الزنا الذي يوجب الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد مواقع الإفتاء عن شاب مارس مع فتاة جميع الأعمال الزوجية إلا الإدخال فقط، فما حكم ذلك في الدين؟ وهل عليه حد الزنا؟ وهل يعتبر أنه زنا بها؟ وهل زواجه منها يعتبر تكفيرا له؟ وما عليه فعله كي يتوب؟ وكان الرد في هذا الموقع أو ما فهمته أنا منه أنه يعتبر زانيا لأن الإقدام على فعل الجرم كفاعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط في الزنا الذي يوجب الحد أن يتم الإيلاج، وهو إدخال حشفة الذكر في الفرج، فلو لم يدخلها أو أدخل بعضها فليس عليه الحد. جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/23) في بيان شروط حد الزنا المتفق عليها بين الفقهاء: " لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنا إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج. فلو لم يدخلها أصلا أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئا. ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال. فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا. انتشر ذكره أم لا " انتهى.
ثانيا:
مقدمات الزنا من اللمس والتقبيل ووضع الفرج على الفرج من غير إيلاج، لا تأخذ حكم الزنا، ولا يحد فاعلها حد الزنا ولكنه يعزر ويؤدب؛ لارتكابه حراما ومنكرا بينا، ولما قد تفضي إليه هذه الأعمال من الوقوع في الزنا الحقيقي، وقد سمى الشرع هذه الأعمال زنا، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .
قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: " سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ , وَلِذَلِكَ قَالَ (وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ وَيُكَذِّبهُ) " انتهى نقلا عن "فتح الباري".
وراجع السؤال رقم (81995) .
ثالثا:
الواجب على من صدرت منه هذه الأعمال أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وذلك بالإقلاع عنها، والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها، وترك الأسباب والوسائل التي تفضي إلى ذلك كالخلوة والنظر والمصافحة.
وأما الزواج من هذه الفتاة، فإن كانت عفيفة لم تقترف الزنا، أو ألمت بذلك ثم تابت إلى الله تعالى فلا حرج في الزواج منها، ولم نقف على دليل يفيد أن هذا الزواج يكفّر تلك المعصية، بل الذي يكفرها هو التوبة إلى الله، وإصلاح العمل، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
رابعا:
لا يصح إطلاق القول بأن الإقدام على فعل الجرم كفعله، بل هذا فيه تفصيل:
فمن هم بالمنكر ثم تركه، كان مأجورا مثابا، كما في الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) رواه البخاري (6491) ومسلم (131) .
وإن همّ بالمنكر وعزم عليه وشرع في فعله، أو سعى في تحصيله، لكن لم يتمكن منه، لأمر خارج عنه، فهو مأزور غير مأجور، كما دل عليه حديث: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) رواه البخاري (31) ومسلم (2888) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وبهذا ينفصل النزاع في مؤاخذة العبد بالهمة، فمن الناس من قال: يؤاخذ بها إذا كانت عزما، ومنهم من قال: لا يؤاخذ بها، والتحقيق أن الهمة إذا صارت عزما فلابد أن يقترن بها قول أو فعل؛ فإن الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
والذين قالوا يؤاخذ بها احتجوا بقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار) الحديث، وهذا لا حجة فيه [أي على المؤاخذة بمجرد الهم] ؛ فإنه ذكر ذلك في رجلين اقتتلا كل منهما يريد قتل الآخر وهذا ليس عزما مجردا، بل هو عزم مع فعل المقدور لكنه عاجز عن إتمام مراده، وهذا يؤاخذ باتفاق المسلمين، فمن اجتهد على شرب الخمر وسعى في ذلك بقوله وعمله، ثم عجز فإنه آثم باتفاق المسلمين، وهو كالشارب وإن ل يقع منه شرب. وكذلك من اجتهد على الزنا والسرقة ونحو ذلك بقوله وعمله، ثم عجز فهو آثم كالفاعل، ومثل ذلك في قتل النفس وغيره " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/122) .
وهذا إنما هو في حصول الإثم واستحقاقا العقوبة في الآخرة، أما العقوبة المترتبة على فعل المعصية في الدنيا، كالحد المترتب على الزنا، فإنه لا يعاقب به إلا من زنى حقيقة، لا من سعى في الزنى ثم عجز عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6955)
متى يجب على الرجل حد الزنا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يحق على العبد حد الزنا هل يحق إذا التمس الختانان، وهل يحق إذا تم الجماع من الخارج أي يلقى الرجل منيه خارج الرحم كما يفعل البعض ممن لا يريد الإنجاب أم أنه لا يحق إلا إذا تم الجماع التام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يشترط لإقامة حد الزنا أن يتم الإيلاج، وهو إدخال حشفة الذكر في الفرج، وحينئذ يلتقي الختانان، أي موضع ختان الرجل مع ختان الأنثى، فإذا تم الإيلاج فقد وقع الزنى الذي يوجب الحد، سواء أنزل الرجل أو لم ينزل، أو أولج ثم أنزل في الخارج، وسواء انتشر ذكره وانتصب أو لم يحصل ذلك.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/23) في بيان شروط حد الزنا المتفق عليها بين الفقهاء: " لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنا إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج. فلو لم يدخلها أصلا أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئا. ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال. فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا. انتشر ذكره أم لا " انتهى.
ثانياً:
وليس معنى ذلك أن يتهاون الإنسان في فعل المحرمات ما دام لم يصل إلى الزنى! وإنما المراد فقط بيان الزنى الذي يجب به الحد، أما خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية ولمسها وتقبيلها فلا شك أن ذلك حرام، يحب على المسلم أن يتركه خوفاً من عقاب الله تعالى العاجل في الدنيا، قبل عقاب الآخرة.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، ويرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6956)
لماذا تقطع اليد في السرقة بخلاف النهب والغصب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين السارق والمنتهب؟ ولم كان القطع على الأول دون الثاني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم:
وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم، وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن تمام حكمة الشارع أيضا؛ فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه؛ فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز، ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق النَّاس بعضُهم بعضاً، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسرَّاق، بخلاف المنتهب والمختلس؛ فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلِّصوا حقَّ المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلةٍ من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريطٍ يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس، فليس كالسارق، بل هو بالخائن أشبه.
وأيضاً: فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالباً، فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك في حال تخلِّيك عنه وغفلتك عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالباً، فهو كالمنتهب؛ وأما الغاصب فالأمر فيه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة بأخذ المال.
[الْمَصْدَرُ]
" أعلام الموقعين " (2 / 48) .(5/6957)
عقوبة السحاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم بأن السحاق محرم ولكنني أريد أن أعرف العقوبة، قالت لي إحدى الأخوات بأن حده مثل حد الزنى، الجلد لغير المتزوجة والرجم للمتزوجة. فما هو الصحيح في هذه العقوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السحاق هو إتيان المرأة المرأة، وهو محرم بلا شك، وقد عدَّه بعض العلماء من الكبائر.
انظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" كبيرة رقم (362) .
وقد اتفق الأئمة على أن السحاق لا حد فيه لأنه ليس بزنى. وإنما فيه التعزير فيعاقب الحاكم من فعلت ذلك العقوبة التي تردعها وأمثالها عن هذا الفعل المحرم.
وجاء في الموسوعة الفقهية (24/252) :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا حَدَّ فِي السِّحَاقِ ; لأَنَّهُ لَيْسَ زِنًى. وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ ; لأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ اهـ.
وقال ابن قدامة (9/59) :
وَإِنْ تَدَالَكَتْ امْرَأَتَانِ , فَهُمَا زَانِيَتَانِ مَلْعُونَتَانِ ; لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ , فَهُمَا زَانِيَتَانِ) . وَلا حَدَّ عَلَيْهِمَا لأَنَّهُ لا يَتَضَمَّنُ إيلاجًا (يعني الجماع) , فَأَشْبَهَ الْمُبَاشَرَةَ دُونَ الْفَرْجِ , وَعَلَيْهِمَا التَّعْزِيرُ اهـ.
وقال في تحفة المحتاج (9/105) :
وَلا حَدَّ بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، بَلْ تُعَزَّرَانِ اهـ.
وقد يتوهم البعض أن عقوبة السحاق هي عقوبة الزنى للحديث الذي ذكره ابن قدامة آنفاً.
وهذا الحديث قد رواه البيهقي عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان، وإذا أتت المرأةُ المرأةَ فهما زانيتان.
وهذا الحديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (282) .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (7/287) :
فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ , وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لا أَعْرِفُهُ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ اِنْتَهَى.
ولو صح الحديث لكان معناه أنهما زانيتان في الإثم لا في الحد. قاله السرخسي في "المبسوط" (9/78) .
كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِكُلِّ بَنِي آدَمَ حَظٌّ مِنْ الزِّنَا، فَالْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ، وَالْفَمُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْقُبَلُ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) رواه البخاري ومسلم وأحمد (8321) واللفظ له.
والله تعالى أعلم.
ثانياً:
على من ابتليت بهذا البلاء المبادرة بالتوبة إلى الله، والعمل على معالجة هذا الداء، ومن طرق معالجته:
- تقوى الله عز وجل والإخلاص في عبادته ومحبته والإحسان في ذلك قال سبحانه وتعالى عن يوسف (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف / 24.
ومنها: غض البصر فإنه من أعظم تزكية النفوس فإذا رأى الإنسان ما يستحسنه فلا يعاود النظر.
ومنها: أن يتذكر الإنسان الموتى الذين حبسوا على أعمالهم فلا يقدرون على محو خطيئة ولا على زيادة حسنة ومنها الاشتغال بما ينفع.
ومنها: الزواج والتعجيل به ما أمكن.
ثالثا:
لا شك أن الوقوع في المعاصي وانتهاك حرمات الله تعالى سبب من أسباب العقوبات التي تنزل بالناس عامة وخاصة وهذه العقوبات نوعان: قدرية بسبب معصيته تصيبه في دينه وفي قلبه وبدنه، تصيبه في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: ما يزيد على خمسين نوعاً من أثار الذنوب والمعاصي تناولها بالبيان والتفصيل في كتاب (الداء والدواء) وفي معرض كلامه عن أسباب الصبر عن المعصية في كتاب (طريق الهجرتين) فمن أثار الذنوب: سواد الوجه وظلمة القلب وضيقه وغمه وحزنه وقلقه واضطرابه وقسوته وتخلى الله عنه فلا يتولاه ولا ينصره ومرض القلب الذي إذا استحكم فيه فهو الموت ولا بد فإن الذنوب تميت القلب، ومنها: أن يصير في ذلة بعد عزة وفي وحشة بعد أُنسٍ بالطاعة وفي طرد وبُعدٍ عن الله بعد الطمأنينة به والسكون إليه، ومنها: فقره بعد غناه فإنه كان غنياً بما معه من رأس المال وهو الإيمان فإذا سلب رأس ماله أصبح فقيراً معدماً ولا يعود إليه ماله إلا بتوبة نصوح وجِدٍّ وتشمير ومنها نقصان الرزق فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه.
ومنها الطبع والرين على قلبه فالعبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب منها ذهبت عنه.
ومنها إعراض الله وملائكته وعباده عنه فإن العبد إذا أعرض عن الطاعة واشتغل بالمعصية أعرض الله عنه وملائكته.
وبالجملة فأثار المعصية أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً فخير الدنيا والآخرة كله في طاعة الله وشر الدنيا والآخرة كله في معصية الله.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6958)
الرعاية الصحية للمسجونين في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بحث عن جودة العناية الصحية في السجن، فهل للمسجونين نفس الرعاية الصحية التي يلقاها بقية الناس؟
ما هو رأي الإسلام في المساواة في هذا الشأن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته.
ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين: أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن.
أولاً: الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية:
1 - سجن المريض: بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه. فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن، جاز سجنه، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه.
2 - إذا مرض السجين داخل السجن: إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك. وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه، فناداه: يا محمد يا محمد، فأتاه فقال: ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني. فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته. رواه مسلم 3/1263. ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض.
أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه.
هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية (النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه - ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه. كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه.
3 - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير.
4 - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن، حفاظا عليه وعلى أهله.
5 - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض.
ثانياً: الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن:
ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة.
ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة.
ثالثاً: هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه:
1- التمثيل بالجسم: فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمثلوا) رواه مسلم 3/1357.
2- ضرب الوجه ونحوه، لما فيه من الإهانة، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون.
3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه.
4- التجويع والتعريض للبرد، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه، أو منعه من اللباس، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية.
5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي.
6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة: ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين.
صور من اهتمام المسلمين بالسجناء:
- الحديث السابق الذكر الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالاهتمام بالأسير وتلبية حاجته من الطعام والشراب، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بالأسرى ونحوهم على أصحابه ويوصيهم بهم خيرا.
- كان الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص عن أحوالهم.
- كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس إلى عماله يقول: انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى.
- جعل الخليفة المعتضد العباسي من الميزانية 1500 دينار شهريا لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم ونحوه.
- لما سجن الخليفة العباسي المقتدر أحد وزرائه وهو ابن مقلة، ساءت أحوال الوزير فأرسل له الطبيب المشهور ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ليعالجه في سجنه وأوصاه به خيرا. وكان الطبيب يطعم السجين بيده ويرفق به وبحاله.
- وكتب الوزير علي بن عيسى الجراح في زمن الخليفة المقتدر إلى رئيس مستشفيات العراق حينذاك يقول له: (فكرت مد الله في عمرك في أمر من بالحبوس - أي السجون - وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض، وهم معوّقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم، فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم، وتحمل لهم الأدوية والأشربة، ويطوفون على سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يصفونه لهم) واستمر هذا الحال خلافة المقتدر والقاهر والراضي والمتقي. للمزيد يُراجع: أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ص367-379، والموسوعة الفقهية ج16 ص320-327.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6959)
ما الفرق بين اليد في الدية وفي السرقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وما الحكمة في كون القطع في ربع دينار ودية اليد خمسمائة دينار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم:
وأما قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار فمن أعظم المصالح والحكمة؛ فإنه احتاط في الموضعين للأموال والأطراف، فقطعها في ربع دينار حفظاً للأموال، وجعل ديتها خمسمائة دينار حفظاً لها وصيانةً، وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال وضمَّنه بيتين، فقال:
يد بخمسمئين من عسجد وُديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستجير بمولانا من العار
فأجابه بعض الفقهاء: بأنها كانت ثمينةً لما كانت أمينةً، فلما خانت هانت، وضمَّنه الناظم قوله:
يد بخمس مئين من عسجدٍ وُديت لكنها قطعت في ربع دينار
حماية الدم أغلاها وأرخصها خيانة المال فانظر حكمة الباري
وروي أن الشافعي رحمه الله أجاب بقوله:
هناك مظلومة غالت بقيمتها وها هنا ظلمت هانت على الباري
[الْمَصْدَرُ]
" أعلام الموقعين " (2 / 49، 50) .(5/6960)
لماذا يُقتل المرتد عن الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[رغم أني غير مسلم، إلا إنني من المغرمين جدًا بعقيدتكم. لكن من الصعب فهم الداعي إلى الحكم بالموت على رجل بسبب كلام قاله فقط، أعني سلمان رشدي. أعتقد أننا بصفتنا بشر ليس من حقنا إصدار مثل هذه القرارات، فقط الله هو الذي يحكم في مثلها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك ثقتك لإرسال هذا السؤال، وغرامك بعقيدتنا، وحرصك على معرفة الجواب، فأهلاً بك زائراً وقارئاً ومستفيداً.
أيها السائل: إن مما استوقفنا كثيراً في رسالتك هو تصريحك بالإعجاب بدين الإسلام، وهذه بشارة خير لنا ولك، أما من جهتنا فإننا نسعد بوصول ديننا إلى أمثالك ممن يبحث عن الحق، وهو ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من أن هذا الدين سيبلغ كل مكان على هذه الأرض فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلَامَ وَذُلا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ " رواه أحمد (16344) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3) .
وأما بالنسبة لك فإن إعجابك بهذا الدين سيكون دافعاً لك للإطلاع على ما جاء به هذا الدين الحنيف، من موافقته للفِطَر السليمة، والعقول المُستَقِيمة، فننصحك بالتجرد الكامل من كل مؤثر، والقراءة المتأنية لتعاليم دين الإسلام، ولعلك أن تقرأ ما يتعلق بالإسلام في هذا الموقع مثل الأسئلة (219) ، (21613) ، (20756) ، (10590) .
أما قولك: " من الصعب فهم الداعي إلى الحكم بالموت على رجل بسبب كلام قاله فقط.... أعتقد أننا بصفتنا بشر ليس من حقنا إصدار مثل هذه القرارات، فقط الله هو الذي يحكم في مثلها " فكلامك صحيح، إذ ليس لأحد أن يحكم على شخص بالقتل بدون دليل من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والحكم بالقتل من أجل كلمة يسمى عند علماء المسلمين بـ" الردة "، فما هي الردة؟ بماذا تكون الردة؟
وما هو حكم المرتد؟
أولاً: الردة ... هي الكفر بعد الإسلام.
ثانياً: بماذا تكون الردة ...
تنقسم الأمور التي تحصل بها الردة إلى أربعة أقسام:
أ - ردة بالاعتقاد، كالشرك بالله أو جحده أو نفي صفةٍ ثابتة من صفاته أو إثبات الولد لله فمن اعتقد ذلك فهو مرتد كافر.
ب -ردة بالأقوال، كسب الله تعالى أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم.
ج- ردة بالأفعال، كإلقاء المصحف في محلٍ قذر؛ لأن فعل ذلك استخفاف بكلام الله تعالى، فهو أمارة عدم التصديق، وكذلك السجود لصنم أو للشمس أو للقمر.
د- الردة بالترك، كترك جميع شعائر الدين، والأعراض الكلي عن العمل به.
ثالثاً: ما هو حكم المرتد؟
إذا ارتد مسلمٌ، وكان مستوفياً لشروط الردة – بحيث كان عاقلاً بالغاً مختاراً - أُهدر دمه، ويقتله الإمام – حاكم المسلمين – أو نائبه – كالقاضي – ولا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يُدفن مع المسلمين.
ودليل قتل المرتد هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري (2794) . والمقصود بدينه أي الإسلام.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة " رواه البخاري 6878 ومسلم 1676
أنظر الموسوعة الفقهية 22/180
وبهذا يتبين لك أيها السائل أن قتل المرتد حاصلٌ بأمر الله سبحانه حيث أمرنا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتل المرتد كما تقدم بقوله: " من بدل دينه فاقتلوه ".
وقد تحتاج هذه المسألة منك إلى وقت للاقتناع، وإلى تأملٍ فيها، ولعلك تفكر في مسألة أن الإنسان إذا اتبع الحق ودخل فيه واعتنق هذا الدين الوحيد الصحيح الذي أوجب الله، ثم نجيز له أن يتركه بكل سهولة في أي وقت يشاء وينطق بعبارة الكفر التي تُخرج منه، فيكفر بالله ورسوله وكتابه ودينه ثم لا تحدث العقوبة الرادعة له، كيف سيكون تأثير ذلك عليه وعلى الداخلين الآخرين في الدين.
ألا ترى أن ذلك يجعل الدين الصحيح الواجب اتباعه كأنه محل أو دكان يدخل فيه الشخص متى شاء ويخرج متى شاء وربما يُشجع غيره على ترك الحق.
ثم هذا ليس شخصاً لم يعرف الحق ولم يمارس ويتعبد، وإنما شخص عرف ومارس وأدى شعائر العبادة، فليست العقوبة أكبر مما يستحق وإنما مثل هذا الحكم القوي لم يُوضع إلا لشخص لم تعد لحياته فائدة لأنه عرف الحق واتبع الدين، ثم تركه وتخلى عنه، فأي نفس أسوأ من نفس هذا الشخص.
وخلاصة الجواب أن الله الذي أنزل هذا الدين وفرضه هو الذي حكم بقتل من دخل فيه ثم تخلى عنه، وليس هذا الحكم من أفكار المسلمين واقتراحاتهم واجتهاداتهم، وما دام الأمر كذلك فلابد من إتباع حكم الله ما دمنا ارتضيناه رباً وإلهاً.
والله يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى، ونشكرك مرة أخرى
والسلام على من اتبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6961)
هل يرشي الشرطي لئلا يعطيه مخالفة على تكلمه بالجوال في السيارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلادنا إذا تكلمت بالهاتف النقال أثناء قيادة السيارة يخالفك شرطي المرور بمخالفة قدرها 500 دينار، فهل تعطي رشوة لإعفائك منها إذا كان معك مال أو لم يكن لديك مال مع العلم إذا لم يكن لديك مال فستسجن فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشرائع الربانية بحفظ الضرورات الخمس: الدين والعقل والنفس والمال والعرض، ومما لا شك فيه أن الالتزام بقواعد السير وأنظمة المرور مما يساهم في الحفاظ على النفس والمال، وعليه: فإن الشريعة الإسلامية تُلزم المسلمين بالالتزام بهذه القواعد والأنظمة، وخاصة أنه ليس فيها ما يخالف الشرع، إنما هي للحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم.
وليست مخالفة هذه القواعد والأنظمة مما يعود ضرره على السائق وحده، بل إنه يتعدى ذلك إلى غيره من الناس، فالحوادث التي تحصل في الطرق نتيجة مخالفة تلك القواعد والأنظمة يكون فيها – غالباً – أطراف متعددة، وهذا يزيد من مسئولية المخالف ويشغل ذمته بأحكام متعددة كالدية والصيام وتعويض الضرر وغيرها.
وتعزير المخالف بدفع الغرامة المالية جائز شرعاً، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وابن فرحون من المالكية، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه " الطرق الحكمية " أدلة كثيرة على جواز التعزير بالمال، ونقل كلام شيخ الإسلام فيه، ورد على من قال بنسخه.
وفي " حاشيته على تهذيب سنن أبي داود " (4 / 319) قال:
" وفي ثبوت شرعية العقوبات المالية عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت نسخها بحجة وعَمِل بها الخلفاء بعده " انتهى
وينبغي أن تكون الغرامة معقولةً بحيث تحصل المصلحة المقصودة منها، وهي ردع الناس عن هذه المخالفة، ولا بأس بأن تكون مرتفعة بحسب طبيعة المخالفة وقوة أثرها على النفس والآخرين.
وانظر هذه المسألة في جواب السؤال رقم (21900) .
ومما لا شك فيه أن استعمال السائق للجوال أثناء قيادة السيارة مما يسبب حوادث قد تؤدي إلى إزهاق أرواح، فضلاً عن إتلاف أموال.
وقد تنادى العقلاء في كل أرجاء الأرض إلى ضرورة التشديد في العقوبة لمنع استعمال الجوال أثناء القيادة، وقد قامت أبحاث ميدانية في " بريطانيا " تبيَّن بها أن التأثير السلبي لاستعمال الجوال يفوق ما تحدثه الخمور من تأثير على قدرة السائق في التحكم بالسيارة!
وهذه الأبحاث بيَّنت أن قائد السيارة الذي يستعمل الهاتف الجوال أثناء القيادة أقل تحكماً بالقيادة بنسبة ثلاثين بالمائة بالمقارنة بمن يقودها وهو في حالة السكر!! أما بالمقارنة مع الشخص العادي فإن تحكم من يستعمل الهاتف الجوال أثناء القيادة أقل بنسبة خمسين بالمائة!
بل إن بعض الخبراء يقولون: إن استعمال السائقين للجوال أثناء قيادة سياراتهم حتى ولو كان عن طريق سماعات الأذن فإنه يضاعف احتمالات وقوع حوادث بنسبة 400 بالمائة!
وانظر تفصيل ذلك في " جريدة الوطن " القطرية، الأربعاء 20 / 7 / 2005.
والخلاصة: أن استعمال الهاتف الجوال أثناء قيادة السيارة سبب رئيس لحصول الحوادث، فترتيب عقوبة على هذه المخالفة سواء كانت بتغريم مال، أو السجن له ما يبرره، وعليه: لا يجوز لك دفع رشوة للشرطي حتى لا يوقع عليك هذه العقوبة، لأنك أنت المقصّر والمتعدي، إلا إذا كان الشرطيّ ظالماً، بحيث ادَّعى عليك شيئاً لم تفعله، فلا حرج في هذه الحالة إذا لم تستطع التخلص من ظلمه إلا بدفع رشوة له أو لغيره، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72268)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6962)
لا يجوز التنازل عن حد القذف مقابل تعويض مادي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزمني إحضار شهود إذا قذفني شخص ما وأردت أن أشتكي عليه؟ . وهل لي أن أتنازل عن حد القذف مقابل تعويض مالي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاء الشرع بحماية الضرورات الخمس وهي: الدين، والعقل، والعِرْض، والنسب، والمال.
والقذف: هو تعرضٌ للعرض برميه بزنى أو لواط، وقد كُلِّفَ القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء، فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف، وهو ثمانون جلدة، ولا تُقبل له شهادة، وهو من الفاسقين إلا أن يتوب أو يقام عليه الحد فإنه يرتفع عنه لقب " الفسق " وتقبل شهادته، ولا فرق بين أن يكون القاذف أو المقذوف رجلا أو امرأة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء" انتهى.
" فتح الباري " (12 / 188) .
وأما إذا قذفه بغير الزنا، كما لو اتهمه بأنه سارق أو آكل للحرام ... فلا يُحد حد القذف، وإنما يعزره الحاكم بما يردعه عن هذا العدوان.
وقذف الأعراض محرَّم في الكتاب والسنة والإجماع، وهو من كبائر الذنوب، وقد أوجب الله على القاذف عقوبات مغلظة في الدنيا والآخرة:
1. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) النور/4.
قال ابن كثير رحمه الله:
فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها: أن يُجلد ثمانين جلدة، الثاني: أنه ترد شهادته أبداً، الثالث: أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله، ولا عند الناس.
" تفسير القرآن العظيم " (3 / 292) .
2. وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/23.
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري (2615) ومسلم (89) .
ولا يثبت حد القذف على القاذف، إلا بإقراره بالقذف، أو شهادة رجلين عدلين بأنه قاذف، وأما مجرد الدعوى فلا يثبت بها القذف أو غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي) رواه الترمذي (1341) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1938) .
وانظر: "المغني" (14/126) .
ثانياً:
أما التنازل عن حد القذف مقابل مبلغ مالي: فهو غير جائز؛ لأن العِرْض لا تجوز المعاوضة عليه بالمال.
قال الحطاب المالكي رحمه الله:
"ومن صالح من قذفٍ على مال: لم يجز، ورُدَّ، بلغ الإمام أو لا ... لأنه من باب الأخذ على العرض مالاً" انتهى بتصرف.
" مواهب الجليل " (6 / 305) .
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله:
"وإن صالحه عن حد القذف: لم يصح الصلح؛ لأنه إن كان لله تعالى: لم يكن له أن يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له، فأشبه حد الزنا والسرقة، وإن كان حقّاً له: لم يجز الاعتياض عنه؛ لكونه حقّاً ليس بمالي، ولهذا لا يسقط إلى بدل، بخلاف القصاص؛ ولأنه شرع لتنزيه العرض فلا يجوز أن يعتاض عن عرضه بمال" انتهى.
" المغني " (5 / 33) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم تقويم عقوبة ثابتة بنصوص القرآن والسنَّة بقيمة (مبلغ) معينة، كأن يُقوَّم قطع يد السارق، فبدلاً من أن تُقطع يده يطالِب هو بقيمة (مبلغ) ، وكأن يقوَّم الرجم أو الجلد، فلا يُرجم أو يُجلد الزاني، بل يطالِب هو بدفع قيمة معينة (مبلغ معين) ؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز تقويم عقوبات الحدود بمبالغ نقدية؛ لأن الحدود توقيفية، ولا يجوز تغييرها عما حدَّه الشارع" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 17) .
كما لا يجوز بعد إقامة الحد على القاذف أن يطالب المقذوف بتعويض مالي؛ إذ عامة العلماء على عدم جواز أخذ تعويض مالي مقابل ضرر معنوي – ويسمى كذلك " الضرر الأدبي ".
وقد جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 (3 / 12) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه:
"الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (13 / 40) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية:
"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا، وإنما هو تعبير حادث، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى.
فتبين بهذا أنه لا يجوز استبدال حد القذف بمال، ولا يجوز المطالبة بتعويض بعد إقامة الحد على القاذف، ولك أن تعفو عمن قذفك ولا تطالب بإقامة الحد عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6963)
صفة جلد الزاني غير المحصن
[السُّؤَالُ]
ـ[حد الزنى لغير المحصن 100 جلدة كما ورد في الآية، وحتى يتم تطبيق هذه العقوبة فيجب أن تتوفر عدة شروط فرضها الله، منها أن يكون هناك أربعة شهود رجال عدول على الواقعة، والاعتراف يلغي الحاجة للشهود.
1- بعد 100 جلدة، إذا كان الشخص عادياً وليس قوياً جداً فهل يبقى على قيد الحياة؟
2- كم ستكون قوة هذه الجلدات؟ وهل هناك قوة متعارف عليها في الجلد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجلد في الحدود لا يراد منه القتل، وإنما يراد به التأديب والزجر وتطهير المحدود من الذنب، ولذلك نبه كثير من الفقهاء على أنه يكون ضربا متوسطا، لا يرفع الضارب فيه يده بحيث يبدو إبطه، ولا يستعمل سوطا جديدا، ولا يُجرد المجلود من ثيابه إلا ما كان كالفرو فإنه ينزع منه، ويجلد المحدود قائما عند جمهور العلماء، ولا يمد ولا يربط، ويُتقى ضربه في وجهه ورأسه وفرجه.
قال ابن قدامة رحمه الله: (فإن الضرب يفرق على جميع جسده ; ليأخذ كل عضو منه حصته , ويكثر منه في مواضع اللحم , كالأليتين والفخذين , ويتقي المقاتل , وهي الرأس والوجه والفرج , من الرجل والمرأة جميعا)
وقال عن المحدود: إنه لا يمد , ولا يربط. ولا نعلم عنهم في هذا خلافا.
قال ابن مسعود: ليس في ديننا مد , ولا قيد , ولا تجريد. وجلد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينقل عن أحد منهم مد ولا قيد ولا تجريد.
ولا تنزع عنه ثيابه , بل يكون عليه الثوب والثوبان. وإن كان عليه فرو أو جبة محشوة , نزعت عنه ; لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب. قال أحمد: لو تركت عليه ثياب الشتاء ما بالى بالضرب. وقال مالك: يجرد ; لأن الأمر بجلده يقتضي مباشرة جسمه. ولنا قول ابن مسعود , ولم نعلم عن أحد من الصحابة خلافه، والله تعالى لم يأمر بتجريده , إنما أمر بجلده , ومن جلد من فوق الثوب فقد جلد) .
وقال: (إذا ثبت هذا , فإن السوط يكون وسطا , لا جديدا فيجرح , ولا خَلَقاً (أي: بالياً قديماً) فيقل ألمه ; لما روي أن رجلا اعترف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنا , فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط , فأتي بسوط مكسور , فقال: فوق هذا. فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته. فقال: بين هذين. رواه مالك عن زيد بن أسلم مرسلا. وروي عن أبي هريرة مسندا.
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ضرب بين ضربين , وسوط بين سوطين وهكذا الضرب يكون وسطا , لا شديد فيقتل , ولا ضعيف فلا يردع. ولا يرفع باعه كل الرفع , ولا يحطه فلا يؤلم. قال أحمد: لا يبدي إبطه في شيء من الحدود. يعني: لا يبالغ في رفع يده , فإن المقصود أدبه , لا قتله)
انتهى من المغني 9/141- 142
ومما سبق يتبين أن الشخص العادي لا يقتله الجلد غالبا، وأن المطلوب هو الزجر والتأديب، وشهود المؤمنين لهذه العقوبة، كما قال سبحانه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور / 2
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6964)
حكم جريمة الاغتصاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جريمة الاغتصاب شرعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاغتصاب هو أخذ الشيء ظلماً وقهراً، وأصبح الآن مصطلحاً خاصا بالاعتداء على أعراض النساء قهراً.
وهي جريمة قبيحة محرمة في كافة الشرائع، وعند جميع العقلاء وأصحاب الفطَر السوية، وجميع النظم والقوانين الأرضية تقبح هذه الفعلة وتوقع عليها أشد العقوبات، باستثناء بعض الدول التي ترفع العقوبة عن المغتصب إذا تزوج من ضحيته! وهو يدل على انتكاس الفطرة واختلال العقل فضلاً عن قلة الدين أو انعدامه عند هؤلاء الذي ضادوا الله تعالى في التشريع، ولا ندري أي مودة ورحمة ستكون بين الجلاد وضحيته، وخاصة أن ألم الاغتصاب لا تزيله الأيام ولا يمحوه الزمن - كما يقال - ولذا حاولتْ كثيرات من المغتَصبات الانتحار وحصل من عدد كثير منهن ما أردن، وقد ثبت فشل هذه الزيجات، ولم يصاحبها إلا الذل والهوان للمرأة.
وحري بهذا الشرع المطهَّر أن يكون له موقف واضح بيِّن من تحريم هذه الفعلة الشنيعة، وإيقاع العقوبة الرادعة على مرتكبها.
وقد أغلق الإسلام الأبواب التي يدخل من خلالها المجرم لفعل جريمته، وقد أظهرت دراسات غربية أن أكثر هؤلاء المغتصبين يكونون من أصحاب الجرائم، ويفعلون فعلتهم تحت تأثير الخمور والمخدرات، وأنهم يستغلون مشي ضحيتهم وحدها في أماكن منعزلة، أو بقاءها في بيتها وحدها، وكذلك بينت هذه الدراسات أن ما يشاهده المجرمون في وسائل الإعلام، وما تخرج به المرأة من ألبسة شبه عارية، كل ذلك يؤدي إلى وقوع هذه الجريمة النكراء.
وقد جاءت تشريعات الإسلام لتحفظ عرض المرأة وحياءها، وتنهاها عن اللبس غير المحتشم، وتنهاها عن السفر من غير محرم، وتنهاها عن مصافحة الرجال الأجانب عنها،، وحث الشرع على المبادرة بزواج الشباب وتزويج الفتيات كل ذلك – وغيره كثير – يغلق الباب على المجرمين من افتراس ضحاياهم، ولذلك لا نعجب إذا سمعنا أو قرأنا أن أكثر هذه الجرائم إنما تحدث في المجتمعات المنحلة، والتي يريد أهلها من المسلمات أن يكنَّ مثلهن في التحضُّر والرقي! ففي أمريكا – مثلاً – ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بعنوان " أوقفوا العنف ضد المرأة " لعام 2004 أنه في كل 90 ثانية تُغتصب امرأة هناك! فأي حياة يعيشها هؤلاء؟! وأي رقي وحضارة يسعون لإدخال المسلمات فيها؟!
ثانياً:
وأما عقوبة الاغتصاب في الشرع: فعلى المغتصب حد الزنا، وهو الرجم إن كان محصناً، وجلد مائة وتغريب عام إن كان غير محصن.
ويوجب عليه بعض العلماء أن يدفع مهر المرأة.
قال الإمام مالك رحمه الله:
" الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبا: أنها إن كانت حرة: فعليه صداق مثلها , وإن كانت أمَة: فعليه ما نقص من ثمنها، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله " انتهى.
" الموطأ " (2 / 734) .
قال الشيخ سليمان الباجي رحمه الله:
" المستكرَهة؛ إن كانت حرة: فلها صداق مثلها على من استكرهها، وعليه الحد، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب الليث، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الحد دون الصداق.
والدليل على ما نقوله: أن الحد والصداق حقان: أحدهما لله، والثاني للمخلوق، فجاز أن يجتمعا كالقطع في السرقة وردها " انتهى.
" المنتقى شرح الموطأ " (5 / 268، 269) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
" وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك، فإن لم يكن: فعليه العقوبة (يعني: إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه، وعدم وجود أربعة شهود، فإن الحاكم يعاقبه وعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله) ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها، وذلك يعلم بصراخها، واستغاثتها، وصياحها " انتهى.
" الاستذكار " (7 / 146)
ثالثاً:
وكون المغتصب عليه حد الزنا، هذا ما لم يكن اغتصابه بتهديد السلاح، فإن كان بتهديد السلاح فإنه يكون محارباً، وينطبق عليه الحد المذكور في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33.
فيختار الحاكم من هذه العقوبات الأربعة المذكورة في الآية الكريمة ما يراه مناسباً، ومحققاً للمصلحة وهي شيوع الأمن والأمان في المجتمع، ورد المعتدين المفسدين.
وانظر السؤال رقم (41682) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6965)
حكم العقوبات المالية في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العقوبات المالية في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن التعزير بأخذ المال لا يجوز. وأجاب بعضهم عن القضايا التي وردت بالعقوبة بأخذ المال بأنها منسوخة، إذ كان مشروعاُ في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وعللوا عدم جواز التعزير بأخذ المال بأن هذا النوع من العقوبة يكون ذريعة إلى أخذ ظلمة الحكّام والولاة أموال الناس بغير حق.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمة وتلميذه ابن القيم إلى جواز التعزير بأخذ المال إذا رأى الولاة أن هذا يحقق المصلحة، ويردع الظلمة، ويكف الشر، لأن التعزير باب واسع، فأوله التوبيخ بالكلام، وأعلاه التعزير بالقتل إذا لم ينكف الشر إلا بالقتل، وأخذ المال نوع من أنواع التعزير الذي يحصل به ردع المعتدين.
وقد رد الشيخان دعوى النسخ ونفياها نفياً باتاً، ودللا على ذلك بما ورد من القضايا العديدة المؤيدة لوجود العقوبات المالية.
قال الشيخ: مدّعو النسخ ليس معهم حجة شرعية لا من كتاب ولا من سنة، وهو جائز على أصل أحمد، لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في المال غير منسوخة كلها.
ومن أدلة التعزير بأخذ المال ما يأتي:
أباح النبي صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن يجده.
أمر بكسر دِنان الخمر وشق ظروفه.
أمر عبد الله بن عمر بحرق الثوبين المعصفرين.
أضعف الغرامة على من سرق من غير حرز.
هدم مسجد الضرار.
حَرَم القاتل من الميراث والوصية.
قال شيخ الإسلام: إن العقوبات المالية ثلاثة أقسام:
أولاً:
الإتلاف: هو إتلاف محل المنكرات تبعاً لها، مثل الأصنام بتكسيرها وإحراقها وتحطيم آلات اللهو، وتمزيق أوعية الخمور، وتحريق الحوانيت التي يباع فيها الخمر، وإتلاف كتب الزندقة والإلحاد والأفلام الخليعة والصور المجسمة ونحو ذلك.
ثانياً:
التغير: مثل تكسير العملة المزيفة والستائر التي فيها التصاوير، وجعله وسادة ونحو ذلك.
ثالثاً:
التمليك: مثل سرقة التمر المعلّق، والتصدق بالزعفران المغشوش، فمصادرة مثل هذه الأشياء والصدقة بها أو بأثمانها.
[الْمَصْدَرُ]
توضيح الأحكام من بلوغ المرام ص 31.(5/6966)
هل يعاقب العاصي في الآخرة إذا أقيم عليه الحدّ في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أذنب الإنسان في هذه الدنيا وعوقب على ذنبه فهل سيعاقب عليه بعد موته؟
مثلاً: إذا زنى الرجل أو سرق وعوقب بالقتل أو قطع اليد في الدنيا فهل سيعاقب على ذنبه يوم القيامة؟ إذا كان شاذا ورُمي حتى الموت فهل سينجو من العذاب في النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخرج البخاري رحمه الله - في صحيحه (3/143) رقم (3679) بسنده " أن عبادة بن الصامت من الذين شهدوا بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت من أصحابه ليلة العقبة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال فبايعته على ذلك ".
قال الحافظ في الفتح (1/6) : " ويستفاد من الحديث أن إقامة الحدّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور وقيل لا بدّ من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين.
والحديث السابق رواه الترمذي أيضا في سننه وقال بعده: قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْحُدُودَ تَكُونُ كَفَّارَةً لأَهْلِهَا شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ. سنن الترمذي 1439. فلا يحتاج إذن من أصاب حدّا أن يذهب إلى القاضي ويعترف ويطلب إقامة الحدّ عليه وإنما يُندب له أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ، ويُكثر من عمل الصّالحات، والحسنات يُذهبن السيئات والتائب من الذّنب كمن لا ذنب له. نسأل الله العافية والمغفرة وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6967)
زنت وهي صغيرة فهل يُقام عليها الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما عقوبة الفتاة التي لم تبلغ الحلم وزنت وهي ما تزال قاصرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن ذنب الزنا من أعظم الكبائر عند الله وقد قرنه الله بالكفر والشرك وقتل النفس كما قال تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} الفرقان / 69.
قال القرطبي:
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه، فلم يحل في ملة قط، ولذا كان حده أشد الحدود؛ لأنه جناية على الأعراض والأنساب، وهو من جملة الكليات الخمس، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال.
" تفسير القرطبي " (24 / 20، 21) .
1. فإذا كانت المرأة محصنة - أي: سبق الدخول بها بعقد شرعي - فعقوبتها الرجم بالحجارة حتى الموت.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم -: إن الله قد بعث محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها، وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
رواه البخاري (2462) ومسلم (1691) .
2. وإذا كانت المرأة بكراً – أي: لم تتزوج بعدُ أو عقد عليها زوجها ولم يدخل بها –: فعقوبتها جلد مائة وتغريب عام عن بلدها كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ... ) الحديث رواه مسلم (1690) .
وإذا كان الزاني أو الزانية صغيراً دون البلوغ فإنه لاحد عليه عند جميع العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله:
أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد.
" المغني " (8 / 134) .
والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل) رواه النسائي (3432) وصححه الألباني في صحيح النسائي (3210) .
ولكن يجب أن يعزر الصغير أو الصغيرة بما دون الحد ويعاقب بما يردعه عن هذا الفعل، ويجب أن يعزر وليه إن كان القصور منه كأن سمح لابنته بالاختلاط أو تهاون في مثل ذلك.
ويجب على الفتاة أن تستر على نفسها، وعلى وليها أن يستر عليها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل وليتب إلى الله ... ) الحديث رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (149)
وهذا وإن للبلوغ علامات إذا وجدت في الولد أو البنت حصل بها التكليف وهي موجودة في السؤال (21246) (13262)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6968)
عقوبة شارب الخمر، وهل تصح منه الصلاة والصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقوبة شارب الخمر؟ هل يمكن للشارب الخمر أن يصلي ويصوم رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90
وفي صحيح البخاري (2295) ومسلم (86) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. " أي لا يكون مؤمناً كامل الإيمان بل يكون قد نقص إيمانه نقصا عظيما بهذا الفعل الشنيع.
وفي البخاري أيضا (5147) ومسلم (3736) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَة "ِ
وفي سنن أبي داود (3189) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قال: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ " وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (2/700) .
وفي سنن النسائي (5570) أَنَّ ابْنَ الدَّيْلَمِيِّ قال لعبد الله بن عمرو هَلْ سَمِعْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ شَأْنَ الْخَمْرِ بِشَيْءٍ فَقَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (709) . والمعنى: أنه لا يثيبه عليها لا أنه لا تجب عليه الصلاة، بل يتوجب عليه أن يأتي بجميع الصلوات، ولو ترك الصلاة في هذا الوقت لكان مرتكبا لكبيرة من أعظم الكبائر، حتى أوصلها بعض العلماء إلى الكفر، والعياذ بالله.
والأحاديث والآثار الدالة على شدة تحريم الخمر كثيرة جدا، وهي أم الخبائث، فمن وقع فيها جَرَّأته على ما سواها من الخبائث والجرائر. نسأل الله العافية.
وأما عقوبة شاربها في الدنيا فهي الْجَلْدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. لِما رواه مُسْلِمٍ (3281) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: {جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ} .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْجَلَدَاتِ: فَذَهَبَ جماهير العلماء إلَى أَنَّهَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً فِي الْحُرِّ , وَفِي غَيْرِهِ أَرْبَعُونَ.
واستدلوا بما جاء في حديث أنس السابق وفيه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ."
ووافق الصحابة عمر رضي الله عنه على ذلك ولم يخالفوه. وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء أن عقوبة شارب الخمر هي الحد، وأن الحد ثمانون جلدة.
وبعض العلماء كابن قدامة رحمه الله، وشيخ الإسلام في الاختيارات يرون أن الزيادة على الأربعين تابعة لنظر الإمام المسلم فإن رأى الحاجة داعية إلى الزيادة على أربعين كما حصل في عهد عمر رضي الله عنه فله أن يجعلها ثمانين. والله أعلم (ينظر توضيح الأحكام 5 / 330) .
وأما الصلاة والصيام من شارب الخمر، فلا شك أنه يجب عليه أن يؤدي الصلاة في أوقاتها، وأن يصوم رمضان، ولو أخل بشيء من صلاته أو صيامه لكان مرتكباً لكبيرة عظيمة هي أشد من ارتكابه لجريمة شرب الخمر، فلو أنه شرب الخمر ي نهار رمضان لكان قد عصى الله بمعصيتين كبيرتين: الأولى الإفطار في نهار رمضان، الثانية شرب الخمر. وليعلم أن وقوع المسلم في معصية وعجزه عن التوبة منها لضعف إيمانه لا ينبغي أن يُسوِّغ له استمراء المعاصي وإدمانها، أو ترك الطاعات والتفريط فيها بل يجب عليه أن يقوم بما يستطيعه من الطاعات ويجتهد في ترك ما يقترفه من الكبائر والموبقات، نسأل الله أن يجنبنا الذنوب صغيرها وكبيرها إنه سميع قريب. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6969)
زنا ثم أسلم فهل يحد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا زنى كافر ثم أسلم، فهل يقام عليه الحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا زنى الذمي ثم أسلم، وقامت بينة بزناه سقط عنه الحد، فلا يحد ولا يعزر؛ نص عليه الشافعي بقوله الله تعالى: " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " سورة الأنفال: 38، ويستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يهدم ما قبله " رواه مسلم من رواية عمرو بن العاص، ولأن نص القرآن يدل على سقوط الحد عن السارق وقاطع الطريق إذا تابا، فعن الكافر أولى، ولأن في إيجاب الحد تنفيرا عن الإسلام، وبمثل هذه العلة عللوا سقوط قضاء الصلاة عنه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي 223.(5/6970)
حكم مقدمات الزنى من التقبيل واللمس والخلوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من كان يتمتع في النساء بحيث لا يزني من قبلات وغيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم، وزنا العين وهو النظر المحرَّم، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه ". رواه البخاري (5889) ومسلم (2657) .
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا.
قال الله تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} الإسراء / 32.
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} النور / 30 – 31.
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك، ولهذا قال سبحانه: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} ، فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس، وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله له، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} غافر / 19.
" انتهى من التبرج وخطره ".
فعلى المسلم أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن، وأن يبتعد عما حرَّمه الله عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا.
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا، فإن الشيطان لن يتركه. وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع (الزنى) ، ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي.
قال ابن القيم:
(وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ; فإن المعاصي ثلاثة أنواع: نوع فيه الحد ولا كفارة فيه , ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه , ونوع لا حد فيه ولا كفارة ; فالأول - كالسرقة والشرب والزنا والقذف - , والثاني: كالوطء في نهار رمضان، والوطء في الإحرام , والثالث: كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية، والخلوة بها، ودخول الحمام بغير مئزر، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير , ونحو ذلك) " إعلام الموقعين " (2 / 77) .
وعلى من أبتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، فإن من تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب من لا ذنب له.
ومن أعظم ما يكفر هذه المعاصي المحافظة على الصلوات الخمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (1/209)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6971)
حكم إسقاط الجنين المشوّه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وجد أن الجنين به تشوهات (وهو في منتصف الشهر الخامس) أي أن الطفل به تشوهات في الجزء الأعلى من الجمجمة. والأطباء ينصحون بشدة بعمل إجهاض، حيث أن أطول فترة يعيشها الطفل المولود بهذه التشوهات هي 21 يوما ومعظم هذه الحالات من الحمل تنتهي بالإسقاط في آخر وأخطر مرحلة من الحمل ………
ماذا يفعل الزوجان المسلمان في هذه الحالة؟ وخاصة بعد سؤال عالمين مسلمين كل واحد منهما أعطى جوابا مختلفا، بمعنى أن أحدهما نصح بالإجهاض والآخر نصح بالاستمرار في الحمل. والزوجان الآن بحاجة لاتخاذ قرار بأسرع ما يمكن. فما هو حكم الشرع في المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أتمّ الجنين أربعة أشهر نُفخت فيه الرّوح فيكون تعمّد إسقاطه حينئذ قتلا للنّفس وإزهاقا للرّوح وهذه كبيرة عظيمة من الكبائر، وقول الأطبّاء إنّ الجنين به تشوّهات لا يبرّر قتله إطلاقا. ثمّ لو سقط من تلقاء نفسه ميّتا أو وُلد حيّا ثمّ مات فإنّهما يُؤجران على مصيبة فقْده، ولو عاش وبه عاهة فيُؤجران على صبرهم وإعالتهم له، وكلّ أمر يحدث للمؤمن فهو له خير، أمّا إزهاق روحه فليس فيه إلا الشرّ والإثم. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الخطأ الذي قد يحدث في تقديرات الأطبّاء وكذلك ما قد يجري على الجنين من التغيّرات في حالته. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6972)
زوجها يسرق من المحل بحجة أنه يرفع الأسعار
[السُّؤَالُ]
ـ[عرفت زوجي لمدة 3 سنوات وهو مسلم مخلص ومنذ شهرين ذهب ليشتري شيئاً من أحد المحلات فوجد هذا المحل يبيعه بأغلى من باقي المحلات فسرقه وكان عذره أنه لا يرضى أن يخدع.
ومنذ أسبوعين استأجر بدلة لحضور إحدى الحفلات ثم ذهب ليشتري قميصاً وربطة عنق ووجد قميصاً وربطة عنق في كيس فأخذهما واتهمه المحل بوضعهما سوياً ليحصل على تخفيض في السعر ولم يكن هذا صحيحاً ومن أجل معاقبة المحل سرق بدلة بـ 900 دولار وترك لهم البدلة المؤجرة بـ 50 دولار. فقلت له أن هذا حرام.
هو ليس لصاً وهو مسلم ملتزم.
فماذا أقول له لأقنعه بأن هذا سرقة وحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. إننا لنعجب من فعل زوجك هذا الذي ذكرتيه لنا، ونعجب من وصفك له بأنه ليس لصّاً، وأنه ملتزم، وهو يقوم بفعلٍ لا يخفى على أحدٍ من عامة المسلمين فضلاً عن علمائهم أنه حرام.
وليس عندنا شيء تخبرينه به إلا حكم السرقة، وأنها حرام، وأن الله تعالى قال في كتابه العزيز: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله} [المائدة / 38] . فحدّ السرقة في الشرع قطع اليد اليمنى، والسارق لا تبرأ ساحته بعد القطع حتى يُرجع الحق إلى أهله.
وقال تعالى أيضا: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة / 188] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: " يا أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا - فأعادها مراراً - ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب. رواه البخاري (1652) .
وفي الصحيحين عن أبي بكرة نحوه.
وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال هو في النار. رواه مسلم (140) .
وعن أبي هريرة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده ". رواه البخاري (6401) ومسلم (1687) .
وأما أنه يبيح ذلك لنفسه كونه يخدع: فإن هذا من تلبيس الشيطان، فإن الحرام لا يقابل بحرامٍ مثله.
هذا تنزلاً على قوله، وإلا فالأصل أنّ البائع يحقّ له أن يبيع بأي سعر شاء وقد قال النبي صلى اله عليه وسلم: " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا " كما في البخاري (1973) ومسلم (1532) ، فإذا لم يعجبه سعر البضاعة فله إلا أن يماكسه، لا أن ينهبه، فإن أعجبه السعر وإلا ذهب إلى محل آخر.
وأما معاقبته للمحل بسرقة (900) دولار: فهذا أيضاً حرام، والله تعالى يقول: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} ، وليس للإنسان أن يأخذ ما يشتهيه إن كان مظلوماً، بل إن زاد عن حقِّه المسلوب: صار ظالماً هو الآخر.
هذا إذا كان المحل قد ظلم زوجكِ، والذي يظهر خلاف ذلك، والأمر لا يعدو كونه ظنّاً في غير محله، فهل يرضى زوجك لو فعل أحد معه ذلك، فيسرق منه نصف هذا المبلغ لشكه فيه؟
والجواب معلوم وهو النفي، فكذلك لا يحل له أن يفعل هذا مع صاحب المحل.
ونوصيكِ بإخباره أن الدنيا إلى زوال، وأن الإنسان يلقى الله يوم القيامة بعمله، وأن السرقة خزي وفضيحة في الدنيا والآخرة.
أما الدنيا: فهي في نزع البركة من مال السارق بل من حياته كلها، ثم الفضيحة بين الناس.
وأما في الآخرة: فهو أشد وأخزى، وليتفكر في هذا الحديث:
عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرةً لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول: اللهم هل بلغت؟ . رواه البخاري (6578) ومسلم (1832) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6973)
هل يُغفر للزاني التائب ولو لم يُقم عليه الحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إذا ارتكب الشخص كبيرة الزنا وندم ندماً حقيقيّاً لله وتاب توبة صادقة لله هل سيعفو الله عنه يوم القيامة حتى لو لم يقم عليه الحد بجلده مائة جلدة في الدنيا؟ .
وهل التوبة وحدها تكفر هذا الذنب؟ أم أنه لن يغفر الله له وسيعاقب يوم القيامة ما لم يطبق بحقه الحد الشرعي حد الزنا؟ أرجو الإجابة من الكتاب والسنة وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إقامة الحدِّ على الذنب الذي شرع فيه الحد: يكفِّر الذنب وما يترتب عليه من إثم.
والتوبة الصادقة من الذنوب تكفِّر ما يترتب عليه من إثم، و " التائب من الذنب كمن لا ذنب له "، بل إن الله تعالى يبدِّل سيئاته حسنات.
فإن صدق في التوبة، وأكثر من الاستغفار فلا يلزمه أن يعترف ليقام عليه الحد، بل التوبة كافية إن شاء الله تعالى.
قال الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاباً} الفرقان / 68 – 71.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفَّى منكم: فأجره على الله، ومَن أصاب مِن ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا: فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله: فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ".
رواه البخاري (18) ومسلم (1709) .
وفي صحيح مسلم (1695) عندما جاء "ماعز" إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر بالزنى وقال: "طهِّرني" (يعني بإقامة الحد) ، قال له: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه.
قال النووي:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر:
ويؤخذ من قضيته – أي: ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ. . . وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال: أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب اهـ.
" فتح الباري " (12 / 124، 125) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يُبد لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل ". والقاذورات: يعني المعاصي.
رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (4 / 425) والبيهقي (8 / 330) . وصححه الألباني في صحيح الجامع (149)
وللاستزادة يرجى النظر في أجوبة الأسئلة: (624) و (23485) و (20983) و (728) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6974)
ضم أخته وهما عاريان
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كان عمري 13 سنة وكنت بالغاً قمت بضم أختي وهي عارية وقد تلامس الفرجان ولكن لم يحصل إدخال، الآن وقد أصبح عمري 23 سنة أشعر بالتعاسة بسبب ما حصل وأريد أن أعرف هل يجب أن يطبق على الحد؟ وإذا تبت فهل يجب أن أعترف بما فعلت ليقام علي الحد؟ أم أن التوبة تكفي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذا العمل القبيح المنكر، وأن تندم عليه، وتعزم على عدم العود لشيء من ذلك، ومن تاب تاب الله عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ويتوب الله على من تاب" رواه البخاري 6426 ومسلم 1048.
والتوبة واجبة من الذنب العظيم الذي أرتكبته، نسأل الله أن يعفو عنا وعنك، وأن يوفقك للتوبة الصادقة النصوح.
وحق لك أن تشعر بالتعاسة والخزي، فإن الرجل يحمي أهله، ويُقاتل دفاعا عن عرضه (ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد) ، فكيف يكون هو الجاني المعتدي الآثم، ولعل هذا الحدث يزيدك يقينا بأهمية تربية الأبناء وتنشئتهم على الأخلاق والقيم، والتفريق بينهم في المضاجع، وإبعادهم عن أسباب الرذيلة، ووسائل المنكر التي تهيج فيهم الغريزة، وتقودهم إلى الهاوية.
وننصحك بعد هذا كله أن تستر على نفسك وألا تخبر أحداً بما جرى، وليس عليك حدٌ، بل عليك التوبة النصوح، وأكثر من الأعمال الصالحة فـ (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6975)
تاب من سرقة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في دولة غير مسلمة وظللت أرتكب الذنوب لفترات طويلة ولكن الحمد لله الذي هداني إلى الصواب وإلى التوبة. وقبل توبتي اعتدت أن أسرق من المحلات وأغش الجهات الحكومية في الحصول على أموال من الضمان الإجتماعي (التأمينات الإجتماعية) وأركب المواصلات العامة بدون أن أدفع تذاكر وإذا أخبرت السلطات بهذه الأمور (التي توقفت عنها) فسوف يسجنونني في بلد غير مسلم أرجو منكم أن تدلوني على ما يجب فعله واسألكم الدعاء ليغفر الله لنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي أكرمك بالتوفيق للتوبة، ونسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى صراطه المستقيم، ويثبتنا عليه حتى الممات.
اعلم يا أخي أنه لا يجوز للمسلم أن يغش أحداً أو أن يأخذ ماله بغير حق ولو كافراً.
وإذا ارتكب المسلم شيئاُ من الذنوب – السرقة أو غيرها – ثم تاب قبل رفع الأمر إلى الحاكم فإنه تسقط عنه العقوبة حينئذ، ولا تجوز معاقبته، لقول الله تعالى في قطاع الطرق: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (سورة النساء / 33-34، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ومن لا ذنب له لا عقاب عليه. الاختيارات الفقهية ص (510 – 526) المغني (12/484)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - بعد أن رجم الأسلمي -: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله؛ فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته: نقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل ". رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (4 / 425) والبيهقي (8 / 330) .
والحديث: صححه الحاكم وابن السكن وابن الملقن.
انظر: " التلخيص الحبير " (4 / 57) و" خلاصة البدر المنير " لابن الملقِّن (2 / 303) .
وعلى هذا فلا يلزمك أن تذهب إلى السلطات وتعترف بالسرقة، بل تكفيك التوبة الصادقة، ولكن يجب عليك رد الأموال إلى أصحابها، ولا تصح توبتك إلا بذلك، ولا يشترط أن تخبرهم بأن هذه الأموال سرقتها منهم، لاسيما إذا خشيت أن يقدموا فيك شكوى ويسجنوك، فالمهم هو رجوع المال إلى أصحابه، فإما أن تجعله في مظروف، أو تعطيه من يوصله إليهم ... أو غير ذلك من الطرق.
فأموال الحكومة يجب ردها إليها، وكذا أموال الأشخاص الآخرين، وإذا لم تعرف مقدار المال بالتحديد فإنك تجتهد في تحديده وتغلّب جانب الاحتياط، بمعنى أنك تخرج من المال حتى تتيقن أنك فعلت الواجب عليك.
وإذا لم تعرف أصحاب الأموال فإنك تتصدق به عنهم وتجعله في سبيل الخير والإحسان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6976)
حكم تناول المخدرات وهل تأخذ أحكام الخمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زادت مؤخرا ظاهرة تناول المخدرات وخاصة الحشيش، ظنا من الناس أنها ليست خمرا تخامر العقل.
سؤالي: هل هي فعلا من الخمر؟ وهل إذا شرب المرء الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما؟ وبالتالي ما صحة صوم من يشرب الحشيش في رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك في تحريم تناول المخدرات، من الحشيش والأفيون والكوكايين والمورفين وغير ذلك، لوجوه عديدة، منها:
1- أنها تغيّب العقل وتخامره، أي تغطيه، وما كان كذلك فهو حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة) رواه مسلم (2003) .
وروى البخاري (4087) ومسلم (1733) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ مِنْ الشَّعِيرِ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ، فَقَالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) .
وروى البخاري (4343) ومسلم (3032) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أما بعد، أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل) .
ولا شك أن المخدرات تخامر العقل وتغيبه.
قال الحافظ ابن حجر: " واستُدل بمطلق قوله: (كل مسكر حرام) على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها، وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة، وجزم آخرون بأنها مخدرة، وهو مكابرة؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة، والمداومة عليها والانهماك فيها.
وعلى تقدير تسليم أنها ليست بمسكرة فقد ثبت في أبي داود (النهي عن كل مسكر ومفتّر) والله أعلم " انتهى من "فتح الباري" (10/45) .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُفْتِر كُلّ شَرَاب يُورِث الْفُتُور وَالرَّخْوَة فِي الأَعْضَاء وَالْخَدَرَ فِي الأَطْرَاف وَهُوَ مُقَدِّمَة السُّكْر , وَنَهَى عَنْ شُرْبه لِئَلا يَكُون ذَرِيعَة إِلَى السُّكْر.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين. وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر، ولم يغيب العقل ففيه التعزير.
وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها (أي الحشيشة) مسكرة، وإنما يتناولها الفجار، لما فيها من النشوة والطرب، فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك، والخمر توجب الحركة والخصومة، وهذه توجب الفتور واللذة، وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل، وفتح باب الشهوة، وما توجبه من الدياثة: مما يجعلها من شر الشراب المسكر، وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار.
وعلى تناول القليل منها والكثير حد الشرب: ثمانون سوطا، أو أربعون. إذا كان مسلما يعتقد تحريم المسكر " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/423) .
وقال في "السياسة الشرعية" (ص92) : " والحشيشة المصنوعة من ورق العنب حرام أيضا يُجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد. والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة، وكلاهما يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة. وقد توقف بعض الفقهاء المتأخرين في حدها ورأى أن آكلها يعزر بما دون الحد، حيث ظنها تغير العقل من غير طربٍ بمنزلة البنج. ولم نجد للعلماء المتقدمين فيها كلاما، وليس كذلك بل آكلوها ينشَون عنها ويشتهونها كشراب الخمر وأكثر، وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة إذا أكثروا منها، مع ما فيها من المفاسد الأخرى من الدياثة والتخنث وفساد المزاج والعقل وغير ذلك. ولكن لما كانت جامدة مطعومة ليست شرابا تنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، فقيل: هي نجسة كالخمر المشروبة، وهذا هو الاعتبار الصحيح، وقيل: لا؛ لجمودها. وقيل: يفرق بين جامدها ومائعها.
وبكل حال فهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى. قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد، والمِزر وهو من الذرة والشعير حتى يشتد قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتيمه فقال: (كل مسكر حرام) متفق عليه في الصحيحين " انتهى.
وقال أيضا: " فكيف المصر على أكل الحشيشة، لا سيما إن كان مستحلا للمسكر منها، كما عليه طائفة من الناس، فإن مثل هذا ينبغي أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، إذ السكر منها حرام بالإجماع، واستحلال ذلك كفر بلا نزاع " انتهى "الفتاوى الكبرى" (2/309) .
2- أن فيها من الأضرار العظيمة ما قد يكون أعظم من الضرر الحاصل بشرب الخمر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
" ففيها ضرر بالشخص ذاته، وبأسرته وأولاده، وبمجتمعه وأمته.
أما الضرر الشخصي: فهو التأثير الفادح في الجسد والعقل معا؛ لما في المسكر والمخدر من تخريب وتدمير الصحة والأعصاب والعقل والفكر ومختلف أعضاء جهاز الهضم وغير ذلك من المضار والمفاسد التي تفتك بالبدن كله، بل وبالاعتبار الآدمي والكرامة الإنسانية، حيث تهتز شخصية الإنسان، ويصبح موضع الهزء والسخرية، وفريسة الأمراض المتعددة.
وأما الضرر العائلي: فهو ما يلحق بالزوجة والأولاد من إساءات، فينقلب البيت جحيما لا يطاق من جراء التوترات العصبية والهيجان والسب والشتم وترداد عبارات الطلاق والحرام، والتكسير والإرباك، وإهمال الزوجة والتقصير في الإنفاق على المنزل، وقد تؤدي المسكرات والمخدرات إلى إنجاب أولاد معاقين متخلفين عقليا. . .
وأما الضرر العام: فهو واضح في إتلاف أموال طائلة من غير مردود نفعي، وفي تعطيل المصالح والأعمال، والتقصير في أداء الواجبات، والإخلال بالأمانات العامة، سواء بمصالح الدولة أو المؤسسات أو المعامل أو الأفراد. هذا فضلا عما يؤدي إليه السكر أو التخدير من ارتكاب الجرائم على الأشخاص والأموال والأعراض، بل إن ضرر المخدرات أشد من ضرر المسكرات؛ لأن المخدرات تفسد القيم الخلقية " انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي (7/5511) .
والحاصل أن هذه المخدرات لا يستريب في حرمتها عاقل، لدلالة النصوص على تحريمها، ولما فيها من أضرار بالغة.
وأما العقوبة اللازمة لمتعاطي المخدرات: فهي أن يحد حد الخمر، كما سبق في كلام شيخ الإسلام عن الحشيشة، فالمخدرات داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى.
والواجب على العلماء والدعاة أن يبينوا للناس تحريم هذه المخدرات، والمضار العظيمة المترتبة عليها.
وأما سؤالك عن شارب الخمر وما جاء في عدم قبول صلاته أربعين يوما، وعن حكم صيامه، فقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (20037) و (27143) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6977)
أطعمت والدتها ما يضرها فماتت
[السُّؤَالُ]
ـ[أمرتني والدتي بعدم طبخ نوع معين من الأعشاب، وأردفت قائلة: إذا طبخت هذه الأعشاب ممكن تسبب لي الوفاة لعدم قدرتي على رائحتها، علماً أن هذه الأعشاب مشروعة ومباحة، وبالفعل بعد أن تعشيت أنا ووالدتي من تلك الأعشاب توفيت والدتي بعدها بعدة ساعات، فهل أنا آئمة في ذلك؟ وهل لي يد في وفاتها؟ وهل علي ذنب في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع هو ما ذكرت في السؤال فقد أثمت لأن ذلك من العقوق والإساءة إليها، وعليك ذنب في ذلك ما دمت تعلمين أن أمك تتأذى به وأنها نصحتك ونهتك، فأنت مجرمة في هذا العمل عاصية قاطعة للحرم عاقة لوالدتك، وعليك الدية، لأن هذا العمل الذي فعلت يعتبر من القتل شبه العمد، وعليك أيضاً الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجزت فصومي شهرين متتابعين ستين يوماً، مع التوبة إلى الله عز وجل
نسأل الله لنا ولك قبول التوبة والتوفيق لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 22(5/6978)
من هو الذي يُقيم حد الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قتل المرأة للانتقام لشرف العائلة جائز إذا اكتشفوا أنها أخطأت وارتكبت الزنا مع شخص أو أن لها علاقة مع غير محارمها ولم تثبت كاملة؟
وإن لم يكن كذلك نرجو إيراد الآيات والأحاديث التي تبين ذلك وتبين أنه غير جائز بدون إرسال القضية إلى المحكمة الشرعية.
هل حدثت مثل هذه الأمور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من أعظم الكبائر التي يلقى العبد بها ربَّه قتل النفس التي حرَّم الله.
قال الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً} النساء / 92.
عن أنس رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور ". رواه البخاري (2510) ومسلم (88) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً ". رواه البخاري (6469) .
ولا يجوز قذف المحصنات بالزنا، ولا يثبت الزنا إلا بشهادة أربعة رجال يرون واقعة الزنا رأي العين، ويرون الفرْج في الفرْج، أو باعتراف الزاني أو الزانية بغير إكراه.
وما عدا ذلك فمن قذف امرأة مسلمة بالزنا فإنه يجلد ثمانين جلدة.
قال تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون} النور / 4.
وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " … اغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمرَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجمت ". رواه البخاري (2575) ومسلم (1698) .
وقد جعل الله تعالى عقوبة محدودة للزاني والزانية، فجعل حدَّ الرجم للمحصن منهما، وجلد مائة لمن لم يحصن.
قال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} النور / 2.
وعن جابر أن رجلا من " أسلَم " أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال إنه قد زنى، فأعرض عنه، فتنحى لشقه الذي أعرض، فشهد على نفسه أربع شهادات، فدعاه فقال: " هل بك جنون؟ " قال: لا، قال: " هل أحصنت؟ " قال: نعم فأَمر به أن يرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل. رواه البخاري (4969) ومسلم (1691) .
فإن قيل من هو الذي يقيم هذا الحد على الزناة؟
فالجواب:
لا ينبغي لأحد أن يقيم الحدود إلا بإذن السلطان، فإن لم يكن سلطان يحكم بالشرع فلا يجوز لعامة الناس أن تقيم الحدود، ومن فعل ذلك أثم، لإن إقامة الحد يحتاج في إثباته وإقامته إلى اجتهاد وعلم شرعي حتى يُعلم متى يثبت ومتى ينتفى وما هي شروطه ... إلخ
وعامة الناس لا يعلمون ذلك، ولأن إقامة العامة للحدود يترتب عليها مفاسد عظسمة وإخلال بالأمن، فيعتدي الناس بعضهم على بعض قتلاً وتقطيعاً بحجة إقامة الحدود.
قال القرطبي:
لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود. " تفسير القرطبي " (2 / 245، 246) .
وقال ابن رشد القرطبي:
وأما من يقيم هذا الحد – أي: جلد شارب الخمر - فاتفقوا على أن الإمام يقيمه وكذلك الأمر في سائر الحدود. " بداية المجتهد " (2 / 233) .
وقال الشوكاني:
عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمَته. " نيل الأوطار " (7 / 295، 296) .
وعلى أهل المرأة أن يمنعوها من الفاحشة وأسبابها فيمنعوها من الخروج ومحادثة الرجال الأجانب، ومن كل ما يُمكنها من فعل المنكر فإذا لم تمتنع إلا بحبسها أو تقييدها فلهم ذلك فيحبسونها في البيت.
أما القتل فلا، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن امرأة مزوَّجة ولها أولاد فتعلقت بشخصٍ أقامت معه على الفجور، فلما ظهر أمرها سعَت فى مفارقة الزوج، فهل بقيَ لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟
فأجاب:
الحمد لله
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات، فإن لم تمتنع إلا بالحبس: حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد قيَّدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمََّه، وأمَّا برُّها: فليس لهم أن يمنعوها برَّها، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء، بل يمنعوها بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتلٍ ولا غيره، وعليهم الإثم في ذلك.
" مجموع الفتاوى " (34 / 177، 178) .
وقد حصل أن زنت بعض النسوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقتل أحدٌ من أهلهن امرأة منهن، ومنهن " الغامدية " رضي الله عنها.
عن بريدة بن الحصيب قال: … جاءت امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني، فقال: ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه، فقالت: أراكَ تريد أن تردَّني كما رددتَ ماعز بن مالك، قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حبلى من الزنى فقال: آنت؟ قالت: نعم فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية فقال: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله قال: فرجمها.
رواه مسلم (1695) .
هذا، وإن ما يفعله أهل هذه المرأة المسئول عنها التي يدَّعون أنها تستحق القتل: خطأ من وجوه أخرى وهي:
1- أنهم لا يفعلون الأمر نفسه فيما لو زنى أحد أبنائهم أو إخوانهم، وهذا يشبه فعل أهل الجاهلية حيث أباحوا لأنفسهم الزنا دون نسائهم، وهؤلاء يُلوَّث شرفهم وتظهر حميتهم إذا فعلت نساؤهم المنكر دون أن يكون عندهم حمية لدينهم فيما لو فعل أحد أبنائهم أو إخوانهم الأمر نفسه، بل قد يفتخر بعض الآباء بمنكر ولده، ويشجعه عليه.
2- أنهم فتحوا المجال أمام النساء للوقوع في الفاحشة فسمحوا للمرأة بالدراسة المختلطة والصحبة السيئة والمشاهدة المحرمة والمجالسة المنكرة، فأدى هذا إلى تلف قلبها وتعلقه بالفاحشة، وبعضهم لا يزوِّج ابنته أو أخته ويشترط شروطاً تعجيزية، ثم يريد هؤلاء معاقبتها وهم أولى منها بالعقوبة.
3- أنهم يقتلون لا على فاحشة الزنا بل حتى على مجرد المحادثة أو التعارف المحرم والذي ليس له حد في الشرع بالقتل.
4- أنهم يفتحون الباب لكل من أراد قتل أخته أو ابنته بهذه الحجة الفارغة، وقد يكون سبب القتل: مالها، أو أنها عرفت عنهم أشياء يرغبون إخفائها أو ما شابه ذلك من الأسباب.
ونسمع بين الفينة والأخرى دعوات من الغرب الكافر أو الشرق المنحرف يدعون فيها إلى قتل كل من قتل أخته أو ابنته بسبب الشرف، وذلك بسبب أن كثيراً من القوانين تعفي القاتل إذا قتل أحد أهله لهذا السبب.
وهذه الدعوى وإن كانت صحيحة إلا أننا لا ينبغي لنا أن ننخدع بهؤلاء وبدعوتهم، حيث أن المقصود بهذه الدعوات نزع الغيرة من قلوب أهل المرأة، وفتح الباب أمام النساء ليرتكبن الفاحشة.
والواجب على أولياء النساء أن يتقوا الله فيمن تحت ولايتهم ويمنعوهن من الفاحشة وأسبابها من غير تساهل أو تشدد يأباه الشرع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6979)
هل السحر يقتل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معلومات عن السحر. ما هي آثاره؟ وهل يستطيع الإنسان استخدامه لقتل الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم من السحر ما يقتل وقد ذكر العلماء في صور القتل العمد أن من قتل غيره بسحر يقتل غالبا يلزمه القود (القصاص) لأنه قتله بما يقتل غالبا. قال ابن قدامة في المغني (9/330) : النوع السادس أن يقتله بسحر يقتل غالبا فيلزمه القود لأنه قتله بما يقتل غالبا فأشبه ما لو قتله بسكين , وإن كان مما لا يقتل غالبا أو كان مما يقتل ولا يقتل ففيه الديه دون القصاص لأنه عمد الخطأ فأشبه ضرب العصا. أ.هـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية (24/267) في حكم الساحر إذا قتل بسحره: ذهب الجمهور.. إلى أن القتل بالسحر يمكن أن يكون عمدا وفيه القصاص ويثبت ذلك عند المالكية بالبينة أو الإقرار. وذهب الشافعية إلى أن الساحر إن قتل بسحره من هو مكافىء له ففيه القصاص إن تعمد قتله به، وذلك بأن يثبت ذلك بإقرار الساحر به حقيقة أو حكما كقوله قتلته بسحري أو قوله: قتلته بنوع كذا ويشهد عدلان يعرفان ذلك وقد كانا تابا، بأن ذلك النوع يقتل غالبا. فإن كان لا يقتل غالبا فيكون شبه العمد. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6980)
هل تقبل التوبة إذا لم يُقم الحد على الشخص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي سؤال محيرني وأفكر فيه، إذا أقدم شخص متزوج أو غير متزوج على الفواحش والكبائر من سرقة وغيبة وربا وغيره ودام عليها وقتاً طويلاً، وثم عرف الله وتاب لله توبة نصوحاً خالصة لوجه الله تعالى واستسمح الذين اغتابهم ورد الذي سرق وتخلص من الربا والذي بينه وبين الله من زنا وشرب وتقصير في صلاة تاب منه ولم يعد إليه ولكنه لم يُحدَّ فهل الله تعالى يقبل توبته ويقبل عبادته مهما كثرت ذنوبه أو يمكن أن لا يقبل الله توبته وتكون عبادته مردودة؟ وهل الله ينجيه من عذاب القبر ومن دخول النار؟ وماذا عليه أن يعمل ليتلافى العذاب ويرضي الله سبحانه وتعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم – أخي – أنه لا يجوز للمسلم أن يستعظم ذنبه الذي تاب منه؛ لأن رحمة الله وعفوه ومغفرته أعظم من ذنوبه.
وما كان من الذنوب متعلقاً بالعباد فالواجب إرجاع الحقوق إلى أصحابها، وما كان بين العبد وبين ربه تعالى فيكفي فيه التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم الرجوع إلى تلك الذنوب، وليس من شرط التوبة أن يقام الحد على التائب، فالستر بستر الله تعالى منها، وتحقيق التوبة الصادقة خير من الاعتراف لإقامة الحد.
وهذا الشخص قد أحسن بتوبته وإرجاع الحقوق إلى أهلها، فلا يأتينه الشيطان من قبَل توبته ليفسدها عليه.
واعلم أن الله تعالى يبدل سيئات التائب حسنات، فقال الله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاباً) الفرقان/68 – 71.
والحدود التي بلغت السلطان هي التي يجب إقامتها، وأما التي لم تبلغه: فإن الأفضل التوبة منها والاستتار بستر الله تعالى.
قال علماء اللجنة الدائمة:
الحدود إذا بلغت الحاكم الشرعي وثبتت بالأدلة الكافية: وجب إقامتها، ولا تسقط بالتوبة بالإجماع، قد جاءت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبة إقامة الحد عليها بعد أن تابت، وقال في حقها: " لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم "، ومع ذلك قد أقام عليها الحد الشرعي، وليس ذلك لغير السلطان.
أما إذا لم تبلغ العقوبة السلطان: فعلى العبد المسلم أن يستتر بستر الله، ويتوب إلى الله توبة صادقة، عسى الله أن يقبل منه.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 15) .
وقالوا – ردا على من رغب بإقامة الحد وشك في قبول التوبة من الزنا -:
إذا تاب الإنسان إلى ربه توبة صادقة خالصة: فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد بأنه سيقبل توبة التائب، بل ويعوضه حسنات، وهذا من كرمه وجوده سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68 – 70.
والتوبة من شروطها: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما تقدم منه، والعزم على أن لا يعود إليه، وإن كان حق من حقوق الآدميين: فيطلب منهم المسامحة.
وقد ثبت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في بيعة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له "، وقد حثَّ صلى الله عليه وسلم على التوبة الصادقة، وقال في قصة ماعز " هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه "، وروى مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، مَن أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته: نُقِم عليه كتاب الله ".
فعليك بالتوبة الصادقة، والمحافظة على الصلوات مع الجماعة، والإكثار من الحسنات.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 44، 45) .
وللاستزادة يرجى النظر في أجوبة الأسئلة: (624) و (23485) و (20983) و (728) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6981)
رد الأموال المسروقة إلى أصحابها الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت الصلاة مؤخرًا وأسعى إلى التوبة من أعمالي السيئة التي اقترفتها في الماضي. وأعلم أن من شروط التوبة رد المظالم إلى أصحابها المسلمين. فماذا عن غير المسلمين؟ قالوا لي إن مثلهم رفض الإسلام وبالتالي لا كرامة لهم. فإذا كنت قد سرقت من شخص غير مسلم، فهل يجب رد الحق إليه علمًا بأني قد أتعرض بسبب هذا إلى مضايقات جنائية من قِبل غير المسلمين؟ وماذا ينبغي أن أفعل مع هذه الأشياء التي اغتصبتها من غير المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نهنئك بمحافظتك على الصلاة وسعيك إلى التوبة، ونبشرك بأن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه ويغفر ذنبه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
ثانياً: لا شك أن السرقة كبيرة من كبائر الذنوب وقد رتب الله عليها الحد في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة.
قال الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ) المائدة/38. وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ) . رواه البخاري (6783) ومسلم (1687) .
والسرقة حرام سواء كان المسروق منه مسلماً أم كافراً معصوم الدم والمال، أما الكافر المحارب للمسلمين فيجوز أخذ ماله، لأن ذلك في حالة الحرب يعتبر غنيمة ولا يعتبر سرقة.
ثالثاً: أما أخذ أموال الكفار على سبيل الغدر والخيانة فهو محرم، لأن الغدر محرم في الإسلام سواء مع المسلم أم مع الكافر.
روى البخاري (2583) عن المغيرة بن شعبة أنه كان قد صحب قوماً في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما الإسلام أقبلُ، وأما المال فلستُ منه في شيء "، ورواية أبي داود (2765) : " أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدرٍ لا حاجة لنا فيه) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الحافظ ابن حجر: " قوله (وأما المال فلستُ منه في شيءٍ) أي: لا أتعرض له لكونه أخذه غدراً، ويستفاد منه: أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدَّى إلى أهلها مسلِماً كان أو كافراً، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم. فتح الباري (5 / 341) .
ومن أمثلة الغدر أن يكون الكافر قد دخل بلاد المسلمين بأمان، أو دخل المسلم بلاد الكفار بأمان (كالتأشيرة) فإن مقتضى هذه التأشيرة أنهم يؤمنونه على نفسه وماله، وفي هذه الحال يكونون هم أيضاً في أمان منه على أنفسهم وأموالهم، فلا يجوز له الاعتداء عليهم أو غصب أموالهم أو سرقتها.
قال الشافعي رحمه الله فيمن دخل بلاد الكفار واستطاع أن يأخذ شيئا من أموالهم: ": وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان.. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلّ أو كثر؛ لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ... ، ولأن المال ممنوع بوجوه: أولها: إسلام صاحبه. والثاني: مال من له ذمة. والثالث: مال من له أمان إلى مدة أمانه". الأم (4 / 284) .
وقال السرخسي::" أكره للمسلم المستأمِن إليهم في دينه أن يغدر بهم لأن الغدر حرام. . . فإن غدر بهم وأخذ مالهم وأخرجه إلى دار الإسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك لأنه حصله بكسب خبيث، وفي الشراء منه إغراء له على مثل هذا السبب وهو مكروه للمسلم، والأصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. . . ثم ذكر الحديث السابق". المبسوط (10 / 96) .
فإذا وفق اللهُ المسلمَ للتوبة من أخذ أموال الناس بغير حق، فمن شروط هذه التوبة إرجاع الحقوق إلى صاحبها وإن كان كافرا، فإن كان هناك خوف من الفضيحة أو مضايقات جنائية في رد الحقوق إلى أهلها فإنه يجوز له أن يبحث عن الطريقة المناسبة التي تحفظ له كرامته ويُرجع فيه الحق لأهله من غير أن يحرج نفسه بأن يرسل له المبلغ بالبريد أو يوكل أحدا بإبلاغه دون أي يذكر اسمه وسرقته وذلك لأنه لا يشرط على من أراد أن يرجع الحقوق لأهلها أن يكشف عن نفسه وهويته؛ إذ المقصود هو رجوع الحق إلى صاحبه.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله: "… فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقة: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه". فتاوى إسلاميَّة (4 / 162) .
ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم (7545) (14367) (31234) من هذا الموقع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6982)
حد السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[يظهر أن العقوبات الجنائية في البلدان الإسلامية تخالف السنة. مثلا قطع أصابع السارق وترك إبهامه، إن كان سرق لأول مرة (وقد حدث ذلك في إيران) . فهل هذا من السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السرقة محرّمة بالكتاب والسنة والإجماع، وقد ذم الله هذا الفعل الشنيع وجعل له عقوبة تناسبه فجعل حد السارق أن تقطع يده، قال تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم) المائدة/38، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً) رواه البخاري (الحدود/6291) ولعن النبي صلى الله عليه وسلم السارق لأنه عنصر فاسد في المجتمع إذا تُرك سرى فساده وتعدّى إلى غيره في جسم الأمة فقال عليه الصلاة والسلام (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) البخاري (الحدود/6285) ومما يدل على أن هذا الحكم مؤكّد أن امرأة مخزومية شريفة سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أسامة بن زيد أن يشفع فيها فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتشفع في حد من حدود الله، إنما أهلك الذين من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الغني تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) البخاري (أحاديث الأنبياء/3216)
وهذا هو حكم الله عز وجل في السرقة أن تقطع يد السارق من الرُّسْغِ.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قال الشافِعِيُّ وأبو حنيفة ومالك والجماهير: " تُقْطَعُ اليد من الرسغ، وهو المِفْصَلُ بين الكَفِّ والذِّرَاع، قال القرطبي: قال الكَافَّة: " تقطع اليد من الرُسْغِ، لا كما يفعله بعض المبتدعة من قطع أصابع اليد وترك الإِبْهَام.
ولأن قطع اليد أمر عظيم، فإن قطع يد السارق لا يكون عند أي سرقة بل لا بد من اجتماع شروط حتى تقطع يد السارق , وهذه الشروط هي:
1- أن يكون أخذ الشيء على وجه الخِفْيَةِ، فإن لم يكن على وجه الخفية فلا تُقْطَع، كما لو انْتَهَب المال على وجه الغَلَبَةِ والقَهْرِ على مَرْآى من الناس، أو اغْتَصَبَه، لأن صاحب المال يمكنه النَّجدة والأَخْذ على يده.
2- أن يكون المسروق مالا محترماً , لأن ما ليس بمال لا حرمة له، كآلات اللهو والخمر والخنزير.
3- أن يكون المسروق نصاباً، وهو ثلاثة دراهم إسلامية أو ربع دينار إسلامي، أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى.
4- أن يأخُذَ المسروق من حرزه، وحرز المال: ما تَعَوَّدَ الناس على حفظ أموالهم فيه كالخِزَانَة مثلاً.
5- لا بد من ثُبُوتِ السرقة، وتكون إما بشهادة عَدْلَيْنِ، أو بإقرار السارق على نفسه مرتين.
6- لابد أن يطالب المسروق منه بماله فإذا لم يطالِب لم يجب القطع.
فإذا تحققت هذه الشروط وجب قطع اليد، ولو طبق هذا الحكم في المجتمعات التي ارتضت القوانين الوضعية، التي نَحَّت شريعة الله واستبدلت بها قوانين البشر لكان أنفع علاج لهذه الظاهرة ولكن الأمر كما قال عز وجل: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة/50
[الْمَصْدَرُ]
المراجع: الجامع لأحكام القرآن (6/159) الملخص الفقهي (2/442) .(5/6983)
الحكم فيمن يسطو ويسرق ويغتصب بالسلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في العصابات أو الأفراد الذي يسرقون الناس، ويخطفون النساء ويعتدون على الأعراض، كل ذلك تحت تهديد السلاح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الجرائم التي يفعلها بعض من لا دين لهم، جعل الشرع عقوبتها عقوبة شديدة، وهي تعرف عند العلماء بـ " حد الحرابة " أو " قطاع الطريق " وهو المذكور في قول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33.
ولمجلس هيئة كبار العلماء ببلاد الحرمين الشريفين برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قرار في شأن هذه الجرائم، جاء فيه:
" لقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة، وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم وما تسببه من التهديد للأمن العام في البلاد.
والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص، وأن تنفيذ مقتضى آية الحرابة وما حَكَمَ به صلى الله عليه وسلم في المحاربين كفيلٌ بإشاعة الأمن والاطمئنان، وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين.
إذ قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33.
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي الصُّفَّةِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ (أي أصابهم مرض) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْغِنَا رِسْلا (أي اطلب لنا لبناً) فَقَالَ: مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلا أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ، فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ (الإبل) فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيخُ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ (أي ارتفع) حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ، وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلابَةَ: سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
وبناء على ما تقدم فإن المجلس يقرر الأمور التالية:
أـ إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى.
قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه: رُفِعَ إلي قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج! فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج. انتهى.
ب ـ يرى المجلس في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ)
أن (أو) للتخيير كما هو الظاهر من الآية الكريمة. وقول الأكثرين من المحققين من أهل العلم رحمهم الله.
ج ـ يرى المجلس بالأكثرية أن يتولى نواب الإمام ـ القضاة ـ إثبات نوع الجريمة والحكم فيها، فإذا ثبت لديهم أنها من المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فساداً فنهم مخيرون في الحكم فيها بالقتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض، بناءً على اجتهادهم، مراعين واقع المجرم وظروف الجريمة وأثرها في المجتمع وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين إلا إذا كان المحارب قد قتل فإنه يتعين قتله حتماً كما حكاه ابن العربي المالكي إجماعاً، وقال صاحب الإنصاف من الحنابلة: " لا نزاع فيه " انتهى من بحث لهيئة كبار العلماء بعنوان: "الحكم في السطو والاختطاف والمسكرات" (ص 192-194) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6984)
اشترى أشياء ولم يدفع قيمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترى زوجي أشياء بواسطة الفيزا من بعض الكفار ولم يدفع قيمتها فهل هي سرقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن من اشترى أشياء ولم يدفع قيمتها أنه يكون سارقاً لها، والسرقة من كبائر الذنوب، وقد جعل الشرع الحدَّ فيها قطع اليد اليمنى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله} المائدة / 38.
وأوجب على فاعلها رد الحقوق إلى أهلها، ومن لم يفعل كان له العقاب والخزي.
عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرةً لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول: اللهم هل بلغت؟ ". رواه البخاري (6578) ومسلم (1832) .
ويمكن لهذا الشخص إرجاع المال لصاحبه بالطريقة التي يراها مناسبة دون الكشف عن نفسه له، فإن كان المسروق منه في مكانٍ لا يمكن الوصول إليه أو خفي على السارق تعيينه: فعليه أن يتصدق بثمنه عن صاحبه، فإن عرفه: خيَّره بين إمضاء الصدقة عنه أو أخذ حقه، فإن اختار الصدقة كان له أجرها، وإلا وجب عليه دفع حقه له وتكون الصدقة للتائب إذا كانت توبته توبة صادقة.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
… فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقة: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول أن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} الطلاق / 2، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} الطلاق / 4.
فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو: فهذا أيضاً أسهل من الأول؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه، وحينئذٍ تبرأ منه.
إن هذه القصة التي ذكرها السائل توجب للإنسان أن يبتعد عن مثل هذا الأمر؛ لأنه قد يكون في حال طيش وسفهٍ فيسرق ولا يهتم، ثم إذا منَّ الله عليه بالهداية يتعب في التخلص من ذلك.
" فتاوى إسلاميَّة " (4 / 162) .
وقال علماء اللجنة الدائمة – في جندي سرق مالا من عبدٍ -:
إن كان يعرف العبدَ أو يعرف من يعرفه: فيتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه: فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده: ضمنها له وصارت له الصدقة، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها.
" فتاوى إسلاميَّة " (4 / 165) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6985)
من قال للقيط: يا ابن الزنا فعليه حد القذف
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: لدي سؤال بخصوص اللقيط فقد سمعت محاضرة حول هذه الفئة وجاء فيها أن اللقيط إذا قال له أحد بعينه: يا ابن الزنا أو يا ابن الحرام يحق لهذا اللقيط من الناحية الشرعية رفع دعوى قضائية في المحكمة على من قال له ذلك ويقام على القائل الحد ويجلد وذلك لأن كونه لقيطاً هذا ليس دليلاً شرعياً على هذه التهمة، فلذلك يستوجب ذلك إقامة الحد لأنه داخل في القذف، دون دليل شرعي من القائل. فهل ما جاء في المحاضرة صحيح أم هناك خلاف بين العلماء بخصوص إقامة الحد في هذه المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللَّقِيطُ هو الطفل الذي يوجد مرمياً على الطرق لا يعرف أبوه ولا أمه.
وتعريفات العلماء له من المذاهب الأربعة لا تخرج عن هذا التعريف.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (35/310) .
فليس من اللازم أن يكون اللقيط ابن زنا، لاحتمال أن يكون ضاع من أهله أو نبذوه خوفاً من الفقر أو لسبب آخر غير الزنا.
فمن قذفه – وكان اللقيط محصنا- فقد قذف مسلماً محصناً، ولم يأت على قذفه ببينة شرعية وهي أربعة شهود، فيجب عليه حد القذف.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/4.
قال ابن كثير:
" هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضًا، ليس في هذا نزاع بين العلماء. فأما إن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله، رُدّ عنه الحد " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/13) .
وقد روى أحمد (6989) من حديث عَمْرُو بْن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلَدِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ: أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ، وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَمَنْ قَفَاهَا بِهِ [أي: رماها بالزنا] جُلِدَ ثَمَانِينَ، وَمَنْ دَعَاهُ وَلَدَ زِنًا جُلِدَ ثَمَانِينَ) والحديث مختلف في تصحيحه، وقد صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (7028) .
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن من قذف ولد المتلاعنين بأنه ولد زنا وجب عليه حد القذف، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، للحديث المتقدم، ولأنه لم يثبت الزنا بطريق شرعي.
انظر: "المغني" (12/401) ، "زاد المعاد" (5/402) .
فإذا كان هذا في "ولد المتلاعنين" مع قيام التهمة بأمه، غير أنها لم تثبت، فيحد من قذف اللقيط بأنه ولد زنا من باب أولى.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/18) :
"مَنْ قَذَفَ اللَّقِيطَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مُحْصَنًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ; لِأَنَّ قَذْفَ الْمُحْصَنِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ. وَمَنْ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الزِّنَا , فَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْأَوَّلُ: يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نُبِذَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
الثَّانِي: لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَنْبُوذِ أَنْ يَكُونَ ابْنَ زِنًا , وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ" انتهى.
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم: (108955) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6986)
ألفاظ القذف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا شتم رجل آخر وقال له: يا فاجر، فهل هذا يعتبر قذفا؟ ويجب عليه حد القذف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: القذف الذي يوجب الحد على القاذف هو الرمي بالزنى أو اللواط، ويجب على القاذف أن يجلد ثمانين جلدة، إذا لم يأت بأربعة شهود يشهدون على صحة ما قال، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
ثانياً: الألفاظ التي يقذف بها نوعان: صريحة، وكناية.
أما اللفظ الصريح، فهو الذي لا يفهم منه إلا القذف بالزنى أو اللواط، ولا يقبل من القاذف أن يدعي أنه أراد به معنى آخر غير القذف.
مثاله: يا زاني، زنيتَ، زنيتِ، يا لوطي.
ولا يقبل منه إذا قال: أردت بقولي له: "يا لوطي" أنه على دين لوط عليه السلام، أو أنه يعمل عمل قومه إلا إتيان الفاحشة، لأن هذا اللفظ "يا لوطي" لا يفهم منه عند الإطلاق إلا القذف بالفاحشة.
وأما الكناية، فهو اللفظ الذي يحتمل أن يكون قذفاً، ويحتمل غير ذلك احتمالاً قوياً.
فهذا يُسأل القاذف عما أراد ويجب عليه أن يصدق، لأن إقامة الحد عليه في الدنيا أهون عليه من عقوبته في الآخرة، فإن قال: أردت القذف، فهو قذف، وإن قال: أردت غير القذف، فلا حد عليه، ولكن يعزر لسبه الناس.
مثال ذلك: يا خبيث، يا خبيثة، يا فاجر، يا فاجرة ...
انظر: "المغني" (12/392) ، "المجموع" (22/113) ، "حاشية الدسوقي" (6/324) .
وينبغي أن يُعلم أنه يرجع في معاني الألفاظ إلى العرف، وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمان، فقد يكون اللفظ كناية عند قوم، صريحاً عند آخرين، فيجب أن يراعى ذلك.
"حاشية الدسوقي" (6/328) ، "الشرح الممتع" (14/289) .
فعلى هذا، إذا شتم أحداً وقال: يا فاجر، فإنه يسأل عما أراد، بهذا اللفظ، فإن قال أردت القذف بالزنى فهو قذف، وإن قال: لم أرد القذف بالزنى، فلا حد عليه، ولكنه يعزر، يعاقبه الحاكم بما يراه مناسبا، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6987)
هل يجوز للمقذوف أن يعفو عن القاذف ويسقط عنه الحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمقذوف أن يعفو عن القاذف ويسقط عنه الحد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القذف هو رمي الشخص بالزنا، فمن قذف محصناً (عفيفاً عن الزنا) وجب عليه حد القذف، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
وحد القذف حق للمقذوف، لأن المقصود منه إظهار براءته، وكذب القاذف، ولهذا لا يقام حد القذف إلا إذا طالب بذلك المقذوف، وهو مذهب الأئمة الأربعة، (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) .
بل لو طالب المقذوف بإقامة الحد ثم عفا سقط الحد، كما لو طالب بالقصاص ثم عفا.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (12/386) :
"ويعتبر لإقامة الحد [حد القذف] مطالبة المقذوف، لأنه حق له فلا يستوفى قبل طلبه، كسائر حقوقه.....
فلو طلب [يعني: إقامة الحد] ثم عفا عن الحد، سقط، وبهذا قال الشافعي" انتهى بتصرف واختصار.
وقال في "زاد المستقنع": "وَهُوَ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه:
" «وهو» ـ أي: حد القذف ـ «حق للمقذوف» وليس حقاً لله، وقال أبو حنيفة: إنه حق لله عزّ وجل.
وبناءً على أنه حق للمقذوف يسقط بعفوه، فلو عفا بعد أن قذفه بالزنا فإن حد القذف يسقط؛ لأنه حق له، كما لو كان عليه دراهم فعفا عنها فإنها تسقط عنه، ولا يُستوفى بدون طلبه، فما دام المقذوف ساكتاً فلا نقول للقاذف شيئاً، حتى لو بلغت الإمام فإنه لا يقام عليه الحد؛ لأنه حق للمقذوف، وإذا كان حقّاً للمقذوف فإننا لا نتعرض له، حتى يأتي صاحبُ الحق ويطالب....
إذاً يترتب على كون حد القذف حقاً للمقذوف أمور، منها:
أولاً: أنه يسقط بعفوه.
الثاني: أنه لا يقام حتى يُطَالَب به ... والراجح أنه حق للمقذوف" انتهى باختصار وتصرف.
"الشرح الممتع" (14/284- 286) .
وانظر: "المجموع" (22/128) ، حاشية الدسوقي" (6/331) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6988)
كيف يسقط القاذف الحد عن نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قذف إنسان آخر بالزنى، وأراد التوبة، فكيف يسقط عن نفسه حد القذف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حد القذف ثمانون جلدة، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
فإذا قذف رجل آخر وكان المقذوف محصناً، وجب حد القذف على القاذف.
ويسقط حد القذف عن القاذف في عدة حالات:
الأولى: أن يأتي بأربعة شهود فيشهدون على المقذوف بأنه زنى، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
الثانية: أن يقر المقذوف على نفسه بالزنى، باتفاق العلماء. انظر: "المغني" (12/386) .
الثالثة: إذا كان القاذف هو الزوج وقد قذف زوجته، فله أن يسقط الحد عن نفسه باللعان، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) النور6، 7.
ولما قذف هلال بن أمية امرأته لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ولم يحد هلالاً حد القذف. رواه مسلم (1496) .
الرابعة: أن يعفو المقذوف عن حقه، ولا يطالب بإقامة الحد على القاذف، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112116) .
وعلى هذا، فإذا قذف الرجل رجلاً آخر، وكان كاذباً، فليس أمامه لإسقاط الحد عن نفسه إلا الاعتذار للمقذوف، وطلب العفو منه، فإن عفا، فالحمد لله، وإن طالب بحقه من إقامة الحد، فالحق له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6989)
حد القذف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حد القذف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراد بـ "القذف" في الحدود: هو الرمي بالزنى أو اللواط، وهذا مناسب لأصل معنى "القذف" في اللغة، فإن معناه: الرمي بقوة، فمن اتهم إنساناً بالزنى أو شتمه به فقد قذفه، ورماه بشيء شنيع.
والقذف محرم، بل من كبائر الذنوب إذا كان المقذوف محصناً وعفيفاً عن الزنى.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/23.
قال السعدي رحمه الله:
"ذكر الله تعالى الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) أي: العفائف عن الفجور (الْغَافِلاتِ) التي لم يخطر ذلك بقلوبهن (الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير.
وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته" انتهى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ [أي: المهلكات] . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) رواه البخاري (2767) ومسلم (89) .
قال الحافظ ابن حجر: "والمراد بالموبقات هنا: الكبائر" انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (22/76) : "قذف المسلم لأخيه لا يجوز، وهو كبيرة من الكبائر، يجب التوبة من ذلك، وطلب العفو من المقذوف، ومن حقه إذا لم يعف أن يطالبه شرعا بحقه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف محصناً، وهو أن يجلد ثمانين جلدةً، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) النور/4.
الحكمة من مشروعية حد القذف
1- منع الترامي بالفاحشة.
2- صيانة أعراض الناس عن الانتهاك، وحماية سمعتهم من التدنيس.
3- لئلا تحصل عداءات وبغضاء، وربما تحصل حروب بسبب الاعتداء على العرض وتدنيسه.
4- تنزيه الرأي العام من أن يسري فيه هذا القول، ويسمعه الناس بآذانهم.
5- منع إشاعة الفاحشة في المؤمنين، فإن كثرة الترامي بها، وكثرة سماعها، وسهولة قولها، يجرئ السفهاء على ارتكابها.
فكان من الحكمة تشريع حد القذف حتى ينكف الناس عن الترامي بالفاحشة.
والله أعلم.
انظر: "المغني" (12/383) ، "المحلى" (11/268، 269) ، "المجموع" (22/94، 98) ، "حاشية ابن قاسم" (7/330) ، "الشرح الممتع" (14/278) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6990)
كان مسلماً ثم رجع إلى بلاده وارتد ثم عاد إلى بلدٍ إسلامي فهل هو معاهد؟ وكيف نعامله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان يعمل في بلاد إسلامية، وهو مسلم، ثم خرج إلى بلاده، وارتد عن الإسلام، ثم عاد إلى البلاد الإسلامية التي كان يعمل فيها، وهو غير مسلم. السؤال: هل ينطبق عليه إذا عاد ليعمل في البلاد الإسلامية أحكام المرتد، أم إنه ينطبق عليه أحكام المعاهد؟ . أرجو التوضيح، وما هي الطريقة المُثلى للتعامل معه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من كان مسلماً ثم ارتدَّ عنه إلى الإلحاد: فهو مرتد، لا إشكال في ذلك، ومن ارتد عن الإسلام إلى غيره الأديان لم يُنسب إلى ذلك الدين، ولم يأخذ أحكامه، بل هو مرتد كسابقه، يعامل معاملة المرتدين، يستتاب ليرجع إلى الإسلام، فإن تاب ورجع وإلا قُتل كفراً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لو ارتد أحدٌ إلى اليهودية، أو النصرانية: لا نقرُّه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى الله عليه وآله وسلّم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوه) – رواه البخاري (2854) - يعني: مَن بدَّل دين الإسلام: فإننا نقتله.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (11 / 306) .
وعليه: فمن كان مسلماً ثم صار نصرانيّاً أو يهوديّاً: لم تحل ذبيحته؛ لأنه ليس كتابيّاً، بل هو مرتد لا تؤكل ذبيحته، وإن كانت امرأة: لم يحل نكاحها؛ للسبب نفسه، وهؤلاء لا يكونون ذميين، ولا معاهِدين، ولا مستأمَنين؛ لأن هذه الأحوال إنما تكون لكافرٍ أصلي، لا لمرتد، فليس أمام المرتد عن الإسلام إلا أن يرجع لدينه، أو يختار القتل كفراً على ذلك.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
والمرتد في الاصطلاح: هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعاً، بنطق، أو اعتقاد، أو شك، أو فعل.
والمرتد: له حكم في الدنيا، وحكم في الآخرة:
أما حكمه في الدنيا: فقد بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَنْ بدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) ، وأجمع العلماء على ذلك، وما يتبع ذلك من عزل زوجته عنه، ومنعه من التصرف في ماله قبل قتله.
وأما حكمه في الآخرة: فقد بيَّنه الله تعالى: بقوله (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .
والردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، سواء كان جادّاً، أو هازلاً، أو مستهزئاً، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) .
" الملخص الفقهي " (2 / 565، 566) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20060) ففيه زيادة بيان.
وينبغي التنبه إلى حدَّ الردة – ومثله بقية الحدود – لا يقيمه إلا الخليفة، أو نائبه، بإجماع العلماء، ولا يجوز لآحاد الناس تنفيذ الحدود بأنفسهم.
وقد بينا هذا في أجوبة الأسئلة (107105) و (12461) و (8980) .
ثانياً:
أما بخصوص طريقة التعامل معه: فتكون كغيره من الكفار الذين يُتلطف بدعوتهم للإسلام، متى كنا نرجو منه لخير؛ وليس ثمة حدود تطبق – وللأسف – على المرتدين، فلم يبق أمامكم إلا دعوته بالحسنى، وتذكيره بسالف أيامه يوم كان مسلماً، وأنه لا بدَّ ويشعر بالفرق بين حياته في الإسلام، وحياته خارجه، ويستعان على ذلك بمن يعرف لغته، من بني جلدته، ليكون أفهم له. وللهدية مفعولها الطيب في نفوس الأحرار، فتعاهدوه بهدايا يحتاجها، تصلون من خلالها لقلبه، وإن كان عنده معاملة متعسرة أن تعينوه عليها، وتسهلوا أمر معاشه، فمن شأن ذلك كله أن يجعله يعيد النظر بفعله، ولعله أن يعود الإسلام قبل موته، ويُكتب ذلك في ميزان حسناتكم.
وإذا كانت السلطات في بلدك: لا تسمح بوجود مثل هذا المرتد: فإننا ننبه السلطات إلى حاله، حتى يتم ترحيله إلى بلده، لكن بعد أن نحاول معه، ونسلك طريق الدعوة إلى قلبه: فلعل الله أن يهديه، ويرده إلى دينه.
وهذا كله في المعاملة، أما الحكم: فسبق أنه ليس كالكافر الأصلي، فالمرتد لا يجوز للمسلم أن يرثه، ولا هو يرث مسلماً، والمرتدة لا تُنكح، وإن كان تحت المرتد امرأة مسلمة: فسخ عقد نكاحها، وغير ذلك من الأحكام، فينبغي التفريق بين الأحكام، والمعاملة، ولو كانت تطبق الحدود الشرعية على المرتدين لما احتجنا لهذا كله؛ لأن المرتد – كما سبق – ليس أمامه إلا أن يرجع إلى الإسلام، أو يُقتل في حال إبائه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6991)
معنى قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... ) والرد على الرافضة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى تفسير قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) ، قرأت تفسير الشيعة لهذه الآية، وهم يرمون بها الصحابة رضوان الله عليهم، فاحترت لعدم علمي بالتفسير الصحيح، فما تفسير هذه الآية لدينا؟ وهل كان أحد ارتد بعد وفاة الرسول؟ ومن هم؟ وهل ذكر الحديث بقوله " ما تدري ماذا فعلوا من بعدك " يصلح تطبيقه على من ولدوا بعد عهد الرسول، أي: الرسول لم يشهد صلاحهم، فكيف يقال " بعدُ "؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران/ 144: فإنها آية محكمة، وللوقوف على معناها بتفصيل: نذكر الآتي:
1. أن هذه الآيات أنزلها الله تعالى بعد غزوة " أُحد "، وهي مقدمة، وتهيئة لموت النبي صلى الله عليه وسلم، ففيها التذكير بأن الإسلام لا ينقطع بموت أو قتل نبيكم، كما فيها بيان ما حصل مع أنبياء سابقين حيث لم يؤثر قتلهم على أتباعهم، ولم يستفد من هذا التنبيه والتذكير من ارتدَّ على عقبه من القبائل، فخسروا الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وقعةَ " أُحُدٍ " كانت مُقَدِّمَةً، وإرهاصاً، بين يدي موتِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فثبَّتهم، ووبَّخهم على انقلابهم على أعقابهم إنْ ماتَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو قُتِلَ، بل الواجبُ له عليهم أن يثبتُوا على دِينه، وتوحِيدهِ، ويموتوا عليه، أو يُقتلُوا، فإنهم إنما يعبدُون ربَّ محمد، وهو حيٌّ لا يموت، فلو ماتَ محمد أو قُتِلَ: لا ينبغي لهم أن يَصْرِفَهم ذلِكَ عن دينه، وما جاء به، فكلُّ نفسٍ ذائِقةُ الموت، وما بُعِثَ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيخلَّد، لا هُوَ، ولا هُم، بل لِيمُوتُوا على الإسلامِ، والتَّوحيدِ، فإن الموت لا بُدَّ منه، سواء ماتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بَقِيَ، ولهذا وبَّخَهُم على رجوع مَن رجع منهم عن دينه لما صرخ الشَّيْطَانُ: إنَّ محمَّداً قد قُتِلَ، فقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران/ 144، والشاكرون: هم الذين عرفوا قدر النعمة، فثبتوا عليها، حتى ماتوا، أو قُتِلُوا، فظهر أثرُ هذا العِتَابِ، وحكمُ هذا الخطاب يومَ مات رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدَّ مَن ارتدَّ على عقبيه، وثبت الشاكِرُون على دينهم، فنصرهم الله، وأعزَّهم، وظفَّرهم بأعدائهم، وجعل العاقبة لهم.
ثم أخبر سبحانه أنه جعل لكل نفسٍ أجلاً لا بُدَّ أن تستوفيه، ثم تلحَقَ به، فيَرِدُ الناسُ كُلُّهم حوضَ المنايا مَوْرِداً واحِداً، وإن تنوَّعت أسبابه، ويصدُرونَ عن موقف القِيامة مصادِرَ شتَّى، فريقٌ في الجنة، وفريقٌ في السعير.
ثم أخبر سبحانه أن جماعةً كثيرةً من أنبيائه قُتِلُوا، وقُتِلَ معهم أتباعٌ لهم كثيرون، فما وَهَنَ مَنْ بقيَ منهم لِما أصابهم في سبيله، وما ضَعُفُوا، وما استكانُوا، وما وَهَنُوا عندَ القتل، ولا ضعفُوا، ولا استكانوا، بل تَلَقَّوا الشهادةَ بالقُوَّةِ، والعزِيمةِ، والإقْدَامِ، فلم يُسْتَشْهَدُوا مُدَبِرِينَ، مستكينين، أذلةً، بل استُشْهِدُوا أعزَّةً، كِراماً، مقبلينَ، غير مدبرين، والصحيح: أن الآية تتناول الفريقين كليهما.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 224، 225) .
2. هذه الآية تدل على تزكية أبي بكر الصدِّيق خاصة، والصحابة الأجلاء عامة؛ حيث وصف الله تعالى من يثبت في مثل هذه المصيبة، ويعلم أن نبيه ما هو إلا بشر يبلغ ما أرسله الله تعالى به، ثم يغادر هذه الدنيا، وصفهم الله تعالى بـ " الشاكرين "، وأما ما في الآية من تزكية الصدِّيق: فمن جهتين:
الأولى: استدلاله بها – مع قوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) - عند موت النبي صلى الله عليه وسلم.
والثانية: أنه قاتل من ارتد على عقبه.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم، أو عن بعض لوازمه فقدُ رئيسٍ، ولو عظم؛ وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدِّين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه، إذا فقد أحدهم قام به غيره، وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم.
وفي هذه الآية أيضاً أعظم دليل على فضيلة الصدِّيق الأكبر أبي بكر، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم سادات الشاكرين.
" تفسير السعدي " (ص 150) .
وبمعرفة ما مضى يتبين أن الصحابة الأجلاء قد استفادوا من درس " أحد "، وأن ما أصاب بعضهم من صدمة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ليست صدمة أعقبتها ردَّة، بل لعدم تحملهم عظَم الخبر، حتى ثبتهم الله تعالى بما تلاه على مسامعهم أبو بكر الصدِّيق من الآيات البينات، وأخبرهم بثبات المؤمن:
( ... فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ ... )
رواه البخاري (3670) .
فرجعوا إلى صوابهم، وكأنهم لأول مرة تطرق هذه الآية مسامعهم، وقد عصم الله تعالى المهاجرين والأنصار من الردة، وسقط فيها طوائف من العرب تصدَّى لهم الصدِّيق وأصحابه، فعاد من عاد، وبقي منهم على الكفر جماعات.
وانظر جواب السؤال رقم (125919) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6992)
أسلوب عامي يقرن لفظ الجلالة في كل تعبير للدلالة على المبالغة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول حلوة ل الله، أو بعيدة ل الله، للدلالة على الكثرة والزيادة: فمثلاً إذا أريد التدليل على أن الشيء بعيد جداً فيقال: بعيدة ل الله، فيقرن اسم الله تعالى بقوله، بعيدة ل الله؛ لأن الله تعالى يدل على العظمة. فإن عظم عليه شيء أو صعب عليه فيقول صعب ل الله. وهذا قول منتشر بين بعض الناس، ويقرن كثيراً بكل شيء، يراد به التدليل على الكثرة، مثل: قصير ل الله، طويل ل الله، حقير ل الله، قوي ل الله، غير لذيذ ل الله. وقول آخر للدلالة على الانزعاج فيقول: أنا واصلة معي لعند الله. فإن كانت الأقوال السابقة مخالفة لشرع الله تعالى، ومحرمة، فما سبب ذلك، وما الدليل على التحريم؟ ، وهل يختلف القول على حسب اقترانه بشيء حسن أو شيء قبيح في الحكم، فمثلا: جميل ل الله، تختلف عن قبيح ل الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قصد قائل هذه العبارات الاستخفاف بِقَدْرِ الله، أو الاستهانة بجلاله عز وجل: كَفَرَ باتفاق علماء المسلمين.
أما إِن لم يقصد ذلك: فلا يجوز للمسلم – على جميع الأحوال - أن يعتاد مثل هذه الألفاظ في كلامه وخطابه، وذلك:
1- لأن في اعتيادها جرأة على لفظ الجلالة، وإشعارا بالتعدي على عظمته وجلالته، والاستخفاف بحقه، والواجب على المسلم تعظيم أسماء الله تعالى، وصيانتها، وحفظ جلالتها عن كل سبيل قد يؤدي إلى الاستخفاف بها، أو الوقوع في الخطأ فيها.
2- ثم إن الذي يظهر لنا – من قرائن أحوال قائلي هذه الكلمات – أنها تصدر في أحيان كثيرة عن حَنَقٍ وغضب يَشْعُرُ قائلُها نفسُه أنه قد تجاوز الأدب والحدود مع الله سبحانه وتعالى، نخص من ذلك قوله: " أنا واصلة معي لعند الله "، فسوء أدب هذه العبارة ظاهر، يخشى على قائلها من عقوبتها يوم القيامة، وكذلك إرداف لفظ الجلالة لبعض الأوصاف السيئة، كما جاء في السؤال من قول بعض العامة: " حقير ل الله "، فهذا فيما نرى لفظ كفري يخشى على قائله من الردة والعياذ بالله.
3- والله سبحانه وتعالى يقول: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30، ويقول عز وجل: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32. يقول الشيخ محمد الخادمي الحنفي رحمه الله: " من آفات اللسان (ما فيه خوف الكفر) ، وهو الذي لم يجزم الفقهاء بإيجابه كفرا، بل قالوا فيه خوف الكفر، أو خيف فيه الكفر، أو خطأ عظيم، (وحُكمُهُ أن يؤمر بالتوبة وتجديد النكاح احتياطا) لاحتمال كونه كفرا " انتهى. "بريقة محمودية" (3/168) .
4- وقد فسر بعض أهل العلم قوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ) البقرة/224 بأن المقصود النهي عن الإكثار من حلف الأيمان ولو كانت بوجه حق، فكيف إذن بالإكثار من ذكر لفظ الجلالة في كل عبارة تليق أو لا تليق. يقول العلامة الطاهر ابن عاشور: " أي لا تجعلوا اسم الله كالشيء المعرَّض للقاصدين " انتهى. "التحرير والتنوير" (2/310) وانظر: "تفسير القرطبي" (3/97) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6993)
رب البيت يسب الله ودينه! فماذا يصنع أهله وأولاده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يكفر بالله، وعندما يكفر يخرج للحديقة، ويقول: أنا أريد أن أرى السماء عندما أكفر , يعتقد أن العرب شعوب لا تستحق الحياة، والغرب أفضل منهم , ويعتبر الحج تبذيراً للمال، والكعبة كومة أحجار، الناس يدورون حولها، وغيرها من ألفاظ الكفر التي أخاف ترديدها. إذا زجره أولاده: ازداد كفره، وإذا انتظروا هدوؤه: فإنه لا يقول استغفر الله، بل يقول: أنتم أغضبتموني، لكنه يصلي ويصوم! . أهله أناس يخافون الله، ويخافون أن يشملهم الله بعذاب من عنده بسبب ألفاظ الكفر التي يقولها أبوهم، الزوجة هل تطلق منه إن كان يكفر لكنه يصوم ويصلي؟ وأولاده كيف يتصرفون معه إن كان مصرّاً على الكفر عند حصول أي مشكلة بالبيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ) رواه البخاري برقم (6099) .
ولولا حلم الله على من سبَّه وشتمه لعاجلهم بالعقوبة، كأن يمسخهم قردة وخنازير، أو يحرق ألسنتهم، أو يسلبهم عقولهم فيسيرون في الطرقات لا يدرون ما يفعلون، وكل هذه نعم من الله تعالى أنعمها على عبيده، ولو شاء لعطلها عنهم، ولكن الله تعالى يمهلهم، ويؤخرهم، فلعل أحداً منهم أن يتوب ويرجع لربه تعالى.
وليُعلم أن حكم ذلك الساب البغيض هو الخروج من الملة، وأنه بسبِّه ذاك صار مرتداً، حبطت أعماله الصالحة كلها، وفُسخ عقد زواجه، فحرمت عليه امرأته المسلمة، وأنه إن مات على تلك الحال ولم يدخل في الإسلام: فلا يُغسَّل، ولا يكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، كما أنه لا يرث، ولا يورث، وأما كونه يصلِّي: فإن هذا ليس بشافع ولا بنافع، ولا بمانع، فلا تشفع له صلاته عند ربه تعالى، ولا في عدم ترتب أحكام الردة عليه، ولا تنفعه صلاته عند ربه؛ لأن الله تعالى سيحبطها، ويحبط أعماله الصالحة جميعها، ولن تمنعه صلاته من أن يكون مع المرتدين، ومنهم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "فتاوى الشيخ ابن باز" (28 / 216 , 217) : " لو أن إنساناً يسبُّ الله ورسوله، أو يسبُّ دين الله، أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنَّة، أو بالنَّار: فإنه لا ينفعه كونه يصلي، ويصوم، إذا وجد منه الناقض من نواقض الإسلام: بطلت الأعمال، حتى يتوب إلى الله من ذلك.
هذه قاعدة مهمة، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 88، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الزمر/ 65 , 66 " انتهى.
وسئل رحمه الله: لقد سمعت من بعض العلماء المسلمين أن الرجل إذا سب الدين طلقت عليه امرأته، ويلزم له التوبة والاستغفار وعقد قران جديد، وكثيراً ما يحدث هذا الأمر، خاصة وقت الغضب الشديد، فما مدى صحة هذا الكلام؟ .
فأجاب: " سبَّ الدين: ردة عن الإسلام، وكذلك سبُّ القرآن، وسب الرسول: ردة عن الإسلام، وكفر بعد الإيمان، نعوذ بالله، لكن لا يكون طلاقاً للمرأة، بل يفرق بينهما من دون طلاق، فلا يكون طلاقاً، بل تحرم عليه؛ لأنها مسلمة، وهو كافر، وتحرم عليه حتى يتوب، فإن تاب وهي في العدة: رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء، أي: إذا تاب، وأناب إلى الله: رجعت إليه، وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب: فإنها تنكح من شاءت، ويكون ذلك بمثابة الطلاق، لا أنه طلاق، لكن بمثابة الطلاق؛ لأن الله حرَّم المسلمة على الكافر، فإن تاب بعد العدة، وأراد أن يتزوجها: فلا بأس، ويكون بعقٍد جديدٍ أحوط؛ خروجاً من خلاف العلماء، وإلا فإنَّ بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقدٍ جديدٍ، إذا كانت تختاره، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها، ولكن إذا عقد عقداً جديداً فهو أولى؛ خروجاً من خلاف جمهور أهل العلم، فإن الأكثرين يقولون: متى خرجت من العدة: بانت منه، وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقدٍ جديدٍ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقداً جديداً، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب، فأما إذا تاب وهي في العدة: فهي زوجته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (1 / 106، 107) ط دار الوطن.
وحكم الاستهزاء بشيء من شعائر دين الله تعالى هو ردة أيضاً، ولا خلاف بين العلماء من أهل السنَّة في حكم سبِّ الله تعالى ورسوله ودينه، ولا في حكم الاستهزاء بشيء من شعائر دين الله تعالى.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله –:
الحكم فيمن سبَّ الدين الإسلامي: أنه يكفر؛ فإن سبَّ الدين، والاستهزاء به: ردة عن الإسلام، وكفر بالله عز وجل، وبدينه، ... .
انتهى
وانظر تتمة الفتوى في جواب السؤال رقم: (42505) .
وانظر - في حكم سب الله تعالى - أجوبة الأسئلة: (71174) و (79067) و (14305) و (65551) .
وانظر - في حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم - جواب السؤال رقم: (22809) .
ثانياً:
هذا، وليُعلم أن زعمه أن أولاده أغضبوه: ليس بعذرٍ شرعي له، بل هو يدل على غاية الاستهانة بالله تعالى، ودليل ذلك أن الذي يغضب، ويغلق عليه بسبب الغضب: لا يتذكر إلا ربَّه تعالى ليسبه ويشتمه! فلماذا لم يتذكر أمه ليسبها؟! لم يتذكر حاكمه ليسبه؟! إنه لما كان محبَّاً، أو معظِّماً، أو خائفاً لهؤلاء: لم يخطروا بباله عند غضبه ليسبهم، وهو يدل على ما قلناه، وهو أن هؤلاء قد سبُّوا ربهم تعالى تنفيساً عما في قلوبهم من زيغ ودخن، واستهانة برب العالمين.
ويجب عليكِ هجره حتى يعود لدينه وإسلامه، ولا يحل لك تمكينه منك، فهو ليس زوجاً لك، إلا أن يعود لدينه، وعلى الأولاد معاملته معاملة المرتد، لا يُبدأ بالسلام، ولا يود، ولا يُحب، ومع ذلك فعليهم الترفق في دعوته، وإظهار الخلق الحسن له، لعله يتوب، أو يئوب إلى رشده.
وانظري جواب السؤال رقم: (96576) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6994)
الاستهزاء بملك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي قريب لأحد معارفي منذ فترة، وبعدها بفترة وجيزة توفي له قريب آخر، فبعدها بفترة طويلة عندما كنا نتحدث عنهما قلت له وبلا قصد: يبدو أن هناك ثأرا ما بين عائلتكم وبين ملك الموت، على سبيل المزاح، فهل يعتبر هذا كفرا بالله؛ لأني قلت هذا على أحد ملائكة الله، أم ماذا، وماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم بما يغضب الله تعالى، ورُبَّ كلمة يتكلم بها الإنسان، وهو لا يظن أن لها شأناً، تكون سبب هلاكه وعذابه، والعياذ بالله.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) رواه البخاري (6477) ومسلم (2988) .
وفي رواية الترمذي (2314) : (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعن بلال المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) رواه الترمذي (2319) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والإيمان بالملائكة وإجلالهم وتقديرهم من أركان الإيمان الستة، وملك الموت لا يتصرف إلا بما يأمره الله به، كما قال عز وجل: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) الأنعام/61.
فهم موكلون من الله عز وجل بتقدير حكيم، وليس ذلك عن ثأر ولا عن بغض أو انتقام – تعالى الله عن ذلك -: قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة/11.
وقد ذكر أهل العلم أن الاستهزاء بالملائكة أو بأحد منهم كفر، وخروج عن الإسلام واستدلوا بقول الله عز وجل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/65-66.
قال ابن حزم رحمه الله:
" وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه، فهو كافر " انتهى.
"الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/142) .
وقال أيضا:
" كل من سب الله تعالى أو استهزأ به، أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به، أو سب نبيا من الأنبياء أو استهزأ به، أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها، والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى، فهو بذلك كافر، مرتد، له حكم المرتد " انتهى.
"المحلى" (11/413) .
وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله:
" يكفر بعيبه ملكا من الملائكة أو الاستخفاف به " انتهى.
"البحر الرائق" (5/131) .
بل ذكر بعض العلماء أنه يكفر مَن تكلم بما فيه مجرد إشعار بالاستهزاء والسخرية.
قال ابن نجيم الحنفي:
"ويكفر بقوله لغيره: " رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت " عند البعض، خلافاً للأكثر " انتهى.
والكلمة التي تكلمت بها فيها شيء من الاستهزاء بملك الموت، فعليك التوبة منها والاستغفار، وسؤال الله تعالى العفو والعافية، والعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى، وتجديد إيمانك بالنطق بالشهادتين، وأكثر من الأعمال الصالحة – الصدقة وغيرها – فإن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6995)
إشكال حول حديث الأعمى الذي قتل أمَتَه التي تسب النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنك رجاء أن تشرح لي الخلفية والمبرر لما جاء في حديث سنن أبي داود، حيث قُتل العبد الذي أهان الرسول صلى الله عليه وسلم، قتله سيدُه ولم يعاقَب، هل ذلك بسبب أن الدية لا تدفع للأولياء الكفار الذين يؤذون المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القصة المقصودة في السؤال يرويها ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فيقول:
(أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ:
أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ.
فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ)
رواه أبو داود (4361) وغيره، وقد سبق في جواب السؤال رقم: (103739) بيان صحة أصل القصة، وأنها جاءت بألفاظ وأحداث مختلفة، تدل بمجموعها على وقوع الحادثة رغم التردد في بعض الجمل والعبارات.
وليس قتل هذه المرأة لأنها ذميّة، بل لأنها سبّت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستحقت القتل لذلك، ولو كانت مسلمة، كفرت بهذا السب، واستحقت القتل أيضاً.
قال الصنعاني رحمه الله
" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهْدَرُ دَمُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةً فَيُقْتَلُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ "
سبل السلام (3/501)
وسبق ان نقلنا جواب شيخ الإسلام عن الإشكال الواقع في القصة من قتل الأعمى لهذه المرأة- التي استحقت القتل- من دون إذن الإمام. انظر جواب السؤال رقم (103739) .
وفي هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين، فحقوق اليهود المعاهدين مصانة محفوظة، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان ولم يكن يأخذ منهم الجزية، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة، لينظر في عقابه ويقضي في أمره، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه، حُرمت جميع حقوقها، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو ذميا أو معاهدا، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم، ونقض لكل حرمة وحق وعهد، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات.
انظر " أحكام أهل الذمة " (3/1398) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم: (22809)
هذا هو التوجيه الصحيح، والفهم السليم للقصة، وليس كما ينشره كثير من الحاقدين الطاعنين في حكم الشريعة وشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم لم يختر قتلها بهذه الطريقة، ولكنها لما استحقت القتل حدا لنقضها العهد ووقوعها في النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقتص من قاتلها، فقد كانت تُسمعه من شتم النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، مرات ومرات، حتى كان ينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، إلى أن طفح الكيل به فلم يصبر حتى أسكت صوتها الذي يؤذيه في دينه ونبيه.
وأما قتل الذمي بغير حقّ، فهو كبيرة من الكبائر، والوعيد فيه شديد، كما ثبت في صحيح البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) ، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ التَّقْيِيد فِي الْخَبَر، لَكِنَّهُ مُسْتَفَاد مِنْ قَوَاعِد الشَّرْع، وَوَقَعَ مَنْصُوصًا فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة الْآتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ " بِغَيْرِ حَقّ " وَفِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرَة بِلَفْظِ " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَة بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة " اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6996)
من ارتد ثم عاد إلى الإسلام هل يعيد الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه، هل يعيد ما فاته من أعمال من أركان الإسلام، كالحج والصوم والصلاة، أم تكفي توبته وعودته إلى الإسلام، ويبدأ من جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصحيح من قولي العلماء، أن المرتد إذا تاب إلى الله ودخل في الإسلام، مرة أخرى، تائباً منيباً إلى الله سبحانه وتعالى، أنه لا يُعيد الأعمال التي أداها قبل الردة، لأن الله سبحانه وتعالى اشترط لحبوط الأعمال بالردة أن يموت الإنسان عليها، قال تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217، فشرط لحبوط الأعمال استمرار الإنسان على الردة إلى أن يموت.
فدلت الآية بمفهومها على أنه لو تاب قبل الوفاة فإن أعماله التي أداها قبل الردة تكون صحيحة، ومجزئة إن شاء الله " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/61) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6997)
هل يترك ابنته لمطلقته المرتدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأفضل لي، أن أتخلى عن تربية ابنتي البالغة من العمر عاماً واحداً، والتي لم أنجح حتى الآن في أن أجعل منها طفلة مسلمة. لقد طلقت والدتها لأنها مرتدة عن الدين، وقد بينت (والدتها) معارضتها للمحاولات التي بذلتها لتربية ابنتي على الإسلام أثناء الفترة التي سمحت مطلقتي وسمح نظام المحكمة الكافر في أمريكا لي أثناءها بإبقاء ابنتي معي أسبوعياً، والتي تمتد من يوم إلى 3 أيام؛ أم أن الأفضل لي أن أترك كل ذلك، كما فعل بعض الإخوة عندما تعرضوا لظروف مشابهة، وأهاجر إلى بلد إسلامية وأطلب العلم هناك، وأترك ابنتي لتواجه مستقبل ضياع غالباً بين يدي نظام كافر لتربية الأطفال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنصحك أن تحرص على تربية ابنتك وأن لا تتخلى عنها أبداً، فإنك مسؤول عنها يوم القيامة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ، وأمر آخر وهو أن لك مثل أجرها إذا اهتدت وعملت صالحاً بسبب تربيتك، وكيف تترك فلذة كبدك لمن يهديها إلى عذاب السعير، قال تعالى عن الكفار: (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) سورة البقرة، فاحرص على ابنتك، وسيعينك الله تعالى، وييسر أمرك، وفقك الله تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6998)
حول حديث الأعمى الذي قتل أم ولده لشتمها النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالحديثين التاليين: (أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تتزجر، قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول - سيف قصير - فوضعه في بطنها، واتكأ عليها، فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى رقاب الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول، فوضعته في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) [رواه أبو داود، وقال عنه الألباني: صحيح، في كتابه " صحيح سنن أبي داود " الحديث رقم (4361) [" أن أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له أم ولد، وكان له منها ابنان، وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسبه فيزجرها، فلا تنزجر، وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المغول، فوضعته في بطنها، فاتكأت عليه، فقتلتها، فأصبحت قتيلا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس، وقال: أنشد الله! رجلا لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام. فأقبل الأعمى يتدلدل فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت أم ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر. فلما كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك، قمت إلى المغول فوضعته في بطنها، فاتكأت عليها حتى قتلتها. فقال رسول الله: ألا؛ اشهدوا أن دمها هدر) [رواه النسائي، وقال عنه الألباني: إسناده صحيح. في كتابه " صحيح سنن النسائي " الحديث رقم 4081] يلاحظ أن رواية أبي داود فيها عبارة غير موجودة في رواية النسائي، وهي: " فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم " أنا أعلم حكم المرتد، وأن المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه. إن الذي لفت نظري هي العبارة المشار إليها أعلاه، حيث أنه قد يتبادر إلى الذهن أن حد الردة يطبق أيضا على الجنين. هل هذه العبارة المشار إليها صحيحة وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الرجل كان أعمى ولم يكن يعلم أن أمته حامل؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الطفل لم يمت كما قال بذلك السيد لا أقصد من سؤالي إثارة الشكوك حول أن الإسلام هو الدين الحق، ولكني أردت الرجوع إلى العلماء حتى يوافوني بالرد الذي أستطيع به الرد على من يطعن بالإسلام. وفقكم الله لما يحب ويرضى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام على هذه الحادثة المذكورة في السؤال في المسائل الآتية:
أولا: الحكم على الحديث.
