؤولة في الحرمين حتى تحفظها لمالكها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة: " لا تحل ساقطتها إلا لمعرف ". ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ". الحديث متفق على صحته.
لكن إذا كانت اللقطة حقيرة لا يهتم بها صاحبها كالحبل وشسع النعل والنقود القليلة فإنه لا يجب تعريفها، لواجدها أن ينتفع بها أو يتصدق بها عن صاحبها، ويستثنى من ذلك ضالة الإبل ونحوها من الحيوانات التي تمتنع من صغار السباع كالذئب ونحوه، فإنه لا يجوز التقاطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سال عنها: " دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ". متفق عليه. وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز رحمه الله
فتاوى إسلامية 3/8(5/8477)
الشهود الأربعة في حد الزنى فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[أتساءل: ما هي الأمور المطلوبة من الأربعة الشهود في المحاكمة المقامة في محكمة إسلامية؟ وما المقصود من هذه المتطلبات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشهادة في الفقه الإسلامي إحدى بينات الإثبات، ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم في مواضع عدة، وأثبت الحكم بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولها في كتب الفقه حظ وافر من الشرح والتفصيل والبيان.
والذي نحب التنبيه عليه في هذا الباب – مما يتعلق بالسؤال – أمور ثلاثة:
الأمر الأول:
أن نصاب الشهود المطلوب يختلف بحسب الأمر المشهود به، وليس ثمة عدد محدد لجميع أنواع الشهادة، فمن الأمور ما تقبل فيها شهادة عدل واحد، ومنها ما يشترط لها شاهدان، ومنها ما يشترط لها أربعة شهود. ولا شك أن هذا من كمال التشريع الإسلامي وحكمته البالغة، حيث روعيت فيه أقدار المواضيع من حيث الأهمية والخطورة والتأثير، ووضعت لها ما يناسبها في أبواب الشهادة ونصاب الشهود.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/226-229) :
" يختلف عدد الشهود في الشهادات بحسب الموضوع المشهود به:
أ - من الشهادات ما لا يقبل فيه أقل من أربعة رجال، لا امرأة بينهم، وذلك في الزنا، لقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء. .) الآية. وعن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله! إن وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم. رواه مسلم.
ب - ومنها ما يقبل فيه شاهدان لا امرأة فيهما، وهو ما سوى الزنى من الحدود والقصاص، كالقطع في السرقة، وحد الحرابة، والجلد في الخمر، وهذا باتفاق الفقهاء.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن ما يطلع عليه الرجال غالبا، مما ليس بمال ولا يقصد منه مال: كالنكاح، والطلاق، والرجعة، والإيلاء، والظهار، والنسب، والإسلام، والردة، والجرح، والتعديل، والموت والإعسار، والوكالة، والوصاية، والشهادة على الشهادة، ونحو ذلك، فإنه يثبت عندهم بشهادة شاهدين لا امرأة فيهما. ودليلهم في ذلك أن الله تعالى نص على شهادة الرجلين في الطلاق والرجعة والوصية.فأما الطلاق والرجعة فقوله تعالى: (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) . وأما الوصية فقوله: (إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم) . وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النكاح: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) أخرجه البيهقي. وروى مالك عن الزهري أنه قال: " مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق " وقيس عليها ما شاركها في الشرط المذكور.
ج - وقال الحنفية: ما يقبل فيه شاهدان، أو شاهد وامرأتان هو ما سوى الحدود والقصاص سواء أكان الحق مالا أم غير مال، كالنكاح والطلاق والعتاق والوكالة والوصاية. ودليله قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)
وقصر الجمهور قبول شهادة الرجلين أو الرجل والمرأتين على ما هو مال أو بمعنى المال، كالبيع، والإقالة، والحوالة، والضمان، والحقوق المالية، كالخيار، والأجل، وغير ذلك.
د - ومنها ما تقبل فيه شهادة النساء منفردات، وهو الولادة والاستهلال والرضاع، وما لا يجوز أن يطلع عليه الرجال الأجانب من العيوب المستورة.
ولكنهم اختلفوا في العدد الذي تثبت به هذه الأمور من النساء على خمسة أقوال.
و ومنها ما تقبل فيه شهادة شاهد واحد، فتقبل شهادة الشاهد الواحد العدل بمفرده في إثبات رؤية هلال رمضان استدلالا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه. رواه أبوداود. " انتهى باختصار.
الأمر الثاني:
أن شهادة الأربعة على وقوع الزنى يشترط فيه – زيادة على الإسلام والحرية والعدالة – الوصف بالمعاينة وصفا دقيقا، ولا يكفي وصف المشهد العام لاجتماع الرجل والمرأة الأجنبية ولو كانا عاريين، وهذا من خصائص هذه الشهادة أيضا.
يقول ابن رشد رحمه الله:
" وأما ثبوت الزنا بالشهود: فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنا بالشهود، وأن العدد المشترط في الشهود أربعة بخلاف سائر الحقوق، لقوله تعالى: (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) وأن من صفتهم أن يكونوا عدولا، وأن من شرط هذه الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها، وأنها تكون بالتصريح لا بالكناية " انتهى.
"بداية المجتهد" (2/439) .
يقول الإمام الماوردي رحمه الله:
" أما صفة الشهادة في الزنا فلا يجزئ أن يقول الشهود: رأيناه يزني. حتى يصفوا ما شاهدوه من الزنا، وهو أن يقولوا: رأينا ذكره يدخل في فرجها كدخول المرود في المكحلة: لثلاثة أمور:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تثبت ماعزا في إقراره فقال: أدخلت ذلك منك في ذلك منها، كدخول المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ فقال: نعم. فأمر برجمه.
فلما استثبته في الإقرار كان أولى أن يستثبت في الشهادة.
والثاني: أن الشهود على المغيرة بن شعبة بالزنا لما شهدوا به عند عمر رضي الله عنه، وهم أبو بكرة، ونافع، ونفيع، وزياد، فصرح بذلك أبو بكرة، ونافع، ونفيع، فأما زياد فقال له عمر: قل ما عندك، وأرجو أن لا يهتك الله صحابيا على لسانك. فقال زياد: رأيت نفسا تعلو، أو استا تنبو، ورأيت رجليها على عنقه كأنهما أذنا حمار، ولا أدري يا أمير المؤمنين ما وراء ذلك، فقال عمر: الله أكبر. فأسقط الشهادة ولم يرها تامة.
ولمعرفة براءة المغيرة بن شعبة من هذه التهمة انظر جواب السؤال رقم 120030
والثالث: أن الزنا لفظ مشترك. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: العينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما اللمس، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج.
فلذلك لزم في الشهادة نفي هذا الاحتمال بذكر ما شاهده من ولوج الفرج في الفرج " انتهى.
"الحاوي" (13/227) .
الأمر الثالث:
أن تخصيص الشهادة على الزنا بهذا التشديد فيه مزيد احتياط وصيانة للأعراض، كي لا يتساهل الناس في الطعن ولا في القذف.
وباشتراط البينة بهذا التدقيق لا يكاد حد الزنى يقام على أحد إن لم يعترف، ومن أقيم عليه بسبب مشاهدة أربعة رجال له هذه المشاهدة الدقيقة فذلك دليل على جرأة ووقاحة يستحق عليها العقوبة الرادعة.
يقول الإمام الماوردي رحمه الله:
" الشهادات تتغلظ بتغليظ المشهود فيه، فلما كان الزنا واللواط من أغلظ الفواحش المحظورة وآخرها، كانت الشهادة فيه أغلظ: ليكون أستر للمحارم، وأنفى للمعرة " انتهى.
"الحاوي" (13/226) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والشهادة على الزنا لا يكاد يقام بها حد وما أعرف حدا أقيم بها وإنما تقام الحدود إما باعتراف وإما بحبل..".
"منهاج السنة النبوية" (6/95) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8478)
هل تقبل شهادة معلم الصبيان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه لا يؤخذ بشهادة المعلمين (المدرسين) شرعاً ولماذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لذلك أصل، وما يروى عن بعضهم من عدم قبول شهادة معلم الصبيان، هو مردود، فالتعليم أمر يشرِّف صاحبه ويرفع قدره، ومعلم الناس الخير يصلي عليه الرب تعالى والملائكة حتى النملة في جحرها والحوت في البحر، وهو نص حديث أخرجه الترمذي وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (4213) .
ولفظه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) رواه الترمذي (2685) .
وقد سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
رأيت منقولا عن " الخلاصة " ما لفظه: " ولا تقبل شهادة معلم الصبيان، فإن عقْل ثمانين معلماً لا يساوي عقل امرأة واحدة ".ا. هـ. فهل هذا النقل صحيح ثابت فيها أو لا؟ وكيف الحكم في هذه المسألة؟ .
فأجاب بقوله:
قد فتشت على هذا المذكور عن " خلاصة " الغزالي فلم أره فيها، ولا أظنه في شيء من كتب أصحابنا؛ لأنه إلى السفساف أقرب، وكم من معلم صبيان رأيناه يُستسقى به الغيث لبلوغه في النزاهة والعفة والعدالة والصلاح الغاية القصوى، فإن صحت تلك المقالة بإطلاقها عن عالم تعين تأويلها على معلم ظهرت عليه أمارات الجهل أو الفسق أو الجنون كما هو كثير الآن فيمن يتعاطى هذه الحرفة التي هي أشرف الحرف بنصه صلى الله عليه وسلم , والله سبحانه وتعالى أعلم.
" الفتاوى الفقهية الكبرى " (4 / 358) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8479)
هل تُقبل شهادة مربي الحمَام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا تقبل شهادة مربي الحمام (الحمام الزاجل وغيره) ؟ كنت قد سمعت هذا مرة وأود التأكد من ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بتربية الحمَام من أجل الزينة، أو من أجل فراخها لأكلها أو بيعها، أو لاستعمالها في إرسال الرسائل – كما كانت تستعمل قديماً.
وأما تطييرها والعبث واللعب بها: فهو من الأفعال المذمومة شرعاً، لما فيه من إيذاء الناس، ولما يتسبب به " المطيِّر " من سرقة حمام الآخرين، وتضييع وقته فيما لا فائدة فيه، فهذا هو الذي قال العلماء فيه إنه ترد شهادته ولا تُقبل.
قال الكاساني:
"والذي يلعب بالحمام فإن كان لا يطيرها لا تسقط عدالته , وإن كان يطيرها تسقط عدالته ; لأنه يطلع على عورات النساء , ويشغله ذلك عن الصلاة والطاعات" انتهى.
" بدائع الصنائع " (6 / 269) .
وقال ابن قدامة:
"اللاعب بالحمام يطيرها , لا شهادة له، وهذا قول أصحاب الرأي [الحنفية] ، وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حمَام ; وذلك لأنه سفه ودناءة وقلة مروءة , ويتضمن أذى الجيران بطيره , وإشرافه على دورهم , ورميه إياها بالحجارة، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يتبع حماماً , فقال: (شيطان يتبع شيطانة) – رواه أبو داود (4940) وهو في " صحيح الجامع " (3724) -.
وإن اتخذ الحمام لطلب فراخها , أو لحمل الكتب , أو للأنس بها من غير أذى يتعدى إلى الناس , لم ترد شهادته" انتهى.
" المغني " (10 / 172، 173) .
وقال ابن القيم:
"وعلى الحاكم أن يمنع اللاعبين بالحمام على رءوس الناس , فإنهم يتوسلون بذلك إلى الإشراف عليهم , والتطلع على عوراتهم" انتهى.
وقال الشوكاني:
قوله: (فقال: "شيطان يتبع شيطانة" فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام، وأنه من اللهو الذي لم يؤذن فيه , وقد قال بكراهته جمع من العلماء , ولا يبعد تحريمه ـ إن صح الحديث ; لأن تسمية فاعله شيطانا يدل على ذلك , وتسمية الحمامة شيطانة إما لأنها سبب اتباع الرجل لها أو أنها تفعل فعل الشيطان حيث يتولع الإنسان بمتابعتها واللعب بها لحسن صورتها وجودة نغمتها" انتهى.
" نيل الأوطار " (8 / 106) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8480)
يُظهر الإسلام ولا يحضر إلى المسجد إلا قليلاً فهل نسيء الظن به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يدعي الإسلام وهو من دولة أوربية، ويقيم في دولة إسلامية، ولا يحضر إلى المسجد في الصلاة إلا نادراً، وعندما أكلمه: إني لا أراك تحافظ على وقت الصلاة. يقول: إنه يصلي في البيت، مع العلم أنه ما زال يحمل إقامة وجواز مسيحي، ويقول إن لديه شهادة تثبت أنه مسلم، فما هو واجبنا تجاه هذا الرجل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على من ينتسب للإسلام أن يُظهر شعائره، ويقيم شرائعه؛ بقدر استطاعته، وإذا ادعى المسلم أنه أدى العبادات كالصلاة والزكاة فإنه يُصَدَّق في ذلك، ويقبل قوله.
وليس لنا إلا ما ظهر من الناس، ولم يأمرنا ربنا أن نشق على قلوب الناس، وليس ذلك في مقدور أحدٍ أصلاً.
والأصل أن يحكم بإسلام كل من تلفظ بالشهادتين، ما لم يأت بناقض من نواقض الإسلام.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. رواه البخاري (6924) ومسلم (20) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال الخطابي: في الحديث أن من أظهر الإسلام أجريت عليه أحكامه الظاهرة ولو أسر الكفر في نفس الأمر.
ومحل الخلاف إنما هو فيمن اطُّلِعَ على معتقده الفاسد فأظهر الرجوع هل يقبل منه أو لا؟ وأما مَنْ جُهل أمرُه فلا خلاف في إجراء الأحكام الظاهرة عليه " انتهى. "فتح الباري" (12/279، 280) .
وبما أنك لم تطلع على اعتقاد فاسد عند هذا الرجل، ولم يأتِ بناقض للإسلام فليس لأحدٍ أن يطعن في انتسابه للإسلام، والأصل السلامة والبراءة.
واقرأ هذا الحديث وتمعن فيما جاء فيه من حوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن الوليد رضي الله عنه.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:. . . فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ! قَالَ: وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟! قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: لا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي. فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ؟! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .
غائر العينين: عيناه داخلتان في موضعيهما.
مشرف الوجنتين: غليظ أعلى الخدين.
ناشز: مرتفع.
وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: (إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَة. رواه البخاري (2641) .
ولا شك أن الصلاة هي خير أعمال المرء، فبما أنكم رأيتموه يصلي – ولو نادراً - وقد أظهر لكم الإسلام، فيجب أن يؤمَّن ويُصدَّق، فأكرموا هذا الرجل، وأعينوه على تطبيق شعائر الدين، وعلموه أحكام الشريعة، وأهمية الصلاة، وأدائها في جماعة في المسجد، وأظهروا له حسن خلق الإسلام، فلو كان غير صادق فلعله يتأثر ويصدق في ظاهره وباطنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8481)
هل تشهد على شيء لم يُطلب منها وقد ينفع المشهود عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مجال وحدث أن اعتدى أحد الإخوة بالسب على رئيسة القسم المباشر، وكنت موجودة ومجموعة معي، وطلبونا للإدلاء بالشهادة، وسأشهد - إن شاء الله - بالحق، هو - هداه الله - سبها علنيّاً وأمامها لعن والدها ولعنها، وبعد ما خرج لما سحبوه للخارج، قالت هي " أراويك – كلمة تهديد - يا كذا " لكن لم يسمعها، ولم يقل إنها قالت " أراويك " لأنه لم يكن قريبا من المكتب وكنت أن قريبة فسمعت، فهل أقول ذلك بالتحقيق؟ وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الكلمة هي كلمة تهديد، وقد يكون المراد منها الشكوى عليه للتحقيق معه، وهو ما حصل بالفعل، ولا نراها مؤثرة لتقال أو لا تقال في التحقيق.
وإذا كانت قد أضافت إليها كلمات أخرى فيها سب وشتم وطعن في المعتدي عليها: فالذي يجب عليكم هو الشهادة بهذا؛ لأنها قد تكون أخذت حقها بتلك الكلمات بل وزيادة، فلا يجوز معاقبته على شيء قد استوفى صاحب الحق منه حقَّه، لأن الرد بالسب على المتعدي نوع من أخذ الحق كما قال النووي في شرح قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالا فَعَلَى الْبَادِئ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُوم) مسلم 4688 (قَالُوا: وَإِذَا اِنْتَصَرَ الْمَسْبُوب اِسْتَوْفَى ظُلامَته , وَبَرِئَ الأَوَّل مِنْ حَقِّهِ , وَبَقِيَ عَلَيْهِ إِثْم الابْتِدَاء , أَوْ الإِثْم الْمُسْتَحَقّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: يَرْتَفِع عَنْهُ جَمِيع الإِثْم بِالانْتِصَارِ مِنْهُ , وَيَكُون مَعْنَى عَلَى الْبَادِئ أَيْ عَلَيْهِ اللَّوْم وَالذَّمّ لا الإِثْم) .
وإذا كانت الكلمات المقالة فيه ليس فيها استيفاء الحق فإنه – على الأقل – قد يكون فيها استيفاء لبعض الحق، وهو مما يرفع أو يخفف العقوبة عن الطرف المعتدي.
ودين الإسلام أمرنا بالعدل مع كل الناس، قال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) سورة المائدة /8
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8482)
شهد زوراً فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في عام 1408هـ وقع حادث انقلاب سيارة يقودها أخي ومعه أربعة أشخاص توفي منهم اثنان وكلهم غير متزوجين الأول ترك أهله الدية ولم يأخذوها والثاني أخذ والده الدية كاملة، وهذا الولد المتوفى والدته متوفية عند ولادته وهو صغير وله جدة من أبيه وجدة من أمه. ولم يعطوا من الدية وذلك بسبب أن المحكمة عندما حكمت بالدية طلبت شهوداُ على الولد إن كان له ورثة غير أبيه وكنت أنا من الشهود فشهدنا بأنه ليس له وريث غير أبيه خوفاً منا بأن المحكمة تطلب حضور جداته وهن كبيرات في السن وجهلاً منا بالحقوق والميراث.
ماذا علي أن أفعل رغم أن والد هذا المتوفى فقير ومعدم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أنك فعلت فعلاً من كبائر الذنوب، وهو شهادة الزور، وخاصة أنه تعلَّق به ذهاب حقوق لبعض ورثة المتوفى.
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت.
رواه البخاري (5631) ومسلم (87) .
ونقول للأخ السائل: إن كان الأب قد أعطى الجدَّتين نصيبهما من الميراث: فعليك التوبة والاستغفار من شهادة الزور، ولا يلزمك الذهاب للمحكمة وإعلان ذلك، وعليك أن تستتر بستر الله.
وأما إذا أخذ الأب المال وحده ومنع إعطاء الجدَّتين حقهما: فعليك بمحاولة إقناعه بإعطاء الحقوق إلى أهلها فإن فعل فحسن، وإلا فعليك الذهاب للمحكمة وتكذيب نفسك هناك وتحمُّل ما يترتب عليك بسبب معصيتك، وبذلك ترجع الحقوق إلى أهلها.
وليس لشهادة الزور كفارة إلا التوبة وإرجاع الحقوق إلى أهلها إذا ترتب على شهادته أخذ حقوق للآخرين.