الحديث رواه أبو داود (4361) ، ومن طريقه الدارقطني (3 / 112) ومن طرق أخرى أيضا، ورواه النسائي في " المجتبى " (4070) وفي " السنن الكبرى " (2 / 304) ، وابن أبي عاصم في " الديات " (رقم 249) والطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 351) والحاكم في " المستدرك " (4 / 394) والبيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 60) جميعهم من طرق عن عثمان الشحام، عن عكرمة، عن ابن عباس به، على اختلاف في ألفاظ الروايات وتطويل وتقصير.
وهذا سند حسن، رواته ثقات، ولذلك فقد قبل الحديث: أبو داود والنسائي بإخراجهما له وسكوتهما عنه، والإمام أحمد أيضا، فقد قال المجد ابن تيمية: " واحتج به أحمد في رواية ابنه عبد الله " انتهى من " نيل الأوطار " (7 / 208) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في " تلخيصه "، وابن حجر في " بلوغ المرام " (363) وقال: رواته ثقات، وقال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (5 / 91) : إسناده صحيح على شرط مسلم. انتهى.
ويشهد له ما جاء عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا) .
رواه أبو داود في " السنن " (4362) ، ومن طريقه: البيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 60) ، والضياء المقدسي في " المختارة " (2 / 169) .
قال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (1251) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، لكنه ضعفه في " ضعيف أبي داود " بالانقطاع.
ولعل الأقرب هو الحكم بإرسال الحديث، فقد قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (5 / 68) : " وقال الدارقطنى فى " العلل ": لم يسمع الشعبي من عليٍّ إلا حرفاً واحداً، ما سمع غيره.
كأنه عنى ما أخرجه البخاري فى " الرجم " عنه عن علي حين رجم المرأة قال: رجمتها بسنَّة النب صلى الله عليه وآله وسلم " انتهى كلام ابن حجر.
لكن مراسيل الشعبي مقبولة عند كثير من أهل العلم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في " الصارم المسلول " (ص 65) : وهذا الحديث جيد؛ فإن الشعبي رأى عليّاً، وروى عنه حديث شراحة الهمدانية، وكان على عهد علي قد ناهز العشرين سنة، وهو كوفي، فقد ثبت لقاؤه، فيكون الحديث متصلا، ثم إن كان فيه إرسال لأن الشعبي يبعد سماعه من علي: فهو حجة وفاقاً؛ لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له مرسلا إلا صحيحا، ثم هو من أعلم الناس بحديث علي، وأعلمهم بثقات أصحابه. انتهى.
وللقصة شاهد آخر يرويه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (4 / 210) فيقول:
أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن معقل قال: (نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة عمة رجل من الأنصار، فكانت ترفقه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها فضربها فقتلها، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله يا رسول الله إن كانت لترفقني، ولكنها آذتني في الله ورسوله، فضربتها فقتلتها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعدها الله تعالى، فقد أبطلت دمها) .
وهذا السند رواته ثقات.
والحاصل بمجموع هذه الروايات: أن أصل القصة ثابتة في السنة النبوية.
ولكن: هل هي حادثة واحدة أم متعددة؟ .
الذي يبدو أنها حادثة واحدة، وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال:
ويدل عليه – أي: على أنها حادثة واحدة -: كلام الإمام أحمد؛ لأنه قيل له في رواية عبد الله: في قتل الذمي إذا سَبَّ أحاديث؟ قال: نعم، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة، قال: سمعها تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين.
ويؤيد ذلك: أن وقوع قصتين مثل هذه لِأَعْمَيَيْنِ، كل منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيها الناسُ: بَعِيدٌ في العادة.
" الصارم المسلول " (ص 72، 73) باختصار.
ويبقى إشكال في الجمع بين الاختلاف الذي جاء في الروايات في طريقة قَتل اليهودية: هل كان خنقاً أم طعناً بالسيف في بطنها؟ .
ذكر ابن تيمية فيه احتمالين: احتمال أن ابن أم مكتوم خنقها ثم طعنها، والاحتمال الثاني وجود الخطأ في إحدى الروايتين.
انظر " الصارم " (ص 72) .
ثانياً:
ليس في الرواية ما يدل على أنه كان في بطن اليهودية جنين، ومَن فهم ذلك مِن السياق فقد أخطأ، وأما قوله في بعض ألفاظ الروايات: (فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم) : فلا يدل على هذا بوجه من الوجوه؛ بل الظاهر أنه طفل من طفليها الذين وصفهما بقوله:
(مثل اللؤلؤتين) ، جاء إلى أمه مشفقا عليها فتلطخ بالدم، والدليل على ذلك أن لفظ رواية الطبراني للحديث فيه: (فَأَصْبَحَ طِفْلَيْهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُلَطَّخَيْنِ بِالدَّمِ) – كذا بالياء: " طفليها " -، وأيضا في لفظ رواية البيهقي: (فَوَقَعَ طِفْلاَهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُتَضَمِّخَانِ بِالدَّمِ) .
ويدل على ذلك: ما جاء في " سؤالات الآجري أبا داود السجستاني " (ص 201) :
قال أبو داود: سمعت مصعبا الزبيري يقول: عبد الله بن يزيد الخطمي: ليس له صحبة، قال: وهو الذي قتل الأعمى أمه، وهو الطفل الذي سقط بين رجليها، التي سبَّت النبي صلى الله عليه وسلم.
انتهى.
إذاً فليس هناك جنين مقتول، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بأخذ الجنين بجريرة أمه، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، على أن اختلاف ألفاظ الحديث ورواياته، ومجيئها مرسلة أحيانا عن عكرمة، كما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " الأموال " (رقم 416) ، ونقد بعض الحفاظ لمرويات عثمان الشحام بوجود المناكير فيها، كما قال يحيى القطان: تعرف وتنكر، ولم يكن عندي بذاك، وقال أبو أحمد الحاكم: لم يكن بالمتين عندهم. وقال الدارقطني: بصري يعتبر به: كل ذلك يوجب الشك والتوقف في بعض التفاصيل المذكورة في القصة، لكنه لا يرقى إلى رد أصل الرواية ونفي قيام الحادثة، فقد جاءت لها شواهد أخرى سبق ذكرها، وقبلها أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين.
ثالثاً:
في هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين، فحقوق اليهود المعاهدين مصونة محفوظة، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان، ولم يكن يأخذ منهم الجزية، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة، لينظر في عقابه ويقضي في أمره، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات، بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه، حُرِمَت جميعَ حقوقها، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو ذميّاً أو معاهداً، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم، ونقض لكل حرمة وحق وعهد، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات.
انظر " أحكام أهل الذمة " (3 / 1398) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم: (22809) .
وأما أن " المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه "، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الإشكال، فقال:
" يبقى أن يقال: الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو نائبه؟ "، ثم قال رحمه الله:
" وجوابه من وجوه:
أحدها: أن السيد له أن يقيم الحد على عبده، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) [رواه أحمد (736) وغيره، وحسنه الأرناؤوط لغيره، ومال الألباني إلى أن هذه الجملة من كلام علي، كما في الإرواء (2325) ] ، وقوله: (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها) [رواه أبو داود (4470) وهو في الصحيحين بلفظ: " فليجلدها الحد "] ، ولا أعلم خلافا بين فقهاء الحديث أن له أن يقيم عليه الحد، مثل حد الزنا والقذف والشرب، ولا خلاف بين المسلمين أن له أن يعززه، واختلفوا هل له أن يقيم عليه قتلا أو قطعا، مثل قتله لردته، أو لسبه النبي صلى الله عليه وسلم وقطعه للسرقة؟ وفيه عن الإمام أحمد روايتان: إحداهما: يجوز، وهو المنصوص عن الشافعي، والأخرى: لا يجوز، كأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وهو قول مالك، وقد صح عن ابن عمر أنه قطع يد عبد له سرق، وصح عن حفصة أنها قتلت جارية لها اعترفت بالسحر، وكان ذلك برأي ابن عمر؛ فيكون الحديث حجة لمن يجوز للسيد أن يقيم الحد على عبده بعلمه مطلقا ...
الوجه الثاني:: أن ذلك أكثر ما فيه أنه افتئات على الإمام، والإمام له أن يعفو عمن أقام حدا واجبا دونه.
الوجه الثالث: أن هذا، وإن كان حدا، فهو قتل حربي أيضا؛ فصار بمنزلة قتل حربي تحتم قتله، وهذا يجوز قتله لكل أحد ...
الوجه الرابع: أن مثل هذا قد وقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل المنافق الذي قتله عمر بدون إذن النبي صلى الله عليه وسلم، لما لم يرض بحكمه، فنزل القرآن بإقراره، ومثل بنت مروان التي قتلها ذلك الرجل، حتى سماه النبي صلى الله عليه وسلم ناصر الله ورسوله؛ وذلك أن من وجب قتله لمعنى يكيد به الدين ويفسده، ليس بمنزلة من قتل لأجل معصيته من زنا ونحوه. " انتهى من الصارم المسلول (285-286) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6999)
الاستخفاف بالله سبحانه على جهة الهزل
[السُّؤَالُ]
ـ[ي بخصوص صديق لي كان يمزح بجهل، فأثناء ما كان يمزح مع صديق آخر استفزه الأخير، فالتقط الأول سماعة الهاتف وقال بكل جهل: "لابد أن أخبر الله". ثم استمر قائلا في الهاتف: "مرحبا الله" كأنه يتكلم إلى الله، وأنا أعلم أن هذا لا يجوز لكن هل هذا شرك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد، فالإيمان بالله تعالى مبني على تعظيمه سبحانه وإجلاله والانقياد له، ولذا عاب الله الكافرين وأخبر أنهم إنما أشركوا به سبحانه غيره لما لم يقدروا الله حق قدره فقال:
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الزمر /67.
فالله جل شأنه هو العظيم الذي تكاد السماوات تتفطر من عظمته كما قال سبحانه:
(تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الشورى/5.
ومن تفكر في مخلوقات الله رأى طرفا من آثار عظمته سبحانه، يقول النبي صلى الله وسلم في وصف الكرسي والعرش: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/223) .
ولا يجتمع في القلب الواحد تعظيم الله عز وجل مع الاستخفاف به ولذا كان الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته ورسله كفر كيفما وقع جدا أو هزلا قال الله تعالى في سورة التوبة:
(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة 64-66.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله جادا أو هازلا فقد كفر"
الصارم المسلول (2/70)
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن عند هذه الآية: " لا يخلو أن يكون ما قالوه ـ أي المنافقين ـ من ذلك جدا أو هزلا، وهو ـ كيفما كان ـ كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة " اهـ.
وقال العلامة السعدي: " إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة ".
وما قاله هذا الرجل فيه استخفاف بالله سبحانه ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ، وتنزيل لله ـ جل شانه وعز سلطانه ـ منزلة البشر، في الخطاب والكلام، وهذا كفر لا يشك فيه من له أدنى معرفة بدين الله، ولا يقدم عليه إلا جاهل طافح الجهل، أو رجل لا يعرف قلبه لله وقارا!!
ثم زاد كفر الاستهزاء واللعب كفرا وضلالا، قول هذا البائس: (لا بد أن أخبر الله) ؛ فهل يحتاج الله تعالى إلى خبر الجاهل الظلوم؟!!
(إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران/5.
فعلى هذا المسكين أن يجدد إيمانه، ويدخل في الإسلام من جديد، ويتوب إلى الله تعالى من هذا الكفر الصراح، وليستكثر ـ فيما بقي من عمره ـ من الصالحات والخيرات، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنه، ويغفر له جهله وعدوانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7000)
نزلت به مصيبة فارتد عن الإسلام فهل له من توبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت محافظا على الصلاة كلما تيسر لي ذلك، وكنت من المتفوقين في دراستي مما مكنني من دخول مدرسة الهندسة وكنت من الحامدين لله. وكباقي الشباب كنت طموحا في نيل بيت وزوجة جميلة ومرتب محترم وكنت كثير الدعاء في الليل والنهار. فابتليت في دراستي بفشلي في نيل رتبة تمكنني من المواصلة في دراسة الهندسة فأحسست أنني ظلمت فرحت أقول فلان لا يصلي ويسر له الله ليصبح مهندسا وأنا من أصلي لم أنجح؟ ولم أصبر فقلت في نفسي أقوالا تخرجني من الملة كسب الله والدين وبالضبط سب القدر وانقطعت عن الصلاة مدة قصيرة وأنا كاره أن لا ألبي الأذان فقلبي أصبح معلقا بالصلاة. وبعد أن انزاح الغضب أدركت عظمة ما اقترفت في حق الله وخفت أن أموت والله غاضب عني فبكيت ولم أستطع أن أواصل دراستي لأني دائما مشغول بذنوبي. فرحت أبحث عن فتوى تريحني هل يغفر لي الله ذنبا قال فيه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . فاستفتيت في هذا الأمر ففرحت بقول الله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ... ) فبحثت ووجدت أن هذه الآية نزلت في قوم لم يكونوا مسلمين وسألوا الرسول هل لهم من توبة؟ أما أنا فمسلم وبالتالي فرحتي سرعان ما تحطمت.
ففقدت الأمل بالمغفرة، فلم أبق محافظا على الصلاة كما كنت وعلى النوافل وصيام الاثنين. وأسئلتي هي كالتالي: هل ورغم توبتي لن أبقى مع أمة محمد لما روى البخاري أن الرسول قال يأخذ الله يوم القيامة أناسا عن يميني فأقول أصحابي.. فيقول الله إنهم ليسوا أصحابك إنهم أناس ارتدوا من بعدك؟ وهل صحيح أني وإن أصدق في توبتي ورغم استعدادي لإقامة الحد عن نفسي وإن أفعل ما أفعل لن يغفر الله لي؟ لأنه لا يغفر أن يشرك به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن كان ما ذكرت من السب للدين والقدر، قد تلفظت به، فلا شك أن ما صدر منك أمر عظيم، وهو ردة عن الإسلام، وقد أسأت بذلك إلى الله العظيم الذي أنعم عليك، وخلقك، وهداك، وهو أرحم بك من كل أحد، ولعله صرفك عن الهندسة، لخير عظيم أراد أن يسوقه إليك، أو شر كبير، أراد أن يصرفه عنك، فكان عليك أن تسلّم وترضى.
وإن كان مجرد حديث في النفس، لم تتلفظ به، ولم يستقر في قلبك، فكان عليك أن تبادر برفضه، واستحضار نعمة الله وفضله عليك.
وفي كل حال، تركك للصلاة ذنب آخر، ومصيبة أخرى، ومعلوم أن تارك الصلاة كسلا، مختلف في كفره بين أهل العلم، والراجح أنه كافر، لدلالة النصوص على ذلك.
ثانيا:
مهما عظم ذنبك فإن حلم الله تعالى أعظم.
ومهما كان ذنبك، ثم تبت منه، فإن الله تعالى يتقبل توبتك، ويعفو عنك، وقد وعد بذلك، وهو أصدق القائلين سبحانه وتعالى.
والآية الكريمة التي ذكرتها، وهو قوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء/48، هي في حق من لقي ولم يتب من الشرك، فالله لا يغفر له، وأما من تاب قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها، فإن الله تعالى يتقبل منه، ويبدل سيئاته حسنات، سواء وقع في الكفر والشرك أو في الكبائر أو الصغائر، والمهم أن يتوب توبة صادقة، يندم على ما فات، ويعزم على عدم العود إليه أبدا.
والدليل على ذلك قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70.
وقال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وقال: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
ولا فرق في ذلك بين من كان كافرا في الأصل ثم هداه الله، وبين من كان مسلما ثم ارتد – عياذا بالله – ثم تاب وأناب، فالتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب، والإسلام يهدم ما كان قبله.
وقوله سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/ 53، عام في كل من أذنب ثم تاب، سواء كان كافرا من الأصل أو كان مسلماً وارتد، بل تشمل كل أصحاب المعاصي.
قال ابن كثير رحمه الله: " هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبةٍ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه " انتهى من "تفسير كثير" (4/75) .
وأما الذين يزادون عن الحوض، ويقال فيهم: (إنهم أحدثوا بعدك) فهذا في حق من لم يتب، بل لقي الله تعالى محدِثا مرتدا.
فإذا كنت قد تبت إلى الله تعالى، فأبشر، واحمد الله تعالى أن مدّ في عمرك حتى رجعت إلى الإسلام، وأكثر من الصالحات، واجتهد في الطاعات، ليكون حالك بعد التوبة أفضل من حالك قبلها، واحذر من التهاون في الصلاة أو تأخيرها عن أوقاتها، فإن الصلاة شأنها عظيم، وهي صلة بين العبد وربه، وباب إلى السعادة والراحة وانشراح الصدر، نسأل الله أن يتقبل منك، وأن يتجاوز عن ذنبك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7001)
كيف يعود المرتد إلى الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتد شخص عن الإسلام ثم قرر العودة إلى الإسلام مؤخراً. فما هي الطريقة التي يجب عليه اتباعها للعودة إلى الإسلام؟ وهل هناك مدة محددة يمكن خلالها العودة للإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ارتد شخص عن الإسلام ثم قرر العودة إليه، فالطريقة التي يجب عليه اتباعها أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإن كانت الردة بسبب جحد أمرٍ من الدين بالضرورة، فلا يتم رجوعه إلا بالإقرار بما جحده، وليست هناك مده يمكن خلالها العودة إلى الإسلام فتقبل توبته وعودته ما لم يغرغر وتخرج روحه، فإذا وُفِّق للرجوع إلى الإسلام في وقت الإمكان وأدى ما أمكنه من شرائعه فهو مسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/7002)
أسلم ثم خرج من الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في الرجل المسلم الذي ينتقل إلى دين آخر فيما بعد؟ أرجو أن تزودني بالإجابة لأنني أريدها للضرورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الردة هي الكفر بعد الإسلام، وليس شيء من السيئات يُحبط جميع الأعمال إلا هي، فإن مات على ردته: حبط عمله، فإن رجع إلى الإسلام: رجع ثواب عمله ولا يجب عليه قضاء ما تركه حال الردة من صلاة أو صوم.
قال شيخ الإسلام:
وأما الردة عن الإسلام بأن يصير الرجل كافراً مشركاً أو كتابيّاً: فإنه إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء كما نطق بذلك القرآن في غير موضع كقوله: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} ، وقوله: {ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله} ، وقوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} ، وقوله: {لئن أشركتَ ليحبطن عملك} .
" مجموع الفتاوى " (4 / 257، 258) .
وأما حكم الشرع في المرتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام وجب قتله.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
رواه البخاري (6484) ومسلم (1676) .
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) .
رواه البخاري (6922)
ثم إذا قُتل فإنه يموت كافراً فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويوم القيامة يكون من أصحاب النار الذي هم فيها خالدون.
وقد لفظت الأرض مرتدّاً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، عبرةً وعظة للناظرين.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجلٌ نصرانيّاً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيّاً فكان يقول: ما يدري محمَّدٌ إلا ما كتبتُ له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظتْه الأرض، فقالوا: هذا فعل محمَّدٍ وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا، فألقوه فحفروا له فأعمَقوا، فأصبح وقد لفظتْه الأرض، فقالوا: هذا فعل محمَّد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظتْه الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه.
رواه البخاري (3421) ومسلم (2781) وفي آخره – عنده – " فتركوه منبوذاً " -.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7003)
حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في أحد الأشرطة أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل وإن أظهر التوبة. فهل يقتل حدا أم كفرا؟ وإن كانت توبته نصوحا فهل يغفر الله له أم أنه في النار وليس له من توبة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجواب على هذا السؤال يكون من خلال المسألتين الآتيتين:
المسألة الأولى: حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم.
أجمع العلماء على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين فهو كافر مرتد يجب قتله.
وهذا الإجماع قد حكاه غير واحد من أهل العلم كالإمام إسحاق بن راهويه وابن المنذر والقاضي عياض والخطابي وغيرهم. الصارم المسلول 2/13-16.
وقد دل على هذا الحكم الكتاب والسنة:
أما الكتاب؛ فقول الله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة / 66.
فهذه الآية نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسب بطريق الأولى، وقد دلت الآية أيضاً على أن من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر، جاداً أو هازلاً.
وأما السنة؛ فروى أبو داود (4362) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا.
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/126) : وهذا الحديث جيد، وله شاهد من حديث ابن عباس وسيأتي اهـ
وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو داود (4361) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ [سيف قصير] فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ. فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود (3655) .
والظاهر من هذه المرأة أنها كانت كافرة ولم تكن مسلمة، فإن المسلمة لا يمكن أن تقدم على هذا الأمر الشنيع. ولأنها لو كانت مسلمة لكانت مرتدةً بذلك، وحينئذٍ لا يجوز لسيدها أن يمسكها ويكتفي بمجرد نهيها عن ذلك.
وروى النسائي (4071) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقُلْتُ: أَقْتُلُهُ؟ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحيح النسائي (3795) .
فعُلِم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يقتل من سبه ومن أغلظ له، وهو بعمومه يشمل المسلم والكافر.
المسألة الثانية: إذا تاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم فهل تقبل توبته أم لا؟
اتفق العلماء على أنه إذا تاب توبة نصوحا، وندم على ما فعل، أن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله تعالى له.
واختلفوا في قبول توبته في الدنيا، وسقوط القتل عنه.
فذهب مالك وأحمد إلى أنها لا تقبل، فيقتل ولو تاب.
واستدلوا على ذلك بالسنة والنظر الصحيح:
أما السنة فروى أبو داود (2683) عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود (2334) .
وهذا نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته، بل يجوز قتله وإن جاء تائبا.
وكان عبد الله بن سعد من كتبة الوحي فارتد وزعم أنه يزيد في الوحي ما يشاء، وهذا كذب وافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أنواع السب. ثم أسلم وحسن إسلامه، فرضي الله عنه. الصارم 115.
وأما النظر الصحيح:
فقالوا: إن سب النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق به حقان؛ حق لله، وحق لآدمي. فأما حق الله فظاهر، وهو القدح في رسالته وكتابه ودينه. وأما حق الآدمي فظاهر أيضا فإنه أدخل المَعَرَّة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السب، وأناله بذلك غضاضة وعاراً. والعقوبة إذا تعلق بها حق الله وحق الآدمي لم تسقط بالتوبة، كعقوبة قاطع الطريق، فإنه إذا قَتَل تحتم قتله وصلبه، ثم لو تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله من تحتم القتل والصلب، ولم يسقط حق الآدمي من القصاص، فكذلك هنا، إذا تاب الساب فقد سقط بتوبته حق الله تعالى، وبقي حق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسقط بالتوبة.
فإن قيل: ألا يمكن أن نعفو عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عفا في حياته عن كثير ممن سبوه ولم يقتلهم؟
فالجواب:
كان النبي صلى الله عليه وسلم تارة يختار العفو عمن سبه، وربما أمر بقتله إذا رأى المصلحة في ذلك، والآن قد تَعَذَّر عفوُه بموته، فبقي قتل الساب حقاًّ محضاً لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه، فيجب إقامته. الصارم المسلول 2/438.
وخلاصة القول:
أن سب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المحرمات، وهو كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك جاداًّ أم هازلاً. وأن فاعله يقتل ولو تاب، مسلما كان أم كافراً. ثم إن كان قد تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، فإن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله له.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو (الصارم المسلول على شاتم الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته، لاسيما في هذه الأزمان التي تجرأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صلى الله عليه وسلم، لما رأوا تهاون المسلمين، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم، وعدم تطبيق العقوبة الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح.
نسأل الله تعالى أن يعز أهل طاعته، ويذل أهل معصيته.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7004)
التعامل مع الأم المطلّقة التي تحنّ إلى دين الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو مساعدتي في مشكلتي فوالدي مطلقان حديثاً وأصبحت أمي تعيش وحدها بعيداً عن أبنائها وهي ترفض العيش معهم ثم أعلنت قريباً أنه حين تموت لا بد أن تحرق جثتها وهي تعود إلى ديانتها الأولى (الهندوسية) ثم تعود إلى الإسلام وهكذا دواليك وباعتباري أكبر الأبناء فإنني بجانبها دائماً ولا أدري ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يبدو أن والدتك محتاجة إلى عطف وعناية وفي الوقت نفسه دبّ إليها شيء من الحنين إلى الماضي متمثّلا في ديانتها المنحرفة، فأما الأمر الأول فأهميته نابعة من فقدانها مكانتها بالطلاق الذي حصل، فعليك أنت وإخوانك بمحاولة تعويضها بعض ما فقدت لتخفّ عليها مصيبتها وتنسى مرارة الإنكسار الذي حصل بالطلاق، وسيكون عليك العبء الأكبر في هذا لأنّك أقرب أولادها إليها كما ذكرت، وتتواصى مع بقيّة إخوانك وأخواتك في القيام بواجب العناية والرعاية والعطف وذلك بالكلمة الطيّبة والمواساة الرقيقة وخدمتها والقيام بشؤونها والإنفاق عليها والاستمرار في الزيارة والصلة حتى تستقر حالتها النّفسية ويهدأ بالها ويطيب خاطرها.
وأما بالنسبة للأمر الثاني وهو الحنين إلى ديانتها الأولى المنحرفة فعليكم مواجهته بالقيام بموعظتها وبذل الجهد في تبيان خطر الردّة في العودة إلى الكفر: ذكّروها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ. " رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم في صحيحه رقم460
وخوّفوها بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) سورة محمد، وبيّنوا لها مصير المرتدّ الوارد في قوله سبحانه: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) سورة البقرة.
وإذا بذلتم جهدكم فلستم بملومين بعد ذلك إذا حصل ما تكرهون، ولكن يجب عليكم بكل حال عدم تنفيذ أي رغبة أو وصية بحرق الجثمان بعد الموت لأنّه أمر منكر لا تقرّه شريعة الإسلام (يُنظر السؤال 675) ، ونسأل الله الهداية والثبات على الإسلام وحسن الخاتمة لأمكم ولجميع المسلمين وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7005)
ارتدت زوجته عن الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تقدم إليَّ أحد الأخوة سائلا: "ماذا يفعل إذا أخبرته زوجته بأنها لا ترغب أن تكون مسلمة بعد الآن. إنها تؤمن بوجود رب , لكنها لا تريد أن تكون مسلمة. وقد قالت بأنها لا تهتم إذا كان ذلك يؤدي بها إلى النار. لقد توقفت عن تأدية الصلاة، وخلعت الغطاء عنها وعن بنتها (وهذه البنت ليست بنتا لهذا الأخ السائل) ، وقالت بأنهما لا يتبعان الإسلام بعد الآن." وقد قالت أيضا بأنها تريد أن تنتقل. فضيلة الشيخ, نحن نريد أن نعرف كيف نتصرف بسرعة. إذا كانت هذه المرأة قد ارتدّت , فهل يؤثر ذلك في زواج ذلك الأخ بها؟ وهل زواجهما ساري المفعول؟ وهل تدخل في حكم المعتدة؟ وهل يجوز للأخ أن يخلو بها؟ وهل يبقى معها في البيت نفسه (لقد طلبت منه مغادرة البيت, وقد أدخلت بعض التماثيل وغيرها من الأمور المحرمة إلى البيت) ؟ إن ذلك قد يؤدي إلى حصول فتنة, ويضعف من إيمان الأخ بسبب انفعالاته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أنها والحالة هذه قد اختارت الكفر على الإيمان، ولا تريد البقاء على الإسلام، وتطعن في الإسلام وفي شعائره، وتخالف تعاليمه فتكون والحال هذه كافرة مرتدة لا يجوز له أن يُمسكها في ذمته لقوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) أي إذا كان له زوجة كافرة فلا يجوز أن يمسك بعصمتها فعليه أن يناصحها ويقيم عليها الحجة ثم يفارقها، وإذا كان في مكان فيه سلطة إسلامية وقضاء شرعي أن يرفع أمرها إلى القاضي الشرعي ليستتيبها فإن لم تتب نُفذ فيها حكم الله وهو القتل لقوله عليه الصلاة والسلام: " من بدّل دينه فاقتلوه ".
أما إذا لم يستطع ذلك ولم يوجد في بلده حكم إسلامي ولا قضاء شرعي فلا أقل من أن يفارقها فراقا كاملا، ولا يجوز له معاشرتها بعد تصريحها بالكفر.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/7006)
ارتد عن الإسلام ثلاث مرات
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تركت الإسلام وعدت ثلاث مرات وأشعر أن هذا بسبب المعتقدات التي أشربتها فكيف أرسخ إيماني والتقوى في قلبي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد قال الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) ، وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . وحقيقة الإسلام هي الاستسلام لله وحده بعبادته وحده لا شريك له وطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصل دين الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فيجب على كل مسلم أن يدين بالإسلام، فيخلص العبادة لله، ويتبع النبي عليه الصلاة والسلام، فمن استقام على ذلك حتى يموت كان من أهل الجنة، ومن لم يدخل في الإسلام حتى مات كان من أهل النار، ومن دخل فيه ثم رجع عنه وتركه كان مرتدا كافرا، فإن مات على كفره كان من أهل النار، وإن تاب ورجع إلى الإسلام واستقام على ذلك حتى الممات لم تضره ردته، وكان من أهل الجنة، ولو وقعت منه الردة أكثر من مرة. ولكن يُخشى على من تكررت منه الردة عن الإسلام عدة مرات أن لا يوفق إلى التوبة (وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا (137)) . فبادر أيها الأخ السائل بالتوبة النصوح واستقم على الإسلام وحافظ على فرائضه التي فرضها الله على عباده، وأعظم ذلك الصلوات الخمس، واجتنب المعاصي، وسل ربك الثبات على دينه وإذا عرض لك فتور فاستعن بالله، واستعذ بالله من الشيطان، وإذا عرض لك في نفسك وسواس يشكك في الإسلام أو في بعض أصوله فأعرض عنه، واستعذ بالله من الشيطان، وقل آمنت بالله ورسوله. وعليك بتلاوة القرآن، وقراءة الكتب التي تحبب إليك الإسلام، وترغبك في طاعة الله، مثل كتاب (رياض الصالحين للإمام النووي) و (تفسير العلامة عبد الرحمن السعدي، تيسير كلام الرحمن في تفسير كلام المنان) . واحذر من الكتب التي تشكك في الإسلام، وتزين لك المعاصي، واحذر من قرناء السوء فإنهم من شياطين الإنس، وعليك بالأصحاب الذين يعينونك على الاستقامة، واحذر من الجدال في أمور الدين فإنه يسبب القلق، والحيرة وجاهد نفسك في طاعة الله فإنه يهدي المجاهدين إلى طريق الرشاد، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) .
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/7007)
أعلن ردّته فراراً من الكفارة ثم تاب وندم!!
[السُّؤَالُ]
ـ[سأبدأ بطرح سؤالي مباشرة , والذي يؤرقني منذ مدة. عندما كنت في الخامسة عشر من عمري وفي إحدى ساعات نهار شهر رمضان المبارك استمنيت. وبعدها تداركت نفسي وصرت أبحث عن حكم الذنب الذي اقترفته , اعتقدت أن علي كفارة جماع , ولأني لا أستطيع لها جهدا فقلت لنفسي سأصبح كافرا, والعياذ بالله, ثم اسلم من جديد وبهذا سيغفر الله لي وتسقط عني الكفارة. وفعلا وكالمخبول قلت أنا الآن كافر وسأسلم غدا. والآن عمري ثلاثين سنة ولازلت أفكر في تلك الحادثة , وكلما أتذكرها أستغفر الله وأشهد أن لا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله. طوال عمري أصوم وصلي وإلى الآن والحمد لله. ولكن هل يجب إقامة الحد علي , وهو القتل, حتى يقبل الله توبتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يزل الشيطان يزيِّن للإنسان الباطل ويستدرجه من حيث لا يشعر حتى يوقعه في أقبح القبائح وأكبر الكبائر (الشرك بالله) وهو يظن أنه بذلك يحسن إلى نفسه، وكيف يفر إنسان من صيام شهرين متتابعين إلى الكفر بالله العظيم الذي حرم الله تعالى الجنة على من لقيه به!!
إن مثل من يفعل ذلك كمثل المستجير من الرمضاء بالنار، فَرَّ من شيء فوقع فيما هو أقبح منه وأشد.
هذا، مع أن هذه الحيلة لا تنفعه في إسقاط ما وجب عليه، لأنه حيلة محرمة، بل هي أعظم المحرمات على الإطلاق، والقاعدة عند العلماء: (أن الحيلة لا تسقط واجباً ولا تبيح محرّماً)
وهل يضمن الإنسان أنه إذا أقدم على هذا الذنب العظيم أن الله سيهمله حتى يتوب ويرجع، أفلا يمكن أن تكون آخر لحظات حياته هي تلك التي أعلن فيها كفره والعياذ بالله. فيكون ممن حبطت أعماله في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
أفلا يخشى أن يعاقبه الله تعالى على هذه الفعلة الشنيعة فيحول بينه وبين التوبة والرجوع إلى الإسلام (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف/5.
والحاصل " أن الذي أقدمت عليه أمر عظيم تقشعرّ منه جلود الذين آمنوا، والحمد لله الذي وفقك للتوبة، ونرجو أن يكون الله تعالى قد قبِل توبتك وغفر لك ذنبك.
ومن تمام توبتك الإكثار من الأعمال الصالحة من ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والاستغفار وتعلُّم العلم وتعليمه والصدقة. والدعوة إلى الله.. إلخ وأبواب الطاعات كثيرة، فاجتهد فيها يغفر الله لك. قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
ثانياً:
عقوبة المرتد عن الإسلام هي القتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري (3017)
وجمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) على أن هذه العقوبة تسقط عمن تاب ورجع إلى الإسلام، وهو الموافق لحالتك.
وانظر: " المغني" (9/18) ، و "شرح مسلم للنووي" (12/208)
ثالثاً:
وأما حكم الاستمناء في نهار رمضان فهو مفسد للصيام والواجب عليك هو قضاء هذا اليوم فقط، وليس كفارة الجماع، وقد سبق في جواب السؤال (50632) أن الكفارة في إفساد الصيام لا تجب إلا بالجماع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7008)
هل يجوز له قتل السحرة دون إذن ولي الأمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتشر في بلادنا السحرة، ويؤذون الناس ويضرونهم، فهل يجوز قتلهم حتى نريح الناس من شرهم؟
مع العلم أن حكومتنا ترخص لهم في العمل وتأخذ منهم الضرائب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا ثبت أن هذا الشخص يعمل بالسحر فالواجب قتله؛ دفعاً لضرره وشره عن الناس، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (13941) .
والواجب على من ولاه الله أمر العباد أن يحكم فيهم بما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) المائدة /49، وقال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، وفي آية أخرى قال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة /45، وفي آية ثالثة: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة /47.
ولا يجوز أبدا إسقاط العقوبة الشرعية وإلغاؤها، وأقبح من ذلك وأشنع إقرار هذا العمل المحرم والترخيص للساحر أن يعمل بسحره مقابل دفعه الضرائب!! .
فهذا تضييع وخيانة للأمانة التي سيسأل عنها الحاكم يوم القيامة، يوم يعض على يديه ندماً، ولكن بعد فوات الأوان، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً) الفرقان /27-29
ثانياً:
إذا كان الحاكم لا يفعل ما وجب عليه من إقامة العقوبات الشرعية، فليس لأحد من عامة المسلمين أن يفعل ذلك؛ لأن العقوبة تحتاج أولاً إلى إثبات أن هذا الشخص يستحق هذه العقوبة، ثم تحتاج ثانياً إلى قوة لتنفيذها.
ولو فتح الباب للناس في إقامة العقوبات الشرعية لعَمَّت الفوضى في المجتمع، ولم يأمن أحد على نفسه وماله.
قال علماء اللجنة الدائمة:
والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة: هو الحاكم المتولي شؤون المسلمين؛ درءاً للمفسدة؛ وسداً لباب الفوضى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 552) .
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (13941) عن الشيخ سليمان العلوان قوله:
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما: فإنه يقتل وجوباً، فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة، ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه؛ لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان. انتهى.
وقد ذكرنا مسألة اشتراط السلطان في إقامة الحدود في جواب السؤال رقم (8980) ونقلنا هناك اتفاق العلماء على ذلك.
وعليك تحذير الناس من هذا الساحر، ومن الذهاب إليه، وبيان أن هذا الفعل قد يصل بصاحبه إلى الكفر والخروج من الإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7009)
الحكم في من سب دين رجل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجب الكفارة على من سب مسلما.كالقول لمسلم: لعن دين أمك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سب الدين أو الملة أو الإسلام كفر أكبر، بإجماع أهل العلم، يُستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل، عياذا بالله من ذلك. وانظر السؤال رقم (42505) ، (65551)
وأما سب دينِ شخصٍ مسلمٍ معين، كقوله: يلعن دينك، أو دين أمك – والحال أن أمّه مسلمة - فظاهره سب الدين أيضا، وهو كفر كما سبق، وأبدى بعض أهل العلم احتمالا، وهو أن يكون مراده حالة الشخص وتدينه، وهذا قد يؤخذ من القرائن المحيطة، فحينئذ يعزر ويؤدب، وبكل حال فإنه يستتاب ويراجع.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/139) : " اتفق الفقهاء على أن من سب ملة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافرا , أما من شتم دين مسلم، فقد قال الحنفية كما جاء في جامع الفصولين: ينبغي أن يكفر من شتم دين مسلم , ولكن يمكن التأويل بأن المراد أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الإسلام فينبغي أن لا يكفر حينئذ " انتهى.
وقال الشيخ عليش المالكي: " وفيه أيضا [أي البرزلي] نزلت مسألة وهي أن رجلا كان يزدري الصلاة وربما ازدرى المصلين وشهد عليه ملأ كثير من الناس منهم من زكي ومنهم من لم يزك، فمن حمله على الازدراء بالمصلين لقلة اعتقاده فيهم فهو من سباب المسلم فيلزمه الأدب على قدر اجتهاد الحاكم، ومن يحمله على ازدراء العبادة فالأصوب أنه ردة لإظهاره إياه وشهرته به كهذه المسألة المذكورة، لا زندقة ويجرى على أحكام المرتد اهـ.
قلت: يؤخذ من هذا الحكم فيمن سب الدين أو الملة أو المذهب وهو يقع كثيرا من بعض سفلة العوام كالحمّارة والجمّالة والخدامين وربما وقع من غيرهم وذلك أنه إن قصد الشريعة المطهرة والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو كافر قطعا، ثم إن أظهر ذلك فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن لم يظهره فهو زنديق يقتل ولو تاب.
وإن قصد حالة شخص وتديّنه فهو سب المسلم ففيه الأدب باجتهاد الحاكم، ويفرق بين القصدين بالإقرار والقرائن، وبعضهم يجعل القصد الثاني كالأول في الحكم، ففي البدر عن بهرام في مبحث الردة: إذا قال تارك الصلاة لمن قال له صل: إذا دخلت الجنة فأغلق الباب خلفك، فإن أراد أن الصلاة لا تأثير لها في الدين فقد ارتد اتفاقا، وإن أراد أن صلاة القائل لا تأثير لها لكونها لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ففي ردته قولان اهـ. ومن المعلوم أن من الدين والملة القرآن العزيز، وسبه كفر كما ذكره البرزلي في مواضع " انتهى من "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (2/346) .
والاحتمال الذي ذكره، ربما وقع نادرا، وإلا فالأصل أن لعن دين الشخص هو لعن للإسلام، ولا يقدم على هذا إلا متهور مجترئ على حدود الله، مقتحم لهذه المهلكة العظيمة، ولندرة هذا الاحتمال فإن الشيخ عليش رحمه الله لم يذكره في موضع آخر، حيث سئل ما نصه: " (ما قولكم) في رجل لعن دين آخر، وفي آخر لعن مذهبه، وفي آخر قال له: يلعن مذهبك مذهب القطط، هل يرتدون أفيدوا الجواب.
فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، نعم قد ارتدوا بذلك، واستحقوا القتل إن لم يتوبوا اتفاقا؛ لأن سب الدين أو المذهب لا يقع إلا من كافر، ولأنه أشد من الاستخفاف به الموجب للكفر، ولأنه داخل في القسم الثاني المتقدم عن ابن عبد السلام والقرافي وابن رشد وغيرهم، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ". انتهى من "فتح العلي المالك" (2/355) .
ثانيا:
كفارة السب، سواء كان سبا للدين أو للشخص، هي التوبة النصوح، فمن تاب تاب الله عليه، إلا أن الساب يستحق التعزير والتأديب. سئل النووي رحمه الله: " ماذا يجب على من يقول للمسلم: يا كلب، أو يا خنزير، ونحوه من الألفاظ القبيحة هل يأثم؟.
فأجاب: الحمد لله، يأثم ويعزر، وعليه التوبة. والله أعلم ". انتهى من "فتاوى النووي" ص 224
وانظر السؤال رقم (42505) ففيه تفصيل الكلام في توبة من سب الدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7010)
بعض أحكام الردة والمرتدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسرور لأني وصلت إلى موقعك هذا، وقد ولدت مسلماً وتلقيت الكثير من التعليم الإسلامي بعد بلوغي، وأحاول استيعاب وفهم أمور ديني.
وقد قرأت في بعض إجابتك المتعلقة بموضوع الردة أن عقوبة المرتد القتل، لكني قرأت في أحد المواقع في الانترنت أن المرتد الذي يقتل هو الذي يتخذ موقفاً محارباً للدين. وأنا أميل إلى الرأي الثاني أكثر.
والسبب في ذلك أن لي اصدقاء ولدوا من عائلات إسلامية ويتسمون بأسماء إسلامية لكن بعضهم لا يعرف كيف يتوضأ وكيف يصلي ولكنهم يعرفون الشهادتين.
فهل يمكن أن نعتبر هؤلاء مرتدين ونقتلهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
على المسلم أن لا يميل إلى قول دون قول لمجرد موافقة القول لهواه أو لعقله، بل لا بد أن يأخذ الحكم بدليله من الكتاب والسنة، ولا بد أن يقدِّم نصوص الشريعة وأحكامها على كل شيء مما عداها.
ثانيا:
الردة والخروج من الإسلام قد تكون بالقلب أو اللسان أو العمل.
فقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى، أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل، أو بغض الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم، أو إهانة المصحف، أو ترك الصلاة.
والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في الرد على الاتحادية الباطنية -:
"ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة" اهـ.
مجموع الفتاوى " (2 / 193) .
ثالثاً:
ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافرا مرتداً، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره، منها:
الجهل، والتأويل، والإكراه، الخطأ.
أما الأول: فهو أن يكون الرجل جاهلاً لحكم الله تعالى، بسبب بعده عن ديار الإسلام كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية، وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل، ويقل العلم، وهم الذي استشكل السائل الحكم بتكفيرهم وقتلهم.
والثاني: هو أن يفسر الرجل حكم الله تعالى على غير مراد الشرع، كمن قلد أهل البدع فيما تأولوه كالمرجئة والمعتزلة والخوارج ونحوهم.
والثالث: كما لو تسلط ظالم بعذابه على رجل من المسلمين فلا يخلي سبيله حتى يصرح بالكفر بلسانه ليدفع عنه العذاب، ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان.
والرابع: ما يسبق على اللسان من لفظ الكفر دون قصد له.
وليس كل واحدٍ ممن جهل الوضوء والصلاة يمكن أن يكون معذوراً وهو يرى المسلمين يقومون بالصلاة ويؤدونها، ثم هو يقرأ ويسمع آيات الصلاة، فما الذي يمنعه من أدائها أو السؤال عن كيفيتها وشروطها؟ .
رابعاً:
المرتد لا يقتل مباشرة بعد وقوعه في الردة، لا سيما إذا كانت ردته بسبب شبهة حصلت له، بل يستتاب ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال شبهته إن كان عنده شبهة فإن أصر على الكفر بعد ذلك قتل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/18) :
المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. . . . لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ , وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا , وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ اهـ.
وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب قتل المرتد.
روى البخاري (6922) عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) .
وروى البخاري (6484) ومسلم (1676) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) .
وعموم هذه الأحاديث يدل على وجب قتل المرتد سواء كان محاربا أو غير محارب.
والقول بأن المرتد الذي يقتل هو المحارب للدين فقط مخالف لهذه الأحاديث، وقد جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبب في قتله هو ردته لا محاربته للدين.
ولا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته، بل يقتل ولو تاب، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال رحمه الله:
الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول أي: الردة المجردة -، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين....
" الصارم المسلول " (3 / 696) .
والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة، قال القاضي عياض:
وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول، وقوله: " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته.
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 1091) .
وعليه: فيتبين خطأ ما قاله الأخ السائل من كون المرتد لا يقتل إلا إن كان محارباً للدين، والتفريق الذي ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية لعله أن يزيل الإشكال ويوضح المراد.
والمحاربة للدين ليست قاصرة على محاربة السلاح فقط، بل المحاربة تكون باللسان كسب الإسلام أو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوالطعن في القرآن ونحو ذلك. بل قد تكون المحاربة باللسان أشد من المحاربة بالسلاح في بعض الصور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
المحاربة نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد - كما تقدم تقريره في المسألة الاولى -، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أشد، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد.
" الصارم المسلول " (3 / 735) .
خامساً:
وأما ترك الصلاة: فالصحيح أن تاركها كافر مرتد. راجع السؤال (5208) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7011)
تحليل الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تحليل الربا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع القطعي، فمن استحله كان كافرا.
لأن القاعدة: أن من أنكر شيئاً أجمع العلماء عليه إجماعاً ظاهراً أنه كافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق اهـ مجموع الفتاوى (12/497) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنى وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه كَفَر اهـ المغني (12/276) .
وقال النووي رحمه الله:
فَأَمَّا الْيَوْم وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَام وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوب الزَّكَاة حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ , وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِم وَالْجَاهِل , فَلَا يُعْذَر أَحَد بِتَأْوِيلِ يَتَأَوَّلهُ فِي إِنْكَارهَا. وَكَذَلِكَ الْأَمْر فِي كُلّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ مِنْ أُمُور الدِّين إِذَا كَانَ عِلْمه مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْس وَصَوْم شَهْر رَمَضَان وَالاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَة وَتَحْرِيم الزِّنَا وَالْخَمْر وَنِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم وَنَحْوهَا مِنْ الْأَحْكَام إِلَّا أَنْ يَكُون رَجُلًا حَدِيث عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِف حُدُوده فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُر. . . فَأَمَّا مَا كَانَ الْإِجْمَاع فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيق عِلْم الْخَاصَّة كَتَحْرِيمِ نِكَاح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا وَخَالَتهَا , وَأَنَّ الْقَاتِل عَمْدًا لَا يَرِث وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُس , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لا يَكْفُر , بَلْ يُعْذَر فِيهَا لِعَدَمِ اِسْتِفَاضَة عِلْمهَا فِي الْعَامَّة اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (حكم الربا: أنه محرم بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين. ومرتبته: أنه من كبائر الذنوب؛ لأن الله تعالى قال: (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ، وقال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) ؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم " لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه " فهو من أعظم الكبائر.
وهو مجمع على تحريمه، ولهذا من أنكر تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد؛ لأن هذا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها.
ولكن إذا قلنا هذا، هل معناه أن العلماء أجمعوا على كل صورة؟ الجواب: لا، فقد وقع خلاف في بعض الصور، وهذا مثل ما قلنا في أن الزكاة واجبة بالإجماع، ومع ذلك ليس الإجماع على كل صورة، فاختلفوا في الإبل والبقر العوامل (التي تستخدم في الحرث والسقي) ، واختلفوا في الحلي وما أشبه ذلك، لكن في الجملة العلماء مجمعون على أن الربا حرام بل من كبائر الذنوب) انتهى من الشرح الممتع على زاد المستقنع 8/387
وعلى هذا فيقال:
من أنكر تحريم الربا فهو كافر لأن تحريمه من الأمور التي دلت النصوص عليها، وأجمع العلماء على تحريمه إجماعا ظاهراً وانتشر ذلك بين المسلمين.
لكن إذا أنكر تحريم صورة من صور الربا والتي وقع الخلاف فيها بين العلماء أو لم يكن الإجماع على تحريمها ظاهراً فهذا لا يكفر بل ينظر في حاله فقد يكون مجتهداً مأجوراً على اجتهاده، وقد يكون معذوراً، وقد يكون فاسقاً إذا كان استحلاله لها اتباعاً للهوى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7012)
تسليم نصرانية تريد الإسلام إلى أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت طالبة في مدرستنا، وأفصحت عن رغبتها في اعتناق الإسلام إلى مدير المدرسة فأسلمها إلى النصارى في القرية خوفا من تحمل مسؤوليتها أمام السلطات، فما حكم ذلك المدير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان أهل الطالبة المذكورة، لو علموا بإسلامها منعوها من الإسلام، واضطروها للبقاء على الكفر، وكان تسليمها إليهم يعني احتمال تعرضها للأذى والفتنة، فلا شك أن ما قام به مدير المدرسة منكر عظيم، وإثم كبير، لما قد يترتب على عمله هذا من الضرر لتلك الفتاة المسلمة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري (2310) ومسلم (2580) .
ومعنى: (لا يُسلمه) : أي لا يلقيه إلى الهلكة، ولا يتركه عند من يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه. "فتح الباري" (5/97) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن يُنتقص فيه من عرضه , وينتهك فيه من حرمته , إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه , وينتهك فيه من حرمته , إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أحمد (16415) وأبو داود (4884) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (5690) .
وهذا المدير إن كان عاجزا عن نصرتها وتأييدها، فلا أقل من أن يدعها وشأنها، دون أن يقع في هذا المنكر العظيم، نسأل الله العافية.
أما إذا انضم إلى ذلك الإشارة عليها ألا تسلم، فذلك الكفر الأكبر والخروج من الإسلام.
قال ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله في "الإعلام بقواطع الإسلام" (ص 31) : " ومن المكفرات أيضا: أن يرضى بالكفر ولو ضمنا، كأن يسأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة الإسلام فلم يفعل، أو يقول له: اصبر حتى أفرغ من شغلي أو خطبتي لو كان خطيبا، وكأن يشير عليه بأن لا يسلم، وإن لم يكن طالبا للإسلام فيما يظهر " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (10/65) : " والرضى بالكفر كفر، حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد فلم يفعل، أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو على مسلم بأن يرتد فهو كافر " انتهى.
والواجب على كل من علم بحال هذه الفتاة من المسلمين أن يسعى لرفع الظلم عنها وتمكينها من اعتناق الإسلام، وأداء شعائره، وإبلاغ السلطات بما يمكن أن يقع عليها من الأذى لصرفها عن الإسلام، نسأل الله أن يوفقها ويثبتها على الحق، ويصرف عنها السوء بما شاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7013)
في خِصامٍ حادٍّ، أخبر عن نفسِه أنَّه كفر، فما الحُكمُ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حينَما ازدادَ نقاشِي مع أحدِ أقاربي لفظت بقولِ: "أنا كفرت "، ولطمتُ على وجهي، مع العِلمِ أَنِّي نادمٌ على ما حدث، فأريدُ التوجيهَ والإرشادَ، وما حكمُ الدينِ في ذلك؟ وهل عليَّ كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، ونسألُ الله العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة، ونسألُه حسنَ الختامِ والوفاةَ على الإيمان.
اعلم - أخي السائل - بأنَّك وقعتَ في أعظمِ ذنبٍ وأقبحِ معصيةٍ، وهي معصيةُ الكفرِ والردَّةِ، والعياذ بالله تعالى.
وهذه الكلمةُ التي ذكرتَ عن نفسِك، صريحةٌ في الكفرِ والردةِ، والعلماءُ يقولون:
عندَ ظهورِ لفظِ الكفرِ يُحكَمُ بالردةِ (إن كان يعلم معنى الكلمة) ، ولا يُسأل عن نيته، كما قالَ تعالى:
(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/65.
فأخبرَ سبحانَه أنهم كفروا بعدَ إيمانهم، مع قولِهم: إنا تكلمنا من غيرِ اعتقاد، بل كنَّا نخوض ونلعب.
قال ابنُ نُجَيم:
" إنَّ من تكلَّمَ بكلمةِ الكفرِ هازلا أو لاعبًا كفرَ عند الكلِّ، ولا اعتبارَ باعتقادِه " انتهى.
"البحر الرائق" (5/134) ، وانظر: "نواقض الإيمان القولية والعملية" (ص95) .
وقال الشيخُ ابنُ عثيمين:
" وإن أتى بقولٍ يُخرجُه عن الإسلامِ، مثلَ أن يقول: هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو مجوسيٌّ أو بريءٌ من الإسلام، أو من القرآنِ أو النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ فهو كافرٌ مرتدٌ، نأخذه بقولِه هذا " انتهى.
"الشرح الممتع" (6/279) .
والردُّة أمرُها خطيرٌ وشأنُها عظيم، فقد اختلفَ العلماءُ فيمن ارتدَّ ثم تاب، هل يبقى له من ثوابِ أعمالِه السابقةِ شيءٌ، أم تحبط كلُّها بالردة؟
وقد سئلَ الشيخُ الفوزانُ السؤالَ التالي:
ما الحكمُ فيمن ارتدَّ عن الإسلامِ ثم عاد إليه، هل يعيدُ ما فاتُه من أعمالٍ من أركانِ الإسلامِ، كالحجِّ والصومِ والصلاةِ، أم تكفي توبتُه وعودتُه إلى الإسلامِ؟
فأجابَ:
" الصحيحُ من قولي العلماء: أن المرتدَّ إذا عادَ إلى الإسلامِ، ودخلَ في الإسلامِ مرةً أخرى تائبًا منيبًا للهِ تعالى، فإنه لا يعيدُ الأعمالَ التي أدَّاها قبلَ الردةِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى اشترطَ لحبوطِ الأعمالِ بالردَّةِ أن يموتَ الإنسانُ عليها.
قالَ تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217.
فَشَرَطَ لحبوطِ الأعمالِ استمرارَ الإنسانِ على الردةِ حتى يموتَ الإنسانُ عليها، فدلت الآيةُ بمفهومِها على أنَّ الإنسانَ لو تابَ فإنَّ أعمالَه التي أدَّاها قبلَ الردةِ تكونُ صحيحةً ومُجزيةً إن شاءَ الله تعالى " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (5/429) .
وأما لطم الوجه فهو من أعمال الجاهلية التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم , وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله فقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) رواه البخاري (1294) , وهذا يدل على أن لطم الخدود كبيرة من كبائر الذنوب.
وحيث قد ندمت على ما فعلت فنرجو من الله تعالى أن يقبل توبتك , فعليك أن تنطق الشهادتين لتدخل بذلك في الإسلام بعد أن خرجت منه , ولْتحسن العمل , وعليك بحفظ اللسان , فإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوى بها في النار سبعين خريفاً.
وأما الكفارة، فليس هناك كفارة لما بدر منك إلا التوبة والندم والعزم على عدم العودة إلى ذلك.
ونسأل الله أن يتقبل توبتك , ويرزقك الاستقامة على دينه.
والله اعلم.
راجع الأسئلة التالية: (1079) (5733) (42505) .
واللهُ أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7014)
دعت ولم يُستجب لها فقالت: لا وجود لله!
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت من الله قبل عدة سنوات أن يحقق لي شيئاً ما، لم يتحقق طلبي فغضبت وقلت إن الله غير موجود، ندمت الآن لأني قلت هذا لأنني أعلم أن ما قلته يعتبر شركاً، فهل يمكن أن أتشهد مرة أخرى وأتوب وأصبح مسلمة من جديد؟ هل يعتبر هذا شركاً؟ لأنني قلت هذا عندما كنت في غضب شديد، فهل يعتبر هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما قالته السائلة هو الكفر بعينه، وكان الواجب عليها ضبط النفس وكبت القول والفعل عند الغضب، وها هو قد أدى بها إلى الوقوع في الكفر.
لذا فإننا نرى أن تشهد الشهادتين وتنوي الدخول في الإسلام، وهذا إذا كانت في وعيها وعقلها عند قول تلك الكلمة المنكرة، والغضب ليس بعذرٍ إلا إن كان قد أغلق عليها عقلها فلم تعد تدري ما تقول.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم قد يتكلم بالكلمة وتودي به إلى جهنم وتكون بسبب سخط الله.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ". رواه البخاري (6113) .
ولفظ مسلم (2988) : " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ".
فإذا دخلتِ في الإسلام من جديد بالشهادتين، وحصل منكِ ندمٌ على ما قلتِ: فإنه يرجى ألا يضيع ما عملتِ من خير.
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث (أي: أتعبد) بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم فهل فيها من أجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أسلمتَ على ما سلف من خير ". رواه البخاري (1369) ومسلم (123) .
وعليك أختي المسلمة وعلى جميع إخواننا المسلمين جعل أمر الدين والاعتقاد بمعزل عن مثل هذه المساومات إذ دين الإنسان وسلامة معتقده هو رأس مال الإنسان الذي به يحقق سعادة الدارين ورضا المولى سبحانه.
ثانياً:
ومَن دعا ربَّه تبارك وتعالى فإنه يُستجاب له على كل حال، وليست الاستجابة هي – فقط – تحقيق المطلوب في الدعاء، بل الاستجابة لها وجهان آخران وهما: صرف شرٍّ وسوء عن الداعي بقدر دعوته، وادخار أجر الدعاء ثوباً يلقاه الداعي يوم القيامة.
وقد وعد الله تعالى على لسان رسوله من دعاه مستوفياً الشروط بأحد هذه الثلاث فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مِن مسلمٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ إلا أعطاه بها إحدى خصال ثلاث: إما أنْ يعجِّل له دعوتَه، وإمَّا أنْ يدَّخر له من الخير مثلها، وإما أنْ يصرف عنه من الشرِّ مثلها، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر؟ قال: الله أكثر ". رواه أحمد (10709) ، وقد جوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2 / 479) ، وصحَّحه الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 115) .
وكل هذا هو معنى قوله تبارك وتعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} غافر / 60، وقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة / 186.
وقد يكون الخير للداعي هو عدم تحقيق مطلوبه لما في حصوله من الشر أو الفتنة له، وهو جاهل بهذا لا يدريه، فصرفه الله تعالى عنه وأعطاه ما هو خير له في الدنيا بصرف شر عنه أو في الآخرة بادخار ثواب الدعاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فالدعوة التى ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب أو مثله، وهذا غاية الإجابة، فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعاً أو مفسداً للداعى أو لغيره، والداعي جاهل لايعلم ما فيه المفسدة عليه، والرب قريب مجيب وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، والكريم الرحيم إذا سئل شيئاً بعينه وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه: أعطاه نظيره، كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له، فإنه يعطيه من ماله نظيره، ولله المثل الأعلى.
" مجموع الفتاوى " (14 / 368) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7015)
الأصل أن الزنا أعظم إثما، وأكبر جرما من الميسر وشرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف أيها إثمها أعظم وأكبر: الزنا أو شرب الخمر ولعب الميسر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الزنا والخمر والميسر من كبائر الذنوب:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة / 90
وقال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء / 32
وروى البخاري (5578) ومسلم (57) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) .
وقد جعل الله تعالى مجانبة هذه البلايا والخبائث شرطا في تكفير السيئات ورفع الدرجات، قال الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) النساء/31.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) رواه مسلم (233) .
ثانيا:
أعظم هذه الكبائر الثلاثة هو الزنا؛ فإن الله تعالى قرن ذكره بعبادة الأصنام وقتل النفس، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) الفرقان / 68
ولأنه مع كونه كبيرة بالنظر إلى حق الله تعالى، فهو اعتداء على أعز وأشرف ما يملك العبد، وهو عرضه، مع ما يترتب عليه من المفاسد العظام، والشرور الجسام، والتلطخ بأوضار العار، وقد يستمر ذلك مد الزمان، فتتوارثه الأجيال وراء الأجيال – عياذا بالله -.
قال المنذري رحمه الله:
" وقد صح أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن، ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر " انتهى.
"الترغيب والترهيب" (3 / 190)
وقال السفاريني رحمه الله:
" الزِّنَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ " انتهى ملخصا.
"غذاء الألباب" (2 / 305)
ولذلك كان حد الزنا أشد من حد شرب الخمر، وخاصة إذا كان الزاني محصنا.
وشرب الخمر أشد من الميسر؛ فقد لعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ.
رواه الترمذي (1295) وصححه الألباني.
وهي المفضية إلى كل شر وخلق رديء، وهي أم الخبائث.
ولكن قد يختلف الأمر، وذلك بحسب ما يترتب عليه من الشر والفساد، فقد يزني الرجل مرة ثم لا يعود، وقد يشرب الرجل الخمر فيدمنها فيسوء خلقه ويكثر فحشه ويهجر بيته ولا ينفق على ولده ويدعوه حبه للخمر إلى السرقة ومصاحبة أهل الفساد، إلى غير ذلك مما قد يقع فيه بعض هؤلاء، فيكون حيئذ حاله أشد وذنبه أعظم ممن زنا مرة ثم ترك الزنا.
وقد روى النسائي (5666) عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: " اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ. فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ (إناء فيه خمر) فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ. قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي. فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ. فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ "
صححه الألباني في "صحيح النسائي".
وقال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (4/500) في شرب الخمر:
" مفاسِدُهُ أَشَدُّ مِنْ مَفَاسِدِ الزِّنَا لِكَثْرَتِهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ بِشُرْبِهِ زِنًا وَسَرِقَةٌ وَقَتْلٌ، وَلِذَا وَرَدَ أَنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ " انتهى.
فالأصل أن الزنا أعظم الثلاثة، ثم الخمر، ثم الميسر، ولكن الأمر قد يختلف، وذلك بحسب ما يترتب عليه من الفساد؛ والواجب الابتعاد عن ذلك كله وما شابهه من الكبائر المحرمات.
فمن ابتلي بشيء من هذه القاذورات يوما من الدهر، فليستتر بستر الله، وليبادر بالتوبة قبل فوات الأوان، وقبل أن يطبع على قلبه بتوالي السيئات، وسواد الخطيئات.
قال الله تعالى ـ بعد ما عدد كبائر الإثم والفواحش، من الشرك بالله وقتل النفس والزنا وغير ذلك ـ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان/68-71.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7016)
وعدها أن يسلم ويتزوجها ثم وقع معها في الفاحشة وحملت منه، ولا يريد أن يُسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مطلقة ولدي صبي عمره 10 سنوات. تعرفت على رجل مسيحي وعرّفته لاسرتي وكلنا موافقين عليه ولكنا وضعنا شرطنا وهو: أنه يجب أن يسلم. الرجل أبدى استعداده وما زلت أمده بالكتب وكل ما يحتاج اليه ليتعرف على الإسلام أكثر وما زال يبدي استعداده، وخلال هذه المدة كاملة الحمد لله لم يكن بيني وبينه أي علاقة جنسية الأمر الذي اعتز به كوني من أسرة محافظة جداً وأحمد لله على ذلك. ولكن في لحظة تغلب علي الشيطان فيها في حفلة رٍأس السنة وقعنا في المحظور. بعد مرور الوقت وجدت أني حامل في الأسبوع الثامن. أعلمت هذا الرجل وطلبت منه سرعة أن يسلم ونتزوج ولكنه لم يعد الآن يأبه وإنما زاد تمسكه بدينه. وأخبرت أختي بالخبر فأشارت علي أن أسارع في إسقاطه فوراً لان والديّ لو علموا بذلك سيجن جنونهم وسينابذونني ويناصبوني العداء كما أني لا أريد لولدي الموجود حالياً أن يدخل في معمعة هذا الأمر لأن أسرتي هي من تساعدنا مادياً. كما أني لا أريد أن أضاعف الخطأ وأسقط الجنين. أما بالنسبة للرجل فانه يرفض فكرة الإسقاط وأشار علي أن أنتقل معه إلى ولاية أخرى ونعيش فيها معاً. ما رأيكم ما الحل وما النصيحة التي يمكن ان تسدوها إلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصحك به أولا وأخيرا هو أن توبي إلى الله.
كيف تقيمين علاقة مع رجل أجنبي عنك، ويكون نصرانيا، وتقعين معه في الفاحشة، ثم تريدين أن تختمي هذه الموبقات بالإجهاض؟
والشرع لا يقر علاقة بين رجل وامرأة إلا في نطاق الزواج الشرعي، وإذا كان الزنا من كبائر الذنوب، ومن أسباب عذاب القبر، ودخول النار، فالزنا بغير المسلم أكبر، وأشد قبحا، ويدل على خلل عظيم في عقيدة المسلم التي تحرم عليه موالاة الكفار ومصادقتهم، قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22، وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) الممتحنة/1.
وشروط التوبة:
1- الندم.
2- والإقلاع عن الذنب، فيجب عليك قطع علاقتك بهذا الرجل وبغيره من الرجال الأجانب عنك.
3- العزم على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى.
فتوبة من غير استقامة وترك للمعصية، لا معنى لها.
ومن كمال التوبة: أن يستقيم التائب، ويجتهد في الطاعات، ويكثر من الصدقة، لعل الله تعالى يغفر له. قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وإننا لنجزم بأنك لو تبت فإن الله تعالى سيجعل لك مخرجا من كل هم نزل بك، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق/2.
أما مع عدم التوبة، فلا ينتظر العبد من الله تعالى أن ييسر له أموره، ويفرج عنه كروبه، بل ينتظر التضييق والهم والكرب، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) طه/82.
نسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة ويغفر لك
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7017)
جريمة الزنا والخلاص من آثاره
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب على من وقع في جريمة الزنا للخلاص من آثار فعلته تلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الزنا من أعظم الحرام، وأكبر الكبائر، وقد توعد الله المشركين، والقتلة بغير حق، والزناة، بمضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود فيه صاغرين مهانين لعظم جريمتهم، وقبح فعلهم، كما قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) الفرقان/68-70، فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى التوبة النصوح، وإتباع ذلك بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، وتكون التوبة نصوحا إذا ما أقلع التائب من الذنب، وندم على ما مضى من ذلك، وعزم عزما صادقا على أن لا يعود في ذلك، خوفا من الله سبحانه، وتعظيما له، ورجاء ثوابه، وحذر عقابه، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة، ووسائلها غاية الحذر، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/397) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7018)
ادعاء بإكراه والد زوجها لها على الزنا ربع قرن! وما يترتب على ذلك من أحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن زوجة الابن كانت تُجبر على أن تضاجع أبا زوجها لمدة خمسة وعشرين سنَة! فهل هذا يفسد الزواج بزوجها الأصلي الذي هو الابن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما في السؤال هو محض خيال، وتدليس على النفس، وتلبيس من إبليس! فكيف لإجبارٍ على الزنا أن يستمرَّ ربع قرن من الزمان؟! يمكن أن يحدث أن تُجبرالمرأة على الزنا من والد زوجها، أو من غيره، مرة أو مرتين؛ يوما أو يومين؛ لكن استمرار ذلك الإجبار خمساً وعشرين سنة هو أمر غير متخيَّل، وهل عجزت عن إخبار زوجها طيلة هذه المدة؟ وكيف لم تخبر أهلها؟ وكيف لم تهرب منه ومن إجباره المزعوم؟!! وكيف، وكيف..؟
أسئلة كثيرة ترد في الذهن على مثل ذلك الادعاء الغريب تجعلنا نرفض حتى مجرد التفكير فيه.
ثانياً:
من المعلوم في الشرع المطهَّر: أن زوجة الابن محرَّمة على والد زوجها إلى يوم القيامة، قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ... وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) النساء/ 23، ومن كانت من النساء محرَّمة النكاح: كان الزنا بها أشد إثماً، وأعظم جرماً من الزنا بغيرها ممن يجوز له نكاحها، ولذا كانت عقوبة الزنا بالمحارم: القتل على كل حال، محصناً كان الزناة أو غير محصنِين، على الصحيح من أقوال العلماء.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الصحيح: أن الزنا بذوات المحارم فيه القتل بكل حال؛ لحديث صحيح ورد في ذلك – وهو حديث (مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ) رواه الترمذي وغيره، واختلف في رفعه ووقفه -، وهو رواية عن أحمد، وهي الصحيحة، واختار ذلك ابن القيم في كتاب " الجواب الكافي " أن الذي يزني بذات محرم منه: فإنه يُقتل بكل حال، مثل: ما لو زنا بأخته - والعياذ بالله -، أو بعمته، أو خالته، أو أم زوجته، أو بنت زوجته التي دخل بها، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال، لا بعقد، ولا بغيره؛ ولأن هذه فاحشة عظيمة.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (14 / 246، 247) .
وقال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في التعليق على عقوبة قتل من وقع على ذات محرَم -:
وهذا الحكم على وِفق حكم الشارع؛ فإن المحرَّمات كلما تغلظت: تغلظت عقوباتها، ووطء من لا يباح بحال: أعظم جُرماً مِن وطء مَن يباح في بعض الأحوال، فيكون حدُّه أغلظ.
" زاد المعاد " (5 / 36) .
ومن نازع في الحديث فضعفه، ونازع في الحكم فقال: إنه لا يُقتل: فيقال له: لكن هذا لا ينطبق على حالتنا هذه؛ لأن والد الزوج محصن! فإن ثبت أنه زنا بزوجة ابنه: قتل رجماً؛ لأنه زانٍ محصن، وحد الزاني المحصن: الرجم بالحجارة حتى الموت، وهو الذي ينبغي أن يقال في مثل هذه المسألة وشبيهاتها، وهو أن من وقع على ذات محرم وهو محصن: فإنه يطبَّق عليه الحكم المتفق عليه في حالته، وهو الرجم بالحجارة حتى الموت، وأما إن كان غير محصن: ففيه خلاف هل هو كالزنا أم يقتل على كل حال، والراجح: أنه يُقتل.
ولا يختلف حكم الزوجة عن حكم والد زوجها إن ثبت أنها مطاوعة له في الزنا؛ لأنها محصنة، فحدها: الرجم بالحجارة حتى الموت، ولا يمكن لقاضٍ أن يصدِّق أنه ثمة من تُكره على الزنا ربع قرن، ولا تستطيع فع ذلك عن نفسها.
وانظر في مسألة الزنا بالمحارم: جوابي السؤالين: (84982) و (104486) ففيهما تفصيل مفيد.
وبكل حال: فما ذكرناه هو حكم الله تعالى، والواجب على من تلبس بتلك القاذورة أن يتوب إلى الله قبل أن يلقاه على هذه الكبيرة، وأن يصلح حاله وشأنه، وأن يبتعد عن مكان تلك المعصية دون تأخير، أو تردد.
وينظر في حكم الرجم للمحصن: أجوبة الأسئلة: (83034) و (20824) و (8981) .
ثالثاً:
لو ثبت زنا الأب بزوجة ابنه: لم يكن ذلك مفسداً للنكاح على الراجح من أقوال العلماء، وقد وقع في المسألة خلاف، فالحنفية والحنابلة يرون أن الزنا موجب لفسخ النكاح، وهو قول عند المالكية، وذهب الشافعية إلى أن زنا الأب بزوجة ابنه: لا يحرم الزوجة على الابن، ولا يوجب فسخ النكاح، وهو القول الآخر عند المالكية، وهو الأشهر والمعتمد عندهم.
قال الشافعي – رحمه الله -:
فإن زنى بامرأة أبيه، أو ابنه، أو أم امرأته: فقد عصى الله تعالى، ولا تحرم عليه امرأته، ولا على أبيه، ولا على ابنه، امرأته، لو زنى بواحدة منهما.
" الأم " (5 / 153) .
والراجح: هو مذهب الشافعي رحمه الله، أن النكاح في الآية ليس هو الوطء، بل العقد، وأن الحرام لا يحرِّم الحلال؛ للفروقات الكثيرة بين العقد، والوطء الحرام، من جهة النسب، والعدة، والميراث، وغيرها.
وهو الذي رجحه طائفة من المحققين المعاصرين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لو أن رجلاً زنى بامرأة فهل يحرم عليه أصلها وفرعها؟ وهل يحرم عليها أصله وفرعه؟ لا يحرم؛ لأنه لا يدخل في قول: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ) ، وقوله: (وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ) ، وقوله: (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) ، والزانية لا تدخل في هذا، فالمزني بها ليست من حلائل الأبناء، وكذلك أمُّ المزني بها ليست من أمهات نسائك، إذاً: فتكون حلالاً؛ لدخولها في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) ، وفي قراءة و " أَحلَّ لكم ما وراء ذلك ".
والمذهب: أن الزنا كالنكاح، فإذا زنا بامرأةٍ: حرُم عليه أصولها، وفروعها، وحرم عليها أصوله، وفروعه، تحريماً مؤبَّداً، وهذا من غرائب العلم، أن يُجْعل السفاح كالنكاح، وهو من أضعف الأقوال.
" الشرح الممتع " (12 / 119، 120) .
وقال – رحمه الله -:
هذا الواطئ وطئ مَن ليست زوجةً له، لا شرعاً، ولا اعتقاداً، ولا يمكن أن يلحق السفاح بالنكاح، فإلحاق هذا بهذا: من أضعف ما يكون.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (13 / 332) .
وينظر جواب السؤال رقم: (78597) .
وبخصوص العدة على المغتصبة: ينظر تفصيلها في جواب السؤال رقم: (121438) .
ولعل مثل هذه الحوادث أن تبين للناس مدى الظُّلْمة التي يعيش فيها من ابتعد عن دين الله تعالى، وسواء ثبتت تلك الواقعة أو لم تثبت: فقد ثبت غيرها كثير، فالواجب على المسلمين أن ينتبهوا قبل أن يصبحوا عبرة لغيرهم، وليراعوا فروقات الأعمار بين آبائهم وزوجاتهم، وبين الرجال وأمهات نسائهم، فالأب الفتي الشاب ليس كالشيخ الكبير، وأم الزوجة الكبيرة ليست كالشابة الفتية، ومن لم يراعِ مثل هذا، وسمح لنفسه بالتساهل في اللمس، والتقبيل، والخلوة: فقد يسقط على أم رأسه، وفي الحوادث الكثيرة عبر لمن اعتبر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7019)
هل يلزم المغتصبة عدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بنت اغتصبت بالقوة هل عليها العدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في المرأة إذا زنت- ولو بالإكراه- هل يلزمها العدة أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا عدة عليها، وهو مذهب الحنفية والشافعية.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (29/337) .
الثاني: أنها تعتد بثلاث حيضات، وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
قال ابن قدامة رحمه الله معللا لهذا القول: " أنه وطء يقتضي شغل الرحم , فوجبت العدة منه , كوطء الشبهة، وأما وجوبها كعدة المطلقة , فلأنها حرة فوجب استبراؤها بعدة كاملة , كالموطوءة بشبهة " انتهى.
"المغني" (8/80) .
وقال الدسوقي في حاشيته (2/471) : " قال في الجلاب: وإذا زنت المرأة أو غصبت وجب عليها الاستبراء من وطئها بثلاث حيض، وإن كانت أمة استبرئت بحيضة، كانت ذات زوج أو غير ذات زوج " انتهى.
الثالث: أنها تستبرئ بحيضة واحدة، وهو قولٌ للمالكية، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال المرداوي في "الإنصاف": " وعنه [يعني الإمام أحمد] : تُستبرأ بحيضة، اختارها الحلواني , وابن رزين , والشيخ تقي الدين [يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية] " انتهى.
"الإنصاف" (9/295) .
ورَجَّح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنها إن كانت ذات زوج، فلا يلزمها عدة ولا استبراء، وإن كانت غير مزوجة فإنها تستبرئ بحيضة.
قال رحمه الله: " القول الثالث: أنها لا عدة عليها ولا استبراء، وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وهو مذهب الشافعي، وهذا القول أصح الأقوال، لكن إن حملت على هذا القول لم يصح العقد عليها حتى تضع الحمل؛ لأنه لا يمكن أن توطأ في هذه الحال؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم (نهى أن توطأ ذات حمل حتى تضع) .
والفائدة من ذلك: أنها إذا كانت ذات زوج ما نقول للزوج: تجنبها إذا زنت مثلاً، بل نقول: لك أن تجامعها، ولا يجب عليك أن تتجنبها، إلا إن ظهر بها حمل فلا تجامعها، أما إذا لم يظهر بها فإنها لك.
فلو قال قائل: ألا يحتمل أن تكون نشأت بحمل من وطء الزنا؟
نقول: هذا الاحتمال وارد، لكن قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر) ، فما دمنا ما تيقّنا أنها حملت من الزاني فإن الولد يحكم بأنه للفراش، وإذا حملت من الزاني وقلنا لزوجها: لا تطأها، فإنه يجوز أن يستمتع بها بغير الوطء؛ لأنها زوجته، وإنما مُنع من الوطء من أجل أن لا يسقي ماءه زرع غيره " انتهى.
"الشرح الممتع" (13/232) .
وقال أيضاً - رحمه الله -: في (13/382) : " بل إن القول المروي عن أبي بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أن المزني بها لا عدة عليها إطلاقاً ولا تستبرأ، لا سيما إذا كانت ذات زوج؛ لقول الرسول عليه الصلاة السلام: (الولد للفراش) ، بل ينبغي للإنسان إذا علم أن زوجته زنت ـ والعياذ بالله ـ وتابت أن يجامعها في الحال، حتى لا يبقى في قلبه شك في المستقبل، هل حملت من جماع الزنا أو لم تحمل؟ فإذا جامعها في الحال حُمِلَ الولد على أنه للزوج، وليس للزاني، أما إذا كانت المرأة الزانية ليس لها زوج فلا بد أن تستبرئ بحيضة على القول الراجح " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7020)
شروط الإحصان الذي يترتب عليه عقوبة الرجم في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زنى الزوجة المعقودة القران ولم يدخل بها؟ يعني أنها تزوجت ولا تزال في دار أبيها لم تقم عرساً والزوج لم يلمسها بعد، أهو الرجم حتى الموت أو الجلد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزنا كبيرة عظيمة، وفاحشة منكرة، تسلب صاحبها اسم الإيمان، وتعرضه للعذاب والهوان، إلا أن يتوب، قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ) رواه أبو داود (4690) والترمذي (2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن عذاب الزناة في القبر، وأنهم يعذبون بالنار. رواه البخاري (1320) .
ولقبح هذه الجريمة جعل الله عقوبة من فعلها الرجم حتى الموت إن كان محصنا، والجلد مائة جلدة إن لم يكن محصنا.
قال الله تعالى في بيان حد الزاني البكر - أي غير المحصن -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
أما المحصن فحده الرجم بالحجارة حتى الموت، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1690) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ) .
والثيب: هو المحصن، رجلا كان أو امرأة.
والمحصن: هو الحر البالغ العاقل الذي وطئ في نكاح صحيح.
فلا يحصل الإحصان بمجرد عقد النكاح ولو حصلت معه خلوة، بغير خلاف بين الفقهاء، بل لابد من الوطء في القبل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/41) : " الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم، وفي حديث عمر: (أن الرجم حق على من زنى وقد أحصن) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ذكر منها: أو زنا بعد إحصان) .
وللإحصان شروط سبعة:
أحدها: الوطء في القبل , ولا خلاف في اشتراطه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ، والثيابة تحصل بالوطء في القبل , فوجب اعتباره، ولا خلاف في أن عقد النكاح الخالي عن الوطء , لا يحصل به إحصان ; سواء حصلت فيه خلوة , أو وطء دون الفرج , أو في الدبر , أو لم يحصل شيء من ذلك ; لأن هذا لا تصير به المرأة ثيبا , ولا تخرج به عن حد الأبكار , الذين حدهم جلد مائة وتغريب عام , بمقتضى الخبر، ولا بد من أن يكون وطئا حصل به تغييب الحشفة في الفرج ; لأن ذلك حد الوطء الذي يتعلق به أحكام الوطء.
الثاني: أن يكون في نكاح ; لأن النكاح يسمى إحصانا ; بدليل قول الله تعالى: (والمحصنات من النساء) ، يعني المتزوجات، ولا خلاف بين أهل العلم , في أن الزنى , ووطء الشبهة , لا يصير به الواطئ محصنا، ولا نعلم خلافا في أن التسري [وطء الأمة] لا يحصل به الإحصان لواحد منهما ; لكونه ليس بنكاح , ولا تثبت فيه أحكامه.
الثالث: أن يكون النكاح صحيحا، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم عطاء , وقتادة , ومالك , والشافعي , وأصحاب الرأي.
الرابع: الحرية وهي شرط في قول أهل العلم كلهم , إلا أبا ثور.
الشرط الخامس والسادس: البلوغ والعقل , فلو وطئ وهو صبي أو مجنون , ثم بلغ أو عقل , لم يكن محصنا، هذا قول أكثر أهل العلم , ومذهب الشافعي.
الشرط السابع: أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوطء , فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: إذا كان أحدهما كاملا صار محصنا , إلا الصبي إذا وطئ الكبيرة , لم يحصنها " انتهى مختصرا.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (2/224) .
وبهذا يُعلم أن الزوجة المعقود عليها إذا زنت قبل أن يطأها زوجها، فعقوبتها الجلد، لا الرجم؛ لأنها لم تحصن بعد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7021)
زنت وستر عليها زوجها، فهل الأفضل أن يقام عليها الحد أم تتوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجو منكم إعطائي الجواب الوافي الذي يبرِّد نار قلبي مما جنيتُ في حق ربي، ونفسي، وزوجي، لن أطيل بسرد القصة، علماً بأني تائبة، والله، أتفكر كل يوم بما جنتْ يدي، أو كيف انسقتُ لتلك المعصية، لأني تربيتُ مع عائلة محافظة، متمسكة بالكتاب والسنة، أسألكم بالله أفيدوني. كنت قد ارتكبتُ معصية يقام فيها حدٌّ، وزوجي علِم، وطلقني بدون فضح أمري، ثم أرجعني، وستر عليَّ وقد اتفقنا على أن يقيم عليَّ الحد! فذهب لأحد الشيوخ، فقال له: استر عليها، ولتتب لربها، أَصلَح لها، وأنا من معرفتي بالدِّين علمتُ بأن الله يعذب الزاني في القبر، فهل إن تبت، وصلح أمري: فإني سأنال من عذاب ربي بعد موتي؟ . أرجوكم، أفيدوني بجواب وافٍ، فقد قرأتُ جميع الآراء والأحكام، ولم أعرف ما الصح والخطأ، أرجوكم، أفيدوني، فهل يجب أن أقيم الحدَّ، أم أن توبتي كافية وأعيش ذليلة طيلة حياتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إنْ كان منْ شيءٍ نبدأ به جوابنا: فهو أن نذكر المسلمين والمسلمات بتقوى الله وطاعته، وأن يأخذوا العبرة والعظة من أحوال الناس، وأن لا يعتقدوا في أنفسهم البُعد عن الوقوع في الفواحش والمنكرات، وأن يبتعدوا عن الصحبة السيئة والمهيجات، وأن لا يجني الواحد منهم على نفسه بلذة تزول وتبقى حسرتها وألمها حتى يلقى ربه، وليس كل واحد ممن عصى ربَّه يوفَّق لتوبة صادقة، ويأتي بحسنات ماحية.
ثانياً:
نثني على ربنا التواب الرحيم بما هو أهله، هو أهل التقوى وأهل المغفرة، ونحمده تعالى وشكره أن وفقكِ للتوبة، وأن يسَّر لك أن ترجعي لصوابك، فليس كل من فعل معصية وُفق للتخلص منها، والتوبة بعد فعلها، وها قد وفقك ربك لتلك التوبة فاحمديه، واشكريه، وأكثري من الثناء عليه عز وجل، فلولا أن وفقك لها لما كنت تنعمين بها، وما بقى في نفسك من حسرة وألم جراء تلك المعصية، فلعلَّ الله يجعل منها جداراً مانعاً من إعادة الوقوع فيها، ولعلَّ ذلك الألم أن ينزل دمعة تطهر ما أصاب النفس من خبث المعصية، ولعلَّ ألمك بعدها أن يُحدث طاعة تدومين عليها، إلى أن تلقي ربك، قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود/114
ثالثاً:
ونثلِّث بالثناء على ذلك الزوج الشهم الأصيل، والذي لم يفضح أمر زوجته النادمة التائبة، وهذا إن دلَّ على شيء فيدل على عقل راجح، وشهامة وطيب معدن، ودين متين، ونبشره بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا: نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
رابعاً:
نقول للزوج الشهم الموفق: إن ما قاله ذلك الشيخ من الستر على زوجتك، وإصلاح حالها: هو المتعين، وأنه لا يجوز لأحدٍ أن يقيم الحدَّ على من فعل ما يستوجبه به، بل الحدود لا يقيمها إلا الولاة الشرعيون، ومن يقوم مقامهم، وأنتم تعيشون في بلاد لا يقام فيها حد، ولا يحكم فيها بشرع الله تعالى.
قال النووي – رحمه الله -: " قال العلماء: لا يستوفي الحدَّ إلا الإمام، أو من فوَّض ذلك إليه " انتهى.
" شرح مسلم " (11 / 193) .
وليعلم الزوج والزوجة: أنه لو كان عيشهما في بلاد المسلمين، وعندهم الحاكم الذي يقيم الحدود الشرعية على من يستحقها، ما كنا سننصحه بالذهاب للقاضي أو الحاكم ليقيم على زوجته الحد؛ وذلك لأن ستر العاصي على نفسه خير له من فضح نفسه، ولو كان بعد ذلك يقام عليه الحد المطهِّر، وإننا لننصح بما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم، ونصح به الخليفة الراشد أبو بكر الصدِّيق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ففي صحيح مسلم (1695) جاء " ماعز " يقول للنبي صلى الله عليه وسلم " طهِّرني "، قال له: (ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: " ويؤخذ من قضيته – أي: ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ، كما أشار به أبو بكر وعمر على " ماعز "، وأن مَن اطَّلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترتَه بثوبك لكان خيراً لك "، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال: أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر " انتهى.
" فتح الباري " (12 / 124، 125) .
خامساً:
نقول للأخت السائلة: إن باب التوبة مفتوح، وإن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده، ويبدلها لهم حسنات إن هم صدقوا فيها.
قال الله تعالى: (وإني لغفار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/ 82، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ 68 – 70، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) الشورى/25-26.
وحتى تكون التوبة صحيحة: فلا بد من تحقيق شروطها، وهذه الشروط هي:
1. الإقلاع عن الذنب.
2. الندم على فعله.
3. العزم على عدم العود إليه.
واعلمي ـ يا أمة الله ـ أن الله تعالى قد تفضَّل على عباده التائبين، ووعدهم بتبديل سيئاتهم حسنات، فاحذري أن يتسلط الشيطان على قلبك ليحول بينك وبين التوبة، أو يوقعك في اليأس من رحمة الله تعالى؛ واعلمي أن الخبيث لم يكتف بإيقاع العباد في المعصية، حتى بدأ معهم جولة أخرى ليصدهم عن التوبة منها، فاحذري أشد الحذر.
واعلمي أن فضل الله واسع، فليس عليك إلا أن تصلحي بينك وبين ربك، وهو تعالى يتولاك، ويسددك، ويوفقك، واعلمي أن التوبة ليس فيها ذل، إنما الذل في معصية الله، بل ستعيشين مع التوبة سعيدة، هنية، بذكر الله تعالى، وطاعته، بتوفيق منه وإعانة.
وانظري – للأهمية -: جوابي السؤالين: (47834) و (27113) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7022)
هل يجوز للزاني الزواج من مؤمنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبرني ما إذا كان يجوز لي أن أتزوج بمؤمنة إن أنا مارست الجنس مع امرأة غير مسلمة في الماضي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تاب الزاني توبة نصوحاً، فإن الله يتوب عليه، لأن الله تعالى قال: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابا (71) الفرقان.
يراجع سؤال 728، وإذا تاب فله أن يتزوج بمؤمنة، وينبغي على الزاني إذا تاب أن يستر على نفسه، ولا ينشر ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7023)
منعها والدها من التزوج برجل فوقعت في الزنا معه!
[السُّؤَالُ]
ـ[أواجه مشكلة عويصة، منذ عام تقريباً، فأنا فتاة تركية، أبلغ من العمر 21 عاماً، وأعيش بألمانيا، وبالرغم من عدم تدين أسرتي: فإني أحاول - والحمد لله - التمسك بتعاليم الإسلام، ومع هذا: فهناك مشكلات كثيرة تنشأ بيني وبين أسرتي، لأنهم يرفضون تمسكي بأمور الدين، كالحجاب، وما إلى ذلك، وأريد الآن أن أتزوج من أفغاني، متدين أيضاً، وقد أخبرت والدي بذلك، لكنه وطني، متعصب، ويرفض هذه الزيجة، وقد ضربني لهذا السبب، ولم يعد بوسعي التحمل، ولا تستطيع والدتي مساعدتي؛ لأنها تخاف من والدي كثيراً، ونحن ننتظر منذ عام، ولم يوافق على الزواج بعدُ، وفى أثناء هذه المدة وقعنا في الزنا، ولا ندري ماذا نفعل، ونحن محطمون داخليّاً، ونريد الزواج، لكنَّا لا نستطيع دون موافقة والدي، ولهذا فأنا لا أدري ماذا أفعل، فهل يجوز الزواج دون موافقة والد الفتاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعجب منكِ حين تقولين إنك تحاولين التمسك بتعاليم الإسلام، ثم نراك تفرطين في أغلى ما تملكه الفتاة بعد دينها، وهو عفتها، وشرفها! فكيف رضيت لنفسك الدون، والسوء؟! وكيف أسلمتِ عرضك لأجنبي لينتهكه؟! وهل عدم موافقة أهلك على زوج بعينه يبيح لك الوقوع في الزنا، وارتكاب تلك الكبيرة البشعة؟!
ثم العجب، أيضاً، من المتدين الآخر الذي أوقعك، أو وقع معك في تلك القاذورة؛ فإننا لم نعد ندري صراحة: ما هو التدين في نظركم؟!
والواجب عليك الآن: التوبة الصادقة مما وقعتِ به، ويلزم من ذلك: الندم على ما حصل منك، والعزم على عدم العوْد لمثل تلك المعصية، وقطع العلاقة بالكلية بذلك الفاجر الأثيم، ولا يحل لك محادثته، أو مراسلته، فضلاً عن اللقاء به، وهذا مقتضى التوبة الصادقة التي أمر الله تعالى بها المذنبين في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم/ من الآية 8.
ثانياً:
اعلمي أن فعلكما هذا قد جعل زواجكما محرَّماً، حتى وإن وافق والدك على الزواج؛ ذلك أن الله تعالى لم يحل نكاح الزاني، والزانية، إلا أن يتوبا.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
وإذا زنت المرأة: لم يحلَّ لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين:
أحدهما: انقضاء عدتها، فإن حملت من الزنا فقضاء عدتها بوضعه، ولا يحل نكاحها قبل وضعه.
والشرط الثاني: أن تتوب من الزنا.
وقال:
وإذا وُجد الشرطان: حلَّ نكاحها، للزاني، وغيره، في قول أكثر أهل العلم، منهم: أبو بكر، وعمر، وابنه، وابن عباس، وجابر، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، وعطاء، والحسن، وعكرمة، والزهري، والثوري، والشافعي، وابن المنذر، وأصحاب الرأي " انتهى.
"المغني" (7 / 108، 109) .
وقد بينا حكم هذه المسألة في أجوبة الأسئلة التالية: (11195) و (85335) و (96460) و (87894) و (14381) .
وحينئذ، إذا منّ الله عليك بالتوبة النصوح من ذلك الإثم المبين، والفعل المشين، فبإمكانك أن تتزوجي من هذا الرجل، إنْ رأيت منه التوبة الصادقة هو الآخر، وأمكنك أن تقنعي والدك، أو أمكنه هو أن يستميله إلى الموافقة، فإن لم يتيسر ذلك فعسى الله أن يبدلك خيراً منه.
ثالثاً:
أما وصيتنا للأولياء عموماً: أن اتقوا الله في مولياتكم، ولا تُقدموا على فعلٍ تندمون على آثاره طوال عمركم، وليس الندم بنافعكم، (فإذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) ، هذه وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم، (فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) كما في تكملة الحديث، فمن جاءكم راغباً بالتزوج من بناتكم أو أخواتكم فلا تضعوا العراقيل أمام تزوجه، ولا تقدموا اللغة، والجنس، والعرق، واللون، على الدِّين، ولا تدعوا فرصة للشيطان لأن يوقع مولياتكم في شباكه وشراكه، واحذروا من تسويل الشيطان لهنَّ بفعل أمرين خطيرين، وإثمين عظيمين، وهما: الزنا، أو الزواج من المتقدم لها والمرفوض من قبلكم بغير ولي، وهو ما يجعل العقد فاسداً، وها أنتم الآن أمام قصة واقعية جاءت في هذا السؤال، فها هي الفتاة وقعت في الزنا مع المتقدم لها، وها هي تسأل عن التزوج بغير إذن وليها، وليس هذا بعذر لها، لكن أنتم ما هو عذركم عند خالقكم عندما يحاسبكم على الأمانة التي توكلتم بحفظها؟ فهل سيكون عذركم عند الله عندما تردون صاحب الدِّين إذا أراد التزوج ببناتكم، أو أخواتكم، وفق الكتاب والسنَّة؟! .
ونحن لا نختلق أعذراً لتلك الفتاة، فقد وقعتْ في إثم عظيم، وإن هي تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها فاسد، ولكننا في الوقت نفسه نلوم الأولياء الذين لا يتقون ربهم تعالى، ويفرطون في الأمانة المودعة عندهم.
ونقول للفتاة أيضاً: قد يكون من الخير لك أن يرد أهلك بعض المتقدمين لك إن رأوا مصلحة لك في دينك ودنيا، فلا ينبغي الإصرار على شخص بعينه، والأولياء الذين يمنعون تزوج مولياتهم بالكلية هم آثمون، وللمرأة أن ترفع أمرها لقاضٍ شرعي، أو من يقوم مقامه، لينقل الولاية لغير ذلك الولي الرافض تزويجها، فإن لم يوجد أحد يستحق الولاية غيره: كان القاضي الشرعي، أو من يقومه مقامه: في حكم الولي، ويزوجها هو بنفسه، وأما أن تعقد المرأة لنفسها بغير ولي مطلقاً: فعقدها فاسد.
وينظر في ذلك كله: أجوبة الأسئلة التالية: (7193) و (10196) و (36209) و (2127) و (7989) .
وفي الأجوبة المحال عليها بيان أدلة فساد العقد إن كان بغير موافقة الولي، وفيها بيان لما تفعله المرأة إن منعها وليها من التزوج، وفوائد أخرى.
وانظري جواب السؤال رقم (20162) لتقفي على قصة بعض النساء اللاتي خالفن رأي أهلهن وتزوجن بمن يرغبن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7024)
الحكَم الجليلة في تحريم الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق يحاول أن يفهم لماذا حُرِّم الزنا! كلانا يتصفح هذا الموقع، لكن كل ما وجدناه هو أن هناك نصوصاً من الكتاب والسنَّة تخبرنا بعدم ارتكاب الزنا، وأن العقوبة تنتظرهم، على أية حال: هل يمكنكم أن تبيِّنوا الحكمة من عدم ارتكاب الزنا؟ هل هناك أي مثال في القرآن يبين سبب جعله حراماً؟ هناك أسباب واضحة مثل قطع البنية الاجتماعية، وإيجاد نساء مومسات، لكن هل هناك أي قصة في القرآن والحديث؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الواجب على المؤمن أن يمتثل حكم الله تعالى سواء عرف الحكمة أم لم يعرفها، مع تسلميه بأن الله تعالى لم يشرع هذا الحكم إلا لحكم عظيمة، تحقق المصلحة والخير للناس، وتدفع عنهم الشرور والمفاسد.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) النور/51.
ومع ذلك ... فلا مانع من أن يبحث المؤمن عن الحكمة حتى يزداد يقينه بكمال هذه الشريعة، وأنها ـ حقاًّ ـ من عند الله تعالى، وليستطيع بذلك مجادلة غير المسلمين، وإقناعهم بأن هذه الشريعة حق.
ثانياً:
لقد حرم الله تعالى الزنا، تحريماً قطعياً، وأوجب على من ارتكبه عقوبة تقام عليه في الدنيا، وهي الحد، ولسنا بحاجة إلى ذكر بعض النصوص في ذلك، لأنها معلومة، ولكننا نذكر هنا بعض الحكم لتحريم الزنا.
فمن هذه الحكَم:
1. موافقة هذا التحريم للفطرة التي فطر الله الناس عليها، من الغَيْرة على العِرْض، وبعض الحيوانات تغار على عرضها، فقد ثبت في صحيح البخاري (3849) عن عمرو بن ميمون الأودي قال: رأيت في الجاهلية قرداً زنا بقردة، فاجتمع القرود عليها، فرجموها حتى ماتت! .
فإذا كان القرد يغار على عرضه، ويستقبح الزنا، فكيف لا يغار الإنسان على عرضه؟
فأي رجل يقبل أن يجعل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته متاعاً للناس وسلعة مجانية، فقد رضي لنفسه أن ينزل عن مرتبة بعض الحيوانات، كما يوجد الآن في بعض البلاد الغربية ما يسمونه بـ "نوادي تبادل الزوجات"!!
2. المنع من اختلاط الأنساب، فمن أباح الزنا فإنما يبيح إدخال ما ليس من صلبه في أسرته وعائلته، فيشارك أفراد الأسرة في الميراث وهو ليس منهم، ويعاملهم معاملة المحارم وهو ليس محرماً لهم.
3. المحافظة على الأسرة والحياة العائلية فإن الزنا يُفسد البيوت ويدمرها، فإذا اتخذ الزوج عشيقة، أو اتخذت الزوجة عشيقاً، فلا شك أن ذلك سيدمر الأسرة ويشتتها.
4. الحماية من الأمراض، التي هي عقوبة ربانية على انتشار تلك الفاحشة، ولا يخفى ما تعانيه كثير من الشعوب الإباحية من أمراضٍ خطيرة، كالزهري والسيلان، والإيدز الذي أفنى ملايين الناس، وما يزال الملايين مصابين به، ففي عام 1427 هجري، الموافق 2006 م بلغ عدد المصابين بهذا المرض: 45 مليوناً، وقد مات بسببه: 20 مليوناً، وحوالي 301 مليوناً نتيجة لأسباب مرتبطة بذلك المرض.
ويعتبر الإيدز السبب الرئيس للوفاة في أفريقيا، والسبب الرابع للوفاة على مستوى العالم.
فأي عاقل يرضى بانتشار هذه الأمراض في المجتمعات؟
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا) . رواه ابن ماجه (4019) ، وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
5. المحافظة على كرامة المرأة؛ فإن إباحة الزنا يعني سلب المرأة كرامتها، وجعلها سلعة مهانة، والإسلام جاء لإكرام الناس، وبخاصة المرأة، بعد أن كانت في الجاهلية متاعاً يورَث، ومحلاًّ للإهانة والتحقير.
6. المنع من انتشار الجرائم، فالزنا من أسباب انتشار جرائم القتل وكثرتها، فقد يقتل الزوج زوجته وعشيقها، وقد يقتل الزاني زوج معشوقته أو من ينازعه عليها، وقد تقتل المرأة من زنى بها، إن كان قد زنا بها بالإكراه مثلاً.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
"ولمَّا كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد، وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الفروج، وصيانة الحرمات، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس، من إفساد كل منهم امرأة صاحبه، وبنته، وأخته، وأمه، وفي ذلك خراب العالم: كانت تلي مفسدة القتل في الكبَر، ولهذا قرنها الله سبحانه بها في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سننه، قال الإمام أحمد: " ولا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنا "، وقد أكد سبحانه حرمته بقوله: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيما) الفرقان/68-70.
فقرنَ الزنا بالشرك، وقتل النفس، وجعل جزاء ذلك: الخلود في النار في العذاب المضاعف المهين، ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة، والإيمان، والعمل الصالح، وقد قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) ، فأخبر عن فُحشه في نفسه، وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه في العقول، حتى عند كثير من الحيوانات" انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 105) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7025)
هل ينفسخ نكاح الزانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا زنت المرأة وهي متزوجة هل لا تزال زوجة، أم ينفسخ نكاحها وتطلق بهذا الفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا زنت المرأة وهي متزوجة فلا ينفسخ نكاحها ولا تطلق بمجرد وقوعها في هذه المعصية، لكن.. يؤمر زوجها إذا لم تتب وأصرت على هذه الفاحشة أن يطلقها، حفاظاً على عرضه، وأولاده.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وإن زنت امرأة رجل , أو زنى زوجها , لم ينفسخ النكاح , سواء كان قبل الدخول أو بعده , في قول عامة أهل العلم. وبذلك قال مجاهد وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ... ولكن أحمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت , وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه. وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه , وتلحق به ولدا ليس منه. قال ابن المنذر: لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم , فيكون مثل قول أحمد هذا.
قال أحمد: ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض ...
والأولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة" انتهى بتصرف.
"المغني" (9/565) .
وقال في "كشاف القناع" (5/2) :
"وإن زنت امرأة قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح، أو زنى رجل قبل الدخول بزوجته أو بعده لم ينفسخ النكاح بالزنا، لأنه معصية لا تخرج عن الإسلام أشبه السرقة , لكن لا يطؤها حتى تعتد إذا كانت هي الزانية " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
"اعلم أن من تزوج امرأة يظنها عفيفة، ثم زنت وهي في عصمته: أن أظهر القولين: أن نكاحها لا يفسخ، ولا يحرم عليه الدوام على نكاحها، وقد قال بهذا بعض من منع نكاح الزانية مفرِّقاً بين الدوام على نكاحها، وبين ابتدائه.
واستدل من قال هذا بحديث عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه، وذَكَّر، ووعظ ثم قال: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) .
قال الشوكاني في حديث عمرو بن الأحوص هذا: أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه، وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة عمرو بن الأحوص المذكور، وحديثه في الخطبة صحيح ا. هـ.
وحديثه في الخطبة هو هذا الحديث بدليل قوله " فحمد الله وأثنى عليه وذَكَّر ووعظ "، وهذا التذكير والوعظ هو الخطبة كما هو معروف ... .
وبه تعلم أن قول من قال: إن من زنت زوجته فسخ نكاحها وحرمت عليه: خلاف التحقيق، والعلم عند الله تعالى " انتهى.
" أضواء البيان " (6 / 82، 83) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7026)
هل تحذر أولادها من عمتهم؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت زوجي لها سوابق في الزنا بالمحرمات، وقطعنا عنهم فترة 15 سنة، ثم رجع زوجي يكلمهم، فخفت على أولادي فطعنت بشرفها أمامهم ليبعدوا عنها، قلت: إن عمتكم مارست الجنس مع خالها، فهل يجوز ذلك لأبعد أطفالي - مع أن أطفالي منقطعون عنها، ولكن خفت من زوجي يؤثر عليهم -؟ فتكلمت على شرفها، هل يجوز؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حفظت الشريعة المطهرة أعراض الناس من أن تنال بالسوء، فشرعت لذلك حدَّ الزنى، وحدَّ القذف، حتى لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالفعل وهو يعلم أن مصيره الجلد، أو الرجم حتى الموت، إلا أن يكون مفضلاً للخزي والعار والموت، على الطهارة والنقاء والسلامة، كما لا يجرؤ أحد على انتهاك أعراض الناس بالقول وهو يعلم أنه سيقام عليه حدُّ القذف، وسترد شهادته، ويكون من الفاسقين، إلا أن يكون متجرِّئا على الباطل، راضياً بالسوء والمنكر، على طهارة اللسان وعفته.
وأنت أيتها الأخت السائلة: لا يخلو ما قلتيه في حق أخت زوجك من أمرين:
الأول: أن تكون الجريمة منها غير ثابتة عليها شرعاً، وإنما هي أقاويل وافتراءات.
والثاني: أن تكون تلك الجريمة ثابتة عليها.
وثبوت تلك الجريمة لا يكون بادعاء الناس، ولا بأقاويلهم المفتراة، بل لا بدَّ من ثبوتها بإحدى الطرق الشرعية؛ حماية للأعراض؛ وحفظاً لها من طعن السفهاء، ومن طرق ثبوت جريمة الزنى – بالمحارم وبغيرهم -:
1. شهادة أربعة رجال، يرون الفرج في الفرج – الميل في المكحلة -.
2. اعتراف الزانية على نفسها أنها فعلت تلك الجريمة.
ولا يعد اعتراف الطرف الآخر بينة على طرفه المقابل حتى يعترف هو بفعله.
وعليه:
فلو أن تلك الجريمة المدعاة على أخت زوجتك لم تكن ثابتة بشهادة الشهود، ولا باعترافها: فإن قولك لأبنائك عنها: يعد قذفاً تستحقين عليه الحدَّ الشرعي، فيلزمك أن تتوبي وتستغفري ربك تعالى، وتكذِّبي نفسك أمام أولادك.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/ 4، 5.
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور/ 23.
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
والذين يَشْتمون العفائف من حرائر المسلمين، فيرمونهنّ بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهنّ أنهنّ رأوهن يفعلن ذلك: فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها.
" تفسير الطبري " (19 / 102) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى في هذه الآية: (يرمون) معناه: يقذفون المحصنات بالزنا صريحاً، أو ما يستلزم الزنا، كنفي نسب ولد المحصنة عن أبيه؛ لأنه إن كان مِن غير أبيه: كان مِن زنى، وهذا القذف هو الذي أوجب الله تعالى به ثلاثة أحكام:
الأول: جلد القاذف ثمانين جلدة.
والثاني: عدم قبول شهادته.
والثالث: الحكم عليه بالفسق.
فإن قيل: أين الدليل من القرآن على أن معنى (يرمون المحصنات) في هذه الآية: هو القذف بصريح الزنى، أو بما يستلزمه كنفي النسب؟ .
فالجواب: أنه دلت عليه قرينتان من القرآن:
الأولى قوله تعالى: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) بعد قوله (يَرْمُونَ المحصنات) ، ومعلوم أنه ليس شيء من القذف يتوقف إثباته على أربعة شهداء إلا الزنى، ومن قال: إن اللواط حكمه حكم الزنى: أجرى أحكام هذه الآية على اللائط.
القرينة الثانية: هي ذكر (المحصنات) بعد ذكر الزواني في قوله تعالى (الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً) النور/ 3، وقوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) النور/ 2، فذِكْر المحصنات بعد ذكر الزواني: يدل على إحصانهن، أي: عفتهن عن الزني، وأّن الذين يرمونهن إنما يرمونهن بالزنى.
" أضواء البيان " (5 / 431) .
وأما إن كانت تلك الجريمة المنكرة قد ثبتت على أخت زوجك أنها فعلتها بشهادة أربعة عدول، أو باعترافها: فإنها تكون مرتكبة لجريمة نكراء، وإذا كان الزنى من كبائر الذنوب: فإن الزنى بالمحارم أقبح منه، وأشد إثماً، وأعظم جرماً.
قال ابن نجيم الحنفي – رحمه الله -:
والزنا محرم بجميع أنواعه، وحرمة الزنا بالمحارم أشد، وأغلظ، فيجتنب الكل.
" البحر الرائق شرح كنز الدقائق " (8 / 221) .
وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله -:
وأعظم الزنا على الإطلاق: الزنا بالمحارم.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2 / 226) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن من زنى بمحرم من محارمه قتل، سواء أكان محصناً أم غير محصن، وذهب جمهر الفقهاء إلى أن عقوبة الزنى بالمحارم هي عقوبة الزاني بالأجنبية، فيجلد مئة جلدة إن كان غير محصن، ويرجم حتى الموت إن كان محصناً.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -:
قد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال، أو حده حد الزاني، على قولين، فذهب الشافعي، ومالك، وأحمد - في إحدى روايتيه -: إلى أن حدَّه حد الزاني، وذهب أحمد، وإسحق، وجماعة من أهل الحديث إلى أن حدَّه القتل بكل حال.
" الجواب الكافي " (ص 123) .
ومن آثار ثبوت تلك الجريمة على أخت زوجك: أنه لا يعد ما قلتيه في حقِّها قذفاً، إلا إن كانت قد تابت من ذلك الفعل توبة نصوحاً، أو أقيم عليها الحد الشرعي – إن كان الحد هو الجلد -، فإن ثبتت جريمتها، ولم تتب منها، ولم يقم عليها حد الجلد: جاز تحذير أولادك وغيرهم ممن يمكن أن يتأثروا بها، أو تسوء أخلاقهم بمصاحبتها وزيارتها، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل هو من الغيبة الجائزة.
قال النووي – رحمه الله -:
اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة: فإنها تُباح في أحوال، للمصلحة، والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب:
...
الرابع: تحذير المسلمين من الشرّ، ونصيحتهم.
" الأذكار للنووي " (ص 792) .
على أن يكون ذلك التحذير لا يكون دافعه وجود خلاف شخصي، بل يجب أن يكون على وجه النصح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:
وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهما عداوة دنيوية، أو تحاسد، أو تباغض، أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساويه مظهراً للنصح، وقصده في الباطن الغض من الشخص، واستيفاؤه منه، فهذا مِن عمل الشيطان، و (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، بل يكون الناصح قصده أنَّ الله يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم، ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه.
" مجموع الفتاوى " (28 / 221) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7027)
تابت من علاقة محرمة وفقدت بكارتها فهل تتزوج من زنى بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا على علاقة بشاب أفقدني عذريتي، وأنا الآن لست بكراً، وأنا تبت من هذا الفعل، أدعو الله أن يتقبل التوبة، وهذا الشاب تقدم لخطبتي، ولكن هو ليس ملتزماً، ومثل أي شاب في شرب الحشيش، والسجاير، والخمر، ماذا أفعل هو أولى بي بعد فعلته، أم أتركه وأعمل عملية ترقيع غشاء وأتزوج بآخر ملتزم؟ علماً بأني كنت حامل منه وأجهضت نفسي، ويعلم الله صدق توبتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزنا من كبائر الذنوب، وقد حرَّم الله تعالى فعل الأسباب المؤدية له، وشرع الحد على فاعله، وتوعد الزناة بالعذاب في الآخرة.
قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/ 32.
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله –:
(لا تَقْرَبُوا) أيها الناس.
(الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) يقول: إِن الزّنا كان فاحشة.
(وَساءَ سَبِيلاً) يقول: وساء طريق الزنا طريقاً؛ لأنه طريق أهل معصية الله، والمخالفين أمره، فأسوئ به طريقاً، يورد صاحبه نار جهنم.
" تفسير الطبري " (17 / 438) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه) خصوصاً هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه، ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع، والعقل، والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
" تفسير السعدي " (ص 457) .
وانظري أجوبة الأسئلة: (76060) و (20983) و (95754) .
ثانياً:
أما بخصوص الإجهاض: فإن كان الجنين قد نفخت فيه الروح: فتكون هذه جريمة أخرى غير جريمة الزنا، وإن لم ينفخ فيه الروح: فالأمر أهون.
وانظري تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة: (11195) و (13319) و (13331) و (90054) .
ثالثاً:
نحمد الله أن وفقك للتوبة، ونرجو أن تكون توبة صادقة، ومن شروط التوبة الصادقة: الندم على ما اقترفتِ من جرم، والإقلاع المباشر عن تلك الفاحشة، وعن كل ما يؤدي إليها، من اتصال، أو مراسلة، أو مواعيد، ومن شروط التوبة – كذلك -: العزم على عدم الرجوع لهذا الفعل المبتذل.
كما أنه عليكِ الإكثار من الأعمال الصالحة، من صلاة، وقراءة للقرآن، وصيام، حتى يتقوى جانب الإيمان والتقوى في نفسك، والحسنات يذهبن السيئات، والتوبة الصادقة تجبُّ ماقبلها، وتبدل السيئات حسنات، قال تعالى – بعد أن ذكر جرائم الشرك، والقتل، والزنا -: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/ 70.
رابعاً:
أما بخصوص زواجك من ذلك المجرم: فاعلمي أنه يشترط لصحة زواج الزاني والزانية التوبة الصادقة، والذي ظهر لنا من سؤالك أنه ليس تائباً من فعله، بل زاد على بلائه الأول أنه ما عليه من سوء الحال، وتناول الحشيش، وشرب المسكرات، والذي نظنه – كذلك – فيمن هذه حاله: أنه لا يصلي، فإن صدق هذا الظن: فإنه يُجزم بعدم جواز القبول به زوجاً؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، ولا يحل للمسلمة نكاح الكافر.
وانظري تفصيل القول في مسألة نكاح الزاني: أجوبة الأسئلة: (85335) و (87894) و (96460) .
خامساً:
أما بخصوص إجراء عملية رتق لغشاء البكارة: فهو أمر محرَّم، وفيه غش وتدليس على الزوج الذي يتقدم للزواج منك.
وانظري تفصيل المسألة في جوابي السؤالين: (844) .
وبخصوص إخبار زوجك عن فقدانك غشاء البكارة من تلك العلاقة المحرمة: لا يجوز؛ لما فيه من الفضح لنفسك، والمسلم مأمور بالستر على نفسه، ويمكنك استعمال التورية في كلامك، والمعروف أن غشاء البكارة يُفقد من غير جماع في بعض الأحيان، فيمكن استثمار ذلك في التورية.
وانظري – في ذلك – جوابي السؤالين: (42992) .
على أنه إذا أمكن أن يوجه هذا الشخص إلى التوبة النصوح، وإقام الصلاة، وظهر على حاله أن جاد في ذلك، وأنه أظهر التوبة، وأقام الصلاة؛ فلا بأس من قبوله زوجا؛ وهذا الحل لا شك أنه أيسر الأمر لك، وأستره عليك، لكن من لنا بصدق هذا؟!
نسأل الله أن يتقبل توبتك، ويصلح أمرك، ويستر علينا وعليك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7028)
لا يصلي، ويشكون في أنه يعمل بالدعارة؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوج أختي يكسب ماله عن طريق الحرام، فهو يُحضر فتيات من بلده إلى دولة خليجية ليعملوا هناك بالحرام، حتى إنه يمارس الحرام معهن، وهو اعترف لزوج أختي الثانية بذلك، أخبرتُ والدي ولكنه لم يصدق تعليلا بأن ذلك مستحيل، فهو إنسان جيد، وعلَّل بأن زوج أختي الثاني غيور، لذلك يلفق الأكاذيب، ولكني - والله أعلم - أصدقه لأنه دائما غائب عن البيت، وخاصة مساء، حتى إن أختي أخبرتني ببعض الأشياء، وأنها تشك بخيانته لها، لكنه يعود ليلفق الكذب، وتصدقه، هي حامل الآن، وعندها طفلة، ولم أخبرها بما سمعت عنه، أرجوك أريد معرفة واجبي نحو أختي، فهي من وقت الذي تزوجته من سنتين تقريبا وهي مريضة نفسيّاً، وهو إنسان لا يصلي، ولا يخشى الله، والله أعلم. أرجوك دلني ماذا يجب عليَّ فعله، هل يجب أن أخبرها بما سمعت، أم علي كتم الموضوع؟ فأنا أدعو الله دائما أن يهديه. إن أكثر ما يقلقني أن يصاب بمرض خطير، وينقله لها، وكذلك أخشى على أطفالها من الضياع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصحك بفعله ـ أختنا الكريمة ـ في هذه المشكلة أمور ثلاثة: التأكد من فعل زوج أختك، والنصح له إن ثبت ما فعله من منكرات، والسعي في فسخ النكاح إن أصرَّ على فعله، سواء فعل الفاحشة أم ترك الصلاة.
أما الأمر الأول:
فليُعلم أن الأصل في المسلم البراءة، ولا يجوز اتهامه بما ليس فيه، وإلا تعرَّض المتهِّم للإثم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ 58.
ويجب التأكد من صحة خبر المخبِر قبل أن يبني عليه السامع حكماً، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات/ 6.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجرداً؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً، ووقوعاً في الإثم، فإن خبره إذا جُعل بمنزلة خبر الصادق العدل: حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبيُّن، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه: عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه: كذِّب، ولم يعمل به، ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا.
" تفسير السعدي " (ص 799) .
فالأصل عدم الاتهام، والأصل البراءة، وقد يكون الكذب ممن زعم أنه اعترف له، ولا يُستبعد هذا، فإن تبين صدق المخبِر، وصحة واقع حاله: فإننا ننتقل إلى:
الأمر الثاني:
وهو: النصح والوعظ.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) رواه مسلم (55) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري (501) ومسلم (56) .
وعلى أن تكون النصيحة بالتي هي أحسن لتقويم المعوج، وتصحيح مساره.
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ْضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/ 125.
وأولى ما تنصحونه به هو الصلاة، فلا بدَّ أن يعلم أن ترك الصلاة كفر مخرج من ملة الإسلام، وأنه إن مات وهو تارك للصلاة مات ميتة جاهلية، ومات على الردة، ثم يُنصح بعد ذلك بترك أفعاله المحرمة من الفواحش والمنكرات مع تلك الخادمات، فعلاً للفاحشة معهن، والإعانة في استقدامهن لغيره، بل إن استقدام الخادمات أصلا ولو للعمل فيه مفاسد كثيرة، وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) .
فإن تبين صدق القول فيه، ولم يستجب للنصح وأصرَّ على ترك الصلاة وفعل المنكرات: فإن ما عليكم فعله هو:
الأمر الثالث:
وهو التفريق بينه وبين زوجته بفسخ النكاح؛ لأن تارك الصلاة مرتد، ويفسخ عقده على المسلمة؛ ولأنه لا يحل للعفيفة البقاء على عقد نكاحها مع زانٍ فاجر، وترك الصلاة موجب لفسخ النكاح، وأما فعله للمنكرات فليس بموجب للفسخ، لكن رضاها بأفعاله يجعلها شريكة له فيها، ومثله لا يؤتمن على ابنة ولا على زوجة، ولا يؤمن – كذلك – أن يتسبب في انتقال الأمراض المهلكة المعدية لها.
قال لشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، وإذا كان له زوجة: انفسخ نكاحه منها، ولا تحل ذبيحته، ولا يقبل منه صوم، ولا صدقة، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل، ولا يكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن مع المسلمين، وإنما يُخرج به إلى البر، ويحفر له حفرة يُرمس فيها، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي: فإنه لا يَحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه؛ لأن الصلاة على الكافر محرَّمة؛ لقوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) التوبة/ 113؛ ولأن الله يقول: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ 84.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 26
وانظر أجوبة الأسئلة: (10094) و (2182) و (5208) .
غير أننا نعود ونذكرك أيتها السائلة الكريمة بعدم التسرع في الحديث بمثل ذلك عنه، أو نقله لأختك، وتكدير عيشها، وتخريب بيتها، من دون بينة شرعية، ولتكن غيرتنا على انتهاك حرمات الله أشد من خوفنا من انتقال الأمراض، أو أنفتنا من " الخيانة الزوجية "، واجتهدي في الدعاء له بالهداية، ولأختك بصلاح الحال، وأن يحفظها وذريتها من شره، ومن شر كل ذي شر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7029)
زنى بها ويريد أن يتزوجها سراً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب وقعت في الخطأ مع فتاة فافتضضت بكارتها، لا أعمل، ومازلت صغيراً، فهل أستطيع الزواج بها سرّاً إلى أن أستطيع تحمل المسؤولية لكي تطمئن على نفسها، وتحصن فرجها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب عليك وعلى تلك المرأة التوبة الصادقة، وتدارك نفسيكما قبل فوات الأوان، فقد ارتكبتما فاحشة قبيحة، شرع تعالى على فاعلها الحدَّ في الدنيا، وتوَّعد على فعلها العذاب في الآخرة.
وحتى تتحقق فيكما التوبة، وتكون صادقة: فإنه ينبغي لكما تحقيق شروط التوبة، وهي: الإخلاص، والندم، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، وأن تكون توبتكما في الوقت الذي يقبلها الله تعالى فيه، فلا يقبل الله التوبة عند الغرغرة قبل قبض الروح، ولا بعد طلوع الشمس من مغربها.
وراجع جواب السؤال رقم (13990) .
ثانياً:
وبخصوص سؤالك عن التزوج بها: فاعلم أنه لا يحل لك ذلك، إلا أن تتوبا من معصيتكما، فإن تزوجتها قبل التوبة: لم يصح النكاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء أن الزانية لا يجوز تزوجها إلا بعد التوبة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (32 / 141) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
زنى رجل ببكرٍ ويريد أن يتزوجها فهل يجوز له ذلك؟ .
فأجابوا:
" إذا كان الواقع كما ذكر: وجب على كلٍّ منهما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة، ويندم على ما حصل منه من فعل الفاحشة، ويعزم على ألا يعود إليها، ويكثر من الأعمال الصالحة، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئائه حسنات، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/ 68 - 71 " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 247) .
وانظر جواب السؤال رقم (85335) .
ثالثاً:
وأما زواجك بها سراً، فإن كان ذلك بموافقة وليّها وحضور شاهدين، غير أنكم تواصيتم على عدم إعلانه، فلا حرج في ذلك. – وإن كان الأفضل إعلان النكاح.
أما إذا كان ذلك بدون علم أهلها ولا موافقة وليها فإن النكاح لا يصح.
وقد صحَّ الحديث بالمنع من التزوج من غير ولي.
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَليٍّ) .
رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه الترمذي وحسَّنه (1102) وأبو داود (2083) ابن ماجه (1879) من حديث عائشة، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
ولك أن تتزوجها من غير معرفة أهلك وإذنهم، إذ لا يشترط هذا في حقك، وإن كان الأفضل أن تقنعهم بالموافقة على تزوجك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لتوبة صادقة، وأن يستر عليكما في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7030)
إذا وُلد لكافرين زانيين ولدٌ فهل يُنسب للزاني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت إجابتكم الخاصة باتخاذ المرأة اسم زوجها وفهمت أن ذلك لا يجوز، ولا أزال أود معرفة ما إذا كان يجوز ذلك لامرأة دخلت في الإسلام، وتحمل في الأصل اسم أمها؛ لأن والديها لم يكونا متزوجيْن عند ولادتها ولا يمكنها أن تحمل اسم والدها؛ لأنه لم يعد على قيد الحياة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزنا محرَّم في جميع الشرائع التي أنزلها الله تعالى على رسله، والإسلام يقر نكاح أهل الأديان الأخرى الذين لم يدخلوا في الإسلام بشرطين:
الأول: أن يكون هذا موافقاً لشريعتهم.
والثاني: أن لا يتحاكموا إلينا في العقد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وقد ذكر أصحاب مالك، والشافعي، وأصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، والمتأخرين: أنه يُرجع في نكاح الكفار إلى عادتهم، فما اعتقدوه نكاحاً بينهم: جاز إقرارهم عليه إذا أسلموا وتحاكموا إلينا، إذا لم يكن حينئذٍ مشتملاً على مانع، وإن كانوا يعتقدون أنه ليس بنكاح: لم يجُز الإقرار عليه " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (29 / 12) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
إذا كان النكاح صحيحاً على مقتضى الشريعة الإسلامية: فهو صحيح، وإن كان فاسداً - على مقتضى الشريعة الإسلامية -: فإنهم يقرون عليه بشرطين:
الأول: أن يروا أنه صحيح في شريعتهم.
الثاني: ألا يرتفعوا إلينا.
فإن لم يعتقدوه صحيحاً: فرِّق بينهما، وإن ارتفعوا إلينا: نظرنا، فإن كان قبل العقد: وجب أن نعقده على شرعنا، وإن كان بعده: نظرنا، إن كانت المرأة تباح حينئذٍ: أقررناهم عليه، وإن كانت لا تباح: فرَّقنا بينهما، ودليل هذه الأشياء: إسلام الكفار في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأبقى مَن كان معه زوجته على نكاحه في الجاهلية، ولم يتعرض له، فدلَّ هذا على أنه يبقى على أصله " انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 239، 240) .
وأما الزنا، وما يسمى بعلاقات الصداقة: فكل ذلك باطل في شريعتهم وشريعتنا، وهو نتاج المسخ الذي يعيشونه في سلوكهم وعاداتهم.
وقد روى مسلم (1700) من حديث البراء بن عازب قصة رجم اليهوديين الزانيين، وكيف أنهم حتى عندما حرَّفوا التوراة وكتموا ما أنزل الله فيها: فإنهم لم يبيحوا الزنا، بل حرَّفوا عقوبته، وجعلوها الجلد والتسويد بالفحم بدلا من الرجم.
وهو كذلك عند النصارى، كما في إنجيل " متى ": (19 / 18) : " فقال يسوع: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور "، وفي إنجيل " مرقس " (10 / 19) وإنجيل " لوقا " (18 / 20) : " أنت تعرف الوصايا: لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور ".
ولذلك نقول:
لو أن هذين الوالدين كانا متزوجين – ولو على ملة النصرانية أو اليهودية -: فإنه يقر نكاحهما، وتنسب الابنة لأبيها، أما وقد كانت الابنة نتيجة لعلاقة غير موثقة بعقد، بل كانت نتيجة سفاح: فإنها لا تنسب للزاني، بل تنسب لأمها، كما هو واقعها الآن.
وفي شرعنا المطهَّر: قد اتفق العلماء جميعهم على عدم إلحاق ولد الزنا بالزاني إذا لم يطلب الزاني إلحاقه به، بل جمهور أهل العلم قالوا بعدم إلحاقه به ولو أراد الزاني ذلك.
وليست المسألة – كما جاء في السؤال – أن الزاني ليس على قيد الحياة، بل لأن العلاقة بينهما لم تكن علاقة زواج، وكانت الابنة تلك نتيجة تلك العلاقة.
وقد جاءت شريعتنا المطهرة بتحريم نسبة الولد لغير والده،، قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً) الأحزاب/ 5.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
رواه البخاري (3317) ومسلم (61) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقال بعض الشرَّاح: سبب إطلاق الكفر هنا: أنه كذب على الله، كأنه يقول: خلقني الله من ماء فلان، وليس كذلك؛ لأنه إنما خلقه من غيره.
" فتح الباري " (12 / 55) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ) . رواه البخاري (3318) .
وقَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) . رواه البخاري (4072) ومسلم (63) .
والخلاصة:
أن ولد في الزنا - سواء كان الزانيان مسلمين أو غير مسلمين -: لا ينسب للزاني، بل يُنسب لأمه، فالحال التي عليها تلك الأخت المسلمة حديثاً صحيح، وإن كان لا يمكنها إلا أن تنسب لرجل لا امرأة: فيمكنها – للضرورة – أن تنسب لاسم رجل غير معيَّن ولا معروف، بل تختار اسماً مركباً من مقاطع وتنتسب له، ولا يجوز لها أن تُنسب إلى زوجها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7031)
تشك في صحّة نسبها إلى أبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت ابنة زنى ونسبت للرجل الذي أعيش معه وهو والدي بالهوية وما هو مصيري للجنة أم النار؟ وماذا أفعل؟ أقوم بفضح أهلي وأذهب للرعاية الاجتماعية أم أسكت عن وضعي وأستر على أهلي وكيف أعيش مع أخ مختلف الأب، سامح الله أمي هي سبب دماري أفتوني أنا فتاة مستقيمة والحمد لله لا تقولوا لي من يثبت أنك لست ابنة هذا الرجل لأني أشبه الرجل الذي زنت أمي معه. ساعدوني ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ولد الزنا ليس مسئولا عن الجريمة التي اقترفتها أمه، ولا يؤاخذ بها، بل هو مسئول عن عمله، فإن كان صالحا طائعا كان من أهل الجنة، وإن كان عاصيا فاسقا، كان مستحقاً لدخول النار، فشأنه في ذلك شأن غيره من الناس، لا فرق بينه وبينهم.
ثانيا:
من كان لها زوج، وأتت بولد يمكن أن يكون من ذلك الزوج، (بأن تكون ولادته بعد ستة أشهر من الزواج) فهذا الولد ينسب شرعاً لزوجها، ولا يجوز نفي نسبه منه، إلا أن ينفيه الزوج نفسه، ويلاعن زوجته على ذلك.
ودليل ذلك: ما رواه البخاري (2053) ومسلم (1457) أَنَّ َسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تنازع هو وعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي عبدٍ لزَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هذا ابن أَخِي عتبة بن أبي وقاص، عهد به إليَّ فهو ابنه، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هذا أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ. ثم قال لسودة بنت زمعة وهي إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنها: (َاحْتَجِبِي عنْهُ يَا سَوْدَةُ) .