وللحاكم أو القاضي أن يعزر بما يراه مناسباً لمن شهد بالزور.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8483)
لماذا تعتبر شهادة الرجل بشهادة أمرأتين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تعتبر شهادة امرأتين معادلة لشهادة رجل واحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الْمَقْصُودَ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يُعْلَمَ بِهَا ثُبُوتَ الْمَشْهُودِ بِهِ , وَأَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ , فَإِنَّهَا خَبَرٌ عَنْهُ.. وأما كون شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل فقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حِكْمَةَ تَعَدُّدِ الاثْنتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ , وَهِيَ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَنْسَى الشَّهَادَةَ وَتَضِلُّ عَنْهَا فَتُذَكِّرُهَا الأُخْرَى , قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} البقرة. (ومعنى قوله {أن تضل إحداهما} قال ابن كثير: " يعني: المرأتين إذا نسيت الشهادة، {فتذكر إحداهما الأُخرى} أي يحصل لها ذكرى بما وقع به الإشهاد. " تفسير ابن كثير ج1 ص724.
" وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِإِشْهَادِ امْرَأَتَيْنِ لِتَوْكِيدِ الْحِفْظِ ; لأنَّ عَقْلَ الْمَرْأَتَيْنِ وَحِفْظَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ عَقْلِ رَجُلٍ وَحِفْظِهِ. انظر إعلام الموقعين ج1 ص75
وليس معنى هذا أن المرأة لا تفهم أو لا تستطيع أن تحفظ، ولكنها أضعف من الرجل في هذا الجانب - غالباً - وقد أثبتت الدراسات العملية والتخصصية أن عقول الرجال أكمل من عقول النساء والواقع والحس والتجربة يشهد بذلك، وكتب العلم خير شاهدٍ على ذلك فالعلم الذي نقله الرجال والأحاديث التي حفظوها أكثر من تلك التي جاءت عن طريق النساء.
هذا من حيث الجنس أي أن جنس الرجال أكمل من جنس النساء قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} سورة النساء. ومع ذلك فمن النساء من تفوق كثيراً من الرجال في العقل وحسن التدبير، ولكنهن قليل، والحكم للأعم الأغلب.
والمرأة قد تعوّض باجتهادها، وتتفوق عند إهمال الرجل فلذلك نجد بعض الطالبات في بعض الكليات يتفوقن على الطلاب لاجتهادهن أكثر من الطلاب وحرصهن على التحصيل في الوقت الذي يهمل فيه كثير من أولئك الطلاب ولا يحرصون على التعلّم، كما أن الرجل يمكن أن يتفوق على المرأة في بعض ما هو من مجالاتها أصلاً فنجد أن أمهر المتخصصين في الطبخ وتصميم الملابس والتجميل وتخصص النساء والولادة على المستوى العالمي هم من الرجال.
فالعبرة إذن بالأعم الأغلب ولا يُنازع عاقل اليوم بأن أكثر المبدعين في علوم الدين كالفقه والحديث والتفسير والعقيدة والوعظ ... ألخ
والعلوم الدنيوية كالطب والفلك والهندسة والفيزياء والكيماء وغيرها هم من الرجال.
ولو تأملنا في المجتمعات الغربية التي ساوت بين الرجل والمرأة من جميع الجوانب، لوجدنا ومع هذا وذاك فإن الله قد أعطى النساء وفضلهن على الرجال في جوانب أُخرى كالعناية بالأطفال، والصبر والحنان والعطف عليهم، وتدبير المنزل؛ ولذلك جعلت الشريعة الحضانة إليها فالأم هي المدرسة الأولى، التي تُخرج رجال المستقبل وقواد العالم، وعلماء الأمة، فهل بعد هذا الفضل من فضل؟.
هذا وقد حث الإسلام على الأم وأولاها عنايةً خاصة، وأوجب على أبنائها برها والإحسان إليها وقدمها في البر على الأب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ قَالَ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ " رواه مسلم (2548) . فهل بعد هذا الفضل من فضل؟.
فليعمل إذن كلٌ في مجال تخصصه، فلا يدخل الرجل في الحمل والرضاع ولا تدخل المرأة في الجهاد وقتال الأعداء والخلافة والإمارة، وما يجوز لكليهما القيام به يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعية كعدم اختلاط الجنسين، وعدم اهمال الواجبات الأخرى كحق الزوج وحق الزوجة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/8484)
الخلاف في المواريث وطرق تقسيم التركة ومن هم الوارثون وماذا يقدم على نصيبهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لطالما حيرتني مسألة التركة، وكنت أظن من قبل أن التركة ليست إلا على نمط واحد، وقول واحد، ولكني اكتشفت عندما أنزلت من الإنترنت برنامج " تقسيم التركة ": أن هناك عدة مدارس فقهية، وعدة طرق لتقسيم التركة، وعلمت من خلال هذا البرنامج كذلك: أن هناك عدة فئات: الإخوة، الأبناء، الزوجات ... إلخ، وأريد الآن معرفة التالي مدللا عليه من الكتاب والسنة: 1- هل هناك فعلاً طرق وأساليب متعددة في حساب التركة؟ . 2- وهل هناك أيضا فئات متعددة تستحق التركة غير الأصناف التي ذُكرت في القرآن؟ . 3- وما هي الأولويات التي تؤخذ في الاعتبار عند تقسيم التركة؟ أرجو التفصيل. 4- كيف يمكن حساب المسألة التالية: رجل مات وخلّف مليون دولار، وترك خلفه ثلاث زوجات، وخمسة أبناء، وست بنات، وربيبيْن من الزوجة الأولى، وثلاث ربيبات من الزوجة الثالثة، وأبويه، وأخوين، وثلاث أخوات، وأخ غير شقيق من أبيه، وأخت غير شقيقة من أبيه أيضاً، وأخ غير شقيق من أمه، وأختين غير شقيقتين من أمه، وجداه، وجدتاه، من جهة أمه، وأبيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخلاف بين العلماء في مسائل الفرائض وتقسيم الميراث قليل؛ وذلك لأن الله تعالى قد ذكر في كتابه الكريم الأنصبة لكل مستحق، ولا يبدو أن هذا هو قصد الأخ السائل، بل يقصد طرق تقسيم التركة، واختلاف بعضها عن بعض، وهذا صحيح، وهي طرق مختلفة في طريقة الحساب فقط، أما النتيجة النهائية فواحدة، وهي إعطاء كل وارث نصيبه من التركة بلا زيادة ولا نقصان.
ومن حيث العموم: فتنقسم التركة إلى قسمين وهما:
1. ما يمكن عدُّه، أو ما يمكن قسمته، بالعدد، والأجزاء، كالدراهم، والمكيلات، والموزونات، وغيرها.
2. وما لا يمكن قسمته بما سبق، كالعقار الصغير، والحيوان، والسيارة.
القسم الأول: وقِسمته له طرق، ومن أشهرها، وأيسرها:
أن نعرف سهم كل وارث، ثم نضرب هذا السهم في التركة، ثم نقسم حاصل هذا الضرب على أصل المسألة، أو عولها، أو مصحها , وناتج هذه القسمة هو نصيب هذا الوارث من هذه التركة.
القسم الثاني: إذا كانت التركة من الأشياء التي لا يمكن عدها فمن طرق قسمتها:
طريق النسبة، وهي أن نجعل سهم كل وارث بسطاً، وأصل المسألة، أو عولها، أو مصحها مقاماً، ثم يعطى كل وارث بقدر نسبة سهمه من هذه المسألة.
انظر لتفصيل ذلك كتاب: " السير الحثيث نحو تسهيل قسمة المواريث " (206 – 221) .
ثانياً:
أما الفئات التي ترث من التركة: فيمكن تقسيمها كما يلي:
أ. أصحاب الفروض، وهم الذين لهم أنصبة محددة من التركة، وهم:
1. الأم.
2. الأخ لأم.
3. الأخت لأم.
4. الزوج.
5. الزوجة.
6. الجدة من قبل الأم.
7. الجدة من قبل الأب.
ب. قسم لا يرث إلا بالتعصيب.
ومعنى التعصيب: هم من يرثون بدون تقدير، وهم:
1. الابن.
2. ابن الابن، مهما نزل.
3. الأخ الشقيق.
4. الأخ لأب.
5. ابن الأخ الشقيق.
6. ابن الأخ لأب.
7. العم الشقيق.
8. العم لأب.
9. ابن العم الشقيق.
10. ابن العم لأب.
ج. قسم يرث بالفرض تارة، ويرث بالتعصيب تارة، وقد يجمع بينهما، وهما اثنان فقط:
1. الأب.
2. الجد.
د. قسم يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، ولا يجمع بينهما، وهم أربعة فقط، وجميعهن نساء، وهن:
1. البنت فأكثر.
2. بنت الابن فأكثر.
3. الأخت الشقيقة فأكثر.
4. الأخت لأب فأكثر.
ثالثاً:
أما الأولويات عند قسمة التركة فكما يلي:
أ. أداء حقوق الميت من مؤنة تجهيزه، من غسل، وتكفين، وحفر، ثم بعد ذلك إيفاء الديون، ثم بعد ذلك تنفيذ الوصايا إن وجدت.
ب. يجب التنبه إلى موانع الإرث وهي ثلاثة:
1. الرق.
2. القتل.
3. اختلاف الدين.
ج. ينظر إلى الأولوية في القسمة، فأصحاب الفروض مقدمون على أصحاب التعصيب , فيعطى أصحاب الفروض نصيبهم، على حسب ما قررته الشريعة.
د. يجب التنبه لمسألة الحجب وهو أنواع:
1. حجب بالكلية، فمثلاً: الابن يحجب ابن الابن , والأب يحجب الجد والإخوة.
2. حجب نقصان وهو أنواع:
أولاً: حجب من فرض إلى فرض، فالفرع الوارث يحجب الزوجة حجب نقصان من الربع إلى الثمن.