فحيث ولد المولود على فراش الزوجية، فإنه ينسب للزوج، ولا ينفى عنه إلا باللعان، بأن يلاعن الزوج زوجته وينفي الولد عنه، ولا عبرة بوجود الشبه، وقد بان من الحديث السابق أن الولد الذي وقع عليه النزاع، كان به شبه بيّن بالزاني وهو عتبة بن أبي وقاص، وهذا الزنا وقع في الجاهلية، وسعد رضي الله عنه يريد أن ينسب العبد لأخيه الذي أوصاه بذلك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن الولد للفراش، ونسبه لزمعة وهو صاحب الأمة، وراعى الاحتياط لأجل الشبه فأمر سودة بنت زمعة أن تحتجب من أخيها هذا.
فاجتمع هنا: الإقرار بالزنا، ووجود الشبه البيّن، ومع ذلك أثبت النبي صلى الله عليه وسلم النسب لصاحب الفراش، وهذا من احتياط الشريعة للأنساب، ورغبتها في الستر، فإن النسب حق للمولود.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة) فَأَمَرَهَا بِهِ نَدْبًا وَاحْتِيَاطًا , لِأَنَّهُ فِي ظَاهِر الشَّرْع أَخُوهَا لِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِأَبِيهَا , لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّبَه الْبَيِّن بِعُتْبَةَ بْن أَبِي وَقَّاص خَشِيَ أَنْ يَكُون مِنْ مَائِهِ فَيَكُون أَجْنَبِيًّا , مِنْهَا فَأَمَرَهَا , بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ اِحْتِيَاطًا ...
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ -: كَانَتْ عَادَة الْجَاهِلِيَّة إِلْحَاق النَّسَب بِالزِّنَا وَكَانُوا يَسْتَأْجِرْنَ الْإِمَاء لِلزِّنَا فَمَنْ اِعْتَرَفَتْ الْأُمّ بِأَنَّهُ لَهُ أَلْحَقُوهُ بِهِ فَجَاءَ الْإِسْلَام بِإِبْطَالِ ذَلِكَ وَبِإِلْحَاقِ الْوَلَد بِالْفِرَاشِ الشَّرْعِيّ , فَلَمَّا تَخَاصَمَ عَبْد بْن زَمْعَة وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَقَامَ سَعْد بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عُتْبَة مِنْ سِيرَة الْجَاهِلِيَّة وَلَمْ يَعْلَم سَعْد بُطْلَان ذَلِكَ فِي الْإِسْلَام وَلَمْ يَكُنْ حَصَلَ إِلْحَاقه فِي الْجَاهِلِيَّة , إِمَّا لِعَدَمِ الدَّعْوَى , وَإِمَّا لِكَوْنِ الْأُمّ لَمْ تَعْتَرِف بِهِ لِعُتْبَة , وَاحْتَجَّ عَبْد بْن زَمْعَة بِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاش أَبِيهِ فَحَكَمَ لَهُ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل , فادعاه آخر، أنه لا يلحقه " انتهى من "المغني" (6/228) .
وبناء على ذلك، فإذا كنت ولدت بعد ستة أشهر من نكاح والدك لأمك، فأنت منسوبة لأبيك، ولا يمكن نفي نسبك إلا باللعان، وليس لك أن تشكّي في أمك وتسيئي بها الظن لوجود الشبه، فإن الشبه قد يحصل من غير زنا.
ومهما كان الأمر فإن الشبه أو إقرار المرأة بالزنا لا يوجب نفي نسب الولد، حتى يلاعن الزوج، وينظر جواب السؤال رقم (33615) لبيان حقيقة اللعان وما يترتب عليه.
والذي ينبغي لك هو الإعراض عن هذا الأمر وعدم التكفير فيه، والاهتمام بإصلاح العمل، والاستقامة على هذا الدين.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما يبح ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7032)
كان ملتزماً وعمله مختلط وصار على علاقة محرَّمة مع امرأة فهل يتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابن كان ملتزماً، وفي عمله اختلاط، وتعرَّف على بنت، وصار بينهم علاقة محرمة، هل يجوز منعه من الزواج بها أم نتركه يتزوجها؟ ولكن نخشى منها عليه، علماً أن سلوكها كأي بنت ترتبط بشباب، ولكن لم يتم أي شيء مع أي شاب إلا هو وهو متمسك بها جدّاً، وهل يجوز أن نتركه يتزوجها ثم يطلقها؟ وهل نية الطلاق في هذه الحالة تفسد العقد وأنا أخشى الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذكرنا في فتاوى متعددة حرمة الاختلاط المستهتر، الذي لا ينضبط بضوابط الشرع في الحجاب، وأدب المعاملة المتبادلة، وذكرنا حرمة العمل والدراسة إن كان فيهما اختلاط، ونأسف أنه يوجد من المفتين من يتساهل في هذا الأمر، ويقر هذه الفوضى العارمة في أماكن الدراسة والعمل، وكأنَّ هؤلاء يعيشون في عالم آخر، لا يرون فيه أثر الاختلاط المحرَّم من إتلافٍ للقلوب، وذَهابٍ للعقول، وضَياع للأديان.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (1200)
ولم ينج من هذا الأثر أحدٌ، فالمرأة العفيفة المصونة وقعت في مستنقع الاختلاط الآسن، فجاءها من قَذَرِهِ وقبح منظره ورديء رائحته شيء كثير، وقُلْ مثل ذلك في الشباب المستقيم على طاعة الله، كيف كان وكيف صار.
وقد جعل الله تعالى في الرجال ميلاً نحو الإناث، وجعل في الإناث ميلاً نحو الرجال، ولم يبح الله تعالى من العلاقة بين الأجانب منهم إلا بالنكاح، ولذا فإن في الشريعة من الأحكام شيئاً كثيراً يغلَق فيه الطريق على السائر فيه نحو الفاحشة، فجاء تحريم النظر إلى الأجنبية، وتحريم مصافحتها، والخلوة بها، وجاء تحريم سفر المرأة وحدها، وغير ذلك من الأحكام التي تقطع على الشيطان طريقه في إيقاع المسلم في فاحشة الزنا.
ثانياً:
قلتِ - أختنا الفاضلة –: " وصار بينهما علاقة محرمة "، ولا ندري معنى هذه الجملة، وهي تحتمل أمرين:
الأول: الزنا – والعياذ بالله -.
والثاني: المصاحبة والخلوة، وما دون الزنا.
فإن كان الاحتمال الأول هو الواقع: فقد وقعا في ذنب عظيم، وجريمة منكرة، وقد حكم الله تعالى على الزاني والزانية غير المحصنين بالجلد مائة جلدة، وعلى المحصن منهما الرجم حتى الموت، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سلب الإيمان عن الزاني، ورأى في منامه الزناة والزانيات في تنور في نار جهنم.
ومن الأحكام المترتبة على الزناة: أنه يحرم على الزاني تزوج الزانية، ويحرم عليها تزوجه؛ لأن نكاح الزاني والزانية محرَّم، إلا أن يتوبا توبة صادقة من أجل ما وقعا فيه من الذنب العظيم.
فإن تابا وأصلحا، واعتدت المرأة حيضة واحدة: جاز لهما النكاح، ونسأل الله أن يعفو عنهما بمنه وكرمه.
وينظر للزيادة: أجوبة الأسئلة (14381) و (85335) و (96460) و (87894) .
وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع – كما هو الغالب في مثل هذه العلاقات، خاصة وهو يريد الزواج بها - فلا يوجد ما يمنع من نكاحه لها من حيث بطلان العقد، لكن قد يُمنع من باب أنه لا يُرضى دينها، وخلُقها، ولا تصلح زوجة تحافظ على بيته، وتربي له ولده، ولكننا لا نستطيع أن نقول هذا في حال ابنكما، فإذا كانت متهاونة، فهو مثلها؛ وهكذا كل ما نقدره فيها من العيب والخلل، هو موجود فيه.
وإذا كان الدين يأمره بأن يبحث عن المرأة الصالحة التقية الطيبة، فهكذا يأمرها: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/26) ، (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) النور/32.
فلنكن ـ أيتها السائلة الكريمة ـ واقعيين، ومنصفين!! ولا تنظري في المقارنة بينهما إلى ما كان عليه حال ابنك، بل انظري إلى حاله الآن.
وحينئذ فإذا رأيت أنهما قد تعلق كل منهما بصاحبه واشتدت رغبتهما في الزواج، فإن أقرب طريق لإصلاحهما، وإتقاء الشر من علاقتهما، أن يتزوجها، وقد روى ابن ماجة (1847) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
وربما تكون هذه فرصة مناسبة لمساومتهما على التوبة والاستقامة والصلاح،قبل إتمام زواجهما.
ثالثاً:
والزواج بنية الطلاق محرَّم، ولا يجوز لمسلم أن ينويه قبل عقد النكاح.
وينظر – للأهمية -: جوابي السؤالين (27104) و (91962) .
ونحن معك، ونأمرك بخشية الله في مثل ذلك، لو كانت هذه ابنتك يا أمة الله، أترضين لأحد أن يتزوجها بهذه النية؟!
أيليق بك أن تفكري في مصلحة ابنك، وتبحثي عن الخير له، ولو على حساب الناس؟!
عن عبد الله بن عمرو بن العاص َقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فقال عليه الصلاة والسلام: (َمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ.. الحديث) رواه مسلم برقم (1844) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7033)
تزوجت ممن زنى بها بعد وضع الحمل وانقطاع دم النفاس
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حملت من شخص ثم أنجبت وعندما انقطع عنها الدم تزوجت بهذا الشخص قبل أن تنتهي أربعون يوما فهل عقدهما صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى مما اقترفت، فإن الزنا ذنب عظيم، وجرم كبير، وفاحشة منكرة، والزاني متوعَّد بالعقاب الشديد في الدنيا والآخر، لكن من تاب وأناب وأصلح، تاب الله عليه وبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70.
وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وعليها أن تستتر بستر الله عز وجل، فلا تخبر أحدا بذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم يقول: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل) رواه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع (149)
ثانيا:
لا يجوز للزاني أن ينكح الزانية إلا بعد التوبة؛ لقوله تعالى: (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/ 3.
فإذا كانا قد تابا إلى الله تعالى قبل الزواج، فنكاحهما صحيح، وأما إذا عقدا النكاح قبل التوبة فإن النكاح لا يصح وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (85335)
وأما العقد عليها بعد انقطاع الدم وقبل مضي أربعين يوماً فهذا لا يؤثر على صحة العقد، لأن الواجب عليها – عند كثير من العلماء – أن تنتظر حتى تنقضي عدتها من الزنا ثم تعقد النكاح، إن شاءت ولو في فترة النفاس، وانقضاء عدتها تكون بوضع الحمل.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء إذا زنا رجل بامرأة ثم تزوجها، وبعد أربعة أشهر تاب هو إلى الله عز وجل فهل يكون العقد صحيحا؟
فأجابت: " لا يجوز التزوج من الزانية ولا يصح العقد عليها حتى تتوب وتنتهي عدتها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/383) .
وخلاصة الجواب: أنهما إذا كانا تابا من الزنا قبل العقد فالنكاح صحيح، وإن لم يكونا تابا فالنكاح غير صحيح، فيلزمها إعادة العقد بعد توبتهما. ونسأل الله أن يقبل توبتهما.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7034)
حكم من زنى بغير مسلمة وهو غير محصن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزنا بغير المسلمة وهو غير محصن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة من أقبح الجرائم، قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء / 32. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان/68، 69.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزنا بمسلمة أو غير مسلمة.
ثانياً:
أما عقوبة الزنا في الدنيا فقد أوجب الله فيه الحد، قال الله تعالى في بيان حد الزاني البكر – أي: الغير محصن -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده الرجم بالحجارة حتى الموت، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (3199) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) .
ولا فرق في هذا أيضا بين من زنى بمسلمة أو زنى بكافرة.
وهذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم، فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري (7047) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي قال: فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغَط وأصوات، قال: فاطّلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم اللهب ضَوضَوْا [أي: صاحوا] ، قال قلت لهما: ما هؤلاء؟ فقالا لي: وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني..)
(والتنور: هو الفرن الذي يخبز فيه) .
فالواجب على من وقع في هذه المعصية الكبيرة أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، وأن يبتعد عن كلّ ما يؤدي به إلى الحرام والعودة إليه، والله تعالى يفرح بتوبة العاصين ويقبل منهم، قال سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
قال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/106) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7035)
من زنى بامرأة هل يدفع لها المهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من زنى بامرأة وفض بكارتها وقد تاب من ذلك، هل عليه أن يدفع لها المهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الزنا قد حصل برضاها، فلا يدفع لها شيئاً عند جمهور العلماء، وأما إذا كان باغتصاب (إكراه) فعليه ضمان ذلك.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (5 / 297) :
" إذا أفضى امرأةً في زنًى: فإن كانت مطاوعةً: حُدّا، ولا غُرم عند الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة؛ لأنّه ضررٌ حصل من فعلٍ مأذونٍ فيه منها، فلم يضمنه.
وقال الشّافعيّة: عليه ديةٌ مع الحدّ؛ ...
وإن كانت المرأة مغتصبةً (غير مطاوعةٍ) : فعلى المغتصب الحدّ، والضّمان إجماعاً، غير أنّهم اختلفوا في مقداره " انتهى.
والذي رجحه الشيخ العثيمين رحمه الله أن على المغتصب أرش البكارة، وهو الفرق بين مهرها ثيِّباً ومهرها بكراً.
قال رحمه الله:
" وعلى القول الذي رجحنا - وهو أن المزني بها كرهاً أو طوعاً لا مهر لها – نقول: يجب عليه أرش البكارة، إذا كانت بكراً وزنى بها كرهاً؛ لأنه أتلف البكارة بسبب يتلفها عادة.
وأرش البكارة هو: فرق ما بين مهرها ثيِّباً، ومهرها بكراً، فإذا قلنا: إن مهرها ثيِّباً ألف ريال، ومهرها بكراً ألفان: فيكون الأرش ألف ريال " انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 313، 314) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7036)
زنى في إحدى ليالي رمضان ويريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي مارس الجنس مع فتاة في أحد ليالي شهر رمضان مع العلم أنه أعزب ويسأل عن الحكم وما يجب عليه فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود أنه زنى – عياذا بالله – فإن الزنى ذنب عظيم، وجرم كبير، حذر الله تعالى منه، وبَيَّن سوء عاقبته، فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/32، وجعل سبحانه عقوبة الزاني الرجم بالحجارة إن كان محصنا، والجلد إن كان بكرا، وذلك لشناعة ما أقدما عليه من الاستمتاع المحرم، قال سبحانه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
ولكن من رحمة الله تعالى أن باب التوبة مفتوح، وأنه سبحانه غفور رحيم يحب توبة عبده ويقبلها إذا جاء إليه، قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104 وقال سبحانه: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/17.
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70.
فما أحلم الله، وما أكرمه. خيره إلى العباد نازل، وشرهم إليه صاعد، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وما على المذنب إلا أن يقرّ بذنبه ويقلع عنه، ويطلب من ربه العفو والمغفرة، ويعزم على عدم العود إليه، ويصلح أعماله، ويجتهد فيما يرضي ربه تبارك وتعالى.
فمن فعل هذا فليثق بالفرج، فإن الرحمن الرحيم يفرح بتوبة عبده، ويقبلها منه، ويثيبه عليها، ويمحو بها سيئاته، ويرفع بها درجاته، لأنه الحليم الكريم البر الرحيم جل في علاه.
قال الله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه/82.
ثم نقول لهذا الأخ: إياك ثم إياك أن تهتك ستر الله عليك، وأن تخبر أحدا بما صدر منك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل وليتب إلى الله) رواه البيهقي وصححه الألباني صحيح الجامع برقم (149) .
وروى مسلم (2590) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) .
فبادر بالتوبة والندم، وابك على خطيئتك وذنبك، واستتر بستر الله تعالى ولا تجاهر بمعصيتك، وأكثر من الأعمال الصالحة من صلاة وصدقة وذكر وتسبيح، فإن ذلك من أسباب المغفرة.
واحذر من التسويف في التوبة، أو الاغترار بحلم الله وستره، فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل، ويغضب فينتقم، ولربما نظر إلى عبده المجترئ على معصيته فقال: اذهب فلن أقبل منك عملا، فيبوء بالخسران، وتكون عاقبته النيران، نسأل الله العفو والعافية، والسلامة والنجاة.
ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليه ردا جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7037)
زنت وهي متزوجة فلمن ينسب الولد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[استغفر الله وأتوب إليه لقد ارتكبت أعظم وأكبر الكبائر وهي الزنا وأنا متزوجة وحملت بطفلة والآن عمرها 6 سنوات ونسبت إلى زوجي، لم أستطع أن أعترف لزوجي بالقذارة التي فعلتها، خفت على أهلي وابني منه وقد تبت إلى الله توبة نصوحة وتحجبت والتزمت بصلاتي، طلبت المغفرة والعفو من الله على هذا الجرم الذي ارتكبته فهل يغفر الله لي؟ ماذا أفعل حتى تكتمل توبتي أرجوكم أفيدوني هل أعترف لزوجي حتى يغفر الله لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يغفر لك وأن يتجاوز عنك، فإن الزنا ذنب عظيم، وجرم كبير، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج، فبدلت نعمة الله كفرا، وخانت زوجها، ودنست عرضه، ولوثت فراشه. ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت، نكالا من الله عز وجل، والله عزيز حكيم.
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده، ويمهله، ويدعوه للتوبة، ويقبلها منه، ويثيبه عليها، فما أرحمه، وما أعظمه، وما أكرمه سبحانه وتعالى.
قال عز وجل:) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70
فاستمري في توبتك وإنابتك، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك، والله تعالى يتوب على من تاب.
وإن من مبشرات قبول التوبة أن يستر الله عبده، ولا يفضحه، وأن يمد له في العمر حتى يتقرب إليه، ويصلح حاله معه، ونحمد الله تعالى أن وفقك للالتزام والحجاب، والطاعة والإنابة، ولعل الله الكريم الرحيم أن يكون قد عفى عنك وغفر لك، نسأل الله ذلك.
وإذا كان الله قد سترك، فلا تهتكي ستر الله عليك، ولا تخبري زوجك ولا أحداً غيره بشيء مما كان، وتوبتك هي الندم والاستقامة وإصلاح الأعمال.
وأما الولد، فإنه ينسب لزوجك، ولا ينتفي نسبه منه إلا إذا نفاه باللعان، لأن الأصل أن الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: امرأة متزوجة زنت وهي في عصمة زوج، ومن ثم حملت ووضعت حملها بولد ذكرا كان أو أنثى، فلمن يبقى معه ذلك الولد، أيبقى مع زوجها بدليل الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أم لا؟ وإن بقي مع زوج أمه الشرعي أيتبنى به ويحسبه كأحد أولاده في جميع الحقوق أم يكون عنده في ملكه فقط، أما إذا لحقه بالعاهر أيحسبه بأولاده الحقيقي أم يمسكه معهم وهو لم يزل على حالة ولد زنا؟
فأجابوا: "إذا زنت امرأة متزوجة وحملت فالولد للفراش؛ للحديث الصحيح، وإن أراد صاحب الفراش نفيه بالملاعنة فله ذلك أمام القضاء الشرعي، ولا يكون مملوكا لأحد بإجماع المسلمين، وأما التبني فلا يجوز ولا يصير به الولد المتبنَّى ولدا لمن تبناه. وبالله التوفيق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/339) .
وينظر جواب السؤال رقم (85043) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7038)
زنت وحملت من أجنبي وهي متزوجة! فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة، كانت قبل زواجها على علاقة حب مع شاب، فلما تزوجت استمرت هذه العلاقة المحرمة من دون علم زوجها، حتى مارست معه الفاحشة، وحملت منه، ولكنها رجعت إلى الله، وتابت، فتقول: هل لها من توبة؟ وماذا تعمل بالجنين الذي في أحشائها؟ لو أخبرت زوجها فالمصير محتوم، وهو الطلاق، وممكن تحدث مشكلة كبيرة لو أفشت هذا الأمر بين أهلها وأهل زوجها، وإن أخفيت الموضوع عن زوجي وأهلي فالطفل غير شرعي وسوف يترتب عليه أحكام كثيرة من نفقة وخلوة وصلة وغيرها. فأرجو مساعدتي في هذا الأمر، فقد بلغ مني الهم والغم مبلغه، وأنا الآن تائبة نادمة على ما فعلت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعلتيه من الزنا وأنتِ متزوجة من كبائر الذنوب، وإذا كان الزنا كبيرة فإنه يشتد إثمه من المتزوجين، ولذا كانت عقوبة الزاني البكر الجلد مائة جلدة، وعقوبة الزاني المحصن – وهو من سبق له الزواج والدخول – الرجم حتى الموت.
ثانياً:
ومع عظَم ذنبك الذي اقترفتيه، وقبحه في الفطَر والعقول: فإنه لا يحول بينك وبين التوبة شيء، والله تعالى يفرح بتوبة العاصين ويقبل منهم.
قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر" انتهى.
" تفسير ابن كثير " (7 / 106) .
فنرجو أن تكون توبتك صادقة، فيها الندم على ما حصل منكِ، وفيها العزم على عدم العوْد إلى الذنب بعد التوبة.
ثالثاً:
وأما نسب هذا الطفل، فإنه ينسب لزوجك إذا كان قد دخل بك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش) ومعناه: أن المرأة إذا صارت فراشا للزوج بعقد النكاح والدخول بها، فإذا أتت بولد، فهذا الولد ينسب لزوجها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن امرأة متزوجة ولها ثلاثة أطفال، وحملت بالطفل الرابع سفاحا، فهل يجوز لها أن تجهض الجنين، أو تحتفظ به. وإذا احتفظت به فهل تخبر زوجها أم لا؟ ثم ما هو الواجب على الزوج في هذه الحالة؟
فأجاب: "لا يجوز لها إجهاض الجنين. والواجب عليها التوبة إلى الله سبحانه، وعدم إفشاء الأمر، والولد لاحق بالزوج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) أصلح الله حال الجميع " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (21/205) .
وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وقد نقلنا فتواهم في جواب السؤال رقم (95024) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7039)
ادَّعت أنها حامل بولد منه فأجهضت ودفع التكاليف
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق ادَّعت علية فتاة سيئة السمعة والأفعال أنها حامل، وهذا الحمل منه هو، وهو متزوج ولديه طفلة صغيرة، وهو يقسم أنه لم يباشرها مباشرة الأزواج , وإن كان هناك بعض الأفعال بينهم التي لم ترق إلى المباشرة الفعلية كالأزواج، ولكنها صممت أنه والد الطفل الحامل فيه، وكان الحل أن ذهبت إلى طبيبٍ لإجهاض هذا الطفل، وبسبب خوفه من الفضيحة التي يمكن أن تسببها هذه الفتاة - وهو متزوج ولديه طفلة كما ذكرت - قام بدفع تكاليف عملية الإجهاض , وتبيَّن أنها كانت حاملاً في طفل عمره ثلاثة شهور إلا ستة أيام، وهو نادم جدّاً على ما فعله، وعلى المساعدة في دفع تكاليف عملية الإجهاض التي لم يكن سبباً فيها.
والسؤال هو:
ما هو حكم الشرع في هذا الفعل؟ وكيف يتوب من هذا الفعل؟ وهل يعتبر مشاركاً في عملية قتل؟ وكيف الخلاص والتوبة إلى الله من هذا الذي حدث؟ وماذا كان يفعل شرعاً عند ادِّعاء هذه الفتاة بأنه والد الطفل الذي هي حامل فيه؟ أريد الإجابة شافية، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2.
وإن صديقك لم يتق الله فلم يجعل له مخرجا، حيث إنك تقول إنه باشر تلك المرأة، ولكنه لم يباشرها مباشرة الأزواج، فهذا التساهل والجرأة على فعل الحرام مع تلك المرأة، هو الذي أوقعه في الجريمة الثانية (الإجهاض) ، وجعله عاجزا عن دفع التهمة عن نفسه، والوقوف بقوة في وجه تلك المرأة، لأنه يعلم من نفسه أنه ليس عفيفاً، ولم يمنع نفسه من الحرام، مع أن الله قد مَنَّ عليه وأنعم عليه بالزوجة الحلال، وكيف يليق بعاقل أن يترك لحما طيبا بأكله حلالاً، ويذهب إلى لحم ميتة يتلذذ بأكله!
لو كان صديقك عف نفسه عن الحرام لجعل الله له مخرجا، ولكنه تجرأ على حرمات الله فعوقب بالوقوع في معصية أخرى، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة المعصية المعصية بعدها، كما أن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها.
ثانيا:
مازال في صديقك بقية خير، يدل على ذلك ندمه على ما فات وحرصه على التوبة، فليعلم أن التوبة لا تكون صحيحة مقبولة إلا إذا توفر فيها ثلاثة شروط:
الأول: الندم على ما فعل.
الثاني: الإقلاع عن المعصية، فلابد من قطع العلاقة نهائيا بتلك الفاجرة، والعجيب أنك تذكر أن صاحبك له طفلة، فهل يرضى هذا لابنته؟ فكذلك الناس كلهم لا يرضون هذا لبناتهم.
فلا توبة له وهو مستمر في علاقته مع تلك المرأة أو غيرها.
الثالث: العزم الأكبر على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى، فيعزم على العفة عن الحرام وصون نفسه وأهله، وليحذر أنه قد يبتلى في أقرب الناس إليه عقوبة على فعله.
كما قيل:
من زنى في بيت بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم.
وعليه أن يجتهد في الطاعات، فيحافظ على الصلوات جماعة في المسجد إن كان متهاونا بها، وعليه بكثرة قراءة القرآن الكريم، وحضور مجالس العلم، والإكثار من الصدقة بالمال.
فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وليجعل هذه المعصية بداية خير له، بإقباله على الله، وابتعاده عن معصيته، فإن كثيراً من الناس قد يكونون بعد المعصية والتوبة خيراً من حالهم قبلها، وذلك إذا أحسنوا التوبة واجتهدوا في إصلاح أنفسهم.
والله تعالى الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7040)
زنت وتريد إجهاض الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد امرأة كانت متزوجة وعندها ثلاثة أولاد وزوجها توفى من ثلاث سنوات وتعرفت على شاب وكان بينهما علاقة في الحرام ونتج عن هذه العلاقة جنين عمره حوالي شهر ونصف
وبعد ما علمنا ذلك كتبنا عليها عرفي بحيث يكون تخفيف الحساب عند الله وعند أولادها لما يعرفوا أنها تزوجت
للعلم الجنين تكون بدون زواج، فهل هذا زنا أو هي تزوجت؟
ونزول الجنين في الحالة هذه حرام أم حلال؟ ومن ستذهب معها لتنزيل الجنين أختها فهي محتارة إن كانت لو راحت معها لتنزيل الجنين فهي تستر عليها أو تشارك في ارتكاب جريمة، وهى جريمة الزنا والإجهاض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما فعلته هذه المرأة هو الزنا الذي نهانا الله عنه بقوله: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
وما قمتم به من العقد العرفي لا يغير من الأمر شيئاً، لأن الزنى وتكون الجنين حصل قبل هذا العقد.
ثم إن العقد العرفي الذي تعقد فيه المرأة النكاح لنفسها من غير علم وليها ولا حضوره لا يصح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
وعلى هذا، فهذا العقد الذي تم عليها لا حقيقة له، ولا تكون زوجة لهذا الزاني بهذا العقد، ولا يمكن أن يكون سبباً يخفف عنها الحساب عند الله، بل هو معصية أخرى تضيفها إلى معصيتها الأولى.
وأما الإجهاض فهو جريمة ثالثة، وإن كان بعض الفقهاء يرخص في إجهاض الحمل في مراحله الأولى، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون لزانية، لأن في ذلك تشجيعاً على الفاحشة ونشراً للرذيلة، ومن قواعد الإسلام: أنه يحرم الفاحشة، وكلَّ الطرق التي تؤدي إليها. وراجعي السؤال (13331) .
وعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وتندم على ما فعلت، وتصلح أعمالها، فإن صدقت في توبتها فإن الله سيجعل له مخرجاً، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7041)
ما صحة حديث (بشر الزاني بالفقر) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث القائل: (بشر الزانى والزانية بالفقر ولو بعد حين) ؟ وإذا كان حديثا صحيحا أرجو تفسيره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
الحديث بلفظه المذكور ليس له أصل؛ إذ لم يروه أحد من أصحاب الحديث، ولا هو موجود في شيء من كتب السنة المعتمدة.
يقول العجلوني في "كشف الخفاء" (1/286) :
" (بشر القاتل بالقتل) قال في المقاصد: لا أعرفه، والمشهور على الألسنة بزيادة:
(والزاني بالفقر ولو بعد حين) ولا صحة لها أيضا، وإن كان الواقع يشهد لذلك " انتهى.
يقول الشيخ أحمد العامري في "الجد الحثيث" (73) عنه إنه " ليس بحديث " انتهى.
وجاء في "النخبة البهية في بيان الأحاديث المكذوبة على خير البرية" لمحمد الأمير الكبير المالكي (1228هـ) (ص/43) : " لا يُعرَف " انتهى.
وجاءت أحاديث أخرى تدل على هذا المعنى، لكنها أيضا لا تصح، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزنا يورث الفقر)
رواه أبو حاتم كما في "العلل" (1/410-411) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/73) وابن عدي في "الكامل" (6/432) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/363) من طريق الماضي بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر به.
قال أبو حاتم بعد روايته الحديث: " هذا حديث باطل، وماضي لا أعرفه " انتهى.
وذكره ابن حبان في "المجروحين" (2/237) في منكر حديث ليث بن أبي سليم.
وقال ابن عدي في "الكامل" (8/183) : غير محفوظ. وقال الذهبي في "الميزان" (3/423) : منكر. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (140) : باطل.
وانظر في "السلسلة الضعيفة" (1/270-274) أحاديث أخرى كلها موضوعة أو منكرة في بيان ما يورثه الزنى من الشرور والآفات.
ثانيا:
من المقرر أن الذنوب لا تأتي إلا بالسوء والمصائب، كما قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم:41، وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى:30 وبسب الذنوب والمعاصي يحرم العبد من الرزق والخير، بل بسببها تحرم الأرض من القطر، ولو كانت ذنوبا صغيرة، فكيف إذا كانت من الكبائر؟!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:
لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا!!
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ!!)
رواه ابن ماجة (4019) وحسنه الألباني.
فليس ببعيد أن يبتلي الله تعالى الزاني بالفقر، عقوبة على معصيته؛ حيث تناول لذة من غير حلها، فعوقب بأن حرمه الله الفضل والغنى، وأرسل عليه الفقر والعنا، والجزاء من جنس العمل.
روى ابن حبان في "الثقات" (7/574) من طريق مكحول الشامي قال لي ابن عمر:
(يا مكحول! إياك والزنا، فإنه يورث الفقر)
وعن أسماء رضي الله عنها قالت: (رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معشر قريش! إياكم والزنى، فإنه يورث الفقر)
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (8/120 ش2) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/512-513) وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/241)
يقول المناوي في "فيض القدير" (4/72) :
" (الزنا يورث الفقر) أي: اللازم الدائم؛ لأن الغنى من فضل الله، والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه، وقد أغنى الله عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله، فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم، وإذا ذهب الفضل ذهب الغِنى وجاء العَنا، فالزِّنا موكَّلٌ بزوال النعمة، فإذا ابتلي به عبد ولم يُقلع ويرجع فليُوَدِّع نِعَمَ الله، فإنها ضيفٌ سريع الانفصال، وشيكُ الزوال (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لأنفال/53
قال في "شرح الشهاب": الفقر نوعان: فقر يد، وفقر قلب؛ فيُذهب شؤمُ الزنا بركةَ ماله فيمحقه؛ لأنه كَفر النعمةَ واستعان بها على معصية المنعم، فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه، فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده، ولا يعطَى الصبر عنه، وهو العذاب الدائم " انتهى.
ويقول ابن القيم في "روضة المحبين" (360) :
" والزنى يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة.
ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.
ومنها: ظلمة القلب وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له. ومنها: الفقر اللازم، وفي أثر يقول الله تعالى: (أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة) .
ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده.
ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء،وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن.
ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فسلبه اسم الإيمان المطلق، وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان. وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث، فخط دائرة في الأرض وقال: هذه دائرة الإيمان، ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال: هذه دائرة الإسلام، فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه.
ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا، كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه ولا يسمى به عالما فقيها، ومعه جزء من الشجاعة والجود ولا يسمى بذلك شجاعا ولا جوادا، وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا، ونظائره، فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ولا يتأول بما يخالف ظاهره والله أعلم.
ومنها: أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الزناة والزواني.
ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة، كما قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)
وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب، قال الله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وقال تعالى: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)
فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم، والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب، وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيب، ولا يدخل الجنة خبيث.
ومنها: الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة، ومن جالسه استوحش به.
ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف؛ فإنه يرزق المهابة والحلاوة.
ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته، ولا على ولده.
ومنها: الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم، تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل
كل به مثل ما بي غير أنهم ... من غيرة بعضهم للبعض عذال
ومنها: ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم، فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له، دع ربح العاقبة والفوز بثواب الله وكرامته.
ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام فاته نظيره يوم القيامة.
ومنها: أن الزنى يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري، فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها، وجند بعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه، وأعيى الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يفدى، وقتيلها لا يودى، وقد وكلها الله سبحانه بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله، فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال، قال الله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) وقال تعالى: (وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7042)
تحصين المجتمعات من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم إحضار أربعة شهود على الزاني والزانية، في الوقت الحاضر؟ وكيف تتم نصيحة شبابنا المسلم من هذا العمل القبيح؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
يعد العلماء في طرق ثبوت الزنا أربعة طرق:
1- الشهادة. 2- والإقرار. 3- وحمل من لا زوج لها ولا سيد. 4- وإذا تم لعان الزوج ولم تدافعه الزوجة.
ويشترط في الشهود على الزنا أن يكونوا أربعة ممن تجوز شهادتهم، يصفون الزنا بصريح لفظه – وهو أنهم رأوا ذكر الرجل في فرج المرأة -، فإن اكتفى بعضهم بالشهادة برؤيتهما متجردين من اللباس، أو وصفوا هيئة وحركة معينة، فلا يكفي ذلك لثبوت الزنا.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/157) :
" يصفون الزنا بلفظ صريح بأن يقولوا: رأينا ذكره في فرجها. لا بد من هذا، فلو قالوا رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل، حتى لو قالوا نشهد بأنه كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، لا بد أن يقولوا نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شهد عليه في عهد عمر، لو كنت بين الأفخاذ لن تشهد هذه الشهادة. ولهذا ذكر شيخ الإسلام في عهده أنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذلك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا " انتهى.
وليس هذا التشديد في أمر الشهادة على الزنا إلا لتحقيق مقصد أراده الشارع، وهو الستر على العباد، وعدم إشاعة الفاحشة، وتجنيب المجتمعات الاتهام في الأعراض والطعن في الأنساب.
يقول القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" (5/83) :
" جعل الله الشهادة على الزنا خاصةً أربعةً: تغليظاً على المدَّعِي، وسترا على العباد " انتهى
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/563) :
" (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، (بأربعة شهداء) أي: عدول مرضيين. (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك من دون أربعة شهود، ولهذا قال: (فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) ولم يقل (فأولئك هم الكاذبون) وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (839) ، (6926)
ثانيا:
أما تحصين شبابنا ومجتمعاتنا من هذه الفاحشة المهلكة، فلا بد له من عمل عام تقوم عليه الدول والمجتمعات، وتتضافر له جهود الجهات المختلفة، فهي مسؤولية جماعية وليست فردية، ولا يمكن تحقيق سلامة المجتمعات إلا بتكامل الأخذ بالأسباب التي تحفظ من الزنا والولوغ فيه، ومن تلك الأسباب:
1- نشر التوعية العامة بعظم إثم الزنا، وأنه من الكبائر التي اتفق العقل والشرع على قبحه وشناعته وتحريمه، وبيان أنه سبب لهلاك الأمم وحلول المصائب والكوارث في الدنيا، وأن جزاءه النار يوم القيامة.
قال الإمام أحمد: ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا. "غذاء الألباب" (2/435)
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) الإسراء/32
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/457) :
" ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم " انتهى.
2- توعية الشباب بالآثار السيئة المترتبة على انتشار هذه الفاحشة، والتي يتهدد استقرار الأسر والمجتمعات، كانتشار الأمراض القاتلة، وظهور أولاد الحرام، وانهيار التكوين الأسري، وتشرد الأبناء، وتلقيهم السلوكات السيئة، وارتفاع معدلات الطلاق، وانتشار الجريمة، وغير ذلك، وهي آثار تعيشها المجتمعات التي تنتشر فيها الإباحية في أسوأ صورها، مما ينذر بانحلال مجتمعاتهم، وسقوط حضارتهم.
3- العمل على تيسير الطريق الشرعي للعلاقات الجنسية، بالزواج الحلال الطيب، وذلك بالترغيب فيه وبيان ندب الشريعة إليه، وأنه من سنن المرسلين، وأن من تزوج فقد استكمل نصف الدين، وأن له أجرا في إعفافه نفسه وزوجه.
4- ومن مسؤولية المجتمع في هذا السبيل إزالة العوائق التي تؤخر الزواج، فتعالج الفقر الذي قد يكون مانعا من الزواج، وتوفر الدعم المادي للشباب الذي لا يملك ما يعف به نفسه، حتى قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32
" زوجوا من لا زوج له منكم، فإنه طريق التعفف " انتهى. (12/239) .
وفي كتاب "الأموال" لأبي عبيد القاسم بن سلام (251) أن عمربن عبد العزيز كتب إلى واليه بالعراق: أن انظر كل بكر وليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه.
ويقول ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/587) :
" يلزم الرجل إعفاف ابنه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي " انتهى.
5- وأدنى ما يمكن أن يتحمله المجتمع والآباء تجاه هذه المسألة المهمة ترك المغالاة في المهور، أو التفاخر والمباهاة بتكاليف الزواج، أو السعي إلى التكسب منها.
خطب عمر بن الخطاب على المنبر فقال:
(أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ – أي مهورهن - فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) رواه أبو داود (2106) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا يختلف المصلحون في أن استغلال الآباء مهور البنات كان واحدا من أسباب انتشار الفساد والرذيلة في المجتمعات.
يقول وول ديورانت وهو يحكي أسباب انتشار الرذيلة في بعض المجتمعات الغربية في فترة من التاريخ في كتاب "مباهج الفلسفة" (127-128) :
" ولا نزاع في أن ذلك يرجع إلى حد ما إلى ما كان يقتضيه الآباء المغرمون ببناتهم من مهر غال ثمنا لعفتهن، وقت أن كان الزواج يشترى صراحة " انتهى.
6- ومن أهم ما يقي المجتمعات رذيلة الزنا إشاعة جو المحبة والمودة بين الأزواج، والحرص على سعادة الأسرة بالحب والاحترام والصدق والوفاء وأداء الحقوق والواجبات، فإن الأسرة السعيدة والزوجين المتفاهمين المتآلفين وقاءٌ للمجتمع من الانحراف والسقوط في الفواحش بحثا عن سعادة موهومة.
7- وأخيرا لا بد من العمل على تهيئة المناخ المحافظ الملتزم المتعلق بالله سبحانه وتعالى، والذي تختفي فيه مظاهر التبرج والسفور، وتستر فيه العورات، وتمنع فيه الخمور والمعازف التي هي رقية الزنا، فإن هذه الأمور هي الوقود التي تشعل نار الفاحشة، فإذا تخلص المجتمع منها فقد أمِن من النار.
ويمكن الاستفادة بأجوبة الأسئلة الآتية المنشورة في موقعنا (20161) ، (3234) .
ومن الكتب المفيدة في هذا الموضوع كتاب " التدابير الواقية من الزن ا" تأليف د فضل إلهي فيمكن الاستفادة منه والرجوع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7043)
يريد أن يتزوج من فتاة كان على علاقة بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من سماحتكم أن تساعدوني لأني في ورطة، أنا تعرفت على بنت تعمل في منطقة بعيده عن أهلها، واستمرت علاقتنا لمدة سنتين في حب وغرام ومقابلات وزنى، لكن اتفقت معها على الزواج لأني لا أستطيع نسيانها، وهي كذلك، المهم من أول ما دخلت حياتها وهي تغيرت عن الأول، واستقامت؛ ويعلم الله أني أحببتها ولا أستطيع نسيانها، فهل تنصحني بالارتباط بها؟ لأني أعيش حالة عصبيّة جدّاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة على سؤالك لا بدَّ لنا من تذكيرك بوجوب التوبة والندم على ما فعلتَ مع تلك المرأة، وغير خافٍ عليك أنك وقعتَ في كبائر من الذنوب، وأعظمها الزنا الذي نُصَّ على تحريمه في الكتاب والسنَّة، وأجمع العلماء على تحريمه، وأجمع العقلاء على قبحه وسوئه.
قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء / 32.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57) .
وللزناة عذاب عظيم في البرزخ قبل عذابه في الآخرة، فقد جاء في حديث الرؤيا المشهور – حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: ( ... فَانْطَلَقْنَا – أي: النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل وميكائيل - فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا (أي صاحوا) قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاءِ؟ … قَالَ: قَالا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ … َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) رواه البخاري (6640) .
وقد أوجب الله تعالى في الزنا الحدّ، فقال تعالى في بيان حدِّ الزاني البكر: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
أما المحصن - وهو الذي قد سبق له الزواج - فجعل حدّه القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (3199) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائة وَالرَّجْمُ) .
وما قلناه لكَ فهو موجه للمرأة كذلك، ولتعلم أن ذنبها أقبح، وبما أنها – كما تقول – قد استقامت فنرجو أن تكون توبتها صادقة، وأن يعفو الله عنها بمنِّه وكرمه.
ثانياً:
اعلم أنكما إذا لم تتوبا من ذنب الزنا: فإنه لا يحل لك الزواج بها؛ لأن الله تعالى حرَّم نكاح الزاني والزانية حتى يتوبا، قال تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه، ما لا يفعله بقية الذنوب، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء إلا أنثى زانية، تناسب حاله حالها، أو مشركة بالله لا تؤمن ببعث ولا جزاء، ولا تلتزم أمر الله، والزانية كذلك، لا ينكحها إلا زان أو مشرك (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي: حرِّم عليهم أن يُنْكحوا زانياً، أو يَنكحوا زانية.
ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة، ولم يتب من ذلك: أن المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك لا يخلو إما أن لا يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله: فذاك لا يكون إلا مشركاً، وإما أن يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه: فإن هذا النكاح زنا، والناكح زانٍ مسافحٍ، فلو كان مؤمناً بالله حقّاً: لم يقدم على ذلك، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب، فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات والازدواجات، وقد قال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) أي: قرناءهم، فحرَّم الله ذلك؛ لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها، مما بعضه كاف للتحريم " انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 561) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
زنى رجل ببكرٍ ويريد أن يتزوجها فهل يجوز له ذلك؟
فأجابوا:
" إذا كان الواقع كما ذكر: وجب على كلٍّ منهما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة، ويندم على ما حصل منه من فعل الفاحشة، ويعزم على ألا يعود إليها، ويكثر من الأعمال الصالحة، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئائه حسنات، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/68 – 71. وإذا أراد أن يتزوجها: وجب عليه أن يستبرئها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح، وإن تبين حملها: لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها، عملاً بحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الإنسان ماءه زرع غيره " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 247) .
فتوبا إلى الله تعالى، وأصلِحا حاليكما، وأكثرا من الأعمال الصالحة، ويجوز لكم بعد ذلك التزوج، ونسأل الله تعالى أن يقبل توبتكما ويعفو عنكما بفضله ورحمته.
وانظر السؤال رقم (85335)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7044)
لا يصح نكاح الزانية والزاني حتى يتوبا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الزواج من امرأة كانت تمارس الزنى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يصح نكاح الزانية أو الزاني حتى يتوبا، فإن لم تتب المرأة أو الرجل لم يصح النكاح.
قال الله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وقد ورد في سبب نزول الآية ما يزيد الحكم بيانا، وهو ما رواه أبو داود (2051) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى بِمَكَّةَ وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ. قَالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحُ عَنَاقَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، فَنَزَلَتْ (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، وَقَالَ: لَا تَنْكِحْهَا. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في "عون المعبود":
"فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّج بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا الزِّنَا , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث لِأَنَّ فِي آخِرهَا: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فَإِنَّهُ صَرِيح فِي التَّحْرِيم" انتهى.
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية السابقة:
"هذا بيان لرذيلة الزنا, وأنه يدنس عرض صاحبه , وعرض من قارنه ومازجه , ما لا يفعله بقية الذنوب. فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء, إلا أنثى زانية, تناسب حالُه حالَها, أو مشركةٌ بالله, لا تؤمن ببعث ولا جزاء, ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك, لا ينكحها إلا زان أو مشرك (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي: حرم عليهم أن يُنْكِحوا زانيا, أو يَنْكِحوا زانية.
ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا, من رجل أو امرأة , ولم يتب من ذلك , أن المقدم على نكاحه , مع تحريم الله لذلك , لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فذاك لا يكون إلا مشركا. وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه, فإن هذا النكاح زنا, والناكح زان مسافح. فلو كان مؤمنا بالله حقا, لم يقدم على ذلك.
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية, حتى تتوب, وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب. فإن مقارنة الزوج لزوجته, والزوجة لزوجها, أشد الاقترانات, والازدواجات. وقد قال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) أي: قرناءهم. فحرم الله ذلك, لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة, وإلحاق الأولاد, الذين ليسوا من الزوج, وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها, مما بعضه كاف في التحريم" انتهى.
وبمثل ذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وأن معنى الآية:
أن من اعتقد تحريم نكاح الزانية ومع ذلك نكحها، فقد عقد عقداً محرماً، يعتقد أنه حرام، والعقد الحرام وجوده كعدمه، فلا يحل له الاستمتاع بالمرأة، فيكون هذا الرجل زانيا في هذه الحال.
وأما إذا أنكر تحريم نكاح الزانية، وقال: هو حلال، فيكون هذا الرجل مشركا في هذه الحال، لأنه أحل ما حرم الله، وجعل نفسه مشرعا مع الله. وهكذا نقول لمن زوج ابنته رجلا زانيا.
"فتاوى المرأة المسلمة" جمع أشرف عبد المقصود (2/698) .
وبهذا (أي تحريم نكاح الزانية) أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله.
انظر: "فتاوى محمد بن إبراهيم" (10/135) ، "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/383) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" لما أمر الله تعالى بعقوبة الزانيين حرم مناكحتهما على المؤمنين، هجرا لهما، ولما معهما من الذنوب والسيئات. .. فأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك.
أما المشرك فلا إيمان له يزجره عن الفواحش ومجامعة أهلها.
وأما الزاني ففجوره يدعوه إلى ذلك وإن لم يكن مشركا. . .
والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه، وهذا المعنى موجود في الزاني. . .
والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين فقال: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وهذا المعنى مما لا ينبغي إغفاله ; فإن القرآن قد نصه وبينه بيانا مفروضا.
فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم وفيه آثار عن السلف وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (15/316) .
وقال أيضاً (32/110) :
" نكاح الزانية حرام حتى تتوب، سواء كان زنى بها هو أو غيره. هذا هو الصواب بلا ريب وهو مذهب طائفة من السلف والخلف: منهم أحمد بن حنبل وغيره. .
وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ; والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق " انتهى.
وعلى من ابتلي بذلك وعقد النكاح قبل التوبة أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فعل ويعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب، ثم يعيد عقد النكاح مرة أخرى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7045)
نسب ولد الزنا والأحكام المترتبة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد مرور 32 عاما على ميلاد ابن زنا من أجنبية كتابية، وهو شاب ذو أخلاق عالية وقلب طيب، عندما بلغ 25 عاما أصبح يبحث عن والديه، فوجد أمه، ووجدني أنا الأب قبل أسبوع، حيث ثبت بواسطة الحامض النووي dna على أنني الأب، وقد تزوجت قبل 31 سنة من مسلمة، وعندي منها بنت وولدان، وعندي 4 أحفاد، الحمد لله الذي هداني وعدت إلى مخافة الله، وأنني ملتزم حيث إنني أصلي وأزكي واعتمرت وحجيت قبل 3 أعوام أنا وزوجتي، نسأل الله الهداية والتوبة على الدوام.
أرجو إفادتي: هل هو محرم على زوجتي وابنتي، هل هو أخ لأولادي؟ هل أعتبره أحد أفراد العائلة؟ أرجو شرح كل ما يتعلق بالموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنك، وأن يوفقنا لحسن التوبة والإنابة إليه سبحانه، وأن يرزقنا الذرية الصالحة الطيبة بمنه وفضله وكرمه.
واعلم أن التوبة والهداية خير ما يوفق له العبد في الدنيا، وهي أعظم نعمة يمن الله تعالى بها علينا، فالواجب شكر الله تعالى عليها، والحرص على تجديدها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد مائة مرة، كما رواه مسلم (2702) .
ثانياً:
أما نسب الأبناء غير الشرعيين فقد فصل فيه الفقهاء تفصيلا واسعا فقالوا:
لا يخلو حال المزني بها من أحد أمرين:
1. أن تكون فراشاً: يعني أن تكون متزوجة: فكل ولد تأتي به حينئذ إنما ينسب للزوج وليس لأحد غيره، ولو جَزَمت أنه من غيره ممن زنا بها، إلا إذا تبرأ الزوج من هذا الولد بملاعنة الزوجة، فحينئذ ينتفي نسب الولد عن الزوج ويلتحق بأمه وليس بالزاني.
2. أن تكون غير متزوجة: فإذا جاءت بولد من الزنا، فقد اختلف العلماء في نسب هذا الولد، هل ينسب إلى أبيه الزاني أو إلى أمه، على قولين، سبق ذكرهما وبيان أدلتهما في جواب السؤال رقم (33591) وانظر أيضا أجوبة الأسئلة: (117) و (2103) و (3625) .
وفيها: أن الراجح هو عدم صحة النسب من السفاح، فلا يجوز نسبة ولد الزنا إلى الزاني، إنما ينسب إلى أمه، ولو بلغ القطع بأن هذا الولد لذلك الزاني المعين درجة اليقين.
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (20 / 387) :
" الصحيح من أقوال العلماء أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين، فيثبت نسبه إلى الواطئ ويتوارثان، أما إن كان الوطء زنا فلا يلحق الولد الزاني، ولا يثبت نسبه إليه، وعلى ذلك لا يرثه ". انتهى.
وجاء - أيضاً - في " فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 34) :
" أما ولد الزنا فيلحق نسبا بأمه، وحكمه حكم سائر المسلمين إذا كانت أمه مسلمة، ولا يؤاخذ ولا يعاب بجرم أمه، ولا بجرم من زنا بها، لقوله سبحانه: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) " انتهى.
ثالثاً:
معلوم أن إثبات النسب يتبعه الحديث عن الكثير من الأحكام: أحكام الرضاع، والحضانة، والولاية، والنفقة، والميراث، والقصاص، وحد السرقة، والقذف، والشهادة، وغيرها.
ولما كان الراجح هو عدم ثبوت نسب ابن الزنا من الزاني، فلا يثبت شيء من الأحكام السابقة على الأب غير الشرعي، وإنما تتحمل الأم كثيراً منها.
ولكن يبقى للأب غير الشرعي (الزاني) قضية تحريم النكاح، فإن الولد الناتج عن زناه يثبت بينه وبين أبيه وأرحام أبيه أحكام التحريم في النكاح في قول عامة أهل العلم.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
" ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنا، وهو قول عامة الفقهاء " انتهى.
" المغني " (7 / 485) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن بنت الزنا هل تزوج بأبيها؟
فأجاب:
" الحمد لله، مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزويج بها، وهو الصواب المقطوع به " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (32 / 134) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (36 / 210) :
" ويحرم على الإنسان أن يتزوّج بنته من الزّنا بصريح الآية: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) لأنّها بنته حقيقةً ولغةً , ومخلوقة من مائه , ولهذا حرّم ابن الزّنا على أمّه.
وهذا هو رأي الحنفيّة وهو المذهب عند المالكيّة , والحنابلة " انتهى.
رابعاً:
وبناء على ما سبق فإن ابنك هذا من الزنا لا يجوز له أن ينكح بناتك، فإنهن بمنزلة أخواته، وكذلك زوجتك.
ولكن ذلك لا يعني أنه مَحرَمٌ لهن فنُجَوِّز له الخلوة بهن أو وضعهن الحجاب في حضرته، فإن التحريم في النكاح لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها، فهي حكم زائد لا يثبت إلا للمحارم الشرعيين؛ فيجب التنبه لهذا.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
" الحرام المحض: وهو الزنا: يثبت به التحريم، ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر " انتهى بتصرف.
" المغني " (7 / 482) .
ولا يمنع ذلك كله الإحسان إلى هذا الشاب، ومعاملته بالحسنى، والسعي في إسلامه وربطه بالعائلة، على ألا ينسب إلى أبيه من الزنا، ولا يتساهل في حجاب البنات في الأسرة عنه.
ونسأل الله لك الخير والتوفيق والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7046)
حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا زنى رجل بامرأة، تقوم القبائل بتعويض أهل البنت بمال يقدره العرف القبلي، علما أن هذا المال يشاركه في دفعه قبيلته، ما حكم المشاركة في دفع هذا المبلغ إن كنت من قبيلة الفاعل، وما حكم أخذ هذا المال إن كنت من قبيلة البنت. علما أنّ هذا البلد يحكمه نصراني ولا يحكم فيه بما أنزل الله، ولذلك تلجأ القبائل للحكم القبلي مع ما فيه من حكم بغير ما أنزل الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا التعويض المالي له صورتان:
الأولى: أن يكون خاصا بحالة الإكراه على الزنا، فيُلزم الزاني بدفع المهر للمزني بها المكرهة على ذلك، أو بدفع المهر مع أرش البكارة – إن كانت بكرا -، عند من يقول بذلك، وأرش البكارة هو الفرق بين مهر البكر والثيب.
على أن يكون هذا المال واجبا على الزاني، مع إقامة الحد عليه، ويعطى للمزني بها، التي ثبت إكراهها على الزنا.
وإذا كان الأمر كذلك، فهذا لا إشكال فيه، بل هو من تحكيم الشرع، ولو وافق العادة والعرف.
ولو فرض أنهم عجزوا عن إقامة الحد، واستطاعوا إلزام الزاني بدفع المهر للمكرهة، لكان هذا سائغا، فإن مالا يدرك كله لا يُترك جُلّه، وقد قال الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) .
وأما إلزام القبيلة بدفع المهر أو المشاركة فيه، فلا وجه له، بل هو واجب في مال الزاني كما سبق، ومساعدته في دفعه يعني تسهيل القضية وترويج الزنا. ويأتي بيان الخلاف في وجوب المهر والأرش.
الصورة الثانية: أن يكون ذلك نظاما متبعا في جميع حالات الزنى، لا فرق بين من أكرهت عليه، ومن طاوعت فيه، وتلزم القبيلة بمشاركة الزاني في دفع هذا التعويض، ويعد ذلك حكما عاما ترجع إليه القبائل فيما بينها، فهذا تنظيم وتقنين لمهور البغايا؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ) رواه مسلم (1568)
وقال: (لا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَلا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَلا مَهْرُ الْبَغِيِّ) رواه النسائي (4293)
ومن البين أن هذا الحكم القبلي، أو ما يسمى بالسلوم، هو من أحكام الجاهلية، التي لا يجوز الحكم بها، ولا التحاكم إليها، ولا الإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49، 50، وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء/60، وقوله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه من أحكام الجاهلية.
وقد حكم الله تعالى وشرَع أن يجلد الزاني إذا كان بكرا، ويرجم إن كان ثيبا، رجلا كان أو امرأة، فكل حكم يخالف هذا فهو من أحكام الجاهلية، التي يجب البراءة منها، والسعي في إبطالها.
وقد نص أهل العلم على أن التحاكم إلى سلوم البادية، وأعراف القبائل المخالفة للشريعة المحمدية، أن ذلك من الكفر.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " (السادس) [أي من أنواع الكفر الأكبر في مسألة تحكيم القوانين] : ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها " سلومهم " يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحملون على التحاكم إليه عند النزاع، بناء على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبة عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى من رسالة "تحكيم القوانين".
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالة له بعنوان: " حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية
من عبد العزيز بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لمعرفة الحق واتباعه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . . أما بعد.
فالداعي لهذا هو الإجابة عن أمور سأل عنها بعض الإخوة الناصحين في المملكة؛ حيث ذكر أنه يوجد في قبيلته، وفي قبائل أخرى عادات قبلية سيئة ما أنزل الله بها من سلطان منها: -
ترك التحاكم إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى عادات قبلية وأعراف جاهلية.
منها كتمان الشهادة، وعدم أدائها حمية وتعصبا، أو الشهادة زورا وبهتانا، حمية وعصبية أيضا. إلى غير ذلك من الأسباب التي قد تدعو بعض الناس إلى مخالفة الشرع المطهر.
ولوجوب النصيحة لله ولعباده أقول وبالله التوفيق:
يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية. قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .
فيجب على كل مسلم أن لا يقدم حكم غير الله على حكم الله ورسوله كائنا من كان، فكما أن العبادة لله وحده، فكذلك الحكم له وحده، كما قال سبحانه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) .
فالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات، وأقبح السيئات، وفي كفر صاحبه تفصيل، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ؛ فلا إيمان لمن لم يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله، فقد تحاكم إلى الطاغوت.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل، ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها في الدين، وما أنزل الله بها من سلطان. . بل يجب عليهم أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، ولا مانع من الإصلاح بين المتنازعين بما لا يخالف الشرع المطهر، بشرط الرضا وعدم الإجبار. . لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما) ، كما يجب على القبائل جميعا ألا يرضوا إلا بحكم الله ورسوله.... " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (5/142) .
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" ما نصه: " س: ما الحكم إذا تخاصم اثنان مثلا وتحاكما إلى الأحكام العرفية، فمثلا يضع كل منهما معدالا، كما يسمونه، ويرضون من مشايخ القبائل من يحكم بينهما، ويجلسان بين يديه، ويبث كل منهما دعواه ضد الآخر، فإذا كانت القضية بسيطة حكم فيها بذبيحة على المخطئ يذبحها لخصمه، وإذا كانت القضية كبيرة حكم فيها (بجنبية) أي: كانوا في القدم يضربونه على رأسه بآلة حادة حتى يسيل دمه، ولكن اليوم تقدر (الجنبية بدراهم) ويسمون هذا: صلحا، وهذا الشيء منتشر بين القبائل ويسمونه: مذهبا، بمعنى: إذا لم ترض بفعلهم هذا فيقولون عنك: (قاطع المذهب) ، فما الحكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟
ج: يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية، لا إلى الأحكام العرفية، ولا إلى القوانين الوضعية، وما ذكرته ليس صلحا في الحقيقة، وإنما هو تحاكم إلى مبادئ وقواعد عرفية ; ولذا يسمونها: مذهبا، ويقولون لمن لم يرض بالحكم بمقتضاها: إنه قاطع المذهب، وتسميته صلحا لا يخرجه عن حقيقته من أنه تحاكم إلى الطاغوت، ثم الحكم الذي عينوه من الذبح أو الضرب بآلة حادة على الرأس حتى يسيل منه الدم ليس حكما شرعيا.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بهذه الطريقة، ويجب على المسلمين ألا يتحاكموا إليهم، إذا لم يعدلوا عنها إلى الحكم بالشرع، واليوم -ولله الحمد- قد نصب ولي الأمر قضاة يحكمون بين الناس، ويفصلون في خصوماتهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحلون مشكلاتهم بما لا يتنافى مع شرع الله تعالى، فلا عذر لأحد في التحاكم إلى الطاغوت بعد إقامة من يتحاكم إليه من علماء الإسلام ويحكم بحكم الله سبحانه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، انتهى.
وإذا كان الأمر كذلك: فلا يجوز لك أن تشارك في هذا الحكم، ولا في دفع المال، أو أخذه، بل يجب أن تبرأ من ذلك، كما يجب أن تنصح لهؤلاء، وتبين لهم خطر ما هم عليه من تحكيم غير الشرع، وأنه لا عذر لهم في ذلك، ولو كان حاكمهم نصرانيا لا يطبق أحكام الله، وعليهم أن يتناصحوا فيما بينهم ويسعوا إلى تطبيق أحكام الشريعة قدر استطاعتهم، وما عجزوا عن تطبيقه فلا يجوز لهم إحداث حكمٍ فيه، مهما رأوا فيه من المصلحة، وإلا كانوا مشرّعين آثمين مبتغين في الإسلام سنة الجاهلية.
ثانيا:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المرأة إذا أكرهت على الزنا، فإن الزاني يلزم بمهر مثلها.
فإن كانت بكرا، فهل لها مع المهر أرش البكارة؟
ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، وهو رواية عن أحمد رحمه الله، لكن المذهب المعتمد عند الحنابلة هو عدم وجوب أرش البكارة، وإنما تأخذ المكرهة على الزنا مهر المثل فقط.
ونبه المالكية على أن هذا المهر لا تتحمله العاقلة، لأن الزنى من باب العمد، لا الخطأ.
وخالف الحنفية فلم يوجبوا مهرا للمكرهة على الزنا، بكرا كانت أو ثيبا.
وهو رواية عن أحمد رحمه الله، اختارها شيخ الإسلام، وقال عن المهر: إنه خبيث.
ثالثا:
لو أكرهها على الزنا، فأفضاها، فإنه يلزمه المهر، مع الضمان، واختلف في تقديره، فالحنفية والحنابلة على أنه ثلث الدية، والمالكية على أن فيه حكومة عدل، والشافعية على أن فيه الدية كاملة، ووافقهم الحنفية فيما إذا أفضاها فلم تمسك البول.
وينظر: "المبسوط (9/53) ، المنتقى للباجي (7/77) ، التاج والإكليل (8/342) ، مغني المحتاج (4/75) ، المغني (7/209) ، (8/373) ، الإنصاف (8/306- 308) ، الموسوعة الفقهية (5/297) ، (21/95) ".
والإفضاء: إزالة الحاجز بين مخرج البول ومحل الجماع.
والحاصل: أن دفع المهر للمكرهة على الزنا، أو دفع المهر وأرش البكارة، للبكر المكرهة على الزنا، إنما يكون في مال الزاني، ولا تتحمله العاقلة، ويذهب للمرأة المزني بها، وليس إلى عاقلتها، وأما المطاوعة على الزنى فلا شيء لها.
وهذا كله بعد ثبوت الزنا وإقامة الحد. وبهذا يظهر الفرق بين ما ورد في الشرع، وبين ما يحكّم من العادات والأعراف القبلية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7047)
الحكمة من قتل المفعول به في اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يقتل المفعول به في اللواط كما يقتل الفاعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أجمع الصحابة على قتل اللوطي، لكن اختلفوا في طريقة قتله.
فمنهم من يرى تحريقه، كأبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ومنهم من يرى أنه يُرمَى من بناءٍ عالٍ ويتبع بالحجارة، كابن عباس رضي الله عنهما، ومنهم من يرى أنه يرجم بالحجارة حتى يموت، وهو مروي عن علي وابن عباس أيضاً رضي الله عنهم.
وانظر "المغني" (9/58) .
وأما الحكمة من معاقبة المفعول به، فلأنه شريك في المعصية، فإن هذه المعصية لا توجد إلا إذا اشترك فيها طرفان، فكان العدل أن يقام الحد عليهما، ومثل هذا: الزنا، فإنه يقام فيه الحد على الرجل والمرأة، ثم إن المفعول به لا خير في بقائه حيا، لعظم الفساد الذي حل به، وعظم المفسدة الناشئة عن وجوده.
قال في "مطالب أولي النهى" (6/174) : " وإن كان الزنا واللواط مشتركين في الفحش، وفي كل فساد ينافي حكمة الله في خلقه وأمره، فإن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد، ولَأنْ يقتل المفعول به خير له من أن يؤتى، فإنه يَفْسد فسادا لا يرجى له بعده صلاح أبدا، ويذهب خيره كله، وتمتص الأرض ماء الحياء من وجهه، فلا يستحي بعد ذلك من الله تعالى ولا من خلقه، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن، وهو جدير أن لا يوفق لخير، وأن يحال بينه وبينه، وكلما عمل خيرا قيض له ما يفسده عقوبة له ; وقل أن ترى من كان كذلك في صغره إلا وهو في كبره شر مما كان، ولا يوفق لعلم نافع، ولا عمل صالح، ولا توبة نصوح غالبا. إذا تقرر هذا، فمفسدة اللواط من أعظم المفاسد، وعقوباته من أعظم العقوبات في الدنيا والآخرة.
وقد أطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله، لم يختلف فيه منهم رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم في قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة، وهي بينهم مسألة إجماع، لا مسألة نزاع " انتهى باختصار.
وأصل هذا الكلام لابن القيم رحمه الله، ذكره في "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي".
ولكن إذا كان المفعول به مكرهاً فإنه لا عقوبة عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه بن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
وانظر جواب السؤال (38622) ففيه زيادة فائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7048)
الآثار الشرعية لزنا الزوج بأم زوجته قبل النكاح وبعده
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة، وزوجها قد زنى بأمها مرات عديدة وهذه الزوجة لا تعلم، ماذا تفعل مع أمها ومع زوجها، فهي في حيرة من أمرها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل لأحدٍ أن يدَّعي على غيره أنه وقع في الزنا إلا أن يَثبت ذلك بطريق شرعي، كاعتراف الزاني، أو شهادة أربعة رجال عدول شهدوا وقوعه في الزنا، ومن نسب لغيره الوقوع في الزنا من غير بينة: فقد وقع في القذف، وهو من كبائر الذنوب، ويستحق صاحبه ثمانين جلدة، وهو الحد المترتب على القذف.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4-5.
ثانياً:
إن ثبت عند السائلة ما جاء في السؤال من وقوع الزوج في جريمة الزنا بأم زوجته: فليُعلم أنهما مستحقان لعذاب الله وسخطه، ومستحقان للعقوبة في الدنيا، أما المرأة: فلأنها محصنة؛ فإنها تستحق الرجم حتى الموت، وأما هو فإن كان محصناً: فمثل حكمها، وإن لم يكن محصناً، وإنما وقع منه الزنى قبل زواجه: فحدُّه مائة جلدة.
قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2.
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ - يُرِيدُ نَفْسَهُ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَحْصَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ.
رواه البخاري (6439) ومسلم (1691) .
والمحصَن: هو من سبق له الزواج والدخول، ولو حصل بعد زواجه طلاق أو وفاة زوج أو زوجة.
بل قال الإمام أحمد – في رواية عنه – فيمن فعل ذلك " يقتل على كل حال " يعني أن من زنى بمحرم من محارمه، قتل، سواء كان محصناً أو لا، وسواء كان محرماً من النسب أو المصاهرة أو الرضاع.
قال ابن قدامة: " وبهذا قال جابر بن زيد، وإسحاق، وأبو أيوب، وابن أبي خيثمة " اهـ "المغني" (12/341)
قال ابن القيم رحمه الله: " وأما إن كانت الفاحشة مع ذي محرم، فذلك الهُلك كل الهُلك، ويجب قتل الفاعل بكل حال، عند الإمام أحمد وغيره.. "
" روضة المحبين" ص (374)
وهل يوجب زناه بأمها تحريم نكاحه ابنتها، أو فسخ النكاح القائم: وقع خلاف بين العلماء في هذا، والراجح عدم تحريم نكاحها، وعدم فسخ النكاح.
وقد بيَّنا حكم هذه المسألة وفصَّلناها في جواب السؤال رقم (78597) فلينظر.
ثالثاًً:
الواجب على الزوجة الآن:
1. عدم بناء أحكام أو تصرفات على هذا الأمر إلا أن يثبت لديها قطعاً.
2. نصح أمها – إن ثبت الادعاء بالزنى – بضرورة التوبة الصادقة.
3. نصح زوجها بالتوبة الصادقة إن كان وقع الزنا بأمها بعد نكاحها، وضرورة إبعاده عن أمها في السكن واللقاء حتى لا يتكرر الفعل، وإن لم يتب من الفعل فلتسع في الطلاق، ولا يحل لها البقاء معه؛ لأن الله تعالى حرَّم نكاح الزاني للمؤمنة العفيفة.
على أننا نعلم شدة البلاء الذي نزل بالأخت الكريمة، فكم يحزن المرأة، ويشق عليها أن يزني زوجها!! وأشق من ذلك على النفس وأغيظ للقلب، ألف مرة ومرة أن تزني أمها!! فكيف إذا كان زوجها هو الزاني بأمها!! إن هذا لبلاء مبين.
نسأل الله تعالى أن يفرج همها، ويزيل كربها، وأن يرزقها الصبر والحكمة
على أننا ننصحها – قبل اتخاذ قرار كبير في حياتها – أن تتدبر جيداً في عاقبته:
إذا قررت الانفصال عن زوجها فهل يمكنها – حينئذ – أن تعيش مع أمها في بيتها، وهي التي فعلت وفعلت، ثم كان خرب بيتها على يدها؟!
نحسب أنه – إذا لم يكن عندها مأوى مناسب، ومحرم يقوم على شأنها ويرعاها – أن البقاء مع زوجها مع نصحه بالتوبة والاستقامة أهون من طلاقها والعيش في بيت أمها!!
فلتوازن هذه الأخت الكريمة بين نتائج قرارها، وبعض الشر أهون من بعض!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7049)
زنى بامرأة فهل له أن يتزوج بابنتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أبلغ من العمر ثلاثون عاماً، وقد أغواني الشيطان وزنيت بامرأة، وبفضل الله عليَّ ورحمته تبت إلى الله توبة نصوحا لعل الله يتقبلها منى، وأنا إلى الآن لم أتزوج، وقد قررت الزواج، وقامت أمي بترشيح فتاة ما، ولكن هذه الفتاه هي ابنة المرأة التي سبق وزنيت بها (مع العلم بأن واقعة الزنا كانت منذ سنتين وأن هذه الابنة تبلغ من العمر الآن عشرون عاما) ، ولذلك أرجو الإفادة إن كان هذا الزواج محرَّما أم لا؟ وأرجو من سيادتكم توضيح الأمر باستفاضة تامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، واحرص على أن تكون توبة صادقة؛ لأن جريمة الزنا إثمها عظيم، ويترتب عليها مفاسد كثيرة، والزاني المحصن يستحق الرجم حتى الموت، وليس في الحدود ما هو أعظم من هذا؛ وذلك لقبح هذه الجريمة وشناعتها.
والنصيحة لك ألاّ تنكِح هذه الفتاة، لا لأن نكاحها محرم، بل لأنك بهذا النكاح ستكون قريباً من أمها التي زنيت بها، والقرب منها فيه تذكير لك بتلك الفاحشة الشنيعة، ولعل الشيطان أن يوسوس لك ثانية، ويزين لك المعصية فتقع فيها، والبُعد عن مواطن الفاحشة والمعصية من تمام التوبة، ويدل على ذلك حديث الذي قتل مائة نفس، فإن العالِم دلَّه على ترك قريته لأن أهلها كانوا أهل شر وفساد , وهذا من تمام التوبة.
أما من حيث جواز نكاح تلك الفتاة: فقد وقع في هذه المسألة خلاف بين العلماء، فالشافعي ومالك - في إحدى الروايتين عنه - يبيحون ذلك، وأبو حنيفة وأحمد ومالك - في الرواية الأخرى - يحرمون هذا النكاح، والراجح هو القول الأول.
قال ابن عبد البر:
واختلفوا في الرجل يزني بالمرأة هل يحل له نكاح ابنتها وأمها، وكذلك لو زنا بالمرأة هل ينكحها ابنه أو ينكحها أبوه، وهل الزنى في ذلك كله يحرم ما يحرم النكاح الصحيح أو النكاح الفاسد أم لا؟
فقال مالك في " موطئه ": إن الزنى بالمرأة لا يحرم على من زنا بها نكاح ابنتها ولا نكاح أمها، ومن زنا بأم امرأته لم تحرم عليه امرأته بل يقتل ولا يحرِّم الزنى شيئا بحرمة النكاح الحلال.
وهو قول ابن شهاب الزهري وربيعة، وإليه ذهب الليث بن سعد والشافعي وأبو ثور وداود، وروي ذلك عن ابن عباس وقال في ذلك: " لا يحرم الحرام الحلال " ... .
وذكر ابن القاسم عن مالك خلاف ما في " الموطأ "، فقال: من زنا بأم امرأته فارق امرأته وهو عنده في حكم من نكح أم امرأته ودخل بها.
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي كلهم يقولون: من زنا بأم امرأته حرمت عليه امرأته.
قال سحنون: أصحاب مالك كلهم يخالفون ابن القاسم فيها ويذهبون إلى ما في " الموطأ " ...
والله عز وجل إنما حرم على المسلم تزوج أم امرأته وابنتها وكذلك إذا ملكت يمينه امرأة فوطئها بملك اليمين حرمت عليه أمها وابنتها
وكذلك ما وطىء أبوه بالنكاح وملك اليمين وما وطىء ابنه بذلك فدل على المعنى في ذلك الوطء الحلال، والله المستعان
وقد أجمع هؤلاء الفقهاء - أهل الفتوى بالأمصار المسلمين - أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنا بها إذا استبرأها فنكاح أمها وابنتها أحرى، وبالله التوفيق.
" الاستذكار " (5 / 463، 464) باختصار.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" القول الراجح: أن أم المزني بها ليست حراماً على الزاني، وأن بنت المزني بها ليست حراماً على الزاني؛ لأن الله تعالى قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) النساء/24، وفي قراءة أخرى: (وأَحَلَّ لَكُم ما وَرَاء ذَلِكُم) بالبناء للفاعل، ولم يذكر الله عزّ وجل أم المزني بها وبنتها في المحرمات، وإنما قال: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النساء/23، ومعلوم أن المزني بها ليست من نسائه قطعاً؛ لأن نساءه زوجاته، فإذا لم تكن من نسائه فإنه لا يصح أن يلحق السفاح بالنكاح الصحيح، فإذا تاب من الزنا جاز له أن يتزوج أم المزني بها وبنتها " انتهى
" الشرح الممتع " (7 / 38، 39) .
والخلاصة: أن المسألة محل خلاف بين العلماء، وأن الراجح جواز نكاح بنت المزني بها إذا لم تكن مخلقة من مائه، والنصيحة لك: أن لا تتزوج لسببين:
احتياطاً، لأنها محرمة عليك عند كثير من العلماء.
وحتى لا يكون زواجك بها سبباً للقرب من أمها والاتصال بها، مما قد يكون سبباً لعودتك إلى المعصية التي تبت منها.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7050)
متى يجب على الرجل حد الزنا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يحق على العبد حد الزنا هل يحق إذا التمس الختانان، وهل يحق إذا تم الجماع من الخارج أي يلقى الرجل منيه خارج الرحم كما يفعل البعض ممن لا يريد الإنجاب أم أنه لا يحق إلا إذا تم الجماع التام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يشترط لإقامة حد الزنا أن يتم الإيلاج، وهو إدخال حشفة الذكر في الفرج، وحينئذ يلتقي الختانان، أي موضع ختان الرجل مع ختان الأنثى، فإذا تم الإيلاج فقد وقع الزنى الذي يوجب الحد، سواء أنزل الرجل أو لم ينزل، أو أولج ثم أنزل في الخارج، وسواء انتشر ذكره وانتصب أو لم يحصل ذلك.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/23) في بيان شروط حد الزنا المتفق عليها بين الفقهاء: " لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنا إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج. فلو لم يدخلها أصلا أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئا. ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال. فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا. انتشر ذكره أم لا " انتهى.
ثانياً:
وليس معنى ذلك أن يتهاون الإنسان في فعل المحرمات ما دام لم يصل إلى الزنى! وإنما المراد فقط بيان الزنى الذي يجب به الحد، أما خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية ولمسها وتقبيلها فلا شك أن ذلك حرام، يحب على المسلم أن يتركه خوفاً من عقاب الله تعالى العاجل في الدنيا، قبل عقاب الآخرة.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، ويرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7051)
لماذا حرم الإسلام السحاق واللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يعتبر اللواط والسحاق حراماً في الإسلام؟ أعرف أنها حرام لكن لماذا؟ وما هو المذكور عنها في القرآن والسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا ينبغي أن يشك المسلم ولو للحظة في أن شرع الله حكيم، وينبغي أن يعلم أن ما أمر الله به وما نهى عنه فيه الحكمة البالغة، والطريق القويم، والسبيل الوحيد لأن يعيش الإنسان آمناً مطمئنّاً، ويحفظ عرضه وعقله وصحته، ويوافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
وقد حاول بعض الملحدين الطعن في الإسلام وأحكامه، فأنكروا الطلاق وتعدد الزوجات وأباحوا الخمور، ومن نظر في أحوال مجتمعاتهم عرف الحال المزري الذي وصلت إليه تلك المجتمعات.
فلما أنكروا الطلاق: حصل القتل بدلاً منه، ولما أنكروا التعدد: حصل اتخاذ العشيقات بدلا منه، ولما أباحوا الخمور: انتشرت الرذائل والفواحش بجميع ألوانها وأشكالها.
وهما مخالفان لفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها – بل البهائم كذلك – من ميل الذكر للأنثى والعكس، ومن خالف في هذا خالف الفطرة.
وانتشارهما سبَّب أمراضاً كثيرة لا يستطيع الشرق والغرب أن ينكر وجودها بسببهما، ولو لم يكن من نتائج هذا الشذوذ إلا مرض " الأيدز " – الذي يقضي على جهاز المناعة في الإنسان – لكفى.
وسبَّب – كذلك - تفكك الأسَر وانحلالها، وترك الأعمال والدراسة والانشغال بمثل هذه الشذوذات.
ولا ينتظر المسلم – وقد جاءه التحريم من ربه تعالى – أن يُثبت الطب حصول الضرر على مرتكب ما نهى الله عنه، بل لا بدَّ أن يجزم أن الله تعالى لا يشرع إلا ما فيه خير الناس، ولا تزيده هذه الاكتشافات الحديثة إلا يقيناً وطمأنينة بعظيم حكمة الله تعالى.
قال ابن القيم:
وفى كل منهما – أي: الزنى واللواط - فساد يناقض حكمة الله في خلقه وأمره؛ فإن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد؛ ولَأَن يقتل المفعول به خيرٌ له من أن يُؤتى فإنه يَفسد فساداً لا يرجى له بعده صلاح أبداً، ويَذهب خيرُه كله، وتمص الأرضُ ماء الحياء من وجهه فلا يستحي بعد ذلك لا من الله ولا من خلقه، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن، وقد اختلفَ الناس هل يدخل الجنة مفعول به؟ على قولين سمعت شيخ الإسلام رحمه الله يحكيهما.
" الجواب الكافي " (ص 115) .
2. السحاق والمساحقة لغةً واصطلاحاً: أن تفعل المرأة بالمرأة مثل صورة ما يفعل بها الرجل.
واللواط لغةً: إتيان الذكور في الدبر، وهو عمل الملعونين قوم نبي الله لوط عليه السلام. يقال: لاط الرجل لواطا ولاوط، أي عمل عمل قوم لوط.
واصطلاحا: إدخال الحشفة في دبر ذكر.
ومما ذُكر عنهما في القرآن والسنَّة:
أ. قال تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون} الأعراف/80، 81.
ب. {إنا أرسلنا عليهم حاصباً إلا آل لوط نجيناهم بسحر} القمر/34. الحاصب: الريح ترمي بالحجارة.
ت. {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} الأعراف/80.
وقال تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} العنكبوت/28.
ث. {ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} الأنبياء/74.
ج. {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون. أنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون. فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون. فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين. وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين} النمل/ 54 – 58.
هذا من حيث العقوبة التي وقعت على قوم لوط، أما من حيث ما جاء في أحكامهم:
ح. قال تعالى: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً} النساء / 16.
قال ابن كثير:
وقوله تعالى {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} أي: واللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما: أي: بالشتم والتعيير والضرب بالنعال وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم، وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا، وقال السدي: نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا، وقال مجاهد: نزلت في الرجلين إذا فعلا لا يكنى (أي يصرح ولا يستعمل الكناية) - وكأنه يريد اللواط -، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (1 / 463) .
خ. عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط ".
رواه الترمذي (1457) وابن ماجه (2563) .
والحديث: قال صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " رقم: (1552) .
د. عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط ". رواه أحمد (1878) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " رقم: (5891) .
ذ. عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ".
رواه الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " رقم: (6589) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7052)
موقف المسلمين من فاحشة اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاليا أبحث مسألة اضطهاد اللوطية في قارة آسيا وخاصة في ماليزيا.
أرجو منك التكرم بالإجابة على بعض أسئلتي.
1- كيف يعامل اللوطية (من المسلمين وغير المسلمين) في ماليزيا؟
2- ما مدى قسوة العقوبة عليهم؟
3- ما مدى تفهم المجتمع للوطية؟
4- هل اللواط قانوني (مسموح به قانونا) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لدينا خبرة بوضع الشّذوذ في بلاد ماليزيا ولكنّ المفترض في المسلمين من ذلك الشّعب أن تكون لديهم الكراهية التامّة لهذا الفعل القذر، لأنّ الإسلام الذي يدينون به يحرّم هذا الفعل تحريما شديدا ويجعل عقوبته عظيمة أليمة في الدّنيا والآخرة. كيف لا وقد قال نبي الإسلام عليه السّلام: " مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ. " أي إذا كان راضيا. والحديث رواه الترمذي في سننه 1376
وقال علماء الإسلام كمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ أنّه يُقام عليه حدّ الرجم أحصن أو لم يُحصن.
والذي يخالف فطرة الله، ويفعل ما يؤدي إلى اكتفاء الرّجال بالرّجال والنّساء بالنّساء، وفساد الأُسر، والتأثير على الإنجاب، ونشر الانحلال في المجتمع، وحدوث الأمراض الفتّاكة، والإضرار بالأبرياء، وسريان الأذيّة إلى الأطفال اغتصابا ونقلا للأمراض، والفساد في الأرض عموما لا شكّ أنّه آفة يجب أن تُستأصل.
ولعلّ ما تقوم به أيّها الباحث من العمل يقودك إلى التعرّف عن كثب على هذا الدّين وعظمة شرائعه ودقّة أحكامه، وحكمة من أنزله، أسأل الله لك التوفيق والنّجاح والله الهادي إلى سواء السّبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7053)
حكم جريمة الاغتصاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جريمة الاغتصاب شرعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاغتصاب هو أخذ الشيء ظلماً وقهراً، وأصبح الآن مصطلحاً خاصا بالاعتداء على أعراض النساء قهراً.
وهي جريمة قبيحة محرمة في كافة الشرائع، وعند جميع العقلاء وأصحاب الفطَر السوية، وجميع النظم والقوانين الأرضية تقبح هذه الفعلة وتوقع عليها أشد العقوبات، باستثناء بعض الدول التي ترفع العقوبة عن المغتصب إذا تزوج من ضحيته! وهو يدل على انتكاس الفطرة واختلال العقل فضلاً عن قلة الدين أو انعدامه عند هؤلاء الذي ضادوا الله تعالى في التشريع، ولا ندري أي مودة ورحمة ستكون بين الجلاد وضحيته، وخاصة أن ألم الاغتصاب لا تزيله الأيام ولا يمحوه الزمن - كما يقال - ولذا حاولتْ كثيرات من المغتَصبات الانتحار وحصل من عدد كثير منهن ما أردن، وقد ثبت فشل هذه الزيجات، ولم يصاحبها إلا الذل والهوان للمرأة.
وحري بهذا الشرع المطهَّر أن يكون له موقف واضح بيِّن من تحريم هذه الفعلة الشنيعة، وإيقاع العقوبة الرادعة على مرتكبها.
وقد أغلق الإسلام الأبواب التي يدخل من خلالها المجرم لفعل جريمته، وقد أظهرت دراسات غربية أن أكثر هؤلاء المغتصبين يكونون من أصحاب الجرائم، ويفعلون فعلتهم تحت تأثير الخمور والمخدرات، وأنهم يستغلون مشي ضحيتهم وحدها في أماكن منعزلة، أو بقاءها في بيتها وحدها، وكذلك بينت هذه الدراسات أن ما يشاهده المجرمون في وسائل الإعلام، وما تخرج به المرأة من ألبسة شبه عارية، كل ذلك يؤدي إلى وقوع هذه الجريمة النكراء.
وقد جاءت تشريعات الإسلام لتحفظ عرض المرأة وحياءها، وتنهاها عن اللبس غير المحتشم، وتنهاها عن السفر من غير محرم، وتنهاها عن مصافحة الرجال الأجانب عنها،، وحث الشرع على المبادرة بزواج الشباب وتزويج الفتيات كل ذلك – وغيره كثير – يغلق الباب على المجرمين من افتراس ضحاياهم، ولذلك لا نعجب إذا سمعنا أو قرأنا أن أكثر هذه الجرائم إنما تحدث في المجتمعات المنحلة، والتي يريد أهلها من المسلمات أن يكنَّ مثلهن في التحضُّر والرقي! ففي أمريكا – مثلاً – ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بعنوان " أوقفوا العنف ضد المرأة " لعام 2004 أنه في كل 90 ثانية تُغتصب امرأة هناك! فأي حياة يعيشها هؤلاء؟! وأي رقي وحضارة يسعون لإدخال المسلمات فيها؟!
ثانياً:
وأما عقوبة الاغتصاب في الشرع: فعلى المغتصب حد الزنا، وهو الرجم إن كان محصناً، وجلد مائة وتغريب عام إن كان غير محصن.
ويوجب عليه بعض العلماء أن يدفع مهر المرأة.
قال الإمام مالك رحمه الله:
" الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبا: أنها إن كانت حرة: فعليه صداق مثلها , وإن كانت أمَة: فعليه ما نقص من ثمنها، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله " انتهى.
" الموطأ " (2 / 734) .
قال الشيخ سليمان الباجي رحمه الله:
" المستكرَهة؛ إن كانت حرة: فلها صداق مثلها على من استكرهها، وعليه الحد، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب الليث، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الحد دون الصداق.
والدليل على ما نقوله: أن الحد والصداق حقان: أحدهما لله، والثاني للمخلوق، فجاز أن يجتمعا كالقطع في السرقة وردها " انتهى.
" المنتقى شرح الموطأ " (5 / 268، 269) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
" وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك، فإن لم يكن: فعليه العقوبة (يعني: إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه، وعدم وجود أربعة شهود، فإن الحاكم يعاقبه وعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله) ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها، وذلك يعلم بصراخها، واستغاثتها، وصياحها " انتهى.
" الاستذكار " (7 / 146)
ثالثاً:
وكون المغتصب عليه حد الزنا، هذا ما لم يكن اغتصابه بتهديد السلاح، فإن كان بتهديد السلاح فإنه يكون محارباً، وينطبق عليه الحد المذكور في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33.
فيختار الحاكم من هذه العقوبات الأربعة المذكورة في الآية الكريمة ما يراه مناسباً، ومحققاً للمصلحة وهي شيوع الأمن والأمان في المجتمع، ورد المعتدين المفسدين.
وانظر السؤال رقم (41682) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7054)
جامع أجنبية في دبرها وتابا فهل يجوز له تزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تبنا وندمنا من علاقة جنسية حدث فيها إيلاج من الدبر، ونحن نحب بعضنا حبّاً شديداً لا نستطيع الفراق، ونريد أن نتزوج ونعيش حياةً سعيدةً، هل يجوز لي الزواج منها؟ علما بأن مذهبنا الإباضية يحرم زواج الزاني بمزنيته وإن تابا، بدليل أن عمر بن الخطاب فصل بين رجل تزوج امرأة أثناء عدتها ثم قال: (لا يجتمعان أبداً) ، ودليل آخر ثبت عن علي وعائشة والبراء بن عازب بأنه (إذا تزوج اثنان زانيان فهما زانيان أبداً) ، ذلك بأن الطمأنينة ستكون معدومة بين اثنين اختبر كل منهما الآخر قبل الزواج، فما رأي سماحتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أن البحث عن الصواب في المسائل الفقهية العملية أمرٌ حسن، وهو يدل على أن صاحبه ينشد الحق الذي حكم الله تعالى به، وأحسن من هذا هو أن يبحث المسلم عن الاعتقاد الصحيح الذي ينجيه من فرق الضلال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي اثنتان وسبعون فرقة، وقد قال عنها: (كلها في النار) ومعناه: أنها ضالة تستحق الوعيد بالنار؛ لأنها تنكبت طريق الحق، وطريق الحق الذي ينجو صاحبه إذا عليه هو طريق الفرقة الناجية، والتي حكم لها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة في قوله: (كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي؟ قال: هي من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) .
واعلم أنه لا يسع المسلم أن يعتقد ما يشاء، بل لا بدَّ له حتى ينجو من الإثم والوزر أن يعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان والصفات والقرآن وغيرها من مسائل العقيدة والتوحيد.
ولا نريد إحراجك، لكننا لا نريد ترك نصحك، ونكون غاشين لك إن دللناك على الحق في مسألة فقهية، وتركنا أمر اعتقادك يمر هنا دون نصح وتوجيه.
لذا فإننا ندعوك – قبل الإجابة عن استفسارك – أن تنظر وتتأمل في جواب السؤال رقم (11529) راجين لك التوفيق والهداية.
ثانياً:
جماع الزوجة في دبرها من المحرمات ومن كبائر الذنوب، فكيف يكون حكم جماع الأجنبية في دبرها؟ لا شك أن إثم هذا الفعل أعظم بكثير من جماع الزوجة في دبرها.
ثالثاً:
قد أحسنتما بالتوبة من هذه المعصية الكبيرة، والندم عليها، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما، وعليكما الاجتهاد في العمل الصالح، فإن ذلك من تمام التوبة وكمالها، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وأما بالنسبة لزواجكما: فلا حرج من ذلك ما دمتما قد تبتما إلى الله، وانظر جواب السؤال رقم (14381) و (11195) .
فإذا ندمتما على فعلكما وتبتما توبة صادقة: جاز لكما الزواج، ولا يوجد ما يمنع منه.
وأما ما ذكرتَه عن عمر بن الخطاب من منعه من تزوج امرأة في عدتها أن يتزوجها أبداً: فالظاهر – إن صح هذا عنه – أنه من باب التعزير والعقاب لمن فعل معصية، وليس بياناً لحكم شرعي بأن هذا محرم.
وما نقلته عن بعض الصحابة من حكمهم على زانٍ تزوج زانية أنهما زانيان أبداً: فهو محمول على كونهما لم يتوبا.
قال ابن حزم رحمه الله:
"عن ابن مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود: لا يزالان زانيين.
ثم روى عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سُئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ فقال سالم: سئل عن ذلك ابن مسعود فقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) الشورى/25.
قال ابن حزم:
القولان منه متفقان؛ لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة" انتهى.
" المحلى " (9 / 63) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7055)
نصحتْه فجاء ليشكرها فوقعا في الزنا!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة من عائلة معروفه جدّاً، طوال عمري ملتزمة وخلوقة بشهادة الجميع، ولكن لا أعرف ما السبب الذي دفعني للتعرف على شاب وكنت أريد مساعدته لأنه متعرض لصدمة من وفاة والده وهو المسؤول عن إخوته وأمه وذهب في طريق رفقاء السوء، نصحته وأحسست أنه من واجبي الوقوف بجانبه ونصحه، مع الأيام عاد لدراسته وترك رفقاء السوء وتغير كليّاً، سألتْه أمه عن السبب فحدَّثها عني، فكلمتني وشكرتني على صبري مع ولدها، أتى ذات يوم زيارة ليراني، لا أعرف لماذا لم أتردد، وذهبت لأراه، وأحسست كأنه أخي، وأخذنا الوقت وحدث ما حدث، للأسف، يريد الآن التقدم لخطبتي، ولكن مستحيل، فهو يصغرني بـ 3 سنوات، وهو من غير جنسيتي، وأنا الآن حامل أريد الستر والتوبة.
أعلم أني أخطأت، وسوف تلومونني بشدة، ولكن أريد التوبة، وأريد الحل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لعلك رسالتك تكون عظة وعبرة للذين يزعمون " براءة " العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، ولمن يزعم " شرعية " هذه العلاقات إذا كانت في النصح والتوجيه، ولمن يريد " تمييع " الدين فيفتح المجال للعلاقات بين الرجال والنساء بحجة تقدم العصر، وعدم وجود ما يمنع، وبقدرة المرأة على الحفاظ على نفسها. . . إلى آخر هذه المبررات الساقطة!!
وعظة وعبرة لكل من غفل عن شرع الله تعالى فتهاون في تحذير ربنا تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان، فراح يتساهل في الأمور حتى يقع على أم رأسه، وها أنتِ قد تهاونتِ مع هذا الشاب فتجرأتِ على الحديث معه ونصحه، ثم رضيتِ أن تستقبليه في بيتك، ثم رضيتِ الخلوة معه، ثم زيَّن لكِ الشيطان أنه بمثابة أخيك، ثم ماذا؟ ثم وقع الزنى في المجلس نفسه وفي بيتك وممن أوهمك الشيطان أنه مثل أخيك! فأين هي الخطوة الأولى للشيطان؟ إنها الحديث مع هذا الرجل الأجنبي، ثم تتابعت خطوات الشيطان حتى أوقعك فيما وقعت فيه من أقبح المعاصي، ومن هنا نعلم الحكمة في قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء/32، فهو تعالى لم ينه عن الزنا فحسب، بل نهى عن قربانه، والمقصود به النهي عن تعاطي أسبابه المؤدية إليه، ونسأل الله تعالى أن يستر عليك، وأن يغفر لك، وأن يعينك على تحقيق التوبة الصادقة.
ثانياً:
لا شك أن ذنب الزنا ذنب عظيم، وهو من كبائر الذنوب، ولذا جاء فيه من العقوبة ما يدل على عظَمه وقبحه في الشرع والعقل والفطرة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وخصَّ سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص:
أحدها: القتل فيه بأشنع القتلات، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.
الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة؛ فهو أرحم منكم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة؛ فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره ... .
الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدُّهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد، وحكمة الزجر " انتهى.
" الجواب الكافي " (ص 144، 115) .
ثالثاً:
ومع عظَم هذا الذنب، وقبح هذه المعصية إلا أن الله تعالى فتح باب التوبة لأصحابها، ووعدهم إن هم صدقوا في توبتهم أن يبدل سيئاتهم حسنات.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ماذا يجب على من وقع في جريمة الزنا للخلاص من آثار فعلته تلك؟
فأجاب:
" الزنا من أعظم الحرام وأكبر الكبائر، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة بمضاعفة العذاب يوم القيامة، والخلود فيه صاغرين مهانين، لعظم جريمتهم وقبح فعلهم، كما قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا) الفرقان/68، 69، فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى التوبة النصوح، واتباع ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح، وتكون التوبة نصوحا إذا ما أقلع التائب عن الذنب، وندم على ما مضى من ذلك، وعزم عزما صادقا على أن لا يعود في ذلك، خوفا من الله سبحانه، وتعظيما له، ورجاء ثوابه، وحذر عقابه، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 442) .
رابعاً:
ولا يجوز للزانييْن أن يتزوجا إلا بعد التوبة الصادقة؛ لأن الله تعالى حرَّم ذلك على المؤنين فقال: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم (14381) و (22448) و (11195) فلتنظر.
خامساً:
وإذا كان الجنين قد تمَّ نفخ الروح فيه فإن إسقاطه جريمة أخرى غير جريمة الزنا، وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم (13317) و (11195) و (40269) فلتنظر.
سادساً:
والحل لمشكلتك أن تطلعي عقلاء أهلك على موضوعك، ولا بدَّ للمرء الذي يخالف شرع الله تعالى أن يتحمل تبعات معصيته في كثير من الأحيان، ولا بدَّ للأهل أن يقفوا مع ابنتهم الآن قبل غدٍ، فهي وإن أسقطت جنينها إن كان قبل نفخ الروح فيه: فهي لم تعد بكراً، وهذه – أيضاً – لها تبعات عند الزواج، فهم في كل الأحوال لا بدَّ لهم من أن يحلوا مشكلة ابنتهم، وهي قد تابت وأنابت و" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " – رواه ابن ماجه (4250) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (3145) – وهي إن لم يكن لها ذنب من حيث الإثم بعد توبتها، لكن لذنبها آثار عظيمة ينبغي حلها قبل استفحال الأمر وانتشاره بما يؤذي الأسرة كلها، وليس الحل في تزويجها لذلك الزاني قبل التوبة؛ لأن زواج الزاني محرم – كما سبق -، فإن تابا فلا حرج عليهما إن شاء الله تعالى في زوجهما.
كما لا يجوز لها التزوج من غيره إلا بعد استبراء رحمها، واستبراؤها يكون بوضع الحمل، والدليل على هذا: ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) رواه أبو داود (2157) ، وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 171، 172) : إسناده حسن.
ولمعرفة عظيم فضل الله تعالى في توبته على عباده، وأنه تعالى يقبل التوبة من التائبين مهما بلغت ذنوبهم عظمة وكثرة: نرجو الإطلاع على أجوبة الأسئلة التالية: (624) و (13990) و (47834) و (23485) و (20983) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7056)
إذا زنت وهي كافرة وولدت ثم أسلمت ماذا تقول للناس وللولد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الواجب عليّ إذا كان لدي طفل من رجل عربي قبل إسلامي، ثم أسلمت بعد سنوات من إنجاب الطفل وابحث عن زوج مسلم، ماذا أعمل الآن بهذا الطفل، ماذا أقول له عن والده الحقيقي؟ ماذا أقول للناس؟ وهل إخبار الطفل عن والده أو إخبار الناس عن حقيقة الطفل واجبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الزنا جريمة محرمة في الشرائع الإلهية، مستقبحة، يرفضها كل عقل سليم ولو لم يكن مسلما وقد ذم الله عز وجل فاعلها في آيات كثيرة وأحاديث نبوية عديدة، وتوعد فاعلها بالعقوبة الشديدة والخزي في الدنيا والآخرة إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فإن الله عز وجل يتوب عليه، وباب التوبة مفتوح، ويشترط في التوبة الإقلاع عن الذنب والندم، والإسلام يجبّ ويمحو ما كان قبله.
وأما عن الطفل فهو تبع لأمه ولا ينسب لأبيه؛ وهذا هو الحكم في ولد الزنا لا ينسب للأب لأنه أتى من سفاح لا من نكاح، والواجب رعاية هذا الطفل وتربيته على الأخلاق الإسلامية. وما دامت الفاحشة قد حصلت فالواجب التوبة منها، والسّتر وعدم الفضيحة، ولا يلزم إخبار النّاس بالحقيقة، وإذا أصرّ الطّفل على معرفة الحقيقة فيمكن إخباره بها بطريقة مناسبة، ويُقال له إنّ ما حصل كان أيام الكفر، والإسلام يجبّ ما كان قبله والتوبة تمحو ما كان قبلها، وأنّ الطّفل لا يتحمّل أية مسئولية فيما حصل، وأنّ أمه ما دامت قد أسلمت فلا سبيل إلى توبيخها أو معاقبتها، وأنّ الرضا بالقضاء والقدر واجب وأنه إذا عمل الصالحات دخل الجنّة ولا تزر وازرة وزر أخرى، نسأل الله العافية والمغفرة وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7057)
وقعت في الزنا وتفكّر بالانتحار
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة وقعت في الفاحشة ثم تابت ولكنّ شبح الذّنب يطاردها وهي الآن تفكّر في الانتحار فما هو العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا.. رواه البخاري 6308
فإحساس هذه المرأة بوطأة الذنب وشدّته على نفسها من علامات الإيمان والذي أنصحها به ما يلي:
1- التأكّد من صحة طلاقها شرعا من الرّجل الأول بأنّه طلّقها طلاقا شرعيا أو خلعت نفسها منه خلعا شرعيا.
2- التأكّد من صحة عقد نكاحها على الرّجل الثاني لأن نكاح الزانيين لا يجوز شرعا إلا بعد توبتهما، يراجع جواب سؤال رقم (649) فإن لم يكن صحيحا أعادا العقد.
3- إذا صدقت هذه المرأة مع الله في توبتها وندمت على ما فعلت وعزمت على عدم العودة وأنابت إلى الله فإنّ الله يغفر الذنوب جميعا مهما كانت كبيرة فلا تيأس ولا تقنط من رحمة الله فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ومن يقنط من رحمة ربّه إلا الضالّون.
4- المبادرة إلى عمل الصالحات والإكثار منها لتكفير ذلك الذّنب كما قال تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إنّ الحسنات يُذهبن السيئات)
5- استئناف حياة إسلامية نقيّة قائمة على الطّهر والعفاف، أما الانتحار فإنّه ليس حلاّ على الإطلاق بل هو ارتكاب لكبيرة من أكبر الكبائر لا يزيد صاحبه إلا عذابا. قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ (يطعن) بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا * رواه البخاري 5778
ونسأل الله تعالى أن يوفّق هذه المرأة إلى التوبة الخالصة وأن يغفر لها ذنبها ويُدخلها في رحمته إنه سميع مجيب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7058)
توبة الزاني
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق متزوّج أخبرني بأنّه قد استمتع بامرأة بالحرام دون إيلاج فهل عليه الرّجم وكيف يتوب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قام به صاحبك جريمة عظيمة وذنب كبير يجب عليه أن يتوب إلى الله منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَالرِّجْلانِ تَزْنِيَانِ وَالْفَرْجُ يَزْنِي ". رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 4150
وأخبر صاحبك أنّ عليه أن يُكثر من الحسنات لعلّ الله أن يكفّر عنه بها سيئاته كما روى عَبْد اللَّهِ بن مسعود قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَقِيتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَضَمَمْتُهَا إِلَيَّ وَبَاشَرْتُهَا وَقَبَّلْتُهَا وَفَعَلْتُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُجَامِعْهَا قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) ، قَالَ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً فَقَالَ: " بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً. " رواه الإمام أحمد
ولمزيد من التفاصيل عن التوبة من الزنا راجع سؤال رقم (624)
وأمّا عن سؤالك هل يعتبر ما اقترفه زنا حدّه الرّجم؟ فالجواب أنّ الرّجم للزاني المحصن والجلد لغير المحصن لا يكون إلا بإيلاج ذكر الزاني في فرج الزانية. وما سوى ذلك يستحق عليه عقوبة أخرى بحسب درجة الحرام الذي اقترفه. ولا يجب عليه الاعتراف عند القاضي بما فعل بل تكفيه التوبة فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ وهو التوّاب الرحيم.
نسأل الله أن يتوب علينا وعليه وعلى سائر المسلمين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7059)
هل تتزوج ممن يمارس اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي صديق شاذ جنسياً (لوطي) وقد ولد في دولة مسلمة والسبب في سلوكه ذلك هو فقدانه لوالده وأسباب أخرى، وأريد أن أسأل:
هل يعتبر مسلماً؟ هل يجوز لي أن أتزوجه على أمل أن يتوب ويرجع للصراط المستقيم؟ أنا أحاول إصلاحه وتغيير عاداته: هل يجوز لي أن أتحدث معه بشأن هذه الأمور الجنسية؟ ماذا لو وعدني أنه سيتوب ويسير على الصراط المستقيم بعد زواجي به؟ لو تزوجته وعاد يوماً ما إلى عادته (مارس الجنس مع ذكر) هل لهذا تأثير على زواجنا؟ إذا كان لوطياً هل له من توبة؟ هل يغفر الله له لو تاب بإخلاص؟ هذه أسئلة مهمة لأنني أريد إنقاذه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللواط من كبائر الذنوب، ومستحق لأشدّ العقوبات في الدنيا والآخرة راجع السؤال رقم (5177) لكن فاعله لا يكفّر بذلك إلا إذا استحلّه فزعم أنه حلال فإنه يكفر، أما مجرّد فعله مع الاعتراف بأنه حرام فإنه لا يخرج المسلم عن دائرة الإسلام فهو مسلم على خطر ومرتكب لكبيرة من الكبائر، ولا يجوز لك أن تقدمي على الزواج منه حتى يتوب توبة نصوحا، ومجرّد الوعد ليس بتوبة، ونصيحتي لك أن لا تقدمي بل عليك أن تبحثي عن رجل صالح يكون سببا لسعادتك في الدنيا والآخرة، واللواط كغيره من الذنوب قابل للتوبة فمن تاب يتوب الله عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/7060)
زنا ويؤنبه ضميره ويريد التخلص من الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أعزب، لكني أعيش في أمريكا. لقد وقعت في الزنا عدة مرات مع نفس المرأة. والآن، فإنها حامل. وأريد أن أعرف إن كان علي أن أتزوج بها كي أحل المشكلة (أعني أغطي الفضيحة) وحتى يجد المولود أبا يعطيه اسمه. الواقع أني أفضل أن تتخلص المرأة من الحمل، للأسف، وأتمنى أن أقنعها بذلك، لكني لا أعرف إن كان ذلك يعتبر قتلا للنفس. وإذا كان كذلك، فسأشعر بالذنب من جرائه. أنا أظن أن الجنين في أسبوعه السادس إلى الثامن تقريبا. أرجوك، فأنا أحتاج إلى مساعدتك في هذا الخصوص في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أخي المسلم، أحسن الله عزاءك في إيمانك الذي فقدته حال ارتكابك للزنا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري رقم (2475) .
ألم يمر بك قول ربك سبحانه وتعالى في كتابه: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
ألم تعلم بأن الله يراك حيث كنت.. ويسمعك إن تكلمت..
ألا تتذكر نعم الله العظيمة عليك فهو الذي يشفيك إن مرضت.. ويُطعمك إن جعت.. ويسقيك إن ظَمِئْت ووفقك لأعظم نعمة أنعم بها على الناس، نعمة الإسلام. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
أخي.. تأمل في نفسك.. تعيش في مُلْكِ مَنْ؟.. تأكل مِنْ رزق مَنْ؟ .. تعيش بأمر مَنْ؟
أليس مُلك الله؟ أليس رزق الله؟ أليس أمر الله؟ .. فكيف تعصي الله؟
لعلك غفلت عن الحديث العظيم والذي فيه: ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ قَالَ قَالا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ... قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) .
فعليك يا أخي أن تبادر بالتوبة النصوح قبل أن يَحِلَّ بك الموت، فإن باب التوبة مفتوح إلى طلوع الشمس من مغربها أو بلوغ الروح الحلقوم.وإن الله ليفرح بتوبة عبده، ويبدل سيئاته إلى حسنات قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) سورة الفرقان/68-71.
ثانياً: أما قولك " هل يجب علي أن أتزوجها "
فهذه مسألة: (زواج الزاني بالمزني بها) والجواب: أنه لا يجوز زواجه منها ولا زواجها منه حتى يرتفع وصف الزنا عن كل منهما ولا يرتفع إلا بالتوبة.
فلا يجوز لك نكاحها ولو كانت يهودية أو نصرانية لأنها زانية، وإن كانت مسلمة فلا يجوز لك نكاحها أيضاً لأنها زانية، ولا يجوز لها أن تقبلك زوجاً؛ لأنك زانٍ؛ وقد قال الله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) سورة النور/3.
فقوله تعالى (وَحُرِّمَ ذلك على المؤمنين) دليل على حرمة هذا النكاح.
" والواجب على كل منكما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة ويندم على ما حصل من فعل الفاحشة، ويعزم على ألا يعود إليها، ويكثر من الأعمال الصالحة، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَاَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) سورة الفرقان/68-71.
وإذا أردت أن تتزوجها وجب عليك أن تستبرئها بحيضة قبل أن تعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز لك العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها عملاً بحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الإنسان ماءه زرع غيره." ا. هـ. فتاوى اللجنة الدائمة في مجلة البحوث الإسلامية (ج/9، ص/72) .
ثالثاً: قولك "حتى يجد الولد أباً يعطيه اسمه " هذه مسألة نسب ولد الزنى بمن يُلحق؟
والجواب:
ذهب جمهور العلماء إلى أن ولد الزنا لا يلحق الزاني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) متفق عليه (البخاري 2053 - مسلم 1457) المغني لابن قدامة (ج/7، ص/129) .
رابعاً: قولك "أُفضل أن تتخلص المرأة من الحمل" هذه مسألة الإجهاض وحكمه كما قرر مجلس هيئة كبار العلماء رقم/140، وتاريخ 20/6/1407هـ ما يلي:
1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاءً بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز.
3- لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أُمه بأن يُخشى عليها الهلاك من استمراره جاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
بعد الطور الثالث وبعد إكمال الأربعة أشهر لا يحل لك إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإبقاء حياته، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلباً لعظمى المصلحتين." ا. هـ. نقلاً من الفتاوى الجامعة (ج/3، ص/1055) .
نسأل الله السلامة والعافية وأن يتوب علينا، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7061)
الإجهاض الناتج عن علاقة زنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة إذا وقعت في الفاحشة أن تسقط الجنين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد تركزت جهود الفقهاء واجتهاداتهم حول الإجهاض بصفة عامة وحكمه وما يترتب عليه ولم يهتموا بالدخول في تفاصيل ما إذا كان الحمل ناشئاً من سفاح، ذلك ربما يكون لأنهم اعتبروه مشاركاً أو تابعاً لحكم الإجهاض الناشئ من نكاح صحيح، فإذا كان إجهاض الحمل الناشئ من نكاح صحيح محرماً في الحالة العادية، فإنه من باب أولى يكون أشد تحريماً في حالة نشوء الحمل من سفاح، لأن في إباحة الإجهاض من سفاح تشجيعاً للرذيلة ولنشر الفاحشة، ومن قواعد الإسلام أنه يحرم الفاحشة وكل الطرق التي تؤدي إليها، كحرمة التبرج والاختلاط.
بالإضافة إلى أنه لا يضحى بجنين برئ لا ذنب له من أجل ذنب اقترفه غيره، وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) الإسراء/15.
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رد الغامدية وهي حامل من زنى حتى تلد ثم بعد الولادة حتى ترضعه وتفطمه، وقد عادت بالصبي ومعه كسرة خبز، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، وقد قال الإمام النووي في هذا الحديث: (لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنى أو غيره، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع) صحيح مسلم بشرح النووي 11/202.
فهذه الواقعة تبين لنا مدى اهتمام الشريعة بذلك الجنين ولو كان من زنى، حيث أخر النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على أمه حفاظاً على حياته.
فهل يتصور أن يبيح الشارع قتل الأجنة بالإجهاض في سبيل تحقيق رغبات أهل الأهواء والشهوات؟.
بالإضافة إلى أن الذين قالوا بإباحة الإجهاض في حالة الحمل الصحيح خلال الأربعين يوماً الأولى من الحمل قد أخذوا برخصة مشروعة أفضى إليه اجتهادهم، مثل الفطر في رمضان لأصحاب الأعذار، وقصر الصلاة الرباعية في السفر، إلا أنه من المقرر شرعاً أن الرخص لا تناط بالمعاصي.
يقول الإمام القرافي: " فأما المعاصي فلا تكون أسباباً للرخص، ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر، لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسب الرخصة، لأن ترتيب الترخيص على المعصية سعى في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها " الفروق 2/33.
وهكذا فإن قواعد الشريعة الإسلامية لا ترخص للحامل من زنى بما تجعله رخصة للحامل من نكاح صحيح حتى لا تعان على معصيتها، ولا تيسر لها سبل الخلاص من فعلتها الشنيعة هذه.
بالإضافة إلى أن الجنين في هذه الحالة يكون فاقداً لولاية الوالدين، لأن الأب في الشرع لا يطلق إلا على من استولد امرأة من نكاح صحيح، وذلك جزء من معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) رواه البخاري ومسلم، ويكون ولي الجنين في هذه الحالة هو السلطان - ولي الأمر - فهو ولي من لا ولي له، وتصرف السلطان منوط بالمصلحة، ولا مصلحة في إزهاق روح الجنين في سبيل المحافظة على مصلحة الأم، لما في ذلك من تشجيع لها ولغيرها على ممارسة هذه الفعلة الشنيعة.
ويمكن اللجوء إلى إسقاط الجنين للزانية التي وقعت في هذه الفعلة الشنيعة، وأرادت التوبة الصادقة، مع الخوف الشديد وهي قاعدة كبرى من قواعد الشريعة الغراء، شريطة أن يتم ذلك في الأيام الأولى من الحمل ما استطاعت إلى ذلك، وأن تعطى الفتوى لكل حالة على حدة لا أن تكون الفتوى عامة حتى لا تستغل هذه الرخصة في جوانب متسعة مما يؤدي إلى إشاعة الرذيلة في المجتمع المسلم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم.(5/7062)
تحريم الزنا والميسر والخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حُرم الزنا والقمار وأكل لحم الخنزير في الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مع استغرابنا أن يصدر من شخص مسلم هذا السؤال في أمور من المسلّمات والبدهيات ولكن الجواب ببساطة أنّ هذه الأشياء محرّمة لأنّ الله الذي تجب علينا طاعته قد قال لنا في القرآن الكريم:
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) سورة الإسراء/32
وقال لنا:
(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ) سورة البقرة/173
وقال لنا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) سورة المائدة
فيجب علينا اجتناب كل ما حرم الله علينا إيمانا بشريعة الله واحتسابا لثوابه وخوفا من عقابه مع إيماننا أن الله لم يحرم علينا في شريعة الإسلام إلا ما هو ضرر وفساد، أدركنا ذلك بعقولنا أو لم ندركه عملا بقوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7063)
عقوبات الزنا وكيفية الحذر من الرجوع إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[المشكلة أنى شاب أبلغ من العمر 30 عام قد تعرفت بفتاة تبلغ 19 عام سعت هي إلى معرفتي والاقتراب منى بكافة الوسائل وبدون مفاوضة تذكر ذهبت معي إلى شقتي وقد جامعتها عشرات المرات أحسست في لحظة باقتراب الموت منى وأردت التوبة وذهبت إلى والدي وطلبت منه أن يزوجني وفعلاً تزوجت بفتاة صالحة ومن عائلة محترمة وكان اختياري الأساسي في الزواج أن أظفر بصاحبة الدين وقد كان فهي متدينة وابنة لشيخ جليل.
ولكن تكمن مشكلتي في الآتي أنني رغم مرور أكثر من سنة ونصف على زواجي الناجح في نظر الجميع أعاني من حبي المفاجئ للفتاة السابقة التي عاشرتها وعدم مقدرتي فراقها فمنذ زواجي لم أمسها ولم أقربها ولكن لا يمكن أن يمر يوم بدون اتصالي بها تليفونياً ولا أخفى عليكم أنني أستمني بيدي عليها في التليفون فأنا محاصر نفسياً بهذه الفتاة التي أصبحت لا تسعى هي إلى بقدر ما أسعى إليها وعندما أنالها أخاف أن أمسها خشية من معاودة الزنا.
المشكلة بالنسبة لي نفسية فقط وهى كيفية تهذيب نفسي وإقناعها بالابتعاد عن هذه الفتاة نهائيا رغم أن زوجتي أجمل منها وأفضل ولا تدخر جهداً لعفتي بصراحة، ولذلك فإنني قد سئمت من نفسي ولا أدري كيف أصلح حالي رغم أنني كما يصفني جميع من حولي طيب القلب محب للخير للناس غزير الدموع لمصائب الناس وحاجاتهم وأنني أسعى لخير الناس أكثر من سعيهم هم إليه بكل حب وسعادة وبدون علمهم بهذا مبتغياً بذلك قول رسول الله (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه) .
ساعدوني كي أرضى على نفسي وكي أكون إنساناً صالحاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يفرج عنك وعن كل مهموم، ولنا مع سؤالك وقفات:
1. إن قطعك الطريق على الشيطان من أن تصبح ألعوبة بيده بالزواج: أمرٌ تُشكر عليه ويدل – إن شاء الله – على الخير الذي عندك.
2. وحتى تكون صادقاً مع ربك عز وجل في توبتك ولأجل أن يبدل الله سيئاتك حسنات: لابدَّ من قطع التفكير في المرأة الأولى ولابد لك من عدم السير في خطوات الشيطان ولا حتى بمجرد الاسترسال في التفكير بها فضلا عن مكالمتها بالهاتف فضلا عن اللقاء فضلا عن غيره مما هو أعظم.
3. ومادام أن التفكير بالموت هو الذي قادك لترك المرأة الأولى وللزواج فإنه لابد أن لا يفارقك التفكير به، وهو خير واعظ للإنسان سواء كان مقصراً في طاعة الله أو فاعلاً لما يغضب الله، فهو الذي يعطي المقصر الدافع للعمل إذ أن الموت يوقف كتابة الحسنات، وهو الذي يعطي الدافع لفعل المنكرات بالكف عنها وتركها لما يعلمه أن الأعمال بخواتيمها، ويكفي أن تفكر في أمرٍ واحد ماذا لو أن الله تعالى قبض روحك وأنت تستمني أثناء مكالمتك لها؟ وماذا لو أن الله قبض روحك وأنت تعاشرها بالحرام؟
أخي:
فكر في هذا فهل ترضى أن تخرج من قبرك يوم بعث الناس وأنت تمسك فرجك؟ وهل تشعر بالفرق العظيم بين هذا وبين أن تبعث ساجداً أو ملبيّاً أو ذاكراً لله؟
4. صفاتك التي ذكرت عن نفسك تُشعر بأن فيك خيراً كثيراً فإياك أن تفرط في أجر هذا الخير بخاتمة سوء، وإياك أن تُحرم نفسك أجر تلك الفضائل بمثل هذه الكبيرة العظيمة التي تسبب غضب الرب عليك.
5. لا ينقصك زواج فأنت متزوج بل ومن امرأة – كما تقول – أجمل وأفضل من الأولى فلماذا لا تشكر الله على أن أبدلك بأمرٍ حلالٍ تقضي فيه شهوتك؟ ولماذا لا ترضى بما قسم الله لك من الحلال؟
إن إثمك في مثل هذه الأفعال المحرمة أعظم مما لو لم تكن متزوجاً، فأنت لست أعزباً بل أنعم الله بما تقضي فيه شهوتك بالحلال فكلما جعلك الشيطان تفكر فيها إئتِ أهلك واستعذ بالله من الشيطان.
6. ونوصيك بخير وصية وهي الدعاء، استيقظ آخر الليل وتبتل لربك واخشع له واخضع لجلاله، وذلل نفسك له واطلب منه تعالى أن يخلصك من هذا الذي أنت فيه، وألح على ربك بالدعاء فإنه خير مسئول – سبحانه – ولا يرد عباده الصادقين.
7. وهل تعلم أنه بتفكيرك بتلك المرأة واتصالك بها ولقائك يمكن أن يوقعك الشيطان بما فعلته قديماً؟ وأرجو أن لا تغتر بنفسك فصاحب الشهوة ضعيف، ومن مشى مع الشيطان في خطوته الأولى تتابع به السير حتى النهاية، لكن لتعلم أنك تُغضب الجبار وأنك تقع في أحد أعظم ما عُصي الله به بعد الشرك.
قال الإمام أحمد رحمه الله: لا أعلم بعد القتل ذنباً أعظم من الزنى، واحتج بحديث عبد الله بن مسعود أنه قال: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك "، فأنزل تصديقها في كتابه (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ... الآية) الفرقان/68.
ولا بد لك من أن تعلم أثر الزنى على النفس، قال ابن القيم رحمه الله
والزنى يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله، فالغدر، والكذب، والخيانة، وقلة الحياء، وعدم المراقبة، وعدم الأنفة للحرام، وذهاب الغيرة من القلب: من شعبه وموجباته.
ومن موجباته: غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملِك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة، ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين، ومنها: ظلمة القلب، وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له، ومنها: الفقر اللازم، … ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده، ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن، ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي أنه قال " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "، … ومنها: أن يعرض نفسه لسكنى التنُّور الذي رأى النَّبيُّ فيه الزناةَ والزواني، ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف ويستبدل به الخبث الذي وصف الله به الزناة كما قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) النور/26، وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين، ولا يدخلها إلا طيب، قال الله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) النحل/23، وقال تعالى: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) الزمر/73، فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم، والزناة: من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميَّز الخبيث من الطيب وجعلَ الخبيثَ بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيبٌ، ولا يدخل الجنةَ خبيثٌ، ومنها: الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة ومن جالسه استوحش به، ومنها: قلة الهيبة التي تُنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة، ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة ولا يأمنه أحد على حرمته، ولا على ولده، ومنها: الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه، ولكن كما قيل:
كل به مثل ما بي غير أنهم من غيرة بعضهم للبعض عذال
ومنها: ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصدهم، فإن مَن طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه: عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خيرٍ قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة، والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش: لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له، دع ربح العاقبة، والفوز بثواب الله وكرامته، ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة: فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله: ضيِّق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام: فاته نظيره يوم القيامة، ومنها: أن الزنى يُجرئه على قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسراً إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك، وهو يدري أو لا يدري فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجندٍ من المعاصي قبلها وجند بعدها، وهي أجلب شيءٍ لشرِّ الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها: عز على الناصحين استنقاذه، وعيى الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يُفدى، وقتيلها لا يُودى، وقد وكَّلها الله سبحانه بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبدٌ: فليودع نِعَم الله؛ فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال، قال الله تعالى {ذلك بأن الله لم يك مغيِّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم} وقال تعالى {وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} ، فهذا بعض ما في هذه السبيل من الضرر.
" روضة المحبين " (ص 360 – 363) .
وننصحك أخي بكتاب لابن القيم نافع في هذا الباب وهو " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ".
وأخيراً:
نسأل الله لك العافية في دينك ودنياك وتدارك نفسك قبل لقاء ربك. والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7064)
تريد أن تترك الصلاة حياءً من الله لأنها تقع في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[اعلم أن الزنا من الفواحش، وأخجل من الوقوف بين يدي الله للصلاة بعد الاغتسال من الجنابة بسببه، وأسأل الله المغفرة وصدقني بأنني غير مرتاحة نفسياً لما أفعله لكنني أحاول إسكات ضميري، هل أعاود الصلاة أم لا؟ مع استمرار الزنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر وجريمة من أقبح الجرائم، وفاحشة من أعظم الفواحش، يقول الله تعالى:
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء / 32، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) الفرقان.
ولذلك عاقب الله الزناة في الدنيا بعقوبات شديدة، وأوجب على ذلك الحد، فقال تعالى في بيان حد الزاني البكر: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) الحدود / 3199.
ولشناعة هذا الفعل وبشاعته فقد تأذّى منه القردة، حتى إنهم أقاموا حد الرجم على قردة قد زنت كما ثبت في صحيح البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: (رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ) المناقب /5360.
فكيف يرضى المسلم المكَلَّف المحاسب بعد أن شرّفه الله بالإسلام أن ينزل إلى مستوى الحيوانات والبهائم التي كلّما ثار فيها سُعار الشهوة أطفأتها كيفما شاءت، إن هذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي.... قال: فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم اللهب ضوضوا، قال قلت لهما ما هؤلاء ... فقالا لي: وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني..) (6525) .
(والتنور: هو الكانون أو الفرن الذي يخبز فيه) .
ومعنى ضوضوا: أي ارتفع صوتهم ولغطهم.
فإذا مات الإنسان على مثل هذا الذنب فماذا يكون حاله!! بل ماذا يقول لربه إذا وقف للعرض عليه! أهكذا يكون شكر نعم الله عز وجل المتوالية التي لا تحصى، أهكذا يكون شكر نعمة الصحة والعافية! أغاب عنك أن الله يراكِ وأنت متلبِّسة بهذا الذنب العظيم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران/5
ألم تعلمي أن هذه الجوارح التي عصيت بها خالقك ستشهد عليك يوم القيامة! ألم تسمعي قول الجبار جل وعلا: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) سورة فُصِّلت.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح من هذا الذنب العظيم، والندم على ذلك أشد الندم، والإقلاع الفوري عنه، وعن كل وسيلة تكون سبباً إليه ومن ذلك:
1- السفور والتبرج بكشف الوجه أو الشعر أو شيء من البدن، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ... قال: وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه الإمام مسلم (اللباس والزينة/3971) .
2- والخلوة بمن كان أجنبياً عنك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري (3842)
3- وإياك الاختلاط بمن لا يحل لك، فإن الزنى لم يحصل إلا نتيجة لذلك، وعليك أن تستجيبي لداعي نفسك اللوامة ولا تلتفتي إلى وسوسة الشيطان وتزيناته وتهوينه من هذه الجريمة، فلقد أقسم الشيطان بعزّة الله على إغواء بني آدم. قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين َ* إلا عبادك منهم المخلصين) سورة ص / 82، فقد ظفر منك الشيطان بهذا. ثم إنه لم يقنع بوقوعك في بل إنه يسعى إلى خلودك في النار والعياذ بالله، وذلك بتزيَّن لك ترك الصلاة بهذه الحجة الواهية.
إنَّ ترك الصلاة كفر بالله في صحيح مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) الإيمان / 116، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي الإيمان / 2545، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2113) .
فعليك بالإكثار من الاستغفار، والتوبة والدعاء، والمحافظة على الصلوات والإكثار منها، واحرصي على الخشوع فيها لأن الله تعالى يقول: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت /45، وقال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) سورة هود / 114، وعليك أن لا تستثقلي التوبة أو تشعري بأن الله عز وجل لن يتوب عليك فالشيطان حريص على أن يزرع اليأس والقنوط في قلبك.
واعلمي أن من تاب تاب الله عليه وبدَّل سيئاته حسنات قال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) سورة الفرقان/71.
إن باب التوبة مفتوح، ولا أحد يحُول بينك وبين التوبة، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (الدعوات/3460) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2802) .
والله يفرح بهذه التوبة فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) باب التوبة / 4932
وأخيراً:
عليك بعد التوبة بقطع طرق الفاحشة وذلك بالطريق الشرعي الذي أباحه الله عز وجل وهو الزواج، وعليك أن تعلمي أنه لا يجوز للمسلم والمسلمة الزواج ممن وقع في الزنى إلا إذا تاب إلى الله، فإن تاب وترك ذلك فإنه يجوز لك الزواج منه بعد التوبة، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم (11195) و (2627) ، وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7065)
هل لإتيان المرأة في الدبر كفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة جماع الزوجة من دبرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جماع الزوجة في الدبر حرام، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فاعله ملعون.
وقد سبق ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمه وبيان شيء من مفاسده في جواب السؤال (1103) و (6792) .
ولم يجعل الشرع لهذا الفعل المحرم كفارة، فلا تكفره إلا التوبة والندم، والرجوع إلى الله.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم وطء المرأة في الدبر؟ وهل على من فعل ذلك كفارة؟
فأجاب:
" وطء المرأة في الدبر من كبائر الذنوب، ومن أقبح المعاصي، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) رواه أبو داود (2162) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1166) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
والواجب على من فعل ذلك البدار بالتوبة النصوح، وهي الإقلاع عن الذنب، وتركه تعظيما لله، وحذرا من عقابه، والندم على ما قد وقع فيه من ذلك، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إلى ذلك، مع الاجتهاد في الأعمال الصالحة، ومن تاب توبة صادقة تاب الله عليه وغفر ذنبه
كما قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/72.
وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68-70. . . . .
وليس على من وطئ في الدبر كفارة في أصح قولي العلماء، ولا تحرم عليه زوجته بذلك، بل هي باقية في عصمته، وليس لها أن تطيعه في هذا المنكر العظيم، بل يجب عليها الامتناع من ذلك، والمطالبة بفسخ نكاحها منه إن لم يتب، نسأل الله العافية من ذلك" انتهى باختصار يسير من "فتاوى إسلامية" (3/256) .
وقال البهوتي رحمه الله:
" فإن فعل (أي وطئها في الدبر) عُزِّرْ (أي عاقبه الحاكم العقوبة التي تردعه وأمثاله) ، لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة " انتهى من "كشاف القناع" (5/190) .
فصَرَّح بأنها معصية، ولا كفارة فيها.
وانظر: "أسنى المطالب" (4/162) ، "مغني المحتاج" (5/624) .
ثانيا:
يخطئ كثير من الناس حين يظن أن عدم إيجاب الكفارة على الذنب المعين يعني أن أمره هين، وأنه من الصغائر، وهذا الظن ليس بصواب، بل لو قيل: إن الوطء في الدبر لم يجعل الله فيه كفارة لأنه أعظم من أن تكفره كفارة لم يكن بعيداً، كما قال الإمام مالك رحمه الله في اليمين الغموس: " الْغَمُوسُ: الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ. . . وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ " انتهى باختصار من "التاج والإكليل" (4/406) ، ونحوه في "المدونة" (1/577) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7066)
لا يصلي ويقيم مع عشيقته ويريد أن يتوب ويتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مسلم فرنسي ولكنه لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته المسيحية يرغب في التوبة والصيام، ولكنه يتحجج بوجود هذه المرأة معه، هل يجوز له أن يتزوجها الآن مع العلم بأن غداً هو أول أيام رمضان؟ وإذا جاز ذلك فكيف هو السبيل والإجراء الشرعي المتبع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليعلم هذا الشخص وغيره أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملَّة، والإسلام لا يرضى لأحدٍ من أتباعه أن لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته.
فالواجب عليكم أن تنصحوه وتبينوا له حقيقة الإسلام، وأنه استسلام لأحكام الشرع، والمسلم ينبغي أن يكون قدوة للآخرين لاسيما في تلك البلاد، وهو لا يمثل نفسه بل يمثل الإسلام الذي دخله والتزمه، فالواجب عليه ترك ما هو فيه من معاصٍ، والالتزام بأحكام الشرع وبخاصة الصلاة، التي هي الفاصل بين الإسلام والكفر.
ثانياً:
وقد سَرَّنا كثيراً أنه يريد التوبة فما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ والله تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن، وإذا أقبل العبد على الله أقبل الله عليه، وغفر ذنبه , فعليه المبادرة بالتوبة، وعدم تسويفها، أو تعليقها بحصول أشياء خشية أن يموت ولم يتب، فيلقى ربه بذنوبه ومعاصيه، وقد يلقاه بالكفر.