ثانياً: من فرض إلى تعصيب، كانتقال الأخوات من الفرض إلى التعصيب في حال وجود أخ لهن.
ثالثاً: من تعصيب إلى تعصيب، وهذا خاص بالأخوات إذا وجد معهن أخ، وكن عصبات مع البنات، فإنهن ينتقلن من أخذهن الباقي لمفردهن إلى الاشتراك في هذا الباقي مع إخوانهن للذكر مثل حظ الأنثيين.
هـ. فإن لم يوجد أصحاب فروض، ولا عصبة: ينظر إلى الولاء، والعتق.
رابعاً:
أما المسألة المسؤول عنها؛ فالذي يرث من أولئك هم فقط: الأب، والأم، والزوجات، والأبناء، والبنات، وباقي من ذُكر: محجوب.
فالأب يأخذ السدس.
والأم تأخذ السدس.
وثلاث زوجات يأخذن الثمن، يقسم بينهن بالتساوي.
وخمسة أبناء وست بنات يأخذون الباقي، للذكَر مثل حظ الأنثيين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8485)
توفي وترك خمسة أبناء، فكيف تقسم التركة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي وترك خمسة أبناء، فكيف تقسم التركة؟ السؤال: ما نصيب الفرد في تركة 30000 جنيه؟ مع العلم أن عدد الأبناء: 5.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يذكر السائل هل الورثة محصورون في هؤلاء الأبناء أم لا؟
والذين يرثون مع الأبناء هم: الأب، والأم، والزوجة، فإذا كان هؤلاء موجودين أو أحدهم فإنه يعطى فرضه أولاً، ثم يقسم الباقي على الأبناء بالتساوي، إن كانوا كلهم ذكوراً، كما هو ظاهر سؤالك، فإن فيهم أنثى فلها نصف ما يأخذه الابن.
وفرض الأب والأم: لكل واحد منهما السدس، لقول الله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11.
وفرض الزوجة: الثمن، لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12.
فإن كان الورثة محصورين في الأبناء فلهم جميع التركة بالتساوي فيكون لكل منهم ستة آلاف جنيه.
تنبيه: في حالة عدم وجود الأب، ووجود الجد فإن الجد يحل محل الأب في الميراث، وكذلك الجدة مع الأم.
فإن كان عند السائل إشكال في الجواب، فليعد إرسال السؤال مرة أخرى، ويبين فيه الورثة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8486)
مسألة في الميراث
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت فتاة غير متزوجة، والداها منفصلان، مَن يرثها، وكيف التقسيم: وإن كان أحد والديها متوفىً، وليس لها إخوان أشقاء، لديها مِن أمها أختان وأخوان، ومن أبيها ستة إخوة، مَن يرثها، وكم نصيب كل منهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة من مسائل الميراث تحتمل الصور الآتية:
الصورة الأولى: إذا توفيت وتركت: أبا، وأما، وإخوة لأم، وإخوة لأب.
فيرثها حينئذ أبوها وأمها فقط، للأم السدس، وللأب الباقي.
يقول ابن قدامة رحمه الله:
" إذا اجتمع أبوان وأخوان أو أختان، فللأم السدس، والباقي للأب " انتهى.
" المغني " (6/258)
الصورة الثانية: إذا توفيت وتركت أبا، وإخوة لأم، وإخوة لأب.
فيرثها حينئذ أبوها فقط، ولا يأخذ إخوانها شيئا؛ لأن الأب يحجب جميع الإخوة، ولا يرثون معه شيئا.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
" لا ترث الإخوة ولا الأخوات - مَن كانوا - مع الأب " انتهى.
" الأم " (8/239)
الصورة الثالثة: إذا توفيت وتركت: أما، وإخوة لأم، وإخوة لأب.
فترث الأم حينئذ السدس، لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) النساء/11.
ويرث الإخوة لأم الثلث، يشتركون فيه، ويستوي فيه نصيب الذكر مع نصيب الأنثى، لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) النساء/12.
والمراد بالأخ أو الأخت في هذه الآية: الأخ والأخت من أم، بإجماع أهل العلم.
ويأخذ الإخوة لأب الباقي تعصيبا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8487)
يتوارث الزوجان بمجرد العقد ولا يشترط الدخول
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها ومات أحدهما عن الآخر فهل يرث أحدهما الآخر أم لا؟ وما الحكم من ناحية العدة لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة فهل عليها عدة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد الزواج مستوفيًا لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول فإن عقد الزواج يكون باقيًا، ويقع به التوارث بين الزوجين لعموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) سورة النساء /12.
الآية عامة فيمن توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول، فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول فإن الزوجية باقية، والتوارث بينهما مشروع لعموم الآية الكريمة.
وأما من ناحية العدة فكذلك تلزمها عدة الوفاة لو توفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول فإنها تلزمها عدة الوفاة لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) سورة البقرة /234، هذه تعم من توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول ولها الميراث كما ذكرنا.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 135)
وقد روى أبو داود (2114) أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن امْرَأَةٍ َمَاتَ زوجها قبل أن يدخل بها وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ. فَقَالَ: (لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، كصداق نسائها، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ) فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امرأةٍ منا، كما قضيت.
صححه الألباني في " إرواء الغليل" (1939)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8488)
هل للأحفاد حق في ميراث جدهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ماتت الابنة قبل أبيها فهل يكون لأولادها الحق في الميراث الشرعي بدلا منها من أبيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحفاد إما أن يكونوا أولاداً لذكور أو يكونوا أولاداً لإناث.
أما أولاد الإناث فلا يرثون من جدهم، سواء كانت أمهم حية أم ميتة.
وأما أولاد الذكور فإنهم يرثون من جدهم بشرط عدم وجود أحد من أبناء الجد، سواء كان هذا الابن الموجود أباهم أو أحد أعمامهم، فإن وجد من أبنائه الذكور أحد فإنهم لا يرثون، سواء كان أبوهم حيا أم ميتاً.
انظر: "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" لفضيلة الشيخ صالح الفوزان (ص 65، 125) .
ولا يعلم في الشرع أبداً أن يأخذ الحفيد من جده نصيب أبيه الميت، الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه!!!!
بل التركة توزع على الورثة الأحياء عند موت مورثهم، فكيف نورث هذا الأب الذي مات قبل الجد، ثم نأخذ هذا النصيب ونعطيه أولاده؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
ويمكن لهؤلاء الأحفاد الذين لا يرثون لوجود أحد من أبناء جدهم أن يحصلوا على شيء من تركة جدهم بطريقين:
الطريق الأول: أن يوصي لهم الجد قبل وفاته بالثلث من تركته أو أقل، وهذا في حال أن يكون له مال كثير، وهذه الوصية أوجبها بعض العلماء واستحبها كثيرون.
ودليل هذا قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة/180.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
من فوائد الآية: وجوب الوصية للوالدين والأقربين لمن ترك مالاً كثيراً؛ لقوله تعالى: (كتب عليكم) ؛ واختلف العلماء رحمهم الله هل هذا منسوخ بآيات المواريث أم هو محكم، وآيات المواريث خَصَّصَتْ؟ على قولين؛ فأكثر العلماء على أنه منسوخ؛ ولكن القول الراجح أنه ليس بمنسوخ؛ لإمكان التخصيص؛ فيقال: إن قوله تعالى: (للوالدين والأقربين) مخصوص بما إذا كانوا وارثين؛ بمعنى أنهم إذا كانوا وارثين فلا وصية لهم اكتفاءً بما فرضه الله لهم من المواريث؛ وتبقى الآية على عمومها فيمن سوى الوارث ...
ومنها: جواز الوصية بما شاء من المال؛ لكن هذا مقيد بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا؛ قال: فالشطر؟ قال: لا؛ قال: فالثلث؟ قال: الثلث؛ والثلث كثير) متفق عليه؛ وعلى هذا فلا يزاد في الوصية على ثلث المال؛ فتكون الآية مقيدة بالحديث.
ومنها: أن الوصية الواجبة إنما تكون فيمن خلّف مالاً كثيراً؛ لقوله تعالى: (إن ترك خيراً) ، فأما من ترك مالاً قليلاً: فالأفضل أن لا يوصي إذا كان له ورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) متفق عليه.
" تفسير سورة البقرة " (2 / 306، 307) .
الطريق الثاني: أن يهب أعمامهم لهم من نصيبهم شيئاً يوزعونه عليهم.
أما أن يحسب نصيب والدهم ويُعطى لهم وهو ليس على قيد الحياة: فهذا لا يُعرف له أصل في الشرع، ويسمى هذا في بعض الدول بـ " الوصية الواجبة "، فيُعطون أولاد الابن المتوفى في حياة أبيه – أي: جدهم - نصيب أبيهم بشرط ألا يزيد عن الثلث، ويُعطون أولاد البنت نصيب أمهم بشرط ألا يزيد عن الثلث، ولو لم يوص الجد لهم بشيء!!
وهذا مخالف للشرع، وغير موجب للطاعة؛ لأن فيه مشاركة لله تعالى في التشريع، وتعديّاً على حقوق الورثة، وقد نسبوا هذا القول لابن حزم رحمه الله، وهو محض تقول عليه؛ لأن ابن حزم قد أوجب الوصية للأقارب الذين لا يرثون، وهذا يشمل العم والخال وجميع الأقارب، وهم لا يجعلون لهؤلاء نصيباً في التركة، وأيضاً: لم يوجب ابن حزم نسبة معينة أو نصيباً مفروضاً، وهم قد فعلوا ذلك بإعطائهم نصيب أمهم أو أبيهم، وأيضاً: فإن ابن حزم يرى أنهم يُعطوْن في حال أن يوصي الجد، وهم يجعلون لهؤلاء الأحفاد نصيباً ولو لم يوص الجد، فاختلف ما قاله ابن حزم عما نسبوه إليه، فالواجب على القضاة أن لا يحكموا بمثل هذا، وليعلموا أنهم بحكمهم هذا يخالفون شرع الله تعالى، ويأخذون المال ممن جعله الله تعالى حقا له، ويعطونه لمن لا يستحقه.