وبيِّنوا له أن الله تعالى يبدِّل السيئات حسنات لمن تاب، قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70.
فعليه المبادرة بترك كل ما هو عليه مما يغضب الله تعالى من ترك الصلاة والإقامة مع عشيقته.
وانظر أجوبة الأسئلة: (624) و (13990) و (34905) و (22912) .
ثالثاً:
إذا تاب وأناب إلى الله: فليعلم أنه لا يجوز له الزواج من تلك العشيقة، لا لأنها نصرانية، بل لأنها " زانية " – على حسب وصفه وكلامه -، ومن شروط نكاح الكتابية – اليهودية أو النصرانية – أن تكون محصنة، أي: عفيفة غير زانية ولا لها عشيق، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) النساء/5. فاشترط الله تعالى لنكاحها أن تكون عفيفة، ولا يجوز لمسلم أن ينكح كتابية وهي ليست كذلك، بل لو كانت مسلمة لكنها زانية ما جاز لمسلم عفيف أن يتزوجها، قال تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وانظر تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (11195) و (2527) .
فإذا أراد أن يتزوجها فلا بد أن يكون ذلك بعد توبته ورجوعه للإسلام بأداء الصلاة، وبعد توبتهما معاً من الزنى.
هذا إذا أراد أن يتزوجها.
وواجب النصيحة يحتم علينا أن ندله على خير ما نعلم مما يصلح دينه ودنياه، وهو أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، ويبادر إلى ترك هذه المرأة دون تردد ولا تسويف، وأن يبحث عن غيرها من المسلمات المحصنات المؤمنات، فهو إن تاب إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى من تفهم دينها وتقف بجانبه وتحثه على طاعة الرحمن بعد ذلك الضياع، وأما تلك المرأة فإنها لو تابت من الزنى فلن تكون عوناً له على طاعة الله عز وجل، ولن تكون أمينة على بيته وماله وعرضه، ولن تصلح لتربية أبنائه وبناته، فلا نريد له بهذه النصيحة إلا الخير، وليستعمل عقله، ويبتعد عن العاطفة ليعلم أن هذا هو الصواب.
ولو قَلَّب نظره يميناً وشمالاً لرأى كثيراً من إخوانه المسلمين الذين تزوجوا من غير المسلمات قد ساءت أحوالهم، وندموا على ذلك، وتمنوا أنهم لم يتزوجوا من غير مسلمة.
وانظر جواب السؤال رقم (20227) و (45645) فهما مهمان.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7067)
المسؤولية تجاه ولد الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل اعتناقي للإسلام ارتكبت فاحشة الزنا مع امرأة متزوجة ونتج عن ذلك طفل. وقد أخبر زوج المرأة بالحقيقة وهو على علم أن الطفل ليس ابنه، ولكنه يريد الاحتفاظ بالطفل وبزوجته. وهو لا يريد أن يفعل أي شئ لي حسبما فهمت ويأمل أن أبقى بعيدا عن ابني الذي أراه نادرا وهو لا يعرف من أنا.
الطفل عمره تقريبا ثلاث سنوات وأنا أسلمت منذ ما يقارب سنتان.
ما هو حكم الاسلام في مثل هذه الحالة؟
هل يمكنني اعتبار الطفل ابني؟
علما بأن المرأة وزوجها كافران.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام يمحو ما كان قبله وبعد أن هداك الله فإنّه ليس عليك من وزر ما مضى شيء، والقاعدة الشّرعية أنّ الولد للفراش ويتبع الزّوج إلا إذا تبرّأ منه، وعلى كلّ حال فإنّ ذلك الطّفل لا يُعتبر ولدا لك ولا تتعلّق بك أية مسؤولية تجاهه، فابدأ أنت حياة زوجية شرعية والله يتوب عليك ويتولاك بحفظه. وقد سبقت الإجابة عن سؤال مشابه برقم (117) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7068)
مأساة لفتاة من زوج أمّ لا يخاف الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أطرح سؤالي هذا والأسى يعتصرني. فمنذ عدة سنوات وصديقتي يغتصبها والدها. والدة صديقتي حملت بها خارج نطاق الزوجية ثم تزوجت بالرجل بعد ولادتها (لصديقتي) . لقد كشفت صديقتي عن أمر الاغتصاب بعد أن تزوجت. والدها رجل متدين جدا وله سمعة قوية. وقد سمعت مرة بأن والد الفتاة غير الشرعية يجوز له أن يقيم علاقة جنسية معها لأن الإسلام لا يعتبرها ابنته. أرجو أن توضح لي الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ما في السؤال صحيحاً فماذا نقول في زوج أمٍّ جمع الحقارة والدناءة والخسَّة من أطرافها، وجمع بين قلّة الدين والبعد عنه والتعدّي على حدود الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
ألم يعلم أن الله حرّم على الرجل أن ينكح بنت زوجته المدخول بها فقال تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم.... وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) النساء/23. فضلاً عن فعل الفاحشة بها، ألم يعلم هذا الرجل بوعيد الله الأليم وعذابه الشديد للزاني، حيث قال تعالى: (وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان/69، ألم يعلم أن الزنى بامرأة جاره أعظم من الزني بأمرأة أخرى فقد جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) رواه البخاري (الحدود/6313) ، فجعل الزنى بامرأة الجار أعظم إثما من الزنى بغيرها، فكيف بالزنى بمن هي محرم له، كما فعل هذا الرجل الفاسق.
قال ابن أبي شيبة: مَسْأَلَةُ الزِّنَا بِالْمَحَارِمِ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ {الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَهُ إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِهِ} . حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ {الْبَرَاءِ قَالَ: لَقِيتُ خَالِي وَمَعَهُ الرَّايَةُ فَقُلْت: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ: أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ أَقْتُلَهُ , أَوْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ} المصنف لابن أبي شيبة ج/8 ص 380 ورواه النسائي (النكاح / 3279) وصححه الألباني في صحيح النسائي (3123)
كيف والحال أنه أكره هذه الفتاة على ذلك، وزنى بها رغماً عنها.
ومن العجائب ما ورد في السؤال من أنه متديِّن جداً. مع كل هذا التجاوز لحدود الله والتجرُّؤُ على محارمه نسأل الله العافية والسلامة.
ومن الأمور المعلومة من الدين بالضرورة حرمة الزنا ـ ولو بأي امرأة ـ وأنه من كبائر الذنوب، وتشتد الحرمة إذا كان المزني بها تحرم عليه على التأبيد. نعوذ بالله من موجبات سخطه وأليم عقابه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7069)
إلحاق ولد الزنا بأمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقرأ في موقعك ومر بي شئ لا أراه معقولا. تحت عنوان (التوبة) والوضع الشرعي الطفل. كتب المؤلف (الشيخ) بأنه ليس من مسئولية والد الطفل (الزاني) أن يربي أو يرعى الطفل بأي شكل من الأشكال وأن العبء يقع على الأم. هل من الممكن أن تقدم الدليل على هذه العبارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: أحكام الله كلها عدل، وأقواله كلها صدق (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) صدقاً في الأقوال وعدلاً في الأحكام , والأصول الدينية والضوابط الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة وما أجمع عليه العلماء ليست مجالا للشكّ ولا تقبل المناقشة عند المسلم المستسلم لله.
ومرجع المسلم في الأحكام الشّرعية هو الكتاب والسنّة وفهم العلماء الثقات للكتاب والسنّة وليس ما يخطر بباله أو يستحسنه بعقله ولكنّ الإنسان قد تعرض له شبهة تدفعه للبحث عن الحكم الشرعي كما حصل لك أيها الأخ السائل فتعال بنا نرجع إلى الشريعة وكلام العلماء:
عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ وَلا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَالَ فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ * رواه مسلم رقم 1695
يُؤخذ من هذا الحديث أنّ أولى الناس بحضانة ابن الزنا هي أمه لأنها أقرب الناس إليه ولما جُبلت عليه الأم من الشفقة على مولودها وهو أمر مشاهد لا يُنكره أحد لكن ليس ذلك على سبيل الإلزام فإن تخلّت عنه كان على وليّ أمر المسلمين أن يهيّئ له مرضعة وحاضنة ومن يقوم بأمره.
ثانياً: أن من رحمة الله تعالى وكمال عدله أنه لم يُحمل الولد من الزنى معرَّة جناية والديه، وبالتالي فإنه يحكم له بالحرية وله حق الرعاية حتى يشب ويصير قادراً على الكسب.
ثالثاً: لا يخفى أن الأم لا يلزمها شرعاً تجاه ولدها الشرعي نفقة ولا رضاع ولا حضانة. أما النفقة فهي من واجبات الأب، وأما الرضاع فإنه يكون المنظور فيه مصلحة الزوج، أو الأم أو الولد. وعلى كل الأحوال فلو امتنعت من إرضاعه، أو طلبت الأجر على ذلك كان لها حق في هذا كله ويكون على الأب أن يسترضع لولده لأن ذلك على الأب وحده وليس له أن يجبر الأم على ذلك.
والله يقول: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين …) الآية. هذا في حال التراخي، أما في حال التعاسر فقد قال تعالى: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى)
أما الحضانة فإن الأم أحق بها من غيرها نظراً لعظم شفقتها على الولد، لكن لو أسقطت حقها في ذلك فإنه يسقط، وتنتقل الحضانة إلى غيرها من جدة أو غيرها على خلاف مدوَّن في محله في كتب الفقه.
فإذا كان ذلك كذلك بالنسبة للولد الشرعي فإن الولد من الزنى أحرى أن لا يلزمها نحوه رضاع ولا حضانة … إلا إن خيف هلاكه. وإنما يتحمل أعباء ذلك من بسط الله يده من أهل الولايات أو من يقوم مقامهم.
وبهذا ينجلي الإشكال. والله أعلم.
الولد للفراش وللعاهر الحجر:
جاء في الحديث النبوي الذي أخرجه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وقال الإمام النووي: العاهر هو الزاني، ومعنى " وللعاهر الحجر " أي له الخيبة ولا حق في الولد، وعادة العرب أن تقول: له الحجر، يريدون بذلك ليس له إلا الخيبة.
لا يثبت نسب الولد من الزنى:
وبناء على الحديث النبوي الشريف: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فقال الفقهاء بعدم ثبوت نسب الولد من الزنى، أي لا يثبت نسبه من الواطئ الزاني، ولا يلحق به بذلك قال الفقهاء.
من أقوال الفقهاء في عدم نسب الولد من الزنى:
أولاً: قال ابن حزم الظاهري: " نفى صلى الله عليه وسلم أولاد الزنى جملة بقوله عليه الصلاة والسلام " وللعاهر الحجر " فالعاهر - أي الزاني - عليه الحد فلا يلحق به الولد، والولد يلحق بالمرأة إذا أتت به، ولا يلحق بالرجل، ويرث أمه وترثه، لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل "
ثانياً: ومن فقه المالكية: " إن ماء الزاني فاسد، ولذا لا يلحق به الولد ".
ثالثاً: من فقه الحنفية: " أقر أنه زنى بامرأة حرة وأن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة فإن النسب لا يثبت من واحد منهما لقوله عليه الصلاة والسلام: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حظ الزاني الحجر فقط، والمراد هنا أنه لا حظّ للعاهر من النسب … "
الولد من الزنى يلحق بالمرأة الزانية:
والولد من الزنى لا يلحق بالرجل الزاني كما ذكرنا، ولكن يلحق بالمرأة الزانية التي ولدته إذا ثبت ولادتها له، فقد جاء في " المبسوط " للسرخسي: " أقرَّ أنه زنى بامرأة حرة وإن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة، فغن النسب لا يثبت من واحد لقوله صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني … فإن شهدت القابلة -أي شهدت بولادتها - ثبت بذلك نسب الولد من المرأة دون الرجل، لأن ثبوت النسب منها بالولادة وذلك يظهر بشهادة القابلة؛ لأن انفصال الولد عنها معاين فلهذا ثبت النسب منها "
زواج الزاني بمزنيته وأثره في نسب الولد:
جاء في " الفتاوى الهندية " في فقه الحنفية: " ولو زنى بامرأة فحملت ثم تزوجها فولدت، إن جاءت به لستة أشهر فصاعداً ثبت نسبه منه، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه إلا أن يدعيه - أي يدعي أن هذا الولد ابنه - ولم يقل أنه من الزنى، أما إن قال إنه مني من الزنى فلا يثبت نسبه ولا يرث منه ".
جاء في " المغني " لابن قدامة الحنبلي: " ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه، وولد الزنى لا يلحق الزاني - أي لا يلحق الزاني ولد الزنى إذا استلحقه - في قول الجمهور.
والراجح أن ولد الزنى لا يثبت نسبه من الزاني سواء تزوج بمزنيته وهي حامل فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت عقد النكاح، أو لم يتزوجها وجاءت بولد، ولكن إذا استلحقه بأن ادّعاه ولم يقل أنه ولده من الزنى، فإنه يثبت نسبه في أحكام الدنيا، وكذلك لو تزوج بمزنيته وهي حامل منه من الزنى فجاءت بولد لأقل من أدنى مدّة الحمل وسكت أو ادّعاه ولم يقل إنه من الزنى، فإن نسبه يثبت في أحكام الدنيا.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب المفصل في أحكام المرأة. ص 9/381.(5/7070)
هل يحرم الزاني من الحور العين؟ وما حكم حديث: " من زنى زني به.. "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا زنى الرجل وتاب يحرم من الحور في الآخرة، وما معنى " يزنى به ولو في جدار داره " وإذا كان المعنى أي من محارمه فما ذنبهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزاني وغيره من أهل المعاصي إذا تابوا إلى الله توبة صادقة تاب الله عليهم، وكفر سيئاتهم، كما دلت على ذلك الأدلة المتكاثرة في الكتاب والسنة ومنها قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، بل إذا حسنت توبته قد تبدل سيئاته إلى حسنات بسعة فضل الله ورحمته كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيه مهانا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68،69،70. ومقتضى مغفرة الله للذنب وقبوله للتوبة أن لا يعاقب عليه.
أما من أصر على الزنى ولم يتب منه فقد ثبت في حقه أنواع من العقوبات في الدنيا، وفي القبر، وفي الآخرة، ولم نجد نصا يدل على منعه من الحور العين، لكن قاسه بعض العلماء على ما ثبت من الوعيد في حق من مات ولم يتب من شرب الخمر أنه لا يشربها في الآخرة، ووعيد من لم يتب من لبس الحرير في الدنيا بأنه لا يلبسه في الآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله وهو يعدد العقوبات التي تقع على الزاني إذا لم يتب:
" ومنها أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن والله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا. بل كل ما ناله العبد في الدنيا من حرام فاته نظيره يوم القيامة " روضة المحبين لابن القيم (365 - 368)
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من زنى زني به ولو بحيطان داره " فهو حديث موضوع كما حكم عليه السيوطي وابن عراق والألباني في السلسلة الضعيفة (2/155)
وعليه فلا وجه للاعتراض بما ذكر. على أن الحديث لو صح فيمكن حمله على معنى صحيح وهو: أن الرجل الذي يقع في الزنا ويصر عليه يكون من أهل الفسق والفساد، فيسري هذا الفساد إلى أهله، لأن المخالطة تؤثر، وإذا كان رب البيت مضيعا لنفسه فمن باب أولى أن يضيع أهله، ولا يربيهم على ما يصلح دينهم، فلا يبعد عند ذلك وقوعهم فيما يقع فيه من المعاصي لضعف إيمانهم. وفي الواقع قصص كثيرة تدل على حدوث مثل هذا، وهو من العقوبات الدنيوية العاجلة التي يعاقب الله بها أمثال هؤلاء الذين يهتكون عورات المسلمين، فيهتك الله عوراتهم جزاء وفاقا، والله سبحانه يفعل ما يشاء على وفق الحكمة البالغة، والعدل التام، لا يظلم أحدا، ولا يُسأل عما يفعل وهو الحكيم العليم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7071)
قبول الأعمال الصالحة ممن يرتكب الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقبل الله صلاة وصيام من يقوم بالزنى وهل إذا تاب يتوب الله عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يقبل الله منه ما عمل من الصالحات من صلاة وصيام وصدقة وغير ذلك، ويقبل توبته أيضا كما قال عز وجلّ (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون) الشورى/25، ولكن بشرط أن تكون التوبة صحيحة فهل ندم هذا الشّخص حقّا على ما فات وهل عزم فعلا على عدم العودة وهل يا ترى قد تخلّص من كلّ شيء يؤدّي به إلى المعصية من علاقة أو عنوان أو رقم هاتف أو اقتراب من مكان حرام أو صديق سوء أو فيلم أو صورة ونحو ذلك. الذي نظنّه أنّ هذا الشّخص لو تاب حقا فسيقلع عن هذه المعصية.
ثمّ إنّ الزنا فاحشة من أكبر الفواحش قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء/32.
والزانية والزاني المحصنان بالزواج يعاقبان بأشنع عقوبة وأشدها وهي رجمهما بالحجارة حتى الموت ليذوقا وبال أمرهما وليتألم كل جزء من جسديهما كما استمتعا به في الحرام مع وجود ما يُغني بالحلال، والزاني والزانية اللذّيْن لم يسبق لهما الوطء في نكاح صحيح يُجلدان بأكثر عدد في الجلد ورد في الحدود الشرعية وهو مائة جلدة مع ما يحصل له أو لها من الفضيحة بشهادة طائفة من المؤمنين لعذابهما والخزي بإبعادهما عن بلدهما وتغريبهما عن مكان الجريمة عاما كاملا.
وعذاب الزناة والزواني في البرزخ أنهم يكونون في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار يكونون فيه عراة فإذا أوقدت عليهم النار صاحوا وارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها وهكذا يفعل بهم إلى قيام الساعة. فكيف سيكون عذابهم في نار جهنم؟
نسأل الله أن لا يمقتنا وأن يتوب علينا وأن يوفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات إنه سميع قريب.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7072)
زنى بامرأة ويريد الزواج بها وأبوها يرفض
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديقة مسلمة لمدة سنتين ومؤخراً جامعتها. وأريد أن أتزوجها لكن والداها حذراها مني. هل لو أخبرت والديها أنني أفقدت ابنتهم عذريتها يكون لي الحق في الزواج بها؟ أنا أعرف أن فعلي هذا كان خطيئة لكنني فعلته قبل أن أصبح مسلماً. في بلدهم الأصلية يوجد قانون أن الشخص الذي يفقد فتاة بكارتها يجبر على الزواج بها لكننا هنا في بريطانيا الآن. هل يؤثر هذا؟ أرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك أن تبادر بالتوبة إلى الله من هذا الفعل العظيم، والذنب الكبير، وأن تكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة لعل الله أن يتوب عليك. وأما الفتاة التي زنيت بها فلا يجوز لك الزواج بها إلا إذا تاب كلاكما إلى الله وظهرت براءة رحمها ووافق وليها الشرعي أن يزوجك إياها، وإلا فابحث عن فتاة عفيفة وتذكَّر عِظم خطيئتك غفر الله لنا ولك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7073)
التوبة من الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أعلم ماذا أفعل لكنني اقترفت خطيئة عظيمة. أعلم أن مفهوم (الاعتراف للكاهن) لا وجود له في ديننا الجميل. لكنني اقترفت الزنا. أريد أن أتوب وأسأل الله الصفح والمغفرة. عندما قرأت سورة النور وجدت أنني لا أستطيع الزواج من امرأة عفيفة طاهرة، فماذا يجب أن أفعل؟ أرجو أن تدعو لي أن يخفف الله عقوبتي في نار جهنم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا تيأس من رحمة الله وتدبّر قوله تعالى: (قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) سورة الزمر / 53
ثانيا:
اجعل توبتك خالصة لله وابتعد عن كلّ ما يؤدي بك إلى الحرام والعودة إلى الجريمة وأكثر من الصالحات فإن الحسنات يذهبن السيئات.
ثالثا:
إذا تبت إلى الله زال عنك وصف الزنا وبالتالي يجوز لك أن تتزوج امرأة طاهرة عفيفة.
رابعا:
المؤمن همته عالية في الدعاء فهو لا يدعو بأن يخفّف الله عنه عذاب جهنم بل يدعو الله أن يعتقه من النار ويدخله الجنة بل ويرزقه الفردوس الأعلى مع اجتهاده في عمل الصالحات والتوبة من السيئات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7074)
حكم ولد الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يدخل ولد الزنا الجنة إن أطاع الله؟ وهل عليه أثم أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ولد الزنا لا يلحقه إثم من جراء زنا والديه وما ارتكبا من جريمة الزنا، لأن ذلك ليس من كسبه، بل إثمهما على أنفسهما، لقوله تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) وقوله: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وشأنه في مصيره شأن غيره، فإن أطاع الله وعمل الصالحات ومات على الإسلام فله الجنة، وإن عصى الله ومات على الكفر فهو من أهل النار، وإن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ومات مسلماً فأمره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عاقبه ومآله إلى الجنة بفضل من الله ورحمته، وأما الحديث الوارد في أنه لا يدخل الجنة ولد زنا فموضوع (مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم) ، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية للجنة الدائمة 5/22(5/7075)
استأجر امرأة لخدمته ثم اتفق معها على أن تكون امة له
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل عدة سنوات احتجت لبعض الخدم لأجل راحتي ومساعدتي ولكي أتمكن من تحقيق أعمالي، كانت عندي الاستطاعة أن أدفع للخدم ما أرادوه وأن أريحهم حسب شروطهم.
كان بينهم امرأة صغيرة السن وقد وافقت على شروط العقد، هذه الخادمة تكون موجودة فقط حين حاجتي لها وتذهب حين عدم الحاجة لها.
بما أن تلك الفتاة لا زالت تسكن مع أهلها وليست متزوجة فقد وافقت بأن أكون سيدها وسمحت لي بأن ألمسها وأنظر إليها، أمضينا الكثير من الأوقات سويّاً ثم حررتها من العقد المبرم بيننا وتزوجتها.
- يمكن أن نتخذ العبيد وقت الحرب، ولكن متى يكون هذا؟
- كيف نتخذ العبيد وما هي الشروط الشرعية؟
- هل يجوز للسيد والأمة أن تكون بينهما علاقة جسدية وإلى أي حد؟
- هل هناك حدود للفارق في العمر بين السيد وأمته؟
- هل يمكن أن يتم هذا بالسر أم يجب إعلانه؟
- ما هو الحد الأدنى للعمر الذي يجب أن يكون عليه السيد والأمة؟
- هل توجد الإماء في وقت الحرب فقط؟ وهل هناك طريقة أخرى لامتلاك أمة؟
- هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يملك العديد من العبيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعض الأسئلة متكررة ومتداخلة ولذا سنجيب عليها – إن شاء الله – جميعها في هذه النقاط:
أولاً:
فعلُك الذي فعلتَ مع الخادمة حرام لا يحل لك، والخادمة ليست أمَة حتى تستحل لمسها ومعاشرتها، فالخادمة حرَّة لا تحل لك إلا بالزواج وهو الذي فعلتَه لكن متأخراً – مع الأسف -.
والعقد الذي بينك وبين الخادمة هو عقد إجارة على عمل وهو الخدمة في المنزل، وليس عقداً تستحل فيه معاشرتها، فقولك "أنها وافقت بأن تكون سيدها وسمحت لك بلمسها والنظر إليها وأنك قد حررتها من العقد المبرم بينكما " كل هذا ليس له أصل من الصحة الشرعيَّة بالمعنى الذي ذهبتَ إليه. فالحرة لا يمكن أن تصير أمة إلا كانت كافرة من دولة محاربة للمسلمين وتم للمسلمين الإستيلاء عليها، وهذا مفقود في الحال التي تسأل عنها.
ثانياً:
يمكن اتخاذ العبيد والإماء من الحروب التي تكون بين المسلمين والكفار، لا ما يكون بين المسلمين أنفسهم في وقت الفِتَن.
فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد وهو: رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار وكذا على نسائهم وأولادهم.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله فتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين. أ. هـ " أضواء البيان " (3 / 387) .
ثالثاً:
يمتلك المجاهدون الإماء كما يمتلكون الغنائم، ويجوز لمن تملَّك أمَةً أو عبداً أن يبيعهما، وفي كلا الحالتين – التملُّك من المعركة أو من البيع – لا يجوز للرجل أن يعاشر الأمَة إلا بعد أن تحيض حيضة يُعلم بها براءة رحمها من الحمل، فإن كانت حاملاً: فعليه أن ينتظر حتى تضع حملها.
فعن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره - يعني: إتيان الحبالى -، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ".
رواه أبو داود (2158) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " (1890) .
رابعاً:
يجوز أن تكون علاقة جسدية بين الرجل وأمَته كما يكون بين الرجل وزوجته إلا أن يكون قد زوجها من غيره فليس له أن يعاشرها لأن المرأة لا تحل لرجلين في وقت واحد.
خامساً:
لا حدود للفارق في السنِّ بين الرجل وأمَته، إلا أنه لا يجوز له معاشرتها إلا بعد أن تكون مطيقةً لذلك.
سادساً:
ينبغي أن تكون العلاقة بين الرجل وأمَته معلَنة غير سريَّة؛ وذلك لترتب أحكامٍ على هذا الإعلان، ومنها: ما قد يكون بينهما من أولاد، ومنه دفع الريبة عنه وعنها من قِبل الناس ومن يشاهدهما سويّاً.
سابعاً:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك بعض الإماء والعبيد، ومنهم:
قال ابن القيم:
زيد بن حارثة بن شراحيل، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعتقه وزوَّجه مولاته أمَّ أيمن، فولدت له أسامة، ومنهم أسلم، وأبو رافع، وثوبان، وأبو كبشة سُلَيم، وشقران - واسمه صالح -، ورباح - نوبي -، ويسار - نوبي أيضاً، وهو قتيل العرنيين -، ومِدْعَم، وكِرْكِرَة - نوبي أيضاً -، … وكلاهما قُتل بخيبر، ومنهم: أنجَشَة الحادي، وسفينة بن فروخ - واسمه مهران، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة؛ لأنهم كانوا يحمِّلونه في السفر متاعهم، فقال: أنت سفينة – قال أبو حاتم: أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: أعتقته أم سلمة، ومنهم أنَسَة، ويكنى أبا مِشرح، وأفلح، وعُبيد، وطهمان – وهو كيسان -، وذكوان، ومهران، ومروان – وقيل: هذا خلاف في اسم طهمان، والله أعلم -، ومنهم حُنين، وسندر، وفضالة – يماني -، ومابور – خصي -، وواقد، وأبو واقد، وقسام، وأبو عسيب، وأبو مُويهبة.
ومن النساء: سلمى - أم رافع -، وميمونة بنت سعد، وخضرة، ورضوى، ورزينة، وأم ضميرة، وميمونة بنت أبي عسيب، ومارية، وريحانة.
" زاد المعاد " (1 / 114 – 116) .
ثامناً:
يندر الآن وجود الرقيق بالمعنى الشرعي الذي يجوز معه ما ذُكر من أحكام الاستمتاع ونحوها، وذلك لتخلي عامة المسلمين عن فريضة الجهاد في سبيل الله منذ زمن بعيد مع ما يعانونه من ضعف وذل ومهانة أمام أعدائهم الكفار، حتى وقّعت كثير من الدول التي أكثر شعوبها من المسلمين البروتوكول الخاص بمنع الرق والعمل للقضاء عليه، والمحرر في مقر الأمم المتحدة عام 1953 م.
وعليه فينبغي التحري الشديد في إثبات الرق لمن قد يُباع ويشترى الآن، وكذلك الحذر من الفهم الخاطيء لبعض الترجمات لكلمة الأمة والإماء حيث يفهم بعض المسلمين الجدد أن الاسترقاق يحصل بمجرد دفع المال للمرأة والاتفاق على الاستمتاع بها وذلك كالبغايا اللاتي ينتشرن الآن في أماكن الفسق والفجور والملاهي الليلية وخدمات الزنا بالهاتف.
ونسأل الله أن يبصرنا وإياك بأمور ديننا وأن يكفينا شر مساخطه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7076)
نسخ آية حبس الزانية في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف معنى الآية الخامسة عشر من سورة النساء التي تقول بحبس المرأة الزانية في البيت حتى الموت أو يحدث فرج بطريقة ما. هل يعنى هذا معاقبة الزانية بذلك أو سجنها بقية عمرها؟ وما معنى أن الله سيجعل لها طريقاً؟ أريد أن أتوصل لفهمٍ أحسن للإسلام بواسطة المسلمين أنفسهم. وشكراً على إتاحة الوقت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى في سورة النساء: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا (15)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت ولهذا قال: "واللاتي يأتين الفاحشة" يعني الزنا "من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا" فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم وكذا رُوِيَ عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة وهو أمر متفق عليه - قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أثر عليه وكرب لذلك وتغير وجهه فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم فلما سرى عنه قال: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة". وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
هذه أول عقوبات الزناة، وكان هذا في ابتداء الإسلام.. قاله ابن عباس والحسن. زاد ابن زيد: وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه.. غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية.. وهي قوله عليه السلام في حديث عبادة بن الصامت: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) .. وقد قال بعض العلماء: أن الأذى والتعيير باق مع الجلد، لأنهما لا يتعارضان بل يحملان على شخص واحد. وأما الحبس فمنسوخ بإجماع.. والله أعلم.
ولإتمام الفائدة يحسن معرفة تفسير الآية التي تليها أيضا في سورة النساء وهي قوله تعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:
" وقوله تعالى "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" أي واللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما: أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا.. وقوله "فإن تابا وأصلحا" أي أقلعا ونزعا عما كان عليه وصلحت أعمالهما وحسنت "فأعرضوا عنهما" أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له "إن الله كان توابا رحيما" وقد ثبت في الصحيحين "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" أي لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت. "
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7077)
كتاب يشتمل على الكذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حكم الزنى
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب "الخلاف" ما يتعلق بقول نبينا الكريم (في حديث) أن أحدهم سأله قائلا: إني معجب بامرأة في مكان عملي، وأنا أحبها، فهل يجوز لي ممارسة الجنس معها، فكان الجواب من النبي نعم.
أشعر أن الجواب كما ورد في ذلك الكتاب خطأ، لكني أريد التحقق من ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: هذا الكتاب المسمى بـ (الخلاف) غير معروف، ولعله من كتب الشيعة الروافض، فإن لهم كتاباً بهذا الاسم زعموا أنه يتناول المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية.
والشيعة الروافض لا يتورعون عن الكذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية بأنهم "من أكذب الناس وأنقضهم للعهد" مجموع الفتاوى (28/484) . وقال عنهم أيضاً في منهاج السنة النبوية (1/8) : والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل، ولا يميزون في نقلة العلم ورواة الأحاديث والأخبار بين المعروف بالكذب أو الغلط أو الجهل بما ينقل وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار اهـ. وفي منهاج السنة أيضاً (2/87) : فإنك لا تجد في طوائف أهل القبلة أعظم جهلا من الرافضة. . فهم أكذب الناس بلا ريب. . . وهم أعظم الطوائف نفاقا اهـ.
ثانياً: هذا الحديث المسؤول عنه لا يشك عاقل يدري ما يقول أنه كذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إذ كيف يبيح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزنى وتحريمه معلوم من الدين بالضرورة، بل إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم ما قد يفضي إلى الزنا من الوسائل كخلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، ومصافحته لها، والاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء، وخضوع المرأة في القول وترقيقها له. . . إلخ.
ولهذا قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32. فتأمل كيف نهى الله تعالى عن قربان الزنى وهو أبلغ من مجرد فعله، لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه. تفسير السعدي ص 742.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً) الفرقان/68 ـ70.
فهذه الفاحشة البغيضة اقترنت بالشرك بالله، وقتل النفس، وذلك لما فيها من قتل الفضيلة، ونشر الرذيلة، وهتك العرض والشرف، وإضاعة الأنساب. . إلى غير ذلك من المفاسد والأمراض التي تفتك بالأمم والمجتمعات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) رواه البخاري (2475) ومسلم (57) .
وروى البخاري (7047) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في حديث طويل ذكر فيه صوراً من عذاب القبر: (فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوا – أي ارتفعت أصواتهم - وارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا. فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاءِ؟ . . . قالا: وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) .
وروى أحمد (21708) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ. قَالَ: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح اهـ.
والآيات والأحاديث الصحيحة التي تبين قبح وشناعة هذه الجريمة ومآل أهلها في الدنيا والآخرة كثيرة، فكيف بعد هذا كله ينسب هذا القول القبيح لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وأيضاً: قول هذا الأفاك الأثيم: إن هذا الرجل أعجب بامرأة في مكان عمله!!
فهل كان في أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم خير القرون أماكن للعمل تجمع بين الرجال والنساء ويختلط بعضهم ببعض فيها؟!
فعلى السائل وغيره أن يحذر من هذه الأغاليط الفاحشة المنكرة، ولا يلتفت إليها.
وما أجدر هذا الأفاك الذي كذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يشمله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (111) ومسلم (3) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7078)
كفارة الزنى مع المتزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة من زنى مع متزِوجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزنا كله شر وبلاء، لكنه مع المتزوجة أعظم إثماً، لما فيه من الاعتداء على الزوج بانتهاك عرضه. قال الله تعالى في شأن الزنا: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان) رواه أبو داود (4690) والترمذي (2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2/138) : (وعُلم من ذلك أيضا أن الزنا له مراتب: فهو بأجنبية لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبية لها زوج، وأعظم منه بمحرم، وزنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من القن (العبد) والجاهل) انتهى.
وكفارة الزنا مع المتزوجة وغيرها: هي التوبة الصادقة المشتملة على شروطها، من الإقلاع عن هذه الجريمة إقلاعاً تاماً، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها مطلقا. من فعل ذلك فقد تاب إلى الله تعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وقبله، وبدل سيئاته حسنات، كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104، وقال: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70
وروى البخاري (4436) ومسلم (174) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) وَنَزَلَتْ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) .
فمن وقع في الزنا فليبادر بالتوبة إلى تعالى، وليستتر بستره، فلا يفضح نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل) رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (663) .
وروى مسلم (2590) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7079)
وقعا في الزنا وتابا وتزوجا وتجزم بوقوع العذاب وتشويه أطفالهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة تعرفت على شخص منذ 6 سنوات والحمد لله تم الزواج، ولكن قبل الزواج تم فعل الفاحشة، وصديقتي نادمة جدّاً تبكي ليل نهار وتصلي الصلوات، مع كل يوم صلاة استغفار، وبعد الزواج ذهبوا للعمرة وينويان الحج، ولكن زوجها يريد أطفالاً وهي خائفة أن تنجب طفلاً مشوهاً عقاباً من الله سبحانه وتعالى وتقول: إن من زنى يلاقي عذاباً في الدنيا والآخرة حتى لو تاب، هل هذا صحيح؟ وهل سيدخل النار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى على أن وفقهما للتوبة، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثيبهما وأن يثبتهما، ولا شك أن ما فعلاه من الفاحشة سبب لعقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة.
والتوبة الصادقة من هذا الفعل، والندم على فعله، والعزم على عدم العوْد إليه، والبكاء على ما وقع من تفريط في جنب الله تعالى وهتك حرمات المسلمين: يُرجى أن يكون خيراً لهذا التائب وأن يكون سبباً في تبديل سيئاته حسنات.
ولا ينبغي لهذه الأخت أن يصل بها المقام في التوبة إلى حدِّ القنوط من رحمة الله، فقد يدخل الشيطان عليها من هذا الباب ويصدها عن التوبة وفعل الخير.
فيحسن منها أن تندم وتبكي وتتوب وتستغفر تعظيماً لما وقع منها ومن زوجها من معصية، ولكن لا يحسن منها القنوط من رحمة الله وظن السوء به تعالى.
وقد أعلمنا ربنا تعالى أنه يغفر الذنوب جميعاً مهما عظمت وكثرث لمن تاب منها، ونهانا عن القنوط من رحمته، فقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وأعلمنا تعالى أنه يبدل السيئات حسنات لمن صدق في توبته، ولو وقع منه الشرك والقتل والزنا، وهي أعظم الذنوب، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68 – 70.
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وبه يُعلم خطأ القول: (إن الزاني يعذَّب في الدنيا والآخرة ولو تاب) وما سبق من الأدلة يدل على بطلان هذا القول، بل يرغِّب الله تعالى عباده في التوبة، ويثيبهم عليها إن فعلوا، ولا يعاقبهم.
ولا داعي للخوف من الإنجاب، ولا داعي للقلق.
واسألوا الله تعالى الذرية الصالحة، واستعينوا بربكم تبارك وتعالى، وأكثروا من الأعمال الصالحة، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما فيه رضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7080)
كيف يثبت الزنى
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أنه لإثبات الزنى على شخص ما فإنه لا بد من توفر 4 شهود فهل يجوز في هذا العصر إثبات الزنى على هذا الشخص بالفحص العلمي وفحص الحامض النووي بدلاً من 4 شهود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يثبت الزنى في الشريعة الإسلامية إلا بالبينة وهي شهادة أربعة ثقات عدول يرونه حقيقة أو بالاعتراف أو بظهور حمل الزانية ولا يقوم فحص الحامض النووي ولا كاميرة التصوير أو الفيديو مقام الأمور السابقة المذكورة. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7081)
هل يغفر لممارس اللواط وهل يجوز له الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الإسلام في الذين يمارسون اللواط أو السحاق ولكنهم تابوا وأقلعوا عن هذا الفعل؟
هل يجب رجمهم حتى الموت؟ هل يمكن أن يُغفر لهم؟ هل يجوز لهم أن يتزوجوا من الجنس الآخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لاشك أن فاحشة اللواط من أعظم المعاصي بل من الكبائر التي حرمها الله عز وجل، وقد أهلك الله قوم لوط عليه السلام لما تمادوا في غيهم واستمرؤوا هذا الفعل الشنيع بأنواع رهيبة من العقوبة، قال الله تعالى: (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك) ثم قال سبحانه محذرا من يأتي بعدهم من الأمم التي تفعل فعلهم (وما هي من الظالمين ببعيد) . وقال تعالى: (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر. ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أحمد 2727 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 6589.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به. رواه أهل السنن الأربعة وإسناده صحيح، وقال الترمذي حديث حسن.
وحكم به أبو بكر الصديق، وكتب به إلى خالد بعد مشاورة الصحابة، وكان علي أشدهم في ذلك. وقال ابن القصار وشيخنا: أجمعت الصحابة على قتله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله، فقال أبو بكر الصديق: يرمى من شاهق، وقال علي رضي الله عنه: يهدم عليه حائط، وقال ابن عباس: يقتلان بالحجارة. فهذا اتفاق منهم على قتله، وإن اختلفوا في كيفيته، وهذا موافق لحكمه صلى الله عليه وسلم فيمن وطئ ذات محرم، لأن الوطء في الموضعين لا يباح للواطئ بحال، ولهذا جمع بينهما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه) وروى أيضا عنه: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه) وفي حديثه أيضا بالإسناد: (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) - أخرجه أحمد 2420وأبو داود 4464 والترمذي 1454 والحاكم 4/355 -.
وهذا الحكم على وفق حكم الشارع، فإن المحرمات كلما تغلظت، تغلظت عقوباتها، ووطء من لا يباح بحال أعظم جرما من وطء من يباح في بعض الأحوال، فيكون حده أغلظ، وقد نصّ أحمد في إحدى الروايتين عنه) زاد المعاد ج5 ص40-41.
وكذلك الأمر بالنسبة لفاحشة السحاق، فإنه لاشك بين الفقهاء أن السحاق حرام، وهو من الكبائر كما نصّ عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. الموسوعة الفقهية ج24 ص251.
أما بخصوص الحد المذكور في السؤال وهو الرجم حتى الموت فإن هذا النّوع من الحد متعلق بالزاني المحصن وأما الحدّ الشرعي لجريمة اللواط فهو القتل - بالسيف على الراجح - كما ورد في الحديث السابق على خلاف بين أهل العلم في كيفية هذا القتل، أما السحاق فإنه لا حد فيه لكن فيه التعزير. الموسوعة الفقهية ج24 ص253.
أما إذا تاب الفاعل لهذه الفاحشة أو كل ما يستوجب حدا وأقلع عن هذا الذنب واستغفر وندم ونوى ألا يعود إليه فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن ذلك فأجاب بقوله: (إذا تاب إلى الله توبة صحيحة تاب الله عليه من غير حاجة إلى أن يقر بذنبه حتى يقام عليه الحد) مجموع الفتاوى ج34 ص180.
قال الله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) . فإن تاب إلى الله توبة صحيحة فلا مانع من أن يتزوّج بل قد يجب عليه ذلك إحصانا لنفسه واتّباعا لما أحلّه الله. والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7082)
جريمة الزنا تؤرّق ليلها وهي حزينة من أجل الولد
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت فتاة على الموضة حتى قابلت زوجي وأرشدني إلى الإسلام والحمد لله. وقعت في الزنا ولم يكن يخطر ببالي أبدا أنه بذلك السوء وهذا ما جعلني اقضي ليالي بدون نوم (كنت اقضي بعضها بالدعاء)
اشعر أن الله لن يغفر لي بسبب كثرة ذنوبي.
حملت من زوجي ونحن مازلنا في فترة الخطوبة، عمر الطفل الآن 7 سنوات انه ولد زنى
فهل سيُغفر لي على الإطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: من تاب تاب الله عليه.
ثانيا: إذا حصل الحمل والولادة قبل العقد الشّرعي فالولد يُنسب للأم الزانية وليس للزاني. وهذا الولد له حقوق شرعية ولا بدّ من إحسان تربيته.
ثالثا: إياك أن تيأسي من رحمة الله أو تقولي لن يغفر الله لي فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون. وما دمت قد تبت فعليك برجاء رحمة الله ومغفرته.
رابعا: ستجدين الجواب المفصّل عن التوبة من الزنا وكل ما يريحك بإذن الله في كتاب " أريد أن أتوب ولكن.. " وهو منشور في ركن الكتب من هذا الموقع.
خامسا: علاج ما مضى بالتوبة، وعليك من الآن فصاعدا بالإكثار من فعل الحسنات لأنّ الحسنات يُذهبن السيئات ويرفعن الدرجات، ونسأل الله أن يغفر ذنبك وأن يثبتكِ على دينه ونرجو لك مستقبلا حافلا بالطاعات، وصلى الله على نبينا محمد
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7083)
يريد التوبة من اللواط ويحتاج مساعدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم ملتزم، وأسلمت قبل فترة طويلة، تم التحرش بي جنسياً وأنا طفل، وأصبحت الآن أُثار غريزيّاً للرجال والنساء، وهذا شيء أجده في نفسي، لا أدري كيف أتخلص منه.
أنا لا أفعل المعصية دائماً ولكنني أفعلها أحياناً وأندم على فعلها لأن الله لا يحب هذا الانحراف الجنسي، والمشكلة أنني لا أستطيع ولم أستطع أن أساعد نفسي، حاولت كثيراً أن أتغير ولكن دون فائدة، طلبت من الله المعونة واعترفت لبعض المسلمين لكي يساعدوني وذهبت للطبيب النفسي.
أحب الله وأحب دينه وتصرفاتي تعكس هذا الحب، ودائماً أحاول التقرب لله، حيث إنني وقعت في هذا المرض، فقد عرفت لماذا أمرت الشريعة بقتل اللوطي، جميع أصدقائي مسلمون ومتمسكون بالدين، ولكن الشيطان قد يحاول أن يدمر إيماني أنا وأصدقائي، أرجو أن تساعدني وتخبرني بالحل ولو تكلف هذا ذهابي لأي مكان في العالم لأنني لا أريد أن أقترف هذا الذنب مرة أخرى، ولا أريد أن أكون خطراً على أي شخص من عباد الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سنتكلم معك في نقاط أربعة ولن نزيد عليها، فنرجو منك الانتباه والقراءة بتمهل وتمعن، وهذه النقاط الأربع هي: قبح وشناعة فاحشة اللواط، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية، وبيان سعة رحمة الله للتائبين، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة.
أما الأمر الأول:
وهو قبح وشناعة فاحشة اللواط:
فقد قال ابن القيم – عن قوم لوط -:
قال أصحاب القول الأول - وهم جمهور الأمة، وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة -: ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل - كما سنبينه إن شاء الله تعالى -.
قالوا: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوطٍ أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمَّة غيرهم، وجمع عليهم أنواعاً من العقوبات: من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذَّبهم، وجعل عذابهم مستمراً، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمَّة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة، التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.
وقتْل المفعول به خيرٌ له من وطئه، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا تُرجي الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد، وربما ينتفع به في آخرته.
وقال:
وأطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله، لم يختلف منهم فيه رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظنَّ بعض الناس ذلك اختلافاً منهم في قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة، وهي بينهم مسألة إجماع.
ومن تأمل قوله سبحانه {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً} الإسراء / 32 وقوله في اللواط: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} الأعراف / 80، تبين له تفاوت ما بينهما؛ فانه سبحانه نكَّر الفاحشة في الزنا، أي: هو فاحشة من الفواحش، وعرَّفها في اللواط، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة ...
ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم فقال: {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} ، ثم زاد في التأكيد بأن صرَّح بما تشمئز منه القلوب، وتنبو عنها الأسماع، وتنفر منه أشد النفور، وهو إتيان الرجل رجلا مثله ينكحه كما ينكح الأنثى، فقال: {أئنكم لتأتون الرجال} ، ...
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر عليه الرجال، وقلبوا الطبيعة التي ركَّبها الله في الذكور، وهي شهوة النساء دون الذكور، فقلبوا الأمر، وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها، وكذلك قلبهم، ونكسوا في العذاب على رؤوسهم.
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد، فقال: {بل أنتم قوم مسرفون} .
فتأمل هل جاء ذلك – أو قريبٌ منه - في الزنا، وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله {ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث} ، ثم أكَّد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال: {إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} الأنبياء / 74، وسماهم مفسدين في قول نبيهم فقال: {رب انصرني على القوم المفسدين} الأنبياء / 75، وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام: {إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} العنكبوت / 31.
فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل هذه الذمات.
وقال:
ذهبت اللذات، وأعقبت الحسرات، وانقضت الشهوات، وأورثه الشقوات، تمتعوا قليلاً، وعُذبوا طويلاً، رتعوا مرتعاً وخيماً، فأعقبهم عذاباً أليماً، أسكرتهم خمرة تلك الشهوات، فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذَّبين، وأرقدتهم تلك الغفلة فما استيقظوا منها إلا وهم في منازل الهالكين، فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم، وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم، فلو رأيت الأعلى والأسفل من هذه الطائفة والنار تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم وهم بين إطباق الجحيم وهم يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم، ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون: " ذوقوا ما كنتم تكسبون "، {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون} الطور / 16.
" الجواب الكافي " (ص 240 – 245) مختصراً.
وأما الأمر الثاني:
فهو ما تسببه هذه الفاحشة من مضار صحيَّة:
قال الدكتور محمود حجازي في كتابه " الأمراض الجنسية والتناسلية " - وهو يشرح بعض المخاطر الصحية الناجمة عن ارتكاب اللواط -:
إن الأمراض التي تنتقل عن طريق الشذوذ الجنسي (اللواط) هي:
1. مرض الأيدز، وهو مرض فقد المناعة المكتسبة الذي يؤدي عادة إلى الموت. 2. التهاب الكبد الفيروسي. 3. مرض الزهري. 4. مرض السيلان. 5. مرض الهربس. 6. التهابات الشرج الجرثومية. 7. مرض التيفوئيد. 8. مرض الأميبيا. 9. الديدان المعوية. 10. ثواليل الشرج. 11. مرض الجرب. 12. مرض قمل العانة. 13. فيروس السايتوميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج. 14. المرض الحبيبي اللمفاوي التناسلي.
ثالثاً:
ومما سبق يتبين عظم وقبح وشناعة هذه الفاحشة، وما يترتب على فعلها من آثار ضارة، ومع ذلك فالباب مفتوح لتوبة العاصين، والله تعالى يفرح بتوبتهم.
وتأمل قول الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} الفرقان / 68 – 70.
وعند التأمل في قوله تعالى: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} يتبين لك فضل الله العظيم.
وقد قال المفسرون هنا معنيين للتبديل:
الأول: تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا.
والثاني: تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة.
فالواجب عليك التوبة إلى الله توبة عظيمة، واعلم أن رجوعك إليه سبحانه هو خير لك ولأهلك ولإخوانك وللمجتمع كافة.
واعلم أن الحياة قصيرة، وأن الآخرة خير وأبقى، ولا تنس أن الله تعالى أهلك قوم لوط بما لم يهلك بمثله أحداً من الأمم غيرهم.
رابعاً:
وأما العلاج لمن ابتلي بهذه المصيبة:
1- الابتعاد عن الأسباب التي تيسر لك الوقوع في هذه المعصية وتذكرك بها مثل:
- إطلاق البصر، والنظر إلى النساء أو الشاشات.
- الخلوة بأحد من الرجال أو النساء.
2- اشغل نفسك دائماً بما ينفعك في دينك أو دنياك كما قال الله تعالى: (فإذا فرغت فانصب) فإذا فرغت من عمل في الدنيا فاجتهد في عمل من عمل الآخرة كذكر الله وتلاوة القرآن وطلب العلم وسماع الأشرطة النافعة ...
وإذا فرغت من طاعة فابدأ بأخرى، وإذا فرغت من عمل من أعمال الدنيا فابدأ في آخر ... وهكذا، لأن النفس أن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فلا تدع لنفسك فرصة أو وقت فراغ تفكر في هذه الفاحشة.
3- قارن بين ما تجده من لذة أثناء هذه الفاحشة، وما يعقب ذلك من ندم وقلق وحيرة تدوم معك طويلاً، ثم ما ينتظر فاعل هذه الفاحشة من عذاب في الآخرة، فهل ترى أن هذه اللذة التي تنقضي بعد ساعة يقدمها عاقل على ما يعقبها من ندم وعذاب، ويمكنك لتقوية القناعة بهذا الأمر والرضا به القراءة في كتاب ابن القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) فقد ألفه رحمه الله لمن هم في مثل حالك – فرج الله عنا وعنك -.
4- العاقل لا يترك شيئاً يحبه إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه. وهذه الفاحشة تفوت عليك نعيم الدنيا والآخرة، ومحبة الله لك، وتستحق بها غضب الله وعذابه ومقته.
فقارن بين ما يفوتك من خير، وما يحصل لك من شر بسبب هذه الفاحشة، والعاقل ينظر أي الأمرين يقدّم.
5- وأهم من ذلك كله: الدعاء والاستعانة بالله عز وجل أن يصرف عنك هذا السوء، واغتنم أوقات الإجابة وأحوالها، كالسجود، وقبل التسليم من الصلاة، وثلث الليل الآخر، ووقت نزول المطر، وفي السفر، وفي الصيام، وعند الإفطار من الصيام.
نسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يتوب عليك، ويجنبك سوء الأعمال والأخلاق.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7084)
اعترف له والداه أنه من الزنا فكيف ينتسب
[السُّؤَالُ]
ـ[والداي يعتقدان بأني من الزنى، فاسم من أحمل ومن هم أهلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توجهنا بهذا السؤال إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فكتب إلينا ما يلي:
الصحيح أن ولد الزنى ليس عليه إثم من جناية أبويه حيث أنه لم يحدث منه معصية في هذا الأمر وإنما الإثم على والديه وعلى هذا فله أن ينتسب إلى أبيه الذي اعترف بأنه منه حتى يحصل على الانتماء إلى دولته (بالوثائق الرسمية) وله أن ينتسب إلى أمه التي ولدته فإنها هي عَصَبته ثم ينتسب إلى قبيلتها ودولتها وعليه أن يصلح عمله ويستقيم في سلوكه وديانته الإسلامية ولا يضره ما حصل من أبويه فإن من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/7085)
هل كان ماعز متزوجاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان ماعز بن مالك متزوجا أو غير متزوج , وإذا كان أعزب , فلماذا رُجم؟ أسأل عن ذلك لأني قرأت أنه لم يكن متزوجا , وأنه رُجم لوقوعه المستمر في الزنا. لكن توجد أحاديث أخرى عن رجل من "بني أسلم" وكانت مشكلته تشابه مشكلة ماعز (الذي كان من أسلم) في كل التفاصيل لكن الأحاديث لم تذكر اسم الرجل, فهل ذلك الرجل هو ماعز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث التي ذكرت قصة ماعز رضي الله عنه في الصحيحين جاءت على أوجه متعددة: فجاء في بعضها ذكره باسمه (ماعز) وهذه لم يرد وصفه فيها بالإحصان، وجاء في بعضها ذكره منسوباً إلى قبيلته (رجل من أسلم) ، وهذه ورد وصفه فيها بالإحصان.
وسياق هذه الأحاديث واحد مما يجعلنا نجزم أنها جميعاً تتحدث عن قصة واحدة وهي قصة ماعز رضي الله عنه وأنه كان محصناً، وهذا قد ورد النص عليه في حديث واحد عند البيهقي كما سيأتي، وهذه بعض الروايات:
أنه جاء في رواية " مسلم ": أنهم ألجأوا ماعزاً إلى الحرة، فصرح باسمه، وجاء في رواية " البخاري ": أنهم رجموا رجلاً من أسلم - وماعز رجل من أسلم كما في الحديث الآتي من رواية أبي سعيد – فألجأوه إلى الحرة، ناهيك على ما في الروايتين من التشابه بأن الرسول أعرض عنه أربع مرات وغير ذلك.
هذا يجعلنا نجزم بأن الحديثين عن قصة رجل واحد، وعليه: فقد جاء في رواية البخاري أنه محصن، والروايتان هما:
أ. رواية مسلم (1694) :
عن أبي سعيد: " أن رجلا من أسلم يقال له ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت فاحشة فأقمه عليَّ فرده النبي صلى الله عليه وسلم مراراً قال ثم سأل قومه، فقالوا: ما نعلم به بأساً إلا أنه أصاب شيئاً يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نرجمه، قال فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد قال: فما أوثقناه ولا حفرنا له قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال: فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة (مكان بالمدينة) فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة - يعني: الحجارة - حتى سكت (أي مات) ".
ب. رواية البخاري (4969) :
عن جابر: " أن رجلاً من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال إنه قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشقه الذي أعرض فشهد على نفسه أربع شهادات فدعاه فقال: هل بك جنون؟ هل أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل ".
وعن أبي هريرة قال: " أتى رجل من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إن الآخر قد زنى يعني نفسه فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال يا رسول الله إن الآخر قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال له ذلك فأعرض عنه فتنحى له الرابعة فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه فقال هل بك جنون؟ قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه، وكان قد أحصن.. فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدركناه بالحرة فرجمناه حتى مات ". رواه البخاري (4970) .
وجاء في سنن البيهقي مصرحاً بذلك:
عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا من أسلم شهد عنده بالزنا على نفسه أربع مرات فأمر به فرجم وكان قد أحصن قال زعموا أنه ماعز.
" سنن البيهقي الكبرى " (8 / 218) .
وقد نص الحافظ ابن حجر في فتح الباري على أن هذه الأحاديث في قصة رجل واحد هو ماعز رضي الله عنه فقال:
قوله (رجل من أسلم) أي: من بني أسلم القبيلة المشهورة، واسم هذا الرجل ماعز بن مالك كما سيأتي مُسمىً عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الحافظ أيضاً:
حديث أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا وقد أحصن هو في الصحيحين عن أبي هريرة فقال له هل أحصنت؟ قال: نعم، وكذا للبخاري عن جابر.
" الدراية في تخريج أحاديث الهداية " (2 / 96) .
فهذه الأحاديث مجتمعة تجعلنا نجزم أن ماعزاً لما رجم كان محصناً.
ولم يرجم ماعز لكثرة فعله فاحشة الزنا وليس هناك دليل يدل على أن ماعزاً كان من المكثرين للزنا.
والرجم يستحقه الزاني المحصن سواء تزوج وطلق أو ماتت زوجته أو لا يزال متزوجاً.
ولا فرق بين من زنى مرة واحدة أو تكرر منه الزنى فمن كان محصناً وجب رجمه، ومن كان غير محصن فحده جلد مائة وتغريب عام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7086)
تدَّعى أن زوجها اغتصب ابنتها وهرب فهل تطلَّق تلقائيّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجتْ امرأةٌ مسلمةٌ لها طفلة تبلغ بضعة أشهر من مسلم، وكان المذكور يتولى دور الأب بالنسبة لها، لكننا اكتشفنا بعد أن رجع المذكور لزيارة بلده أنه تحرش بالصغيرة جنسيّاً، ومن المحتمل أنه اغتصبها أيضا، المذكور ينكر ذلك، لكن التقارير الطبية تؤكد الموضوع، وبعد أسابيع من العلاج أقرت الطفلة بأنه هو الذي " لاعبها "، وهي لا تزال تظن أن الأمر الذي وقع كان ممتعا، ومنذ ذلك الحين لم يعد المذكور كما أن المسؤولين يبحثون عنه. سؤالي هو: هل ما وقع يبطل زواجي به تلقائيا؟ إن لم يكن كذلك: كيف يمكن للأم أن تبطل هذا الزواج؟ ، أرجو الإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعله الزوج في الطفلة الصغيرة – إن ثبت – جريمة عظيمة، يستحق عليها الرجم حتى الموت، ولعل مثل هذه الحوادث أن تدلل على مدى بُعد مثل هذه الحثالات عن شرع الله تعالى، وبالتالي يتحرى المسلم عندما يأتيه من يرغب بالتزوج منه، ويتحرى المسلم من التهاون في خلوة ضعاف الإيمان بقريبات الزوجة – ولو كنَّ صغيرات-.
ثانياً:
المعلوم أنه لا يجوز للرجل أن يجمع – في النكاح - بين الأختين، ولا يحل له الزواج بأم امرأته – بعد العقد عليها -، ولا ابنتها – بعد الدخول بأمها -، فهل إذا زنى الزوج بأخت الزوجة أو أمها أو ابنتها تحرم عليه زوجته فيجب تطليقها؟ وإذا كان غير متزوج منها، فهل يحل له الزواج بها؟ هذه من مسائل الخلاف بين العلماء، والأقوال فيها ثلاثة:
1. مذهب الجمهور: أنه لا تحرم عليه امرأته، وهو قول ابن عباس – رضي الله عنه – وعروة وسعيد بن المسيب والزهري، وعليه جمهور العلماء، ونقل بعضهم عن ابن عباس أنه يحرم عليه امرأته، وهو ضعيف، والصواب عنه هو ما قدمناه.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وحجتهم – أي: الجمهور -: أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها، لا على مجرد الوطء، وأيضا: فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث، قال ابن عبد البر: وقد أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها، فنكاح أمها وابنتها أجوز.
2. وقال إبراهيم النخعي والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق - وهي رواية عن مالك -: إذا زنى بامرأة حرُمت عليه أمها وبنتها.
3. ومذهب الحنفية - وهو قول للشافعي -: تلتحق المباشرة بشهوة، بسبب مباح، بالجماع لكونه استمتاعا، أما المحرم فلا يؤثر كالزنا، فقالوا: تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها.
قال إبراهيم النخعي: وكانوا يقولون: إذا اطلع الرجل على المرأة، على ما لا تحل له، أو لمسها لشهوة: فقد حرمتا عليه جميعا.
" المصنف " (3 / 303) .
والراجح: هو مذهب الجمهور، وأن فعله المحرَّم مع أم امرأته أو ابنتها أو أختها لا يحرم عليه امرأته، سواء كان متزوجاً أم بعد الزواج، وبه يُعرف أن الزوج الذي اعتدى على ابنة الزوجة حتى لو ثبت أنه اغتصبها لا يحرِّم ذلك الفعل المحرم القبيح زوجته عليه.
روى البخاري – رحمه الله – (5 / 1963) عن ابن عباس – رضي الله عنهما -: إذا زنى بأخت امرأته: لم تحرم عليه امرأته.
وروى البيهقي – وصححه الحافظ ابن حجر – (7 / 168) عن ابن عباس في رجل غشي أم امرأته قال: تخطى حُرمتين، ولا تحرم عليه امرأته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" مسألة: لو زنى بامرأة، فهل يحرم عليها أصله وفرعه، وهل يحرم عليه أصلها وفرعها؟
الجواب: لا يحرم؛ لأنه لا يدخل في الآية؛ قال الله تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ) النساء /23..، والزانية لا تدخل في هذا؛ فلو زنى شخص بامرأة، فلا نقول: إن هذه المرأة من حلائله، ولا نقول: إن أم هذه المرأة المزني بها من أمهات نسائكم؛ إذا تكون حلالا، لدخولها في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) النساء/24 ... "
الشرح الممتع (5/179) .
ثالثاً:
لكِ طلب فسخ النكاح من القاضي الشرعي لسببين شرعيين: أولهما: فسقه وفجوره بارتكابه لتلك الجريمة القبيحة – بعد ثبوتها عليه -، وثانيهما: غيابه عن البيت، وكلا السببين يجعلانك في حل من طلب فسخ النكاح من القاضي الشرعي، واستيفاء كامل حقوقك، ويسمى هذا " الطلاق للضرر " وقال به الإمامان مالك وأحمد – رحمهما الله -، والضرر الذي يسوغ طلب التفريق به بين الزوجين يشمل كل ما يسبِّب ضرراً للزوجة والإساءة إليها جسديّاً أو نفسيّاً أو معنويّاً، ويختلف ذلك باختلاف النساء والبيئات والأعراف، ومن أمثلة الضرر الذي تطلب الزوجة التفريق: ضربها من غير سبب شرعي، وإكراهها على فعل محرم أو ترك واجب، وفسقه وفجوره وسوء سلوكه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7087)
أشهدا الملائكة على عقد الزواج!!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على صديق لها في الجامعة وكلاهما متدينان، وكانت تساعده في بداية الأمر وتطورت العلاقة بينهما حتى قبلها يوما ما وندما على هذا الفعل، ولكنه عاد وقبلها مرة أخرى فقررا الزواج، بسبب ظروفهما المالية والاجتماعية لم يتمكنا من الزواج ولكنهما تعاهدا على الزواج وعدم الخيانة والله يعلم نيتهما وكان هذا بحضور الملائكة كشهود، أصبحا بعد هذا يمسكا أيدي بعضهما البعض ويقبلا بعضهما دون شعور بالذنب ثم أصبح بينهما جماع، قرأت في هذا الموقع عن سؤال مشابه أن هذا يعتبر من الزنا فأخبرته بالأمر.
هل زواجهما صالحاً وهل يعتبر ما فعلاه من الزنا وهل يغفر الله لهما إن تابا؟ نرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن ما حصل بين ذلك الرجل وتلك المرأة - على ما هو مذكور في السؤال - هو من باب الزنا ولا شك، فأين ولي المرأة في ذلك الزواج، واعجب من زواج كانت الملائكة شهودا عليه، وهم لم يروا أولئك الشهود!!!
إن الواجب عليهما أن يتوبا إلى الله عز وجل مما بدر منهما، وأن يعلما أنهما قد ارتكبا كبيرة من كبائر الذنوب، وإثما عظيما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " [رواه البخاري برقم 2343، ومسلم برقم 57] ، وللمزيد راجع السؤال رقم (11195، 21223)
وإذا تاب العبد فرح الله بتوبته وتاب عليه وغفر له ذنبه، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68-70 وانظر السؤال رقم (27113، 624، 20949) .
وعليهما أن يقطعا علاقتهما مع بعضهما، وألا يفتحا على أنفسهما أبواب الفتن والشبهات، وإذا أرادا علاقة طيبة شرعية، فليأتوا البيوت من أبوابها كما شرع الله عز وجل، أو يتقوا الله ويصبروا عن محارمه، فإن العبد يصبر على ألم الفراق، لكن لا يصبر على حر النار، فليبتعدا عن بعضهما البعض، حتى لا يجرا أنفسهما إلى سخط الله وعقابه أو يعجلا بالزواج الشرعي الصحيح بعد توبتهما مما وقع منها من الزنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7088)
هل يجوز للزاني أو الزانية الزواج بعد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة، تحولت قبل ثلاثة سنوات، وما زلت أتعلم ولي سؤال:
لقد علمت أنه إذا مارستُ الجنس بعدما أصبحت مسلمة لن أستطيع الزواج على الطريقة الإسلامية. أريد أن أعرف إذا كان ذلك صحيحاً. وإذا كان صحيحاً، هل هناك طريقة لتصحيح صنيعي الذي أندم وآسف عليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الزاني التوبة من الزنى فالزنى من كبائر الذنوب التي جاء الشرع بتحريمها والوعيد الشديد لفاعلها قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) سورة الفرقان
وأوجب العقوبة في الدنيا على الزاني فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) النور/2
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " رواه مسلم (الحدود/ 3199) .
وحرم الله عز وجل زواج الزاني سواء كان رجلاً أو امرأة على المؤمنين فقال تعالى: (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/ 3.
وإذا تاب الزاني إلى الله توبة نصوحاً صادقة، فإن الله عز وجل يتوب عليه ويتجاوز عنه قال تعالى بعد ذكر الوعيد لأهل الزنا: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان / 70-71
وإذا حصلت التوبة الصادقة جاز الزواج منها أو منه بعد الإقلاع عن هذه الكبيرة
وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن حكم الزواج بالزانية فقال:
لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب ... وإذا أراد رجل أن يتزوجها وجب عليه أن يستبرأها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ...
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/ 584
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7089)
حكم مباشرة الأجنبية فيما دون الفرج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مداعبة امرأة أجنبية دون الفرج؟ وهل يعتبر زنى؟ وكذلك الوطء من الدبر هل هو لواط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: من تمام حكمة الله تعالى أنه إذا حرَّم شيئا حرَّم الأسباب المفضية إليه لما يؤدي إليه الوقوع في أسباب ومقدمات المحرَّم من تمكُّن تعلُّق القلب به بصورة تجعل الإنسان يعيش صراعا نفسيا قويا بين الوقوع في المنكر أو عذاب النفس بالوقوف في وسط الطريق فلا هو بالتارك للمحرم السليم القلب بالبعد عنه، ولا هو بالواقع فيه المحقق لرغبة النفس الأمَّارة بالسوء، والغالب في حال مثل هذا أن يقع فيما ظنَّ أنه لن يقع فيه من الكبائر المهلكة للإنسان المفسدة عليه أمر دينه ودنياه المنغِّصة عليه حياته الماحقة للبركة في ماله وولده جزاءً وفاقاً لبعده عن ربه وانتهاكه لحرماته واستهانته بمقام نظره إليه واطِّلاعه على حاله، والعاقل من الناس هو من لا يتساهل في أمور تؤدي به إلى كوارث حقيقية في دينه الذي هو رأس ماله قبل دنياه.
والمتأمِّل في ما في السؤال يعلم أن العادة تمنع أن يصل الإنسان إلى مثل هذا الأمر المستشنع شرعا، ثمَّ يستطيع بعد ذلك أن يكبح جماح نفسه ويتورَّع بها عن انتهاك هذه الحرمة المغلَّظة وعن الوقوع في تلك الفاحشة العظيمة التي لا يُقارن ما تسبِّبه من سخط وغضب ربَّاني وفساد في الدين والدنيا بما يتوهمه العاصي من تحصيل نزوة عارضة تعقبها حسرات لا تنتهي.
فعلى المسلم أن يدرك حقائق الأمور وما تؤدِّي إليه، وألا ينساق وراء تزيين الشيطان له وتهوين المنكرات أمام عينيه ليجرَّه ليكون من حزبه الخاسرين، وعليه أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن وأن يعلم بأن الله سبحانه يراه ويعلم نواياه وأفعاله. كما قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} غافر / 19. وليعلم أن ما عند الله خير وأبقى وأن الآخرة وما فيها من نعيم خير له من الأولى وأن عاقبة الصبر عن المنكر جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما تشتهييه الأنفس من المُتع التامَّة الخالية عن المنغِّصات.
ويراجع في معرفة الحكم السؤال رقم 27259.
ثانياً:
أما الوطء في الدبر فإذا كان مع رجل فهو " اللواط " الذي جاء ذمه في الكتاب والسنَّة.
والذي كان من أسباب هلاك أمة من الأمم هي قوم لوط نبي الله.
وأما الوطء للمرأة في دبرها: فإن كانت زوجة له: فإنه لا يحل له ذلك ويسمى هذا " اللوطية الصغرى " فكيف إذا كان وطئاً لامرأةٍ لا تحل له؟ .
أ. ما جاء في اللوط:
قال ابن حزم:
فِعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة: كلحم الخنزير , والميتة , والدم , والخمر , والزنى , وسائر المعاصي , مَن أحلَّه أو أحلَّ شيئاً مما ذكرنا: فهو كافر , مشركٌ حلال الدم والمال.
" المحلى " (12 / 389) .
وقال ابن قدامة:
أجمع أهل العلم على تحريم اللواط , وقد ذمه الله تعالى في كتابه , وعاب من فعله , وذمَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من عمل عمل قوم لوط , لعن الله من عمل عمل قوم لوط , لعن الله من عمل عمل قوم لوط ".
" المغني " (9 / 59) .
ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية وعن غير إجماع الصحابة على قتل من يعمل عمل قوم لوط، وأنهم إنما اختلفوا في كيفية قتله.
" زاد المعاد " (5 / 40) .، ويُراجع في تفاصيل حكمه أيضا السؤال رقم 10050
ب. ما جاء في وطء المرأة في دبرها:
وأما وطء المرأة في دبرها فهو من كبائر الذنوب، ولعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعله.
روى أبو داود (2162) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا اللعن لمن أتى امرأته في دبرها فكيف إذا كانت امرأة أجنبية عنه.
وروى الترمذي (135) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وإذا اتفق الرجل مع امرأته على الوطء في الدبر ولم ينتهيا بعد التعزير فُرِّق بينهما.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن:
رجل ينكح زوجته في دبرها؟
فأجاب:
وطء المرأة في دبرها حرام بالكتاب والسنة , وهو قول جماهير السلف والخلف , بل هو " اللوطية الصغرى "، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله لا يستحي من الحق , لا تأتوا النساء في أدبارهن "، وقد قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ، والحرث هو موضع الولد , فإن الحرث محل الغرس والزرع، وكانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها جاء الولد أحول , فأنزل الله هذه الآية , وأباح للرجل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها , لكن في الفرج خاصة , ومن وطئها في الدبر وطاوعته , عزرا جميعا , فإن لم ينتهيا وإلا فُرق بينهما , كما يفرق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به , والله أعلم.
" الفتاوى الكبرى " (3 / 104، 105) .
أما الوطء للمرأة الأجنبية في دبرها فقد اختلف فيه العلماء هل هو زنى أم لواط؟
انظر: المبسوط (9/77) . الفواكه الدواني (2/209) . مغنى المحتاج (5/443) الإنصاف (10/177) . الفروع (6/72) .
والذي اختاره الشيخ السعدي رحمه الله أن وطء المرأة الأجنبية في دبرها يعتبر زنى، فإنه قال: والزنا هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر اهـ. منهج السالكين (ص 239) .
نسأل الله أن يسلَّمنا من الفواحش وأن يطهِّر قلوبنا من التفكير والهمِّ بها وأن يرزقنا الثبات على دينه وأمره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7090)
عقوبة اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقوبة اللواط، وهل هناك فرق بين الفاعل والمفعول به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جريمة اللواط من أعظم الجرائم، وأقبح الذنوب، وأسوأ الأفعال وقد عاقب الله فاعليها بما لم يعاقب به أمة من الأمم، وهي تدل على انتكاس الفطرة، وطمْس البصيرة، وضعف العقل، وقلة الديانة، وهي علامة الخذلان، وسلم الحرمان، نسأل الله العفو والعافية.
قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الأعراف/80- 84.
وقال سبحانه: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) الحجر/72- 76 إلى غير ذلك من الآيات.
وروى الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى أحمد (2915) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، ثَلاثًا) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وقد أجمع الصحابة على قتل اللوطي، لكن اختلفوا في طريقة قتله، فمنهم من ذهب إلى أن يحرق بالنار، وهذا قول علي رضي الله عنه، وبه أخذ أبو بكر رضي الله عنه، كما سيأتي. ومنهم قال: يرمى به من أعلى شاهق، ويتبع بالحجارة، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه.
ومنهم من قال: يرجم بالحجارة حتى يموت، وهذا مروي عن علي وابن عباس أيضاً.
ثم اختلف الفقهاء بعد الصحابة، فمنهم من قال يقتل على أي حال كان، محصنا أو غير محصن.
ومنهم من قال: بل يعاقب عقوبة الزاني، فيرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن.
ومنهم من قال: يعزر التعزير البليغ الذي يراه الحاكم.
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على هذه المسألة، وذكر حجج الفقهاء وناقشها، وانتصر للقول الأول، وذلك في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" والذي وضعه لعلاج هذه الفاحشة المنكرة. ونحن ننقل طرفا من كلامه رحمه الله: قال:
" ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات.
وقد اختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا، أو الزنا أغلظ عقوبة منه، أو عقوبتهما سواء؟ على ثلاثة أقوال:
فذهب أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ومالك وإسحق بن راهويه والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنا، وعقوبته القتل على كل حال، محصنا كان أو غير محصن.
وذهب الشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه إلى أن عقوبته وعقوبة الزاني سواء.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهى التعزير ".
إلى أن قال: " قال أصحاب القول الأول وهم جمهور الأمة وحكاه غير واحد إجماعا للصحابة: ليس في المعاصى مفسدة أعظم من مفسدة اللواط وهى تلي مفسدة الكفر وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
قالوا: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم، وجمع عليهم أنواعا من العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذّبهم وجعل عذابهم مستمرا فنكّل بهم نكالا لم ينكّله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.
وقتل المفعول به خير له من وطئه، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا ترجي الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد. قالوا: والدليل على هذا (يعني على أن مفسدة اللواط أشد من مفسدة القتل) أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خيرة الولي إن شاء قتل وإن شاء عفى، وحتم قتل اللوطي دا كما أجمع عليه أصحاب رسول الله ودلت عليه سنة رسول الله الصريحة التي لا معارض لها، بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ثبت عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم، فكان على بن أبي طالب أشدهم قولا فيه، فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها. أرى أن يحرق بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه.
وقال عبد الله بن عباس: ينظر أعلى ما في القرية فيرمى اللوطي منها منكسا ثم يتبع بالحجارة.
وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله للوطية قوم لوط.
وابن عباس هو الذي روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث وإسناده على شرط البخاري.
قالوا: وثبت عنه أنه قال: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) ولم يجىء عنه لعنة الزاني ثلاث مرات في حديث واحد، وقد لعن جماعة من أهل الكبائر، فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة، وكرر لعن اللوطية فأكده ثلاث مرات، وأطبق أصحاب رسول الله على قتله لم يختلف منهم فيه رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم فى قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابه، وهي بينهم مسألة إجماع، لا مسألة نزاع.
قالوا: ومن تأمل قوله سبحانه: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) وقوله في اللواط: (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) تبين له تفاوت ما بينهما، فإنه سبحانه نَكّرَ الفاحشة في الزنا، أي هو فاحشة من الفواحش، وعرّفها في اللواط وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة، كما تقول: زيد الرجل، ونعم الرجل زيد، أي: أتأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد، فهي لظهور فحشها وكماله غنيّة عن ذكرها، بحيث لا ينصرف الاسم إلى غيرها …" انتهى من "الجواب الكافي" ص 260- 263
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما اللواط فمن العلماء من يقول: حده كحد الزنا، وقد قيل دون ذلك. والصحيح الذي اتفقت عليه الصحابة: أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل. سواء كانا محصنين، أو غير محصنين. فإن أهل السنن رووا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (في البكر يوجد على اللواطية، قال: يرجم) ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحو ذلك. ولم تختلف الصحابة في قتله، ولكن تنوعوا فيه، فروي عن الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريقه، وعن غيره قتله.
وعن بعضهم: أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم.
وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا.
وعن بعضهم: أنه يرفع على أعلى جدار في القرية، ويرمى منه، ويتبع بالحجارة، كما فعل الله بقوم لوط وهذه رواية عن ابن عباس، والرواية الأخرى قال: يرجم، وعلى هذا أكثر السلف، قالوا: لأن الله رجم قوم لوط، وشرع رجم الزاني تشبيها برجم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حرين أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوك الآخر، إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يرجم إلا البالغ " انتهى من "السياسة الشرعية" ص 138.
ثانيا:
المفعول به كالفاعل، لأنهما اشتركا في الفاحشة، فكان عقوبتهما القتل كما جاء في الحديث، لكن يستثنى من ذلك صورتان:
الأولى: من أكره على اللواط بضرب أو تهديد بالقتل ونحوه، فإنه لا حد عليه.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (3/348) : " ولا حد إن أكره ملوط به على اللواط بإلجاءٍ بأن غلبه الواطئ على نفسه أو بتهديد بنحو قتل أو ضرب " انتهى بتصرف
الثانية: إذا كان المفعول به صغيرا لم يبلغ، فإنه لا يحد، لكن يؤدب ويعزر بما يردعه عن اقتراف هذه الجريمة، كما سبق في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
ونقل ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/62) أنه لا خلاف بين العلماء في أن الحد لا يُقام على المجنون ولا الصبيّ الذي لم يبلغ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7091)
بنت زنى تقول أنا بنت من؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طفلة غير شرعية، وقد تزوج والداي وكان عمري 10 أشهر وقد تطلقا قبل سنتين، استعملت اسم والدي منذ أن ولدت وهو معترف بأبوته لي. هل أغير أسمى إلى اسم والدتي؟
قرأت الأجوبة في موقعكم وهي تقول بأنني يجب أن أستعمل اسم والدتي، ولكن هناك جواب للشيخ ابن جبرين يقول العكس ورقم السؤال 5967 وقد ذكر بأن الوالد إذا اعترف بالأبوة فيجوز التسمي باسم الأب، فأرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نؤكد على أن "ولد الزنا" لا علاقة له بجريمة والديه، وأن له كامل الحقوق التي للمسلمين ذكرا كان أو أنثى، وأن عليه أن يتقي الله تعالى ليكون من أهل جنته ورضوانه.
ثانياً: اختلف العلماء في استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشا على قولين، هل يلحق به أولا.
وبيان ذلك: أن المرأة إذا كانت فراشا، أي متزوجة، وأتت بولد بعد ستة أشهر من زواجها، فإنه ينسب إلى الزوج، ولا ينتفي عنه إلا بملاعنته لزوجته. ولو ادعى رجل أنه زنى بالمرأة وأن هذا ابنه من الزنا، لم يلتفت إليه بالإجماع، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخاري (2053) ومسلم (1457) .
قال ابن قدامة: (وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل , فادعاه آخر. أنه لا يلحقه , وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش) .
فإذا لم تكن المرأة فراشا (زوجة) ، وجاءت بولد من زنا، فادعاه الزاني، فهل ينسب إليه؟
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا ينسب إليه.
ونقل عن الحسن وابن سيرين وعروة والنخعي وإسحاق وسليمان بن يسار، أنه ينسب إليه.
واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ونقله ابن قدامة رحمه الله عن أبي حنيفة رحمه الله، قال: (وروى علي بن عاصم , عن أبي حنيفة , أنه قال: لا أرى بأسا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه , أن يتزوجها مع حملها , ويستر عليها , والولد ولد له) المغني 9/122
وقال ابن مفلح رحمه الله: واختار شيخنا [ابن تيمية] أنه إن استلحق ولده من زنا ولا فراش لحقه اهـ. الفروع 6/625
وقال ابن قدامة رحمه الله: (وولد الزنى لا يلحق الزاني في قول الجمهور وقال الحسن , وابن سيرين: يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه. وقال إبراهيم: يلحقه إذا جلد الحد , أو ملك الموطوءة. وقال إسحاق: يلحقه. وذكر عن عروة , وسليمان بن يسار نحوه) .
وقال شيخ الإسلام: (وأيضا ففي استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشا قولان لأهل العلم , والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " الولد للفراش , وللعاهر الحجر " فجعل الولد للفراش ; دون العاهر. فإذا لم تكن المرأة فراشا لم يتناوله الحديث , وعمر ألحق أولادا ولدوا في الجاهلية بآبائهم , وليس هذا موضع بسط هذه المسألة) الفتاوى الكبرى 3/178
وقد استدل جمهور العلماء على عدم لحوق ولد الزنى بالزاني بما رواه أحمد (7002) وأبو داود (2265) وابن ماجه (2746) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَضَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا، أَوْ مِنْ حُرَّةٍ عَاهَرَ بِهَا فَإِنَّهُ لا يَلْحَقُ بِهِ وَلا يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادَّعَاهُ فَهُوَ وَلَدُ زِنْيَةٍ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ أَمَةٍ.
والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود، وحسنه الأرناؤوط في تحقيق المسند. واستدل به ابن مفلح لمذهب الجمهور.
فقضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ولد الزنى لا يلحق بالزاني ولا يرثه، حتى لو ادعاه الزاني.
ولاشك أن إلحاق الولد بشخص ما، أمر عظيم يترتب عليه أحكام كثيرة، من الإرث، والمحرمية له ولأقاربه.
والحاصل أن الفتاوى التي صرحت بانتفاء نسب ولد الزنا من الزاني، موافقة لما عليه جمهور العلماء.
وأما الشيخ ابن جبرين حفظه الله، فلعله بنى كلامه على القول الآخر الذي ذكرنا أصحابه فيما سبق.
وبناء على قول الجمهور، فإن ولد الزنا – ذكرا كان أو أنثى – لا ينسب إلى الزاني، ولا يقال إنه ولده، وإنما ينسب إلى أمه، وهو محرم لها، ويرثها كبقية أبنائها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (وأما الولد الذي يحصل من الزنا، يكون ولدا لأمه، وليس ولدا لأبيه؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " العاهر: الزاني، يعني ليس له ولد. هذا معنى الحديث. ولو تزوجها بعد التوبة فإن الولد المخلوق من الماء الأول لا يكون ولدا له، ولا يرث من هذا الذي حصل منه الزنا ولو ادعى أنه ابنه، لأنه ليس ولدا شرعيا) انتهى، نقلا عن: فتاوى إسلامية 3/370
وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله (11/146) : الولد المخلوق من ماء الزاني لا يسمى ولدا للزاني اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7092)
حكم قتل الأجانب في بلاد المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف قتل الأجانب ولكنها تؤدي إلى قتل عدد من المسلمين أيضا وتدمير بعض المباني والمنشآت، وهل هذا من الجهاد كما يقول منفذوها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف كما ذكرت الأجانب، ليست جهاداً، بل هي فساد وإفساد، وتخريب وتشويه، وهي دالة على جهل مرتكبيها وطيشهم، فإن هؤلاء الأجانب مستأمنون في بلاد المسلمين، لم يدخلوها إلا بإذن، فلا يجوز الاعتداء عليهم، لا بالضرب ولا بالنهب، فضلا عن القتل، فدماؤهم وأموالهم معصومة، والمتعرض لهم على خطر كبير، كما روى البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) .
وهذا شامل للذمي والمعاهد والمستأمن.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وَالْمُرَاد بِهِ: مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة، أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان، أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم " انتهى.
وفي قوله رحمه الله: " أو أمان من مسلم " إشارة إلى ما هو معروف عند الفقهاء من أن الأمان لا يشترط أن يكون من الحاكم والسلطان، بل يجوز أن يكون من رجل من عامة المسلمين، وهؤلاء الأجانب المشار إليهم يدخلون بلاد المسلمين بأمان من الدولة، وبأمان أيضاً من أحد من المسلمين في كثير من الأحوال، فلا يجوز التعرض لهم، ولو كانوا في الأصل محاربين.
وقد روى البخاري (3171) ومسلم (336) عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قال: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن أعطاهم الأمان منا ; من رجل , أو امرأة , أو عبد , جاز أمانة) .
وجملته: أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب , حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم. ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار , ذكراً كان أو أنثى , حراً كان أو عبداً. وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن القاسم وأكثر أهل العلم" انتهى من "المغني" (9/195) .
ثانياً:
إذا نقض المستأمن أو المعاهد عهده لم يجز لآحاد المسلمين قتله؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق مخافة أن يقال: إن محمداً يقتل أصحابه، وهكذا ليس لآحاد المسلمين قتل من ظهرت ردته وزالت عصمته؛ للمعنى الذي ذكرنا، وكم جَرَّ هذا من الشر والبلاء على أهل الإسلام، وكم حصل به من التضييق على الدعوة والدعاة، وكم استغله المغرضون لتشويه صورة الحق وأهله.
ثالثاً:
أما التسبب في قتل المسلمين المعصومين، فذلك جرم كبير، وذنب عظيم؛ فإن (زَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) كما قال صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وما يدعيه هؤلاء من الاستشهاد بمسألة التترس مردود عليهم، وهو دال على جهلهم وظلمهم، فإننا نمنع قتل الكافر مباح الدم لو كان وحده – لما ذكرنا من المفسدة – فكيف إذا انضاف إلى ذلك قتل غيره من معصومي الدم؟
فبان بهذا أن فعل هؤلاء ظلمات بعضها فوق بعض، وأن منشأها الجهل والعجلة وعدم الرجوع إلى أهل العلم الذين أُمرنا بسؤالهم ورد الأمر إليهم، وقد انتظمت كلمة الثقات الأثبات من أهل العلم على منع هذه العمليات وتجريمها لكونها محرمة من أصلها، أو لما يترتب عليها من المفاسد والشرور.
فعلى كل امرئ أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر أشد الحذر من إخفار ذمة المسلم، وسفك الدم الحرام، وجلب الشر على أهل الإسلام.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7093)
شركة التأمين تطالبه أن يشهد على الحادث الذي رآه لتعوض المتضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا مار في الطريق شاهدت حادث سيّارة، والآن شركة التأمين تطالبني أن أدلي بما رأيت لكي يصرفوا للمتضرر مبلغاً من الأقساط الناتجة من الدفعة الشهرية له، هل شهادتي حرام لما في التأمين من ربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري محرم بجميع صوره لقيامه على الربا والميسر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (8889) .
ثانياً:
لا حرج عليك في الإدلاء بشهادتك التي يترتب عليها معرفة الحادث والوقوف على الجاني والمجني عليه وما يتصل بذلك؛ لأنها شهادة يتوصل بها إلى تحقيق العدل ورفع الضرر، بل يلزمك ذلك إذا لم يكن ثمة شاهدان غيرك، لقوله تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة/283.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وتحمّل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية ; لقول الله تعالى: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) ، وقال تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) . وإنما خص القلب بالإثم ; لأنه موضع العلم بها , ولأن الشهادة أمانة , فلزم أداؤها , كسائر الأمانات. إذا ثبت هذا , فإن دعي إلى تحمل شهادة في نكاح أو دين أو غيره , لزمته الإجابة. وإن كانت عنده شهادة فدعي إلى أدائها لزمه ذلك , فإن قام بالفرض في التحمل أو الأداء اثنان , سقط عن الجميع , وإن امتنع الكل أثموا , وإنما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر , وكانت شهادته تنفع , فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء , أو كان ممن لا تقبل شهادته , أو يحتاج إلى التبذل في التزكية ونحوها , لم يلزمه ; لقول الله تعالى: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) . ولأنه لا يلزمه أن يضر بنفسه لنفع غيره. وإذا كان ممن لا تقبل شهادته , لم يجب عليه ; لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه.
وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيرُه ممن يقوم مقامه؟ فيه وجهان: أحدهما , يأثم ; لأنه قد تعيّن بدعائه , ولأنه منهي عن الامتناع بقوله: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) .
والثاني , لا يأثم ; لأن غيره يقوم مقامه , فلم يتعين في حقه , كما لو لم يدع إليها " انتهى من "المغني" (10/154) .
ولا يضرك دخول شركة التأمين في القضية والتزامها بتعويض المتضرر، فإن المخطئ يلزمه التعويض، والمجني عليه يستحق ذلك، ولا حرج عليه أن يأخذ التعويض من الجاني أو ممن التزم بالدفع عنه كشركة التأمين، فشهادتك هي لإثبات أصل الحق، ومعرفة الجاني من المجني عليه، وصفة الجناية إن أمكن.
والواجب أداء هذه الشهادة بالعدل، دون ميل لأحد المتخاصمين، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7094)
أسقطت جنينها بعد ثلاثة أشهر ونصف دون إخبار زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت هي أكبر مني بسنتين – نحسبها من المؤمنات - متزوجة ولها بنتان وهي متغربة عنا مع زوجها الذي اغترب سعياً وراء الرزق ولكنها تشتكي من سوء معاملته لها وأنه يكثر من ضربها حتى إنها أصبحت بحالة صحية سيئة، حملت منه مؤخراً وقبل أسبوعين أجهضت الجنين متعمدة (نوع من أنواع الحبوب) وذلك على علم منها بعظم ما تفعل، عمر الجنين عندها ثلاثة أشهر ونصف، هي نادمة الآن أشد النَدم، وهي في حالة نفسية سيئة جداً تريد أن تتوب ولكن لا تدري، هي لم تخبر زوجها فهي معه وحيدة خائفة من الذي سيفعله بها. السؤال: هل ارتكبت كبيرة من الكبائر؟ ماذا عليها لكي تتوب؟ هل يجب عليها إخبار زوجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه وذلك بتمام أربعة أشهر، وإسقاطه حينئذ قتل محرم وفيه الكفارة، إلا أن يكون في بقائه خطر على حياة الأم.
وأما قبل نفخ الروح فيه: فهذا مما اختلف فيه الفقهاء فمنهم من منع مطلقا، ومنهم من جوز لمصلحة وحاجة، ومنهم من جوز قبل الأربعين فقط، وينظر جواب السؤال رقم (103423) ورقم (12289) .
ثانياً:
لا يجوز إسقاط الجنين في أي مرحلة من المراحل إلا بإذن الزوج؛ لأن له حقا في الولد، كما لا يجوز له أن يعزل عنها إلا بإذنها؛ لأن الولد حق مشترك لهما.
وينظر جواب السؤال رقم (48996) .
وعليه؛ فقد أخطأت أختك فيما أقدمت عليه، والواجب عليها التوبة والاستغفار، ولا يلزمها كفارة ما دام الإسقاط قبل تمام أربعة أشهر.
ويلزمها الاعتذار لزوجها والتحلل منه لأنها اعتدت على حقه، إلا أن تخشى من إخباره حصول مفسدة أكبر، فتتوب فيما بينها وبين ربها.
ونسأل الله تعالى أن يتوب عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7095)
حكم الإجهاض للمغتصبة بعد نفخ الروح في الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا سؤال شخصي يتعلق بخطيبتي التي تعرضت لجريمة الاغتصاب منذ سبع سنين عندما كانت في سن الثامنة عشرة ولم تدرك أنها حامل إلا بعد مرور أربعة أشهر ونصف فقامت بإجهاض الجنين خوفاً على سمعتها وسمعة الأسرة، إذ إنها كانت ستعيش منبوذة طوال العمر هي وأسرتها بالإضافة إلى أنها لم تكن تعرف الحكم الشرعي لإجهاض الجنين المتكون الذي نفخت فيه الروح في ذلك الوقت. وقد سمعت فتوى من أحد العلماء المصريين تقول بأن ضحايا الاغتصاب لا عليهن أن يجهضن أجنتهنّ، فهل هذا صحيح؟ وما الواجب عليها الآن، هل عليها من كفارة، وإذا كان كذلك فما نوع الكفارة، أرجو التفصيل؟ وهل يعد فعلها ذلك قتلاً للنفس التي حرم الله وماذا يلزمها للتوبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع الفقهاء على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح فيه - أي بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ بداية الحمل - فلا يجوز قتله بحال، إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم.
قال ابن جزي رحمه الله:
" وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له , وأشد من ذلك: إذا تخلق، وأشد من ذلك: إذا نفخ فيه الروح، فإنه قتل نفس إجماعاً " انتهى.
"القوانين الفقهية" (2/70) .
وجاء في "حاشية الدسوقي" (2/266-267) :
"لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ، وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إجْمَاعًا " انتهى.
وقال في "نهاية المحتاج" (8/442) بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين، قال:
" وقد يقال: أَمَّا حَالَةُ نَفْخِ الرُّوحِ فَمَا بَعْدَهُ إلَى الْوَضْعِ فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ , وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ مُحْتَمِلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ , وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ. نَعَمْ، لَوْ كَانَتْ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ، فَلَوْ تُرِكَتْ حَتَّى نُفِخَ فِيهَا فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ" انتهى.
فعلى من فعلت ذلك أن تتوب إلى الله تعالى، وتندم على ما فعلت، وتعزم على عدم العودة لذلك، وتكثر من الأعمال الصالحة لعل الله تعالى يتوب عليها.
ويجب عليها الدية والكفارة، ودية الجنين: خمس من الإبل تكون لورثته، ولا تأخذ منها الأم شيئاً، فإن تنازل الورثة عنها بنفس راضية فلا حرج في ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا شربت الحامل دواء , فألقت به جنينا , فعليها غرة , لا ترث منها شيئا , وتعتق رقبة، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه , إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة , وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها , فلزمها ضمانه بالغرة , كما لو جنى عليه غيرها , ولا ترث من الغرة شيئا ; لأن القاتل لا يرث المقتول , وتكون الغرة لسائر ورثته , وعليها عتق رقبة " انتهى من "المغني" (8/327) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن امرأة تعمدت إسقاط الجنين، وقد بلغ أربعة أشهر، فماذا تفعل وما هي كفارتها؟
فأجابوا:
"يجب على المرأة التي تعمدت قتل الجنين التوبة إلى الله عز وجل والاستغفار، عسى الله أن يغفر لها، وعليها الدية وهي: غرة: عبد أو أمة، قيمتها عشر دية الأم: (خمس من الإبل) وقيمتها بالدية الحالية: خمسة آلاف ريال" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/255) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (21/316) :
"إذا كان إسقاط الجنين المذكور بعد تمام أربعة أشهر وجب في إسقاطه غرة عبد أو أمة، والكفارة وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تستطع فإنها تصوم شهرين متتابعين، وتستغفر الله وتتوب إليه من هذا الذنب" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/316) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من شربت دواءً عمداً لإسقاط جنين فسقط لثلاثة أشهر فماذا عليها؟
فأجاب: "ليس عليها دية ولا كفارة، لأنه لم تنفخ فيه الروح. أما إن أتمَّ أربعة أشهر، ففعلته عمداً، فعليها الدية: غرة، والكفارة: صيام شهرين متتابعين. والغرة: عبد أو أمة، قيمة كل منهما خمس من الإبل. ومن لم يستطع الصيام، فالصحيح أن ليس عليه إطعام لأن الله لم يذكره في الآية" انتهى.
"ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" (ص 126) مسألة (533) .
وأما الفتوى بأن ضحايا الاغتصاب لا عليهن أن يجهضن أجنتهنّ، فإن كان ذلك قبل نفخ الروح فهو جائز، أما بعد نفخ الروح فالقول بجوازه مخالف لإطباق أهل العلم على تحريم ذلك كما تقدم؛ ولأنه من قبيل قتل النفس المعصومة، والضرر الحاصل على المرأة بسبب ذلك أهون من الإقدام على قتل مؤمن بغير حق، الذي هو كبيرة من أكبر الكبائر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7096)
نامت بجوار طفلتها ثم استيقظت فوجدتها ميتة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نامت وبجوارها طفلتها، وبعد اليقظة وجدتها ميتة، فماذا عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت لم تتيقن أنها ماتت بسببها فليس عليها شيء؛ لأن الأصل براءة الذمة من الواجبات، ولا يجوز أن تشغل إلا بحجة لا شك فيها.
أما إن تيقنت موتها بسببها فعليها الدية والكفارة، لأن هذا القتل في حكم الخطأ، والواجب في ذلك عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، أما الإطعام فليس له دخل في كفارة القتل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/327) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7097)
اعترضته سيارة فانحرف ليتفاداها فانقلبت سيارته ومات والده
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقود سيارة فصادفت في طريقي سيارة سائرة في الطريق المعد لسيري، فنبهت قائدها بالمنبه وبالنور فلم ينتبه، واتضح لي أنه نائم فاضطررت إلى الخروج عن الطريق فانقلبت سيارتي وتوفي على إثر ذلك والدي وابنة عمي هل تجب علي الكفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الذي يظهر لي من الشرع المطهر عدم وجوب الكفارة عليك، إذا كان الذي حملك على الخروج من الطريق هو قصد إنقاذ نفسك وإنقاذ الركاب من خطر السيارة المقبلة الذي هو أكبر من خطر الخروج" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/359) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7098)
حكم من مات بانقلاب سيارته وهو مطارد من الجهات الأمنية
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: نحن ثلاثة أفراد، من إدارة مكافحة المخدرات، وكنا نؤدي عملنا في مركز للتفتيش على خط الجنوب بالاشتراك مع مجموعة من زملائنا في الشرطة والمرور، وجاءت إلينا سيارة بها شخصان، وطلبنا منهم الوقوف ولكن سائقها استمر في سيره ولم يقف، وقمنا نحن الثلاثة بمتابعة هذه السيارة، بأمر من رئيسنا المباشر، وامتدت المتابعة قرابة خمسة وخمسين كيلو، ونحن نسير خلف هذه السيارة وهي على مرأى منا، ووقع عليه حادث أثناء متابعتنا له، حيث انقلبت السيارة بعد نزولها عن الخط المسفلت، وتوفي السائق في الحال، وتوفي الراكب بعد محاولة إسعافه عند وصوله للمستشفى، مع ملاحظة أننا لم نحتك بسيارتنا بالمذكورين، وتقرير المرور أفاد بأن الانقلاب بسبب انحراف السيارة عن الأسفلت وعودتها مرة أخرى للأسفلت، وقد صدر تقرير بحق السائق مفاده: أنه وجد وفي دمه الكحول، وقد انتهى التحقيق في المعاملة وحفظت الأوراق منذ فترة ولم يصدر بحقنا شيء، نأمل التكرم بإفتائنا نحن الثلاثة عما إذا كان علينا كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا كفارة عليكم؛ لأنكم إنما عملتم ما يلزمكم عمله لمصلحة المسلمين وحفظ الأمن، وفق الله الجميع، " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (22/357) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7099)
إذا صدم سيارة ودفع التأمين للغير بعض التعويض فهل يلزمه الباقي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أستراليا , ويوجد عندنا نظام: أنّ من يمتلك سيارة , يجب عليه أن يشترك في نظام تأمين الطرف الثالث الإجباري , وهذا النظام يعمل فقط على تغطية ضرر سيارة الرجل الذي وقع معه الحادث , ويقول أهل العلم عندنا هنا: إنّ هذا التأمن، ما دام إلزاميا ولا خيار لك فيه: فليس عليك حرج. ولكن فيما يتعلّق بتضرر الملكية – ملكية السيارة أو ما شابه ذلك – فيبقى الأمر فيه نوع من الغموض وعدم الوضوح. أضرب مثالا يوضح ذلك: قام زيد بصدم سيارة عمرو , فتضررت سيارة عمرو، وأصيب عمرو ببعض الإصابات. فيقوم هذا النظام بدفع المال لعمرو بدل ضرر لما أصابه من جروح أو ما شابه , ولا يقوم بتغطية نفقات تصليح سيارة زيد , وفي هذه الحالة , يكون واجباً على زيد أن يقوم بتغطية نفقات تصليح سيارة عمرو على حسابه الخاص. فتصور المبلغ الذي سيتكبده زيد إذا كانت سيارة عمر من نوع " مرسيدس" أو " فراري" , بينما هو يقود سيارة رخيصة. فما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التأمين التجاري محرم بجميع بصوره، لكن إذا أجبر الإنسان على التأمين ضد الغير، فلا حرج عليه والإثم على من أجبره. وينظر: سؤال رقم (45918) ورقم (8889) ورقم (102969) .
ثانيا:
إذا حصل تصادم بين سيارتين لزم المخطئ منهما ضمان ما أتلفه من نفس أو عضو أو مال.
فيلزمه دية النفس والأعضاء، كما يلزمه إصلاح ما تضرر من السيارة، إضافة إلى فرق ما بين السيارة السليمة والتي جرى عليها الإصلاح، وهذا يغفل عنه كثير من الناس.
وإذا تولت جهة التأمين بعض ما سبق لزمه الباقي مهما بلغ، ولا تبرأ ذمته إلا بذلك، إلا أن يعفو المتضرر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ليست المسألة مسألة قطع الغيار، بل قطع غيار وما حصل على السيارة من النقص بسبب الصدمة، وهذا أمر ربما لا يتفطن له كثير من الناس، وكل أحد يعرف الفرق بين قيمة السيارة المصدومة ولو كانت قد صلحت، وبين قيمتها غير مصدومة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7100)
إذا عُفي عن الدية في قتل الخطأ فهل تلزم الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قتل سائق سيارة إنساناً خطأ وعفا أولياء الدم عن الدية فهل يلزمه صيام شهرين متتابعين، لأنه ضعيف ولم يقصد ضرر هذا القتيل أو يعفى عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا ثبت أن القتل خطأ وجبت الدية والكفارة، ولو لم يقصد السائق إلى ضرر قتيله، وإذا سمح من له حق في الدية عن حقه سقطت الدية، وبقيت الكفارة، فيجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، لتعذر التكفير بالعتق الآن، فإن عجز عن تتابع الصيام في الحال وغلب على ظنه وجود فرصة في المستقبل يتمكن فيها من صيام شهرين متتابعين أَخَّر الصيام على وقت التمكن، ليأتي به على الصفة المطلوبة، وإن يئس من التمكن من ذلك في المستقبل سقط ما عجز عنه من التتابع، وصام شهرين على أي حال قدر الطاقة، قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) . وقال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وقال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . ونظير هذا: مما دخل في عموم النصوص وجوب الصلاة بلا طهارة على من فقد الطهور من الماء والتراب ووجوب الصلاة على المكلف مع ترك ما عجز عنه من أركانها، فهذا وأمثاله يشمله عموم نصوص رفع الحرج ويسر الشريعة" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
"فتاوى إسلامية" (3/314) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7101)
هل يعتمد على القافة في كشف المجرمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك رجل يمارس القيافة (تتبع وقص الأثر) وأنه بمجرد النظر إلى الأثر في الأرض يستطيع أن يصف صاحب الأثر بكل وضوح وأن يحدد جنسه وشكله وقبيلته وفي أغلب الأحيان يكون قوله صحيحا ويستفاد منهم في كشف المجرمين فما حكمهم وحكم الاستعانة بهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القائف في لسان العرب هو: الذي يتتبع الآثار ويعرفها , ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للقيافة ومشتقاتها عن المعنى اللغوي المتعلق بتتبع الأثر ومعرفة الشبه. انظر: الموسوعة الفقهية (34/92) .
والقيافة وتتبع الأثر أمر معلوم، واشتهرت به بعض القبائل، كبني مدلج في القديم، وقبيلة المرة في الحديث.
وإصابة الصواب فيها تعتمد على الغريزة، والفراسة، والمران، ولهذا قد يذكر القائف أمورا دقيقة جدا، ويكون مصيبا.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: " القيافة لا تختص ببني مرة وبني مدلج.
كان مشهورا في الحجاز بنو مدلج. والموجود الآن آل مرة، وليسوا من بني مدلج، ولهم الشهرة في ذلك. ويظهر توسيع الدائرة، فالتمرن والقيافة موجودة في غيرهم من حاضرة وبادي، فيوجد في الحاضرة أناس فيهم معرفة قوية، وإنما الشهرة كما تقدم لآل مرة، ولهم في ذلك من الحذق الشيء المشهور، وبعضهم يجزمون بأشياء دقيقة شهد الواقع بصدقهم فيها؛ لكن منهم من حذقه في معرفة السارق. وليس كل ما يجزمون به استنادا إلى الأثر. كما أن لهم توسما بالإشارة، فلهم توسم بالفراسة، فالذي عنده شيء من الخوف يجزمون عليه حتى يعترف ...
ومعرفة الأثر تلحق بالقيافة، إلا أنه لا يستعمل في لحوق الأنساب، فإنه شيء آخر، لكن إذا احتيج إلى نظر أقدامها في الأرض صح، لكن الشبه بالوجه ونحوه أبلغ مما سواه.
الثاني [والأول هو العمل بالقيافة في إثبات النسب] : ما يتعلق بمعرفة الجاني من سرقة أو قتل أو تهمة، فهذا يعتمد النظر والحذق، ويعتمد الشطارة؛ فإن كثيرا من هذه الأمور يأخذونه لا من نفس الأثر بل لهم مِران في ذلك. وقد يصير فيهم وهم، ووجوده فيهم أحيانا لا يسقط قولهم؛ فإن البينة قد تغلط ... يشترط في القائف العدالة المعتبرة في الشاهد، والقاضي، والإمام، والخبرة شرط " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (9/31) .
وأما الاعتماد عليهم: فالفقهاء يذكرون الاعتماد على القافة في إثبات النسب المجهول، كالولد الناتج عن وطء شبهة، واللقيط ونحو ذلك.
واختلفوا في الاعتماد على قولهم في تحديد الجاني والسارق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقول القافة في الأنساب معتبر، فهل يعتبر قول القافة في الأموال؟ بمعنى أن القائف إذا رأى قدم السارق، وقال: هذا فلان بن فلان، فهل يؤخذ به، أو يقال: إنه قرينة ويؤتى بالرجل إن أقر وإلا برئ؟ فيها خلاف بين العلماء: منهم من قال: إذا عُرف بالإصابة بالتجربة فإنه يؤخذ به، وكما ذكرنا هؤلاء القافة ربما يشهدون شهادة على أن هذا قدم فلان بن فلان، وليس عندهم فيه شك، فيكون قرينة، وفي قضية داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام: (إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) الأنبياء/ 78، 79، استدل بالأثر على المؤثر " انتهى من "الشرح الممتع" (10/399) .
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه يعتد بقول القائف في المعاملات وفي الجنايات، وذكر أمثلة لذلك: كأن يدعي شخص أنه ذهب من ماله شيء، ويثبت ذلك، فيقص القائف أثر الوطء من مكان إلى مكان آخر، فشهادة القائف أن المال دخل إلى هذا الموضع توجب أحد الأمرين: إما الحكم به، وإما أن يكون الحكم به مع يمين المدعي، وهو الأقرب، فإن هذه الأمارات ترجح جانب المدعي، واليمين مشروعة في أقوى الجانبين.
وينظر: "الفتاوى الكبرى" (5/508) .
والاعتماد على القافة في هذه الأمور كلها، يرجع فيه إلى القاضي وما يراه، وإلى وجود الشروط المعتبرة في القائف من العدالة والخبرة، وإلى عدم وجود البينة المعارضة للقيافة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7102)
قتل الساحر قد يكون ردة وقد يكون حداً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قتل الساحر ردة أو حداً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قتل الساحر قد يكون حداً، وقد يكون ردة بناءً على التفصيل في كفر الساحر، فمتى حكمنا بكفره فقتله ردة، وإذا لم نحكم بكفره فقتله حد.
وانظر جواب السؤال رقم (69914) .
والسحرة يجب قتلهم سواءً قلنا بكفرهم أم لا، لعظم ضررهم، وفظاعة أمرهم، فهم يفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك العكس، فهم قد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون بذلك إلى أغراضهم، كما لو سحر امرأة ليزني بها، فيجب على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه حد؛ لأن الحد إذا بلغ الإمام، لا يستتاب صاحبه، بل يقام بكل حال.
أما الكفر فإنه يستتاب صاحبه، وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود، وذكروا من الحدود حد الردة؛ لأن قتل المرتد ليس من الحدود، لأنه إذا تاب انتفى عنه القتل، ثم إن الحدود كفارة لصاحبها، وليس بكافر، والقتل بالردة ليس بكفارة وصاحبه كافر لا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين.
فالقول بقتل السَحَرَةِ موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، وإذا قُتِلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين" (2/179) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7103)
أدخل فيما سيصلحه التأمين شيئا قد تلف بحادث سابق
[السُّؤَالُ]
ـ[سيارتي كانت مصدومة من الخلف قبل سنة وأصلحتها، إلا شيئاً واحداً وهو عادم الدخان (الشكمان) ، ويقع على اليمين السيارة من الخلف (السيارة التيما 2005) . في السنة الحالية صدمت سيارتي مرة أخرى من الخلف، ولكن كان تأثير الصدمة متركزا على الجهة اليسار، لكن لا يعني أن الجهة اليمنى لم تتأثر بل تأثرت بحيث أن (الاسطب) كسر قليلاً ولم يعد يعمل، جاء المرور وحكم بأن الخطأ على الرجل الآخر بالكامل، ومن ثم تم تحويلي الى الورش لتسعير الأضرار وفعلاً تم تسعير الأضرار: (الحادث + الشكمان طبعاً) أنا الذي أشرت عليه، وبعد شهر تم صرف لي الشيك من قبل شركة التأمين , أنا كنت متأكد أن (الشكمان) لم يتضرر من الحادث الجديد إلا أن يشاء الله، كنت أنوي أن لا أشير إليه عند التسعيرة لكن أخي أمرني بذلك بحجة أن شركة التأمين لن يعطوك كامل المبلغ لتصلح السيارة، وأن أصلا السيارة لن تعود مثلما كانت عليه من قبل من الوكالة، وأن الحادث تسبب في تعطيلك حيث إني طالب في مدينة أخرى وكنت أذهب في سيارة لأن بها تصريح دخول وغيرها. بعد أن استلمت الشيك أصلحت السيارة لكن لم أصلح كل شيء، وأخذت بعض القطع القديمة كاللمبات من الاسطب التي لا زالت تعمل، ولا أعلم كم زاد المبلغ حيث إني لم أحسب قيمة القطع التي لم أصلحها، طبعاً أثناء تسعيري للحادث أمرني التأمين أن أذهب لمكان لتصوير السيارة، وأثناء ذهابي بنشر الكفر لي (مسمار) وقع بسبب مكان المحل حيث إن الطريق فيه تصليحات وتراب. الأسئلة هي: الآن أنا ندمان بسبب الشكمان لأني أخذت مالاً ليس من حقي أليس كذلك؟ لا أعرف ما العمل، هل أتصدق بقيمة الشكمان (حيث إني سمعت أنه إذا أعطيت الشركة فأني أعينها على الربا) أم أعطيه للشركة؟ سؤال بسيط: هل تدخل قيمة تصليح البنشر في الأضرار؟ . أحب أوضح نقطة مهمة: أني إلى الآن لم أحسب قيمة القطع التي لم أصلحها فلذلك لا أعرف هل المبلغ زاد أم لا. أعرف أني أطلت في السؤال لكن الله يعينكم وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا السؤال يدل على حرصك واجتهادك في معرفة الحلال والحرام، وخوفك من أخذ المال بغير حق، وهذا من فضل الله عليك وتوفيقه لك، ونسأل الله تعالى أن يفقهك في دينه، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه.
ثانيا:
إذا كان الحادث لم يؤثر على الشكمان تأثيرا ظاهرا، فليس لك أن تدخله في جملة ما يراد تصليحه، لأن التأمين إنما يتحمل ما تم إفساده في الحادث المعين، لا في غيره من الحوادث. فكان مقتضى الصدق والأمانة ألا تذكر إلا ما تضرر في هذا الحادث فقط.
ثالثا:
من وقع عليه حادث من الغير، وتضررت به مركبته فإنه يستحق أمرين:
1- إصلاح ما تضرر من المركبة.
2- أن يأخذ فرق ما بين السيارة السليمة والتي جرى عليها الإصلاح، وهذا يغفل عنه كثير من الناس.
وإذا كانت السيارة تؤجر، فإن الجاني يتحمل أجرتها في مدة الإصلاح؛ لأنه بجنايته عطلها عن العمل والكسب.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/226) : " لا نعلم خلافا في أن المتلف إن كان مثليا ضمن بمثله، وإن كان قيميا ضمن بقيمته. كما لا نعلم خلافا في أن تقدير القيمة يراعى فيه مكان الإتلاف " انتهى.
وفيها أيضا (28/233) : " لا يختلف الفقهاء في ضمان نقص الأموال بسبب الغصب، أو الفعل الضار، أو الإتلاف أو نحوها، سواء أكان ذلك النقص عمدا أم خطأ أم تقصيرا " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ليست المسألة مسألة قطع الغيار، بل قطع غيار وما حصل على السيارة من النقص بسبب الصدمة، وهذا أمر ربما لا يتفطن له كثير من الناس، وكل أحد يعرف الفرق بين قيمة السيارة المصدومة ولو كانت قد صلحت، وبين قيمتها غير مصدومة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وعليه؛ فإن كان ما دفعه التأمين لا يزيد عما تستحقه، فلا يلزمك إرجاع ثمن إصلاح الشكمان إليه، وإن كان قد دفع إليك ما تستحق وزاد ما يقابل إصلاح الشكمان لزمك رد هذه الزيادة إلى الشركة.
رابعا:
إصلاح الإطار الذي تعطل لا يتحمله التأمين، إلا إذا ألزمك بالتصوير في مكان معين به ما ذكرت من التراب والإصلاحات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7104)
حملت منذ 3 أسابيع وزوجها يهددها بالطلاق إن لم تسقط الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مغربية متزوجة عندي ولدان، وسؤالي هو: أنا حامل منذ 3 أسابيع رغم احتياطي لعدم الحمل لطلب زوجي، وفور إعلامي لزوجي بالحمل رفض رفضا تاما هذا الحمل، وهددني بالطلاق إن لم أقم بإجهاض هذا الطفل. أرجو منكم المساعدة وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمع من أهل العلم إلى جواز إسقاط النطفة قبل الأربعين يوماً، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 115954.
وقيده بعضهم بوجود المصلحة أو دفع المضرة، كما جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء ونصه:
" 1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم، أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز " انتهى نقلاً من الفتاوى الجامعة (3/1055) .
وعليه؛ فإذا خشيت أن يطلقك زوجك في حال استمرار الحمل، وكان الزوج جاداًّ في ذلك، فلا حرج عليك في إسقاط الجنين في الأربعين يوماً الأولى من الحمل.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "وبما قدمناه يظهر جواز إلقاء النطفة، ودليله وتعليله واضح.
وأما المدة التي يجوز إلقاء النطفة فيها فهي أربعون يوماً" انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (11/135) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7105)
قتل أبوه رجلا فهل يسعى لعفو الأولياء أم يسكت ليكون القصاص كفارة له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كان بين والدي وأخيه بعض الخلافات عن ممتلكات وغيرها، واستمرت هذه الخلافات ما يقارب السنتين، حتى انتهت بتغلب الشيطان على والدي وقام بقتل أخيه. نحن وأولاد عمي لم نتدخل بأي شكل من الأشكال في خلافاتهم، واستطعنا استيعاب الحادث كي لا تحدث خلافات بيننا بسبب مقتل عمي. واستمرت قضيتهم ما يقارب الخمس سنوات، وقد صدر حاليا حكم محكمة الاستئناف بالإعدام. وعندي بعض الاستفسارات: 1- هل إذا سامح أحد أولاد عمي من الأبناء أو البنات يسقط حكم الإعدام عن والدي أم لا؟ 2- وفي أي حالة يمكننا مساعدة والدي كي يسقط هذا الحكم؟ مع العلم بأننا إلى الآن لم نحاول بتوسيط أي أحد كي يقوم بإقناع أحد أولاد عمي أو أمهم في التنازل والعفو عنه، ومع العلم أني متزوج ابنة عمي "المقتول" رحمه الله. 3- إذا تم سقوط الحكم وعدم تنفيذه كيف يكون الحكم بالنسبة للذنب الذي ارتكبه والدي؟ أي ما هو الواجب على والدي حتى يكسب عفو الله سبحانه وتعالى، ما هو الحل الأنسب له في الآخرة هل تطبيق الحكم أم التوبة - في حالة وجود عفو من أولياء الدم أو أحدهم -؟ . 4- أفكر في حالة تطبيق الحكم أن أقوم بعمل حج لروح والدي، علماً بأنه قد يكون عليه ديون، فهل يجوز لي أن أقوم بعمل الحج عنه بعد مماته وعليه ديون؟ . هل أقوم بالمحاولة لإقناع أولياء الدم بالعفو، وهل هذا سيكون عائقاً في إقامة حد من حدود الله أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القتل العمد كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وفاعلها متوعد بالعقاب الشديد والعذاب الأليم في الآخرة، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/93.
وروى الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
فعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يكثر من الأعمال الصالحة لعل الله أن يعفو عنه، ويرضّي المقتول يوم القيامة فلا يطالبه بحقه.
وذلك أن قتل المؤمن عمدا يتعلق به ثلاثة حقوق: حق الله عز وجل، وحق المقتول، وحق لأولياء المقتول، فإن تاب القاتل توبة نصوحا سقط حق الله، وإن سَلَّم نفسه للأولياء فاقتصوا منه أو أخذوا الدية أو عفوا، سقط حق الأولياء، وبقي حق المقتول، ويُرجى أن يسقطه الله عنه ويعوض المقتول من فضله. كما قال أهل العلم.
وعلى هذا؛ فلا حرج عليكم في السعي في طلب العفو من أولياء المقتول أو بعضهم، لأن حقهم يسقط عن أبيك بالقصاص أو الدية أو العفو.
والذي ينبغي أكثر أن يكون سعيك واجتهادك في توجيه أبيك للتوبة وحثه عليها ولو بطريق غير مباشر، كأن توصي من يدعوه ويوجهه إلى ذلك، فهذا من أعظم البر به، رجاء أن يعفو الله عنه.
ثانياً:
إذا عفا أحد أولياء المقتول عن القصاص، وقبل الدية، أو عفا مجانا، سقط القصاص.
وأولياء المقتول هم ورثته، ذكورا أو إناثا.
"الموسوعة الفقهية" (33/271) .
وإذا كان فيهم صغير انتظر حتى يبلغ، لاحتمال أن يعفو عن القصاص عند بلوغه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/214) : " إذا كان للمقتول أولياء يستحقون القصاص , فمن شرط وجوبه اجتماعهم على طلبه , ولو عفا واحد منهم , سقط كله , وإن كان بعضهم غائبا , أو غير مكلف , لم يكن لشركائه القصاص حتى يقدم الغائب , ويختار القصاص , أو يوكّل , ويبلغ الصبي ويفيق المجنون ويختاراه " انتهى.
والأصل في ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/178، 179.
ثالثاً:
إذا مات الإنسان وعليه دين، فإنه يلزم سداد دينه من تركته، فإن لم يكن له مال، لم يلزم الوارث ذلك، لكن يستحب له أن يقضي دينه برا وإحسانا. وينظر جواب السؤال رقم (43085) .
وكذلك لو مات ولم يحج حج الفريضة مع وجوب الحج عليه في حياته لكونه مستطيعا ماليا، لزم أن يحج عنه من تركته، فإن لم يكن له مال، وتبرع أحد بالحج عنه فحسن.
وقضاء ديون والدك أولى من الحج عنه.
ونسأل الله تعالى أن يتوب على والدك وأن يعفو ويتجاوز عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7106)
حكم إسقاط الجنين قبل الأربعين لئلا يتوالى الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة اكتشفت أنها حامل لأسبوعها الثاني أو الثالث وهي مرضعة لولد في شهره الرابع، هل يجوز لها إسقاط الحمل لما قد يترتب عنه من ضرر لها (لتوالي الحملين بأربعة أشهر) ثم لولدها في فترة الرضاع لكونها ستجبر على إيقاف الرضاع طيلة مدة الحمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل الأربعين، فذهب جماعة من الحنفية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة إلى جوازه.
قال ابن الهمام رحمه الله في "فتح القدير" (3/401) : " وهل يباح الإسقاط بعد الحبل؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه، ثم في غير موضعٍ قالوا: ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما , وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط؛ لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة " انتهى.
وقال الرملي رحمه الله في "نهاية المحتاج" (8/443) : " الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله ".
وفي حاشية قليوبي (4/160) : " نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه خلافا للغزالي ".
وقال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (1/386) : " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. ذكره في الوجيز، وقدمه في الفروع. وقال ابن الجوزي في أحكام النساء: يحرم. وقال في الفروع: وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون: أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح وقال: وله وجه انتهى ".
وقال ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم": ورُوي عن رفاعة بن رافع قال: جلس إليَّ عمر وعليٌّ والزبير وسعد في نفر مِنْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكَروا العزلَ، فقالوا: لا بأس به، فقال رجلٌ: إنَّهم يزعمون أنَّها الموؤدةُ الصُّغرى، فقال علي: لا تكون موؤدةً حتَّى تمرَّ على التَّارات السَّبع: تكون سُلالةً من طين، ثمَّ تكونُ نطفةً، ثم تكونُ علقةً، ثم تكون مضغةً، ثم تكونُ عظاماً، ثم تكون لحماً، ثم تكون خلقاً آخرَ، فقال عمرُ: صدقتَ، أطالَ الله بقاءك. رواه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف".
ثم قال ابن رجب: " وقد صرَّح أصحابنا بأنَّه إذا صار الولدُ علقةً، لم يجز للمرأة إسقاطُه؛ لأنَّه ولدٌ انعقدَ، بخلاف النُّطفة، فإنَّها لم تنعقد بعدُ، وقد لا تنعقدُ ولداً " انتهى.
وذهب المالكية إلى عدم الجواز مطلقا وهو قول لبعض الحنفية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة، قال الدردير في "الشرح الكبير" (2/266) : " لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا " انتهى.
ومن الفقهاء من قَيًّد الجواز بالعذر، وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (2/57) .
وجاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء:
"1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد، أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز" انتهى نقلاً من الفتاوى الجامعة (3/1055) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/450) : "الأصل في حمل المرأة أنه لا يجوز إسقاطه في جميع مراحله إلا لمبرر شرعي، فإن كان الحمل لا يزال نطفة وهو ما له أربعون يوماً فأقل، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر يتوقع حصوله على الأم - جاز إسقاطه في هذه الحالة، ولا يدخل في ذلك الخشية من المشقة في القيام بتربية الأولاد أو عدم القدرة على تكاليفهم أو تربيتهم أو الاكتفاء بعدد معين من الأولاد ونحو ذلك من المبررات الغير شرعية.
أما إن زاد الحمل عن أربعين يوماً حرم إسقاطه، لأنه بعد الأربعين يوماً يكون علقة وهو بداية خلق الإنسان، فلا يجوز إسقاطه بعد بلوغه هذه المرحلة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن في استمرار الحمل خطراً على حياة أمه، وأنه يخشى عليها من الهلاك فيما لو استمر الحمل " انتهى.
والذي يظهر أنه لا حرج من إسقاط الحمل في الصورة المسؤول عنها إذا كان في ذلك ضرر يتوقع حصوله على الأم بتوالي الحمل، أو ضرر حاصل على الرضيع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7107)
صدم بسيارته سيارة أخرى فانقلبت ومضى ولم يعلم هل مات السائق أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أقربائي كان يتجاوز بسيارته سيارة أخرى فاحتكت سيارة قريبي من الخلف بالسيارة الأخرى ولم يستطع سائقها موازنة السيارة فانقلبت ولا يدري قريبي هل هذا الشخص توفي أم أنه بخير، فماذا عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تسبب قريبك في انقلاب سيارة غيره، لزمه ما يترتب على ذلك من ضرر في الأرواح والأموال، فتلزمه:
1- دية من مات بسبب هذا الانقلاب، كما تلزمه الكفارة عن كل نفس، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
2- دية الأعضاء، إن أدى الحادث إلى قطع عضو أو تلفه.
3- تعويض التلف والنقص الحاصل في السيارة بسبب الانقلاب.
وحيث إن قريبك لم يقف وغادر مكان الحادث دون أن يعلم هل توفي سائق السيارة أم لا، ودون أن يعوضه ما تلف من سيارته، فقد أخطأ خطأ ظاهرا، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك، ويندم على ما فعل، وعليه أن يجتهد في معرفة المتضرر، وتعويضه، وفعل ما يلزم من دية أو كفارة، ولعله بمعرفة تاريخ الحادث، والمنطقة التي تم فيها، ومراجعة المسؤولين عن الحوادث والمرور، يتوصل إلى حقيقة ما جرى، ويتمكن من الوصول إلى صاحب السيارة أو ورثته.
وينبغي أن يعلم أن حقوق المخلوقين لابد من أدائها أو التحلل من أصحابها في الدنيا، قبل أن تصير وبالاً عليه في الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) ، رواه البخاري (6534) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7108)
حكم الجناية على الحمل من حيث وجوب الدية والكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل حادث عن طريق الخطأ من السائق على امرأة حامل، فأسقطت الجنين، هل تجب الدية والكفارة على من ارتكب الحادث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما الكفارة فلا تجب إلا إذا كان الجنين قد نفخت فيه الروح، ويكون ذلك بعد تمام مائة وعشرين يوماً من بداية الحمل.
وأما الدية، فتجب الدية كاملة [مائة بعير للذكر، وخمسون بعيراً للأنثى] إذا نزل الجنين بعد ستة أشهر من الحمل، وعاش حياة مستقرة ثم مات بسبب الحادث.
وتكون الدية غُرَّة [عبد أو أمة] ويقدرها العلماء بعشر دية الأم، أي: خمس من الإبل، إذا كانت الأم مسلمةً، تكون غرةً إذا كان ذلك بعد التخليق، ويكون ذلك – غالباً – بعد تسعين يوماً من بداية الحمل.
وقد جمع فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حالات الجناية على الجنين وحكم ذلك من حيث الدية والكفارة، في ورقة مكتوبة بخط يده، قال رحمه الله:
"الجناية على الحمل باعتبار ضمانه وكفارة قتلة، أقسام أربعة:
القسم الأول: ما لا ضمان فيه ولا كفارة، وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يموت مع أمه ولم يخرج منها.
الثانية: أن يخرج مضغة غير مخلقة أو قبل ذلك.
الثالثة: أن يموت في بطن أمه ولم يخرج منها مع بقاء حياتها، ذكره في "المغني" (12/62) . قال: وحُكِي عن الزهري أن عليه غرة، لأن الظاهر أنه قتل الجنين.
القسم الثاني: ما يضمن بغرة ولا كفارة فيه، وله صورة واحدة، وهي أن يخرج مضغة مخلقة قبل نفخ الروح فيه.
القسم الثالث: ما يضمن بغرة مع الكفارة، وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يخرج ميتاً بعد نفخ الروح فيه.
الثانية: أن يخرج حياً لوقت لا يعيش لمثله [أقل من ستة أشهر من بداية الحمل] ثم يموت من الجناية.
الثالثة: أن يخرج حياً لوقت يعيش لمثله ويتحرك حركة اختلاج ونحوها كحركة المذبوح ثم يموت.
القسم الرابع: ما يضمن بدية كاملة مع الكفارة، وله صورة واحدة وهي أن يخرج حياً لوقت يعش لمثله حياة مستقرة، ثم يموت بسبب الجناية" انتهى.
كتبه محمد بن صالح بن عثيمين في 19/5/1414هـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7109)
تشاجر مع زوجته وضرب رأسها بالحائط فماتت
[السُّؤَالُ]
ـ[تشاجر رجل وزوجته بسبب الزوجة الثانية. وفي لحظة غضب أثناء العراك أمسك رأسها وضربها بالحائط ذهبت في غيبوبة عميقة لم تفق على إثرها حتى ماتت. فهل هذا الزوج ملعون؟ أم قد يعفى عنه بسبب عدم نيته في قتلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قام به الزوج من إمساك رأس زوجته وضربها بالحائط، منكر لا يجوز؛ لأن الله تعالى لم يبح ضرب الزوجة على هذا النحو، وإنما رخص في ضرب التأديب بعد الوعظ والهجر على أن يكون ضرباً غير مبرح، لا يترك أثراً، ولا يكسر عضواً، ولا يكون بدافع الانتقام والتشفي وتنفيس الغضب.
ثانياً:
ما فعله الزوج يدخل في القتل شبه العمد، وقد عرفه الجمهور بأنه قصد ضرب الشخص بما لا يقتل غالبا كالسوط والعصا الصغيرة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/116) : "شبه العمد أحد أقسام القتل , وهو أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا ; إما لقصد العدوان عليه , أو لقصد التأديب له , فيسرف فيه , كالضرب بالسوط , والعصا , والحجر الصغير , والوكز باليد , وسائر ما لا يقتل غالبا إذا قتل , فهو شبه عمد ; لأنه قصد الضرب دون القتل , ويسمى عمد الخطإ وخطأ العمد ; لاجتماع العمد والخطإ فيه , فإنه عمد الفعل , وأخطأ في القتل , فهذا لا قَوَد فيه [أي لا قصاص فيه] . والدية على العاقلة , في قول أكثر أهل العلم " انتهى.
ولهذا فالواجب على الزوج أمران:
الأول: الكفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولا يجزئ فيها الإطعام على الراجح؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل علي الصوم بعد سداد الدية وما مقداره؟ وهل هو متتابع أو لا؟ وهل يمكن تجزئته أو الإطعام عنه؟
فأجابت: " تجب عليك كفارة القتل خطأ، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجدها فصم شهرين متتابعين، ولا يصح تجزئة صومهما، ولا يجزئ إطعام المساكين في كفارة القتل خطأ؛ لأنه لم يثبت ذلك في كفارة القتل في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان ربك نسيا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/273) .
والأمر الثاني: الدية، وهي على عاقلة الجاني، إلا أن يعفو عنها ورثة الزوجة.
والعاقلة هم ما يسمونه الآن "العائلة" والمراد منهم الذكور فقط، ولا يدخل فيهم الإناث، فتشمل العائلة: الأب والجد والابن، والإخوة والأعمام وأبناءهم.