وفي هذا مضادة لحكم الله وشرعه، وقد اعترض كثير من علماء الأزهر على " قانون " الوصية الواجبة، وأفتوا بخلافه، ونشرت أبحاث في مجلة الأزهر وغيرها في الرد على هذا القانون، وبيان مخالفته للشرع.
وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
هل يرث الأحفاد جدهم إذا كان والدهم قد توفي قبل الجد؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فلماذا؟
فأجاب:
الأحفاد هم أولاد البنين دون أولاد البنات، فإذا مات أبوهم قبل أبيه لم يرثوا من الجد إن كان له ابن لصلبه أو بنون؛ فإن الابن أقرب من ابن الابن، فإن كان الجد ليس له بنون ولو واحداً وإنما له بنات: فللأحفاد ما بقي بعد ميراث البنات، وكذا يرثون جدهم إن لم يكن له بنون ولا بنات فيقومون مقام أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين.
" مجلة الحرس الوطني " (العدد 264، تاريخ 1 / 6 / 2004) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8489)
هل ترث الأم من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للأم من الرضاعة أن ترث ابنها من الرضاعة إذا مات وله أولاد وزوجة، وكم ترث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تستحق الأم من الرضاع الإرث ممن أرضعته بسبب أنها أرضعته، سواءً كان له ورثة أم لا.
وقد تستحق الإرث بسبب آخر (غير الرضاعة) كأن تكون المرضعة جدة للرضيع، أو أختاً له من النسب، فتستحق الإرث لقرابة النسب.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/483)(5/8490)
هل الحديث ينسخ أو يخصص القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث له سلطة على القرآن بنسخ أو بتخصيص؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القرآن والسنة في منزلة واحدة باعتبارهما مصادر مِن مصادر التشريع الإسلامي، والله عز وجل يقول: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/3-4.
وقد بوب الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه القيم " الكفاية في علم الرواية " (ص/23) بقوله: " باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى، وحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في وجوب العمل، ولزوم التكليف " انتهى.
وأورد تحته حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ)
رواه الترمذي (2664) وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2870)
والسنة مبينة لما أجمل في كتاب الله، تخصص عمومه، وتقيِّدُ مطلقه، وتبين الناسخ من المنسوخ فيه، حتى قال إمام التابعين مكحول رحمه الله: " القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن " انتهى. " الكفاية " (ص/30)
ثانيا:
أما تخصيص عمومات القرآن الكريم بالسنة النبوية فقد ذهب إلى جوازه جماهير الأصوليين.
يقول ابن النجار الفتوحي رحمه الله:
" يخصَّصُ الكتابُ ببعضه، وبالسنة مطلقا، سواء كانت متواترة أو آحاد:
مثال تخصيص الكتاب بالسنة - حتى مع كونها آحادا، عند أحمد ومالك والشافعي رضي الله عنهم -: قوله سبحانه وتعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ، فإنه مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها) متفق عليه، ونحوه تخصيص آية السرقة بما دون النصاب، وقتل المشركين بإخراج المجوس، وغير ذلك.
قال ابن مفلح: وعند الحنفية إن كان خص بدليل مجمع عليه جاز، وإلا فلا. وقيل: بالوقف. وقيل: يجوز ولم يقع " انتهى باختصار.
" شرح الكوكب المنير " (3/359-363)
ويقول الشوكاني رحمه الله:
" اختلفوا في جواز تخصيص الكتاب العزيز بخبر الواحد:
فذهب الجمهور إلى جوازه مطلقا.
وذهب بعض الحنابلة إلى المنع مطلقا، وحكاه الغزالي في " المنخول " عن المعتزلة، ونقله ابن برهان عن طائفة من المتكلمين والفقهاء، ونقله أبو الحسين بن القطان عن طائفة من أهل العراق.
وذهب الكرخي إلى الجواز إذا كان العام قد خص من قبل بدليل منفصل، سواء كان قطعيا أو ظنيا، وإن خص بدليل متصل أو لم يخص أصلا لم يجز.
وذهب القاضي أبو بكر إلى الوقف.
واستدل في المحصول على ما ذهب إليه الجمهور بأن العموم وخبر الواحد دليلان متعارضان، وخبر الواحد أخص من العموم، فوجب تقديمه على العموم.
واحتج ابن السمعاني على الجواز بإجماع الصحابة، فإنهم خصوا قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء لا نورث) ، وخصوا التوارث بالمسلمين عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر) ، وخصوا قوله: (فاقتلوا المشركين) بخبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس، وغير ذلك كثير.
وأيضا يدل على جواز التخصيص دلالة بينه واضحة ما وقع من أوامر الله عز وج باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تقييد، فإذا جاء عنه الدليل كان اتباعه واجبا، وإذا عارضه عموم قرآني كان سلوك طريقة الجمع ببناء العام على الخاص متحتما، ودلالة العام على أفراده ظنية لا قطعية، فلا وجه لمنع تخصيصه بالأخبار الصحيحة الآحادية " انتهى.
" إرشاد الفحول " (ص/267-286)
ويقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" اعلم أن التحقيق أنه يجوز تخصيص المتواتر بأخبار الآحاد؛ لأن التخصيص بيان، وقد قدمنا أن المتواتر يبيَّن بالآحاد، قرآنًا أو سنة " انتهى.
" مذكرة أصول الفقه " (ص/222)
ثالثا:
وأما مسألة نسخ السنة لنصوص القرآن الكريم، فقد اختلف فيها العلماء على قولين:
القول الأول: لا يجوز نسخ السنة الآحادية لنصوص القرآن الكريم: وهو قول جماهير الأصوليين.
بل إن الشافعي في " الرسالة " (ص/106-109) وأحمد رحمهما الله اختارا عدم جواز نسخ السنة المتواترة للقرآن الكريم، واختاره أيضا ابن قدامة، وابن تيمية.
يمكن مراجعة المسألة بتوسع في: " البحر المحيط " للزركشي الشافعي (5/262-272)
القول الثاني: يجوز نسخ السنة الآحادية لنصوص القرآن الكريم، وإليه ذهب بعض الأصوليين من الحنفية كما في " (3/62) ، وهو اختيار السبكي في " جمع الجوامع " (ص/57) حيث قال: " والنسخ بالقرآن لقرآن وسنة، وبالسنة للقرآن، وقيل يمتنع بالآحاد، والحق لم يقع إلا بالمتواترة " انتهى.
وهو اختيار العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، حيث يقول:
" الذي يظهر لنا أنه الصواب: هو أن أخبار الآحاد الصحيحة يجوز نسخ المتواتر بها إذا ثبت تأخرها عنه، وأنه لا معارضة بينهما ; لأن المتواتر حق، والسنة الواردة بعده إنما بينت شيئا جديدا لم يكن موجودا قبل، فلا معارضة بينهما البتة لاختلاف زمنهما.
فقوله تعالى: (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم)
يدل بدلالة المطابقة دلالة صريحة على إباحة لحوم الحمر الأهلية ; لصراحة الحصر بالنفي والإثبات في الآية في ذلك.
فإذا صرح النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يوم خيبر في حديث صحيح بأن لحوم الحمر الأهلية غير مباحة، فلا معارضة البتة بين ذلك الحديث الصحيح، وبين تلك الآية النازلة قبله بسنين ; لأن الحديث دل على تحريم جديد، والآية ما نفت تجدد شيء في المستقبل كما هو واضح.
فالتحقيق - إن شاء الله - هو جواز نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه، وإن خالف فيه جمهور الأصوليين " انتهى.
" أضواء البيان " (2/451-452)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8491)
وقفات مع جملة: " فقه الواقع "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ما يعرف بـ " فقه الواقع "، و " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية؟ . أفيدونا، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كلمة " فقه الواقع " تُطلق ويراد به أمران اثنان:
الأول: معرفة واقع المستفتي، وحاله، وواقع بلده، فلا يُفتى في مسائل الجهاد لبلد حتى يكون عند المفتي تصور للحال في تلك البلاد، كما لا يفتي في مسائل تتعلق بالكمبيوتر، والإنترنت، حتى يكون على علم بواقع تلك الأشياء، وما يحدث فيها.
الثاني: معرفة ما يجري في العالَم من أحداث، وقراء التحليلات السياسية لها، والاطلاع على مذكرات الأعداء، وقراءة كتبهم، وصحفهم، وتتبع خططهم في غزو البلاد، أو نشر الفساد.
أما الكلمة بالمعنى الأول فنقول:
لا شك أن الفتوى تحتاج من المفتي إلى: فقه بالكتاب والسنَّة والإجماع، وإلى فقه بواقع الناس، والحال، والزمان، والمكان، وإلا كانت فتواه لا تفي بالحاجة، أو لا يمكن تطبيقها؛ لبعدها عن الواقع الذي يجهله ذلك المفتي.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
ولا يتمكن المفتي، ولا الحاكم، من الفتوى، والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهْم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع، بالقرائن، والأمارات، والعلامات، حتى يحيط به علماً.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع , وهو فهم حكم الله الذي حكم به، في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر.
" إعلام الموقعين " (1 / 87) .
وقد طبَّق العلماء الأجلاء ذلك في فتاوى كثيرة متعددة، ومن ذلك ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية حين سئل عن قتال التتار مع أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، فقال:
نعم، يجب قتال هؤلاء، بكتاب الله، وسنَّة رسوله، واتفاق أئمة المسلمين، وهذا مبني على أصلين: أحدهما: المعرفة بحالهم، والثاني: معرفة حكم الله في مثلهم.