ودية المرأة على النصف من دية الرجل، فهي خمسون من الإبل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7110)
صدم كافرا فمات فهل تلزمه الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقود سيارتي وقتلت رجلا ماشيًا كان مخمورًا وهو مشرك ممن يعبدون الأوثان. ساعة الحادث رأيته على الطريق وضربت فرامل بشدة (مع العلم أني كنت مسرعًا فوق الحد المسموح قليلاً) فتراجع للخلف أول مرة لكن لأنه كان سكران تردد وعاد مرة أخرى وخبط في جانب سيارتي بقرب الإطار الخلفي فطار للأعلى وسقط برأسه على الأسفلت فمات في الحال. قال لي إمام: إنه لا يجب عليّ صيام لأن حكم الصوم لو كان الميت مسلمًا. وقال آخر: يجب أن أصوم لأنها نفس. ولقد صمت بالفعل ثلاثة أشهر متتابعات ودفعت تعويضًا لأهله. فضلا ما الحكم الصحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفارة القتل الخطأ هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وليس صيام ثلاثة أشهر، وهذه الكفارة تلزم إذا كان القتيل مسلما، أو كان كافرا معصوم الدم وهو الذمي والمعاهد والمستأمن، وقد سبق بيان ذك في الجواب رقم (33683) .
ولا تلزم الدية والكفارة إلا في حال وقوع الخطأ منك، بتقصيرك وتفريطك في إيقاف السيارة، أو لكونك مسرعا سرعة تمنعك من تفادي الاصطدام.
وما دمت قد صمت، وتصالحت مع أهل القتيل على تعويض، فلا شيء عليك الآن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7111)
صدم رجلا كان مطعونا بسكين وملقى على الطريق السريع ولم يتمكن من تفاديه
[السُّؤَالُ]
ـ[سائق تاكسي صدم رجلا كان ملقى على الطريق السيار فمات ولكن تبين بعد التحقيق أن المصدوم كان قد تعرض للطعن بالخنجر من طرف عصابة أشرار أرادوا قتله وتغطية الجريمة بحادث مرور , يقول السائق إنه رأى الرجل في ظلمة الليل وهو يتحرك ولكن لم يستطع تجنب صدمه رغم محاولته والآن السائق يسأل هل عليه الدية والكفارة؟ مع أنه لا يدري هل الصدمة هي القاتلة أم الطعنات بالسكين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان السائق يسير في حدود السرعة المسموح بها، وكان لا يمكنه تفادي الاصطدام بالرجل مع بذل الوسع في ذلك، فلا إثم عليه، ولا يلزمه دية ولا كفارة، سواء مات الرجل من الصدمة أو من الطعن.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن عام 1414هـ الموافق 1993م، عن الحالات التي يعفى فيها السائق من المسئولية:
" أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.
ب - إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة " مجملة المجمع الفقهي العدد الثامن، الجزء الثاني ص 372.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالته "أحكام حوادث السيارات":
"إذا كان الحادث بسبب من المصاب لا حيلة لقائد السيارة فيه، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: مثل أن تقابله سيارة في خط سيره لا يمكنه الخلاص منها أو يفاجئه شخص برمي نفسه أمامه لا يمكنه تلافي الخطر.
ففي هذه الحال لا ضمان على قائد السيارة، لأن المصاب هو الذي تسبب في قتل نفسه أو إصابته، وعلى قائد السيارة المقابلة الضمان لتعديه بسيره في خط ليس له حق السير فيه" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7112)
اصطدمت سيارته بحفرة عبوة ناسفة فماتت بنته وزوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب من العراق أخذت زوجتي وابنتي الوحيدة إلى أهلها لزيارتهم، وعند رجوعنا كنا في سيارتي وصادفتني حفرة لعبوة ناسفة أدت إلى انقلاب السيارة وحدث لي فقدان الوعي بسب نزف في الدماغ أما ابنتي فقالوا إنها توفيت بعد أقل من ساعة من الحادث وزوجتي توفت تقريبا بعد عشر ساعات من الحادث كما يقولون، أرجو أن توضح لي الأمور التالية: أولاً: هل أعتبر قاتلا لزوجتي وابنتي؟ ثانياً: ما يترتب عليّ في هذه المسألة وما وضعي بالنسبة للميراث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يأجرك على مصابك، وأن يخلف لك خيراً، كما نسأله تعالى أن يطهر أرض العراق - وجميع أراضي المسلمين - من المعتدين الآثمين، وأن ينصر أولياءه، ويذل أعداءه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثانياً:
إذا كنت تسير بسرعة يمكن معها التحكم في توجيه السيارة، ولم تقدر على تفادي هذه الحفرة، فلا شيء عليك لعدم تفريطك، لا كفارة ولا دية.
وإن كنت تسير بسرعة زائدة لا يمكن معها التحكم في السيارة، فيلزمك ديتان وكفارتان للقتل الخطأ: لزوجتك وابنتك؛ لأنك أخطأت وتسببت في موتهما.
فمدار المسألة على التفريط وعدمه، والتفريط يكون بالسرعة الزائدة، وبعدم الاهتمام بحالة السيارة وجودة مكابحها وإطاراتها، أو بالإفراط في السهر وترك النوم، ونحو ذلك مما يكون سببا في وقوع الحوادث.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالته "أحكام حوادث السيارات": "إذا تصرف قائد السيارة تصرفاً يريد به السلامة من الخطر، وذلك على سبيل المثال لا الحصر: مثل أن يقابله ما يخشى الضرر باصطدامه به، أو يخرج عليه من اليمين أو الشمال على وجه لا يتمكن فيه من الوقوف فينحرف لتفادي الخطر فيحصل الحادث، أو يصل إلى حفرة عميقة لم يشعر بها فيحرف السيارة عنها فيحصل الحادث، ففي هذه الحالة لا يترتب عليه شيء من وجوب كفارة أو ضمان، لأنه أمين قائم بما يجب عليه من محاولة تلافي الخطر، فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل" انتهى بتصرف.
ثالثاً:
إذا وجد التفريط، لزم المفرط أمران: الدية والكفارة، لكل من مات معه. لكن إن تنازل الورثة عن الدية، سقطت عنه، وأما الكفارة فلا تسقط.
وليس للورثة أن يتنازلوا عن الدية في حال كون المقتول عليه ديون، أو له ورثة قصّر، بل يُقضى دينه من الدية، ويتنازل الوارث البالغ الرشيد عن نصيبه من الدية إن شاء، ويبقى حق القاصر. وينظر: "الشرح الممتع" (11/321) .
وكفارة القتل هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) ثم قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ) النساء/92.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7113)
أمر الزاني بالزواج من الزانية وإجهاض الجنين فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي أشار على ابن أخيه بإجهاض الحمل التي حملت به زوجته منه بالحرام، وكان في حدود الشهرين في بطنها أو أكثر أو أقل.. فتمت العملية وأُجهض الجنين ثم طلقها..السؤال: هل يتبوأ والدي بذنب الطفل المقتول رغم أنه يعلم أن ذلك حرام ولكنه لم يرد أن يحتفظ بجنين تعير به العائلة.الآن ذكرت والدي بالقضية التي حدثت منذ زمن طويل وقال لي إنه يشعر بالذنب وأقر بخطئه لكنه لا يعرف ماذا يفعل وما كفارة هذا الفعل؟ وهل يُعتبر هو القاتل لأنه أجبر ابن أخيه وألزمه وكان مصراً على إجهاض الجنين؟ ملاحظة: والدي كبير في السن ومصاب بالضغط والسكر وجلطة في القلب ولا يستطيع الصوم إذا كانت كفارة ذلك الصوم فهو لا يستطيع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أسقطت الحامل جنينها بشرب دواء أو نحوه، بعد أن تم له أربعة أشهر، ففيه الدية باتفاق العلماء، والكفارة عند بعضهم.
والدية هنا: غُرّة، عبد أو أمة، فإن لم توجد، فقدرها من الإبل: خَمْسٌ، لأن دية الجنين عشر دية أمه، ومعلوم أن دية الحرة المسلمة خمسون من الإبل، فتكون دية الجنين خمسا من الإبل.
وهذه الدية تلزم كل من باشر إسقاط الجنين، فيشترك فيها الطبيب والمرأة إذا أخذت دواء يساعد على الإسقاط، وتدفع الدية إلى ورثة الجنين؛ إلا أن قاتله لا يأخذ منها شيئا.
ودليل ذلك ما روى البخاري (6910) ومسلم (1681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا: غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا) .
وأما الكفارة، فقد ذهب إلى وجوبها الشافعية والحنابلة.
وكفارة القتل: عتق رقبة، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين.
وإذا كان الإجهاض قبل أربعة أشهر، فهو محرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (42321) إلا أنه لا كفارة فيه ولا دية، لأنه لم تنفخ فيه الروح.
ثانيا:
إذا اجتمع في الحادثة آمر ومباشر، كالرجل يأمر الطبيب بإجراء عملية الإجهاض، أو يأمر المرأة بشرب الدواء، فالضمان (الدية والكفارة) يكون على المباشر، لا على الآمر. انظر: "مطالب أولي النهى" (6/50) .
وبهذا يتبين أن والدك لا يلزمه شيء غير التوبة، فإن الدلالة على الإجهاض والأمر به منكر ظاهر، فعليه التوبة إلى الله، والندم على ما فعل، والإكثار من الأعمال الصالحة من الصدقة وغيرها، لعل الله تعالى يتوب عليه، فإن الله تعالى قال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7114)
القاتل خطأ هل يرث من المقتول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قتل أخاه خطأ بحادث سيارة، فهل يرث منه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القاتل المتعمد لا يرث المقتول، وهذا محل إجماع بين العلماء؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْقَاتِلُ لا يَرِثُ) رواه الترمذي (2109) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1713) . وقال الترمذي عقبه: " ... وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ لا يَرِثُ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَإِنَّهُ يَرِثُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ " انتهى.
وأما القاتل خطأ ففيه خلاف، ورجح بعض أهل العلم أنه يرث المقتول، لكن لا يرث من ديته – في حال دفع الدية – وإنما يرث من بقية تركته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القول الراجح في مسألة القتل: أنه إذا تعمد الوارث قتل مورثه عمدا لا شك فيه، فإنه لا يرث. وإن كان خطأ فإنه يرث، ولكن هل يرث من الدية التي سيبذلها؟ لا يرث؛ لأن الدية غرم عليه، وقد جاء في حديث رواه ابن ماجه: (أنه يرث من تلاد ماله) يعني قديمه، فيرث من المال، لا من الدية " انتهى من "الشرح الممتع" (11/321) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7115)
أخذ الدية بدلاً عن القصاص في القتل العمد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القتل العمد يقبل فيه دية؟ وهل القاتل يطلق سراحه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة/178.
قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "يمتن الله تعالى على عباده المؤمنين بأنه فرض عليهم القصاص في القتلى، أي المساواة فيه، وأن يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول، إقامةً للعدل والقسط بين العباد" انتهى.
والقصاص بقتل القاتل لا يكون إلا في القتل العمد بإجماع العلماء، قال ابن قدامة في "المغني" (8/214) : "أجمع العلماء على أن القَوَد (القصاص) لا يجب إلا بالعمد , ولا نعلم بينهم في وجوبه بالقتل العمد إذا اجتمعت شروطه خلافا , وقد دلت عليه الآيات والأخبار بعمومها , فقال الله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) . وقال تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى) . وقال تعالى: (ولكم في القصاص حياة) . يريد - والله أعلم - أن وجوب القصاص يمنع من يريد القتل منه , شفقة على نفسه من القتل , فتبقى الحياة في من أريد قتله. وقيل: إن القاتل تنعقد العداوة بينه وبين قبيلة المقتول , فيريد قتلهم خوفا منهم. ويريدون قتله وقتل قبيلته استيفاء , ففي الاقتصاص منه بحكم الشرع قطع لسبب الهلاك بين القبيلتين. وقال الله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) . الآية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل له قتيل , فهو بخير النظرين: إما أن يقتل , وإما أن يُفْدَى) . متفق عليه. وروى أبو شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصيب بدم , أو خبل , فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه: أن يقتل , أو يعفو , أو يأخذ الدية) . رواه أبو داود. وفي لفظ: (فمن قتل له بعد مقالتي قتيل , فأهله بين خيرتين: أن يأخذوا الدية , أو يقتلوا) . وقال عليه السلام: (العمد قود , إلا أن يعفو ولي المقتول) . – والقَوَد هو القصاص – " انتهى.
ولم يقع نزاع بين العلماء في صحة عفو أولياء الدم عن القصاص إلي الدية، وهو ما دلت عليه الأحاديث السابقة.
وحينئذ يطلق سراح الجاني ويُلزم بدفع الدية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7116)
أسقطت الجنين في الشهر الأول كراهة لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لزوجتي صديقة حديثة الزواج، ولم يشأ الله سبحانه وتعالى لهذا الزواج أن يدوم، وبعد فترة من الزمن قرر الزوجان الانفصال، وقبل أن ينفصلا اتضح أن الزوجة حامل في شهرها الأول (تقريباً) ، وقامت الزوجة هداها الله بإجهاض الجنين بحجة أنها لا تريد أبناءً من هذا الزوج أو أي شيء يربطها به، علماً بأنها لا تعاني من أي مرض، وزوجها خلوق جداً ولم يقصر عليها بشيء ولله الحمد، وبعدما تبين للزوج فعلتها قام بطلاقها ولم يسامحها على فعلتها وقال لها: أنا غير راض عن فعلتك ولن أسامحك عليها، وطلقها وأرسل ورقة الطلاق لها. ما حكم فعلتها؟ وما كفارتها؟ والواجب تجاهها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل مرور أربعين يوما على الحمل، وقبل نفخ الروح في الجنين، فذهب جماعة من الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة إلى جوازه، قال ابن الهمام في "فتح القدير" (3/401) : " وهل يباح الإسقاط بعد الحبل؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه، ثم في غير موضع , قالوا: ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما , وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط، لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة " انتهى.
وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (8/443) : " الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله ".
وفي حاشية قليوبي (4/160) : " نعم يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه، خلافاً للغزالي".
وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/386) : " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. ذكره في الوجيز، وقدمه في الفروع. وقال ابن الجوزي في أحكام النساء: يحرم. وقال في الفروع: وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون: أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح وقال: وله وجه انتهى ".
وذهب المالكية إلى عدم الجواز مطلقا وهو قول لبعض الحنفية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة، قال الدردير في "الشرح الكبير" (2/266) : " لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا ".
وقد اختار هذا القول مجلس هيئة كبار العلماء، فجاء في قرار المجلس:
" 1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز " انتهى.
ثانيا:
على كلا القولين ـ الجواز أو التحريم ـ فهذه الزوجة فعلت شيئا محرما لأنها إنما فعلت ذلك بدون إذن الزوج ورضاه، فيجب عليها التوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فعلت، وليس عليها كفارة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7117)
ماذا يلزم الطبيب إذا مات المريض أثناء العملية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للأطباء الذين يجرون العمليات، لو فرضنا وفاة أحد المرضى بين أيديهم وهم يجرون العملية بسبب هذه العملية؛ ألا يلحقهم في ذلك شيء أو يلزمهم كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا حصل منهم تفريط نتج عنه وفاة الشخص، أو كان الطبيب لا يحسن إجراء العملية؛ فإنه في هذا يكون عليه مسؤولية، يكون عليه الكفارة والدية أيضًا على عاقلته؛ (أقاربه الذكور من جهة الأب) لأن هذا يعتبر من قتل الخطأ، أما إذا كان الطبيب مثلاً خبيرًا بإجراء العملية، وحالة المريض تتحمل هذا الشيء، ولم يحصل تفريط؛ فإنه لا حرج عليهم في ذلك، وليس عليهم ضمان ولا كفارة ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 280)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7118)
هل له أن يقتل من أراد أخذ ماله بالقوة
[السُّؤَالُ]
ـ[خرج عليَّ رجل مسلم، وأراد أن يأخذ منى مالي بالقوة، وأراد أن يقتلني، وأتيحت لي الفرصة كي أقتله؛ ما حكم الدين في ذلك إن قتلته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اعتُدي عليه وأريد أخذ ماله، فله أن يدفع عن نفسه، بأيسر طريق ممكن، ولو أدى ذلك إلى قتل المعتدي، لكنه لا يقصد القتل ابتداء.
وقد دل على ذلك ما رواه مسلم (140) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " فَفِيهِ جَوَاز قَتْل الْقَاصِد لِأَخْذِ الْمَال بِغَيْرِ حَقّ سَوَاء كَانَ الْمَال قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِعُمُومِ الْحَدِيث. وَهَذَا قَوْلٌ لِجَمَاهِير الْعُلَمَاء. وَقَالَ بَعْض أَصْحَاب مَالِك لَا يَجُوز قَتْله إِذَا طَلَبَ شَيْئًا يَسِيرًا، كَالثَّوْبِ وَالطَّعَام؛ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالصَّوَاب مَا قَالَهُ الْجَمَاهِير. وَأَمَّا الْمُدَافَعَة عَنْ الْحَرِيم فَوَاجِبَة بِلَا خِلَاف. وَفِي الْمُدَافَعَة عَنْ النَّفْس بِالْقَتْلِ خِلَاف فِي مَذْهَبنَا وَمَذْهَب غَيْرنَا. وَالْمُدَافَعَة عَنْ الْمَال جَائِزَة غَيْر وَاجِبَة وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلَا تُعْطِهِ) فَمَعْنَاهُ لَا يَلْزَمك أَنْ تُعْطِيَهُ وَلَيْسَ الْمُرَاد تَحْرِيم الْإِعْطَاء " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (32/318) تحت عنوان: القتال دفاعا عن العرض والنفس والمال: " إذَا تَعَرَّضَ شَخْصٌ لِإِنْسَانٍ يُرِيدُ الِاعْتِدَاءَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ بِأَسْهَلِ طَرِيقَةٍ مُمْكِنَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ إلَّا بِالْقِتَالِ قَاتَلَهُ , فَإِنْ قُتِلَ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَإِنْ قُتِلَ الْمُعْتَدِي فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ ... ". اهـ وهذا تلخيص مذاهب الفقهاء، من حيث الجملة، ولهم ـ بعد ذلك ـ تفاصيل فيما يتعلق بالدفع عن النفس أو العرض أو المال من أحكام.
ومعنى الدفع بالأيسر: أنه إن اندفع المعتدي بالقول، لم يجز الضرب، وإن لم يندفع بالقول جاز أن يضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به، فإن ظن أن يندفع بضرب عصا لم يكن له ضربه بحديدة، وإن ولى هاربا لم يكن له قتله ولا اتباعه، وإن ضربه فعطله لم يكن له أن يثنّي عليه، فإن خاف أن يبادره الصائل بالقتل، فله أن يضربه بما يقتله ويقطع طرفه. ينظر: "كشاف القناع" (6/154) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الآدمي لو صال على آدمي آخر ليقتله أو يأخذ ماله أو يهتك عرضه ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله. فإن قال قائل: ما هو الدليل في مسألة الآدمي؟ الدليل: أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً سأله وقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يطلب مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد) لكن بشرط: ألا يندفع إلا بالقتل، أما إذا كان يندفع بدون القتل فإنه لا يجوز أن تقتله، كما لو كنت أقوى منه، وتستطيع أن تمسك به وتأسره وتسلم من شره لا يجوز لك أن تقتله، لأنه يدفع بالأسهل فالأسهل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (82/12) بتصرف يسير.
ومع هذا التفصيل الذي يذكره الفقهاء ينبغي أن تُراعى مسألة أخرى، وهي المفسدة التي قد تترتب على ضرب المعتدي أو قتله، في حال عدم التمكن من إثبات الاعتداء، مما قد يعرض الإنسان للسجن أو العقوبة، أو المفسدة التي قد تنشأ بسبب ثأر المجرم أو ورثته. فقد يكون دفع المال هو أهون الشرّين في بعض الأحيان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7119)
ادَّعت أنها حامل بولد منه فأجهضت ودفع التكاليف
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق ادَّعت علية فتاة سيئة السمعة والأفعال أنها حامل، وهذا الحمل منه هو، وهو متزوج ولديه طفلة صغيرة، وهو يقسم أنه لم يباشرها مباشرة الأزواج , وإن كان هناك بعض الأفعال بينهم التي لم ترق إلى المباشرة الفعلية كالأزواج، ولكنها صممت أنه والد الطفل الحامل فيه، وكان الحل أن ذهبت إلى طبيبٍ لإجهاض هذا الطفل، وبسبب خوفه من الفضيحة التي يمكن أن تسببها هذه الفتاة - وهو متزوج ولديه طفلة كما ذكرت - قام بدفع تكاليف عملية الإجهاض , وتبيَّن أنها كانت حاملاً في طفل عمره ثلاثة شهور إلا ستة أيام، وهو نادم جدّاً على ما فعله، وعلى المساعدة في دفع تكاليف عملية الإجهاض التي لم يكن سبباً فيها.
والسؤال هو:
ما هو حكم الشرع في هذا الفعل؟ وكيف يتوب من هذا الفعل؟ وهل يعتبر مشاركاً في عملية قتل؟ وكيف الخلاص والتوبة إلى الله من هذا الذي حدث؟ وماذا كان يفعل شرعاً عند ادِّعاء هذه الفتاة بأنه والد الطفل الذي هي حامل فيه؟ أريد الإجابة شافية، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2.
وإن صديقك لم يتق الله فلم يجعل له مخرجا، حيث إنك تقول إنه باشر تلك المرأة، ولكنه لم يباشرها مباشرة الأزواج، فهذا التساهل والجرأة على فعل الحرام مع تلك المرأة، هو الذي أوقعه في الجريمة الثانية (الإجهاض) ، وجعله عاجزا عن دفع التهمة عن نفسه، والوقوف بقوة في وجه تلك المرأة، لأنه يعلم من نفسه أنه ليس عفيفاً، ولم يمنع نفسه من الحرام، مع أن الله قد مَنَّ عليه وأنعم عليه بالزوجة الحلال، وكيف يليق بعاقل أن يترك لحما طيبا بأكله حلالاً، ويذهب إلى لحم ميتة يتلذذ بأكله!
لو كان صديقك عف نفسه عن الحرام لجعل الله له مخرجا، ولكنه تجرأ على حرمات الله فعوقب بالوقوع في معصية أخرى، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة المعصية المعصية بعدها، كما أن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها.
ثانيا:
مازال في صديقك بقية خير، يدل على ذلك ندمه على ما فات وحرصه على التوبة، فليعلم أن التوبة لا تكون صحيحة مقبولة إلا إذا توفر فيها ثلاثة شروط:
الأول: الندم على ما فعل.
الثاني: الإقلاع عن المعصية، فلابد من قطع العلاقة نهائيا بتلك الفاجرة، والعجيب أنك تذكر أن صاحبك له طفلة، فهل يرضى هذا لابنته؟ فكذلك الناس كلهم لا يرضون هذا لبناتهم.
فلا توبة له وهو مستمر في علاقته مع تلك المرأة أو غيرها.
الثالث: العزم الأكبر على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى، فيعزم على العفة عن الحرام وصون نفسه وأهله، وليحذر أنه قد يبتلى في أقرب الناس إليه عقوبة على فعله.
كما قيل:
من زنى في بيت بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم.
وعليه أن يجتهد في الطاعات، فيحافظ على الصلوات جماعة في المسجد إن كان متهاونا بها، وعليه بكثرة قراءة القرآن الكريم، وحضور مجالس العلم، والإكثار من الصدقة بالمال.
فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وليجعل هذه المعصية بداية خير له، بإقباله على الله، وابتعاده عن معصيته، فإن كثيراً من الناس قد يكونون بعد المعصية والتوبة خيراً من حالهم قبلها، وذلك إذا أحسنوا التوبة واجتهدوا في إصلاح أنفسهم.
والله تعالى الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7120)
هل على حارس الحدود كفارة إذا قتل أحد المهربين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على رجل حرس الحدود كفارة صيام شهرين إذا ما قتل أحد المهربين أثناء تبادل لإطلاق النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شيء عليه، لا كفارة، ولا دية، لأنه قتله دفعاً لشره، ودفاعاً عن النفس.
قال ابن قدامة في المغني (9/152) : " وكل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه , فحكمه ما ذكرنا فيمن دخل منزله , في دفعهم بأسهل ما يمكن دفعهم به , فإن كان بينه وبينهم نهر كبير , أو خندق , أو حصن لا يقدرون على اقتحامه , فليس له رميهم , وإن لم يمكن إلا بقتالهم , فله قتالهم وقتلهم. قال أحمد , في اللصوص يريدون نفسك ومالك: قاتلهم تمنع نفسك ومالك. وقال عطاء , في المحرم يلقى اللصوص , قال: يقاتلهم أشد القتال. وقال ابن سيرين: ما أعلم أحدا ترك قتال الحرورية واللصوص تأثما , إلا أن يجبن. وقال الصلت بن طريف: قلت للحسن: إني أخرج في هذه الوجوه , أخوف شيء عندي يلقاني المصلون يعرضون لي في مالي , فإن كففت يدي ذهبوا بمالي , وإن قاتلت المصلي ففيه ما قد علمت؟ قال: أي بني , من عرض لك في مالك , فإن قتلته فإلى النار , وإن قتلك فشهيد. ونحو ذلك عن أنس والشعبي والنخعي. وقال أحمد في امرأة أرادها رجل على نفسها , فقتلته لتحصن نفسها , فقال: إذا علمت أنه لا يريد إلا نفسها , فقتلته لتدفع عن نفسها , فلا شيء عليها. وذكر حديثا يرويه الزهري عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير أن رجلا أضاف ناسا من هذيل , فأراد امرأة على نفسها , فرمته بحجر فقتلته , فقال عمر: والله لا يودى أبدا (أي ليس له دية) . ولأنه إذا جاز الدفع عن ماله الذي يجوز بذله وإباحته , فدفع المرأة عن نفسها وصيانتها عن الفاحشة التي لا تباح بحال أولى " انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف (6/243) : " ومن صال عليه آدمي , أو غيره. فقتله دفعا عن نفسه: لم يضمنه. هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7121)
من مات بسبب السرعة الزائدة هل يعد منتحراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسرع على الخط السريع أثناء السفر عن طريق البر.. هل يعتبر من يتوفى جراء السرعة على الخط السريع يعتبر منتحراً؟ وما حكم من يتوفى بسبب السرعة أثناء نقل حالة طارئة إلى المستشفى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
السرعة الزائدة ليست محمودة، لما يترتب عليها من حوادث ومخاطر، ولهذا شدد أهل العلم في شأنها، واعتبروا أن الزيادة على السرعة المحددة يعتبر تفريطا من السائق، فيضمن ما تلف بسبب ذلك من نفس أو مال، والقتل المترتب على ذلك يندرج تحت القتل الخطأ، تلزم فيه الدية والكفارة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: شخص توفي بسبب حادث سيارة من السرعة الزائدة، هل يقال: إن هذا باب من أبواب الانتحار؟
فأجاب: " لا، هذا ليس بانتحار، لكنه قتل نفسه خطأً، إذا كانت السرعة هذه هي سبب الحادث فقد قتل نفسه خطأً، لأنه لو سُئل: هل أنت أسرعت لتموت؟ لقال: لا، فهذا ليس بمنتحر، ولكن يقال: إنه قتل نفسه خطأ " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (73/19) .
ثانيا:
قيام الإنسان بنقل المصاب والمريض إلى المستشفى، عمل صالح، يؤجر ويثاب عليه، لكن ينبغي أن لا يجلب الضرر على نفسه أو على المصاب، بسبب السرعة الزائدة، أو تجاوز إشارات المرور، وقد يؤدي ذلك إلى حصول ما يكون سببا في تأخر وصول المريض للمستشفى.
ومن مات بسبب هذه السرعة، فنسأل الله أن يعفو عنه، وأن يأجره على نيته الحسنة، ولا يعتبر ذلك انتحاراً لأنه لم يتعمد قتل نفسه، وإنما كان قصده الإحسان بالإسراع بنقل المريض إلى المستشفى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإٍسلام سؤال وجواب(5/7122)
إسقاط الجنين قبل الأربعين بسبب الظروف النفسية والاجتماعية
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت قبل ثلاثة أشهر وكنت أود السفر بعد زواجي مباشرة إلى الخارج للدراسة ومعي زوجتي وحصلت لي ظروف منعتني من السفر. وأنا الآن أبحث عن وظيفة وأريد إعداد مسكن لي ولزوجتي. وتبين لي الآن أن زوجتي حامل. سؤالي هو هل يجوز إسقاط ذلك لغرض تأجيل الحمل وليس خوفاً من عدم القدرة على النفقة؟ علماً بأنه لم يمر أكثر من شهر على الحمل وليس لدي مسكن خاص ولا وظيفة. وأحتاج إلى وقت لكي أعد ذلك. ولم أعش مع زوجتي الاستقرار النفسي والحسي في خصوصية تامة لأن معظم وقتنا ونحن في بيت أهلها. أريد الاستقرار والتفاهم والاتصال جيداً مع زوجتي أولاً. وأريد من زوجتي الاستعداد لبيتها الجديد وإدارته وتعلم الطبخ لأنها لا تجيد الطبخ. كل هذا لن يحدث بسبب الحمل لأن الحمل متعب بالنسبة للمرأة وأنا أرى في هذه الحالة أن الحمل قد يقود إلى ظهور مشاكل بيني وبين زوجتي وعدم وجود الراحة النفسية. وقد قرأت عن إباحة الإسقاط قبل مضي أربعين يوماً على الحمل بدون عذر من بعض المذاهب فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ذهب جمع من أهل العلم إلى إباحة إسقاط النطفة قبل الأربعين، وذهب آخرون إلى تحريم ذلك.
ومن أقوال المجيزين: ما قاله ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (3/401) : " وهل يباح الإسقاط بعد الحبل؟ يباح، ما لم يتخلق شيء منه ".
ويحتمل أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وذلك يكون بعد تمام مائة وعشرين يوما على الحمل، ويحتمل أنهم أرادوا التخليق وإن لم تنفخ فيه الروح، وذلك لا يكون قبل ثمانين يوماً من بداية الحمل، والغالب أنه يكون عند التسعين.
وفي حاشية قليوبي وعميرة (شافعي) (4/160) : " نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه، خلافا للغزالي " انتهى.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (حنبلي) (1/386) : " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. ذكره في الوجيز، وقدمه في الفروع. وقال ابن الجوزي في أحكام النساء: يحرم. وقال في الفروع: وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون: أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح. قال: وله وجه. انتهى. وقال الشيخ تقي الدين: والأحوط أن المرأة لا تستعمل دواء يمنع نفوذ المني في مجاري الحبل " انتهى.
ومن أقوال المانعين: قول الدردير في شرحه على خليل (مالكي) (2/266) : "ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا" انتهى.
وقال الرملي في نهاية المحتاج (شافعي) (8/442) : " وقال المحب الطبري: اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قيل: لا يثبت لها حكم السقط والوأد , وقيل: لها حرمة، ولا يباح إفسادها، ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم , بخلاف العزل فإنه قبل حصولها فيه ... وقد أشار الغزالي إلى هذه المسألة في الإحياء فقال بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى ما حاصله: وليس هذا كالإجهاض والوأد لأنه جناية على موجود حاصل , فأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة، فإفسادها جناية , فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش , فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشاً , ثم قال: ويبعد الحكم بعدم تحريمه " انتهى.
والحاصل أن الفقهاء مختلفون في هذه المسألة، وعليه فلا ينبغي الإقدام على شيء من ذلك إلا لعذر، براءة للذمة، واحتياطا للدين.
وثمة أمر آخر لا ينبغي أن تغفل عنه، وهو إدراك نعمة الله تعالى وفضله في إعطاء الولد، وهذه النعمة ينبغي أن تقابل بالفرح والشكر والرضا، ولا يدري الإنسان إن هو أعرض عن هذه النعمة، هل تعود له بعد ذلك أو لا؟
ولهذا فنصيحتنا لك هي الإبقاء على الحمل، وتهيئة النفس لذلك، واستشعار نعمة الله فيه، ولعله يكون بابا لسعة الرزق، المادي والمعنوي، ومنه الاستقرار النفسي، والتوافق الزوجي، فإن اخترت الأمر الآخر، فليكن بعد استخارة الله تعالى، فإن الإنسان لا يدري أين الخير. ويشترط لذلك رضا الزوجة؛ لأن لها حقا في الولد، وقد قرر الفقهاء أن الرجل لا يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7123)
إذا كانت الزوجة مريضة لا تتحمل مشقة الحمل فهل تسقط الجنين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت بزوجتي إلى الطبيبة وأثبتت بأنها حامل مند شهر وثمانية أيام. وكنا قد اتفقنا على عدم الولادة لمدة معينة لأن زوجتي مريضة لا تتحمل مشقة الحمل. فهل يجوز إسقاط الحمل أم لا؟ علما بأننا اتفقنا على عدم الولادة لمدة معينة فقط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الزوجة مريضة لا تتحمل مشقة الحمل، فيجوز إسقاط الجنين في الأربعين يوماً الأولى للحمل، على ما ذهب إليه جمع من أهل العلم.
فقد جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء:
" 1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز.
3- لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة (وهي الأربعون يوماً الثانية والثالثة) حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره، جاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
4- بعد الطور الثالث، وبعد إكمال أربعة أشهر لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإبقاء حياته، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلبا لعظمى المصلحتين " انتهى من "الفتاوى الجامعة" (3/1056) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7124)
حكم الإجهاض وطلاق الحامل والتضييق على الزوجة لتتنازل عن حقها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في: زوج حاول إجهاض زوجته في شهرها الثاني لرغبته في تطليقها بإعطائها دواء لذلك رغماً عنها إلا أنه لم يتم إجهاضها؟ وهل ذلك حلال أم حرام؟ وما هي كفارة ذلك العمل؟ وهل يجوز تطليق الزوجة وهى حامل؟ وما الحكم أيضاً في إجبار الزوجة في التنازل عن حقوقها قبل طلاقها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز سواء نفخت في الروح أم لا، غير أنه بعد نفخ الروح فيه تحريمه أشد ومن أمرها زوجها بالإجهاض فلا يحل لها أن تطيعه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
أما السعي لإسقاط الحمل فلا يجوز ذلك ما لم يتحقق موته فإن تحقق ذلك جاز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (11 / 151) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه. والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل.
وكونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذراً لإسقاط الحمل.
ثانيًا: إذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضته بعد ذلك ومات: فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية: فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها.
" المنتقى " (5 / 301، 302) . باختصار.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحمه الله -:
عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإثم عليَّ، فإذا فعلتْ هذا وسمعتْ منه، فما يجب عليهما من الكفارة؟ .
فأجاب:
إن فعلتْ ذلك: فعليهما كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين وعليهما غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ لوارثه الذي لم يقتله، لا للأب فإن الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئًا.
وقوله (غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ) هذه هي دية الجنين، قيمة عبدٍ أو أمة ٍ. ويقدرها العلماء بعشر دية الأم.
وقد سبق ذِكر حكم الإجهاض في أكثر من جواب فانظر: (13317) و (42321) و (12733)
ثانياً:
وأما طلاق الحامل فهو طلاق سنة، وقد انتشر بين كثير من العامة أنه مخالف للسنة، وقولهم لا أصل له ولا دليل عليه.
وقد روى مسلم (1471) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) .
قال ابن عبد البر:
وأما الحامل فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنة من أول الحمل إلى آخره لأن عدتها أن تضع حملها وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهرا أو حاملا ولم يخص أول الحمل من آخره.
" التمهيد " (15 / 80) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم (12287) .
ثالثاً:
لا يحل للزوج أن يأخذ شيئًا من مال زوجته شيئاً إلا إذا طابت به نفسها ومنه مال مهرها إلا إن جاءت بفاحشة مبينة؛ لقول الله عز وجل: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا) [النساء / 4] ؛ ولقوله عز وجل: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] .
قال ابن قدامة:
وأجمعوا على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قِبَلها، وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قِبَله وخالعتْه: فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل له ما صنع ولا يجبر على رد ما أخذه!
قال ابن المنذر: وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أجمع عليه عامة أهل العلم.
" المغني " (3 / 137) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/283) :
فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيِّق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة: كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله، وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو فيعينونه عليه، فإن تبيَّن لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه: فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه. اهـ.
ومعنى الفاحشة المبينة المذكورة في قوله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] الزنا وعدم الفقه، وسوء العشرة، كالكلام الفاحش وأذيتها لزوجها.
انظر تفسير السعدي ص242ـ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7125)
حكم الإضراب عن الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الامتناع عن الطعام لمدة محدودة أو غير محدودة , خاصة في السجن , حيث إن الامتناع عن الطعام هو الوسيلة الوحيدة أمام السجين للمناداة بحقوقه الإنسانية داخل السجن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الامتناع عن الطعام من أجل الاحتجاج إذا كان يضره أو يتسبب في هلاكه فإنه لا يجوز , لقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة/195. وقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النساء/29. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) .
أما إذا كان الامتناع عن الطعام لا يضره , وهو يؤدي إلى غرض مباح فلا بأس به، إذا كان مظلوماً ويريد أن يتخلص به من الظلم " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان حفظه الله" (3/349) .(5/7126)
أسقط الأطباء الجنين دون علمها خوفا على حياتها
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي قبل خمسة أعوام حملت وفي الشهر الخامس من الحمل تعرضت لنزول المياه التي حول الجنين وتعبت.. وعند عرضها على الطبيب قرر إنزال الجنين لأنه ضعيف وقال إن بقاءه سيسبب الوفاة له ويتحلل مما يسبب تسمما لوالدتي وتعرضها للخطر. والدتي رفضت بشدة لأنها تعلم حرمة ذلك وطالبت بتغيير الطبيب وكان رأي الطبيب الثاني نفس رأي الطبيب الأول وعند رفضها أجبروها على البقاء بالمستشفى ولم يسمحوا لها بالخروج منه واطلعت عليها لجنة من الأطباء وأصروا على إجراء العملية وإنزال الجنين وقالوا بأنهم من يتحمل المسؤولية والطفل بذمتهم حسب قولهم. وفي أحد الأيام وبسبب رفض والدتي الشديد لعمل العملية نقلوها لغرفة العمليات بحجة إجراء أشعة تلفزيونية للتأكد من حالة الجنين ولكن تم إجراء العملية لها وأنزل الأطباء الجنين وهي حتى الآن وحسب قولها لا تعلم هل كان الجنين وقت العملية حيا أو ميتا لأنهم أجروا لها العملية دون عمل الفحوصات لها أو لنبض الجنين ... سؤال والدتي: هل تتحمل ذنبا فيما حصل من إنزال للجنين وهي بالشهر الخامس من الحمل مع عدم رضاها بذلك وإن كانت كذلك فما هي كفارتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا يلحق والدتك إثم – لو فرض وجود الإثم هنا – لعدم رضاها، ولأن العملية أجريت بدون علمها.
ثانيا:
إذا قرر الأطباء الثقات أن بقاء الجنين فيه خطر على حياة الأم، جاز إسقاطه، ولو بعد نفخ الروح فيه.
جاء في كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم عامر:
" أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية من السنة، على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح - أي بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ التلقيح - ولا يجوز قتله بأي حال من الأحوال إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم ...
وهكذا يتبين لنا أن الإجهاض بعد نفخ الروح، هو جريمة لا يجوز الإقدام عليها إلا في حالة الضرورة القصوى المتيقنة لا المتوهمة، وإذا ثبتت هذه الضرورة، وهي ما إذا كان بقاء الجنين خطراً على حياة الأم، علماً أنه مع تقدم الوسائل الطبية الحديثة، والإمكانيات العلمية المادية المتوفرة الآن، أصبح الإجهاض لإنقاذ حياة الأم أمراً نادر الحدوث جداً " انتهى.
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي: " إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما، لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوها أم لا، دفعا لأعظم الضررين " انتهى.
كما صدر قرار مجلس هيئة كبار العلماء ببلاد الحرمين الشريفين، وجاء فيه:
" بعد إكمال الأربعة أشهر لا يحل إسقاط الجنين حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإبقاء حياته، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلباً لعظمى المصلحتين " انتهى، نقلاً من الفتاوى الجامعة (3/1055) .
وانظري: جواب السؤال رقم (42321) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7127)
هل له أن يأخذ مالاً مقابل ضربه وإهانته أمام الناس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتاني مال نتيجة ضربي بالحذاء أمام جمع كبير من الناس، وأقر هذا المال مجلس عرفي، فما حكم هذا المال؟ وهل لي أن أتصدق منه على الفقراء والمحتاجين؟ وهل يحق لي تصريف أمور معيشتي من هذا المبلغ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج من التحاكم إلى تلك المجالس العرفية التي يعملها الناس لفض المنازعات والخصومات، بشرط أن يكون الحاكم فيها من أهل العلم بالشرع حتى يحكم بين الناس بما أنزل الله، لا بالأهواء والعادات والتقاليد التي كثيرا ما تكون مخالفة لحكم الله تعالى، فإن حكموا بما يوافق حكم الله فهو المطلوب، وإن حكموا بما يخالف حكم الله فلا عبرة بحكمهم، وهو حكم باطل، يجب رده، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
ثانياً:
اختلف العلماء في حكم " اللطمة " و "اللكمة" ونحوها، هل توجب القصاص أم التعزير؟ فذهب جمهورهم إلى أنها توجب التعزير وليس فيها القصاص، والذي عليه الصحابة رضي الله عنهم، والمحققون من أهل العلم أنها توجب القصاص.
قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الديات، تحت بَاب " إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ هَلْ يُعَاقِبُ أَوْ يَقْتَصُّ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ؟ ":
"وَأَقَادَ (أي: اقتص) أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِيٌّ وَسُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ مِنْ لَطْمَةٍ، وَأَقَادَ عُمَرُ مِنْ ضَرْبَةٍ بِالدِّرَّةِ، وَأَقَادَ عَلِيٌّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ، وَاقْتَصَّ شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ وَخُمُوشٍ (أي: جروح) ". انتهى
وهذا القول هو الصحيح، ومن نقل الإجماع على خلافه فما أصاب، بل لو ادعى أحد إجماع الصحابة على هذا الحكم لم يكن ذلك بعيداً.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وقد اختلف الناس في هذه المسألة - وهي القصاص في اللطمة والضربة ونحوها مما لا يمكن للمقتص أن يفعل بخصمه مثل ما فعله به من كل وجه - هل يسوغ القصاص في ذلك، أو يعدل إلى عقوبته بجنس آخر وهو التعزير؟ على قولين:
أصحهما: أنه شرع فيه القصاص، وهو مذهب الخلفاء الراشدين، ثبت ذلك عنهم، حكاه عنهم أحمد وأبو إسحاق الجوزجاني في " المترجم "، ونص عليه الإمام أحمد، قال شيخنا رحمه الله (أي: ابن تيمية) : وهو قول جمهور السلف.
والقول الثاني: أنه لا يشرع فيه القصاص، وهو المنقول عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وقول المتأخرين من أصحاب أحمد حتى حكى بعضهم الإجماع على أنه لا قصاص فيه! وليس كما زعم، بل حكاية إجماع الصحابة على القصاص أقرب من حكاية الإجماع على منعه؛ فإنه ثبت عن الخلفاء الراشدين، ولا يعلم لهم مخالف فيه.
ومأخذ القولين: أن الله تعالى أمر بالعدل في ذلك، فبقي النظر في أي الأمرين أقرب إلى العدل؟
فقال المانعون: المماثلة لا تمكن هنا، فكأن العدل يقتضي العدول إلى جنس آخر، وهو التعزيز؛ فإن القصاص لا يكون إلا مع المماثلة، ولهذا لا يجب في الجرح، ولا في القطع إلا إذا أمكنت المماثلة، فإذا تعذرت في القطع والجرح: صرنا إلى الدية، فكذا في اللطمة ونحوها لما تعذرت صرنا إلى التعزير.
وقال المجوزون للقصاص: القصاص في ذلك أقرب إلى الكتاب والسنة والقياس والعدل من التعزير، أما الكتاب فإن الله سبحانه قال: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ، ومعلوم أن المماثلة مطلوبة بحسب الإمكان، واللطمة أشد مماثلة للطمة، والضربة للضربة من التعزيز لها؛ فإنه (أي: التعزير) ضرب في غير الموضع، غير مماثل لا في الصورة ولا في المحل ولا في القدر، فأنتم فررتم من تفاوت لا يمكن الاحتراز منه بين اللطمتين، فصرتم إلى أعظم تفاوتا منه بلا نص ولا قياس.
قالوا: وأما السنة [فذكر ابن القيم رحمه الله عدة أحاديث فيها إثبات القصاص في مثل ذلك] ثم قال: ولو لم يكن في الباب إلا سنة الخلفاء الراشدين لكفى بها دليلا وحجة.
" حاشية ابن القيم على تهذيب سنن أبي داود " (7 / 336، 337) ، وانظر " الفتاوى الكبرى " (3 / 402) .
ثالثاً:
وإذا ثبت لك القصاص في الضربة التي وجهها لك الطرف الآخر: فإن لك أن تعفو عنه بالمجان إن رأيته ندم واستغفر واعتذر وصلح حاله، ولك أن تقتص منه بمثل ما فعل بك دون تعدٍّ ولا ظلم، ولك أن تعفو عن حقك في القصاص مقابل عوضٍ مادي، يحكم لك به القاضي الشرعي.
وإذا اقتصصتَ منه بمثل ما فعل بك فلا يجوز لك أن تأخذ مالاً مقابل الإهانة؛ لأنك أخذت حقك مماثلة، كما أن العوض الذي يُحكم لك به إنما هو مقابل الضربة لا مقابل الإهانة؛ لأن الإهانة ضرر معنوي، وهذا النوع من الضرر لا يجوز أخذ تعويض مالي مقابله، وعلى هذا عامة العلماء.
وقد جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 (3 / 12) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه:
"الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى.
وقد جاء في " الموسوعة الفقهية " (13 / 40) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية ":
"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا، وإنما هو تعبير حادث، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى.
والخلاصة:
أن حقك: القصاص، أو العفو بالمجان - وهو أفضل إن كان ظهر من ذاك صلاح أو ندم، أو أخذ عوض عن حقك مقابل الضربة، وإذا استوفيتَ حقك بالقصاص فلا حق لك بعد ذلك في المال، أما إذا كنت ستأخذ حقك مالاً فقط ـ وهو الظاهر من سؤالك، فلا حرج عليك من الانتفاع به لنفسك أو التصدق به.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7128)
حكم من قتل آخر دفاعاً عن نفسه ومات وهل عليه دية وكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي وقد قتل نفساً دفاعاً عن نفسه، وقد قَبِل أهل المقتول بالدية، فما هي الكفارة؟ مع العلم أنه لم يصم شهرين أو يعتق رقبة أو يطعم مساكين، وإن لديه أبناء، ما الواجب عليهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يدفع عن نفسه وأهله كل من يصول ويعتدي عليه، وليدفع بالأسهل، فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: جاز للمصول عليه قتله، وليس عليه قصاص ولا دية ولا كفارة؛ لأن الشرع قد أذن له في قتله، والمقتول المعتدي متوعد بالنار، والمصول عليه إن قُتل فهو شهيد إن شاء الله، ولا فرق بين كون المعتدي مسلماً أو كافراً.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ. رواه مسلم (140) .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) رواه الترمذي (1421) والنسائي (4095) وأبو داود (4772) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (708) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" السنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار (يعني مقدار يسيرا) ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمه فهو شهيد) …. فإن قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والإجماع " انتهى بتصرف.
" مجموع الفتاوى " (28 / 540، 541) .
وفي " الروض المربع " (ص 677) :
" ومن صال على نفسه أو حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته أو ماله آدميٌّ أو بهيمةٌ: فله - أي: للمصول عليه - الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، فإذا اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه.
فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: فله - أي: للمصول عليه - ذلك أي: قتل الصائل، ولا ضمان عليه؛ لأنه قتله لدفع شره " انتهى.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"ومن صال على نفسه من يريد قتله أو صال على حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته من يريد هتك أعراضهن، أو صال على ماله من يريد أخذه أو إتلافه؛ فله الدفع عن ذلك، سواء كان الصائل آدميّاً أو بهيمة، فيدفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه؛ لأنه لو منع من الدفع لأدى ذلك إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله؛ ولأنه لو لم يجز ذلك: لتسلط الناس بعضهم على بعض، وإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: فله قتله، ولا ضمان عليه؛ لأنه قتله لدفع شره، وإن قُتل المصول عليه: فهو شهيد لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أريد ماله بغير حق فقاتل، فقتل؛ فهو شهيد) وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: (جاء رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ... وذكر الحديث المتقدم) .
" الملخص الفقهي " (2 / 443) .
ولا يجوز للمصول عليه أن يبادر بقتل الصائل إلا بعد أن يستنفذ وسائل دفعه، كتذكيره بالله تعالى، وتخويفه وتهديده، وطلب النجدة من الناس، أو الاستعانة بالأجهزة الأمنية، وله المبادرة بقتله إذا خشي أن يبادر المعتدي بقتله.
فعَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي، قَالَ: ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ؟ قَالَ: فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ، قَالَ: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي؟ قَالَ: قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ.
رواه النسائي (4081) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
ثانياً:
وهذا إذا ثبت أنه قتله دفاعاً عن النفس ببينة، كشهود يشهدون بذلك، أو صدقه أولياء المقتول أنه قتله دفاعاً عن النفس، أو وجدت قرائن قوية تدل على ذلك، كما لو كان المقتول معروفاً بالشر والفساد، وقد هدده ـ مثلا ـ بالقتل أمام الناس ونحو ذلك.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
"إذا كان هذا الشخص اعترف بالقتل وادعى أنه دفاعاً عن نفسه ولم يصدقه الولي: فإنه يجب القصاص، قال في " الإنصاف ": وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، لكن إن كان القتيل معروفاً بالصيالة والفساد وكان ثمََّ قرائن تدل على ما ادعاه القاتل: فقد قال في " الإنصاف ": قال في " الفروع ": ويتوجه عدمه (يعني: القصاص) في معروف بالفساد، قلت: وهو الصواب، ويعمل بالقرائن" انتهى.
" مجموع فتاوى ابن إبراهيم " (11 / 255، 256) .
فعلى هذا، إذا كان والدك قتل هذا الرجل دفاعاً عن نفسه، فلا يلزمه شيء، لا كفارة ولا دية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7129)
أسلما بعد طلاقهما ولهما طفلة، فما هي حقوق كل منهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل وامرأة كانا كافرين، وعلمت المرأة أنها حامل، وطلب منها الرجل أن تجهض حملها، فرفضت ولم تأبه باقتراحاته، إلى أن وضعت مولودها، وكانت طفلة، ثم أسلم الرجل والمرأة سويًا، لكنهما كانا قد تطلقا.
هل ما يزال للأب حقوقٌ تزيد على ما للأم، مع أنه أوضح بجلاء أنه لا يرغب في أن تولد هذه الطفلة في المقام الأول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن هداكما لدين الحق. وهذه أعظم نعم الله تعالى على عبده، إذ بها يسعد في الدنيا والآخرة، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما إلى ما يحب ويرضى ويرزقكما الاستقامة والثبات على دينه.
ثانياً:
لقد أحسنت برفضك إجهاض الحمل، وذلك أن إجهاض الحمل معصية، سواء كان ذلك قبل نفخ الروح أو بعده، وإن كان الإثم يعظم بعد نفخ الروح.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (40269) (42321) .
ثالثاً:
إذا طلق الرجل زوجته، وتم الانفصال وبينهما طفل، فالمقرر في الشريعة أن حق الأم في حضانة هذا الطفل أعظم من حق الأب، ما لم يكن هناك مانع كزواجها أو قلة دينها أو تقصيرها في الرعاية.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (8189) (20705) (21516) .
رابعاً:
وإساءة الأب بطلب إجهاض الحمل لا يسقط حقه الثابت له، كحق النسب والرعاية والإنفاق والتسمية والزيارة أثناء فترة حضانة أمها لها، كما له حق حضانتها إذا وجد مانع من حضانة الأم كالزواج.
ونرجو أن يكون قد غفر الله له بإسلامه، فإن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب.
خامساً:
قول السائلة: "هل ما يزال للأب حقوق تزيد عن ما للأم؟ "
فليُعلم أن حقوق الأب ليست أكثر من حقوق الأم دائما، بل حقها مقدم عليه في الحضانة كما سبق، وحقها مقدم عليه أيضا في البر، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: الْحَثّ عَلَى بِرّ الأَقَارِب , وَأَنَّ الأُمّ أَحَقّهمْ بِذَلِكَ , ثُمَّ بَعْدهَا الأَب , ثُمَّ الأَقْرَب فَالأَقْرَب. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب تَقْدِيم الأُمّ كَثْرَة تَعَبهَا عَلَيْهِ , وَشَفَقَتهَا , وَخِدْمَتهَا , وَمُعَانَاة الْمَشَاقّ فِي حَمْله , ثُمَّ وَضْعه , ثُمَّ إِرْضَاعه , ثُمَّ تَرْبِيَته وَخِدْمَته وَتَمْرِيضه , وَغَيْر ذَلِكَ. وَنَقَلَ الْحَارِث الْمُحَاسِبِيّ إِجْمَاع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الأُمّ تُفَضَّل فِي الْبِرّ عَلَى الأَب , وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض خِلافًا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ الْجُمْهُور بِتَفْضِيلِهَا , وَقَالَ بَعْضهمْ: يَكُون بِرّهمَا سَوَاء. قَالَ: وَنَسَبَ بَعْضهمْ هَذَا إِلَى مَالِك , وَالصَّوَاب الأَوَّل لِصَرِيحِ هَذِهِ الأَحَادِيث فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُور " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7130)
هل نسامح الكافر إذا آذانا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم حول مسامحتنا للكفار إذا ذكرونا بسوء خلف ظهورنا، أو إذا تسببوا في حدوث أمور مثل , انبعاجات في سياراتنا؟
الحكم العادي الذي أعرفه هو مسامحة الشخص الجاهل، الذي لا يقصد التسبب في الأمر الذي وقع. لكني قرأت في "أصول السنة" , بالإنكليزية , أن الإمام أحمد قال: " أسامح أي شخص إلا المبتدع ". فإذا كان الإمام لا يسامح مبتدعا , فكيف نقوم بمسامحة الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحث الإسلام على المسامحة والعفو والصفح والمغفرة، وقد جاء هذا في القرآن والسنة، بل إن من سمات الإسلام أنه دين الرحمة، وكذلك المسلم مبشِّر غير منفر، يعفو عند المقدرة، ويسامح عند الزلة.
قال الله تعالى: {ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} البقرة / 109.
وقال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظّاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين} المائدة / 13.
وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} التغابن / 14.
فهذا الصفح عن الكفار يكون من أجل احتساب الأجر عند الله تعالى، ومن أجل أن تلين قلوب الكافرين للدخول في دين الله تعالى فهو لين مستحب وصفح مستحب يراد به تحقيق أمور عظيمة، وهي الأجر من عند الله تعالى وترغيب الكافر في الدخول في دين الله تعالى فإن أخلاق المسلمين قد غزت قلوب كثير من المشركين قبل أن تغزو سيوفُهم وخيولُهم حصونَهم فدخلوا في دين الله أفواجاً رغبة في هذا الدين الذي يتخلق أهله بهذا الخلق الجميل.
وقد قال الله تعالى في هذا {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} آل عمران / 159، فهذه رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم ورفقه ولينه كانت سبباً في دخول الناس في دين الله تعالى، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم على غير ذلك اللين والرفق لانفض الناس من حوله وتركوه ولم يؤمنوا بدعوته.
وعن عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم (السام هو الموت) ، قالت عائشة: ففهمتُها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت: يا رسول أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قلت: وعليكم ".
رواه البخاري (5678) ومسلم (2164) .
قال ابن حجر - في تفسير هذا الحديث -:
لأن اليهود حينئذ كانوا أهل عهد فالذي يظهر أن ذلك كان لمصلحة التآلف.
" فتح الباري " (11 / 43) .
ثانياً:
قد أذن الله تعالى للمسلم إذا اعتدي عليه أن ينتصر ولكنه رغبه في العفو فقال: {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. ولَمَن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم. ولَمَن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} الشورى / 40 – 43.
وقال الله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً} النساء / 148.
ولكن مما ينبغي العلم به أن المسلم يعفو عن الأذى الذي يصيبه من الكافر بحيث لا يورث ذلك ذلاً وصغاراً للمسلم لأن المسلم عزيز، وقد أعطاه الله تعالى عزة يجب عليه أن يعتز بها وأن يتخلق بها لأن في عزته عزة للإسلام وللمسلمين عموماً، أما إن كان هذا العفو يورث ذلاً فعندئذٍ يجب للمسلم أن ينتصر وفي ذلك يقول الله تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} الشورى / 39.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي - في تفسير هذه الآية -:
وأما قوله: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} الشورى / 39، فليس منافياً للعفو؛ فإن الانتصار يكون بإظهار القدرة على الانتقام، ثم يقع العفو بعد ذلك، فيكون أتم وأكمل، قال النخعي في هذه الآية: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفَوا، وقال مجاهد: كانوا يكرهون للمؤمن أن يذل نفسه فتجتريء عليه الفساق.
فالمؤمن إذا بُغى عليه يظهر القدرة على الانتقام ثم يعفو بعد ذلك وقد جرى مثل هذا لكثير من السلف منهم عطاء وقتادة وغيرهما.
" جامع العلوم والحكم " (1 / 179) .
ولذلك فليس العفو ممدوحاً في جميع المواضع، بل قد يكون مذموماً إذا ترتب عليه إذلال المسلم أو تجرؤ المعتدي على الاعتداء، ونحو ذلك.
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) فبين أن لعفو لا يكون ممدوحاً إلا إذا كان على وجه الإصلاح، فإن ترتب عليه مفسدة لم يكن ممدوحاً.
ولذلك ينبغي للمسلم أن ينظر في الأصلح من العفو أو الانتصار فيفعله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وكلام الإمام أحمد رحمه الله في العفو عن كل من ظلمه إلا المبتدع موافق لهذا، فإنه رحمه الله رأي أن العفو على أهل البدع تحصل به مفسدة وهو جرأة الناس على البدع فصرح بأنه لن يعفو عن مبتدع ليرتدع الناس بذلك عن البدع.
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} المائدة / 54.
وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} الفتح / 29.
فالمسلم يحق له أن يعفو عن حقه المتعلق به، أي: حقه الشخصي، ولا يحق له أن يسكت عند حرمات الله تعالى.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها ".
رواه البخاري (3367) ومسلم (2327) .
ثالثاً:
ويجوز للمسلم أن يكف يده عن الكافر إذا كان المسلم ضعيفاً غير قوي، فإن كان ضعيفاً غير قوي جاز له ألا يقاتل، وقد نهى الله تعالى المسلمين وهم مستضعفون في أول الإسلام عن القتال.
قال الله تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور} الحج /38
قال الإمام القرطبي - في تفسير هذه الآية -:
روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار، وهاجر مَن هاجر إلى أرض الحبشة أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل مَن أمكنه مِن الكفار ويغتال ويغدر ويحتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله {كفور} فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصح نهي عن الخيانة والغدر.
" تفسير القرطبي " (12 / 67) .
فلما قويت شوكة المؤمنين بعد ضعفها أذن الله للمؤمنين بالقتال فقال: {أُذِنَ للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} الحج / 39.
قال الإمام القرطبي - في تفسير هذه الآية -:
قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون} قيل: هذا بيان قوله {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} أي: يدفع عنهم غوائل الكفار بأن يبيح لهم القتال وينصرهم، وفيه إضمار، أي: أذن للذين يصلُحون للقتال في القتال، فحذف لدلالة الكلام على المحذوف، وقال الضحاك: استأذن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار إذ آذوهم بمكة، فأنزل الله {إن الله لا يحب كل خوان كفور} ، فلما هاجر نزلت {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} ، وهذا ناسخ لكل ما في القرآن من إعراض وترك صفح، وهي أول آية نزلت في القتال، قال ابن عباس وابن جبير: نزلت عند هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وروى النسائي والترمذي عن ابن عباس قال: لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيَّهم ليهلكن، فأنزل الله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} ، فقال أبو بكر: لقد علمت أنه سيكون قتال.
صححه الألباني في صحيح الترمذي (2535)
" تفسير القرطبي " (12 / 68) .
رابعاً:
على للمسلم أن يترك حقه الذي له عند الكافر إذا كان يترتب على انتصاره للحق مفسدة أكبر من ضياع حقه.
وقد ذكر العلماء أن إنكار المنكر يكون حراماً إذا كان سيترتب عليه منكر أعظم.
إعلام الموقعين (3 / 4)
مثال ذلك في قضيتنا:
المسلمون الذين يعيشون في بلد يغلب عليها الكفر، فلو أن أحد المسلمين ظُلم من قِبلهم أو شُتم أو ضُرب، وكان انتصارُ هذا المظلوم لنفسه سبباً لنقمة الكفار عليه وعلى إخوانه المسلمين فالحكمة أن يسكت راجياً بذلك مصلحة المسلمين في تلك البلاد ويحتسب الأجر في ذلك عند من لا يضيع عنده صغيرة ولا كبيرة.
وإن استطاع رد هذا الظلم وإظهار عزة الإسلام والمسلمين دون ترتب ضرر أعظم من أذيتهم وجب عليه دفع هذا الظلم وإعزاز دينه وإذلال الكفر وأهله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7131)
عدة المطلقة الحامل
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تشاجر مع امرأته فقال لها أنت طالق فسبته فركلها في بطنها ودفعها فسقطت من السلم فأسقطت حملها الذي كان في شهره الخامس ثم ندم على ذلك وذهب لبيت أهلها يردها فاستشارني أبوها في ذلك فقلت له حتى أستفتى لك أحد العلماء لأنه ربما تكون عدتها انتهت بإسقاط الحمل فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع العلماء على أن عدة المطلقة الحامل هي وضع الحمل، وذلك لقول الله تعالى: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/4.
وأجمعوا أيضاً على أن المرأة لو وضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان أنه تنقضي بذلك عدتها. (المغني 11/229) . ويبتدئ تخليق الحمل بعد ثمانين يوما، والغالب أنه يكون إذا تم له تسعون يوماً.
وبناء على هذا فالمرأة التي أسقطت حملها في الشهر الخامس تنقضي به العدة عند جميع العلماء، فلا يملك زوجها رجعتها بعد انتهاء عدتها.
ولكن له أن يعقد عليها عقدا جديدا إذا أرادا ذلك. فلا بد من رضاها وحضور الولي والشاهدين والمهر.
وبقي أن على هذا الرجل الذي تسبب في إسقاط الحمل أمرين:
الأول: عليه كفارة القتل الخطأ، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإذا لم يجد صام شهرين متتابعين، وذلك لقول الله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا. . . ثم قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92.
الثاني: أن عليه أن يدفع دية الجنين (وهي عشر دية أمه، ودية المرأة المسلمة خمسون من الإبل، وتقدر الآن بالريال السعودي بـ 60 ألف ريال) فعلى الأب دفع 6 آلاف ريال سعودي أو قيمتها بالعملات الأخرى إلى ورثة الجنين، وتقسم عليهم كأن الجنين مات عنهم، ولا يرث الأب منها شيئاً، لأن القاتل لا يرث المقتول. قال ابن قدامة: (ولو كان الجاني المسقط للجنين أباه أو غيره من ورثته، فعليه غرة [والغرة هي عبد أو أمة، قيمتها خمس من الإبل وسبق أنها تقدر الآن بـ 6 آلاف ريال سعودي] لا يرث منها شيئاً، ويعتق رقبة وهذا قول الزهري والشافعي وغيرهما) اهـ (المغني 12/81) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7132)
قتل العمد من أكبر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[شاركت في جريمة قتل، ولم يقبض علي لإحكام الجريمة، وأريد أن أكفر عن ذنبي، هل يقبل الله توبتي دون أن أسلم نفسي للشرطة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قتل العمد إذا كان المقتول مؤمناً فإنه من أكبر الكبائر قال تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) النساء/93.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) .
وأنت إذا قتلت مؤمناً عمداً تعلق في قتلك ثلاثة حقوق: حق الله عز وجل وحق للمقتول وحق لأولياء المقتول.
أما حق الله سبحانه وتعالى فإنك إذا تبت إلى ربك توبة نصوحاً فإن الله تعالى يقبل منك لقوله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الزمر/53.
وأما حق المقتول فإنه، أعني المقتول، ليس حياً حتى يمكنك أن تتداركه فيبقى أمره إلى يوم القيامة يعني أن القصاص منك لهذا المقتول يكون يوم القيامة، ولكن أرجو إذا صحت توبتك وكانت مقبولة عند الله، أن الله سبحانه وتعالى يرضي هذا المقتول بما شاء من فضله وتبقى بريئاً منه، أما أولياء المقتول وهو الحق الثالث فإنه لا تتم براءتك منه حتى تسلم نفسك لهم، وعلى هذا فالواجب أن تسلم نفسك إلى أولياء المقتول، وتقول لهم إنك أنت الذي قتلته ثم هم بالخيار إن شاءوا اقتصوا منك إذا تمت شروط القصاص وإن شاءوا أخذوا الدية وإن شاءوا عفوا مجاناً.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين مجلة الدعوة العدد/1789، ص/60.(5/7133)
حكم إجهاض وحضانة الطفل المصابة أمه بالإيدز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للأم المصابة بهذا المرض الإجهاض إذا حملت، وهل لها حقّ في حضانة الولد، وهل يجوز لأحد الزوجين فسخ النكاح إذا اكتشف إصابة الطّرف الآخر بالمرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
نظراً لأن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى جنينها لا تحدث غالباً إلا بعد تقدم الحمل - نفخ الروح في الجنين - أو أثناء الولادة، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعاً.
ثانياً: حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم وإرضاعه:
لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم، وإرضاعه له، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية، فإنه لا مانع شرعاً من أن تقوم الأم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي.
ثالثاً: حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 204-206(5/7134)
إسقاط الجنين المشوه خلقياً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إسقاط الجنين بعدما تبين بالفحوصات الطبية أنه مشوّه خلقياً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك أسباب عديدة لتشوه الأجنة، وأن كثيراً من هذه الأسباب يمكن تلافيه، والتوقي منه، أو التخفيف من آثاره، وقد حث الإسلام والطب على منع أسباب المرض، والتوقي منه ما أمكن ذلك، وتعاليم الإسلام تحث على حفظ الصحة، وعلى حماية الجنين ووقايته من كثير من الأمراض التي سببها البعد عن تعاليم الإسلام، والوقوع في المعاصي كالزنى، وشرب الخمر، والتدخين، وتعاطي المخدرات، وكذلك جاء الطب الحديث ليحذر الأمهات من الخطر المحدق من تعاطي بعض العقاقير، أو التعرض للأشعة السينية، أو أشعة جاما وخاصة في الأيام الأولى من الحمل.
فإذا ثبت تشوه الجنين بصورة دقيقة قاطعة لا تقبل الشك، من خلال لجنة طبية موثوقة، وكان هذا التشوه غير قابل للعلاج ضمن الإمكانيات البشرية المتاحة لأهل الاختصاص، فالراجح عندي هو إباحة إسقاطه، نظراً لما قد يلحقه من مشاق وصعوبات في حياته، وما يسببه لذويه من حرج، وللمجتمع من أعباء ومسؤوليات وتكاليف في رعايته والاعتناء به، ولعل هذه الاعتبارات وغيرها هي ما حدت بمجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 15 رجب الفرد سنة 1410هـ وفق 10/2/1990م، أن يصدر قراره: " بإباحة إسقاط الجنين المشوه بالصورة المذكورة أعلاه، وبعد موافقة الوالدين في الفترة الواقعة قبل مرور مائة وعشرين يوماً من بدء الحمل ".
وقد وافق قرار المجلس المذكور أعلاه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية رقم 2484 في 16/7/1399هـ.
أما إذا كان الجنين المشوه قد نفخت فيه الروح وبلغ مائة وعشرين يوماً، فإنه لا يجوز إسقاطه مهما كان التشوه، إلا إذا كان في بقاء الحمل خطر على حياة الأم، وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح أصبح نفساً، يجب صيانتها والمحافظة عليها، سواء كانت سليمة من الآفات والأمراض، أو كانت مصابة بشيء من ذلك، وسواء رُجي شفاؤها مما بها، أم لم يرج، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى له في كل ما خلق حكم لا يعلمها كثير من الناس، وهو أعلم بما يصلح خلقه، مصداق قوله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/14.
وفي ولادة هؤلاء المشوهين عظة للمعافين، وفيه معرفة لقدرة الله عز وجل حيث يرى خلقه مظاهر قدرته، وعجائب صنعه سبحانه، كما أن قتلهم وإجهاضهم نظرة مادية صرفة لم تعر الأمور الدينية والمعنوية أية نظرة، ولعل في وجود هذا التشويه ما يجعل الإنسان أكثر ذلة ومسكنة لربه، وصبره عليها احتساباً منه للأجر الكبير.
والتشوهات الخلقية قدر أراده الله لبعض عباده، فمن صبر فقد ظفر، وهي أمور تحدث وحدثت على مر التاريخ، ومن المؤسف أن الدراسات تدل على أن نسبة الإصابة بالتشوهات الخلقية في ازدياد، وذلك نتيجة تلوث البيئة، وكثرة الإشعاعات الضارة التي أخذت تنتشر في الأجواء، والتي لم تكن معروفة من قبل.
ومن رحمة الله بالناس أن جعل مصير العديد من الأجنة المشوهة إلى الإجهاض والموت قبل الولادة.
وعلى المرأة المسلمة، وعلى الأسرة المسلمة، أن تصبر على ما أصابها، وأن تحتسب ذلك عند الله، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم.(5/7135)
الإجهاض للحمل الناتج عن اغتصاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل هؤلاء النساء المسلمات اللاتي تم الاعتداء عليهن وحملن بسبب الاغتصاب هل يجوز لهن إسقاط الجنين أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نظراً لما يمر به المسلمون من ضعف وهوان، فقد أصبحوا نهباً لكل طامع، احتلت أرضهم، واستبيحت أعراضهم، وتداعت عليهم الأمم من كل جانب، وقد أصبح الكثير من الفتيات المسلمات الحرائر هدفاً في كثير من الأحيان للذئاب البشرية المفترسة، التي لا تخاف الله، ولا تخشى قوة رادعة، كما هو الحال في بلدان كثيرة في العالم الإسلامي، وكما حدث في البوسنة والهرسك، أو في الفلبين، أو في بلاد الشيشان، أو في أريتريا، أو في سجون بعض الأنظمة الهزيلة في العالم العربي.
وفيما يلي نقاط مهمة في أحوال المرأة المغتصبة:
1- أن المرأة المغتصبة التي بذلت جهدها في المقاومة لهؤلاء العلوج وأمثالهم، لا ذنب لها لأنها مكرهة، والمكره مرفوع ذنبه في الكفر الذي هو أشد من الزنى، كما قال الله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ... ) النحل/106.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه في (الطلاق/2033) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه/1664.
بل إن المرأة المغتصبة، التي وقعت فريسة، مأجورة في صبرها على هذا البلاء، إذا هي احتسبت ما نالها من الأذى عند الله عز وجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه البخاري ومسلم.
2- إن واجب الشباب المسلم أن يهبوا للزواج من مثل هؤلاء الفتيات المعذبات، للتخفيف عنهن ومواساتهن، وتعويضهن عن فقدهن لأعز ما يملكن وهو عذريتهن.
3- أما إجهاضهن: الأصل في الإجهاض الحرمة والمنع، منذ عملية التلقيح حيث ينشأ الكائن الجديد، ويستقر في القرار المكين وهو الرحم، ولو كان هذا الكائن نتيجة اتصال محرم كالزنى، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الغامدية التي أقرت بالزنى واستوجبت الرجم أن تذهب بجنينها حتى تلد، ثم بعد الولادة حتى الفطام.
4- هناك من الفقهاء من يجيز الإجهاض إذا كان قبل الأربعين الأولى من الحمل، وبعضهم يجيزه حتى قبل نفخ الروح، وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر، وكلما كان ذلك قبل الأربعين الأولى كان أقرب إلى الرخصة.
5- لا ريب أن اغتصاب الحرة المسلمة من عدو فاجر معتد أثيم، عذر قوي لدى المسلمة، ولدى أهلها، وهي تكره هذا الجنين - ثمرة الاعتداء المغشوم - وتريد التخلص منه، فهذه رخصة يفتى بها للضرورة، وخاصة في الأيام الأولى من الحمل.
6- على أنه لا حرج على المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها، أن تحتفظ بهذا الجنين دون أن تجبر على إسقاطه، وإذا قدر له أن يبقى في بطنها المدة المعتادة للحمل، ووضعته فهو طفل مسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) رواه البخاري.
والفطرة هي دين التوحيد وهي الإسلام، ومن المقرر فقهاً أن الولد إذا اختلف دين أبويه يتبع خير الأبوين ديناً، وهذا فيمن له أب يعرف، فكيف بمن لا أب له؟ إنه طفل مسلم بلا ريب، وعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته، والإنفاق عليه، وحسن تربيته، ولا يدع العبء على الأم المسكينة المبتلاة.
ولما كان من قواعد الإسلام رفع الحرج والمشقة والعنت، ومما لا شك فيه أن الفتاة المسلمة الحريصة على عفتها إذا تعرضت لعدوان وحشي، وخافت نتيجة لذلك على سمعتها، أو شرفها أن تبقى منبوذة أو أن تتعرض للأذى كالقتل مثلاً، أو أن تتعرض لمرض نفسي أو عصبي، أو أن يصيبها في عقلها شيء، أو أن يبقى العار يلاحق أسرتها، في أمر لا ذنب لها فيه، أو أن هذا المولود لا يجد مكاناً آمناً يلوذ به، أقول: إن كان الأمر كذلك، فلا حرج عليها أن تسقط هذا الجنين قبل ولوج الروح فيه، وخاصة أنه أصبح من السهل أن تكتشف المرأة إذا كانت حاملاً أو لا، مع تقدم الوسائل الطبية التي تكتشف الحمل منذ الأسبوع الأول، وكلما كان أمر الإسقاط مبكراً كان مجال الأخذ بالرخصة أوسع، والعمل بها أيسر، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم.(5/7136)
متى يُقتل غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن قتل المسلم في الدين الإسلامي يعد معصية كبيرة بالمقارنة مع قتل غير المسلم. لكن عند الموت، فإن المسلم يدخل الجنة بينما يدخل غير المسلم النار.
إن قتل غير المسلم فيه حرمان له من إمكانية دخوله في الإسلام للأبد، وحكم عليه بدخول النار.
أليست تلك (قتل غير المسلم) معصية عظيمة إذن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قتل غير المسلم إذا كان مُعاهدا معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين يوما ". وأما الكافر الحربي غير المعاهد وغير الذمّي فالمسلم مأمور بقتله لقوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) وهذا إنما يكون في الجهاد مع إمام من أئمة المسلمين أو من ينوب عنه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/7137)
الإجهاض بعد نفخ الروح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإجهاض في الشهر الخامس من الحمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية من السنة، على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح - أي بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ التلقيح - ولا يجوز قتله بأي حال من الأحوال إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم.
والخلاف بين الفقهاء في حكم الإجهاض في الفترة السابقة لنفخ الروح، أما بعد نفخ الروح فكل الفقهاء مجمعون على أن الجنين قد أصبح إنساناً ونفساً لها احترامها وكرامتها، وقد قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم ... ) الإسراء/70، وقال سبحانه: (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ... ) المائدة/32.
وقد نقل الإجماع على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح الفقيه المالكي ابن جزي في قوانينه الفقهية حيث قال: " وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح فإنه قتل نفس إجماعاً " القوانين الفقهية/141.
وكذلك ما جاء في نهاية المحتاج: " ... ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة، ثم إن تشكل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغرة " نهاية المحتاج/8/442.
ونص صاحب البحر الرائق على أن الجنين الذي ظهر بعض خلقه بأنه يعتبر ولد، وصاحب البناية يقول: (لا يجوز التعرض للجنين إذا استبان بعض خلقه، فإذا تميز عن العلقة والدم أصبح نفساً، ولا شك بأن حرمة النفس مصونة بالإجماع، وبنص القرآن الكريم.
وهكذا يتبين لنا أن الإجهاض بعد نفخ الروح، هو جريمة لا يجوز الإقدام عليها إلا في حالة الضرورة القصوى المتيقنة لا المتوهمة، وإذا ثبتت هذه الضرورة، وهي ما إذا كان بقاء الجنين خطراً على حياة الأم، علماً أنه مع تقدم الوسائل الطبية الحديثة، والإمكانيات العلمية المادية المتوفرة الآن، أصبح الإجهاض لإنقاذ حياة الأم أمراً نادر الحدوث جداً.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم عامر.(5/7138)
الأحكام المترتبة على إسقاط الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف الأحكام المترتبة على إسقاط الجنين في مراحله المختلفة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في إجابة السؤال رقم (42321) بيان حكم إسقاط الجنين، فليرجع إليه فإنه مهم.
ثانياً:
أما الأحكام التي تترتب على إسقاط الجنين، فإنها " مختلفة باختلاف زمن الإسقاط في أي من أطواره الأربعة على ما يلي:
الحكم الأول: إذا سقط الحمل في الطورين الأولين: طور النطفة المختلطة من المائين، وهي في الأربعين الأولى من علوق الماء في الرحم، وطور العلقة، وهو طور تحولها إلى دم جامد في الأربعين الثانية إلى تمام ثمانين يوماً، ففي هذه الحالة لا يترتب على سقوطها نطفة أو علقة شيء من الأحكام بلا خلاف. وتستمر المرأة في صيامها وصلاتها كأنه لم يكن إسقاط، وعليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة إذا كان معها دم كالمستحاضة.
الحكم الثاني: إذا سقط الحمل في الطور الثالث، طور المضغة – أي: قطعة من لحم، وفيه تقدر أعضاؤه وصورته وشكله وهيئته وهو في الأربعين الثالثة من واحد وثمانين يوماً إلى تمام مائة وعشرين يوماً فله حالتان:
1. أن تلك المضغة ليس فيها تصوير ظاهر لخلق آدمي ولا خفي، ولا شهادة القوابل بأنها مبدأ إنسان فحكم سقوط المضغة هذه حكم سقوطها في الطورين الأولين، لا يترتب عليه شيء من الأحكام.
2. أن تكون المضغة مستكملة لصورة آدمي أو فيها تصوير ظاهر من خلق الإنسان، يد أو رجل أو نحو ذلك، أو تصوير خفي أو شهد القوابل بأنها مبدأ إنسان فحكم سقوط المضغة هنا أنه يترتب عليها النفاس وانقضاء العدة.
الحكم الثالث: إذا سقط الحمل في الطور الرابع، أي: بعد نفخ الروح، وهو من أول الشهر الخامس من مرور مائة وواحد وعشرين يوماً على الحمل فما بعد، فله حالتان، وهما:
1. أن لا يستهل صارخاً (أي لا يصرخ عند ولادته) فله أحكام الحالة الثانية للمضغة المذكورة سابقاً، ويزيد أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويسمى ويعق عنه.
2. أن يستهل صارخاً، فله أحكام المولود كاملة، ومنها ما في الحالة قبلها آنفاً، وزيادة ها هنا هي: أنه يملك المال من وصية وميراث فيرث ويورث وغير ذلك.
فتاوى اللجنة الدائمة (21/434-438) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7139)
هل يجب على المرأة أن تدافع عن نفسها ضد من يريد اغتصابها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المرأة أن تدافع نفسها إذا أراد أحد اغتصابها وهل يجوز لها استخدام السلاح لأجل ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المرأة المكرهة على الزنا بها أن تدافع عن نفسها، ولا تستسلم ولو بقتل من يريد فعل الفاحشة بها، وهذا الدفع عن نفسها واجب، ولا شئ عليها إذا قتلت من يريد الزنا بها عن طريق الإكراه لما رواه الإمام أحمد وابن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ". وجاء في شرحه: (قوله: " ومن قتل دون أهله فهو شهيد " أي في الدفع عن بضع - أي عرض - حليلته أو قريبته)
وإذا كان للرجل أن يدفع عن زوجته الزنى ويقاتل من يريد الزنا بها ولو أدى إلى قتله - أي قتل المدافع -، فمن باب أولى أن تدفع المرأة هي عن نفسها ولا تستسلم إلى هذا المعتدي الظالم الذي يرد هتك عرضها حتى ولو قتلت؛ لأنها إذا قتلت كانت شهيدة كما يكون زوجها شهيدا إذا قتل دفاعا عن عرضها، والشهادة درجة عالية لا تنال إلا بموت في سبيل طاعة الله، وفي سبيل ما يحبه، مما يدل على أن الله تعالى يحب مثل هذا الدفاع: دفاع الرجل عن عرض زوجته ودفاع المرأة عن نفسها. أما إذا عجزت عن الدفع والدفاع عن نفسها، وتغلب عليها الفاسق الخبيث فزنى بها مكرهة، فلا حد عليها ولا تعزير، وإنما الحد على هذا المعتدي الآثم الخسيس.
جاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: (وقال أحمد في امرأة أرادها رجل على نفسها فقتلته لتحصن نفسها، قال أحمد: إذا علمت أنه لا يريد إلا نفسها فقتلته لتحصن نفسها فلا شئ عليها. وذكر أحمد حديثا يرويه الزهري عن القاسم بن محمد، عن عبيد بن عمير أن رجلا أضاف ناسا من هذيل، فأراد امرأة عن نفسها فرمته بحجر فقتلته. فقال عمر: والله لا يودى أبدا - أي لا تدفع عنه دية -؛ ولأنه إذا جاز الدفع عن ماله الذي يجوز بذله وإباحته، فدفع المرأة عن نفسها وصيانتها عن الفاحشة وحفظ عرضها من الزنا الذي لا يباح بحال ولا يجوز به البذل أولى من دفع الرجل عن ماله. وإذا ثبت هذا فإنه يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك؛ لأن التمكين منها محرم وفي ترك الدّفع تمكين) المغني 8/331
والله أعلم. المفصل في أحكام المرأة 5/42-43
وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه الطرق الحكمية: 18 - (فَصْلٌ) وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أُتِيَ بِامْرَأَةٍ زَنَتْ , فَسَأَلَهَا فَأَقَرَّتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَعَلَّ لَهَا عُذْرًا , ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَا حَمَلَك عَلَى الزِّنَا؟ قَالَتْ: كَانَ لِي خَلِيطٌ (أي شريك في بهيمة الأنعام) ، وَفِي إبِلِهِ مَاءٌ وَلَبَنٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي إبِلِي مَاءٌ وَلا لَبَنٌ فَظَمِئْت فَاسْتَسْقَيْته، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَنِي حَتَّى أُعْطِيَهُ نَفْسِي. فَأَبَيْت عَلَيْهِ ثَلاثًا. فَلَمَّا ظَمِئْت وَظَنَنْت أَنَّ نَفْسِي سَتَخْرُجُ أَعْطَيْته الَّذِي أَرَادَ، فَسَقَانِي، فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ {فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ، إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ "، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ جَهِدَهَا الْعَطَشُ، فَمَرَّتْ عَلَى رَاعٍ فَاسْتَسْقَتْ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا. فَشَاوَرَ النَّاسَ فِي رَجْمِهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ مُضْطَرَّةٌ، أَرَى أَنْ تُخْلِيَ سَبِيلَهَا، فَفَعَلَ. قُلْت: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا , لَوْ اضْطَرَّتْ الْمَرْأَةُ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عِنْدَ رَجُلٍ فَمَنَعَهَا إلا بِنَفْسِهَا، وَخَافَتْ الْهَلاكَ، فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَلا حَدَّ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا، أَمْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَصْبِرَ وَلَوْ مَاتَتْ؟ قِيلَ: هَذِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَا، الَّتِي يُقَالُ لَهَا: إنْ مَكَّنْت مِنْ نَفْسِك، وَإِلا قَتَلْتُك. وَالْمُكْرَهَةُ لا حَدَّ عَلَيْهَا، وَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْ الْقَتْلِ بِذَلِكَ. وَلَوْ صَبَرَتْ (أي على القتل) لَكَانَ أَفْضَلَ لَهَا (ولكن لا يجب ذلك عليها) . والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7140)
حكم إسقاط الجنين المشوَّه
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حامل وقد أجريت لها أشعة عدّة مرات، مما أكّد وجود تشوهات بالجنين، فهل يجوز إسقاطه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: سبق في إجابة السؤال رقم (12118) بيان حكم إسقاط الجنين المشوه خلقياً، وأن ذلك يجوز قبل نفخ الروح فيه، أي قبل مرور 120 يوماً، على بداية الحمل، وذلك بعد استنفاذ كل الوسائل المتاحة لعلاجه، وأما بعد نفخ الروح فيه فلا يجوز إسقاطه من أجل التشوه.
وعلى الوالدين الصبر والرضا بأقدار الله، وتذكر قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/216، وقول الله تعالى: (فعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
ثانياً: ونزيد هنا بعض ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة مما يتعلق بهذا الحكم.
فقد سئلت اللجنة الدائمة عن إسقاط الحمل في شهره الخامس، بعد أن أثبتت الأشعة تشوهه بعدم وجود الجزء العلوي من الجمجمة.
فأجابت:
" لا يجوز إسقاطه من أجل التشوه الذي ذكر في السؤال مع العلم بأنه قد يشفيه الله بما بقي من المدة، ويولد سليماً، كما قد وقع ذلك لكثير من الناس " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/440)
وسئلت أيضاً عن امرأة حامل تعالج من السرطان بالأشعة مما سيؤثر على الجنين فيولد معوقاً أو مشوها فهل يجوز إسقاطه؟
فأجابت:
" لا يجوز إجهاض الجنين الذي يخشى عليه من التشوه، وإنما يترك لتدبير الله سبحانه، وتعالى فيه، وقد يسلم من التشوه " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/249)
وسئلت أيضاً عن امرأة حامل في الشهر الخامس وقد أثبتت الأشعة وجود عدة تشوهات بالجنين مما جعل الأطباء يجزمون بموته بعد ولادته وهذه التشوهات هي:
تشوه في حنجرة القلب، تشوه خطير في النخاع الشوكي والعمود الفقري، حجم الرأس صغير جداً.
بين الرأس والجسم كيس كبير أكبر من الرأس، الأمعاء خارج تجويف البطن، تشوه في المخ.
فهل يجوز إسقاطه؟
فأجابت:
" بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا يجوز إسقاط الحمل المذكور، لأن الغالب على أخبار الأطباء الظن، والأصل وجوب احترام الجنين وتحريم إسقاطه، ولأن الله سبحانه وتعالى قد يصلح حال الجنين في بقية المدة، فيخرج سليماً مما ذكره الأطباء إن صح ما قالوه، فالواجب حسن الظن بالله، وسؤاله سبحانه أن يشفيه وأن يكمل خلقته وأن يخرجه سليماً، وعلى والديه أن يتقيا الله سبحانه ويسألاه أن يشفيه من كل سوء، وأن يقرّ أعينهما بولادته سليماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي) " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/250-251)
وسئلت أيضاً عن امرأة حامل في الشهر الخامس وفي الجنين تشوهات مما يعرض حياة الأم للخطر فهل يجوز إسقاطه؟
فأجابت:
" بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأنه إذا كان الواقع كما ذكر من أن استمرار الحمل لهذه المرأة حتى يتم وضعه يترتب عليه تهديد حياة الأم بالخطر، فإنه لا مانع من إجهاض الحمل قبل اكتماله، حماية لحياة الأم، ودفعاً للضرر عنها، أما إذا كان إجهاض الحمل من أجل التشوه فقط فإنه لا يجوز إسقاطه " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (21/452) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7141)
أسقطت الجنين في شهره الثاني، فهل عليها كفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي خمسة أطفال والحمد لله، وقدر الله أن أحمل بالطفل السادس، ولكني قمت بأخذ حبوب لإسقاطه، وذلك بعد شهر ونصف تقريباً من الحمل، وبالفعل سقط، وأنا الآن نادمة جداًّ على ما فعلت، فماذا أفعل؟ وهل عليّ كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" الأصل في حمل المرأة أنه لا يجوز إسقاطه في جميع مراحله إلا لمبرر شرعي، فإن كان الحمل لا يزال نطفة وهو ما له أربعون يوماً فأقل، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر يتوقع حصوله على الأم - جاز إسقاطه في هذه الحالة، ولا يدخل في ذلك الخشية من المشقة في القيام بتربية الأولاد أو عدم القدرة على تكاليفهم أو تربيتهم أو الاكتفاء بعدد معين من الأولاد ونحو ذلك من المبررات الغير شرعية.
أما إن زاد الحمل عن أربعين يوماً حرم إسقاطه، لأنه بعد الأربعين يوماً يكون علقة وهو بداية خلق الإنسان، فلا يجوز إسقاطه بعد بلوغه هذه المرحلة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن في استمرار الحمل خطراً على حياة أمه، وأنه يخشى عليها من الهلاك فيما لو استمر الحمل، وعلى ذلك فإقدامك على إسقاط الحمل بعد بلوغه شهراً ونصف شهر من تلقاء نفسك. . . إقدام على عمل محرم، يجب عليك التوبة النصوح منه، وعدم العودة لمثل هذا العمل السيء مستقبلاً " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/450) .
ثانياً:
وأما الكفارة، فلا تجب عليك، وذلك لأن الكفارة لا تجب إلا بإسقاط الحمل الذي نفحت فيه الروح، ويكون ذلك بعد مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/434) :
" إذا كان الحمل الذي أسقطته قد نفخت فيه الروح بأن كان قد تم له أربعة أشهر فأكثر فإن عليها الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فإنها تصوم شهرين متتابعين، وإن كان لم تنفخ فيه الروح فإنها تأثم بإسقاطه، وليس عليها كفارة، وإنما عليها التوبة والاستغفار " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7142)
الإجهاض الناتج عن علاقة زنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة إذا وقعت في الفاحشة أن تسقط الجنين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد تركزت جهود الفقهاء واجتهاداتهم حول الإجهاض بصفة عامة وحكمه وما يترتب عليه ولم يهتموا بالدخول في تفاصيل ما إذا كان الحمل ناشئاً من سفاح، ذلك ربما يكون لأنهم اعتبروه مشاركاً أو تابعاً لحكم الإجهاض الناشئ من نكاح صحيح، فإذا كان إجهاض الحمل الناشئ من نكاح صحيح محرماً في الحالة العادية، فإنه من باب أولى يكون أشد تحريماً في حالة نشوء الحمل من سفاح، لأن في إباحة الإجهاض من سفاح تشجيعاً للرذيلة ولنشر الفاحشة، ومن قواعد الإسلام أنه يحرم الفاحشة وكل الطرق التي تؤدي إليها، كحرمة التبرج والاختلاط.
بالإضافة إلى أنه لا يضحى بجنين برئ لا ذنب له من أجل ذنب اقترفه غيره، وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) الإسراء/15.
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رد الغامدية وهي حامل من زنى حتى تلد ثم بعد الولادة حتى ترضعه وتفطمه، وقد عادت بالصبي ومعه كسرة خبز، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، وقد قال الإمام النووي في هذا الحديث: (لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنى أو غيره، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع) صحيح مسلم بشرح النووي 11/202.
فهذه الواقعة تبين لنا مدى اهتمام الشريعة بذلك الجنين ولو كان من زنى، حيث أخر النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على أمه حفاظاً على حياته.
فهل يتصور أن يبيح الشارع قتل الأجنة بالإجهاض في سبيل تحقيق رغبات أهل الأهواء والشهوات؟.
بالإضافة إلى أن الذين قالوا بإباحة الإجهاض في حالة الحمل الصحيح خلال الأربعين يوماً الأولى من الحمل قد أخذوا برخصة مشروعة أفضى إليه اجتهادهم، مثل الفطر في رمضان لأصحاب الأعذار، وقصر الصلاة الرباعية في السفر، إلا أنه من المقرر شرعاً أن الرخص لا تناط بالمعاصي.
يقول الإمام القرافي: " فأما المعاصي فلا تكون أسباباً للرخص، ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر، لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسب الرخصة، لأن ترتيب الترخيص على المعصية سعى في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها " الفروق 2/33.
وهكذا فإن قواعد الشريعة الإسلامية لا ترخص للحامل من زنى بما تجعله رخصة للحامل من نكاح صحيح حتى لا تعان على معصيتها، ولا تيسر لها سبل الخلاص من فعلتها الشنيعة هذه.
بالإضافة إلى أن الجنين في هذه الحالة يكون فاقداً لولاية الوالدين، لأن الأب في الشرع لا يطلق إلا على من استولد امرأة من نكاح صحيح، وذلك جزء من معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) رواه البخاري ومسلم، ويكون ولي الجنين في هذه الحالة هو السلطان - ولي الأمر - فهو ولي من لا ولي له، وتصرف السلطان منوط بالمصلحة، ولا مصلحة في إزهاق روح الجنين في سبيل المحافظة على مصلحة الأم، لما في ذلك من تشجيع لها ولغيرها على ممارسة هذه الفعلة الشنيعة.
ويمكن اللجوء إلى إسقاط الجنين للزانية التي وقعت في هذه الفعلة الشنيعة، وأرادت التوبة الصادقة، مع الخوف الشديد وهي قاعدة كبرى من قواعد الشريعة الغراء، شريطة أن يتم ذلك في الأيام الأولى من الحمل ما استطاعت إلى ذلك، وأن تعطى الفتوى لكل حالة على حدة لا أن تكون الفتوى عامة حتى لا تستغل هذه الرخصة في جوانب متسعة مما يؤدي إلى إشاعة الرذيلة في المجتمع المسلم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم.(5/7143)
زوجها سيطلقها وهي في أول الحمل فهل يجوز لها الإسقاط
[السُّؤَالُ]
ـ[بيني وبين زوجي مشكلات كبيرة ونحن على وشك الانفصال ثم اكتشفت بأني حامل في الأربعين يوماً الأولى، فهل يجوز لي أن أسقط الجنين دون إذن زوجي لأنه لا يرضى بذلك، وما دمنا سننفصل فلماذا أبقى حاملاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت عن هذا شيخنا عبد الرحمن البراك فأجاب:
لا يجوز لها أن تسقطه دون إذنه لأن للزوج حقاًّ في الولد كما أن للزوجة حقاًّ فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7144)
حكم إجهاض الحمل في الأشهر الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إجهاض الجنين في الشهور الأولي (1/3) قبل بث الروح فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قرر مجلس هيئة كبار العلماء ما يلي:
1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز.
3- لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة (وهي الأربعون يوماً الثانية والثالثة) حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره، جاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
4- بعد الطور الثالث، وبعد إكمال أربعة أشهر لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإبقاء حياته، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلبا لعظمى المصلحتين.
[الْمَصْدَرُ]
الفتاوى الجامعة (3/1056)(5/7145)
زوج يجبر امرأته على إسقاط الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في زوج حاول إجهاض زوجته في شهرها الثاني لرغبته في تطليقها بإعطائها دواء لذلك رغماً عنها إلا أنه لم يتم إجهاضها؟ وهل ذلك حلال أم حرام؟ وما هي كفارة ذلك العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إجهاض الحمل لا يجوز، سواء نفخت فيه الروح أم لا، غير أنه بعد نفخ الروح فيه تحريمه أشد.
ومن أمرها زوجها بالإجهاض فلا يحل لها أن تطيعه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
أما السعي لإسقاط الحمل فلا يجوز ذلك ما لم يتحقق موته فإن تحقق ذلك جاز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (11 / 151) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه.
والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل.
وكونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذراً لإسقاط الحمل.
ثانيًا: إذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضته بعد ذلك ومات: فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية: فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها.
" المنتقى " (5 / 301، 302) . باختصار.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحمه الله -:
عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإثم عليَّ، فإذا فعلتْ هذا وسمعتْ منه، فما يجب عليهما من الكفارة؟ .
فأجاب:
إن فعلتْ ذلك: فعليهما كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين وعليهما غُرَّةٌ عبدٌ أو أمَةٌ لوارثه الذي لم يقتله، لا للأب فإن الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئًا اهـ.
وقوله: (غُرَّةٌ عبدٌ أو أمةٌ) هذه هي دية الجنين، قيمة عبد أو أمة، ويقدرها العلماء بعشر دية أمه.
وقد سبق ذِكر حكم الإجهاض في أكثر من جواب فانظر: (13317) و (42321) و (12733)
وأما كفارة ذلك، فحيث إن الحمل في الشهر الثاني أي قبل نفخ الروح فيه، ولم يتم إسقاطه فلا تجب بذلك كفارة، وإنما تجب التوبة إلى الله تعالى من هذا الفعل المحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7146)
انقلبت سيارة أمامه فاصطدم بها ومات اثنان
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أسير بسيارتي بسرعة 80 كم/ساعة، وهي أقل من السرعة المسموح بها في مثل هذا النوع من الطرق الساحلية المزدوجة وفجأة خرجت علينا من الطريق المقابل حافلة، اجتازت الفاصل بين الطريقين وانقلبت أمامي، عندها اصطدمت بها مباشرة لأنني لم أتمكن من تجنبها بسبب خروجها المفاجئ فتوفي اثنان من ركاب الحافلة، ومن خلال سؤالي لراكبين من الركاب اللذين نجيا من الحادث أخبروني أن السائق الذي يقود السيارة لم يكن السائق الأصلي وليس لديه ترخيص.
سؤالي:- هل تجب علي الكفارة والدية أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من سيرك في حدود السرعة المسموح بها، وعدم تمكنك من تجنب الاصطدام بالحافلة، بسبب خروجها المفاجئ وأنها انقلبت أمامك، فلا إثم عليك، ولا يلزمك دية ولا كفارة. لأنك لم تتعدَّ ولم تفرط.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن شخص انقلبت به سيارته فمات أبوه الذي كان يركب معه، هل عليه كفارة؟
فقال: يجب التحقق من سبب الحادث، فإن كان بتفريط أو تعد من السائق فعليه الضمان (الدية) والكفارة. وإن لم يكن بتعد منه ولا تفريط فليس عليه شيء اهـ.
فتاوى إسلامية (3/357) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن سؤال مشابه فقالت:
إن كان السائق مفرطا في سيره أو له سبب في حصول الحادث كمخالفة للسير أو سرعة أو نعاس ونحو ذلك أو إهمال للسيارة وضرورة تفقد أسباب سلامتها فعليه كفارة القتل عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، أما إذا لم يكن له تسبب بوجهٍ ما في وقوع الحادث فلا شيء عليه اهـ.
فتاوى إسلامية (2/356) .
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن عام 1414هـ الموافق 1993م، عن الحالات التي يعفى فيها السائق من المسئولية:
أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.
ب – إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة) مجلة المجمع الفقهي العدد الثامن، الجزء الثاني ص 372
وهذا منطبق على مسألتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7147)
يجب في قتل الكافر المعصوم الدية والكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في دولة إسلامية، وصدمت أحد الكفار القادمين للعمل بها بالسيارة ومات، ولم أكن متعمداً لذلك. فهل علي كفارة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، عليك كفارة ومع الكفارة الدية تسلم إلى أهله. ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء / 92.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الكفارة على من قتل كافراً معصوماً.
والكافر المعصوم ثلاثة أنواع:
1- الذمي. وهو من بيننا وبينه عقد الذمة.
2- المعاهَد. من بيننا وبين قومه عهد على ترك القتال.
3- المستأمِن. وهو من دخل بلاد الإسلام بأمان، كمن دخلها للتجارة أو العمل أو زيارة قريب أو ما أشبه ذلك.
فمن قتل كافراً معصوماً فعليه شيئان:
الأول: الدية، تسلم إلى أهله. وهذا إذا كان أهله غير محاربين. وأما إذا كان أهله محاربين لنا فلا يستحقون الدية، لأن أموالهم ودماءهم لا حرمة لها. تفسير السعدي (ص 277) .
الثاني: الكفارة وهذا قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة في "المغني" (12/224) :
وَتَجِبُ (تعني الكفارة) بِقَتْلِ الْكَافِرِ الْمَضْمُونِ , سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا. وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ , وَمَالِكٌ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ ; لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . فَمَفْهُومُهُ أَنْ لا كَفَّارَةَ فِي غَيْرِ الْمُؤْمِنِ. وَلَنَا , قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . وَالذِّمِّيُّ لَهُ مِيثَاقٌ , وَهَذَا مَنْطُوقٌ يُقَدَّمُ عَلَى دَلِيلِ الْخِطَابِ , وَلأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَقْتُولٌ ظُلْمًا , فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ , كَالْمُسْلِمِ اهـ.
وقد اختار هذا القول جماعة من المفسرين منهم: الطبري (9/43) والقرطبي (5/325) وابن كثير (2/376) :
قال ابن جرير الطبري (9/40-43) :
ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق أهو مؤمن أو كافر؟ فقال بعضهم: هو كافر، إلا أنه لزمت قاتله ديته؛ لأن له ولقومه عهدا، فواجب أداء ديته إلى قومه للعهد الذي بينهم وبين المؤمنين، وأنها مال من أموالهم، ولا يحل للمؤمنين شيء من أموالهم بغير طيب أنفسهم. . .
ثم قال الطبري: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية قول من قال: عنى بذلك المقتول من أهل العهد، لأن الله أبهم ذلك، فقال: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم) ولم يقل: "وهو مؤمن" كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب. . . فكان في تركه وصفه بالإيمان الذي وصف به القتيلين الماضي ذكرهما قبل، الدليلُ الواضح على صحة ما قلنا في ذلك.
وذكر عن ذكر عن ابن عباس أنه قال: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) يقول: إذا كان كافرا في ذمتكم فقتل، فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين اهـ بتصرف.
واختار هذا القول أيضاً الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره لسورة النساء، الشريط رقم (27) الوجه الثاني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7148)
حكم عزل المصابين بالإيدز وحكم من تعمّد نقله
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في هذا الزمان مرض الإيدز الخطير وصار له انعكاسات اجتماعية كثيرة تنشأ عنها أسئلة متعددة، فمثلا هل يجب عزل المريض بالإيدز عن الناس غير المصابين، وما حكم من تعمّد نقل المرض إلى الآخرين، وهل يعتبر المريض بالإيدز في مرض الموت لأنّ هذا يؤثّر في طلاقه وتصرفاته المالية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: عزل المريض:
حيث أن المعلومات الطبية المتوافرة حالياً تؤكد أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشرب أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام ونحو ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تكون العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
1- الاتصال الجنسي بأي شكل كان.
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3- استعمال الإبر الملوثة، ولا سيما بين متعاطي المخدرات، وكذلك أمواس الحلاقة.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها في أثناء الحمل والولادة.
وبناء على ما تقدم فإن عزل المصابين إذا لم تُخْشَ منه العدوى، عن زملائهم الأصحاء، غير واجب شرعاً، ويتم التصرف مع المرضى وفق الإجراءات الطبية المعتمدة.
ثانياً: تعمد نقل العدوى:
تعمد نقل العدوى بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى السليم منه بأي صورة من صور التعمد عمل محرم، ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد التعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يعد نوعاً من الحرابة والإفساد في الأرض، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) المائدة /33
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه، وتمت العدوى، ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.
ثالثاً: اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت: يعد مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت شرعاً، إذا اكتملت أعراضه، وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية، واتصل به الموت.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 204-206(5/7149)
قتل هرا خطأ، فهل عليه شيء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي قتل قطة في الطريق عن طريق الخطأ، فهل يجب عليه أن يدفع مالا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شيء عليه، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ) الأحزاب/5.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
في يوم من الأيام وأنا أشغل سيارتي وإذا في الماطور قطط وقتلها ماطور السيارة، هل علي إثم في ذلك؟
فأجابت: " لا حرج عليك في ذلك؛ لعدم تعمدك قتلها " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21 / 280) .
وسئلت اللجنة أيضا:
أسأل عن قتل بعض الحيوانات بالسيارة، هل يلزمني في ذلك شيء؟ وأخص هنا الكلاب - أكرمكم الله - مع العلم بأنها ليست كلاب منفعة كالصيد ونحوه، وأيضا تعمدي لقتلها أحيانا، فهل في ذلك شيء؟
فأجابت: " لا يجوز تعمد قتل الحيوان غير المؤذي من القطط والكلاب ونحوها، فاستغفر الله جل وعلا مما حصل منك من القتل لها " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26 / 173) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
تسببت في قتل ثلاث قطط صغيرة بدون قصد، وكان هذا في صبيحة يوم عرفة، وقد قال الرسول (عذبت امرأة في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) أو كما قال، وهي خائفة من هذا الشيء، فهل عليها ذنب في ذلك؟ وإذا كان عليها ذنب فهل تتصدق بشيء أم لا؟
فأجاب:
"ليس عليها ذنب في هذا، لأنها كما قلت في سؤالك بغير قصد، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) فليس عليها شيء، وليس عليها صدقة أيضاً، وليس عليها ضمان، لأن هذه القطط ليست ملكاً لأحد حتى تضمن إلى مالكها، وليس فيها جزاء حتى يتصدق عنها , وأما الحديث الذي ذكرت في سؤالك فإن هذه المرأة دخلت النار لأنها عذبت الهرة حيث حبستها حتى ماتت جوعاً، فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" 13/266) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7150)
توفي بعد الحادث بسنوات فهل يلزم السائق شيء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت حادث الله يحفظكم من شر الحوادث وكان معي صديقي وكان في غيبوبة بعد شهر فاق ثم توفى صديقي يرحمه الله بعد ثلاث سنوات هل علي كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
كل ما يترتب على آثار الجناية فهو مضمون من الجاني، سواء كانت على سبيل العمد أم الخطأ.
قال ابن قدامة المقدسي: " وسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ، لأَِنَّهَا أَثَرُ الْجِنَايَةِ، وَالْجِنَايَةُ مَضْمُونَةٌ، فكَذَلِكَ أَثَرُهَا ". انتهى " المغني " (9/445) .
وبناء على ذلك، لا يخلو صديقك بعد الحادث من حالين:
الأول: أن يستمر مرضه وتأثره بالحادث إلى وفاته، ففي هذه الحال يلزمك تحمل مسئولية ما حدث سواء طالت المدة أم قصرت؛ لأن وفاته وإن لم تكن وقت الحادث إلا أنها بسببه في ظاهر الأمر.
قال العيني: " وَكُلُّ مَا لَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يُحَالُ عَلَيْهِ، كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، يُحَالُ بِمَوْتِهِ عَلَى الْجِرَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ ". انتهى " العناية شرح الهداية" (1 /156) .
وقال الكاساني: " السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَى الشَّيْءِ يُقَامُ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ ". انتهى " بدائع الصنائع " (16 /331) .
وجاء في " درر الحكام شرح غرر الأحكام " (6/3) : " وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا، لَا حَالُهَا، لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتْلٌ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ الْأَمْرُ بِالْبُرْءِ ".
الثاني: أن يكون صاحبك قد استرد صحته وعافيته بعد إفاقته من الغيبوبة، وعاد لحاله الطبيعي، ثم توفى بعد ذلك.
ففي هذه الحال لا يلزمك شيء؛ لأن الظاهر أن الوفاة بسبب آخر، إلا أن يقرر الأطباء الثقات أن وفاته كانت من آثار ذلك الحادث.
ثانياً:
إذا تبين أن وفاته كانت بسبب الحادث، وكان الحادث قد نجم عن خطأ منك فيلزمك دفع الدية كاملة لأهل صديقك، مع الكفارة وهي صيام شهرين متتابعين.
وأما إذا كان الخطأ مشتركا بينك وبين سائق آخر فيلزمكم التشارك في الدية (كلٌّ حسب نسبة خطئه) ويلزم كل واحد منكم الكفارة.
ثالثا:
إذا كان الحادث بغير تقصير منك، ولا إهمال: فليس عليك شيء، لا الدية ولا الكفارة.
وانظر جواب السؤال رقم (52918) ورقم (30952) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7151)
تسبب في قتل والده فهل يرث أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل لي حادث وتوفي الوالد رحمه الله وسائق السيارة الأخرى وقرر المرور الخطأ علي كاملا، وأنا متأكد أنني لست مخطئاً، وإذا كان علي خطأ فنسبته لا تتعدى ال25%، هل عليه كفارة أم لا؟ وهل أرث من الوالد رحمه الله]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
هذه المسألة ترجع إلى أهل الاختصاص وهم الذين يقررون نسبة الخطأ، وإذا كان لك اعتراض على تقريرهم، فلك مناقشتهم أو كلام المسؤولين عن ذلك.
وبناء على ما تم تقريره من أن الخطأ كاملاً عليك، فالذي يلزمك الآتي:
1ـ كفارة قتل الخطأ، وقد ذَكرت أنه توفي والدك وسائق السيارة الأخرى، فيلزمك كفارتان، والكفارة: عتق رقبة، فإن لم تجد، فتصوم شهرين متتابعين، ويدل لهذا قوله تعالى: (وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ... إلى أن سبحانه ـ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/92، ولا مدخل للإطعام في كفارة قتل الخطأ عند جمهور العلماء رحمهم الله.
2ـ الدية، عن كل نفس؛ لما تقدم من الآية الكريمة إلا أن الدية هنا واجبة على عاقلتك، ـ وهم العصبة ـ؛ لما رواه المغير بن شعبة رضي الله عنه قال: (ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا.. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ) رواه مسلم (1682) .
قال ابن قدامة في "المغني" (8/296) : "ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن دية الخطأ على العاقلة. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة , وأجمع أهل العلم على القول به" انتهى.
فإن عجزت العاقلة تحملها عنك بيت مال المسلمين، فإن لم يمكن أخذها من بيت المال، ففي المسألة خلاف، منهم من قال: لا شيء على القاتل، وهو المذهب عند الحنابلة، والأكثر على أنه يتحملها القاتل نفسه، وهو مذهب الأكثر، واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال في الإنصاف (10/123) : " ومن لا عاقلة له , أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع: فالدية أو باقيها من بيت المال، فإن لم يمكن أخذها من بيت المال، فلا شيء على القاتل، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب....وهو من مفردات المذهب، ويحتمل أن تجب في مال القاتل. قال المصنف هنا [ابن قدامة] : وهو أولى , فاختاره " انتهى.
ينظر "المغني" (8/311) الفتاوى الكبرى (5/525) .
وإذا عفا أولياء القتيل عن الدية، فالحق لهم وأسقطوه، ويدل له قوله تعالى: (وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ..)
ثالثاً:
أما الميراث، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن القاتل لا يرث من المقتول شيئاً، ولو كان قتله خطأ؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا) رواه أبو داود (4564) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن قدامة في "المغني" (6/245) :
" أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً....فأما القتل خطأ , فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضاً. نص عليه أحمد ويروى ذلك عن عمر , وعلي , وزيد , وعبد الله بن مسعود , وعبد الله بن عباس , وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنه. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وورثه قوم من المال دون الدية، روي ذلك عن سعيد بن المسيب , وعمرو بن شعيب , وعطاء , والحسن , ومجاهد , واختاره ابن المنذر , وداود. وروي نحوه عن علي ; لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة , تخصص قاتل العمد بالإجماع , فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه.."انتهى، وتوريث القاتل خطأ هو مذهب الإمام مالك رحمه الله.
جاء في "مختصر خليل" (8/223) : " وأما قاتل الخطأ، فيرث من المال الذي لمورثه , ولا يرث من الدية.." انتهى.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى قال: "..فإذا علمنا يقيناً أن هذا الوارث لم يتعمد القتل، فإننا لا نمنعه؛ لأنه قد استحق الميراث، فكيف نحرمه منه؟ وهذا يقع كثيراً ... ، ولهذا كان مذهب الإمام مالك رحمه الله في هذه المسألة أصح المذاهب..
ولكن هل يرث من الدية التي سيبذلها؟ لا يرث؛ لأن الدية غرم عليه، فيرث من المال لا من الدية ... انتهى باختصار. من "الشرح الممتع" (11/143) .
وقد اختار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن باز رحمهما الله أن القاتل خطأ لا يرث.
فقد سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى:
إذا قتل الرجل أخاه وعفى الأب عن هذا القاتل، فهل يرث القاتل من المقتول؟
الجواب: لا يرث القاتل من المقتول إذا كان قتله عمدا عدوانا فإنه لا يرث منه، وهكذا لو كان خطأ أوجب عليه الدية أو الكفارة فإنه لا يرث منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس للقاتل من الميراث شيء) ، وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أن القاتل لا يرث من المقتول إذا كان قتله عدوانا، لكن لو سمح الورثة الباقون أن يشركوه فلا حرج عليهم إذا كانوا مكلفين مرشدين وسمحوا؛ بأن يرث معهم هذا القاتل؛ لأن الحق لهم وقد أسقطوه " انتهى من "مجموع فتاوى" ابن باز (20/261) .
وينظر فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (11/208) .
والذي نراه في هذا ـ إذا لم يتفق الورثة على شيء، وتنازعوا ـ أن يتم رفع القضية إلى القضاء الشرعي، فيحكم القاضي بما يراه صواباً، ويكون قوله ملزماً لجميع الورثة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7152)
تجب كفارة القتل الخطأ على الفور متى تمكن منها
[السُّؤَالُ]
ـ[علِيّ كفارة قتل خطأ وهي صيام شهرين وأخرته ولم أصمها، هل يجوز تأخير هذا الصيام مع القدرة عليه لحين فصل الشتاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في الكفارة، هل تجب على الفور، أم يجوز تأخيرها:
فذهب بعضهم إلى أنها تجب على الفور على المتعدي، وتجب على التراخي على المعذور ـ ككفارة القتل الخطأ ـ.
قال النووي رحمه الله:
"وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ خَطَأً وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ , فَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ" انتهى.
"المجموع" (3/74-75) .
وذهب آخرون من العلماء إلى أن الكفارة يجب إخراجها على الفور، ولا يجوز تأخيرها إلا بعذر، بناء على أن ما أمر الله به، أو أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب تنفيذه فوراً، ولا يجوز تأخيره.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" كفارة القتل الخطأ تجب على الفور، فإن كان من وجب عليه الصيام ضعيفاً ضعفاً يمنعه من الصيام بحيث لا يتضرر به، فيبقى الصيام ثابتاً في ذمته فمتى قدر عليه فعله، لعموم قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) . ولقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) . وإن كان من وجب عليه كبيراً فإن الصيام يسقط عنه ...
ثم قال: إذا كان قادراً على الصيام في غير الوقت الذي وجب عليه فيه فهل يجوز له تأخيره إلى وقت الشتاء؟
والجواب: إذا كان لا يستطيعه في وقت ويستطيعه في وقت آخر فلا مانع من تأخيره إلى وقت الاستطاعة، لعموم قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) . وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) " انتهى باختصار.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (11/371 – 372) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"الأدلة الشرعية قد دلت على أن الأوامر على الفور إلا ما نص الشرع على التوسيع فيه، وذلك أبلغ في الامتثال، وأبعد من خطر الترك أو النسيان" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/175) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من وجب عليه صيام كفارة، وأحب أن يؤخره إلى الشتاء فما الحكم لو مات قبل ذلك؟
فأجاب: "إن الإنسان إذا وجب عليه صيام كفارة وجب أن يبادر بذلك، لأن الواجبات على الفور، ولكن إذا كان يشق عليه أن يصوم الكفارة في أيام الصيف لطول النهار وشدة الحر فلا حرج عليه أن يؤجل ذلك إلى وقت البرد، وإذا توفي قبل ذلك فليس عليه إثم، لأنه أخره لعذر، لكن يصوم عنه وليه، فإن لم يصم عنه أحد أُطعم من تركته عن كل يوم مسكين" انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (19/371) .
وقال الشيخ رحمه الله أيضاً:
"الكفارات تجب على الفور، إلا ما نص الشرع فيها على التراخي" انتهى.
"الشرح الممتع" (7/53) .
وسئل الشيخ الفوزان عن تأخير كفارة القتل الخطأ:
فأجاب:
"الكفارة تكون على القاتل. والكفارة تتكون من خصلتين، الأولى: عتق الرقبة إذا كان يستطيع وإذا وجد رقبة ويستطيع إعتاقها وجب عليه ذلك ولا يجزيه غيرها، فإن لم يجد رقبة أو كانت الرقبة موجودة ولكن لا يستطيع اقتصاديًا إعتاقها فإنه يصوم شهرين متتابعين وليس هناك شيء ثالث في هذه الكفارة. إنما هي الإعتاق فمن لم يستطع الإعتاق فإنه يصوم شهرين فيلزمك صيام شهرين متتابعين إذا لم تستطع الإعتاق وقد استقرّ ذلك في ذمتك ويجب عليك المبادرة بأدائها مهما أمكنك ذلك ومهما واتت الظروف وحتى وأنت في العمل، فالعمل لا يمنع من الصيام لأن تأخير هذا الواجب في ذمّتك يخشى أن يعرض لك عوارض فتبقى هذه الكفارة في ذمتك وتثقل كاهلك، والواجب عليك الإسراع بتفريغ ذمتك وإبرائها من هذا الواجب العظيم" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (74/1) .
وعلى هذا؛ فما دمت تستطيع الصيام الآن وجب عليك الصيام ولا يجوز تأخيره إلى الشتاء.
ونسأل الله تعالى أن يعينك على طاعته، ويتقبل منك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7153)
ترك ابنه الصغير في البيت بمفرده فانقلب عليه الفرن فمات
[السُّؤَالُ]
ـ[لي طفل بلغ من العمر خمس سنوات، وفي ذات يوم كان هو وأمه عند جيراننا، فتركته أمه معي في البيت، ثم خرجت لعملي، وذهبت وأبلغت والدته بأنه في البيت، وفي أثناء ذلك ذهب إلى الفرن ليأخذ بعض الخبز وانقلب عليه الفرن فمات، فهل علي من كفارة من صيام أو شيء غير ذلك أو على والدته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نرجو ألا يكون عليكما شيء؛ لأن هذا شيء عادي يقع من الناس ولا يسمى تفريطا، هكذا يحصل عند أهل النخيل وأهل المزارع قد يتركون الولد يذهب إلى الساقي ويسبح فيه أو في البركة، فيموت بسبب ذلك، هذه أمور عادية، ما فيها حيلة، يعفى عنها إن شاء الله " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/369) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7154)
انقلبت به السيارة وماتت زوجته فهل عليه كفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قدر الله سبحانه وتعالى عليّ حادث انقلاب سيارة كنت أقودها بنفسي، وكانت عائلتي معي في السيارة، وتوفيت زوجتي على أثر انقلاب السيارة، وأنا حدثت لي كسور بليغة، أرجو إفتائي هل علي كفارة صيام أو صدقة، أو خلاف ذلك، لقاء وفاة زوجتي في هذا الحادث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كنت ما فرطت في سيرك، ولا في شيء من متطلبات سيارتك، وأن الحادث حصل، ووضع سيارتك وصحتك عادي، فلا شيء عليك، لعدم ثبوت تسببك في الحادث.
وأما إن كان الواقع تسبب عن شيء مما ذكر فعليك الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، لقوله سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ... إلى قوله: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92، ولا يجزئ في ذلك الإطعام، وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/337) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7155)
إذا اشترك اثنان في قتل الخطأ فعلى كل واحد منهما كفارة كاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[وقع حادث اصطدام بين سيارتين، وكان في السيارة المقابلة شخصان توفي أحدهما، ونسبة الخطأ حسب تقرير المرور على صاحب السيارة الأولى 30 بالمائة، وعلى صاحب السيارة الأخرى 70 بالمائة، فبالنسبة للكفارة هل يصوم صاحب السيارة الأولى شهرين كاملين أم حسب نسبة الخطأ كما هو الحال في الدية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا اشترك اثنان فأكثر، في قتل الخطأ، فعلى كل واحد كفارة مستقلة؛ لأن الكفارات لا تتوزع كما نص عليه أهل العلم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/338) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7156)
أرسل ابنه للعمل في ورشة بناء فمات أثناء العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أب أرسل ابنه للعمل في ورشة بناء مع العلم أنه لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره وما زال يدرس، من أجل أن يعينه على مصاريف البيت، وأثناء تأديته لعمله سقط من إحدى البنايات التي هي في طور البناء فمات، فهل تجب الكفارة والدية على الأب الذي أرسله للعمل مع صغر سنه، أم على صاحب الورشة الذي استعمله مع أن القانون يمنع عمالة الأطفال ولا حق لهم في التأمين ولا الضمان الاجتماعي، أم لا شيء عليهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان هذا الشاب بالغاً ـ كما هو المفهوم من السؤال ـ فلا شيء على والده ولا صاحب الورشة، لأن البالغ يتحمل مسؤولية نفسه، وقد سقط بنفسه ولم يقم أحد بإسقاطه.
والبلوغ في الذكر يحصل بإحدى ثلاث علامات:
1- خروج المني.
2- إنبات الشعر الخشن حول العانة.
3- تمام خمس عشرة سنة.
وانظر جواب السؤال رقم (70425) .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ) رواه البخاري (6912) ومسلم (1710) .
ومعنى (جُبَارٌ) أي: هدر.
قال النووي في شرح "صحيح مسلم ":
"وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْمَعْدِن جُبَار) فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الرَّجُل يَحْفِر مَعْدِنًا فِي مِلْكه أَوْ فِي مَوَات [الأرض الموات هي التي لا يملكها ولا ينتفع بها أحد] فَيَمُرّ بِهَا مَارّ فَيَسْقُط فِيهَا فَيَمُوت , أَوْ يَسْتَأْجِر أُجَرَاء يَعْمَلُونَ فِيهَا [مثل: عمال المناجم الآن] فَيَقَع عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُونَ , فَلَا ضَمَان فِي ذَلِكَ.
وَكَذَا (الْبِئْر جُبَار) مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَحْفِرهَا فِي مِلْكه أَوْ فِي مَوَات فَيَقَع فِيهَا إِنْسَان أَوْ غَيْره وَيَتْلَف فَلَا ضَمَان , وَكَذَا لَوْ اِسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَلَا ضَمَان" انتهى.
فمثل هذا: ما ورد السؤال عنه، فيكون هدرا، لا يضمنه أحد.
ثانياً:
تسمية الشاب البالغ طفلاً تسمية غير صحيحة، والقوانين التي تمنع هذا الشاب من العمل بحجة أنه طفل قوانين جائرة لا قيمة لها، ومن العجب أن تعتبر بعض القوانين الوضعية امتداد سن الطفولة إلى 18 سنة!! فيكون رجلا بالغاً، يصلح أن يكون أباً، وهو طفل!!
وقد كان الشباب في هذا السن وقريب منه يخوضون المعارك فيما سبق، بل ويقودون الجيوش.
فعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجازه النبي للخروج معه في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة. رواه البخاري (2664) ومسلم (1868) .
وأسامة بن زيد رضي الله عنهما أمَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم لغزو الشام وهو ابن ثمان عشر سنة. "سير أعلام النبلاء" (4/108) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7157)
ما يجب على من تعمدت إسقاط جنينها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تتمكن من الإجابة على سؤالي. أريد أن أعرف، بالإضافة إلى التوبة إلى الله، هل توجد عقوبة محددة يجب أن تقام على المسلمة التي تخلصت من حملها (أجهضت) ؟ إذا كان الجواب بنعم، فمن ذا الذي يتولى القيام على إيقاع تلك العقوبة عليها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب التوبة على من تعمدت إجهاض حملها بعد تخلِّقه، لأن إجهاضه محرَّم ولا يجوز، ومتى وُجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على أمه أن تضرَّ به وأن تضايقه بأي شيء لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حقّ، فلا يجوز الإساءة إليه أو إسقاطه.
قال الشيخ الفوزان: وإن كان الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضت المرأة بعد ذلك ومات، فإنها تعتبر قد قتلت نفساً فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذٍ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضت بعد ذلك وجب عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه. والله أعلم
يراجع كتاب الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 3/1052
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7158)
استئجار من يصوم كفارة القتل الخطأ عن الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[الأول: توفي أبي قبل فترة من الزمن في حادث انقلاب السيارة ومعه شخص آخر وأبي هو صاحب السيارة ولم نعرف من هو السائق أثناء الحادث وقد توفي معه الشخص الآخر وقد وجدا خارج السيارة أثناء الحادث ولا نعرف سبب الحادث هل هو خلل في السيارة أم انفجار أحد الإطارات. المطلوب: 1) هل على أبي كفارة أم لا؟ 2) إذا كان عليه كفارة هل يوجد عتق رقبة في الوقت الحاضر؟ وكيف نحصل عليه لأنه لدينا المقدرة على دفع المبلغ؟ 3) إذا لم يوجد عتق رقبة ولم يستطع أحد الورثة الصوم عنه شهرين, هل يمكن توزيعها بينهم مثلاً كل شخص يصوم 10 أيام متواصلة ثم يكمل الآخر حتى تتم الشهرين؟ 4) هل يمكن طلب من شخص موثوق فيه الصوم شهرين متتابعين مع دفع له مبلغ يتفق عليه؟ السؤال الثاني: توفي أخي قبل فترة من الزمن في حادث سيارة، وقد توفي شخص آخر في السيارة وقد قرر المرور الخطأ على أخي بنسبة 75 %. هل على ورثته كفارة أم لا؟ وما هي الكفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تجب الكفارة والدية في حال تفريط السائق، كعدم التزامه بالسرعة المحددة، أو إهماله في فحص السيارة وإصلاح خللها، وأما ما حدث بغير تفريط منه كانفجار الإطار الصالح فجأة، فلا ضمان عليه فيه ولا كفارة.
وحيث إنه لا يُعرف سبب انقلاب سيارة والدك، كما لا يعرف سائقها وقت الحادث، فلا يلزم والدك شيء، إلا إن صدر حكم بوجوب الدية عليه ممن عرف الحادث وملابساته.
وينبغي لكم مراجعة المحكمة الشرعية في ذلك.
ثانيا:
إذا كان المرور قد قرر الخطأ على أخيك بنسبة 75% فعليه كفارة قتل الخطأ، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى قوله سبحانه: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92
وحيث إن أخاك مات في الحادث، فإن أمكن إيجاد رقبة مؤمنة، فيلزمكم أن تخرجوا من تركته ما تشترى به هذه الرقبة، ثم تعتق.
وهذا موجود الآن ولكنه قليل أو نادر، ويمكنك سؤال الجمعيات الخيرية عن ذلك، فبعضها يقوم بشراء العبيد وإعتاقهم في بلدانهم، وإذا لم يمكن العثور على رقبة مؤمنة، فلا يلزمكم الصيام عنه، لكن لو تبرع أحدكم بالصيام عنه، فهذا حسن، ونافع بإذن الله، ولا يجوز أن يشترك أكثر من واحد في الصيام، بل يصوم الشهرين المتتابعين شخص واحد.
والأصل أن يقوم بالصيام أحد أقاربه، ولا حرج أن يصوم غير القريب، وينبغي أن يكون تبرعا بلا أجرة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/324) : " إذا كان الواقع من والدك ما ذكرت فإن عليه كفارة قتل الخطأ، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى قوله سبحانه: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) .
وما دام توفي ولم يؤد ما وجب عليه فإنه يجب على وليه شراء رقبة مؤمنة من تركته وإعتاقها عنه، فإن لم يوجد في التركة ما يفي بذلك، أو لم توجد رقبة فإنه يستحب لوليه أن يصوم عنه شهرين متتابعين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) متفق على صحته " انتهى.
وجاء فيها (21/289) أيضا، فيمن وجبت عليه كفارة قتل الخطأ لكونه صدم امرأة وماتت، ثم مات هو قبل أن يكفّر: " صيام الشهرين الذي كان واجبا على أخيك كفارة عن قتل الخطأ لكنه مات قبل أن يتمكن من أدائه يكون باقيا في ذمته، ولا يلزم أحدا أن يصوم عنه، لا أولاده ولا غيرهم، ولكن من تبرع بذلك وصام عنه فله الأجر، وتبرأ به ذمة الميت إن شاء الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، والولي هو القريب " انتهى.
وجاء فيها (21/326) : " ولا يجوز أن يشترك في صيام الكفارة الواحدة أكثر من واحد، وإنما المشروع أن يتولى الكفارة الواحدة شخص واحد " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: هل يلزم إذا قلنا بالقول الراجح إن الصوم يشمل الواجب بأصل الشرع، والواجب بالنذر - أن يقتصر ذلك على واحد من الورثة؛ لأن الصوم واجب على واحد؟ الجواب: لا يلزم؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (صام عنه وليه) مفرد مضاف فيعم كل ولي وارث، فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابنا، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوما فيجزئ. ولو كانوا ثلاثين وارثا وصاموا كلهم يوما واحدا فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوما، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده، حتى يتموا ثلاثين يوما.أما في كفارة الظهار ونحوها فلا يمكن أن يقتسم الورثة الصوم لاشتراط التتابع، ولأن كل واحد منهم لم يصم شهرين متتابعين. وقد يقول قائل: يمكن بأن يصوم واحد ثلاثة أيام، وإذا أفطر صام الثاني ثلاثة أيام وهلم جرا حتى تتم؟ فيجاب بأنه لا يصدق على واحد منهم أنه صام شهرين متتابعين، وعليه فنقول: إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكينا " انتهى من "الشرح الممتع" (6/452) .
وإن لم تجدوا من يصوم إلا بأجرة فلا حرج، قال في "مغني المحتاج" (2/173) : " لو صام أجنبي بإذن الولي أي القريب، أو بإذن الميت بأن أوصى به، سواء أكان بأجرة أم لا، صح قياسا على الحج " انتهى بتصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7159)
بذلت مجهودا في بيتها فسقط الجنين فهل تلزمها الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة سقط جنينها وهي حامل في الشهر الرابع بسبب عمل فيه مجهود بدون علم منها بأن هذا المجهود سوف يتسبب في إسقاط الجنين فما الحكم؟ هل تعتبر في حكم القتل الغير عمد وتصوم شهرين متتابعين؟ وماذا تفعل إن جاءتها الدورة الشهرية أثناء الصيام؟ مع العلم بأن هذا المجهود عبارة عن عزيمة غداء لأصحاب زوجها الذي طلب منها هذا العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان ما قمت به أمرا معتادا، لا يُخشى منه على الجنين، فلا شيء عليك؛ لأن الأصل جواز قيامك بهذه الأعمال.
وأما إن كان هذا العمل مما يُعلم بالعادة ضرره على الجنين، كحمل الأشياء الثقيلة مثلا، فتمنع الحامل منه، وإذا ترتب عليه إسقاط الجنين – وهي في شهرها الرابع كما ورد في السؤل - فلا يعد إسقاط الجنين قتلاً لإنسان، لأنه لم تنفخ فيه الروح بعد، لأن الروح إنما تنفخ بعد تمام مائة وعشرين يوما على الحمل.
وعلى هذا، فلا يترتب على إسقاطه دية ولا كفارة.
وإنما يترتب على إسقاطه الوقوع في الإثم، ووجوب التوبة والندم على ما فعلت.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ذهبت مع زوجي وبعض أولادي للحج، وكنت حاملا في الشهر الرابع، وفي ليلة عرفة قمنا بحمل متاعنا، ونظرا لكثرة الأغراض وثقلها أحسست بألم في بطني، وفي نفس الليلة سقط مني الجنين ثم قمت بدفنه من غير تغسيل له ولا صلاة عليه، علما أنني كنت في نهاية الشهر الرابع، وقد كان معي نزيف منذ شهر ذي القعدة، وبعد سقوط الجنين خرج مني دم نفاس واستمر حتى نهاية أعمال الحج. السؤال: هل علي شيء في سقوط الجنين في هذه الفترة؟ علما أنني لم أغسله، ولم أصل عليه، ولم أخبر أحدا بذلك، ولم يكن سقوطه بإرادتي ...
فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكر من أن الحمل في الشهر الرابع، ولم يكمل أربعة أشهر، فإنه لا كفارة عليك في سقوط هذا الجنين؛ لأنه لم تنفخ فيه الروح في هذه المدة، وعلى ذلك فلا يُسَمَّى ولا يغسل ولا يصلى عليه، لكنك تأثمين لتسببك في سقوط هذا الجنين، فعليك التوبة والاستغفار مما حصل منك وعدم العودة لمثل هذا العمل مستقبلا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/339) .
ثانيا:
من شرعت في صيام شهرين متتابعين، ثم جاءها الحيض، فإنها تفطر في أيام الحيض ثم تكمل صيام الشهرين بعد انقضاء حيضها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعاً , إذا حاضت قبل إتمامه , تقضي إذا طهرت , وتبني (أي تبني على ما مضى قبل الحيض) " انتهى من "المغني" (8/21) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7160)
تركت طفلها يذهب إلى المسجد فغرق في حفرة بالوادي ومات
[السُّؤَالُ]
ـ[توفى لي ولد يبلغ من العمر خمس سنوات غرقا ًفي حفرة في الوادي القريب من القرية التي نسكن بها حيث لا علم لنا بهم أنهم ذهبوا إلى الوادي لأن بعد صلاة العصر يذهبون يلعبون متنقلين بين بيوت أجدادهم فنحن عائلة كبيرة وبيوتنا قريبة من بعض ذهبنا نحن إلى الصلاة وهو عند أمه في البيت إلا أنه أصر على أمه أن تفتح الباب له حتى يذهب يصلي معنا ويقول: أنا لا أريد أن أدخل النار، أريد الجنة، خليني أروح أصلي، حنت عليه الأم وفتحت له الباب وذهب ولم يعد إلا وهو ميت، هل علينا إثم أنا أو أمه لأن أمه في حالة صعبة وتريد معرفه ما عليها فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الولد قد اعتاد الخروج من البيت إلى المسجد، وإلى بيت أجداده ولا خطر عليه في ذلك، فلا إثم عليك ولا على الأم لعدم تفريطكما، ونسأل الله تعالى أن يخلف عليكما خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7161)
عبر الطفل أمام السائق فجأة فصدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من داس طفلا بسيارة نقل عمومية أدت إلى وفاته. علما أن الخطأ وقع من الطفل الذي مر في طريق الحافلة غير منتبه وقد حاول السائق جهده الهروب منه دون جدوى وكاد بانحرافه أن يخرج الحافلة عن حافة الطريق ويسقطها في منحدر لولا لطف الله وهي تحمل أكثر من خمسين راكبا. والمعمول به في بلدنا التأمين الإجباري على كل وسائل النقل الفردية والجماعية. ففي حالة وقوع الحوادث فإن شركات التأمين تعوض أسر الضحايا. فهل على السائق كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان السائق يسير بالسرعة المعقولة عند اقترابه من الطفل، ولم يمكنه تفادي الصدام، لعبور الطفل المفاجئ، بحيث يحكم أهل الخبرة بأن هذه حالة قاهرة لا يمكن دفعها، فهو معذور، ولا شيء عليه، لا دية ولا كفارة.
وإن كان يمكنه تلافي الصدام، أو كان يسير بسرعة زائدة منعته من التفادي فهو ضامن. ومعنى الضمان هنا أنه إن مات الطفل لزمته الكفارة مع الدية. وإن لم يمت لكن تلف منه شيء، وجبت عليه دية ما تلف.
وكذلك لو اشترك الاثنان في الخطأ، السائق والطفل المار، فعلى السائق الكفارة كاملة لأنها لا تتجزأ.
فحيث كان للسائق أي تأثير في الحادث، من تعدّ أو تفريط، كالسرعة الزائدة، أو التقصير في تنبيه الطفل، أو عدم بذل المحاولة الممكنة للتوقف، فعليه الكفارة.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الثامن المنعقد في (بروناي دار السلام) سنة 1414هـ الموافق 1993م قرار بخصوص حوادث السير ومما جاء فيه:
" الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال، إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر، ولا يعفى من المسؤولية إلا في الحالات التالية:
1- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها، وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.
2- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة.
3- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه، فيتحمل الغير المسؤولية ".
وجاء فيه: " رابعا: إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر، كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال ". انتهى من " مجلة المجمع الفقهي" العدد الثامن، الجزء الثاني ص 372.
ويؤخذ من البند الأخير أن الضمان قد يشترك فيه السائق والمتضرر، كما لو مر الطفل فجأة في طريق غير معد لمرور المشاة، وأمكن السائق أن يتوقف أو ينبهه فلم يفعل، حتى وقع الصدام، فالضمان هنا مشترك.
وكفارة القتل هي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى قوله سبحانه: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7162)
اصطدم اثنان بسيارتيهما وماتا فما الواجب على الأبناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي توفي في حادث سير والسائق للسيارة الأخرى أيضا توفي وكان تقرير المرور 50% على كل منهما، ماذا يجب علينا نحن أبناؤه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا تقرر أن الخطأ كان مشتركاً بينهما، فعلى كل واحد منهما ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو مال على قدر نسبة خطئه.
وما دام أن تقرير المرور قد قدَّر نسبة الخطأ بـ 50% على كل واحد منهما، فعلى كل منهما نصف دية الآخر، ونصف قيمة ما تلف من السيارة.
والدية في هذه الحالة تكون على عاقلة كل واحد منهما، وهم الأقارب من الذكور من جهة الأب، كالإخوة والأعمام وأبنائهم.
وأما الكفارة فتجب على كل واحد منهما كفارة كاملة عن القتل الخطأ، لأن الكفارة لا تتجزأ.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/273) :
"إذا كان الحادث مشتركاً بنسب بين السائقين وجب على كل مشترك في القتل من الدية بقدر نسبته، أما الكفارة فعلى كل مشترك في القتل الخطأ كفارة ولو كانت نسبته أقل، وأما من كان خطؤه 100% فعليه وحده الكفارة دون غيره، وعلى عاقلته الدية" انتهى.
وإذا اتفق ورثة كل واحد منهما على إسقاط حقهم مقابل إسقاط الطرف الآخر حقه فلا حرج في ذلك.
ثانيا:
كفارة القتل الخطأ هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
وحيث إن والدك قد توفي في الحادث، فإن أمكن إيجاد رقبة مؤمنة، فيلزمكم أن تخرجوا من تركته ما تشترى به هذه الرقبة، ثم تعتق.
وإذا لم يمكن العثور على رقبة مؤمنة، فلا يلزمكم الصيام عنه، لكن لو تبرع أحدكم بالصيام عنه، فهذا حسن، ونافع بإذن الله، ولا يجوز أن يشترك أكثر من واحد في الصيام، بل يصوم الشهرين المتتابعين شخص واحد.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/324) : " إذا كان الواقع من والدك ما ذكرت فإن عليه كفارة قتل الخطأ، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى قوله سبحانه: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) .
وما دام توفي ولم يؤد ما وجب عليه فإنه يجب على وليه شراء رقبة مؤمنة من تركته وإعتاقها عنه، فإن لم يوجد في التركة ما يفي بذلك، أو لم توجد رقبة فإنه يستحب لوليه أن يصوم عنه شهرين متتابعين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) متفق على صحته " انتهى.
وجاء فيها أيضاً (21/326) : " ولا يجوز أن يشترك في صيام الكفارة الواحدة أكثر من واحد، وإنما المشروع أن يتولى الكفارة الواحدة شخص واحد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7163)
لم يكن في صدرِها حليبٌ، فأطعمت طفلتَها زبدةً، فماتت
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأةٌ ولدت بنتًا منذ أكثرَ من خمسينَ سنةً، ولم يوجد في صدرِ هذه المرأةِ حليبٌ، فكانت تعطي البنتَ الصغيرةَ (زبدةً) ، وبعدَ ستةِ أيامٍ تقريبًا ماتتِ الطفلةُ.
فهل على الأمِّ شيءٌ في ذلك؟
حيثُ إنَّها تخشى أن تكونَ هي المتسببة في موتِها (أي أنَّ الطفلةَ ماتت بسببِ الزبدةِ) .
وهذه الأمُّ لا تعلمُ هل الزبدةُ تسببُ الوفاةَ، ولو كانت تعلمُ أن الزبدةَ تسببُ الوفاةُ لما أعطتها ابنتَها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحكمُ الشرعيُّ في هذه المسألةِ يتوقفُ على سؤالِ أهلِ الخبرةِ من الأطباءِ المتخصِّصِين، فإن قالوا: إن إطعام (الزبدة) للطفل حديث الولادة يؤدي إلى وفاته , كانت هذه الأم قد قتلت طفلتها قتلاً خطأ , وإن قالوا: إن ذلك لا يؤدي إلى الوفاة , فلا شيء على الأم , لأنها لم تتسبب في موت طفلتها , وإن تردد الأطباء وشكوا , هل هذا يؤدي إلى الوفاة أم لا؟ فلا شيء على الأم أيضاً.
وعلى هذا , فلا بد من سؤال أهل العلم والخبرة.
قال الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ رحمَه الله:
" إذا كانت لم تتيقَّن أنَّها ماتت بسببِها فليس عليها شيءٌ؛ لأنَّ الأصلَ براءةُ الذمَّةِ من الواجباتِ، ولا يجوزُ أن تُشغَلَ إلا بِحُجَّةٍ لا شكَّ فيها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (22/327) .
وإذا ثبت أن الزبدة هي سبب الوفاة فإن هذا القتل يعتبر قتلاً خطأ , لأن الأم لم تتعمد قتل ابنتها , ويترتب على القتل خطأً شيئان: الدية والكفارة.
وقد سبق في جواب السؤال (52809) أن الدية في القتل خطأ تجب على عاقلة القاتل , وليس على القاتل نفسه , وعاقلة القاتل هم عصبته كالأب والابن والإخوة والأعمام ونحوهم.
أما الكفارة فهي واجبة على القاتل نفسه , والكفارة هي تحرير رقبة مؤمنة , فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
جاء في الموسوعة الفقهية (16/62) :
" لا خلافَ بين الفقهاءِ في أنَّ القتلَ الخطأَ هو ألاّ يقصدَ الضّربَ ولا القتلَ، مثلُ أن يرمِيَ صيدًا أو هدفًا فيصيب إنسانًا، أو ينقلبَ النائمُ على إنسانٍ فيقتلَه، وموجبُه الديةُ على العاقلةِ والكفارةُ " انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (21/245، 248) :
" وديةُ الطفلةِ المقتولةِ خطأً بعدَ ولادتِها حيةً كديةِ المرأةِ، وهي على النصفِ من ديةِ الذكرِ.
وعليها دفعُ الديةِ إلى الورثةِ " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7164)
غطت طفلها بسجادة ثقيلة فمات
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي لوالدتي طفل صغير عمره حوالي أربعة أشهر وكانت قد غطته بزولية (سجادة ثقيلة) خوفاً عليه من البرد , وكان قريباً منها , فلا تدري أهي التي كانت سبب وفاته أم من الزولية، فهل عليها شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت غطت وجهه بسجّادة ثقيلة، فعليها كفارة القتل الخطأ، وتجب الدية على عاقلتها (وهم العصبة) لأن الظاهر أنه مات بسبب ذلك , وإن لم تكن غطت وجهه فلا شيء عليها، ولا تجب الدية على أحد.
وقد سبق في جواب السؤال (52809) بيان أن الدية في القتل الخطأ تكون على عاقلة القاتل، وليست على القاتل نفسه، وفيه أيضاً بيان من هم العاقلة.
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (11/15) : " مسألة: في امرأة نامت بقرب ابنها أو غيره فوجد ميتا " ثم ذكر عن إبراهيم النخعي أنه قال في امرأة غطت وجه صبي لها فمات في نومه , فقال: تعتق رقبة.
قال ابن حزم: إن مات مِنْ فِعْلها، مثل أن تجر اللحاف على وجهه ثم ينام فينقلب فيموت غما، أو وقع ذراعها على فمه، أو وقع ثديها على فمه، أو رقدت عليه وهي لا تشعر فلا شك أنها قاتلته خطأ فعليها الكفارة، وعلى عاقلتها الدية، أو على بيت المال. وإن كان لم يمت من فعلها فلا شيء عليها في ذلك، أو لا دية أصلا.
فإن شكت أمات من فعلها أم من غير فعلها؟ فلا دية في ذلك، ولا كفارة؛ لأننا على يقين من براءتها من دمه، ثم على شك أمات من فعلها أم لا؟ والأموال محرمة إلا بيقين، والكفارة إيجاب شرع، والشرع لا يجب إلا بنص أو إجماع، فلا يحل أن تُلزم غرامة، ولا صياما، ولا أن تلزم عاقلتها دية بالظن الكاذب، وبالله تعالى التوفيق " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/373) فيمن غطت رضيعها بلحاف ثقيل (زولية) وكان مريضا، فمات: " إذا كانت الزولية التي وضعتها أمه غطاء عليه قد غطت وجهه فإن عليها كفارة قتل الخطأ، لأن الظاهر موته بسبب ذلك، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين ستين يوماً، وإذا كانت مريضة فإنها تصوم بعد الشفاء من المرض " انتهى.
وجاء فيها أيضا (21/378) : " إذا كانت زوجتك وضعت اللحاف على وجه الطفل فنتج عن ذلك وفاته اختناقا فإن عليها الكفارة ... أما إذا لم تكن وضعت اللحاف على وجهه فليس عليها شيء؛ لأنها لم تتسبب في وفاته " انتهى.
وجاء فيها أيضا (21/388) : " إذا كنتما لم تضعا الشرشف (ما يجعل على السرير من فراش) والبطانية أو أحدهما على وجهها، وإنما هي بحركتها انغمرت بهما، فليس عليكما شيء لأنكما لم تفرطا. أما إن كنتما وضعتما الشرشف والبطانية على وجهها فعلى كل واحد منكما كفارة قتل الخطأ؛ لأنكما بذلك قد تسببتما في موتها ... " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7165)
هل يأخذون دية ميتهم من شركة التأمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تفرض الدولة في بلدنا تأمينا إجباريّاً على السيارات، ولا يستفيد منه صاحب السيارة بشيء، فإذا قامت هذه السيارة بضرب شخصٍ ما وأدى هذا الحادث لإصابته أو وفاته يقوم أهله برفع قضية على شركة التأمين ويؤدي هذا لتعويض أهل المصاب أو المتوفى، وهذا التعويض لا يتأثر به صاحب السيارة سلباً أو إيجاباً، فما الحكم في ذلك؟ مع العلم أن أهل المتوفى يعفون عن صاحب السيارة والدولة تحكم بالقوانين الوضعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التأمين التجاري من العقود المحرمة، وهو حرام بجميع صوره، ولا يجوز لأحد أن يشترك فيه إلا أن يضطر لذلك كأن يكون مكرهاً، وقد سبق بيان حكمه في جواب السؤال رقم
(8889) و (39474) فلينظرا.
ثانياً:
حرمة الاشتراك في التأمين لا تعني حرمة أخذ الحق من شركة التأمين إن التزمت بدفع الحق عمن وقع منه الحادث.
وعليه: فلا مانع من أخذ دية المقتول خطأً أو المصاب في الحادث من أي جهة أحيل عليها مستحقوها من قِبَل القاتل أو من القضاء، سواء كانت شركة تأمين أو غيرها؛ لأن مستحقي الدية أصحاب حق، وهم غير مسؤولين عن حلِّ معاملة الطرف الآخر مع شركة تأمينه.
وقد سألنا فضيلة الشيخ ابن جبرين عن أخذ التعويض من شركة التأمين، فأجاب: " يجوز ذلك، لأن هذه الشركات التزمت أنها تتحمل ما يحدث من هذا الإنسان الذي أمَّن عندها، ولا يتورع عن ذلك مادام أنهم ملتزمون بدفع التعويض، ولا يبقى على من ارتكب الحادث - في حال حصول وفاة - إلا كفارة القتل الخطأ، إذا كان الحادث بسبب خطأ منه ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7166)
شربت ابنتها الصغيرة من إناء (كاز) فماتت فهل على الأم شيء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد لدي قريبة وهي كبيرة في العمر وهي بمثابة خالتي، وهي متزوجة ولها أولاد وبنات، ولكن من حوالي عشرين سنة كانت لديها طفلة صغيرة تلعب في البيت وكانت المرأة واضعة قنينة كاز في البيت وتركتها ثلاثة أيام دون أن تبعدها عن متناول الطفلة، وفي يوم من الأيام شربت الطفلة الكاز وتوفيت , أريد أن أعرف ما حكم هذه المرأة هل تصوم الستين يوماً أو عليها قضاء؟ وأتمنى أن يصلني الرد في أسرع وقت وهي تريد أن تتأكد.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
تمنى علينا الأخ السائل أن يصل ردنا عليه في أسرع وقت، وقد قال في أول سؤاله إن الحادثة مرَّ عليها (عشرون سنة) ! وهذا مما يدعو للتعجب من بعض الإخوة السائلين والذين ينتظرون سنوات ثم يسأل الواحد منهم عن الحكم!!
والواجب على المسلم أن لا يتهاون في أمور دينه، وأن يسارع بالسؤال والاستفسار عما يحتاج إليه.
ثانياً:
وأما جواب ما سألت عنه: فإذا كانت الأم قد وضعت (الكاز) في مكانه المعتاد، وبعيداً عن متناول الأطفال، فذهب إليه الولد وشرب منه ومات: فليس على الأم شيء لأنه لم يقع منها تفريط أو تقصير، وأما إن وضعته في غير مكانه المعتاد ومكَّنت أطفالها من اللعب به، وسهَّلت لهم الوصول إليه فشرب منه أحدهم فمات: فهذا يعتبر قتل خطأ تجب فيه الدية – وهي مائة من الإبل – تدُفع لورثة الطفل من غير أن تأخذ هي منها شيئاً، وعليها الكفارة وهي عليها عتق رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان مثل سؤالك:
كان لي أخ صغير يبلغ من العمر سنة، وقد توفي على إثر شربه شيئًا من (الجاز) كانت أخته قد وضعته أمام الباب دون علم الوالدة، فتناوله الطفل وشرب منه، ثم توفي، ومن شدة حزن الوالدة عليه شربت من ذلك المشروب لتجرب هل يؤثر عليها كما أثر على ولدها أم لا؛ فهل عليها شيء في شربها؟ وهل عليها كفارة بسبب وفاة ولدها نتيجة شربه ذلك أم لا؟
فأجاب:
" أولاً: نوجه بأن الأطفال ينبغي العناية بهم ورعايتهم وإبعادهم عما يضرهم؛ فلا يتركون أمام شيء أو عند شيء فيه خطر عليهم.
وأما ما ورد في السؤال من أنه وضع إناء فيه (جاز) وشرب منه طفل، ومات على إثر ذلك؛ فهل على والدته شيء؟
إن كانت والدته مفرطة بأن تركته عند هذا المشروب الضار وشرب منه: فإن عليها عتق رقبة إن أمكن، فإن لم يمكن: فإنها تصوم شهرين متتابعين، كفارة عن تفريطها في هذا الطفل.
أما إذا لم تكن مفرطة بأن تركت الطفل في مكان بعيد، وجاء هو وشرب من هذا: فإنه لا شيء عليها؛ لأنها لم تفرط.
أما ما ورد في السؤال من أن الوالدة شربت من هذا الشراب الذي شرب منه الطفل وقتله لترى هل هو يقتل أو لا: فلا يجوز لها ذلك؛ فإنه لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئًا ضارّاً للتجربة، وأنا أعتقد أنها فعلت ذلك من باب الحنان والعطف على الطفل؛ لما في نفسها من وفاة ولدها بهذا الشراب، فأرادت أن تخفف عن نفسها وترى هل هذا يضر أو لا يضر، ولكن أخطأت في هذا، حيث إنها عرَّضت نفسها للخطر، والله تعالى يقول: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) سورة البقرة/195، والقدر نفذ، والحمد لله؛ فعليها أن تصبر وتحتسب، وعليها كما ذكرنا إذا كانت متساهلة أو مفرطة أن تكفر، والله تعالى أعلم " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (3 / 272، 273) .
وسبق في جواب السؤال رقم (52809) أن الكفارة في قتل الخطأ تكون على عصبة القاتل , وهم أبوه وأبناؤه وأعمامه ونحوهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7167)
مدّت البنت يدها إلى جيب الأم وأخذت حبوبا وابتلعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول السائلة أن ابنتها الصغيرة مدت يدها إلى جيبها، وأخذت حبوب دواء دون انتباه الأم، وأكلتها فماتت بسببها، وأمها مستيقظة، ولم تحس أنها أخذت الحبوب، ظناً منها أنها تلعب. فما الحكم في ذلك وهل على الأم دية أو كفّارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعد عرض السؤال على الشيخ محمد بن صالح العثيمين أجاب حفظه الله بقوله:
الواجب على الأم أن تنتبه إلى ابنتها.
سؤال: لكنها لم تنتبه.
الجواب: ليس عليها شيء. أهـ والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/7168)
قتل الخطأ يوجب الدية على العاقلة والكفارة على القاتل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قتل المسلم مسلماً خطأ، كما لو قتله في حادث سيارة وهو لا يقصد، فماذا الواجب عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يجب بقتل الخطأ شيئان: الدية والكفارة.
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا) النساء/92.
أما الدية فهي واجبة في قتل الخطأ على عاقلة القاتل، وهم عصبته، وهم الأب، والأجداد من جهة الأب، والإخوة الأشقاء والإخوة من الأب وأبناؤهم، والأعمام وأبناؤهم، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد.
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (11/77) : " والعاقلة هم العصبة سواء كانوا وارثين أم غير وارثين , فالزوج والأخ من الأم وأبو الأم ليسوا من العصبة " انتهى بتصرف.
ويقسم الحاكم الدية على العاقلة حسب القرابة والغنى , فالأقرب يتحمل أكثر من البعيد , والأكثر غنى يتحمل أكثر , والفقير لا شيء عليه.
انظر "الشرح الممتع" (11/80)
قال ابن قدامة في "المغني" (12/21) :
" ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الخطأ على العاقلة. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة , وأجمع أهل العلم على القول به........
والمعنى في ذلك: أن جنايات الخطأ تكثر , ودية الآدمي كثيرة , فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به , فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة , على سبيل المواساة للقاتل , والإعانة له , تخفيفا عنه , إذ كان معذورا في فعله , وينفرد هو بالكفارة " انتهى باختصار.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (21/238) :
" الحكم بالدية على العاقلة إنما هو في الخطأ أو شبه العمد، أما دية العمد المحض فلا تحملها العاقلة، بل هي على الجاني خاصة، وإذا تراضى أفراد العاقلة على التحمل معه أو مساعدته في الدية فلا بأس " انتهى.
وأما الكفارة؛ فهي واجبة على القاتل، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، وهي المذكورة في قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/92. ".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7169)
هل عليه كفارة قتل الخطأ إذا صدمتهم سيارة فماتت زوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق كان يقود سيارته وبجانبه زوجته، وفجأة صدمتهم سيارة من ناحية زوجته مما أدى إلى وفاتها في الحال، مع العلم بأن سرعته لم تتجاوز 50 كم في الساعة، وأن سبب الحادث صاحب تلك السيارة التي صدمتهم. فهل على صديقي كفارة ارتكاب القتل الخطأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صديقك لم يخطئ، ولم يتسبب في الحادث بوجهٍ ما، فليس عليه شيء، لا الدية ولا الكفارة، وتكون الكفارة على السائق الآخر المخطئ، والدية على عاقلته (كأبيه، وأعمامه وإخوانه وأبنائهم) ، وإن اشتركا في الخطأ فالدية على عاقلتهما معاً، (كلٌّ حسب نسبة خطئه) وعلى كل واحد منهما كفارة كاملة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (12/226) :
" ومن شارك في قتل يوجب الكفارة , لزمته كفارة , ويلزم كلَّ واحد من شركائه كفارة. هذا قول أكثر أهل العلم , منهم الحسن , وعكرمة , والنخعي , والثوري , ومالك , والشافعي , وأصحاب الرأي " انتهى.
والخطأ الذي يمكن وقوعه في هذا له ثلاثة أسباب رئيسة:
إما أن يكون بسبب الإهمال في صيانة السيارة، كالفرامل ونحوها.
وإما أن يكون بسبب حال السائق، كما لو قاد السيارة وهو محتاج إلى النوم، أو مشغول بشيءٍ ما عن كمال التحكم في السيارة.
وإما أن يكون بسبب مخالفة أنظمة المرور وقواعد السير.
ويرجع في تحديد الخطأ ونسبته إلى أهل العلم والخبرة بذلك.
وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالته " أحكام حوادث السيارات " أنه إذا حصلت إصابة في أحد الركاب الذين ركبوا مع السائق باختيارٍ منهم، لا يخلو الحادث من أربع حالات:
الحال الأولى:
أن يكون بتَعَدٍّ من القائد، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر، مثل: أن يسرع بالسيارة سرعةً تكون سبباً للحادث، أو يضرب على الفرامل بقوة لغير ضرورة فيحصل الحادث بذلك التعدي.
الحال الثانية:
أن يكون بتفريطٍ من القائد، والفرق هو أن التعدي فعل ما لا يسوغ، والتفريط ترك ما يجب، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: مثل أن يتهاون في غلق الباب أو في تعبئة العجلات أو في إصلاح شيء يحتاج إلى إصلاح، فيحصل الحادث بهذا التهاون.
ففي هاتين الحالين يترتب وجوب الكفارة على القائد وهي: عتق رقبة لكل نفس آدمي معصوم مات به، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر فيهما إلا بعذر شرعي من سفر أو مرض أو نحوهما، ويترتب أيضاً ضمان ما تلف من الأموال على القائد، وضمان دية النفوس على عاقلته.
الحال الثالثة:
أن يكون بتصرف من القائد يريد به السلامة من الخطر، وذلك على سبيل المثال لا الحصر: مثل أن يقابله ما يخشى الضرر باصطدامه به، أو يخرج عليه من اليمين أو الشمال على وجه لا يتمكن فيه من الوقوف فينحرف ليتفادى الخطر فيحصل الحادث.
الحال الرابعة:
أن يكون بغير سبب منه، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: مثل أن ينفجر إطار عجلة السيارة، أو يهوي به جسر لم يتبين عيبه.
ففي هاتين الحالين لا يترتب عليه شيء من وجوب كفارة أو ضمان، لأنه في الأولى أمين قائم بما يجب عليه من محاولة تلافي الخطر، فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل، وفي الثانية أمين لم يحصل منه تعد ولا تفريط، فلا شيء عليه لأنه لم يكن منه تسبب في هذا الحادث " انتهى باختصار وتصرف يسير.
تم نشر هذه الرسالة في الجريدة الرسمية لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عددها الصادر يوم الاثنين 20 / شعبان 1409 هـ.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: عن رجل انقلبت به السيارة فماتت زوجته، فهل عليه كفارة أو لا؟
فأجاب:
" إذا كنت ما فرطت في سيرك ولا في شيء من متطلبات سيارتك، وأن الحادث حصل ووضْعُ سيارتِك وسَيْرِك وصحتك عادي، فلا شيء عليك لعدم ثبوت تسببك في الحادث، أما إن كان الواقع تسبب عن شيء مما ذكر فعليك الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92. ولا يجزيء في ذلك الإطعام، وبالله التوفيق " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/358-359) .
وانظر سؤال رقم (39502) ، (46720) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7170)
اصطدمت سيارتان ومات ثلاثة أشخاص فما الواجب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن حصل عليه حادث مروري وتوفى ثلاثة أشخاص في الحادث في السيارة التي صدمته، وأن الحادث حصل بغير رضى الطرفين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حوادث السيارات يرجع فيها إلى أهل الخبرة، ممن عاين الحادث، وعرف ملابساته، ولا يكتفى فيها بهذا الوصف المجمل.
فإذا حكم أهل الخبرة بأن أحد الطرفين فَرَّط أو تعدى، كما لو سار في الاتجاه المعاكس، أو قطع الطريق على صاحبه، أو أهمل في تغيير إطاراته القديمة مما أدى إلى انقلاب سيارته واصطدامه بالسيارة الأخرى، فهذا المفرط هو الضامن لما هلك من النفوس وتلف من الأموال، وقد يقع التفريط من الجانبين، فيضمن كل منهما ما تلف من الآخر من نفس أو مال على قدر تفريطه.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرارٌ بخصوص حوادث السير ومما جاء فيه:
(الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال، إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر، ولا يعفى من المسؤولية إلا في الحالات التالية:
1- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها، وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.
2- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة.
3- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه، فيتحمل الغير المسؤولية.
وجاء فيه: (إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر، كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال) انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: (وقع حادث اصطدام بين سيارتين وكان في السيارة المقابلة شخصان توفي أحدهما، ونسبة الخطأ حسب تقرير الشرطة والمرور على صاحب السيارة الأولى 30 بالمائة، وعلى صاحب السيارة الأخرى 70 بالمائة، فالبنسبة للكفارة هل يصوم صاحب السيارة الأولى شهرين كاملين أم حسب نسبة الخطأ كما هو الحال في الدية؟
فأجاب: إذا اشترك اثنان فأكثر في قتل الخطأ فعلى كل واحد كفارة مستقلة؛ لأن الكفارات لا تتوزع كما نص عليه أهل العلم) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 3/360
وسئل الشيخ أيضا ما نصه: (وقع لوالدي وكان يقود سيارة تصادم مع سيارة أخرى وقد توفي سائق السيارة الأخرى رحمه الله، وقرر المرور بأن نسبة الخطأ كاملة على المتوفى، وقد سمح أهل المتوفى بالدية جزاهم الله خيرا، وأسأل الآن: هل على والدي كفارة صيام شهرين متتابعين أم لا؟
فأجاب: إذا كان الواقع هو ما ذكرته أيها السائل فليس على أبيك كفارة لأن الخطأ من غيره عليه، فلا يسمى قاتلا) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 3/356
والغرض من نقل هذه الفتاوى أن تعلم ضرورة الوقوف على حكم أهل الخبرة ممن عاين الحادث أو عرف تفاصيله من أهله لتحديد من المخطئ ونسبة الخطأ.
وكون الحادث حصل بغير رضى من الطرفين لا يعني سقوط الدية والكفارة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7171)
قتل نصرانياً خطأً فهل يصوم شهرين متتابعين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قدر الله لي أن أصدم شخصا نصرانياً، ولقد قرر الخطأ عليّ بنسبة (25%) ودفعت مبلغ الدية وسؤالي: هل أصوم الشهرين أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من قتل ذميا أو مستأمنا خطأ، أو شارك في قتله، لزمته الكفارة، في قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني 12/224: (وتجب (ويعني: الكفارة) بقتل الكافر المضمون , سواء كان ذميا أو مستأمنا. وبهذا قال أكثر أهل العلم) . وانظر إجابة سؤال رقم (33683)
وحيث أن الجهة المختصة قد قدرت عليك نسبة من الخطأ، فأنت تعتبر مشاركاً في القتل، وإذا اشترك جماعة في القتل خطأ فعلى كل واحد منهم كفارة كاملة وهو قول الأئمة الأربعة. انظر المعني (12 / 226)
وكفارة القتل الخطأ هي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء / 92.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7172)
وضعت الرضاعة للبنت ونامت فماتت البنت
[السُّؤَالُ]
ـ[وضعت الأم الرضّاعة في فم البنت ونامت، ولما استيقظت وجدتها ميتة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب:
إذا لم تذكر أنها ضغطت عليها فليس عليها شيء. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله(5/7173)
مرض " نقص الانتباه " عند الأطفال؟ وهل يجوز تناول دواء " الريالتين " له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في إعطاء " الريتالين " لطفلة تم تشخيص حالتها على أنها تعانى من اضطراب " نقص الانتباه "، وتجد الطفلة صعوبة في التعلم، ولا تستطيع التركيز لفترات طويلة، ولهذا فقد وصف لها طبيب أطفال " الريتالين "، والوالدان في غاية الحيرة، ويعارضان إعطاءه لطفلتهما؛ لأنه يتسبب في زيادة سرعة الطفلة، لكن الأهم من اهتمامهما بمصلحة الطفلة فهما لا يريدان أن يقترفا إثماً أمام الله سبحانه وتعالى. برجاء تقديم العون للوالدين، فهما في أشد الحاجة إليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعريف المرض – واختصاره ADD، أو ADHD -:
جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
" اعتلال نقص الانتباه " Attention deficit disorder ":
اعتلال نقص الانتباه: مشكلة سلوكية، يجد الذين يعانون منها صعوبة غير معتادة في الانتباه، والجلوس، دون حركة، أو التحكم في اندفاعاتهم العصبية، والمصطلح الرسمي المستخدم للإشارة لهذا الاعتلال هو: " اعتلال نقص الانتباه - فرط النشاط "، وهو أكثر المشاكل السلوكية شيوعاً بين الأطفال، ويبلغ معدل الإصابة بهذا الاعتلال لدى الصبيان أكثر من ضعف معدل الإصابة لدى البنات، ويعاني عدد ملحوظ من المراهقين والراشدين أيضاً من هذا الاعتلال.
... .
ويُظهر الأطفال الذين يعانون من هذا النوع قدراً كبيراً من التململ العصبي، والضجر، ويكونون - في الغالب - من النوع الذي لا يستطيع انتظار دوره لكي يتحدث في الفصل، أو يشارك في النشاط الجماعي، ولا يُظهر الأشخاص الذين يعانون من النوع اللاانتباهي أي علامات جسدية للتململ، والضجر، ولكنهم يجدون صعوبة في التركيز، ويتسم هؤلاء بالنسيان، وعدم النظام، ويفشلون - غالباً - في إكمال فروضهم المدرسية، أو الواجبات الأخرى التي كلفوا بأدائها، وتتعرض الفتيات للإصابة بالنوع اللاانتباهي أكثر من تعرضهن للإصابة بالنوع الذي يتسم بفرط النشاط، ويعاني معظم مرضى " نقص الانتباه - فرط النشاط " من النوع المشترك الذي يجمع بين أعراض كلٍّ من " فرط النشاط " و " النوع اللانتباهي ".
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
ومما علمناه من كلام الاختصاصيين في هذا المرض:
1. أنه لم تتفق كلمة الأطباء إلى الآن على الجزم بسبب هذا المرض.
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
ويعتقد معظم الخبراء أن لاعتلال نقص الانتباه سبب جسدي لم يتم التعرف عليه بعد. انتهى.
ب. وقال الدكتور خالد التركاوي – استشاري طب الأطفال بالرياض -:
إن أسباب المرض ما زالت غير معروفة، والفرضيات حوله كثيرة، مع وجود بعض الدلائل غير القاطعة التي تشير إلى دور للعوامل الوراثية في ذلك.
جريدة " الشرق الأوسط "، الاثنين 27 جمادى الأولى 1421 هـ، 28 أغسطس 2000 العدد 7944.
2- هناك علاجات أخرى تربوية وسلوكية ونفسية ينبغي أن يؤخذ بها مع العلاجات الكيميائية.
أ. ففي "الموسوعة العربية":
ويستفيد الأطفال الذين يعانون من المرض - أيضاً - من تقنية " تعديل السلوك "، وفي هذه المعالجة يساعِد البالغون الأطفالَ على اكتساب التحكم الذاتي، عن طريق توفير الإشراف الحميم، وتقديم المكافآت المتكررة، في مقابل السلوك الملائم.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
وقالوا:
إنَّ تناول "الريتالين" فقط لا يكفي للقضاء على أعراض نقص الانتباه، ومرض النشاط المفرط، فمعظم مرضى هذا المرض في حاجة إلى علاج يتضمن إعمل أساليب نفسية، وسلوكية. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور خالد بن عوض بازيد - استشاري الطب النفسي - أطفال ومراهقين - مركز الظهران الصحي، مستشفى أرامكو السعودية -:
علاج ADHD:
1. " العلاج السلوكي المعرفي "، حيث يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعانة الطفل على تقوية التركيز، وتقليل التشتت الذهني، وتعديل السلوك الاندفاعي من خلال النظام، والتدريب، والوضوح، والتدعيم.
2. " الإرشاد النفسي التربوي للوالدين والمعلمين والمرشدين الطلابيين " في كيفية التعامل مع الطفل المبتلى بـADHD في البيت، أو المدرسة.
3. " توفير المناخ التعليمي الخاص للحالات الشديدة "، من خلاله تدريبهم على المهارات الاجتماعية المفقودة، وإعانتهم في تحصيلهم العلمي. انتهى.
http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=111369
ثالثاً:
أما الدواء الطبي الذي يُستعمل - غالباً - في علاج هذا المرض فهو: " الميثيلفنديت "، والمعروف تجاريّاً باسم " الريتالين ".
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
" الريتالين " اسم تجاري لعقار " الميثيلفنديت "، وهو دواء يوصف – غالباً - لعلاج " نقص الانتباه " ومرض " النشاط المفرط ".
... .
ونظراً لشيوع هذا المرض فإن ملايين من الناس يتناولون الريتالين، ويحسِّن هذا الدواء درجة التركيز، ويخفض القلق لمعظم مرضى قصور الانتباه، والنشاط المفرط. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور حسان المالح - استشاري في الطب النفسي، عضو الجمعية البريطانية للعلاج النفسي والأسري، وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي -:
العلاج الدوائي:
وهو يتضمن العلاج بالمنشطات النفسية، من زمرة " الأمفيتامين "، وقد بدأ استعمالها منذ 1937، ويعتبر مثيلفينيديت (Methylphenidat - Ritalin) أكثرها استعمالاً بعد سن السادسة. انتهى.
http://www.hayatnafs.com/specialtopics/adhd-overview.htm
وقد سألنا الدكتور عمرو هيبة الأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة طنطا، والحاصل على الدكتوراة في الأمراض النفسية والعصبية عن "تناول هذا الدواء الريتالين" وعن "أعراضه الجانبية"، وعن "الاكتفاء بالعلاج السلوكي والتربوي والنفسي والاستغناء عن هذا الدواء".
فأفاد بما يلي:
"هذا الدواء "الريتالين" من أحسن الأدوية التي تستعمل في علاج هذا المرض، ونتائجه ممتازة، ولا يسبب الإدمان ...
وأما الأعراض الجانبية، فلا يخلو منها دواء من الأدوية، والشركات المنتجة للأدوية تكتب هذه الأعراض، حتى لا تقع عليها مسؤولية أو يتقدم أحد بشكوى ضدها، وقد تكون هذه الأعراض نسبتها قليلة جداً بحيث لا تكون خطراً.
وما دام هذا الدواء سيؤخذ بإرشاد طبيب ومتابعته، فلا مانع من ذلك.
ولا يكفي تعديل الجانب السلوكي والتربوي، بل لا بد من الأمرين معاً: العلاج الكيميائي، والعلاج النفسي، وذلك لأن هذا المرض يؤثر على التركيبة الكيمائية للمخ فلا بد من العلاج الكيميائي" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7174)
حكم لعبة "الدومينو"، وحكم من يلعب بها في مسجد طيلة الليل ولا يصلي الفجر!
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لعبة " الدومينو "؟ هل هو جائز، أم مكروه، أم حرام؟ . أصبحت هذه اللعبة قضية يدور حولها الجدل هنا في مدينة " نيويورك " حيث يجتمع بعض الشباب بعد صلاة العشاء، ويبدءون باللعب داخل المسجد! حتى الصباح، ثم يغادرون قبل صلاة الفجر، ولا يشهدون الجماعة! وقد أصبحت هذه ظاهرة متكررة منهم، بالإضافة إلى أنهم يستخدمون كهرباء المسجد، والثلاجة، وغيره من الممتلكات أثناء مكوثهم، كل ذلك دون إذن من الإمام، وعندما أخبرهم بخصوص ذلك هددوا بأنهم سيهجرون المسجد، وينفصلون عنه. فما رأيكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمدلله
أولاً:
لعبة الدومينو – وتسمَّى " الضومنة - عرَّفها الأستاذ على حسين أمين يونس بقوله: " هي حجارة مستطيلة ملساء مستوية على أحد أوجهها خط يفصلها من النصف، على كل جهة مجموعة النقاط، ليأخذ كل لاعب مجموعة منها، بحيث ترمى، أو تقلب على الوجه الخاوي من النقاط، ليأخذ كل لاعب مجموعة منها، ثم يرتبونها بطريقة معينة، ليفوز أحدهم بالحظ كالنرد تقريباً، وتمارَس على قمار غالباً ".
" الألعاب الرياضية، أحكامها، وضوابطها في الفقه الإسلامي " (ص 269) .
ثانياً:
سبق الكلام بالتفصيل في حكم الألعاب، وأنها تنقسم إلى قسمين: ألعاب مُعِيْنة على الجهاد في سبيل الله، وألعاب لا تُعين على الجهاد، وهي نوعان: ألعاب ورد النص بالنهي عنها، كاللعب التي يستعمل فيها حجر " النرد ".
الضرب الثاني: ألعاب غير مشتملة على محرّم، ولا تؤدي في الغالب إليه، كأكثر ما نشاهده من الألعاب، فهذه تجوز بالقيود الآتية:
الأول: خلوُّها من القمار، وهو الرهان بين اللاعبين.
الثاني: ألا تكون صادَّةً عن ذكر الله الواجب، وعن الصلاة، أو أي طاعة واجبة، مثل برّ الوالدين.
الثالث: ألا تستغرق كثيراً من وقت اللاعب، فضلاً عن أن تستغرق وقته كلّه.
وانظر جواب السؤال رقم: (22305) .
ثالثاً:
قد صحَّ نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اللعب بالنرد , ولذا كانت كلمة أكثر أهل العلم على تحريم اللعب بها، وقد قال بعض الشافعية بالكراهة، وردَّ عليهم أئمة المذهب ورجحوا – تبعاً لأكثر العلماء – القول بالتحريم.
ينظر: " الموسوعة الفقهية " (40 / 224، 225) ، وأيضا: جواب السؤال رقم: (14095) .
رابعاً:
لم تكن لعبة " الدومينو " معروفة قديما، وأما أهل العلم المعاصرون فاختلفوا في حكمها بناء على نظرهم إلى حقيقتها؛ فمنهم من ذهب إلى أنها مباحة، ما لم تقترن بمحرم آخر، من ميسر ونحوه، ولم تشغل عن ذكر الله وعن الصلاة.
ومن أهل العلم من رأى أنها تقوم على الحظ في أكثر شأنها، في ابتداء اللعب، وأثنائه، مع ما فيها من جانب الذكاء والمهارة، إلا أن غلبة جانب الحظ عليها جعلتها أقرب شبها بالنرد القائم على الحظ. ولذلك عرَّف الدكتور عبد الله الناصر – وفقه الله – اللعبة بقوله:
الضومنة: وهي لعبة مكونة من مجموعة قطع مستطيلة , يلعب بها ألعاب متعددة غالبها معتمد على الحظ والصدفة.
" الضوابط العامة في مجال السبق وتطبيقاتها المعاصرة " (ص 23) – ترقيم الشاملة -.
قال أهل العلم: ومعتمد النرد الحزر والتخمين، المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق، قال الرافعي: وكل ما معتمده التخمين: يحرم.
ينظر: "تحفة المحتاج شرح المنهاج" للهيتمي (10/216) .
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم لعب " الورقة " و " الضومنة " عندما يكون المرء مؤديّاً كامل الحقوق، والواجبات التي عليه، وعدم الانشغال بها عن أمور العبادة، وإنما مجرد تسلية مع الأهل، أو الأصدقاء؟ .
فأجابوا:
يحرم اللعب بـ " الورقة "، وبـ " الضومنة "، ولو لمجرد التسلية مع الأهل والأصدقاء، ولْيشغلوا ذلك الوقت مما هو خير: كتلاوة القرآن، ودراسة علم شرعي، وإصلاح ذات البين، ونحو ذلك، مما يعود عليهم بالنفع، وعلى الأمة بالخير.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 236، 237) ، وينظر: فتاوى اللجنة (15 / 207 – 209) .
خامسا:
الصورة التي وردت في السؤال هي خارج محل النزاع بلا شك؛ فإن أي مباح، لو ترتب على الاشتغال به ترك الصلاة، وإخراجها عن وقتها: صار محرما لما فيه من الشغل عن الصلاة، والصد عن ذكر الله.
فكيف به لو كان محرما، عند طائفة من أهل العلم؟! فكيف بالداهية الدهياء، والمصيبة العظيمة: أن يكون ذلك اللهو في المسجد، مع استخدام أغراض المسجد في غير ما وضعت له، والسهر وتضييع الصلاة؟!
فالنصيحة لأولئك الإخوة أن يتقوا الله تعالى , وأن يجتنبوا تضييع وقتهم , وأن يصونوا بيت الله عن هذا اللهو.
وأما تهديد إمام المسجد أو المسئول بهجران بيت الله إن منعهم: فهو فعل لا يليق أن يصدر من مسلم، والواجب عليهم قبول النصيحة، بل وشكره عليها، ولا يمنعكم تهديدهم من الإنكار عليهم، ومنعهم من استعمال المسجد لهذا المنكر، قال تعالى (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) الإسراء/ من الآية 15.
فإن فعلوا ما هددوا به، وهجروا المسجد: فلا يحزنك أمرهم، فهم قد هجروه فعلا، بما فعلوا فيه من اللهو والباطل الذي شغلهم عن ذكر الله وعن الصلاة.
والخلاصة:
أن لعبة " الدومينو " محرمة عند طائفة من أهل العلم، وإذا قدر أنها ليست محرَّمة في ذاتها: فهي حرام في حق أولئك المسئول عنهم؛ بما اقترن بها من المخالفات العديدة، فهم:
1. ضيَّعوا أنفسَ أوقات عمرهم – عمر الشباب - في اللعب بها، فضاعت بها أعمارهم.
2. ضيعوا أنفسَ أوقات الليل وهو الثلث الأخير من الليل، والذي ينزل فيه رب العزة إلى السماء الدنيا ليغر للتائبين، وليستجيب دعاء الداعين، وهم في غفلة معرضون.
3. تسببوا في تضييع واجب، وهو صلاة الجماعة.
4. استعملوا بيت الله لغير ما بُني له، وما بني له فلم يشهدوه! فبيت الله تعالى ليس نادياً، ولا مضافة، ولا مكان تسلية، وهم قد جعلوه كذلك، ولما حضرت الصلاة – وهو ما بني المسجد في الأصل له – غادروه، ولم يشهدوها فيه.
5. استعملوا أموال الوقف الموقوفة على المصلين، والمتعلمين، والمعتكفين، استعملوها في غير ما وقف لأجله.
فنسأل الله أن يهديهم لما فيه رضاه، وأن يصلح بالهم، وقلوبهم، وأن يستثمروا شبابهم، وطاقتهم، في حفظ القرآن، وفي العلم الشرعي، وفي الدعوة إلى الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7175)
حكم إعداد طعام معين للنفساء ولمن يأتي لزيارتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أكلة معينة تعد عند الولادة تأكل منها النفساء ومن يأتي لزيارتها وهي عادة عندنا وليس لها أي معتقد معين , فما حكمها؟ هل هي بدعة وكيف نفرق بين العادات الجائزة والبدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرق بين العادات الجائزة والبدعة: أن البدعة يقصد بها التقرب إلى الله تعالى، أما العادات فلا يقصد بها ذلك.
والأصل في العادات التي يتعارف عليها الناس أنها مباحة، ولا يجوز تحريم شيء منها إلا بدليل صحيح يدل على ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الفرق بين العادة والعبادة: أن العبادة ما أمر الله به ورسوله تقرباً إلى الله، وابتغاءً لثوابه، وأما العادة فهي ما اعتاده الناس فيما بينهم من المطاعم والمشارب والمساكن والملابس والمراكب والمعاملات وما أشبهها.
وهناك فرق آخر: وهو أن العبادات الأصل فيها المنع والتحريم حتى يقوم دليل على أنها من العبادات، لقول الله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله) الشورى/21، أما العادات فالأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على منعه.
وعلى هذا، فإذا اعتاد الناس شيئاً وقال لهم بعض الناس: هذا حرام، فإنه يطالب بالدليل، يقال: أين الدليل على أنه حرام؟ وأما العبادات فإذا قيل للإنسان: هذه العبادة بدعة، فقال: ليست ببدعة، قلنا له: أين الدليل على أنها ليست ببدعة، لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (72 / 2) .
وقال أيضاً:
" البدعة شرعًا ضابطها: " التعبد لله بما لم يشرعه الله"، وإن شئت فقل: " التعبد لله تعالى بما ليس عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خلفاؤه الراشدون". فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه.
أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تسمى بدعة في الدين وإن كانت تسمى بدعة في اللغة، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 292) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (29 / 16-17) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله:
"هناك فرق بين العبادات، والعادات، فالعادات: مباحة، فمباح للإنسان أن يبني كيف يشاء، وأن يلبس كيف يشاء، وأن يركب، وأن يصنع من الصناعات والحرف ما يشاء، ولا تسمى هذه بدعًا، فليس هناك بدعة دنيوية، والبدع الدينية: كلها سيئة، وليس فيها بدعة حسنة، وليس هناك ما يسمى بالبدعة الجائزة، أو البدعة المباحة، بل كل ما أضيف إلى الشرع مما ليس منه فإنه لا يجوز " انتهى من موقع الشيخ.
ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=9552&parent=3601 - 35k –
فالأصل في العادات: الإباحة حتى يوجد سبب لمنعها، كأن تشتمل العادة على محظور، من نحو إسراف أو تبذير أو مباهاة، فإن لم تشتمل على شيء من ذلك فهي جائزة.
فعلى ما تقدم بيانه: إن كان هذا الطعام الذي يعد للنفساء ولمن يأتي لزيارتها لا يحتوي على شيء مما حرمه الله، ولم يعد بإسراف أو تبذير ولا لمباهاة ونحو ذلك، فهو جائز ولا حرج فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7176)
حكم تربية " الهامستر ".
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تربية حيوان (الهامستر) وهل يدخل ضمن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) . رواه البخاري، بالرغم من اختلافه عن الفأرة من حيث النظافة ومناعته الضعيفه تجاه الأمراض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الجواب:
من خلال النظر في بعض الكتابات حول " الهامستر " والصور المبثوثة له في شبكة الانترنت، يتبين أن فيه شبهاً كبيراً بالفأر.
ومن المعلوم أن الفئران أنواع وأجناس كثيرة، وقد ذكرت بعض الدراسات أن للفئران (86) جنساً، تشتمل على (720) نوعاً. ينظر: " القوارض في الوطن العربي" ص 75، تأليف: عادل محمد علي.
و" الهامستر " جنس من أجناس الفئران كما ذكر مؤلف الكتاب السابق.
وجاء في الموسعة العربية العالمية (26/122) : " هو من أنواع القوارض الصغيرة القصيرة المكتنزة ذات الفراء ... وغالبية أنواع الهمستر لها ذنب صغير وتجويف فموي يساعدها على تخزين كميات كبيرة من الغذاء، وهناك حوالي 15 نوعا من الهامستر ".
وإذا كان " الهامستر " من أجناس الفئران، فلا يجوز اقتناءه ولا تربيته، بل يجب قتله، سواء كان في الحل أو في الحرم، كما هو المعروف من حكم الفأر.
وقد نص العلماء على أن هذا الحكم شامل لجميع أجناس الفئران.
قال الحافظ ابن حجر: وَالْفَأْر أَنْوَاع , مِنْهَا: الْجُرَذ.. وَالْخُلْد , وَفَأْرَة الْإِبِل , وَفَأْرَة الْمِسْك , وَفَأْرَة الْغَيْط , وَحُكْمهَا فِي تَحْرِيم الْأَكْل وَجَوَاز الْقَتْل سَوَاء ". انتهى " فتح الباري" (4/39)
والفأر حيوانٌ مفسدٌ ضار.
قال الدَميري: " وليس في الحيوانات أفسد من الفأر، ولا أعظم أذى منه، لأنه لا يُبقي على حقير ولا جليل، ولا يأتي على شيء إلا أهلكه وأتلفه ". انتهى "حياة الحيوان الكبرى" (2/271) .
مع ما في تربية مثل هذه الحيوانات من العبث وإضاعة الوقت والمال بلا فائدة، وفي الحيوانات الأليفة المفيدة التي لا إشكال في إباحتها غنية عنها.
وينظر جواب السؤال (124154) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7177)
حكم تربية الثعابين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمسلم أن يقوم بتربية الثعبان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الثعابين من الحيوانات الضارة والمؤذية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها حيثما وجدت.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا) رواه مسلم (1198) .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: (اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ) .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَلَبِثْتُ لَا أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلْتُهَا. رواه البخاري (3299) ومسلم (3233) .
بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بقتلها وهو في الصلاة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ) رواه الترمذي (390) وصححه الألباني.
وإذا كان الشرع قد أمر بقتلها، فكيف يجوز للمسلم أن يقوم باقتنائها بعد ذلك؟
قال الزركشي: "وَيَحْرُمُ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِنَاءِ" انتهى، نقله عنه في "تحفة المحتاج" (9/337) ، وينظر: "المنثور في القواعد" (3 /80) .
وقال السيوطي: "مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ، وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ اتِّخَاذُ آلَاتِ الْمَلَاهِي، وَأَوَانِي النَّقْدَيْنِ، وَالْكَلْبُ لِمَنْ لَا يَصِيدُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَالْفَوَاسِق" انتهى من "الأشباه والنظائر" صـ 280.
وقال ابن قدامة: "وما وجب قتله حرم اقتناؤه" انتهى من "المغني" (11/ 2) .
وقد نص العلماء على حرمة بيع وشراء الثعابين.
قال النووي: " ما لا ينتفع به [من الحيوانات] لا يصح بيعه، كالخنافس، والعقارب، والحيات، والفأر، والنمل، ونحوها" انتهى من "روضة الطالبين" (3 /351) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (17 /280) :
"اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لاَ نَفْعَ فِيهَا، إِذْ يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْفِئْرَانِ، وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، وَالْخَنَافِسِ، وَالنَّمْل وَنَحْوِهَا، إِذْ لاَ نَفْعَ فِيهَا يُقَابَل بِالْمَال" انتهى.
ولا فرق في تحريم الاقتناء بين أن يكون الثعبان سامَّاً أو غير سام، لعموم النصوص الشرعية الآمرة بقتلها.
ثم إن تربية الثعابين من العبث الذي يتنزه عنه المسلم، لخلوها من الفائدة، بل إن تربية هذا النوع من الحيوانات لا تخلو من بعض المخاطر كما لا يخفى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7178)
حكم تعليق شهادات التخرج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أقوم بوضع شهادة الدبلوم الخاصة بي على الحائط أو أن أضعها على المنضدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن تعليق الشهادة التي حصلت عليها من الأمور المباحة، وخاصة إن أردت إعلام الناس بتخصصك ودراستك، حتى يعرفوا مكانتك في العلم الذي درسته ويستفيدوا منك، بالتعلم أو السؤال أو المراجعة، أو غير ذلك من وجوه الاستفادة، أو كان على وجه التحدث بنعمة الله وفضله عليك.
وقد يفيد أصحاب الأعمال وضع الشهادات الدراسية الخاصة بهم وشهادات التقدير، وما شابه ذلك أمام المتعاملين معهم، حتى يكتسبوا ثقتهم.
أما إن علقتها بدافع التباهي والفخر والخيلاء والتعالي على الناس، أو جرك تعليقها إلى شيء محرم أو خُلقٍ محرم؛ فلا يجوز لك تعليقها، لأن هذا التعليق يفتح عليك أبوابًا من الشر.
وذلك يقدر بقدره دون إفراط أو تفريط، ويراعى العرف الجاري في كل مكان بحسبه. انظر السؤال رقم (100005)
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/7179)
حكم إزالة الصليب الموشوم
[السُّؤَالُ]
ـ[منقوش على جلدي صليب فهل يجب إجراء عملية جراحية لتغييره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب:
يجب ذلك إذا لم يكن هناك مضرة على البدن، وإلا وجب ستره فقط باللباس أو شيء يغطيه كلصقة ونحوها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7180)
ما رأيكم فيمن يهتم بالقلب والإيمان ولا يهتم بزينته ولا تهتم المرأة بالحجاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقال حول أخذ الرجال لزينتهم؟ ما هو الحكم إذا أبقيت على لحتي وكنت أشذبها (ولم أحلقها) وكنت أنوي بذلك أن أطلقها في وقت لاحق (قريبا جدا) ؟ بعض العلماء يعتقدون بأن تلك الأمور (خصوصا تزيين النفس) مثل هذه للرجال، وللنساء الحجاب، يجب أن تترك، وألا يركز عليها كثيرا. وهم يقولون بأن يركز الناس على أرواحهم، وعلى إيمانهم، وعلى ممارساتهم مثل الصلاة وسنة النبي عليه السلام. أليس التزين هو جزء من السنة، هذا شيء نقوم به كل يوم، وهو شيء يتعلق بشخصيتنا. وكل ما أبحث عنه هو ما يقربني من حب الله، وأسأل الله أن يرشدنا جميعا للطريق المستقيم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بالتجمل ولباس الزينة وما أشبه ذلك، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) والريش هو لباس الزينة والجمال. ولما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام خصلة الكِبر فقال: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كِبر) ، قالوا: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون نعله حسنا وثوبه حسنا؟ فقال: (إن الله جميل يحب الجمال، الكِبر بطر الحق، وغمط الناس) .
فالإنسان عليه أن يظهر بمظهر حسن، ولكن لا يقصد بذلك التكبر والإعجاب بنفسه، ولفت الأنظار، إنما يقصد التحدّث بنعمة الله، وإظهار ما أعطاه الله، كما ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلا عليه ثياب بِذْلة [هي ما يمتهن من الثياب، كثياب العمل] ، فسأله هل عندك مال؟ فقال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليُر عليك أثر ذلك) . وفي حديث آخر: (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يظهر عليه أثرها) . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، قال: إني لأتجمّل لامرأتي كما أحبّ أنها تتجمّل لي.
فعلى الإنسان أن يظهر بمظهر جمالي في لبسه وشعره وتعطّره كما يرغب بذلك من امرأته. واللحية جمال الرجال، وعليهم أن يتجملوا بإعفائها، وهي زينة، ومن وقع منه شيء من الخلل بتقصيرها فعليه أن يتوب ويُقلع عن ذلك بإعفائها، وذلك كله من أسباب الجمال.
والله أعلم
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
وينبغي أن يُعلم أن الأهم ـ فعلاً ـ هو الاهتمام بالقلب وإصلاحه، ولكن ليس معنى ذلك ـ كما يظن البعض ـ أن تترك الأمور الظاهرة، وقد يكون بعضها واجباً، كإعفاء اللحية للرجال، ولبس الحجاب للنساء، فإن القلب إذا صلح فلابد أن يظر أثر ذلك على الجوارح، بطاعتها الله، وبعدها عن معصيته، أما أن يكون القلب صالحاً، والإيمان قوياً، ولا يظهر ذلك على جوارح الإنسان فهذا لا يمكن، قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) رواه البخاري (52) ومسلم (1599) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7181)
يصلي ويقوم الليل، فهل تنصحونه بالاطلاع على الأخبار في الإنترنت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤالان: أنا شخص أصلي الصلوات الخمس، وأقوم الليل - والحمد لله - ولكني أقضي بعض الوقت يوميّاً في قراءة الأخبار عبر الإنترنت - أخبار المسلمين - سواء في بلدي، أو في العالم كافة، أحب أن أكون على اطلاع بما يجري للمسلمين في العالم، فهل هذا عمل صحيح أم من الأفضل أن أبتعد عنه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لمزيدٍ من طاعته، وأن ييسر لك العلم النافع، والعمل الصالح.
وبخصوص ما سألت عنه: لا حرج في قضاء بعض الوقت للتعرف على أخبار المسلمين من حيث الأصل، ولكن ينبغي مراعاة ما يلي:
1. أن تصرف لذلك من يومك وليلتك جزءً من الوقت محدداً، وأن لا تترك لنفسك العنان في تتبع الأخبار حيث وُجدت، ولا يخفى عليك أن مواقع الأخبار في الشبكة العنكبوتية كثيرة، وقراءة كل ما يُكتب فيه سيضيع معه العمر، دون أن يكون هناك فائدة.
وينبغي أيضاً أن تختار الوقت المناسب لذلك، فتكون مطالعة الأخبار في الوقت الذي تشعر فيه بالملل، وتحتاج إلى شيء من الترويح، ولا يكون ذلك في أول النهار ولا في آخره، لأن هذين الوقتين أفضل أوقات النهار لذكر الله تعالى وطاعته.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أثناء السير بالسيارة، أو الجلوس بالمنزل، كثيراً ما نسمع آيات القرآن الكريم تتلى، ولكن يكون الإنسان في حاجة إلى استماع شيء آخر مثل الأخبار، أو قراءة الجريدة؛ نظراً لعدم توفر الوقت للسماع للذكر، وفعل مثل هذه الأشياء بالترتيب، فهل إقفال الراديو، أو غيره؛ لغرض استماع الأخبار، أو قراءة الصحف: يعتبر إعراضاً عن ذكر الله؟ وما هو الحل في مثل ذلك؟ .
فأجابوا:
"لا حرج من سماع الأخبار، وقراءة الصحف، بدلاً من فتح الإذاعة على القرآن؛ لأن كل شيء له وقته، ولا يتضمن ذلك الإعراض عن القرآن، ولا هجره، إذا كان للمؤمن أوقات أخرى يقرأ
فيها القرآن، أو يستمع فيها إذاعة القرآن" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 102، 103) .
2. أن يكون اطلاعك لقراءة الأخبار على مواقع معينة، حتى لا يتشتت الذهن ويضيع الوقت بين المواقع الكثيرة المتناقضة أحياناً.
وننصحك بوضع روابط هذه المواقع التي اخترتها على " المفضلة " في حاسوبك الخاص؛ لعدم تضييع الوقت في الدخول عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7182)
حكم ارتياد حمامات مختلطة، يكتب على جدرانها بعض آيات القرآن!
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حمام تركي في إحدى المدن الأوروبية حيث أعيش مكتوب على أحد جدرانه بعض الآيات القرآنية باللغة العربية كزينة، ويرتاد هذا الحمام الرجال والنساء مختلطين وليس عليهم إلا لباس السباحة، ولمن أراد أن يتعرى تماماً فهناك غرف خاصة لهذا الغرض. فما رأي الشرع في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كتابة الآيات القرآنية أو تعليقها على الجدران يشتمل على مجموعة من المفاسد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (254) .
ويزداد الأمر سوءاً إذا كانت هذه الكتابة على جدران الحمامات التي تكشف فيها العورات ويرتادها الفساق، بل يُخشى أن يكون هذا فيه شيء من الاستهزاء بالقرآن الكريم، والاستهزاء بالقرآن الكريم كفر، وخروج عن الإسلام.
قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66.
قال القاضي عياض رحمه الله:
"اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما فهو كافر عند أهل العلم بإجماع " انتهى.
"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/304) .
وقال السعدي رحمه الله:
" الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص342-343) .
وإذا كان المسلم ممنوعاً من دخول الحمام ومعه مصحف، فكيف بكتابة آيات من القرآن على جدران الحمام؟!
وإذا كانت هذه الآيات مكتوبة على الجدار الخارجي للحمام - ولعله الأقرب - فتكون كأنها للدلالة على أن هذا الحمام إسلامي في الأصل، أو قد يكون هذا الحمام قديماً، وتم المحافظة على عمارته، ولكن دخله الفجور كما دخل غيره، ونحو ذلك، فهو مما لا يليق بلا شك، والواجب محو هذه الآيات عن جدران تلك الحمامات.
ثانياً:
أما اختلاط الرجال بالنساء، واغتسالهم جميعا في حمامات عامة بملابس السباحة، فهو من المنكرات الظاهرة، التي ينكرها كل صاحب عقل سليم وفطرة سوية لم تدنس، فضلاً عن إنكار الشرع لها.
روى مسلم (338) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ)
قال النووي رحمه الله:
" فِيهِ تَحْرِيم نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل , وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة , وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ. وَكَذَلِكَ نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الرَّجُل حَرَام بِالْإِجْمَاعِ , وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل عَلَى نَظَرِهِ إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى" انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ:
ينتشر في بعض المراكز الصيفية دورات للسباحة النسائية، وهذه المراكز لا تعير المسؤولات أي اهتمام بلباس السباحة للنساء مما يؤدي إلى كشف عوراتهن أمام بعضهن، فهل فكرة السباحة للنساء صحيحة؟ وهل يجوز لهن تعليم السباحة أمام بعضهن والبعض بملابس غير لائقة؟
فأجاب الشيخ حفظه الله:
" الحقيقة يا إخواني خروج المرأة عما حد لها ورسم لها في الشرع يسبب لها ولغيرها البلاء والفساد، فالمرأة لو كانت تتعلم السباحة في منزلها فإن أحدا لا يمنعها، لكن أن تخرج من منزلها إلى أماكن تعليم السباحة وبالصفة المذكورة وبملابس لا تستر عورتها فإن ذلك أمر مخالف للشرع، والواجب على أولياء البنات أن يتقوا الله فيهن، وأن يحفظوا تلك الأمانة فالله سائلهم عنها.
والواجب على كل مسلم أن يتقي الله، وأن يحافظ على عورات المسلمين، وأن يبادر بإغلاق تلك المسابح درءا للمفاسد المترتبة عليها لأن خروج المرأة ومخالطتها الأخريات وكشف عورتها أمام النساء، ونظرها إلى عوراتهن محرم " انتهى مختصرا.
"مجلة البحوث الإسلامية" (68 / 54 -56)
فإذا كان هذا بالنسبة للمرأة مع المرأة، فماذا يقال بالنسبة للمرأة مع الرجل، والمرأة كلها عورة؟!
فالواجب عليك يا أخي الابتعاد عن هذه البيئة الموبوءة.
وعليك قبل ذلك أن تقوم بواجب النصيحة لصاحب هذا الحمام، بأن يتقي الله تعالى، ويخشى عقابه، ويمنع كشف العورات والاختلاط في هذا الحمام، بأن يجعل مكاناً للرجال، وآخر للنساء، ويجعل لكل شخص مكاناً خاصاً به، ويقوم بمحو الآيات القرآنية المكتوبة على جدران الحمام.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7183)
لا بأس بتخصيص يوم السبت لزيارة الأهل
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في الغرب، وكذلك أهل زوجتي مقيمون في نفس المدينة التي نسكن فيها , ونذهب دائماً لزيارة أهل زوجتي , وكذلك زوجتي لها أخوات متزوجات ويسكنَّ في نفس المدينة , ولكن زوجتي وأخواتها حددن يوماً لزيارة أهلهن وهو يوم السبت , وقد أنكرت على زوجتي ذلك، وقلت لها لمَ يوم السبت؛ لأنه يوم عطلة لليهود، ولا نريد أن نتشبه باليهود , فقالت لي إن الأولاد عندهم يومين عطلة في الأسبوع، وهما السبت والأحد , فقلت لها لماذا لا تذهبن يوم الجمعة، أو مرة الجمعة، ومرة السبت، أو أي يوم آخر , ولكن زوجتي لم تقتنع بذلك , فأرجو من فضيلتكم الإجابة على ذلك، وجزاكم الله خيراً.. مع العلم أن زوجتي تذهب إلى أهلها متى شاءت، ولكن يوم السبت ما زلن هي وأخواتها يذهبن]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بداية نسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء لحرصك على التباعد عن هدي الكافرين، وخوفك من الوقوع في التشبه بهم، وهكذا هو المؤمن، يعتز بإيمانه وإسلامه، ولا يرضى أن يكون تابعا مقلدا لمن غضب الله عليهم من اليهود والنصارى.
غير أن ما تفعله زوجتك وأخواتها ليس فيه محذور، فيما يبدو لنا، وليس هو من التشبه المحرم إن شاء الله؛ وذلك لأن تحديد يوم السبت بالزيارة ليس لأنه يوم عيد؛ بل لأن هذا أرفق بهن، وأنسب لظروف الأسرة، حيث يتمكن الجميع، بسبب العطلة، من تلك الزيارة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فأما من فعل الشيء، واتفق أن الغير فعله أيضاً، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه: ففي كون هذا تشبهاً نظر " انتهى.
" اقتضاء الصراط المستقيم " (ص/83) .
وقال أيضا:
" ما ليس في الأصل مأخوذاً عنهم لكنهم يفعلونه أيضاً، فهذا ليس فيه محذور المشابهة، ولكن قد يفوت فيه منفعة المخالفة، فتتوقف كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي وراء كونه من مشابهتهم، إذ ليس كوننا تشبهنا بهم، بأولى من كونهم تشبهوا بنا " انتهى.
" اقتضاء الصراط المستقيم " (ص/223)
فيتحصل من كلام ابن تيمية السابق في ضوابط التشبه المحرم أن تخصيص زوجتك وأخواتها زيارتهن في يوم السبت ليس فيه محذور شرعي، لأسباب عدة:
1- أن زيارة الأرحام مشروعة في ديننا في كل وقت وحين، وهي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي سلفنا الصالحين في كل زمان ومكان، ولا بأس بتخصيص يوم لها بحسب الظرف والوقت، وهذا باتفاق العلماء.
2- الزيارات يوم السبت ليست من خصائص اليهود والنصارى، ولا أمر مأخوذ عنهم، بل هو أمر عام في كل البشر، ولا تتميز به أمة دون أمة، وإنما الذي من خصائص اليهود: أن يتخذ ذلك اليوم عيدا، يحدث الناس فيه من مظاهر العيد، ما لا يحدثون في غيره.
وقد سبق أيضا في جواب السؤال رقم: (21694) ، ورقم (108996) ذكر بعض ضوابط التشبه المحرم.
فإذا لم يكن ظاهر هذا الفعل منهن أنه تشبه بالكفار، ولم يُخْش عليهن من ذلك: فلا بأس بتخصيص يوم السبت لمثل هذه الزيارة، إذا كان هذا أرفق بهم، وأنسب لحالهم.
وقد روى البخاري (1193) ومسلم (1399) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ كَانَ يَأْتِي قُبَاءً كُلَّ سَبْتٍ، وَكَانَ يَقُولُ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ) .
والخلاصة: أنه إذا كان تخصيص يوم السبت بالزيارة هو الأرفق بهن، فلا بأس به إن شاء الله، ولا يظهر فيه محذور؛ وإذا ساعدت ظروفهن على تخصيص يوم آخر، سوى السبت والأحد، أو تبديلها كل مرة: فهو أحوط لهن، وأبعد عن الشبهة، وأظهر في المخالفة للكفار في عيدهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7184)
وقفات مع كتب ودورات " تطوير الذات " ومثيلاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اقتناء أو قراءة الكتب التي تُعنى بمواضيع " تطوير الشخصية " و " رفع الثقة بالنفس " و " قواعد السلوك "، وغيرها، علماً أن بعض هذه الكتب يحتوي على بعض التمارين التي يُطلب من القارئ أن يتبعها لتطوير مهارة محددة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثمة اختلاف بين الكتب المؤلفة في " تطوير الذات " و " قواعد السلوك " و " فن الإدارة " وما يشبهها وبين الكتب المتعلقة بـ " البرمجة العصبية "، والثانية فيها من المبالغات والمخالفات، ما استحق التحذير منها بالكلية، وأما الكتب المتعلقة بالمواضيع الأولى: فإنها تحتوي على سلبيات، وإيجابيات
، ونذكر أولاً أنه قد صدر كتاب في " أميركا " – مصدر الكتب المؤلفة في تلك المواضيع – يفضح هذه الفكرة، ويبين عوارها، ويأتي بالأدلة الدامغة على فشلها، والكتاب صدر في عام 2005 م ويحمل عنوانًا طريفًا كاشفًا SHAM: How the Self-Help Movement Made America Helpless، وترجمته: " كيف صيرتْ حركةُ مساعدة الذات أمريكا عاجزة "، والمؤلف هو الكاتب الصحفي المعروف " ستيف ساليرنو " Steve Salerno، وقد عرضت مجلة " المعرفة " تقريراً عن الكتاب، وسيتم الإحالة على بعض مواضع منه، ويتم الإحالة على التقرير كاملاً.
ثانياً:
أما ما يوجد من ملاحظات سلبية على تلك الكتب:
1. أنها بمثابة مخدِّر ليتم الإدمان على شرائها، وليس لها واقع عملي ملموس، لا في أغلب حياة أفراد المجتمع، ولا في الدول نفسها.
جاء في تقرير كتاب " ستيف ساليرنو ":
والكاتب يلخص وجهة نظره في سؤال ذكي هو: إذا كانت هذه الكتب تساعد الناس - كما يزعم مؤلفوها - على الارتقاء، والاستغلال الأمثل لطاقاتهم الجسمية والعقلية، وإذا كانت هذه الدورات تأخذ بأيديهم إلى السعادة، وتوفر لهم الحلول لمشاكلهم: فلماذا ما زالوا يصطفون في طوابير لشراء آخر ما يصدر من كتب تطوير الذات؟ ولماذا يواصلون حضور هذه الدورات؟ أليس من المفترض أنهم قد أفادوا من هذا الكتاب وتعلموا من ذاك المتحدث؟ فلماذا هذا السعي المحموم لالتهام ما تقذف به المطابع من جديد الكتب؟ ألم يحفظوا عن ظهر قلب وصفة النجاح، وينتقلوا إلى المحطة التالية، حيث النجاح والسعادة؟ .
انتهى
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=105&Itemid=2
والمقال حري بالقراءة فيه تلخيص نافع للكتاب.
وللأسف فإن هذا هو الواقع عندنا في عالمنا العربي والإسلامي، فدروة في إثر دورة، وكتاب يعقبه كتاب، والقراء هم القراء، ولا نرى أثر تلك الدورات والكتب على المجتمع بأفراده وأسَره، بينما نرى النجاح الملموس ـ بفضل الله ـ للدعاة على المنابر، والعلماء على الفضائيات، ونرى أثر كلامهم في تغيير حياة الناس إلى الأفضل، وتصحيح اعتقاداتهم للحق والصواب.
2. أغلب مؤلفي هذه الكتب هم – في الأصل - من الكفار، وهي مترجمة بالعربية، ولا شك أن اختلاف الدين والثقافة والسلوك، يظهر في تلك الكتب في أصلها، وفي ترجمتها.
ويظهر أثر ذلك في مواضع:
1. الخلل في الترجمة، وعدم إعطاء النص الأصلي عمقه وقوته إن كان الكلام فيه صواب، فتجد المبالغة والتهويل في النص العربي.
2. يستشهد مؤلفو تلك الكتب بأقوالٍ لكفارٍ مثلهم، ومع كثرة القراءة لهم، وقراءة تعظيمهم والثناء عليهم: يتحول أمثال أولئك إلى رموز وقدوات، تحفظ مقولاتهم وتردد، وتكون منطلقاً لفهم الحياة، والتعامل مع الآخرين.
3. ترك الكتاب كما هو، بما يحوي من خلل شرعي ومخالفات، ومن أمثلته:
أ. كتاب " مئة سر بسيط من أسرار السعداء " من تأليف " ديفيد نيفن "، تعريب: ابتسام الخضراء فيه قوله:
" زيادة العوامل المشتركة بين الزوجين يزيد السعادة الزوجية، ويُذكر أن هناك زوجين جدَّدا عهد زواجهما على ارتفاع ثلاثة آلاف قدم! قبل خروجهما من الطائرة لرياضة القفز بالمظلات، تشاركهما لهذه الرياضة جعلهما يتشاركان السعادة مع بعض، فزادت سعادتهما من بعضهما، وسبحان الله السعادة من الأشياء القليلة جدّاً التي تزيد بالمشاركة، والشكر لله على ذلك "! .
انتهى
فانظر لهذا التعليم، وهذا المثال، وانظر كم فيه من مخالفة للشرع.
ب. كتاب " كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس " لمؤلفه " ديل كارنيجي ".
وكلمة " الأصدقاء " تشمل الذكور والإناث! وعلى غلاف الكتاب – الطبعة العربية التي رأيناها – صورة لمجموعة رجال ونساء، تعبيراً عن النجاح الذي سيحققه قارئ الكتاب.
وفي الكتاب:
- فصل " امنح الكلب اسماً محبَّباً "!!
- وفي التقدمة له ذُكر أن المؤلف كان " يُطعم الخنازير " التي كان يربي والده فصيلاً أصيلاً منها، ثم عمل بائعاً للحم الخنزير المدخَّن!!
4. البُعد عن العلاج الديني للقلق، والكآبة، وعدم ذِكر الاعتماد على الله، والتوكل عليه، وتعظيم النفس وحدها أنها هي التي تفجر الطاقات، وتخرج كوامنها، وهذه السلبية مشتركة مع " البرمجة العصبية ".
سئل الدكتور عبد الغني مليباري – حفظه الله -:
الكثير علق فلها على فشل ديل كارنيجي صاحب كتب " دع القلق "، و " كيف تكسب الأصدقاء " الذي مات منتحراً! كيف تربط ذلك الفشل بالبرمجة؟ .
فأجاب:
الفارق بين ما قدمه " ديل كارنيجي " وبين ما تقدمه البرمجة كبير جدّاً، من حيث الصحة، فـ " ديل كارنيجي " قدّم كثيراً من الأفكار المستنبطة بالعقل والنظر، ولكنها ليست كفيلة أبداً بمنح صاحبها سعادة وطمأنينة، ما لم تخالط بشاشة الإيمان قلبه، ومن هنا فالذي: يربط بينهما ربما باعتبار أنه لا يصلح أن يكون الحائر الضال مرشداً ومدرَّباً في أمور القلوب، وتزكية النفوس، وصدق ابن مسعود رضي الله عنه إذ قال: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء إنهم لن يهدوكم وقد ضلوا "، فكيف يهتدي المسترشد والدليل حائر؟!
" المجلة العربية "، عدد رقم (322) ، السنة 28، تاريخ ذو القعدة 1424 هـ.
وصدق الشاعر العربي إذ يقول:
أَعمى يَقودُ بَصيراً لا أَبا لَكُمُ قَد ضَلَّ مَن كانَتِ العُميانُ تَهديهِ
5. تحمل تلك الكتب عناوين برَّاقة، خادعة، من أجل الكسب المادي في شرائها، مثل " التطوير الذاتي والنجاح السريع "، " أيقظ العملاق داخلك "، و " تعلم الاستثمار في خمس دقائق "! ، و " قدرات غير محدودة "، و " الحمية السريعة "، و " كيف تسيطر على الآخرين ".
وفي داخلها، أو على أغلفتها يُكتب: " انتبه، هذا الكتاب سيغيِّر مجرى حياتك "، " لقد غيَّر هذا الكتاب على وجه التحديد حياة ملايين الأشخاص حول العالم بعد أن كانوا من المهمشين الضائعين في عالمنا ".
وليس يراد من ذلك إلا إغراء السذَّج من الناس للإقبال على شراء تلك الكتب، حتى إنه ليعتقد أنه إن لم يفعل ليكونن من الفاشلين.
قال " ستيف ساليرنو ":
" ما زال يُضخ سنويّاً عددٌ هائل من الكتب في هذا المجال، ففي عام 2003 م فقط: صدر ما بين 3500 و 4000 كتاب من كتب " المساعدة الذاتية "! ، أي: أكثر من عشرة كتب يوميّاً، أليس هذا عددًا هائلًا من الكتب التي تصدر في فرع واحد؟! بل وفقًا لـ " ماركتداتا إنتربرايزيز " Marketdata تمثل اليوم حركة تطوير الذات بكل أشكالها تجارة تبلغ 8.56 بليون دولار! ، وقد كانت لا تزيد عن 5.7 بليون دولار عام 2000 م، وتتوقع " ماركتداتا " أن تبلغ 12 بليون دولار عام 2008 م، وهكذا لم يعد من المستغرب أن نجد أتباع هذه الحركة ومريديها يخزنون هذه الكتب في مكتبات المنزل، وخزائن المطبخ، وحقائب الرياضة، حتى في السرير؛ لتضمن لقرائها أحلاماً سعيدة، قد يلتقون فيها مع الدكتور " فيل "! أو " أنتوني روبينز " في مملكة السعادة الأرضية، حيث لا همّ، ولا نصب "! .
انتهى
وقد اعتقد بعضهم أن النجاح هو في اقتناء تلك الكتب! لا في تطبيقها في واقع الحياة، فصار التنافس بينهم على شراء الجديد، والسبق في القراءة دون التطبيق.
6. النظريات المبثوثة في تلك الكتب قائمة على المادية المجردة من الحياة، والدِّين، مثل: تقنيات الإدارة التي تؤصل لعبودية المرؤوسين للرؤساء، والموظفين للمدراء، أو مثل وسائل الإقناع والتأثير على الآخرين، والتي ينتج عنها التغرير بالمستهلكين للشراء، أو البيع، أو التأجير.
7. تحويل الدورات لتجارة، بأخذ مبالغ كبيرة، وعدم إتقان العمل؛ بسبب بذل قليل من الوقت، وعدم قيام أكفاء على إعطائها.
8. إدخال البرمجة العصبية فيها، بتكرار جملة معينة، أو مخاطبة اللاوعي! والاسترخاء.
قالت الدكتورة فوز كردي – حفظها الله – تخاطب سائلة عن دورات " تطوير الذات ":
لأهمية التدريب: تصدَّى له كثيرون تجارةً، فتري - وللأسف - دورة " القبعات الست " و " الذكاءات الثمانية "، و " الخرائط الذهنية "، وغيرها من الدورات الجيدة قد أصبحت عندما قدمها المبرمجون وجهاً جديداً للبرمجة، ومفاهيم اللاوعي والاسترخاء والتنويم، وغيرها، كما أنها مختصرة، وسريعة، لا تدرب على مهارة، ولا تتوجه لأهداف تنمية التفكير والتربية.
ومن هنا: أرى المسؤولية تتضاعف على المسؤولين - أمثالكم - لفحص محتوى الدورة، وسيرة المدرب، فلا يعطي دورة إلا من هو متخصص في مجالها، مشهود له بذلك عند أهل التخصص، لا عند الحضور الأغرار، الذين يصفقون لأي مدرب، ويسطرون شهادتهم له بالإبداع و ... و ... .
وانظري إلى المستشفيات: لن تجدي المجال مفتوحاً لكل من يزعم أنه يعالج، فلم نسمح نحن لجميع الأدعياء بأن يخترقوا ساحة التربية والتعليم، ويتصدروا ليدربوا المعلمين والمعلمات، والمشرفين والمشرفات، غير ناظرين في تخصصاتهم، وصحة ما يدَّعون من شهادات، أو إجازات، ونحوه.
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=89&Itemid=2
وأخيراً:
انظر النقد العلمي لأشهر كتاب في تلك المواضيع، وهو كتاب " السر وقانون الجذب "، وذلك في جواب السؤال رقم (112043) .
ثالثاً:
أما الملاحظات الإيجابية: فنرى أنها قليلة في كتب الكفار؛ بسبب اعتقادهم، ومنهجهم في الحياة، وبسبب سلوكهم، ونرى أنه يمكن الاستفادة من كتب الدعاة، وطلبة العلم في هذا الباب، ممن عرفوا بحسن المعتقد، وصواب المنهج، لا أولئك المقلدة للغرب، والمنبهرين بكتاباتهم.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7185)
يجمع كتبا ولا يقرؤها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل ولله الحمد لدي العديد من الكتب النافعة والمفيدة والمراجع لكنني لا أقرؤها بل أختار منها البعض. هل يلحقني إثم في جمع هذه الكتب عندي في البيت مع العلم أن بعض الناس يأخذون من عندي بعض الكتب يستفيدون منها ثم يرجعونها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس على المسلم حرج في جمع الكتب المفيدة وحفظها لديه في مكتبة لمراجعتها والاستفادة منها، ولتقديمها لمن يزوره من أهل العلم ليستفيدوا منها، ولا حرج عليه إذا لم يراجع الكثير منها، أما إعارتها إلى الثقات الذين يستفيدون منها فذلك مشروع وقربة إلى الله سبحانه، لما فيه من الإعانة على تحصيل العلم، ولأن ذلك داخل في قوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/78) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7186)
إعطاء الأطفال العيدية في العيدين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا أطفال صغار، وتعودنا في بلادنا أن نعطيهم حسب يوم العيد سواء الفطر أو الأضحى ما يسمى بـ (العيدية) وهي نقود بسيطة، من أجل إدخال الفرح في قلوبهم، فهل هذه العيدية بدعة أم ليس فيها شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في ذلك، بل هو من محاسن العادات، وإدخال السرور على المسلم، كبيراً كان أو صغيراً، وأمر رغب فيه الشرع المطهر.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/247) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7187)
شروط اقتناء حيوان أليف
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 10 سنوات وأريد اقتناء حيوان أليف , فهل هناك شروط أو ضوابط لذلك؟ إذا كان هناك أي شيء الرجاء تبيانها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إنه من دواعي سرورنا أن نتلقى أسئلة من أمثالك من أبنائنا الصغار، الذين يحبون الله ورسوله، ويتميزون بالنباهة والذكاء، وهذا السؤال مهم ومفيد، بأسلوب مختصر ومؤدب، فنسأل الله تعالى أن يحفظك ويرعاك ويجزي بالخير كل من يساهم في تربيتك التربية الحسنة.
ثانيا:
اقتناء وتربية حيوان أليف أمر مباح في الإسلام، لا حرج فيه.
وقد روى البخاري (6203) ومسلم (2150) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟!! نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ.
والنغير: طائر صغير أحمر المنقار.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" فيه جواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه، وقص جناح الطير، إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما، وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم " انتهى.
" فتح الباري " (10/584) .
أما شروط وضوابط تربية الحيوانات، منها:
1- ألا يكون الحيوان المقتنى كلبا، فقد حرم الإسلام اقتناء الكلب إلا كلب الحراسة، وكلب الصيد، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (69777) ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ) رواه البخاري (3225) ومسلم (2106) ، فهل يرضى المسلم ألا تصحبه ملائكة الرحمة في بيته بسبب حيوان يقتنيه.
2- عدم المبالغة في هذا الشأن إلى حد الإسراف المذموم، فقد رأينا بعض من يدفع الآلاف بل الملايين للتنافس على شراء حيوان معين، والعناية به، وتوفير الخدمة له، بل وبعضهم يوصي له بشيء من أمواله، وفي بعض الدول تقام المهرجانات والمعارض لأنواع الحيوانات , وتنفق عليها الأموال الطائلة، وهذا كله من السفه ونقص العقل.
3- الإحسان إلى الحيوان، فإذا اقتنى المسلم حيوانا وجب عليه أن يحسن إليه بالطعام والشراب، ولا يتسبب له بالأذى والضرر بالعبث به، أو اتخاذه غرضاً، أو للتهارش، أو تعريضه لحرارة أو برودة، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنَّ لَنَا فِى الْبَهَائِمِ لأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِى كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) رواه البخاري (2466) ومسلم (2244) .
فانظر كيف أن المؤمن يؤجر على عنايته بالحيوان، بل إنه قد يدخل الجنة بسبب إحسانه إلى حيوان واحد، كما وقع لهذا الرجل المذكور في الحديث، والله سبحانه وتعالى يحب المحسنين.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة دخلت النار بسبب إهمالها لهرة حبستها فماتت من الجوع، لا هي أطعمتها، ولا هي أطلقتها وتركتها تأكل من حشرات الأرض.
وانظر جواب السؤال رقم: (3004) ، (14422) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7188)
حكم وقوف الطلبة تحيةً للمدرس إذا دخل الفصل
[السُّؤَالُ]
ـ[جرت العادة بوقوف الطلبة تعظيماً للمدرس إذا دخل الفصل. فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي (2754) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره قيامهم له، تواضعاً لربه، ومخالفة لعادة المتكبرين والمتجبرين. "تحفة الأحوذي ".
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الإسلام في وقوف الطلبة لمدرسيهم أثناء دخولهم الفصول، هل هو جائز أم لا؟
فأجابوا: "خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وخير القرون القرن الذي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والقرون المفضلة بعده، كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وكان هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في هذا المقام أنه إذا جاء إليهم لا يقومون له؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك، فلا ينبغي لهذا المدرس أن يأمر طلبته بأن يقوموا له، ولا ينبغي لهم أن يمتثلوا إذا أمرهم، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/172) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7189)
البيت الواسع من سعادة المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل ضيق البيت من شقاوة المسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سعة البيت من سعادة المسلم، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد (15409) عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ: الْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3029) .
وروى الحاكم وأبو نعيم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (887) .
والمراد أن هذا من سعادة الدنيا، لا سعادة الدين، والسعادة مطلقة ومقيدة، فالسعادة المطلقة هي السعادة في الدارين، الدنيا والآخرة، والسعادة المقيدة تكون حسب ما قيدت به.
فمن رزق الصلاح في الأشياء المذكورة طاب عيشه، وسعد ببقائه، لأن هذه الأمور مما يريح الأبدان والقلوب، ويجعل الحياة مريحة أكثر.
والمراد بالشقاوة هنا: التعب، كما في قوله تعالى: (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) طه/117. أي: فتتعب.
ومن ابتلي بالمرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء تعب في أكثر أوقاته، فإن ضيق الدار يضيق الصدر، ويجلب الهم، ويشغل البال.
ويشرع للإنسان أن يسأل ربه السعة في المسكن، لما روى الترمذي (3500) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دعا في ليلة وقال: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1265) .
نسأل الله تعالى أن يرزقنا السعادة في الدارين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7190)
حكم إدخال كلمات أجنبية في الكلام العربي أثناء الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يتكلم بكلمات أجنبية أثناء كلامه العربي، وقد لا يكون هناك أي داع لهذه الكلمات، فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللغة العربية هي أشرف اللغات، وهي شعار الإسلام، ولهذا اختصها الله تعالى وأنزل بها أفضل كتبه، وهو القرآن الكريم، وجعلها لغة خاتم الرسل وأفضلهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فينبغي للمسلم أن يعتز بتلك اللغة ويحرص عليها، ولا يتكلم بغيرها إلا لحاجة.
وقد ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم نهوا عن الكلام بغير العربية.
روى ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم، فإن السخط ينزل عليهم) .
والرطانة هي التكلم بالأعجمية. "مختار الصحاح" مادة (رطن) (ص246) .
وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع قوماً يتكلمون بالفارسية، فقال: (ما بال الفارسية بعد الحنيفية!) .
وكان بعض الناس يسمون التاجر بـ "السمسار" وهي كلمة أعجمية، فكره ذلك الإمام الشافعي رحمه الله، وقال: " سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً، ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب، والسماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً، ولا ينطق بالعربية، فيسمى شيئاً بأعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها، لأنها اللسان الأولى بأن يكون مرغوباً فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية " انتهى نقلا من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/521) .
فقد كره الإمام الشافعي رحمه الله لمن يعرف العربية أن يخلط كلامه العربي بكلام أعجمي.
فإن وجدت حاجة للكلام الأعجمي، كما لو كان المخاطَب لا يفهم العربية، فلا حرج من الكلام الأعجمي حينئذ.
ونُقل عن بعض السلف أنهم كانوا يتكلمون في ثنايا كلامهم بكلمات أعجمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك لإفهام المخاطب، إما لكونه أعجمياً، أو قد اعتاد العجمية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وقد كساها ثوباً: (يا أم خالد، هذا سنا) رواه البخاري (5845) .
والسنا بلغة الحبشة: الحسن، وإنما خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لأنها كانت صغيرة، وقد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها.
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية – التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن – حتى يصير ذلك عادة للمصر – أي: البلد -، وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه ... ، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم " انتهى باختصار وتصرف من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/525 - 526) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يدخل البعض في طيات كلامه العربي كلمات أجنبية عندما تتحدث معه , وربما كانت هذه الكلمات لا حاجة لها، فما تعليقكم على هذا الأمر؟
فأجاب: " تعليقي: أن المسلم ينبغي له أن لا يتكلم بغير العربية، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لكون الشيء معروفاً باسمه غير العربي، أو كون المخاطب لا يفهم من العربية إلا قليلاً، فإن هذا لا بأس به.
أما إذا كان الإنسان عربياً وهذا الشيء الذي تحدث عنه له اسم في اللغة العربية فلا ينبغي له أن يأتي بشيء آخر من اللغات الأخرى؛ لأن أفضل اللغات وأتمها وأحسنها هي اللغة العربية، ولهذا نزل القرآن باللغة العربية، وهو أفضل الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله، وكان أيضاً لسان آخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم اللسان العربي، وهو دليل واضح على فضيلة اللغة العربية " انتهى.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (1084) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (90066) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7191)
تعليق الجرس للأغنام
[السُّؤَالُ]
ـ[الأغنام يوضع معها جرس، وهذا الجرس كالعلامة للأغنام، فهي تمشي إذا مشى وترتع إذا رتع، المهم أن صوت هذا الجرس أو الأجراس توجه الغنم وتربطها له حتى لا تذهب.. فما حكم الشرع في جواز تعليق الأجراس في رقاب الغنم التي تتبع الراعي الذي يرعى الغنم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ورد الحديث بالنهي عن الجرس الذي يقصد صوته للتلذذ والطرب والتنشيط في حديث: (لا تَصْحَبُ الْمَلائِكَةُ رِفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ) [رواه مسلم (2113) ] .
فأما إذا كان القصد منه اتباع البهائم له وسيرهم تبعاً له فلا أرى به بأسًا؛ لما في ذلك من مصلحة اجتماع الأغنام وارتباطها بالراعي وعدم تفرقها؛ ففي ذلك مصلحة كبيرة، فإن استغنى عنه فهو أفضل إذا وجد ما يقوم مقامه من اتباعها لصوت الراعي أو سوقه لها ونحو ذلك، والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (1575) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7192)
اقتناء الحمام وتربيته
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أثراً في مسند أحمد بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه قال: (شهدت عثمان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام) . فهل معنى هذا أنه علينا أن نذبح الحمام ولا نربيه؟ أرجو تفسير هذا الأثر. وما مدى صحة أن هذه الهواية كانت لقوم لوط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
وردت عدة أحاديث في ذم اقتناء الحمام وتربيته، لم يصح منها إلا حديث واحد، وهو: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ: (شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً) . رواه أبو داود (4940) ، وحسنه ابن القيم في "زاد المعاد" (4/351) ، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود"، وحسنه محققو مسند أحمد (2/345) .
قال في عون المعبود:
" (فَقَالَ شَيْطَان يَتْبَع شَيْطَانَة) : إِنَّمَا سَمَّاهُ شَيْطَانًا لِمُبَاعَدَتِهِ عَنْ الْحَقّ، وَاشْتِغَاله بِمَا لَا يَعْنِيه، وَسَمَّاهَا شَيْطَانَة لِأَنَّهَا أَوْرَثَتْهُ الْغَفْلَة عَنْ ذِكْر اللَّه" انتهى.
ولم يصح في الحمام شيء مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا.
قال ابن القيم رحمه الله:
" أحاديث الحَمَام لا يصح منها شيء " انتهى.
ثم ذكر استثناء حديث أبي هريرة السابق. "المنار المنيف" (رقم/119) .
ومن الأحاديث الموضوعة في ذم اتخاذ الحمام: (عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا ... وذكر منها: ولعبهم بالحمام) ، ولكن في سند هذا الحديث بعض الرواة الكذابين، انظر "السلسلة الضعيفة" (1233) .
وقد ورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين ذم اللعب بالحمام، والأمر بقتله، كعثمان بن عفان وابراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز.
وقد بين العلماء أن المقصود بهذه الآثار ذم حالات مخصوصة من اتخاذ الحمام وتربيته، وهي:
1- من يتخذ الحمام سبيلا للوقوف على أسطح المنازل، واتباع عورات الناس وكشف بيوتهم.
2- من يؤذي بحمامه الجيران، فتأكل زروعهم، أو تسقط الحجارة على بيوتهم إذا رماها صاحب الحمام لزجر حمامه.
3- من يسرق بحمامه حمام الناس بإغرائها وإطعامها.
4- من يشتغل بالحمام عن الواجبات والطاعات.
قال الإمام البيهقي رحمه الله:
" حمله بعض أهل العلم – يعني الذم السابق - على إدمان صاحب الحمام على إطارته، والاشتغال به، وارتقائه السطوح التي يشرف بها على بيوت الجيران وحُرمِهِم لأجله " انتهى.
"شعب الإيمان" (5/245) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" اللعب بالحمام منهي عنه، ... ومَن لعب بالحمام فأشرف على حريم الناس أو رماهم بالحجارة فوقعت على الجيران فإنه يعزر على ذلك تعزيرا يردعه عن ذلك، ويمنع من ذلك، فإن هذا فيه ظلم وعدوان على الجيران؛ مع ما فيه من اللعب المنهي عنه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (32/246) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" وعليه – يعني ولي الأمر - أن يمنع اللاعبين بالحمام على رؤوس الناس، فإنهم يتوسلون بذلك إلى الإشراف عليهم، والتطلع على عوراتهم " انتهى.
"الطرق الحكمية".
أما من يتخذ الحمام ليكاثرها ويبيعها فينتفع بثمنها، أو للأكل، أو للأنس بها، أو غير ذلك من الحاجات التي تقوم لدى الناس فلا حرج عليه إن شاء الله.
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
"ويباح اقتناء الحمام للأنس بصوتها أو لاستفراخها ولحمل كتب " انتهى.
"شرح منتهى الإرادات" (3/592) .
وانظر جواب السؤال رقم: (111951) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7193)
سجل حضورك بمعلومة أو نصيحة أو صورة هل لها حكم سجل حضورك بالصلاة على النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن حكم المواضيع التي توضع في المنتديات، وهي كالتالي: " سجل حضورك بصورة على ذوقك أو منظر "، وكذا " سجل حضورك بمعلومة أو نصيحة "، فلا أعلم هل ينطبق حكمها مثل حكم مواضيع " سجل حضورك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق وان ذكرنا حكم تسجيل الحضور بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجزم بالمنع منه، وإن كان الأولى تركه.
انظر جواب السؤال رقم (72382)
أما تسجيل الحضور بمنظر، أو صورة، أو معلومة، أو نصيحة: فالأمر فيه واسع، والذي يظهر لنا جوازه، لكن بشروط:
1. أن لا تحتوي الصورة أو المنظر على صور نساء، أو رسم ذات روح باليد.
وينظر تفصيل هذا الأمر في جواب السؤال رقم: (102082) .
2. أن لا يكون في المنظر أو الصورة مكان سياحيٌّ يحتوي على محرَّمات، أو يكون مرغباً
في السفر إلى بلاد الكفار.
3. أن تكون المعلومة موثقة من مصادرها الأصلية، ولا يُذكر فيها آية حرِّف في لفظها، أو معناها، ولا حديث ضعيف، أو موضوع.
4. أن تصبَّ النصيحة في تحسين خلُق، أو في حثٍّ على طاعة، أو نهي عن معصية.
ومثل هذه المواضيع لا تخرج عن كونها مباحة، كالصورة أو المنظر، أو مستحبة، كذكر معلومة مفيدة، أو واجبة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي مما يمكن الاشتراك به بين الناس، فلا يزال الناس يعلِّم بعضهم بعضاً، وينصح أحدهم الآخر، ويستنصحه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7194)
نقل المحاضرات وتسجليها بالفيديو تيب
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، لدينا قاعة محاضرات صغيرة لا تتسع لجميع الضيوف فضلاً عن الطلاب، ونحن نقيم بعض المحاضرات والندوات العلمية والحفلات، ونرغب في نقلها إلى مكان آخر بواسطة جهاز الفيديو تيب، نأمل منكم الإفادة عما يلي: 1-هل يجوز نقل هذه المحاضرات والندوات بواسطة جهاز الفيديو تيب؟ علماً بأنه نقل بدون تسجيل على الأشرطة الخاصة به. 2-هل يجوز تسجيل المحاضرات والندوات في أشرطة الفيديو تيب؟ بغرض عرضها مرة أخرى، للاستفادة منها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً:
إذا كانت المحاضرات والندوات العلمية نفسها ليس فيها ما يخالف أحكام الإسلام جاز نقلها بجهاز الفيديو تيب، تعميماً للفائدة ونشراً للعلم.
ثانياً:
يجوز تسجيل المحاضرات والندوات في أشرطة الفيديو تيب؛ لعرضها مرة أخرى، زيادة في الاستفادة منها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وذلك أن هذا الجهاز لا حكم له في نفسه، بل هو صالح للاستعمال في الخير والشر؛ فإذا استعمل في الخير فهو خير، وإن استعمل في الشر فهو شر.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/278) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7195)
تسمية المستشفيات ودور القرآن بأسماء أعلام المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية المبرات الخيرية والمستشفيات ودور القرآن وغيرها بأعلام المسلمين؛ كالصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المهديين، والقادة المجاهدين، أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج في تسمية المبرات الخيرية والمستشفيات ودور القرآن وغيرها بأعلام المسلمين؛ كالصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المهديين، والقادة المجاهدين، وليست هذه التسمية من البدع في شيء، بل هي من المباحات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (26/383) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7196)
حكم افتتاح المشاريع بقص الشريط
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتاد بعض الناس عند عمل معارض أو افتتاح مشاريع بعمل شريط يُقص عند الاحتفال. وبعض المسلمين يسبقه بالبسملة والسؤال بالبركة من الله في نجاح المشروع. فهل توجد ظروف مشابهة لقص الشريط في العهود الإسلامية تختص بالافتتاحات الإسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا أعرف أصلاً لهذه العادة ولا فائدة فيها، ولم تكن من عمل المسلمين في سابق الزمان، وإنما هو مجرد تقليد للبلاد الأجنبية، وإنما جاء الإسلام بالاستخارة في الأمور قبل البدء في العمل، والدعاء بالبركة وكثرة الخير والتوفيق من الله تعالى في نجاح ذلك المشروع وفلاحه، ثم بعد ذلك عليه أن ينصح فيه ويخلص في عمله، ويسوّي بين القريب والبعيد، ويجتنب الغش والظلم والمخادعة، ويقوم بالأمانة وإنجاز الأعمال ويحتسب في ذلك الأجر من الله تعالى ونفع المسلمين، ويقوم بحق الله عز وجل من أداء العبادات وفعل القربات وترك المحرمات، فمتى حصل ذلك رُجي له النماء والنجاح واشتهر بذلك بين الناس ورغبوا في معاملته، وحصل له ربح وخير كثير، والله الموفق" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن جبرين حفظه الله.
"فتاوى إسلامية" (1/125) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7197)
حكم شراء مقتنيات المشاهير بأموال باهظة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله بعض الناس من إنفاق الأموال الطائلة في شراء ما يسمونه المخلفات الأثرية لبعض الأشخاص المشاهير أو المعظمين من ملابس ومقتنيات كان يقتنيها أو يستعملها ذلك الشهير أو المعظم في حياته، ويدفعون في مقابل الحصول على ذلك مبالغ طائلة قد تصل إلى الملايين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن هذا عمل محرم من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا العمل نوع من الوثنية؛ لأنه يفضي إلى الشرك، والتبرك بتلك الآثار، والتعلق بأصحابها من دون الله عز وجل، وما وقع الشرك في الأمم السابقة إلا بسبب تعظيم آثار عظمائهم وصالحيهم، كما حصل لقوم نوح وغيرهم.
الوجه الثاني: أن بذل الأموال في الحصول على تلك الآثار هو من أعظم الإسراف والتبذير، اللذين حرمهما الله في محكم كتابه، كما قال تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27، وقال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
الوجه الثالث: أنه قد جاء الشرع المطهر بوجوب الحجر على السفهاء والمبذرين لمنعهم من ذلك، قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء/5.
فالواجب على ولاة الأمور وضع حد لمثل هذا التصرف المشين، والتوجيه بصرف هذه المبالغ في سبيل الله عز وجل، من كفالة الأيتام وإطعام الفقراء والمساكين وسد عوز المعوزين، وتمويل المشاريع الخيرية العامة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/125) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7198)
تربية القطط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاحتفاظ بالقطة في المنزل، وفقا لتعاليم الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز اتخاذ الهرة في المنزل ولا حرج لأن الهرة ليست مؤذية، ولا نجسة.
أما كونها ليست مؤذية: فهذا معلوم لا يمارى فيه بل هي مفيدة بأكلها الحيات والجرذ والحشرات وغيرها التي قد تكون في المنازل أو ساحاتها.
وأما كونها غير نجسة: فلحديث كبشة بنت كعب بن مالك: أن أبا قتادة – والد زوجها - دخل عليها فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة لتشرب منه فأصغى إليها الإناء حتى شربت قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ". رواه الترمذي (92) والنسائي (68) وأبو داود (75) وابن ماجه (367) وصححه الترمذي ونقل ابن حجر في " التلخيص " تصحيح البخاري له.
ثانياً:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ". رواه البخاري (3140) ومسلم (2242) .
خشاش الأرض: حشرات الأرض وهوامها كالفأرة.
فهذا الحديث لم ينكر على المرأة أنها اتخذت هرة ولكنه بين أن إثم المرأة كونها لم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض.
ثالثاً:
ما سمي الصحابي الجليل أبو هريرة بهذا إلا لأنه كان يعطف على الهرر ويقتنيها، حتى اشتهر بهذه الكنية ونسي الناس اسمه حتى اختلف العلماء باسمه إلى قرابة ثلاثين قولاً. قال ابن عبد البر في " الاستيعاب ": والراجح أن اسمه عبد الرحمن بن صخر ولم يختلف أحد منهم أنه أبو هريرة.
رابعاً: تنبيه:
يجوز اقتناء الهرة، ولكن لا يحل بيعها وشراؤها ولكن توهب هبة، وتعطى عطية، وذلك لحديث أبي الزبير قال سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور، قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. رواه مسلم (1569) .
السنور: الهر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7199)
هل يحضر نتيجة الاختبار لطالب في كلية الحقوق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إحضار نتيجة لطالب في كلية حقوق هل هذه مساعدة علي الإثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز إحضار نتيجة الإختبارات لطالب في كلية الحقوق؛ لأن الدراسة فيها ليست متمحضة للحرام، فقد يدخلها من يريد معرفة القوانين ومقارنتها بأحكام الشريعة، أو للتوصل إلى العمل المنضبط في المحاماة لإحقاق الحق ونصرة المظلوم.
وعليه؛ فلا حرج في مساعدة هذا الطالب بإحضار النتيجة له، ما لم يتبين أنه يريد الدراسة لغرض محرم.
وينظر جواب السؤال رقم (9496) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7200)
لا حرج من إزالة الأصبع السادس من اليد
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقت ببنت وفي كف يدها اليسرى ما يشبه أصبعاً سادساً، وأشار علينا بعض من الناس أنه يمكن استئصال هذا الأصبع الزائد؛ لأنه معلق ويهتز كلما اهتزت يدها، فنريد حكم الإسلام في هذه العملية الجراحية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في إزالة الأصبع الزائد من كف البنت إذا انتفت المفسدة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/58) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7201)
رفع جهاز التنفس الصناعي عن المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[مريض مصاب بتلف في خلايا التنفس في المخ، وليس هناك علاج لهذه الحالة، ويتنفس عن طريق جهاز، فهل يجوز رفع الجهاز؟ مع العلم أنه إذا رفع الجهاز فسوف يتوقف التنفس ويموت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الأمر كما ذكر فلا مانع من نزع الجهاز التنفسي عنه إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم الموتى، ولكن يجب أن ينتظر بعد نزعها منه مدة مناسبة حتى تتحقق وفاته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/82) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7202)
حكم الواسطة من أجل الحصول على وظيفة أو غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الواسطة، وهل هي حرام؟ مثلاً إذا أردت أن أوظف أو أدخل في مدرسة أو نحو ذلك واستخدمت الواسطة فما حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: "إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعين فيها من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها، والقدرة على تحمل أعبائها والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك – فالشفاعة محرمة؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها، وظلم لأولي الأمر بسبب حرمانه من عمل الأكفاء وخدمتهم لهم، ومعونتهم إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها، ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء، ومفسدة للمجتمع.
أما إذا لم يترتب على الواسطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة، بل مرغب فيها شرعاًُ، ويؤجر عليها الشفيع إن شاء الله، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء) .
ثانياً: المدارس والمعاهد والجامعات مرافق عامة للأمة، يتعلمون فيها ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ولا فضل لأحد من الأمة فيها على أحد منها إلا بمبررات أخرى غير الشفاعة، فإذا علم الشافع أنه يترتب على الشفاعة حرمان من هو أولى من جهة الأهلية أو السن أو الأسبقية في التقديم أو نحو ذلك كانت الواسطة ممنوعة، لما يترتب عليها من الظلم لمن حرم أو اضطر إلى مدرسة أبعد فناله تعب ليستريح غيره، ولما ينشأ عن ذلك من الضغائن وفساد المجتمع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/389) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7203)
حكم التصفيق في الحفلات وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تصفيق الرجال في الحفلات أو المحاضرات إذا أعجبهم شيء، أو أرادوا تحية المتكلم في المحاضرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يرد الشرع بالتصفيق في شيء من العبادات إلا للمرأة في الصلاة، إذا حدث ما يقتضي التنبيه عليه، لما رواه البخاري (684) ومسلم (421) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
فما يفعله بعض الصوفية في حلقاتهم وموالدهم من التصفيق عند الأذكار والأوراد، لا شك أنه بدعة ضلالة، وهو مشابه لفعل المشركين عند الكعبة، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35.
والمكاء: الصفير. والتصدية: التصفيق.
ثانياً:
أما تصفيق الرجال في الحفلات ونحوها مما ليس عبادة، فأقل أحواله الكراهة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم التصفيق في الحفلات؟
فأجاب "التصفيق في الحفلات ليس من عادة السلف الصالح، وإنما كانوا إذا أعجبهم شيء سبحوا أحيانا، أو كبروا أحيانا، لكنهم لا يكبرون تكبيرا جماعيا، ولا يسبحون تسبيحا جماعيا، بل كل واحد يكبر لنفسه، أو يسبح لنفسه، بدون أن يكون هناك رفع صوت، بحيث يسمعه من بقربه، فالأولى الكف عن هذا أي التصفيق، ولكننا لا نقول بأنه حرام لأنه قد شاع بين المسلمين اليوم، والناس لا يتخذونه عبادة، ولهذا لا يصح الاستدلال علي تحريمه بقوله تعالي عن المشركين: (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فإن المشركين يتخذون التصفيق عند البيت عبادة، وهؤلاء الذين يصفقون عند سماع ما يعجبهم أو رؤية ما يعجبهم لا يريدون بذلك العبادة.
وخلاصة القول أن ترك هذا التصفيق أولى وأحسن ولكنه ليس بحرام" انتهى.
ينظر موقع الشيخ ابن عثيمين على الانترنت
وذهب بعض العلماء إلى تحريمه، لما فيه من مشابهة المشركين، والنساء.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار": "قوله: (إنما التصفيق للنساء) يدل على منع الرجال منه مطلقاً" انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات؟ .
فأجاب:
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية، وأقل ما يقال فيه الكراهة، والأظهر في الدليل تحريمه؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35.
قال العلماء المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.
والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول: سبحان الله أو يقول: الله أكبر، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق، أما الرجال فينبهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكل ذلك منهي عنه. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/151) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد:
"لا يُشرع التصفيق في شيء من أمور الدين إلا في موضع واحد للحاجة: وهو للمرأة داخل الصلاة إذا عرض عارض كسهو الإمام في صلاته، فإنه يستحب لمن اقتدى به تنبيهه: فالرجل ينبه الإمام بالتسبيح، والمرأة تنبه الإمام بالتصفيق؛ وهذا لثبوت السنة به عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) .
ثم حدث في الأمة التعبد بالتصفيق لدى بعض المبتدعة عند قراءة الأذكار، والأوراد، والأحزاب، وفي الموالد، والمدائح في البيوت، والمساجد، وغيرها، ويظهر أنه منذ القرن الرابع، فإن الحافظ عبيد الله بن بطة المتوفي سنة 387 أنكر عليهم ذلك، وقد تتابع إنكار العلماء عليهم، وتهجينهم، وتبديعهم، فمن الذين لهم مقام صدق في ذلك الحافظ ابن الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهم، قديماً، وحديثاً، مقررين بالإجماع: أن التعبد بالتصفيق: بدعة ضلالة، وخروج على الشرع المطهر، فيجب اجتناب التعبد به ويجب منعه.
ثم في أثناء القرن الرابع عشر تسلل إلى المسلمين في اجتماعاتهم واحتفالاتهم، التصفيق عند التعجب؛ تشبهاً بما لدى المشركين من التصفيق للتشجيع، والتعجب.
وإذا كان التصفيق في حالة التعبد: بدعة ضلالة، كما تقدم، فإن اتخاذه عادة في المحافل، الاجتماعات؛ للتشجيع، والتعجب، تشبه منكر، ومعصية يجب أن تُنكر، وذلك لما يلي:
معلوم أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب، هو الثناء على الله تعالى وذكره بالتكبير، والتسبيح، والتهليل، ونحوها، والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة في كتاب السنة، ترجم لبعضها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقا: "باب التكبير والتسبيح عند التعجب "، وأدخلها العلماء في كتب الأذكار منهم النووي رحمه الله تعالى في: "كتاب الأذكار" فقال: "باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوها"، وعلى هذا الهدي المبارك درج سَلَفُ هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله، وفي هذا استمرار حال المسلم بتعظيم الله، وتمرين لسانه على ذكر الله تعالى.
إذا عُلِمَ ذلك، فإنه لا نعلم من المرويات عن المقتدى بهم من أئمة الهدى، التَّصْفِيْقَ في مثل هذه الحال، فضلاً عن ورود شيء من ذلك في السنة، وعليه، فإن التصفيق في احتفالات المدارس، وغيرها: إن وقع على وجه التعبد، فهو بدعة محرمة شرعاً، لأن التصفيق لم يتعبدنا الله به، وهو نظير ما ابتدعه بعض المتصوفة من التصفيق حال الذكر والدعاء، كما تقدم.
وإن وقع التصفيق المذكور على وجه العادة، فهو منكر محرم؛ لأنه تشبه (بالكفار) .
ولا نعرف دخول هذه العادة في تاريخ المسلمين إلا في أثناء القرن الرابع عشر، حين تَفَشَّى في المسلمين كثير من عادات الكافرين والتشبه بهم.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "والتصفيق منكر، يطرب، ويُخرج عن الاعتدال، وتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من: "التصدية" وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) الأنفال/35، فالمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، ثم قال: وفيه أيضاً تشبه بالنساء، والعاقل يأنف من أن يخرج من الوقار، إلى أفعال الكفار والنسوة" انتهى.
فعلى العبد المسلم أن يتقي الله فيما يأتي ويذر، وأن يتثبت فيما ينسبه إلى الشرع المطهر" انتهى من "تصحيح الدعاء" (ص 86-89) باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7204)
للتخلص من الأوراق التي فيها ذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأحيان يكون لدينا أوراقاً إسلامية نريد أن نتلفها، بعضها تحوي آيات من القرآن بالإنجليزية وبعضها عليها كلمة الله بالإنجليزية.
أرجو أن تنصحنا بطريقة التخلص منها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن الإفادة من هذه الأوراق عن طريق إهدائها لمن ينتفع بها أو وضعها في مكتبات مخصصة لذلك.
فإن تعذر ذلك أو لم تكن الأوراق صالحة لذلك فيمكن إتلافها عن طريق الحرق أو التقطيع الذي تختفي معه آيات القرآن ولفظ الجلالة أو الدفن وإذا بقي بعض الكلمة فلا يضر، وهناك آلات تقطيع الأوراق طولاً وعرضاً يمكن استخدامها لهذا الغرض، والله يوفقنا وإياكم لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7205)
حكم زيادة قوة محرك السيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ي له عدة محاور وأحب أن أوضحها حيث إنها من الأمور المعاصرة التي نعاني منها وهي: انتشر في الآونة الأخير بين الشباب بشكل كبير وانتشار، وهو القيام بزيادة قوة محرك السيارة (الهيدرز ,,الخ) أو استبداله بمحرك أقوى من السابق من نوع آخر، وأيضاً أصبحت بعض وكالات السيارات تقوم بإنزال نوعيات من السيارات مزودة، وتحتوي (الهيدرز) ، وهي منتشرة بشكل كبير، ومسموح لها بذلك، ومستخدموها هم عده فئات: - بعض الأشخاص يستخدمه للاشتراك في الراليات والمسابقات المحلية والخارجية بتنسيق من جهات حكومية، وبعضهم يحتاج له في الرحلات البرية (القنص، الصيد ... الخ) ، والبعض يستخدمه لحب الظهور والتنافس فيما بينهم في السباقات والتحديات. الآن ما حكم من يقوم بتزويد محرك سيارته؟ وبالنسبة لصاحب الكراج الذي يقوم بمساعدة هؤلاء الأشخاص في عمل الزيادات المطلوبة منه في سياراتهم من دون إخبارهم له بحاجتهم لها، هل عليه شيء؟ وجزاكم الله خيرا، وبارك بكم، وزادكم الله من فضله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زيادة قوة محركات السيارات ينطوي على مفسدتين اثنتين:
الأولى: الإسراف المكروه: وهو من أسوأ المظاهر التي نراها في بعض المجتمعات، وهي ظاهرة خطيرة على مستوى الأفراد والبلاد، ولا يمكن تجاوز آثارها السيئة إلا بتضافر جهود الناس والمسؤولين وولاة الأمور، كي نحفظ نعمة الله تعالى علينا بشكرها وتقديرها، وليس بامتهانها وتبذيرها فيما لا ينفع ولا يفيد.
يقول الله عز وجل: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/ 26، 27، ويقول سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/ 31،
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ)
رواه النسائي (2559) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي ".
المفسدة الثانية: ما تجره سرعة السيارات من خطر عظيم على الأرواح والممتلكات، حيث تكثر الحوادث، ويزداد الأذى الذي يسببه بعض السائقين بسياراتهم، بتحركاتهم المريبة المزعجة، وتنافساتهم فيما بينهم، ولا شك أن من أخطر ما تواجهه المجتمعات اليوم، حوادث السيارات التي تسبب الموت أو العجز أو المرض، والأعداد المرتفعة للحوادث سببها الرئيسي السرعة الزائدة.
لذلك، فهذه دعوة إلى المسؤولين عن تنظيم قطاع المرور والنقل إلى إعادة النظر في القوانين المرورية، كي تأخذ بأيدي الناس نحو العافية والسلامة: العافية من الإسراف والتبذير المقيتين، والسلامة في الصحة والبدن، وكل منهما من المقاصد الشرعية المهمة.
نستنتج مما سبق أن الحكم الشرعي لزيادة قوة محركات السيارات – زيادة خارجة عن المعتاد –: هو التردد بين الكراهة والتحريم، وهذا الحكم يشمل الزيادة لأجل المشاركة في مسابقات السيارات، أو لأجل الخروج في البر للقنص والصيد، أو للزينة والشهرة والمفاخرة، فكلها تشترك في علة الإسراف فيما لا ينبغي، وكلها تنطوي على مخاطرة في سلامة الأموال والأبدان.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى حرمة الإسراف، وليس الكراهة فقط، وذلك أدعى للمرء أن يتورع عن الوقوع فيه.
قال المرداوي – رحمه الله -:
وأما الإسراف في المباح: فالأشهر لا يحرم، قاله في الفروع، وحرمه الشيخ تقي الدين – أي: ابن تيمية -.
" الإنصاف " (1 / 473) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة " (21 / 150) :
" الإنفاق من المال إذا زاد عن مقدار الحاجة فقد يكون محرما، وقد يكون مكروها.
انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم (85345) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7206)
هل يزيد قوة محرك السيارة لمن يطلب منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي كراج، ويأتيني أشخاص حتى أزود لهم، فما الحكم في تزويد السيارات، يعني زيادة سرعة السيارات من 100 إلى 300 كيلومتر في الساعة. وأيضا للعلم فإن هؤلاء المزودين سيصرفون أموال تقدر بـ 50 ألف فما فوق، وذلك نتيجة لشراء معدات التزويد. علما بأنه يستفاد في هذا التزويد للمسابقات الرياضية، وفي الرحلات البرية عند الذهاب إلى الصيد في الصحراء، والبعض الآخر للزينة، أو بمعنى آخر للشهرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراكب البرية والبحرية والجوية مِن نعم الله تعالى علينا في هذه الأزمان، وحق النعمة شكرها واستعمالها في طاعة الله تعالى، ومراقبة الله في جميع شأنها، وليس بتبذيرها والإسراف فيها من غير حاجة ولا ضرورة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) . رواه البخاري (1477) ومسلم (593) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقال – الباجي المالكي -: ويكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا، ولا بأس به إذا وقع نادراً لحادث يحدث: كضيف، أو عيد، أو وليمة.
ومما لا خلاف في كراهته: مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء، زيادة على قدر الحاجة، ولا سيما إن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة.
" فتح الباري " (10 / 408) .
يقول الشيخ عبد الله الطريقي:
وأما المركب - وهو ما يركب عليه في البر، والبحر، والجو - فإنه مِن أَجَلِّ نِعَم الله على الناس....
وعلى رغم غلاء أسعار كثير منها [يعني: من أنواع المراكب] إلا أن ذلك لم يقف حائلا دون التباهي والمفاخرة من لدن كثير من الأفراد الشباب والمؤسسات المختلفة في وسيلة السيارات بوجه خاص.
وتبرز صور الإسراف هنا في:
1. اختيار النوع الفاره والفاخر من السيارات، مما لا يطيقه المستهلك، بل قد لا يطيق معشاره.
2. الاستكثار من السيارات مما لا يدعو إليه حاجة.
3. تجديد الوسيلة - السيارة - في كل سنة أو سنتين مع كونها جديدة قوية، دون سبب معقول، اللهم إلا الركض وراء كل جديد والتفاخر به أمام الأقران.
4. عدم العناية بها وإهمال صيانتها، بحيث يسرع إليها الخراب، ولا سيما إذا كانت السيارة ليست ملكا له، بل تابعة لمؤسسة خاصة أو حكومية، وهذا فوق كونه إسرافاً فإنه خيانة للأمانة التي عهدت إليه، وهي قيادة السيارة أو صيانتها.
5. التكلف في مظهر السيارة، مما يدخل تحت اسم " زينة السيارات "، حتى لقد يوازي ذلك قيمة السيارة ذاتها.
6. عدم استعمالها على الوجه الصحيح، بل بطرق عشوائية جنونية لا تلتزم بقواعد السير وأنظمته.
ومن ذلك ما يعرف بـ " التفحيط "، الذي أصبح ظاهرة عند كثير من الشباب الذي يملك السيارة من قبَل الغير، ولم يدفع في شرائها شيئا يحسب له حسابه.
ومن هنا، وفي ضوء تلك المظاهر المؤلمة، أصبحت هذه الوسيلة - السيارة - مصدر خطر على الأفراد والجماعات، حيث كثرت الحوادث المرورية داخل المدن وخارجها، وأنتجت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات " انتهى.
" مشكلة السرف في المجتمع المسلم " (86 – 89) .
وزيادة قوة محرك السيارة من صور الإسراف الجديدة المستحدثة، حيث لا حاجة تدعو إليها، لا المسابقات التي لا تعود بالنفع على المشاركين في شيء، سوى خسارة المال، وتعريض الصحة للهلاك والعطب، ولا القنص والصيد الذي تكفي له السيارات الموجودة اليوم، ولا المباهاة والمفاخرة والشهرة التي يزينها الشيطان في عيون كثير من الناس.
لذلك نرى تردد حكم هذا العمل بين الكراهة والتحريم، سواء من أصحاب السيارات، أو أصحاب المحلات التي تقوم عليها، وندعو جميع المسؤولين إلى إعادة النظر في القوانين التي تنظم هذه الأمور، كي تأخذ بها نحو بر السلامة والعافية.
ويترجح جانب التحريم والمنع من ذلك، كلما كانت العلة في زيادة السرعة أبعد من حاجة الناس، فالمباهاة والتفاخر في نفسه محرم ممنوع، فكيف إذا استعان على ذلك بعمل تتعدى مفسدته ومضرته إلى الآخرين.
والنظر في تصميم السيارة، ومدى قابليتها لتحمل تلك الزيادة من عدمه، هو أيضا من الأمور المهمة في ذلك، فليس كل أنواع السيارات مصممة لتحمل مثل ذلك، مما يزيد من الخطر المترتب على تلك الزيادة، وارتفاع احتمالات حدوث الضرر بالنفس والآخرين من جرائها.
قال ابن العربي المالكي – رحمه الله -:
الإسراف: تعدِّي الحد، فنهاهم عن تعدي الحلال إلى الحرام، وقيل: ألا يزيدوا على قدر الحاجة.
وقد اختلف فيه على قولين: فقيل هو حرام، وقيل: هو مكروه، وهو الأصح.
" أحكام القرآن " (2 / 310) باختصار.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة " (21 / 150) :
" الإنفاق من المال إذا زاد عن مقدار الحاجة فقد يكون محرما، وقد يكون مكروها.
انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم (85345) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7207)
هل النظر في الكون عبادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن النظر في العالم كالعبادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النظر في العالم بمعنى التفكر في مخلوقات الله وما أبدعه في هذا الكون، والاستدلال بذلك على عظمة الله وقدرته، هو من العبادة التي يزيد بها الإيمان، ويكمل بها اليقين، ولهذا تكررت الدعوة إلى هذا النظر في كتاب الله، كما في قوله سبحانه: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) العنكبوت/20، وقوله: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) الغاشية/17- 20.
وقوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة/164.
فإذا نظر الإنسان في هذه المخلوقات وتأمل في حكمة إيجادها، وفي بديع صنعها، وفي تسخير الله تعالى لها، ازداد إيمانه ويقينه، وأثيب على تفكره هذا.
وكذلك النظر في أحوال الأمم وممالكهم التي زالت بسبب كفرهم وعصيانهم، والاعتبار بذلك، كما قال تعالى عن قوم صالح وديارهم، ديار ثمود: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) النمل/51- 52
وأما مجرد النظر في العالم للمتعة والتسلية، فليس عبادة، بل هو مباح، بشرط ألا يشغل عن واجب أو يوقع في محرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7208)
التحذير من منكرات حفلات التخرج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في حفلات التخرج التي كثرت في هذه الآونة واستحوذت على اهتمام الشباب والشابات وبذلت فيها كثير من الأموال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لاشك أن إنهاء الطالب لمرحلة الدراسة الجامعية، وحصوله على شهادة التخرج، أمر يشترك في الفرح به عامة الناس، الطالب وأهله وزملاؤه ومحبوه؛ لأن ذلك يمثل نهاية مرحلة التعب والسهر والقلق، ويمهد للانتقال إلى مرحلة جديدة يعول فيها الطالب نفسه، ويأكل من عمل يده، ويجني فيها ثمرة تعبه، ولهذا فالفرح بهذا التخرج يعد أمرا فطريا ينسجم مع طبيعة النفس الإنسانية بصفة عامة، وإذا ارتقت هذه النفس، وعمرت بالإيمان، قرنت هذا الفرح بشيء آخر عظيم وهو الشعور بالنعمة، وشكر المنعم سبحانه، وإدراك أن الفضل بيده عز وجل، فهو الموفق والمعين، ولولاه ما كان الإنسان ولا نجاحه ولا اجتهاده.
ثانيا:
لا حرج في إظهار الفرح بهذه المناسبة، ودعوة الأهل والأصدقاء، وتهنئة الطالب بتخرجه، كما أنه لا حرج في إقامة الجامعة لاحتفال تكرم فيه المتفوقين من هؤلاء الطلاب، وتشجع الدارسين على الجد لبلوغ هذه المرحلة.
والأصل في هذه الاحتفالات الإباحة، سواء أقيمت للطلاب أو الطالبات، إذا سلمت من المنكرات والمحاذير الشرعية، ومنها:
1- الإسراف والتبذير، وكلاهما مذموم شرعا، كما قال تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141.
وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27.
ومن ذلك: جعل الدخول إلى هذه الحفلات برسوم باهظة، مما يترتب عليه إدخال الحرج على الطالب الفقير وأهله، الذين لا يملكون ثمن تذكرة الدخول.
2- إقامة الاحتفال في فنادق وأماكن لا يؤمن فيها اطلاع الرجال على الطالبات، إما بالاطلاع المباشر، أو عن طريق الكاميرات ونحوها.
ولهذا يتأكد الأمر بجعل احتفال الطالبات في أماكن مأمونة يسلمن فيها من اطلاع الرجال عليهن.