فأما الأول: فكل مَن باشر القوم يعلم حالهم، ومَن لم يباشرهم يعلم ذلك بما بلغه من الأخبار المتواترة، وأخبار الصادقين، ونحن نذكر جلَّ أمورهم بعد أن نبيِّن الأصل الآخر الذي يختص بمعرفته أهل العلم بالشريعة الإسلامية فنقول:
كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة: فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين ... .
" مجموع الفتاوى " (28 / 510) .
ثانياً:
أما " فقه الواقع " على المعنى الثاني: فثمة إفراط فيه، وتفريط، وعليه فنقول:
إنه قد غلا بعض المشتغلين بهذا الفقه حتى طغى على جانب الفقه الشرعي لديهم، بل وغلا بعضهم حتى أوجب هذا الفقه على علماء الشريعة والفقه، ورمى بعضُهم كثيراً من المشايخَ والعلماء بعدم فهم الواقع، وبقلة فقه الواقع لديهم , وقابلهم طائفة أخرى في مقابلهم منعت من الاشتغال بما يدور بالعالم من أحداث وواقع , وخير الأمور أوسطها.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
ولقد أثيرَت أثناءَ تلك الفتنةِ ما اصْطَلحَ (البَعضُ) على تَسميِتِه بـ " فقه الواقع "، وأنا لا أخاِلفُ في صورَةِ هذا العلم الذي ابتَدعوا لهُ هذا الاسمَ، ألا وهو " فقه الواقع "؛ لأنَّ كثيراً مِن العُلَماءِ قَد نَصُّوا على أنَّه يَنَبغي على مَن يَتَوَلونَ تَوجيهَ الأمَّةِ وَوضعَ الأجوبَةِ لِحَلِّ مشاكلهم: أن يَكونوا عالِمينَ، وعارفينَ، بِواقِعِهِم؛ لذلك كان مِن مَشهورِ كلماِتهِم: " الحُكمُ على الشيءِ فَرعٌ عَن تَصَوُّرهِ "، ولا يَتَحقَّق ذلك إلا بمَعرفَةِ (الواقِع) المُحطِ بالمسألَةِ المُرادِ بَحثُها، وهذا مِن قَواعدِ الفُتيا بِخاصَّةٍ، وأصول ِ العلم ِ بعامَّةٍ، فَفِقهُ الواقع - إذاً - هو الوقوفُ على ما يَهُمُّ المُسلمين مِمَّا يَتَعلَّقُ بشؤوِنهِم، أو كيدِ أعدائِهم؛ لتحذيرِهم والنُّهوض ِ بهم واقعيَّاً، لا كلاماً نَظَريَّاً، أو انشغالاً بأخبارِ الكُفَّارِ وأنبائهم، أو إغراقاً بِتحليلاِتهِم وأفكارِهم ِ، فمَعرفةُ الواقع ِ للوُصول به إلى حُكم ِ الشرع ِ: واجبٌ مهم مِن الواجباتِ التي يَجبُ أن يَقومَ بها طائفة مُختصَّة مِن طلاَّب ِ العلمِ المُسلمينَ النُّبَهاءِ، كأيِّ علم مِن العلوم الشرعيَّةِ أو الاجتماعيَّةِ أو الاقتصاديَّةِ أو العَسكريَّةِ، أو أيِّ علم ٍ يَنفعُ الأمَّة الإسلاميَّة َ ويُدنيها مِن مَدارج العَودَةِ إلى عِزِّها ومَجدِها وَسُؤْدُدِها، وَبِخاصَّةٍ إذا ما تَطَوَّرَت هذه العلومُ بتَطوُّرِ الأزِمنَةِ والأمكنَةِ ... .
ولكَّننا سمِعنا، ولاحَظنا: أنَّهُ قَد وَقَعَ كثيرٌ مِن الشبابِ المُسلِم في " حَيْصَ بيْصَ " نَحو هذا النَّوع من العلم الذي سَبَقت الإشارَةُ إلى تَسمِيَتهم له بِ " فقه الواقع "، فانقَسموا قسمين، وصاروا - للأسَفِ - فَريقيَن، حيثُ إنَّه قَد غَلا البَعضُ بهذا الأمر، وَقَصَّرَ البَعضُ الآخَرُ فيهِ، إذ إنكَ تَرى وتَسمَعُ - مِمَّن يُفَخِّمونَ شأنَ " فقه الواقع "، وَيَضعونَهُ في مرتبةٍ عَليَّةٍ فوقَ مَرتبتهِ العلميَّةِ الصَّحيحةِ - أنهم يُريدونَ مِن كُلِّ عالم ٍ بالشرع ِأن يَكونَ عالماً بما سَمَّوهُ " فقه الواقع "، كما أَنَّ العَكسَ - أيضاً - حاصلٌ فيهم، فَقَد أوْهموا السَّامعينَ لهم، والمُلتفَّينَ حَولَهُم، أنَّ كلَّ مَن كان عارفاً بواقع العالم ِالإسلاميِّ هو فقيهٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ، وعلى منهج السَّلف الصَّالح! وهذا ليسَ بلازِم ٍ، كما هو ظاهرٌ، وَنَحنُ لا نَتَصوَّرُ وجودَ إنسانٍ كاملٍ بكُلِّ مَعنى هذه الكلمةِ، أي: أن يَكونَ عالماً بكُلِّ هذه العلوم التي أشرتُ إليها، وَسَبَقَ الكلامُ عليها.
فالواجبُ إذاً: تعاوُنُ هؤلاء الذين تَفَرَّغوا لِمَعرفةِ واقع الأُمةِ الإسلامَّيةِ، وما يُحاكُ ضِدَّها، مَعَ عُلماء الكتابِ والسُّنَّةِ وعلى نَهج ِ سَلفِ الأُمَّةِ، فأولئكَ يُقدَّمونَ تَصوُّراتِهم وأفكارَهم، وهؤلاء يُبيِّنونَ فيها حُكمَ اللهِ سبحانَهُ، القائمَ على الدِّليل الصَّحيح، والحُجَّةِ النيِّرَةِ، أمَّا أن يُصبحَ المُتَكلِّمُ في " فقه الواقع " في أذهان ِ سامعيهِ واحداً من العُلماء والمُفتينَ، لا لِشيءٍ إلا لأنَّه تكلَّمَ بهذا " الفقهِ " المشار إليه: فهذا ما لا يُحكَمُ له بوجهٍ من الصَّواب؛ إذ يُتَّخَذُ كلامُهُ تُكَأة تُرَدُّ بها فتاوى العُلماء، وتُنْقَضُ فيه اجتهاداتهُم، وأحكامُهُم.
" سؤال وجواب حول فقه الواقع " (ص 14 – 16) باختصار يسير.
وقال رحمه الله:
فالأمرُ إذاً كما قال الله تعالى: (وَكَذلكَ جَعَلناكُم أمَّة وَسَطاً) ، ففقهُ الواقع بمَعناهُ الشرعيِّ الصَّحيح هو واجبٌ بلا شكّ، ولكنْ وجوباً كِفائيّاً، إذا قامَ به بَعضُ العُلماء سَقطَ عَن سائرِ العُلماء، فضلاً عن طلاّبِ العلم، فضلاً عَن عامَّةِ المُسلمين.
فلذلك يَجبُ الاعتدالُ بدعوة المُسلمين إلى مَعرفِة " فقه الواقع "، وَعَدمُ إغراقهم بأخبارِ السِّياسة، وَتَحليلاتِ مُفكِّري الغَرب، وإنَّما الواجبُ - دائماً وأبَداً - الدَّندَنَة حولَ تَصفية الإسلام مِمَّا عَلَقَ به مِن شوائبَ، ثم تربَية المُسلمين - جماعاتٍ وأفراداً - على هذا الإسلام المُصَفَّى، وَرَبطُهُم بِمَنهَجِ الدَّعوةِ الأصيل:الكتاب والسُّنَّة، بفهم سَلَف الأمَّة.
" سؤال وجواب حول فقه الواقع " (ص 25) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
وأما الاشتغال بواقع العصر - كما يقولون -، أو " فقه الواقع ": فهذا إنما يكون بعد الفقه الشرعيِّ؛ إذ الإنسان بالفقه الشرعيِّ ينظر إلى واقع الناس، وما يدور في العالم، وما يأتي من أفكار، ومن آراء، ويعرضها على العلم الشرعيِّ الصَّحيح؛ ليميز خيرها من شرِّها، وبدون العلم الشرعيِّ: فإنه لا يُميِّزُ بين الحقِّ والباطل، والهُدى والضَّلال، فالذي يشتغل بادئ ذي بدء بالأمور الثقافية، والأمور الصَّحافيّة، والأمور السياسيّة، وليس عنده بصيرة من دينه: فإنّه يَضِلُّ بهذه الأمور؛ لأنَّ أكثر ما يدور فيها ضلالة، ودعاية للباطل، وزُخرُفٌ من القول وغرور، نسأل الله العافية والسَّلامة.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 297) .
وانظر تعليق الشيخ العثمين على هذا الأمر في جواب السؤال رقم: (76010) .
ثالثاً:
لمعرفة المقصود بـ " تغيّر الفتوى باختلاف الزمان والمكان " فقد تقدم الكلام عنها مفصلاً في إجابة السؤال رقم (130689) فانظره فهو مهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8492)
هل يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهتم جدا بتعلم الإسلام، لذلك قمت مؤخرا بالبدء في قراءة صحيح البخاري للحديث، وقد لاحظت أن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث قد شرع لنا أن نفعل بعض الأشياء الصادرة عن حكمه هو، وليست وحيا من الله تعالى. على سبيل المثال: أذكر الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) (رواه البخاري، 887 ومسلم 252) . أرجو أن تشرحوا لي إمكانية ذلك، ونحن نعلم أن كل شيء يصدر عن رسول الله صلى الله علي وسلم (أمر، أو إجازة، أو تحريم) إنما يكون وحيا من الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بداية نشكر لك حرصك على تعلم الإسلام والتفقه فيه، فالعلم نور يضيء للعقل الطريق، ويفتح للقلب آفاقا من المعرفة بالله عز وجل، يهتدي بها إلى الحق الذي ينجيه بين يديه سبحانه وتعالى.