3- استئجار الفرق الموسيقية للمشاركة في الاحتفال، أو جعل مسيرة التخرج مصحوبة بالموسيقى أو الأناشيد ذات المؤثرات الصوتية المشابهة، وهذا منكر ظاهر؛ لقيام الأدلة الشرعية على تحريم المعازف واستماعها، وينظر جواب السؤال رقم (5000) .
4- استئجار المغنين والمغنيات لإحياء هذه الاحتفالات بزعمهم، وبذل الأموال في ذلك، والواقع أنهم يميتون القلوب، بما يرددونه من كلمات الميوعة والخلاعة.
5- مشابهة الكفار في لباس التخرج الكنسي والقبعة الخاصة بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تشبَّهَ بقوْمٍ فهُو مِنهُم) رواه أبو داود (3512) وصححه الألباني.
6- تصوير حفلات الطالبات بالفيديو وغيره، مما لا يؤمن معه اطلاع الرجال على هذا التصوير ولو بعد مدة.
7- حضور الطالبات بملابس متهتكة لا يليق أن تظهر بها المرأة المسلمة أمام أخواتها المسلمات.
وبعد؛ فهذه أنواع من المنكرات الشائعة في هذه الاحتفالات، والتي يجب الحذر منها، والإنكار على أهلها.
ونسأل أن يحفظ شباب المسلمين وفتياتهم، وأن يوفقهم للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7209)
زكاة الفطر عن الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة، فهل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زكاة الفطر تجب على الإنسان، وعلى من تلزمه نفقته، كالزوجة، والابن، وغيرهما؛ لما روى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) ، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم.
انظر: "المجموع" (6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" (2 / 771) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 367) .
ثانياً:
المرأة إذا طُلقت طلاقاً رجعياً، فهي في حكم الزوجات لها ما لهن من النفقة والسكنى، ما دامت في العدة، والفطرة تتبع النفقة، فما دام أن نفقة الرجعية على الزوج، فكذلك الفطرة عليه.
قال النووي في " المجموع " (6 / 74) : " قَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا " انتهى.
وقال ابن يوسف المواق من المالكية في " التاج والإكليل " (3 / 265) : " لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا " انتهى بتصرف.
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج لا يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته، بل ذلك واجب عليها هي، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين، وانظر جواب السؤال (99353) .
وينبغي للزوج أن يأخذ بالأحوط والأبرأ لذمته، فيخرج زكاة الفطر عن مطلقته الرجعية، ولا سيما وزكاة الفطر شيء يسير، لا يشق على الزوج إخراجه في الغالب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7210)
تسمية المكتبة باسم الشيخ ابن عثيمين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد فتحت مكتبة لبيع الأدوات المدرسية، وصورة طبق الأصل، والكتب الدينية والقصص.....إلخ وسميت المكتبة باسم أحد علماء الإسلام، وهو الشيخ محمد العثيمين رحمه الله. وقد قال لي بعض الأخوة هنا إن هذا لا يجوز؛ فهل هذا صحيح، أو يجب أن أغير هذا الاسم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تسمية المكتبة باسم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، أو باسم غيره من المشهورين بالعلم والديانة، أو الجهاد، أو نحو ذلك، وليس هناك ما يمنع من ذلك، بل في ذلك إحياء لاسمهم، وتذكير بفضلهم وجميل أثرهم، ما دام الاسم لا يروج لشخص من أهل البدع أو الانحراف ونحوهم، وما دامت المكتبة لا يباع فيها أمور منكرة يسيء وجودها لاسم الشيخ رحمه الله.
وعلى ذلك جرى عمل الناس، فسميت المكتبات بابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم، ولم ينكره أحد من أهل العلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7211)
حكم دخول غرف المحادثة على شبكة (الإنترنت) للتسلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدني بحكم دخولي لـ (الشات) وصفحات (الدردشة) ، حيث إن دخولي لها هو فقط للتسلية والنظر في بعض الموضوعات المطروحة ومناقشتها، ولا يخفاكم شيخنا ما يتخلل هذه الأماكن من كلام فاحش وبذيء ... أفدني حفظك الله بهذا الخصوص، ولك مني جلّ محبتي ودعائي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مما ينبغي على العبد المسلم: الحرص على تقويم النفس وتهذيبها، والارتقاء بها إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وذلك يعني منه طول المجاهدة وحسن السياسة، وأهم ما يمكن أن يعينه على ذلك: تجنب أماكن الفساد، وموارد الهلاك، فقد اتفق علماء السلوك على أن النفس مجبولة على الضعف والميل في أصل تكوينها، وأن العقل هو الذي يضبطها ويوجه طاقتها، فإذا أسلم العقلُ النفسَ إلى مراتع الفساد والهوى: فقد لا يملك بعد ذلك أن يعيدها إلى حياض النجاة والخلاص.
وهكذا هي مجالس اللهو والعبث – أخي السائل - فقد كانت – وما زالت بصورتها المعاصرة على الإنترنت – مصارف لاستنفاد الطاقات وتضييع المواهب وإهدار الإنجازات، يجتمع عليها أهل البطالة ممن لا يحملون رسالة العمل والنجاح في حياتهم، فيهدرون فيها أوقاتهم وأعمارهم التي هي أغلى ما يملكون، ويقضون أيامهم في القيل والقال، فلا هم أقاموا دنيا ولا التزموا بدين.
والمسلم حين يستشعر نعمة الفراغ التي أكرمه الله بها لا يملك إلا أن يبحث عن أفضل عمل يملأ به أيامه وساعاته، وليس فقط عن عمل حسن يسد عنه ذلك، ولذلك تجد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن أفضل الأعمال التي ينالون بها أرقى المراتب عند الله تعالى، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يسألون.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) .
رواه البخاري (6412) .
مغبون: أي: ذو خسران فيهما كثير من الناس.
قال ابن القيم - رحمه الله - وهو يتحدث عن الغيرة على الوقت -:
غيْرة على وقت فات! وهي غيرة قاتلة، فإن الوقت وَحِيُّ التقضي – أي: سريع الانقضاء – أبيُّ الجانب، بطيء الرجوع ...
والوقت عند العابد: هو وقت العبادة والأوراد، وعند المريد هو وقت الإقبال على الله، والجمعية عليه، والعكوف عليه بالقلب كله.
والوقت أعز شيء عليه، يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك، فإذا فاته الوقت: لا يمكنه استدراكه البتة؛ لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص، فإذا فاته وقت: فلا سبيل له إلى تداركه.
" مدارج السالكين " (3 / 49) .
وإن أهم ما يساعد على اغتنام الأوقات الهروب من المجالس الخاوية، وترك فضول الكلام، والنأي عن أهل الكسل والبطالة، ومصاحبة المجدين النبهاء الأذكياء المتيقظين للوقت والدقائق، والانغماس في متعة المطالعة والاستزادة من المعرفة.
فالعاقل الموفق من يملأ حاضر عمره ووقته بفائدة وعمل صالح نافع، فيترقى في مدارج السمو والرفعة، يطلب علما أو يكتب درسا أو يتعلم صنعة أو يزور رحما أو يعود مريضا أو ينصح ضالا أو يتكسب رزقا يقوم به على عياله يكفهم عما في أيدي الناس.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا – أي: فارغا – لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة.
ذكره أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في " الأمثال " (48) .
وليس في حياة المسلم تسلية في سماع المعاصي ورؤية المنكرات، وأنت تعلم أن هذه المحادثات فيها ما يخالف الشرع من الفحش في القول، والسوء في الخلق، فهل الدخول في هذه المستنقعات الآسنة هو مما ينفع المسلم، ومن الذي يحرص عليه في حياته.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) . رواه مسلم (2664) .
ولو سألك الله تعالى يوم القيامة عن هذه الأوقات التي أضعتها في القيل والقال، والكتابة والمحادثة فيما لا ينفعه، بل هو يضرك: فماذا سيكون جوابك؟ .
عن أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفيمَ أَنْفَقَهُ، وعن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ) . رواه الترمذي (2417) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (126) .
واعلم – أخي – أخيراً:
أن هذه غرف المحادثة قد أفسدت أخلاق كثيرين، وقد فرَّقت بين أحبة، وطلَّق رجال زوجاتهم بسببها، وخسرت نساء شرفهن بسببها، واغتر ضعاف الإيمان وقليلو العلم بما فيها من شبهات وانحرافات فزلت أقدامهم، والواجب على المسلم إذا سمع عن بيئة فتنة أو معصية أن ينكر على أهلها ويصلح حالهم – إن كان على ذلك من القادرين -، أو ينأى بنفسه عن تلك البيئات ولا يغتر بقوة إيمانه، أو أنه عارف بأحوالهم، وإنما هو يتسلى!
فحذار أخي السائل الكريم من الانغماس في مجالس المحادثة على شبكة (الإنترنت) ، وانأ بنفسك عما فيها من الفحش والبذاءة، فهي مجالس قليلة النفع كثيرة الضرر، لا تنفع في دنيا ولا تنجي في الآخرة.
وإذا وجدت في نفسك انجراراً نحو الفتنة والمعصية، من محادثة النساء من غير حاجة، وتوسع في الحديث مع هذه وتلك: فاعلم أنك على خطر عظيم، نرجو أن تنجو بنفسك منه
وتعتقها من قيود الشيطان الرجيم.
وقد سبق في موقعنا التنبيه على خطر مجالس المحادثة هذه في أجوبة كثيرة، منها:
(34841) و (78375) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7212)
هل يحضر حفل تخرجه من الجامعة الذي يرعاه البوذيون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أقليات المسلمين، وكان عندنا حفل لاستلام الشهادات الجامعية، واستشكل عَلَيَّ أمران هما: - في ذاك الحفل حضر الرهبان البوذيون يدعون ويذكرون - كما في ديانتهم - ليباركوا الحفل كعادةٍ في بلادنا، فما حكم الحضور إلى ذاك الحفل؟ وهل الحضور إليه مما يهين ديننا الإسلام؟ - إذا كان ابتدأ وقت الحفل قبيل الظهر، وانتهى بعد العصر، وهذا مما يؤدي إلى فوات صلاة الظهر، فهل يجوز لنا صلاة الجمع بين الظهر والعصر تأخيراً، أو عدم جواز الحضور إلى ذاك الحفل أصلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يبارك لك تخرجك وينفع بك المسلمين.
في مواسم تخرج الطلاب تجتمع فرحة الطالب بتخرجه، وفرحة الأهل بابنهم ونجاحه، وذلك من نعم الله تعالى على عباده، وعظيم فضله ومنته.
فالواجب شكر هذه النعمة، ومراعاة حق الله تعالى فيها، والوقوف عند حدوده وشرعه، إلا أننا نرى – وللأسف الشديد – الكثير من المخالفات والمعاصي التي تقع في حفلات تخريج الطلاب، حتى غدت عادة لا تنفك عنها صورة التخرج في واقع الناس وعرفهم، ومن ذلك:
1. الاحتفال على أنغام المعازف، وغالبا ما تحضر الفرق الموسيقية الكبيرة، فهي ركن رئيس من أركان أكثر الاحتفالات.
وحكم استماع المعازف في شريعة الإسلام التحريم، حتى نقل بعض أهل العلم الاتفاق عليه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (5000) .
2. اختلاط الطلاب بالطالبات، وجلوسهم في مكان واحد، ودخولهم وخروجهم في صف واحد، واختلاط الرجال بالنساء الحضور، وفيهم المتبرجة والمتعطرة ومن لا يمنعها الحياء عن التعبير عن فرحها بما لا يليق من صياح أو حركة مضطربة أو تصفيق وتصفير أو مصافحة رجال ونحو ذلك من المنكرات التي يسوق إليها الاختلاط المحرم.
3. أما لباس التخرج - أو " بدلة التخرج " - المعروف اليوم، تلك العباءة السوداء مع غطاء رأس أسطواني له قمة مربعة، فهي مِن ألبسة الكفار التي تميزوا بها، ثم نقلت إلينا، وذكر بعض أهل العلم أنها مأخوذة عن ألبسة الرهبان والقساوسة النصارى في بعض العصور، لذلك أفتوا بتحريم لبسها.
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله:
"والمناقِش يأتي وقد ارتدى الجبة أو العباءة السوداء، وهذا تقليد كنسي في مناقشة الرسائل، يجب على أهل العلم والإيمان مخالفتهم فيه" انتهى.
" المجموعة العلمية " (رسالة التعالم، ص 89) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بألبستهم الخاصة بهم، سواء كان الكفار من اليهود أو النصارى أو غيرهم؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنَّة التي تنهى عن التشبه بهم، ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو ثوبين معصفرين: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) خرجه مسلم في صحيحه، وثبت في صحيح مسلم: أن عمر رضي الله عنه كتب كتابا إلى عامله بأذربيجان عتبة بن فرقد رضي الله عنه، وفيه: (وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير) .
وبناء على ذلك؛ فلا يجوز لبس ما يسمى بـ (الروب) عند التخرج من مدرسة أو معهد أو كلية؛ لأنه من ألبسة النصارى، وعلى المسلم أن يعتز بدينه واتباعه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يلتفت إلى تقليد من غضب الله عليهم وأضلهم من اليهود، والنصارى، وغيرهم" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 26، 27) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ـ أيضاً:
في الجامعات الأمريكية تقليد، عندما يتخرج الطلاب يلبسون بدلة تسمى: بدلة التخرج، وهو عبارة عن ملاءة تشبه العباءة العربية، وغطاء للرأس على شكل معين، ويقال: إن هذا الزي كان زيا لرهبانهم في السابق، فهل يجوز عند مشاركة الطالب المسلم في هذا الاحتفال أن يلبس هذا اللباس؟
فأجابوا:
"لا يجوز للطالب أن يلبس هذا اللباس إذا كان من لباسهم الخاص بهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ويتأكد المنع إذا ثبت أنه من شعار رهبانهم" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 98) .
4. ومن أعظم المنكرات التي تلاحظ في هذه الاحتفالات: إضاعة الصلوات، حيث يطول الاحتفال لبضع ساعات، يتخللها بعض أوقات الصلوات، ثم لا ترى من الناس أو من الطلاب أو من القائمين على الحفل من يقوم ليحفظ لله حقه ويؤدي فرضه، ولا يرعون أذانا ولا نداءً ولا ذِكراً، ينسون حق الله تعالى، وينشغلون بدنيا زائلة، وحفنة من الملذات قليلة، وعَمُوا عن قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/ 59.
قال ابن مسعود: ليس معنى أضاعوها: تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها.
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
"الكبيرة السابعة والسبعون: تعمد تأخير الصلاة عن وقتها، أو تقديمها عليه من غير عذر" انتهى.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1 / 220، 221) .
وحضور البوذيين هذه الاحتفالات وقيامهم ببعض الطقوس الدينية لمباركة الحفل! زعموا! منكر أخر، وأي بركة تنزل بالشرك بالله تعالى والكفر به، ولا يجوز لك الحضور في مكان يشرك فيه بالله تعالى إلا إذا كنت مضطراً مكرهاً على ذلك، قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140.
وعلى هذا، فحضور هذا الحفل محرم، وإذا كان محرماً فلا يكون عذراً للجمع بين صلاتي الظهر والعصر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7213)
حكم إنشاء موقع لتحميل الملفات الصوتية والمرئية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في إنشاء موقع لتحميل الصور والملفات على شبكة الانترنت، وهذا شرح مبسط لعمل الموقع، مركز تحميل الصور والملفات: يتيح لك إمكانية رفع الصور والملفات من جهازك إلى الانترنت، وعمل روابط لها بحيث يمكنك المشاركة بها في المنتديات أو إرسالها إلى من ترغب بسهولة تامة وبدون تسجيل، (الخدمة مجانية) المشكلة قد يقوم بعض المستفيدين من الخدمة بتحميل صور أو ملفات فيها مخالفات للشريعة الإسلامية مثل (صور النساء، صور وأفلام إباحية، أغاني وموسيقى، أفلام سينمائية، أفلام قصيرة، فضائح، وغيرها من الصور والملفات التي فيها مخالفات شرعية) حيث أن الرقابة على الموقع لن تكون دائمة، السؤال: ما حكم هذا الموقع؟ وهل علينا إثم ووزر كل ملف مخالف للشريعة يتم تحميله عن طريق موقعنا؟ وهل عملنا هذا من إشاعة الفاحشة والتعاون على الإثم والعدوان؟ وما الحكم أن الموقع لتحميل الصور فقط؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك إنشاء هذا الموقع؛ لأنه سيكون سبباً في انتشار المعاصي في المواقع الأخرى، وسيتمكن من خلاله من يشاء نشر أغنية، أو مقطع محرَّم، أو صورة محرَّمة بكل يسر وسهولة، ولا فرق بين أن يكون للصور خاصة، أو للصور والمقاطع الصوتية والمرئية.
وأنتَ بهذا الموقع تعين من يريد نشر المحرَّم، وهو من التعاون المنهي عنه في كتاب الله، قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/من الآية 2.
وكل منكر وإثم ينتشر من خلال موقعك سيكون لك نصيب منه، وانتشاره لن يكون له حدٌّ لو توقف موقعك عن العمل؛ لأنه سيكون قد حُمِّل وسينشر عن طريق موقع آخر، وهذا يعني استمرار الإثم كلما رأى أو سمع أحد ما حُمِّل عن طريق موقعك، بل وحتى بعد موتك فإن الإثم سيلحق بك إلى قبرك! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) .
رواه مسلم (2674) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) .
رواه مسلم (1017) .
قال النووي – رحمه الله -:
هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة , وتحريم سن الأمور السيئة , وأن من سن سنة حسنة كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة , ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة , وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه , أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه , سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه , أم كان مسبوقا إليه , وسواء كان ذلك تعليم علم , أو عبادة , أو أدب , أو غير ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فعُمل بها بعده) معناه: إن سنَّها، سواء كان العمل في حياته، أو بعد موته.
" شرح مسلم " (16 / 226، 227) .
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) .
رواه مسلم (1893) .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) .
رواه الترمذي (2670) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وكذلك يقال: من دلَّ على شرٍّ فعليه وزر فاعله.
قال المناوي – رحمه الله -:
ومن تأمل هذا المعنى ورُزق التوفيق: انبعثت همته إلى التعليم، ورغب في نشر العلم ليتضاعف أجره في الحياة، وبعد الممات على الدوام، ويكف عن إحداث البدع، والمظالم من المكوس وغيرها؛ فإنها تضاعف عليه السيئات بالطريق المذكور، ما دام يعمل بها عامل، فليتأمل المسلم هذا المعنى، وسعادة الدال على الخير، وشقاوة الدال على الشر.
" فيض القدير " (6 / 127) .
وما يفعله بعض أصحاب مثل هذه المواقع من إلزام الراغب بتحميل مادة من الإشارة إلى تعهد أن لا تكون هذه المادة فيها ضرر على أحد أو معصية: غير مجدٍ ولا مبرئ للذمة؛ لما يوجد من كثير من رواد الإنترنت من غير المسلمين، أو من الفاسقين المجرمين، الذين لا يلتزمون بعهد.
ويمكن أن ندلك على طريق تستفيد منه في دنياك – إن أردت - وآخرتك، وهو تخصيص موقع التحميل الذي تسأل عنه لتحميل المواد الإسلامية النافعة، ويقتضي منك هذا متابعة المقع باستمرار، وأن تأتيك المادة قبل أن تُحمَّل لتنظر فيها وتطلع عليها، فإن رأيتها موافقة للشرع، دالة على الخير، محذرة من الشر: فاسمح لها بالتحميل، ولا نظن أن هذا الأمر صعب من الناحية الفنية، ويحتاج منك لمتابعة ويقظة لما يُرغب بنشره، مع الاستعانة بطلاب العلم للحكم على المواد التي يخفى عليك حكمها، ولك أن تتصور عظيم النفع للمسلمين في هذا، وعظيم الأجر لك، وهو من الصدقة الجارية، والعلم الذي يُنتفع به بعد موتك.
ولا مانع أن يكون الموقع موسعاً للملفات الصوتية والمرئية والكتب، مع تجنب رفع الأناشيد التي تصاحبها الآلات كالدف وغيره، وتجنب نشر صور النساء، وتجنب نشر كتب البدعة والضلالة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7214)
حكم التحدث باللغة الانجليزية دون الحاجة لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم التحدث باللغة (الانجليزية) دون الحاجة لذلك؟ وأرجو كتابة المرجع لكي أستند عليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
يقرر علماء اللسانيات والأصوات أن اللغات في العالم بلغت ما يقرب من ثلاثة آلاف لغة، وأنها تختلف في مستوياتها، فمنها اللغة الراقية والمتصرفة والثرية ومنها دون ذلك.
واللغة العربية تتربع في قمة هرم اللغات، لما لها من خصائص ذاتية في حروفها وكلماتها التي تقوم على أصول ثلاثية في الغالب، وتناوبِ الصيغ في أداء المعنى، وتقارُبِ معاني ألفاظها مع الأصوات، وكذلك للخصائص التي تحملها معاني التراكيب اللغوية، فيما يسمى بـ " علم البلاغة ".
ولذلك كانت اللغة العربية لغة كتاب الله الخالد، القرآن الكريم، وقد اختارها الله سبحانه لتكون اللسان الذي أنزل به كتابه، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء /192-195
الإمام الشافعي رحمه الله:
" ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبي " انتهى. الرسالة (34)
وقد شهد أهل العلم باللغات بأفضلية اللغة العربية على غيرها من اللغات.
يقول ابن جني في "الخصائص" (1/243) :
" إنا نسأل علماء العربية، ممن أصله أعجمي، وقد تدرب قبل استعرابه عن حال اللغتين، فلا يجمع بينهما، بل لا يكاد يَقبل السؤال عن ذلك لبعده في نفسه، وتقدُّمِ لطف العربية في رأيه وحسه، سألت غير مرة أبا علي (يعني الفارسي إمام اللغة المعروف) عن ذلك، فكان جوابه عنه نحو ما حكيته " انتهى.
ويقول ابن سنان الخفاجي في "سر الفصاحة" (45) :
" لا خفاء بميزاتها على سائر اللغات وفضلها " انتهى. ثم توسع في شرح ذلك.
وانظر كتاب "البلاغة المفترى عليها" لفضل حسن عباس (19-78) .
ثانيا:
ومن عرف للغة العربية فضلها وأهميتها أدرك ما ينبغي عليه من شديد العناية بها، خاصة وأن الصلاة وهي أهم عبادات المسلم لا تصح إلا بتلاوة كتاب الله العربي، لذلك كان المسلمون في شرق الأرض وغربها يتعلمون العربية على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، حفاظا على وحي الله تعالى الذي أنزله بهذه اللغة، فإنَّ حفظَ القوالب حفظٌ للمعاني.
اللهم إلا أننا أصبحنا نجد في عصرنا هذا من يزهد في لغة القرآن، فينسبها تارة للعجز، وأخرى للصعوبة، لم يغادر شبهة أو تهمة إلا وحاول إلصاقها بها، ولكن الله سبحانه وتعالى قيض له من يبين فساد مقالته، وبطلان دعواه.
كما أننا نجد في زماننا من يزهد بلغته العربية، تبعية للغرب الذي سلب لُبَّه بمدنيته الزائفة، وحضارتِه الموهومة، فأصبح يستبدل العبارات العربية بالكلمات (الانجليزية) تارة، أو بـ (الفرنسية) تارة أخرى، حتى انحرف لسانه عن لغته الأصيلة، وانحرفت أخلاقه وأطباعه تبعا لذلك.
فلهؤلاء وأولئك أنقل لهم كلمة ضافية لشيخ الإسلام ابن تيمية، أوفى فيها على المقصود، وجمع فيها من المنقول والمعقول في هذا الموضوع، فقال رحمه الله تعالى في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/204- 208) :
" اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء، أو أكثرهم، يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر، أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية..
وأما الخطاب بها (يعني الأعجمية) من غير حاجة في أسماء الناس والشهور، كالتواريخ ونحو ذلك، منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب.
وأما مع العلم به، فكلام أحمد بَيِّنٌ في كراهته أيضا، فإنه كره "آذرماه" ونحوه، ومعناه: ليس محرما، وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال: لسان سوء. وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم، وعن شهود أعيادهم.
وهذا قول مالك أيضا، فإنه قال: لا يُحرِم بالعجمية ولا يدعو بها، ولا يحلف بها. وقال: نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال: " إنها خِبَّ " (المكر والغش، المدونة 1/62-63) ، فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا.
وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول:
" لا نحب ألا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يَقدِرُ على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنها اللسان الأَوْلَى بأن يكون مرغوبا فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية "
فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين.
روى أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (9/11) حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة قال: قال عمر: ما تعلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ (صار خَدَّاعًا) ، ولا خَبَّ رجل إلا نقصت مروءته.
وقال حدثنا وكيع عن ثور عن عطاء قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم، فإن السخط ينزل عليهم.
وهذا الذي رويناه فيما تقدم عن عمر رضي الله عنه. (انظر مصنف عبد الرزاق 1/411)
وقال حدثنا إسماعيل بن علية عن داود بن أبي هند أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال: ما بال المجوسية بعد الحنيفية.
ونقل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية:
قال أبو خلدة: كلمني أبو العالية بالفارسية.
وقال منذر الثوري: سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن، فقال: يا جارية اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به نبيزا، فاشترت به نبيزا، ثم جاءت به، يعني الجبن.
وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما كانوا يفعلون إما لكون المخاطب أعجميا، أو قد اعتاد العجمية، يريدون تقريب الأفهام عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها - فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة وقال: (يا أم خالد هذا سنا) والسنا: بلغة الحبشة الحسن. البخاري (5845)
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه: أشكم بدرد.
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، ولأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلادِ العربيةَ، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما.
ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه.
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية.
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال: (كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي)
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم)
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (لقاء رقم 3/سؤال رقم 12) :
" السؤال: نجد أن بعض الناس ربما يتخاطب مع غيره من الشباب وغيرهم باللغة الإنجليزية أو ببعض مفرداتها، هل يفرق هذا بين من كان في مجال عمل، كما أننا نحن مثلاً في المستشفى نتخاطب مع زملائنا باللغة الإنجليزية غالباً، ولو كان الأمر لا يحتاج للكلام، ولكننا تعودنا ذلك بمقتضى مخالطتنا لهم، فهل في هذا بأس، وإذا تكلم الإنسان بكلمة من غير العربية فهل يأثم بذلك؟
الجواب:
الكلام باللغة غير العربية أحياناً لا بأس به، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال لطفلة صغيرة جارية قدمت من الحبشة فرآها وعليها ثوب جميل، فقال: (هذا سنا، هذا سنا) أي: هذا حسن، كلمها باللغة الحبشية؛ لأنها جاءت قريبة من الحبشة، فخطاب من لا يعرف العربية أحياناً باللغة التي يفهمها هو لا بأس به، وليس فيه إشكال، لكن كوننا يأتينا هؤلاء القوم لا يعلمون اللغة العربية، ثم نتعجم نحن قبل أن يتعربوا هم، مثل أن تجد بعض الناس إذا خاطب إنساناً غير عربي بدل ما يقول: لا أعرف، يقول: " ما في معلوم ". لماذا يقول: " ما في معلوم "؟ لأجل أن يعرف ما يقول له، والصحيح أن يقول له: لا أعرف، حتى يعرف هو اللغة الصحيحة، لكن مع الأسف الآن نخشى على أنفسنا أن نكون أعاجم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين أيضا رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 142/سؤال رقم 3) :
" الذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية، ولذلك - مع الأسف الشديد - الآن عندنا هنا في السعودية التي هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول: " باي باي "..؟!! ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية، يعني: في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما معناه، وما الذي فيه؟ ولا يدري ما هذا المتجر؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد، ويقف ويعرف ما في الدكان، لماذا؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته، أما نحن فلا، وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع، من عندك ممن يفهم من اللغة الإنجليزية، أي: ولا (1%) من السكان، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة! هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة، وإلا كان يُهْجَر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية!! كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب، والله أنت ما فتحت دكانك لنا، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه، ولو أننا قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية ... " انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/186/ سؤال رقم/15) :
" إذا خاطبك الإنسان بلغته أجب عليه بلغته، لكن الأفضل أن تبقى الألفاظ الشرعية على ما كانت عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنهم يدعونها العتمة) ؛ لأن الأعراب يعتمون بالإبل، وهي في كتاب الله العشاء، فنهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يغلبنا الأعراب على لغتنا مع أنهم عرب، لكن مع الأسف الآن أن المسلمين غلبتهم البربر والعجم على لغتهم، فصاروا الآن يتعاملون باللغة الإنجليزية عندنا، حتى بلغني أن بعض الناس من جهلهم في مجالسهم العادية يتكلمون باللغة الإنجليزية وهم عرب، وهذا يدل على الضعف الشخصي إلى أبعد الحدود، وعلى عدم الفقه في دين الله، وكان عمر رضي الله عنه من حرصه على اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث يضرب من يتكلم بالفارسية أو بالأعجمية " انتهى.
وانظر "الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/432-433)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7215)
حكم رسم الشخصيات الكرتونية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رسم الشخصيات الكرتونية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز رسم وتصوير ذوات الأرواح، سواء كان ذلك نحتا أو على ورق أو قماش أو غيره، وسواء كان صورة حقيقية أو متخيلة؛ لما روى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ.
والدُّرْنوك: نوع من الستائر.
فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح، ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة.
قال في "الإنصاف" (6/248) : "ومن أتلف مزمارا , أو طنبورا , أو صليبا , أو كسر إناء فضة , أو ذهب , أو إناء خمر: لم يضمنه. وكذا: العود , والطبل , والنرد , وآلة السحر , والتنجيم , وصور خيال , والأوثان والأصنام , وكتب المبتدعة المضلة , وكتب الكفر ونحو ذلك. وهذا المذهب في ذلك كله " انتهى بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح، سواء كان نحتا أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق، أم كان نسيجا، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز، وسواء كان الشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصُغِّر أو كُبِّر أو جُمِّل أو شُوِّه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي. فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس. . إلخ، وذلك لعموم النصوص، ولما فيها من المضاهاة، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى.
وقال الأستاذ محمد بن أحمد علي واصل في "أحكام التصوير في الفقه الإسلامي" (ص363) : "وحكم صناعة ما يسمى أفلام الكرتون كحكم صناعة الصور المنقوشة باليد، متى كانت لذوات الأرواح، سواء كانت منقوشة باليد كما هو معروف الآن، أو كانت صناعة بالآلات الحديثة ".
واستدل لذلك بعموم الأحاديث الواردة بتحريم صور ذوات الأرواح، وبأنه لا توجد ضرورة تبيح هذا المحظور، إلى أن قال: " فإن قيل: إن هذه الصورة من قسم المباح لكونها مشوهة الخلقة، أو لكونها لا نظير لها في الواقع، والتشويه فيه إهانة للصورة، وخصوصا إذا كانت مما لا نظير له.
فالجواب: أن تشويه الصورة لا يكون فيه إهانة لها، وإهانتها لا تكون إلا بوطئها المُشْعِر بعدم تكريمها ومحبتها. وأما كونها لا نظير لها، فقد تقدم أن هذه علة لا أثر لها في الحكم، فمتى كانت الصورة تحمل ملامح ذوات الروح كانت محرمة، سواء كان لها نظير أو لا " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7216)
تعليق الهلال والنجمة المضاءة بالكهرباء على واجهات المباني في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت عندنا في الأردن عادة جديدة وانتشرت كثيراً، وهي تعليق الهلال والنجمة المضاءة بالكهرباء على واجهات المباني والشرفات، احتفالا بشهر رمضان المبارك، وطيلة الشهر، فهل يجوز ذلك أم فيه إسراف وتقليد لشجرة الميلاد التي يزينها النصارى شهر ديسمبر؟ وهل جهل الناس يعذرهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا نرى حرجاً من إظهار الزينة بالفوانيس وغيرها ابتهاجاً بدخول الشهر المبارك شهر رمضان، لكن ينبغي مراعاة عدة أمور، منها:
1. عدم اعتقاد أنها عبادة، بل هي من الأمور العادية المباحة.
2. عدم الإسراف في شراء هذه الزينة بأثمان باهظة.
3. أن لا يوجد في هذه الزينة صور لذوات الأرواح، أو أن يكون فيها معازف.
4. تجنيب المساجد مثل هذه الزينة، لأن ذلك يشغل المصلين.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
تجري عادة في بعض المساجد في أيام الفطر وفي غيرها من أيام المناسبات الدينية هي تزيين المساجد بأنواع وألوان مختلفة من الكهرباء، والزهور، هل يجيز الإسلام هذه الأعمال أو لا؟ وما دليل الجواز والمنع؟ .
فأجابوا:
" المساجد بيوت الله، وهي خير بقاع الأرض، أذن الله تعالى أن ترفع وتعظَّم بتوحيد الله وذكره وإقام الصلاة فيها، ويتعلم الناس بها شئون دينهم وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم، وصلاحهم في الدنيا والآخرة بتطهيرها من الرجس والأوثان والأعمال الشركية والبدع والخرافات، ومن الأوساخ والأقذار والنجاسات، وبصيانتها من اللهو واللعب والصخب وارتفاع الأصوات، ولو كان نشد ضالة وسؤالاً عن ضائع، ونحو ذلك مما يجعلها كالطرق العامة وأسواق التجارة، وبالمنع من الدفن فيها، ومن بنائها على القبور، ومن تعليق الصور بها أو رسمها بجدرانها إلى أمثال ذلك مما يكون ذريعة إلى الشرك، ويشغل بال من يعبد الله فيها، ويتنافى مع ما بنيت من أجله، وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، كما هو معروف في سيرته وعمله، وبيَّنه لأمته ليسلكوا منهجه ويهتدوا بهديه في احترام المساجد وعمارتها بما فيه رفع لها من إقامة شعائر الإسلام بها، مقتدين في ذلك بالرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عظَّم المساجد بإنارتها، ووضع الزهور عليها في الأعياد والمناسبات، ولم يعرف ذلك أيضاً من الخلفاء الراشدين، ولا الأئمة المهتدين من القرون الأولى التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها خير القرون، مع تقدم الناس، وكثرة أموالهم، وأخذهم من الحضارة بنصيب وافر، وتوفر أنواع الزينة، وألوانها في القرون الثلاثة الأولى، والخير كل الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي خلفائه الراشدين، ومن سلك سبيلهم من أئمة الدِّين بعدهم.
ثم إن في إيقاد السرج عليها، أو تعليق لمبات الكهرباء فوقها، أو حولها، أو فوق مناراتها، وتعليق الرايات والأعلام، ووضع الزهور عليها في الأعياد والمناسبات تزييناً وإعظاماً لها: تشبهاً بالكفار فيما يصنعون ببيَعِهم وكنائسهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم في أعيادهم وعبادتهم " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (2 / 20، 21) .
وإذا كانت الإضاءة التي في المسجد كافية لتنويره لم يكن للزيادة التي لا فائدة فيها فائدة مشروعة، وينبغي صرف ذلك في غيره.
" مجموع فتاوى ابن تيمية " (31 / 206) .
ثانياً:
وننبه إلى أن " اتخاذ الهلال أو النجمة شعاراً للمسلمين: لا أصل له في الشرع، ولم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد خلفائه الراشدين بل ولا في عهد بني أمية، وإنما حدث بعد ذلك ... وعلى كلٍّ فالشعارات والرايات لابد وأن تكون موافقة للشرع، وحيث إنه ليس هناك دليل على مشروعيتها: فالأحرى ترك ذلك، وليس الهلال ولا النجمة شعاراً للمسلمين، ولو اتخذه بعض المسلمين ".
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (1528) فلينظر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7217)
حديث (كل التجار يدخلون النار إلا المتقين)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح (كل التجار يدخلون النار إلا المتقين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على هذا الحديث، وبهذا اللفظ، في شيء من كتب السنة، ولكن قد ورد في السنة الصحيحة ما يشبهه، فمن ذلك:
عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ)
أخرجه الترمذي (1210) والدارمي (2/247) وابن ماجه (2146) وابن حبان (11/276)
قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (994)
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/336) :
" (إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ) بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة، مِن غِشٍّ وخيانة، أي: أَحسَنَ إلى الناس في تجارته، أو قام بطاعة الله وعبادته، (وَصَدَقَ) أي: في يمينه وسائر كلامه.
قال القاضي: لمَّا كان من دَيدَنِ التجار التدليس في المعاملات، والتهالُكُ على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها، حكم عليهم بالفجور، واستثنى منهم من اتقى المحارم، وبرَّ في يمينه، وصدق في حديثه.
وإلى هذا ذهب الشارحون، وحملوا الفجور على اللغو والحلف، كذا في المرقاة " انتهى.
كما جاء في السنة الصحيحة ما يدل على سبب وصف التجار بالفجور، وهو ما يتلبَّسُونَ به من الحلف الكاذب وإخلاف الوعد.
عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ)
رواه أحمد (3/428) والحاكم (2/8) وقال صحيح الإسناد، وصححه محققو المسند. والألباني في "السلسلة الصحيحة" (366)
وإلا فإن التجارة من أفضل أنواع المكاسب لمن بَرَّ وصدق، فإن التاجر الصدوق الأمين له من الأجر الشيء العظيم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)
رواه الترمذي (1209) وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال ابن تيمية كما في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/163) : إسناده جيد.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/79) :
" وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال: فنقول:
لسنا نقول التجارةُ أفضل مطلقا من كل شيء، ولكنّ التجارة إما أن تُطلَبَ بها الكفاية أو الزيادة على الكفاية.
فإن طَلب منها الزيادة على الكفاية، لاستكثار المال وادخاره، لا ليُصرَف إلى الخيرات والصدقات، فهي مذمومة؛ لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة، فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق.
فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده، فالتجارة تعففا عن السؤال أفضل " انتهى.
وانظر سؤال رقم (21575)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7218)
شبهات وجوابها حول وجوب إعفاء اللحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتى العديد من علماء المسلمين بأن توفير اللحية واجب على كل مسلم. والحكمة من ذلك عدم التشبه بالكفار كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث شريف. ولكن الجميع يلاحظ على شاشات التلفاز أن الكثير من اليهود يعفون اللحى، فألا يسقط هذا حكمة إعفاء اللحى وتحول الأمر إلى سنة فقط؟ كذلك ألم يكن أمر مخالفة الكفار بإطلاق اللحية سببه اختلاط المسلمين بهم في عصر الفتوحات الإسلامية فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يميزنا عنهم وقد سقط هذا الشيء الآن بسبب سيادة الإسلام في أرضنا العربية ولله الحمد ... فهل هذا يحول الأمر إلى سنة أيضاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق بيان أدلة تحريم حلق اللحية في جواب السؤال (1189) .
ثانيا:
وأما القول بأن العلة من وجوب إعفاء اللحية هي مخالفة المشركين، وقد زالت هذه العلة الآن، وعليه فلا يجب إعفاء اللحية.
فالجواب على هذا القول بما يلي:
1- القول بزوال العلة الآن، قول مخالف للواقع، لأنه يقال: أيهما أكثر في المشركين: من يحلقون لحاهم أم من يعفونها؟ لا شك أن الأكثر هم الذين يحلقون لحاهم.
2- وأيضاً: ليست العلة الوحيدة هي مخالفة المشركين، حتى يقال بزوال الحكم إذا زالت العلة، بل هناك علل أخرى، منها: أن في حلق اللحية تشبهاً بالنساء، وتغييراً لخلق الله. وأن إعفاءها من سنن الفطرة، وسنن المرسلين.
فعلى فرض أن علة " مخالفة المشركين " قد زالت يبقى الحكم مشروعاً كما هو بالعلل الأخرى.
وقد سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عما يقوله بعض الناس من أن علة إعفاء اللحى مخالفة المجوس والنصارى كما في الحديث، وهي علة ليست بقائمة الآن، لأنهم يعفون لحاهم؟
فأجاب:
" جوابنا على هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن إعفاء اللحية ليس من أجل المخالفة فحسب، بل هو من الفطرة كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، فإن إعفاء اللحي من الفطرة التي فطر الله الناس عليها وعلى استحسانها، واستقباح ما سواها.
الوجه الثاني: أن اليهود والنصارى والمجوس الآن ليسوا يعفون لحاهم كلهم، ولا ربعهم، بل أكثرهم يحلقون لحاهم كما هو مشاهد وواقع.
الوجه الثالث: أن الحكم إذا ثبت شرعاً من أجل معنى زال وكان هذا الحكم موافقاً للفطرة أو لشعيرة من شعائر الإسلام فإنه يبقى ولو زال السبب، ألا ترى إلى الرَّمَل في الطواف كان سببه أن يُظهر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الجَلَد والقوة أمام المشركين الذين قالوا إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حُمَّى يثرب، ومع ذلك فقد زالت هذه العلة، وبقى الحكم، حيث رَمَل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
فالحاصل: أن الواجب على المؤمن إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يقول سمعنا وأطعنا، كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51.
ولا يكونوا كالذين قالوا سمعنا وعصينا أو يلتمسوا العلل الواهية والأعذار التي لا أصل لها، فإن هذا شأن من لم يكن مستسلما ًغاية الاستسلام لأمر الله ورسوله يقول الله عز وجلّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/ 36.
ويقول تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65.
ولا أدري عن الذي يقول مثل هذا الكلام هل يستطيع أن يواجه به ربه يوم القيامة، فعلينا أن نسمع ونطيع وأن نمتثل أمر الله ورسوله على كل حال " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/129_130) .
وقال رحمه الله أيضا: " إعفاء اللحية من سنن المرسلين، قال الله تعالى عن هارون أنه قال لأخيه موسى: (قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى? إِسْر??ءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى) طه / 94.
وكان خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم قد أعفى لحيته، وكذلك كان خلفاؤه، وأصحابه، وأئمة الإسلام وعامتهم في غير العصور المتأخرة التي خالف فيها الكثير ما كان عليه نبيهم صلى الله عليه وسلم وسلفهم الصالح رضوان الله عليهم، فهي هدي الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، وهي من الفطرة التي خلق الله الناس عليها، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، ولهذا كان القول الراجح تحريم حلقها كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها وتوفيرها.
وأما كون الحكمة من إبقائها مخالفة اليهود، وانتفت الا?ن فغير مسلَّم؛ لأن العلة ليست مخالفة اليهود فقط.
بل الثابت في الصحيحين: (خالفوا المشركين) وفي صحيح مسلم: أيضاً (خالفوا المجوس) ، ثم إن المخالفة لهؤلاء ليست وحدها هي العلة؛ بل هناك علة أخرى أو أكثر،
مثل: موافقة هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام في إبقائها.
ولزوم مقتضى الفطرة.
وعدم تغيير خلق الله فيما لم يأذن به الله.
فكل هذه علل موجبات لإبقائها وإعفائها مع مخالفة أعداء الله من المشركين والمجوس واليهود.
ثم إن ادعاء انتفائها غير مسلم، فإن أكثر أعداء الله اليوم من اليهود وغيرهم، يحلقون لحاهم، كما يعرف ذلك من له خبرة بأحوال الأمم وأعمالهم، ثم على فرض أن يكون أكثر هؤلاء اليوم يعفون لحاهم، فإن هذا لا يزيل مشروعية إعفائها؛ لأن تشبه أعداء الإسلام بما شُرع لأهل الإسلام لا يسلبه الشرعية، بل ينبغي أن تزداد به تمسكاً حيث تشبهوا بنا فيه وصاروا تبعاً لنا، وأيدوا حسنه ورجعوا إلى مقتضى الفطرة " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (16/46_47) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7219)
تحريم اقتناء الكلاب إلا ما استثناه الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تربية الكلاب في البيوت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم أن يقتني الكلب، إلا إذا كان محتاجاً إلى هذا الكلب في الصيد أو حراسة الماشية أو حراسة الزرع.
روى البخاري (2145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ) .
وروى مسلم (2974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ) .
وروى مسلم (2943) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ) .
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: فِي هَذَا الْحَدِيث إِبَاحَة اِتِّخَاذ الْكِلَاب لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَة , وَكَذَلِكَ الزَّرْع.
وروى ابن ماجه (3640) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ) صححه اٍلألباني في صحيح ابن ماجه.
فهذه الأحاديث تدل على تحريم اقتناء الكلب إلا ما استثناه الرسول صلى الله عليه وسلم.
واختلف العلماء في الجمع بين رواية نقص قيراط ورواية نقص قيراطين.
فقيل: ينقص من أجره قيراطان إذا كان الكلب أشد أذى، وينقص قيراط إذا كان دون ذلك.
وقيل: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أولاً بأنه ينقص قيراط، ثم زاد بعد ذلك العقوبة فأخبر بنقص قيراطين زيادةً في التنفير عن اقتناء الكلب.
والقيراط هو مقدار معلوم عند الله تعالى، والمراد ينقص جزء من أجر عمله.
انظر: "شرح مسلم للنووي" (10/342) ، "فتح الباري" (5/9) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (4/241) :
" وأما اتخاذ الكلب وكون الإنسان يقتنيه فإن هذا حرام , بل هو من كبائر الذنوب , لأن الذي يقتني الكلب إلا ما استثنى ينقص كل يوم من أجره قيراطان. . .
ومن حكمة الله عز وجل أن الخبيثات للخبيثين , والخبيثون للخبيثات يقال: إن الكفار من اليهود والنصارى والشيوعيين في الشرق والغرب كل واحد له كلب والعياذ بالله يتخذه معه , وكل يوم ينظفه بالصابون والمنظفات الأخرى! مع أنه لو نظفه بماء البحار كلها وصابون العالم كله ما طهر! لأن نجاسته عينية , والنجاسة العينية لا تطهر إلا بتلفها وزوالها بالكلية.
لكن هذه من حكمة الله , حكمة الله أن يألف هؤلاء الخبثاء ما كان خبثاً، كما أنهم أيضاً يألفون وحي الشيطان؛ لأن كفرهم هذا من وحي الشيطان، ومن أمر الشيطان، فإن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر , ويأمر بالكفر والضلال , فهم عبيد للشيطان وعبيد للأهواء , وهم أيضاً خبثاء يألفون الخبائث. نسأل الله لنا ولهم الهداية " انتهى.
ثانياً:
هل يجوز اقتناء الكلب لحراسة البيوت؟
الجواب:
لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم من تحريم اقتناء الكلب إلا ثلاثة فقط، وهي: كلب الصيد، وحراسة الماشية، وحراسة الزرع.
فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز اقتناء الكلب لسبب غير هذه الأسباب الثلاثة، وذهب آخرون إلى أنه يجوز أن يقاس على هذه الثلاثة ما كان مثلها أو أولى، كحراسة البيوت، لأنه إذا جاز اقتناء الكلب لحراسة الماشية والزرع فجواز اقتنائه لحراسة البيوت من باب أولى.
قال النووي في "شرح مسلم" (10/340) :
" هَلْ يَجُوز اِقْتِنَاء الْكِلَاب لِحِفْظِ الدُّور وَالدُّرُوب وَنَحْوهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدهمَا: لا يَجُوز، لِظَوَاهِر الأَحَادِيث، فَإِنَّهَا مُصَرِّحَة بِالنَّهْيِ إِلا لِزَرْعٍ أَوْ صَيْد أَوْ مَاشِيَة , وَأَصَحّهمَا: يَجُوز، قِيَاسًا عَلَى الثَّلاثَة، عَمَلا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَة مِنْ الأَحَادِيث وَهِيَ الْحَاجَة " انتهى.
وهذا الذي صححه النووي رحمه الله من جواز اقتناء الكلب لحراسة البيت، صححه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح صحيح مسلم"، قال:
" والصحيح أنه يجوز اقتناؤه لحفظ البيوت، وإذا جاز اقتناء الكلب لتحصيل منفعة كالصيد، فاقتناؤه لدفع مضرة وحفظ النفس من باب أولى " انتهى بمعناه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7220)
هل يختلف حكم قيادة السيارة من بلد إلى آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مساحة الدول الإسلامية شاسعة، ونجد أن هناك فرقاً بين دولة وأخرى، في اللباس والعادات والتقاليد، فمثلا نجد أنه في بعض الدول تلتزم فيها أخواتنا بالنقاب، حيث إنهم يتبعون الفتوى القائلة إن النقاب واجب، ولكن ذلك ليس منتشراً في دول أخرى، والرأي الذي يأخذونه هناك أن النقاب ليس واجباً بل مستحب، كذلك قيادة المرأة للسيارة ففي بعض الدول حرَّمها المشايخ لما لها من أضرار لو سمح بها، بينما في دول أخرى- قيادة المرأة للسيارة أمر عادي جدّاً، وله عشرات السنين.
فإلى أي مدى تكون هناك مرونة في الأحكام؟ وهل ما يحدث صحيح أقصد أن الشيء يصبح واجباً في مناطق ومستحبّاً في مناطق أخرى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحكام الشرعية نوعان:
الأول: ما دلت الأدلة الصحيحة على حكمه، بقطع النظر عن العادات المختلفة أو ما يترتب عليه من مصالح أو مفاسد.
فهذا حكمه ثابت ولا يختلف من مكان إلى آخر ولا من شخص لآخر إلا إذا كان الإنسان مضطراً أو مريضاً أو معذوراً فإنه يسهل له الحكم حسب حاله على ما جاء به الشرع.
ومن هذا النوع: وجوب الصلوات الخمس، وصيام رمضان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب العلم،..إلخ.
ومنه أيضاً: سترة المرأة المسلمة جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان، فإن هذا الحكم واجب ولا يختلف من مكان إلى آخر.
وقد سبق في إجابة السؤال: (21134) و (13647) بيان الأدلة على هذا.
النوع الثاني: أحكام بنيت على أسباب معيّنة أو كان حكمها التحريم أو الإباحة أو الوجوب ـ مثلاً ـ بناء على ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، ولم ترد الأدلة الشرعية بحكم ثابت لها لا يختلف، وقد يكون من هذا النوع قيادة المرأة للسيارة.
وقد أفتى العلماء بتحريمه لما يترتب عليه من مفاسد.
وهذا إنما ينطبق تمام الانطباق على بلاد الحرمين، وأما ما عداها من البلاد فإنه يرجع إلى علمائها الثقات الأثبات فإنهم أعلم بأحوال بلادهم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
فقد كثر حديث الناس في صحيفة " الجزيرة " عن قيادة المرأة للسيارة، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها، منها الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها السفور، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور، والشرع المطهر مَنَع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجَنُّب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الأحزاب/33 الآية، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) الأحزاب/59، وقال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما "، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات؛ صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة.
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب - ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار، وقد قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33، وقال سبحانه: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة/168، وقال صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه.
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كُتَّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 351 – 353) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة، وما رأيكم بالقول:
(إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟)
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين:
القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم. والدليل قوله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام/108، فنهى الله عن سب آلهة المشركين – مع أنه مصلحة – لأنه يفضي إلى سب الله تعالى.
القاعدة الثانية: أن درء المفاسد – إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم – مقدم على جلب المصالح. والدليل قوله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/219، وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما.
وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة. فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها:
1- نزع الحجاب: لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة، لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد، فيقال جميلة اليدين، أو جميلة الشعر، أو جميلة القدمين. وبهذا عرف أن الوجه مدار القاصدين.
وقد يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب، بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين.
والجواب على ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فإن الأمر لن يدوم طويلا، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى، كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة.
2- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة: نزع الحياء منها، والحياء من الإيمان – كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم – والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال (أحيا من العذراء في خدرها) ، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.
3- ومن المفاسد: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها – كما أخبر بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم – لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة.
4- ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده، لأنها وحدها في سيارتها، متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل. وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب، فما بالك بالشابات؟؟! وحيث شاءت يمينا وشمالا في عرض البلد وطوله، وربما خارجه أيضاً.
5- ومن المفاسد: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملا من المرأة.
6- ومن مفاسدها: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة: في الوقوف عند إشارات الطريق – في الوقوف عند محطات البنزين – في الوقوف عند نقطة التفتيش – في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق ي مخالفة أو حادث – في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء– في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق، فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالتها حينئذ؟ ربما تصادف رجلا سافلا يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة.
7- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة ازدحام الشوارع، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهم أحق بذلك وأجدر.
8- من مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة، فإن المرأة – بطبيعتها – تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء، كلما ظهر زِيٌّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد، وإن كان أسوأ مما عندها. ألا ترى ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة. وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد.
أما قول السائل: وما رأيكم بالقول: (إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟) .
فالذي أراه أن كل واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما.
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها.
وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا. قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة.
ا. هـ كلام الشيخ ابن عثيمين
(وأما في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارة فعلى المرأة المسلمة تجنّب ذلك ما أمكنها للأسباب السابق ذكرها.
وأما في حالات الضرورة كإسعاف مصاب أو فرار من مجرم فإنه لا حرج على المرأة المسلمة أن تستخدم السيارة في مثل هذه الحالات إذا لم تجد رجلاً تستنجد به.
وتبقى حالات أخرى مثل النساء اللاتي لا بد لهن من الخروج إلى العمل فليس لها زوج أو أب أو وليّ يكفيها ولا من المرتبات الحكومية ما يقوم بحاجتها، ولم تجد عملاً يكفيها تقوم به في منزلها كبعض وظائف الإنترنت، واضطرت إلى الخروج فإنها تستخدم أقل وسائل المواصلات خطراً عليها.
وقد تكون هناك مواصلات عامة خاصة بالنساء أو سائق يُستأجر لعدة نساء يوصلهن إلى العمل أو الجامعة، وقد تكون سيارات الأجرة الخاصة ـ لمن قدرت عليها ماليا ـ أرحم لها من الحافلات العامة التي قد تتعرض فيها للإهانة والاعتداء فتستعمل سيارات الأجرة دون خلوة مع السائق.
وإذا اضطرت في النهاية إلى قيادة السيارة في حالات الحاجة الشديدة الماسة التي لا غنى عنها فإنها تسوقها بجلبابها الشرعي الكامل مع تقوى الله.
وقد تقدم ذكر حال الاضطرار
وتستعين بفتوى علماء بلدها الثقات ـ من غير المتساهلين ـ الذين يفقهون الشريعة ويعرفون وضع البلد.
وقد قال الله تعالى: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/6
نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7221)
حكم الأخذ من اللحية بحجة أن شكلها مخيف
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن اللحية يجب أن تطلق وتعفى وألا تشذب. لكن يوجد بعض الناس الذين يطلقون لحاهم حتى يصبح مظهرهم مخيف. وقد أخبرنا إمامنا بأن ذلك ليس من السنة: أي إطلاق اللحية حتى يكون مظهر الوجه مخيف. بعض الرجال عندهم فقط لحية صغيرة مشذبة، شعر على الحافة العلوية وعلى قمة الذقن وهم من العلماء والأئمة. فهل يمكن أن تساعدني حول هذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها وتوفيرها وعلى تحريم حلقها وقصها، فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) البخاري (اللباس/5442) مسلم (الطهارة/382)
وهذا الحديث جاء في معناه أحاديث كثيرة تدل على وجوب إعفاء اللحية وتوفيرها وتحريم حلقها وقصها ومن زعم أنها سنة يثاب فاعلها ولا يستحق العقاب تاركها فقد خالف الأحاديث الصحيحة وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها فهو حديث باطل. ولكن ينبغي أن يعلم أن الإسلام دين الجمال لما جاء في الحديث (إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال عليه الصلاة والسلام إن الله جميل يحب الجمال) رواه مسلم (الإيمان/131) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب بقوله (غيِّروا هذا الشيب وجنبوه السواد) رواه مسلم (كتاب اللباس والزينة/ 2102) وندب النبي صلى الله عليه وسلم بترجيل الشعر فقال (من كان له شعر فليكرمه) أبو داود (كتاب الترجل/3632) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود: حسن صحيح، حديث رقم 3509، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن بطال: " الترجيل تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه " وهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم (من رغب عن سنتي فليس مني) رواه البخاري (النكاح/4675)
وينبغي أن يُعلم أن الجمال المقصود هو الجمال الشرعي وليس ما يُزعم أنّه جمال مما تستحسنه العقول المريضة المُعجبة بموضات الكفار وهيئات أهل الفسق من الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات وعارضات الأزياء، ولذلك لما فُتن بعض الناس بهيئات هؤلاء الفاجرات الغربيات في نتف حواجبهن أو حلقها ورسمها أو إطالة الأظافر (كالوحوش) أو الوشم، وعدّوا ذلك جمالا تشبهت كثير من نساء المسلمات بهنّ في هذه الأمور مع أنّه قد حرّمتها الشريعة، فليست العبرة بأذواق الشرقيين والغربيين وإنما العبرة بالشريعة التي جاء فيها التطيّب والتنظّف واللباس الحسن وتسريح الشعر وتغيير الشّيب وغير ذلك من أنواع التجمّل المشروع، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7222)
يجوز أكل لحوم النعام إذا ذكِّيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نأكل من لحم النعام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز لكم أن تأكلوا لحم " النعام "، لأن الله تعالى امتنَّ على عباده بأنه سخر لهم ما في السموات وما في الأرض.
وما يحل أكله من الحيوان يصعب حصره، والأصل في الجميع: الحل في الجملة إلا ما استثني، ويمكن حصر المحرمات فيما يلي:
الأول: الخنزير: فهو محرم بنص الكتاب والسنة وعليه الإجماع.
الثاني: كل ذي ناب من السباع: كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب وغيرها.
الثالث: كل ذي مخلب من الطير كالصقر، والبازي، والنسر، والعقاب، والشاهين وغيرها.
عن ابن عباس قال أن النبي عليه الصلاة والسلام " نهى عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير ". رواه مسلم (1934) .
الرابع: الحمر الأهلية.
عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة عام خيبر وعن لحوم حمر الإنسيَّة. رواه البخاري (5203) ومسلم (1407) .
الخامس: ما أمر بقتله كالحية، والعقرب، والفأرة.
السادس: المستخبثات، فإن من الأصول المعتبرة في التحليل والتحريم الاستطابة، والاستخباث، ورآه الشافعي رحمه الله الأصل الأعظم والأعم، والأصل في ذلك قوله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} ، وقوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم. قل أحل لكم الطيبات} .
وعليه: فيحل لحم النعام بلا أدنى ريب، وقد نص الفقهاء على حل النعام في مواضع، منها:
أ. الذبح، فعند ذكر ما يريح الحيوان قالوا: وأن يكون الذبح في العنق لما قصر عنقه، وفي اللبة لما طال عنقه كالإبل والنعام والإوز لأنه أسهل لخروج الروح.
ب. جزاء صيد المحرم، قال الشافعي: فإذا أصاب المحرم نعامة ففيها بدنة. " الأم " (2 / 210) .
ج. حِلُّ أجزائه، قال ابن حزم: ومن حلف أن لا يأكل بيضا لم يحنث إلا بأكل بيض الدجاج خاصة ولم يحنث بأكل بيض النعام وسائر الطير، ولا بيض السمك لما ذكرنا؛ وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان. " المحلى " (6 / 327) .
فائدة:
قال الفيومي:
والنعامة تقع على الذكر والأنثى والجمع نعام.
" المصباح المنير " (ص 615) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7223)
رمي الأوراق التي فيها اسم من أسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[اسمي فيه "عبد القادر" وفى كثير من التعاملات في الدواوين الحكومية مثلا احتاج إلى كتابة اسمي عند تقديم طلب ما، ثم بعد ذلك قد يلقون بهذا الطلب في القمامة. فهل علي مسئولية في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس من كتابتك اسمك في الأوراق والمعاملات التي تحتاج إلى تقديمها إلى غيرك ولا حرج عليك، وإنما الإثم والحرج على من يلقي هذه الأوراق في القمامة؛ لأن فيها امتهاناً للفظ الجلالة.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز كتابة البسملة على بطاقات الزواج؟ نظراً لأنها ترمى بعد ذلك في الشوارع أو في سلال المهملات.
فأجاب:
يشرع كتاب البسملة في البطاقات وغيرها من الرسائل، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل امرئ ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) ، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ رسائله بالتسمية، ولا يجوز لمن يتسلم البطاقة التي فيها ذكر الله أو آية من القرآن أن يلقيها في المزابل أو القمامات أو يجعلها في محل يرغب عنه، وهكذا الجرائد وأشباهها، لا يجوز امتهانها ولا إلقاؤها في القمامات ولا جعلها سفرة للطعام ولا ملفاً للحاجات لما يكون فيها من ذكر الله عزّ وجل، والإثم على مَنْ فعل ذلك، أمّا الكاتب فليس عليه إثم. ا. هـ.
مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (5 / 427) ط: الثانية.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7224)
اتخاذ الكلب لحراسة البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأمي وأختي نعيش في بيت لوحدنا، بعض الأحيان أضطر للسفر خارج المدينة للعمل وتبقى والدتي مع أختي في المنزل لوحدهما، لا يوجد أحد في الأسفل والبيت كبير، فهل يجوز أن نحضر إحدى الحيوانات للحماية والحراسة من اللصوص؟ إذا كان يجوز فما هي الحيوانات التي يجوز إحضارها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لك أن تتخذ كلبا للحراسة، مع التحرز من إدخاله البيت، ومن تنجيسه الأوعية والثياب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية) . رواه البخاري (2322) ورواه مسلم (1574) بلفظ: (من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان) .
وكلب الحرث (الزرع) والماشية هو الكلب الذي يتخذ لحراستهما.
ففي هذا الحديث جواز اتخاذ الكلب لحراسة المال.
قال العراقي في طرح التثريب (6/28) : (وقال أصحابنا وغيرهم: يجوز اقتناء الكلب لهذه المنافع الثلاثة وهي الاصطياد به وحفظ الماشية والزرع. واختلفوا في اقتنائه لخصلة رابعة، وهي اقتناؤه لحفظ الدور والدروب ونحوها فقال بعض أصحابنا: لا يجوز لهذا الحديث وغيره فإنه مصرح بالنهي إلا لأحد هذه الأمور الثلاثة , وقال أكثرهم، وهو الأصح: يجوز قياسا على الثلاثة عملا بالعلة المفهومة من الحديث وهي الحاجة) اهـ.
وأما التحرز من إدخاله البيت فلقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري (3322) ومسلم (2106) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7225)
الأكل من لحوم البقر التي لا تُذكى إلا بعد القتل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في كندا وعرفت أنه في المقاطعة التي أعيش فيها يتم قتل الحيوان (البقر) ثم ذبحه. ويقول البعض أنه يمكننا أن نأكل اللحم من كندا لأنهم أهل كتاب. ماذا لو أني ذهبت لأحد بيوت المسلمين وأصروا على أن آكل لحماً من عندهم؟ ماذا أفعل؟ هل آكل منه على الرغم أني أعرف أنهم اشتروه من السوبرماركت؟ حاولت أن أفهمهم لكنهم لم يفعلوا. إنني مسلم جديد وهؤلاء المسلمون وقفوا معي ولا أريد أن أخذلهم أو أسبب لهم إحراجاً. ما هو الواجب علي وهل آكل هذا اللحم؟
يأتي الكثير من العلماء إلى هنا ويصرون على عدم الإجابة عن هذا السؤال ونحن المسلمون الجدد لا يوجد لدينا أي مصدر نتأكد منه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البقر التي تُقتل قبل ذبحها تُعتبر ميته لا يجوز أكلها؛ لقول الله تعالى: {إنما حَرَّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله به فمن اضطُرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فإن الله غفورٌ رحيم (115) } سورة النحل.
وبالنسبة لما ذكرت عن بعض المسلمين من أكلهم للحوم التي تُقتل قبل الذبح، فيُحتمل أنهم متأكدون من أن اللحم الذي يأكلونه مذبوح على الطريقة الشرعية، ويحتمل أنهم يجهلون الحكم في مثل هذه الذبائح، أو أنهم قد سألوا من أجابهم بحلِّ هذه اللحوم.
وعلى كل حال فالواجب عليك ترك الأكل من هذه اللحوم، وإذا طلب منك أحدٌ أن تأكل منها فلا تستجب لطلبه، وبين له سبب امتناعك؛ حتى يأخذ به أو على الأقل أن يعذرك في ترك الأكل منها.
وأما ماذكرت من أن بعض الناس يقول: يجوز أكل هذه اللحوم لأنهم أهل كتاب!! فالجواب: يجوز أكل ذبائح أهل الكتاب، أما هذه اللحوم التي ذكرتها ليست من ذبائحهم بل هي ميتة، والميتة لا يجوز أكلها ولو كانت لمسلم..
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " قال الله تعالى: {اليوم أُحل لكم الطيبات وطعام الذين أُوتو الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم " هذه الأية أوضحت لنا أن طعام أهل الكتاب مباح لنا وهم اليهود والنصارى إلا إذا علمنا أنهم ذبحوا الحيوان المباح على غير الوجه الشرعي كأن يذبحوه بالخنق أو الكهرباء أو ضرب الرأس ونحو ذلك فإنه بذلك يكون منخنقاً أو موقوذا فيحرم علينا كما تحرم علينا المنخنقة أو الموقوذة التي ذبحها مسلم على هذا الوجه أما إذا لم نعلم الواقع فذبيحتهم حلٌ لنا عملاً بالآية الكريمة " انتهى. مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثالث ص156
وفي الختام نود منك أن تقوم بنشر فتوى الشيخ عبد العزيز ابن باز على من تعرفهم من المسلمين على قدر استطاعتك.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7226)
حكم الصيد بالبندقية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أكل الغزال الذي يُقتل بالبندقية؟ واذا لم يكن كذلك فما هي الطريقة الصحيحة للصيد بالبندقية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا رميت الغزال بالبندقية وذكرت اسم الله فأصابت الرمية الغزال، فمات من الرمية فهو حلال يباح أكله، وإن أدركته حيا، فلا بد أن تذكيه
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الطيور التي نرميها بالبندقية وتموت حلال أم لا؟ حيث إن بعض الطيور التي نرميها نجدها قد ماتت قبل أن نسمي عليها؟
فأجاب: "نعم إذا رميت بالبندقية صيوداً من طيور أو غيرها كالأرانب والظباء وسميت الله على ذلك حين إطلاق السهم فإنها تكون حلالا، ولو وجدتها ميتة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) وقال: (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل) لكن إن كانت حية حياةً مستقرة تزيد على حركة المذبوح وجب عليك أن تذبحها وتسمي الله عند ذبحها، فإن لم تفعل وماتت صارت حراماً عليك، ولكن يجب التنبه إلى التسمية عند إطلاق السهم، لأنك إذا لم تسمِ الله حرم عليك الأكل، ولو كنت ناسياً، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ولقوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يكفي أن أقول باسم الله والله أكبر عندما أدخل الطلقة في البندقية عند الصيد، أم يجب ذكر اسم الله عند إطلاق زناد البندقية؟
فأجاب: "الواجب ذكر اسم الله عند الرمي، ولا يكفي ذكر ذلك عند إدخال الطلقة في البندقية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله) متفق على صحته من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه واللفظ لمسلم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (23/91) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7227)
اقتناء الكلب ونجاسة لعابه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الكثير من الأحاديث عن أن ترك الكلب في البيت يذهب البركة من البيت، وأنه يحرم تركه في البيت إلا إذا كان الكلب يستعمل في الصيد. لماذا لا يجوز الاحتفاظ بالكلب في البيت كحيوان أليف؟ ولماذا يعتبر لعابه نجساً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أذنَ الشرع باقتناء الكلاب لغايات متعددة ومنها: الصيد، وحراسة الماشية، وحفظ الزرع، وقد قيس عليها ما هو مثلها أو أولى منها، كحفظ البيوت من اللصوص، وكاستعمالها للكشف عن المخدرات واللصوص، وما عدا ذلك فإن مقتنيه معرَّض للوعيد بأن يُنقص من أجره في كل يوم قيراط أو قيراطان من الأجر.
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي - ناقلاً عن بعض العلماء -:
"لا شك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن في كلب الصيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في حديثٍ آخر: في كلبِ الماشية، وفي حديثٍ: في كلب الغنم، وفي حديثٍ: في كلب الزرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتخاذ: المصلحة، والحُكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجدت المصلحة: جاز الاتخاذ، حتى إنَّ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز - لدفع الثعالب عنها - هي في معنى الغنم، ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذه للإنذار بها والاستيقاظ لها: أعظم مصلحة من ذلك، والشارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة" انتهى.
"الإغراب في أحكام الكلاب" (ص 106 – 107) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرَّماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/246) .
ثانياً:
الشرع لا يأمر إلا بما فيه مصلحة للمكلفين، ولا ينهاهم إلا عما يضرهم، غير أن هذه الحكمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة الإناء الذي ولغ الكلب فيه، وما ذاك إلا لنجاسة لعابه، وقد أثبت الطب الحديث وجود أضرار متعددة في الماء الذي ولغ فيه الكلب، والمسلم الذي يتبع الأمر الشرعي ليس له إلا أن يستجيب للأمر، ويكف عن النهي، ولو لم يعلم الحكمة فيهما، ولا مانع من تلمسها، لكن لا يعلق الاستجابة على معرفته بها.
وبعض هذه الأمراض تنتقل بسبب مخالفة الشرع والأكل والشرب من آنية الكلاب، وبعضها ينتقل بسبب حمل الكلاب للجراثيم التي تسبب هذه الأمراض.
وعلى كل حال: فالمسلم يسمع ويطيع، والخير في الاستجابة للشرع بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7228)
ما حكم الصيد في المدينة النبوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصيد في الحرم النبوي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصحيح أنه محرم، لكنه ليس كالصيد في حرم مكة، فإن صيد حرم مكة إذا صاده الإنسان فإثمه أكبر مما لو صاد صيدا في حرم المدينة، وحرم المدينة ليس في صيده جزاء، وحرم مكة يحصل فيه جزاء، وحرم المدينة إذا أدخل الإنسان الصيد فيه من خارج الحرم فله إمساكه وذبحه، وحرم مكة فيه خلاف، فمن العلماء من يقول: إذا أدخل الإنسان صيداً إلى حرم مكة وجب عليه إطلاقه، ومنهم من يقول: لا يجب، والصحيح أنه لا يجب عليه إطلاقه، فلو أدخل الإنسان أرنباً أو حمامة من خارج الحرم إلى الحرم فله استبقاؤها وذبحها؛ لأنها ملكه، بخلاف ما إذا صادها في الحرم، فإنه ليس له إبقاؤها وليس له ذبحها، إنما عليه أن يطلقها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 228) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7229)
النهي عن أذى الحيوانات والتحريش بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما حكم إطلاق كلاب الصيد على الغزال وهو في القيد (ممسوك) ؟ 2- ما حكم إطلاق كلاب الصيد على الغزال وهو في القيد للتدريب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إطلاق كلب الصيد على الغزال المقيد، نوع من العبث والأذى والتعذيب للحيوان، وهو محرم. وقد روى البخاري (5513) ومسلم (1956) عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ أَنَسٌ: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَالَ الْعُلَمَاء: صَبْر الْبَهَائِم: أَنْ تُحْبَس وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه , وَهُوَ مَعْنَى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوح غَرَضًا) , أَيْ: لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا [هدفاً] تَرْمُونَ إِلَيْهِ , وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ , وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر: (لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا) وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ , وَتَضْيِيع لِمَالِيَّتِهِ , وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى , وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى " انتهى.
كما ورد النهي عن التحريش بين البهائم، لكن بإسناد ضعيف.
والتحريش بين البهائم هو تهييج بعضها على بعض.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/195) : " أما تحريش الحيوان بمعنى الإغراء والتسليط والإرسال بقصد الصيد، فمباح كإرسال الكلب المعلم , وما في معناه من الحيوانات. ولا خلاف بين الفقهاء في حرمة التحريش بين البهائم , بتحريض بعضها على بعض وتهييجه عليه , لأنه سفه ويؤدي إلى حصول الأذى للحيوان , وربما أدى إلى إتلافه بدون غرض مشروع. وجاء في الأثر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم) " انتهى.
قال الخادمي في "بريقة محمودية" (4/79) : " ومثله (أي: مثل التحريش بين البهائم) : إغراء الأمراء الأسد مع النمر، أو مع البقر أو الجمل. انتهى.
أما إذا كان إطلاق كلب الصيد على الغزال بغرض تدريبه وتعليمه، فلا حرج في ذلك؛ لأنه وسيلة إلى أمر مباح مأذون فيه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7230)
هل الصيد في الأشهر الحرم حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصيد في الأشهر الحرم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهي المرادة بقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) ، ولا حرج من الصيد فيها، إنما التحريم للصيد متعلق بأمرين:
الأول: الإحرام بحج أو عمرة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) المائدة/95.
قال ابن كثير رحمه الله:
"وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (2 / 99) .
الثاني: الصيد في حدود الحرم، والمقصود به مكة والمدينة للأحاديث الواردة في ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال: (إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر، لا ينفَّر صيدُها ولا يعضد شوكها) رواه البخاري (1284) ومسلم (1353) .
والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا ينفر صيدها) فهذا الحديث نص في تحريم تنفير الصيد في مكة، وأولى منه تحريم الصيد نفسه.
وأما المدينة فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين لابتيها حرام) رواه البخاري (1774) ومسلم (1372) .
واللابة يقال لها: الحَرَّة، وهي الحجارة السوداء، والمدينة بين لابتين، شرقية وغربية.
أما الأشهر الحرم فلا علاقة بينها وبين تحريم الصيد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7231)
" هاري بوتر " و " مفكرة الموت " فتنة الصغار والكبار، كفر وإلحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في هذا الوقت ما يسمَّى بـ " هاري بوتر "، وله روايات مجزأة على 8 أو 7 أجزاء، وصورت بعضها أفلام، تتحدث عن السحر، شخصيّاً لم أطلع عليها، ولم أر شيئاً منها، ولكن سمعت عنها، وعن انتشارها كثيراً، وأيضاً هناك فيلم " مفكرة الموت " رأيت حلقة واحدة منه تحدث عن " إله الموت " أنه رمى بـ " مفكرة الموت " للبشر، وأخذها شخص، وقرأ على غلاف هذه المفكرة أنه إذا أراد أن يُميت أحداً: فإنه يكتب اسمه، وطريقة موته، ثم يموت خلال 30 ثانية، أو أقل - لا أتذكر بالضبط -، وتدور الأحداث كيف تعامل هذا الشخص مع هذه المفكرة. فما رأيكم في مثل هذه الأفلام؟ وتبادلها بين الشباب؟ وبعضهم يدعي بأنه لا يشتريها حتى لا يدعمهم، ولكن يأخذها من زميله " يقرؤها، أو يشاهدها، ويرجعها له "! هل هذا تصرف صحيح؟ وكيف يمكن إقناعهم بخطورة مثل هذه الأفلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سلبَت أفلام الرسوم المتحركة الحديثة عقول الصغار والكبار! ، وتحوَّل كثير منها إلى أفلام حقيقية بسبب فتنة الملايين بها، وتعلق قلوبهم بأحداثها وشخصياتها، وقد احتوى كثير منها على عقائد تخالف دين الإسلام، وتشكك المسلمين – وخاصة الصغار منهم – بالمسلَّمات والعقائد القطعية، إضافة لما تبثه من مفاسد سلوكية، بما يظهر فيها من نساء متبرجات، وقصص حب وغرام.
ونأسف أن يتلقف المسلمون تلك الأفلام ليجعلوها في بيوتهم، ويمكنوا أطفالهم من تقضية أوقاتهم في مشاهدتها، وليس عند من يفعل ذلك أدنى اهتمام بما يمكن أن تؤثر به مثل هذه المشاهدات على أولاده ذكورهم وإناثهم.
ثانياً:
مما فتن به العالَم في زماننا هذا قصص " هاري بوتر " الشهيرة، وهي سلسلة مكونة من سبعة كتب، كتبتها كاتبة بريطانية تدعى " ج. ك رولينج "، وتدور القصة حول فتى يدعى " هاري بوتر " وُلد لأبويْن ساحرين، وقد قتلهما ساحر شرِّير، وقد فشل هذا القاتل في قتل ابنهما " هاري "، وعندما بلغ هذا الفتى سن الحادية عشرة اكتشف أنه ساحر! ثم تبدأ سلسلة الأحداث القائمة على السحر والشعوذة والخيالات، وقد بيعت مئات الملايين من هذه القصة في أرجاء الأرض، وترجمت إلى حوالي 60 لغة! ومن بينها اللغة العربية! ، وقد أنشئت منتديات، وكتبت ألوف الصفحات في شبكات الإنترنت، تحلل القصة، وتتوقع وقائعها، وتناقش أحداثها، بل إن الموقع العربي المسمى باسم بطلها لا يكتب – كباقي المنتديات – " اسم المستخدم " للدخول لموقعه، بل يكتب " اسم الساحر "! والله المستعان.
ثالثاًً:
وقد كتب الأستاذ خالد الروشة نقداً علميّاً متيناً لما احتوته تلك القصص، وذكر ما فيها من خروقات عقيدية وتربوية، فقال:
" وأحاول هنا بإيجاز أن أقف مع القارئ على بعض الخروق التربوية التي تؤدي إليها مثل تلك القصة وما يتبعها:
1 - القصة تقدِّم نموذجاً للقدوة عند أبنائنا , هو الساحر الشهير " هاري بوتر " , وهي هنا تهدم هذا الجدار الذي يبنيه النموذج الإسلامي بين أبناء الإسلام وبين السحر والسحرة , ولطالما لجأ الغرب إلى اختراع الشخصيات الأسطورية؛ لإلهاء الأطفال؛ ولملء الفراغ العميق بداخلهم , فاخترعوا لهم " سوبر مان " و " بات مان " و " هرقل "، وغيرهم من شخصيات يقدمونها للأبناء على أنها تستطيع أن تغير العالم وتهدم الجبال! وهذا ولاشك في ذاته دليل على عجزهم عن تقديم نموذج واقعي جاد جدير بجذب الأبناء وتعلقهم به والإقبال عليه.
2 - تقدِّم القصة السحر كمخلِّص من العقبات التي لا يمكن حلها، والأزمات التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، وفي لحظة واحدة، وبكلمة سحرية: يستطيع الساحر أن يحل الأزمة، ويتخطى العقبة , وهو – ولا شك - يولِّد لدى الأبناء خللاً عقائديّاً كبيراً , إذ إنه يدعوهم نحو ما يدعو إليه دافعاً إياهم إلى نسيان من ينبغي أن يلجئوا إليه في العقبات، والأزمات , ونحن ليل نهار نعلم أبناءنا (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام/ 17، 18 , وهو المنصوص عليه في جميع الديانات الصحيحة، وعلى لسان جميع الأنبياء من لَعْن السحرة، والمشتغلين بالسحر , ولكن القصة تجعل أبناءنا يشتاقون للسحر، ويحبونه، ويتمنى كل واحد منهم أن لو صار ساحراً!!
3 - الحياة الغربية هي حياة مركزها الإنسان، ومحورها منفعته، ومكاسبه , والإسلام يعلِّمنا أن يكون مركز تفكيرنا في مرضات الله سبحانه , فطاعة الله هي مركز حياتنا , ورضاه عز وجل هو محور سعينا , وهذا ما ينبغي أن نعلمه أبناءنا من قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/ 162 , وفي تلك القصة الساقطة هم يقدِّمون الشخصية التي تفعل كل المعجزات اعتماداً على قدراتها السحرية، وسعياً وراء مصلحة الأفراد , ولا يغتر أحد أنهم يقدمونه محارباً للشر , فالخير لا يأتي عن طريق الشر أبداً , وما جعل دواء فيما حُرِّم!
قصة " بوتر " قائمة على شيء حرَمه الله في ديننا الحنيف، ولعن فاعله، ذلك الشيء القبيح هو السحر , والمبدأ القرآني عندنا يقول (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه/ من الآية 69.
4 - اعتمدتْ القصة على التخويف والفزع من تخيلات شيطانية لا تطرأ إلا في عالم الجن، والشياطين، ومساكنهم في مجاري المياه، والمراحيض، وأماكن النجس - هكذا أوردت القصة - , والمزاج السليم يرفض ذلك، ويبعد بالأبناء عن تلك المجالات المفزعة، والقابضة لنفوس الأبناء، والمجرئة لهم – في بعض الأحيان – على عالم الشيطان , حتى يستسيغوا الحياة في ذلك العالم , فلا يجد حينئذ عبَّاد الشيطان صعوبة في دعوتهم إلى السوء!
5 - قدَّمت القصةُ الساحرَ الأكبرَ على أنه بإمكانه أن يحي ويميت! فهو يميت الطائر كذا، والحيوان كذا، ثم يحييه في صورة أفضل، وشكل أحسن , كما تقدمه على أنه يشفي المرضى، ويعالج الجروح في لحظة واحدة، وبكلمة سحرية واحدة , وهو خلل أي خلل في التكوين النفسي والفكري لدى أبنائنا الذين يجب أن نعلمهم دوما معنى قوله تعالى (الَّذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين. والَّذِي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقِين. وَإِذَا مَرِضت فَهُوَ يَشْفِين. والَّذي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيين. والَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) الشعراء/ 78 - 82.
6 - لا يهم الغرب أن يتربى الابن وقلبه مملوء بمحبة الله سبحانه والرغبة في عبادته , فهو يهتم بترفيهه وتقديم ما يبهره , ولذلك دوماً نجد أبناءهم يشبُّون على المادية الجامدة، وعلى النفعية البالغة، وعلى التقليل من شأن الروح، وإعلاء المادة عليها، وعلى البعد الكبير عن شئون القلب، وحقائق الكون , فقليل منهم من ييمم وجهه نحو البحث عن الإيمان، ولكنه يتربى على أن الإيمان هو شيء زائد يتمثله ليشعره بالراحة النفسية في بعض المواقف , وهذا يتنافى تماماً مع ما يأمرنا الإسلام بتربية أبنائنا عليه، حيث أوصانا أن نربِّي أبناءنا على حراسة القلب بالإيمان، وتعليقه بربه، وانظر إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام الصغير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يقول له: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ... ) أين الثرى من الثريا، وأين الظلمات من النور؟!! " انتهى.
ولقراءة المقال كاملاً: اضغط هنا:
http://www.islamselect.com/mat/42292
رابعاً:
قد حرمت الشريعة قراءة كتب السحر، ولا يختلف حكم مشاهدة الأفلام عن القراءة، بل هو أشد إثماً؛ لما فيه من تطبيق عملي للأمور النظرية في الأفعال السحرية المحرمة؛ ولما له من تأثير بالغ على ذهن المشاهد، وعلى حياته.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أرجو من فضيلتكم أن تبينوا حرمة استعمال، وقراءة كتب السحر والتنجيم، حيث إنها موجودة بكثرة، وبعض زملائي يريدون شراءها ويقولون: إنها إذا لم تستعمل فيما لا يضر فليس في ذلك حرمه. نرجو الإفادة، وفقكم الله.
فأجاب:
هذا الذي قاله السائل حق، فيجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم، ويجب على من يجدها أن يتلفها؛ لأنها تضر المسلم، وتوقعه في الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) ، والله يقول في كتابه العظيم عن الملَكين: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) البقرة/ 102، فدلَّ على أن تعلم السحر، والعمل به: كفر، فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلِّم السحر والتنجيم، وأن يتلفوها أينما كانت.
هذا هو الواجب، ولا يجوز لطالب العلم، ولا غيره، أن يقرأها، أو يتعلم ما فيها، وغير طالب العلم كذلك، ليس له أن يقرأها، ولا أن يتعلم مما فيها، ولا أن يقرَّها؛ لأنها تفضي إلى الكفر بالله، فالواجب إتلافها أينما كانت، وهكذا كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم يجب إتلافها.
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 148) طبعة " دار الوطن ".
والخلاصة:
لا يحل لمسلم أن يشتري هذه القصة المسمى " هاري بوتر " لما تحتويه من تعظيم للسحر، والسحرة؛ ولما فيها من عقائد تخالف عقيدة الإسلام، ومن باب أولى عدم جواز مشاهدة القصة مصورة في " فيلم " لما لها من تأثير بالغ على عقيدة، وسلوك مشاهديها؛ ولما تحتويه من مشاهد منكرة، وموسيقى محرمة.
خامساً:
الفيلم الكرتوني الآخر – وقد تحول إلى فيلم حقيقي – والمسمى " مفكرة الموت " يحتوي على عقائد كفرية، وملخص قصة الفيلم أن " إله الموت "! والمسمى " ريكو " يرمي بمفكرة سماها " مفكرة الموت " إلى عالم البشر! ، ويلتقطها بطل الفيلم " ياجامي "، ليعلم فيما بعد أنه يستطيع أن يميت من يشاء! وذلك من خلال كتابة اسم المراد موته فيها، بشرط أن يكون على علم بصورته، كما يستطيع أن يتحكم في طريقة وفاته! فإذا كتب طريقة الموت بعد " 40 " ثانية من كتابة الاسم، وكتب طريقة الموت: مات بما يطابق كتابته، وإن مرت المدة ولم يكتب طريقة موته: مات بالنوبة القلبية! فيبدأ بعدها التخلص من الأشرار! بكتابة أسمائهم في تلك المفكرة ليتم القضاء عليهم، ويبدأ محقق في تتبع أسباب وفاة أولئك، في قصة تملؤها الخرافة، والشرك، والكفر، والإلحاد، وفي كل مرة يقدَّم الكفر على أنه مخلص الأرض من الشر! وهذا ما رأيناه قبل قليل في الساحر " هاري بوتر " وكذا ما قدَّمته الرسوم المتحركة اليابانية من " ميكي ماوس " الإله الفأر الذي ينقذ المظلومين ويقضي على الأشرار، وها هم هنا يأتون بشخص يسمونه " إله الموت " – " شينيغامي " – ليجعل له وكيلاً من البشر! يقضي على من يشاء بالموت.
ولا يشك موحد يعرف الإسلام أن مثل هذه القصص والرسوم المتحركة والأفلام لا يحل نشرها، ولا قراءتها، ولا مشاهدتها؛ لما فيها من مخالفات واضحة لعقيدة التوحيد؛ ولما لها من أثر سيء على قارئها ومشاهدها.
ولمزيد فائدة: انظر أجوبة الأسئلة: (110352) و (71170) و (97444) و (111600) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7232)
الرسوم المتحركة الجنسية، حقيقتها، خطرها، حكمها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال، هل يجوز مشاهدة أفلام جنسية إباحية كرتونية، ورسوم متحركة، إذا لم تشغلني عن الفرائض، ولا تقودني إلى المحرمات، مثل الزنا، والخمور، وغيرهما، وحتى لو أن هذه الرسوم والكرتون ليست بشراً حقيقيين؟ هل هذا جائز بهذه الشروط؟ . جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأخطار التي تحدق بالأسرة أكبر من أن يستطيع منعها الوالدان بمفردهما، فثمة مؤامرات عظيمة الحجم، كثيرة العدد على أفراد الأسرة جميعهم، إن لم ينتبه رب الأسرة لتلك الأخطار، ويحط أفرادها برعايته: ضاعوا، وضلوا، وخسرهم.
ومن أعظم الأخطار على أفراد الأسرة من الأطفال: الألعاب الإلكترونية، والرسوم المتحركة، وقد كان لموقعنا دور في تنبيه الأسرة لهذين الخطرين، ثم إننا صعقنا من حجم الخطر الداهم على الأطفال من " الرسوم المتحركة الجنسية "! فهالنا ما وجدناه من خطرها، وأثرها السيئ على الأطفال، وهالنا الإنتاج الغزير لهذه المواد، وعجبنا من وجود أعداد كبيرة من المواقع في بلاد الإسلام – للأسف - تسوِّق لهذه الأفلام الخبيثة.
ثانياً:
من المعلوم أن التعليم في الصغَر كالنقش في الحجر، فيثبت ويرسخ ما يتعلمه الطفل في صغر سنِّه، فكيف يكون ذلك النقش لو أن التعليم كان مصحوباً بصوت وصورة متحركة؟! لا شك أن هذا سيكون أبلغ في حفره في ذهنه، ثم إن هذا الطفل سيسعى لتطبيق ما نُقش في ذهنه، ليجعله واقعاً في حياته، وهو ما أدى إلى جرائم قتل وسرقات واعتداءات، ثم إنه في أفلام الرسوم المتحركة الجنسية يتم تطبيق ما يراه الأطفال في أفظع منظر، وأخزى صورة، من العري، والتقبيل، والضم، والمضاجعة، ومع من؟ مع أخيه! أو أخته! وهو إما يكون صغيراً لا يدري ما يفعل على وجه الحقيقة، أو أنه في بداية بلوغه، وهنا يكون الخطر الداهم.
إن هذه الأفلام المتحركة الجنسية تحتوي ما هو شر محض، ليس فيها إلا دمار الأسرة، وتخريب أخلاق أطفالها، وتنمية حب الجنس في نفوسهم، ونزع الحياء منهم، وقتل العفاف فيهم، كل ذلك نتيجة تأثرهم بما يرونه من تلك الأفلام الكرتونية المثيرة، لا يسلم منها الكبار حتى تهيجهم، فكيف سينجو الصغار ومن هم في أوائل مراهقتهم؟! .
ثالثاً:
لا يشك عاقل أن مشاهدة هذه الرسوم جريمة في حق الإنسان مع نفسه، وجريمة في حق أولاده إن مكَّنهم من مشاهدتها، ومثل هذا لا تأتي الشريعة بإباحته، بل هي سبَّاقة للتحذير منه، وتحريمه، والقضاء عليه، ومما يدل على هذا المنع والتحريم لمشاهدتها:
1. قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... ) النور/ 30، 31.
ولا فرق بين مشاهدة المرأة الأجنبية على أصل خلقتها، أو على صورة ثابتة، أو متحركة، أو كانت رسوماً يدوية، فكيف إذا كان المشاهَد هو عورات! ومشاهد جنسية مثيرة؟! .
2. قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/ 36.
فالبصر يشاهِد ما حرَّم الله مما تحتويه تلك المشاهد الفاضحة، والسمع يصل إليه من الموسيقى والكلام الفاحش المحرَّم، ما يجعل صاحبهما مسئولاً عن ذلك يوم القيامة؛ لتفريطه في نعَم الله عليه، ولسماعه، ومشاهدته ما حرَّم الله عليه.
3. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) . رواه البخاري (4942) .
فإذا كان مجرد الوصف الذي يصاحبه تخيل من الرجل للأجنبية لا يحل: فأولى إن كان ذلك مشاهَداً بالصوت والصورة، ولو رسماً؛ فإنه أبلغ من مجرد الخيال، فيكون أولى بالمنع.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قال القابسي: هذا أصل لمالك في سد الذرائع؛ فإن الحكمة في هذا النهي: خشية أن يُعجب الزوج الوصف المذكور، فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة، أو الافتتان بالموصوفة.
" فتح الباري " (9 / 338) .
4. عموم الأحاديث التي جاءت بتحريم التصوير باليد، وهو سبب منع بعض العلماء للرسوم المتحركة بخيرها وشرِّها، ومن استثنى منهم منها شيئاً: فإنما استثنى ما فيه نفع وخير، وهذه الرسوم المتحركة الجنسية ليست كذلك، فهي ليست مباحة عند أحد من أهل العلم.
5. هذه الرسوم الجنسية مضادة للتربية الإسلامية من كل وجه، فالوالدان مأموران بتعليم أولادهما الصلاة وهم أبناء سبع، وبالتفريق بينهم في المضاجع وهم أبناء عشر، ومأموران بحسن النصح لهم، ودلالتهم على الخير، وتحذيرهم من السوء والشر، فأين هذا من تمكينهم من النظر إلى الأفلام الجنسية، وما فيها من تقبيل، وكشف للعورات، وفعل للمنكرات؟ فكيف سيتربى الابن على العفاف، وكيف ستعرف البنت الحياء، وهما يشاهدان ما تشيب منه الرؤوس ويتلف السلوك؟! .
رابعاً:
ما جاء في السؤال من أن النظر إلى هذه الأفلام الكرتونية لا يؤثر سلباً في السلوك، فلا يسبب ترك فرائض، ولا يدعو إلى محرمات: ليس موافقاً للحقيقة، ولا مطابقاً للواقع؛ فإن أثر هذه الأفلام سيء للغاية، وإن صوره لتنطبع في أذهان الأطفال حتى لا تكاد تُمحى، وإن الكبار قد افتتنوا بها كثيراً، حتى ظن بعضهم جواز رؤية هذه الأفلام لأجل تهييج شهوته على امرأته! فظن أن ذلك جائز ولا حرج فيه! وهو يؤكد صحة ما ذكرناه من تأثيرها البالغ حتى على الكبار.
على أن قول السائل: إنها لا تسبب ترك فرائض، لا قيمة له في الحكم، لو قدر أن ذلك صحيح؛ فهذه الأشياء محرمة لما احتوته في ذاته من انتهاك للحرمات، ومخالفة لشرع رب السموات، وليس لما تؤدي إليه من ترك الفرائض، فإن هذا ذنب آخر، بغض النظر عن سبب هذا الترك.
لذلك فنحن لا نتردد في القول بحرمة صنع هذه الأفلام الجنسية، وحرمة استيرادها، وحرمة بيعها، وشرائها، وحرمة مشاهدتها، ونرى أن الوالديْن اللذيْن يمكِّنان أولادهما من مشاهدتها: آثمان، مفرِّطان فيما استرعاهم الله من رعية.
ويجب على كل من ملك القرار، وولاَّه الله السلطة أن يضرب بيدٍ من حديد كلَّ عابثٍ بأخلاق المسلمين، وأن لا يسمح بمثل هذه الأفلام وإلا كان شريكاً في الإثم.
ولمزيد فائدة أنظر أجوبة الأسئلة: (110352) و (71170) و (97444) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7233)
حكم استماع بعض البرامج المفيدة التي تتخللها الموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استماع بعض البرامج المفيدة كأقوال الصحف ونحوها التي تتخللها الموسيقى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في استماعها والاستفادة منها مع قفل المذياع عند بدء الموسيقى حتى تنتهي، لأن الموسيقى من جملة آلات اللهو يسر الله تركها والعافية من شرها.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 389(5/7234)
تحليل السينما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول إن السينما من المال الحلال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السينما الموجودة اليوم لا يشك مسلم أنها دار للمعصية، تنشر ما حرم الله من صور النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، بل تروج وتدعو في كثير من الأحيان إلى العلاقات الجنسية الآثمة بين الرجال والنساء، هذا مع ما فيها من بث الأغاني والموسيقى وأفلام الإجرام المفسدة للمجتمع، وكل أمر من هذه الأمور يحرم نشره وترويجه وبثه، فكيف إذا اجتمعت؟!
والحاصل أن ما كان كذلك، فلا شك في تحريمه وتحريم المال الناتج عنه، ومن قال إن المال الحاصل من السينما حلال، فينبغي أن يوقف على شيء من حال السينما المعاصرة ليعلم خطأ ما ذهب إليه.
وليحذر الإنسان من تحليل ما حرم الله، فإن الله تعالى يقول: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) النحل/116، 117
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7235)
حكم تمثيل أدوار الكفار أو الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما نشاهد في المسلسلات الدينية من يقوم بدور المشركين ويتكلم بلسانهم، فما حكم من يتكلم بلسان المشركين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بكل حال ولا ينبغي للمسلم أن يشبه نفسه برجل كافر أو مشرك عدو لله ولرسوله وعدو لدين الإسلام، ولا ينبغي له أن يشبه نفسه بالشيطان أو بإبليس الذي هو عدو الإنسانية، فلا يجوز للمسلم أن يصنع مثل هذا الصنيع ويعمل مثل هذا الفعل ويتكلم بالكفر على أنه أبو جهل أو عتبة بن ربيعة أو غيرهما وفعل ما شابه ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 20.(5/7236)
حكم تمثيل شخصيات الصحابة في التمثيل
[السُّؤَالُ]
ـ[اختلفت مع بعض الناس في جواز تمثيل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الأفلام والتمثيليات، كما هو موجود الآن بكثرة. وكان من كلامه إن هذا فيه مصلحة وهي الدعوة للإسلام وإظهار مكارم الأخلاق الإسلامية. فما هو رأي فضيلتكم في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحابة لهم المكانة العليا في الإسلام بحكم معاصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيامهم بواجب نصرته وموالاته، وتفانيهم في سبيل الله ببذلهم أموالهم وأنفسهم. ولهذا اتفق أهل العلم على أنهم صفوة هذه الأمة وأفضلها، وأن الله شرفهم بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهم في كتابه الكريم بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتح/29.
وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) البخاري (3650) ومسلم (2535) .
وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من ينتقصهم أو يسخر منهم أو يسبهم، فقال: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) السلسلة الصحيحة (2340) .
وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله تعالى عليهم، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها.
لأن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية والاستهزاء به، ويقوم بالتمثيل أناسٌ غالباً ليس للصلاح والتقوى والأخلاق الإسلامية مكان في حياتهم العامة، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة للكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسوف يشتمل على الكذب والغيبة.
كما يؤدي تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم إلى زعزعة مكانتهم في نفوس المسلمين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، ويتضمن ضرورةً أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله من الكفار، ويجري على لسانه سبُّ بلال، وسبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به الإسلام، ولا شك أن هذا منكر عظيم.
وما يقال من وجود مصلحة وهي الدعوة إلى الإسلام، وإظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل، ويأباه أيضا شأنهم في حياتهم وأعمالهم.
ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن الشيء إذا كان فيه مصلحة ومفسدة، وكانت مفسدته أعظم من مصلحته فإنه يحرم. وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه فمفسدته أكثر من مصلحته.
فرعايةً للمصلحة، ومنعاً للمفسدة، وحفاظاً على كرامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك.
فبناءً على ما سبق يحرم تمثيل أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الأفلام أو المسرحيات أو غيرها.
والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة في مجلة البحوث الإسلامية 1/223-248.(5/7237)
حكم الأناشيد الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأناشيد الإسلامية الخالية من الموسيقي؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
.جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بدلالات متنوعة على إباحة إنشاد الشعر واستماعه، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد سمعوا الشعر وأنشدوه واستنشدوه من غيرهم، في سفرهم وحضرهم، وفي مجالسهم وأعمالهم، بأصوات فردية كما في إنشاد حسان بن ثابت وعامر بن الأكوع وأنجشة رضي الله عنهم، وبأصوات جماعية كما في حديث أنس رضي الله عنه في قصة حفر الخندق، قال:
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بنا من النصب والجوع قال:
" اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة * فاغفر للأنصار والمهاجرة "
فقالوا مجيبين:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا
رواه البخاري 3/1043
وفي المجالس أيضا؛ أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: " لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم، وينكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم عن شيء من دينه دارت حماليق عينه " 8/711
فهذه الأدلة تدل على أن الإنشاد جائز، سواء كان بأصوات فردية أو جماعية، والنشيد في اللغة العربية: رفع الصوت بالشعر مع تحسين وترقيق.
وهناك ضوابط تراعى في هذا الأمر:
عدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد.
عدم الإكثار منه وجعله ديدن المسلم وكل وقته، وتضييع الواجبات والفرائض لأجله.
أن لا يكون بصوت النساء، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش.
وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون.
وأن يخلو من المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتا مثل أصوات المعازف.
وأن لا يكون ذا لحن يطرب وينتشي به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني، وهذا كثير في الأناشيد التي ظهرت هذه الأيام، حتى لم يعد سامعوها يلتفتون إلى ما فيها من المعاني الجليلة لانشغالهم بالطرب والتلذذ باللحن. والله ولي التوفيق.
المراجع: فتح الباري 10/ 553 - 554 - 562 - 563
مصنف ابن أبي شيبة 8/711
القاموس المحيط 411
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7238)
هل يجوز له العمل في صناعة الرسوم المتحركة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يرغب أحد أبناء عمومتي في امتهان مهنة تصميم الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد، فهو شديد الاهتمام بها - والحمد لله -، فهو لديه معرفة واسعة بلغات البرمجة، ولكنه تراوده بعض الشكوك حول ما إذا كانت الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد حرام فى الإسلام، كما يشار دائما إلى حرمة التصوير، ويريد قبل امتهانه مهنة تصميم الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد معرفة الآراء فى ذلك الأمر من مراجع موثوق بها، أو من أحاديث، برجاء الرد إذا كانت لديكم أية فكرة بخصوص هذا الأمر. جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الرسوم المتحركة إن كانت على غير شكل ذوات الأرواح - كالشجر والسيارات -: فلا حرج في صنعها ومشاهدتها من حيث كونها رسماً، وأما إن كانت على شكل ذوات الأرواح - كالبشر والحيوانات -: فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء المعاصرين، فقد ذهب علماء اللجنة الدائمة إلى المنع من الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون ولو كانت ذات صبغة شرعية.
ففي فتوى اللجنة الدائمة رقم (19933) ، تاريخ 9 / 11 / 1418 هـ: ما نصه:
لا يجوز بيع ولا شراء ولا استعمال أفلام الكرتون؛ لما تشتمل عليه من الصور المحرمة، وتربية الأطفال تكون بالطرق الشرعية، من التعليم، والتأديب، والأمر بالصلاة، والرعاية الكريمة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتوى اللجنة الدائمة " رقم (19933) ، تاريخ 9 / 11 / 1418 هـ.
وذهب الشيخ العثيمين - رحمه الله - إلى الجواز، كما بيَّنا قوله في جواب السؤال رقم: (71170) فلينظر.
وعلى القول بالجواز فينبغي للمنتج لها أن يراعي أموراً، منها:
1. عدم إخراج الشخصيات القيادية والجهادية بصورة مبتذلة، أو تقولهم ما لم يقولوا.
2. عدم وضع مقاطع موسيقية مع الأفلام والرسوم المتحركة.
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -:
يبقى النظر، لا ينسبون إلى أحد من قوَّاد هذه الفتوحات ما لم يقله، هذه هي المشكلة، فأرى أنه إذا كانت ليس فيها إلا الخير: ما فيها شيء إن شاء الله، وإذا كانت مصحوبة بموسيقى: فهذا لا يجوز؛ لأن الموسيقى من المعازف المحرمة.
" لقاءات الباب المفتوح " (127 / السؤال رقم 10) .
وقد ذكرنا في بعض أجوبتنا حرمة الألعاب الإلكترونية للصغار والكبار إذا كانت تحتوي على معازف، وللمزيد من التفصيل ينظر جوابي السؤالين: (2898) و (39744) .
3. عدم إخراج صور النساء والرجال بعورات أو بأفعال محرَّمة أو كفرية كحمل الصليب وعبادة الأصنام، ولو كان للتعليم والتمثيل.
4. أن تحمل تلك الأفلام والرسوم المتحركة معاني سامية، وأن تحتوي على ما يعلِّم الأخلاق الفاضلة.
5. أن لا تكون الصور والرسوم مشابهة لخلق الله تعالى، حتى لا يخطر بذهن الطفل الصغير أن ثمة من يصنع كخلق الله تعالى.
6. أن لا يكون فيها تعظيم لبدعة ولا مبتدع، ولا فسق ولا فاسق، وأن لا تشتمل على ذِكر مناسبات بدعية أو محرمة كالاحتفالات بالمولد النبوي، أو بأعياد الميلاد.
7. منع تمثيل الأنبياء والصحابة، ولو كانت الوقائع حقيقية.
وينظر جواب السؤال رقم (14488) .
وينظر جواب السؤال رقم (10836) ففيه ضوابط مهمة زيادة على قلناه ههنا.
وعلى كل حال:
فينبغي للمنتج أن يضع بين عينيه أن ما سيخرجه للنشء فإنه سيتأثر به من يسمعه ويراه، فليحرص على إيصال رسالة الإسلام نقية، وليساهم في تربية الأطفال تربية إسلامية، فيُدخل في أفلامه ورسومه تعظيم الصلاة وتعليمها، وبر الوالدين، وذِكر حقوقهما، وغير ذلك من أخلاق الإسلام العظيمة، مع التحذير من العقوق، والكذب، وقطيعة الرحم، وما يشبه ذلك.
ونرجو أن يكون ما في هذه الرسوم والأفلام من مصالح أكثر من مفسدة التصوير والرسم، ولو كانت المسألة متفقاً عليها بين العلماء لما قلنا بالجواز، حتى لو كان فيها مصالح متعددة، ولكن لما جاءت النصوص باستثناء صناعة الألعاب ولو لذوات الأرواح للأطفال، ووجد من علمائنا من يقول بالجواز: مِلْنا إلى القول بالجواز.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7239)
عن التمثيل، وحكم تزويج البنات الصغيرات
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما هو حكم الإسلام في التمثيل في الأفلام؟ إذا كان ذلك جائزا فأي نوع من الأفلام؟ وما هو دور النساء في الأفلام؟
2- لماذا يسمح الإسلام بتزويج الأطفال من الفتيات بأعمار أقل من عشر سنين بدون إذنهن.
(يقال إنه بالنسبة للأطفال يتطلب اهتمام أهلهم فقط، أنا أعلم أنه يتطلب الإذن بالنسبة للبالغين) في الحقيقة الزواج يجب أن يكون بين الأشخاص الذين لديهم بعض النضج، ولكن بين الأطفال لا يحصل ذلك، هل يمكنكم إيضاح حكم الشرع في زواج الأطفال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق الجواب عن التمثيل وما يتعلق به في السؤال رقم (10836) ، فيرجى مراجعته، ونضيف إليه:
قال الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله -: المروءةُ مِنْ مقاصدِ الشرعِ، وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاءً، والشرع يأمر بمعالي الأخلاق، وينهى عن سفاسفها، فكم رأى الراؤون الممثل يفعل بنفسه الأفاعيل في أيِّ عضوٍ مِن أعضائه، وفي حركاته وصوته واختلاج أعضائه، بل يمثل دور مجنونٍ أو معتوهٍ أو أبلهٍ ... وعليه: فلا يمتري عاقل أنَّ التمثيل مِن أولى خوارم المروءة، ولذا فهو مِن مسقطات الشهادة قضاءً، وما كان كذلك: فإنَّ الشرع لا يُقرُّه في جملته ... .
انظر: " المروءة وخوارمها " (ص221) لمشهور حسن.
ثانياً:
زواج الصغيرة قبل بلوغها: جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء.
أ. قال الله عز وجل: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) الطلاق / 4.
وفي هذه الآية: نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن أن الله تعالى جعله زواجاً معتدّاً به.
ب. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً.
رواه البخاري (4840) ومسلم (1422) .
“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده "سبع سنين".
ولا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها، بل لا توطأ إلا إن صارت مؤهلة لذلك؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها.
قال النووي:
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها: فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عُمل به، وإن اختلفا: فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها.
" شرح مسلم " (9 / 206) .
والمستحب أن لا يزوج الوليُّ ابنته وهي صغيرة إلا إذا كانت هناك مصلحة من ذلك.
قال النووي:
واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب أن لا يزوِّج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة، فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها، والله أعلم.
" شرح مسلم " (9 / 206) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7240)
حكم قراءة القصص العاطفية ومشاهدة الأفلام الرومانسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هوايتي المفضلة هي قراءة القصص الأجنبية العاطفية التي أحيانا يكون بها وصف لبعض المشاهد الجنسية بالتفصيل بين البطل والبطلة. علما بأنني أصلي ومحجبة وأتقي الله كثيرا ولم يكن لي أي علاقة بأي شاب من قبل ولكني فتاة رومانسية وأحب سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام الرومانسية ولكن ما يقلقني هي الروايات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قراءة القصص والروايات العاطفية، يترتب عليها مفاسد كثيرة، لاسيما إذا كان القارئ أو القارئة في سن الشباب، ومن هذه المفاسد: تحريك الشهوة، وتهييج الغريزة، وإفساح المجال للخيالات والأفكار الرديئة، وتعلق القلب ببطل القصة أو بطلتها، وشغل الوقت بما لا ينفع في دين ولا دنيا، بل بما يضر غالبا، وقد جاءت الشريعة بسد الأبواب المفضية إلى الحرام، فأمرت بغض البصر، ومنعت من الخلوة والخضوع بالقول ونحوه مما يهيج ويثير ويدعو إلى الفاحشة، ولا شك أن قراءة هذه الروايات هو على الضد من ذلك تماما، لما يدعو إليه من الرغبة في التعرف على الرجال والتعلق بهم وبصورهم وأشكالهم وأنماط مخاطباتهم مع الفتيات، إضافة إلى عرض الصور الفاضحة للعشق والهيام واللقاء والحرام، وما كان كذلك فلا شك في تحريمه.
ثانيا:
سماع الموسيقى محرم؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (5000) ، ورقم (20406) .
ثالثا:
مشاهدة الأفلام الرومانسية، يقال فيها ما قيل في قراءة الروايات العاطفية، بل الأفلام أعظم ضررا، وأكثر فسادا، لما تشتمل عليه من تجسيد المعاني في صور وحركات ومواقف، ولما فيها من رؤية العورات، ومطالعة الفجور، مع الموسيقى التي تصاحبها في عموم الأحوال، وفيها من تهييج الشهوات، وإثارة الغرائز، والدعوة للفاحشة، ما لا يخفى على عاقل. فمن العجب ألا تكوني قلقة بشأن مشاهدة هذه الأفلام.
والحاصل: أن ذلك كله ممنوع، وأنه باب من أبواب الحرام والإثم، وفاعله على خطر عظيم، فقد النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) ، وفي رواية لمسلم: (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ) فتأملي هذا الحديث العظيم، وانظري في أمر الأفلام التي ذكرتِ، فإن مشاهدتها تتضمن زنا العينين والأذنين والقلب الذي يهوى ويتمنى، فنسأل الله السلامة والعافية.
واعلمي أن ترك الحرام واجب على الفور، وأن الذنب بعد الذنب يظلم القلب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) رواه الترمذي (3334) وابن ماجة (4244) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
واعلمي أيضا أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فبادري بالتوبة النصوح، وأقلعي عن هذه المحرمات، وانشغلي بما ينفعك في دينك ودنياك، وأكثري من قراءة القرآن، ومطالعة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أمهات المؤمنين، وسير الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، واستمعي للمحاضرات النافعة، التي تذكرك بالله، وترغبك في الدار الآخرة، وتزهدك في الحرام.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7241)
حكم المسرحيات والتمثيليات لأجل الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة الحكم في المسرحيات القصيرة والتمثيليات الخاصة بالأطفال والمراهقين والتي تشتمل على مواد إسلامية (مثل بعض الآيات القرآنية, واقتباسات من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. وما شابه ذلك) ؟ لقد قرأت إجابتك حول لبس الشعر المستعار والشوارب..الخ (وأن ذلك حرام) , لكني سأقدر حصولي على جواب مفصل حول ما ذكرت لأن الكثير ممن عندهم بعض العلم بأمور الدين قالوا بأن المسرحيات القصيرة جائزة للصغار. كما أني سأقدر لك كثيرا سرعة إجابتك على سؤالي, فنحن عندنا حلقة للصغار, ونحن نسأل الله أن يبعدنا عن مخالفة الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء بين المنع منه مطلقا وبين إباحته ولكن بضوابط شرعية، وقبل ذكر الخلاف في المسألة ينبغي التنبيه على أنه ليس محل الخلاف في التمثيل الماجن والمختلط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المحرمات المشهور على الشاشات، فهذا لا نزاع بين أهل العلم في تحريمه.
أما التمثيل المختلف فيه فهو أن يقوم اثنان أو أكثر أمام جمهور من الناس بأعمال ومحادثات، لتعليم هذا الجمهور شعيرة أو خلقاً إسلامياً، أو تبصيره بالواقع وما فيه من فساد، أو الماضي وما فيه من أمجاد أو لترويح النفس ـ وقد يظهرون أنفسهم على غير حقيقتها.
وينبغي أن يكون هذا التمثيل محكوماً بضوابط، وهي:
1- الابتعاد عن تمثيل الأنبياء والصحابة، والشياطين والكفّار، والحيوانات، والمرأة من قِبَلِ الرّجل وبالعكس، وبالغيبيات كالملائكة.
2- تمثيل المستهزئ بالله أو آياته أو رسوله أو أي شعيرة من شعائر الدين ولو بحجة تعليم الناس، فهذا لا يجوز الوقوع فيه لا جِدّاً ولا هزلاً.
3- تمثيل أيّ دور خالطه مُحرّم من القول كالكذب والغيبة وإطالة الثوب وغيرها.
4- تمثيل العبادات كالوضوء والصلاة لا على صورتها الحقيقة الثابتة في السنة
وينبغي الابتعاد عن تمثيل وتقمُّصِ شخصية الفاجر أو الفاسق، أو تمثيل دور أئمة الأمة وعلمائها المتبوعين خشية أن يؤدي ذلك إلى انتقاص قدرهم.
وقد قال بعض العلماء المعاصرين بتحريم التمثيل عموماً، وقال بعضهم بإباحته بشروط ومنهم الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وفيما يلي فتواه في المسألة:
الحمد لله رب العالمين، لا شك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عبادة، كما أمر الله بها في قوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ، والإنسان الداعي إلى الله يشعر وهو يدعو إلى الله عز وجل أنه ممتثل لأمر الله متقرِّب إليه به، ولا شك أيضاً أن أحسن ما يدعى به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى هو أعظم واعظ للبشرية: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) ، والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك يقول: " أبلغ الأقوال موعظة " فقد كان يعظ أصحابه أحيانا موعظة يصفونها بأنها " وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون " فإذا تمكَّن الإنسان من أن تكون عظته بهذه الوسيلة فلا شك أن هذه خير وسيلة، أي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا رأى أن يُضِيف إلى ذلك أحياناً وسائل مباحة، مما أباحه الله فلا بأس بهذا..ولكن يشترط ألا تشتمل هذه الوسائل على شيء مُحرّم كالكذب، أو تمثيل أدوار الكفار مثلاً، أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة ـ أئمة المسلمين من بعد الصحابة ـ أو ما أشبه ذلك مما يُخْشى منه أن يَزْدَري أحد من الناس، هؤلاء الأئمة الفضلاء.. ومنها أيضاً ألا تشتمل التمثيلية على تَشَبُّه رجل بامرأة أو العكس، لأن هذا مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يلعن المتشبِّهات من النساء بالرجال، والمتشبِّهين من الرجال بالنساء. المهم أنه إذا أخذ بشيء من هذه الوسائل أحيانا من أجل التأليف، ولم يشتمل هذا على شيء مُحرّم، فلا أرى به بأسا، أما الإكثار منها، وجعلها هي الوسيلة للدعوة إلى الله، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يتأثر المدعُو إلا بمثل هذه الوسائل، فلا أرى ذلك، بل أرى أنه محرم، لأن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر، لكن فِعْل ذلك أحيانا لا أرى فيه بأسا إذا لم يشتمل على محرّم " أهـ، والله أعلم.
انظر كتاب التمثيل في الدعوة إلى الله لعبد الله آل هادي 11 -66-67 -102
ويراجع كتاب حكم ممارسة الفن في الشريعة لصالح الغزالي.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7242)
استخدام نغمات موسيقية في الهاتف الجوال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استخدام التليفون المحمول الذي به نغمات فيه شبهة، لأن هذه النغمات تعتبر موسيقى أم لا؟ وبصراحة يمكن أن أتجنب هذه الشبهة باستخدام تليفون محمول يكون جرسه آية قرآنية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وضع نغمات الهاتف الجوال على الأصوات الموسيقية منكر ومحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصّ على تحريم المعازف حيث قال: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف.. " الحديث، رواه البخاري (5590)
وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين؛ أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم.
ثانيا: قرن المعازف مع المقطوع بحرمته وهو الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها (السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها. مجموع الفتاوى (11/535) .
وآلات اللهو هي آلات الموسيقى.
ويمكن الاستغناء عن هذه النغمات المحرمة بضبط الهاتف على نغمة الجرس المعتادة أو غيرها مما لا يُعدّ من النغمات الموسيقية.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم النغمات الموسيقية في الجوال فأجابت: " لا يجوز استعمال النغمات الموسيقية في الهواتف أو غيرها من الأجهزة، لأن استماع الآلات الموسيقية محرم كما دلت عليه الأدلة الشرعية ويُسْتَغْنَى عنها باستعمال الجرس العادي. وبالله التوفيق
مجلة الدعوة العدد 1795 ص 42.
وقد ذكر السائل أنه يمكنه ضبط جرس هاتفه على آية قرآنية، والأولى أن لا يفعل هذا، فإنه يُخشى أن يكون في هذا نوع امتهان للقرآن الكريم، فإن الله تعالى أنزل القرآن ليكون كتاب هداية يهدي للتي هي أقوم، فيُقرأ، ويُرتَّل، ويُتَدبر، ويُعمَل بما فيه، لا ليكون وسيلة تنبيه.
فيكفي السائل أن يجعل هاتفه على نغمة الجرس المعتادة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7243)
هل يحرم سماع الغناء في الجنة مَن سمعه في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يسمع الأغاني في الدنيا لا يسمعها في الجنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في السنة بعض ما يدل على أن من أنواع النعيم الذي يلقاه أهل الجنة الاستماع إلى أصوات جميلة تستفرغ لذاتهم، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه " حادي الأرواح " في الباب السابع والخمسين فصلا كاملا في " ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة " (ص/358-365) جمع فيه كل ما ورد في هذا الباب من صحيح وضعيف.
ولعل من أصح ما ورد في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ)
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (5/149) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (3/269)
ثانيا:
من المعلوم أيضا أن استماع المعازف في الدنيا من المحرمات التي ثبت تحريمها في الكتاب والسنة الصحيحة، وقرر ذلك فقهاء المذاهب الأربعة، فمن تهاون في الوقوع في هذه المعصية استحق الإثم والعذاب على ارتكابه لذلك، كما هو الحال في سائر ما حرم الله على عباده في الدنيا.
ولم يرد دليل على أن من سمع المعازف في الدنيا حُرم من سماع الغناء والأصوات الجميلة في الجنة حين يدخلها، وإن كان بعض أهل العلم يذكر أن من عقوبة من تنعم بشيء على وجه محرم في الدنيا، أن يحرم من التنعم به في الجنة، أو ينقص حظه منه فيها، كما أن من لبس الذهب أو الحرير من الرجال في الدنيا، يحرم منه في الجنة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" إذا كان – الله عز وجل - قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا، فإن توسع في حلاله، ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرامٍ فاته نظيرُه يوم القيامة " انتهى.
" روضة المحبين " (ص/362) .
لكن الجزم بذلك، أو القول بأن هذا الحرمان على وجه التأبيد: مما يحتاج إلى دليل بخصوصه، فالله أعلم بحقيقة الحال.
ثالثا:
أما ما ورد من أحاديث يدل ظاهرها على أن من سمع الغناء في الدنيا لم يسمعه في الآخرة فهي أحاديث ضعيفة جدا، من أشهرها حديث:
(من لها بالغناء، لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة. قيل: وما الروحانيون؟ قال: قراء أهل الجنة)
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" موضوع، أخرجه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (3/441 - 442 – طبع دار الكتب العلمية) من طريق حماد بن عمرو عن أبي موسى - من ولد أبي هريرة - عن أبيه عن جده مرفوعاً.
قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: وهذا موضوع، آفته (حماد بن عمرو) - وهو: النصيبي -، قال الذهبي في "المغني": روى عن الثقات موضوعات، قاله النقاش، وقال النسائي: متروك. وهو معدود فيمن يضع الحديث، كما قال ابن عدي وغيره - كما يأتي
في الحديث الذي بعده – " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6516) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7244)
حكم الزغاريد في الأفراح
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الزغاريد في الافراح والاعراس في حضرة النساء خاصة من غير سماع الرجال]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إعلان النكاح، واللهو والفرح فيه من الأمور المشروعة، على أن يكون في حدود ما أباحه الشرع ورخص فيه.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ) .
رواه البخاري (5163) .
والزغاريد نوع من اللهو الشائع في الأفراح والأعراس في بعض البلاد.
قال علماء اللجنة:
" إعلان النكاح مطلوب شرعا، والزغاريد في حكم الغناء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19 / 116) .
وبناء على ذلك: فإن كانت هذه الزغاريد بمحضر من الرجال، أو كانت بصوت مرتفع، بحيث يصل إلى مكان الرجال،: فلا تجوز، لما يحصل فيها من تمطيط الصوت، والخضوع به على وجه يحصل التلذذ بسماعه، والفتنة به، لا سيما إن عرف صاحبه،
قال الخرشي رحمه الله:
" قال النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: رَفْعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُخْشَى التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ لَا يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا فِي الْجِنَازَةِ وَلَا فِي الْأَعْرَاسِ، سَوَاءٌ كَانَ زَغَارِيتَ أَمْ لَا ". انتهى.
"شرح مختصر خليل" (1/275) .
ولأجل صعوبة التحكم في الصوت الخارج بها، بحيث لا يصل إلى مكان الرجال، وما يحصل فيه من تمطيط الصوت، والرنة به، صرح بعض أهل العلم بالمنع منها.
سئل ابن جبرين رحمه الله تعالى:
في الأفراح والمناسبات السعيدة اعتاد النساء على إطلاق الصيحات التي تسمى بـ (الزغاريد) فما حكم الشرع في هذا؟
فأجاب:
" لا تجوز هذه الصيحات، فالمرأة لا ترفع صوتها؛ فهو عورة عند الرجال؛ بدليل منعها من الأذان، ومن رفع الصوت بالتلبية؛ فعلى هذا يجوز لهن عند قدوم العروس التهنئة لها، والسلام عليها، والتبريك، والدعاء للزوجين بالخير والسرور، والسعادة الدائمة، بدون رفع صوت، وبدون زغاريد " انتهى من موقع الشيخ ابن جبرين رحمه الله.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
" لا يجوز للمرأة رفع صوتها بحضرة الرجال؛ لأن في صوتها فتنة؛ لا بالزغرطة، ولا غيرها، ثم إن الزغرطة ليست معروفة عند كثير من المسلمين لا قديمًا ولا حديثًا؛ فهي من العادات السيئة التي ينبغي تركها، ولما تدل عليه أيضًا من قلة الحياء " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (60 / 10) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/7245)
حكم اقتناء قطع خشبية تُصدر أصواتاً موسيقية!!
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم اقتناء قطع خشبية تُصدر أصواتاً موسيقية!! السؤال: هل يجوز اقتناء بعض القطع الخشبية المصنوعة لغرض الزينة، والتي تصدر أصواتاً موسيقية حين تهب الريح نتيجة الاصطدام مع بعضها البعض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصوات الطبيعية الصادرة من غير "آلات المعازف" على ثلاثة أقسام:
الأول: صوت ليس للإنسان أي تأثير فيه، فهذا لا إشكال في جواز الاستماع إليه.
الثاني: صوت صادر بفعل الإنسان، ولكن ليس على أوزان وألحان الموسيقى، كالضرب على الخشب والطرق بالمطرقة، وهذه كذلك مباحة بلا إشكال.
الثالث: صوت صادر نتيجة دخول الصنعة عليه، أو بتأثير عمل الإنسان فيه، وهو على أوزان الموسيقى وألحانها المطربة، فهذه لها حكم الموسيقى.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (4 /95) :
" إذَا انْبَعَثَتْ أَصْوَاتُ الْجَمَادَاتِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا، أَوْ بِفِعْل الرِّيحِ، فَلاَ قَائِل بِتَحْرِيمِ اسْتِمَاعِ هَذِهِ الأَْصْوَاتِ.
أَمَّا إِذَا انْبَعَثَتْ بِفِعْل الإِْنْسَانِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَوْزُونَةٍ وَلاَ مُطْرِبَةٍ، كَصَوْتِ طَرْقِ الْحَدَّادِ عَلَى الْحَدِيدِ، وَصَوْتِ مِنْشَارِ النَّجَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ قَائِل بِتَحْرِيمِ اسْتِمَاعِ صَوْتٍ مِنْ هَذِهِ الأَْصْوَاتِ.
وَإِمَّا أَنْ يَنْبَعِثَ الصَّوْتُ مِنَ الآْلاَتِ بِفِعْل الإِْنْسَانِ مَوْزُونًا مُطْرِبًا، فهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْمُوسِيقَى ". انتهى من الموسوعة بتصرف يسير.
وبناء على ذلك:
إذا كانت هذه القطع الخشبية قد رُتِّبَت ونُظِّمت بشكلٍ يجعلها تُصدر صوتاً موسيقياً عند هبوب الريح واصطدامها ببعضها، ففي هذه الحال يكون لها حكم الموسيقى، وقد سبق التفصيل في بيان حرمتها في جواب السؤال (5000) .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (26 /496) : " الموسيقى أو المعازف محرمة بجميع أنواعها، لا يستثنى منها شيء ".
أما إذا كان الصوت الصادر منها هو مجرد صوت اصطدام الأخشاب بعضها ببعض، وليس صوتاً موسيقياً فلا حرج في استماعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7246)
حديث لا أصل له لفظه: (لعن الله قوما يأكلون وفوقهم المزامير)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث التالي: (لعن الله قوما يأكلون وفوقهم المزامير) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد هذا الحديث في كتب السنة والأثر، كما لم نجده في بعض الدراسات المتخصصة في أحاديث المعازف فلم تتعرض له من قريب أو من بعيد.
وأقرب ما وجدناه إلى معنى هذا الحديث هو ما يُروَى عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا: (ليبيتن رجال على أكلٍ وشربٍ وعزفٍ، يصبحون على أرائكهم ممسوخين قردة وخنازير)
رواه ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " (رقم/15) ، وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف الحديث جدا، انظر " تهذيب التهذيب " (6/178) ، وقد أبهم شيخيه هنا أيضا فقال: عن أحد ولد أنس بن مالك، وعن غيره، عن أنس بن مالك.
ولكن ضعف هذا الحديث لا يعني عدم وجود أحاديث صحيحة تحرم المعازف بوجه عام، بل صح في ذلك أحاديث عدة منها ما يرويه البخاري رحمه الله، ويمكن في موقعنا الاطلاع على الفتاوى المتعلقة بالموضوع تحت تصنيف (الغناء والملاهي)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/7247)
يجادل في حرمة الغناء، ويزعم أن الأغاني ليس لها أضرار!
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ في الإسلام متبع لما قاله البعض من جواز الموسيقى، وعندما طرحت عليه الدليل من القرآن، والسنَّة قال: " فأما الآية فهي لم تأتِ بتحريم الموسيقى حرفيّاً بل هو تفسير المفسرين، وأما الحديث: فلا أدري عن صحته، وسأبحث في ذلك "، وقد أتى لي بشبهة غريبة قال فيها: " ما أعرفه أن الإسلام دين العقل، والمنطق، وهو لم يحرم شيئًا إلا وله أضرار على الشخص، فما ضرر الموسيقى؟ ولماذا تريد مني (تجميد دماغي) ، والتسليم بالنصوص؟ " علمًا أنني قدمت له محاضرة " فتنة تقديم العقل على النقل " - لفضيلتكم -، ولم ينتفع بها حتى بعد سماعها كاملة، فما الرد على مثل أخي هذا بارك الله فيكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تتلخص الاعتراضات التي وجهها صاحبك إلى "تحريم الغناء" في ثلاث اعتراضات:
1- اعتراضه على الاستدلال بالآية بأن هذا هو من تفسير المفسرين.
2- توقفه في صحة الحديث الدال على تحريم آلات المعازف.
3- أنه لا يرى للغناء أضرارا، فلماذا يحرمه الإسلام؟
أما اعتراضه على الاستدلال بالآية، وهي قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) لقمان/6.
فالجواب عليه:
من هم المفسرون الذين استدلوا بالآية على تحريم الغناء؟
إنهم جمهور المفسرين، وعلى رأسهم ثلاثة من علماء الصحابة وفقهائهم ومفسريهم، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
ولا شك أن الصحابة "أعلم الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل، وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، لا يعدل عن تفسيرهم ما وُجد إليه سبيل" ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/433) .
فكيف يجوز لصحابك أن يعدل عن تفسير هؤلاء الصحابة للقرآن؟
لا سيما وفيهم عبد الله بن عباس أعلم الأمة بالتفسير، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له: (اللهم علمه التأويل) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2589) .
وأما اعتراض صاحبك على الاستدلال بالحديث، فهو ليس اعتراضا في الحقيقة، وإنما هو توقف في صحته إلى أن يبحث عن ذلك.
والمتوقف في صحة الحديث ليس له أن ينفي ما دل الحديث على إثباته، وهو تحريم آلات المعازف.
فكان عليه ألا ينفي تحريم الغناء المقترن بالمعازف حتى يبحث في الحديث وينتهي إلى أنه ضعيف لا يصح، أما التوقف في صحة الحديث حتى البحث عنه، ثم نفي حرمة الغناء، فتصرف غير صحيح.
والحديث الوارد في تحريم آلات المعازف في صحيح البخاري حديث صحيح بلا شك، وليس هو الحديث الوحيد الوارد في ذلك، بل هناك أحاديث أخرى كثيرة، ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان".
وإذا صح الحديث فالواجب على المؤمن أن يقبله ويعمل بما فيه، ولا يجوز له التوقف في قبول الحديث حتى يعرضه على عقله ويقبله، فقول صاحبك: "ولماذا تريد مني (تجميد دماغي) ، والتسليم بالنصوص؟ " كلام خطير، لا يصدر من مؤمن يشهد أن محمدا رسول الله، فما معنى إثبات الرسالة إذا كان سيتوقف في قبول قول الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يعرضه على عقله؟
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/ 36، وقال عز وجل: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/ 65.
وتحريم المعازف ليس فيه خلاف بين أئمة الإسلام، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على تحريمه، وما يُنقل فيه من خلاف فهو من الخلاف الشاذ، الذي لا يلتفت له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
مذهب الأئمة الأربعة: أن آلات اللهو كلها حرام ... ، ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعاً.
" مجموع الفتاوى " (11 / 576، 577) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
ولا ينبغى لمن شمَّ رائحة العلم أن يتوقف فى تحريم ذلك – أي: الغناء، والمعازف - فأقل ما يقال: إنَّها شعار الفساق، وشاربي الخمور.
" إغاثة اللهفان " (1 / 228) .
وقال الألباني رحمه الله:
ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها.
" السلسلة الصحيحة " (1 / 145) .
وقد ذكرنا أدلة ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة في جواب السؤال رقم (5000) و (50687) .