ونحن نرجو أن يسلك كل الناس هذا المسلك الذي أنت عليه، مسلك التدبر والتفكر، ثم السؤال عما يرد على أذهانهم من مسائل وإشكالات، ولو تثبت كل عاقل مما يقرأ أو يسمع دفع عن نفسه وعن الناس الجهالة والغواية.
ثانيا:
بخصوص ما سألت عنه، نقول:
يقسم العلماء ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال إلى قسمين:
القسم الأول: أقوال وأفعال صادرة بتوقيف من الوحي، وَبِأَمْرٍ من الرب سبحانه وتعالى، يكون النبي صلى الله عليه وسلم فيها مبلغا ناقلا أمينا، يأمر بما أمر الله به، ويمتثل ما أوحي إليه من ربه عز وجل. وهذا القسم هو الغالب على أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: أقوال وأفعال صادرة عن رأي النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيها مبلغا ولا ناقلا، وإنما مشرِّعًا مجتهدا، بناء على ما خوله الله عز وجل من التشريع والحكم بين الناس، والله عز وجل يقره على ذلك، إلا في بعض الحالات التي كان في اجتهاده صلى الله عليه وسلم شيء من الخطأ، فحينئذ ينزل الوحي من عند الله عز وجل بتصويب ذلك، وبهذا تبقى العصمة التامة لجميع ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
إذا كان مبلغا لما أوحى الله إليه: فالعصمة حاصلة ابتداء.
وإذا كان مجتهدا في حكمه صلى الله عليه وسلم: فالعصمة حاصلة انتهاء.
قال الشاطبي رحمه الله:
" الحديث إما وحي من الله صرف، وإما اجتهاد من الرسول عليه الصلاة والسلام معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة.
وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وإذا فُرِّعَ على القول بجواز الخطأ في حقه، فلا يُقَرُّ عليه البتة، فلا بد من الرجوع إلى الصواب، والتفريع على القول بنفي الخطأ أولى أن لا يحكم باجتهاده حكما يعارض كتاب الله تعالى ويخالفه " انتهى.
" الموافقات " (4/335)
وقال الشوكاني رحمه الله:
" يجوز – الاجتهاد - لنبينا صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء، وإليه ذهب الجمهور، واحتجوا:
1- بأن الله سبحانه خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم كما خاطب عباده، وضرب له الأمثال، وأمره بالتدبر والاعتبار، وهو أجل المتفكرين في آيات الله، وأعظم المعتبرين.
وأما قوله: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فالمراد به القرآن؛ لأنهم قالوا إنما يعلمه بشر، ولو سلم لم يدل على نفي اجتهاده؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إذا كان متعبدا بالاجتهاد وبالوحي لم يكن نطقا عن الهوى، بل عن الوحي.
2- وإذا جاز لغيره من الأمة أن يجتهد بالإجماع مع كونه معرضا للخطأ، فلأن يجوز لمن هو معصوم عن الخطأ بالأولى.
3- ويدل على ذلك دلالة واضحة ظاهرة قول الله عز وجل: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) ، فعاتبه على ما وقع منه، ولو كان بالوحي لم يعاتبه.
4- ومن ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي) أي: لو علمت أولا ما علمت آخرا ما فعلت ذلك، ومثل ذلك لا يكون فيما عمله صلى الله عليه وسلم بالوحي.
6- وأمثال ذلك كثيرة: كمعاتبته صلى الله عليه وسلم على أخذ الفداء من أسرى بدر بقوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض) الأنفال/67، وكما في معاتبته صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) الأحزاب/37.
إلى آخر ما قصه الله في ذلك في كتابه العزيز.
والاستيفاء لمثل هذا يفضي إلى بسط طويل، وفيما ذكرناه ما يغني عن ذلك، ولم يأت المانعون بحجة تستحق المنع أو التوقف لأجلها " انتهى، مختصرا.
" إرشاد الفحول " (427-429)
وقال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" الذي يظهر أن التحقيق في هذه المسألة أنه صلى الله عليه وسلم ربما فعل بعض المسائل من غير وحي في خصوصه، كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم، وكأسره لأسارى بدر [وأخذ الفداء منهم] ، وكأمره بترك تأبير النخل، وكقوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ... ) الحديث. .إلى غير ذلك.
وأن معنى قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) لا إشكال فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق بشيء من أجل الهوى، ولا يتكلم بالهوى، وقوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) يعني أن كل ما يبلغه عن الله فهو وحي من الله، لا بهوى، ولا بكذب، ولا افتراء، والعلم عند الله تعالى " انتهى.
" دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " (ص/224) ، وانظر: " مذكرة أصول الفقه " (ص/60)
ثالثا:
فإذا تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما صدر عنه القول أو الفعل عن رأي منه واجتهاد، ثم يقره الوحي عليه فيسكت عنه أو يؤيده، ونادرا ما كان الوحي يأتي بتصويبه – إذا تبين ذلك فهمنا وجه قوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ... ) ، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ـ أَوْ عَلَى النَّاسِ ـ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ) رواه البخاري (887) ، ومسلم (252)
قال الإمام النووي رحمه الله:
" فيه دليل على جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يرد فيه نص من الله تعالى، وهذا مذهب أكثر الفقهاء، وأصحاب الأصول، وهو الصحيح المختار " انتهى.
" شرح مسلم " (3/144)
وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله:
" امتناعه صلى الله عليه وسلم من الأمر لهم لمعنى المشقة، أي لولا المشقة لأمرهم به، هذا يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم الآمر بالأحكام وإيجابها، وأن ذلك مصروف إلى اجتهاده، ولولا ذلك لم يمنعه الإشفاق على أمته من أن يوجب عليهم السواك لأجل المشقة " انتهى.
" المنتقى شرح الموطأ " (1/130)
على أن ثمة توجيها آخر لهذا الحديث لا نحتاج معه تقرير جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – في معرض ذكر فوائد هذا الحديث -:
" فيه جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه فيه نص، لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره، فلو كان الحكم متوقفا على النص، لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص، لا وجود المشقة.
قال ابن دقيق العيد: وفيه بحث.
وهو كما قال، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة، فيكون معنى قوله: (لأمرتهم) أي: عن الله بأنه واجب " انتهى.
" فتح الباري " (2/376)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8493)
ما حكم التهنئة بيوم الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التهنئة بيوم الجمعة؟ حيث إن العادة عندنا الآن في يوم الجمعة ترسل الرسائل بالجوال , ويهنئ الناس بعضهم بعضاً بالجمعة بقولهم " جمعة مباركة "، أو " جمعة طيبة ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين، كما جاء في الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) رواه ابن ماجه (1098) وحسَّنه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
قال ابن القيم رحمه الله في بيان خصائص يوم الجمعة:
الثالثة عشرة: أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع.
"زاد المعاد" (1/369) .
وبذلك يكون للمسلمين أعياد ثلاثة، عيد الفطر، والأضحى، وهما متكرران في كل عام مرة، والجمعة، وهو متكرر في كل أسبوع مرة.
ثانياً:
أما تهنئة المسلمين بعضهم بعضاً بعيد الفطر والأضحى: فهي مشروعة، وقد وردت عن الصحابة رضي الله عنهم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (49021) و (36442) .
وأما التهنئة بيوم الجمعة: فالذي يظهر لنا أنها غير مشروعة، لأن كون الجمعة عيداً كان معلوماً للصحابة رضي الله عنهم، وهم أعلم منا بفضيلته، وكانوا أحرص على تعظيمه والقيام بحقه، ولم يرد عنهم أنهم كانوا يهنئ بعضهم بعضاً بيوم الجمعة، والخير كل الخير في اتباعهم رضي الله عنهم.
وقد سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما حكم إرسال رسائل الجوال كل يوم جمعة، وتختم بكلمة " جمعة مباركة "؟ .
فأجاب:
"ما كان السلف يهنئ بعضهم بعضاً يوم الجمعة، فلا نحدث شيئاً لم يفعلوه" انتهى من أجوبة أسئلة " مجلة الدعوة الإسلامية ".
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/MyNews/tabid/87/Default.aspx?more=454&new_id=94
وبمثل ذلك أفتى الشيخ سليمان الماجد حفظه الله، حيث قال:
"لا نرى مشروعية التهنئة بيوم الجمعة، كقول بعضهم: " جمعة مباركة "، ونحو ذلك؛ لأنه يدخل في باب الأدعية، والأذكار، التي يوقف فيها عند الوارد، وهذا مجال تعبدي محض، ولو كان خيراً لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، ولو أجازه أحد للزم من ذلك مشروعية الأدعية، والمباركة عند قضاء الصلوات الخمس، وغيرها من العبادات، والدعاء في هذه المواضع لم يفعله السلف" انتهى من موقع الشيخ حفظه الله.
http://www.salmajed.com/ar/node/2601
ولو دعا المسلم لأخيه في يوم الجمعة , قاصداً تأليف قلبه، وإدخال السرور عليه، وتحرياً لساعة الإجابة، فلا بأس بذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8494)
إذا انعقد الإجماع فلا يجوز لأحد مخالفته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اجتهاد علماء هذا العصر ينقض إجماع الصحابة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا انعقد الإجماع، فهو حجة شرعية، فالواجب اتباعه، ولا يجوز الخروج عنه.
قال الإمام الشافعي: "وأمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به من أن إجماع المسلمين - إن شاء الله - لازم" انتهى.