فليس للمسلم بعد أن يعلم الحكم الشرعي المبني على الأدلة الشرعية الصحيحة إلا أن يقول: " سمعنا وأطعنا "، وليس له أن يجادل بالباطل، ولا يتردد في الاستجابة حتى يعرض الأمر على عقله القاصر، فيرى إن كان يقبله ألا.
وأما اعتراض صحابك بأن الغناء ليس له أضرار، فهو اعتراض غريب، لا قيمة له، بعد مخالفته للواقع والحس، فضلا عن مخالفته للشرع.
فهذه الأغاني تصد عن ذكر الله، وتنبت النفاق في القلب، وتبعث على الفاحشة والرذيلة.
ونحن نذكر لك بعض ما قاله أئمة العلم والهدى في أضرار الغناء والمعازف، فمن ذلك:
1. أنه ينبت النفاق في القلب.
وقد صحَّ هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وغيره، وهذا أعظم ضرر يصيب من تعدَّى على شرع الله تعالى، وقد بيَّن ابن القيم رحمه الله وجه كونه الغناء منبتاً للنفاق في القلب، في كلام طويل نفيس.
قال رحمه الله:
"فإن قيل: فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي؟ .
قيل: هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب، وأعمالها، ومعرفتهم بأدويتها، وأدوائها، وأنهم هم أطباء القلوب، دون المنحرفين عن طريقتهم ...
فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ونباته فيه كنبات الزرع بالماء، فمن خواصه:
أنه يلهي القلب، ويصده عن فهم القرآن، وتدبره، والعمل بما فيه؛ فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً؛ لما بينهما من التضاد؛ فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء: يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويحركها إلى كل قبيح ...
وإدمانه يثقل القرآن على القلب، ويُكَرِّه إليه سماعه، وإن لم يكن هذا نفاقاً: فما للنفاق حقيقة.
وسر المسألة: أنه قرآن الشيطان فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبداً.
وأيضاً: فمن علامات النفاق: قلة ذكر الله، والكسل عند القيام إلى الصلاة، ونقر الصلاة، وقلَّ أن تجد مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفه ,.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدِّب ولده: ليكُن أول ما يعتقدون من أدبك: بغض الملاهي، التي بِدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن؛ فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم: أن صوت المعازف، واستماع الأغاني، واللهج بها: ينبت النفاق في القلب، كما ينبت العشب على الماء.
فالغناء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق.
وبالجملة: فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء، وحال أهل الذكر والقرآن: تبين له حذق الصحابة، ومعرفتهم بأدواء القلوب، وأدويتها، وبالله التوفيق" انتهى باختصار.
" إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " (1 / 248 – 251) .
2. الغناء بريد الزنى، أو رقية الزنى، أو داعية الزنى.
وهذا – أيضاً – من أعظم أضرار الأغاني، والمعازف، وقد بيَّن ابن القيم رحمه الله ذلك، فقال:
"وأما تسميته رقية الزنى: فهو اسم موافق لمسمَّاه، ولفظ مطابق لمعناه، فليس في رقى الزنى أنجع منه، وهذه التسمية معروفة عن الفضيل بن عياض.
قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية! إياكم والغناء؛ فإنه يُنقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السُّكر، فإن كنتم لا بد فاعلين: فجنبوه النساء؛ فإن الغناء داعية الزنى.
وقال محمد بن الفضل الأزدي: نزل " الحطيئة الشاعر" برجل من العرب، ومعه ابنته " مليكة "، فلما جنَّه الليل: سمع غناءً، فقال لصاحب المنزل: " كفَّ هذا عنِّي "، فقال: وما تكره من ذلك؟ فقال: " إن الغناء رائد من رادة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه، يعني: ابنته، فإن كففته: وإلا خرجت عنك ".
فإذا كان هذا الشاعر المفتون اللسان، الذي هابت العرب هجاءه: خاف عاقبة الغناء، وأن تصل رقيته إلى حرمته، فما الظن بغيره؟! .
فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية: الدف، والشبابة، والرقص بالتخنث والتكسر: فلو حبلت المرأة من غناء: لحبلت من هذا الغناء! " انتهى باختصار وتصرف من " إغاثة اللهفان " (1 / 245 – 247)
والغناء الذي تكلموا عن آثاره هو الموجود في زمانهم، وليس الموجود في زماننا! فإن ما في زماننا قد اشتكى منه أهل الفسق والفجور! من المغنين، والملحنين، حيث قاموا بمحاربة " أغنيات الفيديو كليب " وهي الأغاني الرائجة في هذا الزمان، وفيها من الفحش، والقذارة، والعري، ونزع الحياء: ما جعل بعض أهل الغناء يطالب بمنع عرضها على شاشات التلفاز لما تسببه من تهييج الشهوات، ونشر الفساد!
وأخيرا.. فالأمر أوضح من الشمس في رابعة النهار، من حيث حكم الغناء، وآثاره السيئة، وأضراره العظيمة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7248)
تسمية حفل افتتاح مخيم دعوي بـ "الأوبريت"
[السُّؤَالُ]
ـ[نقيم مخيماً دعوياً في الإجازة الصيفية، فما حكم تسمية حفل الافتتاح بالأوبريت؟ . وما حكم إقامة مصلى ضخم على الكورنيش بجوار المخيم لإقامة صلاة العشاء والتراويح وبقصد جمع الناس على إمام حسن الصوت وإلقاء كلمات بعد الصلاة ويكون عنصر جذب لحضور الفعاليات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأوبريت: " نوع من المسرحيات الغنائية، كان محبوبا في الفترة بين أواسط القرن التاسع عشر حتى العشرينات من القرن العشرين. تطور الأوبريت من الأوبرا الهزلية الفرنسية، ولكنه يختلف عنها في أنه يحتوي على حوار كلامي بدلا من الحوار الغنائي، وعلى أغان بدلا من ألحان " انتهى من "الموسوعة العربية العالمية".
وإذا كان هذا هو الأوبريت فلا ينبغي إطلاقه على حفلة افتتاح المناشط الترفيهية والدعوية، ولا ينبغي الانسياق خلف الألفاظ الأجنبية واستعمالها في الحديث والأنشطة، لا سيما إذا كانت تعبر في الأصل عن مدلولات سيئة.
ولا حرج في إقامة مصلى بجوار مخيم القافلة، تصلى فيه العشاء والتراويح، وتلقى فيه الكلمات بعد الصلاة، مع أهمية العناية بضبط الصغار ومنعهم من التشويش على المصلين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7249)
حكم العمل في فرقة أفراح إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[عرض علي العمل بفرقة أفراح إسلامية ماذا أفعل؟ وأنا محتاج للعمل بشكل ضروري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العمل في فرقة أفراح إسلامية، إذا خلا العمل من المحاذير الشرعية، وتقيد بالضوابط التالية:
1- أن يكون الإنشاد أمام الرجال فقط، ولا يجوز أن يكون في حضور النساء؛ لتحريم الاختلاط، ولما يؤدي إليه ذلك من الشر والفساد.
2- أن يكون الغناء بكلام مباح خال من المجون والخلاعة.
3- ألا يصاحب الإنشاد شيء من آلات المعازف، لا الطبل ولا الدف ولا غيرها، لتحريم استعمال آلات المعازف، وتحريم استعمال الدف للرجال على الراجح، وينظر في ذلك: سؤال رقم 5000 ورقم 5011 ورقم 20406 ورقم 9290
4- ألا يصاحب الإنشاد مؤثرات صوتية تشبه المعازف، سواء كانت بالكمبيوتر أو بغيره.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: " بل قد يكون في هذا – [أي: الأناشيد]- آفةٌ أخرى، وهي أنّها قد تُلحَّن على ألحان الأغاني الماجنة، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم، وتخرجهم عن طورهم، فيكون المقصد هو اللحن والطرب، وليس النشيد بالذات، وهذه مخالفة جديدة، وهي التشبه بالكفار والمجّان، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه، فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الفرقان/30" انتهى من "تحريم آلات الطرب" (ص 181) .
ومعلوم أن الشرع حرم سماع آلات المعازف لما تحدثه أصواتها المطربة من تأثير في القلب، فتصيبه بالنفاق، ويهجر كلام الله، ولا يجد لذته إلا في هذه الأغاني، ومعلوم أن بعض هذه الإيقاعات أشد طرباً من المعازف، وتأثيرها في نفس السامع إن لم يكن أعظم من تأثير آلات المعازف، فليس بأقل منها، والشرع الحكيم لا يمكن أن يحرم شيئاً لمفسدته ثم يبيح ما هو مثله أو أعظم.
فهذه الإيقاعات إن كان صوتها كصوت آلات المعازف، فحكمها حكم آلات المعازف في التحريم.
5- ألا توضع صور المنشدين على أغلفة أشرطتهم! تشبهاً بالفساق من المغنين.
وينظر جواب السؤال رقم 91142.
فإذا خلا عمل الفرقة من هذه المحاذير فلا حرج عليك في العمل معها.
واعلم أن أبواب الرزق كثيرة، لكن يحتاج الأمر إلى سعي واجتهاد، فاستعن بالله ولا تعجز، ولا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبه بمعصية الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
نسأل الله أن ييسر أمرك، ويبارك في رزقك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7250)
متى يجوز ضرب الدف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن آلة المعازف المسماة بـ "الدف"، هذه كما أعتقد هي الآلة الموسيقية الوحيدة الحلال التي يمكن للمسلمين أن يستمعوا لها، وقرأت قريباً أن هناك محظورات أو قيوداً في الاستماع لها، مثلاً أن النساء فقط هن من يمكنهن الاستماع لها، وأنها يجب أن يدق عليها في الأفراح والأعياد فقط وأنها في كل ما عدا ذلك حرام، والمواضع التي قرأت فيها هذا الكلام لم تأت بأية أدلة، فهل هذه المحظورات صحيحة؟ وهل هناك محظورات أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
روى البخاري أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ.
و (الْحِرَ) أي الزنا.
فهذا الحديث يدل على تحريم كل الآلات الموسيقية ومنها الدف.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: الدف حرام، والمعازف حرام، والكوبة [أي الطبل] حرام، والمزمار حرام. رواه البيهقي (10/222) .
ولكن وردت أحاديث تدل على إباحة الضرب بالدف في بعض المواطن وهي:
العيد، والعرس، وقدوم الغائب.
وهذه أدلتها مرتبة:
أ. عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تدففان وتضربان، والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد، وتلك الأيام أيام منى.
رواه البخاري (944) – واللفظ له - ومسلم (892) .
ب. عن الربيِّع بنت معوذ بن عفراء جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بُني علي – أي: دُخل عليها في الزواج - فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات (أي بنات صغيرات) لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن:
وفينا نبي يعلم ما في غد
فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين.
رواه البخاري (4852) .
ج. عن بريدة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف (أي: رجع) جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرتُ إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنَّى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتِ نذرتِ فاضربي وإلا فلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليَّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إنِّي كنتُ جالساً وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف.
رواه الترمذي (3690) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2913)
فهذه الأحاديث تدل على جواز الضرب بالدف في هذه المواطن الثلاثة، وما عدا ذلك فيبقى على الأصل وهو التحريم، وتوسع بعض العلماء فقالوا يجوز الضرب بالدف في الولادة والختان، وتوسع آخرون أكثر فقالوا بجوازه في كل ما سبب لإظهار السرور كشفاء مريض ونحوه.
انظر الموسوعة الفقهية 38 / 169
والأولى الإقتصار على ما ورد به النص والله اعلم
ثانياً:
الصحيح أنه لا يجوز ضرب الدف إلا من قِبَل النساء، ومن فعل ذلك من الرجال فقد وقع في التشبه بالنساء وهو من الكبائر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمَّته وعبَّادهم وزهَّادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف، كما لم يبح لأحدٍ أن يخرج عن متابعته واتِّباع ما جاء به من الكتاب والحكمة، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره، ولا لعامِّي ولا لخاصِّي، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواعٍ من اللهو في العرس ونحوه، كما رخَّص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأمَّا الرجال على عهده فلم يكن أحدٌ منهم يضرب بدفٍّ ولا يصفِّق بكفٍّ، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنَّه قال: " التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال " و " لعن المتشبِّهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء ".
ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف مِن عمل النساء كان السلف يسمُّون من يفعل ذلك من الرجال مخنَّثاً ويسمُّون الرجال المغنِّين مخانيثاً، وهذا مشهورٌ في كلامهم.
" مجموع الفتاوى " (11 / 565، 566) .
وقال ابن حجر:
والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن.
" فتح الباري " (9 / 226) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
وإنما الرخصة لهن في استعمال الدف خاصة، أما الرجال فلا يجوز لهم استعمال شيء من ذلك لا في الأعراس ولا في غيرها، وإنما شرع الله للرجال التدرب على آلات الحرب كالرمي وركوب الخيل والمسابقة بها وغير ذلك.
" مجلة الجامعة الإسلامية " بالمدينة النبوية، العدد الثالث، السنة الثانية محرم 1390 هـ ص 185، 186.
وقال أيضاً - رحمه الله -:
أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة لإعلان النكاح والفرق بينه وبين السفاح كما صحت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
" التبرج وخطره ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7251)
حكم الذهاب إلى حفلات الخمر والموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحل لمسلم أن يحضر حفلات فيها خمر؟ أنا أعمل في الجيش وهناك حفل راقص وقد أخبرت القائد أنني لن أذهب بسبب الموسيقى والخمر فقال لي: احضر ولا تشرب. فما الحكم وما الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَان ُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) سورة الأنعام
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ رواه الترمذي رقم 2801 وحسنه في صحيح الجامع 6506
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُول ُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَر َ أَنْ تُنْكِرَهُ..
وفي رواية: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَكُونَ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُنْكِرَ الْمُنْكَرَ إِذْ رَأَيْتَهُ.. " رواه الإمام أحمد وابن ماجة 4017 وهو في صحيح الجامع 1818
وأظنك الآن قد عرفت أيها الأخ المسلم حكم الذّهاب إلى حفلات الخمر والمنكر وأنّ قلب المؤمن يموت بالجلوس في هذه المجالس بمجرّد شهود المنكر والسكوت عليه ولو لم يتعاطاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7252)
إقامة الحفلات والسهرات الغنائية
[السُّؤَالُ]
ـ[أشيع في بعض المدن والمناطق إقامة الحفلات الغنائية والسهرات على سماع الأغاني والأهازيج الوطنية وغير الوطنية، وإقامة المسلسلات والتمثيليات في مسارح بعض الأندية الأدبية، ويُدعى لها المطربون والمغنون والممثلون من كل مكان، وأحياناً يكون الدخول فيها عن طريق تذاكر تباع ,أحياناً يكون الدخول مجاناً وبدون مقابل.
والسؤال يا فضيلة الشيخ: ما حكم إقامة هذه الحفلات والأمسيات وما حكم حضورها ومشاهدتها لأجل الترفيه عن النفس والترويح عنها، وهل يجوز لي أن أشارك معهم في مثل هذه الأغاني والأناشيد الوطنية؟ أفتونا مأجورين حيث أن الأمر مشكل؛ فمن الناس من يقول إن هذا لا بأس به وهو من قبيل الاستجمام والترويح، منهم من يقول بل هو محرم لا يجوز، بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على الجميع أن يتقوا الله وأن يراقبوه في سرهم وعلانيتهم ويعلموا أنه مطلع عليهم ولا يخفى عليه منهم شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) أي: يا أصحاب العقول الواعية والقلوب الحية.. اتقوا الله واعملوا على إرضائه بالذي يعود عليكم نفعه في الدنيا والآخرة. أما ما سوى أولو الألباب فهم الذين صرفوا همهم وعقولهم إلى ما يغضب الله تعالى.
وما سأل عنه السائل من إقامة حفلات غنائية وسهرات يُدعى لها مطربون مغنون وممثلون من كل مكان، والدخول إليها مجاناً أو بثمن، وحضور هذه الحفلات ومشاهدتها، أو المشاركة فيها أو دعمها أو تأييدها، كل ذلك حرام لا يجوز، لأن الله تعالى يقول: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضِلَّ عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين) .
وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يُقْسِم بأن المراد به الغناء، وهو بلا شك ولا ريب إضلال عن سبيل الله وبعد عنه بقتل الأوقات وضياعها. وعن أبي عامر وابن مالك الأشعري - رضي الله عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.. " رواه البخاري، ومعنى " يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ": أن الأصل فيها التحريم، وكلمة " ليكونن " تفيد ما سيكون في المستقبل، والمعنى: أنه سيأتي أناس يستحلون ويبيحون لأنفسهم ما كان محرماً من حر وحرير ومعازف ". وعن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: " ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف " رواه الترمذي. ولا شك أن ما يجلب هذه العقوبات محرم بل كبير من كبائر الذنوب ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد نصّ العلماء المتقدمون كالإمام أحمد - رحمه الله - على تحريم آلات اللهو والعزف كالعود والطنبور والشباب والرباب، فمن باب أولى آلات اللهو في هذا الزمان والتي هي أشد فتنة مما كان عندهم - رحمهم الله -، وعليه: يحرم إقامة مثل هذه الحفلات الغنائية وليتق الله القائمون على ذلك وليتقي الله أولياء الأمور في أخذ أولادهم وأسرهم إلى هذه الأماكن، وليعلموا أنهم آثمون بذلك وسيسألون غداً عمّا فعلوه، وليعلموا أن الترفيه والترويح عن النفس يكون في طاعة الله من حفظ لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والصيام، وزيارة الحرمين، والجهاد في سبيل الله، ونشر دين الله والدعوة إليه، وغير ذلك من أعمال الخير والبر، كما يحصل ذلك بالترفيه عن النفس بالأمور المباحة كتعلم السباحة والرمي وركوب الخيل، بالإضافة إلى ركوب البحر والذهاب إلى الحدائق والمنتزهات ونحوها، مع مراعاة الآداب الإسلامية وتمثل الأخلاق الفاضلة، وفق الله الجميع لما في الخير والسداد وجنبنا أسباب سخطه وأليم عقابه، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.(5/7253)
حكم الرقص والموسيقى في رياض الأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في الكويت روضة للأطفال، وهذه الروضة يقام فيها موسيقى ورقص للأطفال، فهل يأثم الإنسان إذا أدخل أولاده في هذه الروضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يأثم الإنسان إذا أدخل أولاده هذه الروضة؛ لأن الرقص والموسيقى حرام، وإنني أوجه كلمتي إلى المسئولين عن هذه الرياض بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أطفال المسلمين، وألا يعودوهم على ما حرم الله ورسوله، فإن المعازف حرام، لما رواه البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف) .
الحِر، قال العلماء يعني: الزنا، والحرير معروف أنه حرام على الرجال، والخمر معروف أنه حرام بالكتاب والسنة والإجماع، والمعازف هي: آلات اللهو وهي حرام.
فعلى القائمين على هذه الرياض أن يتقوا الله، وأن يمنعوا المعازف والرقص، وأن يعدوا شباب الأمة الإسلامية للجهاد وإعلاء كلمة الله، وكيف يطيب للإنسان قلب، أو تطمئن له نفس وإخوانه المسلمون يقتلون، وتنتهك أعراض الفتيات، أين الإسلام في قلوبنا؟ وأين الإسلام في قوم يربون أولادهم على ما حرم الله وهم يعلمون ما يفعل بإخوانهم في أقطار الدنيا؟ ولكن مع الأسف أن بعض الناس قسا قلبه والعياذ بالله حتى صار كالحجارة أو أشد قسوة، نسأل الله العافية.
فأقول لهؤلاء: ليتقوا الله في أنفسهم وفي شباب المسلمين وليربوهم على التربية الإسلامية.
أما بالنسبة لأولياء أمور الأولاد فأنا أنصحهم وأحذرهم من إدخال أولادهم في هذه الرياض، فإنهم آثمون معينون على الإثم والعدوان، ويوشك ألا يبرهم أولادهم إذا كبروا، وألا يدعوا لهم إذا ماتوا؛ لأنهم عصوا الله عز وجل فيهم، فيوشك أن يجعل الله هؤلاء يعصون آباءهم كما عصى آباؤهم الله فيهم، ويُسلطون عليهم.
أقول: بارك الله فيك لا يجوز أن تدخل أولادك في هذه الرياض. وأقول: إذا كان ولابد فيجب على الآباء أن يكوِّنوا رياضاً تكون على حسابهم، ويكون فيها آداب إسلامية وأخلاق فاضلة، وتربية توجههم إلى الخير، وهذا ليس بصعب -والحمد لله- على من كان في مثل الكويت، عندهم -والحمد لله- من الثروة والمال ما الله به عليم، ثم يجب على إخواننا الكويتيين -وعلينا نحن أيضاً- أن نتعظ بما جرى قبل سنتين، من أن الله سلط علينا جيراننا الذين يجب أن يكونوا معنا فصاروا علينا، لماذا لا نتعظ؟ وهل نأمن الآن أنه في يوم من الأيام تحصل مثل هذه الكارثة أو أكثر؟ لا يجوز أبداً أن ننسى هذه الكارثة حتى لا يحق علينا قول الله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/44-45، لا يجوز أن نتصف بصفات من قال الله فيهم: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/43" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (2/383، 384) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7254)
الاشتراك في خدمة صدى في الجوال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يضع في جواله خدمة (صدى) ، ويضع الصوت دعاءً لأحد المشائخ، أو قرآناً، أو أناشيد؟ (خدمة صدى هي من يتصل بك يسمع صوتا أنت لا تسمعه) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الخدمة تسمح باختيار صوت المنبه الذي يظهر لدى المتَّصِل.
وإذا كان هذا الصوت المختار نشيدا يحمل معاني سامية، أو حكمة مفيدة، أو دعاء، ونحو ذلك من المباحات أو المستحبات، فذلك جائز لا بأس به.
ولا ينبغي أن يكون هذا الصوت صوت قارئ للقرآن الكريم، لأن القرآن كلام الله، فيجب أن يكون له من التعظيم والتوقير ما يليق به، فلا ينبغي أن يستعمل في ملء الفراغ، أو شغل النفس بأمر عارض، وقد يكون المتصل مشغول الذهن أو يكلم أحداً، فلا يستمع وينصت للقرآن، وقد يريد إنهاء الاتصال، وكل هذا مما يتنافى مع تعظيم القرآن.
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (105479) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7255)
الغناء والرقص في الأفراح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو النوع من الموسيقى الذي يجوز للمراة أن ترقص عليه (في حفلات الزواج وبين النساء فقط) ؟ هل هو الموسيقى الإسلامية فقط؟ بالضرب على الطبول (الدفوف) ؟ ما هي الكلمات المباحة في الغناء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما الموسيقى وحكمها فقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (5011) وقد بينا هناك أن آلات الطرب والمعازف يحرم اتخاذها، وهنا نبين بعض الذي يجوز للنساء دون غيرهن.
ثانياً:
يجوز للمرأة أن تضرب بالدف وأن تغني الغناء المباح في المناسبات المباحة كالأعياد والأفراح وما أشبه ذلك.
قال الشيخ الألباني – رحمه الله تعالى -:
ويجوز له – أي للعريس – أن يسمح للنساء بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور. . . - ثم ذكر الشيخ الأدلة على ذلك -.
" آداب الزفاف " (ص 93) .
والأدلة التي ذكرها الشيخ هي:
عن الربيع بنت معوذ قالت: " دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين ".
رواه البخاري (3700) .
عن عائشة: أنها زفت امرأةً إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو ".
رواه البخاري (4765) .
عن أبي إسحاق قال: سمعت عامر بن سعد البجلي يقول: " شهدت ثابت بن وديعة وقرظة بن كعب الأنصاري في عرس وإذا غناء فقلت لهما في ذلك فقالا إنه قد رخص في الغناء في العرس والبكاء على الميت في غير نياحة ".
رواه البيهقي (14469) .
عن محمد بن حاطب الجمحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت ". رواه الترمذي (1008) والنسائي (3316) وابن ماجه (1886) .
والحديث: حسنه الألباني في " آداب الزفاف " (ص 96) .
هذا ما يباح للنساء فعله في الأعراس من الغناء والمباح لهن من المعازف هو فقط الدف دون غيره، كالطبل، والفرق بينهما: أن الطبل مختوم من الوجهين، بخلاف الدف وهو ما كان مفتوحاً من جهة مختوماً من الأخرى.
قالت اللجنة الدائمة:
أما الطبل ونحوه من آلات الطرب: فلا يجوز استعماله مع هذه الأناشيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك.
" فتوى رقم 3259 " تاريخ 13 / 10 / 1400 هـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أما الطبل فلا يجوز ضربه في العرس بل يكتفى بالدف خاصة.
" فتاوى إسلامية " (3 / 185) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
المختوم من الوجهين يسمى (الطبل) وهو غير جائز؛ لأنه من آلات العزف، والمعازف كلها حرام إلا ما دلَّ الدليل على حلِّه وهو الدف حال أيام العرس.
" فتاوى إسلامية " (3 / 186) .
ثالثاً:
وأما الرقص: فلا يجوز أمام الرجال الأجانب ولا المحارم ولا أمام النساء لما في ذلك من الفتنة المحرمة التي قد تُطغي القلوب من خلال التكسر والتمايل والتثني في البدن، ومن المعروف أن النساء قد تقع شهوة بعضهن لبعض، وإن لم يكن ذلك فلا مأمن من إحداهن أن ترجع إلى رجال بيتها فتصف لهم ما رأت من حسن الراقصة ورقتها وجمالها فتوقع ذلك في قلوب الرجال وتكون سبباً لمفسدة عظيمة لا يؤمن شرها، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها ". رواه البخاري (4839) .
وقد أباح الرسول صلى الله عليه وسلم أول الأمر للخنثى أن يدخل على النساء فلما رأى منه أنه يصف النساء وينشر أسرارهن منعه من ذلك.
عن أم سلمة رضي الله عنها: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية: يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غداً فعليك بابنة غيلان ثم ذكر وصفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخلن هؤلاء عليكن ". رواه البخاري (3980) ومسلم (4048) .
ثم إن تكسر المرأة وتمايلها من العورة التي لا يجوز لها أن تظهرها إلا لزوجها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الرقص مكروه في الأصل، ولكن إذا كان على الطريقة الغربية، أو كان تقليداً للكافرات: صار حراماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من تشبه بقوم فهو منهم "، مع أنه أحياناً تحصل به الفتنة، قد تكون الراقصة امرأة رشيقة جميلة شابة فتفتن النساء، فحتى إن كان في وسط النساء حصل من النساء أفعال تدل على أنهن افتتنَّ بها، وما كان سبباً للفتنة فإنه يُنهى عنه.
" لقاء الباب المفتوح " (س 1085) .
وقال رحمه الله:
وأما الرقص من النساء فهو قبيح لا نفتي بجوازه لما بلغنا من الأحداث التي تقع بين النساء بسببه، وأما إن كان من الرجال فهو أقبح، وهو من تشبه الرجال بالنساء، ولا يخفى ما فه، وأما إن كان بين الرجال والنساء مختلطين كما يفعله بعض السفهاء: فهو أعظم وأقبح لما فيه من الاختلاط والفتنة العظيمة لا سيما وأن المناسبة مناسبة نكاح ونشوة عرس.
" فتاوى إسلامية " (3 / 187) .
رابعاً:
وأما الكلمات المباحة في الغناء فهي ما لا يشتمل على وصف محرم، أو تهييج شهوة، أو كلمات نهى عنها الشرع، أو بعض الأذكار البدعية، وما شابه ذلك من المحرمات.
وفي المباح ما يغني كالحث على الأخلاق، أو على طلب العلم، أو ترك المنكرات، وما شابه ذلك.
قالت اللجنة الدائمة:
صدقت في حكمك بالتحريم على الأغاني بشكلها الحالي من أجل اشتمالها على كلام بذيء ساقط، واشتمالها على ما لا خير فيه، بل على ما فيه لهو، وإثارة للغريزة الجنسية، وعلى مجون، وتكسُّر يُغري سامعه بالشر وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.
ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية فيها من الحِكَم، والمواعظ، والعبَر، بما يثير الحماس والغَيرة على الدين، ويهز العواطف الإسلامية وينفِّر من الشرور ودواعيه.. ..
" فتوى رقم 3259 " تاريخ 13 / 10 / 1400 هـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7256)
موسيقى أثناء فترة الانتظار في المكالمات الهاتفية
[السُّؤَالُ]
ـ[يسأل أحد الأخوة المسلمين: "في موقع العمل, يُشغل غير المسلمين الموسيقى في أجهزة نظام تبادل الإتصال الداخلي "إنتر كم"، فهل أنا مؤاخذ بذلك؟ ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان لك إختيار وقدرة على إزالة هذا المنكر فأنت مؤاخذٌ به، وإذا كان الأمر ليس بيدك فإنك لاتؤاخذ به بشرط ألاَّ تتعمد السماع ولا تتلذّذ بذلك لأنّ الموسيقى محرَّمة (انظر سؤال 5011) وكذلك الغناء لقوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث.. الآية) لقمان، قال ابن مسعود: لهوُ الحديث: المراد به الغناء وكذا قال غير واحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم والسلف، وقد فرَّق شيخ الإسلام بين السَماعِ بقصد التَّلذُذْ، وبين السماع العابر الذي يطرُق الأذُن منْ غير اختيار فهذا لاإثم فيه والله لايكلِّف نفساً إلا وسعها. فإذا وضعك الطّرف الآخر على الانتظار في الهاتف فحاول أن تتلافى سماع الموسيقى قدر الإمكان وإياك والاسترسال مع الأنغام واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7257)
حكم الأناشيد المسماة بالإسلامية مع الآلات الموسيقية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز سماع الأناشيد الإسلامية مع الآلات الموسيقية؟
أرجو الإجابة من القرآن والسنة والإجماع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذم آلات الملاهي والتحذير منها، وأرشد القرآن إلى أن استعمالها من أسباب الضلال واتخاذ آيات الله هزوا كما قال تعالى: {ومن الناس من يشتري لهوا الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} وقد فسر أكثر العلماء لهو الحديث بالأغاني وآلات الطرب وكل صوت يصد عن الحق.
وأخرج الطبري في جامع البيان (15/118-119) وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (33) وابن الجوزي في تلبيس إبليس (232) عن مجاهد في قوله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} الإسراء:63،64 قال: هو الغناء والمزامير
وروى الطبري عن الحسن البصري أنه قال: صوته هو الدفوف.
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/252) :
وهذه الإضافة إضافة تخصيص كما أن إضافة الخيل والرَّجْل إليه كذلك، فكل متكلم بغير طاعة الله، ومُصوِّت بِيَراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان. انتهى
وروى الترمذي في سننه رقم (1005) من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنَفَسه، فوضعه في حجره ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: إني لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنَّة.. قال الترمذي: هذا الحديث حسن وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/43) والبيهقي في السنن الكبرى (4/69) والطيالسي في المسند رقم (1683) والطحاوي في شرح المعاني (4/29) وحسنه الألباني.
قال النووي: المراد به الغناء والمزامير انظر تحفة الأحوذي (4/88)
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليكون من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ (وهو الفرج والمقصود يستحلون الزنا) والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم ـ يعني الفقير ـ لحاجة فيقولوا ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ". رواه البخاري في الصحيح معلقا (10/51) ووصله البيهقي في السنن الكبر (3/272) والطبراني في المعجم الكبير (3/319) وابن حبان في الصحيح (8/265 ـ 266) وصححه ابن الصلاح في علوم الحديث (32) وابن القيم في إغاثة اللهفان (255) وتهذيب السنن (5/270 ـ 272) والحافظ في الفتح (10/51) والألباني في الصحيحة (1/140)
قال الحافظ في الفتح (10/55) والمعازف هي آلات الملاهي، ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها آلات اللهو، وقيل أصوات الملاهي، وفي حواشي الدمياطي: المعازف الدفوف وغيرهما مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف. انتهى
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/256) :
ووجه الدلالة منه: أن المعازف هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها، ولَمَا قرن استحلالها باستحلال الخمر والحِرَ.انتهى
ويستفاد من الحديث تحريم آلات العزف والطرب، ودلالة الحديث على ذلك من وجوه:
أولا: قوله (يستحلون) فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة فيستحلها أولئك القوم.
ثانيا: قرن المعازف مع المقطوعة حرمته: الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها ودلالة هذا الحديث على تحريم الغناء دلالة قطعية، ولو لم يَرِد في المعازف حديث ولا آية سوى هذا الحديث لكان كافيا في التحريم وخاصة في نوع الغناء والذي يعرفه الناس اليوم. هذا الغناء الذي مادته ألفاظ الفحش والبذاءة، وقوامه المعازف المختلفة من موسيقى وقيثارة وطبل ومزمار وعود وقانون وأورج وبيانو وكمنجة، ومتمماته ومحسناته أصوات المخنثين ونغمات العاهرات. انظر حكم المعازف للألباني، تصحيح الأخطاء والأوهام الواقعة في فهم أحاديث النبي عليه السلام لرائد صبري (1/176)
قال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (3/423-424) :
والمعازف هي الأغاني وآلات الملاهي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي آخر الزمان قوم يستحلونها كما يستحلون الخمر والزنا والحرير وهذا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم فإن ذلك وقع كله والحديث يدل على تحريمها وذم من استحلها كما يذم من استحل الخمر والزنا والآيات والأحاديث في التحذير من الأغاني وآلات اللهو كثيرة جداً ومن زعم أن الله أباح الأغاني وآلات الملاهي فقد كذب وأتى منكراً عظيماً نسأل الله العافية من طاعة الهوى والشيطان وأعظم من ذلك وأقبح وأشد جريمة من قال إنها مستحبة ولا شك أن هذا من الجهل بالله والجهل بدينه بل من الجرأة على الله والكذب على شريعته وإنما يستحب ضرب الدف في النكاح للنساء خاصة لإعلانه والتمييز بينه وبين السفاح ولا بأس بأغاني النساء فيما بينهن مع الدف إذا كانت تلك الأغاني ليس فيها تشجيع على منكر ولا تثبيط ع واجب ويشترط أن يكون ذلك فما بينهن من غير مخالطة للرجال ولا إعلان يؤذي الجيران ويشق عليهم وما يفعله بعض الناس من إعلان ذلك بواسطة المكبر فهو منكر لما في ذلك من إيذاء المسلمين من الجيران وغيرهم ولا يجوز للنساء في الأعراس ولا غيرها أن يستعملن غير الدف من آلات الطرب كالعود والكمان والرباب وشبه ذلك بل ذلك منكر وإنما الرخصة لهن في استعمال الدف خاصة.
أما الرجال فلا يجوز لهم استعمال شيء من ذلك لا في الأعراس ولا في غيرها وإنما شرع الله للرجال التدرب على آلات الحرب كالرمي وركوب الخيل والمسابقة بها وغير ذلك من أدوات الحرب كالتدرب على استعمال الرماح والدرق والدبابات والطائرات وغير ذلك كالرمي بالمدافع والرشاش والقنابل وكلما يعين على الجهاد في سبيل الله.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (11/569) :
وأعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولا المغرب ولا العراق ولا خرسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية ولا بدفّ ولا بكفّ ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه. أهـ
أما هذه الأناشيد التي تسمى إسلامية والتي تصحبها الموسيقى فإطلاق هذه التسمية عليها يعطيها شيئا من المشروعية وهي في الحقيقة غناء وموسيقى وتسميتها بالأناشيد الإسلامية هو زور وبهتان ولا يُمكن أن تكون بديلا عن الغناء فلا يجوز أن نتبدّل الخبيث بالخبيث وإنّما نجعل الطّيب مكان الخبيث وسماعها على أنّه إسلامية والتعبّد بذلك يعدّ ابتداعا لم يأذن به الله. نسأل الله السلامة والعافية
وللمزيد انظر تلبيس إبليس (237) والمدخل لابن الحاج (3/109) والأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي (99-وما بعدها) وذم الملاهي لابن أبي الدنيا والإعلام بأن العزف حرام لأبي بكر الجزائري وتنزيه الشريعة عن الأغاني الخليعة وتحريم آلات الطرب للألباني.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7258)
حكم سماع الأناشيد المصحوبة بالإيقاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإيقاعات الصوتية المدرجة في الأناشيد في الوقت الحاضر؟ وأقصد بالإيقاعات أي مؤثرات من الموسيقي ونحوها من الطبل ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت الأدلة الصحيحة على تحريم استماع المعازف، كما سبق مفصلا في جواب السؤال رقم (5000) ، فلا يجوز أن تُصحب الأناشيد بشيء من الموسيقى، ولا ما يشبه الموسيقى في التأثير، كبعض الإيقاعات التي تنفذ على الكمبيوتر مما لا يختلف عن الموسيقى في إطراب السامعين وإخراجهم عن طورهم، مع ما في استعمال هذه الإيقاعات من التشبه بأهل الفسق والمجون.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: " بل قد يكون في هذا – [أي: الأناشيد]- آفةٌ أخرى، وهي أنّها قد تُلحَّن على ألحان الأغاني الماجنة، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم، وتخرجهم عن طورهم، فيكون المقصد هو اللحن والطرب، وليس النشيد بالذات، وهذه مخالفة جديدة، وهي التشبه بالكفار والمجّان، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه، فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الفرقان/30" انتهى من "تحريم آلات الطرب" (ص 181) .
ومعلوم أن الشرع حرم سماع آلات المعازف لما تحدثه أصواتها المطربة من تأثير في القلب، فتصيبه بالنفاق، ويهجر كلام الله، ولا يجد لذته إلا في هذه الأغاني، ومعلوم أن بعض هذه الإيقاعات أشد طرباً من المعازف، وتأثيرها في نفس السامع إن لم يكن أعظم من تأثير آلات المعازف، فليس بأقل منها، والشرع الحكيم لا يمكن أن يحرم شيئاً لمفسدته ثم يبيح ما هو مثله أو أعظم.
فهذه الإيقاعات إن كان صوتها كصوت آلات المعازف، فحكمها حكم آلات المعازف في التحريم، بل قد تكون أشد.
ولا يستثنى من تحريم آلات المعازف إلا الدف فقط، وفي أحوال مخصوصة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20406) .
فما كان من هذه الإيقاعات شبيهاً بصوت الدف فلا حرج من سماعه في الأحوال التي يجوز فيها سماع الدف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7259)
حكم سماع الأغاني الأجنبية أثناء المذاكرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال هل الأغاني حرام؟ مع العلم أني أسمع الأغاني الأجنبية، ولكن دائما وأنا أفعل شيئا ... فمثلا أثناء المذاكرة أو أثناء العمل علي الكومبيوتر ... كمجرد صوت بجانبي، ولكني لا أخصص لها وقتا وأجلس لسماعها فقط.. أي أنها لا تلهني عن أي واجب.... كما أنني لا أسمع الأغاني التي تثير الغرائز أو بها معانٍ سيئة، ولكن قد توجد بعض المعاني عن الحب، ولكن ليست بصورة سافرة أو مثيرة للغرائز.....فهل هذا حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغناء إن كان مصحوبا بآلات الموسيقى، فإنه يحرم فعله، وسماعه، سواء كان من رجل أو امرأة، وسواء كان غناء عاطفيا أو حماسيا أو دينيا، ولا يستثنى من ذلك إلا الغناء المصحوب بالدف، في العرس والعيد وقدوم الغائب، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (5000) ، ورقم (20406) ورقم (43736) .
وأما إذا خلا من الموسيقى، فإن كان من امرأة لرجال فهو حرام، وإن كان من رجل، وبكلام مباح جاز، كالأناشيد الإسلامية الخالية من الموسيقى، ومع ذلك لا ينبغي الإكثار من سماعها.
وقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم استماع الموسيقى، وأشار بعضهم إلى أن حكمة التحريم، هي ما لهذه الموسيقى من أثر في تهييج النفوس وإغرائها بالحرام، ولهذا كانت على مدى العصور شعار الفسقة وشربة الخمور، وعشاق الرذيلة. قال القرطبي رحمه الله: " أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق، ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟! وما كان كذلك لا يُشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه " انتهى نقلا عن "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/337) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن، فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله وقل حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى إيمانه، وثقل عليه قرآنه ... فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب، والزهزهة والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز بمنكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وثبات الدباب، ويدور دوران الحمار حول الدولاب، ويصفق بيديه تصفيق النسوان، ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران، وتارة يتأوه تأوه الحزين، وتارة يزعق زعقات المجانين ... " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/353) .
وكل من سمع الموسيقى وأعجب بها، تراه يثقل عليه سماع القرآن، لأن القلب لا يجتمع فيه مزمار الشيطان وقرآن الرحمن.
والحاصل: أن استماع الموسيقى لا يجوز، سواء كانت أثناء المذاكرة أو قبل النوم، وسواء أشغلت عن واجب أو لم تشغل، لكن إذا أشغلت عن واجب كان الإثم أعظم.
وهذا التفصيل الذي ذكرته في سؤالك إنما يصلح لو كان الكلام على الغناء المجرد من الموسيقى، وكان المغني أو المنشد رجلا، فيقال: يجوز سماع هذا النشيد بشرط أن يكون الكلام نظيفا عفيفا، وألا يشغل هذا السماع عن واجب من الواجبات، وألا يكثر الإنسان منه بحيث يتعلق قلبه به، فينصرف عن سماع القرآن.
نسأل الله لك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7260)
هل يجوز تشغيل الأناشيد التي معها دف وبصوت الرجال في العرس
[السُّؤَالُ]
ـ[أشرطة أناشيد أعراس بأصوات الرجال ومعهم دف، هل يجوز تشغيلها في العرس للنساء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت شيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن هذا السؤال، فأجاب حفظه الله:
لا يجوز. انتهى
وقد أباحت الشريعة ضرب الدفّ للنساء في الأعراس، وليس للرجال، فيمكن لهنّ أن يقمن بضرب الدفّ والغناء بكلمات مباحة طيّبة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7261)
هل يصح ترديد بعض الأغاني التي ليس معها موسيقى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم بعدم جواز الاستماع للموسيقى. لكني أسأل: ما هو الحكم إذا كانت الموسيقى عن الله؟ فهل يجوز أن أغني تلك الأنواع من الأغاني (عن الله) بدون أجهزة موسيقية وأنا في بيتي، أو وأنا ذاهب إلى الجامعة، كي لا يسمعني أحد؟ أرجو أن تضع في الحسبان أن الغناء سيكون بصوت منخفض.أحب، في بعض الأحيان، الأغاني الموجهة للناس، لكن ما هو الحكم أن أنا رددت تلك الأغنية، وكأني أغنيها لربي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فقد تقدم في السؤال رقم (5000) و (5011) تفصيل وبيان لحكم المعازف والموسيقى، وأنها محرمة بدليل الكتاب والسنة، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم، وأقوال الأئمة من بعدهم وهذا الحكم يعم كل أنواع الموسيقى، ولو صاحبها التغني ببعض الكلمات والأبيات ذات المعاني الطيبة. فراجعه للأهمية.
وأما مجرد التغني أو الترنم ببعض الأشعار التي فيها ثناء على الله، أو الدعوة إلى مكارم الخلاق ونحو ذلك من المعاني الطيبة الأخرى، فإن الأصل في الشعر أنه كلامٌ، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فإذا كانت كلماته سالمة من البدع والغلو المذموم شرعاً، وسلمت من سيء الكلام، وقبيحه الذي لا يليق أن يقال عن الله، فلا بأس من التغني بها أحياناً، بشرط أن لا يؤِّديها بألحان أهل الغناء والمجون لأن هذا فيه تشبه بأهل الفسق والمعاصي (ومن تشبه بقوم فهو منهم) ، كما أن بُغْض هؤلاء المغنين في الله يقتضي عدم التشبه بهم أو تقليدهم في ألحانهم.
وأما ما يتعلق ببعض الكلام أو الشعر الذي يقال عن الناس وتوجيهه لله تعالى، فلا يصح. بل ينبغي للمؤمن أن يمجِّد الله ويعظمه؛ بالآيات القرآنية، والأذكار الشرعية، والأدعية النبوية، مستحضراً عظمة الله وجلاله وجماله، ولو ردَّد أحياناً بعض الأبيات التي فيها ثناء على الله وذكر لنعمه وفضله فلا بأس إذا راعى ما سبق من الشروط. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7262)
الطبل المفتوح من جهة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك نوع من الطبول يكون مغطى من جهة، والجهة الثانية يكون معظمه مغطى إلا فتحة صغيرة، فهل يلحق هذا بالدف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا سلمك الله يلحق بالطبل، وربما يكون أشد لأن هذا النوع يجعل الصوت يخرج من هذه الفتحة اليسيرة ويحصل له صفير وصوت أبلغ مما لو كان مختوماً كله أو مفتوحاً كله، فلا يجوز أن تستعمل هذا فيما فيه الدف، لأن الدف أهون بلا شك من هذا، هذا يعطي صوتاً رناناً وسبباً للنشوة والطرب أكثر.
[الْمَصْدَرُ]
لقاءات الباب المفتوح للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 20(5/7263)
حكم إقامة المهرجانات المشتملة على الغناء والموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إقامة المهرجانات التي يدعى إليها المغنون والممثلون والشعراء وغيرهم من داخل البلاد وخارجها؟ ونود الإفادة عما يلي: 1-ما حكم إقامة مثل هذه الحفلات، التي كل وقتها أو جلّه مشحون بالغناء والطرب وآلات اللهو؟ 2-ما حكم الإنفاق عليها والدعوة إليها وتشجيعها والسرور بها؟ وما حكم إحضار المغنين من الجنسيات غير الإسلامية والإنفاق عليهم والاستماع إليهم، والتشجيع لهم، والفرح بحضورهم؟ 3-ما حكم الحاضرين في مجالسها للاستماع إليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحرم على المسلم إقامة حفلات أو مهرجانات مشتملة على أمور منكرة؛ كالغناء والموسيقى، واختلاط الرجال بالنساء، وإحضار السحرة المشعوذين؛ للأدلة الشرعية الكثيرة الدالة على تحريم هذه الأمور، وأنها من أسباب الوقوع فيما حرم الله من الفواحش والفجور، وقد توعد الله عز وجل من أحب شيوع الفاحشة بين المؤمنين ودعا إلى ذلك، وأعان عليه بالعذاب الأليم، فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) النور/19، وإذا تقرر أن إقامة هذه الحفلات والمهرجانات محرم فحضورها محرم أيضاً؛ لأنه من إضاعة المال والأوقات فيما لا يرضي الله سبحانه، ومن التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وفي ذلك الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن إضاعة المال.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/225) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7264)
حكم العلاج بالموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الموسيقى بدون غناء، أيحل سماعها؟ وما معنى أن بعض العلماء قد برعوا في علم الموسيقى، وقد كان يعالج بها المرضى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحرم الاشتغال بإذاعة الموسيقى وبسماعها، سواء كانت مع غناء أم لا، وهي مع الغناء أشد بلاء وإفساداً للفطر والأخلاق، وما ذكر من أن بعض العلماء قد برعوا فيها فصحيح؛ لكنهم من جنس الفارابي، من الذين لا خبرة لهم بالدين الإسلامي، وليسوا قدوة للمسلمين، ولا حجةً في الحق، وليسوا من أئمة المسلمين علماً وعقيدة وعملاً؛ كالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأئمة السلف الصالح؛ كسعيد بن جبير والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل والأوزاعي، وأمثالهم في العلم الإسلامي والعمل به، فهؤلاء قدوة لمن بعدهم رحمهم الله.
وأما العلاج بالموسيقى فلا يجوز، ولا يحتاج إليه المسلم لوجود ما يغني عنه بالأناشيد الإسلامية وقراءة القرآن بصوت حسن، ونحو ذلك مما يهدئ الأعصاب ويبعث السرور في النفس، ويزيد المسلم إيماناً بالله وبقضائه وقدره.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/216) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7265)
إخراج أصوات من الفم تشبه المعازف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إخراج أصوات من الفم تشبه أصوات المعازف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
نرى أنه يحرم لأنه يقوم مقام آلات اللهو وهي آلات محرمة تصد عن ذكر الله وما قام مقامها فهو محرم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/7266)
حكم الموسيقى والغناء والرقص
[السُّؤَالُ]
ـ[دائما أسمع بأن الموسيقى والرقص والغناء محرمة في الإسلام. السؤال: ذهبت لموقع على الإنترنت، وهناك الكثير من المقالات تقول بأن "الموسيقى والغناء والرقص حلال في الإسلام ما دام الجنسين ليسا مختلطين وليس هناك خمر" حتى أنهم حاولوا إثبات هذا بذكرهم حديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنه وافق على هذا. أنا الآن متشككة فهل يمكن أن توضح لي حكم الموسيقى والرقص والغناء في الإسلام. جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المعازف" جمع معزفة، وهي آلات الملاهي (فتح الباري 10/55) ، وهي الآلة التي يعزف بها (المجموع 11/577) ، ونقل القرطبي رحمه الله عن الجوهري رحمه الله أن المعازف الغناء، والذي في صحاحه: آلات اللهو. وقيل: أصوات الملاهي. وفي حواشي الدمياطي رحمه الله: المعازف بالدفوف وغيرها مما يضرب به (فتح الباري 10/55) .
أدلة التحريم من الكتاب والسنة:
قال الله تعالى في سورة لقمان: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله "، قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهد رحمه الله: اللهو الطبل (تفسير الطبري 21/40) ، وقال الحسن البصري رحمه الله: نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير (تفسير ابن كثير 3/451) ، وقال السعدي رحمه الله: فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة ونميمة وكذب وشتم وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا (تفسير السعدي 6/150) ، قال ابن القيم رحمه الله: (ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث "، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات -، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء، ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكهم وملوك الروم ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن، وكلاهما لهو الحديث، ولهذا قال ابن عباس: لهو الحديث الباطل والغناء، فمن الصحابة من ذكر هذا ومنهم من ذكر الآخر ومنهم من جمعهما، والغناء أشد لهوا وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم فإنه رقية الزنا ومنبت النفاق وشرك الشيطان وخمرة العقل، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه، فإن الآيات تضمنت ذم استبدال لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا، وإذا يتلى عليه القرآن ولى مدبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقراً، هو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئا استهزأ به، فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا وإن وقع بعضه للمغنين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذم) إغاثة اللهفان 1/258-259
وقال تعالى: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك "
عن مجاهد رحمه الله قال: استنزل منهم من استطعت، قال: وصوته الغناء والباطل، قال ابن القيم رحمه الله: (وهذه الإضافة إضافة تخصيص كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك، فكل متكلم في غير طاعة الله أو مصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان، وكل ساع إلى معصية الله على قدميه فهو من رَجِله وكل راكب في معصيته فهو من خيالته، كذلك قال السلف كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس: رجله كل رجل مشت في معصية الله) إغاثة اللهفان.
وقال تعالى: " أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون، وأنتم سامدون "
قال عكرمة رحمه الله: عن ابن عباس السمود الغناء في لغة حِميَر، يقال: اسمدي لنا أي غني، وقال رحمه الله: كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية، وقال ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى " وأنتم سامدون " قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال: الغناء، هي يمانية، اسمد لنا غنِّ لنا، وكذلك قال عكرمة. تفسير ابن كثير.
عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " حسن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.. " الحديث، (رواه البخاري تعليقا برقم 5590، ووصله الطبراني والبيهقي، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91) ، قال ابن القيم رحمه الله: (هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به فقال: باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه) ، وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين؛ أولهما: قوله صلى الله عليه وسلم: " يستحلون "، فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم. ثانيا: قر المعازف مع المقطوع حرمته وهو الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها (السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف) ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها. (المجموع 11/535) ، وقال ابن القيم رحمه الله: (وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعائشة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سابط والغازي بن ربيعة) ثم ذكرها في إغاثة اللهفان وهي تدل على التحريم.
عن نافع رحمه الله قال: " سمع ابن عمر مزمارا، قال: فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا " صحيح أبي داود؛ وقد زعم قزم أن هذا الحديث ليس دليلا على التحريم، إذ لو كان كذلك لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما بسد أذنيه، ولأمر ابن عمر نافعا كذلك! فيجاب: بأنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع، وهناك فرق بين السامع والمستمع، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (أما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه نهي ولا ذم باتفاق الأئمة، ولهذا إنما يترتب الذم والمدح على الاستماع لا السماع، فالمستمع للقرآن يثاب عليه، والسامع له من غير قصد ولا إرادة لا يثاب على ذلك، إذ الأعمال بالنيات، وكذلك ما ينهى عنه من الملاهي، لو سمعه بدون قصد لم يضره ذلك) المجموع 10 / 78؛ قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: والمستمع هو الذي يقصد السماع، ولم يوجد هذا من ابن عمر رضي الله عنهما، وإنما وجد منه السماع، ولأن بالنبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه لأنه عدل عن الطريق، وسد أذنيه، فلم يكن ليرجع إلى الطريق، ولا يرفع إصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه، فأبيح للحاجة. (المغني 10 / 173) (ولعل السماع المذكور في كلام الإمامين مكروه، أبيح للحاجة كما سيأتي في قول الإمام مالك رحمه الله والله أعلم) .
أقوال أئمة الإسلام:
قال القاسم رحمه الله: الغناء من الباطل، وقال الحسن رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو، فلا دعوة لهم. الجامع للقيرواني ص 262-263.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام، ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير،.. ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا) المجموع 11/576، قال الألباني رحمه الله: اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها. الصحيحة 1/145.
قال ابن القيم رحمه الله: (مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب، وقوله فيه من أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد بها الشهادة، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: أن السماع فسق والتلذذ به كفر، هذا لفظهم، ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه، قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره، وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي: ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض) إغاثة اللهفان 1/425.
وسئل الإمام مالك رحمه الله عن ضرب الطبل والمزمار، ينالك سماعه وتجد له لذة في طريق أو مجلس؟ قال: فليقم إذا التذ لذلك، إلا أن يكون جلس لحاجة، أو لا يقدر أن يقوم، وأما الطريق فليرجع أو يتقدم. (الجامع للقيرواني 262) ، وقال رحمه الله: إنما يفعله عندنا الفساق (تفسير القرطبي 14/55) ، قال ابن عبد البر رحمه الله: من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذا الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب الباطل كله. (الكافي) .
قال ابن القيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام الشافعي رحمه الله: (وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله) (إغاثة اللهفان 1/425) ، وقد عد صاحب كفاية الأخبار، من الشافعية، الملاهي من زمر وغيره منكرا، ويجب على من حضر إنكاره، وقال: (ولا يسقط عنه الإنكار بحضور فقهاء السوء، فإنهم مفسدون للشريعة، ولا بفقراء الرجس - يقصد الصوفية لأنهم يسمون أنفسهم بالفقراء - فإنهم جهلة أتباع كل ناعق، لا يهتدون بنور العلم ويميلون مع كل ريح) (كفاية الأخيار 2/128) .
قال ابن القيم رحمه الله: (وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق بالقلب، لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق) (إغاثة اللهفان) ، وقال ابن قدامة - محقق المذهب الحنبلي - رحمه الله: (الملاهي ثلاثة أضرب؛ محرم، وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها، والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته) (المغني 10/173) ، وقال رحمه الله: (وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر، كالخمر والزمر، فأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، لأنه يجمع بين واجبين، وإن لم يمكنه لا يحضر) (الكافي 3/118) .
قال الطبري رحمه الله: (فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليك بالسواد الأعظم "، ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ") (تفسير القرطبي 14/56) . وقد كان لفظ الكراهة يستخدم لمعنى الحرمة في القرون المتقدمة ثم غلب عليه معنى التنزيه، ويحمل هذا على التحريم لقوله: والمنع منه، فإنه لا يمنع عن أمر غير محرم، ولذكره الحديثين وفيهما الزجر الشديد، والقرطبي رحمه الله هو الذي نقل هذا الأثر، وهو القائل بعد هذا: (قال ابو الفرج وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل شهادة المغني والرقاص، قلت: وإذا ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز) ، قال الشيخ الفوزان حفظه الله: (ما أباحه ابراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود.. فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو غاية في الانحطاط ومنتى الرذالة) الإعلام.
وقال ابن تيمية رحمه الله: (لا يجوز صنع آلات الملاهي) (المجموع 22/140) ، وقال رحمه الله: (آلات الملاهي، مثل الطنبور، يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وهو مذهب مالك وأشهر الروايتين عند أحمد) (المجموع 28/113) ، وقال: (الوجه السادس: أنه ذكر ابن المنذر اتفاق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح فقال: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية، كره ذلك الشعبي والنخعي ومالك وقال أبو ثور والنعمان - أبو حنيفة رحمه الله - ويعقوب ومحمد - تلميذي أبي حنيفة رحمهم الله -: لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح وبه نقول) وقال: (والمعازف خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس) (مجموع الفتاوى 10/417) .
وأخرج ابن أبي شيبة رحمه الله: أن رجلا كسر طنبورا لرجل، فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا - أي لم يوجب عليه القيمة لأنه محرم لا قيمة له -. (المصنف 5/395) .
وأفتى البغوي رحمه الله بتحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والمزمار والمعازف كلها، ثم قال: (فإذا طمست الصور، وغيرت آلات اللهو عن حالتها، فيجوز بيع جواهرها وأصولها، فضة كانت أو حديد أو خشبا أو غيرها) (شرح السنة 8/28) .
استثناء حق
ويستثنى من ذلك الدف - بغير خلخال - في الأعياد والنكاح للنساء، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء "، ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا، ويسمون الرجال المغنين مخانيث - ما أكثرهم في هذا الزمان - وهذا مشهور في كلامهم، ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان - أي صغيرتان - تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث - ولعل العاقل يدرك ما يقوله الناس في الحرب - فقال أبو بكر رضي الله عنه: " أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكان رسول الله معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط - ولذلك قال بعض العلماء أن أبا بكر رضي الله عنه ما كان ليزجر احدا أو ينكر عليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منتبه لما يحصل والله أعلم - فقال: " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام " ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان - فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر هذه التسمية ولم يبطلها حيث أنه قال " دعهما فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا "، فأشار ذلك أن السبب في إباحته هو كون الوقت عيدا، فيفهم من ذلك أن التحريم باق في غير العيد إلا ما استثني من عرس في أحاديث أخرى، وقد فصل ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه النفيس تحريم آلات الطرب -، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري في الأعياد كما في الحديث: " ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة "، وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار) ، فتبين أنه للنساء فقط، حتى أن الإمام أبا عبيد رحمه الله، عرف الدف قائلا: فهو الذي يضرب به النساء. (غريب الحديث 3/64) - فينبغي لبعضهم الخروج بالحجاب الشرعي -.
استثناء باطل
استثنى بعضهم الطبل في الحرب، وألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية، ولا وجه لذلك البتة، لأمور؛ أولها: انه تخصيص لأحاديث التحريم بلا مخصص، سوى مجرد الرأي والاستحسان وهو باطل، ثانيهما: أن المفترض على المسلمين في حالة الحرب، أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم، قال تعالى: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " واستعمال الموسيقى يفسد عليهم ذلك، ويصرفهم عن ذكر ربهم، ثالثا: أن استعمالها من عادة الكفا، فلا يجوز التشبه بهم، لاسيما في ما حرمه الله تبارك تعالى علينا تحريما عاما كالموسيقى. (الصحيحة 1/145) .
(ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) صحيح
استدل بعضهم بحديث لعب الحبشة في مسجده صلى الله عليه وسلم في إباحة الغناء! ترجم البخاري رحمه الله على هذا الحديث في صحيحه: (باب الحراب والدرق يوم العيد) ، قال النووي رحمه الله: فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد. (شرح مسلم) ، ولكن كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: من تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب.
واستدل بعضهم بحديث غناء الجاريتين، وقد سبق الكلام عليه، لكن نسوق كلام ابن القيم رحمه الله لأنه قيم: (وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم، فأين هذا من هذا، والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التسمية، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولاستماعهما، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟! فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام) (مدارج السالكين 1/493) ، وقال ابن الجوزي رحمه الله: وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت،ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء، قد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها. (تلبيس إبليس 229) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب - حديث الجاريتين - على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها " وليستا بمغنيتين "، فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ.. فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل - أي الحديث - والله أعلم) (فتح الباري 2/442-443)
وقد تجرأ البعض بنسبة سماع الغناء إلى الصحابة والتابعين، وأنهم لم يروا به بأسا!!
قال الفوزان حفظه الله: (نحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم) ، ثم قال: (ذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن المبارك أنه قال: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) .
وقال بعضهم أن جميع الأحاديث التي تحرم الغناء مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه!! قال ابن باز رحمه الله: (إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء ليست مثخنة بالجراح كما زعمت، بل منها ما هو في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله، ومنها الحسن ومنها الضعيف، وهي على كثرتها وتعدد مخارجها حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم الغناء والملاهي) .
(وقد اتفق الأئمة على صحة أحاديث تحريم الغناء والمعازف إلا أبو حامد الغزالي، والغزالي ما عرف علم الحديث، وابن حزم، وبين الألباني رحمه الله خطأه أوضح بيان، وابن حزم نفسه قال أنه لو صح منها شيء لقال به، ولكن من في هذا الزمن ثبتت لديهم صحة ذلك لما تكاثر من كتب أهل العلم، وما تواتر عنهم من تصحيح هذه الأحاديث، ولكنهم أعرضوا عنه، فهم أشد من ابن حزم بكثير وليسوا مثله، فهم ليسوا متأهلين ولا رجعوا لهم)
وقال بعضهم أن الغناء حرمه العلماء لأنه اقترن بمجالس الخمر والسهر الحرام!
قال الشوكاني رحمه الله: (ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الأحاديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله. وأيضا يلزم مثل قوله تعالى: " إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين " أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين، فإن قيل إن تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر، فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضا كما سلف) (نيل الأوطار 8/107) .
وقال بعضهم أن لهو الحديث ليس المقصود به الغناء، وقد سبق الرد على ذلك، قال القرطبي رحمه الله: (هذا - أي القول بأنه الغناء - أعلى ما قيل في هذه الآية وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أنه الغناء) ثم ذكر من قال بهذا من الأئمة، وذكر الأقوال الأخرى في ذلك ثم قال (القول الأول أولى ما قيل في هذا الباب للحديث المرفوع وقول الصحابة والتابعين فيه) (تفسير القرطبي) ، وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر هذا التفسير: (قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك: ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند) وقال في موضع آخر من كتابه: (هو عندنا كحكم المرفوع) ، وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل في كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا التفسير من الرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيلا) (إغاثة اللهفان) .
وقال بعضهم أن الغناء طاعة إذا كان المقصود به التقوي على طاعة الله!!!
قال ابن القيم رحمه الله: (ويا للعجب، إي إيمان ونور وبصيرة وهدى ومعرفة تحصل باستماع أبيات بألحان وتوقيعات لعل أكثرها قيلت فيما هو محرم يبغضه الله ورسوله ويعاقب عليه، ... فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرب إلى الله ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه بالتذاذه بما هو بغيض إليه مقيت عنده يمقت قائله والراضي به) (مدارج السالكين 1/485) . قال شيخ الإسلام في بيان حال من اعتاد سمعه الغناء: (ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به لا يحن على سماع القرآن، ولا يفرح به، ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسن لاغية، وإذا سمعوا المكاء والتصدية خشعت الأصوات وسكنت الحركات وأصغت القلوب) (مجموع الفتاوى 11/557 وما بعده) .
ويروج بعضهم للموسيقى والمعازف بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحا، فهي مثيرات للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.
خاتمة
لعله تبين من هذا المختصر - للمنصفين - أن القول بالإباحة ليس قولا معتبرا، وأنه ليس في هذه المسألة قولان، فتجب النصيحة بالحسنى ثم يتدرج في الإنكار لمن استطاع، ولا تغتر بشهرة رجل في زمن أصبح أهل الدين فيه غرباء، فإن من يقول بإباحة الغناء وآلات الطرب، إنما ينصر هوى الناس اليوم - وكأن العوام يفتون وهو يوقع! -، فإنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها، ثم أخذوا الأيسر - زعموا - ثم يبحثون عن أدلة، بل شبهات تتأرجح بين الموقوذة والمتردية والنطيحة! فكم شرع أمثال هؤلاء للناس بهذا التمويه أمورا باسم الشريعة الإسلامية يبرأ الإسلام منها.
فاحرص أخي أن تعرف إسلامك من كتاب ربك وسنة نبيك، ولا تقل: قال فلان؛ فإن الحق لا يعرف بالرجال، بل اعرف الحق تعرف الرجال، ولعل في هذا القدر كفاية لمن نبذ هواه وخضع لمولاه، ولعل ما سبق يشفي صدور قوم مؤمنين، ويطير وسواس قوم موسوسين، ويفضح كل معرض عن الوحي، متتبع للرخص، ظن أنه أتى بما لم يأت به الأوائل فتقول على الله بغير علم، وطلب الخروج من الفسق فوقع في البدعة - لا بارك الله فيه -، وقد كان خيرا له سبيل المؤمنين.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الذي وضح سبيل المؤمنين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ملخص رسالة الضرب بالنوى لمن أباح المعازف للهوى للشيخ سعد الدين بن محمد الكبي
وللاستزادة.. يمكن مراجعة:
كتاب الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان
وكتاب السماع لشيخ الإسلام ابن القيم
وكتاب تحريم آلات الطرب للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7267)
الواجب على الطالب عند تشغيل الموسيقى في الصف الدراسي
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصف الذي أدرس فيه يقوم المدرس بتشغيل بعض الصور والأفلام وفيها موسيقى، وقد يُطلب منا أن نعرف نوع الموسيقى لننجح في المادة فما حكم أن أبقى في الفصل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك البقاء في الصف أثناء تشغيل جهاز الموسيقى أو عزفها في الصف الدراسي من جهاز أو من شخص، حتى لو أدى ذلك إلى عدم فهمك لطبيعة نوع معيَّن من الموسيقى، كالجاز وغيره، لأن المنكر إذا فُعِل في المجلس وجب على المسلم أن ينكر على الفاعل، فإن لم يستجب غادر المكان، كما قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء /140
وننصحك باختيار تخصص لا تدْرُس فيه هذه المادة أصلاً. وفقنا الله وإياك لطاعته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/7268)
الذهاب إلى حلاق يشغّل الأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب إلى الحلاقين الذين يشغلون الأغاني.
علما أنني اذكر الله في قلبي؟ ولا أعرف حلاقاً قريباً لا يشغل الأغاني إلا بعض من تكون حلاقته غير جيدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك سماع الأغاني عند الذهاب إلى مثل هؤلاء، والواجب عليك إذا رفعوا صوت الموسيقى وأذاعوها في المحل وأنت موجود أن تنكر عليهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وأكثر الحلاقين يستجيب للناصح، وهذا أمر مجرَّب، فإن امتثل الحلاق لطلبك وإلا فاذهب إلى غيره وستجد إن شاء الله من يفي بالغرض، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً.
والله الموفق
وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7269)
نغمة الموسيقى في الجوال حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في كثير من الهواتف الجوالة نغمات جرس موسيقية، فهل يجوز وضع هذه النغمات بدلاً من الجرس العادي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز استعمال النغمات الموسيقية في الهواتف أو غيرها من الأجهزة لأن استماع الآلات الموسيقية محرم كما دلت عليه الأدلة الشرعية ويستغنى عنها باستعمال الجرس العادي. وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مجلة الدعوة العدد/1795 ص/42.(5/7270)
الموسيقى العسكرية حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في الجيش في الفرقة الموسيقية، بعض الناس قالوا لي بأن عملي حرام بسبب الموسيقى، أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الموسيقى يحرم فعلها واستماعها، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة، منها قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. . .) الحديث. رواه البخاري تعليقا برقم 5590، ووصله الطبراني والبيهقي، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني (91) .
وقال ابن القيم رحمه الله: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به اهـ.
والمعازف هي آلات اللهو التي يعزف بها، وهذا النص يشمل جميع آلات الموسيقى. راجع السؤال رقم (5011) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/145) :
واستثنى بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية، ولا وجه لذلك البتة، لأمور:
الأول: أنه تخصيص لأحاديث التحريم بلا مخصص، سوى مجرد الرأي والاستحسان وهو باطل.
الثاني: أن المفروض على المسلمين في حالة الحرب، أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم، وأن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم فذلك أدعى لطمأنينة نفوسهم وأربط لقلوبهم فاستعمال الموسيقى مما يفسد عليهم ذلك ويصرفهم عن ذكر الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال/45.
الثالث: أن استعمالها من عادة الكفار، فلا يجوز لنا التشبه بهم، لا سيما في ما حرمه الله تبارك تعالى علينا تحريما عاما كالموسيقى اهـ باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7271)
هل يجوز للرجال استماع نشيد النساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجال سماع الأناشيد الإسلامية والشعبية من قبل فتاة مسجَّلٌ صوتُها على شريط تسجيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحن ندعوك - أخي السائل – وندعو جميع الإخوة المسلمين إلى التأمل معنا في شواهد الكتاب والسنة، وإلى التبصُّرِ بأقوال أهلِ العلم، ثم لْيحكم كلُّ امرئٍ فيما قرأ، والمؤمن حسيب نفسه، والله سبحانه وتعالى هو الرقيب على ما في قلبه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)
رواه الإمام أحمد (4/228) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب (1734)
فنقول ابتداء: إن كل مسلم يقرأ ويسمع في كتاب الله تعالى آيةً عظيمةً يحذر الله فيها أطهر النساء وأعف الزوجات، ويحثهن على الفضيلة والأدب والعفاف، فيقول مرشدا لهن:
(يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) الأحزاب/32
فهو سبحانه يريد تعليمهن وسائل إذهاب الرجس، ووسائل التطهر، وهُنَّ من أهل البيت، وأطهر مَن عرفت الأرض من النساء، ومَن عَدَاهُن من النساء أحوج إلى هذه الوسائل ممن عشن في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيته الرفيع، فيبدأ بإشعارهن بعظيم مكانهن ورفيع مقامهن، فيقول: (لستن كأحد من النساء) .. وهكذا هي المرأة الرفيعة العظيمة، تأبى إلا أن تبلغ بعزتها ورفعتها مقام نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فهي حين تسمع نهي الله لهن أن يخاطبن الأجانب من الرجال بلين الصوت والكلام، تدرك أن لله الحكمة البالغة في أمره ونهيه، وأنه سبحانه الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة اللين الرقيق ما يثير الطمع ويهيج الفتنة، وأنه هذا هو شأن القلب البشري الذي تركبت فيه الشهوة في أصل الخلقة، وأنه لا طهارة من الدنس، ولا تخلص من الرجس، حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس.
والشريعة الحكيمة تأتي بسد أبواب الفتنة كلها، وإن كانت مظنتها لفتنة الفرد ضعيفةً محتملة، إلا أن أثرها على المجتمع عامةً، وعلى المدى البعيد، أثرٌ ظاهرٌ جليٌّ، وإن خفي على بعض الناس، فهو لا يخفى على الله سبحانه رب الناس، وهو الذي أمر نساء المسلمين بجاد الكلامِ وحازم الخطاب.
إن النشيد الذي ينتشر بصوت المرأة أو الفتاة باب عظيم من أبواب الفتنة، وإن كان أحدٌ يجادل في ذلك اليوم، فسيأتي اليوم الذي لا يبقى فيه عذر لمن جادل إلا عذر الهوى والشيطان؛ لأن باب الانحراف إذا فُتح، وسَّعه الناس إلى الغاية؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالبدع تكون فى أولها شبرا، ثم تكثر فى الأتباع حتى تصير أذرعا وأميالا وفراسخ " مجموع الفتاوى (8/425) .
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21
فالتزكية غاية المسلم والمسلمة، وهي تعني طهارة القلب وصفاء النفس، ولا بد لتحقيقها من السلامة من حبائل الشيطان، فالقلب سريع التقلب، والنفس تتمنى وتشتهي، والعبد ضعيف أمام شهوة الجسم التي ركبها الله فيه.
فليتق الله أولئك الذين يتحملون في رقابهم أوزار مجتمعات كاملة، ويجترؤون على نشر أصوات الفتيات بالغناء والنشيد " الديني " باسم الإسلام، وباسم الدعوة إلى الفضيلة وأحيانا إلى المقاومة! ونحن نتساءل إن كانت الفضيلة والمقاومة تفتقر إلى صوت ناعم جميل وفتاة فاتنة؟!! وهل عدمنا كل وسيلة للدعوة إلى الخلق والقيم والفضيلة إلا أن نجلس إلى الفتيات المنشدات، أو أن نستمع إليهن عبر المسجلات والفضائيات؟!!
ولعلنا نقترح هنا طريقة يتحاكم كلٌّ إليها، ثم ينظر بها وجه الحق والصواب:
لو تخيلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعيش بين أظهرنا، ثم قامت فينا شابة جميلة تنشد بصوتها الرقيق ألحان الغناء والنشيد، واصطحبت معها أنواع المعازف وآلات الطرب، واجتمع إليها الشباب والرجال يستمعون وينظرون، فهل يتصور أحد عرف شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك سيقع منه موقع الرضا والقبول، وهو الذي لوى عُنُقَ ابن عمه الفضل بن العباس كي لا ينظر إلى الشابة الخثعمية وقال: (رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا)
رواه الترمذي (885) وقال حسن صحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
يقول ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (277) :
" أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي الطيب الطبري قال: أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا: لا يجوز ساء كانت حرة أو مملوكة.
قال: وقال الشافعي: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته، ثم غلَّظ القول فيه فقال: وهو دياثة.
قال ابن الجوزي: وإنما جعل صاحبها سفيها فاسقا لأنه دعا الناس إلى الباطل، ومن دعا إلى الباطل كان سفيها فاسقا " انتهى.
بل إن الشريعة جاءت بلزوم خفض المرأة صوتها في العبادة، فجعلت لمن نابه أمر في صلاته من الرجال أن يسبح، وأما المرأة فلا تسبح، كي لا يسمعها الرجال، وإنما جعل لها التصفيق اللطيف باليدين، وكذا الشأن في التلبية والأذان ورد السلام، وهذه نقول عن فقهاء المذاهب الأربعة:
وفي "حاشية الطحطاوي" (1/161) من كتب الحنفية:
" قال في الفتح: الخلاف في الجهر بالصوت فقط، لا في تمطيطه وتليينه " انتهى.
يعني: أن صورة التمطيط والتليين ممنوعة بلا خلاف.
وقال كمال الدين السيواسي في "شرح فتح القدير" (1/260) :
" صرّح في النوازل بأنّ نغمة المرأة عورة، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من الأعمى، قال: لأنّ نغمتها عورة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) فلا يحسن أن يسمعها الرجل " انتهى.
وجاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (1/276) من كتب المالكية:
" ونصُّ الناصر: رفع صوت المرأة التي يخشى التلذذ بسماعه لا يجوز من هذه الحيثية، لا في الجنازة ولا في الأعراس، سواء كانت زغاريت أو لا، وأما القواعد من النساء فلا يحرم سماع أصواتهن " انتهى.
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/156) :
" النساء مأمورات بالستر، فأن لا يسمعَ صوتَ المرأة أحدٌ أولى بها وأستر لها، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية، وتسمع نفسها " انتهى.
وجاء في "روضة الطالبين" من كتب الشافعية (7/21) :
" وصوتُها ليس بعورة على الأصح، لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة. وإذا قرع بابها - أي الرجل - فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها " انتهى.
ويقول المرداوي في "الإنصاف" (8/31) من كتب الحنابلة:
" قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية صالح: يُسلّم على المرأة الكبيرة، فأما الشابة فلا تنطق.
قال القاضي: إنما قال ذلك من خوف الافتتان بصوتها. وأطلقها في المذهب. وعلى كلا الروايتين يحرم التلذذ بسماعه، ولو بقراءة، جزم به في المستوعب والرعاية، والفروع وغيرهم. قال القاضي: يمنع من سماع صوتها " انتهى.
ويقول ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/230) :
" وأما سماعه – يعني الغناء عموما - من المرأة الأجنبية فمن أعظم المحرمات، وأشدها فسادا للدين " انتهى.
وكذا لا يجوز للرجال أن يستمعوا غناء النساء أو نشيدهن، سواء كان ذلك عن حضور واجتماع، أو كان بصوت مسجَّلٍ، وسواء كانت كلمات النشيد تحث على الخلق والفضيلة والقيم، أو كانت تدعو إلى الفتنة والرذيلة.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (55/سؤال رقم 14) :
" رأيي أن هذا حرام: أن تظهر أصوات النساء عند الرجال الذي يجلسون يستمعون إليهن ويتلذذون بأصواتهن " انتهى.
بل إن الإشكال في سماع الأناشيد الدينية من الفتيات أو النساء، أن صاحبه يرى أن ذلك قربة إلى الله تعالى، ومنفعة للناس في دينهم، بل ربما زاد فرآه نوعا من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله.
وقد سئل الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله عن: أقوام يقولون إن سماع الغناء بالدف والشبَّابة [الزمارة] حلال، ... وذلك يحضرهم النساء الأجنبيات، يخالطونهم في بعض الأوقات، ويشاهدونهن بقربهم في بعض الأوقات، وفي بعض الأوقات يعانق الرجال بعضهم بعضا، ويجتمعون لسماع الغناء وضرب الدف من الأمرد والذي يغني لهم، مصوبين رؤوسهم نحو وجه الأمرد، متهالكين على المغني والمغنى، ثم يتفرقون عن السماع بالرقص والتصفيق، ويعتقدون أن ذلك حلال وقربة، يتوصلون بها إلى الله تعالى، ويقولون: إنه أفضل العبادات!! فهل ذلك حرام أم حلال؟ ومن ادعى تحليل ذلك هل يزجر أم لا؟..
أجاب رضي الله عنه: لُيعلم أن هؤلاء من إخوان أهل الإباحة الذين هم أفسد فرق الضلالة، ومن أجمع الحمقى لأنواع الجهالة والحماقة، هم الرافضون شرائع الأنبياء، القادحون في العلم والعلماء، لبسوا ملابس الزهاد وأظهروا ترك الدنيا، واسترسلوا في اتباع الشهوات وأجابوا دواعي الهوى، وتظاهروا باللهو والملاهي؛ فتشاغلوا بما لم يكن إلا في أهل البطالة والمعاصي، وزعموا أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى زلفى، [وأنهم] مقتدون فيه بمن تقدمهم من أهل الرشاد، ولقد كذبوا على الله سبحانه وتعالى، وعلى عباده الذين اصطفى؛ أحبولةً نصبوها من حبائل الشيطان خداعا، واعجوبة من حوادث الزمان جلبوها خداعا للعوام وتهويشا لمناظم الإسلام ... فقولهم في السماع المذكور "إنه من القربات والطاعات " قول مخالف لإجماع المسلمين ...
وأما اباحة هذا السماع وتحليله فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والخلاف أنه أباح هذا السماع ...
وأما ما ذكر من سماعهم من الأمرد مع النساء الأجنبيات، واستباحتهم لذلك؛ فهو قطعا من شأن أهل الإباحة، ومن تخاليط الملاحدة، ولم يستجزه أحد من المسلمين من علمائهم وعبادهم وغيرهم.... " انتهى، والفتوى مطولة، نقلنا منها فقرات، فانظر فتاوى بن الصلاح (2/499-501) .
وانظر جواب السؤال رقم (11563) ، (99630) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7272)
هل كان داود عليه السلام يستعمل المزمار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسأل عن الأغاني ما حكمها حسب كلامي. أن في صوت تغريد العصفور موسيقى وفي صوت الماء والشلالات (المياه الساقطة) والمطر موسيقى وفي صوت الرياح موسيقى فكيف نستطيع أن لا نسمعها، ثم إن النبي داوود عليه الصلاة والسلام كان يستغفر بالمزامير ثم إني لا أتحدث عن الأغاني التي تثير الشهوة أو الصاخبة إني أتكلم عن الموسيقى الهادية والكلام العادي أرجو من حضرتكم الرد علي بوضوح]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق بيان تحريم استماع الموسيقى، وأدلة ذلك في جواب السؤال رقم (5000) ، كما سبق بيان بطلان قياس الموسيقى على صوت العصافير أو صوت خرير الماء في الجواب رقم (96219)
والقول بأن داود عليه السلام كان يستغفر بالمزامير، قول لا أصل له، وإنما المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري: (لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) رواه البخاري (5048) ومسلم (793) .
أنه حسن الصوت، فشبّه حسن صوته بصوت المزمار.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: (أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُدَ) قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْت الْحَسَن , وَأَصْل الزَّمْر الْغِنَاء , وَآلُ دَاوُدَ هُوَ دَاوُدُ نَفْسه , وَآلُ فُلَان قَدْ يُطْلَق عَلَى نَفْسه , وَكَانَ دَاوُدُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَن الصَّوْت جِدًّا " انتهى.
وقال العراقي في "طرح التثريب" (3/105) : " والمراد بالمزمار هنا: الصوت الحسن، وأصله الآلة التي يزمر بها، شبّه حسن صوته وحلاوة نغمته بصوت المزمار ... وقد كان إليه المنتهى في حسن الصوت بالقراءة " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " وَالْمُرَاد بِالْمِزْمَارِ الصَّوْت الْحَسَن , وَأَصْله الْآلَة أُطْلِقَ اِسْمه عَلَى الصَّوْت لِلْمُشَابَهَةِ " انتهى.
وهذا كقول أبي بكر رضي الله عنه عن الغناء إنه مزمار الشيطان، كما روى البخاري (3931) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ! مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ) .
ولم يكن مع الجاريتين مزمار، ولكنه رضي الله عنه سمى الغناء مزمار الشيطان، وشبهه به في القبح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7273)
نشيد الفتيات البالغات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تنشيد الفتيات من سن 14 فما فوق أناشيد للأطفال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على الفتاة البالغة وغيرها الغناء أو النشيد للأطفال الصغار، لأن الأصل في العادات الإباحة، ولم يرد نهي عن ذلك، ولوجود المصلحة والمنفعة حين يكون لأناشيد الأطفال الأثر البالغ في الرعاية والعناية والتربية، حيث تمنحه دفء المحبة والحنان الذي يحتاجه الطفل في صغره، كما يكون لكلماتها الطيبة اللطيفة أثر في شخصيته ونفسيته، إذ يمكن أن تزرع في نفسه قوة الشجاعة والثقة بالنفس والتشجيع، وتدفع في قلبه الأمل والإقبال على النجاح والعمل، وتنمي فيه خصال الصلاح والخير. وذلك كله إذا أحسنت المرأة اختيار الكلمات التي تغنيها للأطفال.
ولا مفسدة في هذا الغناء – من حيث الأصل -، وإذا كان للمرأة أن تبدي ما يظهر من زينتها للطفل الذي لا يدرك معنى " عورات النساء "، فمن باب أولى أن يجوز لها بذل صوتها بالغناء والنشيد للأطفال.
وفي نصوص الفقهاء شيء قريب من هذا التقرير:
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/538) في معرض تعداد أنواع من الغناء المباح: " ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد " انتهى.
ويقول الأذرعي – من فقهاء الشافعية -: " وأما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل، كحداء الأعراب لإبلهم، وغناء النساء لتسكين صغارهم، فلا شك في جوازه، بل ربما يندب إذا نشَّط على سير أو رغَّب في خير، كالحداء في الحج والغزو، وعلى نحو هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة." انتهى. نقلا عن "تحفة المحتاج" (10/219)
ولكن لا بد من الانتباه إلى بعض الضوابط والشروط التي تقيد ما سبق تقريره:
1- يجب أن تخلو هذه الأناشيد من أدوات العزف، فالمعازف من المحرمات، ولا يجوز استباحة سماعها وتربية الأطفال على نغماتها وألحانها.
وانظر في تحريم الموسيقى أجوبة الأرقام (5000) ، (5011) ، (43736) ، (96219)
2- ولا يجوز أن تغني الفتاة البالغة أو تنشد للأطفال بحضرة الرجال الأجانب؛ فضلا عن تسجيل ذلك وحفظه بالوسائل المعروفة حديثا، ونشره بين الناس، لأنه إن جاز للطفل استماع غناء المرأة، فلا يجوز للرجل الأجنبي استماعه، ولا يجوز للمرأة أن تتساهل في ذلك، فقد حذر الله سبحانه وتعالى أطهر النساء وأعف الزوجات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عن الخضوع في القول فقال: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) الأحزاب/32، وإذا تذكرنا أن هذا النهي عن الخضوع في القول كان في زمن خير البشر بعد الرسل والأنبياء وهم الصحابة رضوان الله عليهم، فكيف هو الحكم في زماننا الذي كثر فيه الفساد والانحراف. يقول القرطبي في تفسير هذه الآية "الجامع لأحكام القرآن" (14/177) :
" أي: لا تلن القول. أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات والمومسات. فنهاهن عن مثل هذا. قوله تعالى: (وقلن قولا معروفا) قال ابن عباس: أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمرأة تندب إذا خاطبت الاجانب وكذا المحرمات عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول، من غير رفع صوت، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام.
وعلى الجملة فالقول المعروف: هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس." انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (11563)
وبهذا يتبين خطأ ما ينتشر اليوم في بعض الفضائيات من غناء ونشيد تقوم به بعض الفتيات البالغات بزعم أنه موجه للأطفال، فإن عرض مثل ذلك على الملأ دعوة لاستماعه والفتنة بجمال الصوت واللحن، وفي ذلك خروج عن الضوابط التي سبق ذكرها، فلا يجوز لمن يعمل في هذه الجهات أن ينشر أو يبيع أو يصدر تسجيلا لفتاة بالغة تنشد وتغني – ولو كانت كلمات نشيدها صالحة طيبة -، إذ في ذلك مخالفة لما أمر الله تعالى به النساء من عدم الخضوع في القول، وأي خضوع أعظم من خضوع النشيد والغناء، وما فيه من التليين والتمطيط والترقيق كاف في التأثير في قلب كل مستمع، وغالبا ما يؤدي مثل هذا التساهل إلى تساهل أخطر، فينتقل الأمر إلى النشيد والغناء للرجال البالغين وبحضورهم!!
على أننا نشير هنا أيضا إلى أن ما ذكرناه من التخفيف في التستر على الأطفال، إنما هو في حق الطفل الصغير الذي لا يميز مفاتن المرأة، ولا ينتبه إلى ذلك منها، كما قال الله تعالى في وصفهم: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) (النور: 31) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله ـ في تفسيره (566) ـ:
" أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء " انتهى.
وقال ابن العربي رحمه الله ـ في أحكام القرآن (3/1375) :
" وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ سَتْرِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَالْآخَرُ: يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي، وَقَدْ تَشْتَهِي هِيَ أَيْضًا؛ فَإِنْ رَاهَقَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ وَلُزُومِ الْحِجْبة " انتهى.
ولن يعدم من يقوم بمثل ذلك من حجج موهومة وأعذار واهنة، فيقول بعضهم: ألم تغن الجواري في منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد؟ وقد أقرهما النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أبا بكر بالسماح لهما في الغناء؟
فالجواب أن يقال: إن الحق أحق أن يتبع، وليس في شريعتنا إلا التحذير من إظهار الفتيات البالغات مفاتنهن على الملأ، ومن ذلك الصوت الجميل المرقق، أما هذا الحديث الذي ذكرتم، فهو حديث صحيح يرويه البخاري (987) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
(دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا)
إلا أن العلماء يقولون في تفسيره إنهن جاريتان صغيرتان لم تبلغا سن البلوغ، فهما غير مكلفتين.
يقول القرطبي في "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" (8/10) :
" الجارية في النساء كالغلام في الرجال، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما " انتهى.
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1/257) :
" فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين، تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب، وكان اليوم يوم عيد.
فتوسع حزب الشيطان في ذلك: إلى صوت امرأة جميلة أجنبية، أو صبي أمرد صوته فتنة، وصورته فتنة، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور، مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، مع التصفيق والرقص، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان، فضلا عن أهل العلم والإيمان، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه، في الشجاعة ونحوها، في يوم عيد، بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق، ويدَعون المحكم الصريح لهذا المتشابه، وهذا شأن كل مبطل. نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه، وإنما نحرم ـ نحن وسائر أهل العلم والإيمان ـ السماع المخالف لذلك " انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/202) :
" صوت المرأة نفسه ليس بعورة، لا يحرم سماعه إلا إذا كان فيه تكسر في الحديث، وخضوع في القول، فيحرم منها ذلك لغير زوجها، ويحرم على الرجال سوى زوجها استماعه؛ لقوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأحزاب/32 " انتهى.
ويمكن الاستغناء عن نشيد الفتيات البالغات – إذا بقيت الحاجة لنشر النشيد على القنوات الفضائية - بنشيد الأطفال أنفسهم، ينشد بعضهم لبعض، فيؤخذ من أصواتهم الجميلة ما يقوم مقام نشيد النساء، فيتحقق المقصود وينتفي المحذور إن شاء الله تعالى.
والخلاصة أنه لا حرج على الفتاة البالغة من الغناء والنشيد للأطفال بثلاثة شروط:
1- أن تكون كلمات الغناء والنشيد كلمات مباحة أو كلمات خير وصلاح.
2- ألا يصحب ذلك شيء من أدوات العزف إلا الدفوف.
3- ألا يكون ذلك بحضرة الرجال الأجانب، ولا ينشر شيء من ذلك نشرا عاما، من خلال الفضائيات ونحوها.
ولمعرفة حد البلوغ ينظر جواب السؤال رقم (21246) ، (70425)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7274)
استعمال الجرس في المنزل والمنبه والساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يقول: إن ساعة المنبه حرام لوجود الموسيقى؛ هل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم في صحيحه (2113) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ)
وروى (2114) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ) .
قال النووي رحمه الله: وَأَمَّا الْجَرَس فَقِيلَ: سَبَب مُنَافَرَة الْمَلَائِكَة لَهُ أَنَّهُ شَبِيه بِالنَّوَاقِيسِ , أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَالِيق الْمَنْهِيّ عَنْهَا , وَقِيلَ: سَبَبه كَرَاهَة صَوْتهَا , وَتُؤَيِّدهُ رِوَايَة: مَزَامِير الشَّيْطَان. انتهى.
وسبب كراهة صوتها ما يشتمل عليه من الطرب الذي يلحقه بالمعازف المنهي عنها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وَالْحَاصِل أَنَّ الصَّوْت لَهُ جِهَتَانِ: جِهَة قُوَّة وَجِهَة طَنِين , ... وَمِنْ حَيْثُ الطَّرَب وَقَعَ التَّنْفِير عَنْهُ وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِزْمَار الشَّيْطَان. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (أخبر أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس؛ لأن مع مشي الدواب وهملجتها يكون له شيء من العزف والموسيقى، ومن المعلوم أن المعازف حرام) . انتهى. " شرح رياض الصالحين " (4/340) .
وأما ساعة المنبه ونحوه، فإذا كانت مشتملة على صوت موسيقي فهي حرام، لعموم الأدلة الدالة على تحريم المعازف، وأما مجرد الجرس العادي فلا شيء فيه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وأما ما يكون في المنبهات وشبهها فلا يدخل في النهي ... ، وكذلك ما يكون عند الأبواب يُسْتأذن به، فإن بعض الأبواب يكون عندها جرس للاستئذان؛ هذا أيضا لا بأس به، ولا يدخل في النهي، لأنه ليس معلقا على بهيمة وشبهها، ولا يحصل به الطرب الذي يكون مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.) انتهى.
شرح رياض الصالحين (4/340-341) .
وسئلت اللجنة الدائمة: ما هو الجرس المحرم؟ مع العلم بأنه يوجد أجراس كهربائية تصدر أصوات طيور، وأجراس ساعات تدق حديدة بأخرى، وغيرها من الأنواع؟
فأجابت: " الأجراس المستعملة في البيوت والمدارس ونحوها جائزة، ما لم تشتمل على محرم، كشبهها بنواقيس النصارى، أو لها صوت كالموسيقى، فإنها حينئذ تكون محرمة لذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26/284)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7275)
هل تجوز الموسيقى قياسا على أصوات العصافير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يتقول في تحليل الموسيقي كقوله لو أتينا بمسجل صوت وسجلنا أصوات العصافير ثم ركبناها أو لم نركبها ولكن بقينا نسمع صوت العصافير على مسجل الصوت!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحريم استماع الموسيقى دل عليه أدلة من الكتاب والسنة والإجماع، والمراد بالموسيقى: أصوات المعازف، من عود ومزمار وطبل وغير ذلك، إلا الدف.
وقد جاء الحديث مصرحا بتحريم: المعازف، والمزمار، والكوبة (الطبل) .
فعن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه أنه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ) .
رواه البخاري تعليقا برقم 5590، ووصله الطبراني والبيهقي، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنّة عند مصيبة) قال المنذري: رواه البزار ورواته ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (3527) .
وروى أبو داود (3685) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأما سماع صوت العصافير، فمباح، ولا يدخل في المعازف، سواء سمع مباشرة، أو على مسجل الصوت.
وهكذا من يحتج بصوت خرير الماء ونحو ذلك.
فيقال: الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، وما سكت الشرع عنه فمباح، والذي حرم استماع المعازف، ونصّ على المزمار والكوبة، لم يحرم استماع صوت العصافير، وأين هذا من هذا؟!
والواجب على المسلم أن يقبل عن الله ورسوله، وألا يضرب لكلامهما الأمثال، قال تعالى:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36.
وراجع السؤال رقم (5000) لمزيد الفائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7276)
حكم حضور العرضة الشعبية في الأعياد والأعراس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سماع الطبل والدف ومشاهدة العرضة وفيها طبل، علما أن هناك شيخا من الشيوخ يقول: إن الشيخ ابن باز أجاز سماعه، وأن ابن عثيمين حضر العرضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سماع الطبل لا يجوز؛ لأنه من جملة المعازف التي وردت الأدلة بتحريم استماعها، بل جاء النص الخاص على تحريم الطبل، فقد روى أبو داود (3685) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ وَالْغُبَيْرَاءِ وَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ ابْنُ سَلَامٍ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغُبَيْرَاءُ السُّكْرُكَةُ تُعْمَلُ مِنْ الذُّرَةِ، شَرَابٌ يَعْمَلُهُ الْحَبَشَةُ والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والكوبة هي الطبل.
ولا يستثنى من المعازف إلا الدف، وانظر السؤال رقم (29406) و (5000)
ثانيا:
العرضة إذا اشتملت على معازف، كالطبل أو المزمار، إلا الدف، فلا يجوز حضورها ولا الاستماع إليها.
وإن اشتملت على الدف، ففيها خلاف ينبني على أن مشروعية الدف في الأعياد والأعراس، هل هي للنساء خاصة، أو للنساء والرجال.
وأما رأي الشيخ ابن باز رحمه الله في هذه المسألة، فلم أقف عليه، لكن الشيخ رحمه الله يحرم استعمال الدف للرجال، في الأعراس وغيرها، كما في السؤال رقم (20406) ، وإذا كان هذا في الدف فكيف بالطبل؟!
وأما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فله كلام صريح في تحريم العرضة إذا اشتملت على طبل أو مزمار، ورخص في الدف.
فقد سئل رحمه الله: " ما حكم العرضة الشعبية التي يتخللها الزير والشعر النبطي الذي لا يخلو من الهجاء والغزل والمدح والذم، جزاكم الله خيراً؟
فأجاب: العرضة الشعبية إذا لم يكن لها سبب فإنها من العبث واللهو، وإذا كان لها سبب كأيام العيد فإنه لا بأس به، لا بأس أن يلعب الناس بالسيوف والبنادق وما أشبهها، وأن يضربوا بالدف، أما الطبل والزير، والأغاني التي تتضمن الهجاء والسب فهي محرمة، ولا يجوز للإنسان أن يحضر مثل هذه العرضات، ويجب النهي عنها ونصيحة الناس بعدم حضورها؛ لأن مجالس المنكر إذا حضرها الإنسان شاركهم في الإثم وإن لم يفعل، لقول الله تبارك وتعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140] . " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" 52 سؤال رقم 11
وانظر أيضا: لقاء الباب المفتوح" 8، سؤال رقم 39.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7277)
مزاولة التمارين الرياضية في قاعة بها موسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مزاولة التمارين الرياضية في قاعة فيها موسيقى؟ مع العلم أنني نصحت المسئولين ولم يعملوا بالنصيحة , وبدأت الآن أضع سماعات جهازmp3 أثناء التمارين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
لا يجوز استماع الموسيقى، في قاعة الرياضة أو غيرها؛ للأدلة الكثيرة في تحريم استماع آلات اللهو، وانظر جواب السؤال رقم (5000) .
ثانيا:
وجود الموسيقى في قاعة التمرين منكر يجب إنكاره، ولا يكفي في ذلك وضع سماعات في الأذن، لحجب الصوت أو الانشغال بسماع شيء آخر مباح، بل إذا لم يُجد الإنكار باللسان بقي الإنكار بالقلب، وهذا لا يتم إلا بمفارقة المنكر، والخروج من محلّه ما دام الإنسان قادرا على ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
ومما يدل على وجوب مفارقة محل المنكر: قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر. (إنكم إذا مثلهم) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية: (إنكم إذا مثلهم) أي إن الرضا بالمعصية معصية.
وقال الجصاص في "أحكام القرآن" (2/407) : " وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأن من إنكاره إظهار الكراهة إذا لم يمكنه إزالته، وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " والإنكار بالقلب فرض على كل واحد، وهو بغض المنكر وكراهيته، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان؛ لقول الله سبحانه: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام/68. انتهى نقلا عن: "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (16/142) .
والحاصل أن عليك إنكار هذا المنكر، ونصح القائمين على هذه القاعة، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فابحث عن قاعة غيرها، ولا تشارك في الإثم والمعصية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7278)
هل يجوز لها الاستماع للموسيقى أثناء التمارين الرياضية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقوم بممارسة تمارين رياضية في صالة مخصصة للنساء فقط، وقد حصل لدي الكثير من المشاكل الصحية والنفسية. ومع ممارسة الرياضة - بالإضافة إلى قراءة القرآن والأدعية - تحسنت حالتي كثيراً عن ما كنت أعانيه سابقا.
السؤال:
هل يجوز ممارسة الرياضة (أي روبت) علماً بأنهم يضعون الموسيقي لممارسة تمارين الرياضة بإيقاع معين حسب ما تقوم بتدريبنا المدربة أم ماذا أفعل؟ إنني في حيرة من أمري هذا وأنا أحب الرياضة ولا يوجد قاعة أو مدربة تقوم بتدريب بدون موسيقى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن تمارس التمارين الرياضية، إذا كان ذلك في مكان مخصص للنساء لا يطلع عليهن فيه الرجال، على أن يكون ذلك بقدر محدود، بحيث لا يشغل عن شيء واجب، فلا يؤدي إلى تضيع الصلاة، أو تأخيرها عن وقتها، أو تضيع غيرها من الواجبات.
ومن الأمور المحرمة التي قد تقترن بالألعاب الرياضية من بعض الصالات: استعمال الموسيقى وسماعها، وقد روى البخاري عن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ)
الحرَ: الزنا.
ومن الحديث يتبين حكم المعازف، وأنها حرام، واقترانها بالمحرمات الأخرى: الحرير والخمر والزنا مما يؤكد حرمتها.
ولا خلاف بين الأئمة الأربعة على حرمة المعازف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فمن فعل هذه الملاهي على وجه الديانة والتقرب فلا ريب في ضلالته وجهالته، وأما إذا فعلها على وجه التمتع والتلعب: فمذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام؛ فقد ثبت في " صحيح البخاري " وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير.
والمعازف هي الملاهي كما ذكر ذلك أهل اللغة جمع معزفة، وهي الآلة التي يعزف بها أي يصوَّت بها، ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة فى آلات اللهو نزاعاً " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (11 / 576، 577) .
وفي الموسيقى إتلاف للقلب، وإشغال للنفوس عن الحق، وإنبات للنفاق في القلب، ولا يمكن لها أن تكون مهدئة للأعصاب، ولا يمكن أن تكون علاجاً.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الموسيقى وغيرها من آلات اللهو كلها شر وبلاء، ولكنها مما يزين الشيطان التلذذ به والدعوة إليه حتى يشغل النفوس عن الحق بالباطل، وحتى يلهيها عما أحب الله إلى ما كره الله وحرم فالموسيقى والعود وسائر أنواع الملاهي كلها منكر ولا يجوز الاستماع إليها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) والحر هو: الفرج الحرام - يعني الزنا - والمعازف هي: الأغاني وآلات الطرب " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 436) .
وقال الشيخ – أيضاً -:
" أما العلاج بالموسيقى فلا أصل له بل هو من عمل السفهاء، فالموسيقى ليست بعلاج ولكنها داء، وهي من آلات الملاهي، فكلها مرض للقلوب وسبب لانحراف الأخلاق، وإنما العلاج النافع والمريح للنفوس إسماع المرضى القرآن والمواعظ المفيدة والأحاديث النافعة، أما العلاج بالموسيقى وغيرها من آلات الطرب فهو مما يعودهم الباطل ويزيدهم مرضا إلى مرضهم، ويثقل عليهم سماع القرآن والسنة والمواعظ المفيدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 429) .
وينظر – للاستزادة – جواب الأسئلة: (43736) و (5000) و (5011)
وعلى هذا فعليكِ أن تنصحي هؤلاء، وتبيني لهم تحريم سماع الموسيقى في الإسلام وأنه لا داعي لهذا المحرم، وهناك الكثير من هذه الصالات يراعون ذلك، ويمتنعون عن تشغيل الموسيقى، مما زاد إقبال الناس عليهم، فإن لم يستجيبوا - فعلى الأقل - لا يستعملونها فترة وجودكِ في الصالة، حتى لا تكوين مشاركة لهم في المعصية، وساكتة عن منكر يجب إنكاره.
فإن لم يمكن فلا بد من تركك هذه الصالة، فإما أن تبحثي عن غيرها، وإما أن تنظري حلاَّ آخر كما لو أمكن أن تشتري بعض الأجهزة، وتمارسين عليها الرياضة في البيت، فذلك خير لك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7279)
تحب الأناشيد الإسلامية وتأخذ كثيرا من وقتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت من المستمعين للأغاني بشكل مستمر لدرجة أني كنت أحفظها، لكن ولله الحمد ومن تسع سنوات ما أسمع لها، لكن طلعت مشكلة ثانية أني صرت أحب الأناشيد الإسلامية جدا وصارت تأخذ من وقتي شيئا ليس بالقليل فهل هناك من ذنب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الغناء المصحوب بالمعازف، أو المشتمل على كلمات الحب والغزل المهيج للشهوات، لا شك في تحريمه، لأدلة كثيرة، تجدينها في جواب السؤال رقم (5000) ، (20406) .
وعليه فنحمد الله تعالى أن وفقك إلى ترك استماع الأغاني، وصرف قلبك عنها.
ثانيا:
لا حرج في استماع الأناشيد الإسلامية، المشتملة على الحِكَم، والمواعظ، والترغيب في الخير، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، إذا كانت خالية من المعازف، وبأصوات لا تثير الفتنة، ولا تهيج على الحرام، مع عدم الإكثار منها.
وقد أفت اللجنة الدائمة بفتوى مفصلة في حكم الأناشيد الإسلامية، وهذا نصها:
" صدقت في حكمك بالتحريم على الأغاني بشكلها الحالي من أجل اشتمالها على كلام بذئ ساقط، واشتمالها على ما لا خير فيه، بل على ما فيه لهو وإثارة للهوى والغريزة الجنسية، وعلى مجون وتكسر يغري سامعه بالشر. وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.
ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية فيها من الحكم والمواعظ والعبر ما يثير الحماس والغيرة على الدين ويهز العواطف الإسلامية، وينفر من الشر ودواعيه، لتبعث نفس من ينشدها ومن يسمعها إلى طاعة الله وتنفر من معصيته تعالى وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه والجهاد في سبيله، لكن لا يتخذ من ذلك وردا لنفسه يلتزمه، وعادة يستمر عليها، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواعٍ تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها لردعها عنه وتنفيرها منه.
وخير من ذلك أن يتخذ لنفسه حزبا من القرآن يتلوه، ووردا من الأذكار النبوية الثابتة فإن ذلك أزكى للنفس وأطهر وأقوى في شرح الصدر وطمأنينة القلب، قال الله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر/23، وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) الرعد/28، 29.
وقد كان ديدن الصحابة وشأنهم رضي الله عنهم العناية بالكتاب والسنة حفظا ودراسة وعملا ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفر الخندق وبناء المساجد، وفي سيرهم إلى الجهاد ونحو ذلك من المناسبات، دون أن يجعلوه شعارهم، ويعيروه جل همهم وعنايتهم، لكنه مما يروحون به عن أنفسهم ويهيجون به مشاعرهم.
أما الطبل ونحوه من آلات الطرب فلا يجوز استعماله مع هذه الأناشيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك.
والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/532) .
ثالثا:
ينبغي أن تكثري من ذكر الله تعالى، ومن قراءة القرآن، وأن تجعلي لنفسك وردا يوميا، للحفظ والمراجعة، وأن تنشغلي باستماع بعض الدروس العلمية، والمحاضرات الدعوية، فهذا خير وسيلة للتقليل من سماع الأناشيد، واغتنام الوقت فيما هو نافع ومفيد.
وإن مما يؤسف له أن مَن أكثرَ من سماع الأناشيد، ثقُل عليه قراءة القرآن، بل وسماعه، وهذه مضرة لا يستهان بها، ولو لم يكن من مضرتها إلا حرمان الأجر العظيم، لكان ذلك رادعا لأهل الإيمان عن التعلق بالأناشيد وإدمان سماعها.
ومعلوم أن ساعة واحدة، ينشغل فيها المؤمن بقراءة القرآن، يكتب له فيها آلاف الحسنات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ) رواه الترمذي (2910) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والساعة تكفي لقراءة نحو عشرين صفحة من صفحات المصحف، فيها ما لا يقل عن تسعة آلاف حرف.
فكيف ينشغل الإنسان بسماع الأناشيد عن سماع كتاب الله تعالى وتلاوته!
فاجتهدي في التقليل من سماع هذه الأناشيد ما أمكن، حتى تقتصري على سماعها في العرس والعيد ونحوه، اغتناماً للأوقات، وتحصيلاً للدرجات. وستجدين عما قريب بإذن الله لذة القراءة، وأُنس الطاعة، وحلاوة الإيمان، مع كلام الرحمن.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7280)
ألا يجوز دعوة الكفار بأناشيد دينية مصحوبة بالمعازف
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يود استقطاب النصارى لدين الإسلام هل يجوز استقطابهم بأناشيد دينية مصاحبة بالموسيقى؟ وهل تجوز تكوين فرقة تطلق عليها فرقة دينية، لكون أنهم يختارون أناشيد دينية مصاحبة بالمعازف والموسيقى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
أرى أنه لا حاجة إلى الاستقطاب بهذه الصورة، بل عليه أن يُستعمل معهم المباح من إسماع القرآن بالتجويد والترتيل، وإسماع الأحاديث البليغة المؤثرة في السامع، والقصائد والأناشيد المفيدة المؤثرة في السامع، وكذا إيراد الأدلة الواضحة على محاسن الإسلام، وشرح تعاليمه وأهدافه السامية التي تبين معها أنه دين الفطرة المحتوي على كل المصالح البشرية، فمن لم يُستقطب إلا بما فيه محذور من الأغاني والمعازف والموسيقى فلا خير فيه، ولا يظن به الاستجابة والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 28.(5/7281)
حكم استئجار من تضرب على الدف من النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استقدام المطربة (الطقّاقة) لإحياء حفل الزواج مباح؟ مع وضع شروط بيننا وبينها بالالتزام بالغناء غير الفاحش، واستخدام الدف فقط، وعدم وضع سماعات خارجية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر على ما ذكر في السؤال من الالتزام بالشروط الشرعية لاستخدام الدف في حفل الزفاف فلا بأس من استقدام (الدفّافة) أو (الطقّاقة) ودفع الأجر لها على عملها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أما دفع المال للدفّافات فلا بأس به؛ لأنه على عمل مباح، وأما دفعه للطبالات فلا يجوز؛ لأنه على عمل محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) رواه ابن حبان (4938) وصححه الألباني في (غاية المرام/318) " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (1/580) . وانظر: "اللقاء الشهري" (235) .
وهنا يجب التنبه إلى أن الضرب بالدف في النكاح ودفع الأجرة على ذلك مباح في الأصل، لكن قد يقترن به من الأمور المحرمة أو المكروهة ما يجعله منهياً عنه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" الدف في الأعراس مشروع لإظهار النكاح، فإذا كان يقع بسبب ذلك مفاسد أخرى فهو ممنوع " انتهى. "مجموع الفتاوى" (10/218) .
فمن ذلك: الرقص على هذه الدفوف.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الرقص مكروه، ولاسيما إذا كان يخشى منه فتنة؛ لأنه أحيانا تكون الراقصة شابة جميلة ويثير رقصها الشهوة حتى عند النساء " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (1/580) .
وانظر سؤال رقم (5000) , (9290) .
ومن ذلك أيضاً: الإسراف في الأجرة المدفوعة.
ينبغي أن تكون الأجرة المدفوعة لهذه (الدفّافة) معقولة، بعيدة عن الإسراف، فإن الله تعالى قد نهى عن الإسراف بقوله: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141.
وقد يكون هذا الإسراف سبباً لمحق البركة من الزواج، فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً) رواه أحمد (24595) وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء": إسناده جيد.
وضعفه الهيثميي في "مجمع الزوائد" (7332) . والألباني في السلسلة الضعيفة (1117) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7282)
يحب الإسلام ولا يستطيع ترك الموسيقى الكلاسيكية!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان مؤمن بوجود الله ومهما ابتعدت عن الله فإني أعود خاضعاً له، ولكني أسمع الموسيقى الكلاسيكية وأرى أنها أفضل ما في حياتي، فهي لا تثير الشهوة، بل تساعدني على مراجعة نفسي وأخطائي، وإنني أشعر أن الإسلام دين متخلف عندما أسمع من يقولون إن جميع أنواع الموسيقى حرام.
فما هو رأيكم في إنسان يصلي ويصوم ويدعو غير المسلمين إلى الإسلام ولكنه يسمع الموسيقى الطاهرة الخالية من الخلاعة أو حتى صوت الإنسان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سعدنا بمقدمتك وما فيها من بيان إيمانك بالله تعالى، وأنك مهما ابتعدت فإنك تعود له عز وجل خاضعاً، وهذه صفة تليق بالعقلاء الذين يخضعون لعظمة ربهم تبارك وتعالى، والذين يوقنون بضعفهم وعظيم حاجتهم لله تعالى لأن يوفقهم ويهديهم ويسدد خطاهم.
ثانياً:
وآلمتنا بعض العبارات في سؤالك ما كنا نتمنى قراءتها من مثل هذا المؤمن العاقل، لكننا عندما نتأمل في كثرة الصادِّين عن طرق الخير، وكثرة المضلِّين والناشرين للفساد نجد أن مثل هذه الأمور قد تكون متوقعة، لكننا نطمئن أنها سرعان ما تزول وتضمحل.
ومما آلمنا في رسالتك سماعك للموسيقى، وقولك: إنها أفضل ما في حياتك! وأنها تساعدك على مراجعة نفسك وأخطائك! واتهامك للإسلام بالتخلف عندما تسمع تحريم الموسيقى!!
ولو تأملت مثل هذه الجمل والعبارات قبل كتابتها لما كنت تخطها بيدك، ولا تقولها بلسانك، أما وقد كتبتها وأرسلتها فلا بدَّ من الوقوف معها انطلاقاً من واجب النصيحة التي أوجبها الله تعالى علينا، ومن باب عدم كتم العلم الذي حرَّمه الشرع علينا.
1. أما الموسيقى:
فهي في شرعنا محرَّمة غير جائزة، استعمالاً لآلاتها، وسماعاً لنغماتها وأصواتها، وقد قال بالتحريم عامة أهل العلم، ومنهم أئمة الفقه الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ) رواه البخاري (5590) .
وانظر: " السلسلة الصحيحة " للألباني (91) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها.
" مجموع الفتاوى " (11 / 535) .
وقال:
ومن المعلوم أنه لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) لا في الحجاز ولا في الشام ولا في اليمن ولا في العراق ولا في مصر ولا في خراسان أحد من أهل الخير والدين يجتمع على السماع المبتدع لصلاح القلوب، ولهذا كرهه الأئمة كالإمام أحمد وغيره حتى عدَّه الشافعي من إحداث الزنادقة حين قال: خلَّفتُ ببغداد شيئاً أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن.
" مجموع الفتاوى " (10 / 77) .
وانظر جواب السؤال (5000) و (5011) .
وقال ابن القيم:
وإذا كان الزمر الذي هو أخف آلات اللهو حراماً فكيف بما هو أشد منه كالعود والطنبور واليراع، ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك، فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور.
" إغاثة اللهفان " (1 / 228) .
2. وأما قولك إنها أفضل شيء في حياتك: فهو أمرٌ يدعو للعجب، فأين أنت من القرآن؟ أين أنت من حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكيف تفضِّل كلام البشر على كلام الله تعالى؟ وكيف ترى أن آلات الطرب واللهو أفضل لنفسك وقلبك وعقلك من كلام الله تعالى وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟
واعلم – هداك الله وأنار بصيرتك – أنه لا يجتمع في قلب مؤمن قرآن الرحمن وقرآن الشيطان – وهو الغناء – وأنك لم ترَ الموسيقى والغناء أفضل شيء في حياتك إلا لأنك حرِمتَ من قرآن الرحمن، واعلم بأن الشيطان لم يزين الغناء والمعازف في قلبك وحياتك إلا بعد أن صدَّك عن كتاب الله تعالى، فيجب عليك المبادرة لإصلاح قلبك، والرجوع عما أنت عليه لتقوِّي قلبك بطاعة الرحمن وكلامه، وتذل نفسك لأحكامه تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
والمقصود: أن الغناء المحرم قرآن الشيطان، ولما أراد عدو الله أن يجمع عليه نفوس المبطلين قرَنه بما يزيِّنه من الألحان المطربة وآلات الملاهي والمعازف، وأن يكون من امرأة جميلة، أو صبي جميل، ليكون ذلك أدعى إلى قبول النفوس لقرآنه، وتعوضها به عن القرآن المجيد.
" إغاثة اللهفان " (1 / 254) .
3. وأما قولك بأن الموسيقى " تساعدك على مراجعة نفسك وأخطائك! ": فهذا من العجب أيضاً، وأين هي المراجعة وقد كتبت هذا الكلام والعبارات؟ فهل راجعت نفسك لمّا قلت: إنها أفضل شيء في حياتك؟ وإن الإسلام متخلف إن كان يحرمها؟
هل راجعت نفسك وأخطاءك بالموسيقى فصليتَ الصلاة في أوقاتها، وصمتَ التطوع، وصليت بالليل والناس نيام، ووصلتَ رحِمك، وبذلك مالك في سبيل الله، وطلبت العلم الشرعي ... الخ؟ إننا نجزم أن الموسيقى لا تساعدك على ذلك، وأن ما فعلته منه فليست الموسيقى هي السبب في وجوده.
واعلم أن التفكر في الموت، والقبر، ولقاء الله تعالى، وما أعدَّه الله للعاصين هو مما يجعل المسلم يراجع نفسه مرات ومرات، ويصوِّب حياته نحو الأفضل، ويمحو خطاياه وأخطاءه من حياته، واعلم – يقيناً – لو أن ما قلتَه له من الحقيقة نصيب لرأيتَ هؤلاء الموسيقيين والمستمعين للموسيقى أحسن الناس وأكثر الناس خلقاً، فهل الواقع كذلك؟!
4. وأما اتهامك للإسلام بالتخلف عندما تسمع تحريم الموسيقى من أحد من الناس فهو أخطر ما جئتَ به وكتبته من كلام، فأنت قرأتَ ما قاله نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعلمتَ قول العلماء كافة بمن فيهم الأئمة الأربعة، فليس لك إلا تكون طائعاً لربك تعالى، مستجيباً لأمر نبيك صلى الله عليه وسلم، سالكاً درب من قبلك من جبال الخير والعلم والطاعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فكيف لك أن تقارن بين حكم الله تعالى وحكمك؟ وكيف لك أن تهجر طريقاً سلكه خير الناس لتسلك طريقاً آخر مغايراً ليس فيهم أحد من الصالحين؟
واعلم أن دين الله ليس تبعاً لهوى أحد، وأن الله تعالى هو الذي خلق الكون والناس، ويعلم تعالى ما يُصلح حياتهم وآخرتهم، فأمرهم ونهاهم لما فيه الخير لهم في الدارين.
ثالثاً:
وسرَّنا أن تكون من الدعاة لهذا الدين، وأن تكون من المصلين الصائمين، لكننا أردنا لك الخير فما كان من نصيحة وتوجيه فهو لما فيه الخير لك، فاستمر على عبادتك ودعوتك للإسلام، وإياك من المعصية، واحذر هذه الآلات وما معها من فحش الكلام، فالغناء ينبت النفاق في القلب، ويمرضه، ولا يدل على خير ولا ينهى عن شر، بل على العكس تدعو هذه الأغنيات إلى الحب واللقاء المحرَّم، وهذه الآلات لو خلت من كلمات فإنها تمرض القلب أيضاً ولا تصلحه.
وقد جعل الله لك خيراً من ذلك وهو كتابه تعالى، فهو المتكلم به عز وجل، فاقرأه واستمع إليه من قراء وهبهم الله تعالى حسن الصوت، وسترى الفرق العظيم في حياتك وقلبك بعدها، فقد هدى الله تعالى أناساً كانوا كفاراً بسماعهم آيات القرآن الكريم، فأنت أولى أن تكون من السابقين لتلك الهداية قبل غيرك.
ولك أن تستمع إلى الأناشيد المباحة، حيث الكلام الحسن، والحكمة والموعظة، ولك أن تستأنس بما خلقه الله من أصوات الطير والموج، فهي التي تريح القلب من الأصوات التي خلقها الله، لا ما كان من آلات نهى الشرع عن استعمالها.
وقد أفاض ابن القيم رحمه الله في الكلام على الغناء في كتابه " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " فاحرص على اقتنائه وقراءته، وستجد فيه ما يسرك إن شاء الله.
وأخيراً:
وخير وصية لك هي الوصية بتقوى الله تعالى، وأن تطلب العلم من مظانه الصحيحة، وأن تكثر من قراءة القرآن وسماعه ممن يحسنون قراءته، وأن تلح على الله بالدعاء أن يصلح حالك وقلبك.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7283)
حكم الأغاني الدينية، وهل يأثم بسماع الأغاني في المحلات والحافلات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الغناء؟ وما هو حكم سماع الأغاني؟ وإذا كان محرما , فما حكم الأغاني الدينية؟
وما حكم سماع الأغاني بدون القصد (مثلا في ميكروباص أو محل) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغناء إن كان مصحوبا بآلات الموسيقى، فإنه يحرم فعله، وسماعه، سواء كان من رجل أو امرأة، ولا يستثنى من ذلك إلا الغناء المصحوب بالدف من قبل النساء، في العرس والعيد وقدوم الغائب، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم 5000، ورقم 20406 وأما الأغاني الدينية، فإن صحبتها الموسيقى، أو كانت من امرأة لرجال فهي محرمة. وتسميتها بالأغاني الدينية في هذه الحال هو من باب تسمية الشيء بغير اسمه تلبيساً وخداعاً حتى يقبله الناس، إذ كيف تكون أغانٍ دينية وقد حرمها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم؟!
وإن خلت من الموسيقى، وكانت من رجل، وبكلام نافع مفيد جازت، ولا ينبغي الإكثار من سماعها.
وقد أفتت اللجنة الدائمة بفتوى مفصلة في حكم الأناشيد الإسلامية، وهذا نصها: (صدقت في حكمك بالتحريم على الأغاني بشكلها الحالي من أجل اشتمالها على كلام بذئ ساقط، واشتمالها على ما لا خير فيه، بل على ما فيه لهو وإثارة للهوى والغريزة الجنسية، وعلى مجون وتكسر يغري سامعه بالشر. وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.
ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية فيها من الحكم والمواعظ والعبر ما يثير الحماس والغيرة على الدين ويهز العواطف الإسلامية، وينفر من الشر ودواعيه، لتبعث نفس من ينشدها ومن يسمعها إلى طاعة الله وتنفر من معصيته تعالى وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه والجهاد في سبيله، لكن لا يتخذ من ذلك وِرْداً لنفسه يلتزمه، وعادة يستمر عليها، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواعٍ تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها لردعها عنه وتنفيرها منه.
وخير من ذلك أن يتخذ لنفسه حزبا من القرآن يتلوه، وَوِرْداً من الأذكار النبوية الثابتة فإن ذلك أزكى للنفس وأطهر وأقوى في شرح الصدر وطمأنينة القلب، قال الله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر/23، وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) الرعد/28، 29.
وقد كان ديدن الصحابة وشأنهم رضي الله عنهم العناية بالكتاب والسنة حفظا ودراسة وعملاً، ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفر الخندق وبناء المساجد، وفي سيرهم إلى الجهاد ونحو ذلك من المناسبات، دون أن يجعلوه شعارهم، ويعيروه جل همهم وعنايتهم، لكنه مما يروحون به عن أنفسهم ويهيجون به مشاعرهم.
أما الطبل ونحوه من آلات الطرب فلا يجوز استعماله مع هذه الأناشيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 4/532.
وأما سماع الأغاني أو الموسيقى من غير قصد ولا إصغاء، كما لو سمعها الإنسان في محل ونحوه، فلا إثم عليه، فالمحرم هو الاستماع لا مجرد السماع، وعليه أن يبذل النصح عن المنكر.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (أما السماع دون قصد ولا إصغاء كسماع من يمشي في الطريق غناء آلات اللهو في الدكاكين أو ما يمر به من السيارات، ومن يأتيه وهو في بيته صوت الغناء من بيوت جيرانه دون أن يستهويه ذلك، فهذا مغلوب على أمره لا إثم عليه، وعليه أن ينصح وينهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة ويسعى في التخلص مما يمكنه التخلص منه وسعه، وفي حدود طاقته فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها) انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 4/389.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7284)
سماع الدف الذي في طرفه حلقات معدنية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للنساء في الأفراح سماع الدفوف التي تحتوي في أطرافها على حلقات معدنية؟ وهل يجوز للنساء سماع أناشيد الأفراح بالدف في الأوقات العادية - أقصد في غير مناسبة الفرح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال (20406) و (9290) حكم الدف، وأنه جائز للنساء دون الرجال ضرباً واستماعاً، والدف المباح هو المفتوح من جهة دون الأخرى، فإذا كان مغلقاً من جهتين أو مغلقاً من جهة مفتوحاً بفتحة ضيقة من الجهة الأخرى فإنه يلحق بالطبل، والدف المباح هو ما كان خالياً من الحلقات المعدنية – الجلاجل، وهي الصنوج: جمع صنج , وهي الحلق التي تجعل داخل الدف , والدوائر العراض التي تؤخذ من صفر وتوضع في خروق دائرة الدف -.
قال السفاريني:
فإذا كان الدف ذا صنوج فلا غرم عليك إذا (كسرته) لعدم إباحته , ومثل الصنوج الحلق والجلاجل , نص الإمام أحمد على عدم ضمانه.
وأما الدف العاري عن ذلك فيباح للنساء في غير النكاح.
" غذاء الألباب شرح منظومة الآداب " (1 / 243) .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هناك نوع من الطبول يكون مغطى من جهة، والجهة الثانية يكون معظمه مغطى إلا فتحة صغيرة، فهل يلحق هذا بالدف؟.
فأجاب:
هذا يلحق بالطبل، وربما يكون أشد؛ لأن هذا النوع يجعل الصوت يخرج من هذه الفتحة اليسيرة ويحصل له صفير وصوت أبلغ مما لو كان مختوماً كله أو مفتوحاً كله، فلا يجوز أن تستعمل هذا فيما فيه الدف، لأن الدف أهون بلا شك من هذا، هذا يعطي صوتاً رناناً وسبباً للنشوة والطرب أكثر.
" لقاءات الباب المفتوح " (السؤال رقم 1141) .
والأصل في المعازف التحريم، وقد استُثني منها الدف في مناسبات معيّنة، والدف المستثنى ما ليس فيه ما أضيف إليه من الجلاجل والحلقات المعدنية، وقد سبق حكم المعازف وآلات اللهو في جواب على السؤال رقم (5000) فلينظر.
ثانياً:
الأحاديث الواردة في ضرب الدف جاءت في ثلاث مواطن: العيد، والعرس، وقدوم الغائب وما في معناه – ويمكن مطالعة الأدلة في جواب السؤال (20406) -.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7285)
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بشأن تحريم الغناء والموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت مقالاً لأحد الكُتَّاب يتضمن إباحة الغناء والموسيقى، والرد على من يرى تحريم ذلك، ويحث على إعادة بث أصوات المغنين والمطربين الميتين، تخليداً لذكراهم، وإبقاءً للفن الذي قاموا بعمله في حياتهم، ولئلا يحرم الأحياء من الاستماع بسماع ذلك الفن ورؤيته، وقال: ليس في القرآن الكريم نص على تحريم الغناء والموسيقى. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان يستمع إلى الغناء والموسيقى، ويأمر بهما في الأعياد والمناسبات كالزواج والأفراح، ثم قال: وهناك أحاديث ضعيفة يستند إليها البعض في منع الغناء والموسيقى لا يصح أن تنسب للصادق الأمين لتغليب رأي أو منع أمر لا يوافق عليه البعض، ثم ذكر آراء لبعض العلماء في إباحة الغناء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بيان في الرد على هذا المقال، ونصه:
قال علماء اللجنة الدائمة:
" للرد على هذه الشبهات تقرر اللجنة ما يلي:
أولاً: الأمور الشرعية لا يجوز الخوض فيها إلا من علماء الشريعة المختصين المؤهلين علمياً للبحث والتحقيق، والكاتب (الذي كتب المقال) ليس من طلاب العلم الشرعي فلا يجوز له الخوض فيما ليس من اختصاصه، ولهذا وقع في كثير من الجهالات، القول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، وهذا كسب للإثم، وتضليل للقراء، كما لا يجوز لوسائل الإعلام من الصحف والمجلات وغيرها أن تفسح المجال لمن ليس من أهل العلم الشرعي أن يخوض في الأحكام الشرعية ويكتب في غير اختصاصه حماية للمسلمين في عقائدهم وأخلاقهم.
ثانياً: الميت لا ينفعه بعد موته إلا ما دل عليه دليل شرعي ومن ذلك ما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) . وأما المعاصي، التي عملها في حياته ومات وهو غير تائب منها – ومنها الأغاني – فإنه يعذب بها إلا أن يعفو الله عنه بمنه وكرمه. فلا يجوز بعثها وإحياؤها بعد موته لئلا يلحقه إثمها زيادة على إثم فعلها في حياته، لأن ضررها يتعدى إلى غيره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم (1017) .
ثالثاً: وأما قوله: (ليس في القرآن الكريم نص على تحريم الغناء) والموسيقى فهذا من جهله بالقرآن. فإن الله تعالى قال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) لقمان/6.
قال أكثر المفسرين: معنى (لَهْوَ الْحَدِيثِ) في الآية الغناء.
وقال جماعة آخرون: كل صوت من أصوات الملاهي فهو داخل في ذلك كالمزمار والربابة والعود والكمان وما أشبه ذلك، وهذا كله يصد عن سبيل الله، ويسبب الضلال والإضلال.
وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل أحد علماء الصحابة رضي الله عنهم أنه قال في تفسير الآية: إنه والله الغناء. وقال: إنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
وجاء في المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب، وأنها وسيلة إلى شرور كثيرة وعواقب وخيمة، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (إغاثة اللهفان) الكلام في حكم الأغاني وآلات اللهو.
رابعاً: قد كذب الكاتب على النبي صلى الله عليه وسلم حيث نسب إليه أنه كان يستمع إلى الغناء والموسيقى ويأمر بهما في الأعياد والمناسبات كالزواج والأفراح، فإن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص للنساء خاصة فيما بينهن بضرب الدف والإنشاد المجرد من التطريب وذكر العشق والغرام والموسيقى وآلات اللهو مما تشمل عليه الأغاني الماجنة المعروفة الآن، وإنما رخص بالإنشاد المجرد عن هذه الأوصاف القبيحة مع ضرب الدف خاصة دون الطبول وآلات المعازف لإعلان النكاح، بل صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري أنه حرم المعازف بجميع أنواعها وتوعد عليها بأشد الوعيد، كما في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ (أي جبل) يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
والمعازف: الغناء وجميع آلاته.
فذم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم من يستلون الحر وهو الزنا، ويستحلون لبس الحرير للرجال، وشرب الخمور، ويستمعون الغناء وآت اللهو. وقرن ذلك مع الزنا والخمر ولبس الرجال للحرير مما يدل على شدة تحريم الغناء وتحريم آلات اللهو.
خامساً: وأما قوله: وهناك أحاديث ضعيفة يستند إليها من منع الغناء والموسيقى ولا يصح أن تنسب للصادق الأمين لتغليب رأي أو منع أمر لا يوافق عليه البعض ـ فهذا من جهله بالسنة، فالأدلة التي تحرم الغناء بعضها في القرآن، وبعضها في صحيح البخاري، كما سبق ذكره، وبعضها في غيره من كتب السنة، وقد اعتمدها العلماء السابقون واستدلوا بها على تحريم الغناء والموسيقى.
سادساً: ما ذكره عن بعض العلماء من رأي في إباحة الغناء فإنه رأي مردود بالأدلة التي تحرم ذلك، والعبرة بما قام عليه الدليل لا بما خالفه، فكلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على هذا الكاتب أن يتوب إلى الله تعالى مما كتب، ولا يقول على الله وعلى رسوله بغير علم، فإن القول على الله بغير علم قرين الشرك في كتاب الله.
وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى بتصرف يسير.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7286)