"الرسالة" (ص403) .
وقال السرخسي رحمه الله:
"الإجماع موجب للعلم قطعاً بمنزلة النص، فكما لا يجوز ترك العمل بالنص باعتبار رأي يعترض له: لا يجوز مخالفة الإجماع برأي يعترض له بعدما انعقد الإجماع بدليله" انتهى.
" أصول السرخسي " (1 / 308) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في شرح كتابه "الأصول من علم الأصول" (صـ498) :
"لو أجمع الصحابة على قول، فهذا الإجماع يمنع من حدوث خلاف، فلا يمكن لمن بعدهم أن يخاف إجماعهم، لأن الإجماع يمنع من حدوث الخلاف، لأنه حجة" انتهى.
وقد تصل مخالفة الإجماع إلى الكفر، وهذا إذا كان الإجماع قطعياً لا شبهة فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"كل ما أجمعوا عليه فلا بدَّ أن يكون فيه نصٌّ عن الرسول، فكل مسألة يُقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين: فإنها مما بيَّن الله فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر، كما يكفر مخالف النص البيِّن، وأما إذا كان يظن الإجماع، ولا يقطع به: فهنا قد لا يقطع أيضاً بأنها مما تبين فيه الهدى من جهة الرسول، ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر؛ بل قد يكون ظن الإجماع خطأ، والصواب في خلاف هذا القول، وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع، وما لا يكفر" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (7 / 39) .
وبهذا يتبين أنه متى ثبت الإجماع فهو حجة شرعية، ملزمة لجميع المسلمين، ولا يجوز لأحد الخروج عنه بدعوى الاجتهاد أو بغير ذلك من الدعاوى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8495)
ليس كل حرام يباح للحاجة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن من الأمور ما تكون حراماً ثم لظروف معينة تصير حلالاً بدافع الضرورة، وقد وجدتُ رجلاً واسع العلم يقول لي: إن الحرام ينقلب حلالاً بدافع الحاجة أيضاً، فهل هذا حقيقي؟ وإلى أي مدى؟ وما هي شروط تحقيق ذلك؟ وأنا أسأل ذلك لما نواجهه في البلدان غير الإسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق الكلام على قاعدة "إباحة المحرم للضرورة" وبيان شروط ذلك في جواب السؤال رقم (130815) .
أما إباحة المحرم للحاجة، فهذا صحيح، وله أمثلة جاء بها الشرع، وسيأتي ذكر بعضها إن شاء الله.
والفرق بين الحاجة والضرورة: أن الضرورة ما يلحق الإنسان ضرر بعدمه، ولا يوجد غيره يقوم مقامه. وأما الحاجة فهي ما يلحق الإنسان بتركه مشقة، وقد يقوم غيره مقامه.
وقد ذكر العلماء شرطاً لإباحة المحرم للحاجة، وهو:
أن يكون هذا المحرم محرماً تحريم الوسائل، لا المقاصد.
وذلك أن المحرمات نوعان:
الأول: محرم تحريم مقاصد، كأكل الميتة، وشرب الخمر، فهذا لا يباح للحاجة، وإنما يباح للضرورة.
النوع الثاني: محرم تحريم وسائل، كلبس الحرير، وربا الفضل ... فهذا يباح للحاجة.
قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله:
فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم.
والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرَّم.
"المنثور في القواعد" (2/319) .
ومثال ذلك: جواز لبس الرجل لثوب حرير من أجل حكة به. وقد جاءت السنة بذلك.
مثال آخر: إباحة ربا الفضل للحاجة، فقد رخص الرسول صلى الله عليه وسلم في بيع الرطب على رؤوس النخل بتمر كيلاً، مع أن الأصل تحريم هذه المعاملة، لأنه لا يمكن حصول التساوي بين الرطب والتمر، لأن الرطب ينقص إذا جف، فتكون هذه الصورة داخلة في ربا الفضل، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص فيها للحاجة.
انظر: "إعلام الموقعين" (2/137) .
وقد نظم ذلك القول والمثال: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في منظومته في أصول الفقه وقواعده، فقال:
لكنَّ ما حُرِّمَ للذَّرِيعَةِ ... يَجُوزُ للحَاجَةِ كَالعَريَّةِ
وقد شرح ذلك بقوله:
"هذا مستثنى من قوله: (وكل ممنوع فللضرورة يباح) لأن ظاهره أنه لا يباح المحرم إلا عند الضرورة، فاستثنى من ذلك ما كان محرماً للذريعة، فإن حكمه حكم المكروه، يجوز عند الحاجة.
مثاله: العَرِيَّة وهي: عبارة عن بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر، وأصل بيع الرطب بالتمر حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع التمر بالرطب فقال: (أينقص إذا جف؟) قالوا: نعم، فنهى عن ذلك.
ووجهه: أن بيع التمر بالتمر لابد فيه من التساوي، ومعلوم أن الرطب مع التمر لا يتساويان، فإذا كان هذا الفلاح عنده الرطب على رؤوس النخل، وجاء شخص فقير ليس عنده دراهم يشتري رطباً يتفكه به مع الناس، لكن عنده تمر من العام الماضي، فلا حرج أن يشتري الرطب بالتمر للحاجة لأنه ليس عنده دراهم، ولو باع التمر أولاً ثم اشترى رطباً ففيه تعب عليه، وربما ينقص ثمن التمر، فيجوز له أن يشتري الرطب بالتمر للحاجة بشروط:
1- أن لا يتجاوز خمسة أوق.
2- وأن لا يدع الرطب حتى يتمر.
3- وأن يكون الرطب مخروصاً بما يؤول إليه تمراً، مثل أن يقال: هذا الرطب إذا صار تمراً صار مماثلاً للتمر الذي بذله للمشتري.
4- وأن لا يجد ما يشتري به سوى هذا التمر.
5- وأن يكون الرطب على رؤوس النخل، لئلا يفوته التفكه شيئاً فشيئاً.
فإذا قال قائل: ألا يمكن أن يبيع التمر ويشتري الرطب كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فيما إذا كان عند الإنسان تمر رديء، وأراد تمراً جيداً أنه لا يبيع التمر الرديء بتمر جيد أقل منه، بل أمر أن يباع الرديء بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمراً جيداً، فلماذا نقول بالعَرِيَّة، ولا نقول: بع التمر ثم اشتر بالدراهم رطباً؟
فالجواب على هذا: أولاً: أن السنة فرقت بينهما، وكل شيء فرق الشرع فيه فإن الحكمة بما جاء به الشرع، لأننا نعلم أن الشرع لا يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، وما فرق الشرع بينهما وظننا أنهما متماثلان، فإن الخطأ في فهمنا، فيكفي أن نقول: جاء الشرع بحل هذا ومنع هذا، لكن مع ذلك يمكن أن نجيب عقلاً عن هذا، فيقال: إن الصحابة رضي الله عنه كانوا يبيعون التمر الرديء بالتمر الجيد مع التفاضل، وهذا ربا صريح لا يحل.
أما في مسألة العَرِيَّة فيجب أن يخرص الرطب بحيث يساوي التمر لو أتمر، بمعنى: أننا نخرص الرطب بحيث يكون هذا الرطب إذا يبس وصار تمراً على مقدار التمر الذي اشترى الرطب به.
ثانيا: أن نقول: إن ربا الفضل إنما حُرم لكونه ذريعة إلى ربا النسيئة، وذلك لأن ربا الفضل لا يمكن أن يقع بين متماثلين جنساً ووصفاً، بل لابد أن يكون هناك فرق بينهما في الوصف من أجل زيادة الفضل، وتتشوف النفوس إلى زيادة الدين إذا تأجل، وتقول النفس: إذا كانت الزيادة تجوز لطيب الصفة، والنقص يجوز لرداءة الصفة، فلتجز الزيادة لزيادة المدة بتأخير الوفاء، فترتقي النفس من هذا إلى هذا، والنفس طماعة لا سيما في البيع والشراء، ولا سيما مع قلة الورع كما في الأزمنة المتأخرة، لذلك سُدَّ الباب، وقيل: لا يجوز ربا الفضل، ولو مع التقابض في المجلس.
والذي يمكن أن يقع في العرية هو ربا الفضل، وتحريم ربا الفضل علمنا من التقرير الذي ذكرناه أنه إنما يحرم لئلا يكون ذريعة إلى ربا النسيئة، والذي حرم لكونه ذريعة فإنه يباح عند الحاجة.
فإن قال قائل: الفقير الذي لا دراهم عنده ما ضرورته إلى أن يشتري الرطب بالتمر؟
الجواب: ليس هناك ضرورة، لأنه يمكن أن يعيش على التمر، لكن هناك حاجة، يريد أن يتفكه كما يتفكه الناس، فلهذا رخِّص له في العرية.
مثال آخر: النظر إلى وجه المرأة الأجنبية حرام، لأنه وسيلة إلى الفاحشة، ولهذا جاز للحاجة، فالخاطب يجوز أن يرى وجه مخطوبته، والشاهد إذا أراد أن يعرف عين المرأة المشهود عليها، يجوز أن يرى وجهها ليشهد على المرأة بعينها، لأن التحريم هنا تحريم وسيلة، وما كان تحريمه تحريم وسيلة فإنه يجوز عند الحاجة.
مثال آخر: الحرير على الرجال حرام، لأنه وسيلة إلى أن يتخلق الرجل بأخلاق النساء من الليونة والرقة، والتشبه بالنساء حرام، فلما كان تحريمه تحريم وسيلة جاز عند الحاجة، فإذا كان الإنسان فيه حكة يجوز أن يلبس الحرير من أجل أن تبرد الحكة، لأن تحريمه تحريم وسائل" انتهى.
"شرح منظومة أصول الفقه وقواعده" (ص 64 – 67) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8496)